الذكاء الاصطناعي.. أحدث أدوات محاسبة النظام السوري على جرائم الحرب
بعد أن بدا وكأن النظام السوري منتصرا إلى حد كبير عقب عقد من العنف في البلاد، تكتسب الجهود المبذولة لتحقيق قدر من المساءلة تجاه جرائم الحرب، السرعة، في المحاكم الأوروبية.
وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن أداة جديدة تستخدمها السلطات الأوروبية وجماعات حقوق الإنسان لمحاسبة مرتكبة جرائم الحرب في سوريا، وهي الذكاء الاصطناعي.
ويمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي دورا أساسيا في تقديم مجرمي الحرب للعدالة في سوريا من خلال المساعدة في فرز مجموعة ضخمة من الأدلة، والعمل كنموذج للتحقيقات، بحسب الصحيفة الأميركية.
وفقا لمعظم الروايات، كان الصراع السوري هو الحرب الأكثر توثيقا في التاريخ، لكن هذا الكم الهائل من الأدلة – الملايين من مقاطع الفيديو والصور ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وصور الأقمار الصناعية – لا يُترجم بسهولة إلى مساءلة عن الجرائم المرتكبة أثناء الحرب.
منذ بداية الصراع السوري، خاطر النشطاء على الأرض بحياتهم لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، من التعذيب والهجمات على المتظاهرين، إلى الضربات الصاروخية العشوائية والبراميل المتفجرة.
في أوروبا، هناك العشرات من القضايا والتحقيقات في الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب السورية، لكن لم يعتمد أي منها على الذكاء الاصطناعي في بناء قضاياهم.
وقالت كاثرين مارشي أوهيل، التي ترأس هيئة الأمم المتحدة المكلفة بجمع المعلومات السورية: “لدينا استخدام للتكنولوجيا لالتقاط المعلومات ونشرها على حدٍ سواء، والآن للبحث عنها بشكل مختلف تماما”.
وتهدف هذه التقنية إلى المساعدة في معالجة البيانات وتنظيمها وتحليلها وتقليل الوقت الذي يقضيه المحققون البشريون في فرز ومشاهدة تيرابايت من مقاطع الفيديو والصور المؤلمة.
وتساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تجميع مقاطع الفيديو لنفس الحادث والتخلص من النسخ المكررة أو الصور غير ذات الصلة، كما تعمل الخوارزميات أيضا على التعرف على الأشياء، وإيجاد جميع البيانات ذات الصلة بسلاح معين للمساعدة في حالة معينة.
في عام 2017، أراد هادي الخطيب، مؤسس الأرشيف السوري، وهي مجموعة حقوقية مستقلة تعمل على أرشفة الأدلة منذ بداية النزاع ف عام 2011، تجميع قاعدة بيانات قابلة للبحث عن جميع هجمات الذخائر العنقودية.
ويأمل الخطيب أن تساعد قاعدة البيانات التي جمعها، في إثبات أن النظام السوري وداعمه العسكري الرئيسي روسيا، استخدموا أسلحة محظورة دوليا أثناء الحرب.
لكن كان من المستحيل على فريق الخطيب الصغير فرز أكثر من 1.5 مليون مقطع فيديو يدويا للعثور على كل تلك الأدلة المتعلقة بالقنابل العنقودية.
في بعض الحالات، توجد تقنية فرز الأدلة ولكنها مكلفة للغاية بالنسبة لمجموعات حقوق الإنسان، لذلك لجأ الخطيب إلى آدم هارفي، مهندس برمجيات مقيم في برلين يقود “VFRAME”، وهو مشروع مفتوح المصدر يركز على استخدام التعلم الآلي لتعزيز العمل في مجال حقوق الإنسان، لبناء كاشف ذكاء اصطناعي قادر على مثل هذا البحث.
بحلول منتصف عام 2021، يأمل الخطيب وهارفي أن تكتمل قاعدة البيانات وأن تكون جاهزة لبدء قضية جديدة.
