سياسة

تطورات السياسة التركية في سورية -مقالات مختارة

التدخل التركي في شمال سوريا: استراتيجية واحدة وسياسات متباينة/ خير الله الحلو

ملخّص تنفيذي

اعتمدت تركيا على القوة العسكرية لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تطويق نشاط وحدات حماية الشعب الكردية، والتي تنظر إليها بوصفها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وشنّت تركيا ثلاث عمليات عسكرية بين ٢٠١٦ و٢٠١٩ في ريف حلب الشمالي وعفرين وريف الرقة الشمالي وغرب الحسكة.

وبينما بقي الهدف الاستراتيجي واحداً خلال تلك العمليات، إلا أن السياسة التركية تجاه تلك المناطق تباينت على عدة مستويات. فعلى المستوى الأمني، فقد أظهرت القوات التركية قسوة شديدة للغاية في منطقة عفرين (“غصن الزيتون”)، في حين كانت لينة في منطقة ريف حلب الشمالي (“درع الفرات”)، مع تباين واضح في سياستها بين مدينتي تل أبيض ورأس العين رغم وقوعهما في منطقة عمليات واحدة (“نبع السلام”). كما أطلقت تركيا يد الفصائل الموالية لها ضد السكان الأكراد، ولا سيما في عفرين، في حين أبدت الفصائل درجة انضباط أعلى في بقية المناطق. كذلك ميّزت السياسة التركية بين المناطق على المستوى الخدمي مثل الإمداد بالكهرباء وصيانة شبكات الطرق. كما مارست تركيا عمليات استهدفت تغيير التركيبة السكانية لمنطقة عفرين خصوصاً، حيث أسكنت عائلات النازحين والمقاتلين الموالين لها في منازل الأكراد المهجّرين، ونقلت النازحين التركمان من حمص واللاذقية إلى المناطق المتاخمة للحدود السورية-التركية.

ويعود هذا التباين في السياسات إلى هاجس الأمن القومي التركي المتصاعد، والذي يتمحور حول تفكيك مشروع الإدارة الذاتية الكردية وتأمين شريط حدودي بعمق ٥ كم داخل الأراضي السورية، ومن هنا تحظى المدن والتجمعات الواقعة على هذا الشريط بأهمية كبيرة وأولوية الحصول على الخدمات بهدف ترغيب السوريين بالإقامة فيها. أما تشابهات السياسة التركية عبر مناطق النفوذ الثلاث فشملت التمركز في معسكرات كبيرة محدودة ونقاط حراسة متقدمة لمواجهة مقاتلي وحدات حماية الشعب. كذلك تم اتباع التقسيم الإداري التركي نفسه في المناطق الثلاث على حساب أشكال الحكم والقوانين التي عملت بها الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، ليجري تقديم الخدمات عبر المؤسسات التركية نفسها وإن بمعايير وحسابات مختلفة. ويعود هذا التشابه إلى رغبة أنقرة بضبط المنطقة أمنياً وإدارياً عبر نموذج مألوف ومنع الحكومة المؤقتة من لعب دور يتجاوز المصالح التركية.

مقدمة

مع انسحاب النظام السوري من مساحات واسعة شرقي البلاد في ربيع ٢٠١٢، بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي – وجناحه المسلح المتمثل في وحدات حماية الشعب – ببناء مشروع حكم خاص به في شمال شرق سوريا وعفرين. وبعدما حاول المقاتلون الأكراد السيطرة على بلدة رأس العين الحدودية أواخر ٢٠١٢، ردّت تركيا بدعم فصائل من الجيش السوري الحر وفصائل إسلامية أخرى لطردهم،[1] معلنةً بذلك معركة طويلة سيطر في نهايتها المقاتلون الأكراد على المدينة في تموز ٢٠١٣. ومنذ ذلك الحين، بدأت تركيا تتحسس خطر نشوء كيان كردي على حدودها الجنوبية، وهو الخطر الذي تفاقم مع انهيار المفاوضات مع رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم في أنقرة، ومن ثم انهيار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني في ٢٠١٥، وأخيراً اعتماد الولايات المتحدة على وحدات حماية الشعب كشريك رئيسي في حربها ضد داعش، الأمر الذي انتهى بسيطرة مقاتلين أكراد على منبج في آب ٢٠١٦. كل ذلك جعل استراتيجية أنقرة في سوريا محصورة بتطويق وحدات حماية الشعب، لتشنّ ثلاث عمليات عسكرية في ثلاث مناطق سورية في أوقات وسياقات مختلفة.

تباينت المواقف الدولية من التدخل العسكري التركي في كل عملية مرة تبعاً لتوتر العلاقة مع أنقرة: فقد رحّبت الولايات المتحدة بعملية “درع الفرات” ضد داعش في منطقة ريف حلب الشمالي (آب ٢٠١٦-آذار ٢٠١٧) واعتبرتها تصبّ في مصلحة الأمن القومي الأميركي، ووافقتها ألمانيا وفرنسا، فيما أعلنت روسيا تحفّظها على التدخل التركي.[2] أما عملية “غصن الزيتون” ضد المقاتلين الأكراد في منطقة عفرين (كانون الثاني-آذار ٢٠١٨) فقد تفهّمتها واشنطن ولندن وموسكو، فيما عبّرت باريس وبرلين عن قلقهما من أن العمليات العسكرية لا تساعد على الاستقرار والحل في سوريا، ونوّهتا بنجاح المقاتلين الأكراد في محاربة داعش.[3] أخيراً، حظيت عملية “نبع السلام” ضد قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة الحدودية بين تل أبيض ورأس العين (تشرين الأول-تشرين الثاني ٢٠١٩) بتفهّم من جانب روسيا، التي عدّتها خطوة نحو إضعاف القوات الكردية الحليفة للغرب، فيما حذّرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من العملية.[4] أما محلياً فقد رحّب الائتلاف السوري المعارض بالعمليات التركية الثلاث واعتبر أنها تحقق طموح السوريين للخلاص من الإرهاب،[5] فيما اعترض النظام وقوات سوريا الديمقراطية على ما وصفوه بالاحتلال التركي لشمال البلاد.[6]

ونتيجةً للمواقف الغربية الرافضة، امتنعت المنظمات الدولية عن تقديم المساعدة الإنسانية في منطقة نبع السلام بعد عام على السيطرة التركية عليها، حيث فضّلت تقديم المساعدة من دمشق بدلاً من غازي عنتاب وحمّلت بذلك أنقرة عبء تقديم الخدمات الإنسانية في هذه المنطقة كما فعلت من قبل في عفرين. وقد سعت تركيا لدعم المعارضة السورية في بناء هياكل حكم محلي فور انتهاء العمليات العسكرية، وذلك بإشراف الولايات التركية الحدودية المتاخمة لمناطق العمليات، حيث تشرف ولايتا كلّس وغازي عنتاب على منطقة ريف حلب الشمالي، وولاية هاتاي على منطقة عفرين، وولاية أورفة على منطقتي تل أبيض ورأس العين. كذلك تقدم أنقرة الخدمات الأساسية في المناطق الثلاث.

تحاول هذه الورقة الإجابة عن سؤال ما إذا كانت هناك استراتيجية موحدة في مناطق التدخل التركي الثلاث، وما هي أوجه الاختلاف والتشابه بين السياسات المتّبعة في هذه المناطق. تبدأ الورقة بتحليل السياسات العسكرية، بما في ذلك الوجود العسكري التركي المباشر والأدوار الأمنية الموكلة إلى فصائل الجيش الوطني السوري. بعد ذلك، تشرح الورقة أوجه الانخراط التركي في البيئة السورية المحلية، سواء عبر سياسات الإحلال والتغيير الديموغرافي أو عبر فرض نموذج إدارة محلية تابع للإدارات التركية. وأخيراً، تتناول الورقة سياسات تقديم الخدمات والأوضاع الاقتصادية في مناطق النفوذ التركي.

استند البحث إلى مقابلات خاصة مع فاعلين في المجالس المحلية، بينهم رؤساء مكاتب وموظفون عاديون، ومع وجهاء محليين عرب وأكراد، وقادة وضباط في الجيش الوطني السوري، ونشطاء حقوقيين ومدنيين وإعلاميين، بالإضافة إلى فاعلين اقتصاديين – تجار ومزارعين – استفادوا أو تضرروا بشكل مباشر من تغير السيطرة العسكرية. أُجريت المقابلات بين حزيران وتشرين الثاني ٢٠٢٠، ولجأ الكاتب لأشخاص إضافيين تحديداً في منطقتي رأس العين وعفرين، نظراً لصعوبة جمع المعلومات هناك، كما حرص على إيجاد مصادر غير متحزّبة ولا تمثل جزءاً من الصراع أو الانتهاكات بحق المدنيين. قام الكاتب بمقاطعة المقابلات مع المعلومات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف التحقق من صحتها. وتم التحفظ عن الأسماء الصريحة لبعض الشخصيات حفاظاً على سلامتها وعدم تعريضها لمضايقات أو أذى من جانب قوى الأمر الواقع.

الجزء الأول: شكل القوات العسكرية والأمنية في المناطق الثلاث

اعتمدت تركيا على الحضور العسكري المباشر لطرد الوحدات الكردية من حدودها الجنوبية، فبنت عدداً كبيراً من القواعد ونقاط الحراسة لمواجهتها، كما لجأت إلى هيكلة الفصائل العسكرية وتنظيمها ضمن الجيش الوطني السوري، مع إنشاء جهاز شرطة مدني، وأخيراً أوكلت إلى الفصائل السورية تنفيذ سياستها الأمنية العنيفة ضد الأكراد في كل من عفرين وإلى درجة أقل رأس العين.

الحضور التركي المباشر

بعد انتهاء العمليات العسكرية الثلاث، تمركزت القوات التركية في نقاط عسكرية داخل الأراضي السورية. ففي ريف حلب الشمالي، توجد حوالي ٢١ نقطة عسكرية موزعة قرب المدن الرئيسية وقرب خطوط التماس مع كل من قوات سوريا الديمقراطية في منبج وتل رفعت وقوات النظام السوري في تادف.[7] وتعتبر قاعدة جبل الشيخ عقيل المُطِلّة على مدينة الباب كبرى القواعد التركية في ريف حلب الشمالي، وهي تضم مهبطاً للطائرات المروحية.

أما في منطقة عفرين فقد سيطرت تركيا على مقرات وحدات حماية الشعب، والتي تتركز قرب المدن والبلدات الرئيسية في المنطقة. وأنشأت في هذه المنطقة ١٢ قاعدة عسكرية تركية رئيسية، أبرزها في بلبل وراجو وشيخ الحديد وجنديرس وعفرين وبراد وجلبل وشوارغة وشرانلي وكفرجنة، وتحتوي القاعدة الأخيرة على مهبط للطائرات المروحية أيضاً.[8] تضاف إلى ذلك عشرات النقاط على خط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية.

وتنتشر القوات التركية في نقطتين عسكريتين في مدينة رأس العين[9] وثلاث في تل أبيض،[10] إضافة لعدة نقاط مراقبة ولا سيما قرب الطريق الدولي M4.[11] كما توجد قاعدتان عسكريتان رئيسيتان في منطقة تل أبيض هما كرمازة على طريق الرقة-تل أبيض (٢٥ كم جنوباً)، وهي قاعدة متأخرة تشرف على النقاط المتاخمة لطريق M4 وتعتبر الأقرب إلى بلدة عين عيسى التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وقاعدة بير عاشق على طريق تل أبيض-سلوك.

بالإضافة إلى ما سبق، تشهد المناطق الثلاث انتشاراً لقوات الجيش التركي في عدة معسكرات، وتتخذ المخابرات التركية من مقرات الشرطة المدنية مقرات لها، إلا أن حضور الجيش والمخابرات التركية أكثر وضوحاً في منطقتي عفرين وريف حلب الشمالي، حيث تتعدد مستويات الحضور وتكثر الزيارات الرسمية إلى المنطقتين. وتعتبر تدخلات المخابرات التركية المباشرة قليلة للغاية في المناطق الثلاث، إذ تعتمد تركيا على الجيش الوطني السوري لتعقّب وقمع خصومها، وقد أوعزت له بتأسيس سجون خاصة لهذا الهدف بحيث تحمي نفسها من التورط المباشر في الانتهاكات. وتعتمد المخابرات على محقّقين من “قوات الشرطة والأمن العام الوطني السوري” مرتبطين مباشرة بالجهاز الأمني التركي في عفرين أو رأس العين.

