نســـــــاء/ إدواردو غاليانو
إيزيس
مثل أوزيريس، تعلمت إيزيس في مصر أسرار الولادة المتواصلة.
نحن نعرف صورتها: هذه الربة الأم تُرضع ابنها حوروس، مثلما أرضعت مريم العذراء يسوع. ولكن يمكن لنا القول إن إيزيس لم تكن عذراء جداً قطّ. فقد مارست الحب مع أوزيريس مذ كانا يتشكلان معاً، في بطن أمهما، وعندما كبرت، مارست طوال عشر سنوات، في مدينة صور، أقدم مهنة في العالم.
وفي آلاف السنوات التالية، جابت إيزيس أماكن كثيرة من العالم، منهمكة في بعث العاهرات، والعبيد، والنساء الملعونات.
في روما أسست معابد في حي الفقراء، وعلى ضفاف المواخير. وقد دُمرت تلك المعابد بأمر إمبراطوري، وجرى صلب كاهناتها؛ ولكن أولئك البغلات العنيدات رجعن إلى الحياة مرة بعد أخرى.
وعندما دمر جنود الإمبراطور جوستينيان هيكل إيزيس في جزيرة فيلاي، في النيل، وأقاموا فوق الأنقاض كنيسة سمعان الكاثوليكية، واصل حجاج إيزيس الذهاب لتكريم ربتهم الخاطئة أمام مذبح مسيحي.
حتسبشوت
ألقها وهيئتها كانا إلهيين، أميرة حسناء ومزهرة.
هكذا وُصفت بتواضع ابنة تُحتمس الكبير. فحتسبشوت التي احتلت عرشه، المحاربة ابنة المحارب، قررت أن تُسمى ملكاً وليس ملكة. لأن الملكات، نساء الملوك، يوجد منهن أخريات، أما حتسبشوت ففريدة، ابنة الشمس، أعلى الآمرين، الحقيقية.
وهذه الفرعون ذات النهدين استخدمت خوذة رجل وملابسه، ولحية مصطنعة، ومنحت مصر عشرين عاماً من الازدهار والمجد.
ابن الأخ الصغير الذي ربته هي نفسها، والذي تعلم منها فنون الحرب والحكم الجيد، قتل ذكراها. هو من أمر بأن تمحى آثار مستغلة السلطة الذكرية تلك من الرسوم ومن الآثار، وأن تحطم التماثيل التي كانت قد أقامتها لمجدها.
ولكن بعض التماثيل وبعض الكتابات نجت من حملة التطهير، وبفضل انعدام الكفاءة ذاك، صرنا نعرف بوجود الفرعونة التي تنكرت كرجل، الفانية التي لم تشأ الموت، والتي أعلنت: صقري يحلق نحو الأبدية، أبعد من رايات المملكة…
بعد ثلاثة آلاف وأربعمئة عام من ذلك، عُثر على قبرها. وكان فارغاً. يقال إنها كانت في مكان آخر.
قتلة الأقدام
قبل حوالي قرنين اخترع لي يو شين صيناً معكوسة. ففي روايته «أزهار في المرآة»، هنالك بلاد للنساء، هن من يحكمن فيها.
وفي التخييل الروائي، هن كن هم: وهم كانوا هن. الرجال المحكوم عليهم بأن يمتعوا النساء كانوا يتعرضون لأشد أصناف العبودية تنوعاً. وبين أعمال الإذلال الكثيرة، كان عليهم أن يتقبلوا إخضاع أقدامهم للضمور.
لم يأخذ أحد على محمل الجد ذلك الاحتمال المحال. وظل الرجال هم من يكبسون أقدام النساء حتى تحويلها إلى ما يشبه قوائم عنزة.
خلال أكثر من ألف عام، وحتى وقت متقدم من القرن العشرين، كانت قواعد الجمال تحظر نمو القدم الأنثوية. وفي الصين كُتبت، في القرن التاسع، النسخة الأولى من سندريلا، حيث اتخذ الهوس الذكوري بالقدم الأنثوية الدقيقة شكلاً أدبياً، وفي ذلك الزمن نفسه، بزيادة عامٍ أو نقصان عام، فُرضت عادة تضميد أقدام البنات منذ الطفولة.
ولم يكن ذلك استجابة لمثالية جمالية فقط. فالقدم المربوطة تربط صاحبتها. لقد كانت رمزاً للعفة. فمنع النساء من التحرك بحرية، يحول دون خروج غير محتشم قد يعرض شرف الأسرة للخطر.
سلاح خطر
في أكثر من ثلاثين بلداً تقضي التقاليد بتر البظر.
ذلك البتر يؤكد حق تملك الذكر لامرأته أو لنسائه.
الباترون يُسمون هذه العملية المضادة للذة الأنثوية تطهيراً، ويشرحون أن البظر:
هو زُبانى مسمومة، ذيل عقرب،
وهو عش نمل أبيض،
يميت الرجل أو يصيبه بالمرض،
يهيج النساء،
يسمم حليبهن
يجعلهن لا يرتوين
ومجنونات لا علاج لهن.
ومن أجل تسويغ البتر، يستشهدون بالنبي محمد، مع أنه لم يتكلم قط في هذا الموضوع، وبالقرآن الذي لم يأت على ذكره كذلك.
مكسيكيات
تلازولتيوتل، القمر المكسيكي، ربة الليل الهواستيكية، استطاعت أن تصنع لنفسها مكاناً صغيراً في بلاط الأزتيك الذكوري.
كانت هي الأم الكبرى التي تحمي النفساوات والولادات وتوجه رحلة البذور نحو النباتات. هي ربة الحب، وربة الزبالة كذلك، محكوم عليها أن تأكل البراز، وهي من تجسد الخصوبة والشبق.
ومثل حواء، ومثل باندورا، كانت تلازولتيوتل المذنبة في التسبب بضياع الرجال؛ والنساء اللواتي يولدن في يومها يعشن محكومات بالمتعة.
وعندما تهتز الأرض، في هزة خفيفة أو زلزال مدمر، لم يكن هناك من يخامره الشك:
ــ إنها هي.
مصريات
هيرودوت، الآتي من اليونان، تأكد من أن نهر مصر وسماءها لا يشبهان أي نهر آخر أو أية سماء أخرى، والأمر نفسه ينطبق على العادات. أناس غريبون أولئك المصريون: يعجنون الدقيق بأقدامهم والطين بأيديهم، ويُحنطون قططهم الميتة ويحفظونها في مقصورات مقدسة.
ولكن أكثر ما كان يلفت الانتباه هو المكان الذي تحتله النساء بين الرجال. فهن، سواء أكن نبيلات أو عاميات، يتزوجن بحرية ودون أن يتخلين عن أسمائهن أو ممتلكاتهن. فالتعليم، والملكية، والعمل، والإرث هي حقوق لهن وليست للذكور فقط، وهن من يأتين بالمشتريات من السوق بينما يقومون هم بالحياكة في البيت. وحسب قول هيرودوت، وقد كان يختلق الكثير، هن يتبولن واقفات، وهم يبولون جاثين على ركبهم.
عبرانيات
حسب ما جاء في العهد القديم، ستواصل بنات حواء معاناة العقاب الإلهي.
