عن “رامي مخلوف” -مقالات مختارة
حقيقة الصراع على الثروات التي بحوزة رامي مخلوف/ ميشيل كيلو
—————————————-
ماذا تعرف عن رامي مخلوف؟/ عمر قدور
ولى زمن التكهنات حول “المعركة” بين بشار الأسد ورامي مخلوف، التكهنات التي أثارها الأخير بمجرد ظهوره على وسائل التواصل كاشفاً عن الخلاف بينهما، وهذا أسلوب غير معهود في الخلافات بين أركان السلطة. من غير المعتاد أيضاً استقرار الخلاف كما هو الحال الآن، فلم ينتهِ بقتل رامي كما تفعل السلطة بمن صاروا عبئاً عليها، ولا بإسكاته عبر الضغط أو بإرغامه على الاعتذار، وبالطبع لم يكن متوقعاً إعلان انشقاق مخلوف على غرار انشقاق عبدالحليم خدام مثلاً.
إذاً، توقف ظهور رامي عن تقديم مادة للتحليل السياسي، إلا أنه لم يتوقف عن جذب الانتباه على وسائل التواصل، مثيراً سخرية المعارضين من دون أن نعرف الصدى الحقيقي لظهوره بين الموالين، إن كان من صدى يُعتدّ به. وهو لا يتوقف عن تقديم المادة المثيرة للسخرية لمن يريد ذلك، إما لأنه لا يراها من موقع أولئك الخصوم، أو لأنه يقدّم نفسه كما هو حقاً فلا يستطيع تمثّل الصورة التي ينبغي أن تكون لمن هم على شاكلته.
في ظهوره الأخير، الذي نستعرضه بإيجاز، إستتر الخلاف مع بشار، بينما طغت نبرة التدين التي رافقته منذ أول تسجيل بثّه. الجديد هي النبرة القيامية التي تحدث بها، واصفاً أهوال السنة الفائتة بالعلامات الصغرى، منبّهاً إلى العلامات الكبرى “من زلازل وبراكين وفيضانات وانهيارات مالية ووفيات بأعداد ضخمة” التي إذا حصلت في العام الجديد نكون في عصر الظهور، ظهور المهدي أو نزول المسيح. مستذكراً ما حل بالسوريين بنبرة جديدة، إذ يتحدث عن كلفة عشر سنوات من الحرب بعبارات من نوع “الكل خسران، خسرنا أعز أحبائنا، تشرّد أحلى ناسنا!”، داعياً إلى وحدة السوريين أينما كانوا بالتضرع لله يومياً لمدة أربعين يوماً في توقيت واحد بدءاً من منتصف الشهر.
بقليل من البحث، سنعثر على ما عدّه علامات كبرى ضمن نبوءات مناخيين وفلكيين واقتصاديين وعلماء صحة. لعلها، إن حدثت، تمنحه مصداقية أمام جمهور من البسطاء، إلا أن “استعارته” العلامات من رهط المتنبئين لا تمنع أن يكون مقتنعاً بدلالاتها القيامية. مثل هذا نراه هنا وهناك، شرقاً وغرباً، بمظاهر وجذور متعددة، ولدى أشخاص ناجحين في حيواتهم العملية وربما العلمية، ومخلصين جداً لوعيهم القيامي. وإذا عدنا إلى تدين رامي، ما الذي يمنع أن يكون حقيقياً؟ ماذا نعرف عنه، لنرى تدينه زائفاً؟
باستثناء من كانوا على صلة شخصية برامي، لا معلومات لدى عموم السوريين عن إمبراطور الاقتصاد العائلي الأسدي، لا معرفة لديهم بطباعه، بسلوكه، بثقافته، باستثناء ما يُتوقع منه كإبن سلطة فاسد. وفق المتخيَّل، ينبغي أن يكون ذلك الولد اللاهي العابث، غير المؤمن بالضرورة، وغير المؤهل ليصبح مؤمناً كما يفعل آخرون تصيبهم “الهداية” في وقت ما. وفق المتخيَّل ذاته، لا بد أن يتمتع بدهاء وحنكة ذلك الذي يدير عشرات المليارات من الدولارات، ومن لوازم الحنكة أن يكون متحدثاً ماهراً، إذا لم يكن على معرفة واسعة؛ هو بالضرورة شخص مختلف عن الهيئة الركيكة التي يظهر بها في تسجيلاته.
هناك من يؤكد أن تديّن رامي، أو إظهار تدينه، سابق على الشقاق بينه وبين بشار الأسد. في كل الأحوال، ليس هناك ما يمنع تآزر التدين مع الحس التجاري، وألا يكون صاحبهما منافقاً وفق الصورة النمطية عن تجار الدين. الأهم من ذلك، تلك الركاكة غير المتوقعة من رامي وأمثاله، والتي تثير “مع السخرية” دهشة مكبوتة لدى كثيرين من السوريين، رغم كل ما يقولونه عن فساد السلطة ووحشيتها وانحطاطها.
لسان حال الدهشة: كيف حكمنا ويحكمنا هؤلاء الركيكون، جامعو مختلف أنواع الرثاثة؟ قد يعزز من الدهشة أن الحديث عن الجيل الثاني من السلطة، الجيل الذي فُتحت أمامه أبواب الحياة على مصراعيها، فأتيح له التعلّم والسفر ومخالطة ثقافات أخرى، على غير المتاح لعموم السوريين ولم يكن متاحاً حتى لجيل الأسدية الأول. بدهشتنا المتكررة، ننسى ما نعرفه جيداً عن الأسدية كسلطة مطلقة، سلطة عاجزة بطبيعتها عن إنتاج رجالات على السوية المتخيّلة عنها.
من النوادر المعروفة أن أحد أبناء عمومة بشار الأسد انتسب إلى كلية الحقوق، لننسَ ما إذا كان يستحق شهادة البكالوريا أم حصل عليها بالقوة، وفور انتسابه وضع لوحة في الشارع تشير إلى مكتبه كمحامٍ، بل راح يمارس المهنة بطريقته وبأعوانه الذين يحصّلون عنوةً الحقوق المزعومة لزبائن المكتب. هل يجرؤ معلم أو مدرس أو بروفيسور جامعي على منح أولاد السلطة علامات الرسوب؟ هل تجرؤ مربية لهؤلاء، إذا وجدت، سوى على مراضاتهم وقبض راتبها مع اتقاء شرورهم؟ وهل آباؤهم أنفسهم كانوا منشغلين بجعل أبنائهم أكثر علماً وثقافة وأدباً؟ أم كانوا متلهفين ليأخذوا مكاناً في السلطة؟ أو لينافسوا أقرانهم من أبناء المسؤولين الآخرين على المناصب؟
حتى في الجيل الأول، ما الذي يعرفه السوريون عن رفعت أو جميل الأسد “أعمام بشار”، سوى الركاكة والرثاثة مع التأهب للبطش لدى الأول والتأهب للسطو لدى الثاني؟ ما الذي يعرفونه عن شخصيات مثل علي حيدر وعلي دوبا وشفيق فياض وصولاً إلى آصف شوكت وماهر الأسد، باستثناء ما ينطوي عليه كل منهم من وحشية؟ إن ما نعرفه، وما لا نعرفه، عن أركان الأسدية يصب في المنحى الذي يبدو مدهشاً في ركاكته ورثاثته، من دون أن نبخس هؤلاء الأشخاص “حدسهم” إزاء سلطتهم وما يتهددها، الحدس المدرّب كما تُدرَّب الكلاب البوليسية.
في وسعنا الجزم بعملية اصطفاء معكوسة تقوم بها آليات السلطة المطلقة، بحيث تكون عاجزة سوى عن اتخاذ هذا المسار المواكب لطبيعتها. ركاكة رامي مخلوف المثيرة للسخرية هي “على سبيل المثال ليس إلا” صورة ابن عمته بشار، إذا جردناه من عشرات المستشارين، بل رغماً عن وجودهم أحياناً. لا يضير الأسدية أن يدهش ابتذالها بعض الخصوم، فهذه أصالتها من جهة، ومن جهة أخرى هذا ما يتفاخر به حُماتها وهم يتنافسون في إبراز قابليتها للسقوط لولا مجيئهم.
المدن
————————————–
رامي مخلوف..بانتظار المخلص الإيراني!/ عقيل حسين
كان الظهور الأخير لرجل الأعمال الأشهر في سوريا رامي مخلوف الخميس، مختلفاً بشكل كبير عن جميع المناسبات السابقة التي ظهر فيها منذ بدء النظام بتجريده من أملاكه ونفوذه.
فعلى الرغم من أن التسجيلات المصورة السابقة التي دأب مخلوف، ابن خال رئيس النظام بشار الأسد، على الإطلالة من خلالها للتعبير عن غضبه جراء هذه الحملة، ابتداء من أيار/مايو 2020، كانت تتضمن عبارات دينية وأدعية وتحذيرات من انتقام إلهي سيصيب “الظالمين” إلا أنها المرة الأولى التي يكون الظهور بكاملها مخصصاً للحديث عن الغيبيات والتسليم لها.
لكن هذا الظهور لم يكن مفاجئاً بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين عرفوا رامي مخلوف عن قرب خلال السنوات التسع الماضية. وأكدوا ل”المدن” أن مخلوف أظهر خلالها الإلتزام على نحو كبير بالطقوس الدينية على المذهب العلوي، كما أنه بات ميالاً للتعلق بالغيبيات ومن المؤمنين جداً بالتنبؤات وعلم الأرقام والتنجيم، ويقدس الأولياء ويبذل بسخاء لصالح المقامات العلوية التي كان يحرص على زيارة بعضها على نحو مستمر.
وتضيف هذه المصادر أن مخلوف أصبح في الفترة الأخيرة أكثرإلتزاماً، وكما لم يحدث من قبل، بالطقوس الدينية والمواظبة على مراجعة كتب الطائفة العلوية التي تتحدث عن آخر الزمان وعلامات القيامة وظهور المهدي والمسيح، لكنها تلفت إلى أنه لم يعد بإمكانه استقبال المنجمين الذين اعتادوا أن يزوره بشكل دوري قبل أن تُفرض عليه الإقامة الجبرية منذ نحو تسعة أشهر بشكل غير رسمي.
وتلفت هذه المصادر إلى أن هذه الحالة ازدادت وضوحاً لدى مخلوف عقب وفاة والده قبل أشهر، الذي كان يعول عليه كثيراً في إنقاذ علاقته مع الأسد، هذه العلاقة التي باتت بحكم المنتهية ولا توجد أي مؤشرات على إمكانية إصلاحها.
كما تؤكد المصادر أن مخلوف بات أكثر ميلاً للتسليم بخسارته المعركة مع آل الأسد، والتي ظل حتى اللحظات الأخيرة يؤمن بأنها لن تنتهي على هذا الشكل الدرامي الذي آلت إليه، خاصة وأنه كان يعتقد بإمكانية أن يشكل وقوف بعض الشخصيات النافذة في النظام إلى جانبه عامل ضغط يغيّر اتجاه الأحداث، أو أن تتدخل روسيا وإيران لوضع حد للحملة التي شُنت ضده، وهو ما لم يحدث، ما شكل خيبة أمل كبيرة لديه.
خيبة أمل رامي مخلوف لم تقف عند هذه النقطة، بل تعدتها لتشمل شعوره القوي بالمرارة جراء تخلي جميع من كانوا محسوبين عليه، وكذلك عدم تسجل الطائفة العلوية أي موقف لصالحه رغم كل ما يعتقد أنه قدمه لها من مساعدات، الأمر الذي تعتقد معه هذه المصادر أنه أسهم في زيادة ميله إلى التسليم بالغيبات وانتظار تدخل إلهي ينصفه كما يبدو.
وخلال ذروة الأزمة بين النظام وبين رامي مخلوف، توقع الكثيرون أن تتحرك الميليشيات التي شكلها الأخير ضمن قوى الشبيحة والدفاع الوطني للدفاع عنه، خاصة مع بعض التقديرات التي بالغت في تصوير حجم وإمكانات هذه الميليشيات، إلا أن النظام لم يحتَج في النهاية إلى أكثر من اعتقال بعض القادة فيها ولفترة وجيزة قبل أن يطلق سراحهم بعد التأكد من ولاء هذه المجموعات المسلحة المطلق للنظام.