تنظيم قوات المعارضة السورية أمنياً وعسكرياً

أ. الجيش الوطني السوري

سعت تركيا منذ بدء تدخلها في سوريا عام ٢٠١٦ لبناء جيش موحد للمعارضة السورية، ونجحت في ضم عدة فصائل تحت اسم الجيش الوطني السوري المؤلف من ثلاثة فيالق.[12] تضم هذه الفيالق كل التشكيلات العسكرية النشطة في الشمال السوري، إضافة إلى فصائل المعارضة المهجّرة من دمشق وريفها وحمص وحماه. نظرياً، يتبع الجيش الوطني السوري لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، وهي الجناح التنفيذي للائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة،[13] إلا أن الجيش الوطني يتلقى الدعم اللوجستي والمادي والتدريبي من الجيش التركي. وكانت ثلاثة من فصائل في منطقة درع الفرات (فرقة الحمزة، ولواء المعتصم، واللواء 51) تتلقى دعماً من برنامج التدريب والتسليح التابع لوزارة الدفاع الأمريكية  قبل توقف الدعم نتيجة مشاركتها في معركة عفرين عام ٢٠١٨.

باستثناء الجبهة الشامية في أعزاز،[14]  فإن معظم فصائل الجيش الوطني تشكلت بالتزامن مع عملية درع الفرات ضد داعش، ومنذ ذلك الحين يجري التنسيق بين الجيش التركي والجيش الوطني السوري على أعلى المستويات. ويمكن وصف العلاقة بين الجيشين بالطيبة. وتمتلك الفصائل التركمانية نفوذاً خاصاً في الجيش الوطني، خصوصاً فرقتا السلطان مراد والحمزة المدعومتان بشكل كبير من السلطات التركية.[15] واستغلت تركيا علاقتها بالفصائل السورية لتجنيد مئات العناصر وإرسالهم للقتال وراء الحدود عبر شركة سادات الأمنية التركية،[16] سواءً إلى جانب قوات حكومة الوفاق في ليبيا[17] أو إلى جانب أذربيجان ضد أرمينيا في إقليم قرة باخ.[18]

وبخلاف ادعاء هيكلة الجيش الوطني السوري وإعطاء أفضلية القيادة للضباط المنشقين، يقود الفيلق الثالث قائد الجبهة الشامية أبو أحمد نور، وهو شخصية مدنية، ويقود الفيلق الثاني محمود الباز، وهو خريج جامعي. فقط الفيلق الأول يقوده ضابط منشق هو قائد جيش النخبة العميد معتز رسلان. ويعتبر الفيلق الثاني مجرد واجهة لفرقة السلطان مراد، إذ لا يستطيع قائده ضبط قادة الفصائل الأخرى المنضوية تحت لواء الفيلق، ولا سيما قائد فرقة السلطان سليمان شاه محمد الجاسم (المعروف بـ”أبو عمشة”)، والذي ينفذ عمليات سلب واستيلاء على الأراضي وأشجار الزيتون دون رادع، والأمر نفسه ينطبق على قادة الشرطة العسكرية في جميع مناطق النفوذ التركي.

كذلك يؤخذ على الجيش الوطني السوري أنه لم يخض أية معركة مع النظام السوري في أي من المناطق الثلاث، وأنه ملتزم بالمعارك التي تقررها تركيا سواء في الداخل السوري أو في بلدان أخرى، ما يجعله أشبه بحارس الحدود التركية الجنوبية وحامي مصالح الأمن القومي التركي. وتخص تركيا الفصائل المقرّبة منها بمحاور قتال في القرى الكردية بهدف تحقيق السيطرة الأمنية عليها ووضع يدها على أملاك سكانها الهاربين.

ب. قوات الشرطة والأمن

حاولت أنقرة هيكلة الشرطة العسكرية، أولاً في ريف حلب الشمالي[19] ولاحقاً في عفرين، بهدف كفّ يد الفصائل ووضع حدّ لعمليات النهب ووقف الانتهاكات الحقوقية. أما في تل أبيض ورأس العين فقد شكلت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة قضاءً عسكرياً وشرطة عسكرية عقب السيطرة على المدينتين.[20] وفيما تكتفي أنقرة باختيار قائد الشرطة، تقوم الفصائل باختيار جميع ضباط وعناصر الشرطة، حيث يقدم كل فصيل عدداً من عناصره دون أن يتلقوا تدريبات خاصة،[21] مع استمرار تبعية العناصر لفصائلها وتقديمها مصلحة الفصيل على حساب المصلحة العامة، وهو ما يفسّر ضعف جهاز الشرطة العسكرية وعجزه عن ضبط الانتهاكات.

أما الشرطة المدنية فقد دعمتها تركيا بعدما بسطت سيطرتها على مناطق ريف حلب الشمالي، حيث افتتحت معسكرات تدريبية في الأراضي التركية ضمّت متطوعين سوريين،[22] وأخرى في مراكز تدريب تابعة لأكاديمية الشرطة التركية في أضنة ومرسين.[23] كذلك درّبت أنقرة عناصر سوريين في مدينتي تل أبيض ورأس العين، وأمدّت الشرطة المدنية بالسلاح والسيارات وكافة المستلزمات اللوجستية.[24] ومن جهة أخرى، أسست تركيا فرقة “الكوماندوز” السورية التابعة لمديرية الأمن العام التركي، والتي نفذت أولى مهامها في عفرين. وتقوم فرقة الكوماندوز بحماية مواكب أعضاء الائتلاف الوطني ووزراء الحكومة المؤقتة، كما تشارك القوات التركية في حماية وتأمين زيارات المسؤولين الأتراك إلى مناطق تل أبيض ورأس العين وريف حلب الشمالي وعفرين.[25]

الأوضاع الأمنية في مناطق النفوذ التركي

يمكن وصف الوضع الأمني في مناطق النفوذ التركي بالهش. ويمكن تمييز هذه الهشاشة على مستويين: أولاً، انتهاكات فصائل الجيش الوطني المتمركزة في كل منطقة، وثانياً الخروقات الأمنية المتمثلة بالاشتباكات والتفجيرات والاغتيالات، والتي أصبحت حدثاً متكرراً في مناطق بعينها. وتختلف انتهاكات الفصائل والخروقات الأمنية من مكان لآخر بحسب الفصائل المسيطرة عليه وتركيبته السكانية.

وحين لا تضم فصائل الجيش الوطني المسيطرة مقاتلين محليين، كما هو الحال في عفرين ورأس العين، تكثر الانتهاكات وتسود الفوضى الأمنية. ففي مدينة رأس العين تسيطر فرقتا السلطان مراد والحمزة التركمانيتان، واللتان لا ينتمي أي من مقاتليها إلى المدينة، الأمر الذي سمح بإطلاق أيديهم دون أي رادع أو مقاومة محلية، فاستولتا على منازل المدنيين، ومنعتا منذ سيطرتهما على المدينة  عودة النازحين.[26] وتقدَّر أعداد المنازل التي استولت عليها الفرقتان بنحو ٨٠٠ منزل، جميعها تعود لأكراد سوريين أو لعرب منضوين في مؤسسات الإدارة الذاتية. من جهتها سهّلت تركيا نقل عائلات مقاتلي تلك الفصائل (من تركمان وعرب) عبر الحدود بهدف توطينهم في المنطقة وإسكانهم في المنازل المستولى عليها.[27] كذلك ارتكبت فيالق الجيش الوطني السوري انتهاكات كبيرة بحق سكان عفرين، ولا سيما الأكراد. وشملت هذه الانتهاكات حالات اعتقال واعتداء وخطف بهدف الفدية وملاحقة إعلاميين وناشطين واستيلاء على أملاك ومنازل مدنيين،[28] بالإضافة لحالات عنف جنسي واغتصاب بحق بعض المعتقلين.[29] ويتحمل قادة الفصائل مسؤولية مباشرة عن هذه الانتهاكات. وقد اتهمت منظمة العفو الدولية القوات العسكرية التركية والفصائل الموالية لها بـ”ازدراء أرواح المدنيين وارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم حرب”.[30]

في المقابل، عندما يشكل المقاتلون المحليون عصب فصائل الجيش الوطني السوري، تقل الانتهاكات ويسود الانضباط الأمني، كما هو حال أعزاز التي تسيطر عليها الجبهة الشامية، ومارع التي تسيطر عليها فرقة المعتصم، وتل أبيض التي يسيطر عليها الفيلق الثالث الذي يضم عدداً كبيراً من أبناء البلدة. كذلك تندر الانتهاكات في بلدتي سلوك والمبروكة العربيتين بين تل أبيض ورأس العين، حيث يسيطر تجمع أحرار الشرقية الذي يضم كتائب من محافظة دير الزور وينتمي أغلب مقاتليه لقبيلة العقيدات، ما يربطهم بصلة قرابة بالمنطقة، بالإضافة لعدد كبير من المقاتلين المحليين.[31]

ومن جهة أخرى، تلعب التركيبة السكانية دوراً هاماً في تقرير درجة الأمن والاستقرار. ففي مدينة تل أبيض مثلاً يقيم ١٤٠ ألف مدني، يمثل الأكراد نسبة صغيرة منهم (أقل من ١٠ بالمئة)، مما يقلل من نسبة الانتهاكات ويمنحهم حماية مجتمعية بوصفهم أقلية ضمن محيط عشائري صلب ومتماسك. أما في رأس العين فقد حرصت تركيا على ضرب استقرار المنطقة وتغيير تركيبها السكانية المختلطة، وذلك نتيجة انخراط شريحة واسعة من السكان في مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي، بما في ذلك العشائر العربية، كما في حالة الشيخ محمد حسن عبيد الخليل (أحد أبناء مشايخ عشيرة حرب) والذي عيّنته حكومة الإدارة الذاتية وزيراً للمواصلات.

أما بالنسبة للخروقات الأمنية، فقد توالت الاشتباكات البينية بين الفصائل في جرابلس والباب وأعزاز وعفرين ورأس العين،[32] وغالباً ما يسقط نتيجتها عدد من المدنيين. وتشهد مدينة الباب اضطراباً أمنياً كبيراً، يتمثل في انتهاكات متكررة ترتكبها فرقة الحمزة، وتفجيرات واغتيالات متواترة تقوم بها خلايا داعش التي تنشط لصالح التنظيم بعد انحسار سيطرته على المدينة.[33] وفي مدينة أعزاز، تنحصر الاغتيالات بالعاملين في السلك القضائي والشرطي، وكان آخرها تفجير سيارة القاضي في محكمة الجنايات العسكرية في أعزاز ملحم ملحم.[34] أما في عفرين فتتركز الاغتيالات ضد عناصر الجيش الوطني، والتي تتبناها غرفة عمليات غضب الزيتون الكردية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية. ورغم القبضة الأمنية الشديدة التي تنتهجها تركيا في عفرين، إلا أن غرفة عمليات غضب الزيتون منها نفّذت ١١ اغتيالاً لعناصر الجيش الوطني خلال النصف الأول من ٢٠٢٠،[35] ليصبح مجموع العمليات التي تبنّتها ٤٠ عملية منذ سيطرة القوات التركية والجيش الوطني السوري على عفرين في آذار ٢٠١٨. وترجّح طريقة التصوير الاحترافية للاغتيالات أن منفذيها تابعون لقوات الأمن الداخلي الكردية (الأسايش).

الجزء الثاني: علاقة تركيا بالمجتمعات المحلية

سياسة تركيا الديموغرافية

يبدو أن تركيا أطلقت يد فصائل الجيش الوطني بهدف بعثرة الوجود الكردي وإبعاد خطر قيام كيان كردي بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي – والذي تعتبره الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني – على حدودها الجنوبية. وترى تركيا أن تحطيم الكتلة البشرية الكردية عبر سياسات بعيدة المدى، وخصوصاً في عفرين، سيقضي على مشروع الكيان الكردي، وهي تعتمد على إحلال سكان تركمان وعرب مناوئين للمشروع مكان السكان الأكراد، بما يحمي أمنها القومي في حال سحبت قواتها مستقبلاً.[36] ولا تقتصر الرؤية التركية على منطقتي عفرين ورأس العين، بل تشمل كافة مناطق الشريط الحدودي، بما في ذلك القرى العربية، ومن هنا اعتمادها على فرقة السلطان مراد التركمانية لتأمين الشريط الحدودي بمسافة تتراوح بين ٣ و١٥ كم.

وبينما تشير التصريحات الرسمية التركية إلى عودة أكثر من ٤٠٠ ألف لاجئ سوري من مختلف الولايات التركية إلى الشمال السوري،[37] إلا أن هذه الأرقام لا تشمل إحصاءً دقيقاً لضحايا الترحيل القسري إلى سوريا بذريعة عدم امتلاكهم بطاقة حماية تركية (كِملِك) أو ارتكابهم مخالفات قانونية. من جهة أخرى، أصبحت مناطق النفوذ التركي بين ٢٠١٦ و٢٠٢٠ الملجأ الوحيد للنازحين قسرياً من مناطق خفض التصعيد، أي ريف دمشق وجنوب سوريا وريف حمص الشمالي وإدلب. كما استقبلت هذه المناطق نازحين من دير الزور والرقة فرّوا من المعارك بين داعش وقوات سوريا الديمقراطية في ٢٠١٧-٢٠١٨. وتمثل هذه المناطق خياراً أفضل من إدلب غير الآمنة والمهددة دوماً بخطر هجوم النظام والقصف الجوي الروسي.