يمكن أن ترجم الزانيات حتى الموت، وكذلك المشعوذات والنساء اللاتي لا يصلن عذراوات إلى الزواج.
وتمضي إلى المحرقة اللاتي يتعهرن وهن بنات كهنة.
وتأمر الشريعة الإلهية بقطع يد المرأة التي تشد الرجل من خصيتيه، حتى لو فعلت ذلك دفاعاً عن النفس أو دفاعاً عن الزوج.
وتبقى دنسة لأربعين يوماً المرأة التي تنجب ابناً ذكراً. ويستمر دنسها ثمانين يوماً إذا كان المولود أنثى.
ودنسة المرأة الحائض، لسبعة أيام بلياليها، وتنقل دنسها لكل من يلمسها أو يلمس المقعد الذي تجلس عليه أو الفراش الذي تنام فيه.
هنديات
ميترا، أم الشمس والماء وكل مصادر الحياة، كانت إلهة منذ مولدها. وعندما وصلت إلى الهند، آتية من بابل أو من فارس، كان على الإلهة أن تصير إلهاً.
لقد انقضت سنوات منذ وصول ميترا، ومازالت النساء غير مرحب بهن كثيراً في الهند. هناك نساء أقل من الرجال. في بعض المناطق هناك ثماني نساء مقابل كل عشرة رجال. كثيرات هن اللواتي لا يُكملن الرحلة، لأنهن يمتن في بطون الأمهات، وكثيرات أخريات يُخنقن عند الولادة.
الوقاية خير من العلاج، وهنالك كثيرات منهن خطرات، مثلما يحذر أحد الكتب المقدسة في التراث الهندوسي:
ــ امرأة شهوانية هي السم، إنها الأفعى والموت، الكل في واحدة.
وهناك أيضاً فاضلات، وإن كانت العادات الحميدة آخذة بالضياع. فالتقاليد تأمر بأن تُلقى الأرامل إلى المحرقة التي يُحرق فيها الزوج الميت، ولكن لم يبق إلا قليلات مستعدات لتنفيذ هذا الأمر، هذا إذا بقيت واحدة منهن.
طوال قرون أو ألفيات كن موجودات، وبكثرة. وبالمقابل لا تُعرف، ولم تعرف قط، على امتداد تاريخ الهند، حالة رجل واحد شُوي على محرقة امرأته المتوفاة.
صينيات
منذ حوالي ألف عام تخلت الربات الصينيات عن كونهن ربات.
فالسلطة الذكرية التي فرضت نفسها على الأرض، راحت ترتب أيضاً أمور السموات. الربة «شي هي» قُسمت إلى ربتين، والربة «نو غوا» أُنزلت مكانتها إلى امرأة.
كانت «شي هي» أم الشموس والأقمار. هي من تمنح السلوى والغذاء لأبنائها وبناتها في نهاية رحلتهم المنهكة عبر النهار والليل. وعندما قُسمت إلى «شي» و«هي»، وكلاهما إلهان ذكران، لم تعد هي هي، واختفت.
«نو غوا» لم تختف، ولكنها اختُزلت إلى مجرد امرأة.
وقد كانت في أزمنة أخرى مؤسسة كل ما هو حي:
لقد قطعت قوائم السلحفاة الكونية الكبرى كي يكون للعالم والسماء أعمدة تستند إليها.
وقد أنقذت العالم من كوارث النار والماء.
واخترعت الحب، وهي مستلقية إلى جانب أخيها وراء مروحة عالية من الأعشاب.
وقد خلقت النبلاء والعامة، بعجن من هم في الأعلى من صلصال أصفر ومن هم في الأسفل بطين من النهر.
رومانيات
أوضح شيسرون أنه على النساء أن يخضعن لحراس ذكور بسبب ضعف ذكائهن.
الرومانيات كن ينتقلن من يدي ذكر إلى يدي ذكر آخر. الأب الذي يزوج ابنته يمكنه التنازل عنها للزوج كملكية خاصة أو تسليمها إليه كدَين. والأهم على أي حال هي الدوطة، الثروة، الإرث: أما المتعة فتوفرها الجواري.
الأطباء الرومان كانوا يعتقدون، مثل أرسطو، أن النساء جميعهن، المواطنات، والعامة، والمستعبدات، لهن أسنان أقل وأدمغة أصغر من الرجال وأنهن في أيام الحيض يلطخن المرايا بغشاوة ضاربة إلى الحمرة.
بيلينيو العجوز، أعلى سلطة علمية في الإمبراطورية، أثبت أن المرأة الحائض تُحّمِّض النبيذ الجديد، وتجدب المحاصيل، وتنشف البذور والثمار، وتُميت تطعيم النباتات وأسراب النحل، وتُصدئ البرونز، وتُصيب الكلاب بالجنون.
إغريقيات
من وجع الرأس يمكن أن تولد ربة. فأثينا انبثقت من وجع رأس أبيها زيوس الذي انفتح كي تولد. لقد ولدت دون أم.
وسرعان ما صار صوتها حاسماً في محكمة الآلهة، عندما كان على الأولمب أن ينطق بحكم صعب.
ولكي تنتقم لأبيها، قطعت إلكترا وأخوها أورستيس نحر أمها بضربة فأس.
الغضبات تتهم. تطالب بأن يُرجم القاتلان حتى الموت، لأن حياة الملكة مقدسة ومن يقتل أمه لا مغفرة له.
تولى أبولو الدفاع. أكد أن المتهمين كانا ابني أم غير محترمة وأنه ليس للأمومة أية أهمية. فالأم، أكد أبولو، ليست إلا الثلم الخامد الذي يلقي فيه الرجل بذرته.
ومن آلهة المحلفين الثلاثة عشر، صوت ستة بالإدانة، وستة بالبراءة.
أثينا من عليها أن تحسم التعادل. وقد صوتت ضد الأم، هي التي بلا أم، ومنحت حياة أبدية لسلطة الذكر في أثينا.
أمازونيات
الأمازونيات، النساء المرهوبات، قاتلن ضد هرقل، عندما كان هراقيل، وضد آخيل في حرب طروادة. كن يكرهن الرجال، ويقطعن ثديهن الأيمن كي تكون سهامهن أدق إصابة.
النهر العظيم الذي يخترق أميركا من جانب إلى آخر، يسمى أمازون بفضل ونعمة من الفاتح الإسباني فرانثيسكو دي أورييَّانا.
كان هو أول أوروبي أبحر فيه، من أعماق الأرض الداخلية حتى المناطق الخارجية في البحر. رجع إلى إسبانيا وقد فقد عيناً، وروى أن سفنه الشراعية قد خُرقت بسهام نساء محاربات، يقاتلن عاريات، يزمجرن كالضواري، وعندما يشعرن بالجوع للحب يخطفن رجالاً، يتقبلنهم في الليل ويخنقنهم عند الفجر.
وكي يضفي سمعة إغريقية على قصته، قال أورييَّانا إنهن أولئك الأمازونيات اللواتي كن يعبدن الربة ديانا، وباسمهن عمّد النهر الذي توجد عنده مملكتهن.
مضت القرون. ولم يُعرف عن الأمازونيات أي شيء قطّ. ولكن النهر مازال يسمى بهذا الاسم، حتى وإن كانت تسممه كل يوم المبيدات والأسمدة الكيماوية، وزئبق المناجم وبترول السفن، ما زالت مياهه هي الأغنى في العالم بالأسماك والطيور والحكايات.
