أنس العبدة:ننتظر مراجعة دولية لآليات تطبيق القرار 2254
عقيل حسين
اعتبر رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة أنس العبدة أن الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية كشفت للعالم عدم جدية النظام في الحل الدبلوماسي، وأن أهم ما نتج عن هذه الجولة أن المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن أكد في ختامها أنه لا يمكن للمسار الدستوري أن يستمر بشكله الحالي، ما يمكن أن يقود لإقتناع دولي بإعادة النظر في آليات تطبيق قرار مجلس الأمن 2254.
وتطرق العبدة في حديث خاص ل”المدن”، إلى الخلافات داخل الهيئة التي بلغت مؤخراً حد مطالبة بعض مكوناتها وزراء خارجية العديد من الدول التدخل لحلّها، مقلّلاً من خطورة هذه الخلافات، وقال إن قوى المعارضة الممثلة في الهيئة قادرة على حل المشكلات القائمة من دون تدخل خارجي، كما أشار إلى أن ضم تكتلات جديدة إليها، بما في ذلك ممثلين عن مجلس الإدارة الذاتية (مسد)، أمر ممكن لكن وفق شروط.
-كيف تقيمون الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية بشكل عام، وأداء وفد الهيئة بشكل خاص؟
نحن قلنا قبل الجولة إنها جولة مفصلية وحاسمة، ونتائجها دليل ذلك، لأنها كشفت للعالم ما كنّا نقوله، وهو أن النظام غير جدّي أبدًا في العمل من أجل رفع معاناة الشعب السوري، وأودّ أن أوضح هنا أن فريقنا استمر في مشاركته في هذا المسار رغم كل المعوقات من أجل تحقيق هدفين: الأول هو التأكيد على أننا لن نألو جهداً في المشاركة الجدّية في أي مسار سياسي من شأنه أن يحقق مطالبنا كسوريين، ويرفع المعاناة عن أهلنا في سوريا وخارجها، والثاني وضع العالم أجمع، والأمم المتحدة تحديداً، أمام الحقيقة التي نعلمها كسوريين جميعاً وهي أن النظام لا يريد العمل بجدّية، وسيُفشل أي مساعٍ أممية لرفع معاناة السوريين.
الأمر الجيد أننا حققنا تقدماً في هذا الخصوص، لأن المبعوث الأممي أكد في مؤتمره الصحافي بعد انتهاء الجولة أنه لا يمكن الاستمرار في هذا المسار بشكله الحالي، وهذا ما أردناه، لأن ذلك التأكيد الأممي سيقود إلى قناعة دولية بضرورة إعادة النظر من جديد في آلية وطريقة تطبيق القرار الأممي 2254.
وفد هيئة التفاوض يشارك بجديّة تامّة، ويُحضّر جميع أوراقه، ومقترحاته ويبذل بكل الجهود الممكنة، وهذا حقّ أهلنا السوريين علينا لأنهم ينتظرون مثلنا بفارغ الصبر تحقيق مطالب ثورتنا العظيمة.
-بعد استمرار وفد النظام بهذا الأداء، هناك مطالبات بأن تتخذ الهيئة موقفاً حازماً من المسار الدستوري إلى حد الانسحاب أو تعليق المشاركة.. ما مدى واقعية هذه المطالب برأيكم ولماذا؟
أنا قلتها بشكل واضح للأمم المتحدة قبل الجولة، وأيضاً خلال اجتماعي مع ممثلي الاتحاد الأوروبي، إن استمرار مسار عمل اللجنة الدستورية وفق شكله الحالي هو أمر غير ممكن، وإن قبولنا الدخول في هذا المسار لم يكن ليتجاوز ضرورة تفعيل بقية السلال في القرار الأممي 2254، وأهمها سلّة الحكم الانتقالي، إذ لا فائدة كبيرة تُرتجى من العمل على الدستور من دون أن يتزامن ذلك مع العمل على مسار الحكم الانتقالي وهو عصب القرار.
الشعب السوري يتضور جوعاً، والمدنيون في المخيمات يعانون البرد والحاجة الماسة للدعم، والمعتقلون يعانون في السجون، والسوريون يكابدون للحصول على رغيف الخبز، ورغم ذلك يتعامل النظام مع اجتماعات اللجنة على أنها جلسات عصف ذهني سياسي، وهي الأكثر تكلفة في التاريخ، ووفق هذا المنطق على الأمم المتحدة ومجلس الأمن أن يُعيدوا النظر في طبيعة عمل هذا المسار.