لكن الصحافي عدنان عبد الرزاق يستبعد في حديث ل”المدن” أن تكون هذه الحالة من التسليم للفكر الغيبي والأوهام جزء أصيل من شخصية رامي مخلوف الذي تربّى بعيداً عن الدوائر الاجتماعية التي تنتشر فيها هذه الأفكار، فهو ابن السلطة والنفوذ وصاحبهما فيما بعد وبما يعفي من الحاجة إلى توسل الغيب من أجل تحقيق كل ما يريد.
ويضيف أن “الوسوسة والتسليم والتواكل والإغراق بالغيبيات والأوهام كلها علامات على تأثير إيراني على مخلوف”، موضحاً أن “رامي مخلوف كان قد اختار اللعب مع روسيا عبر أخيه حافظ وأبيه قبل أن يتوفى، فمنذ عام 2015 أقام محمد مخلوف بشكل دائم وابنه حافظ في موسكو، وتوافقوا مع الروس على ترتيبات تتعلق بتسوية ما بعد الأسد، وباعتقادي الخاص فإن اسرائيل هي من سرب المعلومات حول هذه العلاقة وأهدافها وأن هذا هو السبب الحقيقي لخلاف مخلوف والأسد”.
وتابع: “بعد اختيار موسكو اعتماد ورقة بشار الأسد بشكل نهائي بدأت إيران بالعمل على استقطاب رامي عبر وعود بالحماية وإقامة مصالح اقتصادية وأعمال بين الطرفين، ولذلك أصبح رامي مخلوف اليوم من حصة طهران وأحد أوراقها بواقع فقدانها كثير من الأوراق ونقاط القوة”.
ورغم موجة السخرية الواسعة التي أثارتها دعوة مخلوف السوريين إلى تجاوز آلام الماضي والعمل سوية من أجل المستقبل، وفق خطوات يكون أولها الدعاء في وقت واحد من أجل النجاة من مصير أكثر سوء ينتظرهم، إلا أن الجميع كان لافتاً بالنسبة لهم حديث مخلوف عن السوريين دون تحديد توجههم السياسي، الأمر الذي يثير التساؤلات أيضاً.
سواء كانت حالة التعلق بالغيب والاستسلام للفكر الميتافيزيقي حالة طارئة على رامي مخلوف نتيجة الظروف الخاصة والأزمات التي واجهته، أو كانت صفة أصيلة فيه، فإن ظهوره الأخير يكشف عن وضع نفسي معقّد يمر به الرجل الذي كان حتى الأمس القريب إمبراطور المال والاقتصاد الأول في سوريا، فهل كان يبحث من خلال هذا الظهور عن مستقبله لدى إيران كرجل سياسة؟ أم عن مقام ديني كرجل زاهد بين العلويين؟
—————————-
مخلوف يكتب للأسد:هل يرضيك بيع أملاكي ومنزلي ومنزل أولادي
قال رجل الأعمال السوري رامي مخلوف إنه أرسل الأحد، كتاباً إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، بصفته رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس السلطة التنفيذية والعسكرية والأمنية.
وأضاف مخلوف في منشور على صفحته على “فايسبوك”، أنه أبلغ الأسد في الكتاب بأن “الأمر وصل مع هؤلاء العصابات، أثرياء الحرب إلى تنفيذ تهديداتهم بسبب عدم تنازلنا عن الشركات والأملاك. فقد قاموا ببيع أملاكي وشركاتي وصولاً إلى منزلي ومنزل أولادي بعقود ووكالات مزورة”. وتابع: “إذا كان يا سيادة الرئيس يرضيك ذلك فلا كلام لي بعد ذلك”.
وقال مخلوف إن “المحاميين باتوا مهددين لا يتجرأ أحد منهم على الدفاع عن حقوقنا حتى ولو سُمح لهم بذلك، ليقابل ذلك تمتيع تلك العصابات بسلطات واسعة من أهمها السلطة الأمنية التي هي سيف مسلط على رقاب الجميع دون استثناء، إضافة إلى توقيف أية معاملة لنا أمام أية جهة حكومية”.
وأضاف أن “تلك العصابات وبالاتفاق مع جميع الجهات الرسمية العامة عملت على تزوير عقود ووكالات بيع وتسجيلها بتواريخ قديمة تعود لعامين سابقين ليومنا هذا، وذلك بهدف دحض كل ادعاءاتنا كونها تحمل تواريخ لاحقة لتواريخهم المزورة تلك ولمحاولة تمتين أساليب احتيالهم وتزويرهم، والقوننة الشكلية لبيع أموالنا التي لم نقم ببيع أي منها”.
وتابع أنه قبل 4 أيام اقتحمت “عدة عناصر أمنية لمقر أحد مكاتبنا ليلاً واستحوذت على جميع وثائق شركاتنا بما فيها اجتماعات الهيئات العامة لتلك الشركة وسجلاتها التجارية الأمر الذي يتيح حرية تزوير اجتماعات الهيئات العامة وقرارات مجالس إدارات تلك الشركات بما يتوافق مع تلك الاجراءات والقرارات المزورة”.
وأضاف مخاطباً الأسد: “لماذا وبالرغم من كل ما تمّ ويتّم ذكره لا يتم الاكتراث من قبلكم أو من قبل أي جهة عامة لمسألة بهذا الحجم تنطوي على عمليات احتيال وتزوير تشكل أكبر ملف فساد يمر بتاريخ” سوريا”.
لقد تم اليوم إرسال كتاب إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى السيد الرئيس بشار الأسد رئيس السلطة التنفيذية والعسكرية والأمنية بأن…
Posted by رامي مخلوف
https://www.facebook.com/RamiMakhloufSY/posts/3156094121159487
المدن
————————–
حين هتف رامي مخلوف لبشار الأسد “منحبك”!/ محمد فارس
لا تزال إلى اليوم أغنية “منحبك” تلاحقني مثل كابوس وتأبى الخروج من رأسي. أجرّب عبثاً أن أنساها فأتمتم: “خضرا يا بلادي خضرا ورزقك فوّار..”
يسرد موظفون سابقون في شركات رامي مخلوف كيف حشد الأخير حملة “منحبك”، لإعادة “انتخاب” بشار الأسد رئيساً لسوريا عام 2007. ولأسباب خاصة بهم، يتجنّب أولئك الإفصاح عن هوياتهم.
وصلت إلى مقر الشركة عند التاسعة صباحاً قلقاً من المهزلة الوشيكة. أعلمنا مديرو الأقسام طيلة الفترة السابقة بأنّ الحضور في ذلك اليوم إجباري ولا عذر لمن لا يحضر. وأكدوا أن التحرك سيكون عند التاسعة والنصف باتجاه مركز الاقتراع. كان طاقم الموظفين حاضراً بكامله تقريباً والجميع مشرئب مستعد. لا أدري إن تمارض أحدهم أو كان مريضاً في الواقع فاعتذر عن الحضور. لكن آخرين قدِمُوا على رغم مرضهم، ساحبين أنفسهم من الفراش بدافع الخوف من عقوبة لا يُدرِك أبعادها أحد. تفقد رؤساء الأقسام أسماء الحضور ورُفِعَت قوائم الأسماء إلى المديرين المباشرين ثم إلى المديرين الأعلى رتبة، وهكذا إلى أن وصلت إلى مالك الشركة ومديرها العام رامي مخلوف.
في نظام شركات مخلوف شبه العسكري، كان لدي انطباع بأن “الأستاذ” يطّلع على كل تفصيل حتى في سجلات الدوام، لا سيما في يوم له خصوصيته وأهميته. كان ذلك في يوم الأحد 27 أيار/ مايو 2007، يوم الاستفتاء الرئاسي السوري.
كانت قد وصلت قبل مدة صناديق فيها قمصان (تي- شيرت) بيض صينية الصنع عليها صورة بشار الأسد معدّلة فيها ملامحه قليلاً، على خلفية العلم السوري على شكل أمواج وخلفهما خريطة سوريا، وفي الأسفل كلمة “منحبك”؛ شعار الحملة التي أطلقها مخلوف عبر شركته “سيريتل” للاتصالات الخليوية.
وبدا لي أن نظام الأسد كان يقلّد “انتفاضة الأرز” حيث كان اللبنانيون المناهضون للاحتلال السوري لبلادهم يرفعون العلم اللبناني فقط في تظاهراتهم إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005. وعليه، فقد طغى في تلك الآونة حضور العلم السوري على “المسيرات المؤيدة لسوريا” العبارة التي وصفت التجمعات التي كانت تُنظّم دفاعاً عن الأسد، في وجه الذين اتهموه باغتيال الحريري. وكانت “سيريتل” إحدى حراب العلاقات العامة في تلك المعركة، ولاحقاً في معركة حشد القطاع الخاص لإعادة “انتخاب” الرئيس.
المهم أن رامي مخلوف أطلق أغنية “منحبك” الشهيرة والتي غنتها شهد برمدا، تلك المطربة السورية التي تلقّفها مخلوف إثر فوزها بالمركز الثاني في مسابقة الغناء “سوبر ستار” عام 2006، ثم تبنّاها عبر شركته “نينار” للإنتاج الفني. ونفّذت “سيريتل” حملة “منحبك” الانتخابية كاملة من الإخراج الفني إلى الأغاني والإعلانات الطرقية.
وبعدما ارتدينا “قمصان بشار”، بدا مظهرنا شيباً وشباباً مثيراً للسخرية. وأثناء المهزلة، كنت أنظر إلى نفسي وإلى أصدقائي فأشعر بالغضب والخجل. وعلى رغم أن كلاً منا لديه أسرة وعمل محترم وشهادات دراسية عليا، وربما غزا الشيب رؤوس بعضنا، إلا أن كل ذلك لم يشفع لنا. ففي النهاية حُشِرنا مثل مجموعة “كومبارس” لتصوير فيلم رديء.
وعلى رغم الامتناع عن التعبير عن أي رأي سياسي أو الدخول في أي حوار يجتاز “الخطوط الحمر”، إلا أنني كنت أقرأ التذمر في عيون زمرة الموظفين من ذوي الأخلاق العالية، وكان عددهم كبيراً. كانت مشاركتهم في “العرس الوطني” فعلاً لا يستطيعون الفرار منه في “إمبراطورية مخلوف”. وكان دافعهم لذلك الحاجة إلى العمل خصوصاً في شركات يعد العمل فيها أفضل فرصة وبأفضل راتب شهري.
وسِيق الموظفون كقطعان الماشية سيراً من مقرّات الشركات باتجاه مراكز الاقتراع في دوائر وأبنية حكومية. كما حول مخلوف بعض مراكز شركة “سيريتل” إلى مراكز اقتراع أنيقة. وكم ذكرني اكتظاظ الحشود أمام تلك المراكز بطوابير السوريين المنتظرة أمام الأفران والمؤسسات الاستهلاكية الحكومية لشراء الخبز والسمن والسكر والشاي وحتى المناديل الورقية أواخر الثمانينات. كانت هذه طقوساً أشبه بتطبيق عملي للاحتفالات المدرسية المملة التي كانت تقيمها إدارات مدارسنا ومنظمتا “طلائع البعث” و”اتحاد شبيبة الثورة”.
وأمام مركز الاقتراع في إحدى الدوائر الحكومية، كانت فرقة آلات نحاسية مؤلفة من مراهقين تملأ الفضاء ضجيجاً من النشاز بعزفها أناشيد تمتدح بشار و”سوريا الأسد”. وبالكاد استطعت تمييز نشيد “يجعلها عمار” لمحمد عبد الوهاب التي مجّد فيها حافظ الأسد.
“بكل حريّة”
في الداخل، كانت صور بشار وحافظ وأعلام سوريا وحزب “البعث” في كل مكان حاجبة الإضاءة المتقطعة لمصابيح “النيون” القديمة، فيما كان الذباب والبرغش يحوم حولها دون توقف. بينما قبعت العناكب في شباكها المشحّرة في زوايا السقف الذي كان ينز عرقاً. وكان الجو الحار خانقاً ورائحة العرق تفوح من المقترعين، بينما دفعت بنفسي لأقترب من مروحة بطيئة صدئة مثبتة في السقف مصدرة أزيزاً مزعجاً تسمعه على رغم من هرج الحشود.
كان الجميع يراقب الجميع. من خلفي طابور طويل ضاغط، وعن يميني “غرفتان سريّتان” مهملتان بستائر سوداء لم يجرؤ أحد على الاقتراب منهما. كما تجمع حول الصندوق أشخاص مجهولون حسبتهم موظفين حكوميين إلى جانب رئيس مركز الاقتراع. وتحت ذلك الضغط، كان على كل أن ينهي “الواجب الوطني” بسرعة في جو حار في طابور انتظار كأنه أمام حمام عمومي عند منطقة “جسر السيد الرئيس” المكتظة وسط دمشق.