في عفرين، قامت تركيا بإسكان مهجّري الغوطة وحمص الشمالي، إضافة إلى عائلات المقاتلين التركمان، في منازل الأكراد الهاربين من العمليات العسكرية. وفي المقابل منعت وحدات حماية الشعب المدنيين الأكراد الذين فروا إلى مناطق ريف حلب الشمالي القريبة من العودة إلى منازلهم. وقد أدى ذلك لتراجع عدد السكان الأكراد في عفرين من ٥٠٠ ألف قبل الهجوم التركي إلى حوالي ١٥٠ ألف في نيسان ٢٠١٩. ويرجَّح أن عدد الأكراد الحالي لا يتجاوز ١٠٠ ألف بعدما فضل عدد كبير من الأهالي الهرب من تجاوزات فصائل الجيش الوطني.[38]

وكرّرت تركيا السياسة الديموغرافية نفسها في رأس العين، والتي كان يقطنها سكان أكراد وشركس وشيشان وعشائر عربية. كان مجموع سكان المدينة قبل عملية نبع السلام حوالي ٢٩ ألف نسمة، والسكان الأكراد حوالي ٥ آلاف.[39] ولم يعد إلى المدينة بعد انتهاء العمليات العسكرية سوى ١٢٪ من السكان السابقين،[40] معظمهم من العشائر العربية التي نزحت موقتاً، بالإضافة إلى النشطاء والمطلوبين من قبل قوات سوريا الديمقراطية ممن كانوا يقيمون في تركيا. بالمقابل، انتقلت حوالي ٢,٠٠٠ عائلة من عائلات مقاتلي الجيش الوطني من ريف حلب الشمالي إلى رأس العين عبر الأراضي التركية، وأُسكنت في الأحياء الكردية شرق وجنوب البلدة، وكانت معظم هذه العائلات قد نزحت من حماة وحمص ودير الزور وحلب وريف دمشق.[41] ويزعم المجلس المحلي الحالي في رأس العين وجود حوالي ١٠٠ عائلة كردية و٤٠ عائلة مسيحية،[42] فيما يؤكد نشطاء أن العائلات الكردية أقل من عشرين، والسريانية أقل من عشر. وتقطن حي الحوارنة شرق المدينة، والمعروف بالكردية باسم “زور أفا”، أقل من عشر عائلات كردية مقابل المئات من عائلات مقاتلي فصائل الجيش الوطني السوري.[43]

أما في منطقة تل أبيض – والتي تضم مدينة تل أبيض وناحية سلوك – فقد بلغ عدد السكان عام ٢٠١٠ أكثر من ٢٥٠ ألف نسمة. وبحسب المجلس المحلي لمدينة تل أبيض فإن عدد السكان المدنيين الحالي ١٤٠ ألف، منهم نحو ٦ آلاف نازح من محافظات أخرى.[44] وبالكاد سُجّلت عودة بعض العائلات من تركيا ، بخلاف التصريحات التركية التي زعمت عودة ٢٠٠ ألف سوري إلى مناطق نبع السلام بعد عام على انتهاء العملية.[45]

وتسعى تركيا لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا بعد فشلها في الضغط على الاتحاد الأوربي وتحصيل المزيد من المساعدات. ولكن ظروف الاضطراب الأمني والعمليات العسكرية، ناهيك عن تردي الوضع الخدمي والاقتصادي، تحول دون عودة اللاجئين المقيمين في تركيا إلى سوريا.  يمكن وضع جهود أنقرة لتشجيع عودة اللاجئين ضمن ثلاثة أهداف رئيسية: أولاً تخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهلها، خصوصاً في ظل تراجع الاقتصاد التركي؛ وثانياً تخفيف الضغط السياسي عن الرئيس التركي وحزبه من قبل المعارضة التي ترفض وجودهم؛ وثالثاً وهو الأهم استغلال العائدين لتحقيق عملية تغيير ديموغرافية تنتهي بتوطينهم في عفرين ورأس العين وعلى طول الشريط الحدودي. وتعتقد تركيا أن توطين غير الأكراد في المناطق الكردية سيقضي على احتمال نشوء الحكم الكردي[46] مع الاحتفاظ بنفوذ سياسي كبير بين أطراف المعارضة السورية. ولتحقيق الهدف الأخير على المدى القصير والمتوسط، يتعيّن على تركيا أن تبقى لاعباً أساسياً قادراً على التحكم بالتطورات الميدانية في الداخل السوري، والطريقة الوحيدة لذلك هي زيادة الوجود العسكري.[47] ويبدو أن الهدف المضمر لهذا الوجود إنشاء أقاليم تابعة في عمق الأراضي السورية، تكون مرتبطة أمنياً واقتصادياً بأنقرة دون إلحاق رسمي سيشكّل مخالفة للقانون الدولي ويُدخل تركيا في مواجهة مع الجميع.

اختيار “ممثلين” في المجالس والمؤسسات المحلية

بعد انتهاء العمليات العسكرية، قدمت تركيا الدعم للمجالس المحلية لإدارة شؤون المدن والقرى ضمن مناطق نفوذها. وبخلاف مناطق ريف حلب الشمالي التي لم تُبد تركيا اكتراثاً إدارياً بها، تدخلت بشكل كبير في عفرين وتل أبيض ورأس العين لضمان تشكيل مجالس محلية موالية لها وإبعاد أي معارضين أو حتى محايدين. ورغم أن المجالس المحلية تتبع نظرياً للحكومة المؤقتة التي يرأسها رئيس الائتلاف الوطني الأسبق والتركماني المقرّب من أنقرة عبد الرحمن مصطفى، إلا أن وزارة الداخلية التركية تشرف بشكل مباشر على المجالس الجديدة، دون أن تلعب الحكومة المؤقتة أي دور فعلي. ومع استنساخ التقسيم الإداري التركي من خلال تأسيس مجالس محلية في المدن الكبرى ومجالس صغيرة تابعة لها في البلدات والقرى المحيطة، على غرار البلديات الكبرى والصغرى في تركيا، فرضت أنقرة نفوذها في المجالس المحلية من خلال ربط كل منطقة بالولاية التركية المجاورة لها.

وتوجد ١٠ مجالس محلية في منطقة درع الفرات، تشرف عليها ولايتا غازي عنتاب وكلّس، وهي مجالس الباب وجرابلس وأعزاز والراعي ومارع وأخترين وصوران وقباسين وبزاعة والغندورة، بالإضافة لمجالس فرعية صغيرة تتبع لها. وقد عيّنت السلطات التركية في كل من هذه المجالس شخصاً ينوب عنها ويلعب دور صلة الوصل بين المجلس والولاية التركية ذات الصلة، يُطلَق عليه محلياً اسم “الوالي التركي” رغم أنه يحمل الصفة الرسمية “مساعد الوالي”.[48]

أما في عفرين، وبعد “مؤتمر إنقاذ عفرين” في مدينة غازي عنتاب في نيسان ٢٠١٨ الذي حضرته عشرات الشخصيات الكردية الموالية لتركيا،[49] تشكلت أربعة مجالس محلية رئيسية،[50] أضيفت لها ثلاثة لاحقاً ليصبح المجموع سبعة مجالس في النواحي الإدارية السبع. وتشرف ولاية هاتاي التركية بشكل مباشر على مجالس منطقة عفرين عبر “مساعد الوالي” وست مساعدين له.

وبعد انتهاء عملية نبع السلام، تأسس المجلس المحلي لتل أبيض في أواخر تشرين الأول ٢٠١٩ بحضور ومباركة رسمية تركية، فيما تأسس المجلس المحلي لرأس العين في ٧ تشرين الثاني ٢٠١٩، ويتبع كلا المجلسين لولاية أورفة التركية. ويسمّى مساعد الوالي لشؤون منطقة نبع السلام محلياً “والي نبع السلام”، ويتبع له مسؤولان تركيان هما “والي” تل أبيض و”والي” رأس العين، وكلاهما يمتلك صلاحيات أمنية ومدنيةعلى غرار الصلاحيات الممنوحة للولاة في النظام الإداري التركي.[51]

وفي معظم مناطق الشمال الخاضعة للنفوذ التركي، يوجد منسّق تركي في كل مجلس محلي يشرف على أعماله ويحل المشاكل العالقة مع الجانب التركي، بالإضافة لمنسّقين أتراك آخرين على مستوى أدنى في مكاتب المجلس المحلي، وموظفين أتراك إداريين وتقنيين يقدمون الاستشارات ويساعدون على اتخاذ القرار. كذلك عيّنت عدة وزارات تركية (التعليم، الصحة، الطاقة، التجارة، الشباب والرياضة، المواصلات والبنية التحتية) مندوبين عنها في كل من مناطق النفوذ التركي الثلاث بهدف التنسيق بين هيئات الوزارات العاملة في هذه المناطق.[52] وتتلقّى المجالس المحلية في كل منطقة ميزانياتها المالية شهرياً من الولاية المشرفة عليها، تمثِّل حصتها المالية من عائدات المعابر بعد تقاسمها مع الجيش الوطني السوري، وهي مخصّصة لتغطية رواتب الموظفين وترميم البنية التحتية وتقديم الخدمات البلدية، وسط غياب أي دور فعلي للحكومة السورية المؤقتة.

وفي حين حاولت تركيا إظهار التنوع في هذه المجالس وتمثيل مختلف الشرائح السكانية في المدن التي تعمل بها، مستوعبةً شخصيات كردية وتركمانية وعربية ومسيحية وعلوية كأعضاء، إلا أنها اشترطت الولاء المطلق لتركيا. ولهذا السبب أقصت عدداً من الشخصيات لمجرد شكّها بولائها، وحتى أقالت مجالس كاملة بهذه الذريعة، كما جرى مع مجلسَي معبطلي وشيخ الحديد. ويتعرض العاملون في المجالس المحلية إلى اعتقالات تعسّفية من جانب المخابرات التركية وقوات الشرطة، وهو ما حصل مع أعضاء مجلس معبطلي نفسه في تشرين الأول ٢٠٢٠،[53] ومجلس جنديرس في أيلول ٢٠٢٠،[54] الأمر الذي يشير إلى تدخل أمني كبير في عمل الإدارات المحلية السورية، ولا سيما في المناطق الكردية، في حين لم تُسجَّل حالات اعتقال بحق أعضاء مجالس ريف حلب الشمالي. في الوقت نفسه يتم تهميش دور الحكومة السورية المؤقتة في اختيار الممثلين في المجالس المحلية، فرغم محاولتها إجراء انتخابات في بعض المجالس الفرعية في ريف حلب الشمالي في تشرين الأول ٢٠٢٠،[55] إلا أن مراسم تسليم المجالس الجديدة جرت بحضور وإشراف الولاة الأتراك.[56]

أدت سياسة تقديم الولاء على الكفاءة إلى صعود شخصيات هامشية إلى قيادة معظم المجالس، وهي شخصيات مؤهّلُها الوحيد أنها مدعومة من الجيش الوطني السوري أو من تركيا. عدد قليل فقط من المجالس تمكن من الاحتفاظ بوضعه السابق نتيجة دعم الفصائل العسكرية المحلية له، مثل مجلس أعزاز الذي تدعمه الجبهة الشامية. كذلك أدى شرط الولاء المطلق لتركيا إلى استبعاد أغلب التكنوقراطيين والفاعلين المحليين، بالإضافة لهيمنة أطراف سياسية على بعض المجالس، كما حصل في مجلس رأس العين الذي سيطرت عليه شخصيات تابعة أو مقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين، فيما استحوذ أقارب رؤساء مكاتب المجلس وبعض المقاتلين القادمين من مناطق أخرى على أغلب الوظائف الخدمية، دون مراعاة الخبرة والكفاءة، الأمر الذي زاد من حدّة التوتّر بين الأهالي وقيادة المجلس.[57]

الجزء الثالث: السياسات الخدمية والتنموية التركية

خدمات أساسية واجتماعية موجّهة

في ظل غياب المنظمات الدولية في معظم المناطق الثلاث وعجز الحكومة المؤقتة عن لعب دور فاعل، تتولى تركيا تقديم الخدمات الأساسية على كافة الأصعدة، من تعليم وصحة واتصالات وكهرباء ومياه، وإن بشكل متفاوت.

