عن خليل معتوق: أيقونة الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا/ علي العبدالله
عن خليل معتوق: أيقونة الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا/ علي العبدالله
“يستحق الأستاذ خليل معتوق؛ بما قدمه من جهد في سبيل حريّة المعتقلين وما بذله لأجل نشاط حقوقي قانوني مهني ومنسق، أن يبقى في الذاكرة وأن تبقى قضيته على جدول أعمال المعارضة، أفرادًا وجماعات، وأن تستمر حملات التذكير به والمطالبة بالكشف عن مصيره وإطلاق سراحه”، هذا ما يقوله صديقه الكاتب والمعتقل السياسي السابق علي العبدالله، الذي يسرد لنا في هذا المقال محطات وشذرات من حياة خليل معتوق كان شاهدًا عليها.
لم أعد أذكر متى وأين التقيت بالأستاذ خليل معتوق للمرة الأولى، لكنني أذكر أنّه قد أصبح صديقًا عزيزًا قريبًا إلى نفسي حيث لم أعد أطيق فراقه طويلًا لذا كنت أسعى إلى لقائه بين الفينة والأخرى؛ أتصل به، أسأله عن حاله عن صحته التي حدّت من حركته لضعفٍ في عمل الرئتين بسبب تليّف في مراحل متقدمة. أطلب منه موعدًا، نتفق أمام المحكمة أو أمام مرآب سيارات حتى ننطلق سويًا إلى الوجهة التي تناسبنا، في الغالب “مقهى الحجاز” حيث الفُسحة السماويّة التي تسمح بتحرك الهواء وتجدّده كي لا تضغط روائح المعسّل والعجمي وروائح السجائر من كلّ صنف ولون على صدره المتعب. في أغلب المرات أكون الواصل الأول. أنتظره، أراقب الساعة، تأخر، هل من مشكلة؟ أبدأ بالاتصال بالهاتف، “وينك يا زلمي وين صرت؟” يرد “زحمة سير جاي دقائق وأكون عندك”.
تتفتت الدقائق، تتفلت من بين أيدينا، لم يصل بعد، ليس مرور الوقت ما يقلقني بل خوفي عليه وشوقي لابتسامته وللقبلة على الخد نطبعها لبعضنا. وصل، لم يكن وحيدًا معه شخص طويل الشعر أشيَبُه، الابتسامة الصغيرة، القبلة السريعة والتعارف: محمد ظاظا صديق وجار تطوّع لقيادة السيارة من البيت إلى وسط البلد. أهلًا أخي محمد، جهودكم مشكورة، “خليل بيستاهل تضامننا كلّنا لأنّو إلو سنين عم يتضامن مع كلّ المعتقلين دون تمييز أو فرز”. شاي، قهوة، زهورات ويبدأ الحديث، دعاوى المعتقلين، زيارتهم في السجن، وكالات، طلبات إخلاء سبيل، قضايا بالعشرات. يمضي الوقت، محمد ظاظا مستمع قليل الكلام، حضوره مريح، لا يُقحم نفسه في أحاديث ليس له صلة أو معرفة بها. يتحفز خليل للنهوض، “عندي حضور تحقيق”، “عندي سؤال عن إخلاء سبيل”، “عندي تنظيم وكالة”… مهمات لا تنتهي. انقطعت لقاءاتنا، اعتقل خليل، اعتقل الذي سعى لإطلاق آلاف المعتقلين، اعتقلت بسمته الرشيقة وضحكته المجلجلة، لسنوات لم ألمح طلته وابتسامته ولم يتلقَ خدي قبلته.
