حواران مع جيمس جيفري المبعوث الأميركي السابق للملف السوري والتحالف الدولي ضد «داعش»،
جيمس جيفري يتحدث عن أخطاء الماضي
ألمونيتور- ترجمة: ربى خدام الجامع
في آب من العام 2016، وقع السفير الأميركي السابق إلى العراق وتركيا السيد جيمس جيفري على خطاب عام يضم توقيع أكثر من خمسين مسؤول سابق في الأمن القومي حذروا فيه من انتخاب المرشح حينها دونالد ترامب، حيث ورد في ذلك الخطاب: “إننا على قناعة تامة بأن هذا الشخص في حال وصوله إلى المكتب البيضاوي سيكون أكثر الرؤساء طيشاً في التاريخ الأميركي”.
وبالرغم من هذا، وبعد مرور عامين على ذلك، قام ذلك الدبلوماسي بالخروج من فترة التقاعد لمساعدة إدارة ترامب على لم شتات مبادرات حقبة أوباما في سوريا وتحويلها إلى سياسة متماسكة وموحدة تجاه الشرق الأوسط.
وتحت سلطة وزير الخارجية مايك بومبيو، ابتدع المسؤولون في تلك الإدارة خطة يمكن بموجبها للجيش الأميركي ضمن قوات التحالف لمحاربة تنظيم الدولة البقاء في سوريا إلى حين خضوع حكومة بشار الأسد لانتخابات تدعمها الأمم المتحدة. وبالإضافة إلى مهمة محاربة تنظيم الدولة بموجب تفويض من الكونغرس، يحق للقوات الأميركية مواصلة منع الأسد من الوصول إلى حقول النفط السورية، التي تقع ضمن المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الكرد السوريون والذين تدعمهم الولايات المتحدة، إلى جانب قطع الطريق على الجيش الإيراني ومنعه من الوصول إلى الشام.
إلا أن ذلك لم يعجب ترامب، إذ ذكر جيفري لصحيفة المونيتور: “لم يبد الرئيس ارتياحه تجاه وجودنا في سوريا”، كان ذلك ضمن مقابلة امتدت لساعتين وجرت في بيته بواشنطن خلال الأسبوع الماضي، ولقد أضاف: “لم يكن مرتاحاً تجاه ما اعتبره حروباً أبدية”.
ولكن في شهر كانون الأول من عام 2018، استبعد الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة كبار مستشاريه وأخبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه يرغب بسحب أكثر من ألفي جندي أميركي من سوريا.
فكان لابد لتلك الخطوة أن تتسبب بتحرك جنوني في عموم ساحة المعركة المتقلقلة التي يشغلها أربعة فاعلين كبار وهددت تلك الخطوة بقلب المكاسب الجلية لقوات التحالف الدولي لصالح تنظيم الدولة إلى جانب إحباط حملة الضغوطات التي تقودها الولايات المتحدة ضد الأسد.
وحول ذلك يخبرنا جيفري فيقول: “شعرنا بأننا ضعفاء للغاية، بل انتابنا شيء من الخوف. وإنني أتفهم مخاوف الرئيس وقلقه حيال أفغانستان، إلا أن المهمة في سوريا تعتبر هبة لا تنقطع عن العطاء”.
وفي نهاية الأمر اقتنع الرئيس بالعدول عن قراره بعد معارضة الحلفاء الأوروبيين حسبما ذكر جيفري، ولكن بعد مرور أقل من سنة على ذلك، ومع حشد القوات التركية على الحدود السورية في تشرين الأول من عام 2019، رتب جيفري مع غيره من المسؤولين لمكالمة هاتفية أخرى بين ترامب وأردوغان.
وهنا سافر جيفري ليلم شتات الأمور، إلا أن الطرق التي تبناها ذلك الدبلوماسي للتخفيف من غلواء عدائية أنقرة باءت بالفشل، وأثارت جدلاً حاداً ضمن جلسات الاستماع الطويلة التي أقامها الكونغرس.
وقد ذكر جيفري بأن الاقتراحات التي قدمها وهي تفكيك دفاعات وحدات حماية الشعب على الحدود، والسماح للجيش التركي بالتوغل في شمال شرقي سوريا عبر تسيير دوريات أمنية مشتركة، وسحب القوات الجوية التركية عبر إصدار أمر خاص بالمهام الجوية وذلك من قاعدة العديد، كلها تنبثق من فهمه للسياسة الداخلية التركية، فيما يرى من انتقدوا ذلك بأن تلك المقترحات مهدت الطريق للعملية العسكرية التركية.
واليوم يتحدث جيفري عن الأزمة بين تركيا وقسد وكأنها قد اشتعلت على نطاق واسع، لكنه يقدم بعض التفاصيل حول توقعاته ورؤاه بخصوص تأمين مستقبل قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، ويصر على أن قرار إدارة أوباما الذي قضى بتسليح ميليشيا كردية سورية قد أذكى ذلك التهديد الوجودي الذي يمتد لعقود ماضية ضد تركيا، والذي تمثل بحزب العمال الكردستاني.
إذ بالنسبة لهذا الدبلوماسي، تبدو عدائية أنقرة تجاه قوات سوريا الديمقراطية مجرد جانب إشكالي للبنية السياسية المعقدة التي تسعى واشنطن من خلالها إلى تسخير مصالح كل من تركيا وإسرائيل لدحر إيران ولمنع انتصار الأسد وروسيا في الحرب السورية.
وإليكم المقابلة فيما يلي بعد تحريرها كونها طويلة للغاية
ألمونيتور: ذكر نائب قائد عملية العزم الصلب اللواء البريطاني كيفين كوبسي خلال الأسبوع الماضي بأننا دخلنا مرحلة الشفق لمهمة التحالف الدولي في محاربة تنظيم الدولة. وفي تموز من عام 2018، أتيتم بوصفكم المبعوث الخاص للمساهمة في إعادة مهمة محاربة تنظيم الدولة إلى الاستراتيجية الإقليمية الأميركية، خاصة في مواجهة إيران وتركيا وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، فما هو التقدم الذي أحرزتموه في هذا المجال؟
جيفري: لقد كانت الاستراتيجية بالنسبة لسوريا عبارة عن ابن ربيب منذ أيام إدارة أوباما. فقد اكتشفت إدارة ترامب أحد الأخطاء الكبرى لدى إدارة أوباما، وهي أنها تعاملت مع إيران على أنها مشكلة أسلحة نووية على غرار ما فعلته مع كوريا الشمالية. أما إدارة ترامب فقد رأت في إيران خطراً على النظام الإقليمي، ولهذا أرادت أن ترسم سياستها تجاه سوريا بناء على ما تشتت من سياسة أوباما، وهكذا خرجت إدارة ترامب بتلك السياسة في عام 2017.
ولقد قمت مع الوزير بومبيو بإقناع الإدارة بأنك إذا لم تتعامل مع المشكلة الأساسية التي تمثلها إيران في سوريا، فلن يكون بوسعك أن تعالج تنظيم الدولة معالجة دائمة ومستمرة، هذا أول ما فكرنا به.
بعد ذلك كانت لدينا الحملة الجوية الإسرائيلية، والتي لم تبدأ الولايات المتحدة بدعمها إلا عندما أتيت على متن الطائرة، وتوجهت إلى هناك وقابلت رئيس الوزراء نتنياهو وغيره، إذ ظنوا أنهم لم يتلقوا الدعم الكافي من الجيش الأميركي، وليس من قبل الاستخبارات. فقامت معركة كبيرة داخل حكومة الولايات المتحدة، ثم فزنا في تلك المعركة.
إذ كانت الفكرة المعارضة للحملة الإسرائيلية تتلخص مجدداً بالهوس بمهمة مكافحة الإرهاب، إذ لا أحد يريد أن ينالها بسوء، سواء بسبب الخوف من تركيا أو تحويل الموارد للسماح للإسرائيليين بالعبث في سوريا، لأن ذلك قد يتسبب بضربات عكسية ضد قواتنا، إلا أن ذلك لم يحدث.
بصورة أساسية قمنا بإنكار تحقيق نظام الأسد لأي نصر عسكري، ولكن نظراً لأهمية تركيا، ولأنه لم يكن بمقدورنا تنفيذ تلك الاستراتيجية من دون تركيا، ظهرت مشكلة سيطرة الأتراك على شمال شرقي سوريا، لذا كان عملي يتلخص بتنسيق كل ذلك.