وتشمل الخدمات الأساسية المقدمة إلى المدنيين في مناطق الشمال السوري صيانة شبكات المياه، وتشغيل الأفران، ومدّ أبراج الاتصالات والإنترنت، وكذلك ترميم المشافي في المدن الرئيسية وتجهيزها بالمعدات والأجهزة اللازمة. كما قامت الحكومة التركية بترميم المدارس وإعادة تشغيلها، فعلى سبيل المثال تعمل في رأس العين ١٤٦ مدرسة،[58] وفي تل أبيض ٢٧٠ مدرسة،[59] ناهيك عن افتتاح فروع لجامعات تركية في الشمال السوري، والسماح لطلاب هذه المناطق إكمال دراستهم في تركيا وفق نظام المنح. الجدير بالذكر أن تركيا ألغت المناهج التعليمية التي كانت تفرضها قوات سوريا الديمقراطية واعتمدت بدلاً عنها مناهج الحكومة السورية المؤقتة.

على الصعيد الإغاثي، تبذل المنظمات التركية جهداً كبيراً في الشمال السوري، وخاصة منطقة عفرين ومناطق نبع السلام اللتين امتنعت المنظمات الدولية مثل المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) ومنظمة الهدف (GOAL) عن العمل بهما لأسباب تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان. كما أن الأمم المتحدة غير قادرة على إيصال المساعدات الإنسانية الى تل أبيض ورأس العين لأسباب قانونية.[60] ومن أبرز المنظمات الفاعلة وكالة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD)، وهيئة الإغاثة الإنسانية التركية ((IHH، ومركز الدعم والتنسيق لسوريا التابع لولاية أورفة (SUDKOM)، والهلال الأحمر التركي، بالإضافة إلى منظمات طبية مثل الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS) واتحاد منظمات الرعاية والإغاثة الطبية (UOSSM). ولا تملك أغلب المنظمات السورية التي تتلقى دعماً غربياً صلاحية العمل في رأس العين وتل أبيض وعفرين، وذلك نتيجة معارضة المانحين الغربيين للعمليات التركية فيها، في حين أنها تعمل في مناطق درع الفرات وإدلب.

كذلك افتتحت تركيا فروعاً لمؤسسة البريد التركية (PTT) في أعزاز والراعي وجرابلس وعفرين والباب وتل أبيض،[61] وتقدم هذه الفروع خدمات بنكية وخدمات التحويل المالي والشحن البريدي، كما تحصر تركيا تسليم رواتب الموظفين عن طريقها، سواء العاملين في المجالس المحلية أو في منظمات سورية مسجلة في تركيا وترسل حوالات إلى موظفيها في سوريا. كما ساعدت تركيا في تفعيل مديريات السجل العقاري والسجل المدني الذي يصدر بطاقات شخصية للسكان،[62] بالإضافة لدوائر المواصلات التي تسجّل السيارات والآليات وتمنحها لوحات مرقمة .

في مجال الكهرباء، تعاملت تركيا مع كل مدينة بشكل مختلف، ففي جرابلس استقدمت الكهرباء من قرقميش التركية بواسطة شركة Akenerji التركية الخاصة،[63] وفي أعزاز والباب كلّفت هذه الشركة وشركة أخرى هي ET Energy بتأمين الكهرباء عبر مولدات ضخمة،[64] أما عفرين فلم تصلها الكهرباء حتى ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٠[65] عبر الشركة السورية-التركية للطاقة الكهربائية (STE)،[66] وهي فترة متأخرة جداً بالمقارنة مع مناطق أخرى خاضعة للنفوذ التركي. أخيراً، تعتمد منطقة تل أبيض ورأس العين على الكهرباء القادمة من سد تشرين ومحطات التوليد الحرارية الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وقد جرت عملية مقايضة بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية، بحيث يضخ الأول المياه الصالحة للشرب إلى الحسكة من مناطق سيطرته في محطة علوك في رأس العين، مقابل تزويد الأخيرة لتل أبيض ورأس العين بالكهرباء. يُذكر أنه في آب ٢٠٢٠ انقطعت المياه عن الحسكة لعدة أسابيع، وتبادلت قوات سوريا الديمقراطية والمجلس المحلي في رأس العين الاتهامات حول الطرف المتسبّب بعطش نحو نصف مليون مدني.[67]

بوجه عام، يمكن القول إن الخدمات التي تقدمها تركيا قاصرة عن تلبية حاجات السكان. لكن الأهم أنها موجهة وتمييزية بحق الأكراد، فجرابلس التابعة لولاية غازي عنتاب أو الراعي التابعة لولاية كلّس تحظى بخدمات أفضل من عفرين مثلاً، والتي تأخر وصول الخدمات إليها حتى أصبح الأكراد أقلية مقارنةً بالعرب والتركمان. وكذلك هو الحال بين تل أبيض العربية ورأس العين الكردية. يضاف إلى ذلك انتقائية هذه الخدمات وإهمالها للمناطق البعيدة عن الحدود التركية، وتركيزها على المناطق القريبة أو الملاصقة للشريط الحدودي، مثل جرابلس والراعي، وذلك لسهولة دعمها وانخفاض كلفة إيصال الخدمات إليها، ولكن أيضاً لوقوعها ضمن المجال الحيوي للأمن القومي التركي.

أخيراً، لا تقوم هذه الخدمات على سياسة تمكين الحكومة المؤقتة، والتي يبدو الدعم الشحيح المقدم لها مقصوداً بهدف إبقائها على قيد الحياة دون أي فاعلية. في المقابل، يظهر دور الولاة الأتراك في التنمية وتقديم الخدمات واضحاً، ولا سيما والي أورفة عبد الله إيرين الذي يزور منطقة تل أبيض ورأس العين بشكل أسبوعي، ويقدم التسهيلات للمنظمات السورية،[68] ويبذل جهداً لافتاً في حشد الدعم من جمعيات عربية وإسلامية لمساعدة المنطقة.[69]

اقتصاديات المناطق

تعتمد اقتصاديات مناطق النفوذ التركي الثلاث على موردين أساسيين: المعابر الحدودية والتجارة من جهة، والزراعة من جهة أخرى. ومنذ حزيران ٢٠٢٠، اعتمدت مناطق الشمال السوري الليرة التركية لتخفيف تكاليف المعيشة في ظل استمرار انهيار الليرة السورية.[70]

تعد المعابر الحدودية الستة مع تركيا أهم مورد مالي للمناطق الثلاث، بالإضافة إلى المعابر المشتركة مع النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية في ريف حلب الشمالي، حيث يدخل عبرها كل ما تحتاجه المنطقة من غذاء وسلع استهلاكية ومواد إغاثة. لكن لا توجد معابر مشتركة بين مناطق قوات سوريا الديمقراطية في الحسكة والرقة ومناطق نبع السلام، باستثناء معابر تهريب قرب عين عيسى ينشط فيها مهربون على علاقة مع قادة الجيش الوطني ومسؤولي الإدارة الذاتية، وهو ما يجعل مناطق نبع السلام مغلقة ويحدّ من حركتها التجارية ويتسبّب بنقص في السلع وفارق كبير في بعض الأسعار.[71] على سبيل المثال، يبلغ سعر طن الإسمنت في منطقة نبع السلام ٤٢ دولار، فيما يصل سعره في الرقة إلى ١٠٠ دولار، والعكس هو الصحيح بالنسبة لمنتجات الوقود، حيث يبلغ سعر برميل البنزين في منطقة نبع السلام ٨٤ دولار وفي الرقة ٤٠ دولار، ويعزى ذلك لوفرة النفط نسبياً في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.[72] وقد ذكر رئيس المجلس المحلي في تل أبيض أنه طالب عبر وسطاء أتراك وروس بفتح معبر بين الرقة وتل أبيض، ولكن قوات سوريا الديمقراطية رفضت.[73] ودعمت تركيا تشكيل غرف صناعة وتجارة في مدن أعزاز والباب وعفرين[74] وتل أبيض بهدف تنشيط حركة الاقتصاد.[75] وتسير الحركة التجارية في المناطق الثلاث باتجاه واحد من تركيا إلى سوريا، مع نشاط تجاري ملحوظ مع مناطق النظام في حلب ومناطق قوات سوريا الديمقراطية في منبج.

وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في ريف حلب الشمالي ١٠٠ ألف هكتار، منها ٧٥ ألف هكتار مخصصة لزراعة القمح و٢٥ ألف لزراعة الخضروات،[76] بالإضافة لمئات آلاف الأشجار المثمرة ولا سيما الفستق الحلبي والزيتون. ويعتمد أهالي عفرين بشكل رئيسي على زراعة الزيتون والصناعات المرافقة لها كالمَعَاصر ومعامل الصابون.[77] وتقوم فصائل الجيش الوطني السوري بفرض إتاوات كبيرة على هذه الأعمال، بالإضافة لمصادرة بساتين الزيتون أو جرف قسم منها بذرائع أمنية.[78] أما أهالي منطقة نبع السلام فيعتمدون بشكل رئيسي على محصولي القمح والشعير، وتُبدي تركيا اهتماماً خاصاً بالقطاع الزراعي في هذه المنطقة،[79] حيث تشتري محصول القمح من المزارعين لصالح مؤسسة الحبوب التركية (TMO) عبر وسطاء محليين.[80] كما يشير المجلس المحلي في تل أبيض إلى عدة مشاريع محلية سيتم افتتاحها قريباً كالمعامل والمداجن ومعاصر الزيتون، بعضها تشرف عليه شركات تركية.

خاتمة

شكلت الإدارة الذاتية الكردية  في شمال وشرق سوريا منذ انطلاقها هاجساً تركياً، حيث رأت فيها أنقرة تهديداً لأمنها القومي، وتخشى أن يؤدي مشروع الحكم الخاص بها إلى تحريض أكراد تركيا على الانفصال، خصوصاً بسبب محاذاته القسم الأكبر للحدود الجنوبية مع تركيا وامتداده من الحدود العراقية وحتى عفرين غير البعيدة عن البحر المتوسط. وقد تلخص الهدف الاستراتيجي للسياسة التركية بتحطيم الكيان الكردي بالقوة، والتعامل مع التحدي الأمني الناجم عن ذلك كأولوية مطلقة، من دون بناء سياسة متكاملة لسد الاحتياجات وتأمين الخدمات الأساسية.

وخلال العمليات العسكرية الثلاث التي شنّها الجيش التركي شمال البلاد، اتبعت أنقرة سياسات أمنية وخدمية متباينة بين منطقة وأخرى بحسب العلاقة مع المكوّن الكردي، فقد أظهرت القوات التركية قسوة شديدة للغاية في منطقتي عفرين ورأس العين، وأطلقت يد الجيش الوطني السوري ضد الأكراد، بالإضافة إلى تقييدها وصول الخدمات إلى هذه المناطق.

أما على الصعيد العسكري والإداري فقد بدت السياسات التركية متشابهة، حيث حافظت على انتشار المعسكرات الكبرى في قلب المناطق الخاضعة لنفوذها، مع دعم نقاط حراسة متقدمة لمواجهة وحدات حماية الشعب، فيما أوكلت إلى الولايات التركية الإشراف على المناطق السورية المجاورة لها، وفرضت على المجالس المحلية نموذجاً يشبه النموذج التركي القائم على البلديات الكبرى والبلديات الفرعية الملحقة بها، مع اعتبار “الوالي تركي” صاحب السلطة العليا في المنطقة السورية التي يشرف عليها.

* خير الله الحلو: باحث سوري يعمل ضمن المشروع البحثي “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” في برنامج مسارات الشرق الأوسط، الذي يشرف عليه مركز روبرت شومان للدراسات العليا في الجامعة الأوروبية في فلورنسا. يركّز الحلو عمله على مناطق شمال سوريا.

[1] مقابلة عبر سكايب مع قائد عسكري سابق في لواء صقور الجبل، ١١ حزيران ٢٠٢٠

[2] مرصد الشرق الأوسط، “التدخل التركي في سوريا ينال دعم الولايات المتحدة ويغضب موسكو” (بالإنكليزية)، ٨ أيلول ٢٠١٦، https://bit.ly/38VNtZK؛ وكالة الأناضول، “أولاند: نتفهم دوافع تركيا لشن ’درع الفرات‘”، ٢٥ آب٢٠١٦   https://bit.ly/36KIoAJ؛ روسيا اليوم، “تباين المواقف من عملية ’درع الفرات‘”، ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٦، https://bit.ly/2HcWbak.

[3] بي بي سي عربي، “عفرين: مواقف دولية متباينة من اجتياح القوات التركية لها”، ٢٢ كانون الثاني ٢٠١٨، https://bbc.in/3kELX0h.

[4] وكالة سبوتنيك، “الكرملين: بوتين وأردوغان لم يتفقا على محادثة هاتفية جديدة بشأن الوضع في سوريا”، ١٠ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/3pO0aMf؛ الجزيرة، “مواقف دولية جديدة.. ما مستقبل عملية ’نبع السلام؟‘”، ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/3lMPLOf/

[5] موقع الائتلاف السوري، “ملتزمون بمحاربة الإرهاب وتحرير سورية”، ٨ تشرين الأول ٢٠١٩،https://bit.ly/38Wwerc

[6] صفحة وزارة الخارجية السورية على فيسبوك، ١٠ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/2UFBnLS؛ وكالة رويترز، “قوات سوريا الديمقراطية: أمريكا سحبت قواتها من الحدود مع تركيا”، ٧ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3kKmuSU

[7] مركز حرمون للدراسات، “القواعد العسكرية التركية في سوريا”، ٦ آذار ٢٠١٩، https://bit.ly/32VdlB9

[8] خير الله الحلو، “عفرين بعد السيطرة التركية: تحوّلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، تقرير مشروع بحثي، (فلورنسا، إيطاليا: مشروع “زمن الحرب وما بعد الصرع في سوريا”، معهد الجامعة الأوروبية)، ١٠ تموز ٢٠١٩ https://bit.ly/3pJT8bk.

