عن “المعركة” بين روسيا وأميركا على الانتخابات الرئاسية السورية -مقالات مختارة-
سيتم تحديث هذا الملف بشكل مستمر، وستضاف المقالات الجديدة في نهاية هذا الملف.
حلفاء بشار في واشنطن/ عمر قدور
من المحتمل جداً أن يكون أصدقاء لبشار الأسد في واشنطن قد بادروا إلى التواصل مع فريق الرئيس جو بايدن قبل انتخابه، وهذا مباح كما نعلم وفق التقاليد السياسية الأمريكية التي تعتمد فكرة “اللوبي”، وكانت جماعات الضغط السورية المناهضة لبشار قد تواصلت مع مستشاري بايدن، إنما تحت الأضواء لا خلفها. على أية حال، يصعب حالياً أن تظهر في واشنطن شخصيات مؤثرة تجهر بتأييدها لبشار، من دون استبعاد وجود هذا الاحتمال في الكواليس، لكن الأشدّ تأثيراً قد يكون هؤلاء الذين يقدّمون أفكاراً تظهر بريئة وحيادية تماماً، أفكاراً تظهر صائبة “تقنياً”، لتصب في مصلحته من دون التصريح بذلك.
روبرت فورد، آخر سفير لأمريكا في دمشق، واحد من أولئك الدبلوماسيين الذين يحرصون على إظهار أفكارهم منطقيةً وحيادية، مع لمسة إشفاق “لا بد منها” على المدنيين السوريين. آراء الرجل يتم تداولها بوصفه خبيراً في الشأن السوري، وهو تشبّث بقوة بهذه المكانة إلى درجة ننسى معها خدمته الدبلوماسية السابقة في العديد من الدول العربية، ومنها العراق في وقت حساس بين عامي 2004 و2006. تقاعدَ فورد من وظيفته في نهاية شباط2014، ونُقل عنه حينها انتقاده سياسة إدارة أوباما، إلا أنه كذّب الكلام المتداول على لسانه، وكان عقب مغادرته دمشق في تشرين الأول2011 قد تعهد بمواصلة العمل مع زملائه في واشنطن على دعم “الانتقال السلمي للحكم”.
شهد فورد عن كثب، أثناء تسلّمه الملف السوري، كيفية تعامل إدارة أوباما مع مجزرة الكيماوي التي ارتكبها بشار، وكيف تراجعت إدارته عن خطّها الأحمر، من دون أن يُقدِم على بادرة احتجاج من نوع الاستقالة، وحتى عندما أتت الأخيرة بعد أشهر فقد كان مرشّحاً ليكون سفيراً في القاهرة، ما يكشف عن الرضا الذي كان يحوزه في إدارة أوباما. فورد أيضاً لا يحمل إحساساً بالذنب تجاه السوريين، فهو قد وجّه بعد تقاعده في بعض المناسبات انتقادات خفيفة لإدارته، مقابل انتقادات أقسى للمعارضة السورية التي لم تستوعب التوجهات الفعلية لإدارة أوباما، فضلاً عما تستحقه من نقد على مجمل أدائها.
تنصّلَ فورد من المعنى العميق للاعتذار بالإيحاء بأنه مجرد موظف ينفّذ سياسة حكومته، بل إنه “لعميق حرصه على السوريين” تجاوز حدود تفويضه بأن حاول إفهام المعارضة السورية أن لا تعوّل على دعم حاسم من واشنطن. ومع الإقرار بأنه لم يكن ليستطيع رسم سياسة أوباما إزاء سوريا، وارتباطها بمفاوضاته مع طهران، فإن هذا لا يعفي فورد لأنه لم يمتلك شرف محاولة تغيير تلك السياسات، ولم يمتلك روح القتال ليرتقي من موظف صغير إلى مدافع عن قضية، ولو فعل لم يكن سيسجل سابقة في العمل الدبلوماسي الذي يحفظ تاريخه شخصيات ناصرت بقوة قضايا محقة مع تمثيلها مصالح بلادها.
مقال فورد بعنوان “هل اقتربت أمريكا من الانتصار في سوريا؟”، نُشر في جريدة الشرق الأوسط 16/12/2020، نموذجٌ يكاد يختصر العقلية التي يمثّلها صاحب المقال ونظراؤه، ورغم أنهم لا يرسمون مباشرة السياسات الكبرى إلا أنهم يساعدون في الإعداد لها، أو في التسليم بها كخيار وحيد أو أمثل. يكتب فورد بانتظام في الجريدة المذكورة، ولا يغيب الشأن السوري عن كتاباته، لكن للمقال الأخير مغزى أكثر خصوصية، إذ يأتي مع تهيئة الرئيس بايدن فريقه الرئاسي، ومع الانتقال المفترض من سياسة خارجية جمهورية إلى ديموقراطية، ليكون المقال خاصاً أيضاً لجهة استعراضه ما فعلته إدارة ترامب وما يمكن لإدارة بايدن فعله، أو يتوجب عليها ذلك.
يبدأ فورد مقاله من تفنيد تصريح أمام إحدى لجان الكونغرس لمسؤول في وزارة الخارجية، يقول فيه أن الهزيمة التامة لداعش وانسحاب القوات الإيرانية، مع الوصول إلى تسوية سياسية في سوريا، باتت جميعاً في المتناول. أما تعليق فورد الذي يليه مباشرة فهو أنه لا يلمس أية إنجازات تساعد الجانب الأمريكي على المدى البعيد، أو ربما تساعد السواد الأعظم من المدنيين السوريين في شيء. بعد الاستهلال سنكون إزاء نقد لمجمل سياسات إدارة ترامب، مثل العلاقة مع قسد والعقوبات بموجب قانون قيصر، وصولاً إلى تكذيب زعم الانتصار على داعش، بما أن الأخير استأنف مؤخراً عملياته العسكرية ضد قوات الأسد.
في تفاصيل المقال؛ لدينا سياسة أمريكية فاشلة، إذ لا تموّل قسد وتجعلها تعتمد على العائدات النفطية، فضلاً عن أن سيطرة القوات الأمريكية على آبار النفط تزيد من الضغوط المالية على سلطة الأسد. هنا يربط فورد بين هذا الجانب والعقوبات الأخرى بموجب قيصر وطوابير السوريين من أجل شراء الاحتياجات الأساسية التي لا يمكن اعتبارها نجاحاً للسياسة الأمريكية، مع تنويهه بأن سلطة الأسد لا تقبل الإصلاح أو المساءلة. من دون أن نكون في موقع المساند لعقوبات تهدد لقمة المدنيين؛ يتعمد فورد تجاهل رغبة ترامب “التي عبّر عنها مرات عديدة” في الانسحاب من سوريا، واستدعى إقناعه بالبقاء أن يكون بلا تكلفة مالية، أي أن تتموّل قسد من إيرادات النفط، ومن المعلوم أن تجارة النفط الأساسية لقسد هي مع سلطة الأسد نفسها بترخيص من إدارة ترامب، ما يدحض فكرة الحصار الخانق.
أما تكذيب الانتصار على داعش فهو يدخل أولاً في باب الدحض الشكلاني، فالانتصار التام غير موجود بما أن التنظيم ينشط في أماكن أخرى، حتى إذا كانت هذه الأماكن خاضعة لموسكو بموجب خريطة تقاسم النفوذ، وحتى إذا كانت الأخيرة لا تتولى مسؤوليتها كما يجب في مكافحته. لقد رأينا مثلاً غارات أمريكية استهدفت قادة على صلة بتنظيم القاعدة في إدلب، وهذا ما لا تستطيع فعله في أماكن سيطرة موسكو ومجالها الجوي. لا يقفز فورد فقط عن عدم قيام قوات الأسد وموسكو بمحاربة داعش جدياً على منوال محاربتهما مع طهران باقي الفصائل، بل يبدو كأنه يدفعنا خفية إلى استنتاج لا يريد التصريح به، وهو ضرورة تعاون هذه الأطراف من أجل إنزال الهزيمة التامة بداعش.
هو يعتبر أن تهديد داعش الغربَ سواء بسواء أينما وجد، وإذ ينوّه بزيادة العمليات التي تشنّها قوات الأسد ضده مؤخراً فهو يعود إلى العقوبات الاقتصادية، بعد إسهاب في الحديث عن آثارها المعيشية، ليقول أنها “تقلل من الموارد المتاحة أمام الحكومة السورية لمحاربة تنظيم داعش”. إننا، من طرف خفي، أمام دعوة لرفع حتى العقوبات التي تؤثر على “المجهود الحربي” لقوات الأسد تحت زعم الحرب على داعش، والحق أن هذا المنسوب من التسهيل أو الدعم أعلى مما يطمح إليه بشار موسكو حالياً.
لا ينسى فورد الهجمات التي تشنها قوات الأسد على إدلب وتتسبب بمقتل المدنيين. “إنه نظام وحشي مسؤول عن الكثير من جرائم الحرب والمجازر المدنية. ولكن، ليس هناك في سوريا ما يمكن وصفه باليسير أو البسيط”. هذه الفقرة من نهاية المقال يجوز لنا اختصارها بـ”ولكن” وما يليها، إلا أنه “تأكيداً على عدم وجود ما هو بسيط أو سهل” يستأنف بأن الإجراءات الأمريكية الرامية لإجبار الأسد على تقديم تنازلات سياسية، ووقف الهجمات على المدنيين، هذه الإجراءات تلحق الأذى بالمدنيين، وتعقّد مجريات القتال ضد الإرهاب! ثم يضع هذه الخلاصة صراحة أمام إدارة بايدن، لتقرر بناء عليها ما يمكن وما لا يمكن لها إنجازه في سوريا.
إننا مع مثل هذا المقال نكاد نصل إلى ضرورة وأولوية تمكين بشار الأسد لرفع المعاناة المعيشية عن السوريين، وأيضاً لهزيمة الإرهاب! ومع أمثال فورد، نكاد نغفر لأوباما سياساته، لا لصوابها أو عدمه وإنما أيضاً لأنها تعبّر عن تيار دبلوماسي أمريكي، تيار قد يتجاوز الانقسام بين ديموقراطيين وجمهوريين، ففورد نفسه كان سفيراً في عهد الجمهوري جورج بوش الابن وفي عهد الديموقراطي أوباما، وها هو كأنما يعرض بضاعته على الإدارة المقبلة. هذا النمط من التفكير، الموجود في العديد من دوائر الدبلوماسية الغربية هو خير حليف لبشار وأمثاله من طغاة المنطقة، فهو لا يتقنّع فقط بمنطق انتقائي يقود إلى دعمهم، بل يتمتع بمستوى من الصلافة والعجرفة بحيث يطرح ذاته الصواب الوحيد، وعلينا نحن خاصة “أبناء المنطقة وضحايا الطغاة وحلفائهم” أن نتخذ في المقابل منه وضعية التلميذ الذي لا يدرك مصلحته بقدر ما يدركها هؤلاء. كأن روبرت فورد، على نحو خاص، استمرأ وضعية الأستاذ التي أتيحت له مع قياديين في المعارضة السورية، ويعزّ عليه التفريط بهذا المجد.
المدن
—————————
الأسد اللاشرعي/ بشير البكر
عملية ترشيح بشار الأسد لولاية رئاسية في منتصف العام المقبل باتت مفتوحة في صورة رسمية، ودخلت مرحلة تبادل الضغوط بين الأطراف الدولية المعارضة، وبين روسيا وإيران كطرفين راعيين للقضية. وكانت أول مهمة قام بها وزير خارجية النظام الجديد فيصل المقداد هي الحج إلى طهران، لطلب موافقة المرشد علي خامنئي على الأمر. وطرح المقداد خلال اللقاء أن نظام الأسد سيجري انتخابات الرئاسة العام المقبل، معرباً عن أمله في “أن يواصل أصدقاء سوريا وقوفهم إلى جانبنا بقوة”. ولم يعد المقداد خالي الوفاض، وصدرت الموافقة خلال وجوده هناك على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أعرب عن أمله في إجراء “انتخابات عامة في سوريا خلال العام المقبل، ليبدي فيها الشعب وجميع القوى السياسية رأيهم”. وحمل المقداد الإجابة الإيرانية وطار بها إلى موسكو في السابع عشر من الشهر الحالي كي يحصل على تصديق الوصي الروسي، ذلك أن المباركة الإيرانية لا تكفي وحدها. وبالفعل لم يتأخر الرد الروسي الذي يتبنى الترشيح بوصف الأسد خيار موسكو الذي لا بديل عنه حتى الآن. لأنه من جهة الضامن لمصالح روسيا في سوريا، وورقة المساومة الروسية مع أميركا من جهة أخرى.
الولايات المتحدة لا تفوت فرصة خاصة بسوريا منذ عدة أشهر، من دون أن تثير مسألة ترشح الأسد، وتبدي اعتراضها عليها، وفي كل مرة تؤكد أن الأمر مرفوض، بل أن الانتخابات المزمع تنظيمها في منتصف العام المقبل غير شرعية، وصدرت مواقف بهذا الخصوص من السفير جيمس جيفري مبعوث الولايات المتحدة السابق للشأن السوري ونائبه جويل رايبورن ومن كيلي كرافت السفيرة الأميركية في مجلس الأمن، والتي شددت في آخر جلسة عقدها المجلس حول سوريا الأربعاء الماضي على أن الانتخابات التي يزمع نظام الأسد تنظيمها العام المقبل، هي غير شرعية في عرف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، متوعدة بفرض مزيد من العقوبات على النظام وداعميه. وقالت إن “واشنطن ستواصل فرض العقوبات على نظام الأسد والدول الداعمة له لإعاقتهم التقدم في العملية السياسية والتطلعات الشرعية للشعب السوري”، مشددة أن ذلك “سيتم بالتوافق مع الحفاظ على المساعدات الإنسانية للمحتاجين.” وكانت المواقف ذاتها صدرت منذ حوالي شهرين عن سفراء كل من الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا. وأكد هؤلاء أن بلدانهم لن تعترف بالانتخابات الرئاسية في سوريا، وستتعامل مع نتائجها على أنها غير شرعية. وذلك في الوقت الذي تشدد فيه واشنطن العقوبات على الأسد وداعميه حسب قانون قيصر.
معركة الانتخابات الرئاسية وترشح الأسد لولاية رئاسية جديدة، سوف تتحدد ملامحها النهائية حين تستقر الإدارة الأميركية الجديدة وتباشر العمل. ومن المتوقع أن تقف إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بصرامة أكثر ضد إعادة تعويم الأسد من خلال انتخابات رئاسية جديدة. وصدرت تقديرات من أوساط على معرفة بتوجهات فريق الخارجية الأميركية في الإدارة المقبلة تفيد، بأن هناك توجها لإصلاح الأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس السابق باراك أوبوما في سوريا، والتي ترتب عليها إطالة أمد معاناة السوريين، والسماح للأسد وروسيا وإيران بمواصلة ارتكاب المجازر وتهجير الشعب السوري وتدمير مرافقه الحيوية بلا محاسبة.
ومن المرتقب أن يشهد اجتماع اللجنة الدستورية في دورتها الخامسة، والمقرر أن ينعقد في الخامس والعشرين من الشهر المقبل لمناقشة “المبادئ الأساسية للدستور”، مواجهة حول جملة من القضايا تدور حول الانتخابات الرئاسية. والواضح من سلوك روسيا والنظام أنهم يريدون المماطلة في كتابة أو تعديل الدستور إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وهو الأمر الذي لا يلقى موافقة من المعارضة والولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية. ويصر هؤلاء على عدم شرعية ترشح الأسد سواء تم إنجاز الدستور قبل موعد الرئاسية أو بعده، ويسود الاعتقاد أن تتقدم هذه الدول بصيغة إلى الأمم المتحدة من أجل انتخابات رئاسية لا يكون الأسد من بين المرشحين لها، وهذا مرهون بتبني إدارة بايدن للمسألة بقوة.
تلفزيةن سوريا،
—————————–
الرئاسة السورية..معركة محتدمة باكراً/ ساطع نور الدين
في الافق ما يوحي بأن معركة إنتخابات الرئاسة السورية المقررة بعد ستة أشهر، قد بدأت بالفعل، وبشكل مبكر وغير مألوف في ظل النظام الاسدي. وهي حتى الآن لا تزال من دون مرشحين جديين ومن دون ناخبين مسجلين، وربما تجرى من دون صناديق إقتراع شرعية..
إشارة الإنطلاق لتلك المعركة كانت بالتحديد في مؤتمر إعادة اللاجئين الذي نُظِم في دمشق في 11 و12 تشرين الثاني الماضي، والذي شهد تصعيد النزاع الروسي الاميركي على تلك الكتلة البشرية المقدرة بأكثر من نصف عدد السوريين، والموزعة في مختلف أنحاء العالم، وحقها في التصويت لإختيار إسم الرئيس المقبل، حسب قرارات وتوجهات الشرعية الدولية، التي نصت على وجوب أن تشمل الانتخابات جميع اللاجئين السوريين من دون إستثناء، في مراكز إقتراع تفتح لهم في مراكز هجرتهم وتخضع لإشراف ومراقبة الامم المتحدة.
في ذلك المؤتمر، قالت موسكو ان اللاجئين ليسوا في رصيد أميركا ولا سواها من الدول المضيفة، وهم بالتالي لن يسمح لهم بأن يصنفوا ككتلة ناخبة لمصلحة المرشح الرئاسي المفترض لتلك الدول، وذكّرت بأن الحرب السورية إنتهت وباتت الابواب مفتوحة لعودة اللاجئين.. ولم تأبه للشروط التي حددها الرئيس بشار الاسد، للسماح بعودتهم، ومنها ضمان السيطرة الكاملة للنظام على جميع الاراضي السورية لاسيما المنطقة الشمالية، وتوفير مليارات الدولارات لتغطية نفقات معيشتهم وإعادة بناء مساكنهم ومشافيهم ومدارس أولادهم.
وفي حينه جددت واشنطن الموقف الذي تتبناه الامم المتحدة بمختلف مجالسها ووكالاتها، لا سيما تلك التي تعنى بشؤون اللاجئين السوريين، حول ضرورة توفير شروط العودة الطوعية والآمنة للاجئين، والكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين لاسيما الذين غامروا بالعودة، في العامين الماضيين الى المناطق الآمنة نسبياً، والذين يقدر عددهم بما يزيد على ثلاثين ألفاً، أضيفوا الى نحو 150 ألف معتقل او مفقود منذ العام 2011 وحتى اليوم.
على هامش مؤتمر دمشق كررت موسكو تمسكها بإجراء الانتخابات الرئاسية السورية في موعدها، وهو موقف تتبناه طهران رسمياً أيضاً، وقد أبلغه الرئيس الايراني حسن روحاني قبل أيام الى وزير الخارجية السورية فيصل المقداد في طهران.. بغض النظر عن حصيلة إجتماعات اللجنة الدستورية السورية التي لا تزال تدور في حلقة مفرغة، من دون أي أمل في ان تصل يوماً الى صياغة دستور سوري جديد، أو حتى الى تفاهم على آليات العملية السياسية في المرحلة المقبلة.
وكان من أهم نتائج مؤتمر دمشق، إعلان الحكومة اللبنانية عن نيتها إستضافة الجولة المقبلة من ذلك المؤتمر في بيروت، في موعد أقصاه نهاية الشهر المقبل، من أجل تأكيد شراكة لبنان في ذلك الجهد السياسي الروسي-السوري، لضمان الاحتفاظ بورقة اللاجئين السوريين في لبنان، وإسقاطها في صناديق الاقتراع السورية التي ستفتح في موعد الانتخابات الرئاسية، لتتلقى نحو نصف مليون صوت سوري، لصالح الأسد، على غرار ما جرى في العرس الديموقراطي الاخير في العام 2014، عندما كانت حافلات النظام وحلفائه تنقل الناخبين السوريين من جميع المناطق اللبنانية، الى السفارة السورية في اليرزة، لتعلن الفوز الساحق للأسد على جميع منافسيه، غير المعروفين.
المشهد نفسه يجري التحضير له منذ الآن، كمقدمة للقيام بخطوات روسية-سورية مشابهة في بلدان اللجوء السوري، لا سيما الاردن والعراق، وربما تركيا وألمانيا، حيث بدأ التواصل مع الحكومات، ومع المفاتيح الانتخابية السورية، ومع الناخبين السوريين المحتملين، للمشاركة في تلك “المعركة الديموقراطية”.. سواء بالعودة الى الوطن والتصويت داخله، او البقاء والتجاوب مع دعاية النظام وضغوطه وتهديداته.
الائتلاف السوري المعارض الذي شعر كما يبدو بتلك الحركة الروسية-السورية، بادر، بناء على نصيحة غربية مباشرة، ومتسرعة، الى تشكيل هيئة للانتخابات، تتولى التواصل مع الناخبين في بلدان اللجوء وتوجيههم وتدريبهم على خوض مثل هذه التجربة، أو على الأقل تحذيرهم من محاولات النظام لإختراق صفوفهم. لكن ذلك القرار المتسرع سقط على الفور تحت وطأة ضغوط الجمهور السوري المعارض، الذي لم ولن يتقبل أبداً فكرة المشاركة في عملية إنتخابية بوجود الاسد في السلطة.. والاهم من ذلك أنه ليس مستعداً لتحمل فكرة أن سقف المجتمع الدولي إنحدر الى مستوى دعوة اللاجئين الى الإدلاء بأصواتهم في الخارج، على وعدٍ بأن يتم إسقاط الأسد من خلال فرز تلك الاصوات!
وبناء على ذلك، تحرك عدد من أعضاء مجلس النواب الاميركي قبل أيام من أجل الدفع بمشروع يدعو إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن الى عدم الإعتراف بشرعية نظام الاسد وحقه في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، في الوقت الذي يبدو فيه ان الادارة الاميركية الجديدة تتجه نحو زيادة الضغوط على الروس والنظام، من أجل توفير قاعدة ملائمة لتسوية ثنائية تؤدي الى إنهاء الحرب السورية.
التراشق السياسي بين موسكو وواشنطن يتصاعد يوماً بعد يوم، تحت عنوان معركة الرئاسة السورية، وما إذا كان يمكن، أو يجب إشراك اللاجئين في عملية التصويت، وما إذا كانت الامم المتحدة مؤهلة لتنظيم تلك العملية في بلدان اللجوء، عدا لبنان طبعا، حيث أصبحت النتائج جاهزة من اليوم، مثلها مثل النتائج المضمونة في مناطق سيطرة النظام.
وهي أسئلة مطروحة جدياً الآن، وإن كان لا يزال يسبقها سؤال جوهري، حول ما إذا كان يحق للاسد الترشح، وهل يمكن العثور على مرشحين منافسين له في الخارج..من بين أولئك المعارضين السوريين، الذين بدأوا يحلمون بالعودة الى حضن الوطن على حصان رئاسي..
هي معركة أسابيع، أو أشهر قليلة، لكي يُبتّ أمرُ الرئاسة السورية، ويُمنع “الفراغ الدستوري”!
المدن
——————————
«معركة مبكرة وصامتة» بين روسيا وأميركا على الانتخابات الرئاسية السورية/ إبراهيم حميدي
شروط غربية صارمة للاعتراف بـ«شرعية الاقتراع»… وبيدرسن يتراجع عن «العدالة التصالحية»
اندلعت «معركة صامتة ومبكرة» بين روسيا وحلفائها من جهة، وأميركا وشركائها من جهة ثانية حول الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة قبل انتهاء ولاية الرئيس بشار الأسد في منتصف يوليو (تموز) المقبل.
وستكون الانتخابات، الأولى بعد الوجود العسكري الروسي والتغييرات الميدانية وثبات «خطوط التماس» بين «مناطق النفوذ» الثلاث وسط أزمة اقتصادية وعقوبات و«عزلة دبلوماسية»، إضافة إلى أنها ستحصل في الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
وتريد موسكو، ومعها دمشق وطهران، أن تجري الانتخابات بموجب دستور 2012 بعيداً عن الإصلاحات في جنيف بموجب القرار 2254 ومناسبة لـ«طيّ صفحة» وبدء الأطراف الإقليمية والدولية للتعامل مع «الحكومة الشرعية».
في المقابل، تتجاهل واشنطن «الرئاسية» بحيث أنها «لن تعترف بأي انتخابات لا تتم بموجب 2254». أما حلفاؤها، فهم منقسمون، فالبعض يريد تجاهل الانتخابات، فيما يقترح آخرون دعم مرشح للمعارضة أو وضع معايير لـ«الاعتراف بأي انتخابات».
وكانت فرنسا قد صاغت «لا ورقة» حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، تضمنت شروطاً كي تحظى الانتخابات بـ«الشرعية»، بينها «إشراف منظمة الأمم المتحدة». وقال دبلوماسي غربي إن «البيانات الروسية للفصل بين الانتخابات الرئاسية واللجنة الدستورية تثير قلقاً عميقاً وتُلحق ضرراً بالعملية السياسية وإجماع مجلس الأمن».
على صعيد آخر، تراجع المبعوث الأممي غير بيدرسن عن استخدامه مصطلح «العدالة التصالحية» في خطابه الأخير أمام مجلس الأمن، بعد انتقادات واسعة من معارضين سوريين.
—
موسكو تريدها نقطة انعطاف لـ«فتح صفحة جديدة» مع الأسد… ودول غربية تقترح معايير صارمة لـ«شرعنة أي اقتراع»
الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا هي ساحة لـ«معركة مبكرة وصامتة» بين موسكو وحلفائها من جهة، وواشنطن وشركائها من جهة أخرى، خصوصاً أنها ستكون الأولى بعد الوجود العسكري الروسي والتغييرات الميدانية الكبيرة وثبات «خطوط التماس» بين «مناطق النفوذ» الثلاث في سوريا لنحو سنة وسط أزمة اقتصادية عميقة وعقوبات اقتصادية غربية و«عزلة دبلوماسية وسياسية»، إضافة إلى أنها ستحصل في الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن.
رسالة واضحة
موسكو، ومعها دمشق وطهران، تريد أن تكون هذه الانتخابات بموجب الدستور السوري الحالي لعام 2012 بعيداً عن الإصلاحات المرتقبة في جنيف بموجب القرار 2254 ومناسبة لـ«طي صفحة» وبدء الأطراف الإقليمية والدولية للتعامل مع الأمر الواقع و«الحكومة الشرعية».
عقدت اللجنة الدستورية أربع جولات في جنيف، وستعقد في نهاية الشهر المقبل جولة خامسة مخصصة لملف الدستور على عكس سابقاتها التي بحثت في «المبادئ الوطنية». لكن دمشق أرسلت رسالة واضحة بأن الإصلاح الدستوري لن يحصل قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف العام المقبل. كما أن موسكو دعمتها برسالة أوضح من أنه «لا جدول زمنياً» للإصلاح الدستوري، وأن «الانتخابات الرئاسية شأن سيادي سوري».
عملياً، هذا يعني عدم حصول أي إصلاح دستوري قبل الانتخابات المقبلة قبل نهاية ولاية الرئيس بشار الأسد في منتصف يوليو (تموز)، بحيث تجري هذه الانتخابات بموجب دستور عام 2012، الذي يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية ويدشن ولاية ثالثة للأسد، ويحدد معايير الترشح للانتخابات الرئاسية، بينها: الإقامة عشر سنوات متواصلة قبل التقدم للترشح، والحصول على موافقة 35 نائباً في البرلمان.
وكانت «الجبهة الوطنية التقدمية» التي تضم تحالف أحزاب مرخصة بقيادة «البعث» الحاكم قد فازت بـ183 مقعداً (بينهم 166 بعثياً) من 250 مقعداً في انتخابات البرلمان في يوليو الماضي، ما يعني أن قرار الترشح الرئاسي بأيدي الحزب الحاكم وتحالف الأحزاب المرخصة.
بالنسبة إلى دمشق وموسكو وطهران، فإن الإصلاح الدستوري مُرجأ إلى بعد 2021، أي بعد فوز الرئيس الأسد بولاية جديدة مدتها سبع سنوات، على أن يطبَّق الإصلاح في أول انتخابات برلمانية مقبلة في 2024 ما لم يقدَّم موعدها.
نقطة الخلاف بين موسكو ودمشق، هي أن الأولى تريد مشاركة آخرين في الترشح للانتخابات، وهي جسّت نبض شخصيات معارضة بدرجات. لكنّ هناك عقبات أمام ذلك، بينها عدم رغبة شخصيات أساسية بالدخول في «سباق تجميلي»، إضافةً إلى وجود عقبات في الدستور الحالي تتعلق بوجوب إقامة أي مرشح لعشر سنوات في البلاد وتوفر كتلة له في البرلمان من 35 نائباً. لذلك، لم تكن صدفة أن صحافية روسية سألت خلال زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف، لدمشق، في سبتمبر (أيلول) الماضي، عن احتمال إلغاء شرط توفر عشر سنوات لأي مرشح رئاسي. لكن موقف دمشق، كان ولا يزال كما أعلنه وقتذاك وزير الخارجية الراحل وليد المعلم: «ستجري انتخابات رئاسية في موعدها. أما ما يتعلق بإلغاء شرط الإقامة (10 سنوات في سوريا)، فهذا شأن اللجنة العليا للانتخابات، لكن من حيث المبدأ كل من تتوفر له شروط الترشيح بإمكانه أن يترشح». للعلم، إن شروط الترشح هي شأن دستوري وليس من صلاحية اللجنة العليا للانتخابات.
وتدعم طهران هذا الاتجاه، الأمر الذي عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال لقاءاته مع زوار أجانب في الأيام الأخيرة، بل أشار إلى أن «الحكومة السورية شرعية ومتعاونة جداً في العملية السياسية والإصلاح الدستوري». أما موسكو، فهي لا تزال تبحث عن آليات لجعل الانتخابات المقبلة «بداية لانعطاف» غربي وإقليمي في التعاطي مع دمشق على أمل «فك العزلة والمساهمة في الإعمار وتطبيع العلاقات السياسية والدبلوماسية». قد يكون مفتاح ذلك، تعديل في الدستور الحالي لعام 2012 يسمح بـ«لون آخر» في الانتخابات.
مشاورات هادئة
تُجري الدول الغربية مشاورات هادئة بعيداً من الأضواء لاتخاذ موقف موحد من كيفية التعاطي مع الانتخابات: أميركا، تريد تجاهل «الرئاسية» كما حصل مع الانتخابات البرلمانية السابقة، بحيث إنها «لن تعترف بأي انتخابات لا تتم بموجب القرار 2254» الذي نص على انتخابات، لم يحددها رئاسية أو برلمانية، بإدارة الأمم المتحدة ومشاركة السوريين بمن فيهم المخولون في الشتات، أي اللاجئين. أما حلفاء واشنطن، فهم منقسمون. البعض يريد تجاهل الانتخابات، فيما يقترح آخرون دعم مرشح للمعارضة… أو وضع معايير واضحة بموافقة أممية لـ«الاعتراف بأي انتخابات».
حاول بعض الدول دفع المبعوث الأممي غير بيدرسن، لإعلان موقف من الانتخابات. لكنه قال إن هذه الانتخابات لا تتعلق بصلاحياته المنصوص عليها في القرار 2245، واكتفى بتعيين «مستشار انتخابي». لذلك، برز اقتراح أن تجري عملية صوغ مبادئ ومعايير الاعتراف بالانتخابات، على أن تصدر باسم الأمم المتحدة.
وكانت فرنسا قد صاغت «لا ورقة» تحدد المعايير الخاصة بالانتخابات. وتضمنت الـ«لا ورقة»، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، تأكيد أنه «في حال كونها انتخابات حرة، ونزيهة، ومحايدة، وتُجرى في بيئة آمنة حيث يمكن لجميع فئات الشعب السوري بمن فيهم النازحون واللاجئون المشاركة فيها من دون عائق، يمكن للانتخابات المقبلة في سوريا الإسهام الفعلي والحقيقي في إرساء المؤسسات المستقرة ذات الشرعية في البلاد بوصفها جزءاً لا يتجزأ من العملية السياسية الأوسع نطاقاً بموجب 2254، كما يمكن أن تشكّل أحد العناصر الرئيسية المعنية بالتسوية الدائمة للنزاع الراهن. وفي غياب هذه الشروط، يمكن التلاعب بها في محاولة لاستعادة الشرعية الموهومة لنظام حكم الأسد في مرحلة ما بعد الصراع، مع ردع اللاجئين السوريين في الخارج عن التفكير في الرجوع إلى الوطن».
وبالنسبة إلى هذه الوثيقة، يمكن أن تشكّل أحكام القرار الدولي 2254 «الأسس والمبادئ التوجيهية التي يُسترشد بها في المناقشات المقبلة بشأن الانتخابات، وذلك حتى يتسنى التأكد من أن الانتخابات لن تُعد ذات شرعية إلا تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، وبما يتفق مع أعلى معايير الشفافية والمساءلة الدولية، وحيث تكون طوائف الشعب السوري كافة، بما في ذلك النازحون واللاجئون في الخارج».
شروط الشرعية
عليه، وضعت الوثيقة، التي تخضع حالياً للتعديل، شروطاً صارمة لقبول نتائج الانتخابات. واقترحت أن تستند «الرسالة» الغربية إلى أربعة شروط «كي تحظى بالشرعية»، هي:
«أولاً، إرساء تدابير بناء الثقة على أرض الواقع بهدف تهيئة الأجواء والبيئة الآمنة والمحايدة قبل، وفي أثناء، وعقب انعقاد الانتخابات، وذلك لضمان تمتُّع العملية الانتخابية بالمصداقية في ظل الشروط الأمنية الكافية مع حماية حقوق الأطراف كافة. وهذا الشرط هو الأكثر أهمية: إجراء الانتخابات في بيئة لا تتسم بهذه الشروط لن تكون ذات مصداقية، ولن تكون مستحِقة للدعم الدولي، أو مشاركة أو إشراف منظمة الأمم المتحدة.
ثانياً، وجود الضمانات القوية التي تؤكد مشاركة ووصول النازحين واللاجئين إلى مراكز الاقتراع (…) في ظل وجود 12 مليون لاجئ خارجي ونازح داخلي في سوريا، فمن الأهمية البالغة أن يتمكن كل المواطنين السوريين في الشتات من التصويت مع حيازتهم لحق الترشح أيضاً في الانتخابات.
ثالثاً، الشروط القانونية والعملية الميسرة لإجراء الاقتراع التعددي، أي وجود ضمانات للاقتراع المفتوح والمتعدد يعني وجود إصلاح انتخابي ملائم، بما في ذلك إصلاح المادتين (84، و85) من الدستور السوري، وتشكيل لجنة مستقلة تحت إدارة الأمم المتحدة معنية بمراجعة الترشيحات للانتخابات.
رابعاً، يضمن إشراف منظمة الأمم المتحدة على الانتخابات توافر الحياد الصارم في العملية الانتخابية. بناءً عليه، لا بد للأمم المتحدة توجيه ومراقبة العملية الانتخابية برمّتها (إصلاح قانون الانتخابات، وإرساء الأدوار الانتخابية، والاقتراع، ومراكز التصويت، والبنية التحتية الانتخابية المناسبة، والتسجيل، وما إلى ذلك) حتى يتسنى إثبات مصداقيتها الكاملة.
وكان دبلوماسي بريطاني قد قال: «من واقع القرار 2254، من الواضح أنه ينبغي صياغة الدستور الجديد قبل الشروع في إجراء الانتخابات الجديدة. وعلى النحو المذكور، فإن البيانات الروسية الأخيرة التي تشير إلى إمكانية الفصل بين الانتخابات الرئاسية واللجنة الدستورية تثير قدراً عميقاً من القلق، إذ إنها تُلحق الأضرار بالعملية السياسية وإجماع الآراء المتفق عليها في هذا المجلس».
ورفضت الدول الغربية الاعتراف بالانتخابات البرلمانية في 2012 و2016 و2020 والرئاسية في 2014، وربط الاتحاد الأوروبي «استعداده التام للاضطلاع بإعمار سوريا بوجود عملية انتقالية سياسية شاملة وحقيقية على أساس القرار 2254». وتفرض واشنطن عقوبات بموجب «قانون قيصر» على دمشق وعزلة سياسية ودبلوماسية عليها، إلى حين لعب دور إيجابي في تنفيذ القرار 2245 وإخراج إيران، وتنفيذ مطالب أخرى.
خلفية تاريخية
وتمثل الانتخابات الرئاسية المقبلة رقم 18 منذ عام 1932، حيث جرت أول انتخابات رئاسية بها. ورغم إجراء الانتخابات تحت وطأة الانتداب الفرنسي، كانت الأكثر تنوعاً في تاريخ سوريا، ذلك أنه شارك فيها ستة مرشحين تنافسوا على منصب الرئيس، ما يمثل أكبر عدد من المتنافسين في انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد. كان اثنان من المتنافسين حاكمين سابقين للبلاد، هما حقي العظم وصبحي بركات، واثنان أحدهما رئيس الوزراء الحالي والسابق وقتذاك، تاج الدين الحسني ورضا الركابي. أما المرشحان المتبقيان فأصبحا في وقت لاحق أول وثاني رئيس لسوريا: محمد علي العابد وهاشم الأتاسي.
ولم يولِ المؤرخون السوريون انتخابات عام 1932 أهمية كبيرة بوصفها جرت في ظل الحكم الفرنسي، مقابل اهتمام أكبر بانتخابات 1955 التي تنافس خلالها شكري القوتلي وخالد العظم. أما باقي الانتخابات جميعاً، فكانت إما استفتاءات وإما انتخابات يخوضها منافس لا يواجهه فيها أحد. ويكشف التنوع والتنافسية اللذان تميزت بهما انتخابات عام 1932 إلى أي مدى كانت الديمقراطية الناشئة في سوريا واعدة في ثلاثينات القرن الماضي، وكيف كان يمكنها الازدهار لولا الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة التي عصفت بالبلاد بدءاً من عام 1949.
الشرق الأوسط
——————————–
هل اقتربت أميركا من الانتصار في سوريا؟/ روبرت فورد
أفاد مسؤول كبير من وزارة الخارجية الأميركية أمام إحدى لجان الكونغرس في الأسبوع الماضي، بأن الهزيمة الدائمة لتنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، وانسحاب القوات الإيرانية من هناك، مع الوصول إلى حل سياسي دائم للأزمة السورية، باتت جميعها في «متناول الأيدي». وعندما فكرت ملياً فيما قاله ذلك المسؤول الكبير، مع مقارنة ذلك مع المقابلات الصحافية التي أجريت مع زميلي الأسبق السفير جيمس جيفري الذي تقاعد لتوه من مهام منصبه، فإنني أرى ضغوطاً متزايدة في الوقت الذي لا ألمس فيه أي إنجازات تساعد الجانب الأميركي على المدى البعيد، أو ربما تساعد السواد الأعظم من المدنيين السوريين في شيء.
وصرح مسؤولان أميركيان بصورة غير مباشرة بأن الوجود العسكري الأميركي في شرق سوريا لم يعد في حقيقة الأمر يتعلق بمحاربة تنظيم «داعش» كما هو معلن. فلقد قال السيد جيفري بكل وضوح: «لقد أسقطنا (داعش) ولم نغادر أماكننا هناك». ولا تزال القوات الأميركية تسيطر على حقول النفط السورية الصغيرة في محافظتي الحسكة ودير الزور في شرق سوريا من أجل مواصلة الضغوط المالية على حكومة بشار الأسد في دمشق، كما ترغب الحكومة الأميركية من الميليشيات الكردية السورية التي تقود «قوات سوريا الديمقراطية» أن تستفيد من العائدات النفطية هناك. فهل تلاحظون حالة عدم الالتزام السياسية لدى إدارة الرئيس دونالد ترمب في دعم وتمويل قوات سوريا الديمقراطية؟
ومما يُضاف إلى ذلك، صرح الفريق الرئاسي التابع للرئيس ترمب بأن العقوبات الدولية على النظام السوري، بما في ذلك «قانون قيصر» للعقوبات الأميركية، تزيد من وطأة الضغوط الاقتصادية على النظام السوري مما يعتبر مؤشراً واضحاً على النجاح الأميركي هناك. ولا أفهم – في حقيقة الأمر – لماذا يعتبر اصطفاف المواطنين السوريين في طوابير طويلة ومرهقة من أجل شراء الاحتياجات الأساسية مثل الخبز والوقود من إنجازات ونجاحات الولايات المتحدة، فإن كان الغرض من وراء ذلك هو إجبار بشار الأسد على تقديم تنازلات، فإن الحقيقة تعكس بوضوح أنه لا يزال يرفض تنفيذ الإصلاحات السياسية الجادة. وفي نهاية الأمر، فإن نظام الأسد وزمرته الفاسدة لا يمكنهم بحال قبول إملاءات الإصلاح والمساءلة. وتأمل الحكومة الأميركية في أن ينبع التغيير من داخل النظام السوري نفسه. غير أن انسحاب رامي مخلوف من الزمرة السورية المقربة من الرئيس ينبغي أن يعتبر درساً واضحاً تتلقاه واشنطن. وفي نهاية الأمر، فإن الطوابير الطويلة من أجل شراء الخبز تعني المزيد من معاناة المدنيين السوريين، ولكن مثل هذه الصفوف الممتدة لا تعني أبداً أن هناك صفقة سياسية وشيكة أو انتصاراً أميركياً بات «في متناول الأيدي»!
تساند أغلب الطبقة السياسية في واشنطن فرض العقوبات على النظام السوري، غير أنهم يسارعون في نفس الوقت إلى الزعم بأن العقوبات الاقتصادية غير ذات تأثير على المدنيين السوريين العاديين. وبطبيعة الحال، فإن سوء الإدارة الاقتصادية هي من المشكلات السورية العريقة، بيد أن العقوبات الأميركية تزيد من وطأة المشاكل الاقتصادية على المواطنين السوريين وتحيل أوضاعهم المعيشية من سيئ إلى أسوأ. أولاً، تحول تلك العقوبات تماماً دون الاستثمار في البلاد. وفي غياب المشاريع الجديدة وإعادة البناء والإعمار، لن يتمكن المواطن السوري العادي من العثور على وظائف جديدة، فضلاً عن تدهور الخدمات الرئيسية المهمة مثل المياه والكهرباء. ثانياً، تعيق العقوبات الأميركية التجارة في البلاد مع عرقلة قدرة الحكومة السورية على تلقي القروض الأجنبية ورؤوس الأموال اللازمة، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض سعر صرف الليرة السورية مع رفع أسعار الواردات الأساسية مثل النفط والمواد الغذائية. ينبغي على المعسكر المؤيد للعقوبات الاقتصادية في واشنطن أن يلتزم المصداقية بأن العقوبات تزيد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية. إذ تعكس التقارير الواردة في الصيف الماضي عن منظمة «أوكسفام» البريطانية للمساعدات الإنسانية وعن البروفسور جوزيف ضاهر، أن العقوبات الاقتصادية تُرهب المصارف حتى تُحجم عن المجازفة بتحويل الأموال لصالح مشاريع المساعدات الإنسانية في سوريا.
ماذا عن تنظيم «داعش» الإرهابي؟
مما يؤسف له، هناك فجوة كبيرة في الاستراتيجية الأميركية لمواجهة «داعش» في سوريا. فلقد أصبح التنظيم الإرهابي أكثر ضعفاً ووهناً إلى شرق الفرات الذي تسيطر عليه القوات الأميركية وشركاؤهم من قوات سوريا الديمقراطية. وبلغ الضعف بذلك التنظيم أنه لا يستطيع السيطرة على الأراضي هناك، وذلك وفقاً إلى تقرير صادر عن مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية في الشهر الماضي. (وهكذا يستمر وجود القوات الأميركية في سوريا ليس لحماية حقول النفط من عناصر (داعش) فحسب، وإنما للحيلولة دون استيلاء الروس ونظام بشار الأسد عليها). ومع ذلك، فإن قوات «داعش» إلى غرب الفرات هي أقوى من شرقه، وتواصل شن الهجمات على القوات الموالية لبشار الأسد هناك، حتى أن عناصر التنظيم الإرهابي نجحت في اغتيال جنرال روسي كبير في منطقة الجزيرة في شهر أغسطس (آب) الماضي.
إذا كان وجود «داعش» إلى شرق الفرات يمكن أن يشكل تهديداً ضد المصالح الغربية في المستقبل، فإن قوات التنظيم الأقوى إلى غرب الفرات تشكل مثل هذا التهديد سواء بسواء. وليس لدى الحكومة الأميركية من رد واضح على هذا التحدي. ويفيد تقرير مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية بأن القوات العسكرية الموالية لنظام الأسد قد رفعت من معدلات العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» في الصيف الماضي. ومن المفارقات الواضحة أن العقوبات الاقتصادية الأميركية تقلل من الموارد المتاحة أمام الحكومة السورية لمحاربة تنظيم «داعش».
