لماذا يتوجه الشباب العربي إلى “البودكاست”؟/ فراس حمية
يمكن الانطلاق في الحديث عن البودكاست/التدوين الصوتي، بإبداء تصور سريع حول المفهوم والتقنية. إذ يمكن اعتبار أن نقطة انطلاق مصطلح البودكاست كانت عام 2004 في مقال للصحفي “بين هامريسلي” نشره في صحيفة الغارديان البريطانية واعتبر فيه أن “سوق المدونات الصوتية له مستقبل واعد وهناك أهمية للتمازج بين الصوتي والويب”. وتطور البودكاست بعد البدايات المبكرة في 2004 مع انتشار أجهزة الـiPod عام 2007، ويعتبر البودكاست وسيلة حديثة نسبيًا لتناقل المعلومات. كما يوفر أسلوب البودكاست عدة مزايا تعليمية إضافة إلى دوره كأداة من أدوات التعبير عن الرأي بشكل تفاعلي مواكب للتطورات التكنولوجية، خاصة أن القيام بالتدوين الصوتي لا يعد من التقنيات المعقدة ويمكن بسهولة القيام به من خلال الهاتف الذكي والأجهزة اللوحية والحواسيب. إضافة إلى أنه يوفر مزايا للمتلقي وليس فقط للمدون، فيمكن الاستماع للتدوينات الصوتية في أي وقت أو مكان يناسب المتلقي دون الارتباط بمواعيد وأدوات ثابتة كالبث التلفزيوني مثلًا، إضافة لميزة الاستخدام off line، أي بدون الاتصال المتزامن بشبكة الإنترنت.
في مقابلة صوتية مع المدونة هبة فيشر، أمريكية من أصول مصرية، وهي من مؤسسي شبكة Kerning Cultures Network والمديرة التنفيذية لها أيضًا، ناقشت فيشر اتجاهات استهلاك وسائل الإعلام في الشرق الأوسط، وتحدثت عن قوة الصوت والمدونات الصوتية ورواية القصص، وأجابت عن سؤال موقع المونيتور: لماذا يتجه الشباب في منطقة الشرق الأوسط إلى البودكاست؟ بالقول أن شبكات المدونات الصوتية متعددة وتلقى “رواجًا كبيرًا في العالم العربي حيث يقدر العدد بـ10 ملايين مستمع وربما أكثر، وهناك سوق متاح كبير في الشرق الأوسط في المستقبل على غرار الطلب الكبير على نيتفليكس وانستغرام وفيسبوك وغيرها” حسب فيشر، ومن هذه الشبكات آبل بودكاست، أنغامي، ديزير، كاست بوكس، غوغل بودكاست، سبوتيفاي، ساوند كلاود، ستيتشر بودكاست وغيرها.
كما قالت فيشر “أنشئنا الشبكة منذ ست سنوات، ويمكن القول أن مشروعنا ولد من الإحباط لأن أغلب وسائل الإعلام لا تخاطب جيل الشباب بل تتوجه الميديا إلى جيل الكبار أو ما يمكن تصنيفهم في فئة الأهل وهذا ما يجعل الشباب ينفرون من وسائل الإعلام”. وأشارت فيشر إلى أن تعداد من هم في الفئة العمرية بين 15-35 سنة يشكلون 140 مليون إنسان في الدول العربية. كما قالت فيشر “أغلب وسائل الإعلام في الشرق الأوسط لديها أجندة ما، وعادة ما تكون برامجها سطحية، وللأسف فإنها مضيعة للوقت”.
انطلاقًا من حديث فيشر عن تجربتها، والكيفية التي وصفت بها الفجوة بين الشباب والإعلام في المنطقة العربية، يأتي الحديث عن إحدى مزايا البودكاست، إذ يمكن توفير المحتوى القادر على جذب اهتمام الشباب العربي عبر هذه التقنية. في الوقت الذي تضج فيه وسائل الإعلام التقليدية بالأخبار السياسية، أو المسيسة، يمكن عبر البودكاست تقديم قصص جديدة ومن منطلقات تناسب الشباب العربي.
ومن الملحوظ الاتساع المتزايد في شريحة جمهور البودكاست في الدول العربية، فالصحفية أورسولا ليندسي مثلًا لديها رأي بأن “محطات البودكاست التي يتم إنتاجها في المنطقة العربية تقدم لجمهور كبير من الشباب فرصة الاستماع إلى المناقشات المفتوحة، والاستماع إلى مواضيع حساسة، والتعلم من الخبراء في مجالات متنوعة”. واستشهدت ليندسي لتدعيم رأيها بعدة تجارب لمدونات صوتية وبرامج بودكاست في الأردن تستقطب عشرات آلاف المتابعين شهريًا.
كما يمكن ملاحظة النمو الكبير الذي يمكن رصده في هذا المجال من خلال الورقة البحثية الصادرة عن معهد الجزيرة للإعلام عام 2020 والتي تقوم بتفصيل واقع بودكاست الجزيرة بالأرقام والمناطق الجغرافية وطبيعة المحتوى، ما يشير إلى اهتمام متصاعد للجمهور بمتابعة هذه التقنية والخيارات التي تتيحها. كما أشار الباحث نيك ماركس في الورقة البحثية ذاتها إلى أن “تنازع المحتوى المعرفي مع الضغوط التجارية هو ما سيحدد مستقبل البودكاست والقدرة في الوصول إلى أكبر قدر من الأفراد”.
ووفق إحصاء موقع “البودكاست عربي” لعام 2020 فهناك 434 برنامج بودكاست نشط في 2020 بواقع 28.245 حلقة. ويشير الإحصاء إلى مسار تصاعدي في نسبة المستمعين للبودكاست كل سنة بنسبة 81%. وبحسب ليلى حمادة، مؤسسة ورئيسة فينيال ميديا، فإن الشباب العربي يبحث عن وسائل إعلام ومنصات جديدة للتعبير والتواصل، وتشير حمادة إلى أن “الإعلام القديم كان في يد فئة قليلة من المتمولين ولذا لم يكن هناك مكان لفئة الشباب ولشريحة عريضة من الناس للتعبير عن أصواتهم” وتضيف بأن النقلة النوعية في وسائل التواصل جعلت بالإمكان للشباب العربي التعبير عن أنفسهم بحرية وأن يمثلوا أنفسهم ورفع صوتهم. ومع دخول العالم في حقبة جائحة كوفيد-19، تتصاعد أهمية البودكاست من ناحية إمكانية إنتاجه منزليًا وبتقنيات شخصية، ومن ناحية أخرى تتعلق بالحاجة للتجديد في طبيعة البرامج والمحتوى الإعلامي وأساليبه في وقت تتوفر فيه الكثير من المساحة للمتابعة.
الترا صوت