أسباسيا
في أزمنة بيركليس، كانت أسباسيا أشهر امرأة في أثينا.
وهو ما يمكن أن يقال أيضاً بطريقة أخرى: في أزمنة أسباسيا كان بيركليس هو أشهر رجل في أثينا.
أعداؤها لم يغفروا لها كونها امرأة وأجنبية، ولكي يضيفوا إليها عيوباً أخرى نسبوا إليها ماضياً لا يجوز البوح به، وقالوا إن مدرسة الخطابة التي تديرها، هي مكان لتربية فتيات سهلات المنال.
اتهموها بازدراء الآلهة، وهي إهانة يمكن أن يكون ثمنها الموت. وأمام محكمة من ألف وخمسمئة رجل، دافع بيركليس عنها. وقد بُرئت أسباسيا، على الرغم من أن بيركليس، في خطبته التي استـمرت ثلاث سـاعات، نسـي أن يقول إنها لا تزدري الآلهة ولكنها تعتقد أن الآلهة يزدروننا ويدمرون سعاداتنا البشرية سريعة الزوال.
في تلك الأثناء كان بيركليس قد طرد زوجته من فراشه وبيته، ليعيش مع أسباسيا. ولكي يدافع عن حقوق الابن الذي أنجبه منها، خرق قانوناً كان هو نفسه قد أملاه.
ومن أجل الاستماع إلى أسباسيا، كان سقراط يقطع دروسه. وكان أناكساغورس يستشهد بآرائها.
ــ أي فن أو سلطة تمتلكها هذه المرأة، لتسيطر على ألمع السياسيين وتلهم الفلاسفة؟ ــ كان بلوتاركوس يتساءل.
سافو
قليل ما هو معروف عن سافو.
يقال إنها ولدت منذ ألفين وستمئة سنة، في جزيرة ليسبوس التي اشتُقت منها تسمية lesbianas (سحاقيات).
يقولون إنها كانت متزوجة، وكان لها ابن، وإنها ألقت بنفسها إلى هاوية لأن بحاراً لم يعرها اهتماماً، ويقولون كذلك إنها كانت ضئيلة وقبيحة.
من يدري. فنحن الذكور لا يروقنا كثيراً هذا الكلام عن امرأة تفضل امرأة أخرى بدل أن تستسلم لمفاتننا التي لا تُقاوم.
في العام 1703 أمرت الكنيسة الكاثوليكية، معقل السلطة الذكورية، بإحراق كتب سافو كلها.
بعض القصائد، وهي قليلة جداً، نجت.
كليوباترا
كانت وصيفاتها يحممنها بحليب الأتان والعسل.
وبعد دهنها بعصارة الياسمين والزنبق وزهر العسل، يمددن جسدها العاري على وسائد من الحرير محشوة بالريش.
على جفنيها المغمضين توضع شرائح رقيقة من الصَّبر. وعلى الوجه والعنق لزقات من مرارة الجاموس، وبيض النعام وشمع النحل.
وعندما تستيقظ من قيلولتها، يكون القمر في السماء.
تضمخ الوصيفات يديها بالورد ويعطرن قدميها بأكسير لوز وزهر برتقال. إبطاها يعبقان بأريج الليمون والقرفة، وتمور الصحراء تمنح شذى لشعرها اللامع بزيت الجوز.
ثم يأتي دور المكياج. مسحوق جداجد يلون خديها وشفتيها. الكحل يرسم حاجبيها. ويلون اللازورد والدهنج قناع ظلال زرقاء وأخرى خضراء حول عينيها.
وفي قصرها في الإسكندرية، تدخل كليوباترا ليلتها الأخيرة.
الفرعونة الأخيرة،
من لم تكن باهرة الجمال كما يقولون،
من كانت ملكة أفضل مما يقال عنها،
من كانت تتكلم عدة لغات وتفهم في الاقتصاد وشؤون ذكورية أخرى،
من بهرت روما،
من تحدت روما،
من تقاسمت الفراش والسلطة مع يوليوس قيصر وماركو أنطونيو،
ترتدي الآن أشد ملابسها إبهاراً وتجلس ببطء على عرشها، بينما القوات الرومانية تتقدم ضدها.
يوليوس قيصر قد مات، وماركو أنطونيو مات.
الدفاعات المصرية تتهاوى.
كيلوباترا تأمر بفتح سلة القش.
ترن ذات الأجراس.
تنسل الأفعى.
وتفتح ملكة النيل رداءها وتقدم لها نهديها العاريين، اللامعين بمسحوق الذهب.
مريمان
في الأناجيل لا تظهر مريم إلا قليلاً.
ولم تولها الكنيسة اهتماماً كبيراً أيضاً إلى ما قبل نحو ألف عام. وعندئذ كُرست أمُ يسوع أماً للبشرية ورمزاً للطهارة والإيمان. ففي القرن الحادي عشر، بينما كانت الكنيسة تخترع المطهر والاعتراف الإجباري، ظهرت في فرنسا ثمانون كنيسة وكاتدرائية تكريماً لمريم.
الشهرة أتت من العذرية. فمريم التي غذَّاها الملائكة، وحبلت من خلال حمامة، لم تمسسها يد رجل قط. وزوجها القديس يوسف كان يحييها من بعيد. وقد صارت أكثر قداسة منذ العام 1854، عندما كشـف البابا بيو التاسع، المعصوم، أنه قد حُبل بمريم دون خطيئة، وهذا يعني عند ترجمته بأن أم العذراء كانت عذراء أيضاً.
مريم هي اليوم الإلوهية الأوسع تأليهاً ومعجزات في العالم. حواء أدانت النساء. ومريم افتدتهن. وبفضلها صار بإمكان الخاطئات، بنات حواء، نيل فرصة الندم والتوبة.
وهذا ما حدث لمريم الثانية التي تظهر في الرسوم الدينية أسفل الصليب المقدس، إلى جانب الطاهرة.
وحسب الرواية التقليدية، فإن مريم الأخرى هذه، مريم المجدلية، كانت بغياً وتحولت إلى قديسة.
المؤمنون يذلونها بالصفح عنها.
انبعاث مريم
مريم ولدت من جديد في تشياباس، بالمكسيك.
بشر بها هندي من قرية سيموخوفيل، كان ابن عم لها، وناسك ليس قريباً لها يعيش داخل شجرة في تشامولا.
وفي قرية سانتا مارتا شولوتيبيك، كانت دومينيكا لوبيث تجني محصول الذرة عندما رأتها. فطلبت منها أم يسوع أن تبني لها صومعة، لأنها متعبة من النوم في البرية. استجابت لها دومينيكا. ولكن المطران جاء بعد أيام واقتاد دومينيكا ومريم وجميع الحجاج سجناء.
عندئذ هربت مريم من السجن، وأتت إلى قرية كانكوك وتكلمت بفم طفلة تدعى مريم أيضاً.
هنود المايا التزيلتاليين لم ينسوا ما قالته. لقد تكلمت بلغتهم، وبصوت مبحوح أمرت:
ألا تنكر النساء شهوة أجسادهن، لأن ذلك يُسعدها.
