كتب الكترونية

سيرة ذاتية وشهادة للتاريخ/ رياض سيف

بين مطرقة النظام.. وسندان المعارضة/  سمير البكفاني

لقد أضاف رياض سيف بسيرته التي صدرت حديثاً، شهادة جديدة للتاريخ، عن مسيرة متعثرة لوطن، وشعب، كان يستحق دولة؛ لم يتمكن حتى يومنا هذا من إرساء أسس بنيانها. دولة تظلله بمنظومة من القوانين التي تحفظ له حقه أن يعيش في كرامة، وتفتح الآفاق واسعة، نحو الاستفادة من مختلف الطاقات المختزنة في عقول أبنائه وضمائرهم، وما يملكون من طاقات مادية، ومعنوية، كي يعلو ويشمخ البنيان.

تجربة سيف الصناعية، التي بدأت في ستينيات القرن الماضي، “بورشة صغيرة لصناعة قمصان 400” أسسها بالتعاون مع أشقائه، والتي طورها بشكل متدرج وصولاً لحصوله على امتياز لماركة “أديداس” العالمية. وتأسيسه “مصنع لإنتاج الألبسة الرياضية” الذي كان الأول في سورية، ونجاحه بتحقيق المقاييس والمواصفات العالمية للإنتاج؛ والتي فتحت أمامه الباب واسعاً لتصدير منتجاته، الى دول الاتحاد الأوروبي، ومختلف دول العالم، حاملاً معه اسم سورية مطرزاً بعبارة “صُنع في سورية”.

من هنا، جاءت رغبة سيف بتعميم تجربته والدفاع عنها من خلال اقتحامه الفضاء السياسي-التشريعي المُغلق، إلا على من هم من الاتباع والمصفقين، لعله يفتح نافذة في الجدار، والتي تلاقت مع رغبة النظام في الانفتاح، ووعوده بالدعوة للإصلاح، محاولاً، جذب بعض الفعاليات، وأصحاب الوجوه الجديدة من المستقلين، غير ملوثة أياديهم بالفساد؛ من أجل تلميع صورته في الداخل، كما في الخارج واكسابه مزيداً من الشرعية.

لكن، بقدر ما كان النظام بحاجة لمثل هذه التجربة، التي جعلها “مزاراً” أو محجاً، للوفود الاقتصادية الخارجية، ليفاخر أمامها بالمستوى المتقدم التي وصلته الصناعة السورية؛ بقدر ما ضاق صدره من عدم قدرته على احتوائها، وتطويع صاحبها، الذي أبى إلا أن يستغل كل دقيقة تمر عليه تحت سقف البرلمان، ليبرز تقصير النظام في دعم الصناعة الناشئة، والناجحة، التي يملكها القطاع الخاص والمشترك، بل ووضع العراقيل أمام نموها وتطورها. ويكشف ملفات الفساد، وتغوّل اقتصاد العائلة الذي حل محل اقتصاد الدولة. والذي أصبح الاقتراب منه خط أحمر؛ قد يكلف من يقترب منه حريته، وربما حياته.