كما يواصل النظام السوري أيضاً الهجوم على محافظة إدلب مع مقتل المزيد من المدنيين السوريين بصورة يومية. إنه نظام وحشي مسؤول عن الكثير من جرائم الحرب والمجازر المدنية. ولكن، ليس هناك في سوريا ما يمكن وصفه باليسير أو البسيط. ففي نهاية الأمر، تؤدي الإجراءات الأميركية الرامية إلى إجبار نظام الأسد على تقديم التنازلات السياسية ووقف الهجمات على المدنيين إلى إلحاق المزيد من الأضرار بالمدنيين السوريين أنفسهم، فضلاً عن تعقيد مجريات القتال ضد التنظيم الإرهابي هناك.
مع بدء فريق الرئيس المنتخب جوزيف بايدن في العمل اعتباراً من الشهر المقبل، فإنهم في حاجة إلى التفكير العميق في حقيقة الأولويات الأميركية في سوريا، والآثار المترتبة على سياسات إدارة الرئيس ترمب هناك، وحقيقة ما يمكن – وما لا يمكن – للولايات المتحدة إنجازه على أرض الواقع في سوريا.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»
——————————-
روبرت فورد والبحث عن إكمال المهمة/ يحيى العريضي
لم ألتق روبرت فورد، لكنني أعتقد أنه مِن بين أكثر الأشخاص الذين ألحقوا الأذى بالثورة السورية؛ وخاصة تلك الزيارة التي قام بها باكراً إلى مظاهرة حماة الشهيرة متعمداً وبخبث، وربما بتيسير وقصدية من منظومة الاستبداد، كي يتم وصم انتفاضة سوريا بالارتباط بأميركا العدو التقليدي لسوريا؛ حيث كان نظام الاستبداد يترك له الحبل على الغارب، ليشرّق ويغرب ويغرد في سوريا، ليثبت مقولة “المؤامرة الكونية”، وعلى رأسها أميركا. ولا بد أن تقاريره من سوريا ساهمت بتشكيل سياسة إدارة “أوباما” تجاه القضية السورية.
صعب على السوريين أن ينسوا عبارة أطلقها روبرت فورد بعد شهرين من انطلاقة الانتفاضة السورية زارعاً بذور إعطاء الصراع صفة الطائفية أو “الحرب الأهلية”، وهي: “لن نسمح بإبادة العلويين” في سوريا. ولم يعر اهتماماً بتوصيف بلده بالمخادع، إمعاناً بزرع الإحباط والهزيمة في نفوس السوريين المنتفضين على الاستبداد والفساد، عندما كتب يوماً: “أميركا والغرب أوهموا المعارضة بإسقاط النظام خلال أيام”. وحقنا أن نسأل هاهنا: إذا كان فورد يعلم ذلك، لماذا شارك بهذا الإيهام؟
بعد خروجه من وظيفته تحول “فورد” إلى بوق من السموم الإحباطية والتشويهية لقضية السوريين. فكل أسبوع يطالعنا بمقال له في صحيفة “الشرق الأوسط”، يمزج فيه السم بالدسم. آخر مساهماته كان مقالاً بعنوان: “هل اقتربت أميركا من الانتصار في سوريا؟” حيث يفنّد بمرافعة عصماء إحاطةً حول سوريا قدمها “جويل ريبيرن” أمام لجنة في الكونغرس الأميركي، تركّزت حول دحر داعش، واقتلاع إيران من سوريا، وتأثير “قانون قصر”؛ والتي أضحى جناها وتأثيرها، كما قال “ريبيرن”، في “متناول الأيدي”. وفي كل هذه القضايا، يرى فورد في مقاله أن إدارة ترامب فشلت.
إذا كانت ادارة “ترامب” قد فشلت؛ فبالتأكيد مَن أسس لهذا الفشل هو إدارة رئيسه “أوباما”، ومساهمة نصائحه واقتراحاته. ليس هذا هو المهم في فشل أو نجاح أميركا بمقاربتها للقضية السورية؛ بل الرؤية التي يقدمها فورد تجاه هذه المسائل الثلاث، والتفسيرات للإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب بخصوصها، ومقترحاته حول مرتكزات هذه السياسة.
بالنسبة لداعش يرى “فورد” بأنها ضعيفة شرق الفرات بحكم الوجود الأميركي؛ وأقوى غرب الفرات؛ ولكن الوجود الأميركي شرقاً ليس بسببها، بل لحماية آبار النفط. وتصل به الأمور للقول إنه بإمكان أميركا أن تدعم نظام الأسد عسكريا حيث يحارب داعش غرب الفرات. عملياً الذريعة التي دخل تحتها التحالف الدولي، وعلى رأسه أميركا، كان لمحاربة داعش؛ وكذلك كان التدخل الروسي. وبطرحه هذا؛ وكأننا نسمع بوقاً روسياً أو أسدياً.
لو كان فورد صادقاً فعلاً، لقال إن حجة النظام والروس وأميركا بداعش لم تعد قابلة للبيع. يعزز فورد تأثير داعش في الصراع في سوريا، ويكاد يحصر خطرها على نظام الأسد تحديداً؛ وأن من يقاومها فقط هو نظام الأسد؛ ومن هنا يقترح دعماً في مقاومتها غرب الفرات. المهم أن يقول إنها لاتزال خطراً، وعلى النظام حصراً. وأميركا لا تقول الحقيقة بهذا الشأن. وكأننا أمام ناطق باسم منظومة الأسد.
بخصوص إيران، يريد فورد أن يزيد من إحباط السوريين تجاه بقاء إيران متغلغلة ببلادهم، لأن كل محاولات إخراجها المتناقضة مع دفع سوريا “فرق عملة” في الاتفاق النووي الأوبامي-الإيراني (والذي ساهم بإخراجه) تبوء بالفشل. ففصل نظام الأسد عن نظام الملالي كفصل توءم سيامي. وما التبجح الأميركي بالضغط لإخراج إيران إلا حالة عبثية تلعبها وتدّعيها أميركا. بالمختصر، يريد أن يقول إن سياسة إدارة ترامب بهذا الصدد كانت فاشلة. ولا يضيره بهذا الصدد رشق بعض الأوصاف للنظامين الأسدي والإيراني بأنهما متشابهان بدكتاتوراتهما وقمعيتهما لذر الرماد في العيون. الشيء الوحيد الذي لم يقله فورد بصراحة فجّة، ولكن أراد إيصاله مواربة لإدارة “بايدن” القادمة- التي يتطلع أن يكون له مكان فيها- هو ضرورة خروج أميركا من الشمال الشرقي السوري، وتمكين الثلاثي الإيراني الأسدي من غزو غرب الفرات وإدلب تحت يافطة إغراقهم أكثر بالمستنقع السوري؛ الأمر الذي يفيد أميركا في المحصلة النهائية حسب التفكير السائد.
العجب العجاب نقرأه بمرافعة فورد حول “العقوبات الأميركية”، واعتراضه عليها؛ والتي تشبه تماماً اعتراضات موسكو. فهي برأيه لا تجدي. يقول بسخرية إن إدارة ترامب تعتبر الطوابير في سوريا إنجازًا سياسيا لها، معتقدة بأن ذلك الضغط سيجبر الأسد على الانخراط بالعملية السياسية؛ وهذا برأيه وهم. نعم قد يكون وهماً، فالطوابير والحاجة قبل القانون. الأمر الذي لم يقله، هو أن روسيا هي التي لا تسمح بفتح معابر لوصول المساعدات الإنسانية. حتى منظومة الكذب الاستبدادية ترفّعت عن ذكر تأثير عقوبات قانون قيصر على الوضع الاقتصادي لسوريا من باب التحدي والمكابرة، إلا أن روبرت فورد كان أكثر صراحة بهذه المسألة، وهدفه تبرير تنويم قانون قيصر في أدراج الإدارة التي خدم فيها؛ وكأننا بروسي أو إيراني يرافع عن النظام ومنظومات الاحتلال. فبرأيه، تلك العقوبات تعرقل الاستثمار في سوريا وتمنع ورود الأموال؛ ثم يسعى لذر الرماد في العيون ثانية بوصف النظام الأسدي بأوصاف قبيحة كي يظهر “حياديته”، ويثبّت أن النظام لا يستجيب بالقوة بل من خلال السماح بتدفق المساعدات، متغافلاً عن أن منظومة الأسد تضع يدها على المساعدات وتحرم مستحقيها منها، وتحولها إلى أداة لقتلهم أو إذلالهم.
أخيراً، كم هي كبيرة ومجزية تلك الخدمات الاستخبارية التي قدمتها منظومة الاستبداد لكثير من الدول وعلى رأسها أميركا، كي يتجنّد ممثل لدولة عظمى في خدمة هذه المنظومة الاستبدادية، التي تصافق على بلدها وشعبها، وتستمر بادعاء السيادة والمقاومة والممانعة! وكم هو رخيص ذاك الذي يبحث عن موقع له في الإدارة الأميركية القادمة، لإكمال مهمته في حماية المستبد؛ حتى ولو استلزم ذلك سحق حقوق الإنسان التي يتشدق بها.
تلفزيون سوريا
—————————-
الطريق إلى دمشق/ حسن إسميك
تُوصف “اللحظة المهمة، والتي عادة ما تؤدي بصاحبها إلى تحول جذري في الموقف أو المعتقد” بالإنكليزية بأنها The Road to Damascus (طريق دمشق)، وهو مصطلح مبني على لحظة اعتناق بولس الرسول المسيحية، وذلك أثناء توجهه من القدس إلى دمشق التي انطلقت منها دعوات المحبة والتسامح والسلام والتعايش.
واليوم، يبدو طريق دمشق لأطراف كثيرة ضبابياً، ففي حين بدأت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وتونس تعيد العلاقات الديبلوماسية مع سورية، لا تزال دول عربية أخرى تعتقد بأن الأخيرة لم تقدم ما يكفي لاستعادة عضويتها في جامعة الدول العربية.
وغيابُ الإجماع هذا يُبقي دمشقَ وحيدة معزولة عن بيئتها العربية التي لطالما كانت هي من أركانها المتينة.
إن استمرار وضع سورية على ما هو عليه وبقاءها خارج المنظومة العربية ليس في مصلحة أي طرف بما في ذلك الحكومات العربية والغربية. وقبل هذه وتلك، لا ننسى ما تسببه هذه الحالة من عذابات للشعب السوري المنهك والمُحاصر.
والواقع أن تطبيع علاقات سورية مع محيطها العربي لا ينطلق من النوايا الحسنة والأخوة العربية فقط، على رغم أهمية هذين العاملين، بل من مجموعة ضرورات سياسية واقتصادية تلعب وستلعب دوراً كبيراً في حاضر المنطقة ومستقبلها. وهذا يستدعي من الجامعة العربية أن تبادر إلى التواصل مع دمشق، لطي صفحة الصراع والحرب بأسرع ما يمكن، وبدء صفحة جديدة من التعاون المشترك، بما يمكّن سورية من النهوض من تحت الأنقاض، ويسمح بالحفاظ على أرواح المدنيين، والقضاء على ما تبقى فيها من الجماعات الإرهابية، ويمنع تحولها إلى هدف سهل أمام أطماع الهيمنة الإقليمية، سواء كانت إيرانية أم تركية.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل موقف الغرب أولاً فهو سيلعب دوراً كبيراً في إعادة إعمار سورية عند تحليل العوامل الخارجية التي تؤثر على دخول سورية من جديد في المنظومة العربية. ستواجه الدول العربية، وفي مقدمها دول الخليج العربي الراغبة في تطبيع العلاقات مع دمشق، تحديات قوية، لأن خطوتها ستتعارض مع العقوبات الأميركية، كما ستصطدم بمواقف الكيانات السورية الرئيسة المختلفة والمتباينة.
وفي المقابل فان استمرار هذه العقوبات، وسياسة الضغط عموماً، لن يؤتي ثماراً في سورية بل سيزيد فقط من معاناة أهلها. وقد أشرنا في مقال سابق إلى أن التعاطي مع سورية يجب أن يراعي خصوصيتها، فلا يجري التعامل معها كإيران مثلاً.
لقد ارتكبت الإدارات الأميركية السابقة عدة أخطاء في سورية، ما سمح إلى حد كبير بانتشار تنظيمات إرهابية من جهة، وتدخل مليشيات مدعومة من إيران من جهة ثانية، وساهم من ناحية ثالثة في تمكين تركيا من احتلال أراض واسعة شمال سورية، لتحقيق مطامعها بتحويل هذا البلد العربي إلى عمق استراتيجي لها، وتنفيذ مخططها للهيمنة على شرق المتوسط برمته ونشر “الإسلام السياسي”. لذلك تتحمل إدارة الرئيس جو بايدن مسؤولية مراجعة الاستراتيجية الأميركية في سورية، وإعادة صياغتها بما يناسب المصالح العربية والأميركية في المنطقة.
على هذا الصعيد، ينبغي أن تدرك الولايات المتحدة أن كلّ يوم تضيعه بوقوفها عائقاً أمام عودة سورية إلى المنظومة العربية، يوفر فرصة إضافية أمام إيران لتعزيز تغلغلها في سورية ويزيد بالتالي من صعوبة الحد من نفوذ طهران هناك، أي يساهم في عرقلة تحقيق واحد من أهم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وهو احتواء الخطر الإيراني.
كما يجب على واشنطن أن تضع في حسبانها أن زيادة انخراط دمشق مع العالم العربي الأوسع، والمشاركة الاقتصادية العربية الكبيرة في مشاريع التعافي السورية، ستجعلها بلا شك ومع مرور الوقت أكثر اعتدالاً، وإن لم تدفعها إلى التخلي عن معسكرها مباشرة. وهذا هدف ثانٍ لطالما سعت الولايات المتحدة إلى تحقيقه في المنطقة.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه ألسنة اللهب في لبنان الغارق في أزمة متفاقمة ذات وجوه متعددة يبدو أنه لم يستطع الإفلات من براثنها منذ أشهر عدة، يجدر بواشنطن وسدنة العالم الغربي الذين يؤكدون قلقهم المتزايد على لبنان، أن يدركوا أن لا خلاص له من مشكلاته العميقة في معزل عن سورية. بعبارات أخرى، ليس من قبيل المبالغة القول إن سورية ولبنان صنوان، وما يصيب أحدهما يشتكي منه الآخر. ومن يعرف البلدين وعلاقاتهما التاريخية المتشابكة على أكثر من صعيد، يعرف حق المعرفة أن دمشق لاعب رئيس لا بد منه لإيجاد الدواء الناجع لآلام لبنان.
فالتغيرات الدراماتيكية التي جرت أخيراً في المنطقة العربية، أفرزت نمطا” جديداً من العلاقات العربية-الإسرائيلية آخذاً في الزيادة والإتساع. ولدعم مسار هذه العلاقات لا بد من العمل على إعادة سوريا الى الصف العربي وايجاد حل لقضية الجولان بهدوء وروية، بعيداً عن الخطابات الطنانة الرنانة التي لم تغنِ ولم تسمن من جوع على امتداد نصف قرن. لقد كان موضوع الجولان دائماً ذا حساسية خاصة منذ عام 1967إذ كان بؤرة الخلاف وأس المشكلات، فكل طرف يتمسك بموقفه منه ويسعى لتكريسه. لذلك لا بد من بذل المزيد من الجهود للتوصل إلى حل عادل يُرضي الأطراف كلها. ومن ينظر الى الأمر بعين الحكمة يرى أن استعادة سورية موقعها الطبيعي في قلب المنظومة العربية والإقليمية ستعني بالضرورة أنها ستصبح مهيأة وقادرة من حيث المبدأ للعمل على تحرير المنطقة من الإسلام السياسي عامة ومن الإرهاب الذي فتك بها على وجه الخصوص.
هكذا يبدو مفتاح حلّ قضية الجولان في يد واشنطن، فلتسرع بقيادة الرئيس المنتخب جو بايدن حين يدخل البيت الأبيض في الشهر المقبل بإنهاء عزلة سوريا على الصعيدين العربي والعالمي، حتى تجد المشكلة المستفحلة خواتيمها بمباركة الأطراف ذات العلاقة كلها.
لكن من الخطأ تحميل أميركا وحدها تبعات تفاقم الأوضاع في سوريا، فقد حان الوقت كي تصحح الدول الأوروبية أيضاً أخطاءها في سورية. فهي ما زالت “تتباكى” بدموع التماسيح على محنة “المدنيين” في محافظة إدلب، التي يسيطر عليها إرهابيون من بقايا التنظيمات التي انتشرت في مرحلة سابقة في سورية، وعلى رأسها تنظيم “جبهة النصرة” التابع لتنظيم “القاعدة”، رغم إنكاره ذلك. والمفارقة أن هذه الدول نفسها تغضّ الطرف عن التدخل العسكري التركي عبر قوات برية حكومية ومقاتلين مناهضين للحكومة الشرعية في دمشق، كما تشيح بوجهها بعيداً عن الدمار والتهجير والضحايا التي يخلّفها الغزو التركي وراءه، كرداً كانوا أم عرباً.
ورغم ذلك… لم تتضح، حتى الآن، الكيفية التي ينوي الاتحاد الأوروبي التعامل من خلالها مع مستقبل سورية، مع العلم أن هذه الدولة تعتبر ملفاً حساساً للغاية بالنسبة للأمن والهوية والمصالح السياسية والاقتصادية الحيوية لأوروبا، إذ يعيش نحو مليون من أبنائها كلاجئين في دول القارة العجوز، ويرضخ الاتحاد في حالات كثيرة للضغط التركي خوفاً من أن تنفذ أنقرة تهديداتها بإغراق دول أوروبية باللاجئين الجدد إذا ما فتحت الباب أمام نحو 3.6 مليون لاجئ سوري يقيمون على أرضها. لذا يجدر بأوروبا، وعوضاً عن مواصلة الجهود لعزل دمشق، وعرقلة المبادرات التي من شأنها إعادة الاعتبار للحكومة السورية على المسرح الدولي، أن تخفف الضغط على دمشق ما سيسمح لها بإنهاء التنظيمات الإرهابية العاملة على أرضها، بما فيها تلك التي تضم الإرهابيين الأوروبيين الذين تخشى دول الاتحاد عودتهم إليها. والواضح أن إعادة الإعمار الحقيقية ستوفر الفرصة لكثير من اللاجئين، لاسيما أولئك الذين يعيشون في المخيمات التركية كي يعودوا إلى سورية. وعليه فإن من مصلحة أوروبا أن تساعد سورية على تطبيع علاقاتها الدولية، لا أن تبقيها حبيسة أسوار العزلة الخانقة.
في سياق الحديث عن الأطراف المعنية، لا يمكننا إلا أن نؤكد على ضرورة الوقوف عند هواجس دمشق، لأن عودتها وانخراطها في المجتمع العربي والدولي عموماً تتطلب منها تقديم الكثير من الضمانات، ترتبط بالحدّ من النفوذ الإيراني في سورية، وضمان أمن وسلامة اللاجئين الراغبين بالعودة وعدم استهدافهم بأعمال انتقامية. بالإضافة إلى هذا كله، ستتكفل دمشق بإنفاق أموال إعادة الإعمار بشكل نظيف وحماية هذه المخصصات من الفاسدين. ومن المهم أيضاً أن تكون المفاوضات والاتفاقات هي الوسيلة التي يجري من خلالها تلبية مطالب الأطراف كلها، فالإملاءات لم تكن يوماً أداة صالحة للتخاطب مع دمشق.
ويبدو أن القيادة الإماراتية كانت سبّاقة إلى إدراك هذه الحقيقة، الأمر الذي حملها على إعادة مد جسور التقارب وفتح سفارتها في دمشق أواخر العام 2018. وانطلقت الإمارات في خطوتها الشجاعة تلك من قناعتها بأن الحوار، وليس الإقصاء، هو سبيل الحل. وهذا ما عكسته تغريدة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2018، التي قال فيها إن “الدور العربي في سوريا أصبح أكثر ضرورة تجاه التغوّل الإقليمي الإيراني والتركي، وتسعى الإمارات اليوم عبر حضورها في دمشق إلى تفعيل هذا الدور وأن تكون الخيارات العربية حاضرة وأن تساهم إيجاباً تجاه إنهاء ملف الحرب وتعزيز فرص السلام والاستقرار للشعب السوري”.
وباعتبار أن ما يربو على عشر دول عربية تقيم علاقات سياسية ومباشرة مع اسرائيل، يجب استثمار هذه العلاقات، وفتح الأبواب مجدداً أمام دمشق بهدف الوصول الى سلام مع اسرائيل. وفي هذا السياق يجب العمل وبشكل سريع لإعادة أراضي شرق الفرات الى السيادة السورية الأمر الذي يُعجل في حل الأزمة الخانقة التي تعاني منها دمشق حالياً من ناحية، ويُشجع السلطات السورية على التخلي عن الدعم الإيراني من ناحية أخرى.
وإذا ما أدى العرب دورهم في هذا الملف بالشكل الصحيح، فإن ذلك سيمثل خطوة كبيرة على طريق إعادة إحياء العمل العربي المشترك، ودليلاً على أن العرب ما زالوا قادرين على اجتراح الحلول واتخاذ القرارات المتعلقة بمشكلاتهم وتطبيقها، وإن بدعم ومساعدة الأصدقاء. فالأزمة السورية هي من أعقد الأزمات التي شهدتها البلاد العربية في التاريخ المعاصر، وقد ثَبُت أن حلها لن يكون ممكناً إلا بتضافر الجهود الإقليمية والدولية. وعليه فإن إنقاذ السوريين وتوفير حل سياسي لأزمتهم، التي تفاقمت عقب انتهاء معظم الأعمال العسكرية، يعزز الثقة بالعمل الديبلوماسي العربي، ويزكي شعلة الأمل لدى الشعوب العربية بأنها ما زالت قادرة على تحقيق مستقبل أفضل.
ومن هنا ادعو أبو ظبي كدولة واسعة النفوذ والتأثير لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية العرب بدعم من أميركا واسرائيل يدعى اليه وزير الخارجية السوري لبدء جلسة حوار جدية مفتوحة لرسم معالم حل المسألة السورية من جوانبها كافة.
لهذا كله، أما آن للأطراف كلها، العرب، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وحتى سورية نفسها، أن تجد “الطريق إلى دمشق”؟
النهار العربي
——————————–
لماذا بقي بشار الأسد/ خالد المطلق
“لا أخطر على الإسلام من أن تشوه معانيه وأنت تلبس رداءه وهذا ما فعله الإخوان المسلمون” كان هذا جزء بسيطا من خطاب حافظ الأسد 1982 بعد قتل قرابة 40 ألف مواطن سوري في 30 يوماً وتسوية أحياء كاملة في مدينة حماه بالأرض، المدينة التي كانت أحداثها بداية لإعلان دولة والرعب وسلطة النار والحديد التي جعلت سوريا مزرعة لحاكمها، فأصبحت تسمى سوريا الأسد نسبة إلى قائدها الخالد والذي بعد ثلاثين عاماً من الحكم مات!. في هذه الأثناء كان هناك شاب يدرس الطب في بريطانيا عاد إلى بلاد الجمهورية ليحكمها بالوراثة عن أبيه بعد تعديل دستوري على مقاسه تم في ربع ساعة، ضنه الكثيرون مجرد صبي غير متمرس ووصفه الإسرائيليون بالعجينة غير المخبوزة، فكل صفات القيادة التي زرعها حافظ بابنه الأكبر باسل والذي مات عام 1994 في حادث سير غامض لم يرها أحد في بشار لكن إحدى عشرة سنة من الانتظار كانت كافية للدرس الكبير والكبير جداً، بعدها بدء الزرع يأتي أُكله بعد انفجار الشعب السوري في ثورة سلمية عارمة لتتحول من سلمية إلى مسلحة بفعل بطش السلطة وينشق الجيش على نفسه وتتحول البلاد بأسرها إلى ساحة حرب مفتوحة ويخسر الأسد خلال عامين ثمانون بالمئة من جغرافيا البلاد، وبدا أن مصير معمر القذافي ينتظر بشار الأسد لكن الحظ والظروف وقليلاً من الدهاء حول كل شيء فجأة إلى صالح الوريث القاتل ليصمد وتترسخ له السلطة مجدداً ليكون الحاكم العربي الوحيد في الثورات العربية الذي لم يُقتل أو يهرُب أو يُسجن، وهنا السؤال العريض كيف صمد بشار الأسد؟ ولمعرفة الجواب على هذا السؤال لابد أن نعرف العلويون وتماسك الخوف الذي اعتراهم، فالطائفة العلوية تمثل عشرة بالمئة من مجموع عدد سكان سوريا لكنهم يمسكون زمام الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وأظهر الربيع العربي أنهم معبؤون أيديولوجيا وعقائديا للموت دفاعا عن عرش الأسد ونظامه، الذي أقنعهم بأن إضعافه يعني تعرضهم لجحيم انتقامٍ طائفيٍ على يد الغالبية السنية، وزرع في عقولهم أن ثمن المقاومة هو أقل بكثير من ثمن الاستسلام، لهذا تطوع شباب الطائفة المقدر عددهم بربع مليون شخص للقتال ضمن صفوف الجيش من جهة أو ضمن تشكيلات فرعية غير رسمية مثل الدفاع الوطني وما يعرف اصطلاحاً “الشبيحة” وخسر العلويون من خلال هذه التشكيلات ثلث شبابهم في السنوات الخمس الأولى من الحرب.
كان الأسد الابن يعمل على مبدأ لن يسقط النظام عسكرياً حتى لو اُغتيل وزير الدفاع ونائبه ورئيس خلية الأزمة وثلة من كبار القيادات العسكرية إذا لم تسقط العاصمة، التي بقيت بعيدة عن ضجيج الحرب، وهذا ما ادركه الأسد جيداً، لذلك أحكم قبضته الأمنية والعسكرية على العاصمة دمشق المحاصرة أصلا من معسكرات الجيش وقوى الأمن، بل وتمكن من السيطرة على أغلب مراكز المدن السورية الأخرى بمقراتها السيادية كافة، ولم تخرج سوى مدينتين عن سيطرته بالكامل، وبذلك بقي الأسد ممثل الدولة الشرعي، وأخذ مناوئيه باتجاه السيطرة على الأرياف والضواحي، كانت هذه خطة عبقرية بالكامل فبشار عرف تماماً أن السيطرة على غير مراكز المدن لا تعني شيئاً في معادلة الواقع السياسي والعسكري، ومع الوقت قسم هذه المناطق وهادن مدينة وحاصر وجوع أختها، وتدريجياً يمكن أن يستعيد كل شيء، وبما أن عاصمته بخير فنظامه بخير.
في الضفة المقابلة لبشار ظهرت معارضة سياسية ضعيفة هزيلة وهذا يعود لأسباب موضوعية من أهمها أن حافظ الأسد ومنذ عام 1982 منع الأحزاب إلا المنضوية تحت عباءة حزب البعث الحاكم فيما يعرف بالجبهة الوطنية التقدمية ، وبعد انطلاق الثورة كان لابد من تشكل كيانات سياسية تمثل الشعب السوري مثل المجلس الوطني الذي أسس عام 2011، ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عام 2012، وهيئة التفاوض السورية عام 2017، هذه الكيانات فشلت فشلاً ذريعاً في تنظيم المقاتلين والحراك الثوري وتوحيدهم والسيطرة عليهم بل أخفقت حتى في السيطرة على أنفسهم، ففي عام 2014 انشق نصف أعضاء الائتلاف عنه وانقسمت هيئة التفاوض على نفسها، وبالمحصلة فشلت المعارضة السياسية في تقديم بديل واقعي للأسد، بينما كان المقاتلون في الداخل يقدمون أنموذج فريد للخلاف فيما بينهم عنوانه الاقتتال.
لقد كانت الفصائلية هي الداء الذي لم تشفى منه الثورة حتى الآن فالجميع يريد اقتسام الكعكة قبل الحصول عليها وكثرة القادة هي أكثر المشاكل التي عصفت بالثورة السورية منهم المتشددون التابعون للقاعدة، والسلفيون، والإخوان المسلمون ومن لف لفهم، والعلمانيون المدعومون من أمريكا والغرب، فصائل بالمئات لكل منها له مشروع سياسي مستقل أو بلا أي مشروع تقتتل بشكل شبه يومي.
عمل الأسد وحلفائه وأصدقائه بكل طاقتهم لاحتواء الثورة وتفكيك شيفرتها، وعندما تمكنوا من ذلك كانوا قد عرفوا من هي الشخصيات التي تتحكم بالثورة على المستوى العسكري والحراك السلمي وهنا بدأت الاغتيالات على كافة المستويات فقُتل الكثير من القادة في ظروف غامضة وغير غامضة، لاسيما الذين أفرزتهم الثورة في أيامها الأولى أمثال مشعل تمو والدكتور عدنان وهبه وعبد القادر الصالح وأبو فرات وغيرهم الكثير من القادة الأوائل وكانت أصابع الاتهام تشير إلى نظام الأسد وكأنه يريد أن يبقي نوعاً واحداً من المعارضين، النوع الذي يخشاه العالم ويمكن وسمه بالإرهاب بسهولة، والذي يتمثل في داعش والنصرة وبعض الفصائل الراديكالية وللحقيقة كان تنظيم الإخوان المسلمين الشريك الحقيقي للأسد في هذه المهمة من خلال شراء ذمم الكثير من قادة الفصائل وإبعاد كل من له تأثير حقيقي على الثورة وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة بالإضافة إلى تشكيل فصائل خاصة بهم حرصت أن لا تشارك في أي معركة حقيقية ضد قوات الأسد وحلفائه خاصة ضد الفصائل الإيرانية التي تتحالف وبشكل علني مع قيادات إخوان سوريا الطامحة لاستلام الحكم في سوريا أو حتى مشاركة الأسد في بضع وزارات حتى لو كانت وزارات غير سيادية وهذا ما أكده نائب المرشد السوري في احدى مقابلاته على أحد التلفزيونات العربية عندما صرح وبوضوح بأن نظام الملالي في طهران موافقين على تسليم السلطة للإخوان أو مشاركتهم الأسد الحكم في سوريا وإن هناك قواسم مشتركة عقدية تجمع بين الطرفين.
عوامل داخلية عديدة اجتمعت علويون متماسكون وعاصمة بأمان ومعارضة هزيلة لكن ما الذي كان يجري في الخارج ابتداءً من أمريكا في عهد أوباما الذي طعن الثورة السورية وأعطى الرخصة ليجتمع كل القتلة على الأرض السورية، كما نسي أوباما خطه الأحمر عندما استخدم الأسد السلاح الكيماوي ضد أهل الغوطة الشرقية قرب دمشق العاصمة، ونجى الأسد من جريمته وكان هذا إعلان انسحاب أمريكا من المشهد السوري والسبب أن أوباما لم يريد الاشتراك في أي حرب بعد سحب قواته من العراق، وبهذا قويت شوكت الأسد كما شجع هذا حلفاء الأسد الصادقين معه على التدخل بشكل أكثر فأكثر لصالحه، فالحليفان الرئيسان لبشار لا يستهان بهما، فالمرشد الإيراني أعطى الأوامر بوضع كل الخطط والبرامج لإبقاء الأسد، فتدخل حزب الله اللبناني بعشرين ألف مقاتل، وحضر الحرس الثوري الإيراني بأغلب قادته وقواته إلى أرض المعركة، ناهيك عن أربع وستون فصيلاً طائفياً جندهم الحرس الثوري الإيراني من كافة بلدان العالم تحت شعار الجهاد المقدس، وبالتوازي كان الحليف الروسي يستخدم الفيتو لتعطيل أي قرار أممي يوقف قتل الشعب السوري، ويقدم الدعم العسكري والفني لقوات الأسد، ومن ثم بدأ في زج طيرانه وقواته الجوية بشكل مباشر في المعركة ابتداء من نهاية أيلول عام 2015 ليقلب الموازين بشكل كبير، أدى هذا إلى إعادة سيطرة الأسد على معظم الأراضي التي خسرها طوال سنوات من القتال، وللحقيقة أقول أن القوة العسكرية الجوية الروسية لم تستطيع تحقيق كامل أهدافها العسكرية لولا التفاف الروس مع حليفهم الإيراني عبر مؤتمرات الاساتانا وسوتشي التي قسمت المناطق المحررة إلى أربع مناطق سرعان ما تم تسليمها وفق سيناريوهات متشابهة تقريباً اعتمدت على عاملين أساسيين الأول تخاذل قادة الفصائل العسكرية التابعين للإخوان المسلمين والفصائل الراديكالية الأخرى والتي شاركت في مؤتمرات الاساتانا، والعامل الثاني سياسة الأرض المحروقة التي استخدمها الطيران الروسي والتي طالت أغلبها الأحياء السكنية والأسواق الشعبية والمستشفيات والتي كانت سبب رئيس في تهجير ما يقارب خمسة ملايين مواطن سوري من منازلهم وقراهم وبلداتهم.
كانت هناك أيضاً عوامل خارجية كثيرة ساعدت في بقاء الأسد كان من أهمها ضعف حلفاء الشعب السوري خاصة الدول العربية نتيجة تفرقهم وسعيهم لاقتسام الكعكة قبل الحصول عليها، مما زاد في تفرقة صفوف من استولوا على مؤسسات الثورة السياسية والفصائل العسكرية، والتي تطور الخلاف فيما بينها إلى درجة الاقتتال، مما أضعف جميع هذه الفصائل وخسرت الثورة من خلال هذه المعارك الكثير من خيرة شباب سوريا.
خلاصة القول إن ما حدث لسوريا والسوريين خلال تسع سنوات عجاف لم يكن يتوقعه أحد إذ خسرت سوريا اقتصادها لمدة لا تقل عن أربعين عاماً، كما خسرت جيشها للأبد وخسر السوريون جُل أملاكهم وأبنائهم، وصمد الأسد، أما سوريا فباتت أرضاً لكارثة القرن، ويبقى الأسد على رأس جيش تدمر بالكامل، وجغرافيا مقسمة بين القوى العظمى وغير العظمى لا يسيطر فيها إلا على 55% من مساحة البلاد، ويبقى الأسد كأسواء سمعة لحاكم حي على سطح الأرض، الحاكم الذي دمر جيشه بيده وابتدع أبشع الطرق الإجرامية لقتل شعبه، وضحى بأبناء طائفته بيده، ويبقى الأسد بكرسيه فقط ويبقى معه سؤال مهم جداً على من بالتحديد انتصر بشار الأسد؟!
( كلنا شركاء )
———————————-
بشار الأسد وابن خاله غينادي/ مهند الحاج علي
أنطون مارداسوف، أحد الكتاب الروس المتخصصين في السياسة السورية لموسكو، كتب في مقالة له عن مآلات التدخل بعد مضي خمس سنوات عليه، أن “سوريا باتت أكثر أهمية لروسيا، من روسيا لسوريا”. من الصعب تحليل السياسة الروسية في سوريا التي لا تقف عند حدود السياسة الخارجية، بل تتشابك فيها القطاعات المختلفة في عالم الأعمال، من الصناعات العسكرية الى شركات النفط والطاقة والاتصالات والصحة والغذاء والزراعة والسياحة والمال والتعليم والتنقيب والأمن وغيرها. ذُكرت أكثر من خمسين شركة روسية في الإعلام السوري إلى الآن، بما خص الاستثمارات أو العقود المحلية، والرقم إلى ازدياد، بما يدل على تشابك واسع النطاق.
ونشاط الشركات الروسية لا يتوقف في هذا القطاعات، وهي أساسية طبعاً، بل يتجاوزها بشكل متواصل، كما حصل الشهر الماضي في قطاع الكهرباء السوري، إذ فازت شركة “ستوري إكسبرت ميدل إيست” الروسية برخصتين لإنشاء محطتي كهرباء تعملان بالطاقة الشمسية.
لكن ماذا يعني ذلك بالنسبة لسوريا؟
أولاً، من الصعب الحديث عن ضغط روسي غير عادي من أجل إيجاد الحد الأدنى في أي عملية انتقالية ضمن مسارات التفاوض بين النظام والمعارضة. الاستثمارات الروسية في سوريا تتطلب ديمومة النظام ومساعدته في هذا المجال. الضغوط الروسية على النظام تكتيكية، ولا تنال من رأسه أو طبيعته الشمولية.
ثانياً، الأوليغارشية الروسية النافذة باتت جزءاً من السياسة السورية. وهذه دينامية جديدة لا بد من التدقيق فيها. أباطرة الاعمال والاحتكار في روسيا يتنافسون في ما بينهم، وأيضاً مع رجال أعمال محليين. هذا الصراع بشقيه قائم، وقد يكون وراء بعض الحملات على رجال الأعمال السوريين الموالين للنظام.
ثالثاً، مع مضي الوقت، وفي ظل التوتر المتزايد في العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة، الأرجح أن أهمية سوريا كنافذة فرص ستزداد. ذلك أن الاتجاه الحالي يُظهر دوراً روسياً ناشطاً في إعادة الإعمار، وهذه ورقة أساسية بالنسبة لموسكو في سعيها لجذب استثمارات خليجية. عملياً، ورقة اللاجئين بالنسبة لروسيا اليوم، مفيدة في اطار التفاوض على الحل النهائي في سوريا والتفاوض. وفي حال حصول سوريا على استثمارات في عملية إعادة الاعمار، إما مباشرة من خلال الدول ذاتها، أو عبر رجال أعمال وشركات وسيطة، سيلعب رجال الأعمال الروس النافذين وشركاتهم العملاقة دوراً رئيسياً في تعويض موسكو عن استثمارها في الحرب السورية.
لن يكون هذا الدور أو النفوذ المالي للأوليغارشية الروسية بعيداً عن الوضع الداخلي لبلدهم. بيد أن “المكافآت” السورية جزء من عدة السيطرة البوتينية على هذه المجموعة، وإدارتها. كما أنها تُتيح اتساع دائرة المستفيدين، على طريقة “فتح الأسواق” إبان الحقبة الاستعمارية في القرون الماضية.
واللافت أن لكبار الأباطرة وشركاتهم ممثلين روس في دمشق، لا بد أن يكونوا على اتصال بالقوات العسكرية والأمنية الروسية في سوريا. ومع انحسار دور المحتكرين السوريين من رامي مخلوف الى الجيل الجديد من أمثال سامر فوز وأيمن جابر، علينا توقع نشوء طبقة أعمال روسية في سوريا. عملياً، سنرى نسخاً روسية من رامي مخلوف وجابر وفوز وغيرهم، لكنهم لن يكونوا مدعومين بالمحسوبية وعلاقات النسب القبلية، بل بقواعد عسكرية وأجهزة أمنية ومافيات وفيالق سورية دربتها موسكو.
عملياً، قد نتحدث مستقبلاً ولو على سبيل المزاح، عن بشار الأسد وأولاد خاله الروس، مثل غينادي تيموتشنكو (مالك شركة تحتكر الفوسفات السوري)، وغيره الكثيرين.
المدن
——————————-
سوريا: ثماني سنوات حرب/ عمر قدور
مع نهاية عام2012 كانت سلطة الأسد قد نجت من الخطر الذي يهدد سيطرتها على دمشق، بل كانت قواتها “مع ميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني” قد أخذت زمام المبادرة في الهجوم، ومن ثم فرض حصار على مناطق في غوطَتي دمشق. عملياً انتهت معركة العاصمة، على الصعيد العسكري بانكفاء الفصائل المهاجمة إلى وضعية الدفاع خلال السنوات اللاحقة، ورمزياً بما كانت تحمله هذه المعركة من وعد بإسقاط النظام.
منذ ذلك التاريخ صار المعنى الحقيقي لتشجيع فصائل محسوبة على المعارضة، وأحياناً فصائل غير محسوبة عليها، هو عدم تسليم سوريا كاملة لبشار الأسد كي ينكّل بالمناطق المُستَرجعة وبفكرة الثورة من أصلها. لسان حال جمهور الثورة كان أن لا يربح بشار، وأن تكون الثورة قد تسببت بخسارته رغم فشل الخيارين السلمي والعسكري. أي أن الافتراق بدأ، منذ ذاك الوقت، بين الخيار العسكري والحرب لصالح منطق الأخيرة وحساباتها غير المبدئية في معظم الأحيان، وحتى القذرة في الكثير من الأحيان.
سيتضح، مع مرور قليل من الوقت، أن إدارة أوباما قد أعطت الإشارة بتحول سوريا إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي تحت مسمّى “لا وجود لحل عسكري في سوريا”. تلك كانت العبارة التي راح يتناوب على تكرارها مسؤولو إدارته، ثم جرى تردادها من مسؤولين غربيين آخرين بحكم الأمر الواقع. فحوى العبارة هو عدم إسقاط بشار، أو ليس قبل أن تُستنزف إمكانيات هذه الساحة وأن تُمتحن قدرات المنخرطين فيها. استكمالاً لما سبق، لن يمر وقت طويل قبل بدء الحديث عن “تصفير بشار”، أي جعل قيمته صفراً في الصراع الدائر بدل أن يكون مركزه وفق الثورة عليه، وهو ما سنراه جلياً مع التدخل الإيراني ثم الروسي لحمايته، وإلحاح الروسي منهما على إبراز تلك القيمة المعدومة.
كما نذكر كان الحديث عن “أسلمة الثورة” قد بدأ، مع انتباه أقل من أصحابه إلى التدخل الإيراني “عبر حزب الله والحرس الثوري أولاً”، وبشعارات مذهبية كان يمكن وضعها في خانة استفزاز الجانب المقابل لو لم تكن وظيفتها الأولى والأصلية شدّ عصب الجمهور المحلي. على أية حال، لم تكن جولة ما سُمّي “الصراع الشيعي-السني” بعيدة عن “لا وجود لحل عسكري في سوريا”، إنها أول ترجمة “إقليمية” للتوجه الأمريكي. لم تختر الدول الخليجية الداعمة العروبة كمدخل للصراع مع النفوذ الإيراني، والعصب العروبي لم يكن من عدّتها يوماً بل كان دائماً من عدة أنظمة ساقطة أو قيد السقوط، بخلاف التيارات الإسلامية الصاعدة، وأيضاً بخلاف المزاج الخليجي العام ونظيره الرسمي الذي لم ينقلب بعد ليصم الربيع العربي كله بالأسلمة.
تحت لافتة “الصراع الشيعي-السني” دارت أول حرب خارجية في سوريا، وانتهت عملياً إلى خسارة الطرفين الإقليميين، فلا المحور الخليجي الذي كان داعماً استطاع إحراز انتصارات يُعتدّ بها، ولا طهران وميليشياتها التي أصبحت تعدّ بالعشرات تمكنت من السيطرة على سوريا. لم يكن تفصيلاً هامشياً في هذه الجولة توافد جهاديين من تنظيمات معروفة سابقاً أو اصطناع تنظيمات جهادية جديدة، خاصة بعد الهجوم الكيماوي على الغوطة والتسامح الأمريكي معه، فاستدراج الجهادية السنية كان في صميم الرغبة الأمريكية، وإلى حد ما رغبة دول أوروبية، للتخلص من متطرفي الطرفين، الأمر الذي عبّر عنه أوباما بصراحة في حديث تلفزيوني بعد نحو عامين.
كان أيمن الظواهري قد دعا في شباط2012 إلى الجهاد في سوريا، وسبقه بشهر الإعلان عن إنشاء جبهة النصرة بقيادة الجولاني، إلا أن تمكن الجهاديين وسيطرتهم على مساحات واسعة “على حساب الفصائل التي حررتها من الأسد في كثير من الأحيان” أتى لاحقاً، ليشتد إثر الهجوم الكيماوي. وفي أفصح تجلّ لمفهوم الساحة، سيأتي الجهاديون الشيشان والإيغور كأنهم يخوضون في سوريا الحرب ضد موسكو وبكين المساندتين لبشار الأسد، بينما سيأتي جهاديون غربيون غاضبون أيضاً من السياسات الغربية، ويحمّلونها مسؤولية العديد من مشاكل المنطقة وصولاً إلى مسؤولية الغرب عن بقاء بشار في الحكم.
لعل أهمية تحويل بلد إلى ساحة هي أيضاً بمقدار ما تتسع الساحة لأهداف متباينة، فضلاً عن تفريغ فائض العنف الكامن في أماكن أخرى بتكلفة أقل. لقد رأينا مثلاً زعيم حزب الله في خطاب علني يدعو خصومه اللبنانيين إلى ملاقاته للتحارب في سوريا، بمعنى أن يُحلّ الصراع الداخلي اللبناني في ساحة أقل كلفة، وهو معنى كامن أيضاً في التحالف الدولي ضد داعش، إذ كانت الحرب على الأخير في جانب منها حرباً على مقاتلين آتين من دول التحالف ذاتها ومن “المستحسن” قتلهم في أرض لا محاكمات فيها ولا قوانين تمنع عقوبة الإعدام. على سبيل المثال، عبّر 89% من الفرنسيين عن قلقهم من عودة المتطرفين إلى البلاد، بينما رفض 67% حتى عودة القاصرين المولودين من أبوين جهاديين، وفق استطلاع أجري في شباط2018، بينما كان الموقف الرسمي ينص على محاكمة أولئك المتطرفين في المكان الذي ارتكبوا فيه جرائمهم مع تكرار موقف السلطات الفرنسية الرافض عقوبة الإعدام المطبّقة هناك!