لم يكن الأستاذ خليل معتوق مجرّد محام يتنقل بين مكتبه والمحاكم بأنواعها، أمن الدولة، محكمة الجنايات، المحكمة العسكريّة، كما هو حال المحامين التقليديين، يقابل الموكّلين يعدّ الدفوع ويترافع أمام المحاكم؛ فقد أضاف إلى التزامه بالقانون واحترامه لسبل التقاضي النزيه تبنيه لقضايا المعتقلين السياسيين تجسيدًا لإيمانه بحق الشعب بالمطالبة بحقوقه الدستوريّة والقانونيّة وفي ممارسة حرياته العامة والخاصة وفي سيادة المساواة والعدالة الاجتماعيّة وحقه بالتعبير عن تطلعاته في حياة أفضل سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. قاده التزامه إلى الاستقالة من الحزب الشيوعي السوري لإيمانه بضرورة الفصل بين العمل الحقوقي والمواقف السياسية والخلفيات العقائديّة؛ وليتحرر من القيود الحزبيّة والتحرك بوحي قناعاته الشخصيّة دفاعًا عن معتقلي الرأي والضمير، وإلى الانخراط في أطر حقوقيّة، هدفها تبادل الخبرات وتعزيزها وحشد الطاقات وتنسيق العمل وتوزيع الأدوار، ولجهوده وخبراته احتل موقع الرئاسة في هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير وفي المركز السوريّ للدفاعِ عن سجناء الرأي، ومدير المركزِ السوري للدراسات والبحوث القانونيّة. وهذا أهّله كي تمنحه منظمة “محامون من أجل المحامين” الهولنديّة، وهو في معتقله، جائزة المركز الثاني تقديرًا لما قام به طوال عقدين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
أمضى الأستاذ خليل عشرين عامًا من حياته المهنيّة في القيام بمهمة خطرة وحساسة: الدفاع عن المعتقلين السياسيين في مناخ غير دستوري أو قانوني حيث حالة الطوارئ والأحكام العرفيّة المفروضة على البلد دون انقطاع منذ العام 1963؛ والتي أضعفت دور المحامي ووضعته تحت التهديد، كان القاضي في محكمة أمن الدولة، فايز النوري، يمنع المحامين من الكلام وقد حصل وطرد المحاميّة رزان زيتونة من قاعة المحكمة لأنّها كانت تترجم ما يقال لألمانيّة بجانبها ومنعها من الدخول وحرمها والتوكل للترافع أمامها، وما زاد حساسيتها تطوّع الأستاذ خليل للدفاع عن كلّ معتقل دون النظر في خلفيته السياسيّة، إسلامي، ديمقراطي، يساري، أو هويته القوميّة، عربي، كردي، سرياني، شركسي ..الخ. فقد دافع عن معتقلين من كلّ المحافظات والأوساط السياسيّة والعقائديّة من الناشطين الكرد في انتفاضة عام 2004، إلى معتقلي إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي عام 2007 مرورًا بمعتقلي إعلان دمشق بيروت، بيروت دمشق عام 2006، ومنهم ميشيل كيلو ومشعل تمو وأنور البني وعلي العبدالله وآخرون، وأفراد من خارج الأطر السياسيّة المعروفة مثل طل الملوحي، تلك الفتاة القاصر التي عاقبها النظام على آراء نشرتها بتلفيق تهمة التجسس لحساب دولة معاديّة وحكم عليها قضاؤه التابع بالحبس لمدة خمس سنوات ولم يخل سبيلها رغم انقضاء فترة محكوميتها، وعن شباب من قطنا والعتيبة والعبادة في ريف دمشق ومن محافظتي حماة وحلب تحمسوا للقتال ضد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، اعتقلهم النظام في سياق حساباته للتقرّب من الولايات المتحدة. لم يكتف بالتطوع للدفاع عن المعتقلين بل ودفع في أحيان كثيرة رسوم الوكالة لمعتقلين لا يملكون مالًا، شهد ذلك كاتب هذه السطور أمام محكمة أمن الدولة؛ سيئة الصيت؛ مرات عديدة. وهذا عرّضه لضغوط أمنيّة من قبل أجهزة المخابرات التي استدعته مرارًا لثنيه عن التطوع للدفاع عن المعتقلين ومنعته من السفر من عام 2005 حتى عام 2011.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011 زادت أعباؤه في ضوء تزايد عدد حالات الاعتقال والاختطاف من الشوارع حيث فتح مكتبه لأهالي المعتقلين والمفقودين في تحد مباشر للنظام وأجهزته القمعيّة، ظاهرة غير معهودة في الحياة العامة السوريّة، فقرر النظام إنهاء ظاهرته باعتقاله وإخفائه. وهذا دون أن ننسى ما قدمه من خدمات لمنظمات المجتمع المدني؛ خبرات وملاحظات ومسعى لتقريبها من بعضها وإقناعها بالتعاون والتنسيق الميداني لما فيه من تجميع للإمكانيات وتعظيم للفرص وتحقيق نتائج كبيرة بكلف ومدد زمنية معقولة.
