ستايسي أبرامز«نجمة سوداء» صاعدة في الحياة السياسية الأميركية خطابها التحفيزي للسود والملوّنين شبهه البعض بخطاب ترمب الموجّه للبيض/ إيلي يوسف
يجمع العديد من الكتّاب والسياسيين والخبراء على أن فوز الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بولاية جورجيا، ونجاح الديمقراطيين بتحويل هذه الولاية الجنوبية المحافظة للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود إلى ولاية «زرقاء»، يعود إلى الدور الذي لعبته ستايسي أبرامز… «النجمة السوداء» الصاعدة في الحياة السياسية الأميركية.
أبرامز ليست سياسية تقليدية، لكنها أيضاً ليست من التيار اليساري المتشدّد، على الرغم من إعلان السيناتور التقدمي بيرني ساندرز دعمه لها «في صفوف ثورتنا»، عندما ترشحت لمنصب حاكم ولاية جورجيا عام 2018 خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، ضد منافستها ستايسي إيفانز. وهي عندما فازت بترشيح الحزب الديمقراطي، كانت أول امرأة سوداء في الولايات المتحدة تحظى بترشيح حزب رئيس لمنصب حاكم ولاية. ثم في فبراير (شباط) 2019 أصبحت أول امرأة سوداء تلقي خطاب الرد على خطاب الرئيس السنوي عن «حالة الاتحاد». وبينما يتوقع على نطاق واسع أن تترشح أبرامز مرة أخرى لمنصب الحاكم عام 2022، فهي اليوم واحدة من أكثر السياسيين الأميركيين نفوذاً مع أنها لا تشغل أي منصب سياسي رسمي حالياً.
تكاد تجمع أراء المراقبين للمشهد السياسي الأميركي على أنه للسياسية والناشطة السوداء ستايسي أبرامز يجب أن ينسب الفضل في إعادة بناء القاعدة السياسية والشعبية للحزب الديمقراطي، ليس فقط على مستوى ولاية جورجيا، بل أيضاً على مستوى الولايات المتحدة. فأبرامز، المحامية التي نشأت وتربّت في بيت متدين، لعبت دوراً قيادياً في حث الناخبين السود واللاتينيين والآسيويين على الإقبال والمشاركة في الحملات الانتخابية والتصويت. وهذا ما انعكس في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي فوزاً غير مسبوق للمرشح الرئاسي جو بايدن بأكبر تصويت شعبي فاق 81 مليون صوت، وبأعلى نسبة تصويت بين السود فاقت ما حظي به الرئيس السابق باراك أوباما. ثم، في 5 يناير (كانون الثاني) الحالي، في قلب المعادلة بجورجيا، حيث انتزع المرشحان الديمقراطيان القس رافاييل وارنوك وجون أوسوف مقعدي الولاية في مجلسي الشيوخ، إثر تغلبهما على شاغلي المقعدين الجمهوريين السيناتورة كيلي لفلر والسيناتور ديفيد برديو.
– قضايا الناس العاديين وحقوقهم السياسية
صحيح قد يجادل البعض بأن الفضل لا يعود فقط إلى جهود أبرامز وحدها، بل لجهود كثرة من النساء السود الأخريات اللواتي بذلن جهوداً تنظيمية استمرت عقوداً لتغيير ناخبي الولاية. لكن الصحيح أيضاً، أن أبرامز كانت الوجه الأكثر حضوراً في الحملة التي حضت الناخبين على المشاركة في التصويت.
وكما فعل القس جيسي جاكسون قبل بضعة عقود، خاضت أبرامز بشجاعة معارك كبيرة لإعادة حقوق التسجيل للناخبين الذين حُرموا من حق التصويت، سواءً داخل ولايتها أو على المستوى الوطني، في مواجهة جهود الجمهوريين الذين خاضوا ونجحوا لسنوات عدة في تقليص عدد الناخبين من غير البيض. وحقاً، كان وجهها الأكثر حضوراً في الإعلانات التلفزيونية الأخيرة، للتنبيه من ضرورة معالجة أي أخطاء في التسجيل قد تؤدي إلى حرمان الناخبين من حق الإدلاء بأصواتهم، مناشدة: «لا تنتظر»… «تصويتك له القدرة على تحديد مستقبل جورجيا وبلدنا. حان الوقت للتأكد من أن صوتك مسموع».