وليكونوا قدوة، سحب الموظفون الكبار في شركات مخلوف من مديرين ورؤساء أقسام دبابيس جهزوها مسبقاً. وأمام مرؤوسيهم شرعوا يجرحون أصابعهم ويبصمون بالدم على بطاقات الاقتراع في طقس يستعيد الشعار الأشهر: “بالروح بالدم نفديك يا حافظ” ومن بعده “… يا بشار”. ثم وقف أولئك يراقبون الموظفين يدلون بأصواتهم ويعبّرون عن آرائهم “بكل حرية”.
وبعد تدافع وجدت نفسي أمام طاولتين خشبيتين عاليتين تغطيهما قطع قماش أحمر رخيص، بينما تجمهر خلفهما موظفون و”حوّيصة”. على الطاولات أوراق مفرودة وصندوق بلاستيكي أبيض مكتوب عليه “صندوق استفتاء”. قرأت على ورقة الاقتراع سؤالاً سخيفاً: “هل توافق على مرشح مجلس الشعب السيد الدكتور بشار الأسد لمنصب رئاسة الجمهورية؟” كم سأبدو مثيراً للشفقة إن فكرت بالإجابة للحظة! فكل ما وجب علينا القيام به هو الإشارة بالقلم على الدائرة الخضراء المطبوعة على الورقة والتي تشير إلى الموافقة، ثم إسقاطها في الصندوق. أما الدائرة الأخرى، فلا أذكر جيداً إن كانت رمادية أم حمراء، فهي ترمز إلى رفض ترشيح الأسد، وهو محظور لم أرد الوقوع فيه، ولذلك فبالكاد أتذكرها.
لم يكن إثبات هوية المقترع أمراً ضرورياً طالما أن الانتخاب “على المكشوف”. كان يكفي إبراز بطاقة شخصية مدنية أو عسكرية أو انتخابية، أو رخصة قيادة وإن كانت منتهية الصلاحية. ولا يهم إن كان المقترع حاضراً من دون بطاقة، المهم أنه حاضر. وتداول الممتعضون لاحقاً نكتة سخروا فيها من تلك “الآلية الانتخابية” بقولهم إنهم شاهدوا اللبنانية ماجدة صقر، المديرة التنفيذية لـ “سيريتل”، تشارك بـ”العرس الوطني الديموقراطي” وتصوت للأسد بالدم.
ثنيت الورقة وأسقطتها في الصندوق. وأحسست أن شخصيتي انثنت وصوتي سقط معها. قبل ذلك، كنت قد تركت مسألة التفكير بالسفر إلى مرحلة ما بعد التخرج من الجامعة. لكنني، ومنذ ذلك اليوم، صرت أعدّ الأيام حتى أُنهي دراستي وأترك العمل في شركات رامي مخلوف. فقد أحسست بشعور الخروف الذي يُساق إلى المسلخ، وأن كل شيء سيبقى على حاله؛ بشار و”سوريا الأسد” والمخابرات والقطيع. انقطع لدي كل أمل من أي إصلاح وقررت أن أخرج من البلد وأتركها لهم لعلّهم يشبعون.
كان كل شيء يسير وفقاً للسيناريو الممل المحدد ذاته. فالجميع مدرك أنه يؤدي دوراً في مسرحية ساذجة. وكانت المسألة قد خرجت من أنوفنا جرّاء التكرار. فعلى مدى شهر تقريباً، كان العاملون في شركات مخلوف مجبرين على الحضور كل ليلة إلى الخيمة الضخمة التي نصبها في ساحة الأمويين بالقرب من “مكتبة الأسد”، وعلى بعد أمتار من بناء عائلة مخلوف في “حي المالكي”.
لحسن الحظ أن الخيمة كانت مكيفة ليلاً ونهاراً بشكل جيد في طقس حار وجاف مع إنارة مدروسة في الداخل والخارج. وكانت أرضية الخيمة مفروشة بالموكيت بينما اكتست جدرانها الفينيل الأبيض بصور بشار والأعلام الرسمية.
في تلك الخيمة التي كانت تتسع لحوالى ألف شخص، كنا نتصرف كأطفال مهذبين: ندخل، نجلس، نشرب القهوة المرة، ونراقب الشبكة القبلية الساحلية التي حضرت بقوة في تلك الفترة داخل شركات مخلوف. وتألفت الشبكة التي كانت تعظّم الحدث من المرافقين الشخصيين لرامي وأبيه وإخوته، إلى جانب سائقين وعتّالين وأفراد وعساكر مفرزة الحماية الأمنية المداومة أمام بناء العائلة. أولئك الآتون من مسقط رأس مخلوف في الساحل السوري كانوا يحملون الأعلام وصور بشار بشكل يومي، ويحرصون على الحضور إلى الخيمة والمشاركة “الفاعلة” مع المطرب أو المتحدث على المسرح حيث كانوا يتقافزون على الكراسي ويرقصون ويهتفون كلما ذُكِر بشار.
أولئك كانوا يرتدون بشكل يومي “تي شيرت بشار” الذي تحول في فهمهم بعد الانتخابات إلى رمز للسلطة فيُشعر كلاً منهم بالأهمية حين يتجول فيه. لقد أمدّ ذلك “التي شيرت” أولئك الموظفين البسطاء بقوة ما صار فيها كل منهم يحسّ أنه محسوب على الرئيس شخصياً. وبقي بعضهم يواظب على ارتدائه على رغم من تثقّبه وتغيّر لونه إلى الرمادي.
انقلب رجل الأعمال الجدي الصارم إلى مهرج “لقلوق” لبشار الأسد و “بهلول” مثير للسخرية.
في ذلك الجو الذي لم يخلُ من الهزل، كنا نجلس كمن دخل خيمة عزاء نضطر فيها لأن نصفق ونهتف، ونستمع للخطابات الممجوجة والأغاني القمئية، إلى أن يحين وقت الانصراف، فنخرج فيما طبلات آذاننا منهكة ورؤوسنا قد تورّمت من الضجيج والكلام الفارغ.
داوم رامي مخلوف على الحضور إلى الخيمة يومياً لساعتين أو ثلاث، يسلّم فيها على زوّاره المهنّئين بـ”تجديد البيعة” للرئيس. كان أغلبهم من رجال الاقتصاد والمال والأعمال والمشاهير من الأوساط الفنية والسياسية والإعلامية. وبالطبع كان الموظفون الكبار في شركاته في مقدمة الحضور.
ومع دخول رامي مخلوف، كان الحاضرون، وخصوصاً “الشبكة القبلية”، يهوجون بالتصفيق والصفير. كان رامي يجلس بوقار لدقائق، وما أن تبدأ أغنية “منحبك”، حتى ترتسم على وجهه علامات الحبور التي تتحول طرباً مع هزة رأس وتصفيق حار. ويتحول بعدها بتدرّج من رامي مخلوف القاسي إلى ما يشبه طفلاً في السابعة يستمتع بالرقص على أنغام أغنيته المفضلة غير مكترثٍ بمن حوله. وكان يقف أحياناً على كرسي ويطلب رفع صوت المكبرات مع الأغنية، فيغدو ضجيج الخيمة حفلة جنون عارمة. كانت تلك الأغنية “تزعط” في رأسي كلما خلوت إلى نفسي. كنت أسمعها في منامي وأجدني أتمتمها أحياناً من غير وعي.
كنت أحاول عبثاً أن أتهرب من الحضور فأختلق الأعذار للتأخر عن السهرة في الخيمة. كان مجرد التفكير فيها يشعرني بالغثيان. وحقيقة أقول إنني كنت أحترم جانباً من شخصية رامي مخلوف إلى حد ما. كنت أراه شخصاً صلباً حازماً ذا حضور قوي. لكنه فقد هيبته في نظري حين شاهدت وجهه الآخر. فقد انقلب رجل الأعمال الجدي الصارم إلى مهرج “لقلوق” لبشار الأسد و “بهلول” مثير للسخرية. ومن قال إنه غير ذلك في الواقع؟! كما أن تكرار ذلك الابتذال جعل بعضاً ممن يحترمون بشار الأسد يقرفون منه ومن “العرس الوطني” ومن رامي مخلوف وشركاته. كما أن كثراً من الموظفين الذين أحبوا المطرب جورج وسوف شعروا بالقرف حين سمعوا أغنيته “يا غالي يا بن الغالي“، التي جمّع كلماتها من أغنيات سابقة له، وغناها في حفل في ساحة الأمويين، رعته “سيريتل”. كانت أغنية الوسوف أشبه بسيارة “شام” المجمّعة في سوريا والتي كان الأسد قد افتتح معملاً لها قبل أشهر.
الاحتفال بالعرس الديموقراطي
وبعد “همروجة” الاقتراع، سرت، ككل العاملين في شركات مخلوف، إلى ساحة الأمويين فيما الطرق مغلقة وعناصر الأمن والشرطة في حالة استنفار لمسيرة ظل بشار يتباهى بها لأشهر. وهناك، فوجئت برامي مخلوف يقود الحشود سيراً على الأقدام باتجاه قصر المهاجرين.
وليبدو “واحداً من الناس”، ظهر رامي وإخوته وأخواته مرتدين “تي شيرت بشار” بينما كان رامي يحمل مكبر صوت بوقياً. وقف في المقعد الخلفي لسيارة “بي إم دبليو” سوداء مكشوفة سارت ببطء تتبعها سيارة “كاديلاك إسكاليد” سوداء من الطراز المفضل لديه. معظم سيارات شركات رامي مخلوف ومرافقيه أُلصِق عليها بشكل كامل العلم السوري وصور بشار.
وأمام قصر بشار في حي المهاجرين، صار رامي “يجعر” عبر مكبر الصوت البوقي حتى بُحّ صوته. صار يهتف: “بالروح بالدم نفديك يا بشار” و”حطوا المية بالكاسة.. بشار أسد ألماسة” وختمها بـ”منحبك.. منحبك”. وبعد نحو نصف ساعة، أطل بشار من شرفة قصره ملوحاً ثم ضمّ كفّيه كمن “يعصر ليمونة” كما تقول النكتة الشعبية، كناية عن أنه ملّ من وجودنا وصار لزاماً علينا أن نغادر. أما أنا فقد غادرت المكان قبل أن “يعصر الليمونة”.
ولا تزال إلى اليوم أغنية “منحبك” تلاحقني مثل كابوس وتأبى الخروج من رأسي. أجرّب عبثاً أن أنساها فأتمتم: “خضرا يا بلادي خضرا ورزقك فوّار..”، لوديع الصافي. لكنها تتسلل من بين أسناني رغماً عني حين أتذكر تلك الفترة.
أتحدث مع أصدقائي القدامى الذين عملوا في شركات مخلوف عن تلك الأيام، فيهربون إلى أحاديث أخرى. منهم الخائف على أهله وعلى نفسه وإن كان مقيماً في المنفى. ومنهم غير المكترث أو الأناني الذي “قلب الصفحة” على “سوريا مخلوف” قبل “سوريا الأسد”.
يعود النظام السوري اليوم إلى مسرحية “الانتخابات” الرئاسية فيما يقبع رامي في زاوية في مكان ما وخلفه كومة حطب يابس. يبث رسائله المسجلة عبر صفحته على “فايسبوك” تارة كداعية ديني وأخرى كضحية يتذلل لبشار متهدّل الحاجبين، وثالثة كمظلوم عفّش “تجار الحرب” كل ما يملك. ولا يملّ من مخاطبة “محبوبه” الأسد، طالباً منه “أن يطبق الدستور”.
أسرد هذه القصة للتاريخ وليقرأها رامي مخلوف وأمثاله ممن أوغلوا في دم الشعب السوري ونهبوا مقدّراته وقفزوا فوق كل قانون ودستور. ذاك الذي فقد منزله ومنازل أولاده كما يقول. ذاك الذي خسر إمبراطوريته ودرّتها “سيريتل” وربما لم يبق له منها داخل سوريا سوى أغنية “منحبك”.
درج
———————————-
رامي مخلوف … هل الأزمة سياسية أم أخلاقية/ مالك محاسن
عندما أحرق البو عزيزي نفسه ، لم يكن يدري أنه سيشعل ثورة ليس في تونس فقط بل في العالم العربي كله . ومن المؤكد أنه لم يُحرق جسده للتعبير عن موقف سياسي ، ومن المؤكد أيضاً أنه لم يكن مزروعاً لا من المخابرات الأمريكية ولا من غيرها . وإنما هو موقف أخلاقي من حالة اليأس التي أصابته شخصياً ، ولم يكن يدري أنه بموقفه هذا كان يُعبر عن حالة اليأس التي أصابت المجتمع التونسي .
