روبرت فورد: دويلة كردية عبء طويل على أمريكا في سوريا ولتترك “الدولة” لروسيا وتركيا
إبراهيم درويش
قال السفير الأمريكي السابق في دمشق والباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن وجامعة ييل روبرت فورد إن استراتيجية الولايات المتحدة فشلت في سوريا. وفي مقال نشره موقع دورية “فورين أفيرز” أشار فيه بداية إلى أن أمريكا مطالبة بالاعتراف أنها غير قادرة على بناء دويلة كردية.
وأشار إلى سياسة الرئيس دونالد ترامب الذي وعد بوقف عمليات بناء الدول وجهود الولايات إعادة الاستقرار في دول شهدت نزاعات والتي رأي فيها غير قابلة للنجاح. وأوفى ترامب بما وعد، حيث خفض من أعداد القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان وقطع ميزانية تمويل
ودعم الديمقراطية بمليار دولار في أثناء فترة حكمه. ولكن إدارة ترامب لم تلتزم بوعد بناء الدول وتابعت هدفا بعيد المدى في سوريا. وحاولت الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية والضغوط المالية لدفع نظام الرئيس بشار الأسد على القبول بإصلاحات دستورية واسعة ومنطقة حكم ذاتي للأكراد في شمال- شرق البلاد.
وتحت إشراف أمريكي تم تحويل المنطقة إلى شبه دولة بجيشها الخاص وهو قوات سوريا الديمقراطية وبيروقراطية تسيطر عليها قوات الحماية الشعبية وجناحها السياسي وهو حزب الإتحاد الديمقراطي. وبعد ستة سنوات وحوالي 2.6 مليار دولار فهذا هو “الطفل الأمريكي” الذي نشأ تحت الحماية العسكرية الأمريكية وقدمت له الحماية من جيرانه المعادين. ولن تكون هذه الدويلة قادرة على دعم نفسها وستظل تعتمد على المصادر الأمريكية في المستقبل القريب. لكن أمريكا لا تريد التزاما مفتوحا كهذا، فسوريا لم تكن أبدا موضوعا كبيرا في الأمن القومي الأمريكي. وظلت سياسة واشنطن محدودة بمنع تهديد النزاع هناك وتأثيره على مظاهر القلق الأمريكي في أماكن أخرى.
ومن هنا فالسياسة الأمريكية الحالية لا تعمل على تحقيق الهدف الأكبر، وبخاصة أنها لم تنجز الإصلاحات السياسية في دمشق وأعادت الاستقرار للبلاد أو تعاملت مع بقايا تنظيم الدولة الإسلامية. وسيعمل جوزيف بايدن جيدا لو سحب مئات الجنود الأمريكيين الذين تم نشرهم في سوريا وحول مهمة ملاحقة بقايا تنظيم الدولة الإسلامية إلى روسيا وتركيا.
فمن الناحية الظاهرية فقد صممت استراتيجية الولايات المتحدة في شمال- شرق سوريا لملاحقة بقايا تنظيم الدولة وحرمانه الفرصة لبناء منطقة آمنة للقيام بهجمات. ورغم الحملة الدولية التي دمرت الجماعة الإرهابية إلا أن ما تبقى من أفرادها يواصلون شن هجمات على مستويات منخفضة في كل من العراق وسوريا.
ويضيف فورد أن دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية وقوات الحماية الشعبية الكردية يهدف لمساعدتها على احتواء تنظيم الدولة المسلحة بدون دعم خارجي أو انتشار واسع للقوات الأمريكية.
ورغم ما تحمله هذه الإستراتيجية من جاذبية إلا أنها قاصرة، ذلك أن حلفاء الولايات المتحدة الأكراد السوريين، فاقموا التوترات الإقليمية الموجودة بين العرب والأكراد. وهناك شعور بالحنق داخل المجتمعات العربية من سيطرة الاكراد بدعم أمريكي وتحكمهم بآبار النفط.
واشتكى السكان العرب من فساد إدارة قوات سوريا الديمقراطية وعمليات مكافحة الإرهاب القاسية وممارسات التجنيد. وبدورها فجرت القوات الكردية سيارات مفخخة في البلدات العربية الواقعة تحت الجيش التركي.
وفي هذا المناخ المشحون بالتوترات العرقية والقبلية يمكن لتنظيم الدولة العمل وبقبول تكتيكي من المجتمعات الموجودة وتجنيد أفراد منها لعملياته. وستظل الولايات المتحدة أمام مشكلة في شمال- شرق سوريا وبسبب تحيزها لدويلة كردية هناك. وأشار فورد إلى عيب آخر في استراتيجية الولايات المتحدة وهو أن تنظيم الدولة ليس منحصرا في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية مع القوات الأمريكية، فهو يعمل في المناطق التابعة للنظام السوري وحلفائه بمن فيهم روسيا وإيران.