في نهاية أيلول2015 أسدل التدخل الروسي الستار رسمياً على حقبة “الصراع الشيعي-السني”، ثم “على مراحل” طويت حرب استنزاف قوات الأسد والحليف الإيراني، أبرزها كان قبل أربع سنوات مع تسليم حلب. موضوعياً، كان لطي تلك الحقبة أن يبرز صراعات جديدة، فتل أبيب مثلاً صارت بحاجة أكثر من قبل إلى استهداف القوات الإيرانية في سوريا، والانسحاب الخليجي من سوريا “بالتزامن مع التدخل الروسي وربما التنسيق معه” أعقبه انسحاب من لبنان، ليبرز لاحقاً الصراع الداخلي اللبناني متحرراً من مظلة الصراع الشيعي-السني، ومن انتظار مآل الصراع على سوريا. تركيا التي لم تكن قد دخلت مباشرة في الحرب ستصبح رسمياً طرفاً فيها، وسيعلو ضجيج الصراع السني-السني ثم الانقسام الخليجي بأقوى مما كان عليه سلفهما.
إن تحويل أي بلد إلى ساحة صراعات متشابكة ومعقدة يقتضي تنحية الصراع الداخلي، ويعني غالباً تحويل عناصر ذلك الصراع إلى أدوات للصراعات الخارجية. ثم “كخاتمة” قد يصبح السيناريو الأسوأ هو رحيل المتحاربين الخارجيين عنه، وتركه لصراعه الأصلي الذي بدل أن يتقدم خطوة تراجع خطوات، وهذا الاحتمال يلوح مع استنفاذ قيمة البلد “المضيف” كساحة، ومع تصفير قيمته الاستراتيجية والمعنوية للمتحاربين. لا يطل الآن السيناريو الأسوأ، ولا بدائل أخرى تنهي الحرب. لقد قام التدخل الروسي على الضد، أي بالإعلاء من القيمة الاستراتيجية لسوريا والتهويل من شأن الانتصارات الروسية فيها، بينما اكتفت واشنطن ببخس التدخل والانتصار قيمتهما بوضعهما ضمن حدودهما الواقعية جغرافياً واقتصادياً ومعنوياً، أما ردم الفجوة بين القيمتين فيبقى قراراً أمريكياً. في حال تخلت عن سلبيتها، تبقى واشنطن الأقدر على تقرير قيمة الركام السوري، بما فيه بشار الأسد، وعلى إيجاد ممولين لدفع الثمن.
المدن
———————————–
نصر الحريري:لإحباط معركة إدلب..والانتخابات الرئاسية
قال رئيس الائتلاف السوري المعارض نصر الحريري، إن هناك إصراراً من قبل النظام السوري وحلفائه مدفوعين بأطراف أخرى لبدء عملية عسكرية في إدلب.
وأوضح الحريري في حديث لوكالة “الأناضول”، أنه “رغم كل الجهود والاستعدادات هناك تحديات جمة، منها الانتخابات الرئاسية الهزلية غير الشرعية التي يقوم بها النظام، وينبغي على الدول الداعمة للحل السياسي عدم الاعتراف بها سياسياً وقانونياً لنهز شرعية النظام”.
وأضاف الحريري أن “التحدي الآخر هو إصرار النظام وحلفائه مدفوعين بأطراف أخرى لبدء عملية عسكرية في إدلب متذرعين بمحاربة الإرهاب”. وتابع: “لدينا شك كبير في أن النظام وإن طال الوقت سيفكر بهذه العملية، ومن أولى الأوليات أن نحمي المنطقة ومنع سقوطها بيد النظام، ونحن مؤمنون بأنه أهم تحديات العام 2021 في ظل غياب الحل السياسي”.
ورداً على سؤال حول التطورات بمنطقة شرق الفرات، وعمليات الجيش الوطني بمحيط مدينة عين عيسى، قال الحريري: “قسد لم تتخلَّ عن ارتباطها مع حزب العمال الكردستاني، ولم تتخلَّ عن ممارستها تجاه الشعب السوري، ولم تقبل بأن تغير رؤيتها للوضع في سوريا وعن الكينونات الفيدرالية”. وحذر من أنه “إن لم تنسحب قسد من هذه المناطق، فإن الوضع مفتوح على كل الخيارات، والعملية العسكرية ستتوسع في الأيام المقبلة”.
وعن زيارة الائتلاف الأخيرة لقطر، قال الحريري: “قطر كانت ولا تزال من أول الدول التي دعمت مطالب الشعب السوري في مختلف المجالات وكانت هناك نقاشات عن الوضع الراهن ومآلات العملية السياسية، والوضع الإنساني، وطرق دعم قوى الثورة، والحفاظ على وحدة المعارضة، والتفاعل مع المتطلبات الإنسانية”.
وأكد أن المعارضة حريصة على علاقتها مع كل الدول العربية، و”خاصة التي تدعم الشعب السوري ولدينا سفارة في قطر، وكنا ولا زلنا نتمنى ان تقوم بقية الدول الداعمة للشعب السوري بهذه الخطوة”.
وحول اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف مؤخراً، قال الحريري: “ما نقرأ في اللجنة الدستورية هو التعطيل منذ تأسيسها والمسؤول روسيا والنظام”. وأوضح أن “روسيا عندما رأت اللجنة الدستورية تبتعد عن المرامي التي ابتغتها، عملت على تمييعها، فهي لا تريد لجنة تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة، والقرار 2254، ويتم فيها انتقال سياسي، بل تريد ما يشبه لجنة مصالحة كما جرى على الأرض بقوة السلاح”.
وأضاف “نحن قلقون بأن نرى العملية تسير وراء ما يريده الروس باعتبارها فاعلة على الأرض، والمجتمع الدولي منشغل، فنرى الجهود الأممية تميل للرؤية الروسية”.
وعن الجدل الحاصل حول طرح الأمم المتحدة مصطلح “العدالة التصالحية”، قال الحريري: “هذا المصطلح مرفوض نريد عدالة انتقالية يتبعها عملية تعويض للمتضررين، بعد تشكيل الحكم والدستور، والعدالة الانتقالية يمكن أن تهيئ لمصالحة وطنية”.
وشدد على أن “الحجر الأساس في عملية بناء العملية السياسية في سوريا تبدأ عبر الحكم الانتقالي، حتى لو تم التوصل لمسودة دستور، ومن دون الحكم الانتقالي لا يمكن عودة ملايين اللاجئين، ولا يمكن مكافحة الإرهاب بظل وجود النظام الحالي”.
وأضاف أن “تصريح المبعوث الأممي غير بيدرسن، باستخدام العدالة الترميمية غير موجودة في مفردات الحل السياسي، والعدالة الانتقالية وجبر الضرر يمكن التعبير عنه كما هو بتعويض المتضررين”.
وفي ما يتعلق بتأثير الانتخابات الأميركية على الملف السوري، قال الحريري: “ما سمعناه من الإدارة الأميركية أن نهج أميركا وسياساتها في الشرق الأوسط وسوريا لم يتغير، وأولوياتها محاربة داعش وإخراج إيران من سوريا، ودعم عملية سياسية برعاية الأمم المتحدة”.
وحذر من أن “أي مفاوضات أو اتفاق جديد مع إيران لن يكون مفيداً ويؤدي لزيادة نفوذ إيران بسوريا ولن يساهم في العملية السياسية”.
المدن
———————————
ريبورن واثق بقرب الحل في سوريا:نظام الأسد يضعف
أكد المبعوث الأميركي للشأن السوري جويل ريبورن أن “الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بتنفيذ حملة متواصلة من الضغط الاقتصادي والسياسي لمنع نظام الأسد وأكبر مؤيدين له من حشد الموارد لشحذ حربهم ضد الشعب السوري”.
وقال ريبورن في إيجاز صحافي بمناسبة مرور عام على توقيع قانون “قيصر”، إن “العقوبات التي نفرضها تظهر عزمنا على الحد من قدرة الجهات المؤيدة للنظام -بما في ذلك القادة العسكريين والنواب في البرلمان السوري والكيانات التابعة لنظام الأسد ومموليه- على استخدام مواقعهم لإدامة حرب بشار الأسد الوحشية والعقيمة”.
وأوضح أن العقوبات التي فُرضت على والد أسماء الأسد ووالدتها وشقيقها الذين يعيشون في المملكة المتحدة، تُظهر أن “الولايات المتحدة ستعاقب من يرتكبون الانتهاكات ويدعمون نظام الأسد بطريقة مادية، بغض النظر عن مكان تواجدهم”، مؤكداً أن قانون “قيصر لن يقتصر على المتواجدين داخل سوريا فحسب.
ودعا إلى “عدم التقليل من أهمية قوة الضغط الاقتصادي المقترن بالعزلة السياسية”، معتبرا أنه “يمكن أن يكون لذلك تأثير شديد جدا مع مرور الوقت”. وقال: “أعتقد أن ما نراه الآن، وقد مضت ستة أشهر على دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، أنه ليس لنظام الأسد وحلفائه رداً عليه. ليس لديهم أي رد على الضغط الاقتصادي والعزلة السياسية بموجب قانون قيصر”.
وجدّد ريبورن التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تقوم ب”تطبيع العلاقات مع النظام السوري ولن تساعد الأسد في إعادة بناء ما دمره، وذلك حتى يتم إحراز تقدم ملموس في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″. ووصف القرار بأنه “وثيقة عبقرية ومصدر إلهام”. وقال: “لقد تمتع صائغوه برؤية واضحة جداً لعملية سياسية يستطيع الشعب السوري أن يعبر من خلالها عن صوته ورغبته في من يريدونهم أن يحكموا سوريا وبأي شكل وبأي نوع من النظم”.
وقال رداً على سؤال حول كلام وزير خارجية النظام حول أنه لا يجب القلق بشأن مفاوضات جنيف، قال ريبورن: “فيصل المقداد ليس مجلس الأمن الدولي. يستطيع فيصل المقداد أن يقول ما يشاء تماماً مثل سلفه المعلم. يتحدثون كثيراً، وأعتقد أنهم يتحدثون في الغالب إلى شعبهم وأنصار نظامهم ويحاولون طمأنة مؤيديهم وحثهم على عدم قراءة الأخبار بشأن الضغط على نظام الأسد والقول إن هذه المحادثات في جنيف لا تعني شيئاً. لكن في نهاية المطاف، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما المسؤولان عن العقوبات على سوريا، وسنواصل فرض هذه العقوبات وسنواصل العزلة السياسية، ولن يتمكن فيصل المقداد في اتخاذ أي قرار بهذا الشأن. نحن لا نهتم لأي شيء يقوله”.
وأعرب ريبورن عن ثقته باقتراب حل الصراع في سوريا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 4 سنوات، معتبراً أن “العام 2020 قد أظهر حدود قوة نظام الأسد وحلفائه، بما في ذلك روسيا وإيران”. وقال: “لم يتمكنوا من التغلب على الضغط العسكري التركي في إدلب. لم يتمكنوا من تجاوز الضغط العسكري الإسرائيلي على النظام الإيراني. لم يتمكنوا من التغلب على الضغوط الاقتصادية والسياسية… وعلى عكس ذلك، يتزايد نفوذ الولايات المتحدة والأوروبيين وغيرهم شهراً بعد شهر بينما نستمر في فرض ضغوط اقتصادية جديدة وعزلة سياسية”.
ورأى أننا “ندخل مرحلة يضعف فيها نظام الأسد وحلفاؤه بشكل مضطرد بمرور الوقت، بينما يتزايد نفوذ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”. وأضاف “أنا متفائل بأن النظام وحلفاءه قد قاموا بأفضل ما لديهم ولم يتمكنوا من هزيمتنا. ما زلنا صامدين ونزداد قوة بمرور الوقت”.
المدن
————————-
سورية .. طريق الحل المسدود/ مروان قبلان
مع انتهاء المواجهات العسكرية الكبرى في سورية، واستقرار خطوط التماس (على الرغم من احتمال حصول معركة في إدلب)، تجد أطراف الأزمة في سورية نفسها بعد عقد من الصراع أمام طريق مسدود. النظام الذي يشعر بأنه انتصر، بمعيار النصر الوحيد لديه، وهو استمراره وبقاؤه، يجد نفسه من جهة، وهو يحكم على خراب، معزولا، ومحاصرا بعقوباتٍ دوليةٍ قاسيةٍ، تجعله عاجزا عن تأمين أبسط احتياجات السكان الذين يحكمهم، من غذاء ودواء ووقود وكهرباء وغيرها من مقومات الحياة الأساسية. ومن جهة أخرى، تبقى مساحات واسعة من البلاد خارجة عن سيطرته في الشمال والجنوب، وفي الشرق خصوصا، حيث حقول الغاز والنفط والقمح، وهو يعرف أنه لا يستطيع الصمود طويلا بدونها، كما لا يستطيع استعادتها، في وجود قوات أميركية وتركية تسيطر عليها.
من جانب آخر، دخلت المعارضة مرحلة انعدام الوزن، مع خسارتها أكثر أوراق القوة التي كانت يوما تمتلكها، وفقدانها كليا تقريبا هامش الاستقلال المحدود الذي كانت تتمتع به أمام الدول والجهات التي تموّلها، فأخذت انقساماتها تتزايد، على وقع الهزيمة والفشل وتبادل الاتهامات بالمسؤولية، وتحوّل جزء كبير من نشاطها السياسي إلى نقاشات سفسطائية لا تنتهي على وسائط التواصل الاجتماعي، ازدادت حدّتها، أخيرا، نظرا إلى سهولة الاتصال وعقد الاجتماعات الافتراضية التي وفرتها تقنيات وبرامج ازدهرت في ظل وباء كورونا. وقد أخذت المعارضة، كما النظام، تفقد مصادر شرعيتها المحلية، تستند بدلا من ذلك، في بقائها واستمرارها، إلى إرادة دولية وتحالفاتها الخارجية، ما عمّق افتراقها عن الشارع الذي تدّعي تمثيله. هذا الشارع الذي يشعر بالخيانة والخذلان، بعد كل التضحيات التي قدّمها، باتت معركته، هو الآخر، أصعب من أي وقت مضى، اذ أصبح جزءٌ منه ينادي بإسقاط النظام والمعارضة معا، بعد أن كانت معركته محصورة بالنظام، وهو لا يملك أي وسيلة لتحقيق ذلك. ودوليا، تبدو سورية آخر قضية يمكن أن يفكر بها العالم، المنكوب اليوم بأزمة كورونا وتداعياتها التي طاولت كل شيء تقريبا.
إلى أين تتجه الأمور أمام هذا الواقع الذي لا تنفع أي محاولة لتجميله؟ تبدو استراتيجية النظام واضحة، وهو لا يبذل جهدا في إخفائها، ففيما هو يلهي المعارضة بلعبة اللجنة الدستورية، ويُغرقها في متاهة التفاصيل التي يتقنها، يحضّر بهدوء لانتخاباتٍ رئاسيةٍ يحين أجلها خلال ستة أشهر، تماما كما فعل في الانتخابات البرلمانية الصيف الماضي، وهو يلقى في ذلك دعم حلفائه. وإذا كان الموقف الإيراني غير مهم هنا، باعتباره أكثر تطرّفا من موقف النظام نفسه، خصوصا في سلوك مليشياته على الأرض، ورفضها إعادة بعض المهجّرين إلى قراهم وبلداتهم، فإن الموقف الروسي الذي طرأ عليه تغير عميق يعدّ مركزيا، وخصوصا أنه صاحب فكرة مؤتمر سوتشي واللجنة الدستورية. ففي زيارته إلى دمشق في سبتمبر/ أيلول الماضي، فجر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قنبلة في وجه الجميع، عندما قال إن عمل اللجنة الدستورية غير مرتبط بإجراء الانتخابات الرئاسية، وإنه ليس هناك حد زمني لإنهاء أعمالها. ويراهن النظام على تغير الرياح لمصلحته مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد بايدن، حيث يتوقع أن يصبح، كما في عهد إدارة أوباما، المستفيد الأكبر في حال حصول تقاربٍ بين واشنطن وطهران.
ما هي استراتيجية المعارضة في المقابل؟ لا يجافي المرء الحقيقة إذا قال إنه لا توجد لديها أي استراتيجية، خلا استمرار الرهان على وهم أن تنتج اللجنة الدستورية توافقا حول دستور يسمح لها بالقول إن انتقالا سياسيا يحصل من خلاله ويتجسّد بمشاركتها في السلطة التي ستنتج عنه، علما أن الرهان هنا يرتبط كليا بقدرة العقوبات الأميركية على إحداث تغييرٍ في سلوك النظام على هذا الصعيد.
بالنتيجة، النظام ذاهب نحو انتخابات شبيهة بانتخابات 2014 يدّعي من خلالها شرعية الاستمرار في حكم أنقاض دولةٍ ومجتمع. المعارضة مستمرة في لعبة اللجنة الدستورية، وتأمل من خلالها في تغيير النظام. العالم مستمر في تجاهل الموضوع السوري، والاعتياد على العيش مع دولة فاشلة أخرى في المنطقة. أما سورية فسوف تستمر في التحلل، حتى تظهر نخبة سورية مسؤولة في المعسكرين قادرة على التعاون لاجتراح خطةٍ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
العربي الجديد
—————————-
هل يدفع السّوريون مجدداً ثمن اتفاق أميركي- إيراني؟/ بسام بربندي
لا يحمل السّوريون الكثير من الذكريات الإيجابية من فترة الرئيس السابق باراك أوباما وفريقه. فخلال فترة ولايته، استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية مرات عدة، متحدّياً الخط الأحمر الذي وضعته الإدارة الديموقرطية، كما شهدت تلك الفترة أكبر موجة نزوح بشري منذ الحرب العالمية الثانية، وتدخلت إيران وروسيا عسكرياً
مع نظام الأسد ضد شعب أعزل بغالبيته، وشهدنا تغييراً ديموغرافياً في الكثير من المناطق السورية وغيرها من المآسي الكثيرة المعروفة والموثقة.
والسوريون مقتنعون بأنهم دفعوا ثمن الاتفاق الإيراني – الأميركي – الدولي في الملف النووي. وعوضت الإدارة غياب أي سياسة حازمة تجاه الأسد بتقديم مساعدات إنسانية كبيرة للنازحين واللاجئين السوريين، وعملت على دعم المجتمع المدني الذي يخدم أجندتها في بلد يشهد صراعاً تشارك فيه جيوش دول عدة ولا صوت فيه للعقل ولا للمجتمع.
برغم عدم وضع إدارة الرئيس ترامب الأزمة السورية على سلّم أولوياتها، إلا أن سياستها تجاه إيران وممارستها الضغوط الكبيرة والمتنوعة عليها، واعتبار الأسد إحدى الميليشيات الإيرانية الواجب وضع حد لها، أثارت أملاً لدى الكثير من النازحين والمهجرين السوريين بأن العودة الى بيوتهم وأراضيهم لم تعد حلماً، وأن الضغط يمكن أن يدفع للتقدم في الحل السياسي.
وساهمت العقوبات بإظهار الهشاشة الاقتصادية والإدارية للنظام، وساهم القصف الإسرائيلي لمواقع تابعة للميليشيات الإيرانية بإظهار هشاشة جيش النظام وعدم رغبة روسيا بمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
انتصار الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية مؤخراً، أعاد للسوريين هواجس إدارة أوباما. والسؤال الذي يطرحونه هو: هل سندفع الثمن مرة ثانية!! فالقيم الأميركية من حرية وديموقراطية وحقوق إنسان تبقى داخل حدود الولايات المتحدة، أما في الخارج فهي مصالح الولايات المتحدة أولاً وأخيراً، والمآساة السورية أكبر مثال على ذلك.
ومما ساهم بزيادة هذه الهواجس هو ما ورد عن سوريا في الورقتين السياسيتين اللتين طرحتهما الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي جو بايدن، حيث أشارت الى نقطتين:
الأولى: تشجيع إعادة الإعمار في سورييا كرسالة الى روسيا، والثانية: دعم المجتمع المدني وقوات سوريا الديموقراطية (قسد).
ولم تشر الورقتان الى طريقة التعامل مع نظام الأسد أو اللاجئين أو قرارات الأمم المتحدة الخاصة بسوريا أو غيرها من الأمور البديهية، بل أشارت الى أهمية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
المصاعب الداخلية التي واجهت الإدارة الحالية وهي نفسها ستواجه الإدارة القادمة، مثل كورونا والبطالة والاقتصاد وانقسام المجتمع الأميركي، ما قد يعني عدم القدرة على التركيز على السياسة الخارجية كأولوية على الأقل في الأشهر الأولى من الإدارة القادمة.
ويترافق ذلك مع: أولاً الانتخابات الرئاسية الإيرانية في منتصف العام المقبل، ما يعني أن الإيرانيين يفضّلون الانتظار إلى ما بعد الانتخابات لإجراء أي مفاوضات جدية مع الجانب الأميركي، وثانياً انتخابات الرئاسة في سوريا.
وهنا يوجد مجال للعمل.
بما أن سوريا ليست موضوعاً خلافياً بين الإدارة الحالية والإدارة المقبلة، فيمكن الإدارة الحالية والمقبلة التركيز على إعادة ترتيب المعارضة السورية بشكل تكون قادرة على مواجهة الانتخابات المقبلة، وذلك عن طريق العمل مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا ومصر ودول الخليج على إجراء انتخابات سورية وتوفير تمثيل حقيقي وشرعي للشعب السوري في مؤسسات المعارضة من ائتلاف واللجنة الدستورية بعيداً عن التجاذبات الإقليمية والمحاصصة بين منصات سياسية لا تشكل أي تمثيل شعبي، بل هي وجدت لتخدم مصالح الدول التي تستضيفها وتحمل اسمها.
ما قام به الائتلاف مؤخراً بإنشاء هيئة للانتخابات، ثم ما طرحه وفد المعارضة في اللجنة الدستورية من أفكار على وفد النظام، تتضمن إنشاء هيئات لضمان عودة النازحين ولإطلاق سراح المعتقلين، واعتباره أن الانتخابات هي الطريق لتحديد مواضيع الدستور يبدو أقرب الى الأفكار الروسية والنظام وبعض الدول الإقليمية منها الى ما يطلبه الجزء الأكبر من الشعب السوري عندما قام بالثورة.
ولنجاح هذه الخطوة، يجب أن يشارك فيها أكبر عدد من السوريين الموجودين خارج مناطق النظام، والذين يتجاوز عددهم تسعة ملايين سوري مغترب ومهجر ونازح يمثلون كل مكوّنات الشعب السوري عرقياً ودينياً. وتحقيق هذا الأمر سيعطي المجتمع السوري والدولي ورقة قوة مفقودة الآن لمواجهة تمدد الدول الإقليمية في سوريا وإعادة القضية السورية للسوريين وعدم استخدامها كجائزة ترضية في الاتفاقات الإقليمية التي قد يتم التوصل اليها مع الإدارة الأميركية القادمة.
أما الاكتفاء باعتبار أن الانتخابات المقبلة غير شرعية، فهذا لن يغيّر من واقع الأمور، كما أن رشوة الأسد ليقوم بإصلاحات مقابل رفع بعض العقوبات عنه، فهذا عملياً ما يتمناه هو وداعموه.
يجب إعادة القضية السورية إلى السوريين، وعلى الدول مساعدتهم لا المقايضة على قضيتهم، وهذا ما يجب العمل عليه في خلال الفترة المتبقية من الإدارة الحالية ومع الإدارة المقبلة.
النهار العربي
—————————————-
تأملات مبعوث للملف السوري: لحظات مظلمة قبل الفجر/ مارتن لنغدن
لا يتحدث الدبلوماسيون دوماً بوضوح، وينبع حرصنا في استخدام اللغة من سبب وجيه، فالتوجه غير المباشر غالباً ما يكون مفيداً على نحو أكبر في رسم حدود اتفاق ما أو تمهيد الطريق أمام جهود التعاون الدولي. غالباً، وليس دائماً.
ويتطلب حجم وحدة الأزمة القائمة في سوريا منا جميعاً التحدث بجلاء وصدق أكبر حول الواقع الذي تتكشف ملامحه أمامنا، والخطيئة الكبرى وراء الاستمرار في رفض عمل ما يجب عمله إذا كانت هناك رغبة حقيقية في إنقاذ سوريا من كارثة أكثر فداحة.
بطبيعتهم، يتحلى الدبلوماسيون بالتفاؤل، ذلك أننا متمرسون في إيجاد حلول مبتكرة لقضايا شائكة. بيد أنه في الوقت ذاته يتعين علينا التحلي بالواقعية والصدق. في الحقيقة، حجم الدمار الذي لحق بسوريا يعني أن إعادة تأهيل البلاد سيكون دوماً مهمة صعبة. لكن رفض نظام الأسد المشاركة بجدية في عملية إصلاح سياسي، حسبما يطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع استمراره في الوقت ذاته في سلوكه القمعي، الذي يؤتي بنتائج عكسية، أطال أمد شقاء الكثيرين وأهدر وقتاً ثميناً. وفي يومنا هذا، أصبح الوقت – مثل الغذاء والوقود – سلعة توشك على النفاد داخل سوريا.
وغالباً ما قيل، إنه رغم أن الاحتمالات تشير إلى أن النظام سيفوز في الحرب في سوريا، فإنه سيواجه صعوبات جمة في «الفوز» بالسلام، بمعنى أن النصر العسكري للنظام لن يكون باستطاعته أبداً إصلاح أي من الأسباب الجوهرية للأزمة الراهنة، أو تحقيق استقرار حقيقي أو توفير الأمن والرخاء للشعب السوري.
اليوم، تقف سوريا على حافة الهاوية. وتشكل الأزمة الاجتماعية – الاقتصادية التي ألمت بالبلاد تهديداً خطيراً ومتفاقماً للسوريين. من جهتها، حذرت الأمم المتحدة هذا الشهر تحذيراً صادماً من أن مليوني سوري إضافيين الآن أصبحوا في حاجة ملحة لمساعدات إنسانية، ليرتفع الإجمالي إلى 13 مليوناً. وتتصدر سوريا اليوم القائمة العالمية لمتطلبات التمويل الإنساني.
ومع زيادة المسار السلبي الخطر الذي يتبعه النظام سوءاً من أسبوع لآخر، هل لا يزال من الممكن وقف هذا التردي والتحرك نحو علاجه؟
في حال الاستمرار في النهج الحالي للنظام السوري، فإن الإجابة بالقطع لا. ومع اقتراب الشتاء، تحتشد صفوف المواطنين الذين تعتمل نفوسهم بيأس متزايد طلباً للحصول على الوقود والخبز، في الوقت الذي تبدو خطابات النظام حول «عودة الأوضاع إلى طبيعتها» أكثر خواءً يوماً تلو آخر. الواضح أن النظام وداعميه، يفتقرون إلى الموارد اللازمة لإصلاح هذه السفينة التي تحدق بها الأخطار، لكن في كل الأحوال يتركز اهتمامهم حصراً على ضمان البقاء لهم وللنخب المتآكلة.
وبدلاً عن الانخراط بجدية في العملية التي صاغتها الأمم المتحدة، وهي عملية بمقدورها بالفعل نقل سوريا إلى وضع أفضل وخلق مساحة أمام الدعم المالي الدولي والمصالحة الوطنية، تسعى دمشق حصراً لتعطيل أي تحرك نحو الأمم. ويأمل النظام السوري في أن تفلح الانتخابات المقررة العام المقبل، والتي بالطبع لن يسمح للكثير للغاية من السوريين بالمشاركة فيها، في خلق فرصة للبدء من جديد وقلب الصفحة. لكن كيف يمكن أن تأمل في قلب صفحة بينما الكتاب نفسه تلتهمه النيران؟
الواضح أن سوريا بحاجة إلى مساعدات اقتصادية ضخمة – وبسرعة، لكن هذه المساعدة لن تأتي من موسكو. في الواقع، قدمت روسيا حداً أدنى من المساعدات المالية لسوريا، ذلك أن حلفاء النظام يأخذون من سوريا، ولا يعطونها. في المقابل، نجد أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وشركاء أوروبيين يقدمون النصيب الأكبر من الدعم المالي للسوريين، عبر كامل أرجاء البلاد وما وراء ذلك.
لكن يجب أن تكون تلك مساعدات إنسانية في الجزء الأكبر منها، بحيث تركز على تلبية الاحتياجات القصيرة الأجل، بما في ذلك الطعام والمأوى والتعليم الأساسي، وليس مساعدات اقتصادية بمعنى أوسع. وتبقى المملكة المتحدة وحلفاؤها واضحين وعاقدي العزم على عدم توفير دعم لإعادة إعمار سوريا إلا في إطار حل سياسي. ولا يعكس هذا موقفاً يقوم على المبادئ فحسب، وإنما بصراحة، يعكس كذلك حدود ما يمكننا فعله من أجل خلق اختلاف إيجابي.
في جوهرها، تحمل القضايا التي خلقت وتُبقي على الأزمة السورية، طابعاً سياسياً. أما التداعيات الاقتصادية، فليست سوى عرضية (وإن كان ذلك عرضياً فتاكاً) لذلك الداء الأوسع. ومن دون حدوث تغيير حقيقي في سلوك النظام، وتوفير بيئة آمنة لعقد انتخابات حرة ونزيهة بحق، لن تتمكن أي مساعدات اقتصادية مهما بلغ حجمها إعادة الاستقرار لسوريا، وتمكين اللاجئين من العودة إلى منازلهم والسماح بإقرار مصالحة وطنية وإعادة بناء البلاد.
في الواقع، لقد خضنا نضالاً مستمراً لضمان عدم تغيير مسار المساعدات الإنسانية الأساسية التي يجري تمريرها عبر قنوات الأمم المتحدة في دمشق على يد النظام واستغلالها لخدمة أجندته السياسية. وعليه، فإنه في وقت تحتاج سوريا بشدة إلى اقتصاد يوفر الوظائف والدخل للناس، لماذا يتعين على الدول الغربية المانحة المخاطرة بملء جيوب النظام وتعزيز محاباة الأقارب والفساد الذي استوطن في مفاصل الدولة السورية وأصابها بالعفن؟
الحقيقة أن كل المعنيين بهذه الأزمة يقفون في مواجهة اختيار بسيط وواضح: إما أن نعمل معاً بسرعة وتصميم لتحقيق حل سياسي ينهي حالة عدم الاستقرار، ويفتح الباب أمام الدعم المالي، وإما نتبع المسار الوحيد البديل – الذي أخشى أننا نسير عليه بالفعل في الوقت الراهن – حيث تدفع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وغياب المستوى الأساسي من الأمن سوريا من على حافة الهاوية. النظام وأعوانه يقفون في مواجهة هذا الاختيار اليوم، بينما تقترب لحظة الحسم واتخاذ القرار.
لقد سبق أن قلت إن الدبلوماسيين كائنات تتميز بالتفاؤل بطبيعتها، وثمة أسباب تدعو لعدم اليأس. في الواقع أكثر اللحظات ظلاماً تلك التي تسبق بزوغ الفجر مباشرة، ولا يزال من الممكن أن نعاين أمامنا سبيلاً بمعاونة الأمم المتحدة والممثل الخاص لها غير بيدرسون للخروج من نفق هذه الأزمة.
على الصعيد الدولي، ليست هناك دولة تستفيد حقاً من وجود سوريا محطمة وغير مستقرة، وينبغي أن نسعى للاتفاق حول توجه مشترك لتحقيق تسوية تحترم المصالح الوطنية لجميع الأطراف المعنية. وداخل سوريا، يتعين على داعمي النظام أن يدركوا أنه من المتعذر استمرار الوضع القائم حالياً، خاصة أن التكاليف التي يتحملونها، وهم وراء دعم نظام فاشل، تتفاقم يوماً بعد آخر. في الواقع ما كان يوفر لهم الحماية ذات يوم أصبح الآن عبئاً.
وتبقى هناك رؤية بديلة: سوريا موحدة ومزدهرة وذات سيادة تمثل التركيب المتنوع بداخلها ويجري حكمها بما يخدم مصالح جميع السوريين، وليس أقلية قليلة للغاية. لقد تشرفت من خلال عملي هذا بمعرفة سوريا وشعبها، وأنا على ثقة من أنه حال إعطائهم الحرية وبدعم دولي، باستطاعة الشعب السوري، بصلابة السوريين وقوتهم وطاقتهم وعزيمتهم وإنسانيتهم وروحهم، إعادة بناء وطنهم الممزق وتحقيق كامل إمكاناته. وآمل من صميم قلبي أن يقدم أصحاب النفوذ الأكبر على صانعي القرار في دمشق أخيراً على فعل كل ما هو ضروري للسماح بإنجاز ذلك، قبل فوات الأوان.
* المبعوث البريطاني إلى سوريا
الشرق الأوسط
——————————-
هل أصبحت سوريا «ملحقاً» بملفات أخرى؟/ إبراهيم حميدي
لا تكتفي الأطراف المعنية بالملف السوري بالانتظار إلى حين تسلم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مقاليد الحكم في نهاية الشهر المقبل. كل طرف يحاول خلق وقائع جديدة، يجدها فريق بايدن أمامه، من دون أن تصل إلى خطوات استفزازية للرئيس الأميركي الجديد. كان بين هذا إعلان القاهرة وعمان قبل أيام من اجتماع عربي رباعي ضم السعودية ومصر والأردن والإمارات، بهدف البحث عن تنسيق «الدور العربي» في حل الأزمة السورية. المشاورات غير المعلنة والعلنية ترمي إلى المساهمة في صوغ «استراتيجية عربية» تتضمن عناصر رئيسية، بينها الدفع لحل سياسي وفق القرار 2254 والحفاظ على أمن سوريا و«ووحدتها وسيادتها»، والمطالبة بخروج «جميع القوات والميليشيات الأجنبية»، حسبما نُقل عن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
وزاد منسوب القلق العربي من الدورين التركي والإيراني في سوريا و«أثر التدخلات الإقليمية على وحدة سوريا»، باعتبار أن أنقرة تسيطر عبر فصائل موالية أو بشكل مباشر على أكثر من 10% من مساحة الأراضي السورية البالغة 185 ألف كلم. وتحاول توسيع نفوذها في الشمال. كما أن طهران تعمّق تغلغلها تحت غطاء موسكو أو بالتحالف مع دمشق في جنوب سوريا وشرقها.
وتبلغت روسيا رسمياً من أطراف عربية، «تسهيلها» الوجودين التركي والإيراني في سوريا، بل إن المبعوث الرئاسي ألكسندر لافرينييف سمع في عمان ملاحظات لعدم وفاء بلاده بالاتفاق المبرم في منتصف 2018 وقضى بـإبعاد تنظيمات إيران عن جنوب سوريا مقابل عودة القوات الحكومية السورية وتخلي حلفاء المعارضة عن فصائلها في «مثلث الجنوب»، أي أرياف درعا والقنيطرة والسويداء.
وضمن التفكير بـ«الدور العربي»، أفكار كثيرة، بينها دعم تكتل جديد للمعارضة السورية يقابل «هيئة التفاوض» أو «الائتلاف» اللذين يُنظر إليهما من أطراف عربية على أنهما تحت النفوذ التركي خصوصاً بعد عدم حل «عقدة المستقلين» في «الهيئة». أيضاً، طرح معارضون فكرة توسيع «الفيلق الخامس» الذي تدعمه قاعدة حميميم، ليضم آلاف المقاتلين والنهل من «الخزان البشري» الذي يضم 70 ألف متخلف عن الجيش السوري، تحاول طهران جذبهم عبر «إغراءات وإعفاءات». تُضاف إلى ذلك أمور تخص المسار السياسي والإعمار.
وتسعى أطراف عربية إلى تشكيل «كتلة عربية» خصوصاً أن هناك كتلتين أخريين: الأولى، هي «المجموعة المصغرة» وتضم أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن. والأخرى، «مجموعة آستانة» وتضم روسيا وإيران وتركيا.
«المجموعة الصغيرة» استعادت التشاور بينها وعقدت اجتماعاً وزارياً قبل أسابيع تضمن التنسيق بين الدول الغربية والعربية إزاء الحل السياسي واللجنة الدستورية ومقاطعة مؤتمر اللاجئين الذي رعته موسكو في دمشق منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وتدفع واشنطن إلى استمرار بقاء «دمشق في صندوق العزلة» عبر عدم التطبيع الثنائي والجماعي العربي وفرض عقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية وربط الإعمار بتحقيق تقدم في العملية السياسية، إضافة إلى دعم الضربات الإسرائيلية لـ«التموضع الإيراني».
ضمن هذا، فإن المبعوث الأميركي الجديد جويل روبرن، زار أنقرة والقاهرة، لهدفين: الأول، الحفاظ على خطوط التماس الحالية في سوريا وعدم قيام تركيا بعملية شرق الفرات بعد تردد معلومات عن نية الرئيس رجب طيب إردوغان استقبال بايدن بواقع جديد ضد الأكراد السوريين القريبين لقلب الرئيس الأميركي الجديد وفريقه. والآخر، عدم التطبيع العربي مع دمشق وعدم فك العزلة عنها. و«النصيحة» التي قدمها مسؤولو الملف السوري في إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى فريق بايدن، هي: الحفاظ على الجمود الحالي وخطوط التماس بين «مناطق النفوذ» الثلاث، لحرمان موسكو وطهران ودمشق من «الانتصار السياسي» وإبقائها في «المستنقع» ما لم تحصل تنازلات جيوسياسية وداخلية.
في المقابل، واصلت أطراف «مجموعة آستانة» التنسيق بينها. موسكو وطهران تحاولان إقناع دمشق بأن «مسار آستانة لصالحها». وكان هذا مضمون الكلام الذي سمعه فيصل المقداد من نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في أول زيارة لطهران لوحظ حجم الحفاوة الإيرانية بالوزير السوري الجديد، بعدما سمعت دمشق من الروسي سيرغي لافروف، أن «مسار آستانة حقق مكاسب لدمشق ووسّع مناطق السيطرة التابعة لها». دمشق، لها رأي آخر، فيه رغبة بالعودة إلى إدلب والقامشلي، اللتين تقف موسكو وواشنطن أمام تحويلهما إلى واقع. ما لم تقله طهران، أنها ربطت الملف السوري باحتمال مفاوضاتها مع واشنطن، كما هو الحال مع موسكو وتوقعاتها الأميركية. وبين تحركات «الكتل» المعنية بالملف السوري، استعاد المبعوث الأممي غير بيدرسن، فكرته القديمة، وهي خلق مجموعة اتصال جديدة أو التنسيق بين «الكتل». سابقاً، كان فيتو أميركا ضد الجلوس مع إيران على طاولة واحدة أحد أسباب عدم الدمج بين «ضامني آستانة» و«المجموعة الصغيرة». رهانه أن هذا قد يتغير مع إدارة بايدن. لكن الواضح أن «الملف السوري» بات ملحقاً بملفات دولية وإقليمية أخرى ولم يعد منفصلاً بذاته.
الشرق الأوسط
—————————
حصيلة 2020 السورية: خمسون الطاغية وعشرون وريثه/ صبحي حديدي
الأرجح أنّ المصادفة المحضة لم تكن وراء ابتداء العام 2020 في سوريا بلقاء جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رأس النظام السوري بشار الأسد، احتضنته في دمشق الكاتدرائية المريمية، مقرّ كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، واقترن بجولة بوتين في الجامع الأموي؛ وأن يُختتم العام بعودة الأسد إلى رياضة التفلسف المفضلة عنده، ولكن ليس من أيّ منبر خطابي سياسي أو حزبي أو إعلامي، بل من جامع العثمان خلال المشاركة في الاجتماع الدوري الموسع الذي تعقده وزارة أوقاف النظام ويحضره «السادة العلماء والعالمات». بركات البطريركية الأرثوذكسية الروسية لم تخلف وعداً مع بوتين، ولم تبخل بدعم أو تزكية مقابل حرص الكرملين على تحويل هذه العلاقة إلى تحالف صريح يطمح إلى تمثيل 300 مليون مسيحي أرثوذكسي على نطاق العالم؛ وكان أمراً طبيعياً أن يجسد بوتين هذه الصياغة في دمشق تحديداً، وعلى أنوار الشموع الكنسية التي ألقت المزيد من الأضواء على تفقّد القائد بوتين لقوّاته العسكرية المرابطة هنا وهناك لمدّ النظام السوري بأسباب البقاء.
من جانبه افتقد الأسد، طوال العام، فرصة سانحة لممارسة التفلسف الذي أدمنه منذ الأشهر الأولى لتدريبه على وراثة أبيه، فاغتنم اجتماع وزارة الأوقاف هذا كي يشرّق ويغرّب، ابتداءً من الفارق بين «القضايا المعيشية والأمنية» مقابل «القضايا الفكرية»؛ مروراً بـ»وضعنا في العالم الإسلامي بشكل عام»، حيث افترض الأسد أنه «لا يوجد مخفر شرطة لأنه لا يوجد قانون دولي ولا توجد مؤسسات تضبط»؛ وليس انتهاء بالعلمانية والليبرالية و»الليبرالية الحديثة» والزواج المثلي والمخدرات وفصل الدين عن الدولة. لم تغب عن جلسة التفلسف هذه تأملات حول اللغة العربية، مثلاً: «حامل الفكر والثقافة بشكل عام قبل أن تكون لغة القرآن.. هي الحامل الطبيعي.. عندما تندثر هذه اللغة أو تتراجع أو تضعف وهذا الشيء كلنا نراه في المجتمع بشكل واضح وبشكل خطير ومخيف فيجب أن نعرف أن هناك حاجزاً وهناك غربة بين الإنسان وثقافته».
بين الكنائس والمساجد كانت الاحتلالات الخمسة التي تخضع لها سوريا، إسرائيلياً وإيرانياً وروسياً وأمريكياً وتركياً، تواصل اشتغالاتها دون كلل أو ملل؛ مع تواطؤ وتكامل تارة، ثنائياً أو ثلاثياً أو رباعياً أو حتى خماسياً، أو تعارض وتباين يعقبه غالباً توافق وتفاهم واقتسام تارة أخرى. ولم تكن مصادفة عابرة، هنا أيضاً، ألا يُختتم العام من دون بدعة «العدالة التصالحية» التي تفتق عنها ذهن غير بيدرسون، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، في إحاطته الأحدث إلى مجلس الأمن الدولي، وعجزت الترجمة إلى العربية عن تغطية عيوبها الاصطلاحية قبل تلك القانونية والدلالية. ذلك لأنّ الأريحية التي قادت بيدرسون إلى سلوك كهذا لم تكن تضيف بُعداً خاصاً إلى واقع الاحتلالات والاستهانة بإرادة البلد وشعبه ومآلات انتفاضته، على يد المبعوث الأممي هذه المرّة، فحسب؛ بل كانت، على قدم المساواة، تؤشر على إدقاع فريق في «المعارضة» يواصل اجترار أوهام تمثيله للسوريين عبر خرافات شتى أحدثها اللجنة الدستورية، ويرتكب استطراداً المزيد من الحماقات والموبقات والتنازلات.
لكنّ المصادفة شاءت، وكانت بليغة المغزى وعالية التوافق هنا تحديداً، أن يسجّل العام 2020 الذكرى الخمسين لانقلاب حافظ الأسد على رفاقه وحزبه، في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، المسمّى بـ»الحركة التصحيحية»؛ وأن يسجّل أيضاً الذكرى العشرين لتنصيب الوريث بشار الأسد، في 17 تموز (يوليو) 2000 بعد رحيل الطاغية الأب في 10 حزيران (يونيو) من العام ذاته. ولقد توجّب أن تمرّ الذكرى الأولى وحصاد الطاغية الوريث لا يقلّ خراباً ودموية عن حصاد أبيه، لاعتبار جوهري أوّل هو أنه امتداد مطابق لنهج الطاغية الأب، على الأصعدة كافة في واقع الأمر وبصرف النظر عن فوارق هنا وهناك تخصّ أسلوب الأب وتجربته وحصيلته السياسية والعسكرية والاجتماعية والعشائرية، التي كانت لنشأته التربوية تأثيراتها الكبرى في سلوكه وخياراته وشخصيته إجمالاً.
صحيح، بصدد النشأة تلك، أنّ إطلاق صفة «العلوي» على النظام الذي شيده الأسد الأب بعد انقلابه ليس دقيقاً، بالمعاني السياسية أو السوسيولوجية أو حتى الاصطلاحية المجردة، لسبب جوهري أوّل هو أنّ مكوّنات النظام، سواء في الأجهزة الأمنية أو الجيش أو الحزب أو مجلس الوزراء أو الإدارات الكبرى، ضمّت السنّة والدروز والإسماعيليين من الطوائف المسلمة، والكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت من المسيحيين. وهذا راجع إلى طبيعة التركيب التعددي للمجتمع السوري ذاته، أولاً؛ كما يعود، ثانياً، إلى أن الأسد سعى إلى إقامة صيغة من التواطؤ بين الأقليات، في مواجهة الأغلبية السنية (أكثر من 70% من سكان سوريا)، التي جُرّد معظم أبنائها من الفاعلية في الأجهزة الأمنية والجيش، وحُرموا من الدخول إلى حلقة القرار الفعلية الأضيق في قلب النظام. وفي المقابل، عقد النظام تحالفات وثيقة مع كبار تجّار السنّة في دمشق وحلب والمهاجر بصفة خاصة، ودخل بعض كبار الضباط والمسؤولين العلويين في شراكات معهم (رفعت الأسد، شقيق الأسد الأب، كان أحد أبرز الأمثلة).