ونتيجة التلازم بين الاقتصاد والسياسة، والتأثير المتبادل بينهما، سلباً أو ايجاباً. ولأن رأس المال لا ينمو ويزدهر، لتزدهر معه البلد إلا تحت ضوء الشمس والهواء النقي. وفي ظل قوانين تعطيه حرية المنافسة، من خلال شبكة أمان، لكل الحقوق التي يتطلبها عمله. لذلك كانت مطالبة رجل الاعمال والنائب رياض سيف، بدعم الصناعة الوطنية الناشئة، من خلال سن القوانين والتشريعات اللازمة لضمان تطورها؛ قد اعتبره النظام انقلاباً عليه من داخل المؤسسة التشريعية، وان السكوت عن ذلك يعني تشجيع الآخرين على التمادي به. وخاصةً، بعد أن سيطر على كامل الحياة السياسية، بدءاً من برلمان يأتمر بأمره، وتغييب كامل لحرية الرأي، بسيطرته على الصحافة ووسائل الاعلام. و”تأميم” منظمات المجتمع المدني، وكل ما يتصل بها، وجعلها تحت سيطرة أجهزة الأمن، وأجهزة الحزب الحاكم، كالنقابات ومختلف أنواع الجمعيات، حتى الخيرية منها وانتهاء بالأحزاب التي وضعها تحت قيادته، داخل إطار ما عُرف بـ “الجبهة الوطنية التقدمية”. لذا، كانت السلطة، تتوجس من هذه التجربة، التي قد تُغري من هم خارج سيطرتها، أو شراكتها، للسير على خطاها. مما يعني ذلك خلق قطاع خاص صناعي يحتاج الى تشريعات وقوانين “ليبرالية” تفسح المجال أمام انتعاشه وتطوره؛ مع ما تعكسه مثل هذه القوانين، على الصعيد السياسي والتشريعي، الامر الذي كانت لا تسمح بحصوله.

ببساطة، لا يمكن لاقتصاد وطني أن ينمو بشكل صحي، جنباً الى جنب مع اقتصاد موازٍ، ينمو تحت رعاية منظومات الفساد (دون الوطنية) التي يؤسسها نظام الاستبداد، لتعمل تحت أمرته، ولمصلحته.

ومن هنا، خاض النائب رياض سيف، معركته السياسية والقانونية، مدعمة بالوثائق والمستندات، من على منبر أعلى مؤسسة تشريعية؛ وقدم المُذكرة تلو المذكرة، ودافع عنها بمداخلاته، وبالأرقام، عن واقع الاقتصاد السوري، وقطاع الصناعة بشكل خاص، والعراقيل التي كانت توضع أمام تقدمه وتطوره، وهو الذي يعايش هذه التجربة، ويعرف كل جزئياتها، والأسباب الكامنة وراء تعثرها. وكأنه كان يصرخ في وادي سحيق، لا يسمع سوى صدى صوته.

وكان، بعد يأسه من قدرته على تحريك المياه الراكدة في مجلس الشعب؛ عندها قرر الاتجاه مباشرة لمخاطبة الناس، من خلال تأسيسه (منتدى الحوار الوطني)، مستفيداً من تجربة مخاطبته للناس، أثناء حملته الانتخابية الأخيرة، من خلال الخيمة الانتخابية، أو كما سماها “المضافة” التي تقاطر اليها الجمهور بكل تنوعاته وفئاته واطيافه، ليقول ويسمع، ما لم يتعود قوله أو سماعه من قبل.

وانتهت هذه التجربة، التي كانت، رغم قصرها، قد اضافت أملاً، وراكمت تجربة، تضاف الى المحاولات المتباعدة، التي قام بها السوريون؛ والتي لابد أن يتحقق لها النجاح في قادم الأيام. لقد انتهت هذه المحاولة، بدخوله السجن مع الخبير الاقتصادي، الأكاديمي الدكتور عارف دليلة، ومجموعة من الناشطين في منتدى الحوار الوطني.

وكان قد وقَّعَ وهو في السجن على وثيقة (إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي) بصفته الشخصية كمعارض مستقل. وبعد خروجه من السجن، اتجه لوضع يده بيد المعارضة، لترجمة تلك الوثيقة الى حيز التنفيذ، وتشكيل هيئة تقود النضال الوطني، وتضع برنامجاً للتغيير الوطني الديمقراطي، على هدى المبادئ التي وضعتها الوثيقة، وتكون جامعة لكل القوى والكيانات الوطنية، المنظمة منها، والمستقلة، من أجل العمل السلمي والمتدرج للوصول الى الإصلاح المطلوب، ووضع البلاد على سكة التغيير، الذي طال انتظاره.

