أزمة في سوريا.. انفجار الداخل وعودة الصراع الدولي/ حسين عبد العزيز
لا تعتبر كتابات كمال ديب حول سوريا كتابات عابرة، فالرجل كتب أربعة كتب حول سوريا: تاريخ سوريا المعاصر، سوريا في التاريخ من أقدم العصور حتى 2016، الحرب السورية، إضافة إلى كتاب أزمة في سوريا: انفجار الداخل وعودة الصراع الدولي 2011 ـ 2013، الصادر عن دار النهار.
وإذا كانت كتابات ديب الثلاث الأخيرة طغى عليها البعد التأريخي، فإنه في هذا الكتاب ينزع إلى تقديم قراءة تحليلية لأسباب “الأزمة” أكثر منها قراءة تأريخية، لكنه وإن يفعل ذلك، فإنه يكتب من منظار الأكاديمي البعيد الذي لم يعاين حقيقة الوضع السياسي في سوريا عن قرب، فجاءت رؤيته للأحداث في سوريا من منظار دور المصالح الدولية فيها.
يرى كمال ديب أن أسباب الأزمة السورية خارجية أكثر منها داخلية، حيث يضع أربعة أسباب خارجية وثلاثة داخلية.
يبدأ كمال ديب الكتاب بفصل تمهيدي حول الظروف الإقليمية المحيطة بسوريا منذ تسلم الأسد مقاليد الحكم، بالقول “عندما وصل بشار إلى الحكم اشتعلت في وجهه مجموعة من الإشكالات والملفات احتاجت إلى اهتمام فوري، وشملت ربيع دمشق وملفات لبنان والعراق والانتفاضة الفلسطينية الثانية، إذ لم تمض أسابيع على وفاة حافظ الأسد حتى تصاعدت نبرة عدائية لسوريا في لبنان”.
كانت لبنان الساحة الأولى التي ظهرت فيها بوادر الشؤم حول سوريا، حيث بدأت تتشكل معارضة للوجود السوري، كان عنوانها التحالف بين الحريري وجنبلاط لإنهاء الوجود السوري في لبنان، ثم جاءت أزمة التمديد للرئيس اللبناني السابق إميل لحود والتي ترافقت مع أزمة سورية فرنسية كان عنوانها صفقة الغاز، دفعت بباريس بعيدا عن دمشق، باتجاه مزيد من التقارب مع الأميركيين، وكان من نتيجة ذلك استصدار القرار الدولي 1559، قبل أن تزداد الأمور سوءا باغتيال الحريري عام 2005.
واستمرارا لعمليات “التآمر” ضد سوريا، يذهب المؤلف إلى أن التظاهرات التي بدأت في 15 آذار / مارس 2011 كانت عبارة عن مسعى دولي لإعادة سوريا لساحة للصراع، ضاربا بعرض الحائط كل المسببات الداخلية الموضوعية للاحتجاج.
ثم يذهب إلى أبعد من ذلك في تحليل المؤامرة، حين يقول إن النظام قدم تنازلات سياسية مهمة، لكنها قوبلت بمسيرات معارضة كبيرة، وإن التحول الخطير في مسار الأزمة بدأ في 6 حزيران / يونيو عام 2011، حين شن “مسلحون” هجوما على مراكز أمنية ومقار حكومية في جسر الشغور انتهت بمقتل 120 من عناصر الشرطة، لتنتشر بعد هذه الحادثة الجماعات المقاتلة المدربة والمجهزة بخطوط إمداد من تركيا ولبنان والأردن.
صراع قديم بين “البعث” و”الإخوان المسلمين”
في هذا الفصل سعى كمال ديب إلى إضفاء بعد طائفي على الثورة السورية، فيقول إذا كان ثمة عامل أساسي وراء اعتبار أزمة سوريا حربا أهلية، فهو الصراع القديم بين “البعث” والإخوان، لأنه يقلب جراحا قديمة بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية.
وفي محاولة منه لتأكيد هذه النظرية، اعتبر أن خطوط الصراع تؤكد البعد الطائفي في الصراع، فليس صدفة أن تكون المناطق الحدودية هي بؤرة الصراع، في إشارة إلى الدعم التركي والأردني واللبناني السني للثورة.