عن الذكرى الثانية، تنصيب الوريث، لعلّ الذاكرة السورية الحديثة والمعاصرة لن تملّ في أيّ يوم من استعادة «الكرنفال» الذي شهدته أروقة السلطة وما يُسمّى «مجلس الشعب» لتتويج الأسد الابن، على نقيض من سلسلة مواضعات وأحكام «دستورية» كان الأسد الأب قد وضعها بنفسه. حلقات المسلسل بدأت بعد أسابيع قليلة أعقبت مقتل الوريث المكرّس، باسل، في حادث سيارة سنة 1994؛ فانقلب الشقيق بشار من طبيب إلى ضابط عسكري تخرّج من الكلية الحربية برتبة نقيب، رغم أنّ القوانين المرعية تنصّ على تخرّجه برتبة ملازم. بعد شهرين جرى ترفيع النقيب إلى رائد، وكان طبقاً للقانون يحتاج إلى أربع سنوات قبل الترفيع؛ ثمّ انقضى عام يتيم قبل أن يُرفّع الرائد إلى عقيد، متجاوزاً رتبة المقدّم؛ ثمّ، بعد ساعات أعقبت وفاة أبيه، إلى فريق أوّل، وقائد عامّ للجيش والقوات المسلحة. خارج الجيش، وعلى صعيد مدني، بات الفتى أميناً عاماً قطرياً لحزب البعث الحاكم، من دون المرور بعضوية القيادة القطرية؛ ثمّ أميناً عاماً قومياً، حتى من دون انعقاد المؤتمر القومي للحزب؛ ومرشحاً لرئاسة الجمهورية، بعد اجتماع كرنفال «مجلس الشعب» وتخفيض سنّ الـ40 كشرط للترشيح…
ومن عجائب المصادفات أنّ العام 2020 شهد، أيضاً، رحيل عبد الحليم خدام، الذي كان نائباً للأسد الأب ساعة رحيل الأخير، وكان وراء غالبية القرارات التي نقلت الأسد الابن إلى سدّة الترفيع وقيادة الجيش والترشح للرئاسة والتنصيب. بذلك فإنّ خدّام لم يكن صانع سياسة خارجية بقدر ما كان منفّذاً بارعاً طيّعاً مطيعاً، كما في الملفّ اللبناني منذ 1975 بصفة خاصة، حين عُرف بصفة رجل الأسد الأشدّ غطرسة وعنفاً لفظياً وهوساً باستخدام الهراوة الغليظة. ولقد ظلّ قريباً من موقع القرار السياسي الخارجي، محاصِصاً في دائرة الفساد الأضيق، متعبداً للفرد الأسد، مؤمناً بسلطة سلطة الحزب الواحد، وعاشقاً للأحكام العرفية ومحاكم أمن الدولة. وهكذا كان «الانشقاق» الذي لجأ إليه أواخر 2005 بمثابة فرار من مركب آيل إلى غرق، وليس اعتراضاً على سياسات النظام في أي حال.
خمسون الطاغية الأب وعشرون وريثه الطاغية الابن، وحصيلة من الدم والدمار والخراب وهيمنة الاحتلالات؛ حيث لا يتوجب أن يغيب عن هذا المشهد السوري إدقاع المعارضة، في تسعة أعشار تمثيلاتها ومؤسساتها.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
———————————-
القرار الأممي 2254 بعد 5 سنوات عجاف…/ أكرم البني
يحتدم الجدل اليوم بين السوريين، وخاصة في أوساط المعارضة وناشطي المجتمع المدني، حول التمييز بين العدالة التصالحية والعدالة التعويضية، وبينهما وبين العدالة الانتقالية، وأساساً لرفض مصطلح العدالة التصالحية الذي أورده المبعوث الدولي بيدرسون على لسان بعض ممثلي المجتمع المدني خلال الإحاطة التي قدمها، منذ أيام، لمجلس الأمن حول سير أعمال اللجنة الدستورية؛ حيث سارع هؤلاء لتوضيح ما حصل، وأن ثمة مغالطة وتفسيراً خاطئاً لمطلبهم بضرورة تعويض المتضررين، وأنهم لم يتطرقوا أبداً لفكرة العدالة التصالحية التي تعفي المرتكبين من المساءلة والمحاكمة، بل يتمسكون بالعدالة الانتقالية بصفتها عملية سياسية واجتماعية وقانونية متكاملة لمعالجة مخلفات الصراع الدموي السوري، ما أكره بيدرسون على التراجع والتأكيد على أن ما عرضوه فعلاً هو ما سماه «العدالة التعويضية» في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية!
لكن، وبغض النظر عن حقيقة ما جرى فإنه يشير إلى الدرك الذي وصلت إليه حالة الاستهانة والاستهتار بحقوق السوريين، والأهم بما حل بالقرار الأممي 2254 الذي أصدره مجلس الأمن في مثل هذه الأيام منذ 5 أعوام، وتحديداً في 18 يناير (كانون الثاني) 2015 والذي يفترض أن يعمل المبعوث الدولي على تنفيذه.
هي 5 سنوات عجاف، مرت على خريطة الطريق التي رسمها المجتمع الدولي لإخماد النار السورية، وتضمنت من حيث الجوهر، وقفاً لإطلاق النار والبدء بعملية سياسية تبدأ بتشكيل هيئة للحكم الانتقالي ذات صدقية خلال 6 أشهر، تحدوها صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة في مدة لا تزيد على سنة ونصف سنة، وتتخللها مهام ذات طابع إنساني كإطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين وعودة اللاجئين.
هي 5 سنوات عجاف مرت على اللحظة التي رفضت فيها المعارضة السورية هذا القرار لأسباب كثيرة، أهمها تهربه من تحديد موقف واضح من مسؤولية رموز السلطة عما حصل وضرورة إبعادهم عن المشاركة بمستقبل البلاد، كما على اللحظة التي بدأ فيها النظام وحلفاؤه في طليعة المدافعين عن القرار، قبل أن يتضح أن سلطة دمشق وحكومة طهران تمسكتا به كمناورة لربح الوقت ووقف التغيير الحاصل على حسابهما في توازنات القوى، بينما تقبلته موسكو، كي تمرر، بأقل ردود فعل، تدخلها العسكري المستجد في سوريا (سبتمبر/ أيلول 2015) بدليل أن الأطراف الثلاثة توسلت مختلف المناورات لتعطيل القرار الأممي وعرقلة أي محاولة، مهما بدت متواضعة، لوضعه موضع التنفيذ..
أولاً، عبر التسويف والمماطلة وإغراق مفاوضات جنيف، المعنية بتنفيذ القرار الأممي، بتفاصيل وتفسيرات واشتراطات مضحكة ومربكة في آنٍ، لإفراغ هذا القرار من محتواه، ربطاً بتسعير العنف والقصف والاجتياح الذي مكنهم من الاستيلاء على مدينة حلب ومساحات واسعة من أرياف حمص ودمشق ودرعا، وفرض هدن وتسويات مذلة وتهجير قسري على المناطق المحاصرة.
ثانياً، عبر المبادرات التي قادتها روسيا لخلق مسارات تفاوضية جانبية تمكنها من التحكم في مصير الصراع السوري ومستقبله، ويمكن أن ندرج في هذا السياق «إعلان موسكو» (يناير 2016) الذي أصدرته روسيا وإيران وتركيا بعد عام تماماً من القرار الأممي، تلاه ما عرف باجتماعات الآستانة بعد عام آخر (يناير 2017) والتي إن حققت بعض النتائج الميدانية وفرضت ما عرف بمناطق خفض التصعيد، لكنها أخفقت في التقدم، وإن كان بخطوات بسيطة، في العملية السياسية، ما شجع قيادة الكرملين، بعد عام جديد (يناير 2018) على عقد مؤتمر سوتشي، عساه يشكل طوق نجاة سياسياً يُخرج الوضع السوري من حالة التفسخ والاستنقاع.
5 سنوات كانت خلالها مفاوضات جنيف تعاني الأمرين، وبدت بجولاتها الكثيرة، عقيمة ومملة وتسير في طريق مسدودة، بسبب استراتيجية التعنت والاستهتار والمماطلة التي اتبعها النظام وحلفاؤه، وبسبب استمرار السلبية المقيتة للمجتمع الدولي في التعاطي مع قراره الأممي، الأمر الذي شجع المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا على الاجتهاد لتحريك المفاوضات عبر تقسيمها إلى 4 سلال (مارس/ آذار 2017)، هي الحكم الانتقالي غير الطائفي، والدستور، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، وسلة رابعة حول مكافحة الإرهاب أضافها ممثلو النظام، لكن ذاك الاجتهاد لم يثمر سوى منح السلة الدستورية الأولوية والتعويل عليها كمفتاح للحل، الأمر الذي استبعد السلال الأخرى، وأطاح الجداول الزمنية المقررة تباعاً، وحصر المفاوضات في مساحة ضيقة، تقتصر على إنجاز مشروع دستور جديد عبر لجنة توافقية، تمثل النظام والمعارضة والمجتمع المدني، استغرق تثبيت أسمائها عامين كاملين، فكيف الحال وقد عيل صبر الجميع قبل أن تعقد هذه اللجنة اجتماعها الأول، بالتزامن مع استقالة المبعوث الأممي ديمستورا وتعيين بدلاً منه غير بيدرسون، الذي نجح نسبياً في نقل هموم السوريين إلى مستوى ما لمسناه مؤخراً، إلى الجدل حول الفوارق بين العدالة التصالحية والعدالة التعويضية، من دون أن ينبس بحرف واحد عن الإجراءات التي تتخذها السلطة السورية لتجديد نفسها، كالانتخابات البرلمانية التي جرت، والانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الصيف المقبل، ومن دون أن يعترض على سلوكها الذي يتناقض مع خطة الطريق الأممية، أو يفند ادعاءاتها عن أن الانتخابات شأن سيادي لا علاقة لها بالقرار 2254 أو بأعمال اللجنة الدستورية.
لم تنجح أي جولة من المفاوضات في التقدم خطوة واحدة نحو الحل السياسي، بل عجزت عن توفير الحد الأدنى من مطالب السوريين المنكوبين، وخاصة في الجانب الإنساني المتعلق بإطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين والمختفين قسرياً وضمان شروط آمنة لعودة المهجرين، وبينما اتسم موقف النظام وحلفائه بالتشدد وربح الوقت والأرض، بدت المعارضة السورية ضعيفة ومستعدة لتقديم التنازل تلو التنازل، حتى الاستسلام لمناقشة الدستور وفق اشتراطات النظام نفسه، والأنكى الغرق في موجات تفسير عما قاله المبعوث الدولي وعما يريده!
كلنا يتذكر ما حل بالقرار الأممي الشهير 242 الذي لم تبق منه سوى إشارة شكلية وصورية بأنه الأساس لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي، والأرجح، مع حفظ الفوارق، أن يصل القرار الأممي 2254 إلى الحالة ذاتها، ويغدو مجرد إشارة شكلية وصورية بأنه الأساس لمعالجة المأساة السورية.
الشرق الأوسط
———————————-
النظام السوري والمعارضة: مراوحة في المكان/ حسين عبد العزيز
أن يعلن وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد أن “الانتخابات الرئاسية” المقبلة (المقرر إجراؤها منتصف 2021) ستجري في موعدها، بغضّ النظر عن أي شيء آخر، سواء أكان ما يتعلق بالقرار 2254 أم بمسار اللجنة الدستورية؛ فهذا موقفٌ ليس بجديد من حيث المضمون، لأنه يعبّر عن الموقف الحقيقي للنظام الرافض أي تسوية تؤدي إلى تنازلات سياسية، مهما كانت بسيطة. لكن تصريح المقداد حمل دلالات عدة، من حيث الزمان والمكان:
1 – اختار النظام السوري، ممثلًا بالمقداد، موسكو ليطلق هذه التصريحات، ولم يختر طهران التي كانت محطته الخارجية الأولى له بعد تسلّمه مهام وزير الخارجية.
لا يتعلق الأمر في كون موسكو هي المعنية بالمستوى السياسي فحسب، بقدر ما يتعلق بتوجيه رسالة إلى روسيا، من داخل عاصمتها، مفادها أن المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة شيء، وما يجري على الأرض في سورية شيء آخر تمامًا. بتعبير آخر: لن يقدّم النظام تنازلات سياسية مهما كانت، ولن يقبل بتقاسم للسلطة مع أي طرف آخر، وعلى روسيا أن تصحح مسار بوصلتها السياسية، في الشأن السوري، وأن تنهي فكرة ممارسة ضغوط على دمشق للقبول بتسويات سياسية.
تتقاطع تصريحات المقداد مع ما سرّبته الصحفية اللبنانية راغدة درغام، إذ كتبت في صحيفة (النهار)، نقلًا عن مصادر موثوقة من روسيا، أن المقداد أبلغ المسؤولين الروس بأن الأسد ليس راغبًا ولا جاهزًا للرحيل، وأنه مستمرٌ في موقعه مهما كانت الظروف والنتائج. ويشير ذلك إلى أن النظام يعمل على دفع موسكو إلى العمل في سياقات أخرى غير السياق السياسي، ويمكن للنظام أن يقدّم للروس تنازلات فيها، مثل العلاقة مع إيران وفق شروط معينة، والعلاقة مع إسرائيل، والعلاقة مع تركيا (إدلب)، والعلاقة مع الأكراد (شرق الفرات).
2 – حملت تصريحات المقداد رفضًا واضحًا للقرار الدولي 2254 الذي ما يزال يشكّل المرجعية القانونية-السياسية للحل في سورية.
وقد جاءت عبارته حول القرار الدولي 2254 مقحمةً في سياق حديث المقداد عن “الانتخابات” المقبلة، للتأكيد أن النظام السوري يرفض نصّ هذا القرار الذي جاء انعكاسًا لواقع لم يعد موجودًا الآن، وبالتالي فإن النظام في حِلّ من هذا القرار، دون أن يقول ذلك بشكل مباشر ورسمي.
3 – عدم ربط “الانتخابات الرئاسية” المقبلة بنجاح اللجنة الدستورية يعني، بالتحديد، عدم وجود ربط بين مسار جنيف من جهة، والعملية السياسية التي يجريها النظام منفردًا من جهة ثانية.
لم يربط المقداد بين “الانتخابات” وعمل اللجنة الدستورية، وإنما ربط بين “الانتخابات” وبين نجاح اللجنة الدستورية، أي أن الواقع السياسي على الأرض لن يكون انعكاسًا لنتائج اللجنة الدستورية، وإنْ نجحت في التوصل إلى صيغة دستورية جديدة. واللافت للانتباه أن أول تصريح يؤكد عدم وجود ربط بين “الانتخابات الرئاسية” في النظام السوري وبين اللجنة الدستورية، جاء على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في أثناء زيارته لدمشق في مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي.
4 – حالة الارتياح السياسي التي يعيشها النظام الآن مقارنة بـ “الانتخابات الرئاسية” التي جرت منتصف عام 2014، حيث جرت “الانتخابات” السابقة، في وقت كان المجتمع الدولي متفقًا على صيغة بيان “جنيف 1” الذي دعا إلى تشكيل هيئة حكم ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، أما “الانتخابات” المقبلة، فهي تأتي بعد انزياحات سياسية دولية، تجاوزت فعليًا نصّ بيان “جنيف 1″، لتستقر على الصيغة التي جاءت في الفقرة الرابعة من القرار الدولي 2254: “عملية سياسية بقيادة سورية تيسّرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية”.
تأتي “الانتخابات” المقبلة، في ظل غياب الضغط العسكري على النظام، مقارنة بعام 2014، وفي ظل تراجع عدد من الدول العربية عن معارضتها للنظام. بعبارة أخرى: إن الواقع القانوني-السياسي الدولي الآن هو أكثر ارتياحًا للنظام، مقارنة بعام 2014. وليس معروفًا إلى الآن ما ستؤدي إليه العقوبات الاقتصادية الأميركية خلال الأشهر المقبلة، بالرغم من أن المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جويل ريبرون قال، في حديث خاص إلى صحيفة (العربي الجديد)، إنه “لا يجب التقليل من أهمية قوة الضغط الاقتصادي المقترن بالعزلة السياسية، إذ يمكن أن يكون لذلك تأثير شديد جدًا مع مرور الوقت”. ولم يكتف ريبرون بذلك، إذ تحدث عن “بعض الأدوات الأخرى التي يمكن للولايات المتحدة استخدامها، والتي تنوي استخدامها، على سبيل المثال يتم اتخاذ بعض إجراءات إنفاذ القانون الآن، وكذلك بعض إجراءات العدالة الجنائية”.
المراوحة في المكان
في ظل اقتصار الضغوط الدولية على الجانب السياسي والاقتصادي، منذ نحو عامين؛ أصبح المسار التفاوضي محصورًا في مسار اللجنة الدستورية، وهو مسار يصبّ في مصلحة النظام، إذ لا توجد سقوف زمنية للوصول إلى صيغة نهائية للدستور أو إلى إعلان دستوري.
ويترتب على ذلك أمران: الأول أن المعارضة أصبحت أسيرة لعمل اللجنة الدستورية، بعدما خسرت كثيرًا من الأوراق، سواء على المستوى العسكري الميداني، أم على المستوى القانوني السياسي، بعدما تجاوزت تطورات الأوضاع في سورية نص القرار الدولي 2254 الذي طالب بوضع جدول زمني لصياغة دستور جديد. ويُخشى في هذا الإطار أن تنزلق المعارضة دون أن تدري إلى تقديم تنازلات سياسية تدريجية، تنتهي إلى إفراغ اللجنة الدستورية من محتواها، كما جرى خلال الجولة الأخيرة، حين جاء في الورقة التي قدّمها وفد المعارضة: “يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده، عن طريق صناديق الاقتراع، بدون تدخل خارجي”. والأمر الثاني امتلاك وفد النظام القدرة على تعطيل عمل اللجنة، بإضافة مبادئ وفقرات متنوعة تخضع للنقاش، مثل ورقة اللاجئين، ومن ثم إدخال الأمم المتحدة ووفد المعارضة في متاهات لا سبيل إلى حصرها. هكذا، اختزل الصراع التفاوضي في اللجنة الدستورية وحدها، لكن بينما تفتقر المعارضة إلى أدوات الضغط، يستغل النظام غياب الأسقف الزمنية للحل من أجل تثبيت نفوذه على الأرض، وهكذا أصبح الطرفان (المعارضة، النظام) يعولان على المراحل الزمنية، على أمل أن تحدث متغيرات تصبّ في مصلحة كلّ طرف.
مركز حرمون
——————————-
هل من أحد يريد الحل في سوريا؟/ كمال شاهين
لم يعنِ تطويق العنف (بشكل جزئي)، وعمل اللجنة الدستورية (البطيء للغاية)، أن وضع السوريين ككل قد بات أفضل. بل على العكس، فقد وجد الناس أنفسهم أمام مزيد من اﻷزمات الضاغطة على حياتهم الكارثية أصلاً. فمع استمرار تقطع أوصال البلاد، والموت السريري للعمليات الاقتصادية، جاءت العقوبات الغربية كي تكمل المشهد المتأزّم.
بالتزامن مع مرور خمس سنوات على التصويت باﻹجماع في مجلس اﻷمن الدولي على القرار رقم 2254 الخاص بحل اﻷزمة السورية، ومرور عام أيضاً على بدء تطبيق “قانون قيصر” اﻷميركي، فَرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على البلاد، استهدفت هذه المرة مصرف سوريا المركزي، وعدداً من الأفراد والكيانات، منهم زوجة الرئيس، وبعض أقربائها وشركائها، وشخصيات عسكرية وأمنية. وكان سبقها على مدار العام الماضي (والحالي) عقوبات مماثلة طال أهمها الشركة السورية للنفط.
تزعم اﻹدارة اﻷميركية، تبعاً لما ورد على موقع وزارة خزانتها، أن هدفَ العقوبات “دفع حكومة الرئيس بشار الأسد للعودة إلى المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية التي بدأت قبل نحو عشر سنوات”، حيث ستواصل الولايات المتحدة “السعي إلى مساءلة أولئك الذين يطيلون أمد هذا الصراع”، وستبقى وزارة الخزانة تبعاً لوزيرها “عازمة على مواصلة فرض ضغوط اقتصادية على نظام الأسد وأنصاره بسبب القمع الذي يمارسه”.
منذ صدور القرار السابق وحتى اليوم، تضاعفت العقوبات اﻷميركية على حكومة دمشق دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير حقيقي في مسار العملية السياسية التي كان مفروضاً أن يطلقها اﻹجماع الدولي حول ذاك القرار. كما أن أعمال اللجنة الدستورية لم تحقق نتيجة تذكر بعد ثلاث سنوات على بدء اجتماعاتها. وعلى العكس مما كان متوقعاً، فقد زاد تعنت مختلف اﻷطراف ـ وليس دمشق وحدها ـ وصار تنفيذ مضمون القرار، مثل سواه من القرارات الاخرى الكثيرة، في عالم الغيب.
مدى قوة القرار الدولي
قرار مجلس الأمن ذاك، كان، وما يزال، نقطة مرجعية رئيسية للدبلوماسية الدولية بشأن حل الصراع السوري، خاصة أن تبنيه كان باﻹجماع. فقد صوتت لصالحه مجموعة دول “أصدقاء سوريا” (وهي مؤلفة من 14 دولة، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية وتركيا وقطر)، وكذلك فعلت روسيا وإيران. وقد كانت موسكو حريصةً على الانخراط في عملية سياسية لها شرعيتها الدولية بعد وقت قصير من تدخلها العسكري المباشر في سوريا (آب/أغسطس 2015).
أعاد قرار مجلس الأمن الدولي، الذي اعتمد رسمياً في كانون الاول/ ديسمبر 2015، التأكيد على الحاجة إلى التنفيذ الكامل لبيان جنيف للعام 2012، ووضع خارطة طريق “للانتقال السياسي” تحت رعاية الأمم المتحدة، نصت على “إجراء انتخابات حرة ونزيهة في غضون ثمانية عشر شهراً، وصياغة دستور جديد للبلاد، مع استمرار مكافحة الإرهاب”.
السّلال اﻷربعة السابقة ضمت تصورات الحل لغالبية الفاعلين في اﻷزمة السورية، بمن فيهم اللاعبين الإقليميين والدوليين، وقد أُقرّت بعد توافق روسي أميركي، وترى فيها قوى معارِضة سورية في الداخل بوابة الحل الحقيقي للأزمة، “وأنّ الحل سياسي حصراً، أدواته الحوار والتوافق بين السوريين، وغايته تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بنفسه عبر إنهاء التدخلات الخارجية والقضاء على الإرهاب”، حسب تعبير “منصة موسكو للمعارضة” (1).
في حين تشكك سائر قوى المعارضة بمصداقية دمشق في العمل على وضع القرار موضع التنفيذ، خاصة بعد مضي خمس سنوات على إقراره، لم تقدم خلالها على أية إجراءات استباقية للحل، فلم يطلق سراح معتقلي الرأي، ولا توقفت عمليات الاعتقال في مناطق المصالحات السابقة مثل درعا، كما أنّ عودة المهجّرين إلى مناطقهم ما زالت محكومة بالموافقات اﻷمنية المسبقة، وما تزال القوات العسكرية جاهزة لشن حملات على مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، عدا عن جو الاحتقان العام الذي ما يزال مخيّماً على البلد.
نقاط الضعف في القرار الدولي
المشكلة الحقيقية، واﻷبرز، أن القرار اﻷممي يحتمل تفسيرات تسمح بقراءته وفق رؤية كل طرف للمسألة. وفي أماكن عدة من نص القرار هناك “غموض بنّاء”، (ربما كان مقصوداً أو لعله الممكن فقط). فالعموميات تغلب على النص في مواقع كان يجب أن تكون فيها في عين الوضوح، كما هو الحال عند الحديث عن الانتقال السياسي، وهو ما ظهر الشهر الحالي في اجتماعات اللجنة الدستورية، حين استخدم ممثل اﻷمم المتحدة “غير بيدرسون” مصطلح “العدالة التصالحية” بدلاً من “العدالة الانتقالية”، وهما مفهومان مختلفان، وأثار بذلك عاصفة من الانتقادات من قبل كل اﻷطراف، علماً أنه لا يوجد أي ذكر للعدالة الانتقالية في القرار 2254.
عدم ذكر مسألة العدالة الانتقالية كان بناء على رغبة موسكو ودمشق، وحتى لا يفتح ذلك الباب لتحقيقات أممية في قضايا حقوق اﻹنسان والمفقودين والمعتقلين. يعني هذا الاغفال استحالة تحقيق “الانتقال السياسي” المذكور في نص القرار عبر “خريطة طريق استناداً إلى بياني جنيف وفيينا اللذان يدعوان إلى مفاوضات بين ممثلي دمشق والمعارضة على مسار الانتقال السياسي”، وهو ما دعا إليه اﻷمين العام للأمم المتحدة وقتها في العام 2016.
ما ذُكر بديلاً عن “العدالة الانتقالية” كان تشكيل “هيئةِ حكمٍ انتقالي جامِعة تُخوَّل سلطات تنفيذية كاملة”، دون تحديد الجهة صاحبة الحق في هذا التخويل. ويحتمل هذا اﻷمر تفسيرات عديدة، منها بقاء الرئيس في منصبه مع “احتمال” تحويل النظام الرئاسي إلى آخر نصف رئاسي تكون رئاسة مجلس الوزراء فيه لشخصية من المعارضة أو تشكيل حكومة وحدة وطنية (كما طرحت طهران ذلك).
أيضاً، غاب عن القرار تحديد آليات إلزام واضحة للأطراف المشاركة في التنفيذ لمراقبة وقف إطلاق النار ومسار العملية التفاوضية، كما أنّ توصيات القرار غير ملزمة ودون عقوبات، فضلاً عن أنّ إيقاف العمليات العسكرية مرهون بالتوقف عن خرق وقف إطلاق النار، اﻷمر الذي تكرر حدوثه عشرات المرات، وهو ما يجعل البنية التنفيذية للقرار هشة وسهلة التجاوز.
وعلى مدار السنوات السابقة، أثارَت مسألةُ تحديد “القوى والتنظيمات اﻹرهابية” ـ التي بقيت من صلاحيات اللجنة الرباعية الدولية (روسيا وإيران واﻷردن وفرنسا) ـ جدلاً دائماً لم ينته حتى اﻵن، إذ أنّه ليس هناك معايير دقيقة لتحقيق الفرز بين القوى “المعتدلة” والقوى “اﻹرهابية”، والتوافق بهذا الشأن مرهون بالمصالح وحسابات الدول وتوازنات القوى، عدا عن أن عملية التصنيف هذه، التي لم تغلق نهائياً، ستبقى ضمن أدوات الابتزاز، سواء للجماعات المسلحة من قبل الدول الفاعلة (كما فعلت تركيا مع “جبهة النصرة” فدفعتها لتغيير اسمها)، ما يحملها على المزيد من التطرف والتشدد أو على الرضوخ لرغبات تلك الدول، كما هو “بازار” بين الدول نفسها يجري فيه تبادل للمصالح ومواقع التأثير في اﻷزمة السورية.
ماذا فعل القرار على أرض الواقع؟
إجمالاً، كان من الواضح أن القرار نجاحٌ للرؤية الروسية في هندسة اﻷزمة السورية، باستخدام سياسات التطويل والتقصير. فحتى اﻵن كان الحديث عن الانتقال السياسي والانتخابات خجولاً جداً وخاضعاً للتأثير اﻹقليمي، بدون وجود رغبة حقيقة في نقله إلى مستوى مسألة اﻹرهاب التي دُفعت إلى الواجهة وباتت نقطة توافق دولي وإقليمي، خاصة بين روسيا وتركيا، ودول أخرى مثل فرنسا، على الرغم من أن هذا التوافق لم يساهم حتى اﻵن في تغيير خرائط الصراع بين القوى المحلية واﻹقليمية، التي ما زالت تراوح عند تفاهمات “أستانا” للعام 2017، التي قلّصت العمل العسكري كثيراً داخل البلاد.
صحيح أن “مسار أستانا” استطاع تطويق وتحجيم العمليات العسكرية بين الجيش السوري وجماعات المعارضة المسلحة منذ العام 2017 وحتى 2019، ولكن هذا لم يعن توقفاً نهائياً للقتال، إذ ما زالت المعارك قائمة بين قوات الاحتلال التركي ومناصريها من قوى المعارضة المسلحة (ما يسمى “الجيش الوطني السوري”) من جهة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وآخرها القرار التركي بدخول “عين عيسى” حيث مقر “اﻹدارة الذاتية” الكردية، وهو قرار استعاد جدلاً مماثلاً لجدل دخولها “عفرين” حيث رفضت اﻹدارة الذاتية الكردية تسليم إدارة المنطقة للجيش السوري.
وعلى صعيد اللجنة الدستورية المشكّلة مثالثةً بين دمشق والمعارضة والمجتمع المدني، فهي لا تمتلك صلاحيات إقرار دستور في حال إنجازها له، بل إن عليها تقديمه إلى مجلس الشعب الموجود حالياً. و وهذا اﻷخير لا يضم أيّاً من شخصيات المعارضة، مما قد يؤدي إلى فشل عملها بشكل كبير.
بالمثل، فإن مسألة الانتخابات الرئاسية المتوقع أن تُجرى العام القادم، هي حتى اللحظة محكومة باﻵليات المعمول بها في مناطق سيطرة دمشق، في حين أن المذكور في القرار هو “انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي”. وهذا اﻹشراف الدولي، يتوقع أن تكون روسيا عرابته، وبالتالي، فإن دور “الهيئة العليا للمفاوضات” (المعارِضة) التي انبثقت عن “مؤتمر الرياض” قبل خمس سنوات أيضاً، سيكون ضعيف الفاعلية، مع الإشارة إلى أن ثقلها مرتبط بشكل رئيسي بالدور التركي في اﻷزمة السورية.
أين السوريون من القرار؟
لم يعنِ التطويق الجزئي للعنف، وعمل اللجنة الدستورية البطيء، أن وضع السوريين ككل قد بات أفضل، بل على العكس، فقد وجدوا أنفسهم أمام مزيد من اﻷزمات الضاغطة على حياتهم الكارثية أصلاً. فمع استمرار تقطع أوصال البلاد، والموت السريري للعمليات الاقتصادية، جاءت العقوبات الغربية كي تكمل المشهد المتأزّم. واليوم بات مشهد الطوابير الطويلة على الخبز والمواد الغذائية والوقود مألوفاً على الرغم من انتشار جائحة كوفيد ـ 19 والتصاعد اليومي بأعداد المصابين.
لا تتحمل العقوبات الغربية وحدها المسؤولية عما يجري في البلاد، فهناك طبقة كبيرة من الفاسدين وتجار الحرب من مختلف الأطراف، وفي مختلف المناطق، تتشابك مصالحهم معاً ويسيطرون على مقدرات البلاد ويتعاونون معاً على نهبها، يساعدهم في ذلك أن البنية المسيطرة في قلب النظام، كما المعارضة، هي بنية لا وطنية مرهونة للمشاريع اﻹقليمية والدولية، ولا تمتلك مشروعها الوطني خارج البروباغندا اﻹعلامية التي تغرق بها جمهورها.
الوضع السوري ككل، بعد خمس سنوات على القرار 2254 أكثر خطورة مما كان عليه قبله. فهناك دولياً، شبه تثبيت لحالة “تقسيم اﻷمر الواقع” عبر دعم كل طرف سوري على حساب اﻵخر، ومنع ما يمكن أن يفتح اﻷبواب المغلقة بينها، بما يبدو تنفيذاً معلناً لما قاله جيمس جيفري “الجمود هو الاستقرار في الحالة السورية”، و”تحويل سوريا إلى مستنقع”، وبما يحقق فعلياً تحوّل سوريا من دولة “فاشلة”، “رخوة”، لا تملك من قرارها الوطني شيئاً، كما لا تملك من سمات الدولة إلا القمع والنهب.
داخلياً، وإذ تتحمل اﻷطراف السورية كافةً، بدرجات متفاوتة، مسؤولية غياب استشراف المستقبل والارتهان للمشاريع اﻹقليمية والدولية على حساب الشعب السوري، فإنها في الوقت نفسه، لم تزل متمترسة خلف رؤى ضيقة فشلت في تحقيق اﻹجماع الوطني. وليس أدلّ على ذلك من القرار السابق نفسه، الذي بدا فيه واضحاً وجود رغبة دولية بالتخلص من عبء المشكلة السورية وتسليم إدارتها إلى الجانب الروسي، نتيجة لسوء أداء النظام السوري في إدارة البلاد والعباد، كما سوء أداء قوى المعارضة السورية على كل الصعد. فقد ظهر ـ مثلاً ـ فساد هذه الاخيرة المالي بدرجات عالية لا تختلف عن فساد النظام الذي تطالب بالحلول مكانه، ويكفيها أنه مضى على وجودها عقد كامل تقريباً لم تتمكن فيه من بلورة رؤية وطنية جامعة للخروج من اﻷزمة، عدا عن انقساماتها التي لا تعد ولا تحصى، ولا تتوقف.
مختصر مفيد
تقتضي الواقعية السياسية القول بأن أيّ حل ﻷي مشكلة مرهون بإرادة أطرافها، مهما تكاثرت القرارات الدولية ـ واﻹقليمية ـ وظهرت لهذه اﻷطراف على أنها حلول حقيقية لمشكلاتها، وهو ما ينطبق على الحالة السورية عموماً وإلى اليوم. فالخروج من عنق الزجاجة السورية مرهون بهذه اﻹرادة الوطنية.
على هذا، يمكن القول إن التفكير بحل جذري خارج عن السياق المعتاد في ادارة الأزمة السورية، ليس وارد أياً كان: الأطراف السورية المتنازعة، وبالضرورة اﻷطراف الإقليمية والدولية التي من مصلحتها استدامة سرقة ونهب المقدرات السورية، وتحويل البلاد إلى مستنقع. عدا عن أن أي حلول تُبنى على التوازنات اﻹقليمية والدولية ستبقى مرهونة بهذه التوازنات حتى لو اكتسبت صيغة “قرار دولي”. فعند أي تغيير سياسي ستتحول هذه القرارات إلى متحف التاريخ كما تحولت عشرات القرارات المماثلة لها.
______________
1- نشأت “منصة موسكو” وكذلك “منصة القاهرة” للمعارضة خلال عام 2014، على إثر بدء اجتماعات جنيف التفاوضية، وهما تجمعان لتيارات وشخصيات سياسية لا تنضوي تحت لواء “الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة”، وغالباً ما تُعرّف ب”تهذيب” موحي، بانها تمثل “معارضة الداخل” لأن ابرز أسمائها كانوا في مناصب حكومية حتى مغادرتهم سوريا منذ سنوات قليلة. ومن المعروف أن هناك تشظياً هائلاً في خارطة القوى السورية المعارضة، واستقطابات اقليمية ودولية فاعلة فيها.
السفير العربي
——————————
انتخابات الأسد بلا شرعية محلية ولا دولية/ عماد كركص
قبول النظام السوري المشاركة في أعمال اللجنة الدستورية لم يكن سوى مضيعة للوقت وزيادة في تعطيل جهود الحل السياسي، لا سيما مع التصريحات الأخيرة لوزير خارجيته فيصل المقداد، بأن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها، منتصف العام المقبل، من دون أن يكون لمخرجات اللجنة الدستورية علاقة بها، وهو بذلك يكرر موقفاً سبق أن أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وينتظر كثر ردود الفعل الدولية على هذه الخطوة، قبيل وعند حدوثها، لا سيما أن التصريحات الغربية أخيراً صبّت باتجاه عدم منح الشرعية للانتخابات المقبلة، مع عدم قبول نتائجها، إن لم تكن وفق دستور جديد وتحت إشراف الأمم المتحدة.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن المقداد، الذي زار موسكو أخيراً، قوله حول إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية في حال فشل اللجنة الدستورية في التوصل إلى اتفاق، إنه “من الواضح جداً أننا جميعاً سنعمل على أساس الدستور الحالي حتى نضع دستوراً جديداً، وهذا أمر تعرفه اللجنة الدستورية جيداً”. وشدّد على أن “الانتخابات ستجرى بحسب ما ينص عليه الدستور الحالي”. كذلك أكد المقداد أنه “لن يكون هناك ربط بين عمل اللجنة الدستورية الحالية والانتخابات المقبلة التي يجب إجراؤها بالضبط في الوقت المحدد بموجب الدستور الحالي”.
وبالنسبة لعمل اللجنة الدستورية، أشار المقداد إلى أن “اللجنة جاءت كنتيجة لمخرجات مؤتمر سوتشي، ونحن بالفعل اتخذنا الإجراءات اللازمة للمساهمة في إنجاح هذه الجهود، وشكّلنا الوفد الوطني”. وأضاف: “نحن نعلم أن الأشخاص الذين تم تعيينهم يجب أن يأخذوا في اعتبارهم مصالح سورية، التي يجب أن تكون مستقلة وذات سيادة، وأن تؤسس دستوراً يخدم سلامة أراضي ووحدة الشعب السوري”. وأشار كذلك إلى أنه “من المبكر الآن الحديث عن نجاح أو فشل اللجنة الدستورية، ولكننا نأمل نجاحها”.
وتشير تصريحات المقداد إلى أن النظام وضع جدولاً زمنياً طويلاً للعملية الدستورية، إذ لا يزال من المبكر، بالنسبة له، الحديث عن نجاح وفشل اللجنة الدستورية بعد عام من أعمالها. ما يعني أن سياسة الإغراق بالتفاصيل التي وضعها وزير خارجية النظام الراحل وليد المعلم، ستستمر ربما حتى بعد إجراء الانتخابات لزيادة التعطيل في المسار الدستوري كسباً للوقت.
وعن ذلك، توقع عضو القائمة الموسعة للجنة الدستورية عن المعارضة، إبراهيم الجباوي “ألا يعترف المجتمع الدولي بشرعية الانتخابات المقبلة، فيما يصر النظام ومن خلال تصريحات المقداد على إجراء الانتخابات في موعدها وهذا انفصال عن الواقع”. وأضاف في حديثٍ لـ”العربي الجديد” أنه “إذا كانت الانتخابات ستجرى في موعدها، ستكون بموجب دستور 2012، الذي لا نعترف به نحن كمعارضة ولا المجتمع الدولي. والمجتمع الدولي يشدد على إجراء انتخابات بموجب دستور جديد من خلال اللجنة الدستورية، للبدء بعملية سياسية حقيقية وانتقال السلطة. لكن النظام لا يزال يعطل الحل السياسي والانخراط جدياً بالعملية السياسية، وهمه الوحيد هو إبقاء بشار الأسد في السلطة بأي شكل على الرغم من الدمار الذي طاول البلاد، وضياع مقدراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
ورأى الجباوي أن “النظام غير جدي في العملية السياسية ويعتبرها مضيعة للوقت، بدليل أنه لم يذهب للجنة الدستورية إلا مرغماً بفعل الضغط الروسي، فروسيا تريد أن تظهر للعالم اهتمامها بالعملية السياسية وهذا بعيد عن الواقع أيضاً. ورأينا وفد النظام خلال الجولات الأربع من عمل اللجنة الدستورية أنه لم يأت إلا للتعطيل، من خلال الزج بمواضيع وطروحات ليس لها علاقة بالدستور في عمل اللجنة”. وأوضح أن “النظام يريد من كل ذلك كسب عامل الوقت لتحقيق حسم عسكري في البلاد، فالخروقات في إدلب، وإن كانت بشكل محدود، لم تتوقف، على الرغم من وقف إطلاق النار، لكن الحسم العسكري غير مقبول دولياً، ولو كان مقبولاً لكنا نحن كمعارضة حسمنا الأمر لصالح الثورة قبل عام 2015، وكان ذلك متاحاً. إلا أن التدخل الدولي والتدخل الروسي العسكري والسياسي حالا دون ذلك، ومنذ ذلك الحين يصبّ التوجه الدولي في سياق الحل السياسي”.
وتبقى الأسئلة مطروحة حول المشاركين في الانتخابات المقبلة، سواء على مستوى الجغرافيا أو الأفراد، إذ تنقسم البلاد إلى ثلاث مناطق نفوذ. الأولى يسيطر عليها النظام مع الروس والإيرانيين، وتضم دمشق والساحل ومحافظتي حماة وحمص وسط البلاد، مع أجزاء صغيرة من محافظتي دير الزور والحسكة. أما الثانية فهي تحت سيطرة المعارضة وتمتد مما تبقى من محافظة إدلب إلى جانب مساحات مكتظة بالسكان في ريف حلب الشمالي، جرابلس والباب وعفرين ومحيط كل منها. كذلك تسيطر المعارضة على المنطقة الممتدة من تل أبيض بريف الرقة إلى رأس العين بريف الحسكة، التي سيطر عليها “الجيش الوطني السوري” المعارض، بالمشاركة مع الجيش التركي أواخر العام الماضي. أما الثالثة فتضم مناطق شمالي شرق سورية، الواقعة تحت حكم “الإدارة الذاتية” الكردية بسيطرة عسكرية من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، وتشمل كامل محافظة الرقة تقريباً باستثناء مناطق جنوبي وغربي المحافظة، وثلث محافظة دير الزور شمالي نهر الفرات ومحافظة الحسكة بالكامل، باستثناء مربعين أمنيين وسط كل من مدينتي الحسكة والقامشلي يخضعان شكلياً لسيطرة النظام، إلى جانب عين العرب ومنبج وتل رفعت ومحيط كل منها في ريف حلب الشمالي.
أما على مستوى السكان، فمعظم سكان البلاد باتوا خارج مساكنهم الأصلية، سواء من خلال النزوح الداخلي أو اللجوء إلى بلدان خارج سورية. في السياق، تشير إحصائية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أنها سجلت حتى 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 5,570,382 ملايين لاجئ سوري، يتوزعون على 3,626,734 ملايين لاجئاً في تركيا، و879,529 ألفاً في لبنان، و659,673 ألفاً في الأردن، و242,704 آلاف في العراق، و130,085 ألفاً في مصر، و31,657 ألفاً في دول شمال أفريقيا (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، السودان)، وهذا بحسب الإحصائيات الرسمية والأعداد المسجلة لدى المفوضية فقط. في المقابل، تقول الدول المضيفة إن الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك، إذ لا يزال هناك جزء كبير من اللاجئين غير مسجل.
ولا تشمل هذه الإحصائية اللاجئين في أوروبا، كونهم يقعون تحت حماية الدول الأوروبية المستضيفة لهم، ويفوق عدد اللاجئين هناك المليون لاجئ، إذ تستضيف ألمانيا بمفردها نحو 600 ألف لاجئ سوري. هذا عدا عن النازحين داخلياً والمهجرين قسراً، الذين تبلغ أعدادهم حوالي 6 ملايين نازح ومهجر، ما يعني أن نصف السوريين اليوم بعيدون عن مساكنهم الأصلية، وغير قادرين على الاقتراع.
كل ذلك قد يدعم التوجه الغربي لعدم الاعتراف بالانتخابات، وربما التحرك لجهة اتخاذ إجراءات حيال تعطيل نتائجها، إذ كانت فرنسا وألمانيا قد عبّرتا قبل حوالي شهرين عن عدم اعترافهما بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، مع مواصلة النظام عرقلته لجهود الحل السياسي. كان ذلك خلال جلسة لمجلس الأمن استمع فيها مندوبو دول المجلس لإحاطة مقدمة من المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، التي أشار فيها إلى وجود عراقيل من قبل النظام لتعطيل المسار الدستوري. ونال الموقف الفرنسي – الألماني دعماً من الولايات المتحدة التي طالبت الأمم المتحدة بتسريع تخطيطها لضمان صدقية الانتخابات الرئاسية المقبلة في إطار نتائج اللجنة الدستورية. وكان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، قد أشار في يونيو/ حزيران الماضي إلى أن قبول الانتخابات الرئاسية في سورية عام 2021 مرتبط بإجراء الانتخابات وفق دستور جديد وبموجب القرار الأممي 2254.
ومطلع الشهر الحالي، أعرب الممثل الخاص للتواصل بشأن سورية جويل ريبرون، عن موقف بلاده صراحة من الانتخابات الرئاسية المقبلة، بالقول إن “أي انتخابات يجريها النظام السوري عام 2021 لن تتمتع بالشرعية وهي انتخابات مزيفة، في حال كانت خارج إطار قرار مجلس الأمن 2254”. وشدّد على أن “الانتخابات تخص السوريين ويجب أن تكون تحت رعاية وضمان الأمم المتحدة، وبمشاركة الجميع بغض النظر عن مكان وجودهم”، موضحاً أن “غير ذلك يعد مضيعة لوقت الجميع ولن يغير أي شيء”. هذا الموقف نابع عن إدارة الرئيس الخاسر دونالد ترامب، بانتظار موقف إدارة جو بايدن، بعد تسلمها مقاليد الحكم في البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل.