وأن تعود النساء الراغبات إلى الزواج من أزواج آخرين، لأن الزيجات التي عقدها لهن الكهنة الإسبان لم تكن جيدة.
وأنه قد اكتملت نبوءة هز النير واسترداد الأرض والحرية، وأنه لم تعد هناك ضرائب، ولا ملك، ولا مطران، ولا عمدة أعلى.
استمع مجلس المسنين إليها وأطاعها. وفي العام 1712، انتفضت اثنتان وثلاثون قرية هندية بالسلاح.
هيباتيا
ــ إنها تمضي مع أي كان ــ كانوا يقولون لتلويث حريتها.
ــ لا تبدو امرأة ــ كانوا يقولون راغبين في امتداح ذكائها.
ولكن العديد من الأساتذة، والقضاة، والفلاسفة، والسياسيين كانوا يأتون من بعيد إلى مدرسة الإسكندرية ليستمعوا إلى كلماتها.
كانت هيباتيا تدرس الأحجيات التي تحدت إقليدس وأرخميدس، وتتكلم ضد الإيمان الأعمى، وتستنكر الحب الإلهي والحب البشري. وكانت تعلّم على الشك وعلى السؤال. وتنصح:
ــ دافع عن حقك في التفكير. فأن تفكر وتخطئ خير من ألا تفكر.
ما الذي تفعله هذه المرأة بإملاء الوعظ في مدينة مسيحيين كثر؟
أسموها ساحرة ومشعوذة، وهددوها بالموت.
وفي يوم من أيام منتصف آذار عام 415 انقض عليها الحشد. سُحبت من عربتها وعُريت وسُحلت في الشوارع وضُربت وطُعنت بالسكاكين. وفي الميدان العام، حملت المحرقة ما تبقى منها.
ــ سيُبحث الأمر ــ قال حاكم الإسكندرية.
تيودورا
كانت رافينا تدين بالولاء للإمبراطور جوستنيان والإمبراطورة تيودورا، بالرغم من أن الألسنة المشحوذة في المدينة كانت تستمتع باستذكار ماضي هذه المرأة المضطرب، ورقصها في بؤر الفساد في القسطنطينية، والبجعات تنقر بذور الشعير عن جسدها العاري، وتأوهات لذتها، وزمجرات الجمهور…
ولكن خطايا أخرى هي التي لم تكن مدينة رافينا المتزمتة قادرة على غفرانها لها. وقد ارتكبتها بعد تتويجها. فبسبب تيودورا، كانت الإمبراطورية المسيحية البيزنطية أول مكان في العالم اعتبر فيه الإجهاض حقاً.
ولم يكن الموت هو الحكم على الزنا.
وكان للنساء الحق بالوراثة.
وكانت تتوافر الحماية للأرامل وللأبناء غير الشرعيين.
وطلاق المرأة لم يكن مأثرة مستحيلة.
ولم يعد محظوراً زواج نبلاء مسيحيين من نساء طبقات أدنى أو ديانة مختلفة.
بعد ألف وخمسمئة عام من ذلك، صار رسم تيودورا في كنيسة سان فيتال هو أشهر لوحة فسيفساء في العالم.
هذا العمل البارع من الأحجار الصغيرة هو، أيضاً، رمز المدينة التي كانت تكرهها وصارت تعيش اليوم على سمعتها.
أوراكا
كانت أول ملكة على إسبانيا.
حكمت أوراكا سبعة عشر عاماً، لكن التاريخ الكنسي يقول إنها لم تكن أكثر من أربعة أعوام.
تطلقت من الرجل الذي فرضوه عليها، بعد أن ملت الإساءات والركلات، ولفظته من الفراش والقصر؛ ولكن التاريخ الكنسي يقول إنه هو من مقتها.
ولكي تعرف الكنيسة من الذي يحكم وتتعلم احترام التاج الأنثوي، حبست الملكة أوراكا أسقف سنتياغو دي كومبوستيلا في السجن وصادرت قلاعه، وهو أمر لم يُعرف له مثيل في تلك البلاد شديدة المسيحية؛ ولكن التاريخ الكنسي يقول إن ذلك كله لم يكن أكثر من فرقعة نزوة نسائية، تفقد رشدها بسرعة، وذهنها موبوء بطاعون سام.
كانت لها غراميات، وعلاقات حب عابرة، وعشاق، وقد احتفت بذلك كله بسعادة؛ ولكن التاريخ الكنسي يقول إنه كان سلوكاً من المخجل التحدث فيه.
عائشة
بعد ستة قرون من موت يسوع، مات محمد.
ومؤسس الإسلام الذي أباح له الله أن تكون له اثنتا عشرة زوجة، معظمهن في آن واحد، خلف بعد موته تسع أرامل. وبحظر من الله، لم تعد أي واحدة منهن إلى الزواج.
كانت عائشة، أصغرهن، هي الزوجة المفضلة.
بعد بعض الوقت، قادت هي نفسها تمرداً مسلحاً ضد حكم الخليفة علي.
في زمننا الحالي تحظر مساجد كثيرة دخول النساء إليها، أما في ذلك الزمان فكانت المساجد هي الأمكنة التي تلقي فيها عائشة خطبها التحريضية التي أججت نيران الغضب الشعبي. وبعد ذلك، وهي على جملها، هاجمت مدينة البصرة. وقد خلفت المعركة الطويلة خمسة عشر ألف شهيد.
هذه المعركة الدامية كانت فاتحة العداء بين السنة والشيعة الذي مازال يحصد الضحايا. وأصدر بعض رجال الدين حكمهم القاطع بأن ذلك هو الدليل غير القابل للدحض بأن النساء يتسببن في كوارث عندما يهربن من المطبخ.
سُكينة
في بعض البلدان الإسلامية، الحجاب سجن متنقل للنساء، وفيه يمشين.
ولكن نساء النبي محمد لم يكن يغطين وجوههن، والقرآن لا يتحدث عن الحجاب، وإن كان ينصح بأن تغطي النساء شعورهن بملاءة خارج البيت. الراهبات الكاثوليكيات اللواتي لا ينصعن للقرآن، يغطين شعورهن، ونساء كثيرات غير مسلمات يستخدمن طرحة أو منديلاً للرأس، ويفعلن ذلك في أماكن مختلفة من العالم.
ولكن غطاء الرأس شيء، وشيء آخر البرقع الذي يجبر المرأة، بأمر من الرجال، على إخفاء وجهها.
إحدى أشد المعاديات لتغطية الوجه كانت سكينة، حفيدة محمد، وهي لم ترفض استخدامه فقط، وإنما استنكرته صارخة.
سكينة تزوجت خمس مرات، وفي عقود زواجها الخمسة رفضت أن تكون العصمة للزوج.
نساء ضد الوباء
في روسيا، كان الوباء يتقدم مبيداً البهائم والبشر، لأن الأرض غاضبة. فالرجال نسوا أن يقدموا إليها قرابين شكرهم في موسم الحصاد الأخير، أو أنهم ألحقوا الأذى بغرسهم فيها رصاصاً أو عصياً وهي حبلى ونائمة تحت الثلج.
عندئذ تقوم النساء بطقوسهن الآتية من ظلام الأزمنة. فالأرض، أصل ومصير كل حي على الأرض، تستقبل بناتها، الولادات مثلها؛ ولا يتجرأ أي رجل على دس أنفه.