إذاً، وبصورة أساسية قمنا بإنكار تحقيق نظام الأسد لأي نصر عسكري، ولكن نظراً لأهمية تركيا، ولأنه لم يكن بمقدورنا تنفيذ تلك الاستراتيجية من دون تركيا، ظهرت مشكلة سيطرة الأتراك على شمال شرقي سوريا، لذا كان عملي يتلخص بتنسيق كل ذلك.
إذن فقد اجتمعت كل تلك الأمور معاً، أي مهمة مكافحة الأسلحة الكيماوية، ووجودنا العسكري، والوجود العسكري التركي، وهيمنة إسرائيل على الأجواء، ثم إن لدينا ركيزة عسكرية فعالة للغاية تتمثل بالجيش، لأن الركائز الثلاث تمثل الدبلوماسية والعزلة والجيش.
إذن ذلك هو الأسلوب الذي اتبعناه للجمع بين تلك الأمور ضمن سياسة موحدة تجاه سوريا تندرج ضمن السياسة الشاملة تجاه إيران. وتمخض ذلك عن نتيجة تمثلت بنجاح نسبي، لأننا أوصلنا الأوضاع إلى مرحلة الاستقرار، وذلك بمساعدة الأتراك على وجه الخصوص.
والتغير الوحيد الذي حدث على الأرض لصالح الأسد كان في جنوب إدلب بعد سنتين ونصف من الهجمات، ومن غير المرجح لتلك الغارات أن تستمر، نظراً لقوة الجيش التركي الموجود هناك، ولحجم الهزيمة التي مني بها الجيش السوري على يد الأتراك في آذار الماضي.
وبالطبع قمنا بزيادة عزلة الأسد كما زدنا العقوبات بهدف الضغط عليه، وتمسكنا بموقف عدم تقديم المساعدات اللازمة لإعادة الإعمار، بالرغم من أن البلد بأمس الحاجة إليها. إذ رأيتم ما حدث لليرة السورية، كما رأيتم ما حدث لاقتصاد سوريا بكامله، ما يعني أن هذه الاستراتيجية كانت فعالة للغاية.
ألمونيتور: كانت الولايات المتحدة تدعم الحملة الجوية الإسرائيلية وتفرض عقوبات على كل من نظام الأسد وإيران، فإلى أي مدى اقتربنا من الانسحاب الإيراني من سوريا؟
جيفري: حسناً، لقد سحب الإيرانيون كثيرا من رجالهم، ويعود أحد أسباب ذلك إلى الضغط الكبير الذي يتعرضون إليه من الناحية المالية، فقد أصبحت سوريا مكلفة جداً بالنسبة لهم. وقد ازداد عدد الإيرانيين الذين أصبحوا يعزون كل ذلك الوضع الاقتصادي المتردي إلى سوريا، كما لم يعد بوسع إيران أن تضغط على سوريا لتقوم بالتسديد، اللهم إلا من خلال بعض شحنات النفط وفي ظل ظروف استثنائية تنطوي على مغامرة كبيرة، حيث يمكنها أن تحصل شيئاً عبر تلك الشحنات، وأحياناً لا تحصل أي شيء، وسأتوقف عند هذا الحد.
ألمونيتور: هل بوسعك أن تتوسع بالحديث عن تلك الظروف الاستثنائية التي تنطوي على مغامرة؟
جيفري: لقد أخبرتك بكل ما كنت سأقوله لك حول هذا الموضوع، وذلك لأن قدرة الإيرانيين على خلق تهديد لإسرائيل على غرار التهديد القائم في جنوب لبنان وذلك عبر إقامة أنظمة طويلة الأمد قد انتفت بفعل الغارات الإسرائيلية، التي دعمتها إلى حد ما الدبلوماسية الأميركية وغيرها من أشكال الدعم، ولهذا لن أبوح بالمزيد من التفاصيل حول هذا الأمر، لكنه في غاية الأهمية.
مهما كان حجم الألم الذي سببناه للإيرانيين، لن يرحل الروس أو نظام الأسد إلا برحيل إيران.
ويمكن القول إننا منعنا إيران من تحقيق أهدافها بعيدة المدى، وعرضنا وجودها الحالي لضغوطات، ولكن هل تكفي تلك الضغوطات لرحيل إيران؟ لا أعرف، وهل بوسعنا دحرهم؟ لست أدري. لكنني أعرف تماماً بأن ذلك جزء أساسي من أي اتفاق أوسع، إذ مهما كان حجم الألم الذي سببناه للإيرانيين، لن يرحل الروس أو نظام الأسد إلا برحيل إيران.
ألمونيتور: من الأهداف الأساسية للعقوبات إرغام نظام الأسد على تغيير سلوكه، فهل رأيتم أمارات التغيير في حسابات النظام نتيجة لذلك؟ وهل هناك أي توقعات حول حدوث توافق أميركي – روسي حول العملية السياسية بسوريا، وهل من المنصف أن نقول بإن عملية جنيف قد تم تحييدها؟
جيفري: حسناً، رأينا ما حدث مع رامي مخلوف، كما رأينا بقية القادة، ونحن لا ندري، لأنك يجب أن تعرف ما يحدث بالفعل داخل الدولة البوليسية، ومدى الأثر الذي يخلفه ذلك، إلا أن ذلك كان له آثار وانعاكسات. كما أن انهيار النظام المصرفي بلبنان وجه ضربة قاصمة أخرى، وقد تلحظ ذلك في الخلاف القائم بين الروس والأسد الذي تجلى في الإخفاق الكبير لمؤتمر دمشق للاجئين الذي عقد مؤخراً ولم يلق تلك الأصداء، إذ كانت تلك فكرة روسيا.
وإننا على يقين من أن الروس يدركون بأنه ليس ثمة أي انتصار عسكري، ولهذا فكروا وقالوا لأنفسهم: كيف يمكننا أن نحقق انتصاراً سياسياً؟ إن السبيل لتحقيق ذلك يتلخص باختطاف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، وذلك عبر الاستعانة بأمور مثل ترشح الأسد لانتخابات 2021 كبديل عن الانتخابات التي ستجري برعاية الأمم المتحدة، وكذلك عبر عقد مؤتمر للاجئين تترأسه روسيا، لسحب ذلك الملف من الأمم المتحدة ومن المجتمع الدولي، ولوضع ختم روسيا والأسد عليه. ولهذا قمنا بحشد المجتمع الدولي لمقاطعة ذلك المؤتمر، ونجحنا في ذلك إلى أبعد حد.
أوضحنا أننا يمكن أن نخفف العقوبات وبأنه قد يصبح بإمكان الأسد العودة في نهاية الأمر إلى الجامعة العربية، أي أن تلك العزلة الدبلوماسية ستسقط برمتها. ونقلنا كل ذلك لبوتين في سوتشي عام 2019 عبر الوزير بومبيو.
ثم إن الأمور تعلو وتهبط، إلا أن الروس لم يلتزموا بتطبيق القرار 2254 بشكل فعلي، وقد أوضحنا أننا يمكن أن نخفف العقوبات وبأنه قد يصبح بإمكان الأسد العودة في نهاية الأمر إلى الجامعة العربية، أي أن تلك العزلة الدبلوماسية ستسقط برمتها. ونقلنا كل ذلك لبوتين في سوتشي عام 2019 عبر الوزير بومبيو، أي أنهم على علم بذلك العرض، غير أنهم لم يقوموا بأي تغيير من أجله.
ألمونيتور: هل بحثت الولايات المتحدة عن مسارات بديلة، مثل فكرة التعامل مع أفراد ينتمون إلى الطائفة العلوية التي تعتبر القاعدة التي تدعم النظام في سوريا؟
جيفري: كلا، إذ لم يتجاوز الأمر تلك الاتصالات التي تناقلتها وسائل الإعلام حول أوستين تايس، ولا يمكنني أن أزيد حول هذا الموضوع، إلا أني لا أرى أي شيء واعد حيال هذا الأمر، ولا أعتقد أن الجميع يتفق مع ما قلته.