وتمتد منطقة عمله على 200 ميل غرب نهر الفرات. ولو كان هدف نشر القوات الأمريكية هو منع تنظيم الدولة من بناء قاعدة عمليات له داخل سوريا فوجود القوات الأمريكية في شمال- شرق سوريا لن يحل المشكلة، ولا فرض العقوبات على نظام الأسد المقيت، لأن هذا سيجعل القوات التابعة له بمصادر قليلة لمواجهة الجماعة المتطرفة. كما أن النهج الأمريكي تنقصه نهاية اللعبة القابلة للإنجاز.
وبدون الدعم الأمريكي ستواجه قوات سوريا الديمقراطية جبهتين أو ثلاثة، مع تركيا والحكومة السورية بحيث تركز قواتها على هذه الجبهات وتتخلي بالضرورة عن هدف ملاحقة بقايا تنظيم الدولة الإسلامية. ولمنع هذا النتيجة فيجب على الولايات المتحدة البقاء في شمال- شرق سوريا وللأبد. ولو قررت تركيا وروسيا وإيران او الحكومة السورية زيادة الضغط على القوات الأمريكية أو الدويلة الكردية الناشئة، فستجبر واشنطن على نشر مزيد من القوات وتوسيع المشكلة.
وهذا هو الحال عندما بدأت الوحدات العسكرية الروسية بمضايقة الدوريات الأمريكية في صيف 2020، مما أدى بالقيادة المركزية لإرسال وحدات مدرعة خفيفة للردع. وربما أصبح الوضع أسوأ في السنوات المقبلة.
وفي ضوء مظاهر الضعف في السياسة الأمريكية في سوريا، فعلى الإدارة الجديدة البحث عن نهج مختلف وناجح يمكنه احتواء تنظيم الدولة بدون نشر قوات أمريكية في حرب لانهائية. وبدلا من لاستمرار في الإستراتيجية الجديدة، فعلى فريق بايدن وتركيزه الجديد على الدبلوماسية الإعتماد على وبشكل قوي على كل من تركيا وروسيا. وربما بدا هذا النهج غير مريح، لكن الاعتراف بمصالح كل من تركيا وروسيا في سوريا قد يؤدي إلى نتائج أفضل.
وتظل روسيا شريكا غير تام، لكن دعمها للأسد يجعلها القوة المناسبة لتولي مهام ملاحقة تنظيم الدولة. ذلك أن موسكو ملتزمة ببقاء نظام الأسد، وعودة تنظيم الدولة بتمويل من آبار النفط بعد انتزاعها من قوات سوريا الديمقراطية يعتبر تهديدا لنظام دمشق.
ويمكن لإدارة بايدن استثمار هذه المساحة الضيقة المشتركة وتفوض عمليات ملاحقة التنظيم المتطرف على جانبي الفرات لموسكو. وهذا يعني زيادة الوجود العسكري الروسي بشكل يمنح واشنطن الفرصة للتفاوض على انسحاب مرحلي ونقل العملية من الولايات المتحدة إلى روسيا. إلا أن تسليم مهمة مكافحة تنظيم الدولة في شرق سوريا لن يلغي مخاطره وكذا الحاجة لمنعه من استخدام سوريا كقاعدة تهديد للولايات المتحدة وحلفائها.
وبالترادف مع الاتفاق الروسي يجب على واشنطن إقناع تركيا لتأمين حدودها الجنوبية. ولدى أنقرة الحافز للتعاون، خاصة أن تنظيم الدولة شن هجمات إرهابية داخل تركيا. ولكن إغلاق 600 ميل بالكامل سيكون صعبا، ويجب على أمريكا تزويد أنقرة بالتكنولوجيا والمعلومات الاستخباراتية لرصد حركة الإرهاب.
وسيظل التعاون مع تركيا صعبا حتى قبل دعم أمريكا لقوات حماية الشعب التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية. ومع ذلك سيكون التعاون سهلا حالة أوقفت واشنطن دعمها للقوات الكردية. ويقوم الهدف الرئيسي لتركيا على منع نشوء كيان مستقل للأكراد في سوريا. ويجب على إدارة بايدن تجنب مفاجأة الأكراد بالترتيبات الجديدة بل وإخبارهم بها. فقد كانوا شركاء جيدين ضد تنظيم الدولة، ومن الحكمة بمكان استمرار روسيا التعاون معهم.