تربط امرأة نفسها إلى المحراث، مثل جاموسة، وتبدأ بشق الثلم، وتمضي الأخريات خلفها، ناثرات البذور. جميعهن يمضين عاريات، حافيات، ومفلتات الشعور. يمشين وهن يقرعن قدورهن ومقاليهن ويضحكن مقهقهات، باعثات الخوف في الخوف، والبرد، والوباء.
سيدتنا شفيعة المستحيلات
لأنها آمنت بالسلام، سُميت سيدتنا شفيعة المستحيلات.
القديسة ريتا حققت معجزة السلام في أزمنة الحروب.
حروب جيران.
حروب عائلات.
حروب ممالك.
حروب آلهة.
وحققت فوق ذلك معجزات أخرى. والمعجزة الأخيرة وهي تحتضر. طلبت ريتا أن ينضج التين، مع أن الوقت كان أوج الشتاء، وأن تتفتح أزهار نبتة الورد تحت الثلج، وهكذا استطاعت أن تموت ومذاق التين في فمها وهي تستنشق شذى الورود حديثة التفتح، وقُرعت النواقيس من تلقاء نفسها، دون أن يمسها أحد في كل كنائس بلدة كاسيا.
إيزابيل
انطلق كولومبس من ميناء بالوس الصغير وليس من قادس، مثلما كان مقرراً، لأنه لم يكن في ميناء قادس متسع لدبوس. ففي ميناء قادس كان يجري إبعاد ألاف وآلاف اليهود عن أرض أجدادهم وأجداد أجدادهم.
قام كولومبس برحلته بفضل الملكة إيزابيل. وكذلك اليهود: فهي من طردتهم.
ملكا إسبانيا آنذاك كانا اثنين: إيزابيل وفرناندو، ولكن فرناندو كان مشغولاً بالسيدات والفراش أكثر من اهتمامه بشؤون السلطة.
بعد طرد اليهود جاء دور المسلمين.
عشر سنوات قاتلت إيزابيل ضد المعقل الإسلامي الأخير في إسبانيا. وعندما بلغت حربها الصليبية أوجها وسقطت غرناطة، فعلت كل ما تستطيعه من أجل إنقاذ تلك الأرواح المحكومة بالنار الأبدية. عرضت عليهم برحمتها الواسعة الغفران والتحول عن ديانتهم. ردوا عليها بالعصي والأحجار. عندئذ لم تجد وسيلة أخرى: أمرت بإحراق كتب الطائفة المحمدية في الساحة الكبرى في المدينة المغزوة، وطردت الكفرة المتمسكين بديانتهم الزائفة وبهوسهم بالتكلم بالعربية.
مراسيم طرد أخرى وقعها الملوك اللاحقون أكملت عملية التطهير. لقد أرسلت إسبانيا إلى المنفى الأبدي أبناءها ذوي الدماء الملوثة، اليهود والمسلمين، وهكذا أُفرغت من أفضل حرفييها وعلمائها، من مزارعيها الأكثر تقدماً ومن صيارفتها وتجارها الأوسع خبرة. وتكاثر بالمقابل متسولوها ومحاربوها، ونبلاؤها الطفيليون ورهبانها المتعصبون، وجميعهم من ذوي الدماء المسيحية النقية.
إيزابيل المولودة يوم خميس مقدس، المتعبدة الورعة لعذراء الآلام، أسست محاكم التفتيش الإسبانية وعيّنت متلقي اعترافاتها توركيمادا في منصب قاضي التفتيش الأعلى.
وصيتها المتخمة بالحماسة الصوفية، تلح على الدفاع عن نقاء الإيمان ونقاء العرق. وقد توسلت إلى الملوك التاليين وأمرتهم بألا يتوقفوا عن الدفاع عن الإيمان ضد الكفار وأن يمنحوا الأفضلية الكبيرة على الدوام لمحاكم التفتيش المقدسة.
أعمار خوانا المجنونة
في السادسة عشرة من عمرها زوجوها من أمير فلامنكي. زَوّجها أبواها، الملكان الكاثوليكيان الإسبانيان. ولم تكن قد رأت ذلك الرجل قطّ.
في الثامنة عشرة اكتشفت الحمام. وصيفة عربية في حاشيتها علمتها متع الماء. فصارت خوانا المتحمسة تستحم كل يوم. والملكة إيزابيل المذعورة علّقت: ابنتي غير سوية.
في الثالثة والعشرين تحاول استعادة ابنها الذي لم تكد تراه تقريباً لأسباب تتعلق بمصلحة الدولة. لقد فقدت ابنتي عقلها، يعلن أبوها، الملك فرناندو.
في الرابعة والعشرين، خلال رحلة إلى الفلاند، تغرق السفينة. فتطالب هي دون مبالاة بأن يُقدم لها الطعام. إنك مجنونة! يصرخ بها زوجها وهو يلعبط بقدميه بهلع، محشوراً في إطار نجاة ضخم.
في الخامسة والعشرين، تنقض على بعض سيدات البلاط وفي يدها مقص، وتجز تجعيدات شعورهن، لاشتباهها بخيانة زوجية.
في السادسة والعشرين، تترمل. فزوجها المتوج ملكاً للتو، قد شرب ماء مثلجاً. ترتاب في أنه قد سُمم. لا تذرف دمعة واحدة، ولكنها ترتدي منذ ذلك الحين السواد إلى الأبد.
في السابعة والعشرين، تمضي الأيام جالسة على عرش قشتالة، ونظرها تائه في الفراغ. ترفض توقِّع القوانين والرسائل وكل ما يأتونها به.
في التاسعة والعشرين، يعلن أبوها أنها معتوهة، ويحبسها في قلعة على ضفة نهر دويرو. ترافقها كتالينا، أكبر بناتها. وتكبر الطفلة في زنزانة مجاورة، ومن خلال النافذة ترى أطفالاً آخرين يلعبون.
في السادسة والثلاثين، تظل وحيدة. فابنها كارلوس الذي سيصير بعد وقت قصير إمبراطوراً، يأخذ أخته كتالينا. وتعلن هي إضراباً عن الطعام إلى أن تعود إليها. يقيدونها، يضربونها، يجبرونها على الأكل. وكتالينا لا تعود.
في السادسة والستين، بعد نصف قرن تقريباً من حياة السجن، تموت هذه الملكة التي لم تمارس الملك. وكانت قد أمضت زمناً طويلاً دون أن تتحرك، وهي تنظر إلى لا شيء.
الشيطان امرأة
كتاب «مطرقة السحرة»، المسمى كذلك «مطرقة الشيطان»، يوصي بأقصى تعزيم دون رحمة ضد الشيطان الذي له ثديان وشعر طويل.
قاضيا محكمة تفتيش ألمانيان، هنريش كرمير وجاكوب سبرينغر، كتبا بتكليف من البابا إنوسنت الثامن ذلك الأساس القانوني والديني لمحاكم التفتيش المقدسة.