ألمونيتور: لننتقل إلى موضوع تركيا، فقد انتقد وزير الخارجية بومبيو أنقرة بحدة خلال اجتماع لوزراء الخارجية في حلف شمال الأطلسي، وفي مدونة صوتية صدرت مؤخراً عن ألمونيتور، ذكر ستيفن كوك وفيليب غوردون بأن الولايات المتحدة يجب ألا تعتبر تركيا حليفاً أو شريكاً مثالياً، إذن ما النصيحة التي توجهها لإدارة بايدن حول التعامل مع أردوغان بشكل مباشر؟
جيفري: في البداية يجب أن نفصل أردوغان عن تركيا.
إن أكبر التحديات بالنسبة لبايدن ستكون الصين وروسيا وكوريا الشمالية والاتفاق النووي الإيراني والمناخ، تلك هي أكبر خمس قضايا، أما القضية السادسة فهي تركيا، لأن تركيا تؤثر بشكل مباشر على قضيتين من تلك القضايا الخمس، أي على إيران وروسيا، كما تؤثر على القضية الثامنة أو التاسعة، ألا وهي الإرهاب.
وتعتبر تركيا دولة مهمة في حلف شمال الأطلسي، كما أن رادار حلف شمال الأطلسي يمثل جوهر منظومة معادية للصواريخ البالستية تقف في وجه إيران وهذا الرادار يقع في تركيا، أي أن لدينا أصولاً عسكرية هائلة هناك، ولهذا لا يمكننا أن نقوم بأي شيء في الشرق الأوسط أو القوقاز أو البحر الأسود دون تركيا، بما أن تركيا خصم طبيعي لروسيا وإيران.
ثم إن أردوغان مفكر صاحب نفوذ وقوة كبيرة، وكلما رأى فراغاً يتقدم، وثمة شيء آخر حول أردوغان، وهو أنه متكبر، ولا يمكن لأحد أن يتوقع خطواته، كما أنه لن يقبل بحل يحقق فيه الطرفان مكاسب وانتصارات، ولكن عندما يتعرض لضغوطات يتحول إلى عنصر فاعل عقلاني، وقد سبق لي وأن تفاوضت معه.
ولهذا إن كان بايدن يرى العالم كما يراه كثيرون منا، أي عبارة عن حالة تنافس بين أقران متقاربين، عندها تصبح تركيا غاية في الأهمية. انظر لما فعله أردوغان في غضون ثمانية أشهر في إدلب، وفي ليبيا، وفي ناغورني-قره باخ. أما روسيا وحلفاؤها فقد خسروا على تلك الجبهات الثلاث.
وإذا عدنا لعقلية أوباما عند انتهاء ولايته، سنجد بأننا وقتها لم تكن لدينا مشكلة جيوسياسية، بل كان لدينا مجموعات تضم مشكلات صغيرة، ومنها شراء أردوغان لمنظومة إس-400، وخلايا تنظيم الدولة في البادية، واللاجئون في لبنان، وتخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 3.25%، واغتيال الخاشقجي، ومأساة المجاعة التي لا تنتهي في اليمن، وكل تلك المشكلات تحولت إلى مشكلات فريدة من نوعها، ولهذا خصصنا لها موارد وسياسات وحركنا بيروقراطيتنا من أجلها، دون أن نفكر كيف سنقوم بذلك على كل تلك الأصعدة.
وعليه، إذا قررت إدارة بايدن العودة إلى طريقة التفكير الغبية تلك، عندها ستخسر الشرق الأوسط، وبعدها يمكنها أن تنسى أمر آسيا.
ألمونيتور: كيف ينبغي على إدارة بايدن أن تتعامل مع أردوغان؟
جيفري: لن يستكين أردوغان حتى تظهر له أنيابك، وهذا ما فعلناه عندما تفاوضنا حول وقف إطلاق النار في تشرين الأول من عام 2019، إذ كنا على استعداد لتدمير اقتصاد بلاده.
وهذا بالضبط ما فعله بوتين بعد إسقاط الطائرة الروسية، أي أن الروس أرسلوا إشارتين واضحتين إلى الأتراك في إدلب اليوم، وذلك عندما استهدفوا كتيبة تركية، إلا أن النتيجة لم تكن كما تمناها الروس.
إذن عندما يتجاوز أردوغان حدوده يجب عليك أن تكون على استعداد لكبح جماحه كما يجب أن تتأكد استيعابه لذلك قبل وقوعه، فالموقف التركي ليس على حق 100%، بل لديهم بعض المنطق وشيء من الحجة، ونظراً إلى دور تركيا بوصفها حليفاً مهماً وحصناً منيعاً ضد إيران وروسيا، لذا يتعين علينا أن نصغي لحججها على الأقل، وأن نحاول أن نجد حلولاً توفيقية.
ألمونيتور: عينتم بمنصب المبعوث الخاص وأنتم تؤيدون فكرة تسريع العمل بنموذج خريطة الطريق في منبج للتخفيف من قلق تركيا حيال شمال شرقي سوريا، فهل بوسعنا أن نقول بإن هذا النهج أدى إلى وقوع نتائج عكسية؟
جيفري: يعتبر الأتراك منبج نقطة فشل بالنسبة لهم، إذ ظهرت هناك مقاومة كبيرة على يد قوات سوريا الديمقراطية وكذلك المجلس العسكري المحلي ومكتب ماك غورك. لذا فإن أي شخص كانت له صلات بحزب العمال الكردستاني أصبح عرضة لحكم قضائي استخباري على يد الأتراك والأميركان، ولم تخرج من تلك الدائرة سوى قلة قليلة.
وبصورة أساسية كنت من المصرين على الرحيل من بين مجموعة تضم عشرة أشخاص، إلا أن ذلك حدث بعد حوالي سنة، واعتقد الأتراك أننا لسنا جادين في ذلك، وذلك هو النموذج الذي حاولنا تطبيقه في شمال شرقي سوريا.
أما بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية فهم أطفال أنقياء، وأنا أعرفهم وأعرف قيادتهم بشكل جيد جداً، وهم يعتبرون ظاهرة بالفعل، بالنسبة لمعايير الشرق الأوسط، فهم بغاية الانضباط ويمثلون الفرع الماركسي لحزب العمال الكردستاني. كما لا يهمهم بشكل كبير الالتزام بأجندة حزب العمال الكردستاني، وهم لطفاء للغاية ولا يبدون أي تكبر أو تعال.
ولكن في تلك الأثناء لم يخرج علينا أحد من الخارجية الأميركية ليقول: ماذا عن تركيا؟ بصراحة، كان الأشخاص الموجودون في جيشنا المحلي وفي وزارة الخارجية المعنيون بمحاربة تنظيم الدولة يتعاملون مع الأمر وكأن المشكلة مشكلة طرف آخر وليست مشكلتهم.
فقد تعرض الأتراك لاستفزازات على الحدود، خاصة من قبلنا عندما أعلنا عن عزمنا على تشكيل قوات دفاع جديدة على الحدود في عام 2018، وبأن تعداد تلك القوات سيصبح أكبر، وأول مكان قمنا بنشر تلك القوات فيه هو الحدود التركية.
وقد حدث ذلك عندما خرجت الأمور عن سيطرة القيادة المركزية هناك، وهذا أمر تقليدي “فنحن هنا لنقاتل الإرهابيين وحسب، لذا دعوا الأنذال في وزارة الخارجية يهتمون بأمر تركيا، أما نحن فبوسعنا أن نتفوه أو نفعل ما يحلو لنا ولحلفائنا، فلن يهمنا ذلك في شيء”، إذ كان ذلك سبب وجودنا اللعين إلى أن تصبح الأمور تحت سيطرتنا، بيد أنها لم تصبح تحت سيطرتنا بشكل كامل، بوجود عدد من الأمور الهامشية، ولهذا طلب مني بومبيو أن أتولى أمور محاربة تنظيم الدولة.