العربي الجديد
——————————-
تحليل آخر للمشهد السياسي السوري على عتبة السنة الجديدة/ بكر صدقي
قيل وكتب الكثير بخصوص فشل تجارب أحزاب وتيارات سياسية نشأت بعد اندلاع الثورة في العام 2011، ليضاف إلى فشل سابق لأحزاب معارضة سورية موجودة منذ الاستقلال أو بعده بسنوات قليلة، فشلها في تكوين أكثريات اجتماعية قادرة على إحداث تغيير. ولم يقتصر الأمر على أحزاب وتيارات منفردة، بل شمل أيضاً محاولات ائتلافية أو تحالفات ضمت عدداً من الأحزاب والتيارات، كالتجمع الوطني الديمقراطي في ثمانينيات القرن الماضي، وإعلان دمشق الذي ظهر في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، أو المجلس الوطني السوري أو وريثه الائتلاف الوطني أو خلاصة هذا وذاك في «الهيئة العليا للمفاوضات» التي انخرطت في مفاوضات عبثية مع «لا أحد» تحت المظلة الروسية. من نافل القول إنها جميعاً في الطرف المعارض للنظام الكيماوي، أما بالنسبة للطرف الموالي، فتحليله يختلف تماماً، ولا يمكن تطبيق الأدوات نفسها في الحالتين، فهو إذن خارج اهتمامات هذا المقال.
أول ملاحظة يمكن التوقف عندها هي أن القوى الفاعلة، بدرجات وأشكال متفاوتة، تقع خارج اللوحة السياسية المعارضة برمتها. وإذا استثنينا الدول المنخرطة في الصراع السوري، سيبقى لدينا تياران كبيران فاعلان في الحقل السياسي السوري هما الإسلاميون والقوى الكردية، يملك كل منهما سلطة مسلحة على قسم من الأرض، ويدور صراع متناوب الاحتدام بينهما من جهة، وبين كل منهما و»عدوه الخاص» من جهة أخرى. فعدو التيار الإسلامي هو النظام وحلفاؤه، إضافة إلى القوى الكردية؛ في حين أن عدو هذه الأخيرة هو تركيا والتيار الإسلامي.
ما أسميته بـ»اللوحة المعارضة» هي واجهة سياسية بلا قوة فاعلة على الأرض، ويمكن اعتبار حركة الإخوان المسلمين بتفرعاتها المتعددة وشخصياتها «المستقلة» حالة بين بين، فلا هي موجودة كقوة مسلحة على الأرض، ولا هي غائبة عنها تماماً بسبب صلاتها الوثيقة بتشكيلات مسلحة إسلامية، كما بوجودها الرمزي كإيديولوجيا إخوانية. لكن الالتحاق التام للتيار الإخواني بالأجندة التركية قد يدخلها في تصنيف آخر يوحدها سياسياً مع الفصائل المسلحة الملحقة بالاحتلال التركي في مناطق الشمال، وهو ما يخرجها عملياً من «اللوحة المعارضة».
ولكن ما الذي يبقى من اللوحة المذكورة إذا نحن أخرجنا التيار الإسلامي منها؟
تبقى «شخصيات» وتيارات صغيرة لا وزن لها يمكن جمعها تحت مظلة «الإيديولوجيا الوطنية السورية» وهي إيديولوجيا لأنها تفتقر إلى أي أساس متين بخلاف ادعاءاتها الكبيرة.
كأننا عدنا إلى المنطلق نفسه، أي ما اصطلح على تسميته بـ»أزمة الهوية الوطنية السورية» تلك الهوية غير القائمة على أي أسس موضوعية، ومكملها الموضوعي المسمى «تدويل المشكلة السورية» أي كف يد السوريين عن تقرير مصير سوريا. وهذا ينطبق ليس على المشهد المعارض وحده، بل كذلك على مقابله لدى النظام وبيئته الاجتماعية.
من المحتمل أن قليلين هم من يمكن أن يختلفوا مع هذا التشخيص، مهما بدا عالياً أصوات المنادين بسوريا ديمقراطية لكل السوريين، ومن باب أولى المنادين بسوريا الأسدية الأبدية.
هناك عامل إضافي دخل على المشهد السياسي السوري في السنوات الماضية بضجيج أقل ولكن بثبات، هو «المجتمع المدني» بمنظماته وشخصياته ومصادر تمويله. هو عامل مثير للجدل إن لم نقل إنه مرذول عموماً، سواء لدى بيئة الثورة أو بيئة النظام، يشبه في ذلك «العامل الكردي» الذي يشترك معه في نقطة أخرى هي أنهما مدعومان من «المجتمع الدولي» وبالذات من الولايات المتحدة. ولكن لا يمكن القول إن كلاً من منظمات المجتمع المدني و»قوات سوريا الديمقراطية» أو مجلسها السياسي، هما ممثلان لأجندة أمريكية أو غربية، على غرار القوى الملتحقة بالأجندة التركية، لا بسبب تعففهما عن ذلك، بل ببساطة لأن الغرب أو الولايات المتحدة ليست لديهما أجندة، بل حتى سياسة متسقة بشأن سوريا، إلى الآن على الأقل. في فترة سابقة، أيام الحرب على داعش لعبت قوات سوريا الديمقراطية دور مخلب القط المحلي لقوات التحالف، لكنها مرحلة انتهت، لذلك بات مصير «الإدارة الذاتية» في مهب الريح، وبخاصة بعد سماح إدارة ترامب لتركيا بغزو منطقة «نبع السلام» في الشمال الشرقي.
المبعوث الأممي السابق ستافان دي مستورا أدخل «ممثلي المجتمع المدني» إلى مسار المفاوضات العبثية، وبات هذا أمراً واقعاً يصعب التراجع عنه، في حين أن روسيا فشلت في إقناع تركيا برفع الفيتو الخاص بها على أي تمثيل كردي في مسارات التفاوض، على عبثيتها. نلاحظ، هنا أيضاً، ما يؤكد من جديد على انتزاع القضية السورية من أيدي السوريين وإمساك الدول المنخرطة بمصير سوريا بها.
أعلنت الهيئة العامة للمفاوضات الشهر الماضي عن تأسيس ما أسمته بـ»الهيئة العليا للانتخابات». كانت خطوة مفاجئة أثارت ردود فعل سلبية واسعة لدى الرأي العام المعارض الذي اتهم «الهيئة العامة» بأنها تستعد، بتلك الخطوة، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي سيجريها النظام لانتخاب بشار الأسد لولاية جديدة من سبع سنوات. لا نعرف بصورة يقينية ما إذا تم سحب هذا المشروع تحت ضغط الرأي العام كما يقال، أم أنه تم بإشارة خفية من الراعي التركي أو لسبب آخر. ذلك لأن الجسم المعارض المذكور قلما أبدى اهتماماً بالانتقادات الموجهة إليه من قبل جمهوره المفترض. ما يتصل من هذه الحادثة بموضوع هذا المقال هو أن هناك تفكيراً لدى مختلف الأطراف باليوم التالي على نهاية الصراع، وربما تسرعت الهيئة بفكرة إنشاء هيئة الانتخابات من هذا المنطلق، فالصراع واللا-حل قد طالا أكثر مما يجب، وهناك مستجد عالمي لا بد من حسبان حساب انعكاساته المحتملة على الصراع السوري وآفاق نهايته، ألا وهو التغيير السياسي الذي حدث في واشنطن، وما تثيره التوقعات المختلفة من آمال أو مخاوف لدى مختلف الأطراف.
بصرف النظر عن نوع ومدى التأثير المحتمل للإدارة الأمريكية الجديدة بشأن سوريا، يمكننا القول إن حدود تأثير الإسلاميين على مصير سوريا تكاد تتطابق مع تأثير العامل التركي، في حين يبقى العامل الأكثر تأثيراً هو روسيا المتمسكة ببقاء النظام، وتتحدد «الحصة الأمريكية» إن كانت واشنطن مهتمة، في «ثلث المجتمع المدني» المقوى بقوات سوريا الديمقراطية. وهذا ما لا يترك شيئاً تقريباً للتيارات السياسية الممثلة للأيديولوجيا الوطنية السورية.
كاتب سوري
القدس العربي
——————————–
عروض روسية لتفاهمات سورية – إسرائيلية – إيرانية/ راغدة درغام
عرضت روسيا على سوريا صفقة تؤدي الى إزالة المشاكل القائمة بين سوريا وإسرائيل ترعاها موسكو وتقوم على تنازلات من الطرفين من أجل تفاهمات متبادلة تشمل إقناع إيران بتخفيض حجم تواجدها العسكري، بالذات حول دمشق، وبذلك تكون طرفاً رابعاً في صفقة التفاهم الروسي- الإيراني- السوري- الإسرائيلي. فموسكو تريد استخدام الوضع الراهن لتحسين ظروفها داخل سوريا بعدما اتضح لها ان عملية “استانا” التي تضم روسيا وتركيا وإيران- للتفاهم في سوريا اصطدمت بالحائط نتيجة تدهور العلاقة الروسية- التركية بالذات بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان. وروسيا ترى ان في وسعها ان تلعب لعبةً جديدة في الشرق الأوسط عبر البوابة السورية أساسها عزل تركيا وتخفيض النفوذ الإيراني في سوريا بترتيبات أمنية تُرضي إسرائيل وتفتح باباً جديداً تُمسك موسكو بمفاتيحه الأساسية، يتطلّب، من وجهة نظر موسكو، التمسّك ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة.
الرسالة الأساسية التي نقلها وزير الخارجية السوري الجديد فيصل المقداد الى نظيره الروسي سيرغي لافروف في زيارته لموسكو هذا الأسبوع هي ان الرئيس الأسد يريد استعجال الأمور speed up the process الى ترتيبات ضرورية للاستقرار في سوريا. وبحسب مصادر مطّلِعة على أجواء اللقاء المُهم، اتفق الطرفان على انعدام اللغة المشتركة واستحالة التوصل الى صفقة مع تركيا حول ادلب حتى ولو بذلت موسكو قصارى جهدها. وبالتالي، اتُفق على أن ادلب باتت “وجع رأسٍ” لا مناص من اقتلاعه منتصف عام 2021.
هذا يتطلّب قراراً روسياً استراتيجياً لن يكون سهلاً أبداً نظراً للعلاقات المُتوتِّرة بين موسكو وأنقرة في أكثر من ملف ومكان بالرغم من انفراجٍ هنا ورسالة وديّة هناك. فقرار حسم ادلب عسكرياً يشكّل مشكلة كبيرة جداً لموسكو. أما دمشق فإنها تدفع الى الاستعجال في هذا الحسم العسكري بدون أخذ تركيا في الحساب لأنه مصيري للنظام ولسوريا.
رأي روسيا وسوريا، كما نقلته المصادر المطّلِعة على أجواء اللقاء بين لافروف ومقداد، هو ان “استانا” باتت عملية لا حاجة اليها الآن بعدما تعدّاها الزمن- أقلّه بشقّها التركي. هذا يترك العلاقات الروسية- الإيرانية- السورية في مكانٍ جديد ويضع الحديث في لغةٍ ومرتبةٍ مختلفة، لكنه لا يخفي ولا ينفي المعضلة التركية الكبيرة للثلاثي في سوريا.
الرسالة الأخرى الفائقة الأهمية التي حملها المقداد الى موسكو تمحورت حول ديمومة بشار الأسد مهما كانت الظروف داخل سوريا وحولها. فالأسد لن يترك السُلطة مهما حصل إذ انه ليس راغباً ولا جاهزاً للرحيل تحت أي ظرف كان. انه مقتنع بأن مستقبل سوريا السياسي مبني حصراً حول الأسد مهما حاصرته الضغوط المحلية والدولية. وهو جاهز للقاءات مع المعارضة في جنيف ولكن ليس لإبرام صفقة المشاركة في السلطة مع المعارضة. يرضى بتغيير هيكلي structure عبر البرلمان أو الانتخابات طالما حصيلته تكون بقاء الأسد عنصراً حاسماً في السلطة.
هذه هي رسالة بشار الأسد الذي قد يقوم بزيارة الى موسكو مطلع العام المقبل. ما يريده ويتمناه من موسكو يرتكز أولاً على اعتباره حجراً رئيسياً ومركزيّاً في استقرار سوريا، وثانياً، انه يريد من روسيا أن تحضّ الدول العربية على تغيير نهجها وموقفها وسلوكها نحو سوريا وأن تتأقلم مع بقاء الأسد حجر أساس.
الرسالة الأساسية التي بعثها الرئيس السوري عبر المقداد الى روسيا هي: يجب عدم خسارة فرصة فرض الاستقرار في سوريا (والاستقرار لغة تحلو تقليدياً لروسيا) وذلك عبر تغيير طفيف في النظام السياسي وتوسيع أرضية الدعم للأسد داخل سوريا ومن خارجها.
في الموضوع الإيراني، نقلت المصادر الوثيقة الاطلاع ان الموقف الذي حمله المقداد هو ان التعاون السوري- الإيراني سيستمر وسيزداد “لأن إيران باتت شريكاً حقيقياً وشريكاً ثابتاً”، إنما ليس بعيداً عن التنسيق مع موسكو. بكلام آخر، تنوي دمشق أخذ رأي روسيا دائماً وبصورة متماسكة عندما يتعلق الأمر بما تريده الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سوريا، وهي لن تنفذ مئة في المئة المطالب الإيرانية تلقائياً قبل استطلاع المواقف الروسية منها.
الرسالة الروسية التقليدية التي سمعها المقداد من لافروف هي ان موسكو مستمِرّة في تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لسوريا وهي مُتمسِكة بالأسد. الجديد فيها هو ان روسيا مستعدّة لإبرام صفقة تزيل المشاكل ما بين سوريا وإسرائيل وهي جاهزة لخطوات في هذا الاتجاه قريباً. ولأن موسكو تفهم تماماً مدى النفوذ الإيراني في سوريا والعلاقة العضوية بين النظامين في دمشق وطهران، ترى ان من الضروري ان تكون إيران جزءاً من الصفقة بصورة أو بأخرى.
وعليه، ولأن لدى روسيا أوراق ثمينة يمكن لها ان تستخدمها للتأثير على المواقف الإيرانية مثل صفقات الأسلحة ودورها المهم في مصير الاتفاقية النووية JCPOA، ينوي وزير الخارجية الروسية القدير في استخدام الأوراق الثمينة أن يطلب من إيران تخفيض حجم وجودها العسكري بالذات حوالى دمشق كي يكون في إمكان روسيا رعاية التفاهمات السورية- الإسرائيلية- الإيرانية.
فالقرار في موسكو هو نفض القلق من وضع روسيا في سوريا والانتفاض على فكرة التلقّي لاستبدالها بفكرة المبادرة لاستخدام سوريا كمدخل لدور بنّاء لروسيا داخل سوريا وفي الشرق الأوسط.
ليس واضحاً ان كانت الأفكار الروسية المتعلّقة بإسرائيل وتفاهماتها المُحتملة مع الأسد وإيران قد تمت مناقشتها مُسبقاً بتفاصيل مع الأطراف الإسرائيلية المعنيّة. إنما معالم الفكرة الأساسية لا بد أن بحثتها روسيا مع إسرائيل قبل عرضها على سوريا.
أدوار الجمهورية الإسلامية الإيرانية داخل سوريا قد يُمليها مصير العلاقة بينها وبين إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن. فعلى ضوئها تُقرّر إسرائيل هامش التفاهمات بينها وبين طهران، والعكس بالعكس. إنما الرعاية الروسية لتفاهمات سورية- إسرائيلية- إيرانية تبقى ذات أهمية. فموسكو تبحث عن لغة مشتركة مع إدارة بايدن، والرسالة المعنيّة بالسياسة الخارجية التي سعى فلاديمير بوتين أن يبعثها أثناء مؤتمره الصحفي المطوّل هذا الأسبوع كان عنوانها: الاعتدال واعتزام روسيا أن تبحث عن وتلعب أدوار بنّاءة في مواجهة مشاكلها العديدة.
أثناء الدائرة الافتراضية الأخيرة لهذا العام لقمة بيروت انستيتيوت في أبو ظبي طغى مصير العلاقة الأميركية- الإيرانية على مصير الشرق الأوسط واختلفت الآراء حول تسلسليّة التفاوض وكيفية استخدام أوراق النفوذ مثل مصير العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. شارك في الحلقة خمس نساء من صنّاع القرار في المؤسسات الفكرية العريقة هن: السفيرة تاتيانا غفولر، لينا الخطيب، إلي جيرانمايا، فلورانس غاوب، وكارين يونغ.
غفولر انتقدت سياسة فرض العقوبات الأميركية “بالذات على روسيا بسبب الوضع في أوكرانيا” ودعت الى التعاون بدل العقاب. جيرانمايا دعت الى تلبية حاجة إيران الى “جهود عاجلة” من إدارة بايدن لإثبات عزمها على رفع العقوبات من أجل تحقيق “استقرار رشيق” swift stabilizationللصفقة النووية ضمن أسلوب المرحلتين بحيث تنصب المرحلة الأولى على المسألة النووية ثم على ضوئها تتحوّل pivot المفاوضات الى المسائل الأخرى ومن بينها “جهود نزع الفتيل” de-escalation efforts.
رأي لينا الخطيب اختلف كليّاً إذ دعت الى استخدام الاتفاقية النووية “كجزرة متدلّية” الى حين انتهاء عملية المفاوضات التي يجب أن تشمل برنامج الصواريخ والمسائل الإقليمية، واعتبرت ان عام 2020 أسفر عن تغيير راديكالي في الضغط على إيران بسبب سياسة الضغوط القصوى “التي يجب أن تبقى مستمرّة” لأنها ستُعيد إيران الى الطاولة الديبلوماسية. رأيها ان “إيران وحلفاءها في المنطقة ليسوا في تلك الدرجة من الارتياح التي يودّون لنا أن نعتقد” لأن سياسة العقوبات أضعفتهم جدّيّاً مشيرة الى أثر العقوبات الواضح في سوريا.
فلورانس غاوب اعتبرت “ان الديبلوماسية الأوروبية لا قيمة لها بدون الدعم الأميركي” في مختلف المسائل بما في ذلك اتفاقية JCPOA، “ولا أعتقد ان لنا دوراً حاسماً في اللعبة الشرق أوسطية” في هذا المنعطف.
كارين يونغ توقعت أن “تمضي ادارة بايدن باستخدام أدوات العقوبات التي شاعت في إدارة ترامب لأنها ستجدها ذات فاعلية”، كما لفتت الى الانتخابات الإيرانية المُرتقبة في حزيران (يونيو) واعتبرت ان الستة أشهر الأولى من إدارة بايدن لن “تجد النجوم، بالضرورة، بمحاذاة الديبلوماسية الجيدة”.
النهار
——————————–
رسائل خارج سياق التطبيع تنقلها روسيا بين دمشق وإسرائيل نورث برس
استبعد إيال عاليما، وهو صحفي إسرائيلي مختص بالشأن العسكري، الخميس، أن يكون المناخ الحالي متاحاً للتطبيع بين سوريا وإسرائيل بوساطة روسية.
وقال “عاليما” في حديثه لنورث برس، إن روسيا تلعب دوراً دائماً في سياق نقل رسائل متبادلة بين دمشق وإسرائيل “لمنع تفجّر الأمور.”
وأضاف أن العامل الروسي يُعتَبَرُ هاماً بالنسبة لإسرائيل، “ليس فقط عسكرياً بل للاستقرار أيضاً.”
ونسبت صحيفة إيلاف السعودية إلى مصدر عسكري إسرائيلي، قوله إن “النظام السوري بعثَ رسائل عبر موسكو إلى إسرائيل، تشترط أموراً لتحقيق السلام بينهما.”
وأشارَ “عاليما” إلى أن “الحديث من هذا القبيل غير واقعي، في هذه المرحلة على الأقل، ذلك أن إسرائيل تعتبر أن سوريا جزءاً من المحور الإيراني، لأن سوريا “مدينة” لإيران التي أنقذت حكومة الرئيس بشار الأسد.”
وقال الصحفي الإسرائيلي إن هناك تنسيقاً مستمراً بين إسرائيل والروس، وأن ثمة اتصال مباشر بين قاعدة حميميم الروسية والقيادة العسكرية الإسرائيلية، “ويتم من خلالها نقل رسائل بشكل غير مباشر بين إسرائيل ودمشق.”
وكشفَ عن أن إسرائيل تسعى من خلال الدور الروسي، إلى أن “تستثني كثيراً القوات السورية من الاستهداف، إلا إذا كانت منخرطة تماماً بأنشطة إيران. وهذا ما يُفسّر أن الغارات تستهدف الإيرانيين.”
وقال “عاليما”: “لو سألنا الرئيس السوري إذا كان معنيّاً بتفاهمات التهدئة مع إسرائيل، لكان الجواب إيجابياً، لأنه ليس هناك أيُّ فوائد من الاحتكاك، ولكنَّ الأمر ليس بيده، فإيران وميليشياتها ليست تحت سيطرته.”
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد أجرى، الاثنين الماضي، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث كان الموضوع السوري ضمن النقاش بينهما.
وذكر بيان صادر عن مكتب نتنياهو أن “المحادثة بينهما تطرّقت إلى آخر تطورات الأوضاع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، والخطوات الضرورية لزيادة الاستقرار الإقليمي، والتعاون في مجال مكافحة فيروس كورونا.”
وقال مسلم شعيتو، رئيس المركز الثقافي الروسي-العربي في سان بطرسبرغ، إن تسريب المعلومات بشأن رسائل منسوبة لسوريا حول السلام مع إسرائيل، “يُقصَد به تعجيل عربة التطبيع العربي.”
واعتبر “شعيتو” أن ما نشرته صحيفة إيلاف السعودية بهذا الشأن، غير صحيحٍ مئة بالمئة، على حدِّ قوله.
ورأى “شعيتو”، في حديثٍ لنورث برس، أن سوريا أعلنت موقفها لروسيا، وأن “العلاقة مع إسرائيل مرتبطة بالانسحاب من الجولان، وحلّ الصراع العربي والفلسطيني-الإسرائيلي، وعودة اللاجئين الفلسطينيين.”
وأضاف أن روسيا تحترم هذا الموقف السوري، وأنها رفضت مطالبات إسرائيل خلال نقاشاتهما المستمرة، باعتراف موسكو بسيطرة إسرائيل على الجولان.”
وأشار في الوقت ذاته، إلى أن روسيا تقوم بنقل رسائل من الجميع، خلال نقاشاتها، وربما تنقل رسائل من دمشق إلى إسرائيل وبالعكس، “لكنها تتعلّق دائماً بأحداث وعمليات قصف واشتباكات وليس سلام وتطبيع.”
واستبعد رئيس المركز الثقافي الروسي-العربي في سان بطرسبرغ أن تركن دمشق إلى علاقة “حياد وتهدئة” رسمية مع إسرائيل كبديل عن السلام في هذا التوقيت، “لأن هذا يعني أن يكون خياراً بديلاً لموقف دمشق الذي تعلنه لموسكو.”
إعداد: أحمد إسماعيل – تحرير: محمد القاضي
———————————-
“نوفوستي” الروسية: الآفاق المستقبلية للانتخابات الرئاسية في سوريا “غير واضحة“
قالت وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، في تقرير لها سلطت فيه الضوء على الأحداث الأكثر توقعاً في العام المقبل، إن الآفاق المستقبلية للانتخابات الرئاسية في سوريا، المقرر إجراؤها منتصف العام المقبل، لا تزال “غير واضحة”.
وأوضحت الوكالة الروسية، أن انتخابات الرئاسة السورية المقرر تنظيمها في صيف العام 2021، ستجري بينما “لا تسيطر الحكومة المركزية على بعض المناطق في شمال البلاد”، وسبق قال “بشار الأسد” في لقاء سابق مع الوكالة، إنه سيتخذ قراره بشأن المشاركة بالانتخابات الرئاسية، مطلع العام المقبل.
وأضافت أن “المجموعات الموالية لتركيا تحكم على وجه الخصوص محافظة إدلب، ويخضع الجزء الشرقي من البلاد، ما يسمى شرقي نهر الفرات، لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة”.
وتساءلت الوكالة: “هل سيتم تنظيم مراكز الاقتراع هنا؟ وهل ستعترف (قسد) بنتائج الانتخابات المقبلة؟”، مضيفة أن ذلك لا يزال غير واضح حتى الآن، وكان وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل مقداد، قال إن الانتخابات الرئاسية السورية ستجري في موعدها، على أساس الدستور الحالي (2012).
وبحسب “نوفوستي” فإن الأسد، الذي يشغل منصبه منذ 17 من تموز لعام 2000، فاز بالانتخابات غير التنافسية (استفتاء) في العامين 2000 و2007، أما الانتخابات التنافسية للعام 2014، فحصل فيها، وفقا للبيانات الرسمية، على 88.7% من الأصوات، ولكن دولاً كثيرة رفضت الاعتراف بهذه الانتخابات، والتي لم تشمل أجزاء واسعة من سوريا.
ويعطي دستور عام 2012، صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، ويحدد عدداً من معايير الترشح للانتخابات الرئاسية، بينها: الإقامة عشر سنوات متواصلة قبل التقدم للترشح، والحصول على موافقة 35 نائباً في البرلمان.
وكانت حذرت واشنطن من أن النظام السوري “يؤخر عمل اللجنة الدستورية السورية لكسب الوقت”، بينما يستعد لإجراء انتخابات رئاسية “زائفة” في عام 2021، و”يغسل يديه” من العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة.
وقالت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، إن بلادها والمجتمع الدولي “لن يعترفوا بالانتخابات السورية على أنها شرعية إذا لم تتماش مع القرار الدولي 2254″، مؤكدة “لن يسمح المجتمع الدولي لنظام الأسد بفرض نصر عسكري على الشعب السوري بانتخابات رئاسية غير شرعية بدون الإصلاحات السياسية”
————————————-
بشار الأسد بطل 2020/ عدنان عبد الرزاق
لا أعتقد أن هناك منازعا أو منافسا لإنجازات بشار الأسد على مستوى العالم هذا العام، فأقرانه بالإنجازات، جرفتهم سيول الربيع العربي، ولم يبق إلا هو متربعاً على كرسي أبيه ونقل السوريين من إنجاز إلى آخر ومن تقدم إلى بحبوحة، حتى بلغت سورية ذيل الترتيب العالمي، ربما بجميع مؤشرات الحرية والتنمية والفقر والبطالة والعيش الآمن.
ولأن الإنجازات أكثر من أن تحصى، سنبدأ من دون تقديم وشرح، لحالة باتت مؤرقة ربما للعالم بأسره، وليس للسوريين والمنطقة فحسب، بعد أن تطاير شرر الحرب السورية لقارات الأرض جميعها، ولم تبق دولة حول العالم، لم تستقبل لاجئاً سوريا أو تعاني أو تستفيد أو تتورط، جراء تبعات حرب الأسد على الثورة وتطلعات السوريين إلى الحرية والكرامة.
البداية من الإنسان، فهو حامل التنمية ويعي الأسد هذه الحقيقة بدليل استغلال كافة إمكانات الطاقة البشرية، فقام بتهجير أكثر من 7 ملايين سوري إلى نحو 44 دولة حول العالم، ليحتل المركز الأول بنسبة من هجرهم إلى لاجئي العالم 8.25%.
وتابع عبر القصف والتدمير لينزح أكثر من 6 ملايين عن منازلهم ويعيشوا بأسوأ مأساة بالعصر الحديث، بعد أن رفع الأشقاء والأصدقاء من أسوار حدودهم ورموهم بخيم العراء، يتلظون على جمر الحرمان وحر الشمس صيفاً وصقيع الوجع في الشتاء.
محل صرافة في بلدة سرمدا بمحافظة إدلب/ فرانس برس
وحيّد قبل التهجير، عبر القتل والاعتقال والإعاقة، زهاء مليون سوري بالداخل، ليترك من تبقى ضمن مناطق سيطرته، يعانون الفقر والإذلال، بعد ارتفاع الأسعار أكثر من 15 ضعفاً وتراجع سعر الصرف من 50 ليرة مقابل الدولار مطلع 2011 إلى نحو 3 آلاف اليوم، وتثبيت الأجور، لمن تبقى له أجر، عند حدود 60 ألف ليرة، في حين تكاليف معيشة الأسرة السورية 600 ألف ليرة شهرياً.
وبذلك التضييق والحرمان، رفع نظام بشار الأسد نسبة الفقراء داخل سورية إلى نيف وتسعين في المائة، لينال المركز الأول عالمياً، بعد أن تخطى المنافسين بنسبة البطالة التي تزيد عن ثمانين في المائة، فدفع السوريين تحت ضغط الحاجة، إلى التسول وركوب أمواج البحار، بل وانتشار المخدرات والرذيلة، بعد انعدام الأمن الغذائي لنحو 13 مليون سوري وانسداد الأفق من أي أمل يلوح بالمستقبل.
قصارى القول: من الصعوبة البالغة بمكان، إحصاء إنجازات نظام الأسد خلال حربه على السوريين منذ عشر سنوات، فهو من أوصل بلادهم إلى المرتبة قبل الأخيرة بين الدول الأقل أمناً بالعالم بحسب معهد الفكر الدولي للاقتصاد والسلام، ووضع سورية بآخر قائمة الأكثر فساداً بحسب منظمة الشفافية، وأوصل البلاد إلى المرتبة 188 من أصل 195 وفق مؤشر الأمن الصحي، والمرتبة 174 من أصل 180 كأخطر دولة على حرية الصحافة بعد أن تبوأ المركز الأخطر بالمنطقة.
ووصل الإنجاز بأن تخرج سورية بزمن حكم الأسد الابن إلى خارج التصنيف العالمي بجودة التعليم وفق منتدى “دافوس” بعد أن وصلت نسبة الأطفال خارج المدراس، وفق تقرير “يونسكو” إلى 39%.
وكل ذلك، من دون أن نأتي على استقدام الأسد لأربعة محتلين لسورية، يسيطرون على مقدراتها وفق “الواقعية” بعد أن زادت انجازاته بتأجير ورهن سورية لشركائه بالحرب، بموسكو وطهران، من التنافسية بين المحتلين، ليفكروا بأبعد من التقسيم أو اقتسام النفوذ.
نهاية القول: هل يحتاج بشار الأسد، بعد كل هذه الإنجازات، إلى حملة دعائية خلال ترشحه لفترة رئاسية وراثية رابعة مطلع العام المقبل، أم ما فعل كفيل بتخليده بسجل الأبطال وبقائه على كرسي أبيه وللأبد، طالما يحقق لمن يهمهم الأمر، جميع الأدوار الوظيفية الموكلة إليه.
العربي الجديد
————————–
معارض سوري يكشف عن خطة روسية جديدة بموافقة الأسد بشأن الانتخابات الرئاسية
تداول ناشطون سوريون معارضون، مؤخراً، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مقطع فيديو يتحدث فيه المعارض السوري كمال اللبواني، عن خطة روسية وافق عليها الرئيس السوري بشار الأسد، تتضمن مشاركة المعارضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتقول الخطة بحسب “اللبواني”، إن قسماً من المعارضة السورية سينشق عنها وسيشارك في الانتخابات، وسيفوز الأسد في تلك الانتخابات.
وستدخل المعارضة، الانتخابات كمنافس للأسد على أساس أنهم مرشحون ضده ولكنهم لن يفوزوا، بحسب ما كشف “اللبواني”.
وأشار “اللبواني” إلى أن الخطة تتضمن أيضاً أن يكون للمعارضة السورية حصة هي عبارة عن 4 وزارات في الحكومة السورية “كجائزة ترضية لهم.”
وستكون الوزارات الأربعة من نصيب منصتي موسكو والقاهرة، وشخصين رئيسيين في المعارضة وهما، جمال سليمان وخالد المحاميد.
وأشار المعارض السوري، إلى أن الخلافات بين صفوف المعارضة السورية في الوقت الحالي، بسبب ذلك التقسيم.
وشدد “اللبواني” على أن مشاركة هذه الأسماء في الانتخابات الرئاسية في سوريا، “ستعطي الشرعية لبشار الأسد.”
و”سينشق” عن المعارضة كل من هادي البحرة، نصر الحريري، بدر جاموس، عبد الأحد صطيفو، أنس العبدة وأحمد رمضان، إضافة لآخرين من الائتلاف السوري، ليشاركوا في الانتخابات الرئاسية.
وقال معارض سوري (فضل عدم ذكر اسمه) لنورث برس، إن “ما تحدث به اللبواني هو كلام خطير جداً، عن نية قسم من المعارضة والذهاب للمشاركة في الانتخابات منفردة.”
وبالتزامن مع كلام “اللبواني”، قال هادي البحرة الرئيس المشارك للجنة الدستورية عن وفد المعارضة السورية: “لنجعل هذا العام عام العمل لإنهاء المأساة، عام الانتقال نحو سوريا المستقبل والسلام.”
وجاء كلام “البحرة” بتصريح على صفحة هيئة التفاوض السورية التابعة لوفد المعارضة السورية على فيسبوك.
وقال المصدر المعارض تعليقاً على كلام “البحرة”: لا ندري عن أي سلام يتكلم السيد البحرة، “هل هو سلام الشجعان أم سلام الجبناء؟، مع العلم أنه لا فرق بينهما بالنسبة للنظام فكلاهما يؤديان للإبقاء عليه.”
وأضاف: “السلام لا يأتي بالتمنيات وبطاقات المعايدة بل ينتزع من براثن المجرمين المستبدين.”
وأشار إلى أن العملية السياسية لعام 2021، “لن يكون فيها جديد سوى الاستمرار في مسرحية تمرير الوقت عبر جوقة اللجنة الدستورية. فالهيئة هي الخنجر الذي طعن الثورة، تقول شيئاً وتفعل غيره.”
ولكن المعارض السياسي مأمون أبو عيسى لنورث برس، يرى أن هناك “فوائد عديدة من اللجنة الدستورية، وأهمها أنها مُشكّلة من الأمم المتحدة وتعقد في جنيف وليس في دمشق.”
وأضاف: “هي صاحبة القرار في صياغة مسودة الدستور الجديد وليس مجلس المصفقين، وأنها صاحبة القرار في الاستفتاء.”
وأشار “أبو عيسى” إلى أن قبول وفد الحكومة السورية جلوسه مع وفد المعارضة، يتضمن “اعترافاً صريحاً منه بها، وبالتالي إنهاء احتكار النظام السوري للشرعية.”
وقبل أيام، شدد معارضون سياسيون سوريون، على أنه يجب على وفد المعارضة السورية تجميد مشاركته في أي جولة مباحثات قادمة تتعلق باللجنة الدستورية.
وطالبوا بحذف مصطلح “العدالة التصالحية” الذي أطلقه المبعوث الأممي غير بيدرسن من وثائق الأمم المتحدة.
إعداد: سردار حديد ـ تحرير: معاذ الحمد
نورث برس
———————————
التمديد للأسد رئيساً… لماذا ومن أجل ماذا؟/ عبدالوهاب بدرخان
مطلع 2020 انصبّت التوقّعات في كل الدوائر الجدّية، وبعضٌ منها غير معادٍ لبشار الأسد، على أن نهاية مساره باتت قريبة، بل وشيكة، استناداً الى خيارات روسية، كما قيل. لكنه اجتاز عام الوباء، وها هو مطلع 2021 يجنّد ما تبقى من “دولته” في مهمّة وحيدة: إعادة انتخابه رئيساً لسبع سنوات تُضاف الى العشرين التي انقضت، وكان مرّر العشر الأولى منها بالكلام عن مشاريع إصلاح وهمية، وأمضى الثانية بالتقتيل والتدمير والتشريد والخطف والإخفاء والتصفيات المبرمجة تحت التعذيب، على ما شهدت به الصور التي التقطها “قيصر” وهرّبها.
لذلك يستدعي إصراره على استنخاب نفسه بداهة الأسئلة: لماذا البقاء في الحكم، ومن أجل ماذا، ما دام قد برهن على نحو مريع أنه استطاع صنع إحدى أفظع المآسي الإنسانية، ورفض أن يتعلّم شيئاً آخر غير أنه على حق وصواب في كل جرائمه… لم يعد أحدٌ ليصدّق أن سلاماً أهلياً يمكن أن يستقيم بوجوده، أو أن مَن هبط بسوريا الى قاع القاع هو مَن سينهض بها.
لم يحدث في التاريخ أن مَن هدموا البلاد هم الذين أعادوا إعمارها، وأن مَن مزّقوا نسيجها الوطني والاجتماعي هم المؤهلون لإعادة الوئام واللحمة بين أهلها. لكن كل ذلك لا يهمّ الأسد، فهو وأركان الحلقة الضيّقة المحيطة به لا يهجسون إلا بأمر واحد: “هذه الدولة لنا وستبقى لنا” أياً تكن الظروف. وبهذه العقلية يُقبلون بحماسة على التمديد للأسد، لإدامة سلطته وسلطتهم، مصلحته ومصالحهم.
بدأ الأسد منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ترتيب الفريق المكلف تنظيم حملته الانتخابية والخطوات “التجميلية” الضرورية للمرشح المعلن فوزه منذ الآن، باعتبار أن البيئة الموالية له تعاني اليوم الظروف المعيشية الأكثر سوءاً. لكن الأسد كان ينتظر موافقة موسكو، إذ أقلقه في أيلول (سبتمبر) الماضي أن الوفد الروسي الذي زاره، وفي عداده سيرغي لافروف، لم يتحمّس لحديثه عن الانتخابات بل طلب منه التريّث، لذا حرص وزير الخارجية الراحل وليد المعلم، خلال مؤتمر صحافي متشنج مع الوفد، على تأكيد أن الانتخابات ستُجرى “في موعدها” و”بمعزلٍ” عن مسار اللجنة الدستورية (في جنيف).
لم تكن موسكو معارضة لإعادة ترشيح الأسد، بل كانت أولويتها لشروط ينبغي أن يلبيها، وأهمها مشروعها الاقتصادي المتضمّن تسعة عشر اتفاقاً نوقشت عام 2019 في سوتشي وتتعلق باستثمارات روسية في قطاعات الكهرباء والنفط والغاز والصناعة والقطاع الإنشائي.
مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وقّعت معظم الاتفاقات في موسكو، وفيها جدولة ديون مقرّرة بنحو 3 مليارات دولار ونقل ملكية مشاريع وعقارات استملكها النظام سابقاً على الساحل السوري. بعد ذلك، فرضت موسكو على النظام استضافة مؤتمر “عودة اللاجئين”، لا لإلزامه بإجراءات “تسهيل العودة الطوعية والآمنة”، بل لإبلاغ الجهات الإقليمية والدولية أن “ورقة اللاجئين” أصبحت عندها، مع علمها أن الأزمة المستمرّة بوجود النظام نفسه وممارساته هي العقبة الرئيسية أمام عودتهم.
بعد نقاش طويل، خلال زيارة وزير الخارجية الجديد فيصل مقداد، وافقت موسكو على ترشيح الأسد، وعلى انتخابات رئاسية تُجرى أواخر أيار (مايو) أوائل حزيران (يونيو)، لكنها وضعت شروطاً، منها تمكين آخرين (ترشحهم موسكو) من مشاركة شكلية في “المنافسة”، وأن يتخذ الأسد أو حكومته إجراءات، منها إسقاط شرطَي الترشيح (الإقامة داخل سوريا في الأعوام الـ 10 الماضية، وموافقة 35 عضواً في مجلس الشعب)، مع هندسة النتائج ليفوز الأسد بنحو 65 في المئة، ما يتيح لموسكو إعادة ترويجه كـ”رئيس شرعي”.
من الشروط أيضاً إصدار “قرارات عفو” وإطلاق معتقلين، الملف الذي لم يستطع الروس إحراز تقدمٍ فيه لاكتشافهم أن معظم المعتقلين لم يعودوا موجودين. هنا ابتكر النظام حلاً، بمضاعفته أخيراً حملات الاعتقال بمعدّل مئات يومياً ليفرج عنهم تعزيزاً للحملة الانتخابية. وفي الإطار نفسه تقول مصادر قريبة من الحلقة الضيّقة للنظام إن عمليات مكثّفة أجريت لتخزين الدولار والوقود، بهدف إعادة ضخّها وإحداث انفراج معيشي نسبي بالتزامن مع الإعلان عن موعد الانتخابات خلال شباط (فبراير) المقبل.
يراهن الأسد للبقاء في السلطة، ولعله محقّ، على أن القوى الخارجية لم تردْ يوماً رحيله، وأهمها تلك الاحتلالات العديدة التي اجتذبها طوعاً أو قسراً لتتوزّع الجغرافية السورية، فبعضٌ منها يتغطّى بـ”شرعيته” (روسيا وإيران) وشاركته في تدمير كبرى المدن وتشريد نصف الشعب السوري، وبعضٌ آخر استمدّ “شرعية” من الباطن الروسي (تركيا وإسرائيل)، أو من محاربة الإرهاب كما سوّغتها “الشرعية الدولية/ الأميركية”. زحمة “شرعيات” تعترف ببعضها بعضاً وتتصارع علناً وضمناً، وتبقي نافذةً لـ”شرعية” الأسد معتقدةً أن “توقيعه” ضروري على “الإصلاحات” الدستورية، بالأحرى متوهّمة أنه سيوقّع على خفض صلاحياته وضبط نزعة نظامه للبطش والتوحّش، أو حتى على “الاعتراف” بوجود شعب سوري له حقوق مشروعة وليس مجرّد مستَتبعين لطائفة واحدة.
الانتخابات الرئاسية المقبلة هي الأولى منذ صدور القرار 2254 عام 2015، الذي لو طُبّق في المهل الزمنية المحددة لكان غيّر منذ 2018 كل السيناريوات الأسدية. لكن النظام استطاع تمييع التنفيذ بتخطيط متواطئ من الإيرانيين، واستطاع إفراغ القرار من مضمونه بتكتيك متواطئ مع الروس، وأدخل مهمّتَي المبعوثَين الأمميين ستافان ديميستورا وغير بيدرسون في المتاهة، الى أن اختُزل 2254 بـ”اللجنة الدستورية” التي تحكّم الروس بتشكيلها ويتجاهلونها يومياً في مضيّهم الى “حل سياسي” أرادوه دائماً… في كنف “نظام الأسد”.
بقاء الأسد يعني شيئاً واحداً: سوريا والسوريون ممنوعون من الأمل. بلد مدمّر ومفلس ولا يملك رئيسه مبرّراً للاستمرار سوى أنه أعدم بدائله منذ زمن، ومكّنه “بعبع” البديل الإسلامي من إسكات الداعين الى رحيله. ما يساعده اليوم أكثر أن أميركا تستخدمه وسيلة لإغراق روسيا في سوريا، أما روسيا فتستخدمه لمنافسة أميركا بدفعه نحو صلح مع إسرائيل. التطبيع بالنسبة الى الأسد استحقاق ممكن، لكن… بعد الانتخابات.
النهار العربي
——————————–
موسكو ترفض تشكيك بعض الدول بانتخابات الأسد
قال نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين إن دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في سوريا، تقوض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية في هذه الدولة.
وأضاف في حديث لوكالة “نوفوستي”، أنه “بالرغم من العوامل السلبية والقيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، تواصل العمل في جنيف اللجنة الدستورية الخاصة بسوريا”. وتابع: “في غضون ذلك، تظهر تصريحات في بعض المحافل الدولية حول التبني العاجل لدستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا. وهذا يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم، وفي الوقت نفسه يقوضون استقرار عمل مؤسسات الدولة السورية”.
وشدد فيرشينين على أن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، وقواعد عمل اللجنة الدستورية، “يفرضان بشكل مباشر، ضرورة الدفع قدماً بالعملية السياسية، التي يقودها وينفذها السوريون أنفسهم، من دون تدخل خارجي ومن دون فرض أطر زمنية مصطنعة”. وخلص إلى أنه “على هذا الأساس بالذات، يمكن التوصل إلى تسوية سياسية طويلة الأمد في سوريا”.
من جهة ثانية، أشار فيرشينين إلى أن الوضع في منطقة شرق الفرات في سوريا يزداد توتراً مع عودة نشاط مسلحي “داعش” واستمرار الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية والفصائل الموالية لأنقرة.
وقال فيرشينين إن “الوضع الميداني في سوريا إستقر، لكنه لا يزال متفجراً ومعقداً. ولا تزال التوترات قائمة في المناطق الواقعة خارج نطاق سيطرة دمشق”. وأضاف أن هناك مشاكل إنسانية واجتماعية واقتصادية حادة، “تفاقمت بفعل تشديد العقوبات أحادية الجانب وعلى خلفية وباء فيروس كورونا”.
وأشار إلى أن مناطق شرق الفرات تشهد تصعيداً لحدة التوتر في ظل عودة نشاط “داعش” والاشتباكات المتواصلة بين قسد والتحالفات العشائرية، وكذلك بين قسد وفصائل موالية لتركيا على طول حدود منطقة عملية “نبع السلام” وفي محيط مدينة عين عيسى.