أبرامز، زعيمة الأقلية السابقة في مجلس نواب ولاية جورجيا، خاضت منذ البداية معاركها السياسية واضعة نصب أعينها تعزيز الليبرالية الاجتماعية، التي هي نقيض «النيو – ليبرالية القومية» التي تتبنى مقولات تفوّق العرق الأبيض والعداء للمهاجرين والتمييز ضد السود والملونين والأقليات. وهي معارك كان بالإمكان العثور عليها بسهولة إبان عهد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، الذي كان لا يتردد في وصف من ينادي بالليبرالية الاجتماعية السائدة في عدد من البلدان الأوروبية… بأنه «شيوعي».
لقد دأبت أبرامز على تبنّي المطالبات المعيشية للمواطن العادي بضرورة توسيع قاعدة الاستفادة من خدمات الدولة وتعزيز الضمانات الاجتماعية وزيادة الضرائب على ذوي الدخل المرتفع، وإشراك المزيد من الشرائح والطبقات الاجتماعية في الحياة السياسية. وهو ما وضعها في مواجهة دعاة النيو – ليبرالية القومية اليمينية المؤمنة بانتهاج الولايات المتحدة نظام اقتصاد حر متفلت من أي ضوابط، وخفض الضرائب على الأغنياء والشركات، وفرض قيود غايتها عملياً تقليص حجم المشاركة السياسية للأقليات، في ظل إشكالية حقيقية جراء آليات معقدة موروثة من نظام فصل عنصري قديم في ولايات الجنوب الأميركي. وليلة الثلاثاء 5 يناير الحالي، وبعد بدء ظهور نتائج انتخابات الإعادة على مقعدي مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا، التي نقلت المقعدين من الجمهوريين إلى الديمقراطيين – ومعهما السيطرة على المجلس – أشادت أبرامز بالآلاف من المنظمين والمتطوعين والمجموعات. منوهة بأنهم «ساعدوا في إعادة بناء الحزب الديمقراطي في الولاية من تحت الركام»، يوم كانت لا تزال زعيمة الأقلية في برلمان الولاية عام 2011.
هذا، ورغم خسارة أبرامز انتخابات حاكم جورجيا عام 2018، أمام منافسها الجمهوري بريان كيمب بنحو 55 ألف صوت، فإنها تمكنت من بناء شبكة جيدة التمويل من المنظمات التي سلطت الضوء على قضية «قمع الناخبين». وينسب لها الفضل في إلهام ما يقدر بنحو 800 ألف ناخب على التسجيل مجدداً، مع العلم، أن كيمب، الذي كان يومذاك أمين الولاية، كان في موقع مسؤول عن الانتخابات وتسجيل الناخبين. وبالفعل، ألغى مكتبه بين عامي 2012 و2018 تسجيل أكثر من 1.4 مليون ناخب، مع ما يقرب من 700 ألف إلغاء عام 2017 وحده. بل في ليلة واحدة فقط في يوليو (تموز) 2017، ألغي تسجيل نصف مليون ناخب معظمهم من ناخبي الحزب الديمقراطي والسود. حتى أن صحيفة «أتلانتا جورنال كونستيتيوشن» المرموقة نقلت عن خبراء الانتخابات، إن هذا «قد يمثل أكبر حرمان جماعي من حق التصويت في تاريخ الولايات المتحدة».
أيضاً، أشرف كيمب على عمليات شطب الناخبين بعد ثمانية أشهر من إعلان ترشحه لمنصب الحاكم. وبحلول أوائل أكتوبر (تشرين الأول) 2018، جمّد أكثر من 53 ألف طلب تسجيل ناخبين من قبل مكتبه، بينهم أكثر من 75 في المائة من الأقليات، بحجة أن الناخبين المؤهلين للتصويت يجب أن يثبتوا أنهم ما زالوا يعيشون في الولاية. وحسب تحقيقات استقصائية، فإنه من بين 534 ألف ناخب جورجي، ألغي تسجيلهم بين عامي 2016 و2017، كان لا يزال أكثر من 334 ألفاً يعيشون في الأماكن المسجلين فيها.