الصورة من أرشيف علي العبدالله الشخصي وتُنشر في حكاية ما انحكت بإذن خاص منه.
التقطت هذه الصورة في منزل ميشيل كيلو في يوم الإفراج عن رياض الترك في السادس عشر من شهر تشرين الثاني من العام ٢٠٠٢
يظهر في الصورة من اليمين إلى اليسار معاذ حمور، رياض الترك، علي العبدالله (في الخلف)، ميشيل كيلو (جالسًا) وديعة كيلو، مي الرحبي، جاد الكريم جباعي، فايز سارة (في الخلف)، خليل معتوق
اختطف الأستاذ خليل وصديقه وجاره محمد ظاظا، الذي كان يقود السيارة في الذهاب والإياب، صباح يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2012، أثناء توجهه من منزله في صحنايا، إحدى ضواحي العاصمة دمشق، إلى مكتبه في العاصمة، دمشق، ولم يعرف عنهما أيّ خبر في ضوء إنكار أجهزة مخابرات النظام وجوده لديها أو معرفتها بما حلّ به، علما بأنّه قد اختفى على الطريق الواصل بين ضاحية صحنايا ومدينة دمشق حيث تنتشر حواجز قوات النظام وميليشياته، وقد ترتب على إنكارها عدم تقديم أي معلومة عن مكان اعتقاله أو عن حالته الصحيّة أو السماح لأسرته الصغيرة، زوجه وابنهما مجد وابنتهما رنيم، بزيارته، أو تقديمه للمحكمة. ومن يومها، أيّ منذ ثماني سنوات ونيف، وأسرته وأهله وأصدقائه يتسقطون أخباره من الخارجين من أقبيّة المخابرات ومراكز اعتقالها علّهم يعرفون خبرًا عن مكان اعتقاله وعن حالته الصحيّة، وقد أكد معتقلون مفرج عنهم وجوده في أحد فروع المخابرات.
اختطاف الأستاذ خليل وإخفاؤه طوال هذه الفترة يعيدنا إلى عمليات خطف وإخفاء كثيرة طالت مئات الآلاف من المتظاهرين الذين تدفقوا إلى الشوارع في كل المحافظات السوريّة ليعبروا عن موقفهم من نظام الاستبداد والفساد ويطالبوا بحقوقهم في الحريّة والكرامة ونصيبهم في الثروة والقرار الوطني، كما تمّ اختطاف قيادات سياسيّة معارضة، عبدالعزيز الخير فايق المير رجاء الناصر وآخرون، كما يعيدنا إلى النضال المرير الذي بذله الأستاذ خليل وعشرات المحامين الشجعان من أجل حريّة المعتقلين وحقهم في محاكمة نزيهة وقانونية وكشف التجاوزات والانتهاكات وما يدور في قاعات المحاكم أمام الرأي العام المحلي والدولي، المحاكم التي لا تلتفت للأدلة والقرائن؛ تدار بأجهزة التحكّم عن بعد؛ تصدر أحكامًا بتعليمات من أجهزة المخابرات؛ وتلاعب المنظمات الدوليّة عبر ترتيب عمليات تقاضى أمام محكمة أمن الدولة والجنايات والعسكريّة بحضور مراقبين من السفارات الغربية لأفراد من المعارضين السياسيين ولعشرات الجهاديين حتى تعطي انطباعًا للمراقبين أنّ الدولة مستهدفة من الجماعات الإرهابيّة وأن انتقادهم لها ومعاقبتها على خلفية انتهاكها لحقوق الإنسان بحق ناشطين قلائل يضعفها أمام هؤلاء الجهاديين ويدفعها للسقوط في أيديهم ويجعلها عرضة للتحول إلى أفغانستان ثانية.