يُثبت المؤلفان أن الساحرات، حريم الشيطان، يمثلن النساء في حالة طبيعية، لأن كل ساحرة تولد من الشبق الجسدي، وهو ما لا يمكن إشباعه في النساء. ويحذران من أن هذه الكائنات ذات المظهر الجميل، والملمس الكريه والرفقة القاتلة يسحرن الرجال ويجتذبنهم، صفير أفاع، أذيال عقارب، من أجل القضاء عليهم.
وتنصح هذه الأطروحة في علم الإجرام بإخضاع كل مشبوهة بممارسة السحر للتعذيب. فإذا اعترفت، استحقت النار. وكذلك إذا لم تعرف، لأنه لا يمكن إلا لساحرة، متمسكة بعشيقها الشيطان في اجتماعات السحرة الليلية السرية، أن تتحمل مثل ذلك التعذيب دون أن ينفلت لسانها.
وكان البابا هونوريو الثالث قد أفتى:
ــ يجب على النساء ألا يتكلمن. فأفواههن تحمل وصمة حواء التي كانت السبب في ضياع الرجال.
بعد ثمانية قرون من ذلك، مازالت الكنيسة الكاثوليكية تنكر عليهن الوعظ على المنبر.
والرعب نفسه يدفع الأصوليين الإسلاميين إلى ختانهن وتغطية وجوههن.
والراحة من تفادي ذلك الخطر هو ما يدفع اليهود المتعصبين إلى بدء يومهم بالهمس:
ــ حمداً للرب لأنه لم يجعلني امرأة.
تيريسا
دخلت تيريسا دي أبيلا الدير لتنجو من جحيم الحياة الزوجية. فمن الخير لها أن تكون عبدة للرب على أن تكون عبدة لذكر.
ولكن القديس بطرس كان قد منح النساء ثلاثة حقوق: الطاعة، والخدمة، والصمت. وحكم قداسة البابا على تيريسا لأنها أنثى قلقة، ومتمادية في غيّها، وأنها بحجة الورع تختلق معتقدات خبيثة ضد القديس بابلو الذي أمر بعدم تعليم النساء.
كانت تيريسا قد أسست في إسبانيا عدة أديرة، حيث كانت الراهبات يملين دروساً ويتمتعن بسلطة، وحيث الأهمية الكبرى للفضيلة وليس للنسب والسلالة، ولم يكن يُطلب من أي راهبة إثبات نقاء دمها.
في العام 1576، وشي بها أمام محاكم التفتيش، لأنها تقول إن جدها هو مسيحي قديم بينما هو يهودي متحول، ولأن غيبوباتها الصوفية هي من عمل الشيطان المندس في جسدها كامرأة.
بعد أربعة قرون، استولى فرانثيسكو فرانكو على ذراع تيريسا اليمنى كي يدفع عنه الشيطان وهو في فراش احتضاره. ففي تقلبات الحياة الغريبة، كانت تيريسا قد تحولت إلى قديسة ومثال للمرأة الإيبرية وأُرسلت أجزاؤها إلى عدة كنائس في إسبانيا باستثناء إحدى قدميها التي انتهى بها المطاف في روما.
خوانا
ومثل تيريسا دي أبيلا، تحولت خوانا إينيس دي لا كروث إلى راهبة كيما تتجنب قفص الزوجية.
ولكن موهبتها كانت تثير الغضب في الدير أيضاً. أيكون دماغ رجل في رأس هذه المرأة؟ لماذا تكتب بخط رجل؟ ولماذا تريد التفكير ما دامت تطبخ على أحسن وجه؟ فكانت ترد ساخرة:
ــ وما الذي يمكننا أن نعرفه نحن النساء سوى فلسفة المطبخ؟
ومثل تيريسا، كانت خوانا تكتب، بالرغم من أن الأسقف غاسبار دي استيتيه لاحظ أن الآنسة المسيحية لا تحتاج إلى معرفة الكتابة، وأن ذلك قد يكون ضاراً بها.
ومثل تيريسا، لم تكن خوانا تكتب وحسب، وإنما كانت، وهذه فضيحة أكبر، تكتب بصورة جيدة لا ريب فيها.
في عصرين مختلفين، وعلى ضفتين مختلفتين من البحر نفسه، كانت خوانا المكسيكية، وتيريسا الإسبانية، تدافعان شفوياً وكتابة عن ازدراء نصف العالم.
ومثل تيريسا، هُددت خوانا بمحاكم التفتيش. ولاحقتها الكنيسة، كنيستها، لأنها تتغنى بما هو إنساني بقدر تغنيها، وربما أكثر، بما هو إلهي، ولأنها قليلة الانصياع وكثيرة الأسئلة.
بالدم، وليس بالحبر، وقعت خوانا توبتها، وأقسمت على الصمت إلى الأبد. وماتت بكماء.
وداع
أفضل رسوم فيرير باسا، الغيوتو الكتلاني، موجودة على جدران دير بيدرالبيس، موقع الحجارة البيضاء، في جبال برشلونة.
هناك كانت تعيش، في عزلة عن العالم، راهبات المحبس.
لقد كانت رحلة بلا عودة: تُغلق البوابة وراءهن، وتُغلق كيلا تُفتح إلى الأبد. وتكون عائلاتهن قد دفعت هبات باهظة، كيما يكن جديرات بأن يكن زوجات يسوع إلى الأبد.
وداخل الدير، في مصلى سان ميغيل، تحت إحدى جداريات فيرير باسا، توجد عبارة ظلت على قيد الحياة، كما في السر، على مرّ العصور.
لا يُعرف من كتبها.
ولكن يُعرف متى كُتبت، عام 1426 بأرقام رومانية.
الجملة تكاد تكون غير ملحوظة. بأحرف قوطية، باللغة الكتلانية، كانت تطلب ومازالت تطلب
قل لجوان
ألا ينساني.
تيتوبا
في أميركا الجنوبية جرى اصطيادها، وكانت ما تزال طفلة، وقد بيعت مرة وأخرى وأخرى، ومن سيد إلى سيد انتهى بها المطاف في بلد سالم، في أميركا الشمالية.
وهناك، في صومعة التزمت تلك، خدمت العبدة تيتوبا في بيت القس صمويل بارِّس.
بنات القس كن يحببنها حدّ العبادة. فهن يحلمن مستيقظات عندما تروي لهن تيتوبا حكايات أشباح أو تقرأ لهن المستقبل في صفار بيضة. وفي شتاء 1692، عندما تلبس الشيطان البنات الصغيرات وصرن يتقلبن ويصرخن، لم يستطع أحد سوى تيتوبا تهدئتهن، فكانت تداعبهن وتهمس لهن بحكايات إلى أن تنومهن في حضنها.
تسبب ذلك في إدانتها: إنها هي من أدخلت الجحيم في مملكة ورع المختارين من الرب.
وجرى تقييد الساحرة راوية الحكايات على منصة التعذيب في الساحة العامة، واعترفت.
اتهموها بأنها تحضر قوالب حلوى بوصفات شيطانية وجلدوها إلى أن قالت نعم.
اتهموها بالرقص عارية في اجتماعات سحرة سرية، وجلدوها إلى أن قالت نعم.
اتهموها بالنوم مع إبليس، وجلدوها إلى أن قالت نعم.
وعندما قالوا لها إن شركاءها في الجريمة عجوزان لا تذهبان إلى الكنيسة أبداً، تحولت المتَّهَمَة إلى متَّهِمَة وأشارت بإصبعها إلى العجوزين الشيطانيتين ولم تُجلد.