——————–
واشنطن:الضغط على الأسد سيستمر..وتحرير الشام “إرهابية“
أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جويل ريبورن التزام الولايات المتحدة بالعمل مع الشركاء الدوليين في حملة الضغط الاقتصادي والسياسي ضد بشار الأسد ونظامه والأطراف التي تسعى لتمكينه.
وأوضح ريبورن في حديث إلى وسائل الإعلام خلال زيارته إلى الإمارات، أن الضغط والعقوبات هي بهدف إنهاء العنف ضد الشعب السوري من قبل نظام الأسد، ووقف عرقلة الجهود لإنهاء الصراع.
ويجري ريبورن جولة في المنطقة من 4 إلى 7 كانون الثاني/يناير، تشمل الإمارات والأردن، لإجراء محادثات مع الجهات الرسمية هناك، بالإضافة لقادة المجتمع المدني وشركاء تنفيذيين بشأن الوضع في سوريا.
وتوقع ريبورن أن يعود الهدوء إلى بلدة عين عيسى شمالي الرقة. وقال: “واثق أن كل الأطراف سترى أن من مصلحتها تهدئة الوضع وتخفيف التصعيد والعودة للهدوء في شمال شرقي سوريا”. وأضاف أن توتر الوضع العسكري في شمال شرقي سوريا ليس من مصلحة أحد سوى تنظيم “داعش” والنظام السوري والميليشيات الإيرانية والعراقية التي تدعمها إيران.
وحثّ كل الأطراف في الشمال الشرقي على تخفيف التصعيد، وقال: “نعتقد أن التصعيد هناك والمواجهة العسكرية لن تؤدي سوى لأذية الشعب السوري وستلهي عن المهمة الأساسية وهي قتال تنظيم داعش وتعزيز الاستقرار في المنطقة”. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تحاول استخدام أدواتها ونفوذها الدبلوماسي لتخفيف التصعيد.
من جهة ثانية، استبعد ريبورن إزالة هيئة تحرير الشام عن قوائم الإرهاب. وقال: “أعتقد أن إزالة جماعة مثل (تحرير الشام) عن قوائم الإرهاب ما زال يمثل احتمالاً بعيداً”، بحسب ما نقل عنه موقع “عنب بلدي”.
وبرر ريبورن ذلك، قائلاً: “حتى الآن نرى أن بعض عناصرها يعتقلون الناس ويسجنون الآلاف، ولمَ ذلك؟ لا أسباب”. وأضاف أن “هناك جهات تحاكي تصرفات النظام السوري، وعليها تجاوز تلك التصرفات، لأن سكان إدلب عانوا بما يكفي، ولا يحتاجون إلى نظام جديد يقمعهم بالطريقة المماثلة التي حاولوا التحرر منها خلال الأعوام العشرة الماضية”.
———————————
عندما يبحث الأسد عن شرعية في صندوق الاقتراع/ سعد كيوان
تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة انتقالية ضبابية، ومحفوفة بالمخاطر، تتنازعها أكثر من ساحة قابلة للانفجار في أي لحظة، من سورية إلى لبنان وإلى إسرائيل، ومن فلسطين إلى العراق إلى اليمن. وهي كلها ساحاتٌ مفتوحةٌ تحرّكها إيران، مباشرة أو عبر أذرعها الممتدة، كالأخطبوط في ثنايا تركيبتها السياسية والاقتصادية والديموغرافية، وفي نسيجها الاجتماعي. إلا أن القيادة الإيرانية تنتظر بفارغ الصبر ولوج جو بايدن عتبة البيت الأبيض لتتنفس الصعداء، بعد أن أذاقها دونالد ترامب الأمرّين من الحصار الاقتصادي والعقوبات خلال سنوات عهده الأربع، وبالأخص في السنة الأخيرة، إذ سدّدت الإدارة الأميركية ضربتين قاصمتين لنظام الملالي، باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي كان يتنقل في طول العالم العربي وعرضه محرّكا مليشياته المتعدّدة الجنسيات لـ”تصدير الثورة الخمينية”، والثانية بتصفية أبي القنبلة النووية الإيرانية، محسن فخري زاده، في وضح النهار في قلب طهران نفسها. ولن يأمن الملالي شرّ ترامب، ما لم يتأكّدوا من مغادرته الرئاسة، إذ إنه مستعد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، ولو في آخر يوم له في البيت الأبيض. وكان الرئيس الأميركي قد وضع نصب عينيه، منذ لحظة انتخابه، تحجيم نفوذ طهران الإقليمي، وإعادتها إلى داخل حدودها، قبل أي هدف آخر إقليميا ودوليا. وقد أعلن ترامب يومها أنه غير معني بإسقاط بشار الأسد، وإنما بإخراج القوات الإيرانية من سورية. ولكنه احتفظ بالقوات الأميركية في شمال سورية، وقام قبل أيام بتعزيزها على خط الحدود السورية – العراقية، عند معبر التنف الذي تسعى إيران إلى تكريسه طريقا استراتيجيا لعبورها إلى ضفاف المتوسط وصولا إلى بيروت. وقد تحوّل سلاح العقوبات خلال كل هذه الفترة إلى عامل ضغط سياسي واقتصادي ومالي وعسكري فتاك وموجع، وتم تعميمه على كل الساحات، من العراق إلى سورية إلى لبنان، وهو مستمر، على الرغم من الأسابيع القليلة المتبقية لترامب في البيت الأبيض، فقد فرضت أمس الخزانة الأميركية عقوباتٍ جديدة استهدفت هذه المرة البنك المركزي السوري، وأصابت كيانات وأفرادا من ضمنهم زوجة بشار الأسد التي تمكّنت، من موقعها رئيسة لمؤسسة الأمانة السورية للتنمية، من التسلل لتصبح عضوا في اللجنة الدولية للتحكيم واختيار المواقع الأثرية من التراث العالمي التي توضع على قائمة يونسكو، وقد اعتبرت هذه الخطوة بمثابة محاولةٍ لإضفاء نوع من الشرعية للنظام في المحافل الدولية.
أما وقد تحوّلت الساحة السورية إلى مجموعة ساحاتٍ للمواجهة، ليس فقط بين طهران وواشنطن، وإنما أيضا مع موسكو وأنقرة وتل أبيب، وتحسبا للنهج الذي سيسلكه الرئيس الأميركي المنتخب، بايدن، ولما سيتخذه من قرارات، وهو كان قد أعلن مواقف مناهضة للنظام السوري، وكذلك لتركيا أردوغان، فإن الأسد يسعى الآن إلى استباق التطوّرات، محاولا استخدام الحلفاء – الأوصياء عليه، لكي يفرض إعادة التجديد له رئيسا للمرة الرابعة منذ عام 2000 في الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في الربيع المقبل خيارا لإيران وأمرا واقعا لروسيا التي ما زالت تراهن عليه ورقة للتفاوض مع الولايات المتحدة، وللجم، في المقابل، اندفاعة الجار التركي اللدود في شمال سورية. وهذا يتناقض طبعا مع مضمون قرار جنيف الأممي 2254 الذي يلحظ عملية انتقال للسلطة، ثم إجراء انتخابات حرّة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، أي خروج الأسد من المشهد السياسي السوري. ولكن كيف يمكن إجراء انتخابات ذات حد أدنى من المصداقية، في ظل بلد محتل من خمسة جيوش تتنازعه وتتقاسمه عمليا إلى مناطق نفوذ وسيطرة برّية وجوية؟
يعيش الأسد حالة من الإنكار ويتصرّف وكأنه ما زال يمسك بالسلطة في عموم سورية، لا أسيراً لدى من يحميه ويبقيه على كرسي قصر المهاجرين في دمشق، لا سلطة له لا على الجنوب، ولا في الشمال. إنه يبحث اليوم عن شرعية مزعومة في صناديق الاقتراع، وليس عبر المبايعة أو الاستفتاء كما جرت العادة في سورية البعث، وفي ظل كل أنظمة الاستبداد في المنطقة العربية عقودا، فهو الآن يجهد في تحضير حملته الرئاسية، مرتكزا على عوامل ثلاثة، أولها، بطبيعة الحال، الأمني، بإعادة تشكيل القطاعات العسكرية التي بات ولاء بعضها لإيران وبعضها الآخر لروسيا، وقام بتعيين قائد جديد للقوات الخاصة، مستعينا بأبناء الحرس القديم. والعامل الثاني هو الإعلام الذي يحاول استمالته وتوظيفه عبر الاستعانة بإعلاميين غير سوريين، وبخاصة لبنانيون يدورون في فلك محور الممانعة، في محاولةٍ لإبعاد شبهة تبعيتهم للنظام. والعامل الثالث الأهم والمفصلي هو خوف الأسد من أن تؤدّي الانتخابات الرئاسية التي يحاول أن يجدّد شرعيته منها، إلى أن تجعل منه رئيسا على جزء من سورية، في ظل عدد من مناطق النفوذ الخارجة عن سيطرته، كمناطق الإدارة الذاتية، وفي الشمال حيث تسيطر تركيا، وكذلك في الجنوب، فأرسل وزير خارجيته الجديد فيصل المقداد إلى موسكو، ليقنعها بمساعدته في منع إجراء الانتخابات في شمال غرب سورية وريف إدلب، وفي الجنوب، وفي المناطق الكردية التي تسيطر عليها وتديرها “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد). ويبدو أن النظام يحاول إغراء الوصي الروسي بأن يختار المرشح المعارض لمنافسة الأسد على الرئاسة، تمهيدا منه ربما بأن يصبح هذا المنافس رئيسا لمرحلة ما بعد الأسد.
ولكن أحلام الأسد ستبقى مجرد أوهام، هذا إذا لم تتحوّل إلى كوابيس، لأن حسابات القيصر الروسي بوتين مغايرة، لأنه لا يملك ترف إضاعة الوقت، بعد المغامرة الأكثر كلفةً بالنسبة لموسكو سياسيا وعسكريا وماديا واستراتيجيا، لتدخلها في الشرق الأوسط. كما أنه عندما قرّر التدخل العسكري قبل خمس سنوات لإنقاذ الأسد لم يكن يراهن عليه، ولا على نظامه المتهالك، وإنما كفرصة تسمح له في استعادة دور الاتحاد السوفييتي السابق، وتثبيت رجليه في بلد استراتيجي بالنسبة لنفوذه في المنطقة، فيما كان رئيس أعظم وأقوى دولة، باراك أوباما، يتردّد في خياراته، ثم يقرّر الانسحاب من أي دور في سورية، مفضلا توقيع الاتفاق النووي مع إيران في صيف 2015، أي قبل تدخل روسيا العسكري بشهرين. ثم جاء ترامب ليقلب الأمور رأسا على عقب، ويعيد الاتفاق النووي إلى نقطة الصفر، ويفرض واقعا جديدا ليس على بوتين فحسب، وإنما على خلفه في البيت الأبيض، فإيران اليوم محاصرة بالعقوبات واقتصادها ينزف، على الرغم من نفسها الطويل. وانتقل العراق، مع حكومة مصطفى الكاظمي، إلى تحت المظلة الأميركية، ولبنان، الذي يتخذ منه حزب الله قاعدة ومتراسا، مشلولٌ ومكشوفٌ من دون حكومة منذ نحو خمسة أشهر، وهو اليوم على شفير الانهيار. أما النظام السوري فهو محاصر بعقوبات وقوانين مقاطعة ومحاسبة تقطع أوصاله وتحبس أنفاسه بين “قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات على الجهات والأشخاص الذين يتعاملون مع النظام أو يقدّمون له أي مساعدة، و”قانون ماغنيتسكي” الذي يخوّل الحكومة الأميركية فرض عقوباتٍ على منتهكي حقوق الإنسان. أما السيادة فهي برّا موزّعة بين روسيا وأميركا وتركيا وإيران، وجوا لإسرائيل. وقد أصبح الجزء الذي يحكمه بشار لا يوازن ثقل جولة من جولات التفاوض القادم بين موسكو وواشنطن التي تريد أن تضع ثقل الملالي في الميزان!
العربي الجديد
———————————-
نظام الأسد يحشد العشائر للانتخابات: التفاف على المقاطعة الدولية/ عماد كركص
تسعى روسيا لفرض نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف العام الحالي في سورية أمراً واقعاً، بالتجديد لبشّار الأسد لولاية رئاسية جديدة مدتها سبعة أعوام، بحسب الدستور الحالي للبلاد، الذي جرى إقراره عام 2012، ولا يلقى اعترافاً دولياً. وعلى أساس هذا الدستور أيضاً، جرى التجديد للأسد لولاية رئاسية في العام 2014، تنتهي منتصف العام الحالي. بيد أن الروس باتوا يستشعرون خطر التحرك الغربي لعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات المقررة في منتصف العام الحالي، ليس فقط من خلال عدم الاعتراف بها وحسب، وإنما التحرك دولياً لإنهاء حكم الأسد، في حال لم تكن الانتخابات وفق دستور جديد، وبعد مرحلة انتقالية حقيقية، بحسب بيان جنيف 1، وقرار مجلس الأمن 2254. وبدأت التصريحات الروسية تصب في إطار الترويج لشرعية الانتخابات مع اقتراب موعدها، لجهة تعزيز موقف الأسد فيها، بذريعة الاستقرار.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، إن دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في سورية، تقوّض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية في هذه الدولة. وأضاف فيرشينين، في حديث لوكالة “نوفوستي” الروسية، أنه “على الرغم من العوامل السلبية والقيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، تواصل اللجنة الدستورية الخاصة بسورية العمل في جنيف. ومن المقرر عقد الجولة الخامسة من المشاورات بين الأطراف السورية في اللجنة خلال الفترة من 25 إلى 29 يناير/ كانون الثاني الحالي، وستتم خلالها مناقشة المبادئ الدستورية، وسيتعين فيها البحث بجدية عن حلول مقبولة للجانبين”. وأشار المسؤول الروسي إلى أنه “في غضون ذلك، تظهر تصريحات في بعض المحافل الدولية حول التبني العاجل لدستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية. وهذا يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم، وفي الوقت نفسه يقوضون استقرار عمل مؤسسات الدولة السورية”.
وأظهر كلام نائب الوزير الروسي نوايا موسكو حول تمييع المسار السياسي وإطالة أمده، بإشارته إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وقواعد عمل اللجنة الدستورية، “يفرضان بشكل مباشر ضرورة دفع العملية السياسية قدماً، والتي يقودها وينفذها السوريون أنفسهم، من دون تدخل خارجي ومن دون فرض أطر زمنية مصطنعة”، وخلص إلى أنه “على هذا الأساس بالذات، يمكن التوصل إلى تسوية سياسية طويلة الأمد في سورية”.
وفي إطار ذلك، يبدو أن النظام وحلفاءه باتوا في طور التمهيد لفرض الانتخابات أمراً واقعاً مع نتائجها، إلا أنهم باتوا متخوفين من ردّ الفعل الدولي، لا سيما مع تحايل النظام على مسارات الحل السياسي، وآخرها مسار اللجنة الدستورية. وتزايدت الضغوط الغربية، والأميركية على وجه الخصوص، لدفع النظام للانخراط جدياً في العملية السياسية، سواء من خلال العقوبات أو بالتحرك الدبلوماسي بالضغط عليه من خلال حلفائه، دون استجابة واضحة. غير أن واشنطن، من خلال إدارة دونالد ترامب، باتت تلوح بأدوات جديدة لفرض الحل السياسي، بيد أن ذلك بات يرتبط بما ستقدم عليه الإدارة الأميركية المقبلة برئاسة جو بايدن حيال صيغة الحل السوري، ولا سيما التعامل مع مسألة الانتخابات، والتجديد للأسد، كما هو متوقع.
داخلياً، أخذ النظام يحرك أدواته في سبيل الترويج للتجديد للأسد، وكان سابقاً غير مضطر لذلك مع تكفل الأفرع الأمنية بفرض نتائج الانتخابات بنسب مرتفعة. غير أن تحركات النظام حيال ذلك باتت تقوم على أسس ومعطيات جديدة، من خلال كسب دعم العشائر السورية المتحالفة مع النظام، أو التي يرتبط شيوخها بعلاقات طيبة مع الأسد والنظام. في خضم ذلك، جاء الملتقى العشائري الذي عقد في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي في محافظة حماة، وسط البلاد. وأشارت معلومات لـ”العربي الجديد”، إلى أن الشيخ نواف طراد الملحم هو عراب الملتقى بهدف كسب دعم عشائري للأسد خلال التجديد له في الانتخابات المقبلة، ولفتت المصادر إلى أن الملحم طرح خلال الملتقى فكرة أن يكون الأسد هو مرشح العشائر السورية خلال الانتخابات المقبلة.
وتُشكّل العشائر نسبة جيدة من سكان البلاد، غير أن هناك الكثير من شيوخ العشائر والقبائل العربية في البلاد مع أبناء العشائر يعدون من صلب المعارضة السورية، ويشكلون نسبة كبيرة من الحاضنة الشعبية للثورة، مع رفضهم بقاء الأسد في السلطة. وأشار مصدر خاص لـ”العربي الجديد”، من السويداء، إلى أن الملحم حاول نقل فكرة الملتقى إلى محافظة السويداء، في إطار كسب الدعم المجتمعي والعشائري للأسد، والتقى في نهاية الشهر الماضي مع وجهاء وشيوخ من الطائفة الدرزية، من بينهم شيخ العقل يوسف جربوع، بحضور ممثلين عن العائلات ووجوه اجتماعية مختلفة ورجال دين في دار الطائفة بمدينة السويداء. وأشار المصدر إلى أن الملحم طرح فكرة ترشيح الأسد للانتخابات من قبل الوجوه الاجتماعية والعشائرية نيابة عن عائلاتهم وعشائرهم كما حدث في حماة، إلا أن المصدر أكد أن طرح الأخير لم يلقَ تجاوباً من قبل وجوه السويداء ومشايخها، ولم يحصل من خلال اجتماعه بهم على نتائج نهائية إيجابية.
وفي تعليق على تصريحات فيرشينين حول عدم الاعتراف الدولي بالانتخابات وأن مؤداه الدفع لعدم الاستقرار بالبلاد، أشار عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني المعارض، عبد المجيد بركات، إلى أن “قيام روسيا بدعم النظام بإجراء الانتخابات الرئاسية، يعد إجراءً أحادي الجانب، وعلى عكس ما صرح به نائب الوزير الروسي، فإن اللجوء لإجراء الانتخابات ودعمها من أي طرف سيؤدي إلى عدم الاستقرار في البلاد، وحتى بالنسبة للعملية السياسية، ولا بد من الإشارة إلى أن حلفاء النظام، لا سيما الروس والإيرانيون، غير جديين في التعاطي مع العملية السياسية بالمطلق”.
وأضاف بركات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “أي انتخابات يقوم بها النظام، منذ الإعلان عن انطلاق اللجنة الدستورية، هي انتخابات خارج الولاية الدستورية لمؤسسات الدولة، وخارج ولاية مجلس الشعب (البرلمان)، فعندما قام النظام بالموافقة على الانخراط بمسار اللجنة الدستورية، كأحد مكوناتها الثلاثة، فمن المفترض أن يوقف العمل بالدستور حتى تنهي اللجنة أعمالها بوضع دستور جديد للبلاد تقوم على أساسه الانتخابات، وبذلك من وجهة نظر قانونية، فإن النظام لا يحق له إجراء انتخابات، حتى تنهي اللجنة أعمالها”، معلناً أنهم في المعارضة لن يكونوا طرفاً بأي عملية انتخابية يكون النظام فيها الطرف الآخر، وذلك لضلوع النظام وأركانه بجرائم حرب تتوجب المحاسبة عليها.
ولفت بركات إلى أن لديهم في المعارضة مؤشرات دولية واضحة لرفض العملية الانتخابية، مشيراً إلى أن “المجتمع الدولي يصر على تطبيق السلال الأربع في العملية السياسية، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، ومن المفترض أن تكون روسيا مشاركة في تطبيق هذا القرار وسلاله، لذلك سيتحتم عليها الالتزام، أو ستلاقي ضغطاً دولياً للتوقف عن دعم النظام”.
وكان وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، قد أعلن أخيراً أن الانتخابات ستجري في موعدها من دون أن تكون لمخرجات اللجنة الدستورية علاقة بها، وهو بذلك يكرر موقفاً سبق أن أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عند زيارته لدمشق خلال مؤتمر صحافي جمعه بوزير خارجية النظام الراحل وليد المعلم. كذلك كان رئيس النظام بشار الأسد قد أشار في حديث صحافي، خريف العام الماضي، إلى أن “المفاوضات ستأخذ وقتاً طويلاً”، في معرض حديثه عن مسار اللجنة الدستورية، ممهداً كذلك للتملص من مخرجاتها، بالإشارة إلى أن الوفد المسمى من قبل النظام لا يمثل النظام، وإنما يمثل الدولة السورية، بحسبه. ويمكّنه هذا الأمر من التملص من مخرجات اللجنة ونتائجها إذا لم تتوافق مع رؤية النظام، والحفاظ على بقائه في السلطة.
العربي الجديد
————————
حتى لا يكون عام 2021 عام الأسد/ موفق نيربية
في اليوم الأخير من العام المنصرم لتوّه، جاء في صحيفة «الوطن» السورية التي كان يملكها رامي مخلوف، تايكون الاقتصاد الأسدي المطلق سابقاً، حتى صراعه مع رئيسه: «كعادته وكما عرفه السوريون حضر الرئيس بشار الأسد إلى جانبهم ومعهم، وهم يعملون من جديد على بناء ما دمره أعداؤهم، وهذه المرة عبر زراعة أرضهم، التي أحرقها مرتزقة لا ينتمون لها، مرسلاً المزيد من الرسائل عن الشجرة التي نغرسها في الوطن فتنبت حباً. الرئيس الأسد فاجأ الفرق التطوعية لطلبة سوريا، التي كانت تقوم بعمليات تشجير في حرش التفاحة بالدريكيش، وحضر برفقة عقيلته السيدة أسماء، وأبنائهما حافظ وكريم وزين الشام، ومعهم باسل شوكت ابن شقيقته، إلى مكان التشجير الذي سبق وتعرض للحرائق».
جاء ذلك الخبر بصيغة دعاية انتخابية، ما أعاد تذكيرنا بقوة بأهم ما يمكن أن يتعرض له السوريون – فوق ما حصل لهم حتى الآن – وهو انتخابات رئاسية لتجديد وتمديد رئاسة بشار الأسد، تتمحور حولها السياسات السورية والروسية منذ فترة من الزمن، مع الغياب الحالي للسياسة الكبرى. كان يمكن للمرء أن يتناول مع نهاية عام وبداية آخر، أهم ما كان أو ما يمكن أن يكون، وتغري كثيراً حالة الوباء وطغيانه، مع أخبار طفو المعركة الانتخابية الأمريكية فوق الوضع الدولي، وما شكّلته السياسات التي قادها دونالد ترامب من ظواهر تنذر بتشكيل عالم جديد، أو تدارك ذلك، ولو إلى حدود معقولة.
إلّا أن استفزاز مسألة الأسد يفرض علينا، نحن السوريين، على الأقل مواجهتها، ابتداءً من على الورق. ليس هنالك من شرعية لرئاسة الأسد منذ 2011 ومهما كانت مرجعيتها، سوف تتآكل حتى خيالاتها، في حالة مضيّه في إعادة ترشيحه وانتخابه. وهي مهما كانت شكلية لا تضيف جديداً إلى واقع الحال، كما يمكن أن يقول البعض؛ إلّا أنها أيضاً مهمة لصاحبها، وليس هنالك من لا يأبه بشرعية ما لسلطته وصورته، مهما كانت درجة طغيانه واستبداده بالأمر. قد تأتي الشرعية من التقاليد التي يحافظ الناس عليها، حين تستحكم بهم وتأسرهم بعد طول ممارسة للسلطة على نسقٍ محدّد، ومع أشخاص بعينهم، أفراداً أو عائلاتٍ أو نخبة أو فئة، عشيرة كانت، أم طائفة، أم عصابة معمّمة. ولا ريب في أن أيّ شيءٍ من هذا القبيل قد تبخّر في الأعوام الأخيرة، بعد أن أنهت الثورة أثر تلك التقاليد، وما يتداخل معها من» قوة العادة» والعجز عن احتمال التغيير، وصدمته المجهولة المفاعيل. ولكن ذلك أيضاً قد تلاشى، وصغرت تلك الدائرة المعرّضة لتلك الظاهرة، حتى لدى قريبين من مركزها ورئيسها.. وتدهورت الأحوال حتى بدأ البعض يقولون» لا يمكن لأيّ تغيير أن يؤدّي إلى الأسوأ، لأننا في الحضيض».
يمكن للتاريخ أن يهب بعض شرعية مطلوبة، حين تكون هنالك «منجزات» كبيرة وعملية، كخلق مكانٍ للبلد في المنطقة والعالم، أو النصر في حروب خارجية كبرى، تؤمّن الحماية للدولة والمجتمع من الأخطار الخارجية، أو بناء اقتصاد مزدهر، وتنمية لا تأكلها النيران – كما فعلت- وهنا، لو كان لأبيه شيءٌ من ذلك مهما اعترض معارضوه، فليس للابن منه إلّا الكاريكاتير والمسخرة.. وليست لديه في هذا حتى إمكانية تقديم الوعود.
وقد تأتي الشرعية للمستبدّ خصوصاً من كتب التاريخ ومن «الغلبة». وهذه منطقة أثيرة للنظام ومربط فرسه، منذ قال وزير دفاع الأب قديماً وبصراحة مذهلة: «لقد أخذنا البلاد بالبندقية، ومن كان قادراً على أخذها منّا بالبندقية فأهلاً وسهلاً» أو ما هو من هذا القبيل. وتكفي نظرة لتوزّع القوى، ليس في المناطق الخارجة تماماً عن سيطرته، كما في الشمال بشرقه وغربه، بل في مناطقه ذاتها، بعشرات أو مئات العصابات المنفردة – وأحياناً المنفلتة- وتشتّت الجيش «العربي السوري» وتهلهله إلى ما يشبه تلك العصابات.. إضافة إلى جماعات أكثر انضباطاً، ولكن لأوامر الغير في إيران، أو روسيا، أو أيّ مكان آخر.. ليس هنالك «غلبة» إلّا بمقدار ما تسمح تلك الفوضى لفلول النظام بالتسلّط واللصوصية والقمع أو القتل.. وليست تلك «غلبة» ابن خلدون، ولا هي خيالٌ لها. أمّا الشرعية «الرسمية» من حيث الاعتراف الدولي رسمياً بالنظام، فلن نعود له ولحساباته، إلّا لنقول إن عشرات الدول ربما تتحفّظ على سحب اعترافها، ولكن لنذكّر هنا بأن الجامعة العربية وأوروبا وشمال أمريكا، لا شائبة في اعتراضها على الأسد ونظامه، اعتراضاً ليس شكلياً أبداً، مهما جاءت أنباءُ مناقضة لذلك من هنا أو هناك. ولا يمكن اعتبار محاولات البعض للركوب على النظام حالياً لأهداف عابرة أمنية، أو مستقبلية تتعلق بعوامل جيواستراتيجية، أو بإعادة الإعمار؛ اعترافاً فعلياً به وبشرعيته.
ليست لدى بشار الأسد شرعية كذلك النوع القديم، كالذي تكوّن لدى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية – الولي الفقيه – علي خامنئي أيضاً، مهما اعترضنا على منطق الحقّ فيها: الشرعية الدينية، ولا ضرورة للتفصيل في افتقار بشار لذلك بأي شكلٍ وعلى أيّ الجانبين يميل. وبالطبع، ليس هنالك، ولن يكون، لبشار شرعية صندوق الاقتراع الحديثة، المعروفة العناوين والعناصر، وليترك اللاجئين والنازحين ينتخبون بحرية، وليترك أهله أنفسهم ينتخبون بحرية مع الناس العاديين البسطاء من دون إسار الرعب و»التشبيح».. وليترك للأمم المتحدة والمجتمع المدني الدولي أن يشرفا على الانتخابات.. مع أن ذلك قد «يخدش» السيادة الوطنية، وصلح ويستفاليا ومعاهدة فيينا، وحتى تفاهمات يالطا أيضاً. وربّما يكون واحداً من مصادر الشرعية، مهما كانت منقوصة أو جزئية، الاعتماد على ولاء أقلية عرقية أو عشائرية أو دينية أو طائفية، بشكلٍ متماسك عسكرياً ومدنياً وطائفياً غير متخلخل. وقد نجح هذا الرجل ببعثرة إرث أبيه، وَقلَب على نفسه طائفته التي كان أبوه سابقاً، وهو من بعده، يعتبرانها الحصن والملاذ.
لقد أدّت سياساته إلى خسارة «طائفته»- وليست كذلك على الإطلاق – لمئات الآلاف ربّما من شبابها، وهي في ذلك تختلف حتى عن خسارة «خصومه» لمئات الآلاف من كلّ الأعمار ومن الجنسين. لقد استطاع بشار أن يورّط من اج\تمعوا حوله، ويودي بهم إلى الدمار والهلاك، الذي لا يختلف كثيراً عن هلاك ودمار من ثاروا عليه ومن قاتلوه.. وفي ظروف العوز الخانق، ونزيف الدماء المستمر، واسوداد الأفق وانسداده، لم يبق لبشار مما كان لديه إلّا القليل، الجاهز للانفضاض عنه أمام أي عملية سياسية، وإسهام دولي لائق ومقنع فيها. ومع العقوبات الدولية التي زادت من ضيق الخناق على النظام، وحشرت محاولات شرعنته في الزاوية؛ ومع تطوّر المحاسبة الدولية وقضايا الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها، التي سوف تكون على أي طاولة يتمّ التحضير لها، خارج تلك الطاولات الحالية البائسة العاجزة، ومع تضييق «قانون قيصر» حتى على داعميه من بعد، وانهيار العملة وتحليق الأسعار التي سوف تعيد تخليق الشجاعة لدى الناس الموجودين في مناطق سلطته؛ ومع زيادة الضغوط للإفراج عن المعتقلين، وأعدادهم تقارب المئة ألف أو أكثر.. ومع ميزانية جديدة هي الأقل حجماً، والأكثر تدجيلاً في تاريخ سوريا الحديث.. مع ذلك كلّه ليس من شرعية لإعادة انتخاب الأسد، لا شكلاً ولا مضموناً.
وربما قبل أيّ شيء آخر، لا شرعية لحكومة عميلة لمحتلّ، إيرانياً كان أم روسيا ً(وهذا لا ينطبق على النظام وحده بالطبع، ولا على إيران وروسيا وحدهما أيضاً). ولا ننسى أيضاً كيف قوّض هذان المحتلان، ما كان للأسد من شرعية كاذبة، من خلال سيطرتهما على المرافق العامة، وكلّ ما للدولة من خصائص في استقلالها، ومن ذلك تكبيلها بعقود تمنع ذلك الاستقلال لعشرات السنين المقبلة، ولا تحترمها حتى كشريك أصغر. ونسمع منهما في الوقت نفسه تكريساً لشرعيته حين يتعلّق الأمر بشرعنة وجودهما ومستقبله، ونيلاً منها حين يكون الحديث عن دور كلّ منهما الحاسم في الحفاظ على النظام وضمان استمراريته.
تبقى مهمة النخب السورية المعارضة وغير المعارضة، الرسمية والشعبية والمدنية، هي جعل ذلك أكثر صعوبة، وإغلاق الأبواب على تمرير ذلك الأمر.. وكذلك لجم شهيّة الانتهازيين لانتهاز الفرص الرخيصة، على التعامل معه وكأنه باب إجباري لا بدّ من سلوكه.. وتشجيع حيائهم على الأقل، أو حذرهم وخوفهم من غضب الناس والتاريخ.
كاتب سوري
القدس العربي
———————————–
الانتخابات بين هدف الدستور الجديد وشبح انقسام سوريا/ د.سميرة مبيض
يسعى الاسد جاهداً للتظاهر بأن شيئاً لم يتغير في العقد الماضي من الزمن، رغم أن مسار التغيير باتت بوصلته واضحة وتصب حتماً في مصلحة شعوب المنطقة جميعها وليس فقط الشعب السوري، الا أن حالة الانفصال عن الواقع والتشبث بالسلطوية والتمسك بكرسي الحكم لازالت من سمات الاسد في توافق كامل مع المنظومة الايديولوجية التي اوصلته لهذا الموقع واوصلت سوريا لهذا الخراب.
فنراه اليوم يعمل على التحضير لانتخابات رئاسية جديدة رغم أن القرار الدولي ٢٢٥٤ ينص بوضوح أن دعم الانتخابات في سوريا مرتبط بوجود دستور جديد، هذا القرار الدولي الذي توافقت عليه جميع الدول المنضوية بالعملية السياسية السورية بما فيها حلفاء النظام وضامنيه في العملية الدستورية، ووافق عليه النظام ايضاً بانخراطه والتزامه ضمن اللجنة الدستورية التي انطلقت تحت رعاية الامم المتحدة في جنيف وفق مسار الانتقال السياسي وارتكازاً على القرار الدولي ٢٢٥٤ والمتضمن لبند ينص على دعم انتخابات حرة ونزيهة تجري عملاً بالدستور الجديد، على عكس ما صرح ويصرح ممثلو النظام عبر عدة منابر بأن الانتخابات لا صلة لها بالعملية الدستورية، بل هي وفق القرار المعني مرتبطة بالوصول لدستور جديد.
ذلك يعني على اقل تقدير بأن أي انتخابات تجري قبل الوصول لدستور جديد لن تكون مدعومة من الدول التي توافقت على القرار المذكور مما يعني أيضاً، نظرياً على الاقل، أن الانتخابات، إن جرت وأفضت الى انتخاب الأسد لسبعة سنين عجاف اخرى، لن تلقى الشرعية من المجتمع الدولي ولا حتى من الدول الداعمة له.
لكن ذلك لا يعني ان الاسد لن يسعى لاجراء هذه الانتخابات بل وكما اعتاد على التلاعب لنصف قرن من الزمن سيعمل، ان اتيح له الامر، على التلاعب عبر عدة احتمالات أولها هو سعيه لوضع دستور معدل كنسخة موازية لدساتير ١٩٧٣ و٢٠١٢ دون اي تغيير جذري وفعلي يسمح بانتهاء حقبة الشمولية والقمع في سوريا والاعتماد على هذه النسخة لاعادة انتخابه، رغم ان هذا السيناريو صعب التحقق لكنه من غير المستبعد ان يسعى الأسد له اذا استطاع خلق حالة من التواطؤ حول هذا السياق مع بعض اطراف اللجنة الدستورية ويحاول عبر ذلك تفادي نقض شرعية انتخاباته المزعومة.
أما في حال لم ينجح بوضع دستور معدل يعيد تأهيله واجراء الانتخابات في موعدها فقد يعمد الى المتابعة بوضعية الرأس في الرمال مدعيًا ان لا صلة تذكر بين الدستور والانتخابات ويعيد تأهيل نفسه بناء على دستور عام ٢٠١٢ وهو الدستور المصاغ ليمنحه السلطة المطلقة والابدية والمركزية بالتحكم بكافة مفاصل وسلطات الدولة، وهو بهذه الحال مهدد بعدم الحصول على شرعية للانتخابات التي سيجريها وانعدام هذه الشرعية لن يكون على الصعيد الدولي وحسب بل على الصعيد الداخلي اي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والتي تقع تحت هيمنة قوى أخرى، هذه القوى في حال عدم اعترافها بشرعية انتخابات النظام يمكنها اعتبار أن المناطق الخاضعة تحت هيمنتها قادرة على التوجه بمسارات أخرى مفتوحة لتنظيم امورها وادارتها بشكل محلي.
هذه السيناريوهات أو سواها من محاولات التلاعب وحالة الانكار السياسي المتبعة في منهج الكذب الاسدي لن تؤدي الا لترسيخ واقع انقسام سوريا، فاليوم وعلى مساحة واسعة من المناطق الخارجة عن سيطرة الاسد والتي يعيش فيها ما يقارب نصف الشعب السوري تعتبر العودة لما قبل آذار ٢٠١١ أمر لا يرد في قواميس السياسيين ولا المواطنين ولا الفاعلين في المجتمع المدني بل هو بمثابة العودة لحكم الاعدام لمن استطاع كسر حواجز السجن والنجاة بحياته.
لا انتخابات شفافة ونزيهة منذ نصف قرن في سوريا ولمزيد من المصداقية فلا شرعية لاي انتخابات جرت خلال هذه الحقبة ولا انتخابات ممكنة في العام القادم او المستقبل السوري عموماً دون عقد اجتماعي جديد ينطلق من واقع سوريا اليوم ويأخذ بعين الاعتبار متطلبات التناغم المجتمعي المطلوب ومتطلبات تحقيق الامن والاستقرار لجميع السوريين ومتطلبات الحفاظ على وحدة سوريا من منطلق عدم امكانية اي جزء منها بالاستمرارية منفصلاً عن جواره أو معادياً أو محارباً له، ثوابت علينا احترامها لنضمن السير قدماً في عملية التغيير السياسي.
دستور جديد يحقق مطالب التغيير السياسي هو الهدف الذي يضمن تحقيق مطالب الثورة السورية وعدم الالتفاف عليها من اي جهة، فلا تغيير ممكن في ظل دستور يقيد السلطة بيد جهة شمولية ويلغي وجود شعب كامل، دستور جديد يتطلب بدوره تفعيل حقيقي لعمل اللجنة الدستورية بعد تقييم وتقويم آلية عملها التي اثبتت عدم فاعلية خلال العام المنصرم ولم تفضي الا الى اوراق تدور في فلك الدساتير السابقة، دون دستور جديد اي انتخابات يجريها الاسد لا شرعية لها الا في نطاق دائرة الاسد نفسه، الدائرة التي ارتكبت جرائم انتهاك للانسانية بحق الشعب السوري وفُرضت عليها عزلة سياسية واقتصادية مُحقة، شرعية هذه الدائرة لا تتجاوز حدودها أما سوريا فستبقى تحت وطأة الدمار والمعاناة الى أن يكتب السوريون عقدهم الاجتماعي الذي يعيد لها امكانية الحياة.
موقع نواة
—————————
أحلاهما مر..نظام الأسد أمام احتمالين بعد 90 يوماً
تحدث المحامي والحقوقي السوري عبد الناصر حوشان عن احتمالين أمام نظام الأسد بعد المهلة التي منحتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية اليوم.
وأعلنت المنظمة أن المهلة هي 90 يومًا لإبلاغها عن مكان إنتاج الأسلحة الكيميائية المستخدمة خلال هجوم بلدة (اللطامنة) بريف حماه في آذار/ مارس عام 2017.
ورأى حوشان أن اعتراف نظام الأسد بوجود غاز السارين والكلور سيعني أنه وضع حبل المشنـــقة على رقبته وسيكون أمام خيارات كثيرة ستفضي إلى محاسبته وجاء ذلك في في لقاء مع شبكة شام.
أما في حال أصر النظام على عدم الاعتراف فستطبق بحقه المادة 21 من قرار مجلس الأمن /2118/ لعام 2013 التي تنص على وجوب تطبيق إجراءات تحت الفصل السابع.
وثمّن حوشان هذا التحرك بقوله إن تحــــريك ملف اســـــتخدام النظام للأسلحة الكيميائية سيؤدي حتما إلى محاسبة النظام الســــــوري.
يذكر أن في أبريل/نيسان الفائت، نشر فريق تحقيق دولي تابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقريرًا يثبت أن نظام الأسد هو المنفذ للهجوم الكيميائي على بلدة (اللطامنة) بريف حماة الشمالي.
———————
موسكو تهيّئ الأجواء لبقاء الأسد رئيساً في الانتخابات المقبلة
رهان على تقدم «دستوري» يسابق ضرورات «المحافظة على النظام»
رائد جبر
قد يكون تبلور الموقف الروسي النهائي حيال الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا واحداً من أبرز نتائج الخلاصات التي توصلت لها موسكو على صعيد سياستها السورية مع انتهاء عام 2020 وبداية العام الجديد.
وبدا أن العام المنصرم الذي شهد جهوداً روسية نشطة للضغط على الرئيس بشار الأسد، بهدف حمله على إطلاق عملية إصلاح شاملة على الصعيد الداخلي، وإبداء مرونة كافية لإنجاح تحركات موسكو في ملفي اللجنة الدستورية وعودة اللاجئين، أسفر في النتيجة عن إعادة ترتيب أولويات التحرك الروسي في هذا البلد، بما في ذلك على صعيد العمل لتهيئة الأجواء من أجل أن يبقى الأسد رئيساً لسوريا في الانتخابات المقبلة.
قبل ذلك، كانت موسكو على مدى سنوات تؤكد على موقف واضح مفاده أن أي استحقاق انتخابي في سوريا يجب أن يجري على أساس اتفاقات بين الحكومة السورية والمعارضة وبعد تبني دستور جديد للبلاد.
هذه العبارات قالتها حرفياً الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في 2016 تعليقاً على قرار دمشق تحديد موعد انتخابات برلمانية جديدة، وأعادت التشديد عليها أكثر من مرة لاحقاً في إطار الموقف نفسه الذي يشدد على «تمسك روسيا الكامل بالاتفاقات الخاصة بمضمون ومراحل عملية التسوية السياسية للأزمة السورية، بمراعاة قرارات مجموعة دعم سوريا والقرار الدولي رقم 2254». ورأت أن ذلك «يعني أننا سنواصل الإصرار على إطلاق مفاوضات كاملة النطاق وشاملة بين السوريين في جنيف وتحت رعاية الأمم المتحدة في أقرب وقت، بغية تشكيل الحكومة السورية والمعارضة هيئة إدارة مشتركة، ووضع دستور جديد في المرحلة اللاحقة، لتجري الانتخابات العامة على أساس هذا الدستور».
لكن مجريات 2020 عكست تبدلاً صريحاً ومعلناً في الموقف الروسي حيال ملفي الانتخابات والدستور، ارتبط بالدرجة الأولى، وفق خبراء روس، بثبات الوضع الميداني ومناطق النفوذ، وتعثر إطلاق عملية سياسية جادة تكرس «الانتصارات» الميدانية التي تحققت وموازين القوة على الأرض، فضلاً عن دخول ملف العقوبات المفروضة على سوريا وخصوصاً في إطار «قانون قيصر» على خط عرقلة أي سعي لحشد تأييد دولي لإطلاق عملية إعادة الإعمار.
في هذه الظروف جاء حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في دمشق خلال زيارة نادرة في سبتمبر (أيلول) الماضي، عن أهمية «عدم وضع أطر زمنية مصطنعة» تربط الاستحقاق الانتخابي الرئاسي بتحقيق تقدم على صعيد عمل اللجنة الدستورية. كانت تلك إشارة واضحة إلى منح موسكو ضوءاً أخضر للنظام لاستكمال ترتيباته لإجراء الانتخابات في موعدها.
واستهلت الدبلوماسية الروسية العام الجديد بتأكيد نائب الوزير سيرغي فيرشينين على رفض موسكو ما وصفها محاولات الغرب لـ«عرقلة تحقيق تقدم سياسي، من خلال الدعوات الصادرة إلى عدم الاعتراف بالانتخابات المقبلة في البلاد». وقال إن جهود «تقويض مؤسسات الدولة السورية ما زالت متواصلة». وأوضح أنه مع تواصل عمل اللجنة الدستورية في جنيف، التي من المقرر أن تعقد الجولة الخامسة من مشاوراتها في الفترة من 25 إلى 29 يناير (كانون الثاني) الجاري، «تظهر تصريحات في بعض المحافل الدولية حول ضرورة تسريع وتيرة تبني دستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا. وهذا يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم». وشدد على أن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، وقواعد عمل اللجنة الدستورية، «يفرضان بشكل مباشر، ضرورة دفع العملية السياسية، التي يقودها وينفذها السوريون أنفسهم، من دون تدخل خارجي أو محاولات فرض أطر زمنية مصطنعة».
لكن هذا الموقف الذي باتت موسكو تدافع عنه بقوة، وجد تفسيرات متباينة في أوساط الخبراء الروس، وبينهم من رأى أن تلك الرسالة تصب في مواجهة التحركات الغربية وخصوصاً الأميركية، بانتظار جلاء الموقف حول سياسة الإدارة الأميركية الجديدة في سوريا. في حين أشار بعضهم إلى أنه «من الطبيعي أن يرد الدبلوماسيون الروس على أسئلة الصحافيين بهذه اللهجة، لأن الجواب لا يمكن أن يخرج عن الالتزام بمبدأ سيادة البلد، ونحن ما زلنا نتعامل مع السلطة الشرعية الممثلة بالنظام الحالي، ونتقيد بنص الدستور القائم حالياً»، وفق مصدر دبلوماسي روسي. وزاد هذا المصدر أنه بالتوازي مع هذه الإشارات «واصلت موسكو التأكيد على الأهمية الكبرى لتنفيذ القرار 2254، ونأمل أن تتعاون الإدارة الأميركية الجديدة في هذا الشأن، وأن تدفع الأجواء الجديدة على المستوى العربي وفي الولايات المتحدة لتحقيق تقدم حقيقي وسريع في إطار عمل اللجنة الدستورية».