– إيمان بالنمو الديمغرافي والتنوّع
جين جوردان، عضو مجلس الشيوخ الحلي في جورجيا، وهي ديمقراطية، قالت إن أبرامز علّمتها خسارتها، بل ونبّهتها إلى، أهمية إدراك دور العامل الديمغرافي، وبالذات، الاعتراف بالنمو السكاني في جورجيا وتنوعه الديمغرافي المتزايد كفرصة مواتية للديمقراطيين. ومن خلال ذلك لفتت الأنظار إلى أهمية جورجيا، واجتذبت الأموال والتبرّعات، ومن بينها تبرعات كبيرة حصلت عليها من نقابات عمالية فيدرالية، ومن عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبرغ، الذي تبرع لها بمبلغ 5 ملايين دولار، بعد وقت قصير من إعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة في 2020.
ومن ثم، استخدمت أبرامز تلك التبرعات لتعزيز فرص الساسة الديمقراطيين والليبراليين في الولاية. ورغم رفضها تأييد بلومبرغ عندما ترشّح للرئاسة، فإنها دافعت أبرامز عن التبرعات التي حصلت عليها منه، قائلة «يحق لأي شخص الترشّح، ويجب أن يترشح في السباق الذي يعتقد أن بإمكانه الفوز فيه. وبلومبرغ اختار استخدام موارده المالية، كما يستخدم آخرون كلابهم وجاذبيتهم».
أكثر من هذا، يقول جيسون كارتر، حفيد الرئيس السابق جيمي كارتر، الذي خسر أيضاً انتخابات حاكم جورجيا عام 2014 بفارق ثماني نقاط مئوية، إن الديمقراطيين «بلغوا سقفاً حزبياً» في الولاية… لكن «منذ عام 2014، أدت جهود ستايسي وغيرها إلى رفع هذا السقف الحزبي» من خلال توسيع نطاق جاذبية الناخبين الأصغر سنا والأشخاص الملونين وسكان الضواحي. وهذا صحيح، فبعد خسارة أبرامز انتخابات عام 2018 انتقلت إلى بناء شبكة من المنظمات التي أصبحت قوة كبيرة جيدة التمويل من أجل الحق بالتصويت والتقدم الاقتصادي. ورغم انتقادها من بعض اليمينيين باعتبارها شخصية مثيرة للانقسام، وتشبيه آخرين خطابها الذي لعب على وتر تحفيز السود وحثّهم بخطاب ترمب للبيض، فإن ثمة إجماعاً يشير إلى أن دورها السياسي المتنامي لدى الناخبين، لعب دوراً أساسياً في دفعهم إلى صناديق الاقتراع وخصوصا الناخبين السود. ومع ذلك، فإن مواقف أبرامز تتعارض في بعض الأحيان مع مواقف أعضاء من حزبها، منهم الذين انتقدوا طموحها الحاد ورغبتها الصريحة في أن تكون هي نائبة لبايدن، الذي اختار في النهاية كامالا هاريس.
– بطاقة هوية
ولدت ستايسي إيفون أبرامز يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) 1973 في مدينة ماديسون عاصمة ولاية ويسكونسن، ونشأت في مدينة غلفبورت بولاية مسيسيبي. وهي الطفلة الثانية بين ستة أشقاء، من والديها القسيسين روبرت وكارولين أبرامز. ولقد انتقلت العائلة إلى مدينة أتلانتا، عاصمة ولاية جورجيا – وفيها المقر الرئيس لمحطة «سي إن إن» – حيث حصل والداها على شهادات عليا في جامعة إيموري العريقة، وأصبحا فيما بعد قياديين لاهوتيين في المجمع الديني للمنيسة البروتستانتية النظامية (الميثوديست). أنهت تعليمها الثانوي في مدرسة أفونديل الثانوية؛ ونظراً لتفوقها عُينت كاتبة لخطابات حملات الكونغرس.