يستحق الأستاذ خليل معتوق؛ بما قدمه من جهد في سبيل حريّة المعتقلين وما بذله لأجل نشاط حقوقي قانوني مهني ومنسق، أن يبقى في الذاكرة وأن تبقى قضيته على جدول أعمال المعارضة، أفرادًا وجماعات، وأن تستمر حملات التذكير به والمطالبة بالكشف عن مصيره وإطلاق سراحه.
خليل معتوق… يجب أن يكرّم لا أن يُعتقل: “يمثّل ضمير كل سوريّة وسوري”/ ميشال شماس
ضمن ملفنا عن المحامي المعتقل “خليل معتوق”، يكتب زميله ورفيق دربه المحامي ميشيل شماس عن خليل معتوق الإنسان وعن خليل معتوق المحامي والناشط الحقوقي، متحدثًا عن اللحظة الأولى التي تعرّف فيها عليه ثم اللحظة التي عرّفه فيها على عمله الحقوقي ثم اللحظات المفصلية في تاريخ سوريا والتي كانا شاهدين وفاعلين فيها.
ثمانية أعوام مضت على اعتقال صديقي وأستاذي دون أن يبرح مخيلتي، يأتيني في المنام بين ليلة وأخرى، يحدثني، يناقشني في قضايا المعتقلين… ثماني سنوات مضت ومازال “خليل” حاضراً بقوة، وكأن اعتقاله حدث للتو، لم أستطع أن أنساه حتى ولو ليوم واحد، كيف لي أن أنساه؟ وهو الذي فتح لي قلبه قبل مكتبه، وألحّ عليّ وشجعني لأكون محامياً مثله، وساعدني خلال فترة التدريب في مكتبه، ولم يبخل عليّ بعلمه وخبرته، كان يُعاملني كشريك له، وعندما نلتُ لقب أستاذ في المحاماة، لم أستطع الفكاك عنه، فبقيت في مكتبه، وتقاسمنا معاً العمل في المكتب.
كان له الفضل في انخراطي بقضايا الدفاع عن حقوق الانسان وحرياته حتى قبل أن أتدرب في مكتبه بسنوات عديدة، حدث ذلك على ما أذكر في إحدى ليالي صيف 1992 عندما طلبَ منّي أن أرافقه إلى مكتبه القريب من ساحة الشهبندر بدمشق لكتابة مذكرة دفاع عن عشرة معتقلين اتهموا بتشكيل “لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا”، كان يتلو عليّ نص المذكرة، وأنا أخطها حرفاً حرفاً، وكلمة كلمة، على آلة كاتبة يدوية صغيرة، وأصابعي ترتجف من الخوف مع كلّ كلمة كنتُ أخطها لما فيها من جرأة غير معهودة لم يسبق لي سماعها أو قراءتها، ومع الوقت تلاشى الخوف رويداً رويداً، واندمجت كلياً في روح تلك المذكرة التي فتحت عيوني وعقلي على ما يعانيه أصحاب الرأي الحر والكلمة الحرة في سجون الأسد الأب.