ولدى روسيا الخبرة في المنطقة، حيث أنشأ الروس وسلحوا ويشرفون على “الفيلق الخامس” الموالي لدمشق والذي يقوم بعمليات في أنحاء البلاد. ويمكن للروس إنشاء “فيلق سادس” بالتعاون مع الحكومة السورية وتضم إليه قوات سوريا الديمقراطية. وبشكل منفصل عن هذه الترتيبات يمكن لقوات حماية الشعب وحزب الإتحاد الديمقراطي التفاوض مع دمشق بشأن وضع المنطقة. ولهم علاقة مع النظام، ففي 2012 تفاوضوا على تسلم الإدارة من النظام بعد سحب قواته لمواجهة الانتفاضة في مناطق أخرى من البلاد. ويجب على حزب الإتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري البناء على هذه التجربة وتأمين مواطنة متساوية وحق بالملكية لكل المواطنين في المنطقة والذين حرموا منها لسنوات طويلة. وترتيبات كهذه لن تؤدي إلى استقلالية تامة ولكنها ستكون ضمن سوريا فدرالية تطور أفضل عن الوضع القائم قبل الحرب. وقال فورد إن هناك أصواتا سترتفع في الولايات المتحدة حول ضرورة دعم أمريكا للأكراد باعتبارها مدينة لهم. ورغم مشاركتهم المقدرة في مواجهة تنظيم الدولة إلا أن أمريكا ليست مدينة لهذه المظلة العسكرية بتكاليف باهظة من أموال دافعي الضرائب. فمصلحة أمريكا القومية هي احتواء تنظيم الدولة وليس تحديد شكل الحكم في سوريا.
وقال فورد إنه في النهاية على الولايات المتحدة الاعتراف بمحدودية قدرتها للتأثير على السياسة في سوريا. فقد حاول عندما كان سفيرا وعدد من المسؤولين الأمريكيين مطالبة الأسد بالإصلاحات وبنجاح محدود. ومن جانبها، استخدمت إدارة دونالد ترامب العقوبات المالية والسيطرة على منابع النفط لإجبار دمشق على التغيير. لكن دمشق لم تتحرك، فعادة ما يتفوق النظام بتعقيد المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة في جنيف. وبالنسبة للأسد وزمرته فالنزاع هو لعبة صفرية تقود فيها المطالب بالإصلاح والحكم الذاتي إلى عدم استقرار وتتحدى الحكم وتقود إلى دعوات للمحاسبة لا يريدونها. ونظام الأسد يحارب بناء على افتراض أن أي إصلاح سيقصر من عمره. ولهذا فسيطرة الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية على منابع النفط لن تغير من حساباته. وهناك من ناقش أن انسحاب أمريكا من سوريا يمنح روسيا وإيران الحرية المطلقة.
ويتجاهل هذا النقاش علاقات البلدين الطويلة مع نظام عائلة الأسد. وتعاونت روسيا مع دمشق أثناء الحرب الباردة وقدمت مستشارين عملوا هناك قبل الحرب الأخيرة في 2011. أما إيران فوجودها قديم و “عندما كنت سفيرا في سوريا قبل 10 أعوام سكن الدبلوماسيون الأمريكيون بناية سكن في شققها أفرادا من الحرس الثوري الإيراني. ومنشآت الحرس الثوري في سوريا موجودة منذ 20 عاما”، لكل هذا فدوريات أمريكية صغيرة في شرق سوريا لن تغير من علاقات النظام مع البلدين، ولن تمنع وصول الأسلحة الإيرانية إلى البلد، وهو ما يقوم بعمله الطيران الإسرائيلي. وربما واصل بايدن سياسة ترامب، لكن هذا يعني تضييع مليارات الدولارات ومفاقمة التوترات المجتمعية والفشل في احتواء تنظيم الدولة. ولأن أهداف الولايات المتحدة محدودة في سوريا فيجب ألا تدفع ثمنا باهظا من أجلها. وأي شيء تدفعه يجب أن يحول لمواجهة مشكلة اللاجئين الضخمة. ومن الأفضل السماح لتركيا وروسيا متابعة مصالحهما القومية وتحمل عبء احتواء تنظيم الدولة.
