وثائق جميل مردم بيك تفنّد مزاعم إسرائيلية بأنه «عميل مزدوج»/ بسمة قضماني
تنشر مضمون أوراق أحد رجال الاستقلال السوري… ووصف الإنجليز له بأنه «زئبقي» ومحاولة الفرنسيين قتله
نُشر في صحف إسرائيلية الشهر الماضي، مقال للكاتب الإسرائيلي مائير زامير، زعم فيه أنه عثر على وثائق في الأرشيف الفرنسي تثبت أن رئيس الوزراء السوري في عهد الاستقلال جميل مردم بك، والمعروف كأحد أهم الشخصيات الوطنية السورية، كان في الواقع «عميلاً مزدوجاً» لبريطانيا وفرنسا، وأنه أعطى لشخص يهودي من دمشق، هو إلياهو ساسون، «معلومات مهمة عن ضعف الجيوش العربية مكّنت اليهود من الانتصار في حرب 1948».
جرى تداول المقال في مواقع إلكترونية عدة دون التحقق من صحة المعلومات الواردة. ومن يعلم كيف ينجز البحث الأكاديمي الموضوعي، يُلاحظ أن «الدلائل الدامغة» التي تحدث زامير أنه اطلع عليها وأنه سينشرها في كتابه الذي لم يصدر بعد، لم تكن مسندة بعد، وأن الأسلوب العام للمقال لا يرتقي إلى مستوى مقال عن دراسة تاريخية جادة وموضوعية.
ربما لم يخطر في بال زامير، أن جميل مردم بك من الشخصيات السياسية القليلة في الوطن العربي التي احتفظت بأوراقها كافة. ترك في منزله الأخير في القاهرة ما يزيد على عشرة آلاف وثيقة حول كل الأحداث المهمة التي مرت عليه أثناء تولّيه المناصب السياسية العليا من وزير المالية، ثم وزير الخارجية، ثم رئيس الوزراء، وأخيراً وزيراً للدفاع. احتفظ بكل ورقة شخصية أو رسمية كان من المفروض أن يودعها في مركز أرشيف حكومي في سوريا، لكن بعدما شاهد الانقلابات في بلده، قرر أن يبقيها في حوزته. وبعد وفاته حرصت العائلة على حماية هذه الأوراق على أنها ملك الشعب السوري، فأوكلتني العائلة بهذه المهمة. قمت بالعمل مع مركز أرشيف مختص من أجل تنظيمها بشكل مهني، ومن ثم ترقيمها لتشكل مجموعة محفوظات ترقى إلى مستوى الأرشيف المتوفّر في البلدان المتطورة، وسوف تصبح متاحة للمؤرخين قريباً.
تتشكل هذه المجموعة من مراسلات ومحاضر اجتماعات رسمية وخطابات ومذكرات وتقارير عن رحلات رسمية وتقارير سياسية تحليلية، كان يكتبها مردم بك بخط يده من وقت لآخر حول قضية أو حدث مهم. نجد أيضاً إيصالات مالية وتعليمات بتحويلات إلى جهات مختلفة، بينها إيصال بأمر تحويل مليون ليرة سورية إلى الصندوق الخاص لدى الجامعة العربية لمساعدة عرب فلسطين عام 1947.
تعمّد الكاتب الإسرائيلي تلويث سمعة مردم بك المعروف كشخصية وطنية عربية اشتهرت بمهارتها في العلاقات الدبلوماسية ومساهمتها الاستثنائية في الكفاح من أجل تحرير الأراضي العربية من الاستعمار، وخاض معارك سياسية ضارية من أجل استعادة الاستقلال والسيادة غير المشروطة للدولة السورية، وكذلك اتصالاته وجهوده التي بذلها بلا كلل من أجل إنقاذ فلسطين.