ألمونيتور: لقد وجهت عملية نبع السلام ضربة للمهمة الأميركية الموجودة هنا، ولهذا وصفت بأنها تطهير عرقي، وسبق وأن قلتم بأن علينا أن نظهر لأردوغان أنيابنا، ولكن قبل العملية العسكرية، كنتم قد ترأستم الجهود الساعية لتفكيك دفاعات وحدات حماية الشعب كجزء من عملية إنشاء منطقة آمنة، فما الفكرة من ذلك؟
جيفري: لقد كان توسيعاً لخريطة طريق منبج، حيث تم تسيير دوريات مشتركة في منبج، مع انسحاب القيادة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني. وفي المنطقة الآمنة كانت قوات سوريا الديمقراطية توجد بكاملها وكان يجب سحب الأسلحة والدفاعات الثقيلة. ولهذا فكرنا بأن ذلك قد يجدي نفعاً، نظراً للضغوطات التركية المتواصلة على الرئيس حتى يفعل شيئاً حيال هذا.
سمعنا كثيرا من الأقاويل حول مشاركة جيفري بوضع هذه الخريطة، لكنها لم تكن خريطة جيفري، وذلك لأن شخصيات عسكرية هي من قامت برسم تلك الخريطة مع الكرد، كما تم الاتفاق معهم بشأنها.
وهكذا عندما توجهت مع بولتون إلى أنقرة في كانون الثاني من عام 2019، سمعنا كثيرا من الأقاويل حول مشاركة جيفري بوضع هذه الخريطة، لكنها لم تكن خريطة جيفري، وذلك لأن شخصيات عسكرية هي من قامت برسم تلك الخريطة مع الكرد، كما تم الاتفاق معهم بشأنها.
وكان من المفترض بالنسبة للكرد أن يقوموا بتفكيك تحصيناتهم، لكنهم لم يفعلوا، وتلك من أهم الشكاوى التي حملها أردوغان. كما أن بولتون لم يكن يرغب بأي وجود تركي في تلك المنطقة، وكان ذلك من بين الحجج التي ناقشتها معه في أنقرة. حيث اتفقنا على عدم إبراز الخريطة، وقررنا الاكتفاء بنقل فكرة الخريطة للأتراك.
أبرمنا الاتفاقية أخيراً في تموز وآب، وشملت تسيير دوريات تركية على طريق إم 4 الدولي، بحيث يمكن للأتراك أن يحافظوا على الـ30 كم الخاصة بهم، إلى جانب وجود تركي دائم، إلا أن هذه النقطة بقيت غامضة إلى حد ما، دون أن نتمكن من تحديد مكان وجود تلك القوات بالضبط.
كانت تلك تسوية جيدة، وقد نجحت بالفعل، إلا أنها لم ترض الأتراك، لأنهم يعرفون بأن قوات سوريا الديمقراطية ماتزال تسيطر على المنطقة، ولأنهم لم يصدقوا أن قوات سوريا الديمقراطية ستقوم بتفكيك تحصيناتها، وهذا صحيح، ولهذا واصلنا الضغط على قوات سوريا الديمقراطية لتقوم بذلك، فلم تصلنا سوى الكثير من الأعذار.
ألمونيتور: لماذا انهارت؟
جيفري: لم يرض الرئيس عن وجودنا في سوريا، كما لم تعجبه فكرة الحروب الأبدية بنظره، وهذا شيء يجب ألا ننتقده لأجله، فقد قضينا على دولة الخلافة ثم بقينا هناك. ولهذا ظل ترامب يسأل: “لماذا مايزال جنودنا هناك؟” لكننا لم نقدم له إجابة شافية على ذلك.
ولو قال أحدهم حينها: “كل ذلك من أجل الإيرانيين”، لكان على حق، غير أن المسؤول عن ذكر السبب الحقيقي لبقاء الجنود هناك هو وزارة الدفاع، التي ظلت تستعين بتفويض الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية وتقول: “إننا هناك لنحارب الإرهابيين”.
إذن فالسبب الذي دفع ترامب لسحب الجنود من هناك باعتقادي هو ملله من تبريراتنا المختلفة لوجودنا هناك، وكأننا نعده ضمنياً ونقول: “لن نرتكب أي أخطاء هناك، فنحن نتعامل مع الأتراك كما نتعامل مع الروس” وبعد كل ذلك حدثت تلك المصائب.
لم أطلع الرئيس على ذلك، بل بومبيو هو الذي فعل، وقدم له حججاً طيلة تلك الفترة، ركز من خلالها على إيران. إلا أن ترامب لم تعجبه فكرة بقاء هؤلاء الجنود، وكان يثق بأردوغان الذي سيستمر في طرح تلك القضايا حول حزب العمال الكردستاني، ثم سيتوجه الرئيس بسؤاله إلى الشعب الذي بدوره سيكون صادقاً وسيقول: “اعترفوا! بالطبع الأمر أعقد من ذلك بكثير، وذلك لأن الحروب معقدة. وهكذا اطلع الرئيس على الأمر، كما سمع من أردوغان، وأردوغان مقنع إلى حد بعيد.
ثم إننا في وزارة الخارجية لم نذكر أي رقم حول تعداد الجنود للرئيس، فذلك ليس من اختصاصنا، أي أننا لم نحاول أن نخذعه، بيد أنه واصل ذكر أعداد مختلفة أمام الناس إلا أنها كانت أقل بكثير من الأعداد الحقيقية، ولهذا عندما كنا نخاطب الإعلام أو الكونغرس نتوخى الدقة أو نتجنب الحديث عن الأمر. كما أن الأعداد كانت مضحكة، فهل بوسعك أن تدرج أعداد الحلفاء الذين لا يريدون أن يعرف أحد بوجودهم هناك؟ هل قمتم بعد قاعدة التنف العسكرية؟ هل قمتم بعد فرقة برادلي التي كانت تدخل وتخرج؟
ولقد أصبنا بخجل وتوتر كبير عندما أصدر الرئيس ثلاث مرات أوامر بالانسحاب، إذ كان ذلك بمنزلة ضغط وتهديد مستمر لسحب الجنود من سوريا. وهكذا شعرنا بضعف شديد، كما انتابنا شيء من الخوف لأن الأمر بدا منطقياً بعض الشيء بالنسبة لنا، فأنا أتفهم قلقه ومخاوفه حيال أفغانستان، إلا أن المهمة في سوريا هي هبة لا تتوقف عن العطاء، ومانزال نحن وقوات سوريا الديمقراطية نسيطر على شمال شرقي سوريا.
وكان الكرد يحاولون على الدوام دفعنا باتجاه التظاهر بأننا سندافع عنهم وسنقف في صفهم ضد الجيش التركي، كما ضغطوا على قوة المهام المشتركة، بالرغم من كل اعتراضاتي، وذلك لتبدأ بإنشاء نقاط على الحدود التركية. لم تعجبني تلك الفكرة على الإطلاق، لأنها لا تحمل سوى استفزاز للأتراك.
ولكن لم يكن بوسعي أن أوقف كل ذلك، ولكن كان بإمكاني أن أقف في وجه إنشاء مزيد من النقاط العسكرية، إذ لا معنى لوجودها. كما أن الجيش الأميركي ليس مكلفاً بضرب الأتراك، الذين بوسعهم أن يقودوا مركباتهم حول تشكيلات الجيش الأميركي بكل بساطة.
فكانت تلك إشارة واضحة للأتراك لئلا يثقوا بنا ثقة عمياء، وبأن لدينا مخططا لإقامة دويلة دائمة في شمال شرقي سوريا يديرها حزب العمال الكردستاني لتتحول هذه الدويلة إلى نقطة للضغط، تماماً كما ظن كثير من الأتراك أن الهدف من سياستنا مع اليونان أو قبرص أو أرمينيا هو الضغط على الأتراك.
فكانت تلك إشارة واضحة للأتراك لئلا يثقوا بنا ثقة عمياء، وبأن لدينا مخططا لإقامة دويلة دائمة في شمال شرقي سوريا يديرها حزب العمال الكردستاني لتتحول هذه الدويلة إلى نقطة للضغط، تماماً كما ظن كثير من الأتراك أن الهدف من سياستنا مع اليونان أو قبرص أو أرمينيا هو الضغط على الأتراك، وقد أخطؤوا في ذلك. لأن تلك هي الطريقة التي تعامل بها البريطانيون والفرنسيون مع الإمبراطورية العثمانية.
وقد تم التلاعب بتلك السياسة في الكونغرس وعبر الإعلام وكأننا وضعنا تلك السياسة لنصبح حصناً منيعاً في مواجهة الأتراك، بعد ذلك غير الرئيس سياسته على الأرض في حوار له مع أردوغان.