وعندما إنتفض أهالي درعا ، لم ينتفضوا بسبب موقف سياسي وإنما كانت ردة فعل أخلاقية على موقف لا أخلاقي من مسؤولي اعلحكومة ناتج عن الإستهتار بكرامات الناس ، فكانت إنتفاضتهم تعبيرعن حالة اليأس التي وصل إليها المجتمع السوري . وفي الحالتين ، حالة البوعزيزي وحالة أطفال درعا ، كانتا من الممكن أن تمرا مرور الكرام في نشرة الأخبار لولا أن المجتمع كان متأهباً ولا يحتاج إلا لعود ثقاب . ولهذا كانت الشعارات الأولى هنا وهناك هي شعارات أخلاقية وليست سياسية .
شعارات ضد الفساد وأهله وليست شعارات ضد حزب أو حاكم . ولم تتطور الشعارات لتصبح ضد الحاكم إلا عندما حمت المنظومة الحاكمة بموقف لا أخلاقي منظومة الفساد الحاكمة .
ويبدو أن رامي مخلوف ( وأنا آخذه الآن كمثال وليس كموقف شخصي ) نسي أن أولى شعارات السوريين المنتفضين كانت ضده وضد فساده كتعبير منها عن رفضها للمنظومة الأخلاقية السائدة الحاكمة في المجتمع . وأول ما حطم المتظاهرون حطموا مراكز سيرياتل وليس مكاتب أو دوائر الحكومة . وعندما صرخ الناس فيما بعد ( مالنا غيرك ياالله ) إعتبرت منظومة الفساد أن هذا الشعار هو تعبير عن موقف ديني إقصائي ، ولم تراه أبداً أنه تعبير أخلاقي عن موقف يائس من المنظومة الحاكمة . كما هو موقف السيد رامي مخلوف في رسالته الأخيرة للناس وليس لمنظومة الفساد ، يدعوهم فيها للدعاء إلى الله وفي وقت محدد ليخلصهم من اليأس الذين هم فيه ( ألا يشبه العرعور في ذلك ) وخلاصته ( ياالله مالنا غيرك ياالله ).
والمشكلة أن المجتمعات العربية أصبحت من الضعف ليس السياسي فقط بل الأخلاقي، وهو الأهم ، غير قادرة على إنتاج منظومة أخلاقية جديدة تحكم مجتمعاتها ، هذا الضعف تجلى في المعارضات التي ركبت يأس الناس من المنظومة الحاكمة وطرحت نفسها على أنها البديل السياسي وليس الأخلاقي ، متناسين أن الأزمة أخلاقية وليست سياسية .
فماذا يهم الناس من الدستور أو المواطنة أو الديمقراطية وتداول السلطة ، إذا لم تكن الأخلاق هي التي ستحمي هذه الشعارات أو الأهداف ، وإن هذه الأهداف ما هي إلا وسائل أو أدوات سياسية لحماية المنظومة الأخلاقية السياسية وممارستها ، وليس لحماية السلطة أو ممارستها . هي أدوات لإستبدال اليأس بالطموح . فالناس في أغلبهم لا يهمهم من هو الحاكم ولا مواقفه السياسية ، وإنما ما يهمهم هو منظومته الأخلاقية التي يحكم بها ، وهم بالتالي يؤيدون مواقفه السياسية التي تؤمن مصالحهم وأمنهم ، أي عندما تتوافق مواقفه السياسية مع منظومتهم الأخلاقية . والشاهد الحاضر على فقداننا لهذه المنظومة ، هو الموقف من الفصائل والمجموعات التكفيرية . فالأنظمة الحاكمة اعتبرتها منافس سياسي على السلطة وحسب ، بينما اعتبرتها المعارضة حليفها الخفي ضد الأنظمة الحاكمة ، ولكن الطرفين لم يأخذا موقف أخلاقي منها .
إن ضعف المنظومة الأخلاقية في مجتمعاتنا وحالة اليأس عند الناس هما اللذان أنتجا السيد رامي مخلوف بحالتيه ، الأولى عندما كان يمثل فيها منظومة الفساد والثانية عندما أصبح يمثل فيها المعارضة الفاسدة . وما ينطبق عليه ينطبق على كل النخب الحاكمة أو المعارِضة في الوطن العربي ،
منذ مائة عام ، وفي بداية تشكل الدول الوطنية في وطننا العربي . طرحت القوى السياسية الناشئة في هذه الدول ، برامج سياسية لبناء الدولة والسلطة ، ولكنها لم تطرح منظومة أخلاقية سياسية جديدة تلائم التطور الإجتماعي والسياسي لهذه المجتمعات التي ورثت منظومة أخلاقية ناتجة عن سنوات طويلة من حكم المماليك أو العثمانيين وبعدهم الأوربيين . هذه المنظومة التي نشأت على مفهوم التضامن الأهلي المحلي الضيق ومفهوم التقية السياسية ، والتي أصبحت لا تتلائم مع المجتمع الوطني الأوسع ولا مع حالة إنتقال السلطة من المستعمر الى النخب الوطنية . أي أن مجتمعاتنا لم تستوعب أنها أصبحت مسؤولة عن نفسها ، ولم تستوعب بالتالي أنها يجب أن تغير نفسها . وكانت النخب الحاكمة يمينها ويسارها أيضاً تفتقد هذه الرؤية ، فالأحزاب التقدمية اليسارية طرحت من خلال سياستها في إعادة هندسة المجتمع ، مبدأ القضاء على المنظومة الأخلاقية السائدة لأنها تُمثل منظومة برجوازية عثمانية متخلفة ، ولكنها لم تطرح منظومة جديدة يكون أساسها مفهوم الوطنية ، وبنفس الوقت طرح اليمين ممثلاً بالإسلام السياسي شعار العودة الى الإسلام ولكن ليس بشقه الأخلاقي وإنما بشقه السياسي الذي يعتمد على عدد الأتباع الذين يدخلون الجامع بغض النظر عن أخلاقهم سواء منها الإنسانية أو الوطنية .
التاريخ يروي أن الحضارات المتعاقبة لم تنشأ إلا بظهور منظومات أخلاقية تتلائم مع المستجدات الطارئة على المجتمعات والتي لم تعد المنظومات القديمة قادرة على مسايرتها . هكذا فعلت الأديان وهكذا فعلت الأيديولوجيات ،
وهكذا فعلت أوروبا حين وصلت منظومتها الأخلاقية الى طريق مسدود ، طرحت منظومة أخلاقية سياسية جديدة جعلت الشيخ محمد عبده وبحسب فهمه السياسي الديني لنشوء الدول ، يصفها بقوله : رأيت في أوروبا مسلمين بل اسلام وفي وطننا إسلام بلا مسلمين . وهو بهذا قد لا يخصص الإسلام بعينه وإنما هو ومن الأكيد أنه يعني أن المجتمعات العربية بحاجة إلى منظومة أخلاقية سياسية جديدة . والشواهد الأخلاقية الحاضرة في جميع مجتمعاتنا والمعارضات أو القوى السياسية الجديدة التي استلمت الحكم أو لم تستلم تجعلنا نصرخ كما صرخ محمد عبده ومن قبله سبينوزا ، منظومتكم غير صالحة ونريد التغيير .
وفي مشهد لافت ،ونحن نراه غريب ، مخاطبة رئيس أركان الجيش الأمريكي لضباط جيشه ، عندما طلب منه الرئيس الأمريكي ترامب التدخل في الأزمة الطارئة الأخيرة ، وهو بحسب الدستور الأمريكي القائد الأعلى للجيش . قائلاً ( نحن أقسمنا على حماية الدستور والولاء لأمريكا ولم نقسم على حماية الرئيس والولاء له ) .
فكم هذا الموقف يُعبر عن موقف أخلاقي سياسي وبالتالي وطني . وكم هو يكشف لنا أن الدستور والوطنية لا يملكان قوة في ذاتهما قادرة على حمايتهما ، وإنما يحتاجان إلى منظومة أخلاقية سياسية قادرة على ذلك .
وكم نحن بحاجة لمثل هؤلاء الناس .
————————
رامي مخلوف.. شامان القبيلة الأكبر/ مصلح مصلح
يذهب رامي مخلوف في جميع ظهوراته الفيسبوكية مذهبًا مخالفًا لما يذهب إليه الناس، ففي الوقت الذي يعمل فيه هؤلاء على مقاربة قبح الواقع وقسوته عبر المجاز كما في قولهم “الحياة ابنة كلب”، يأتي رامي ليتربع على بساطهم ليشده إليه، يسحب المجاز من فضائه العام، يسقط على نفسه، يجعله على مقاس حالته الوجودية التي صار إليها بعد طرده من جنة الأسد التي عاش فيها دهرًا.
تستولي تلك العبارة على روح الرجل، تستوطن كل جارحة من جوارحه، فيقع في هواها، فكيف لا تكون الحياة ابنة كلب، قبيحة مخادعة ليس لها صاحب، وقد انحدرت به من مكانة رجل السلطة القوي الذي يحل ويربط ويخلق عبر الكلمات، إلى مستوى ابن الشارع العادي الذي لا حول له ولا قوة، لا شأن ولا قيمة، الذي ما إن تنتهك حقوقه وكرامته الشخصية حتى يجد عزاءه في الخسارة بالقبول بأقل الخسارتين أو الشرّين، خسارة كرامته الشخصية مقارنة بخسارة حياته على نحو مبرم لا فكاك منه.
تبدو ظاهرة رامي مخلوف أمرًا غير مألوف في الفضاء السياسي للسلطة الأسدية، التي ما أن تحكم على رجل من رجالتها السلطويين بالسقوط أو النبذ أو النفي حتى نراه راضيًا قانعًا إلى ما صار إليه، كيف لا وقد تكرمت عليه اليد الأسدية المعاقبة بالاحتفاظ بجميع ما سطا عليه من أملاك وأموال في ظل خدمته المتفانية لها، إلا رامي الذي أبدى رفضًا غير مسبوق لعملية إقصائه غير المتوقعة، ذلك أنه لم ير فيها سوى عملية إزاحة غير مبررة، نفذت على خلفية اتهام الرجل بأمانته وأخلاقه، بينما كمنت حقيقتها في نقل مركز الثروة الأسدية، التي ظل يديرها من يديه إلى يدي أسماء الأسد، في مقدمة لتأمين عملية الانتقال السلس والسهل للسلطة من بشار إلى ابنه حافظ فيما بعد.
أثبتت الوقائع في قضية رامي، أن التسامح الذي تبديه السلطة الأسدية حيال احتجاج بعض رجالاتها على مصيرهم، سرعان ما يتحول إلى صالحها، سواء عبر إظهار ذلك المحتج بمظهر الشخص الدونكيشوتي، أو إظهارها بالمقابل بمظهر القوة التي لا يمكن قهرها أو تحديها مطلقًا. ففي ظهور رامي بمظهر المدافع عن حقه وماله المتمثل بشركة سيرياتيل، الكثير مما يدعو للضحك، فكيف له أن يدعي حقًا أو مالًا وهو العارف أنه لم يكن أكثر من خازن لمال بشار في بعض المواقع، كما أنه لم يكن أكثر من بلطجي أو شبيح في تحصيل بعضها الآخر. ثمة كيف له أن يدعي انحيازه للفقراء من أنصار نظامه، الذين يكافحون الأمرين في سبيل الحصول على ربطة خبز يومية، بينما لايزال هو متحصنًا بإحدى قصوره الملكية الفاخرة، لا يجري عليه ما يجري على الناس من ضيق ذات اليد من مال أو خدمة أو سحق لكرامة؟
ثمة شيء محير وملغز في مقاومة رامي مخلوف أو احتجاجه على الظلم الذي لحق به جراء قرار ولي نعمته بشار، ذلك أنه بدل أن يستخدم لغة السياسة والعلم والمنطق، نراه ينحدر إلى لغة الخطاب الديني، الذي أمضى حياته يأنف منها ويترفع عنها، وكيف له أن يفعل ذلك وهو الاقتصادي الجهبذ، الذي تفرض عليه وقائع حياته اليومية العمل مع الأرقام ودلالاتها.
