“تطور سوريا السياسي في ظل الانتداب” لإدمون رباط: نسخة عربية
يعدّ إدمون رباط (1904 – 1991) أحد أبرز السياسيين السوريين في ثلاثينيات القرن الماضي، والمشتغلين في القانون من خلال ممارسة المحاماة والتأليف في التشريعات والحقوق، والمنظّرين في السياسة والفكر من خلال مجموعة مؤلّفات أصدرها باللغتين العربية والفرنسية.
“تطور سوريا السياسي في ظل الانتداب” عنوان النسخة العربية من كتابه الذي صدر حديثاً عن سلسلة “ترجمان” في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” بترجمة الباحث والصحافي اللبناني سليمان رياشي.
ويهدف الكتاب إلى “تبيان العمل السياسي للقوة المحتلة الفرنسية المنتدبة في سورية، والقضايا الاجتماعية والسياسية التي طرحت نفسها، وكانت تنتظر دائمًا حلًا جذريًا لها. لذا كان من الضروري معرفة النظام الاجتماعي والسياسي الذي عاشت سورية في ظله منذ قرون، والمحاولات التي قام بها قادة ما قبل الحرب العالمية الأولى من أجل تحديث الدعائم الهرمة لنظام الدولة العثمانية وفق التصورات الغربية؛ ذلك أن النظام الطائفي والمنظومة الإدارية العثمانية هما نتاج الماضي، ويعثّران في سورية صنع المستقبل”، بحسب بيان المركز.
في الفصل الأول؛ “الانتداب”، يقصر رباط عرضه على تقييم مبادئ عامة متصلة بهذه الحقبة من التاريخ السوري. فبعد انهيار السلطنة العثمانية، لم تُمنح سورية الاستقلال الذي وُعدت به مراراً إبان الحرب الأولى. كما أن عدداً من رجال السياسة السوريين، وهم خصوم معلنون للفكر الاستعماري، تصوروا نظاماً وسطاً بين الاستقلال والحماية، يسمح لبعض الدول بممارسة سلطة مطلقة إلى حدٍّ ما، على الأراضي التي كانت عثمانية. سُمي هذا النظام بالانتداب الدولي، وهو في نظر رباط ابتداع جديد في القانون الدولي.
يتناول المؤلّف في الفصل الثاني؛ “أجهزة الانتداب: المفوض السامي ومندوبوه” الأجهزة المركزية، والأجهزة المناطقية والمحلية، وهي التابعة لسلطات الانتداب الفرنسي. ويرى أن إدارة الانتداب لم تفتقر لا إلى الإرادات الطيبة ولا إلى الطاقات العديدة، “لكنها أظهرت عقمها من حيث الإصلاحات المُرضية. فجزء كبير من عملها، كالبنية التنظيمية السياسية التي أُنشئت، والحواجز والاتفاقات الجمركية التي أُقرّت، قد أخفق. وهو إذا أُضيف إلى سياسة قليلة التحرّر تجاه الحركة الوطنية السورية التي تَصْلُب أكثر فأكثر، فهو مسؤول عن الاستياء السياسي والكساد الاقتصادي”.
أما في الفصل الثالث، “استيلاد الدول”، يقول رباط إنه منذ بدء السيطرة الفرنسية، هناك قضية أشغلت العقول وألهبت الرأي العام، طرحت نفسها على المنظمين الجدد: هل كان لسورية أن تشكل دولة واحدة أم دولاً عدة؟ إنه سؤال نظري، لم يتوقعه النص الوحيد حينئذٍ، المادة 22 من الميثاق، ولا وَجَدَ له حلًا، كان الأمر يتعلق بالشكل الذي يعطى للإدارات المحلية، وللصِلات التي يجب أن تقوم في ما بينها، وبالسلطة الوطنية العليا: هل هي واحدة أم متعددة، بسيطة أم مركبة، المؤسسات مشتركة أم خصوصية حصراً؟ باختصار، قضية معرفة إن كانت سورية التاريخية والجغرافية يجب أن تشكل دولة واحدة أم دولاً عدة مستقلة ومنفصلة.
ويتحدث في الفصل الرابع، “المظهر العام للتنظيم الإداري”، عن انفصال سورية عن الدولة العثمانية وتقسيمها إلى دول مستقلة، وأنه كان يجب تزويدها بجهاز تنفيذي رفيع، لم يكن موجوداً حتى تلك اللحظة؛ رؤساء دول ووزراء في أمكنة عديدة يحلون محل السلطة العثمانية، في بلد جرى تقطيع أوصاله، حيث أن طريقة تسميتهم، وصلاحياتهم، والقيمة المعطاة لأعمالهم، تُبرز سمات مشتركة وذات مغزى.
يتناول رباط في الفصل الخامس، “الحريات العامة والعمل الإداري”، حرية المعتقد والعبادات، وحرية الرأي (التجمع والصحافة، وحرية تشكيل الجمعيات)، وحرية العمل في سورية تحت الانتداب الفرنسي. طوال القرن التاسع عشر، ظهرت قوانين وإعلانات أكدت على الملأ المساواة أمام القانون وأقرّتها لرعايا الإمبراطورية كافة، كما أقرّت الحريات الأساسية للأفراد.
ويخصَّص الفصل السادس والأخير لمناقشة “نظام القبائل البدوية”، إذ يلفت إلى أن سيئات البدو ” يجب ألا تحجب أبداً أهمية دورهم في الاقتصاد والسياسة السوريين. فلنتذكر فقط أن المصدر الرئيس للإنتاج الوطني وتربية المواشي ومشتقاتها، يتركز في أيديهم”.
يضيف رباط: “هناك فضلٌ آخر لحضور بربريّتهم الطبيعية التي جنّبت سورية كارثة. فمقاومتهم العنيدة للتداول بالعملة الورقية في ما بينهم، تلك التي أدخلها الجنرال غورو إلى البلاد والتي كلفت الساحل السوري الذي قبِلها خسائر مالية هائلة إبان كارثة هبوط الفرنك الفرنسي في عام 1926، جنّبت الداخل السوري مشكلات كبيرة”.
العربي الجديد