-ما هي الخيارات الأخرى التي يمكن أن تلجؤوا إليها؟
نحن ننتظر من المبعوث الأممي أن يكون واضحاً وصريحاً في إحاطته أمام مجلس الأمن بعد أيام، وأن يُعلن بكل شفافية حقيقة تعطيل النظام لهذا المسار، ووضع مجلس الأمن والأمين العام أمام مسؤولياتهم العاجلة من أجل دفع العملية السياسية قُدماً، والضغط من أجل تنفيذ بنود القرار 2254 كافة، وليس فقط الحضور الفارغ من المعنى إلى اجتماعات اللجنة الدستورية، لأن استمرار هذه الحالة سيُهدد القرار الأممي والعملية السياسية برمتها، ومجلس الأمن اليوم مُطالب باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لدفع العملية.
-كيف تنظرون إلى انسحاب أحد أعضاء وفد الهيئة من اللجنة، خاصة وأن هناك معلومات عن أن أعضاء آخرين كانوا بصدد اتخاذ مثل هذا القرار؟
رغم أنه مؤسف لنا أن نخسر وجود أحد زملائنا في اللجنة، لكن من الضروري التأكيد على حقّ أي عضو في اللجنة الدستورية في الاستقالة من اللجنة، سواء المصغّرة أو الموسعة، لكن انسحاب أحد أعضاء اللجنة لا يعني بطبيعة الحال انسحاب المُكوّن الذي رشّحه ليكون عضواً في اللجنة. نحن نتفهم حالة الغضب المُحق لدى زملائنا في الوفد من تعنّت النظام وإصراره على إضاعة الوقت.
-أيضاً كانت هناك مطالب بإعادة النظر بوفد الهيئة من بعض أعضاء الوفد الموسع.. ما هو تعليقكم على ذلك؟
إن مرجعيّة وفد اللجنة الدستورية هي هيئة التفاوض السورية، وعمل الأعضاء على اختلاف مكوناتهم مرتبط باستراتيجية وخطط الهيئة، ولها الحق في إعادة النظر في عضوية أي ممثل، وهذا حصل في وقت سابق. كما أنه في حال قرّر أي مكون في الهيئة استبدال أحد ممثليه، يمكن للمكون أن يقوم بتقديم الطلب للهيئة ليُصار إلى دراسته من قبلها، والتصويت على قبول الممثل الجديد.
-ما هو موقفكم من الرسالة التي وجهها بعض أعضاء الهيئة إلى وزراء خارجية مصر والسعودية وروسيا، بالإضافة إلى المبعوث الدولي، احتجاجاً على قرارت اتخذت مؤخراً، وكذلك على ما يقولون إنه هيمنة الائتلاف على الهيئة أيضاً؟
إن أي مؤسسة سياسية يمكن أن يكون فيها خلافات داخلية من هذا النوع أو غيره، ولم ننظر يوماً إلى هذا الخلاف على أنه قد يؤدي إلى انهيار أو توقف عمل هيئة التفاوض السورية، ومشاركة وتعاون المكونات في مسار اللجنة الدستورية، ولجان الهيئة (بما فيها لجنة المعتقلين، ولجنة الانتخابات)، خير دليل على أن مكونات الهيئة تنظر إلى الخلاف من زاوية مخالفة لما يتم الترويج له.
نحن في هيئة التفاوض نتعاون ومُصرّون على حلّ هذا الخلاف، ولا نطلب أو ننتظر من أي طرف خارجي التدخل لحلّ الخلاف، لأننا كسوريين قادرون على حل هذا الإشكال التنظيمي الداخلي، وهي مسؤولية وطنية تتعدى الأجندات الضيّقة، وقد قمت بطرح مشروع حل يعتمد ويكرس التوافق كمنهجية عمل، ويُبعد أي شبهة هيمنة لأي طرف كان، وفيه من المرونة ما يسمح بالاستفادة من كافة الكوادر والخبرات دونما إقصاء أو تهميش.
-لماذا لم تتمكنوا حتى اليوم من انجاز انتخابات بقية مكاتب الهيئة ،الأمر الذي قد يفضي إلى حل أهم ملفات الخلاف؟
إن تأخر انتخابات بقية المكاتب في الهيئة هو أمر طبيعي، باعتبار أن أعيننا جميعاً مُوجّهة إلى حل الخلاف الداخلي الأساسي، لأننا حريصون على مشاركة كافة مكونات الهيئة في المواقع القيادية ولن نقبل بإقصاء أي مكون فيها، كما أن الزملاء المسؤولين عن المكاتب مستمرون في إدارتها، وهم لهم تاريخ وجهد يُثنى عليه في حسن إدارتهم لهذه المكاتب، وسنجري الانتخابات لباقي المواقع القيادية فور الوصول إلى حلّ للخلاف، وهو قريب.