صدقني، كنت مع القائد العسكري في شهر كانون الأول 2018 عندما كان الأتراك على وشك التوغل، وكنا نحاول أن نفكر بما يجب أن يفعله الجيش الأميركي، إذ لم تكن لدينا خطة، كما لم يكن لدينا مخطط للرد على تركيا، لأنه لم يكن لدينا أمر بذلك، كما أن ذلك لا يندرج ضمن الهدف الذي قامت مهمتنا من أجله.
وقد شرحنا موقفنا للأتراك، أعني أنا والوزير بومبيو وآخرون، وقلنا لهم: حتى لو لم نوقفكم عسكرياً، وهذه ليست سياستنا، إلا أننا سنتخذ إجراء ضدكم سياسياً، والأهم من ذلك أن الكرد سيستنجدون بالروس. بيد أن الأتراك لم يأخذوا ذلك على محمل الجد، بل استخفوا به وظلوا كذلك حتى ما بعد العملية العسكرية التي بدأت في السادس من تشرين الأول.
أرسل الرئيس رسالة لأردوغان، حذره فيها من أنه إن لم يتوقف خلال 24 ساعة، فلابد وأن يتواصل مظلوم مع الروس ليستنجد بهم، وعندها لن تقف الولايات المتحدة في طريقهم. وعندما فرغت من نقل تلك الرسالة، شكك الطرف التركي بها، إما لأنهم اعتقدوا بأن الروس لن يهبوا لنجدة الكرد، أو أننا لابد وأن نوقفهم، كما سبق وفعلنا مع فاغنر في حقل كونوكو للغاز بدير الزور.
وهكذا تدخل الروس، وفجأة أصبح الأمر عبارة عن كش ملك، ولكن هل بوسعي أن أزعم بأن المشكلة التركية قد انحلت؟ لا، لا يمكنني فعل ذلك، إلا أن الترك موجودون حالياً في شمال شرقي سوريا، ولم يعد لديهم كثير من المخاوف تجاه قسد.
ألمونيتور: هل كانت لديهم أية مبررات ليخافوا من قسد؟
جيفري: بالطبع، وبكل تأكيد. لقد كانوا على وشك شن حرب ضد سوريا في عام 1999 بسبب وجود عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني فيها. ثم إن وحدات حماية الشعب تمثل حزب العمال، أتذكر عندما دخلوا الرقة؟ أتتذكر الملصق؟ تلك هي المشكلة (صوة أوجلان في وسط الرقة). فأردوغان لا يريد دويلة أخرى مثل قنديل تتمتع بحماية الولايات المتحدة أو روسيا في سوريا.
لقد قتل 40 ألف تركي على يد حزب العمال، ولذلك يعتبر خطراً وجودياً بالنسبة لتركيا، ولهذا ينقسم الكرد في تركيا، فنصفهم يوجد في جيوب كردية، بينما اندمج النصف الآخر ضمن المجتمع التركي. وسنشهد نموذجاً مماثلاً لنموذج البوسنة ورواندا في حال تمكن حزب العمال من حشد الكرد فعلياً لدرجة تدفع الغالبية التركية إلى تبني المقولة: “الكردي الطيب الوحيد هو الميت” وهذا هو الخطر الوجودي المتمثل بحزب العمال على تركيا.
ويجب على أردوغان ألا يقلق حيال الفكرة القائلة بإن الولايات المتحدة تلعب عمداً هذا الدور ضمن مخطط طويل الأمد حتى تبقي تركيا ضعيفة.
ألمونيتور: ولكن أليست لديكم أية أدلة حول قيام قسد بنقل الأسلحة أو المقاتلين إلى تركيا؟
جيفري: ليس عبر شمال شرقي سوريا بكل تأكيد، فهذا جزء من الاتفاق الذي أبرمناه معهم.
ألمونيتور: هل تعتقدون بأنه مايزال بوسع الولايات المتحدة أن تتوصل إلى توافق بشأن وجود تركيا في شمال شرقي سوريا، نظراً لإصراره على أن حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب جزء لا يتجزأ من تنظيم حزب العمال الإرهابي؟
جيفري: لست أدري، وذلك لأنك عندما تتكلم عن شمال شرقي سوريا ستكتشف بأن أهم شيء هنا هو السياسة الداخلية التركية، كونها رفيقة أردوغان في معركته، ويمكن تلخيص ذلك بجملة واحدة: كل ما يهم هو الأجندة القومية التركية التي لا يوجد فيها مكان للكرد.
إلا أن هذه الأجندة لا تمثل أجندة حزب العدالة والتنمية بكل تأكيد، وذلك لأن حزب الحركة القومية في تركيا يقف في وجه أردوغان الذي كانت سياساته تجاه الكرد وحزب العمال أفضل بكثير ممن سبقوه.
إلا أن أردوغان إذا أحس بالحاجة لنصر ما بهدف استثارة المشاعر الوطنية والقومية، عندها قد يفعل ما هو أكثر من ذلك. بيد أن المشكلة تكمن في أنه يتعين عليه أن يقوم بذلك بالتزامن مع الروس، لأنني لا أعتقد أنه سيتوجه إلى جنوب طريق إم 4، إذ لطالما أعلن هو وجماعته بأنهم لا يعنيهم ما يحدث جنوب إم 4، أي كوباني مثلاً، إلا أن هذا يحتاج إلى إبرام اتفاقية مع الروس.
وقد أوضح الروس أنهم لا يريدون أي توسع للوجود التركي داخل سوريا، وقد أبلغت السلطة العليا بذلك.
إلا أن الكرد يصرون على أن الروس قالوا لهم بإن الأتراك على وشك التوغل، وهذا تهديد روسي، نسجه الروس من عندهم لإبعادنا حتى يتمكنوا من الوصول إلى حقول النفط، بيد أن ذلك مجرد أسلوب ضغط روسي صرف، ولا أظنه قد يحدث في يوم من الأيام.
ألمونيتور: لقد شكك قائد قسد مظلوم عبدي بإمكانية عقد اتفاق مع نظام الأسد في المستقبل القريب، فما هو وضع المحادثات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي؟ وكيف ستنتهي الأمور بالنسبة لقسد؟
جيفري: إليكم جواب جيم جيفري الساخر من كل هذا: وهو الجواب على سؤال ديف بيترايوس: كيف ستنتهي كل تلك الأمور؟ إنها مسألة نسبة وتناسب، إذ ليست لدينا خريطة طريق مثالية، وإذا كنت ترغب بتخصيص موارد محدودة، فلا بأس، ولا ضير في ذلك فقط لأن ذلك يمثل الطريقة الأساسية التي يمكن من خلالها لعملية المنافسة بيننا أن تتقدم.
فالمجموعات الكردية المختلفة ستصبح جزءاً من المحصلة النهائية للأزمة السورية، على الصعيدين السياسي والعسكري، وذلك لأنهم يمسكون بزمام كثير من الأمور.
ألمونيتور: هل بوسعهم أن يشاركوا في جنيف؟
جيفري: من يدري؟ فنحن نعيش في عالم شعوب كشمير وناغورني-قره باخ
ما أريد أن أقوله هنا هو أن الإبقاء على قسد يعتبر الخطة ب بالنسبة لنا. إذ لدينا الخطة أ، وهذه الخطة لا يمكنها أن ترد على السؤال: كيف ستنتهي كل تلك الأمور؟ وذلك لأن الغرض من الخطة أ هو ضمان عدم حصول الروس والأسد والإيرانيين على إجابة شافية بالنسبة للطريقة التي ستنتهي بها كل الأمور، ولعل ذلك قد يدفعهم للقبول بالخطة ب في يوم من الأيام. وحتى يحين ذلك سيظل هؤلاء مكبلين ولن يستطيعوا أن يعتبروا سوريا انتصاراً بالنسبة لهم.
ألمونيتور: هل تعتقد أنه بوسع مظلوم إخراج كوادر حزب العمال من شمال شرقي سوريا؟
جيفري: سنرى ذلك. أعتقد أنه يفعل كل ما بوسعه ليوازن بين مصالح حزب العمال ومصالح الأتراك والروس والأميركان حتى يحافظ على الحماية المقدمة لشعبه، وهم الأكراد الذين يعيشون في شمال شرقي سوريا أولاً، وثانياً من يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها والتي تضم أعداداً كبيرة من العرب، لذا فإنه يقوم بما كنت سأقوم به بالضبط في ظل هذه الظروف.