لا يمكن للمرء تفسير انحياز رامي للخطاب الديني، بناء على التحولات الروحية التي طرأت على فكر الرجل في معمعان الحرب التي خاضها الأسد ضد السوريين، والتي جعلت منه على صلة يومية مع أحزان ومواجع أقارب القتلى، التي دأبت جمعيته الخيرية على تأمين مستلزماتهم القتالية في تصديهم البطولي للحرب الكونية التي فرضت على قائدهم. وإنما في طبيعة الخطاب الأسدي ذاته، الذي يمنع على مناصريه اللجوء إلى لغة المحاججة العقلية التي تقوم على مقارعة الحجة بالحجة.
في ظل غياب أية مرجعية سياسية تمكن مخلوف من استرداد حقه المسلوب كما يدعي، كما في ظل غياب أي إطار قانوني يحفظ له الحق بمقاضاة رئيسه المعتدي، هذا ناهيك عن غياب حقه بالتعبير والدفاع عن النفس وتوضيح الحقائق للجمهور، لم يجد مخلوف من مرجعية لذلك كله، سوى مرجعية الخطاب الديني، التي لا تسمح له الاحتماء بها في سبيل التنفيس عن غضبه المكبوت وحسب، بل تسمح له الارتقاء إلى مصاف المظلومين الذي يحق لهم الدفاع عن أنفسهم واستعذاب الموت في سبيله.
على غير الصورة المضحكة أو الكاريكاتيرية التي حاول رامي وضع نفسه بها، عبر الظهور بمظهر الرجل الذي يحارب طواحين الرئيس العملاقة، قرار طرده القاطع، فيسقط على أثرها مدحورًا مذمومًا مغشيًا عليه، أو الشخص الذي يطلب المساعدة من أناس كان إلى فترة غير بعيدة لا يستنظف النظر إليهم إلا كخدم. فها هو رامي الذي لا نعرفه يقوم إلى المظلومية يستثمر في شحنتها النفسية، يتكئ على فضاء مجازاتها، ثم ينعطف ليستخدمها كوسيلة هجوم رئيسية ضد ظالميه من آل الأسد، الذين لن تأخذه بهم لومة لائم وهو يهم بإرسالهم إلى الجحيم عبر تقنية الدعاء أو اللعنة، التي لا يكاد خطاب مصور من خطاباته يخلو منه “اللهم اقهر كل من ظلمنا”.
على رغم من أن ظهورات رامي المتكررة لم تكسبه سوى المزيد من العداوات والسخرية، إلا أنه حافظ عليها دون إبطاء، ذلك أنه منذ ظهوره المصوّر “معجزة السوريين”، لم يعد يرى فيها مجرد وسيلة نفسية للتنفيس عن غضبه جراء الظلم الذي لحق به، بل انتقل ليجعل منه أداة للهجوم على آل الأسد، ومن ثم تقديم نفسه كقائد بديل لسلطتهم، والدليل على ذلك أنه لم يعد يوجه خطابه إلى أنصاره بل إلى عموم السوريين دون تفريق.
مما لا شك فيه أن رامي يتقدم خطوة إذا يتجرأ على الدخول إلى عالم السياسة، العالم الحصري لآل الأسد، عالم إدارة شؤون الناس وحياتهم العامة، وما حديثه بلغة ساحر القبيلة أو شامانها الأكبر عن الظهورات الصغرى ومن ثم الكبرى لنهاية العالم، سوى حديث مخاتل عن نهاية أو قيام دولة بشار ذاتها، ولأنه جدي جدًا، ولأنه لا يقول كلامًا في الهواء، فها هو يستدل على تلك النهاية المشؤومة بلغة النقص، نقص في الخبز، نقص في الغاز كما الكهرباء، نقص في الصحة العامة حيث كورونا تسرح وتمرح، في مقدمة لحضور الموت الأكبر الذي سيسبق نهاية بشار ودولته الظالمة.
بعد خطابه عن نهاية العالم، نهاية دولة بشار، لم يعد ولع رامي مخلوف بالسلطة منحصرًا على الظهور الإعلامي كنوع من التعويض عن فقدان السلطة الفعلية لديه، بقدر ما انتقل إلى حيز الفعل أو التحضير له. ففي خطابه السابق لا يبدو الرجل كمن يلعب باللاهوت، بقدرة الدعاء على خلق الفعل، كما إنه لا يتنبأ بالنهاية الوخيمة لدولة بشار وحسب، بل يدعو الناس للمشاركة في ذلك، وإلا كيف نقرأ دعوته الصادقة لمشاركة أكبر عدد ممكن من السوريين في التحضير لذلك، أقصد الدعاء على بشار عبر أربعين يومًا وليلة. ثمة إيمان عميق لدى رامي بالمعجزة، بقدرة الكلمات على تغيير مجريات الحياة اليومية، بقدرتها على تقرير مصير الظالمين؛ بشار وزوجته أسماء.
في غمره حماسه للمعجزة، للخلق عبر الكلمات، يغيب عن باله أن دولة السوريين لم تعد موجودة، فلقد نجح بشار الأسد بتبديدها، كما أن عملية استعادتها لا يمكن أن تتم عبر المعجزات، بل عبر استعادة السياسة، في جعلها بوصلة لحياة السوريين، فإما أن تكون دولة السوريين خاضعة للمنطق والعقل وتقوم على مبدئَي الحق والقانون أو لا تقوم، فليس بالطغاة ولا الناقمين الحاقدين تقوم وتنهض الدول، بل بالمواطنين الأحرار.
الرتا صوت
———————————–
المحامي عيسى ابراهيم يرد على البوست الاخير لرامي مخلوف المعنون ب رأيك يهمني ( ادناه )
…………………………………………
السيد رامي مخلوف :
الله لم يسجل ثروات سوريّة عامة باسمك أو باسم شركة راماك كما كتبت منذ قليل ، كما لم يُسجل شركات الخليوي باسمك ولا غيرها من حوالي مائة شركة وبنك ومرفق عام ومنطقة حرة … الخ ولا باسم الأسد الابن أو باسم زوجه ، كما لم يُسجلها باسم غيركما أيضاً ، فهذه ثروات عامة سوريّة تم تسجيلها باسمك وباسم الأسد الابن عبر اساءة استعمال سلطة واستغلال نفوذ وغيرها مما هو مُعاقب عليه بالقانون السوري ، فالله جل وعلا لا يمكن أن يكون شريك في جرائم ، والقضية هنا لا علاقة لها بالله الذي هو مقدس عندي ، ولا يجوز منكم ادخاله كشريك جرمي في لعبة استغلال نفوذ سوريّة أنتم أحد رموزها ، فبسبب أخذ هذه الثروات ووضعها باسمكم واسم الأسد الابن وغيركما من الشركاء ، تم حرماننا كسوريين وسوريات من مالنا ورزقنا وثروات بلادنا ، في حين أولادك الآن في دولة الامارات العربية المتحدة يقومون باستثمار عدة مليارات من اليوروهات ، وبذات الوقت أنا وغيري من السوريين والسوريات إما في حالة تهجير أو تفقير أو موت …الخ فنحن وأولادنا نموت في حين أنت وأولادك وأولاد الأسد الابن تتنعمون بثرواتنا ، وأنت تعرف كما أعرف أن جُل الأعمال الخيرية التي كنت تقوم بها ،هي مخصصات مساعدات إنسانية من منظمات إنسانية دولية دورية تأتي سوريا ، كانت جمعيتكم كما جمعية عائدة للسيدة أسماء تختص لوحدها دون غيرها وبلعبة استغلال سلطة تملكها مع ابن عمتك الأسد الابن … تختص بتوزيعها خاصة في العقد الأخير في مناطق سيطرةالأسد الابن ، التي لا تقل سوء عن مناطق سيطرة الفصائل الارهابية المتطرفة ، ، أتفهم أن تزعل من تقاسم مال من قبل أخرين يمارسون ذات اللعبة التي مارستها بحقنا جميعاً بالشراكة مع ابن عمتك ، مع فارق أن المال ليس مالك وليس مال ابن عمتك وليس مالهم !. بل مالنا وثرواتنا التي كانت تكفي لنعيش نحن و أنت وبقية مواطنينا بكرامة لو وضعت بسياقها الصحيح ، بيد أن ” الجوع القديم ” الذي لديك ولدى ابن عمتك وبقية أفراد المافيا لا يمكن لأي ثروات أن تشبعه …
أدعوك للكف عن الحاق الله العلي القدير ، بتفاصيل جرمية منصوص عليها بالقانون السوري ، أدعوك – كما أدعو ابن عمتك الاسد الابن – بكل صدق وبدون ضغينة الى التعاون وتصحيح ما تم من سرقة للمال العام السوري ، خاصة الأموال المودعة باسمكم و أسماء صناديق هرمز العائدة لكم ، في روسيا الاتحادية و أوربا والامارات ..الخ عبر اعادتها الى الخزينة السوريّة قبل فوات الوقت ويحصل لك ولسوريا ماحصل للقذافي وليبيا ، حيث قُتل بلحظة انفعال من قبل مقهورين لمصلحة قوى ودول ، فمات شر ميتة ، وخسرت ليبيا عشرات مليارات اليوروهات التي كانت هي ثروة لبيبا التي سرقها لعقود ، كما فعلت أنت وابن عمتك وبقية أفراد المافيا في سوريا ، حيث موت القذافي قطع أي امكانية لتعقّب المال واعادته للشعب الليبي ، و سُرق لمصلحة تلك القوى الدول التي استغلت مع القذافي قبلاً الليبيين !
بكل صدق أدعوك وأدعو الأسد الابن لتجنب ضياع ثروتنا العامة التي أخذتموها بدون وجه حق و إجراء تسوية تاريخية وكذا تسوية مالية ، قبل ذهابكما كم ذهب القذافي أو بطريقة اخرى ، تسوية مالية تعيد المال السوري العام المسروق ، ليعيش من تبقى من السوريين به ، بما فيهم أسرتك وأسرتي وبقية أسر السوريين وبما فيهم أُسر ضحايا “ حرب الكرسي ” المستمرة من عشر سنوات والتي قُتل فيها السوريون والعلويون ضمناً في كارثة انسانية مستمرة
—————————–
حكاية بيت منهوب؟ أم وطن منكوب؟/ علي سفر
يخبرني مُعارضٌ منفيٌّ في إحدى الدول الأوروبية، عن أن جمعية تعاونية سكنية، تخصص قبل الثورة بمنزل فيها، أرسلت إلى بيت أهله، رسالة بريدية مسجلة، تبلغه فيها أنها قد فصلته، بسبب عدم دفعه للأقساط الباقية عليه، من التكاليف، التي سبق له أن دفع الجزء الأكبر منها مبلغاً غير قليل.
لقد انتهى إذاً بالنسبة للرجل مشروع بيت العمر، أي المكان الذي سيؤمن فيه على نفسه، وسيقضي بين ردهاته، بقية أيامه، بعد أن يكون قد استنفذ سنوات عمره كلها، في العمل في بلده، ليربي أولاده، فيؤمن لهم ما يسترهم، مروراً بأعباء دراستهم، ويوصلهم إلى مرحلة الاعتماد على النفس، ليتقاعد بعد ذلك مطمئناً إلى أن ما بقي من شقاء مستحق بوصفه سورياً، يمكن أن ينقضي، طالما أن ثمة جدران تقيه حر الصيف وبرد الشتاء!
يقع بيت صديقي أو لنقل مشروع الجمعية السكنية التي اشترك فيها بوصفها مشروعاً أهلياً غير حكومي، في إحدى المناطق الثائرة التي خرجت عن سيطرة النظام، ثم استعادها بعد أن قام بتهجير سكانها إلى الشمال، وإلى إدلب تحديداً.
البيت الذي لم يستخدمه أحد طوال سنوات الثورة، وبقي سليماً رغم ما شهدته منطقته من قصف بالبراميل، تحول بعد عودة سيطرة قوات النظام على المنطقة، إلى أداة لمحاربة أصحابه، مثله مثل البيوت والأراضي، التي كان على مالكيها أن يدفعوا ثمن موقفهم من النظام، إما الموت تحت القصف اليومي أو الحصار والموت جوعاً، وإما التهجير، بعد أن فرضت عليهم الظروف وتخلي العالم عنهم، القبول بالشروط اللا إنسانية من أجل إنهاء معاناتهم!