-كيف تنظرون إلى الرد السعودي على تلك الرسالة، بما في ذلك تعليق عمل مكتب الهيئة في الرياض ووقف التمويل؟
أود أن أؤكد على أن دور المملكة العربية السعودية هو دور رئيسي في العمل العربي المطلوب والفاعل، ودعمها لثورة الشعب السوري لم يتوقف، ونحن نعوّل كثيراً على الدور العربي في الضغط من أجل رفع معاناة الشعب السوري وتحقيق مطالب ثورته.
تسلّمنا رسالة الخارجية السعودية، والتي تستوضح منّا عن عدد من القضايا التنظيمية ولدينا اجتماع دوري لهيئة التفاوض السورية بعد أيام، وسنُحيط الأخوة الكرام في الخارجية السعودية بالتفاصيل.
-هناك مساعي من قبل أطراف في منصة القاهرة وهيئة التنسيق لتشكيل جسم معارض جديد بالتحالف مع قسد ومنصة موسكو.. كيف تقرؤون هذه الخطوة؟
في الحقيقة لا معلومات لديّ حول هذه المساعي، ولم يقم أحد من زملائنا في هيئة التنسيق الوطنية ومنصتي القاهرة وموسكو بذكر هذا الموضوع لنا في الهيئة، لذلك لا أستطيع الإجابة عن سؤال دون أن تكون لدي معلومات عنه أو دون أن يكون هناك حديث معنا حوله من قبل الزملاء في هذه المكونات.
-لماذا لا يزال مطلب الإدارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي بالانضمام إلى هيئة التفاوض مرفوضاً من قبل كتلة الائتلاف بشكل خاص، وألا تعتقدون أن ضمها بناء على تفاهمات محددة يقطع الطريق على مثل تلك المساعي ويقوي من موقف الهيئة؟
أريد التأكيد على أمر في غاية الأهمية، وهو أن موضوع دخول “مسد” إلى هيئة التفاوض لم يُطرح في الهيئة بشكل رسمي. وأؤكد على أن فكرة انضمام “مسد” إلى هيئة التفاوض لا علاقة لها بفكرة التمثيل الكردي في الهيئة، لأن الأخوة الأكراد لهم وجودهم الفاعل في الهيئة من خلال المجلس الوطني الكردي. وثورتنا السورية أحد أهدافها إنهاء التمييز القائم على العرق أو الدين أو القومية أو النوع الاجتماعي. العرب والأكراد والسريان والآشوريون هم سوريون، ولا فرق بينهم، وكل من يحاول التفريق بينهم والتمييز بينهم لم يفهم روح ثورتنا السورية بعد.
أقول أيضاً، إن وجود “مسد” كأحد مكونات هيئة التفاوض أمر يمكن بحثه بعد أن تتخلّى عن ارتباطاتها بحزب العمال الكردستاني، وتُخرج عناصر الكردستاني الأجانب من سوريا، وتلتزم بوحدة سوريا جغرافيا، وأهداف الثورة السورية، وتتخلى عن أي مخططات لتشكيل إدارة ذاتية بها أو أجندات انفصالية.
-هناك مساعٍ من قبل أعضاء سابقين في الائتلاف ومعارضين وثوار مستقلين لتأسيس أجسام سياسية جديدة.. كيف ترون ذلك؟
هو أمر إيجابي، إن صحّ هذا الحديث عن هذه الجهود، لأن التعدد وحرية العمل السياسي هو أحد أهداف ثورتنا السورية العظيمة، ولا يحقّ لي أو لأي أحد من السوريين رفض أو انتقاد مثل هذه الحالة الصحيّة. وأريد التأكيد على أن تنوع الرؤى السياسية والتعدد الحزبي هو دليل على أثر الثورة السورية في تطوير الوعي السياسي لدى السوريين أكثر، وهذا يؤسس لمستقبل سوري واعٍ يؤمن بالتعددية بأشكالها كافة، بما فيها حرية العمل السياسي والتعددية في هذا المضمار، وهذا أيضاً أمر سيُثري تجربة المعارضة السورية ويُعطي رسالة إلى العالم أجمع أن الشعب يرى في ذلك مستقبله الحرّ الذي لطالما طالب به.
-لماذا لا تعمل الهيئة على التواصل والتعاون مع هذه الشخصيات التي هي خارج القوى والأجسام السياسية المعارضة القائمة حالياً؟
نحن في هيئة التفاوض السورية لدينا تعاون ونتواصل مع كثير من المؤسسات والشخصيات السورية المعارضة، ومنظمات حقوقية وإنسانية، ونسعى دوماً إلى التعاون مع أي شخصية سورية معارضة، عَمَلُنا وتعاوُننا معهم هو واجب علينا.، فهيئة التفاوض هي مؤسسة لكل السوريين المؤمنين بالثورة السورية الذين كانوا في فريقها يوماً والذين لم يكونوا.
المدن