في الوقت ذاته، قال لـ«الشرق الأوسط» الدبلوماسي رامي الشاعر، المقرب من الخارجية الروسية، إنه «لا يمكن تجاهل أن النظام الحالي يضم 4.5 مليون موظف، بينهم 700 ألف مسلح، ما يعني أنه القوة الوحيدة المسلحة جيداً والمنظمة حالياً في البلاد». وأضاف أنه «لا يمكن عدم التعامل مع هذا الواقع، ما يعني أن هذه القوة لا بد أن يكون لها دور في مستقبل سوريا، وأي محاولة للتغاضي عن ذلك ستعني السماح بحرب أهلية جديدة مدمرة». وأوضح أن الدبلوماسية الروسية تنطلق من تلك الحقيقة، و«من الأهمية القصوى الحفاظ على الإنجاز الأكبر الذي تم تحقيقه حتى الآن وهو تثبيت وقف النار وميل الأوضاع إلى الاستقرار في غالبية المناطق، ما يعني ضرورة أن يبقى الوضع الحالي مع النظام، حتى تنضج الأمور عند السوريين، ويتم تحقيق تقدم جدي في عملية التعديل الدستوري وإطلاق العملية السياسية، لأن البديل كارثي».
الشرق ا|لأوسط
————————–
رئيسنا الشرعي… د. محمد الأحمد*/ د. محمد الأحمد
لا شك أبداً بأن رأس النظام و المنظومة الكاملة التابعة له- ما عدا من بات يفهم بالرياضيات داخلها – يخططون لمسرحية الانتخابات القادمة، ويبحثون الآن عن كومبارسات تقبل الترشح لتخسر. و لا بد أن يفهم هؤلاء أننا نعرف بأنهم سيجدون مثل هؤلاء الذين يرتضون الذل، إلا أن هذه المنظومة كلها تعتقد أن ما تفعله هو المطلوب الأساسي لبقائها في السلطة!
في جردة حساب بسيطة نقول لهؤلاء، إننا نستطيع أن ندرك أهم نقطة قوة تظنون أنها تنجيكم دائماً من السقوط وهي القوة العسكرية والحرب، الحرب الدموية أياً كانت الجبهات.
لكن القادم حتماً على كل هذه المعادلة -وهنا نقطة الضعف الرئيسية- هو ألا تقدر قاعدة تلك القوة الغاشمة أن تشتري أيا من لوازم الحياة، وألا يستطيع حتى الضباط امتلاك مقومات العيش!. فإذا كان لسان الحال (خلي الشعب يموت من الجوع لا مشكلة)، فإن ما نسبته 80% من القوة الغاشمة التي يستخدمها النظام في ما يظنه (بلاهة) قوة ! لا تستطيع الآن شراء الغذاء والدواء وأيّا من أساسيات الحياة!، بعد أن انتهى كل ما يمكن سرقته.
ففي الجيش حصة العسكري الآن حبة بطاطا مسلوقة ونصف بيضة مسلوقة لكامل النهار! ولا يستطيع أي جندي أن يحلم ببعض ضأن أو أي من أنواع اللحوم، أن لم يأخذ من أسرته مالاً أو طعاماً، والأسر أغلبها بالويل.
وللعلم فإن جزءاً من خطة التجديد خلال ألأشهر القادمة، هو التدخل لإحداث تغيير نقدي (مرحلي خادع) في الأشهر القادمة، عن طريق ضخ كم من العملة الأجنبية في السوق لتقوية الليرة، الأمر الذي يعني أن ما سيحصل بعد (مسرحية الانتخاب) هو انهيار كبير لليرة في مشهد يشبه ما يحصل مع مدمن المخدرات الذي سيبحث عن جرعة فلا يجدها.
ومع هذا كله وضارباً عرض الحائط بكل القيم، ودون أن يفكر حتى من بوابة (دعهم يجربون غيري مع أنني من لم تلد مثله الأمهات) أو (يكفي موتاً وجوعاً) أو (21 عاماً كفاية) أو حتى (ليجربوا غيري فيعرفون روعتي)!! مع هذا كله لا شغل لهذه المنظومة إلا مسرحية مطلع الصيف الانتخابية! ولا يعرف التاريخ الحديث كله ولا علم الدول، رئيساً يترشح للرئاسة بدون حتى برنامج انتخابي، يجيب فيه عن أهم الأسئلة المتعلقة بالدولة والشعب!
مثل قضية وحدة الأرض والشعب وقضية الجوع والضنك والبرد والحرمان، وقضية إعادة بناء البلاد، مع مئات القضايا الأخرى العالقة والتي تشكل مأساة الشعب ومأساة وجود الوطن والكيان السياسي كله، فليس حتى بعض ضمير.
وكم يبلغ السخف مداه عندما نقرأ أنصار (الكارثة) بالأمس وهم يتحدثون عما يحصل في الولايات المتحدة لإظهار (تشابه ما) بين الأزمة الأمريكية، وأزمتنا ! وهم ذاتهم أشبعونا بالحديث عن المؤامرة الأمريكية علينا.
فلقد امتلأ إعلامهم حبوراً وهم يرون المتظاهرين يقتحمون (الكابيتول) في مشهد لا يعدو كونه جزءاً من حياة البشرية الجديدة، حيث سنشهد في أغلب بقاع الأرض مشاهد شبيهة، لأن ما يحصل في العالم، بات بشبه (الديموقراطية المباشرة) في اليونان القديم، حيث يجتمع الناس في ملعب كبير، ويمارسون السياسة معاً شعباً ورئاسات، ولطالما حصل عراك بالأيدي حينها ! وليس بالمدافع والطيران والبراميل، وسيرى العالم كيف تنتصر المؤسسة على الزعران، عبر الديموقراطية وقيمها.
وبالعودة إلى قضيتنا نحن كسوريين، لا بد أن نبحث عن مستقبلنا وذلك بأن نجد أولاً عصبتنا الوطنية السورية الواحدة، ومن ثم الرد على استمرار منهجية الكارثة التي يقودها النظام، ليس بانتخابات في المناطق الخارجة عن سيطرته، ففي هذا خطر تقسيم مستقبلي، بل بانتخابات خارج البلاد، لجميع السوريين لن نعجز عن تنفيذها بأفضل المعايير، نقوم خلالها باختيار (رئيسنا الشرعي)، وليكن رئيساً لكل حر وقف في وجه النظام الآن ومن ثم نحن على يقين مطلق، بأننا وهو سنعود إلى أجمل وأغلى أرض لنبني الحياة.
—————————————
صورة بشار الأسد في «يوميات قاض سوري»!/ بكر صدقي
يروي حسين حمادة في كتابه المعنون «يوميات قاض سوري في العمل القضائي والسياسي والثوري» الصادر قبل أشهر، ثلاثة لقاءات جمعته مع السفاح السوري بشار الأسد، من المفيد تسليط الضوء عليها لأنها تساعدنا على رسم صورة مقربة له من شأنها تفسير جانب من مأساة هذا البلد المنكوب.
الكاتب قاض منشق شغل مواقع عدة في المؤسسة القضائية، إضافة إلى عضوية قيادة فرع حلب لحزب البعث الحاكم، وقام بمبادرات عديدة للعمل السياسي المعارض، بعد انشقاقه وخروجه إلى منفاه التركي، فكان شاهداً على أحداث كثيرة وجمعته الظروف مع شخصيات كثيرة وشارك في فعاليات مهمة، سواء في مرحلته الأولى داخل بنية النظام، أو في مرحلته الثانية بعد انشقاقه المعلن. الكتاب غني بالوقائع الجديرة بالاهتمام، لكن هذه المقالة ستقتصر منه على سطور قليلة خصصها لشهادته الشخصية عن بشار الأسد.
«التقيت به أكثر من مرة» يقول حمادة «وكان في المرة الأولى مبهراً بحديثه المتماسك الشامل، وفي المرة الثانية أعاد الحديث نفسه حروفه وفواصله ونقاطه، فأدركت أنه يحفظ النصوص جيداً ويرددها كروبوت آلي! ولقطع الشك باليقين، سألتُهُ عن موضوع خارج السياق، فأجابني جواباً لا علاقة له بالسؤال، وكان يتحدث وهو يؤشر بيديه ويحرك فمه ويصدر أصواتاً من فمه دون أن أميزها هل هي ضحك أم بكاء!» ويضيف حمادة معلقاً: «أدركتُ لدرجة اليقين بأن صاحبنا مجنون». (حسين حمادة: يوميات قاض سوري في العمل القضائي والسياسي والثوري» نون للنشر والتوزيع 2020، ص 133).
تتقاطع هذه الشهادة مع ما نعرفه من خطابات بشار التي تتألف، عادةً، من قسمين، الأول المكتوب متماسك، بصرف النظر عن مضمونه، والثاني مرتجل يكاد أن يكون لغواً بحتاً، تتخلله في أكثر الحالات ضحكات عجيبة تعطي الانطباع بشخص غير متوازن عقلياً.
وفي إحدى زياراته لمدينة حلب استدعى قيادة فرع حزب البعث في المدينة، وكان الكاتب حمادة عضواً فيها، فاستقبلهم في غرفة صغيرة في قصر الضيافة، أو القصر الرئاسي في حلب، وبدأ يخاطبهم. كان باب الغرفة مفتوحاً، ظهر فيه مدير القصر إياد غزال وأشار لبشار بأصبعه «فهرول هذا إلى الباب وابتعد مع غزال، ولم يعد إلى الاجتماع»!
إياد غزال هو أحد الشخصيات المقربة من بشار، كان مديراً لمؤسسة السكك الحديدية حين حدث الاجتماع المذكور، ثم عيّنه بشار محافظاً لمدينة حمص حيث كان مستهدفاً بصورة خاصة في شعارات المظاهرات الاحتجاجية في الأشهر الأولى من الثورة 2011. وقبل ذلك قدم سكان المدينة شكاوى كثيرة بحقه بسبب تسلطه وفساده، فكان بسلوكه الوظيفي أحد أسباب الاحتقان فيما سيسمى لاحقاً بعاصمة الثورة السورية. يمكننا أن نفهم من الحادثة المذكورة أن العلاقة بين الرجلين أعمق بكثير من التراتبية السلطوية، فمن المحتمل أنه كان بمثابة «مدير ملذات الرئيس» على غرار من كانوا يحملون هذه الصفة في الأنظمة السلطانية القديمة. هذا على أي حال ما يوحي به الكاتب ولا يفصح. ففي اليوم التالي التقى حمادة مع إياد غزال وسأله عن إشارته بأصبعه لبشار، فضحك غزال وقال: «افهمها كما تريد». فألح حمادة في السؤال: هل بينكما علاقة تسمح لك برفع الكلفة إلى هذا الحد؟ «وألمحتُ في سؤالي إلى قضايا سبق ومرت عليّ وأنا قاضي تحقيق…!» عندها اصفر لون وجه إياد غزال وقال لي: مثل هذه الأمور لا يجري المزاح فيها (ص 135 من الكتاب).
بصرف النظر عن العلاقة الخاصة الملمح إليها التي قد تسمح لغزال برفع الكلفة، فإن استدعاءه لبشار بتلك الطريقة المهينة أمام غرباء، واستجابة بشار له يشيران إلى بنية نفسية لا تتناسب مع موقع قيادي حتى لو كان الأمر يتعلق بقيادة عصابة أو مجموعة مراهقين أو سهرة سكر. فلا أحد يمكن أن يتقبل هذه المعاملة مهما بلغ به الهوان. أما عدم عودته إلى الاجتماع الذي انعقد بطلب منه، فهو يشير إلى مدى استهتاره بالشؤون العامة، ومن المحتمل أنه نسي الاجتماع والمجتمعين لأن «الأمر الملح» الذي جعل غزال يستدعيه بتلك الطريقة ربما كان من النوع الذي يوصف بأنه «قد أنساه حليب أمه».
ويتقاطع هذا الموقف مع ذلك الفيديو الشهير الذي يظهر فيه بشار لاحقاً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم الجوية، وضابط روسي يمنعه من اللحاق به ويحدد له «بروتوكول» الإذلال المخصص له، فيلتزم بشار ويقف بأدب ويداه معقودتان خلف ظهره.
اللقاء الثالث الذي جمع المؤلف مع بشار كان بمناسبة طلب حمادة استقالته من عضوية قيادة الحزب. فقد استدعي إلى دمشق للقاء بالأمين القطري المساعد لحزب البعث سليمان قداح. وفي الموعد المحدد دخل مكتب قداح ففوجئ ببشار الأسد بدلاً من قداح. كرر طلبه بقبول استقالته من قيادة فرع الحزب، فعرض عليه بشار أن يعين محافظاً لدرعا أو دير الزور. فقال حمادة إنه يريد العودة إلى سلك القضاء. فقال بشار: هل تريد أن تصبح نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات؟ فكرر حمادة رغبته في العودة إلى عمله في القضاء. فقال له بشار: «تلحس ط..».!
هذه الخفة في تقديم المناصب بقرار ارتجالي، وهذه البذاءة أمام تعفف الكاتب عن المناصب، يشيران أيضاً إلى المستوى الأخلاقي المنحط لشخص معتوه فوجئ، بعد موت أبيه، بأنه أصبح قادراً على فعل أي شيء مهما بلغ به الشطط، تحيط به جوقات من المصفقين المهللين بـ«عبقريته الفذة» التي يعرف أنه لا يملكها، ويتعامل مع السلطة كلعبة يستطيع تغيير قواعدها كما يشاء، ولا يحاسَب على أي شيء مهما بلغ به الإجرام والعته.
لقد نشأ بشار تحت السلطة الأبوية الصارمة لحافظ الأسد، واختفى في ظل أخيه الأكبر باسل الذي كان المفضل لدى أبيه باعتباره الوريث القادم للحكم، وفي حضن أم قوية تمكنت من إدخال أخيها، محمد مخلوف، وأولاده إلى الدائرة العائلية الضيقة للسلطة والثروة، وكان بشار ضعيفاً أمامها. وبقدر ما كان حادث السير الذي أودى بحياة باسل الأسد وبالاً على سوريا، كان وبالاً أيضاً على بشار الذي وجد نفسه فجأةً في موقع يتجاوز إمكانياته النفسية والعقلية.
كاتب سوري
القدس العربي
—————————————–
عندما تجدّد روسيا حكم الأسد/ غازي دحمان
جرت العادة أن تمهّد روسيا للإجراءات التي تعتزم القيام بها في سورية، عبر منابرها الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، بغرض جعل الأمر المراد إجراؤه يتحوّل، مع الزمن، إلى مسألة قابلة للأخذ والرد في مرحلةٍ أولى، ثم تحويلها إلى قضيةٍ ممكنة، وعندما تصبح في هذا المجال تنبري دبلوماسيتها إلى تبنّيها، وثم يقرها الكرملين نهائياً.
يبدو أن روسيا حرقت جميع تلك المراحل في مسألة إعادة تجديد الحكم لبشار الأسد، وبدأت بتبنّي التجديد ومطالبة الأطراف الدولية بمباركته، أو على الأقل، عدم معارضته، بذريعة عدم التأثير على الاستقرار وسير عمل المؤسسات في سورية على ما أكّد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، حتى لو لم يتم إقرار دستور جديد وفق مقتضيات تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الخاص بإيجاد حل للأزمة السورية.
وبحسب الرأي الروسي، لا داعي للاستعجال، ولا لتحديد أطر زمنية لنهاية عمل اللجنة الدستورية، فالحل الدائم يستلزم التمهل، حتى يكون مضموناً وراسخاً، وكأن سورية لا تمرّ بأزمة مدمّرة، وأن كل يوم زيادة في تأخير الحل يدفع الشعب السوري ثمنه دماءّ وعذابات، حيث لا حل لقضايا اللاجئين والمعتقلين والمطلوبين للأجهزة الأمنية، كما لا حل للأزمات الطاحنة التي يعاني منها السوريون الواقعون تحت سلطة النظام.
والواضح أن ما تريده روسيا، ومن خلفها نظام الأسد، هو تحقيق المكاسب في كل الحالات، بمعنى إجراء الانتخابات التي تضمن فوز الأسد، وفي الوقت نفسه، ادعاء الالتزام بتطبيق القرارات الدولية، ما دامت اللجنة الدستورية تجتمع، من حين إلى آخر، وليس مهماً مضامين نقاشات هذه اللجنة وكيفية سير عملها. المهم أن النظام يرسل وفده لحضور اجتماعاتها. أما متى تتوصل إلى نتائج وحلول، فذلك ما لا ينبغي أن يطالب به المجتمع الدولي، ويلح عليه.
والأصل في مثل هذه الأوضاع أن يصبح الالتزام بتنفيذ القرار الدولي هو الأساس، ما يعني تعطيل أي إجراءٍ مخالف، وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى حين التوصل إلى اتفاق، وإلا فماذا تعني الأزمة؟ ولكن روسيا تتعامل مع الموقف، وكأن تطبيق القرار الدولي ومندرجاته ما هو إلا لزوم ما لا يلزم، أو حتى سقط متاع، باعتبار أن الزمن تجاوزه، وتغيرت المعطيات، إلى درجة أن تطبيقه قد يكون من عوامل عدم الاستقرار، وتخريب ما تم إنجازه لصالح تقدّم سورية واستقرارها!
وبعيداً عما تريده روسيا وترغب به ووسائلها في إخراج عملية التجديد للأسد، ما هي خياراتها في مواجهة تداعيات هذا الإجراء، وهل تستطيع تحمّلها؟، ليس سراً أن العالم، في أغلبه، وضع روسيا أمام خيارين: الالتزام بتطبيق القرار الدولي الخاص بحل الأزمة السورية، بما يعنيه ذلك من تطبيق للسلال الأربع في هذا القرار، أو بقاء سورية بلداً منبوذاً ومحاصراً، وما يعنيه ذلك من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتحول سورية إلى برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة.
مؤكّد أن روسيا، التي تمتلك أجهزة مخابرات لديها القدرة على رصد اتجاهات الرأي العام في سورية، التقطت وجود حالة كبيرة من التذمر في أوساط البيئات المؤيدة للأسد في سورية، وفي مناطق الساحل تحديدا، إذ يبدو أن ثمّة قناعة بدأت تترسخ لدى هذه الأوساط باستحالة الخروج من الأوضاع الصعبة التي تعاني منها من دون القيام بإجراءات مؤلمة، وأن الحل لن يهبط من السماء، ولم يعد باستطاعة روسيا ونظام الأسد انتشالهم من واقعهم البائس، كما أن سيطرة روسيا على أكبر قدر من موارد سورية، وبقاء الأسد في السلطة لن يؤمن لهم أوضاعاً أفضل من الحالة التي هم عليها الآن.
ولكن، من الظاهر أن روسيا التي تعتبر سورية “درّة تاج” إنجازاتها على الصعيد الدولي، لا تريد الخروج من حالة النشوة التي يضعها فيها هذا الشعور، بل تطمع بتحقيق المزيد والمزيد، فلا تكتفي بما خطّطت لتحقيقه، بل تريد أيضاً تحقيق ما لم تخطّط له بعد، لهذا تبدو إدارتها الأزمة غير منطقية، ولا تتوافق مع المنطق والممكن، في عالم يقوم على الاستقطاب والتنافس والصراع.
وليس تنجيماً ولا رغبوية هنا القول إنه سيكون لهذه السياسة انعكاساتها الخطيرة على سورية، أولها جعل التقسيم واقعاً نهائياً وأبدياً يستحيل تغييره، في ظل اختلاف القوى المسيطرة على البلاد وتنوّعها، حيث خطوط القتال تجمّدت، وأصبح تغييرها بالقوّة مغامرة خطرة، ولعبا في توازنات القوى، لا تستطيع روسيا الإقدام عليه. والأخطر تحطّم المجتمع السوري، بقيمه وأخلاقياته، وهبوط قيمة العمل والتعليم والنظام وتدنيها، والبحث عن الخلاص الفردي بأي وسيلة، في ظل انتشار النهب والسطو والخطف والفديات من جهات مرتبطة عضوياً بهيكلية النظام الحاكم، وغير خاضعة، في الوقت نفسه، لأي قانونٍ أو ضابط.
لن تستطيع روسيا فرض عملية تجديد الأسد، فلن يختلف الغد عن اليوم والأمس، وكل ما تفعله روسيا هو زيادة منسوب التدمير والخراب، والظن أن السوريين، بموالاتهم ومعارضتهم، سيقطعون هذه الصيرورة، ولن يتأخروا عن ذلك كثيراً.
العربي الجديد
—————————-
هل تآمرت واشنطن على الأسد؟/ ميشيل كيلو
ركّب بشار الأسد، بإيحاء روسي، مؤامرة كونية على نظامه، طرفها الخارجي الرئيس هو الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، أما الداخلي فهو المتآمر الدائم: الشعب السوري، عميل واشنطن وتل أبيب القديم، الذي لم يعد فيه فرد واحد غير عميل أو إرهابي. وبهذه التركيبة، صارت معركة الأسدية ضد مؤامرة إمبريالية/ صهيونية انخرط السوريون فيها زرافاتٍ ووحدانا، فانقلبت جرائم جيشها ضدهم إلى بطولاتٍ وطنيةٍ كسرت الأيدي التي امتدت إليها.
هذه التركيبة عن تآمر الشعب السوري مع صهاينة واشنطن وتل أبيب، عدوه اللدود بحكم إخلاصه الأبدي لقيادته الثورية، تثير العجب، وتطرح أسئلة منها: لماذا امتنع شريكا الشعب في المؤامرة عن حمايته من الذبح، وتركا الأسدية تشطبه من موازين الصراع، وتقوّض دوره في المؤامرة؟ فهل كان البيت الأبيض عاجزا عن حمايته، أو مستغنيا عنه وعن دوره؟ في الحالة الأولى، تكون المؤامرة سيئة التخطيط، وينتظرها فشل حتمي، لأسباب منها إما ضعف واشنطن وتل أبيب وخوفهما من مجابهة جيش الأسد، وافتقارهما لما يكفي من قوة لتحاشي الهزيمة على يديه، أو أنهما لم توظفا قوتهما لهزيمة الأسدية. وفي الحالتين، لا تكون هناك مؤامرة على الأسدية، بل مؤامرة على السوريين، بدليل تخلي البيت الأبيض عنهم، وتنكّره عبر تصريحاتٍ متكرّرة لثورتهم، بحجة أنها ثورة مزارعين واطباء أسنان، كما قال أوباما؟ إذا كانت واشنطن وتل أبيب تتآمران على الأسد، فلماذا لم تستغلا تمرّد الشعب عليها كعدو، لتنقضّا عليها، عندما وصلت عامي 2012 و2015 إلى حافة الانهيار، وسارع حزب الله والجيش الروسي إلى إنقاذها، وكان إسقاطها متاحا، وسهلا، لكنهما تفرّجتا على الغزاة، وهم يسقطون الشعب الثائر، حليفهما المزعوم، وأحجمتا عن فعل أي شيءٍ لحماية أطفاله ونسائه من السلاح الكيميائي، حتى بعد خط أوباما الأحمر، وتهديده شخصيا باستخدام القوة ضد الأسدية، إن أقدمت على قصف السوريين به. وعندما قصفته، وضربت عرض الحائط بالتهديد، لم يعاقبها. وقبل أن تفتش لجنة الأمم المتحدة المواقع التي يسمح الأسد بتفتيشها من دون غيرها، وحين تبين أنه لم يسلم كل ما لديه من اسلحة كيميائية، امتنعت واشنطن عن تطبيق البند السابع من قرار مجلس الآمن عن نزعها منه. أهكذا عودتنا واشنطن وتل أبيب أن تتآمرا، وكيف تتآمران إن وقفتا مكتوفتي الأيدي فيما بعد، بينما الأسدية تتسلّى باستخدام اسلحتها المحظورة دوليا؟
هل كان من المؤامرة تأييد أميركا وإسرائيل دخول حزب الله، ثم روسيا، إلى سورية لسحق ثورتها وإنقاذ الأسد، وكيف يفسر امتناعهما عن ممارسة أي رد فعل عليهما، لو كانا يتآمران حقا على النظام الأسدي؟
سأفترض أن واشنطن نأت بجيشها عن المؤامرة، لماذا امتنعت عن تزويد المعارضة المتآمرة معها بصواريخ مضادّة للطائرات، وعن فرض منطقة حظر جوي يحمي ما احتله حليفها السوري المتآمر عام 2013، ويعادل ثلثي الأرض السورية، تركها المتآمران الدوليان تسقط في يد إيران وحزب الله وروسيا: الأطراف التي كانت تحبط مؤامرتها؟ أخيرا، إن كانت واشنطن متآمرة على الأسد، بماذا يفسّر إحجامها عن تطبيق قرارات دولية داعمة لشريكها السوري في المؤامرة، وكان تطبيقها يحقق أهدافها؟
تقوم أكذوبة المؤامرة الأسدية/ الروسية على سذاجةٍ تدّعي أن الجيش الأسدي الذي يرى جنرالات روسيا أنه يصلح للتشبيح والتعفيش، ولا يصلح لتحقيق انتصار، هزم أميركا وإسرائيل والشعب السوري، بمجرّد أن دعمته موسكو بقرابة أربعين طائرة، وغزا الحرس الثوري ما يدّعي أنها بلاده. إذا كان هذا هو ما حدث حقا، أين كانت المؤامرة، وكيف سمحت أميركا للمعفشين والمشبحين بهزيمتها، وكيف تشبّح إسرائيل ليلا ونهارا فوق سورية، إن كان جيش التعفيش قد أفشل مؤامرتها؟
ينطلي هذا الكذب على قلةٍ مسحت الأسدية عقولها، ويسخر منه شعب الثورة!
العربي الجديد
———————————-
الأسد راغب.. إسرائيل تمانع/ عمر قدور
مرّ عابراً الخبر الذي أوردته قناة الحدث/العربية عن وفد إسرائيلي في قاعدة حميميم التقى بوفد أسدي، ليكون الثاني بعد لقاء أول في قبرص برعاية روسية، حسب مصادر القناة التي أوردت النبأ. لا القناة التلفزيونية أرادت بإيراده وصم سلطة الأسد، وليس بين متابعيها من سيُدهش حقاً من وجود قنوات سرية بين الجانبين، رغم النشاط البارز الذي تسجّله القناة الإسرائيلية المعلنة بقصف أهداف إيرانية-أسدية متى شاءت.
الرعاية الروسية ضرورة لبشار الواقع تحت خطاب إيراني يتوعد تل أبيب، فهي تنجيه من الحرج ليبدو تحت الضغط الروسي مضطراً لقبول انعقاد اللقاءات، حيث يتصدر المطالب الإسرائيلية بند إبعاد القوات والميليشيات الإيرانية. وفي مثل هذه اللقاءات لا ينفع ما يُحكى في الإعلام عن وجود مستشارين إيرانيين فقط، لأن الوفد الإسرائيلي يأتي وفي حوزته وثائق فيها من المعلومات ما قد يفوق معلومات الوفد الأسدي، من دون أن يستند حتى إلى إعلان الإيرانيين عن إنشاء قاسم سليماني عشرات الميليشيات في سوريا.
موسكو لم تكن قادرة على تلبية المطالب الإسرائيلية بإبعاد ميليشيات إيران، لذا لن تتوهم إسرائيل قدرة بشار على ذلك. المفاوضات، على الأرجح باقتراح روسي، تتعلق بالمستقبل. الصفقة التي يريدها بشار وموسكو هي القبول بمبدأ انسحاب الميليشيات الإيرانية ضمن تسوية نهائية تنسحب فيها الأطراف الأخرى أيضاً، ويبقى فيها في السلطة. بينما تتولى تل أبيب تسويق بقائه لدى الإدارة الأمريكية، وبما يتضمن تخفيف الحصار عليه، ربما بدءاً من المقاطعة العربية بشقها الخليجي تحديداً.
لقد سعت موسكو من قبل إلى مفاوضات بين بشار والرياض وبينه وبين أنقرة، في سعيها إلى كسر الحصار الخانق المفروض عليه، وقبل ذلك في سعيها لترسيخ دورها كقوة دولية ترعى تفاهمات إقليمية بمعزل عن واشنطن. ما يُنتظر من المفاوضات مع تل أبيب له أهمية لارتباطها الوثيق بواشنطن، إلا أنه لا يندرج ضمن مخطط إدارة ترامب للتطبيع بين إسرائيل والسلطات العربية، فالتطبيع بين إسرائيل والأسد ليس استحقاقاً أمام الطرفين، إنه وراءهما.
لننسَ تلك الصورة القديمة عن إسرائيل المتلهفة للتطبيع مع محيطها العربي؛ فكرة التطبيع بمعناها القديم المنطوي على علاقات طبيعية بين الشعوب غير مطروحة في الأمد المنظور، أما التطبيع مع السلطات فهو قائم بدرجات متفاوتة، بقي بعضه القليل جداً سري بعد الكشف عن البعض والتلميح بآخرين على لائحة الانتظار. سوريا ليست ضمن اللائحة، ولن تكون.
يُفترض بإسرائيل دفع ثمن من أجل التطبيع مع سلطة الأسد، أو مع أي سلطة تحل مكانها. الثمن المتعارف عليه كبديهية هو الجولان، وكان القرار الإسرائيلي بضمه قد صدر قبل أربعة عقود، ما يدل على الرغبة في الاحتفاظ به بخلاف أراضٍ عربية أخرى أُبقيت للتفاوض. إذا صحت المعلومات المتداولة عن المفاوضات السورية-الإسرائيلية التي أعقبت مؤتمر مدريد، أهدر حافظ الأسد في المفاوضات مع رابين آخر فرصة لاستعادة الجولان تحت ضغط انشغاله بتوريث الحكم.
من المرجح أن بشار الأسد راغب في العودة إلى تلك المفاوضات، ليقبل بما كان معروضاً على أبيه، إلا أن إسرائيل هي التي تمانع لأنها لن تدفع ذلك الثمن. بخلاف الاسم المجازي المستخدم “حلف الممانعة”، تل أبيب هي عملياً في موقع القوي الممتنع عن دفع ثمن لا توجد في الطرف الآخر قوة تفرض دفعه، والامتناع هنا حقيقي وواقعي لا على غرار ممانعة أولئك الراغبين في الطرف الآخر، وينحصر اهتمامهم باستخدام العداء لإسرائيل غطاء لقمع الشعوب.
بشار تجاوز بمراحل تلك الحاجة القديمة إلى شعار معاداة إسرائيل، فلا أحد من مواليه أو خصومه تنطلي عليه الكذبة القديمة، والمجازر التي ارتكبها تهون أمامها أية علاقة بإسرائيل، بل يهون أمامها إعلان التخلي نهائياً عن المطالبة بالجولان. بسبب ما ارتكبه من مجازر، لن يحلم بشار بسلام مع إسرائيل، ويُستقبل بسببه كضيف استثنائي في تل أبيب. فوق عدم استعداد تل أبيب للتفاوض على الجولان، هناك كثر في إسرائيل لا يريدون علاقة دافئة وتطبيعاً مع سفاح وصاحب محرقة جثث تذكّر بالمحرقة النازية، بالطبع مع ابتزازه للحصول على ما يمكن من مكاسب تتعلق بصراعات النفوذ في سوريا والمنطقة.
في أية مفاوضات حالية بين بشار وإسرائيل، لن تكون القاعدة الذهبية القديمة حاضرة، أي “الجولان مقابل سوريا”. الجولان هو في حوزة إسرائيل مسبقاً، ولا تحتاج تنازلاً عنه. التفاوض صار على سوريا نفسها التي يود بشار استعادة ما يُتاح له منها، وثمة دلالة بليغة جداً في قدوم وفد إسرائيلي إلى حميميم، أي إلى أرض سورية، فلا تبقى المفاوضات في مكان محايد. أن يسرح الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية ويقصف على هواه، وفي الوقت نفسه يُستقبل وفد في الأراضي السورية؛ هذه صورة معبّرة عن طبيعة المفاوضات بين الجانبين.
وأن يتطلب بقاء بشار رضا إسرائيلياً، هذا صار من البديهيات أيضاً، ورضا إسرائيل لا يتعلق بكونه وديعة لديها من أبيه. ضمن الظروف الحالية، من المستبعد حصول أي تغيير في سوريا ما لم يكن بموافقة تل أبيب كلاعب مؤثر في الساحة السورية. فقط ما كان خفياً من قبل أصبح فاقعاً. معضلة بشار أنه راغب في إرضاء إسرائيل، مثلما هو راغب في رشوة جميع اللاعبين في سوريا، لكن قدرته على إرضاء الجميع محدودة بخلافاتهم وتضارب مصالحهم، ومحدودة في المدى القريب بمحاولة أولئك اللاعبين النفاذ إلى إدارة بايدن والتأثير في توجهاتها. في انتظار جلاء الصورة في واشنطن، لا بأس إذا فاوضت تل أبيب بناء على سمعتها المعهودة كصانع قرار هناك، أي إذا فاوضت بناء على ما لا تملك بعد، ففي المقابل منها “في حميميم” هناك من يفاوضها على ما لا يملك أيضاً.
المدن
——————————
الأسد بين جويل ريبورن وسيرغي لافروف/ بشير البكر
بشرّنا المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جويل ريبورن بإمكانية انهيار النظام السوري. وقال في مقابلة على قناة الحرة قبل أن يستقيل من منصبه مطلع هذا الأسبوع “لا يجب أن يتفاجأ الجميع إذا بدأ النظام السوري بالانهيار بسرعة.. قدرته على الاستمرار أصبحت أضعف”. لم يجزم المسؤول الأميركي، لكنه لا يتكلم من فراغ، فهو على اطلاع على الملف السوري بحكم موقعه منذ عام 2018 كمساعد للمبعوث السابق جيمس جيفري الذي ذهب إلى التقاعد منذ حوالي شهرين. ومن اللافت جدا أنه قدم جردة صريحة عن الموقف في سوريا، وسبقه إلى هذا جيفري بعد أن ترك منصبه، حيث أدلى بحديث إلى موقع المونيتور لم يترك فيه جانبا غامضا في المسألة السورية.
عادة، يتحدث المسؤولون الأميركيون بقليل من الصراحة حين يتحللون من ثقل المسؤولية ويغادرون مناصبهم، وما فعله جيفري وريبورن هو أنهما ذهبا بعيدا في الصراحة حتى إنهما تجاوزا خطوط الديبلوماسية. وحين يقول ريبونرن إن “النظام السوري بدأ يتعامل من ابن بشار الأسد كولي للعهد، كما تحولت زوجته أسماء من رمز للموضة إلى ما يشبه زعيمة المافيا هي وعائلتها”، فإنه بذلك لا يطلق تقييما دبلوماسيا أو يرد على سؤال صحفي، بل هو يقول ما يتردد على ألسنة السوريين الذين شردهم هذا النظام ودمر بيوتهم وصادر أرزاقهم. كلام ريبورن ليس تشخيصا للحال، بقدر ما هو عزاء وتعاطف مع الشعب السوري الذي تخلى عنه المجتمع الدولي.
قليلا من الأمل بانهيار سريع للنظام السوري لا يضر، بل هو مطلوب لملايين السوريين الذين صار مستقبلهم مرتبطا برحيل هذا النظام الضالع بالجرائم ضد الإنسانية، وصار ثابتا أن لا أحد من السوريين الذين غادروا سوريا أو لجؤوا إلى مناطق أخرى في الداخل، لديه استعداد أن يرجع إلى بيته إلا إذا رحل هذا النظام الذي لم يترك جريمة إلا وارتكبها. وإذا نظرنا إلى سكان المخيمات في دول الجوار وداخل سوريا، سنجد أن هناك إجماعا على قبول أقسى الظروف، مقابل رفض قاطع للعودة والحياة في ظل نظام الأسد.
وأمام رؤيا ريبورن التي قد تبدو حالمة، ولكنها مشروعة، هناك البروباغندا والدعاية لإعادة تأهيل النظام. هذا ما ينشره الروس كل يوم على ألسنة ديبلوماسييهم الذين يقودهم محترف التزوير وزير الخارجية سيرغي لافروف، الرجل الذي تطوع منذ بداية الثورة السورية للدفاع عن نظام الأسد، وصرف هذا المتعهد خلال عشر سنوات 50 % من جهده الدبلوماسي على الدفاع عن الأسد. وهذا أمر ليس بغريب من نظام استثمر في الأسد بلا حدود. صرف عدة مليارات من الدولارات لتعزيز اقتصاده المنهار، وهو ينشر جيشه على امتداد الجغرافيا السورية. كل هذا سيتبخر في اللحظة التي سيغادر فيها الأسد الحكم، ولن تخسر روسيا فقط رصيدها الراهن في سوريا، بل كذلك المستقبلي، ولن يتخلى السوريون عن مقاضاتها أمام المحاكم الدولية، بوصفها مسؤولة مباشرة عن كل الدمار الذي حصل في سوريا منذ تدخلها العسكري في أيلول 2015. وتذهب موسكو اليوم في الإعداد لانتخابات رئاسية في سوريا في منتصف هذا العام من أجل التمديد للأسد في ولاية رئاسية جديدة، وهي تتحدى بذلك إرادة السوريين، وتقفز فوق اللجنة الدستورية والقرار 2254. ومن المفروض أن تجري الانتخابات المرتقبة وفق دستور جديد وعلى أساس القرار 2254.
وفي وقت تسود سوريا حالة من اللاحرب حاليا، فإن ذلك لا يعدو أن يكون استراحة بين جولتين تعطي فيها موسكو الأولوية لمعركة الانتخابات الرئاسية، والتي ستكون محطة مفصلية في القضية السورية.
تلفزيون سوريا
—————————
ديكورات انتخابات الأسد/ عبسي سميسم
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي قرّر النظام السوري إجراءها بعيداً عن أي حل سياسي في البلاد، بدأت تظهر بعض الشخصيات التي تدّعي ترشيح نفسها كمنافس لبشار الأسد في الانتخابات المزمع إقامتها منتصف العام الحالي، على غرار ما حصل في الانتخابات الماضية التي جرت بالطريقة ذاتها. يومها ترشح إلى جانب رئيس النظام بشار الأسد ثلاثة مرشحين كانوا عبارة عن مجرد دمى. وكان من الواضح من خلال أدائهم خلال ما اعتُبرت حملة انتخابية أنهم ليسوا سوى ديكور قامت الأجهزة الأمنية بصناعته من أجل إعطاء الانتخابات شكلاً تنافسياً. إلا أن هؤلاء “الأراغوزات” في الحملة الماضية لم يتمكنوا حتى من أداء دورهم بالشكل الأمثل، إذ بدأوا بالتسويق لمنافسهم الأسد أكثر من أنفسهم.
اليوم، يخرج سوري مقيم في فرنسا يدعى محمد عزت بخطاب للتسويق لنفسه كمرشح منافس لبشار الأسد في الانتخابات، لكنه يتميز عن باقي المرشحين بأنه بدأ الإعلان عن ترشيحه بشكل مخالف للدستور الذي يشترط على المرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون مقيماً لعشر سنوات متواصلة في سورية قبل تقديمه طلب الترشح. هذا الأمر يؤشر على أن النظام سيتحفنا خلال الفترة المقبلة التي تسبق الانتخابات بعدد من الشخصيات غير المعروفة التي ستأخذ أدوار المنافسين لرئيس النظام والتي ستبدأ بالتطبيل لـ”العرس الديمقراطي” الذي ستشهده البلاد، والذي سينتهي بتتويج الأسد رئيساً لولاية جديدة.
ولكن بعيداً عن “أراغوزات” اللعبة الانتخابية وديكوراتها وإجراءاتها العملية على الأرض، يُلاحظ أن هذه الانتخابات قد جوبهت بدعوات غربية لعدم الاعتراف بشرعيتها من قبل بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وفرنسا، بالإضافة للولايات المتحدة الأميركية. إلا أن تلك الدعوات لا تزال في إطار المواقف غير المؤثرة على سير الانتخابات التي يخطط لها النظام بدعم من روسيا، الأمر الذي يطرح تساؤلاً كبيراً حول جدية المجتمع الدولي في وقف مهزلة الانتخابات وإجبار النظام على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وهل ستتطور تلك المواقف في فترة ما قبل الانتخابات لردع النظام عن إكمالها، أم أنها ستبقى في إطار المواقف الكلامية التي ستسمح بتمرير انتخاب الأسد لولاية جديدة كأمر واقع، ومن ثم ستطلق التصريحات التي لا تعترف بها؟
العربي الجديد
—————————–
ما لم ينتظره أصدقاء النظام السوري/ فاطمة ياسين
شهدت الحرب في سورية طوال السنوات الماضية منحنياتٍ حاسمة، وباتجاهات متضاربة، عكست قوة التأثير الخارجي، فتحوّلت الثورة العفوية إلى تنظيماتٍ متفرّقة ساهم النظام بتقطيع أوصالها، وصارت المناطق التي خرج منها النظام مساحاتٍ شاسعة، تخللتها جزر شكلت حواجز للنظام بين مناطق المعارضة. في تلك الفترة، ظن كثيرون أن سقوط النظام قد أصبح واقعا قريبا، ولكن التوازنات الدولية أتاحت لروسيا التدخل بتدرّج مدروس وموجه، فساندت النظام في وصوله إلى الوضع الحالي، مع شبه استقرارٍ في السيطرة الجغرافية للنظام على المناطق الساحلية والجنوبية حتى نهر الفرات الذي شكل حاجزا طبيعيا مع القوات الكردية. وفي الشمال، احتفظت تركيا بمنطقة جغرافية واسعة من جرابلس حتى عفرين، وبعمق كاف، مع محافظة إدلب.. كان النظام، ومن خلفه روسيا، يرغب بضم هذه المنطقة له أيضا، ولكن التوازنات أجّلت المشروع، وربما ألغي، أو تم الاحتفاظ به حتى نضوج الصفقة الجديدة.
أدارت روسيا الحرب منذ لحظة دخولها الأرض السورية، واستخدمت إيران في أوقات الحاجة، وأظهرت نفسا طويلا في التعامل مع القضية، وهي تنظر إلى لحظةٍ تتوقف فيها الحرب، ولكن ما استطاع النظام تجنبه أو التخفيف منه طوال سنوات الحرب ظهر في الفترة الأخيرة بأقسى صورة، من دون أن يتمكّن الروس أو الإيرانيون من فعل شيء، فتقوّضت كل إجراءات النظام الاقتصادية وانهارت موارده أو انعدمت بشكل كامل، وطفا العجز على السطح من دون أي أفق للحل، وظهر الارتباك على وجه مسؤولي النظام وهم يقدّمون تصريحاتٍ مضطربةٍ، زادت من نقمة الشارع الذي تدنت قدرته على الشراء إلى مستوىً لم يكن متوقعا. وفي اللحظة التي توقع فيها الروس أن عائدا اقتصاديا سيبدأ بالتدفق مع توقف الحرب، حدث العكس، فقد غرق النظام اقتصاديا، وهو قابع في قواعده العسكرية في حميميم أو طرطوس، ولم يعد لديه إلا الانتظار مع خيبة الأمل.
تمهيدا للحظة جني الأرباح، عقد الروس والإيرانيون معاهداتٍ اقتصادية طويلة الأمد مع بشار الأسد الذي كان سعيدا بالتوقيع، وهو يعرف أن ثمن توقيعه سيكون مزيدا من العون العسكري. وتنظر كل من روسيا وإيران إلى أفق واسع من الريع الوفير الذي سيأتي مع بداية الإعمار، فوقعت وزارة الطاقة الروسية عقودا طويلة الأمد لاستثمار مناجم الفوسفات في خنيفيس، وعقودا أخرى للاستثمار في بناء السكك الحديدية ومحطّات الطاقة، وركّزت أكثر على مصانع الإسمنت التي ستنتعش بقوة عند بدء عمليات البناء.
وبدا الجانب الإيراني مهتما بشبكات الهاتف المحمول والاتصالات. وأبدت الصين اهتماما بالسوق السورية، وبدأت بالتحضير للهجوم على القطاع الذي تفضله وهو النقل، ضمن مشروع إقليمي وعالمي كبير تخطّط له الصين تحت اسم الحزام والطريق، تبني فيه طرقا سريعة وجسورا مربوطة بعضها بعضها الآخر، تشغلها الصين وتتكفل بكل نفقاتها. وعلى الرغم من ماضي روسيا والصين الشيوعي، إلا أنهما ما زالتا تفكّران بالربح، لكن رأس المال يبحث عن أرضٍ مستقرّة يستثمر فيها، وهذا غير متوفر في سورية، فعلى الرغم من انخفاض حدّة الحرب، إلا أن الاستقرار السياسي ما زال بعيدا، ما جعل أحلام الاستثمار والثروة تتبخّر.