لكن كل الآمال التي عُلقت عليها، وحلم بها كل الوطنيين المخلصين من أبناء شعبنا، تبخرت بمجرد أول لقاء عقدته هذه القوى، وعادت الى حقيقتها، واظهرت انها عاجزة عن القيام بأي تحالف جامع، ولو كان ذلك من أجل المصلحة الوطنية، والوطن التي ترفع رايته عالياً في شعاراتها. وذلك أثبت أن كل كيان منها يعتبر نفسه، هو “الوطن” وعلى الآخرين أن ينضووا تحت رايته. وبذلك، يمكن القول: في سورية، أن ما تفرقه الأيديولوجية؛ لا يجمعه الوطن.

أن أهم ما ميَّز رياض سيف وتجربته، انه جاء من خارج أطر المعارضة المتكلسة، و تشكيلاتها الأيديولوجية المفلسة. جاء من فضاء ليبرالي حر، كان وهو يطالب بتحسين ظروف الصناعة الوطنية. كأنه كان يطالب في بناء دولة. الدولة، التي لم تنجح كل المحاولات التي جرت منذ قرن لتأسيسها. منذ حكومة الأمير فيصل العربية في دمشق، مروراً باغتيال عبد الرحمن الشهبندر، صاحب أول مشروع نهضوي لبناء الدولة، الى التفريط بدولة الاستقلال الأولى، التي ضاعت نتيجة وضع المصالح الخاصة لزعمائها فوق كل اعتبار، وانشغالهم بالحسابات الانتخابية، والرضوخ لغوغائية الأفكار القومجية المدعومة من الجيش، من أجل التفريط في تلك التجربة الديمقراطية، التي كانت تحتاج للمزيد من أجل ترسيخها، والذهاب باتجاه الوحدة مع مصر. وبذلك نكون، قد خسرنا مشروع الدولة الوطنية، الذي كان في طور النمو. ولم نستطع الحفاظ على مشروع الوحدة العربية.

وفي الختام، لقد ضاع حلم رياض سيف بتأسيس حزب سياسي ليبرالي؛ طالما أفصح عن نيته بذلك، بعد خروجه من السجن. مثل ما فشل خالد العظم، رجل الدولة الأبرز، ومهندس الاقتصاد السوري، بتأسيس مثل ذلك الحزب، قبل أكثر من سبعة عقود. لتبقَ سورية مملكة الصمت، واللون الواحد، مهما تعددت العناوين.

* سمير البكفاني

كانون الثاني/ يناير 2021

تقدم لنا تجربة رياض سيف، التي يبسطها في هذا الكتاب، حقيقة أن الثروة المادية لا تمنح صاحبها حريات مدنية وحقوقاً مدنية أكثر من أي مواطن أو مواطنة، ولا تحول دون المساواة أمام القانون، والمساواة في العمل، مع أخذ الكفاءة والخبرة في الحسبان. البورجوازي الحق، هو من يدرك هذه الحقيقة، ويعمل بمقتضاها. وإذ يعرِّف سيف نفسه بأنه إنسان ومواطن، إنما يفعل ذلك على اعتبار الإنسانية والمواطنة صفتان لا تقبلان التفاوت والتفاضل، لذلك لم يكن يرضى لعاملاته وعماله غير ما يرضاه لنفسه، ولم يكن يعاملهم إلا كما يحب أن يعاملوه. الإنسية والمواطنية ليستا صفتين بديهيتين، بل هما حالتان يرقى إليهما الفرد (ذكراً وأنثى) بالعمل والفاعلية الاجتماعية والإنسانية والمشاركة الحرة والمبدعة في الشؤون العامة.

جاد الكريم الجباعي.

لتحميل الكتاب من أحد الرابطين التاليين

سيرة ذاتية وشهادة للتاريخ/ رياض سيف

سيرة ذاتية وشهادة للتاريخ/ رياض سيف

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button