كيف تُحلّل فيلمًا؟/ فراس حمية
السينما من أكثر الفنون شعبية حول العالم، وقد احتلت قلوب الناس لما أنتجته من تحف فنية إبداعية في القرن الماضي، وبسبب حالة التطور المستمر الصاعد في القرن الواحد والعشرين. لذلك من الأفضل أن لا يبقى المشاهدون مجرد متلقين سلبيين لما تعرضه الأفلام السينمائية، بل أصبح من الضروري لكل من يتابع السينما أن يكون على معرفة وثقافة بالحد الأدنى حول العناصر السينمائية والصناعة السينمائية بشكل عام.
وليس الغرض من ذلك التباهي ولكن لرفع مستوى المتعة لدى المشاهد. فالفهم لمحتوى الفيلم يجعل المشاهد يستسيغ المشاهدة، ويدرك الرموز والإشارات وكل ما خفي من أفكار أراد صناع الفيلم إيصالها. وبذلك ترتفع المشاهدة إلى مستوى أعلى من المتعة والحماسة والإثارة، خاصة حين نعرف بأن الفيلم عبارة عن دهليز يوصل إلى الأحلام، لذا كان لزامًا على المتلقي تفكيك هذا الحلم الجميل وفهمه.
هناك لغط شائع على الدوام أن الفيلم الجيد هو الفيلم الذي يحمل قصة جيدة ومثيرة. يعامل كثيرون الفيلم بناء على قصته متناسين أن الفيلم هو توليفة مرئية وصناعة بصرية وليس مجرد فعل روائي. ويذهب البعض أبعد من ذلك في البحث عن ثلاثة عناصر رئيسية فقط هي: القصة وأداء الممثلين والإخراج.
تشكّل هذه الثلاثية فعلًا المرتكز لأي عمل سينمائي ناجح، لكنها لا تكفي من أجل تحليل ومن ثم تقييم العمل السينمائي، لأن كل عنصر من هذه العناصر يتطلب معرفة خاصة. وتبعًا لذلك لا يعود في الإمكان إلقاء التحليلات والتقييمات جزافًا بحق الفيلم. ففي أي نقاش حول أي عمل سينمائي يجب لمن يطلق رأيًا ما أن يعلل هذا الرأي السلبي كان أم الإيجابي بحق الفيلم، وليس الاكتفاء فقط بإصدار الأحكام.
في هذا المقال، سنتعرف سويًا إلى بعض الإرشادات التي يجب على المشاهد التنبه لها ووضعها في الحسبان، قبل الخوض في غمار النقاش حول الأعمال السينمائية.
عليك الأخذ فى الاعتبار اسم الفيلم والإجابة على الأسئلة التالية: لماذا تم اختيار هذا الاسم دون غيره؟ وماذا عن أسماء المشاركين فى الفيلم؟ ومن هي الجهة الممولة للفيلم أو الشركة المنتجة؟ في أي سنة صدر الفيلم؟ هذا يمكن أن يعطينا معلومات حول توجه صناع الفيلم. على سبيل المثال لا الحصر، يمكن الحديث هنا عن الأفلام التي تطرح قضايا سجالية بين العرب والإسرائيليين، والكيفية التي يقوم بها طرف بصناعة الأفلام كما في أفلام ستيفن سبيلبيرغ وغيرها.
تجب الدراية في أي زمن تدور أحداث الفيلم، وكذلك الأمكنة. وأن يقع تصنيف الفيلم: هل هو فيلم دراما، مغامرات، رومانسي، كوميدي إلخ.. وإذا كان يجمع بين نوعين فما هما؟ أم أنه لا يقع تحت أي من التصنيفات المتعارف عليها؟ وأيضًا يمكن متابعة التقييم على المنصات السينمائية التي تعكس إلى حد ما رأي الجمهور والنقاد للفيلم. ويجب معرفة هل الفيلم تكملة لجزء سابق؟ أو مقتبس عن رواية؟ أو نسخة جديدة من فيلم تم إنتاجه مسبقًا؟ او فيلم ساخر من قضية ما أو من فيلم أخر؟ وهل حصل الفيلم على جوائز أو تم ترشيحه لجوائز مهمة؟
يجب أن نتساءل عن أول صوت وأول صورة عرضت فى الفيلم؟ وما هي خاتمة الفيلم والمقارنة بينهما. وأن نفكر لماذا تم إخراج الفيلم بالأبيض والأسود، على سبيل المثال لا الحصر. ما الوظيفة المتوخاة من كل ذلك أو ما الغاية التي يريد المخرج إيصالها من إستخدام مونتاج محدد وموسيقى محددة وألوان محددة! بالطبع هناك قراءة علمية للمونتاج وتقطيعاته وطبيعته، والألوان ورمزيتها والملابس ودلالاتها.