وقد يختلف حجم الضغوطات المفروضة على كادر حزب العمال بسبب هذه السياسة من حين لآخر، إلا أن تلك الضغوطات هي الشيء الذي سنواصل زيادته نحن والأتراك بكل تأكيد.
المصدر: ألمونيتور
تلفزيون سوريا
———————————-
جيمس جيفري: لم نرتكب «أخطاء أوباما»… ومنعنا قيام «جنوب لبنان» في سوريا
المبعوث الأميركي السابق قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «متأكد من عدم عودة النظام إلى إدلب»
إبراهيم حميدي
قال جيمس جيفري المبعوث الأميركي السابق للملف السوري والتحالف الدولي ضد «داعش»، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إنه «نصح» إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن بالاستمرار بالسياسة التي اتبعتها إدارة الرئيس دونالد ترمب في سوريا، لأنها «ناجحة، أولاً لأننا لم نقم بأي من أخطاء إدارة باراك أوباما، واستخدمنا جميع عناصر القوة التي في حوزتنا بما فيها القوة العسكرية». وأضاف: «لم نجلس ونحن نرى (خطوطاً الحمراء) يتم تجاوزها أمام أعيننا ولا نرد عندما استخدم النظام السلاح الكيماوي» في نهاية 2013.
وأضاف جيفري، أن بلاده تقدم «الدعم الضروري» لإسرائيل في جهودها لمنع «تموضع» إيران في سوريا وأن «الإسرائيليين نجحوا بمساعدة منا بمنع إيران بإقامة وضع ثانٍ مثل (جنوب لبنان) في جنوب سوريا ومنع تهديد إسرائيل ودول أخرى بنظام صاروخي طويل المدى»، لافتاً إلى وجوب خروج إيران وقواتها من سوريا في «أي تسوية نهائية».
وقال المبعوث الأميركي السابق، رداً على سؤال أن روسيا «في خضم المستنقع السوري»، مضيفاً أن الروس «يدركون أنهم في المستنقع. لكن حتى لو كنت في مستنقع، وهذا حصل معنا في فيتنام (…)، فإن الأمر يأخذ وقتاً كي تدرك ذلك وتتصرف على هذا الأساس. حصل هذا مع السوفيات في أفغانستان وحصل مع إيران في جنوب العراق في الثمانينات. الأمر يأخذ سنوات»، لافتاً إلى أن أميركا «ستواصل الضغط إلى أن يدركوا ذلك» ويوافقوا على تسوية في سوريا.
وعن إدلب، قال جيفري إنه «متأكد أن النظام لن يعود إلى إدلب بسبب الجيش التركي. لديه حوالي 20 ألف جندي، وربما 30 ألفا هناك، ولديهم (الأتراك) القدرة على منع النظام من الذهاب إلى إدلب»، لافتاً إلى حصول أنقرة على دعم من أميركا و«حلف شمال الأطلسي» (ناتو) وأوروبا لوجودها في شمال غربي سوريا.
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» عبر الهاتف، مساء الجمعة:
> كيف تقرأ الوضع في سوريا حالياً؟ هناك ثلاث «مناطق نفوذ»، ما هي الفروقات بينها وما هي نقاط التقاطع؟
– هناك منطقة تحت سيطرة نظام الأسد مع كثير من التحديات (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية) وبعض التحديات من «داعش». وهناك شمال غربي سوريا التي هي تحت سيطرة تركيا وفصائل معارضة. هناك أيضاً، شمال شرقي سوريا تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من أميركا، وهناك أيضاً قاعدة «التنف». الانقسام الحقيقي هو بين منطقة تحت سيطرة الأسد ومناطق أخرى ليست تحت سيطرته، وليس هناك مجال لتكون تحت سيطرته.
> لا تظن أن قوات الحكومة ستعود إلى إدلب في أي وقت قريب؟
– لا، لا أظن ذلك.
> لماذا؟
– بسبب الجيش التركي لديه حوالي 20 ألف جندي، وربما 30 ألفاً، هناك ولديه القدرة على منع النظام من الذهاب إلى إدلب.
> هل تقول لأهل إدلب إن دمشق لن تعود إلى إدلب في أي وقت قريب؟
– إنني متأكد من أن تركيا بدعم من أميركا والاتحاد الأوروبي و«حلف شمال الأطلسي» (ناتو) لن تسمح بذلك.
> أي دعم تقدم أميركا لتركيا في إدلب؟
– قدمنا الدعم الدبلوماسي، وتحدثنا مع الأتراك حول ذلك والدعم اللازم. كما أن الرئيس دونالد ترمب قال هذا بوضوح في سبتمبر (أيلول) 2018، إضافة إلى الرسالة التي نقلها السفير ديفيد ساترفيلد إلى حلف «ناتو» لدعم لتركيا في مارس (آذار) العام الماضي.
> أنت تترك منصبك بعد حوالي ذلك سنوات. هل تظن أن النظام السوري أقوى حالياً مما كان عندما تسلمت منصبك أم أقوى لأنه وسع مناطق سيطرته؟
– أضعف اقتصادياً. انظر ما يحصل لقيمة الليرة السورية. انظر إلى الانقسام في النخبة الحاكمة، ووضع (رجل الأعمال وابن خال الرئيس السوري) رامي مخلوف. أيضاً، فإن داعمي النظام روسيا وإيران وخصوصاً الأخيرة تحت ضغط العقوبات الأميركية. أيضاً، العقوبات الأميركية ستزداد تشدداً على النظام. النظام ضعيف سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
> تقول إن لأميركا أدوات عدة للإبقاء على دمشق في «صندوق العزلة»، إحداها العقوبات. لكن سوريين يقولون إن العقوبات تضر بالناس والمواطنين أكثر من المستهدفين؟
– العقوبات تضرب بالنظام وتعرقل قدرته على اتخاذ القرار والأعمال العسكرية. في المقابل، فإننا نحن قدمنا أكثر من 12 مليار دولار أميركي لدعم السوريين. ربما هناك بعض التأثير على السكان، لكن يجب ألا ننسى أن السبب الرئيسي لمعاناة السوريين هو قرار نظام الأسد والفساد والرشاوى. هذا ليس بسبب العقوبات.
> لكن العقوبات لم تؤد إلى مرونة أو تنازلات سياسية؟
– لأن الأسد يفضل الاعتماد على روسيا وإيران. وطالما هناك هذا الدعم، سيستمر في موقفه.
> سأعود لموضوع روسيا بعد قليل. لكن ماذا عن شمال شرقي سوريا. عدد القوات وأهدافكم هناك؟
– هناك قوة صغيرة تدعم «قوات سوريا الديمقراطية» لهزيمة «داعش». لكن عبر وجودنا هناك في الأرض ووجودنا الجوي أيضاً، نريد أن نحرم الأسد وروسيا وإيران من السيطرة على الأراضي هناك، إضافة إلى التنف.
> بالنسبة إلى التنف. هل تقدم أي دعم لوجيستي للغارات الإسرائيلية في سوريا؟
– قاعدة التنف تعمل هناك للسيطرة على تلك الرقعة الجغرافية ومحاربة «داعش». بإمكان سؤال الإسرائيليين حول الدعم.
> ذكرت قبل أيام أنك حاولت إنجاز صفقة بين «وحدات حماية الشعب» الكردية وتركيا في شمال شرقي سوريا. ما هي التفاصيل؟
– لم أتحدث عن اتفاق بين «الوحدات» وتركيا، بل بين «حزب الاتحاد الديمقراطي» من جهة و«المجلس الوطني السوري» (الكردي) وقوات البيشمركة المدعومة من (الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق) مسعود بارزاني. أجروا مفاوضات وهي مستمرة. نأمل أن هذا سيؤكد لتركيا أن «حزب العمال الكردستاني» وفرعه السوري، «الوحدات»، لن يهيمن على جميع الأكراد.