تشير غالبية المراسلات مع ممثلي الحكومة البريطانية إلى حرص مردم بك على إقامة علاقة قوية مع بريطانيا التي كانت في ذلك الوقت الدولة العظمى عالمياً، ومع بدء الحرب العالمية الثانية كان جيشها، يحمي منطقة الشرق الأوسط برمّتها ضد الجيش الألماني وقوى المحور النازي. أما فرنسا فكانت قد فقدت سيادتها واستسلمت لألمانيا النازية، وكان قائد المقاومة الفرنسية شارل ديغول آنذاك الذي لجأ إلى لندن، ليطلق منها المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي يعيش تحت رحمة الإنجليز، ومصيره السياسي مرتبط برضاهم عليه وحمايتهم له. كانت القوات الفرنسية المتواجدة في المنطقة موضع تصارع بين حكومة ڤيشي المتعاونة مع المحتل النازي من ناحية وبعض القوى التي اختارت المقاومة إلى جانب ديغول.
– جلاء… وشكوك
بين الملفات، مجموعة الوثائق حول العلاقات مع فرنسا منذ عشرينات القرن الماضي وحتى جلاء قواتها عام 1946. جزء كبير منها يخص المفاوضات حول المعاهدة التي تم إبرامها في 1936، والتي كان من المفروض أن تنهي الانتداب الفرنسي، لكن البرلمان الفرنسي لم يصدّق عليها، إضافة إلى ملف عن العلاقات مع بريطانيا بين الثلاثينات وحتى أواخر الأربعينات. وكانت سلمى مردم بك قد نشرت كتاباً استند إلى بعض هذه الملفات. هناك أيضاً وثائق حول علاقته بالدكتور عبد الرحمن الشهبندر الذي اتُهم بـ«العمالة لصالح البريطانيين»، بينما كان يهاجم جميل مردم بك ويحرض على المعاهدة التي توصل إليها الوفد المفاوض السوري بقيادة مردم بك مع فرنسا. لا مجال للتوسّع هنا فيما جاء في الوثائق، نكتفي بالقول، إن العداء السياسي الذي نما بين الرجلين يشكل مؤشراً آخر لتبرئة مردم بك من العمالة للبريطانيين، ويحوي الملف الرواية الكاملة حول اغتيال الشهبندر، واتهام رجال الكتلة الوطنية ومن بينهم مردم بك، ثم المحاكمة التي أدت إلى تبرئتهم بالكامل.
محاضر اللقاءات مع الفرنسيين والبريطانيين مكتوبة أو مطبوعة على ورق رسمي بعضها لرئاسة الوزراء وأخرى لوزارة الخارجية. وتكشف عن العلاقة التنافسية والمحفوفة بالشكوك بين فرنسا وبريطانيا آنذاك، وتشير إلى مباحثات حول مصالح بريطانيا في المنطقة والتي كانت المعلومات حولها متناقضة؛ إذ كان رئيس الوزراء ونستون تشرشل يصرّح بأنها تقتصر على ضمان خط مواصلات آمن بين جبل طارق والمحيط الهندي، وأن خارج ذلك يبقى العرب أحراراً في تنظيم أوضاعهم الداخلية والعلاقات فيما بينهم، بينما كان بعض أعضاء البرلمان والشخصيات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية يسعون إلى التدخل في الحياة السياسية الداخلية السورية واللبنانية خلافاً لتعليمات رئيس وزرائهم.
اتفق القادة الوطنيون على الاستعانة بالإنجليز، وعلى رأسهم مردم بك بحكم منصبه وزير خارجية ثم رئيس وزراء، من أجل التصدي للضغط الذي كانت تمارسه فرنسا آنذاك، وكان يسعى باستمرار لحشد الدعم الدولي للتخفيف من ضغوط فرنسا وإجلاء جيشها من سوريا، فهناك رسائل إلى ممثلي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والدول العربية، بعضها بتوقيع مردم بك، وأخرى مشتركة من مردم بك وقادة لبنانيين، يحتجّون فيها على سلوك فرنسا في الوقت الذي كان قد تم الاعتراف باستقلال سوريا وأصبحت عضواً في هيئة الأمم.
– «عمالة» مزعومة
أما عن «عمالة مردم بك للفرنسيين»، فإن الأدلة التي يزعم زامير أنه وجدها في الأرشيف الفرنسي في لبنان تناقضه أحداث لا مجال للتأويل حولها. بعد أن كانت فرنسا قد وعدت بالاعتراف باستقلال سوريا كدولة ذات سيادة كاملة في 1941، ثم أصبحت الجمهورية السورية (اسم الدولة آنذاك) عضواً في هيئة الأمم المتحدة، أخذت فرنسا تتراجع عن التزامها وحاولت ممارسة ضغوطات على المسؤولين السوريين من أجل إبقاء القوات العسكرية الخاصة تحت قيادة فرنسية بينما كان مردم بك – بصفته وزيراً للدفاع في 1945 – يرفضها رفضاً قاطعاً، ويتهم الفرنسيين بالسعي إلى حرمان سوريا من جيش وطني والفرض عليها أن تكتفي بمجرد قوات درك وحرس حدود، ويطالب بإنهاء الدور العسكري الفرنسي ونقل قيادة القوات الخاصة لتصبح بأمرة السوريين. وقاومت فرنسا مساعي بريطانيا التي كانت تحظى بتأييد الولايات المتحدة، لحل القضية السورية – اللبنانية كما يطمح الشعبان ودون تقديم امتيازات للفرنسيين.
كيف لمردم بك أن يكون عميلاً للفرنسيين بينما يكتب ديغول في مذكراته، أنه كان على قناعة بأن البريطانيين يتآمرون مع القادة السوريين لطرد فرنسا من سوريا؟ لقد تحول مردم بك إلى عدو لدود للفرنسيين إلى درجة أن المندوب السامي الفرنسي الجنرال بيني تحدث عن فقدان الأمل منه ومن باقي القادة الوطنيين السوريين، وضرورة التخلص منهم باستبدالهم برجال تعاونوا مع فرنسا في الماضي.
من سوء حظ مردم بك، أنه وجد هو وزملاؤه الوطنيون أنفسهم وحيدين في مواجهة النمردة الفرنسية. في محضر جلسة مع مسؤولين بريطانيين بتاريخ 14 فبراير (شباط) 1945 استنكروا الضغوط والتهديدات التي كانت تمارسها فرنسا، ووعدوا مردم بك بأن بريطانيا ستستخدم نفوذها لضمان أن تجري المفاوضات مع الفرنسيين بشكل نزيه ودون ضغوط تمارسها فرنسا، لكن سرعان ما تراجعت بريطانيا قائلة في وثيقة أخرى، إن فرنسا عادت لتصبح دولة مستقلة ذات سيادة كاملة بعد تحريرها في 1944، وإنه يصعب على بريطانيا الضغط عليها، وبالتالي على القادة السوريين أن يجدوا سبل الاتفاق معها.
لم يكن للبريطانيين رغبة في مساعدة السوريين على تحقيق الاستقلال من دون ثمن، ألا وهو التبعية لهم عن طريق ضم سوريا إلى المملكة الهاشمية، وهذا ما وصفه مردم بك بـ«النفاق والغدر البريطاني».
– رجل «زئبقي»
بدأ البريطانيون يعبّرون عن انزعاجهم من مردم بك الذي لقبوه بوزير الخارجية «الزئبقي»، ثم غضبوا منه بشكل كامل حيال ما اعتبروه موقفاً متشدداً من الفرنسيين، وكان فقدان الثقة بينه وبين الإنجليز متبادلاً. وتشير وثائق عديدة في الخارجية البريطانية إلى أن البريطانيين سعوا في مناسبات عدة إلى تجاوز مردم بك والتوجه مباشرة إلى رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.
بلغت حدة الخلاف بين القادة السوريين وفرنسا ذروتها في 1945، وأدت إلى قيام فرنسا بعدوان عسكري همجي؛ إذ قصف الطيران الفرنسي المباني الرسمية في دمشق ومنها البرلمان، واستهدف وزارة الخارجية تحديداً في محاولة لقتل مردم بك بعدما ألقى خطاباً متشدداً في البرلمان هاجم فيه الفرنسيين وهدد البريطانيين بفضح وثائق تشير إلى ضغوط مارسوها على القادة السوريين ليقبلوا بالشروط الفرنسية.