القدس العربي
عام 2021 بعيون الخبراء : نظرة قاتمة لسوريا
نشر معهد الشرق الأوسط آراء عدد من الخبراء حول نظرتهم وتوقعاتهم لعام 2021. وتشمل هذه التوقعات إيران وتركيا ودول مجلس التعاون والعراق وسورية وأفغانستان ومصر والأراضي الفلسطينية وإسرائيل والجزائر. وفيما يلي ترجمة الفقرة الخاصة بسورية والتي كتبها السفير السابق روبرت فورد:
نظرة قاتمة لسوريا
روبرت إس. فورد – من كبار الباحثين في المعهد
ستواصل الدول التي تتواجد في أجزاء من سوريا في عام 2021 مع تطور الحرب الأهلية الوصول إلى طريق مسدود، فقد أعادت تركيا نشر قواتها العسكرية في محافظة إدلب شمال غرب البلاد، حيث يرفض 2.5 مليون نازح سوري العودة إلى منازلهم السابقة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وسيؤدي رفض تركيا لوجود دويلة بقيادة فصيل كردي سوري في شمال شرق سوريا إلى إثارة تهديدات جديدة بتوغلات تركية ستحاول موسكو وواشنطن احتواءها.
في غضون ذلك، أدخلت إيران المزيد من الميليشيات المتحالفة معها إلى جنوب شرق سوريا. في ظل هذا المزيج المتقلب، يبدو أن إدارة بايدن الجديدة ستحافظ على وجود عمليات خاصة صغيرة في شرق سوريا، حيث تتصاعد ببطء الاحتكاكات بين المجتمعات المحلية وميليشيا قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
لا يوجد حل سياسي في الأفق إذ أن عملية أستانا الروسية مع تركيا وإيران ستحاول الحفاظ على وقف إطلاق النار الهش في إدلب بين دمشق وحليفتها الروسية من جهة وتركيا وحلفائها السوريين من جهة أخرى إذ أن هناك احتمال إثارة انفجارات جديدة من قبل دمشق.
علاوة على ذلك، يمكن لروسيا التحرك في الأمم المتحدة في يوليو لتقييد وصول المساعدات الانسانية الخارجية للمدنيين في إدلب ومن غير المرجح أن تحقق المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن تغيير الدستور تقدمًا كبيرًا في عام 2021، على الرغم من الضغوط المالية الغربية، بقيادة واشنطن، والتي تسعى لانتزاع تنازلات سياسية من بشار الأسد الذي يبدو غير نادمٍ وبعيدًا عن انفتاح النظام الحاكم، سيحاول الأسد الفوز بإعادة انتخابه لولاية مدتها سبع سنوات في الانتخابات الرئاسية في وقت لاحق من هذا العام لأن استراتيجيته هي التشبث بالسلطة حتى تتحسن البيئة الخارجية حيث انتقاد مسؤول في الأمم المتحدة يوم 29 كانون الأول (ديسمبر) للتأثير الضار للعقوبات الأمريكية على المدنيين السوريين هو نوع من التطور الذي سيشجع الأسد على الصمود وهو سيتذكر كيف تآكل دعم العالم للعقوبات الأمريكية “الذكية” ضد صدام حسين مع مرور الوقت.
في غضون ذلك، الأسد غير مهتم بعودة ما يقرب من 5.6 مليون لاجئ سوري، وحكومته تفتقر إلى الموارد اللازمة لبدء إعادة بناء البنية التحتية والمساكن المدمرة على نطاق واسع. سيستولي أمراء الحرب المتحالفون مع الأسد وداعموهم التجاريون على ممتلكات جديدة وأجزاء من الاقتصاد المنخفض مقابل ولائهم. إن فيروس كورونا منتشر لكن النظام الصحي في البلد لن يعترف بحجم الوباء، ولن يستطيع معالجته. سوف يتضاءل اهتمام وسائل الإعلام بسوريا بينما ستتقلص مستويات المعيشة بالفعل للغالبية العظمى من السوريين.
جيفري:سياسة ترامب في سوريا مجدية ويجب ألا تتغير
اعتبر المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط، أعطت “نتائج واضحة” ويجب عدم تغييرها من قبل الرئيس المنتخب جو بايدن.
وقال جيفري في مقال بمجلة “فورين أفيرز”، إن الشرق الأوسط “كان يهيمن على الكثير من السياسة الخارجية لترامب. على الرغم من الحديث عن إنهاء الحروب إلى الأبد والتحول إلى آسيا، إلا أن المصالح الوطنية الأساسية أعادت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا إلى المنطقة”.
وأضاف أن ترامب “أوضح أنه سيدعم الأعمال العسكرية الإسرائيلية والتركية ضد إيران وروسيا في سوريا وسيعتمد بشكل أساسي على دول الخليج والأردن والعراق وإسرائيل للوقوف في وجه طهران”.
وتابع جيفري: “ستكمل الولايات المتحدة بدورها هذه الجهود عسكرياً عند الضرورة، من خلال بيع الأسلحة واستهداف الإرهابيين أو معاقبة بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية”.