> هل تعتقد أن هناك إمكانية لتفاهمات بين «قوات سوريا الديمقراطية» و«الوحدات» من جهة وأنقرة من جهة ثانية؟
– دائماً ممكن. كما تعرف التاريخ وفي عامي 2014 و2015، أجروا اتصالات مكثفة في دهوك.
> ماذا عن التطبيع مع دمشق. ما هي شروطكم للتطبيع؟
– تطبيق القرار 2254، أيضاً، في أي تسوية وكجزء من أي تسوية، يجب انسحاب تركيا وأميركا والقوات الإيرانية وعدم توفير ملجأ آمن للإرهابيين والعمل مع المجتمع الدولي ضد الإرهابيين، إضافة إلى تنفيذ جميع الالتزامات المتعلقة بالبرنامج الكيماوي في اتفاق 2013 (الذي أبرم بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف قبل إصداره في القرار الدولي 2118). أيضاً، محاسبة أولئك الذين ارتكبوا جرائم الحرب. والعمل مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لعودة كريمة وحرة للسوريين إلى بلادهم. هذا ما نتوقعه.
> في حال قبِل الرئيس الأسد هذه الشروط، هل ستقبل أميركا التطبيع والتعامل معه؟
– هذا لا يتعلق بقبول الأسد. هذا يخص مقاربة «خطوة مقابل خطوة». هذا ما قلنا للروس. في حال قبول هذه الشروط، فإننا سنخفف الضغط خطوة بعد خطوة ونرفع العزلة الدبلوماسية والعقوبات.
> حتى من الأسد نفسه؟
– إذا الأسد نفسه بدأ تنفيذ هذه الشروط، فإننا سنبدأ بالرد (بخطوات). نعم صحيح.
> ماذا عن إيران وقواتها في سوريا؟
– الهدف الأول لإيران كان الإبقاء على الأسد في السلطة. ثم، قرر الإيرانيون التموضع في سوريا ضد إسرائيل وضد تركيا والدول العربية والنظام الإقليمي بقيادة أميركا.
> الإسرائيليون يتحدثون عن انسحابات إيرانية. هل تظن أن إسرائيل نجحت بإبعاد إيران عن الجنوب؟
– أعتقد، أن الإسرائيليين نجحوا بمساعدة منا بمنع إيران بإقامة وضع ثانٍ مثل «جنوب لبنان» في جنوب سوريا ومنع تهدد إسرائيل ودول أخرى بنظام صاروخي طويل المدى.
> ما هي طبيعة الدعم الأميركي لإسرائيل في سوريا في هذا السياق؟
– الدعم الضروري.
> نتحدث عن الدعم العسكري والاستخباراتي؟
– الدعم الضروري.
> ماذا عن روسيا. ذكرت مقاربة «خطوة مقابل خطوة» وكنت إلى وقت قريبا من مفاوضات للروس حول سوريا. ما هي قراءتكم لموقفهم ومدى استعدادهم للتسوية في سوريا؟
– أولاً، الروس مقتنعون بأنهم لن يحققوا نصراً عسكرياً في سوريا. ثانياً، يدركون أن الأسد ليس ذا شعبية وليس مؤثراً، لكن الروس لا يزالون لم يتخذوا خطوات للحل السياسي والدبلوماسي. حاولوا دعم مؤتمر اللاجئين الأخير في دمشق، لدعوة المجتمع الدولي. نعرف أن المجتمع الدولي لن يقبل ذلك، لذلك عرقلنا أي مشاركة جدية في هذا المؤتمر كي نظهر لهم أن ذلك (مقاربة روسيا) ليس صحيحا. إذا الروس واصلوا محاولاتهم هذه، فإننا سنواصل إظهار لهم أن هذا لن ينجح. لدينا الوقت.
> ذكرت مرات عدة سابقاً أن دورك أن تغرق روسيا في «المستنقع السوري». كيف؟
– المستنقع، هو عندما يكونوا في وضع يستثمرون مواردهم من دون نجاح ومن دون الخروج (مخرج من الأزمة). لذلك، سيكون عليهم الصراع كي لا يسقطوا أو يغرقوا. في نهاية المطاف، سيقررون اتباع أسلوب آخر، وهو التعاون معنا والمجتمع الدولي.
> هل تعتقد أن روسيا حالياً في عمق «المستنقع السوري»؟
– نعم إنهم في خضم المستنقع. أظن. نعرف أنهم يدركون أنهم في المستنقع. لكن حتى لو كنت في مستنقع، وهذا حصل معنا في فيتنام، فإن الأمر يأخذ وقتاً كي تدرك ذلك بعمق وتتصرف على هذا الأساس. حصل هذا مع السوفيات في أفغانستان، وحصل مع إيران في جنوب العراق في الثمانينات (خلال الحرب بين الطرفين). الأمر يأخذ سنوات.
> كم من الوقت ستأخذ روسيا كي تدرك أنها في «المستنقع» وتغير منهجها؟
– لا أعرف. سنواصل الضغط إلى أن يدركوا ذلك.
> قررت ترك منصبك مبعوثاً للملف السوري. ما هي نصيحتكم للفريق الجديد للملف السوري في إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن؟
– استمروا في هذه السياسة الناجحة القائمة على الضغط. هي ناجحة، أولاً لأننا لم نقم بأي من أخطاء إدارة باراك أوباما التي ارتكبتها في سوريا. ناجحة لأننا استخدمنا جمع عناصر القوة التي في حوزتنا بما فيها القوة العسكرية. لم نجلس ونحن نرى «خطوطنا الحمراء» يتم تجاوزها أمام أعيننا ولا نرد عندما استخدم النظام السلاح الكيماوي (في نهاية 2013). لم نتخل عن التحالف الدولي (ضد داعش). استعملنا الأمم المتحدة. والأهم، لدينا سياسة، تدعمها جميع الأطراف في المنطقة، بما فيها أوروبا. هذه بداية ممتازة لهم (الفريق الجديد) كي يستمروا فيها.
> تقصد الإمساك بالضغط والعزلة عبر الأدوات العسكرية والدبلوماسية؟
– لا. انتظر. كل هذا مربوط أيضاً بحل سياسي (تسوية). هذا يعني أننا لا نقرر (لا نحكم) كيف ستكون الحكومة السورية. أي، نريد الاستجابة للقرار 2254. نحن لا نقول إنه على الأسد أن يغادر (الحكم). لا نقول إنه على روسيا أن تغادر (سوريا). نقول، إنه على إيران أن تغادر، لكن كجزء من التسوية النهائية في سوريا. أيضاً، أميركا ستغادر. تركيا ستغادر. إسرائيل ستغادر. هذا هو عرضنا.
> إذن، أميركا تقبل سوريا بوجود روسيا وبخروج إيران. صحيح؟
– تماماً.
> بوجود الأسد؟
– إذا كان الأسد يغير سياسته. نعم.
> أنت التقيت مع الفريق الجديد للملف السوري في إدارة بايدن. ماذا أخبرتهم؟
– لا أتحدث عن مضمون اتصالاتي الدبلوماسي الداخلية.
> مثلاً؟
– أنا أخبر كل شخص ما أخبرتك به للتو…
> هل تعتقد أن الإدارة الأميركية الجديدة ستواصل ذات السياسة للإدارة السابقة؟ هناك حديث عن استثمار أكثر بالعملية السياسية والتفاوض مع الروس؟
– سنرى ما سيقوم به الفريق الجديد.
> بالنسبة للسوريين الموجودين خارج سوريا. ماذا تقول لهم؟ متى تظن أن التسوية ممكنة وعودتهم قريبة؟
– لا أستطيع إعطاء تاريخ.
> كم سنة؟
– لا أستطيع القول.
> لكن هل تعتقد أنهم سيعودون إلى بلادهم؟
– أنا متفائل. في حياتي أكيد. وكل تقديري لكل الشعب السوري.
الشرق الأوسط
———————————–
جيمس جيفري حينما يتحدث عن سوريا/ بشير البكر
بين رحيل إدارة أميركية ومجيء أخرى جديدة يبقى الملف السوري بين أكثر الملفات حضورا في الإعلام والكواليس، ويبدو أن السفير جيمس جيفري رئيس فريق وزارة الخارجية المكلف بالمسألة السورية قد قرر أن يقدم ما يشبه جردة وخلاصات عن الفترة التي أمضاها في هذا الموقع من آب 2018 وحتى مطلع الشهر الحالي، حيث عاد إلى التقاعد.