يتناسى كمال ديب هنا الحقائق التاريخية التي تؤكد أن الثورة ظلت لمدة أشهر محصورة بالعمل المدني السلمي، في وقت كان النظام يرفع من وتيرة العنف العسكري ضد الثورة.
بعد ذلك، يستعرض المؤلف تاريخ الصراع بين النظام و “الإخوان المسلمين” منذ ثمانينيات القرن الماضي، ليصل إلى نتيجة مفادها، أن الإخوان لو انتصروا في ثورة 2011، لكان مصير سوريا ظهور أفغانستان طالبانية على ضفاف المتوسط، ذلك أن ثورة 2011 هي امتداد لصراع دولة “البعث” مع الجماعات الإسلامية في الثمانينيات.
ضرب التعددية الدينية والإثنية
إن دراسة الطبقات الاجتماعية في سوريا أفقيا ومصالح هذه الطبقات الاقتصادية والهيكلية السياسية للنظام وسياساته تكشف الكثير من تراكمات البعد المطلبي للشعب السوري، وفهم البعد الاجتماعي ـ الاقتصادي لا يكتمل دون دراسة الجانب العمودي للمجتمع وجذوره السابقة للاقتصاد الحديث، ذلك أن الولاءات ما قبل الحديثة تتخطى الحدود الطبقية، فتخرج ولاءات للطبقة الاجتماعية وأخرى للطائفية وثالثة للإثنية ورابعة للمناطقية وغيرها، في مجتمع يضم 16 طائفة وخمس إثنيات (عرب وأكراد وأرمن وتركمان وسريان / أشوريين وشركس).
ولكن البنية التحتية للمجتمع السوري في عهد بشار كانت ثمرة تطور تاريخي ابتدأ مع ثورة البعث 1963، حيث ظهرت طبقات اجتماعية جديدة:
ـ خروج العلويين من الغبن التاريخي وتسلـمهم مناصب عليا في الدولة.
ـ خروج فئات سنية جديدة نجحت في التجارة والقطاعات الخاصة، أما الطبقة الوسطى والبرجوازية المدينية السنية التي سبقت الثورة وحققت الاستقلال فقد زالت لتظهر طبقة وسطى سنية جديدة.
ـ خروج أبناء الأقليات العرقية والمذهبية للمشاركة في السياسة والاقتصاد.
بناء على هذه المتغيرات، بدأت الدولة تتخذ محاذير حول الإصلاح في عدم الاندفاع السريع نحو الديمقراطية والانتخابات الحرة، بل الإبقاء على الكوابح حتى لا تتحول سوريا ديمقراطيا إلى مسخ مشوه من لبنان.
ولذلك يتابع كمال ديب كانت ثمة مخاطر من أن يؤدي التغيير الطبقي / المذهبي السريع إلى أزمة وعنف، لقد أراد المؤلف في هذه الفقرة ليس تشريع إغلاق باب الإصلاح بحجة أن المجتمع غير مؤهل، بل تشريع الاستبداد في إطار أيديولوجيا دوغماتية تجمع بين مركزية غربية حداثية تخلى عنها المفكرون الغربيون أنفسهم، ووعي أيديولوجي مقلوب للواقع السياسي الاجتماعي الاقتصادي في سوريا.
انفجار اجتماعي داخلي وهجمة العولمة
في هذا الفصل يعود المؤلف إلى فكرة المؤامرة التي تحكم مسار كتابه، حيث يقول إن تحسن الوضع الاقتصادي الداخلي في سوريا مرتبط بموقف النظام من إسرائيل، فحتى لو قام النظام بإصلاح عميق فإن ذلك لن يفيد ما لم تتراجع عن موقفها تجاه إسرائيل.
إنه نفس الخطاب الإعلامي ـ السياسي للنظام، لكن من المفارقات الكبيرة أن المؤلف سرعان ما يؤكد أن هذه الدولة التي ربطت الإصلاح بإسرائيل قدمت تنازلات كبيرة لصالح الليبرالية الاقتصادية، والأصح لمجموعة من رجال الأعمال يبدو أن المؤلف تناسى ذكرها.