وبعد انتقال مكتبه إلى “حيّ الدويلعة” القريب من باب شرقي، بدأت أتردّد إلى مكتبه يومياً بحكم قربه لمكان سكني الذي لم يكن يبعد أكثر من ثلاثين متراً، وخلال زيارتي المتكرّرة لمكتبه كان “خليل” يُطلعني على بعض قضايا معتقلي الرأي والضمير التي كان يتولىّ الدفاع عنهم أمام محكمة أمن الدولة العليا سيئة الصيت، حيث لفت انتباهي ذلك العدد الكبير من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير الذين كان يدافع عنهم: معتقلات ومعتقلين سوريين/ات ينتمون/ينتمين إلى مختلف التيارات السياسية والإثنية، عرباً وأكراداً وأرمن وأشوريين/يات، مسيحيون/يات ومسلمون/ات، شيوعيين/ات وناصريين/ات وإسلاميين/ات وبعثيين/ات ونشطاء/ ناشطات حقوق إنسان، ومن جنسيات عربية فلسطينية ولبنانية وأردنية وعراقية..
بعد موت حافظ الأسد وتوريث ابنه كرسي الحكم في عام 2001، انتشرت المنتديات السياسية في مختلف المحافظات السورية فيما بات يُعرف “بربيع دمشق”، كان أبرزها في دمشق “منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي”، ومنتدى الحوار الوطني للنائب السابق رياض سيف و”مركز حقوق الإنسان” الذي أنشأه الأستاذ خليل معتوق في منزله. هذا الأمر لم يرق للسلطة الحاكمة التي أمرت إغلاقها جميعاً باستثناء منتدى “جمال الأتاسي” الذي أغلق في العام 2005. وترافقت عملية إغلاق المنتديات بشن حملة اعتقالات غير مسبوقة طالت أبرز نشطاء المجتمع المدني ومنهم الدكتور عارف دليلة والأستاذ حبيب عيسى وفواز تللو، وتمت إحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا التي أصدرت أحكاماً قاسية بحقهم، وقد تولىّ الدفاع عنهم ثلّة من المحامين والمحاميات، وفي مقدمتهم كان المحامون خليل معتوق وأنور البني وحسن عبد العظيم وهيثم المالح والمرحوم بهاء الركاض وإبراهيم ملكي ورزان زيتونة وفيصل بدر وأيضاً كاتب هذه السطور.
بعيدا عن العمل السياسي
في هذا الوقت أعلن الأستاذ خليل معتوق انسحابه من الحزب الشيوعي واعتزاله العمل السياسي نهائياً وتفرّغه تماماً للدفاع عن حقوق الإنسان بعيداً عن أي عمل سياسي، حيث كان يشعر أنّ اشتغاله بالسياسة سوف يضعف من حماسته في الدفاع عن حقوق الإنسان السوري، وبالتالي سيضعف من استقلالية موقفه، وأذكر ما قاله حينها في تبرير قراره: “إن العمل في مجال حقوق الإنسان يجب أن يكون منزّهاً عن أي ميل أو هوى في السياسة لأي اتجاه كان”. وقد لاقى موقفه هذا ترحيباً من نشطاء حقوق الانسان داخل سوريا وخارجها، لأنّ من شأن ذلك، أن يعزّز من صدقية عمل المدافعين عن حقوق الإنسان في سوريا ويدعم موقفهم ويمنحهم القوة أيضاً.
ولم يتأخر “خليل معتوق” بالتعاون مع زملائه المحامين للدفاع عن مجموعة معتقلي إعلان دمشق بيروت- بيروت دمشق، وفي مقدمهم المحامي الأستاذ أنور البني وميشيل كيلو ومحمود عيسى وحسين خليل وسليمان الشمر، هذا الإعلان الذي دعا إلى إعادة تصحيح العلاقات بين سوريا ولبنان. وبينما نحن منشغلون بالدفاع عنهم، شنّت المخابرات السورية حملة اعتقالات واسعة طالت عدداً كبيراً من قيادة التجمع الوطني لإعلان دمشق إثر اجتماع عقدوه في دمشق، من بينهم د. وليد البني، محمد حجي درويش، أكرم البني، رياض سيف، فايز سارة، د. طلال أبو دان، علي العبد الله، مروان العش ياسر تيسير العيتي، جبر الشوفي، أحمد صالح الخضر، الشهيد مشعل تمو… وأذكر أن الأستاذ خليل معتوق بذل حينها جهوداً مضنية لتنظيم عملية الدفاع عنهم مع عدد كبير من المحامين/ات الذين تطوعوا/ن للدفاع عنهم من مختلف المحافظات السورية.