وأوضح أن إدارة ترامب كانت حذرة بشكل عام من استخدام القوة العسكرية، “حرصاً على أرواح الجنود الأميركيين”. ولكنها حين قررت التدخل “استهدفت الأسد والجماعات (الإرهابية) والمرتزقة الروس والميليشيات المدعومة من إيران”.
ولفت إلى أن سياسات ترامب “دارت كلها حول فكرة أن إيران تشكل تهديداً شاملاً للمنطقة والولايات المتحدة”. وشدد جيفري على أن سياسة ترامب تجاه إيران، بما في ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2018 و”الضغط من خلال حملة العقوبات والتخويف كانت تهدف إلى إجبار البلاد على التفاوض وإضعاف نفوذها في المنطقة، بدلاً من تغيير النظام”.
وأضاف أن ترامب ربط حملته للعقوبات بمحاولة لمواجهة توسع إيران الإقليمي، خاصة في سوريا والعراق. في السابق، ورثت إدارته سياسة مشوشة من أوباما، وهي سياسة انتقدها حتى مستشارو الرئيس السابق لاحقاً: “جزء منها يطيح بالأسد عبر معارضة مسلحة، وجزء يسعى إلى تسوية سياسية بوساطة الأمم المتحدة، وجزء آخر يهزم داعش”.
وتابع أنه بحلول أواخر عام 2017، “كانت إدارة ترامب قد طورت سياستها الخاصة تجاه سوريا، مرة أخرى على أساس مبادئ مواجهة التهديدات الإقليمية أثناء العمل مع الحلفاء والشركاء: إخراج إيران، وهزيمة داعش بشكل دائم، وحل الصراع الأهلي في البلاد”.
وقال: “على الرغم من أن الجيش الأمريكي قاوم الابتعاد عن مهمته في مكافحة داعش، فقد قام في النهاية بتخصيص قواته في الشمال الشرقي والجنوب لتوسيع السياسة السورية من خلال حرمان حكومة الأسد وحلفائها من التضاريس والموارد”.
وقال جيفري إنه بحلول عام 2020، كانت الولايات المتحدة قد بنت تحالفاً مرناً حتى في الوقت الذي سعت فيه لتقليل التزامها المباشر فيه. وأضاف “عملت تركيا وعناصر المعارضة المسلحة في سوريا مع الولايات المتحدة لحرمان الأسد من نصر عسكري حاسم، كما أدت الضربات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة على أهداف إيرانية في البلاد إلى الحد من الخيارات العسكرية للنظام”.
في غضون ذلك، قادت الولايات المتحدة، بحسب جيفري، تحالفاً دبلوماسياً دولياً كبيراً دعم الجهود السياسية للأمم المتحدة لحل النزاع، وعزل دمشق دبلوماسياً، وسحق اقتصاد البلاد من خلال العقوبات. لكن، مثل السياسة الأوسع تجاه إيران التي تناسب سوريا، فإن النتيجة هي حالة من الجمود. في غياب حل تفاوضي، من المرجح أن تستمر حرب الاستنزاف الفوضوية، لكن هذا ما نجح ضد السوفييت في أفغانستان. ومع ذلك، سيتعين على الإدارة المقبلة أن تزن هذه المزايا مقابل المخاطر الأخرى، بما في ذلك التكلفة على المدنيين.
وأوضح أن السياسة الأميركية وضعت واشنطن على خلاف مع موسكو، التي رأت أن سوريا هي المكان الرئيسي لإعادة الانخراط دبلوماسياً وعسكرياً في الشرق الأوسط. وتابع: “تماشياً مع هدفها المتمثل في مواجهة تهديدات الأقران الإقليمية، ردت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً على النشاط العسكري الروسي والمرتزقة في شمال شرق سوريا وساعدت تركيا على صد التوغلات السورية الروسية المشتركة في شمال غرب البلاد”.
لكنه لفت إلى أن معارضة تركيا لشريك الولايات المتحدة الكردي، قوات سوريا الديمقراطية، أدّت إلى تعقيد هذه العلاقة. أدى هذا التوتر إلى وقوع حادثة عسكرية ودبلوماسية وجيزة في تشرين الأول/أكتوبر 2019. وعلى الرغم من أن واشنطن وأنقرة تمكنتا من حل الأزمة، إلا أنها أوضحت صعوبة العمل من خلال الشركاء، سواء كانوا من قوات سوريا الديمقراطية أو الأتراك، الذين قد تتجاوز أجنداتهم ما يمكن أن تدعمه واشنطن.
المدن