ثم يضطر المؤلف تحت ضغط الوقائع الملموسة، إلى الاعتراف بأن الدولة قامت بخطوات عشوائية من دون نموذج اقتصادي معين في البال ما جرها للانحدار، حتى إن وزير المالية أعلن في نهاية 2004 أن الاقتصاد أصبح عمليا اقتصاد سوق في كل شيء حتى لو لم نسمه كذلك، وكانت الهوة تتسع بين النظام الاقتصادي الذي أصبح هجينا ودولة الرعايا التي وعدت بها دولة “البعث”.
ويعترف المؤلف أن النمو الديمغرافي فاق النمو الاقتصادي، ما قاد إلى جمود في التسعينيات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع البطالة والأمية، ومظاهر فقر غير مسبوقة، وإلى ضغط شديد على البنية التحتية.
وخلال مقارنته غير العلمية بين كوريا الجنوبية وسوريا في مطلع الخمسينيات وبينهما في مطلع الألفية الثانية، يصل ديب إلى أن فرق المستوى الاقتصادي بين البلدين يكمن في نقطتين:
ـ لم يكن بإمكان الدولة في سوريا أن تتوقع من القطاع الخاص والناشطين اقتصاديا أن يعملوا ما تريد وترغب، كما هي حال بعض دول آسيا.
ـ لم تمارس الدولة السورية مستويات أخلاقية في محاسبة الفاسدين، فكانت عمليات النهب لبارونات النظام منفلتة وكأن البلاد سائبة.
الأزمة جزء من الصراع مع إسرائيل
في هذا الفصل يستعرض ديب تاريخ الصراع السوري ـ الإسرائيلي، بهدف الدفاع عن رؤيته التي ترى أن إسرائيل جزء رئيسي من أزمة سوريا التي بدأت عام 2011 ضمن إطار فكرة المؤامرة الإسرائيلية الدائمة تجاه سوريا، فيعتبر أن جوهر الأزمة الراهنة في سوريا هو استهدافها كدولة المواجهة الأم للمشروع الصهيوني في المنطقة.
ووفقا للمؤلف، كان لإسرائيل يد في كل المعارك الدائرة في أنحاء سوريا منذ بدء الأزمة عام 2011، وحتى وراء الكواليس في ديباجة تصريحات المعارضة في الخارج، من دون أن يقدم المؤلف أي دليل أو حجة موضوعية لهذا الاتهام.
ولا يكتفي المؤلف بذلك، بل يقول إن إسرائيل وجهت الإعلام والفضائيات ضد النظام السوري، وقدمت الدعم اللوجستي وجندت فلسطينيين وإسرائيليين يجيدون العربية ولا يلفتون الأنظار للمشاركة في المعارك بهدف استهداف المخيمات الفلسطينية في سوريا.
تلفزيون سوريا
أزمة في سوريا أم ثورة مستمرة؟/ محمود الوهب
تثير المقالة التي كتبها الأستاذ “حسين عبد العزيز” على موقع تلفزيون سوريا في اليوم الأول من العام 2021 حول كتاب “أزمة في سورية” لمؤلفه “كمال ديب” شهية الكتابة لا للرد على المقالة، بل للوقوف إلى جانبها، وتفنيد مزاعم مؤلف الكتاب، وإعادة بيان أسباب الثورة السورية عميقة الجذور متعددة الأسباب سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً بما في ذلك قضية المقاومة، واستهداف سوريا، وأما دواعي الكتابة فلأن الصراع لايزال قائماً، بل هو مستمر على أشده، ولا بد في النتيجة من تبيين الأسباب، فيما حدث كله، فالأمر لا يتعلق بنزاع أو صراع بين طرفين حول قضية يمكن أن تطوى وينتهي الأمر، إنها قضية وطن تدمّر، وتشرد أهله، وسكانه وعانوا ما عانوه، والسبب البين الواضح أن حاكماً ورث الحكم عن أب مستبد فعدَّه، كما فعل والده، ملكاً خاصاً أو أرضاً منحها له الرب، كما زعم بنو إسرائيل بمنحهم الرب أراضي ما بين النيل والفرات، ثم ليأتي الصهاينة المعاصرين مدعومين بالمستعمرين الجدد إلى فلسطين فيشردوا أهلها، وما زالوا يمدون سلطانهم على كامل الأرض الفلسطينية.