في الاتجاه ذاته، يشارك مشروع مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي المخصص للعمل الإنساني الذي تبلغ تكلفته 40 مليون دولار، ومؤسسة “Benetech” غير الربحية، في البحث عن أدلة على استخدام الذخائر العنقودية خلال الحرب السورية.
وأكملت مايكروسوفت تطوير نظام لتحديد الأسلحة في مقاطع الفيديو المتعلقة بالذخائر العنقودية العام الماضي، حيث يستطيع النظام اكتشاف هذه المقاطع من الصوت، باعتبار الصوت المميز لانفجار هذا النوع من القنابل.
وعند بناء القضايا، يحتاج المحققون ليس فقط لإثبات ارتكاب جرائم حرب، والتي غالبا ما توجد في مقاطع الفيديو والصور، ولكن أيضا للتسلسل القيادي الذي أدى إلى تلك الجرائم، والتي غالبا ما توجد في الوثائق المهربة إلى خارج سوريا.
الحرة / ترجمات – دبي
جون رايس كانت كليوبترا فمَنْ كُنتَ أنْت؟/ عمّار المأمون
اللحظة التي اختبرها جون نتاج تغير بيولوجي طبيعي لا يمكن الوقوف بوجهه وهي ما منعته عن متابعة التمثيل، بعكس الحجج العنصرية التي ساقها جوان بأنه لا يقبل وجود المثليين بالتالي لا يستطيع لعب أدوارهم…
أتحَفنا الممثل السوري جوان خضر منذ فترةٍ بِتصريح له، لا يمكن وصفه إلا بالجاهل أو الجبان، إذ قال خضر واثقاً حين سؤاله عن قدرته على لعب شخصية مثلية الميول الجنسيّة، إنه “لا يستطيع الانسلاخ عن جلده، على رغم أنه خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، لكنه ابن بيئة لا تقبل هذه الشخصيات، وعلى رغم أن الممثل يجب أن يلعب كل الأدوار، إلا أنه في الواقع لا يستطيع أن يتصالح مع شخصية مثلي الجنس، ولا يستطيع الدفاع عنها، لأنه في الحياة لا يقبل وجود المثليين، ويتعامل معهم كمرضى نفسيين، ربما يتعاطف معهم، ويتفهم معاناتهم، ولكنه يعاملهم كمرضى الاكتئاب والشيزوفرينيا، ولا يشرع وجودهم في المجتمع بشكل طبيعي”.
إعادة اقتباس هذا الكلام المهين، تكشف رعباً من “الآخر” المختلف، فاستخدام خضر كلمات “الانسلاخ عن جلده”، “يتصالح مع شخصية مثلية الجنس” مرضى نفسيين” لا تدلّ إلا على خوف غير مبرر من مساحة للعب لم يختبرها سابقاً، وجهل يتجاوز فن التمثيل حد الجهل بالإنسان نفسه وهوياته المتنوعة. ومن وجهة نظر أخرى يمكن النظر إلى هذه التصريحات كجزء من الحملة التي يشنها إعلام النظام السوري على المثليين والهوية المثليّة، ضمن ما يسميه الأسد “الأخلاق الليبراليّة الحديثة” التي تستهدف سوريا و أسرها و قيمها.
تصريح جوان خضر غير مُستغرب في السياق السوري، فالتمثيل النمطي للشخصيات المثليّة متكرر في الصناعة الثقافية في سوريا (المسلسلات) بوصفها نقيضاً للرجولة الخشنة، إذ تظهر بوصفها كوميدية ومضحكة وتتعرض للسخرية من الجميع، هي أنماط تُستعرض بوصفها ضد الأسرة المحافظة والخشونة الذكوريّة، ووظفت في الفترة الأخيرة كخدعة لطلب “اللجوء” إلى أوروبا كما في بعض اللوحات الكوميدية المعاصرة.