[9]  مقابلة مع ناشط إعلامي من مدينة رأس العين، بتاريخ ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٠.

[10] مكالمة مع عنصر من الجيش الوطني في مدينة تل أبيض، ٢٨ تشرين الأول ٢٠٢٠.

[11] وكالة الأناضول، “الدفاع التركية تعلن إنشاء نقاط مراقبة في مناطق ’نبع السلام‘”، ١ كانون الأول ٢٠١٩ https://bit.ly/2IPCSo9. حتى مطلع شهر تشرين الثاني ٢٠٢٠، أنشات تركيا خمس نقاط مراقبة شمال طريق M4، هي كفيفة وعين رمانة وتينة، والرابعة على الطريق الواصل بين عين عيسى واستراحة صقر، والأخيرة غرب بلدة عين عيسى. الشرق الأوسط، “أنقرة تقيم قاعدة شمال الرقة… وواشنطن تعزز قواتها في دير الزور”، ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/32WtKFw

[12] نوار شعبان، “الجيش الوطني السوري: التشكيل والتحديات والمظهر العام” (بالإنكليزية)، مركز جنيف للسياسات الأمنية، ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/33wYMUK

[13] بي بي سي عربي، “الجيش الوطني السوري: من هم حلفاء تركيا الذين يقاتلون في سوريا؟”، ١٦ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bbc.in/3kI1Ene

[14] تعتبر الجبهة الشامية الفصيل الوحيد في قوات درع الفرات الذي سبق تشكيله التدخل التركي العسكري في سوريا، وهي مكون محلي يضم أبناء منطقة ريف حلب الشمالي، بالإضافة لمقاتلين من ريف الرقة وخصوصاً تل أبيض. وتحظى الجبهة الشامية بثقل كبير وتعتبر أقوى فصائل الشمال السوري على الإطلاق.

[15] عمر أوزكيزليجيك، “الجيش الوطني السوري: الهيكل والأدوار وثلاثة سيناريوهات للعلاقة مع دمشق”، مركز جنيف للسياسات الأمنية، ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/2Job2zU

[16] الشرق الأوسط، “تقرير غربي يكشف دور ’سادات‘ التركية في حرب ليبيا”، ٩ حزيران ٢٠٢٠، https://bit.ly/3eH5qfd

[17] نورديك مونيتور، “الأمم المتحدة تطلق تحقيقاً في تجنيد المقاتلين السوريين في ليبيا من قبل الحكومة التركية وشريكتها الأمنية سادات”، ١٨ آب ٢٠٢٠، https://bit.ly/3p9kuY4

[18] مقابلة عبر الهاتف مع عنصر من الجيش الوطني، ١٥ تشرين الأول ٢٠٢٠. انظر أيضاً: إليزابيث تسوركوف، “المرتزقة السوريون الذين يقاتلون حروباً خارجية لصالح روسيا وتركيا” (بالإنكليزية)، نيويورك ريفيو أوف بوكس، ١٦ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/34njjvc

[19] سيريا نيوز، “تشكيل محكمة وشرطة عسكرية في منطقة ’درع الفرات‘”، ٢٠ شباط ٢٠١٨، https://bit.ly/32XqkC7

[20] تويتر، صفحة نبع السلام، وزارة الدفاع تشرف على تشكيل محكمة عسكرية في رأس العين، ٤ تشرين الثاني ٢٠١٩، https://bit.ly/3lKSOX4

[21] اتصال مع عنصر من الجيش الوطني في مدينة تل أبيض، ٢٨ تشرين الأول ٢٠٢٠.

[22] عروة سوسي، “قوات الأمن والشرطة في جرابلس.. هيكليتها، مهامها، ورواتب عناصرها”، اقتصاد، ٢٩ كانون الثاني ٢٠١٧، https://bit.ly/390TnJ7.

[23] ديلي صباح، “تركيا.. تخريج دفعة من عناصر الشرطة السورية للعمل في عفرين”، ١٩ آيار ٢٠١٨، https://bit.ly/3fa0yQb

[24] وكالة الأنباء التركية، “بدعم تركي جهاز الأمن والشرطة يباشر مهامه في منطقة “نبع السلام”، ٢٢ كانون الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/36QITt1

[25] مقابلة عبر الهاتف مع ناشط إعلامي من رأس العين، ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٠.

[26] هيومن رايتش ووتش، “سوريا: انتهاكات بحق المدنيين في ’المناطق الآمنة‘، إعدامات خارج القانون، ومنع العودة من قبل جماعات مسلحة تدعمها تركيا”، ٢٧ تشرين الثاني ٢٠١٩، https://bit.ly/36s8Fok

[27] مقابلة عبر الهاتف مع ناشط إعلامي من أبناء رأس العين، ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٠.

[28] العربي الجديد، “فلتان أمني بمناطق النفوذ التركي في سورية: أسباب وتداعيات”، ٢ آيار ٢٠٢٠، https://bit.ly/3fbXW45

[29] تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، ٢٨ آب ٢٠٢٠، https://bit.ly/36fNB39

[30] منظمة العفو الدولية، “سوريا: أدلة دامغة على جرائم الحرب والانتهاكات التي ارتكبتها القوات التركية والجماعات المتحالفة معها”، ١٨ تشرين الأول ٢٠١٩، https://bit.ly/32VfFYT.

[31] مقابلة عبر الهاتف مع أحد نشطاء رأس العين، ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٠.

[32] العربي الجديد، “محاولة الاستيلاء على منازل مدنيين تخلّف اشتباكات عنيفة في رأس العين السورية”، ٢١ نيسان ٢٠٢٠، https://bit.ly/2Km1Ax6

[33] وكالة الأناضول، “ارتفاع ضحايا تفجير الباب إلى ١٤ قتيلاً و٥٠ جريحاً”، ٦ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3pFGVnU؛ مقابلة عبر الهاتف مع ناشط مدني في مدينة الباب، ١٦ تشرين الأول ٢٠٢٠.

[34] نقابة المحامين الأحرار في سوريا، بطاقة تعزية، ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/3lKstIL

[35] مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، “الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى ٢٠٢٠”، ١ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/2UFFoQn.

[36] حفريات، “٤ ركائز تحدد معالم استراتيجية تركيا التمددية في سوريا”، ٦ تموز ٢٠٢٠، https://bit.ly/35IB6xT

[37] تلفزيون سوريا، “صويلو: أكثر من ٤٠٠ ألف سوري عادوا إلى بلادهم”، ١٥ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3olYlEJ

[38] مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، “التغيير الديمغرافي في عفرين”، ١٧ تموز ٢٠١٩، https://vdc-nsy.com/archives/20694. نقل المركز في تقريره من تقرير لمنظمة باكس بعنوان “السيطرة التركية على عفرين تفاقم التوتر العرقي”، ٢١ أيار ٢٠١٩، https://cutt.us/LKrmH

[39] مركز الشرق العربي، “دراسة التوزع السكاني في محافظة الحسكة”، دراسات التجمع العربي، ٢ آب ٢٠١٣، https://bit.ly/33yJmPC

[40] عنب بلدي، “برسم المحاسبة.. انتهاكات ’ممنهجة‘ تطال الملكيات العقارية في رأس العين”، ٢٦ أيلول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3ltQJOB.

[41] مقابلات عبر واتسآب مع نشطاء من رأس العين، ومع عنصرين من الجيش الوطني ومن جيش الإسلام التابع للفيلق الثاني، أيلول ٢٠٢٠ ومقابلة عبر الهاتف مع إعلامي في مدينة رأس العين، ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٠.

[42] مقابلة عبر الهاتف مع مدير المكتب الإعلامي في مجلس رأس العين المحلي، ١٦ أيلول ٢٠٢٠.

[43] مقابلة عبر الهاتف مع ثلاثة نشطاء عرب من مدينة رأس العين، أيلول ٢٠٢٠.

[44] مقابلة عبر الهاتف مع أحد رؤساء مكاتب المجلس المحلي في تل أبيض، ٢٧ أيلول ٢٠٢٠.

[45] وكالة الأناضول، “عام على ’نبع السلام‘.. إنجازات تركيا في المنطقة الآمنة بسوريا”، ٩ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3pJ5MXI

[46] غونول تول، “غايات تركيا النهائية في سوريا” (بالإنكليزية)، فورين أفيرز، ٩ تشرين الأول ٢٠١٩، https://fam.ag/3pBSAUR

[47] مايكل يونغ، “ما الأهداف الأبعد لتركيا في سورية؟”، مركز كارنيغي، ١٩ تشرين الأول ٢٠١٧، https://bit.ly/2Hdgrsq

[48] خالد الخطيب، “’درع الفرات‘: حكومات محلية تدعمها تركيا”، المدن، ١ تموز ٢٠١٨، https://bit.ly/2UGV1aa

[49] عنب بلدي، “مؤتمر لـ’إنقاذ عفرين‘ يخرج بـ١٧ بنداً”، ١٨ آذار ٢٠١٨، https://bit.ly/3pHPCOo

[50] حسن برهان، “تشكيل مجلس محلي في مدينة عفرين شمال حلب”، وكالة سمارت، ١٤ نيسان ٢٠١٨، https://bit.ly/35JklCO

[51] مقابلة عبر الهاتف مع أحد رؤساء المكاتب في المجلس المحلي في تل أبيض بتاريخ ٢٧ أيلول ٢٠٢٠.

[52] المصدر السابق.

[53] مركز توثيق الانتهاكات، “السلطات التركية تشن حملة اعتقالات جديدة لأعضاء المجالس المحلية في عفرين”، ١٤ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/2Vw7NJ3

[54] كاجين أحمد، “حملة الاعتقالات مستمرة ضد الكرد في عفرين من قبل الاستخبارات التركية”، خبر24، ٩ أيلول ٢٠٢٠، https://bit.ly/2UK0KMl

[55] فيسبوك، المركز الإعلامي العام، ٥ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/2KlaJGd

[56] فيسبوك، المركز الإعلامي العام، ٢ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/2INJvrk

[57] مكالمة مع أحد أعضاء مجلس رأس العين، ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٠.

[58] مقابلة عبر الهاتف مع مدير المكتب الإعلامي في مجلس رأس العين المحلي، ١٦ أيلول ٢٠٢٠.

[59] مقابلة عبر الهاتف مع رئيس المجلس المحلي في تل أبيض، ٢٧ أيلول ٢٠٢٠.

[60] ينص القرار رقم ٢٥٣٣ لعام ٢٠١٩ على تجديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عبر معبر واحد هو معبر باب الهوى ولمدة سنة واحدة، لذلك لا يمكن إدخال المساعدات إلى تلك المنطقة من معبر تل أبيض، ولا يمكن إيصال المساعدات من باب الهوى لأن المنطقة بين ريف حلب الشمالي وتل أبيض غير متصلة ببعضها.

[61] وكالة الأناضول، “مؤسسة البريد التركية تفتتح فرعاً في تل أبيض السورية”، ٢٤ كانون الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/32Z1VMu

[62] عربي بوست، بطاقة شخصية بالعربية والتركية، ١٠ آب ٢٠١٨ https://bit.ly/38VTK7K

[63] ترك برس، “تركيا تبدأ بتزويد جرابلس السورية بالكهرباء والماء”، ١٠ أيلول ٢٠١٦، https://bit.ly/2UDR6Ln

[64] حسام جبلاوي، “بكلفة معقولة.. ريف حلب ينتظر الكهرباء عبر شركتين تركية وسورية”، تلفزيون سوريا، ٢٣ نيسان ٢٠١٩، https://bit.ly/2IM3SFa

[65] فيسبوك، المجلس المحلي في عفرين، ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/3pJazIG

[66] فيسبوك، المجلس المحلي في عفرين، تركيب عدادات كهرباء، ١ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://cutt.us/oJMVz

[67] بي بي سي عربي، “الحسكة عطشى: موجة غضب وتضامن بسبب انقطاع المياه عن سكان المنطقة”، ٢٢ آب٢٠٢٠، https://bbc.in/36MDy63

[68] مقابلة عبر سكايب مع أحد مدراء المنظمات السورية العاملة في المنطقة، ٢١ آب ٢٠٢٠.