لا يشعر صديقي بأسى الخسارة، رغم فداحتها، ضمن المعايير المحلية للمواطن السوري، فيهمس بهدوء المطمئن: “هذه خسارة صغيرة، لا تستحق أن أعلن عنها، أمام السوريين الآخرين الذين فقدوا كل شيء، وأصيبوا بالخسارات المفجعة، فقتلت قذائف النظام أحبابهم، أو غيبهم في سجونه، ومضوا بعيداً عن ديارهم التي أمست محتلة!”.
حكاية الرجل، وما تتضمنه من أشواك قهر تخز روحه، ولا تخفى في كلامه، واحدة من مئات آلاف القصص، التي يمتلك مثلها كل سوري اضطرته حرب النظام على الثائرين إلى المغادرة، ضماناً لسلامته الشخصية، في مواجهة العنف الفاجر، الذي قوبلت به مطالب الثائرين في الشوارع، حيث ما لبث أن تحول قسم كبير منهم الى حمل السلاح، قبل أن تتداعى الوقائع دراماتيكياً إلى ما هو أسوأ، إلى أن وصل السوريون إلى حالتهم الراهنة!
ميزان الخسارات، والذي يحاول النظام أن يقنع مؤيديه أنه لا يؤثر فيه، فلا يقدم أي تنازل في سبيل أي حل، سوى عودة السوريين جميعهم للرضوخ له، لا يهوي إلى الأسفل في جهة الثائرين والمعارضين الذين تشردوا في مشرق الأرض ومغربها، بل إنه يهوي أيضاً في جهة أولئك الذين أيدوا النظام، ورأوا فيه المدافع عنهم، بعد أن تم سوقهم ذهنياً إلى خرافة وجود خطر وجودي يهددهم بسبب الثورة!
فهؤلاء وبعد مرور عقد كامل على بداية “الأحداث” وفق تسميتهم للثورة، باتوا على حافة الهاوية، حيث تتربص بهم المجاعة، وتهين إنسانيتهم النهايةُ المذلة التي قادتهم إليها سياسة الأسد، والزمرة الحاكمة معه، بعد أن جعلت من أولادهم حطباً سهل الاحتراق في نيران أحرقت أخضر البلاد ويابسها!
يعيش رأس النظام وحاشيته متعة الانتصار كعصابة، فاستيلاؤه على أملاك ابن خاله (على سبيل المثال)، يعادل لجهة آلية التفكير، فوزه ببلاد مدمرة، تعلو شوارعها صوره!
ووفقاً لتكوين الهرم المافيوي، سيعيش أتباعه الأدنى منه انتصاراتهم وفق مقاساتهم، فيربح ذلك الضابط جُعالاتٍ إضافية، وينال وزير مكاسب رخيصة، وتتسلسل الانتصارات الدنيئة، لتصل مراتب سفلية، لا كرامة فيها، لتحكم هؤلاء شريعة الافتراس!
فحين نتذكر كيف كان النظام يشرّع الفساد، فجعل السوريين المعدمين طفيليات، تتعيش على حساب سوريين آخرين، عبر قطع الطرق على المعاملات في المؤسسات الرسمية، بغية نيل الرشاوى، وفرض خوات الحماية، لدرء شر القوانين والضرائب، ندرك كيف سيعتاش قطاع كبير من حثالة المؤيدين، على أملاك الغائبين، دون أن يرف لهم جفنٌ، طالما أن أدوات الحماية متوفرة، في الدولة الفاشلة!
يشعر السوريون الذين فقدوا أملاكهم وأحبابهم، وباتوا مشردين بين النزوح واللجوء، أن بلادهم محتلة، قبل قدوم الجيوش المتعددة إلى الأرض السورية، من قبل نظام لا يرى فيهم سوى جحافل يهرق حيواتها، في آلة سيطرته الجهنمية على مقدرات البلاد، واستباحته لمصائر أفرادها!
كما يشعر السوريون الذين ظنوا ذات يوم أن دفاعهم عن النظام هو دفاع عن الوطن، أنهم قد خدعوا، فبعد كل ما بذلوه في سبيل الأسد، بات عليهم أن يدفعوا في مرحلة ما بعد “الانتصار” أثماناً إضافية، فلا شيء يوحي بأنهم يعيشون كالمنتصرين!
فالمنتصر لا يعيش الفاقة والجوع! ولا يُذل في طوابير الأفران، ولا يقضي لياليه في العتمة بسبب عدم وجود الكهرباء، ولا ينام ملتحفاً الأغطية السميكة بسبب عدم وجود الوقود للتدفئة!
والمنتصر بالتأكيد، لا يمكن أن يقبل الصراعات على مئات مليارات الدولارات بين أفراد العائلة الحاكمة التي بات أفرادها ينهشون بعضهم، وبشكل مكشوف دون أدنى خجل من خسارات المؤيدين، بعد أن طوبت سوريا كملكية خاصة، رغم أنها تُسجل ضمن قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم، بنسبة بلغت 82.5% تحت خط الفقر!
وفي المحصلة، لا يعيش المنتصر نشوة انتصاره تحت سيطرة الإيرانيين والروس، بينما تخردق أجواءه الغارات الإسرائيلية شبه اليومية على مواقع الجيش “المكلل بالغار”، وحلفائه من الميليشيات الطائفية!
تلفزيون سوريا
———————-
رامي مخلوف … السلطان/ مكسيم عثمان
استطاع رامي منذ البداية فرض سطوته على الساحة السوريّة الاقتصاديّة والسياسيّة، من دون استعطاف أيديولوجيّ أو تأييد جماهيري حتى، وحين التجأ إلى الظهور الاجتماعي والتقرّب من الناس، كان سبب ذلك فقدانه القدرة على متابعة ما أسس له…
لم يكن رامي مخلوف سوى سلطان، هذا ما كشفته الأيام السوريّة الطويلة. سلطان في إمارة سورية كثيرة المفاصل والقوى، لكن ليس بوسعنا أن نقول إلا أنّ رامي من أهم السلاطين السوريين، الذين تعاقبوا على مفاصل الحكم السوري. استخدامنا كلمة سلطان، وهو أحد ألقاب رامي مخلوف في سوريا، كسلطان للأعمال والأموال، يبدو دقيقاً، من دقة معنى المصطلح في أصله اللاتيني. فالسلطان يأتيه النمو والتقلص، ويملك الطبيعة التوترية دائماً. في بداية الثورة السوريّة، توجّه رامي مخلوف بلا تفكير نحو الصحافة. لكن فقره الأيديولوجيّ جعله أضحوكة سوريّة مكررة، حينما جعل أمن إسرائيل من أمن النظام. فمن ينسى المقابلة الشهيرة التي استحوذت على الواجهات الإعلاميّة للمعارضة السوريّة والنظام نفسه، الذي سارع بدوره إلى دفع رامي مخلوف لإنشاء مؤتمر إعلامي، تبرّع فيه بأمواله. وسريعاً ما تبين أن ذلك كان مزيّفاً؛ إذ لم يتبرع رامي بشيء أبداً، وثائق كثيرة أثبتت زيف تبرعاته.
لرامي مخلوف هوس بالظهور الاجتماعيّ، هذا ما سنعرفه لاحقاً، أو أنه ندمٌ متأخر يحاول ترميمه الآن.
لم يكن رامي ليهتم بالوجود الاجتماعي، أو بوجوده العلني داخل الهيمنة الاجتماعيّة التي أمّنها أبناء العائلة الأسديّة بالتراكم الإيديولوجي والقهري. الإطلالة الوحيدة لرامي كانت “جمعية البستان الخيريّة”، وجهه الاجتماعيّ الوحيد، إذ كانت كافية له، بخاصة في محيطه العائلي والطائفي. يحمل رامي نتيجة صلة القرابة بينه وبين بشار الأسد، شعوراً بالواجب يدفعه إلى السيطرة على الاقتصاد السوريّ. فانتفاخ رامي الاقتصادي، وسيطرته على مفاصل الاقتصاد وعلاقاته والمنتجين فيه، جعل العلويين في موضع استفهام.
هل البلد بات لرامي مخلوف؟ هذا السؤال العمومي الواضح قد طُرِح تحت قبة البرلمان أيضاً. وضعت أحزاب يساريّة مشاريع رامي ومؤسساته أمام نوع من المساءلة، ما جعله تحت المراقبة دائماً. في ذروة الاحتجاجات المكتوبة للمعارضة السورية، اعتقل الأمن عناصر من اليسار المعارض في سوريا، بحجة تجاوزات اقتصاديّة تسيء إلى الوطن. وأخبرنا معارض يساريّ ومعتقل سابق عمّا طُلِب منه في المعتقل، إذ أجبروه على كتابة تقرير عن فساد رامي مخلوف لرفعه إلى الجهات المختصة.
كل هذا ذهب هباءً، كان رامي يسيطر على كلّ شيء من دون أي رقابة، ومن دون أن يظهر حتى، فقد اقتصرت أخباره على ما يُنشر عبر مؤسساته وبياناته الاقتصاديّة العامّة، التي كانت تتبناها مؤسسات الدولة بوزاراتها كافة. فحينما حاول سليم ألتون مثلاً -وكيل شركة “هيونداي” في سوريا- التملّص من الدخول في صفقات “شام القابضة” التي أسسها رامي مخلوف، وأدارها هيثم جود، عوقب الألتون في اليوم التالي بمنع دخول سياراته إلى سوريا، بحجّة مخالفتها المواصفات السوريّة. وعودة الألتون إلى رشده المتوافق مع مصالحهم أعادت سيارات “هيونداي” إلى سوريا. هذا مثال بسيط عن الاقتصادي الذي أهمل المجتمع، وأهمل أيّ قيمة لوجوده، سوى دلالة تسلّط الميليشيات الاقتصاديّة. مهندس إنشاءات صناعيّة في دمشق أكدّ لنا أن احترافية رامي مخلوف المهنية عالية جداً، ويملك أكبر كادر مهنيّ شديد المعرفة والتقانة، وبذلك فإنّ استعداداته اللوجستية جادّة دائماً ومثيرة وذات أهميّة تدل على كادرٍ اقتصاديّ ملائمٍ لنطاق عملٍ يتجاوز حجمه حجمَ سوريا. هذه الخبرة ذات منشأ خارجي إذاً، لكن رامي وضع جهداً لا بأس به لضبط الاقتصاد السوريّ الداخلي والسيطرة عليه. ولم يحجب أعماله عن أي قطاع يُمكنه استعماله.
امتلك رامي مخلوف بُعداً أمنياً من سيطرته على قطاع الاتصالات. كانت الحجة آنذاك أنّ “الرئيس الأسد لا يستطيع وضع شبكة الخطوط المحمولة في يد شركات عالمية لكي يحمي أمن الوطن”، ولأن الأقربين أولى بالمعروف كان على رامي أن يحمل قطاع الاتصالات السوريّة كأمانة، هذا ما يُشيعه النظام، ليبرر تضخّم حجم رامي مخلوف، أما بين الجموع السوريّة ذات الطبيعة الساذجة، فيُقال: “أعطى الاقتصاد لابن خالته لكيلا يُسرَق البلد”. في عودتنا إلى المجتمع السوري لم يحصل السوريون سوى على الصدقات من رامي مخلوف. لا يعمل رامي مخلوف كجمعية خيريّة، لا يملك بيانات ووثائق. وفي التعامل مع المجتمع السوري، يعُامِل رامي مخلوف السوريين من دون حداثة إدارية، وفقاً لمبدأ المعارف والقرابة والوساطات، الأمر الذي جذب الكثير من عامّة الناس إلى جمعيات رامي. وعلى رغم مساعدته عموم الطوائف، إلا أنه لم يفتح مركزاً مسجلاً في دمشق أو حلب أو دير الزور، وجوده في الساحل، قرب قريته وتحت اسمها حمل طابعاً شعبيّاً، وبهرجة لأبناء الطائفة. نحج رامي في التغلغل في الساحل، بمساعدته فقراء العلويين من خلال توفير مستلزمات صحيّة وعمليات مستعصية، لينال بذلك قبول قلّة من جمهور العلويين. هذا تحديداً ما كان يعنيه؛ أي إضفاء البساطة العلويّة، على دور رجال السلطة ليظهروا كأشخاص خيّرين، وبسطاء طيبين. فقر السوريين وعجزهم، أمام سطوة المال والأبنية الحديثة والسيارات الفارهة والقصور، كان يُغيّب بأدوار الرجال الخيّرين، إنها طهارة مصطنعة أخفت وراءها الكثير من الخداع والدناءة. دروشة يتم الحفاظ عليها لنزع فكرة الدولة المؤسساتيّة والاجتماعيّة. الوفرة السورية تتحول لاستحالة بالنسبة إلى الشعب الفقير، لكي يأتي بعد ذلك دور مخلوف البطولي في إنقاذ بعض الفقراء والدراويش بملايين الأموال مجهولة المصدر. أما استهداف العلويين فقد كان يحمل طابعاً خاصاً للتفرقة، إذ إنّ قبولهم العيش ضمن النسيج السوريّ، قد صوّرهُ النظام على أنّه خطر ورعب، وزكاة السلاطين العلويين عُدَّ مكرمة وعطاء غير منتهٍ، وتحقيقاً لأمان العيش.