وقبل كل شيء يعد جيفري أحد العارفين بالمسألة السورية بفضل تاريخه الدبلوماسي الطويل في العالم العربي وتركيا، حيث عمل سفيرا في العراق وتركيا، ودبلوماسيا في الكويت وتونس. وعاش جيفري العامين الماضيين من تطورات القضية السورية عن كثب. حضر على الدوام في المنطقة، وظل على درجة عالية من المهنية والالتزام الأخلاقي، ولذلك كان صريحا ومباشرا في مواقفه من بشار الأسد وداعميه روسيا وإيران. ومثال على ذلك الحوار الطويل الذي أدلى به يوم الأربعاء الماضي إلى موقع المونيتور وترجمه ونشره موقع تلفزيون سوريا.
وحفل الحوار بخلاصات ومعلومات من كواليس السياسة الأميركية تجاه سوريا لم نعهدها عن دبلوماسيين آخرين. ومن أبرز ما كشف في الحوار أن هناك قرارا في وزارة الخارجية من طرفه والوزير مايك بومبيو بمنع انتصار روسيا وإيران والنظام سياسيا في سوريا. ويعتبر أن الاساس لهذا القرار السياسي تم بناؤه ومن الصعب تقويضه، ومن هنا تم إفشال مؤتمر اللاجئين الذي عقدته روسيا في دمشق يومي 11و12 من الشهر الماضي، في محاولة للخروج من فشلها العسكري بالذهاب نحو إعادة الإعمار.
وفي التركيز على روسيا وإيران يبدو الموقف تجاه إيران أكثر رسوخا، ويقول جيفري “ولقد قمت مع الوزير بومبيو بإقناع الإدارة بأننا إذا لم نتعامل مع المشكلة الأساسية التي تمثلها إيران في سوريا، فلن يكون بوسعنا أن نعالج تنظيم الدولة معالجة دائمة ومستمرة”. هذه أول نقطة في تفكير جيفري والأسلوب الذي اتبعه للجمع بين تلك الأمور ضمن سياسة موحدة تجاه سوريا تندرج ضمن المقاربة الشاملة تجاه إيران وداعش معا.
وتمخض ذلك عن نتيجة تمثلت بنجاح نسبي، “لأننا أوصلنا الأوضاع إلى مرحلة الاستقرار، وذلك بمساعدة الأتراك على وجه الخصوص”. والمقصود بذلك وقف إطلاق النار في إدلب في الخامس من آذار الماضي في وقت كان كل ما يهم الرئيس دونالد ترامب في سوريا هو هزيمة داعش، ولذلك كان يعلن بين فترة وأخرى عن سحب القوات الأميركية، لأن الحرب بالنسبة له انتهت مع تقويض خلافة داعش المزعومة.
وفي الحوار لا مجال للشك بأن المعركة مفتوحة مع إيران، تحديدا، وروسيا، وعلى هذا الأساس يقدم جيفري “قسد” خطة ب، في حين أن هدف الخطة أ هو ضمان عدم حصول الروس والأسد والإيرانيين على إجابة شافية بالنسبة للطريقة التي ستنتهي بها كل الأمور، و”سيظل هؤلاء مكبلين ولن يستطيعوا أن يعتبروا سوريا انتصاراً بالنسبة لهم”، وبالنسبة لجيفري يمكن القول “إننا منعنا إيران من تحقيق أهدافها بعيدة المدى، وعرضنا وجودها الحالي لضغوطات”، ولكن هل تكفي تلك الضغوطات لرحيل إيران من سوريا؟ “لا أعرف، وهل بوسعنا دحرهم؟ لست أدري. لكنني أعرف تماماً بأن ذلك جزء أساسي من أي اتفاق أوسع، إذ مهما كان حجم الألم الذي سببناه للإيرانيين، لن يرحل الروس أو نظام الأسد إلا برحيل إيران”، وهذه هي المسألة الجوهرية.
ويؤكد جيفري أن الإيرانيين سحبوا كثيرا من رجالهم، ويعود أحد أسباب ذلك إلى الضغط الكبير الذي يتعرضون إليه من الناحية المالية، فقد أصبحت سوريا مكلفة جداً بالنسبة لهم. وقد ازداد عدد الإيرانيين الذين أصبحوا يعزون كل ذلك للوضع الاقتصادي المتردي إلى سوريا، كما لم يعد بوسع إيران أن تضغط على سوريا لتقوم بتسديد الفاتورة الكبيرة.
والخلاصة التي يعلن جيفري أنه على يقين منها هي أن “الروس يدركون بأنه ليس ثمة أي انتصار عسكري، ولهذا فكروا وقالوا لأنفسهم: كيف يمكننا أن نحقق انتصاراً سياسياً؟”، ولم يجدوا وسيلة لتحقيق ذلك غير “اختطاف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، وذلك عبر الاستعانة بأمور مثل ترشح الأسد لانتخابات 2021 كبديل عن الانتخابات التي ستجري برعاية الأمم المتحدة”، وكذلك عبر عقد مؤتمر للاجئين تترأسه روسيا، لسحب ذلك الملف من الأمم المتحدة ومن المجتمع الدولي، ولوضع ختم روسيا والأسد، ولذلك قامت واشنطن بزيادة عزلة الأسد ورفع منسوب العقوبات بهدف الضغط عليه، “وتمسكنا بموقف عدم تقديم المساعدات اللازمة لإعادة الإعمار، بالرغم من أن البلد بأمس الحاجة إليها إذ رأيتم ما حدث لليرة السورية، كما رأيتم ما حدث لاقتصاد سوريا بكامله، ما يعني أن هذه الاستراتيجية كانت فعالة للغاية”.
في الختام تجدر الإشارة إلى أن الحوار يضع الأساس لتقييم السياسة الأميركية تجاه المسألة السورية في الفترة الماضية، ويصلح أن يتحول إلى دليل عمل لقراءة مواقف وسياسات الإدارة المقبلة، وهذه من أهم عناصر القوة فيه
تلفزيون سوريا
—————————-
جيفري: روسيا غارقة في “المستنقع السوري“
قال جيمس جيفري، المبعوث الأميركي السابق للملف السوري والتحالف الدولي ضد “داعش”، إن روسيا غارقة في “المستنقع السوري”، لافتاً إلى أن الروس “يدركون أنهم في المستنقع، وأن أميركا “ستواصل الضغط إلى أن يدركوا ويوافقوا على تسوية”.
وأوضح جيفري أن بلاده تقدم “الدعم الضروري” لإسرائيل في جهودها لمنع “تموضع” إيران في سوريا وأن “الإسرائيليين نجحوا بمساعدة منا في منع إيران من إقامة وضع ثانٍ مثل (جنوب لبنان) جنوب سوريا ومنع تهديد إسرائيل ودول أخرى بنظام صاروخي طويل المدى”، لافتاً إلى وجوب خروج قوات إيران في “أي تسوية نهائية”.
ولفت جيفري، في حديث لـ “الشرق الأوسط”، إلى أن قوات أميركية تنتشر شرق الفرات وتدعم قوات سوريا الديمقراطية لهزيمة داعش، مضيفاً: “عبر وجودنا في الأرض والجو، نريد أن نحرم الأسد وروسيا وإيران من السيطرة على الأراضي هناك وفي التنف”، وأشار إلى أنه “متأكد من أن النظام لن يعود إلى إدلب”.
وكان قال جيمس جيفري المبعوث الأميركي السابق للملف السوري والتحالف الدولي ضد “داعش”، في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط”، إنه “نصح” إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن بالاستمرار بالسياسة التي اتبعتها إدارة الرئيس دونالد ترمب في سوريا.
واعتبر جيفري أن تلك السياسة كانت “ناجحة، أولاً لأننا لم نقم بأي من أخطاء إدارة باراك أوباما، واستخدمنا جميع عناصر القوة التي في حوزتنا بما فيها القوة العسكرية”، مضيفاً “لم نجلس ونحن نرى (خطوطاً الحمراء) يتم تجاوزها أمام أعيننا ولا نرد عندما استخدم النظام السلاح الكيماوي” في نهاية 2013.
—————————-
====================