الثورة والاعتقال
ومع بداية الثورة السورية في أذار 2011 ازدادت الضغوط على هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير نتيجة اشتداد الحملات الأمنية التي طالت المئات من السوريات والسوريين الذين كان يتم اعتقالهم يومياً على خلفية التظاهرات والاعتصامات التي كانت تشهدها البلاد. ورغم المرض الذي ألمّ بالأستاذ خليل معتوق، إلا أنّ ذلك لم يمنعه من متابعة جهوده بالدفاع عن المعتقلين مع زملائه، واستمرّ الأمر على هذه الحال حتى تاريخ 2/10/2012، عندما فوجئنا بخبر اعتقاله مع صديقه، محمد ظاظا، بعد خروجه من منزله بصحنايا باتجاه مكتبه في حي البرامكة بدمشق، ليتحوّل من مدافع عن المعتقلين إلى معتقل يحتاج إلى من يدافع عنه.
إن الحديث عن اعتقال صديقي وأستاذي المحامي خليل معتوق لا ينفصل أبداً عن المأساة السورية المتواصلة على امتداد الأراضي السورية المستمرة منذ أن اغتصب عسكريو البعث الحكم في سوريا، هذه المأساة التي وصلت خلال حكم الديكتاتور بشار الأسد إلى مستويات مرعبة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. كما لا ينفصل الحديث عن مأساة عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون الأسد الذين سعى “خليل” نفسه وبرغم مرضه للدفاع عنهم بكل قوة حتى لحظة اعتقاله.
خليل معتوق هذا المحامي الإنسان، أصبح اليوم يمثّل ضمير كل سوريّة وسوري وكل إنسان يتطلع نحو الكرامة والحرية، هذا الإنسان الذي انحاز منذ نعومة أظفاره للدفاع عن المظلومين والمضطهدين. إنه بحق “أيقونة الحق والشجاعة في مهنة المحاماة والدفاع عن حقوق المظلومين”، كما وصفته الكاتبة الدكتورة هيفاء بيطار في إحدى مقالاتها.
لقد سعينا وما زلنا نسعى جهدنا لمعرفة مكان اعتقاله ورفيقه أو على الأقل معرفة ظروف وأسباب اعتقالهما دون جدوى في ظلّ إصرار الأسد التكتم على مسألة اعتقالهما ورفض الإفصاح عن أيّة معلومة عنهما كما هو حال عشرات الآلاف من السوريين والسوريات الذين يرزحون في أقبية وزنازين المخابرات السورية، في الوقت الذي لم يجد فيه نظام الأسد أي حرجٍ في إطلاق سراح من أجرم بحق الشعب السوري!!
إن قضية المعتقلين والمختفين قسرياً في سجون الطاغية بشار الأسد والميلشيات المسلحة هي الأشد إيلاماً في المأساة السورية، ويجب ألا تغيب عن بالنا واهتمامنا كأولوية في مسار حل القضية السورية ككل.
ويجب ألا نكفّ عن حملات المناصرة والضغط حتى إطلاق سراحهم جميعاً، وأنّ نملأ الدنيا صراخًا لأجلهم، فهم الذين دفعوا ومازالوا يدفعون في كل لحظة، أثماناً باهظة من حريتهم لكي ننعم بالحرّية ومن حياتهم لكي نحيا. ولا يجب أن يتوقف صراخنا حتى تتحرّر كل المعتقلات والمعتقلين ويتحرّر معهم كل السوريات والسوريين من جحيم الأسد والميلشيات المسلحة.
حكاية ما انحكت