في عام 1995 حصلت أبرامز على بكالوريوس الآداب في الدراسات المتعددة الاختصاصات كالعلوم السياسية والاقتصاد وعلم الاجتماع من كلية سبيلمان بدرجة امتياز. وعملت إبّان دراستها في الكلية في قسم خدمات الشباب بمكتب عمدة أتلانتا ماينارد جاكسون، ثم تدربت لاحقاً في وكالة حماية البيئة الأميركية. ويذكر أنه عندما كانت طالبة جديدة عام 1992، شاركت أبرامز في احتجاج أمام مبنى الكابيتول في جورجيا، حيث شاركت في إحراق علم الولاية الذي كان يضم في ذلك الوقت شعار الكونفدرالية الذي أضيف عام 1956، باعتباره مناهضاً للحقوق المدنية.
بعد ذلك درست أبرامز السياسة العامة في جامعة تكساس في العاصمة أوستن، حيث حصلت على درجة الماجستير في الشؤون العامة عام 1998. ثم في عام 1999، حصلت على الإجازة القانون من كلية الحقوق بجامعة ييل العريقة، وهي تعد معهد الحقوق الأبرز في أميركا.
– سياساتها وأولوياتها
المحطة التالية، للسياسية والمحامية والمؤلفة والناشطة في مجال حقوق التصويت، كانت شغلها مقعداً في مجلس نواب ولاية جورجيا من 2007 إلى 2017، ومن ثم تأسيسها منظمة «فير فايت أكشن» للتصدي لقمع الناخبين في عام 2018. وبعد اختيار أبرامز زعيمة للأقلية الديمقراطية في مجلس نواب ولاية جورجيا، كان أول عمل تقوم به هو التعاون مع إدارة الحاكم الجمهوري ناثان ديل لإصلاح برنامج المنح الدراسية «هوب» أو الأمل.
ووفقاً لمجلة «تايم»، يحق لأبرامز أن تفاخر بأنها أوقفت بمفردها أكبر زيادة ضريبية في تاريخ جورجيا؛ إذ جادلت عام 2011 بأن اقتراحاً جمهورياً لخفض ضرائب الدخل مع زيادة الضريبة على خدمة الكايبل، من شأنه أن يؤدي إلى زيادة صافية في الضرائب التي يدفعها معظم الناس. كذلك، أجرت تحليلاً لمشروع القانون الذي أظهر أن 82 في المائة من الجورجيين سيرون زيادات ضريبية صافية، وتركت نسخة من التحليل على مكاتب النواب؛ الأمر الذي أدى إلى فشل تمرير مشروع القانون. تؤيد أبرامز حق الاختيار (بالنسبة للإجهاض)، وتدافع عن توسيع نطاق الرقابة على السلاح، وتعارض مقترحات قوانين أكثر صرامة بشأن تحديد هوية الناخب، قائلة إنها تحرم الأقليات والفقراء من حقوقهم. وهي دعت إلى توسيع قانون الرعاية الصحية «ميديكيد» الذي ترى أنه مكّن من تحسين الرعاية الصحية للمقيمين ذوي الدخل المنخفض، وجعل المستشفيات في المناطق الريفية قابلة للاستمرار مالياً.
كذلك دعت إلى زيادة الإنفاق على التعليم العام، وعارضت قسائم المساعدات للمدارس الخاصة، داعية بدلاً من ذلك إلى إدخال تحسينات على نظام التعليم العام وإلى تصغير الفصول الدراسية وزيادة المستشارين في المدارس ومعاشات التقاعد المحمية، وزيادة أجور المعلمين وتوسيع نطاق تعليم الطفولة المبكرة. وعلى الصعيد القانوني، تدعم أبرامز إصلاح العدالة الجنائية من خلال إلغاء اشتراط الإفراج بكفالة نقدية عن المتهمين الفقراء، وإلغاء عقوبة الإعدام، ودعم الشرطة المجتمعية للحفاظ على أمن المجتمعات كجزء من إصلاح العدالة الجنائية.
وفي السياسات الدولية، تعد أبرامز من المؤيدين لإسرائيل وهي ترفض «شيطنتها ونزع الشرعية عنها» المتمثلة في حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات، وترى أن العقوبات عليها وجه من «العداء للسامية». لكنها صوتت ضد مناهضة جورجيا قانون المقاطعة الذي يعاقب الشركات التي تختار مقاطعة إسرائيل أو الأراضي التي تحتلها إسرائيل.
الشرق الأوسط