[69] فيسبوك، مركز الدعم والتنسيق لسوريا، ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/35h5IXn

[70] محمد كساح، “الليرة التركية تنتشر في أعزاز.. من الذي بدأ الضخ؟”، موقع اقتصاد، ١٠ حزيران ٢٠٢٠، https://bit.ly/3pGQFhO

[71] مقابلة مع أحد سائقي الشاحنات، ٢٥ تشرين الأول ٢٠٢٠.

[72] خضر خضور ومنهل باريس، “حدود سائبة”، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، ٦ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3pFKTwO

[73] مقابلة عبر الهاتف مع رئيس المجلس المحلي في تل أبيض، ٢٧ أيلول ٢٠٢٠.

[74] فيسبوك، المجلس المحلي في عفرين، ٢٠ شباط ٢٠١٩، https://bit.ly/3pFywRc

[75] أوطان بوست، “غرف صناعة وتجارة تبدأ أعمالها في مدينة تل أبيض… وافتتاح مركز للتسويق مجاني”، ١٧ كانون الثاني ٢٠٢٠، https://bit.ly/38U2NWB

[76] معن طلاع وآخرون، التعافي المبكر في سوريا، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ٢٠١٩، https://bit.ly/3nBKzgJ.

[77] خير الله الحلو، مصدر سابق.

[78] بي بي سي عربي، “زيتون عفرين تحوّل إلى ’مصدر دخل‘ للجماعات المسلحة”، ٢٠ كانون الثاني ٢٠١٩، https://bbc.in/3lJVaWm

[79] فيسبوك، المجلس المحلي في رأس العين، ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3pJ8yfA

[80] فيسبوك، المجلس المحلي في رأس العين، ١٥ تشرين الأول ٢٠٢٠، https://bit.ly/3pHRVRy

back to top

——————————–

البحث عن معادلات سياسية جديدة في تركيا/ بكر صدقي

تتفق السلطة والمعارضة في تركيا على أن الوضع العام ليس بخير، وإن كانت السلطة لا تعلن ذلك صراحةً، بل يتوجب تأويل مسالكها لمعرفة حالة القلق التي تعيشها بشأن مستقبلها السياسي. فقد توالت استطلاعات الرأي الدورية التي تشير إلى تراجع شعبية الحزب الحاكم وحليفه القومي بقيادة بهجلي، إضافة إلى التوتر المحتمل بين الحليفين الذي يمكن استشفافه من تصريحات قادة الحزبين، ومن اللقاءات المباشرة المتكررة بين زعيميهما أردوغان وبهجلي في الآونة الأخيرة.

وأكثر ما أثار التساؤلات، في الأسابيع القليلة الماضية، هو زيارة قام بها الرئيس أردوغان للقائد الروحي لحزب السعادة الإسلامي المعارض أوغوزهان آصيلتورك في بيته، وما تلا تلك الزيارة من كلام حول احتمال إقامة تحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب السعادة بعد شقاق دام عقدين من الزمان. فقد تأسس «العدالة والتنمية» في العام 2001 بانشقاق من حزب السعادة الذي كان يرأسه آنذاك نجم الدين أربكان، الأب الروحي للإسلام السياسي.

يذكر أن رئيس «السعادة» تمل كرامولا أوغلو قد ربط أي تقارب محتمل بين الحزبين بشرط العودة إلى النظام البرلماني و«تجديد ذهنية السلطة» كما قال، في نوع من اللعب على تناقضات محتملة داخل «تحالف الجمهور» الحاكم. ذلك أنه من المعروف تمسك دولت بهجلي بالنظام الرئاسي وتوجسه من أي إشارة إلى احتمال إصلاح النظام السياسي، وبخاصة العودة إلى النظام البرلماني الذي من المحتمل أن يغلق أبواب البرلمان أمام حزبه إذا صحت نتائج استطلاعات الرأي التي لا تعطيه أكثر من 7 في المئة من أصوات الناخبين.

هناك تحليلان متعارضان حول ما الذي يسعى إليه أردوغان، سواء من الزيارة المذكورة أو من فتح قنوات مع أحزاب أخرى صغيرة، أو محاولاته لإغواء «الحزب الخيّر» برئاسة مرال آكشنر التي اشترطت أيضاً العودة إلى النظام البرلماني مقدمةً لأي تقارب مع السلطة. ويعتبر التحليل الأول أن أردوغان في حالة بحث عن مخارج للتخلص من شريكه القومي لأنه بات يشكل عبئاً يثقل عليه وقيداً يمنعه من أي مبادرات سياسية هو بأمس الحاجة إليها. رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو الذي يتزعم حزب المستقبل المعارض هو أبرز من عبروا عن هذا التحليل وبكلمات صريحة. وقد أضاف قائلاً إن حزبه «سيقف مع السلطة» إذا قرر أردوغان التخلص من بهجلي وحزبه القومي وقرر العودة إلى النظام البرلماني.

أما التحليل الثاني فهو يقوم على تمسك أردوغان بتحالفه مع بهجلي، ويعتبر اتصالاته مع بعض أقطاب المعارضة محاولةً لتوسيع التحالف القائم، لا لتفكيكه.

من المحتمل أن التحليلين صحيحان بالقدر نفسه، على رغم تعارضهما الظاهري. بمعنى أن الرئيس أردوغان يمنح نفسه، من خلال هذه التحركات، مساحة أوسع للمناورة، بحيث تكون أمامه خيارات عدة بدلاً من الوضع الحالي الذي يمنح بهجلي قوة تفوق حجمه الحقيقي بأضعاف مضاعفة. بكلمات أخرى، يبدو أن بهجلي قد تحول من القدرة على ابتزاز أردوغان إلى موضوع لابتزاز الأخير. وهذا ما يفسر تصريحاته المتشنجة ومطالباته المتكررة بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي بدعوى ارتباطه العضوي بحزب العمال الكردستاني، وتوجسه من إطلاق سراح صلاح الدين دمرتاش، الرئيس السابق للحزب المذكور. ولم تلق تلك المطالبات، إلى الآن، آذاناً صاغية لدى الرئيس على رغم استمرار التضييق على نشاط الحزب والزج بنشطائه في السجون بلا كلل، الأمر الذي يمكن تفسيره، في أحد وجوهه، على أنه ابتزاز سلبي لبهجلي بالحزب الكردي. ذلك أن إضعاف هذا الحزب إلى درجة احتمال عدم حصوله على نسبة الـ10 في المئة اللازمة لدخول البرلمان من شأنه أن يضيف إلى رصيد حزب العدالة والتنمية من مقاعد البرلمان العشرات. أما إغلاق الحزب فمن شأنه أن يدفع قاعدته الانتخابية للتصويت لأحزاب المعارضة، وبخاصة حزب الشعب الجمهوري، إضافة إلى ردود الفعل السلبية المتوقعة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة على قرار من هذا النوع، هو بغنى عنها.

إن السبب الأساسي والمباشر لتراجع شعبية الحزب الحاكم هو الوضع الاقتصادي الذي تفاقم أكثر مع التدابير الوقائية في مواجهة وباء كوفيد – 19، وأصبحت الشكاوى الشعبية من غلاء أسعار السلع الأساسية، ومن ارتفاع معدلات البطالة، ترتفع باطراد، مؤذنةً بتفكك القاعدة الاجتماعية للحزب الحاكم. وقد كانت استقالة وزير المالية السابق، برات ألبيرق، نقطة انعطاف كبيرة في تحسس الحكومة والرئيس للوضع العام وتعبيراً عن قلقهما على مستقبلهما السياسي. كذلك لعب انتخاب بايدن لرئاسة الولايات المتحدة دور جرس الإنذار بشأن مستقبل العلاقة مع الإدارة الديمقراطية الجديدة. على رغم أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في تركيا مقررة، مبدئياً، في خريف العام 2023، لكن من يراقب المشهد السياسي في تركيا سيبدو له وكأن البلاد مقبلة على تلك الانتخابات بعد أشهر، وليس بعد سنتين ونيف. هناك بالفعل محللون أتراك يتوقعون انتخابات مبكرة قد تجرى في العام الحالي، بمبادرة من أردوغان بالذات، إذا شعر بالثقة من الانتصار، بدلاً من انتظار موعدها وتفاقم الوضع الاقتصادي أكثر وأكثر إلى حينه. حتى العودة إلى النظام البرلماني قد تكون أحد خيارات أردوغان بالنظر إلى أن النظام الرئاسي جعله بحاجة إلى 51 في المئة من أصوات الناخبين، وهي نسبة من الصعب الحصول عليها حتى مع استمرار التحالف مع الحزب القومي. في حين أن العودة إلى النظام البرلماني تمنحه إمكانية الحفاظ على السلطة حتى لو حصل الحزب على نسبة فوق 30 في المئة تبقيه في الترتيب الأول بين الأحزاب المتنافسة. والجائزة الإضافية، في هذا السيناريو، هي التخلص من وصاية الحليف القومي، واحتمال عقد تحالفات جديدة مع أحزاب هي الآن في الصف المعارض.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————–

ناحية عين عيسى بريف الرقة… منطقة مضطربة على خريطة الصراع السوري/ كمال شيخو

تحوّلت ناحية عيسى وريفها بعد سنوات الحرب إلى مسرح للقاء لاعبين دوليين وإقليميين وجهات محلية متحاربة؛ فالقوات الروسية المنتشرة بمحيط المنطقة تلعب دور الشرطي والحارس بنفس الوقت؛ حيث تحمي قوات النظام الموالية لها من الفصائل التي تدعمها تركيا، كما تفصل عن “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد” المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتسيطر على مركز الناحية والقسم الأكبر من ريفها.

في مدخل الناحية الرئيسي، رفعت قوات “قسد” سواتر ترابية عالية وتحول المكان الى أشبه بثكنة عسكرية مغلقة. على طول الطريق المؤدي للناحية من جهتها الشرقية والغربية حفرت قسد الأنفاق والخنادق ووسعت من تحصيناتها العسكرية، كما تمنع تنقل المدنيين خشيةً تعرضهم للقصف ورصاص القناص.

عن البلدة

عين عيسى ناحية إدارية تتبع بلدة تل أبيض بمحافظة الرقة، تبعد نحو 55 كيلو متراً عن الرقة باتجاه الشمال الغربي، وكان عدد سكانها يبلغ قرابة 100 ألف نسمة موزعين بين مركزها وريفها المترامي الأطراف، وذلك قبل نزوح قسمهم الأكبر نحو الرقة والمدن المجاورة.

وشارك سكانها في ربيع 2011 بالمظاهرات المناهضة للنظام، وفي حزيران/ يونيو 2015 تمكنت “قوات سوريا الديمقراطية” العربية – الكردية بدعم وإسناد جوي من تحالف دولي تقوده واشنطن، من طرد مسلحي تنظيم “داعش” الإرهابي، ومنذ ذلك الحين والمنطقة خاضعة لتحالف القوات، وتديرها إدارة مدنية تتبع “الإدارة الذاتية” لشمال وشرقي سوريا.

وتتخذ عين عيسى أهمية استراتيجية نظراً لموقعها الحيوي المطل على الطريق الدولي السريع (M.4)، إذ تربط محافظات الحسكة والرقة ودير الزور شرقاً بمدينة حلب شمالاً، كما توصل عبر شبكة طرق رئيسية شرق الفرات بغربه، وتسعى جميع الأطراف المتحاربة والمدعومة من جهات دولية وإقليمية لفرض سيطرتها الكاملة على الناحية، لقطع طريق الإمداد بين مدينتي عين العرب (كوباني) ومنبج بريف حلب الشرقي؛ بمناطق الجزيرة السورية ومدن الرقة ودير الزور.

بلدة منقسمة السيطرة

وباتت المنطقة منقسمة السيطرة بين جهات محلية وإقليمية ودولية؛ حيث يخضع مركزها وقسم من ريفها الغربي والشرقي وكامل الريف الجنوبي حتى بلدة تل السمن القريبة من محافظة الرقة لقوات “مجلس الرقة العسكري” التابعة لـ”قسد”، فيما تسيطر الفصائل المنضوية في صفوف “الجيش الوطني السوري” التابعة للحكومة المؤقتة والمدعومة من تركيا على كامل ريفها الشمالي حتى بلدة تل أبيض وجزء من ريفها الشرقي والغربي حتى مخيم عين عيسى سابقاً، والأخير يبعد نحو 2 كيلو متر شمالاً عن الناحية.

فيما تنتشر الشرطة العسكرية الروسية والقوات الحكومية الموالية للنظام السوري في ثلاثة مواقع عسكرية أنشئت بعد الهجوم الأخير، أولها يقع في الجهة الشرقية ويرفرف علم النظام السوري إلى جانب العلم الروسي على قاعدة توسطت مبنى أحيط بساتر ترابي عالٍ، والثانية تقع في مقر اللواء 93، بينما تتمركز النقطة الثالثة شرقي البلدة بالقرب من محطة وقود عين عيسى المركزية.