إن الذي حدث في سوريا ليس أقل مما حدث في فلسطين حتى الساعة، وإذا كان الإنكليز قد تواطؤوا مع الصهاينة، وهيؤوا لهم فرصة إعلان الدولة برعاية أممية، إضافة إلى تواطؤ بعض العرب من تحت الطاولة، فإن حاكم سوريا استدعى الإيرانيين الطامعين المخادعين، ومن بعدهم الروس ملبياً رغباتهم كلها، لا في سبيل حمايته، وإبقائه على كرسيه، فحسب، بل لتقديم سوريا على طبق من ذهب للإسرائيليين الراغبين بتدميرها، لا نظاماً طبعاً، وإنما شعباً ومقدرات وهكذا كان! فلا يزال الحاكم موجوداً تحت حماية هؤلاء، وأسيرهم في الوقت نفسه.. وتجري المحاولات الميتة في مهدها لإعادة انتخابه هذا العام تأميناً لبقائهم خدمة لما حصلوا عليه من مصالح استراتيجية يأملون ألا تضيع أو تنتقص بتهديد ما..
لا شك في أنَّ ثورات الربيع العربي، قد ساءت بعض الأنظمة العربية، فعملوا بأساليب شتى لإفشال ذلك الربيع.. إن نزول ملايين الشباب في معظم البلاد العربية إلى شوارع المدن الكبرى وساحاتها، وقد اكتسبوا وعياً جديداً بفضل ثورتي المعلوماتية والاتصالات، وتحت تأثير القمع، والحاجة إلى رعاية مواهبهم وإبداعهم.. قد لامس، على نحو أو آخر، عروش هؤلاء الحكام بالشعارات التي رفعت داعية إلى الحرية والديمقراطية، وإنهاض بلدانهم المؤهلة، بما تملكه من إمكانيات هائلة لنموها وازدهارها بإبعاد من يعيق طريقها من الطغم الحاكمة بأنظمتهم المتهرئة القائمة على القمع والتخلف، بينما شعوبها تعاني ذلَّ هزائم الحكام المادية والمعنوية كما تعاني تنمُّر حكام الدول المجاورة لحكامهم وازدرائهم.
وفي عودة إلى كتاب كمال ديب الذي حوّل الثورة إلى أزمة ووضع أسباب كل ما حدث على التآمر الخارجي بدءاً من لبنان الذي احتلته القوات السورية منذ العام 1976 وعملت على تصفية الحركة الوطنية الواضحة التوجه ضد إسرائيل، بتحالفها مع منظمة التحرير الفلسطينية.. وأكثر ما أزعج إسرائيل في ذلك الزمن هو بواكير المقاومة الوطنية الحقة، وأعمالها البطولية، وقد عمل النظام السوري متعاوناً مع اليمين اللبناني وإيران، وبعض الأنظمة العربية على إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من مجالها الحيوي، بضغط إسرائيلي طبعاً.. وإناطة ما يسمى بالمقاومة الإيرانية البديلة عبر حزب الله.. وقد أثبتت الأيام أنها مقاومة للثورات العربية لا لإسرائيل لإبقاء التخلف والسيطرة على المنطقة، وتجهيزها لإيران التي تزعم اليوم أنَّ لبنان خط الدفاع الأول عنها.. لكن لبنان الذي يعاني نتائج تلك الخيانات، يجدد شعبه اليوم تلك الروح الوطنية التي سادت تلك المرحلة ساعياً لتحرير لبنان من آفة الطائفية البغيضة التي محت مفهوم الوطن والوطنية..