لا يمكن أيضاً تجاهل القوى التي تضبط الرجولة الخشنة في السياق السوري والتي تخرج من نطاق الأسرة المحافظة إلى الدولة، فالخدمة العسكريّة الإلزامية تشكل هاجساً لدى كثيرين، ولا بد من التهرب منها، وكأنها لعنة تلاحق أي “ذكر” لما تحمله من “تدمير للمستقبل” بحسب البعض، هذه المؤسسة تتطلب رجولة مفرطة، وحصينة الفتحات، فهناك تصميم ثقافي لاستنساخ شكل الأسرة النويية، والحفاظ على قوامها مع فصل واضح للأدوار الجندريّة، وأي تهديد محاط بالعنف والتجريم في بعض الأحيان.
يتفاخر جوان في تصريحه بأنه خريج المؤسسة الأكاديميّة، أي المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق، ويبدأ تصريحه بـ”عجزه عن الانسلاخ عن جلده” ويتابع أن رفضه أداء شخصية مثلية الجنس لا ينبع من أسباب فنيّة فقط، بل من وصاية اجتماعيّة ونظرة إلى هذه الفئة كمرضى. هنا، لا بد من العودة إلى التمثيل، المعهد العالي للفنون المسرحية يدرب طلابه وفق منهج وضعه قسطنطين ستانسلافسكي بداية القرن العشرين يسمّى الـsystem، أو الواقعية النفسيّة بحسب الترجمات العربيّة المنقوصة والمختزلة.
لن نغوص في حيثيات وأسلوب تدريس هذا المنهج في سوريا، لكن التمرين الأول في الكتاب ذاك الذي تدونه الشخصيّة المتخيلة نازفانوف، لا يحدث على الخشبة، بل في المنزل، بصورة أدق في ممر بيت نزفانوف، الذي وقف أمام المرآة بعد سعادته بمقاربته لدور عطيل وقال: “اكشفت في هيئتي عن زوايا حادة وخطوط بشعة لم أكن أعهدها في نفسي سابقاً، وبسبب من خيبة الأمل هذه، خمد نشاطي كله على الفور”.
لحظة التحديق في المرآة هذه والتي تدون “مختزلة” في الكتاب هي بداية البحث في فن التمثيل، مفادها أن ترى خصائصك ومكونات “الأنا” الخاصة بك، لتبحث عبرها عن الشخصيات التي تريد لعبها، والأهم في ذلك، اختبار القدرة على التخلّي أو تعديل هذه “الأنا” بوعي تام بـ”أنا” شخصية أخرى.
هذا التحديق بالمرآة هو الخطوة الأولى من أجل الانتقال من الـ”أنا” إلى “الآخر/ الشخصيّة”، واكتشاف أن “الأنا” نفسها، تلك الجديّة والواقعية، ليست سوى بناء مُتخيل ورمزي، مشابه لذاك الذي تمتلكه الشخصية، وإن لم تتم مساءلة هذه الأدائيّة التي تكون الذات، ينتهي الأمر بالممثل كحالة نازفانوف، الذي وجد نفسه مُستغرباً حين كان على الخشبة من تكراره الأشياء القديمة والصور المبتذلة ذاتها العالقة في دماغه عن شخصيّة عطيل التي يفترض أن يؤدّيها.
لا نحاول أن نقدم درساً في التمثيل، لكن نفكر في هذه التصريحات للإشارة إلى العلاقة بين خشبة اللعب المتخيّلة، وخشبة الحياة الواقعيّة المسيّسة، والقوى التي تتحرك بينهما، خصوصاً تلك التي تؤثر في الممثل نفسه وقدرته على المخاطرة ودفع ذاته إلى أماكن تَصنُع حرفيته والأهم، فنّه. وهذا ما نقرأه في رواية “كُنت كليوبترا” لـدينيس أبرامز، التي يخبرنا فيها عن المراهق جون رايس، ذو الـ13 سنة، والذي كان صبياً يلعب أدوار النساء في مسرحيات شيكسبير. إذ نكتشف في الرواية كيف تمكن من أداء كليوبترا، وديزدمونة، وجولييت، وأوفيليا أمام الجمهور وأمام الملك جون الأول.
هذه الأدوار تختلف كلياً عن حقيقة جون، إذ (ينسلخ) كليّاً عن أناه ويعيد بناء شخصية جديدة تختلف عنه للأقصى، لن نخوض في السياسات الجندريّة وراء ذلك، لكن نشير إلى لحظة كان جون يؤدّي فيها دور ديزدمونة في مسرحيّة عطيل، حينها قارب عمره الـ17، وأثناء لفظه جملتين فقط، اخشوشن صوته واشتد، وتحول من امرأة متخيّلة إلى رجل حقيقي، هنا علم رايس أن نهاية مسيرته الفنية اقتربت، إذ ظهر جزء بسيط من “ذاته” في الدور “المتخيّل”، ولم ينتبه إليه أحد سواه.
اللحظة التي اختبرها جون نتاج تغير بيولوجي طبيعي لا يمكن الوقوف بوجهه وهي ما منعته عن متابعة التمثيل، بعكس الحجج العنصرية التي ساقها جوان بأنه لا يقبل وجود المثليين بالتالي لا يستطيع لعب أدوارهم، أي هو غير قادر حتى على التفكير في الموضوع، وكأنه حينما حدّق في المرآة للمرة الأولى، لم يجد أي عيب أو شيء في ذاته بحاجة للمساءلة، بل كان جاهزاً للخشبة وما عليها من لعب.
هذا الحسم الذي نقرأه في كلام خضر يرتبط بموقف كامل من المثلية الجنسية والهويات الكويريّة، كما أنه يهدد فن التمثيل نفسه، وقدرته على مساءلة الأنا لإعادة فهم الهويات وتفكيك الصور النمطية المختلفة والأهم أسلوب استعراض الذات، وهنا نستعيد كلمة جوان المهينة “ربما يتعاطف معهم”، أي هناك احتمال بعدم التعاطف معهم.
قبل المتابعة لا بد من الإشارة إلى أن احتمال غياب التعاطف مع أحدهم، يعني أنه ارتكب ما لا يصفح عنه وما لا يمكن نسيانه، أي ارتكب ما يهدد إنسانيّة الإنسان، التي عادة تُصنف تحتها الجرائم ضد الإنسانيّة، لا اختلاف الميول الجنسية، وأن يقول ممثل إنه لا يستطيع التعاطف، أو هناك فرصة لعدم تعاطفه تدفعنا إلى التشكيك بقدرته ذاتها على التمثيل، خصوصاً في ظل منهج الواقعيّة النفسية الذي يدرّس في الأكاديميّة.
نشير إلى التعاطف هنا كي نستدعي لودفيك فيغنشتاين، فيلسوف لغويّ نمساويّ يذكر في كتابه Tractatus Logico-Philosophicus، إلى أن كل واحد منا يمتلك جدولاً خاصاً به للكلمات ومعانيها، هذا الجدول يتطور دوماً ويتغير كلما تعلمنا وجربنا أكثر، ويضيف أن سوء الفهم ينشأ من عدم تطابق معاني الكلمات لدى الأفراد، ونستطرد هنا لنقول، إن الممثل، يصنع جدولاً كهذا لأجل شخصياته التي يلعبها، وهو جدول يحدد العالم اللغوي الذي تتحرك فيه، وكيفية فهمها لذاتها وما حولها، هذا الجدول يتدخل في التعريفات ضمنه القوة السياسية والثقافيّة التي تشكل أحياناً ضوابط لما يمكن أن يقال جداً أو مزاحاً.
بحسب الفرضيّة السابقة، يأتي التعاطف من يقيننا باستحالة تطابق الجدول الذاتي الخاص بنا مع ذاك الذي يمتلكه “الآخر” أو الشخصيّة التي نحاول بناءها، هذه الاستحالة تكسبنا إنسانيتنا من جهة وتختبر قدرة الممثل على إتقان حرفته من جهة أخرى، كونها تعني القدرة على أن نصدق كلمات وجدول “الآخر” من دون التطابق مع تعريفاته، ما يولد عواطف وأحاسيس صادقة.
التعاطف هنا مغامرة فنية ورحلة في المجهول، أساسها قدرة الفرد أن يضع نفسه واعياً مكان شخص آخر بالرغم من استحالة تطابق التعريفات بينهما، وهنا يظهر ما يثير الاستغراب في كلمات خضر، هو يشكك بقدرته على التعاطف، أي قدرته على تعديل التعريفات التي يمتلكها، وفي حالة المثليين هذه التعريفات هي “مرضى نفسيين”، و”لا يشرع وجودهم بشكل طبيعي”.
أمام هذه الحجج التي تهدد تعاطف الممثل، نحن أمام إشكالية أخرى، خضر لا يرفض فقط النظر في جداول أولئك المختلفين، بل حتى في جدول المعاني الخاص به، فتحت كلمة مثلي في هذا الجدول المتخيل لدى خضر، هناك أحكام وتعريفات نابعة إما عن جهل، أي أن جوان يقتبس ما هو خاطئ وما سمعه من أماكن لا وقت لذكرها، أو عن خوف مرتبط بجدوله الرجولي نفسه، أو من البيئة التي بحسب رأيه “لا تقبل هكذا شخصيات”.
“اكشفت في هيئتي عن زوايا حادة وخطوط بشعة لم أكن أعهدها في نفسي سابقاً، وبسبب من خيبة الأمل هذه، خمد نشاطي كله على الفور”.
لكن أي بيئة يقصد خضر، البيئة المُحافظة ؟ الأسرة السوريّة؟ أو بيئته الخاصة؟ مثلاً، إن لعب هو دور “مريض نفسي” هل ستلصق به هذه “الصفة”، علماً أن المشاهدين يعلمون أنه يمثل؟ هناك استغباء في هذه التصريحات، كونها ترى في المشاهد ساذجاً يصدق ما يراه على الشاشة، من دون أن يطرح عليه أي سؤال، وهنا ننتقل إلى المنحى السياسي، فخصوصية صناعة المسلسلات في سوريا تتجاوز الترفيه نحو التأديب والتحديد. هي تقدم نماذج لو ادّعت الجرأة، تبقى نماذج تعكس أوجهاً مختلفة للطاعة والشكل القائم وأخلاقه، أما “منع” نماذج محددة من الظهور، فليس سوى جزء من سياسة إخفائها وممارسة العنف ضدها، وحرمان المشاهدين أنفسهم من مساءلتها وإعادة النظر في جداولهم الخاصة وتعريفاتهم.
لنعيد النظر مرة أخرى بالموضوع، الأسباب الذاتية من المفترض أن يكون الممثل هو الأكثر قدرة على تجاوزها، لماذا؟ بسبب تمرين المرآة السابق، وقدرة الممثل -نظرياً- على تطوير القدرة على التعاطف مع وعيه التام بأن ما يقدمه متخيلّ، لكن هذا الحسم تجاه هكذا نوع من الأدوار -إن لم نشكك باحتراف جوان خضر- ربما نابع من قوى سياسيّة وهمسات ورقابة مباشرة وغير مباشرة ترى أن هذه الفئة “مَريضة، لا يجوز وجودها في المجتمع بشكل طبيعيّ”، أي أنها فئة متخفيّة ومجرّمة لا يجوز لها أن تظهر على الشاشة سوى في سياق السخرية والتهريج، وهذه بالضبط الرسالة التي يريد النظام السوري ترسيخها، هناك أقلية جديدة متخفيّة، لا بد من الحذر منها وكبت أصواتها حتى في سياق المزاح واللاجد.
هنا يظهر أمامنا سؤال بلا إجابة، إن كانت القوى السياسية والثقافيّة قادرة إلى هذه الدرجة على التدخل في أسلوب التعاطف ورسم قنواته وتحديد “الشخصيات” التي تمكن تأديتها أو الامتناع عن ذلك، هل فعلاً كلّ من نراهم على الشاشات السوريّة يمارسون فنّ التمثيل؟ أم أن بينهم من “يزعبرون” فقط؟
ملاحظة: المزعبر أو المزعبراتي مهنة انتشرت في القرن التاسع عشر في بلاد الشام ودمشق، وهي تطلق على من يقوم بألعاب الخفة والتهريج في المقاهي.
درج