منطقة مضطربة على خريطة الصراع

بعد عملية “نبع السلام” وسيطرة تركيا والفصائل الموالية لها على مدينتي تل أبيض بريف الرقة ورأس العين بريف الحسكة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت، تسعى أنقرة لتوسيع مناطق نفوذها وربط هذا الجيب المنعزل بمناطق عملياتها العسكرية غربي نهر الفرات لتحقيق هدفها الاستراتيجي بفصل وعزل مناطق الإدارة الذاتية وتحويلها الى جزر معزولة تفصلها مناطق نفوذها..

وتضغط روسيا على قيادة “قسد” لتسليم كامل الناحية وريفها حتى عمق 5 كيلومتر للقوات النظامية، ورفع علم النظام على المباني والمقرات الحكومية، والسيطرة على النقاط المنتشرة على الطريق السريع.

وكشفت مصادر مطلعة بأن التحالف الدولي والقوات الأمريكية دخلوا على خط النزاع بغية تخفيض التصعيد، وقالت بأن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جويل رايبورن بحث مع الرئاسة التركية في أول الشهر الحالي التطورات الميدانية في المنطقة، والاتفاقية الثنائية التي أبرمت بين واشنطن وأنقرة وموسكو بعد عملية “نبع السلام” والالتزام بحدود التماسّ. كما أجرى رايبورن بنفس الفترة اجتماعات افتراضية مع قيادة “قسد” ومسؤولي الإدارة الذاتية، ونقل لهم بأن الفريق المختص بالشأن السوري لدى الإدارة الأمريكية يتابع التطورات عن كثب، والذي بدوره نصح الجانب التركي بعدم التوغل في أراضٍ جديدة.

مركز الناحية لا يُشاهد المدنيون، وأوصدت أبواب المنازل والمحال التجارية، وأصبحت هذه البقعة الجغرافية خريطة أكثر سخونة، مع حالة استنفار عسكري لكل القوى المتوزعة على الأرض، تحسّباً لعمل عسكري تركي محتمل بمشاركة فصائل معارضة ضد تحالف قوات “قسد”.

وهذه المنطقة المضطربة باتت تحتل موقعاً حساساً على خريطة الصراع السوري، وتلتقي على أرضها ثلاث مناطق منفصلة تمثل مجالاً للنفوذ الروسي والتركي والأمريكي، وما يتبع كل منها من قوى محلية. فيما تتأهب تل تمر لتغيير جديد في موازين القوى قد تحدده معركة يجري الاستعداد لها من قبل الجيش التركي والفصائل الموالية له.

كمال شيخو

صحفي سوري، عمل مراسلاً لعدة وكالات دولية وكتب في صحف عربية وغربية ومواقع سورية.

—————————-

أنقرة ومهام ماكغورك الجديدة؟/ سمير صالحة

تنتظر “وحدات حماية الشعب” بفارغ الصبر تسلم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لمقاليد الحكم في واشنطن. هي تراهن على تصعيد أميركي تركي وتفاهمات أميركية روسية وإخراج إيران من المشهد وتعاون وتفهم من قبل شركائها في الوطن لإنجاز مشروعها المتفق عليه مع بريت ماكغورك الرئيس المقبل لمكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، ومنسق خطط الحرب على داعش بين العامي 2015 و2018.

من هو ماكغورك وكيف تستعد له أنقرة؟ ولماذا قرر بايدن إعادة ماكغورك إلى المشهد بمهام أمنية وسياسية إقليمية تتجاوز حدود شرق الفرات؟

من مسؤول ملف التنسيق بين قسد وواشنطن في خطط الحرب على داعش عام 2015 إلى اللاعب الأبرز في الملف الكردي الإقليمي. رجل المهام السرية والصعبة على خط أربيل – قنديل – القامشلي. علاقات شخصية واسعة مع قيادات قسد ومسد وحزب العمال الكردستاني وتوزيع أدوار ومهام مكنت أميركا من تسجيل اختراقها السياسي والميداني في الملف السوري رغما عن تحالف دول الأستانة الثلاث.

ملف إنجازات ماكغورك منذ العام 2005 في خدمة السياسات الأميركية الإقليمية دون تمييز بين ديمقراطيين وجمهوريين يجعله موضع ثقة رغم توتر علاقاته بترامب قبل عامين. تحول بشهادة الكثيرين إلى صانع ألعاب محلية على خط أربيل والقامشلي والحسكة لإنجاز خطط فتح الطريق أمام مشاريع الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية في طرفي الحدود.

مشكلة ماكغورك في العلن ستكون مع تركيا لكن مشكلته لاحقا ستكون مع الشعبين السوري والعراقي عندما يعيد تفعيل مشروعه الانفصالي الكردي وإنجاز مهمة الفدرالية الهزيلة في سوريا لتكون مقدمة لانفصال شمال شرقي البلاد عن الوطن الأم، ثم إعادة تحريك ملف الانفصال في شمال العراق. لكن الحجر الأكبر الذي يريد فريق بايدن إزاحته من الطريق بعد إنجاز تقدم حقيقي على خط القامشلي أربيل هو محاولة إلغاء الحدود السورية العراقية وإنشاء حدود جديدة لدولة كردية موحدة في المثلث المائي النفطي والغذائي الذي يوفر للمشروع أرضيته ومقوماته الاستراتيجية.

يقول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إننا سنبلغ واشنطن باقتراحنا لإنشاء لجنة عمل مشتركة لبحث ملف صواريخ إس 400، لكنه يذكر أن انقرة لن تتنازل عن حقوقها في برنامج تصنيع المقاتلة إف 35. هذا يعني أن الاتصالات التركية الأميركية لم تبدأ بعد مع فريق بايدن.

فشلت تركيا في إقناع واشنطن بإعطائها ما تريده في موضوع الكيان الموازي وجماعة فتح الله غولان وقبول توصيفات هذه المجموعات بالإرهابية بسبب دورها في المحاولة الانقلابية الفاشلة قبل 4 أعوام. وفشلت في قطع الطريق على مواصلة واشنطن دعم مجموعات قسد السورية وتبني العلاقة بين هذه المجموعات وقوى حزب العمال الكردستاني الناشطة في مثلث جنوب شرقي تركيا وشمال العراق وشرق الفرات.

تمد أنقرة يدها مجددا اليوم نحو القيادة الأميركية الجديدة في البيت الأبيض لكنها تقول أيضا إنها متمسكة بصفقاتها العسكرية والتسلحية مع موسكو في إطار المصالح الوطنية وتأمين احتياجات تركيا الدفاعية. يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إننا لا نعرف بعد كيف سيكون موقف الرئيس الأميركي الجديد من ملفات كثيرة في مسار العلاقات التركية الأميركية لكن الموقف التركي واضح وشفاف ومعلن. لا تراجع عن الصفقات حول إس 400 وتركيا تفاوض موسكو على صفقة جديدة. بعض الأسماء التي اختارها بايدن لتعاونه في مهام إدارة شؤون البلاد في السنوات الأربع المقبلة قد تكون سببا في الرسائل التركية السياسية والعسكرية الأخيرة.

اختيار ماكغورك لهذا المنصب هو ليس عملية رد اعتبار له فقط، بل رسالة من الإدارة الأميركية الجديدة أنها ستواصل مشروعها الذي بدأته قبل سنوات ويعني الكيان الكردي في سوريا والعراق.

بايدن هو الذي قال لنا قبل عامين عندما اغضب ترامب ممثله في الحرب على داعش ماكغورك ودفعه نحو الاستقالة “تركت وحدات الحماية الكردية في سوريا بمفردها في مواجهة تركيا وهذا خطأ لا يغتفر”. هو لن يحاسب ترامب على ما فعله بل يعيد ماكغورك إلى المشهد لتصفية حساباته مع أنقرة ولتمكين الأخير من إنجاز ما بدأه هناك بدور وصلاحيات أوسع وأقوى.

يقول بايدن نعم للتهدئة مع أنقرة إذا ما قررت العودة إلى بيت الطاعة الأميركي كما كانت الأمور قبل عقدين. أردوغان يقول لن يكون سهلا ترك كل هذه الإنجازات الإقليمية التركية وشبكة العلاقات الاستراتيجية الواسعة إرضاء لبايدن وفريق عمله.

أفشلت أنقرة خطط واشنطن وقيادات “الإدارة الذاتية” بتوسيع رقعة السيطرة على الجغرافيا الحدودية في شرق الفرات. وشكلت عملية “نبع السلام” الضربة الموجعة لمشروع ماكغورك “الكردي” في سوريا. الهدف الأميركي الجديد بتوقيع بايدن هو إكمال المخطط الذي توقف لفترة في سوريا والعراق وما ماكغورك سوى المدير التنفيذي فيه.

ترامب مهد للأمر في جنوب سوريا بفتح الطريق أمام اسرائيل هناك، ونجح في تحييد إيران إلى حد كبير بانتظار ما سيقرره بايدن حيالها في المنطقة، ولم يتراجع عن سياسة دعم وتجهيز قسد ومسد لكل الاحتمالات وأطلق يد تركيا في عملية عسكرية محدودة في شمال شرقي البلاد لمنع انتقالها إلى الخندق الروسي بالكامل. أما الذي سيجمع ثمار كل ذلك فقد يكون بايدن وشركائه المحليين في سوريا إذا لم تستعد أنقرة وموسكو لاحتمالات المرحلة الأصعب في المشهد السوري.

ما لا يريد أن يراه بعض المصرين على رمي الكرة في ملعب أنقرة وتحميلها مسؤولية التوتر التركي الأميركي المرتقب هو أن المشروع الأميركي الجديد لا يعني تركيا وحدها بل سيكون على حساب الدولتين السورية والعراقية وضرب بنيتيهما السياسية والدستورية والجغرافية القائمة اليوم. لا يهم ربما بالنسبة لهم حتى ولو كان الثمن إضرام النار في اللحاف لقتل البعوضة كما يقول المثل الشعبي.

تتحدث أنقرة في هذه الآونة عن علاقات إيجابية مع أوروبا بعد كل رسائل التصعيد والتهديد والتحدي. هل من الممكن أن نشاهد ذلك مع إدارة الرئيس بايدن؟

المسألة ليست بمثل هذه البساطة فالرئيس أردوغان يدعو أميركا لقبول حقيقة أنه من حق تركيا الحصول على أسلحة دفاعية دون استئذان أي طرف وأن بلاده ماضية في صفقة جديدة لشراء منظومة “إس- 400 مع روسيا. ما يريده أردوغان هو أكثر من ذلك أن يتحرك الرئيس الجديد لحل مشكلة تسليم مقاتلات أف- 35 التي تحتجزها أميركا رغم أن انقرة دفعت ثمنها. بالمقابل جاءت رسائل بايدن حتى الآن ملغمة حول ما قد يحدث في مسار العلاقات التركية الأميركية. مهمة ماكغورك قد تكون أيضا تأمين منفذ بحري للكيان الكردي السوري على المتوسط. والصفقة قد تتم هنا مع روسيا إذا ما نجح في اقناع موسكو بلعبة مساومات إقليمية متعددة الأهداف والجوانب.

 “الحلو مر” يعتبر من أشهر المشروبات السودانية الشعبية الذي يلقى إقبالا مميزا في شهر رمضان. هو مشروب معقد الصنع يجمع الطعم الحلو والمر في الوقت نفسه لكن المواطن السوداني لا يتخلى عنه. في السياسة أيضا ليست العلاقات دائما حلوة أو مرة، أحيانا ينبغي تذوق الطعمين معا في طبخة واحدة.

المدن

————————————

محددات سياسة تركيا في سوريا في 2021/ محمود سمير الرنتيسي

لم تكن سياسة تركيا تجاه سوريا بارزة في العام 2020 باستثناء جولة القتال في إدلب في شباط وبداية آذار 2020، والتي انتهت بالتفاهم على وقف إطلاق نار مع روسيا، حيث هيمنت قضايا شرق المتوسط وكارباخ وليبيا وأزمة كورونا على السياسة الخارجية التركية.

وبالإضافة إلى كونه الحدث الأبرز لتركيا في سوريا فإن تركيا تعتبر وقف إطلاق النار الأخير في 5 آذار 2020 بعد جولة من القتال في إدلب نقطة فاصلة، (وقد أكد على هذا عدد من الباحثين الأتراك في تقرير المشهد الأمني لتركيا لعام 2020 والذي صدر في كانون الثاني 2021 عن مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية سيتا) حيث تميزت الفترة السابقة لوقف إطلاق النار بعناوين القتال في إدلب والأزمات الإنسانية والهجرة الجماعية وعملية درع الربيع، أما الفترة التي تلت وقف إطلاق النار فقد تميزت بالهدوء النسبي في سوريا والمباحثات الدبلوماسية حول مساعدات الأمم المتحدة وغيرها.