وفي حديث مؤلف الكتاب عن تطورات الوضع الداخلي يشير إلى تخلُّصِ الطائفة العلوية من غبن قديم لحق بها لتتسلم وظائف عليا في الدولة.. الحقيقة لم يتسلم عامة العلويين وظائف، بل تسلمت شخصيات من بينهم، اختارها حافظ الأسد بالذات، وضمن ثقتهم، فأطلق يدهم في كل اتجاه، ومن جهتهم رفعوا رايته، فباعوا واشتروا، من خلالها، بالدولة والشعب، وجمعوا ثروات طائلة من الرشا والوساطات، على حساب عذابات الشعب السوري، فمعظم هؤلاء كانوا قد وضعوا في أماكن مفصلية من تركيبة الجيش والأجهزة الأمنية. ويعرِّف علم الاقتصاد هؤلاء بـ “البرجوازية البيروقراطية” أما البرجوازية السنِّية التي صعدت بديلاً عن البرجوازية السنِّية التقليدية (بحسب مؤلف الكتاب) فهي برجوازية تجارية (كومبرادور) تحالفت مع تلك البيروقراطية التي ساندتها في الدولة ليحلا معاً محل البرجوازية الوطنية التي عملت في الصناعة السورية الحديثة، ونهضت بالاقتصاد الوطني الذي شهد به رئيس ماليزيا السيد مهاتير محمد الذي زار سوريا في الخمسينيات، وساهمت تلك البرجوازية بتحديث المجتمع، عبر مؤسسات المجتمع المدني ومنتدياته وصحافته الحرة. إن جوهر هذه المسألة هو التنمية التي تقوم بها البرجوازية المنتجة ولا تتوافق مع الاستبداد العسكري لأنها تنهض في البلد وفق شروط نموها الطبيعي، ومناخها الديموقراطي الذي تنمو في ظلاله دولة المؤسسات التي تناقض الحكم الفردي، الأسري، الفئوي، الأقلوي..!
ثمة أمور كثيرة في المقالة أوضحت جوهر مقاصد الكاتب، وهي الدفاع عن النظام، ونفي صفة الثورة السورية ودوافعها الداخلية التي تمكِّن للشعب ليكون سداً في وجه أية مؤامرة خارجية أو إرهاب.. لكن طبيعة المستبد أن يعيش على قمع الآخر، وإفقاره، وتجهيله.. وهكذا جاء بشار الأسد تحت شعارات “الإصلاح والتطوير والتحديث ومحاربة الفساد.. إلخ” لكنه اكتشف، والبطانة من حوله طبعاً، بأن هذه الشعارات هي ما يريده الشعب والوطن، ولذلك لملم شعاراته، وأخذ في المناورة إلى أن هبَّ الشعب في آذار 2011 وللأمانة نقول بأنه جرت حوارات في البداية، وقال الذين عيّنهم النظام نفسه في لجنة الحوار العليا كلمتهم عن الفساد وإلغاء المادة الثامنة من الدستور وإلغاء حالة الطوارئ وأهمية وجود قانون الأحزاب للصحافة الحرة، وتطاول أجهزة الأمن مفتاح الفساد ورعاته.. فلم يعجبه الكلام، ولا لزبانيته الذين حضروا، ولعلهم لدى سماعهم ما قيل، قد تلمسوا رؤوسهم، وفكرهم الفاسد، فقلبوا الطاولة، واختاروا الرصاص طريقاً وحيداً لخلاصهم مؤمنين الدعم الخارجي.. وهكذا كان الدم، وكان الخراب..
تلك هي الحقيقة، وذلك هو الواقع الذي عاشه الشعب لا كما يزعم مؤلف الكتاب بالإشارة إلى ما عدَّه متغيرات في المجتمع السوري كانت السبب في تأجيل عملية الإصلاح، ريثما تأتي ظروف مناسبة، وحتى لا تتحول سوريا إلى “مسخ مشوه من لبنان.” هكذا بكل صفاقة، وكأنهم ليسوا من داس كرامة لبنان وشعب لبنان وقتلوا خيرة رجاله!
أما ما يثير الضحك حقاً بل الاشمئزاز.. فهو حبل المقاومة الواهي، وتعليق كل نواقص النظام عليه وعلى وجود إسرائيل المقلق للسياسة السورية. إن عكس ذلك هو الصحيح تماماً.. فما بقاء احتلال إسرائيل للجولان أصلاً، وإعلان ضمه لإسرائيل منذ العام 1980 وتوغلها على الشعب الفلسطيني إلا من خلال إبقاء النظام على قمع شعبه، ومصادرة صوته، وسياسته، وأحزابه، وثروات بلاده التي استفاد منها حتى الإسرائيليون أنفسهم، ومنهم رجل الأعمال الإسرائيلي “فريدي زينغر” المقيم حتى الآن في منطقة “رعنانا” داخل إسرائيل”(1)
إبراهيم الصالح (إمبراطورية آل مخلوف المالية.. أسرار علاقة خال بشار الأسد بإسرائيل /آب 2015/العربي الجديد).
تلفزيون سوريا