يجب دومًا تذكر سؤال “لماذا؟” لأنه حتمًا بعد البحث ستجد أجوبة شافية حول أسئلتك. فلا شيء يمر صدفة في الفيلم لذا يجب الانتباه إلى أدق التفاصيل. الأغاني والموسيقى التصويرية التي تمر في الفيلم، الكتب التي تمر في الفيلم، اللوحات المعلقة على الجدران، المنحوتات أو التماثيل أو الأبيات الشعرية أو أي أسماء أو أي رموز وإشارات ودلالات أقحمها المخرج في الفيلم لإيصال رسالة ما.
فالحكم على الأفلام عادة ما يتم على أساس أصالة الفيلم وأصالة الفرضية أو القصة. والإبداع أي الاستخدام الفعال للخيال. والتشويق حيث يبقى الجمهور في حالة توتر بانتظار الانفراج النهائي للقصة. وتسلسل الأحداث والصراعات ونقاط التحول التي تدفع القصة إلى الأمام، وفق مبدأ السبب والنتيجة، وصولًا إلى انكشاف القصة. والسرعة والهيكل والبنية أي توقيت الأحداث ومدتها وعناصر الحبكة والعقدة والحل.
ووجود شخصيات مميزة ومقنعة ومتعددة الطبقات وغير متوقعة من الناحية السلوكية والكيفية التي تتطور فيها هذه الشخصيات. لذا يجب التركيز دومًا على الشخصيات الرئيسية وأدوارها في الفيلم، ومحاولة تحليل الملامح الأساسية والجوهرية لدى هذه الشخصيات منفردة، وفي علاقاتها مع بعضها البعض وتأثيرها في مجرى الأحداث في الفيلم.
والتصوير السينمائي من كادرات ولقطات ومشاهد وزوايا وجودة التصوير. وهل الموسيقى مناسبة للفيلم وقدرتها على المساعدة في إخبار القصة. ومدى الترفيه في الفيلم، فهل يجذب انتباه المشاهدين؟ وهل هو ممتع للعين ومثير مثير للفكر؟ وهل كان الحوار شيقًا ومفيدًا وهل تم توظيف السيناريو بشكل ناجح؟
وكذلك فعالية الرسالة وقدرة صانع الفيلم على الوصول إلى الجمهور. وهل يخلق الفيلم رغبة لدى المشاهد لإجراء تغيير أو نشر الرسالة بشكل أكبر، أو اتخاذ خطوات تغيرية، أو تعديل في الأفكار، أو فتح المجال للنقاش الخاص أو العام حول حول الأخلاقيات التي طرحها الفيلم. لكن ليس بالضرورة أن تكون الرسائل الأخلاقية المبثوثة في الفيلم مقبولة من جميع المشاهدين، أو حتى منطقية لأنها رسائل تفتح المجال للنقاش حولها.
لكن دومًا هناك من يعارض الحديث عن معايير للحكم على الفيلم السينمائي ويعتبر الأمر مجرد فذلكة غير مجدية. ويرى أتباع هذا الرأي أنه إن كان الفيلم يجعل المشاهد يفكر في شيء ما بطريقة جديدة، أو يغير وجهة نظر المشاهدين، أو يحرك أحاسيس بداخل المشاهد، أو يجلب استجابة عاطفية، فإن أيًا من هذه المعايير يمكن أن تؤدي إلى تحليل الفيلم وتقييمه بنجاح. ينطلق أتباع هذا الرأي من معايير ذاتية انطباعية محض تعتمد على أذواق كل مشاهد. فمن يستهوي الأفلام السيكولوجية أو أفلام الرعب ربما لا يحبذ أفلام الحب والرومانسية، والعكس صحيح.
من خلال هذه المعرفة يمكن الولوج إلى عقل المخرج لأن الكاميرا هي بمثابة “عين المخرج” تتحرك كلما فكر المخرج، وكيفما يريد المخرج. وعبر هذه المراقبة يمكن معرفة ما الذي يريد المخرج وكاتب السيناريو التعبير عنه خاصة إزاء تحليل فيلم غامض سيكولوجي يطلب تفكيكًا للشخصيات المعقدة والمتشابكة.
وأخيرًا لا غنى عن القراءة النقدية والتحليلية حول الفيلم ومشاهدة التحليلات المختصة التي قد تثري معلوماتنا، حول الفيلم والسينما بشكل عام. فالفيلم أنتج في ثقافة معينة، في بلد محدد، ومنتجوه لديهم ثقافة محددة، وقصة الفيلم تقع ضمن علاقات إنسانية محددة، وكل ذلك نابع من خلفية ثقافية يجب الإطلاع عليها من قبل المشاهد ليتمكن من تفكيك بعض الإسقاطات الثقافية الخاصة في الفيلم.
الترا صوت