فقبل وقف إطلاق النار وصلت الأمور إلى مستوى تصعيد كبير بعد مقتل 34 جنديا تركيا في غارة جوية لنظام الأسد استدعت ردا تركيا دمرت فيه تركيا 3 طائرات حربية و3 طائرات بدون طيار و8 طائرات هيلوكبتر و151 دبابة و8 أنظمة دفاع جوي و99 مدفع هاوتزر ومنشأة للأسلحة الكيماوية غيرها إضافة لمقتل المئات من أتباع النظام.

وبعد هذه الفترة راقبت تركيا تشتت النظام من التوتر في درعا والذي ما زال مستمرا حتى الآن، والمواجهات المستمرة أيضا بين النظام وتنظيم “الدولة” في البادية السورية وتدهور اقتصاد النظام وانهيار الليرة السورية خاصة بعد الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى جانب العقوبات الأميركية على النظام.

أمام كل هذا المشهد كانت عين تركيا بدرجة أساسية مركزة على خطر قيام كيان/ دولة كردية على حدودها الجنوبية فقد بقي هذا الخطر قائما من وجهة نظر تركيا حيث استمرت وحدات حماية الشعب في تقوية نفسها وفي تلقي الدعم الخارجي من جهة وفي تطوير خطاب وتكتيكات جديدة لإضفاء الشرعية على نفسها، وعملت على استغلال زيارات الوفود الأجنبية لتقديم أجندتها السياسية. ولهذا ما زالت تركيا تلوح حتى الآن بإمكانية تنفيذ عملية عسكرية وقد قام وزير الدفاع خلوصي أكار برفقة كبار قادة الجيش بزيارة تفقدية للقوات المرابطة على الحدود مع سوريا في 30 كانون الأول 2020.

أما بعد خطر قيام كيان جديد شمال سوريا فقد حل اهتمام تركيا باستقرار إدلب في الدرجة الثانية تقريبا فهي آخر المعاقل الكبيرة التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وقد تمكنت تركيا من منع هجرة جماعية كبيرة من إدلب من جهة وعملت على تحقيق تموضع عسكري مقبول من جهة أخرى، وفيما تعمل تركيا على المساهمة في إعادة تصميم الجماعات المعارضة في إدلب بشكل يخدم الاستقرار من وجهة نظرها فما زالت الأمور غير واضحة بالرغم من عدد من الخطوات مثل تفكيك بعض الجماعات القريبة من القاعدة لتحقيق الاستقرار، ومن وجهة نظر التقرير المذكور أعلاه فإن قدرات تركيا على التأثير في إدلب لاحقا ستعتمد على إعادة هيكلة الجماعات المسلحة في إدلب.

لعل الخيط الذي ينظم كل القضايا المذكورة أعلاه والتي تهتم بها تركيا بشكل خاص هو موقف الإدارة الأميركية الجديدة فبالرغم من أن سوريا في حد ذاتها لن تكون من ضمن أولويات إدارة بايدن من وجهة نظر تركيا فإن أي تغيير في سياسة الإدارة سيكون مهما جدا بالنسبة لاستراتيجية تركيا في سوريا. كما أن إدارة بايدن ستكون معنية بشكل خاص بتحجيم الدور الروسي في المنطقة عموما. لذلك يعتبر موقف إدارة بايدن حاسما فهل ستلجأ إلى سلبية إدارة أوباما ودعم وحدات بي واي دي أم ستعمل على احتواء إيران، كما أن علاقاتها مع تركيا ستكون مهمة فهل ستتعامل مع تركيا كحليف في الناتو أم ستتجاهل ذلك وتحاول ضخ مزيد من الدعم لوحدات الحماية، فكل واحد من هذه الخيارات سيكون له تأثيره على استراتيجية عمل تركيا.

تعتقد تركيا أن تنظيم بي واي دي سيحاول خلال عام 2021 الحفاظ على الدعم الأميركي بينما سيعمل على تأمين حماية روسية من جانب آخر. كما ستستمر وحدات الحماية في كسب المزيد من الشرعية عبر إعادة تعريف نفسها والتأكيد على الانفصال عن حزب العمال لكنها ستستمر في استخدام التكتيكات نفسها. وأيضا من المحتمل أن يقوم التنظيم بمحاولة التوسع مما قد يفتح معركة مع النظام، ونشير هنا أن التقرير التركي لا يستبعد حدوث عملية متزامنة من النظام ومن تركيا ضد وحدات الحماية في تل رفعت ومنبج وعين عيسى.

أما بالنسبة لروسيا فإن الوضع غير مرض لها في إدلب وهي في حالة ضغط مستمر على تركيا، ويرى التقرير أن الجناح البراغماتي في هيئة تحرير الشام أصبح أقوى من الجناح المتشدد بعد تفكيك بعض التشكيلات المتشددة مما أعطى تركيا إمكانية عمل أفضل لإيجاد حل وزاد من فرص تمكين المعارضة الأكثر اعتدالا في إدلب. ولكن وفق هذه التقرير يمكن أن تضيع الفرصة في حال عاد التصعيد من جديد.

لدى تركيا نقطة تهديد جوهرية تتمثل في إنشاء كيان شمال سوريا بدعم أميركي، كما أن لديها نقطة خلاف أخرى مع روسيا حول الترتيبات في إدلب، بمعنى أن التعقيدات التي واجهت تركيا في وقوف قوتين عظميين قبالة أهدافها ستبقى مستمرة وستعمل تركيا على عدم المواجهة مع الطرفين في آن واحد وعلى التنسيق مع أحدهما لتحقيق الحد الأدنى من أهدافها. ومع أن تركيا ما زالت تفضل العمل مع واشنطن بدرجة أساسية فإن مواقف أعضاء فريق بايدن لا تبشر بتوافق تركي أميركي.

ستعمل تركيا على إعادة حساباتها في سياق سياساتها الداخلية وفي سياق حسابات مصالحها في الملفات المتعددة الممتدة من القوقاز ومرورا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى شرق أفريقيا، وستكون سياساتها العامة متأثرة بذلك لكن سياستها بتركيا ستكون محكومة بالبعد الأمني بالدرجة الأولى.

تلفزيون سوريا

—————————-

الحرب مستبعدة..لكن القوة التركية تتفوق على الروس في سوريا

قالت مجلة “ناشيونال إنترست” إنه في حال وقع صدام أو قتال بين القوات التركية والروسية في سوريا ستكون الغلبة لتركيا وفقاً لمحللين عسكريين أميركيين.

وأضافت المجلة في تقرير، أن القوتين متساويتين في الحجم والقدرة العسكرية على الرغم من أن روسيا تُعتبر قوة عظمى سابقة تحتفظ بجيش كبير وأكبر ترسانة للرؤوس النووية في العالم، بينما تركيا إحدى أقوى الدول في حلف الناتو، وتُعتبر قوة متوسطة تفتقر إلى الأسلحة النووية.

الباحث في مركز الأبحاث التابع لمركز التحليلات البحرية والخبير في الجيش الروسي مايكل كوفمان قال للمجلة: “ميزان القوى في سوريا ضد روسيا”.

تقرير المجلة شبّه الواقع العسكري بسوق العقارات، حيث الموقع هو الأهم، فالتفوق العسكري الروسي لا تتم ترجمته كقوة عسكرية متفوقة في شمال شرق سوريا. وأشار إلى وجود ما وصفه بثغرة أمنية في التواجد العسكري الروسي في سوريا، حيث أن موسكو تمتلك قاعدة جوية رئيسية واحدة فقط في سوريا -قاعدة حميميم الجوية بالقرب من ميناء اللاذقية- وقاعدة بحرية في طرطوس، وتعتمد على السفن لجلب إمدادتها العسكرية إلى هذه القواعد وذلك عبر المرور في البحر الأسود ومضيق البوسفور الذي تسيطر عليه تركيا، على عكس الولايات المتحدة التي لديها قوة نقل جوية كبيرة في حال التدخل العسكري السريع في الخارج. 

واعتبر كوفمان أن هذه القيود اللوجستية والبنية التحتية للجيش الروسي في سوريا لا تسمح لروسيا بتعزيز قواتها أكثر مما هو موجود حالياً، مشيراً إلى أن هذا الوجود العسكري الحالي وغير القابل للتطور يضع روسيا في موقع ضعيف جداً.

واستبعد التقرير أي ضربة روسية انتقامية ضد تركيا وقال إنها إن حدثت فإنها ستكون محفوفة بالمخاطر وذلك بسبب أن تركيا عضو في حلف الناتو، وعلى الرغم من أن الحلف لن يدعم الحملة العسكرية التركية في سوريا لأنها تقع خارج منطقته إلا أنه سيكون ملزماً بدعم تركيا في حال تعرضت الأخيرة إلى هجوم على أراضيها، ومع ذلك لا توجد أي احتمالية لمواجهة عسكرية بين البلدين.

ففي آذار/مارس 2020، سافر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو لتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في إدلب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتأمين ممر أمني على طول طريق “إم-4” حيث يضم دوريات روسية تركية مشتركة.

ومع ذلك فإن التقرير شبّه هذا الوضع بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حيث لم تقع اشتباكات مباشرة بينهما إنما كان القتال بالوكالة. وفي شباط/فبرايرعام 2020 وقع تصادم بين قوات النظام وتركيا بعد أن قتلت الضربات الجوية للنظام 33 جندياً تركياً، ردت تركيا بضربات عبر هجمات بطائرات مسيّرة مسلّحة على قوات النظام وأسقطت 3 طائرات حربية. وكانت تركيا أسقطت طائرة روسية حربية عام 2015، إلا أن كلا البلدين نجحا في تجنب الضربات.

ومع ذلك، فإن لدى تركيا ما يقدر من 7000 جندي في شمال سوريا مدعومين بطائرات بدون طيار ومقاتلات، بينما تدعم الطائرات الروسية قوات النظام في محاولات لإعادة السيطرة على إدلب، حيث يتواجد في هذه المنطقة مستشارون وشرطة عسكرية روسية، ومن هنا وضع التقريرعدة سيناريوهات محتملة لاشتباك روسي تركي:

على سبيل المثال، قد يؤدي هجوم تركي على قوات النظام إلى إصابة المستشارين الروس والذين سوف يطلبون الدعم من سلاح الجو الروسي، وهناك احتمال آخر بأن تقوم طائرات تركية بإسقاط طائرات روسية بالخطأ وترد روسيا بإسقاط طائرات تركية.

ويقول كوفمان: “لا موسكو ولا أنقرة ترغبان بقتال مباشر، فلا يمكن لأي منهما التراجع عن القتال إذا حدث، يعملان على تجنب القتال، لا يمكن لأي طرف قبول الخسائر في الأرواح دون اتخاذ نوع من الإجراءات”.

ومن المفارقات الحالية أنه على الرغم من التاريخ المضطرب بين البلدين وسلسلة الحروب التي وقعت بينهما من القرن السابع عشر إلى القرن العشرين فإن الأزمة السورية دفعت بالبلدين إلى التقارب، إذ أن شراء تركيا لصواريخ “إس-400” الروسية أغضب الولايات المتحدة ودفع بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى إخراج تركيا من برنامج التسليح بالمقاتلات “إف-35”.

ويطرح التقرير ما إذا كان لكل من تركيا وروسيا أهداف غير قابلة للتحقق أو التوافق في ما بينهما، إذ تحتل القوات التركية شمال شرق سوريا، وذلك بهدف إنشاء منطقة عازلة بين الأكراد السوريين الذين شكلوا منطقة إدارة ذاتية مستقلة عن النظام، والأكراد الأتراك الذين قاتلوا الحكومة التركية منذ فترة طويلة في محاولة للاستقلال، بالإضافة إلى أن أنقرة تود زوال نظام بشار الأسد، لأسباب عدة منها أن هجوم النظام على إدلب دفع ما يقرب من مليون لاجئ نحو الحدود التركية.

من جانبها، فإن روسيا مصممة على الحفاظ على النظام السوري، فموسكو ودمشق حليفتين منذ الستينيات، والقاعدة البحرية الوحيدة لموسكو خارج روسيا هي ميناء طرطوس، لذلك هي تعمل على محاربة المعارضة التي اقتربت من إسقاط النظام، واستخدمت لهذا الهدف طائرات حربية وتعاونت مع إيران وحزب الله اللبناني، وكان لها دور أساسي في تمكين جيش النظام المنهك من استعادة السيطرة على معظم البلاد.

ويقول كوفمان: “الجيش الروسي سوف يتدخل نيابة عن النظام من أجل استقراره واستمراريته، لكنه لن يتدخل لصالح جيش النظام في إدلب، روسيا ليست بحاجة إلى إدلب”.

ويتوقع خبراء وفقاً للتقرير، بأن أي اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب سيكون مؤقتاً في أحسن الأحوال، إذ سيدعم الروس رغبة النظام في استعادة إدلب، فالرئيس فلاديمير بوتين سيكون سعيداً بإعادة السيطرة على الأراضي التي كانت تسيطر عليها المعارضة.

المدن

——————————-

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى