“المجلس الإسلامي السوري” يدخل على خط وضع رؤية للهوية الوطنية السورية/ عماد كركص
تعود “الهوية الوطنية” للدولة السورية المستقبلية، لتكون محط نقاش، بعد أن شكلت محط خلافات خلال الجولات الثلاث الماضية من أعمال اللجنة الدستورية، التي تهدف لصياغة دستور جديد للبلاد، بعد صراع اندلع قبل عشرة أعوام ولا يزال عصياً على الحل.
ورغم أن وفد النظام إلى اللجنة الدستورية أراد تعطيل عملها بطرح الهوية الوطنية لاستثمار الوقت، إلا أنه فتح الباب لاستشفاف رؤية المكونات السورية المختلفة حول هوية دولتهم مستقبلاً.
ويبرز هنا البيان المختصر الذي أصدره “المجلس الإسلامي السوري، والذي حمل عنوان “وثيقة الهوية السورية”، وطرح من خلاله رؤيته للهوية الوطنية السورية للدولة من خلال خمسة بنود أو نقاط حددت تلك الهوية وصبغة البلاد الثقافية ولغتها الرسمية وانعكاس ذلك على المكونات المختلفة للشعب السوري، متعدد الأعراق والطوائف.
وجاء في الوثيقة أنه مع “اكتمال عشرية الثورة السورية على النظام الطائفي المستبد ومع استمرار محاولاته في طمس هوية الشعب السوري الأصيلة، واغتيال حريته واستقلاله وكرامته، ومع محاولات البعض التشويش والتدليس والتلبيس على معالم الهوية السورية، فإن المجلس الإسلامي السوري يرى أن من واجبه أن يؤكد ضرورة الحفاظ على الهوية السورية”.
وأوضح المجلس في الوثيقة التأكيد على الحفاظ على الهوية السورية، من خلال ما اعتبرها خمسة أمور، تشير إلى أن “الإسلام هو دين غالبية الشعب السوري، وهو ثقافةٌ وحضارةٌ لجميع أبناء سورية”، وأن “سورية جزء لا يتجزأ من العالمين العربي والإسلامي”.
وحول اللغة أشار المجلس إلى “اللغة العربية هي اللغة السائدة والرسمية في سورية”، وفي ما يتعلق بثقافة الشعب السوري أكد أن “الثقافة والقيم الحضارية المعهودة في التاريخ السوري الممتد لقرون معرّفات أساسية من معرّفات الهوية السورية، وكذلك الطابع العمراني والاجتماعي”.
وتطرق المجلس إلى مكونات سورية المختلفة ضمن الأمور التي أوردها بالوثيقة وحقوقها بالمشاركة في الهوية السورية، بأن “المكوّنات التاريخية العديدة الموجودة في سورية والمتنوّعة في ثقافاتها ولغاتها وأديانها وانتماءاتها هي مكوّنات أصيلة، وحقوقها مصونة مضمونة، وحريّات الجميع مكفولة متناغمة مع الهوية السورية الأصيلة، ولا تعود عليها بالنقض”.
القوات الأميركية في سورية-دليل سليمان/فرانس برس
واقع فرض نفسه
“العربي الجديد” تواصلت مع “المجلس الإسلامي السوري” وسألت عن اختيار التوقيت لإصدار هذه الوثيقة، وأجاب مطيع البطين، عضو أمناء المجلس أن “المجلس لم يختر التوقيت، وإنما الواقع هو الذي يفرض نفسه، ومسألة الهوية مفتوحة للنقاش وبشكل واسع من قبل جميع المكونات والفئات، ووجدنا أن هناك غيابا لصوت في هذا الشأن يعبر عن الشريحة الأكثر بين السوريين، وعلى ذلك لم نجد بداً من تبيان رؤيتنا للهوية الوطنية”.
وعما إذا كان طرح رؤية إسلامية عروبية من خلال الوثيقة سيثير حفيظة المكونات الأخرى في البلاد، دينياً وعرقياً، أشار البطين إلى أنه “لو رجعنا للوثيقة، فسنجد أنه بخصوص الدين فقد أشرنا لنقطتين هامتين، الأولى أن غالبية السوريين لديهم انتماء للإسلام كدين، أما الثانية فتشير إلى أن بقية السوريين لديهم الإسلام ثقافة، كما أن جميع الأديان في سورية هي ثقافة لكل السوريين ونشترك بها جميعاً وقد أشرنا إليه في الوثيقة”، أما في ما يتعلق بالعروبة فقد أكد البطين أنه “لم يكن هناك منطلق قومي عصبي، لكننا أشرنا إلى العربية كلغة جامعة وثقافة ورابط بين جميع المكونات”.
ولا يعتقد البطين بأن يثير هذا الطرح حول الإسلام والعروبة حفيظة المكونات السورية الأخرى، لأن “الوثيقة تحدثت عن المكونات السورية بأرق ما يمكن الحديث عنه لشركاء الوطن”، بحسبه، مشيراً إلى أن “الوثيقة وصفتها بالمكونات الأصيلة ولها حقوقها بدرجة متساوية مع الجميع، ولا مبرر للمخاوف، فالوثيقة طرحت على أساس الإنصاف والتقدير والمشاركة لكل السوريين على اختلاف انتماءاتهم”.
وخلال اجتماعات اللجنة الدستورية، تمسك وفد النظام بالهوية العروبية للدولة، فيما لم تتبلور لدى مكونات المعارضة المشكلة لهيئة التفاوض رؤية واضحة حول الهوية، رغم ميل الغالبية لهوية مدنية بعيدة عن التطرق للعرق والدين، فيما تطالب شريحة معظم مكوناتها من قائمة المجتمع المدني بالهوية المدنية العلمانية للدولة المستقبلية.
وثيقة “متوازنة”
وبما أن المجلس الإسلامي يعد قريباً من الائتلاف، بشكل أو بآخر، نظراً لتشارك بعض أعضائه بعضويتهم في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، توجه “العربي الجديد” لعضو الهيئة السياسية بالائتلاف وعضو القائمة الموسعة لوفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية، عبد المجيد بركات بالسؤال عما إذا كانوا يتبنون طرح المجلس في وثيقته أو لديهم وجهة نظر أخرى حول الهوية السورية.
وأشار بركات إلى أن “المجلس الإسلامي السوري ليس من مكونات الائتلاف، وإنما تربطه علاقة جيدة مع معظم مؤسسات المعارضة، ولديه تأثير على الكثير من أطياف المعارضة وبإمكانه اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً من مؤسسات المعارضة الرسمية، التي تلزمها الضوابط وطبيعة تكوينها بمواقف معينة قد تكون أقل وضوحاً، لكونها تراعي بشكل كبير كافة مكونات المعارضة”.
لكن بركات ينظر إلى الوثيقة على أنها “متوازنة إلى حد بعيد، برسم حدود وخارطة الهوية الوطنية السورية، وتتقاطع رؤية كثير من أطياف المعارضة مع رؤية المجلس في الوثيقة”، بيد أنه يرى أن “داخل المعارضة الرسمية هناك الكثير من الضوابط الرسمية التي تحد من قدرتها على اتخاذ مواقف واضحة في ما يتعلق بهوية الدولة وشكلها ودينها وثقافتها والكثير من القضايا الخلافية، والتي هي الآن جوهر النقاشات في اللجنة الدستورية”.
العربي الجديد