لم يتطرق رامي لأي بُعد طائفي واضح في أعماله، على رغم معرفة الجميع بالطابع الطائفي لعمل منظّمته الخيريّة. رامي في الوقت ذاته يملك حسّاً سليماً في العمل، لذا ابتعد من توزيع الوظائف بطريقة طائفيّة، وأبعد عائلته أيضاً من نطاق عمل مؤسساته. ابتعاده من العائلة والطائفة يبدو تقنياً في التمايز الوظيفي بين عمله المهني وتفكيره وسلوكه الطائفي والاجتماعيّ. حتى إننا في مراجعة سير وأعمال بعض الأطراف من عائلة رامي، لم نشاهد أسماء من العائلة في قمة الهرم الإداري لأعماله. رامي يبتعد من العائلة أيضاً؛ ففي مقابلة لنا مع أفراد من عائلته، أكدوا لنا أن رامي يخصص رسولاً للتواصل مع العائلة، وقد عاش أغلب أوقاته قبل الثورة السورية في لبنان.
لقاء مع مرافقه الشخصي
لقاؤنا الطويل مع مرافق رامي مخلوف الشخصي السابق كان مثمراً: “لم تذق عائلة رامي مخلوف الخبز السوري يوماً”، خبزهم اليومي يأتي من لبنان، ولا يستهلكون أيّ منتج سوري في غذائهم. يعيش رامي في بنية مختلفة عن البنية السورية، وحتى عن بنية النظام وشخصياتها. قلما عَرِف رامي سوريا أو سار فيها، كان لبنان الأقرب إليه في كل شيء، يومياته وصلاته ونطاق أعماله، وحينما يصل رامي إلى سوريا، يصبح تحت حماية الحرس الجمهوري؛ إذ يُفرز له عناصر من الحرس الجمهوري، ويحرص هو نفسه على أن يتدرب على رياضات قتالية.” وحينما سألنا مرافقه عن زيارة رامي الساحل أو علاقته بأهله، أخبرنا: “لا يزور رامي اللاذقية أو ريفها أبداً، إلا إذا تحرك الرئيس السوريّ بذاته إلى اللاذقية، فهو لا يبدو سعيداً داخل سوريا أبداً”.
في بداية الثورة خرج كل مرافقي رامي الشخصيين عن سيطرته، فاكتفى بحرس القصر الجمهوري، لكن أغلب الظن أنّ أبعاداً أخرى بدأت تولد في حياة رامي؛ فما إن بدأ حصار رامي اقتصادياً من دول العالم، وقوبل من الجميع بالسخرية والمساءلة، حتى تحول نحو الاحتكاك بالمجتمع بطريقة هوسيّة. يبدو أن تقييده عالمياً، وحصر قدراته على السفر والتنقل قد أذاه حقاً، لقد تذكر رامي أن مصدر دخله الوحيد من هذه البلاد التي باتت تلفظه الآن وتحاول إخراجه وابن خالته منها. تذكر رامي العلويين ها هنا. فبدأ يقيد مصاريف مؤسساته، ويقلل من مراكز الخدمة، وذلك دعماً للجيش بحسب وصف شركته. وتخفيف المصاريف، وِجِّه لدعم الدولة السوريّة. هنا تظهر مخاوف رامي مخلوف، الذي بدأ يكتشف أنّ ابن خالته في خطر، وأنّ عليه التفكير في السياسة، من دون أن ينظر إلى السوريين وكأنهم قطيع مُسيّر، أو أن العالم قادر على فهم معادلته عن إسرائيل بسهولة.
“الدفاع الوطني”
في الحرج من المجتمع الذي لا يعرفه رامي إلا عبر الصدقات والمكرمات، بدأ الخوف يتزايد من حجم الوفيات السوريّة، واتساع التمرّد ضد النظام، ومحدودية التدخل الإيراني في مواجهة الثورة السورية، إذ أوجدت إيران في بداية الأمر حلاً جوهرياً، حلّاً مفاهيميّاً قائماً على الأدلجة الدينية، التي أحرجت النظام في بداية الأمر، لكنه سرعان ما وافق عليها بصورة غير علنيّة، فتشكّل في إثر ذلك على الطريقة الخُمينية في النظام الديني العسكري ما سمّي “الدفاع الوطني”، الذي كان ميليشيات قائمة لتكون رديفة للعسكر النظامي. وقد دعمها رامي بكلّ صدق، وبذلك استطاعت مؤسسته الخيرية التوسع والتقرب من العلويين، إذ خصص رامي علاجاً إسعافيّاً وعمليات جراحيّة ودعماً خيرياً لجرحى الدفاع الوطني وأمثالهم. رغب رامي في تأسيس دعم للعلويين الذين فقدوا كثراً من شبانهم في معارك سوريا المفتوحة، وباتت مؤسسته الخيرية تميل إلى العمل مع الشيوخ العلويين الذي سارعوا إلى دعم الطائفة والانصهار فيها ومحاولة تأجيج اندفاعها ضدّ الثورة التي تجلّت بشقها العسكري كما الاجتماعيّ، تجلّياً طائفياً دينياً خالصاً في الكثير من مظاهره العسكرية. في هذا الصراع قدّم رامي مخلوف الكراسي البلاستيكية والخيم لإقامة مجالس العزاء مجاناً، قاسمته في هذا التبرّع – بصراعٍ خفي- “مؤسسة الرسول الأعظم” التابعة لإيران في سوريا. هنا، بدا رامي أكثر فأكثر مهتمّاً بالفئة الاجتماعيّة التي عليه تذكرها والانخراط فيها. فأمر شركاته مثلاً بأن تنشر إعلانات هائلة عن قداسة الجيش، كصور الجنود ذكوراً وإناثاً، والمتطوعين في النظام العسكري بصورة غير مباشرة. كانت تلك استدانة من النازية أحياناً، استدانة حادة في شعاراتها العسكريّة، لم تنقل النظام إلى أي حالة يرى فيها الوضع السوريّ بوصفه صراعاً اجتماعياً أو سياسياً. أكلت “سيرياتيل” شركة الاتصالات التابعة لمخلوف، السماء والأرض السوريّة بإعلاناتها التي تحتفي بالجيش والموت. كان رامي باذخاً جداً في سبيل أن تبدو البلاد وكأنّها تواجه خطراً يحدق بأقدس أقداسها -مؤسسة العنف- الجيش.
الرعب وهلال الأسد
كل شيء يبدو مرعباً في عيني رامي، والوصول الإيراني كان خلقاً لسلاطين جدد غيره، كان على رامي وأمثاله أن يحذروا من وصول ما يبدو جديداً كلياً على البلاد. من تلك المخاوف نمت القوة العسكرية صورة ومعنىً وتأثيراً؛ ليظهر بعد ذلك هلال الأسد في الساحل، الذي صنع هالته الدينية بين العلويين بالاستعانة بشيوخهم. ألزم هلال الأسد منتسبي الدفاع الوطني من العلويين والشيعة حضور الدروس الدينيّة العلويّة، والانصياع للمحاضر الديني. ثم أخذت إيران -الداعمة للدفاع الوطني- الجنود والمنتسبين إلى تلك ميليشيات، إلى دورات تأهيل عسكري وديني، ونظمت إثر ذلك رحلات حج، لشيوخٍ علويين وذوي شهداء وغيرهم. بهذا بدا النظام ضعيفاً في خلق هيمنة اجتماعيّة منتجة؛ إذ لم يستطع “حزب البعث” الامتثال للأيديولوجيا الدينية بصورة واضحة، فترك ذلك لإيران والسلاطين الذين أعلنوا الولاء لها، بعيداً من دوائر الدولة الرسمية. كان دور رامي المتعاطف والصحي والإسعافي الرحيم يتلاشى تدريجيّاً. فقد بدا الإيرانيون أكثر ظهوراً، ووفقاً لرؤية عامة للاقتصاد السوريّ، فقد تكفّلت إيران بدعم الدولة السوريّة بميزانية جيدة يرفد فيها النظام خزينته. ثم وصل الروسيون، الذين أراحوا العلويين من خجل التقرّب من إيران والولاء لها، واختلق النظام حيلاً كثيرة لتهميش الدور الإيراني في سوريا كُلياً، بل حتى إنّه أخرجهم من المدن نحو الأرياف كوجود عسكريّ، وأغلقت مدارسهم وألغيت كياناتهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة. أعاد الروس لرامي مخلوف أنفاسه، لقد تنبّه بوجود سلاطين المؤسسة العسكرية الروس، إلى ضرورة إيجاد مكان بعيد من المؤسسات الاقتصاديّة المشبوهة التي يمتلكها، ليكون بعيداً حتى من أعين السوريين الذين ضاقوا ذرعاً بأمراء الحرب واتساع سطوتهم الاقتصاديّة في ظلّ مآسي الحرب. كان رامي ها هنا يملك ميليشيات أيضاً، إذ سلّح وبعيداً من الإيرانيين، ميليشيات لم يزد عدد المنتسبين إليها عن أربعة آلاف مقاتل- وفقاً لمصدرنا- الذي أخبرنا بأن هذا الرقم هو رقم الرُّخَص الأمنية لحمل السلاح المعطاة لـ”جمعية البستان”، التي ألغتها الدولة السوريّة عام 2019. كان رامي يحتاج انطلاقة جديدة للهيمنة الاجتماعيّة، ليثبت من خلالها وجوده أمام الروسيين، لا سيّما أنّ الروس رفضوا حالة انتشار السلاح العشوائيّة في سوريا، ما جعل رامي يلجأ بعناد ونوستالجيا إلى ذاكرته؛ مسترجعاً البُعد السياسي لعائلته، فيعيد فتح الأبواب مع الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعي، أملاً منه بقبوله عضواً إدارياً بينهم. لكن الحزب رفض- وفق مصدرنا في الحزب القومي- الذي أخبرنا بأن رامي كان يحاول دائماً دعم الحزب بصورة غير مباشرة، إلا أنه عام 2018 حاول دخول الحزب أملاً منه باستلام منصبٍ عالٍ فيه. كان الحزب القومي آنذاك يحمل السلاح في وجه الجناح المسلح للمعارضة السورية. الحزب القومي بقيادته اللبنانية تعرّض لصدمة في أثناء وضع الدستور السوريّ الجديد عام 2012، وقانون التعددية السياسية، الذي منع وجود قيادة حزبيّة خارج حدود الجمهورية العربية السورية، ما جعل الحزب منقسماً إلى قسمين. وعام 2017 حصل “المركز” (قيادة لبنان) على الترخيص تحت اسم “الحزب السوري القومي الاجتماعي- المركز”، واحتفظ بميليشيات “نسور الزوبعة”، متجاوزاً قانون التعددية الحزبية. الترخيص لم يعنِ الكثير لـ”المركز”، إذ واصل العمل في الفترة ما بين 2012-2017، بكل أريحية في سوريا، وقاتلت ميليشيات “نسور الزوبعة” التابعة له، إلى جانب قوات النظام.