وتوالت بعد ذلك المتهمات اللاتي يتهمن.
ولم تتوقف المشنقة عن العمل.
مسكونات بالشيطان
كان اللاهوتي فراي مارتين كاستانيّغا قد أثبت أن الشيطان يحب النساء أكثر من الرجال، لأنهن رعديدات، وقلبهن أضعف وعقلهن أخف.
الشيطان يغويهن بمداعبتهن بقائمته التي كقائمة المعزى وحافره الخشبي أو بالتنكر كضفدع بأثواب ملك.
كانت طقوس تطهير المسكونات بالشيطان تجتذب حشوداً تملأ الكنائس.
وكانت الكتفيات المحشوة بملح مبارك، وثوب مبارك بخصل من شعر القديسين وأظفارهم تحمي صدر الكاهن القائم بعملية إخراج الشيطان. وكان يتقدم رافعاً الصليب ليناضل ضد السحر. فكانت المسكونات بالشيطان يجدفن، يولولن، ينبحن، يعضضن، يشتمن بلغات أهل الجحيم، ويمزقن أثوابهن بعنف بأيديهن، ويعرضن أعضاءهن المحظورة وهن يقهقهن. وتأتي لحظة الذروة عندما يتدحرج كاهن التطهير على الأرض ويحتضن أحد الأجساد التي سكنها الشيطان إلى أن تتوقف التشنجات والصرخات.
وبعد ذلك، يكون هناك من يبحثون على الأرض عن المسامير وفتات الزجاج الذي تقيأته المسكونة بالشيطان..
هندريكه
في العام 1654، بدت الفتاة هندريكه ستوفيلس حبلى بصورة واضحة، فحوكمت وأدينت في مجلس كنائس أمستردام البروتستانتية.
اعترفت بأنها جامعت الرسام رامبرانت، وأقرت بأنها كانت تقاسمه الفراش دون أن تكون متزوجة، مثل عاهرة، أو بترجمة أكثر حرفية، مثل مقترفة عهر.
عاقبها المجلس بإجبارها على التوبة والتكفير واستبعادها إلى الأبد عن مائدة سيدنا يسوع المسيح.
أما رامبرانت فلم يُدن، ربما لأن ذلك الفصل الشهير عن حواء والتفاحة كان ماثلاً في أذهان القضاة؛ ولكن الفضيحة أدت إلى انهيار أسعار لوحاته واضطر إلى إشهار إفلاسه.
معلم الضوء المظلم الذي كشف الضوء المتولد من الظل، أمضى سنواته الأخيرة في الظل. فقد بيته ولوحاته. ودُفن في قبرٍ مستأجر.
ملكة الأحرار
حدث في بداية القرن الثامن عشر.
التقسيم الدولي للعمل قرر أن جامايكا قد وُجدت من أجل تحلية مائدة أوروبا. الأرض تنتج سكراً وسكراً ولا شيء سوى السكر.
وفي جامايكا، كما في البرازيل، كان التنوع في قائمة الطعام امتيازاً يتمتع به العبيد الهاربون. وبالرغم من أن الأراضي الخصبة ليست وفيرة في تلك القمم الجبلية العالية، إلا أن الآبقين كانوا يتدبرون الأمر لزراعة كل شيء، بل إنهم كانوا يربون خنازير ودجاجاً أيضاً.
وبينما هم محشورون هناك، يَرون ولا يُرون، كانوا يقضمون ويزدهون.
في جبال بارلوفينتو الزرقاء تلك، كانت ناني تملك معبداً وعرشاً. فهي ملكة الأحرار. كانت ماكينة تفريخ عبيد، وهي تتباهى الآن بعقود من أسنان الجنود الإنكليز.
هاريت
حدث في منتصف القرن التاسع عشر.
هربت. وكانت هاريت توبمان تحمل آثار الجَّلد كذكرى على ظهرها وشرخاً في جمجمتها.
لم تأخذ زوجها معها. فقد فضّل أن يظل عبداً وأباً لعبيد:
ــ إنك مجنونة ــ قال لها ــ يمكنك أن تهربي، ولكنك لن تستطيعي رواية ذلك.
ولكنها تهرب، وتروي ذلك، وترجع، وتأخذ أبويها، تذهب وترجع، وتأخذ أخوتها. وتقوم بتسع عشرة رحلة من مزارع الجنوب إلى أراضي الشمال، وباجتيازها الليل، ليلة بعد أخرى، تحرر أكثر من ثلاثمئة زنجي.
لم يُلق القبض على أي من هاربيها. يقال إن هاريت كانت تحل برصاصةٍ حالات الإنهاك أو الندم التي قد تحدث في منتصف الطريق. ويقال إنها كانت تقول:
ــ أنا لا يضيع مني أي مسافر.
إنها أغلى رأس مطلوب في زمنها. أربعون ألف دولار عُرضت مقابل رأسها.
لم يقبضها أحد.
أعمار روسا ماريا
عندما كانت في السادسة من عمرها، جاءت بها سفينة نخاسة من أفريقيا، وفي ريو دي جانيرو جرى بيعها.
في الرابعة عشرة من عمرها باعد السيد ما بين ساقيها وعلّمها مهنة.
في الخامسة عشرة اشترتها أسرة من أورو بريتو، ومنذ ذلك الحين صارت تؤجر جسدها لعمال منجم الذهب.
حين صارت في الثلاثين، باعتها تلك الأسرة لكاهن، كان يمارس معها أساليبه في طرد الشيطان وممارسات ليلية أخرى.
حين بلغت الثانية والثلاثين، قام أحد الشياطين التي تسكن جسدها بالتدخين عبر غليونها وصرخ من فمها وطرحها على الأرض، فحُكم عليها بمئة جلدة في ساحة مدينة ماريانا، وأدى العقاب إلى إصابة أحد ذراعيها بشلل دائم.
حين صارت في الخامسة والثلاثين، صامت وصلت وعذبت جسدها، وعلمتها أم مريم العذراء القراءة. ويقال إن روسا ماريا المدعوة بالمصرية في فيراكروس هي أول زنجية مُحيت أميتها في البرازيل.
حين بلغت السابعة والثلاثين، أسست ملجأ للعبيد المهجورين والمومسات خارج الاستخدام، وكانت تموله ببيع بسكويت تعجنه بلعابها، وهو علاج مؤكد ضد أي داء.
حين بلغت الأربعين، كان عدد كبير من المؤمنين يواظبون على نوبات غيبوبتها، حيث كانت ترقص على إيقاع كورال من الملائكة، محاطة بدخان تبغ، والطفل يسوع يرضع من ثديها.
حين صارت في الثانية والأربعين اتُهمت بالسحر وسُجنت في سجن ريو دي جانيرو.
وفي الثالثة والأربعين من عمرها، أثبت اللاهوتيون أنها ساحرة لأنها تحملت دون شكوى، لوقت طويل، شمعة مشتعلة تحت لسانها.
في الرابعة والأربعين من عمرها، أُرسلت إلى لشبونة، إلى سجن ديوان التفتيش المقدس. دخلت حجرات التعذيب من أجل استجوابها، ولم يعد يُعرف أي شيء عنها.