أي عميل هذا الذي يهاجم ويهدد علناً الدول العظمى، وكيف له ألا يخشى من أن يفضحوا عميلهم بدورهم؟ ولو كان مردم بك «عميلاً مزدوجاً»، فأين هي الخدمات التي قدمها إلى الفرنسيين أو البريطانيين أو الصهاينة الذين أعجبوا في البداية بدماثته ومهاراته الدبلوماسية، لكن سرعان ما غضبوا منه واعتبروه عدواً لدوداً حينما بدأ يستخدم مواهبه السياسية لمحاربة مصالحهم؟
وعن موقف مردم بك من مشروع إقامة «سوريا الكبرى» بقيادة هاشمية، تكشف أوراق مردم بك عن أنه حينما حاول السفير الأردني في دمشق عبد المنعم الرفاعي حشد دعم شعبي في سوريا للمشروع استدعاه مردم بك ليوبّخه وطلب منه إيقاف هذه البروباغاندا على الفور. وتؤكد الوثائق البريطانية هذه الرواية. فكيف يكون مردم بك متواطئاً من البريطانيين من أجل إنشاء «سوريا الكبرى» تحت الحكم الهاشمي؟
في محضر جلسة مع الجنرال سبيرز عام 1943 يؤكد مردم بك أن مصالح بريطانيا لا تتعارض مع مصالح العرب، وأن العرب يرغبون في أن تبقى بريطانيا حليفة لهم، بل الحليف الطبيعي. لكنه يضيف «لا شيء يعكّر صفو العلاقات بين الجهتين إلا فلسطين». وكان رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل قد بدأ يعبّر علناً في ذلك الوقت عن دعمه لقيام دولة يهودية وعن مشاعره المعادية للعرب.
نجد ضمن أوراق مردم بك حزمة من المراسلات الرسمية الموجهة إلى الحكومة البريطانية عن طريق السفارة السورية في لندن ورسائل إلى أعضاء في البرلمان البريطاني محسوبين من أصدقاء سوريا يناشدهم فيها الضغط على فرنسا كي تحترم ما تعهدت به للسوريين أمام بريطانيا بخصوص استقلال سوريا غير المشروط. وكان يطلب من الإنجليز أن يتواجدوا مع السوريين والفرنسيين أثناء مفاوضاتهم كي يضمنوا التزام الفرنسيين بإنهاء دورهم في قيادة القوات الخاصة ونقلها إلى قادة عسكريين سوريين.
كما تشمل الأوراق رسالة من وزير الخارجية الأميركي إلى الزعماء السوريين يؤكد فيها دعم بلاده نقل قيادة القوات العسكرية الخاصة التي تقودها فرنسا لتصبح جيشاً بقيادة سوريا.
– الوكالة اليهودية
أما عن دور جميل مردم بك في الملف الفلسطيني، فكان مثل غيره من الشخصيات الوطنية العربية يعي أن المشروع الصهيوني أصبح له دعم من الدول العظمى كافة، بل أصبح موضع توافق دولي، وأنه لن يصلح التعامل معه على أنه محض اعتداء على أرض عربية يمكن مقاومته بالسلاح وبسالة المقاتلين العرب فراحوا يبذلوا جهود دبلوماسية جبارة لمحاولة استدراك الخطر وأجروا مباحثات مكثفة في العقد ما بين 1936 و1946 مع كبار المسؤولين من الوكالة اليهودية، وكل من يستطيع التأثير فيهم من بريطانيين وأميركيين؛ سعياً لإنقاذ الأراضي العربية من المشروع الصهيوني. كان جميل مردم بك من بين هؤلاء وكان يؤمن بأنه يتوجب بذل أقصى الجهود في المجال الدبلوماسي من أجل تجنّب العرب حرباً قد تعود عليهم بنتائج كارثية.
لم يستمتع الوطنيون السوريون طويلاً بالاعتراف الدولي بسيادة الدولة السورية الفتية وقبولها عضواً في الأمم المتحدة إلا ووجدوا أنفسهم أمام خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين عام 1947، والتي رفضوها مثلما رفضتها الغالبية الساحقة من القادة والشعوب العرب، وتلتها حرب وهزيمة للعرب، ثم اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل فور إعلانها عن استقلالها عام 1948.