رامي وانشقاق الحزب
تشير المصادر إلى وقوف رامي مخلوف وراء الانشقاق الذي ضرب الحزب السوريّ القومي الاجتماعيّ في سوريا، مستغلّاً قانون التعددية الحزبية. وارتبط عمل “جمعية البستان الخيرية”، والميليشيات المسلحة التابعة لها منذ ذلك الوقت، بميليشيات الحزب السوريّ “الأمانة”، فعاد رامي إلى واجهة العمل السياسي، وحاول تفعيل هيمنة اجتماعية فعّلها باكتساب الآلاف، ممن ساعدتهم جمعية البستان الخيريّة، ودفعهم إلى الانتساب للحزب القومي، وشق كوادر الحزب القومي التابعة للبنان بدفعه مرتّبات ضخمة لها من أجل استقطابها، وحاول تكريس جهده للعمل السياسي والاجتماعي المنظم، لا سيّما بعد منع الميليشيات من حمل السلاح بسهولة وعشوائية، وذلك بأمرٍ من الروسيين. لم يمنع النظام خلال عامي 2017 و2018 نشاط حزب رامي خلوف، ولا احتفالاته الكثيرة وسط الشوارع السوريّة. وبذلك وجد رامي منفذاً ليبقى على الساحة السوريّة. تغير رامي مخلوف كان سببه بلا شك ازدياد الأطراف التي تقود الحياة السياسية السوريّة ومخرجاتها، وظهور سلاطين أكثر قوة وسيطرة، ووفقَ مصدر اقتصاديّ فقد بدأ رامي مخلوف حينها يشعر بالغبن والحقد على النظام السوريّ لصعود تيّار اقتصاديّ جديد في الحرب دون رقابة رامي وسيطرته عليه. كان النظام يسمح لمئات الاقتصاديين بالوصول إليه لإصلاح علاقاته، لا سيّما أنهم كانوا من الخليج أو فيه، منهم سامر فوز الذي كان ذا قوة في دول الخليج وغيره من أصحاب رؤوس الأموال المسيحيين المقرّبين من روسيا. يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام، ازداد التدخل الروسيّ، ورأى بعض المحللين للوضع السوريّ الاقتصاديّ والسياسيّ أنّ حصار الأسد كان ضروريّاً؛ لإرغامه على اللجوء إلى قدرته الاقتصادية الخاصّة جل إنقاذ حكمه وتسيير أمور السوريين التي باتت شديدة الصعوبة. وقد نشأ خلاف لا نعرفه بين الأسد ومخلوف، لكننا بلا شك نعرف آثاره. فافتتح النظام حربه على رامي مخلوف منذ بداية عام 2019، بعدما أمر الروس الأسد بإلغاء الرخص الأمنية للأحزاب السياسيّة والميليشيات الإيرانية ووضعها خارج المدن وإداراتها، وحينما وصل الأمر إلى “جمعية البستان الخيرية” وحزب رامي القومي، ارتاب رامي وعناصره، وحصلت ملاحقات أمنية لمسؤولي مؤسسات مخلوف حتى تم اعتقالهم، الأمر الذي شكّل تحذيراً وإنذاراً لرامي في أن وصوله الاجتماعيّ قد انتهى. وصولاً إلى عام 2020، حين كان رامي مكتفياً بـ”جمعية البستان الخيرية”، بصورة قاصرة ضيّقة النطاق؛ فلم تعد خدمات رامي كافية أو جيدة. توقفت نشاطات الجمعية بشكل كُلي تقريباً، وأغلق الحزب وانحلت قياداته الحزبيّة كاملةً، وخضعت لتحقيقات أمنية، وتم إجبار أفرادها على توقيع أوراق بالولاء لبشار الأسد وترقين قيد انتمائهم الحزبي
الخلاف مع النظام
عام 2020، خضع رامي لقسوة النظام، بعدما نشبَ خلاف كبير بين رامي مخلوف واقتصاديي البلد وزعماء الحرب فيه؛ إذ بدأ الخلاف مذ ساوى بشار الأسد رامي مخلوف بالمستثمرين الجدد، ووضعه معهم في منزلة واحدة حينما طالبه بإيفاء المبالغ وجداول المدفوعات التي طالب بها المستثمرين الجدد أيضاً. رَفضُ رامي الدفع جعل النظام على مفترق طرقٍ معه، ونَزعَ رامي من الواجهة الاجتماعيّة التي حاول تأسيسها، فأُخِذَت منه “جمعية البستان الخيرية” واعتقِل كوادرها، ووضع الأسد وزوجته إداريين جدداً للجمعية، كان منهم مدير ضريح حافظ الأسد وموظفون سابقون في مكاتب زوجته. عندئذٍ بدا رامي محاصراً فانبرى بقوة لم يألفها أي أحد من أركان النظام في الداخل، لفتح باب الكلام الصريح عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ. لم يوجّه مخلوف آنذاك أيّ تهديد واضح للنظام، إلا أنه في أثناء اختفائه ظهر أمران جعلا السوريين سعداء لتهميش رامي مخلوف؛ الأول هو مظاهر الرفاهية التي يتنعم بها ابن رامي مخلوف في دبي، ما دفع السوريين إلى الهجوم الحاد عليه بعد استعراضه تَرَفِه وسياراته باهظة الثمن. أمّا الأمر الثاني، فقد تمثّل بتوقف الحرب نسبيّاً بشقّها العسكري، وما تَبِعَ ذلك من بروز الاستعراضات المالية لأمراء الحرب الجدد. تهرّب رامي سريعاً من هذا كله، بمحاولته التماهي مع حالة أيّ مظلوم سوريّ يرزح تحت وطأة الفساد الحكومي بحسب وصفه. حينما تمّ وضع حارس قضائيّ على شركة “سيرياتيل”، الشركة التي زعمَ أنّها أعطت السوريين جُل أرباحها ودفعت كلّ الضرائب، وأنها لطالما أطعمت الفقراء وساعدتهم من خلال التبرع بأرباحها. رامي في إطلالاته الأولى على مواقع التواصل، كان يعترف بتبعية شركاته وولائها للنظام السوريّ، ثم لا يلبث أن يُظهِر نفسه كمواطن عادي يتظلم إلى رئيس الدولة. بدا رامي جزءاً من المأساة السوريّة، أعتى اقتصادييها يظهر متلعثماً من دون أيّ رؤية واضحة لما يُريد، ويتحدث عن اقتصاد بلد كامل بطريقة مخجلة. هل هذا سلطان المال والأعمال الذي يعتمد عليه النظام؟ هل هذا وريث عائلة سياسيّة عريقة في الحزب القومي السويّ الاجتماعيّ؟
أدرك رامي أنّ آليات النظام السوريّ في تحطيم شركاته واسمه، هي الآليات ذاتها التي استخدمها هو ضدّ أي منافس اقتصادي له. كان رامي يشبه القذافي حين رأى نفسه ينزف دماً ولم يصدق ذلك. تجريد رامي من كل تابع له في الداخل السوري هو أمرٌ غير متوّقع أو محتمل بالنسبة إليه، ما جعله متفكك الشخصية، يتكلم تارةً كرجل دولة، وتارةً أخرى كلاهوتي يرتجل كلمات دينية متلعثمة، ويفسرها وينتهج تأويل الزمان والظروف والمصائر بطريقة اعتباطيّة. قبل تقهقر ظهوره الاجتماعي وتحوّله إلى الخطاب اللاهوتي، كان رامي يتعرض لصفعات متتالية. اعتُقِل جميع مديري شركاته في المحافظات، واقتيدوا إلى دمشق. وبحسب جهة إداريّة عالية المستوى في دمشق، فإنّ سيارات أمنية وصلت إلى فروع “سيرياتيل” وشركات رامي المختلفة، لتجبر الموظفين على توقيع أوراق تثبت ولاءهم للنظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، وأنهم لا ينتسبون إلى أيّ جمعية أو كيان سياسيّ أو اجتماعيّ يهدد أمن النظام. كان رامي يختفي تدريجيّاً من ذاكرة السوريين عامّة والفئة المقربة منه أيضاً، تلك التي صنعها وحاول شراءها بماله الكثير. في منتصف عام 2020 بدا رامي منعزلاً، انتهت السياسة وآثاراها والعمل الاجتماعيّ أيضاً.
بدا رامي مُحطّماً أكثر من أي وقت مضى، فما كان له سوى أن يلجأ إلى الله، أشار إلى ذلك بعض شيوخ العلويين؛ إذ إنّ الأمن السوريّ لم يمنع عن رامي زيارة الشيوخ، وقام رامي من أجل ذلك بشراء مكاتب دينيّة علويّة من اللاذقية وطرطوس. وقد أوضح لنا شيخ علويّ عالي القدر أنّ رامي يدرس الدين منذ الشهر الخامس لعام 2020. من هنا نفهم تحوّل لهجة رامي، التي كانت تعبيراً عن المرحلة الأخيرة من صدمةٍ أوصلته إلى ما يسمّيه النفسيّون تفكك الشخصية، المترافقة مع تغير المسالك النفسية التي يعبّر بها ويعبّر عنها، متأرجحاً ما بين المظلوم، العاطي، المضحي، المستكين، المهزوم، القوي، والقادر. ما عاد السوريون يعتبرون رامي إلّا كبقايا حيرة واضطراب ناجم عن صدمة قوية بانهيار قوى ابن خالته من جهة، وخسارة لعبته الاقتصاديّة ومشاريعه في سوريا كاملةً، من جهة أخرى.
وجد رامي نفسه محاصراً برابحين اقتصاديين يسلبون منه سطوته الاقتصاديّة، فضلاً عن مخاوفه من فقدان النظام كلّ شيء وزواله، على رغم أحقاده الدفينة على النظام التي تراكمت، لا سيّما بعدما طالبه الأسد بالتنازل حتى عن ثروته وعلاقاته الاقتصاديّة التي بناها في الخارج؛ فقد أقرّ مخلوف بقدرته على قيادة مشاريع ضخمة خارج البلد والالتفاف بذكاء على العقوبات الاقتصاديّة والسياسيّة المفروضة على سوريا. لم نعد نعرف رامي، نحن السوريين الذين لم يعرفوه إلّا بعد ظهوره الأول في بثٍّ مباشر من دون تعديلات فنيّة. رامي الذي كان يسلك في كل ظهور له سلوكاً نفسياً يعبّر عن محاولاته الوصول إلى السوريين والتقرّب منهم. تميل كلماته وألفاظه إلى اللهجة الطفولية، المتأثرة بألفاظ دينيّة مرجعها طفولته التي عاشها في الساحل وما لقنّه إياه شيوخ الطائفة العلويّة من تعاليم، فهل هذا يجذب العلويين؟
لا شك في أنّ رامي مخلوف أثر في الطائفة العلوية، وفي الذين دعمهم حقاً، إلا أن كل محاولاته للبروز الاجتماعيّ لم تكن سوى محاولات آنية؛ فلم يحسب رامي حساباً لذاكرة السوريين أبداً، وانتقائيتها وظروفها، ربّما لأنّه لم يؤسس ما يبدو أخلاقياً وآثراً في العقل السوريّ. ولم يعرف أن تجارب مماثلة لتأسيس هيمنة اجتماعيّة من قبل أشخاص علويين قبله، قد باءت بالفشل، منها محاولة عمّ الرئيس السوريّ جميل الأسد الذي أسس، كما ذكرنا سابقاً، لمشيخة دينية يترأسها بذاته إبّان الثمانينات، وقد أغلق حافظ الأسد جمعيته بقسوة. حاول كثيرون إنشاء معنى ما لدى هذه الطائفة الصغيرة، لضمان الدعم وتشكيل قاعدة جماهيريّة ذات أهميّة ووجود راسخ، إلا أن ذلك قوبل بالفشل.
استطاع رامي منذ البداية فرض سطوته على الساحة السوريّة الاقتصاديّة والسياسيّة، من دون استعطاف أيديولوجيّ أو تأييد جماهيري حتى، وحين التجأ إلى الظهور الاجتماعي والتقرّب من الناس، كان سبب ذلك فقدانه القدرة على متابعة ما أسس له، من دون إرضاء عامّة السوريين وأبناء طائفته تحديداً. أمّا الذين تأثروا برامي مخلوف من العلويين، فقد كان همّهم الوحيد ألّا يستحوذ مستثمرون سُنّة على الاقتصاد السوريّ وأمواله، لكن ذلك بات وهماً يدركه العلويون أنفسهم. لقد انتزعت الطائفية إلى حد كبير من عقلية السوريين؛ فتكشّف الحقائق، وإفلاس النظام السوريّ وكشف ألاعيبه وفساد إدارته ونظامه المالي الأوليغارشي، فضلاً عن ذله وحصاره من الدول التي باتت تتقاسم أرض البلد وخيراته من دون أي حماية أو مردود، كل ذلك جدد الوعي الجماعيّ للسوريين وجعل حتى بسطاء الشعب وعامّتهم أذكى من الوقوع في أيّ فخٍّ طائفي، ذاك الوعي الذي كان سببه السحق التام للسوريين وخساراتهم الكبيرة.
في صدمة رامي معنى ذاتي ونفسي بحت، فنحن نشاهد تفكك شخصيته وتراجع ثباته النفسيّ. لقد صار سلطان الاقتصاد السوريّ مدعاة للتعاطف البائس لا أكثر.
درج
————————————
=============================