سالي
عندما ترمل جيفرسون، تحوّلت إليه أملاك زوجته. ومن بين ممتلكات أخرى، ورث عنها سالي.
هناك شهادات عن جمالها في سنوات شبابها المبكر.
وبعد ذلك، لا ذكر لها.
سالي لم تتكلم قطّ، وإذا تكلمت لم تكن تُسمع، أو أن أحداً لم يشغل نفسه بتدوين ما قالته.
أما عن الرئيس جيفرسون بالمقابل، فلدينا عدد من صوره المرسومة والكثير من كلماته. نعرف أنه كانت لديه شكوك راسخة بأن الزنوج أدنى من البيض في المواهب الطبيعية الجسدية والذهنية، وأنه أعرب على الدوام عن نفوره الكبير من اختلاط الدم الأبيض والدم الزنجي الذي كان يبدو له مقرفاً تماماً. وكان يرى أنه إذا ما جرى تحرير الزنوج ذات يوم، فلا بد من تجنب خطر التلوث باستبعادهم إلى ما وراء أي مجازفة بالاختلاط.
في العام 1802 نشر الصحفي جيمس كاليندر في مجلة «ريكوردر» الصادرة في ريشموند مقالاً يكرر فيه ما كان معروفاً: الرئيس جيفرسون هو أبو أبناء عبدته سالي.
ماري أنطوانيت
ضئيلة جداً كانت أهمية الملك. وكانت الملكة ماري أنطوانيت هي المكروهة. مكروهة لأنها أجنبية، ولأنها تتثاءب خلال المراسم الملكية، ولأنها لا تستخدم مشد صدر، ولأن لها عشاقاً. وبسبب تبذيرها الشديد، كانوا يسمونها السيدة عجز الموازنة.
اجتذب المشهد جموعاً غفيرة. وزمجرت الحشود مهللة عندما تدحرج رأس ماري أنطوانيت عند قدمي الجلاد.
كان الرأس عارياً، دون عقد.
فرنسا بأسرها كانت مقتنعة بأن الملكة قد اشترت أغلى حلية في أوروبا: عقد فيه ستمئة وسبع وأربعون ماسة. وكان الجميع يعتقدون أيضاً أنها قالت: إذا كان الشعب لا يملك الخبز، فليأكل البسكويت.
أولمبيا
أنثوية هي رموز الثورة الفرنسية، نساء من المرمر أو البرونز، بأثداء متينة عارية، وقبعات باردة، ورايات خفاقة. ولكن الثورة نادت بـ إعلان حقوق الرجل والمواطن، وعندما اقترحت المناضلة الثورية أولمبيا ديغوغ إعلان حقوق المرأة والمواطنة، قطعت المقصلة رأسها.
وبينما هي على منصة الإعدام، سألت أولمبيا: ــ إذا كنا نحن النساء قادرات على الصعود إلى المقصلة، فلماذا لا يمكن لنا الصعود إلى المنابر العامة؟ لا يمكن لهن. لا يمكن لهن الكلام، لا يمكن لهن التصويت. ورفيقات أولمبيا ديغوغ سُجِنَّ في مستشفى المجانين.
وبعد إعدامها بقليل، جاء دور مانون رولان. ومانون كانت زوجة وزير الداخلية، ولكن ذلك لم ينفع في إنقاذها. حكموا عليها بسبب ميلها غير الطبيعي إلى النشاط السياسي. فقد خانت طبيعتها الأنثوية المهيأة للعناية بالمنزل وإنجاب أبناء شجعان، وارتكبت الوقاحة القاتلة بدس أنفها في شؤون الدولة الذكورية.
وعادت المقصلة إلى السقوط.
ممنوع أن تكون امرأة
في العام 1804 نُصب نابليون بونابرت إمبراطوراً وأصدر قانوناً مدنياً، هو المسمى قانون نابليون، والذي لا يزال حتى اليوم نموذجاً حقوقياً للعالم بأسره.
هذا العمل البارع لبرجوازية السلطة كرس الازدواجية الأخلاقية ورفع حق الملكية إلى أعلى مكانة في مذبح القوانين.
النساء المتزوجات حُرمن من الحقوق، مثلهن مثل الأطفال، والمجرمين، والمتخلفين العقليين. ويتوجب عليهن طاعة الزوج. وهن مجبرات على مرافقته حيثما يشاء الذهاب، ويحتجن إلى تصريح منه لكل شيء تقريباً، ما عدا التنفس.
والطلاق الذي اختزلته الثورة الفرنسية إلى معاملة بسيطة، اقتصر على يد نابليون على ارتكاب الفاحشة. يمكن للزوج الطلاق بسبب زنا زوجته. أما الزوجة فيمكن لها الطلاق فقط إذا كان الزوج قد ضاجع عشيقته في فراش الزوجية.
الرجل الزاني يدفع غرامة، في أسوأ الحالات. أما الزوجة الزانية فتذهب إلى السجن، في كل الحالات.
القانون لا يمنح تصريحاً بقتل الخائنة إذا ما ضُبطت متلبسة بالخطيئة. ولكن إذا قتلها الزوج المخدوع، فإن القضاة، وهم من الرجال دائماً، يصفرون وينظرون إلى جانب آخر.
هذه الترتيبات، هذه العادات، سادت في فرنسا طوال أكثر من قرن ونصف قرن.
مريانا
في العام 1814 قتل الملك فيرناندو الـ «بيبا».
و«بيبا» هي التسمية التي أطلقها الشعب على دستور قادس الذي ألغى قبل سنتين من ذلك ديوان التفتيش وكرس حرية الصحافة، وحق التصويت ووقاحات أخرى.
قرر الملك أن الـ «بيبا» لم تكن. واعتبرها ملغاة بلا أي قيمة أو مفعول، وكما لو أنه لم تقع قط تلك الأحداث التي يجب انتزاعها فوراً من الزمن.
وبعد ذلك، ومن أجل أن يُنتزع من الزمن أعداء نظام الاستبداد الملكي، نُصبت المشانق في كافة أنحاء إسبانيا.
وذات صباح من عام 1931، في وقت مبكر، وأمام أحد أبواب غرناطة، أدار الجلاد عجلة المخنقة إلى أن كسر سوارها الحديدي رقبة مريانا بينيدا.
لقد كانت مذنبة. لأنها طرزت راية، ولأنها لم تشِ بمتآمري الحرية، ولكنها رفضت تقديم غرامياتها للقاضي الذي أدانها.
عاشت مريانا حياة قصيرة. وكان معجبة بالأفكار المحظورة، والرجال المحظورين، والطرحات السوداء، والشوكولاتة والأغنيات الهامسة.
مراوح يدوية
الليبراليات، من كانت تدعوهن شرطة قادس بهذا الاسم، كن يتآمرن برموز مشفرة.
من جداتهن الأندلسيات تعلمن اللغة السرية للمراوح اليدوية التي تنفع في عدم الانصياع للزوج أو الملك على السواء: تلك الحركات بفتح المروحة ببطء أو طيها فجأة، وتلك الهفهفة، وذلك الخفق كالأجنحة.
إذا كانت السيدات يرفعن الشعر عن جباههن بالمرحة اليدوية المطبقة، فإنهن يقلن: لا تنسني.
ترجمة صالح علماني