يشير الدكتور نيل كابلان، وهو مؤرخ كندي من جامعة مونتريال مختص في الصراع العربي – الإسرائيلي، مستنداً إلى الأرشيف الإسرائيلي في كتابه حول الدبلوماسية الفاشلة في الصراعات إلى محاولات عديدة قامت بها شخصيات أغلبها من العرب، غير الفلسطينيين، والبريطانيين للوساطة بين عرب فلسطين والصهاينة. ويذكر من بين الأسماء التي عثر عليها في الأرشيف البريطاني والإسرائيلي جميل مردم بك وعبد الرحمن الشهبندر، واللبنانيين رياض الصلح وأميل إدّة، والمصري إسماعيل صدقي والبريطاني الشهير الكولونيل لورنس، كلها محاولات لإيجاد حل مقبول بين اليهود وعرب فلسطين من خلال عشرات اللقاءات التي دوّنها مردم بك بالكامل في أوراقه الرسمية. وحول هذه المساعي الحميدة كتب إلياهو ساسون، أن مردم بك، «تحول في أعين الصهاينة من متفهّم لضرورة إيجاد حل سلمي إلى اعتباره من أشرس أعداء الصهاينة».
كتب كابلان عن جميل مردم بك، أنه «في فترة الثلاثينات سعى أحد العملاء الصهاينة إلى ابتزاز مردم بك من خلال محاولة استغلال خوفه من النفوذ اليهودي لدى الحكومة الفرنسية (حيث كان البرلمان الفرنسي يناقش المعاهدة الثنائية للمصادقة عليها)؛ وذلك من أجل كسب دعم مردم بك في كبح النشاطات المناصرة للفلسطينيين من قبل بعض الشخصيات القيادية السورية… لكن مردم بك لم يتجاوب مع هذه المحاولات، بينما تعاون زعماء لبنانيون بشكل فعال في دعم جهود الصهاينة للحد من نشاطات المفتي حج أمين الحسيني وأتباعه».
يقول بعض المراقبين العقلاء بأنه لا يجوز الحكم على مرحلة تاريخية بأعين وذهنية مرحلة أخرى، وهذا فيه شيء من الصحة. لكن عمل المؤرخ الجاد هو تحديداً البحث في مجموعات عديدة من الأرشيف لاستيعاب كل معطيات الحقبة التاريخية التي يدرسها وفهم الظرف الذي قاد شخصيات تاريخية إلى القيام بخطوات معيّنة واتخاذ قرارات بشؤون حساسة، وهذا جهد يستغرق سنوات طويلة.
يعلم الباحثون في تاريخ فلسطين أن المؤرخين الإسرائيليين قاموا بنشر كتب عديدة حول تاريخ الحركة الصهيونية وظروف إنشاء الدولة اليهودية مستندين إلى أرشيف تحفظه المؤسسات الإسرائيلية. بعضهم عمل بصدق وكشف عن خطة طرد الفلسطينيين من بلادهم بينما كانت الحكومات الإسرائيلية المتتالية تنفيها، وبعضهم تحول إلى نجوم بفضل كتاباته، لكن البعض الآخر عمل بنوايا خبيثة فالمدعى زامير معروف لدى المؤرخين المحترمين، ومنهم مؤرخ فرنسي عريق ألف مجلدات عن هذه الحقبة التاريخية ومطّلع على الأرشيف الفرنسي بأكمله، بأن زامير مؤرخ يفتقد للمصداقية، وأنه معروف بمحاولاته السابقة لتزييف المعلومات، وأنه يجيّر كل ما يطّلع عليه ليحوله إلى روايات استخباراتية وحكايات عن العمالة. وبهذا يسعى إلى إثبات السردية الإسرائيلية القائلة، إن القادة العرب، وخاصة كبار الشخصيات الوطنية، كانوا في الواقع لا يعارضون قيام الدولة اليهودية ومعنيين بمصالحهم وطموحاتهم الشخصية، وقد باعوا قضية عرب فلسطين منذ ذلك الزمن.
– باحثة أكاديمية سورية
الشرق الأوسط