وبعد تردّد ترامب في سحب قواته، من المتوقع أن يستمر الوجود الأميركي مدة، بما يعني الإبقاء على معدلات التوتر، كما أن التمسّك الإيراني بالجبهة السورية، وتمسّك النظام بإيران، على الرغم من التباس الموقف الروسي من هذا التمسّك، يجعل الفضاء السوري مشرعا لهجماتٍ مستمرّة ضد إيران. وهناك محاولات النظام السيطرة على منطقة إدلب الواقعة تحت سيطرة قوات معارضة قوية مدعومة من تركيا، تمنع أميركا النظام من الاقتراب منها، كل هذا التوتر، مع تمسّك النظام ببقائه في السلطة، يجعل الوضع الاقتصادي مرشّحا للانحدار بشكل أكبر وأكثر خطورة، والوقت الذي يمضي يزيد الخناق الاقتصادي على رقبة النظام الذي لن تنقذه تمثيلية هزيلة لإعادة انتخاب بشار.
العربي الجديد
—————————–
————————————–
أفقرُ السوريين في مناطق الأسد.. لماذا؟/ إياد الجعفري
تداولت صفحات محلية سورية، في اليومين الأخيرين، مقارنةً بين متوسط الأجور الشهرية في المناطق السورية الثلاث المُقسّمة في الداخل، حسب تبعية السلطات التي تسيطر عليها.
ورغم أن المنشورات التي تناولت تلك المقارنة اعتمدت أرقاماً غير دقيقة، أو تناولت شرائح محددة من أصحاب الدخول، إلا أن فكرة المقارنة ذاتها، كانت دقيقة، وربما هي مفارقة لا يدركها الكثيرون في سوريا، وهي أن أدنى الأجور نجدها في مناطق سيطرة نظام الأسد. وبالمقارنة مع تكاليف المعيشة في المناطق الثلاث، مناطق سيطرة نظام الأسد التي تشمل أكثر من 60% من الجغرافيا السورية، ومنطقة “شرق الفرات” التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية”، ومنطقة شمال غرب سوريا (ريف حلب الشمالي، وإدلب) التي تسيطر عليها فصائل جهادية أو معارضة وسط نفوذ تركي كبير، فإن أدنى مستوى معيشة للسوريين في الداخل، نجده في مناطق سيطرة نظام الأسد، الذي من المُفترض أنه يتمتع بمؤسسات “دولة” مستقرة نسبياً، مقارنة بحالة الفوضى المؤسساتية التي تعيشها المناطق الأخرى.
وبعيداً عن الأرقام التي تداولتها تلك الصفحات، نجد بالاستناد إلى تقارير ميدانية متقاطعة، رصدت الواقع المعيشي للسوريين على مدار العام 2020، أن الفارق بين متوسط الأجور في مناطق سيطرة النظام، وبين نظيره في منطقتي “شرق الفرات” و”شمال غرب سوريا”، يصل إلى الضعف.
إذ يبدأ الحد الأدنى للأجور، على مستوى عمال اليوميين، في مناطق سيطرة النظام، من وسطي 20 دولار شهرياً. ويرتفع مع فئة الموظفين إلى 30 ومن ثم 40 دولار شهرياً. ليصل في أقصى حدوده في فئة موظفي القطاع الخاص إلى 70 دولار شهرياً. والرقم الأخير يشكل فقط 67% من الحد الأدنى للكفاف، لعائلة من 5 أشخاص في مناطق سيطرة النظام.
فيما يبدأ الحد الأدنى للأجور في إدلب وفي القامشلي كمثالين عن منطقتي “شمال غرب سوريا”، و”شرق الفرات”، من 40 دولار شهرياً، ليرتفع إلى 60 دولار وفي أقصى الحدود إلى 150 دولار. وفي بعض الحالات المحدودة، يصل الأجر الشهري إلى 1000 أو 1500 دولار لموظفي المنظمات الإغاثية الدولية.
يتضح من هذه الأرقام، أن متوسط الأجور في إدلب وشرق الفرات، أعلى بمعدل الضعف، مقارنة بنظيره في مناطق سيطرة النظام. وهذا الفارق لا ينفي حقيقة أن كل السوريين في الداخل يعيشون حالة فقر أو يقتربون منها، وفق آخر تقرير صادر عن وكالات تتبع للأمم المتحدة في حزيران 2020، والذي يقول إن 90% من سوريي الداخل باتوا تحت خط الفقر البالغ دولارين يومياً.
لكن كان اللافت في بيانات الأمم المتحدة تلك، الإشارة إلى أن العدد الأكبر من المحتاجين للمساعدات يوجدون في حلب ومن ثم ريف دمشق، أي مناطق خاضعة لسيطرة النظام. ومن ثم يأتي على القائمة أولئك الموجودون في إدلب.
تلك المفارقة، حيث لا قصف أو براميل متفجرة، نجد أفقر السوريين، فيما نجد أوضاع نظرائهم في مناطق مستهدفة عسكرياً بشكل دوري، أفضل نسبياً، تطرح تساؤلاً حول سبب ذلك. فالنتيجة الأولية التي تقودنا إليها تلك المفارقة، هي أن الإدارة الاقتصادية من جانب نظام الأسد، هي الأسوأ مقارنة بتلك الإدارات الاقتصادية القائمة في شمال غرب سوريا، و”شرق الفرات”.
وهنا، يجب الإشارة إلى أن هذه المفارقة، لا تنفي سوء الإدارة الاقتصادية من جانب سلطات الأمر الواقع في “شمال غرب سوريا”، وفي “شرق الفرات”، حيث تتضح جلياً مظاهر الفشل المؤسساتي، والفساد والمحسوبية، وتغول السلطات على مصادر الرزق، وموارد الخاضعين لسلطتها. إلا أن المقارنة في “سوريا الداخل”، تبدو بين سيء وأسوأ. وفي هذه المقارنة، فإن إدارة نظام الأسد هي الأسوأ.
أما ما أسباب الوصول إلى هذه المفارقة؟ فالإجابة تتعلق بمدى تدخل سلطات الأمر الواقع في حياة السوريين الاقتصادية، وتحكمها بموارد الرزق واحتكاره لصالح المحسوبين عليها، في المناطق الثلاث آنفة الذكر؟ إذ يمكن من خلال الرصد والمتابعة لحياة السوريين الاقتصادية، في المناطق الثلاث، أن يتضح لنا بصورة جليّة، أن هامش حرية النشاط الاقتصادي، في مناطق “شمال غرب سوريا” و”شرق الفرات”، أوسع من ذلك الهامش المتاح في مناطق سيطرة النظام، الذي يتحكم بكل مفاصل حياة السوريين الاقتصادية، ولا يترك أي نشاط أو مصدر رزق أو مورد، من دون أن يحتكره لصالح المتنفذين المحسوبين عليه.
ويكفي أن نذكر كمؤشر لذلك، قضية “دولار الحوالات”، التي تشكل مصدر الحياة الرئيس لفئة واسعة من السوريين في الداخل، والذي يصرّ نظام الأسد منذ أكثر من 8 سنوات، على تحديده بأقل من نصف سعر الدولار في السوق السوداء، حيث يخسر أي سوريّ يتلقى حوالته بالطرق النظامية، نصف قيمة ما يصله من مساعدة من أقاربه المغتربين في الخارج، لصالح خزينة المصرف المركزي، أو لصالح مكاتب وشركات صرافة، تتبع في جلّها لمتنفذين محسوبين على النظام. وفيما يحدد نظام الأسد “دولار الحوالات”، في الوقت الراهن بـ 1250 ليرة للدولار الواحد، يتراوح “دولار السوق السوداء” ما بين 2870 و2900 ليرة. في هذه الأثناء، يتلقى السوريون في شمال غرب سوريا وشرق الفرات، حوالاتهم من الخارج، بأسعار قريبة جداً من سعر السوق السوداء. وهذا أحد العوامل الرئيسة، في فروق مستوى المعيشة بين هاتين المنطقتين من جهة، وبين مناطق سيطرة نظام الأسد، من جهة ثانية. من دون أن ننسى الإشارة إلى عامل آخر، يتمثل في انتهاج النظام سياسة انتقامية من سكان مناطق المصالحات معه، كمثال في ريف دمشق ودرعا، حيث نجد أكثر الفئات حاجةً للمساعدة، وأكثرهم اضطهاداً على صعيد تضييق سبل تحصيل الرزق.
المدن
—————————–
=======================
تحديث 18 كانون الثاني 2021
——————————
الأسدية المهزومة وانتصار أو هزيمة الثورات/ غسان المفلح
هزيمة الثورة لا تعني انتصاراً للأسدية المحلية أو الإقليمية أو الدولية. هزيمة الثورة لا تعني أيضاً أنّ المعارضة هزمت أو انتصرت، بداية لابد لنا من العودة، قليلاً وسريعاً، لتاريخ الثورات في العالم، الثورة هي لحظة انبثاق من حاضر موجع، هي نزول البشر إلى الشارع احتجاجاً، وطلباً للتغيير، تغيير حاضر يمتاز بقمع السلطة ونهبها للناس من جهة، وقلّة الكرامة والتمييز والفقر أحياناً.
بعيداً عن كلام الآيديولوجيات وتنميطات اليوتوبيا الثورية وشعاراتها، يجب البحث في تفاصيل كل ثورة هزمت أو انتصرت على حدا، الثورة هي البشر الذين ضاقت بهم السبل في هذا الحاضر، حيث لا أفق لمستقبل ممكن في ظلّ وجود هذه الماكينة السلطوية الغاشمة، الثورة الفرنسية التي هزمت تحوّلت لاحقاً إلى دليل لبقية الشعوب، استمرّت هزيمتها عقود طويلة من الزمن، لكن هذه العقود لم تستطع تجاوز ما نتج عن قيام هذه الثورة من متغيرات، في تفاصيل الثورات هنالك قضية يجري تجاوزها، وإبقاء الحديث عنها عابراً، وهي قضية الجيش ودوره في هذه الثورات، الثورة الصينية والروسية وغيرها، حتى الثورات السلمية التي نجحت كان هنالك دور للجيش فيها، ربما تفاصيل أخرى كثيرة بحاجة أن نعود إليها بما لا يتّسع لها المجال هنا، منها مثلاً دور العامل الإقليمي والدولي في هذه الثورات، خاصة ثورات القرن العشرين وما بعده.
في نقاش قديم قبل عقود مع رفاق وأصدقاء، كان رأيي أنّ الجيش السوري لا يمكن أن يقف مع الثورة مهما كانت مثاليّة، لأنّ جيش بناه الأسد الأب كجيش طائفي، العقيدة فيه للأسدية الطائفيّة وليس للبعث أو لسوريا، تالياً سيقف هذا الجيش مع الأسد مهما كانت طبيعة الاحتجاجات ضده، هو عدو للشعب وموالٍ طائفي للأسد.
الثورة السورية كشفت دور الجيش، إلى درجة لم يعد ينفع معها أي عملية تجميل، بات مؤسسة طائفية عارية، لم يعد مهماً الآن الحديث عن تكوين الجيش، المهم أنّ دوره في مواجهة الثورة كان دور القاتل والناهب والطائفي، عانت القوى الديمقراطية واليسارية من أمرين: الأول، لم تستطع اختراق المجتمع. الثاني، لم تستطع اختراق الجيش أثناء عملها السرّي أو نصف العلني لدى بعضها بقي الجيش ووفقاً لتكوينه أسدياً طائفياً.
دوائر الولاء منضدة بطريقة يصعب اختراقها، خاصة في الكتلة الصلدة للجيش، هذا لا علاقة له بشعارات الثورة وأهدافها لا علاقة له بسلميتها أو عسكرتها، لا علاقة له بقيادتها، سواء كانت حزب عمل شيوعي أو إخوان مسلمين، لا علاقة له سواء كان الحراك كردياً أو عربياً، سواء كان مدنياً أو طائفياً، الجيش بوصفه أداة قمع داخلية فقط، متمركز ومرتشٍ ومرهب ومرغب، حول شخصية الأسد بوصفه كقائد طائفي أولاً، فيما بعد تأتي مزاياه القيادية الأخرى، هكذا هو تعامل مع الطائفة، وهكذا هي بالمقابل تعاملت معه، عبر قناة الجيش وأجهزة الأمن.
هل كان ممكناً اختراق هذا التأسيس بثورة سلمية أو مسلحة؟ هذا كلام سياسي وليس طائفي، كلام يتعامل مع الوقائع الرابضة على الأرض، هذا ما أكدته أيضاً حجم الانشقاقات التي حدثت في هذا الجيش بعيد انطلاق الثورة، حيث كشفت هذه الانشقافات عن البنية الداخلية للجيش، على الفاعل الأمني والقيادي فيه، من جيش مفترض أنّه بعثي عقائدياً إلى جيش عقائدي عقيدته الأسد الطائفي، لم ترفع شعارات البعث بوجه المتظاهرين أثناء رميهم بالرصاص الحي، بل كانت ترفع شعارات تخصّ الأسد والأسدية حصراً، ومتمحورة حول “الأسد أو نحرق البلد”، هل هذا شعار بعثي؟ الأسدية بوصفها حالة كثّفت الطائفة كلها.
باتت الأسدية تشكّل وعي الطائفة لذاتها عبرها بوصفها سيدة البلد عبر الأسد، هذه السيرورة تمّت ترهيباً وترغيباً، وليس عبر تمثيل مؤسسي للطائفة، لهذا يمكننا القول في هذا السياق الأسدية تمتلك السيادة أيضاً على طائفيتها، بالعودة لهذه الانشقاقات إنما تم رفع الغطاء نهائياً عن أية صفة لا طائفيّة يمكن أن تطلق على هذا الجيش (الميليشيا)، كما أنّه عندما لم يستطع لوحده قتل السوريين وثورتهم لجأ إلى محتلّين من كل حدب وصوب، وكان بالمقابل مشغولاً بنهب أرزاق الناس، وهذه العادة أسّسها في سوريا المعاصرة حافظ الأسد، منذ انتفاضة الثمانينيات من القرن الماضي، قبلها أيضاً عندما احتلّ لبنان، بدأ احتلاله بنهب بيوت الناس هناك، استقدم حزب الله وإيران وروسيا كشركاء، ساوم داعش وأمريكا وتركيا، عقد اتفاقيات متعددة مع المحتلين، من يريد احتلالنا عليه التنسيق معنا، كما صرّح أكثر من مسؤول أسدي بهذا المعنى.
عن أي انتصار يتحدّثون؟ نستطيع القول ببساطة 35%، الأغنى من مساحة سوريا، خارج سيطرة الأسد والروس وإيران، والباقي يتشارك الأسد السيطرة فيه مع الروس وإيران.. ما هو الفارق بين سورية الأسد، عام 2011، قبل الثورة، حيث لا يشاركه السيطرة عليها أحد، وبينها الآن؟ هذا كله ليس مهماً، المهم هو عدم انتصار المعارضة، عدم تحقيق مطلب الناس في الحرية والكرامة، هذه هي انتصارات الأسدية منذ تأسيسها وحتّى الآن.
ليفانت – غسان المفلح
—————————————
الأسد متجاوزاً المجتمع الدولي/ سميرة المسالمة
إرادة المجتمع الدولي جزء من ماضٍ تجاوزه نظام الأسد، ووضع لها بدائل ومحدّدات وشروطا. ويدرك المجتمع الذي صدّر عشرات القرارات “الهشّة”، من دون القدرة على تنفيذها، أنه حاصر نفسه، بدل أن يحاصر الأسد بوصفه نظاما ديكتاتوريا، ما جعل تلك القرارات تسكن أدراج الأمم المتحدة، وتمنح الأسد مساحةً جديدة للانقضاض على السوريين، ومتابعة سياسة التجويع تحت غطاء العقوبات الدولية، وهو الأمر الذي مارسه المجتمع الدولي نفسه على أنظمة ديكتاتورية عديدة، ومنها إيران، حيث منحت تلك القرارات غير الفاعلة الأنظمة القدرة على الاستمرار والمتابعة في قهر شعوبهم وإذلالها، ما يضعنا أمام تساؤلٍ عن السبب الذي يدعو إلى اتباع السياسات الفاشلة نفسها في معاقبة الأنظمة الديكتاتورية، بل يأخذنا إلى السؤال بشأن حقيقة أسبابها في اللجوء إلى قرارات العقوبات على الدول، إذا كانت لا تنتج إلا مزيدا من الديكتاتوريات، وتقلل من فرص النجاة للشعوب؟
مرور عشر سنوات على إمعان النظام السوري في هتك تلك الإرادة، أو ما سميت القرارات الأممية المساندة للثورة السورية منذ عام 2012، والتي تهدف، في مضمونها، إلى نزع شرعيته، وإقامة حكم انتقالي بديل، وإعادة بناء سورية، دستوريا ونظاما وبنية، يؤكّد عدم توفر الجدّية في تنفيذ القرارات، وهي عملية إجرائية روتينية، تتم في أروقة الأمم المتحدة لرفع العتب ليس إلا، وهي على السياق نفسه مع سابقاتها في دولٍ أخرى، منها إيران وعراق صدام حسين وليبيا معمر القذافي، وزيمبابوي روبرت موغابي، وكوبا كاسترو. وعلى الرغم من أن العقوبات حملت أسماء الرؤساء أو الدول، إلا أنها جميعها وجدت طريقها لمحاسبة شعوبهم وإفقارهم، وتمكين أنظمتهم من شدّ وثاق عبوديتهم، ما يعني أن النظام السوري الذي تعامل مع العقوبات بحرفية، ليحوّلها إلى نقمة على شعبه، اعتمد في ذلك على تجارب سابقة لأشباهه، ونجح كما فعلوا في تحقيق النتائج ذاتها، وأكثرها إيلاماً.
وعلى ما تقدّم، يمكن أن نقرأ موقفا جديدا من خلال ما ذهب إليه التقرير البحثي لمركز كارتر الأميركي، بما سماها مساراتٍ ضروريةً لتحقيق التسوية، وضمنا يتحدّث عن تنازلاتٍ مطلوبة من الأطراف السورية، ولعل في مقدمتها التنازل عن تغيير النظام أو محاسبته على جرائمه، لأن المحفزات التي يمنحها المجتمع الدولي نفسه للنظام، فيما إذا ذهب إلى خيار تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، تتضمن الاعتراف به من جديد، والمساعدة في إعادة الإعمار، وهو الملف الأكثر حيويةً للنظام، ولداعميه روسيا وإيران، وضمن ذلك ما يعنيه رفع العقوبات تدريجيا عنه، وإعادة العلاقات الدبلوماسية معه.
ليس على الأسد أن يأخذ القرار 2254، بما يحمله من مضمون إنهاء نظامه، حسب قراءة المعارضة له، وإنما فقط التعامل مع ما ورد في بنود بناء الثقة واستبدال ما سمّي الانتقال السياسي إلى ما “اصطلحه” بحث كارتر الإصلاح السياسي، إضافة إلى شرط واشنطن الأساسي، فيما يتعلق بالملف الكيماوي، والسماح لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالدخول إلى مواقع الإنتاج والتخزين، وكذلك تنفيذ الشرط الرئيسي، وهو إخراج القوات الإيرانية من سورية، وهو تبعاً للمطالب الإسرائيلية، صاحبة الحظ الأوفر حالياً بفرض شروطها على الأرض، وتنفيذ رغباتها بالقوة مرّات (القصف المتكرّر لمواقع النفوذ الإيراني في سورية)، وبالتفاوض مرّة، وفق أنباء عن جولتها التفاوضية الأخيرة مع النظام، وبرعاية روسيا في قاعدة حميميم داخل الأراضي السورية.
يؤكّد البحث أن موافقة النظام على عودة اللاجئين، وهي المرتبطة ببحث ملف المعتقلين ومعرفة مصائرهم ووقف الاعتقال للعائدين، وتوفير البيئة اللازمة لدخول المساعدات للمدنيين والعائدين إلى الوطن، سيمنحه فرصة الوصول إلى المكتسبات السابقة، بينما ترك الباحثون ملف وقف إطلاق النار في إدلب إلى الاتفاق التركي الروسي الذي انعقد في مارس/آذار 2020، معولين على قدرته في إنتاج حوار ينهي الإرهاب الموجود على الأرض، وكأن الولايات المتحدة الأميركية ليست طرفا في سورية. ما يعني أننا أمام قراءة أميركية جديدة للقرار 2254 المبني أساساً على بيان جنيف 1 عام 2012، والذي اعتبر، وفقاً لتصريحات وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بعيد إصدار البيان، أنه يعني اتفاقا على رحيل الأسد من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالية، تملك صلاحيات الرئيس والحكومة وقوى الأمن والجيش، وهو ما نفاه وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف آنذاك، وهو المفهوم الرائج لدى كيانات المعارضة (أو التي تحاول ترويجه لتبرير استمرارها في التفاوض غير المجدي مع النظام)، عند قراءة إنشاء هيئة حكم انتقالية تخوّل سلطات تنفيذية كاملة في القرار، إلا أن تقييد ذلك البند بشرط الموافقة المتبادلة من الطرفين حول القرار إلى مجال لقراءات “مرنة”، يمكن أن تحول دون تنفيذه نهائياً، وهو ما استفاد منه مبعوث الأمم المتحدة السابق، ستيفان دي ميستورا، حين ألغى تراتبية القرار 2254، واعتمد خطة السلال الأربع التي لم يبق منها إلا سلة الدستور المتعثرة.
يقدّم البحث جملة من المسارات التفاوضية، والتي تمرّ جميعها من تحت نفوذ الأسد وتبرّر بقاءه، ولا يتجاهل وجود تنازلاتٍ من الأطراف السورية جميعها، لكن أهم هذه التنازلات تقع على عاتق المعارضة التي عليها أن تقبل بأن يقود الأسد عملية الإصلاح السياسي. وبذلك تنتفي فكرة إنشاء هيئة حكم انتقالية، أو الحديث عن مصير بشار الأسد، وهذا يتطابق تماما مع القراءة الروسية لبيان جنيف 1 والقرار 2254، ما يعني أننا أمام استدارة دولية تبحث عن استقرار ديكتاتوريات المنطقة، لا إنهائها. وفي المقابل، إعادة الاعتراف بالنظام السوري والاستثمار معه في إعادة الإعمار مقابل تنازلات منه بالسماح للسوريين بالعودة إلى ديارهم آمنين من أجهزته الأمنية، ومستسلمين لفشل ثورتهم في إنجاز نظام ديمقراطي تحميه دولة قانون. نعم، لقد تجاوز الأسد إرادة المجتمع الدولي، وربما بسنوات الحرب العشر قادهم من جديد إلى نقطة الصفر، الأسد ولا أحد.
العربي الجديد
———————————–
الأسد الوريث .. بطل 2020/ عدنان عبد الرزاق
لا أعتقد أن هناك منازعًا أو منافسًا لإنجازات بشار الأسد على مستوى العالم هذا العام، فأقرانه بالإنجازات، جرفتهم سيول الربيع العربي، ولم يبق إلا هو متربعاً على كرسي أبيه ونقل السوريين من إنجاز إلى آخر ومن تقدم إلى بحبوحة، حتى بلغت سورية ذيل الترتيب العالمي، ربما بجميع مؤشرات الحرية والتنمية والفقر والبطالة والعيش الآمن.
ولأن الإنجازات أكثر من أن تحصى، سنبدأ من دون تقديم وشرح، لحالة باتت مؤرقة ربما للعالم بأسره، وليس للسوريين والمنطقة فحسب، بعد أن تطاير شرر الحرب السورية لقارات الأرض جميعها، ولم تبق دولة حول العالم، لم تستقبل لاجئاً سوريا أو تعاني أو تستفيد أو تتورط، جراء تبعات حرب الأسد على الثورة وتطلعات السوريين إلى الحرية والكرامة.
البداية من الإنسان، فهو حامل التنمية ويعي الأسد هذه الحقيقة بدليل استغلال كافة إمكانات الطاقة البشرية، فقام بتهجير أكثر من 7 ملايين سوري إلى نحو 44 دولة حول العالم، ليحتل المركز الأول بنسبة من هجرهم إلى لاجئي العالم 8.25%.
وتابع عبر القصف والتدمير لينزح أكثر من 6 ملايين عن منازلهم ويعيشوا بأسوأ مأساة بالعصر الحديث، بعد أن رفع الأشقاء والأصدقاء من أسوار حدودهم ورموهم بخيم العراء، يتلظون على جمر الحرمان وحر الشمس صيفاً وصقيع الوجع في الشتاء.
وحيّد قبل التهجير، عبر القتل والاعتقال والإعاقة، زهاء مليون سوري بالداخل، ليترك من تبقى ضمن مناطق سيطرته، يعانون الفقر والإذلال، بعد ارتفاع الأسعار أكثر من 15 ضعفاً وتراجع سعر الصرف من 50 ليرة مقابل الدولار مطلع 2011 إلى نحو 3 آلاف اليوم، وتثبيت الأجور، لمن تبقى له أجر، عند حدود 60 ألف ليرة، في حين تكاليف معيشة الأسرة السورية 600 ألف ليرة شهرياً.
وبذلك التضييق والحرمان، رفع نظام بشار الأسد نسبة الفقراء داخل سورية إلى نيف وتسعين في المائة، لينال المركز الأول عالمياً، بعد أن تخطى المنافسين بنسبة البطالة التي تزيد عن ثمانين في المائة، فدفع السوريين تحت ضغط الحاجة، إلى التسول وركوب أمواج البحار، بل وانتشار المخدرات والرذيلة، بعد انعدام الأمن الغذائي لنحو 13 مليون سوري وانسداد الأفق من أي أمل يلوح بالمستقبل.
قصارى القول: من الصعوبة البالغة بمكان، إحصاء إنجازات نظام الأسد خلال حربه على السوريين منذ عشر سنوات، فهو من أوصل بلادهم إلى المرتبة قبل الأخيرة بين الدول الأقل أمناً بالعالم بحسب معهد الفكر الدولي للاقتصاد والسلام، ووضع سورية بآخر قائمة الأكثر فساداً بحسب منظمة الشفافية، وأوصل البلاد إلى المرتبة 188 من أصل 195 وفق مؤشر الأمن الصحي، والمرتبة 174 من أصل 180 كأخطر دولة على حرية الصحافة بعد أن تبوأ المركز الأخطر بالمنطقة.
ووصل الإنجاز بأن تخرج سورية بزمن حكم الأسد الابن إلى خارج التصنيف العالمي بجودة التعليم وفق منتدى “دافوس” بعد أن وصلت نسبة الأطفال خارج المدراس، وفق تقرير “يونسكو” إلى 39%.
وكل ذلك، من دون أن نأتي على استقدام الأسد لأربعة محتلين لسورية، يسيطرون على مقدراتها وفق “الواقعية” بعد أن زادت انجازاته بتأجير ورهن سورية لشركائه بالحرب، بموسكو وطهران، من التنافسية بين المحتلين، ليفكروا بأبعد من التقسيم أو اقتسام النفوذ.
نهاية القول: هل يحتاج بشار الأسد، بعد كل هذه الإنجازات، إلى حملة دعائية خلال ترشحه لفترة رئاسية وراثية رابعة مطلع العام المقبل، أم ما فعل كفيل بتخليده بسجل الأبطال وبقائه على كرسي أبيه وللأبد، طالما يحقق لمن يهمهم الأمر، جميع الأدوار الوظيفية الموكلة إليه.
————————————
الأسد يُفاوض تل أبيب على شروط تعويمه/ محمد سرميني
شهدت قاعدة حميميم في شهر كانون الأول/ديسمبر (نهاية العام الماضي 2020) لقاءً جمع بشار الأسد بمسؤول أمني إسرائيلي، وبحضور عسكري واستخباراتي روسي، ووفقاً للمعلومات الموثوقة فإنّ اللقاء حضره من الجانب السوري رئيس مكتب الامن الوطني علي مملوك، ومستشاره الخاص للشؤون الأمنية والاستراتيجيَّة اللواء بسام حسن، ومن الجانب الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت من رئاسة هيئة الأركان، والجنرال السابق في الموساد آري بن ميناشي، وبحضور أليكساندر تشايكوف قائد القوات الروسية في سورية.
وقد عرض الأسد في هذا اللقاء عدّة مطالب، أبرزها العودة لجامعة الدول العربية، والحصول على مساعدات مالية لسداد الدين الإيراني؛ وبالتالي فتح المجال لنظامه لإخراج إيران من سورية، ودعمه لتثبيت حكمه، وإعادة العلاقات مع المحور السني العربي، ودعم سورية اقتصادياً، ووقف العمل بالعقوبات المفروضة على سورية وإيقاف قانون العقوبات سيزر.
وبالمقابل طلب الجانب الإسرائيلي تفكيك ما يُسمى بـ “محور المقاومة والممانعة”، وإخراج إيران من سورية بشكل كامل، وإخراج قوات حزب الله اللبناني وكامل المليشيات الأجنبية من سورية، وتشكيل حكومة بالمناصفة مع المعارضة السورية، وإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية السورية بشكل كامل، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية بشكل كامل، واعادة الضباط المنشقين بضمانة روسية أمريكية إسرائيلية.
ورغم أنَّ هذا اللقاء الأولي لم ينتهِ إلى اتفاقات محدَّدة؛ إلا أنه يُشكل بدايةً لمسار تدفع روسيا باتِّجاهه بقوة، ويُعتقد أنَّه سيشهد توسعاً كبيراً في عام 2021، حيث ترى موسكو أنَّ بناء علاقة مباشرة بين نظام الأسد وتل أبيب يمكن أن يُشكّل طوقَ النجاة للنظام؛ وبالتالي لمسعاها في الحصول على الاعتماد الدولي لمشروعها للحل السياسي في سورية.
ويمثِّل السلام مع إسرائيل حلَّاً مثالياً لنظام الأسد للخروج من حالة الحصار الدبلوماسي والاقتصادي التي يعيشها منذ عشر سنوات تقريباً، كما قد يمنح نظامه بطاقة عبور لعقود قادمة في الحكم، ما لم يحصل انفجار شعبي آخر، أو تنشأ ظروفٌ أخرى غير محسوبة في المستقبل.
وبلا شك، فإنَّ إسرائيل من جهتها سترحِّب بالتعاون الرسمي من طرف النظام، وفي تحويل علاقتها الممتدَّة معه منذ نحو نصف قرن إلى طابع أكثر رسمية، وهي تُدرك أنَّه الخيار الأفضل بالنسبة لأمنها مقارنة مع أيِّ فاعل مرَّ على سورية خلال السنوات العشر الماضية، وهو الإدراك الذي دفعها طيلة العقد الماضي للحيلولة دون سقوطه بأيِّ شكل.
ومن جهتها تُدرك إيران أنَّ الأسد يبحث بكلِّ شكل عن مخارج تُعيده إلى المنظومة الدولية، وتساعده على التخلّص من القيود الإيرانية والروسية، أو من إحداها على الأقل، ولذا فإنّ طهران تسعى إلى عرقلة جهود النظام، وقبل ذلك عرقلة جهود روسيا التي تُهندس هذه التوجهات.
وتُدرك طهران أنَّ قدرتها على الضغط الفعلي على روسيا محدودة جدَّاً، كما تُدرك أنَّ علاقة نظام الأسد معها علاقة براغماتيَّة بحتة، ولذا فإنّها لا تُعوّل على احترام الطرفين روسيا أو نظام الأسد لالتزاماتهم معها، بل تسعى إلى تسريع عملية تجُّذرها في بُنية الدولة والمجتمع في سورية، بما يجعل اقتلاعها من أيِّ طرف بما في ذلك روسيا والنظام أمراً بالغ الصعوبة، لكنَّه ليس مستحيلاً بطبيعة الحال.
وتُفسِّر لقاءات الأسد مع الإسرائيليين الخطاب الإيراني الأخير، والذي قدَّمه الناطق باسم المشروع الإيراني في المنطقة حسن نصر الله نهاية كانون الثاني/ديسمبر2020 في خطاب وفي مقابلة مطولة، حيث سعى نصر الله إلى توريط الأسد شخصياً فيما قال إنَّه نقل تكنولوجيا وأسلحة إلى غزَّة، كي يؤكد للأسد نفسِه أنَّه كان شريكاً كاملاً في المشروع الإيراني، وأنَّه لن يكون بإمكانه الانسحاب من هذا المشروع بالسلاسة التي يتخيَّلها.
كما كرَّر نصر الله في رسائل نهاية العام والتي جاءت بعد لقاء حميميم التأكيد على أنَّ إيران هي من منعت سقوط الأسد، وليس الروس، كما لو أنَّه يريد أن يقول: إنَّ إيران بدورها هي من يحمي النظام اليوم لا روسيا، وإنها قادرة على خلخلة أمنه إن أرادت.
ويبدو أنَّ عام 2021 سيكون مليئاً بالمستجدَّات فيما يتعلَّق بالصراع الروسي-الإيراني داخل سورية من جهة، وسعي روسيا والنظام لبناء جسور الثقة مع تل أبيب من جهة أخرى، وهي مستجدَّات ستتأثر بشكل مباشر بالطريقة التي ستتعاطى بها الإدارة الأمريكية الجديدة مع طهران ومع مشروعها الإقليمي وخاصة في سورية.
ورغم توجُّه الكثير من المحللين إلى أنَّ واشنطن ستعمل على إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران باعتباره أولويَّة في التوجهات الأمريكية في المنطقة، إلا أنَّه ما من مؤشِّرات على أنَّ واشنطن في عجلة من أمرها في هذا الإطار، ولا على كونِها تملك مصلحة في حماية الوجود الإيراني في المنطقة، أو إبقاء هذا الوجود خارج التفاوض.
ويُعتقَد أنَّ الإسرائيليين قد تحضَّروا إلى مرحلة وصول بايدن جيداً من خلال مسارين؛ الأول هو رفع وتيرة الاستهداف المباشر للمصالح الإيرانية، داخل إيران وخارجها، والثاني هو إطلاق مبادرات سياسية مع الأطراف الفاعلة، سواء مع الطرف الروسي من خلال إعادة إدماج النظام في المنظومة الدولية عبر مسار التطبيع، أو مع أطراف عربية حديثة التطبيع العلني، من أجل تقديم البدائل المالية والسياسية للأسد، وتشجيعه على التعاون مع الطروحات الإسرائيلية.
ومما لا شك فيه أنَّ دخول دمشق إلى مسار التطبيع يُمكن أن يُشجِّع العواصم الغربية على طي صفحة الماضي، والنظر في منظومة العقوبات الدولية والوطنية، وهو ما سيفتح الباب أمام ولادة الأسد من جديد، مستنداً إلى شرعية دولية عميقة هذه المرَّة، دون أن يكون بحاجة إلى المتاجرة بفلسطين وقضيتها، ودون أن يتعرّض حتى لضغوط للإفراج عن المعتقلين في فرع فلسطين وغيره!
وعلى ما يبدو فإنَّ دروس الأشهر الأخيرة كانت كفيلة بدفع الأسد للذهاب إلى حميميم راغباً غير مُكره، فقد كان درس السودان كافياً لإقناع كلِّ المُعاقَبين والمنبوذين من النظام الدولي بأنَّ مفتاح الخروج من سجن العقوبات إلى “جنَّة” القبول الدولي موجود في تل أبيب، وهو درس ربَّما سيسعى العديد من المنبوذين في المنطقة للاستفادة منه في عام 2021.
——————————-
هل يستطيع الروس إزاحة الأجهزة الأمنية في سوريا؟/ أمل رنتيسي
أثارت الزيارة المفاجئة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى دمشق، في 7 من كانون الثاني 2020، استغرابًا في الأوساط السورية، وذلك لعدم إطلاع الجهات الأمنية السورية على تفاصيل التحضيرات الأمنية.
وبعد عام من هذه الزيارة، كشف رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، فاليري غيراسيموف، عن التحضيرات الأمنية التي سبقت زيارة الرئيس الروسي، إذ قال غيراسيموف إنه تقرر إشاعة الزيارة وكأنها لوزير الدفاع، سيرغي شويغو، وليس لبوتين، مبررًا ذلك بأنه كان على الروس اتخاذ إجراءات تضمن سلامة الزيارة.
وأضاف غيراسيموف أن الاستعدادات لزيارة بوتين جرت بشكل سري، على الرغم من ضرورة التحقق من مسار التنقل في دمشق بالكامل، ومن إمكانية الحرب الإلكترونية، وإزالة الألغام من الطريق والمباني المجاورة، وتفتيش المباني من قبل المتخصصين في الحماية الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية، وأردف أنه وفقًا لوزير الدفاع الروسي، فإن الروس حرصوا على إجراء تقييم كامل وعميق لجميع التهديدات المحتملة.
ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط وسوريا في الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع، آرون لوند، في حديث إلى عنب بلدي، أن “الزيارة كانت على نطاق ضيق جدًا من الأجهزة الاستخباراتية والمسؤولين السوريين، لأسباب سياسية، ولضمان تنسيق أمني سلس”.
ومع ذلك، تسلّط تصريحات غيراسيموف الضوء على الوضع الأمني الصعب في سوريا وفي مناطق سيطرة النظام السوري، كما لا تثق روسيا بقدرة شركائها السوريين في الحفاظ على الأمن والسرية الكاملة، حسب لوند.
تجاهل وتهميش روسيا لأجهزة النظام السوري الأمنية
تجول بوتين في آخر زيارة لدمشق في المعالم السياحية للعاصمة مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعدما التقيا في مقر تجمّع القوات الروسية بدمشق بحضور ضباط ومسؤولين روس، وبوجود مسؤول سوري واحد هو وزير الدفاع، علي عبد الله أيوب.
وفي كانون الأول 2017، وفي أثناء زيارة بوتين إلى قاعدة “حميميم” الجوية (جنوب شرق مدينة اللاذقية)، قام ضابط روسي بإيقاف الأسد لمنعه من السير بمحاذاة بوتين، ما يعكس تحكم الروس بالترتيبات الأمنية والبروتوكولية في سوريا.
وفوجئ الأسد بزيارة وزير الدفاع الروسي، في حزيران 2016، إلى دمشق، إذ قال حينها، “أنا سعيد جدًا بلقائكم اليوم، مفاجأة سارة”، وتابع “لم أكن أعلم أنكم ستأتون شخصيًا”.
وأخذ الدور الروسي في إزاحة وتهميش الأجهزة الأمنية بالتزايد مع عدّة حوادث وثقت تعامل الجيش الروسي كضابط أمن في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ففي أيار 2018، ألقت الشرطة العسكرية الروسية القبض على مجموعة من عناصر يتبعون لقوات النظام السوري بعد قيامهم بعملية سرقة في بلدة ببيلا جنوب دمشق، إذ تداولت شبكات محلية حينها صورًا لجنود روس يفتشون عناصر تابعين للنظام السوري، ويجبرونهم على الانبطاح أرضًا.
وفي 2019، أرسلت روسيا لجنة تحقيقات في “الجرائم” المرتكبة ضد القوات الروسية في سوريا، ورفعت “التدابير الأمنية” في المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام حينها، وكانت لجنة التحقيقات الروسية برئاسة ألكسندر باستريكين.
وكان باستريكين التقى في زيارة إلى دمشق، سبقت زيارة قاعدة “حميميم”، كلًا من رئيس مكتب الأمن القومي، علي مملوك، ووزير العدل السوري، هشام الشعار.
شركات خاصة بمثابة أجهزة أمن
الأكاديمي والخبير في الشأن الروسي الدكتور محمود حمزة، قال لعنب بلدي، إن “روسيا أسست عدّة فروع أمنية مهمتها حماية المطار والقصر الجمهوري والوزارات والمؤسسات، ففي حال حصول أي حادث مفاجئ تقوم بدور الحماية، كما أن هناك ضباط أمن أصبحوا يتحدثون علنًا أنهم يعملون لمصلحة روسيا”، ما يعتبره حمزة دليلًا على مدى اختراق الروس للأجهزة الأمنية.
لكن لا توجد معلومات دقيقة حول تفاصيل الأفرع الأمنية التابعة لروسيا، إذ يحظى أفراد الشرطة العسكرية الروسية ببطاقات على أنهم “مخابرات سوريّة”، وذلك ليتمكنوا من التجول بحرية مطلقة، كما أسسوا شركات أمنية خاصة من السوريين في مناطق مختلفة، وتهتم هذه الشركات بحماية المؤسسات الحكومية، حسب حمزة.
ورصد بحث لـ”برنامج مسارات الشرق الأوسط“، أعده الصحفي السوري منهل باريش، تعاظمًا لأدوار الشركات الأمنية الخاصة في سوريا، من بينها شركات ممولة بشكل مباشر من روسيا، كـ“صائدي الدواعش” و”سند للحراسة والخدمات الأمنية”.
وتحدثت صحيفة “القدس العربي“، في 18 من حزيران 2019، عن تأسيس النظام السوري فرعًا أمنيًا جديدًا بأوامر روسية، بهدف حماية المنشآت والهيئات الحكومية والدبلوماسية، ومنعًا لتنفيذ أي انقلاب في سوريا.
وقالت الصحيفة، إن وثيقة مسربة حصلت عليها من مصدر في إدارة المخابرات التابعة للنظام السوري ومصدقة من الأسد، في 17 من نيسان 2020، تظهر أوامر روسية بتأسيس “الفرع 108″، ومهمته حماية المنشآت والهيئات الحكومية والدبلوماسية، ومنع تنفيذ أي انقلاب في سوريا، على أن يتبع لإدارة “أمن الدولة” في سوريا، الأمر الذي يمثل “حجم سلطة الجانب الروسي على أفرع النظام الأمنية وإدارة أمن الدولة، وقرار رئيس الجمهورية”، حسب الصحيفة.
تغييرات بأيدٍ روسية
في تموز 2019، أجرى النظام السوري تغييرات أمنية جديدة، إذ عيّن الأسد اللواء علي مملوك نائبًا له للشؤون الأمنية، واللواء محمد ديب زيتون، المقرب من روسيا، رئيسًا لمكتب “الأمن الوطني”.
وبحسب مركز “COAR“، جرت هذه التعديلات بجهود روسية لتقليل قبضة العلويين على أجهزة المخابرات، وبالتالي، رفع التأثير المباشر لإيران، وهو ما أكدته صحيفة “إندبندنت“، التي قالت إن مراقبين مطلعين على تفاصيل هيكليات الأجهزة الأمنية السورية وعلاقاتها وارتباطاتها الداخلية والخارجية، أكدوا أن كل التغييرات التي حصلت كانت بتوجيه وإشراف روسيين مباشرين.
ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط وسوريا في “الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع” آرون لوند، في حديثه إلى عنب بلدي، أن روسيا تحاول بالتأكيد تنمية نفوذها داخل حكومة النظام السوري، فالمساعدة التي قدمتها روسيا للنظام منذ عام 2011، وخاصة في 2015، زادت من نفوذها بشكل كبير.
لكن حسب لوند، فإن الدائرة المقربة من بشار الأسد حريصة جدًا على السيطرة على سلطاتها الأمنية والتحكم في القرارات، إذ يعتمد حكم الأسد على كل من الوسائل الرسمية للسلطة، كمؤسسات الدولة الأمنية، وكذلك الوسائل غير الرسمية، كارتباطاته الشخصية والعائلية.
ويتعامل الأسد مع الأمن الداخلي مثل والده الرئيس السابق، حافظ الأسد، إذ يعطيه أولوية على حساب بقية مؤسسات الدولة، لذلك ليس من السهل على روسيا أو أي حكومة أخرى أن تخترق نظامًا كهذا بسهولة، فعلى الرغم من وجود عملاء روس وإيرانيين ضمن قوات النظام، فإن تأثيرهم غالبًا من النوع غير المباشر، وفق لوند.
تمكين روسيا لأمنها يكمن بالتنافس الروسي- الإيراني في سوريا
ذكر مركز “مالكوم كير– كارنيغي” للشرق الأوسط، في تقرير نشره في آذار 2020، حول دور روسيا في إصلاح الخدمات السورية الخاصة، أنه “يجب على موسكو أن تهتم بإصلاح الخدمات السورية الخاصة، إذ ستؤمّن موقعها في البلاد ومواجهة نفوذ إيران على وجه الخصوص، كما يعتمد أمن المنشآت العسكرية والاقتصادية الروسية، بالإضافة إلى أمن المواطنين الروس في سوريا، بشكل مباشر على نوعية مجتمع الاستخبارات السوري”، حسب التقرير.
ولفت التقرير إلى أنه لا يتضح بعد ما الذي ينبغي أن تفعله روسيا لإصلاح القطاع الأمني في سوريا، فمجتمع الاستخبارات السوري قريب بشكل خاص من القيادة السورية، وتعيينات المناصب العليا تجري داخل الدائرة المقربة لعائلة الأسد، وبينما تسمح علاقة الثقة بين دمشق وطهران بمشاركة إيران في الأحداث، فإن نظام بشار الأسد أكثر حذرًا من المشاركة الروسية في مثل هذا المجال “الحميم والمُغلق”.
من جهته، أوضح الأكاديمي والخبير في الشأن الروسي الدكتور محمود حمزة، أن “الروس لديهم تغلغل كبير وهيمنة على الأجهزة الأمنية والعسكرية، كما توجد لإيران أدوار مشابهة، لكن باعتبار أن روسيا لها قاعدة جوية وطيران وهيمنة على الجو السوري، وبسبب إنقاذها للنظام السوري من السقوط في 2015، فهذا يجعل وجودها الأمني قويًا”.
وأشار تقرير مركز “مالكوم كير– كارنيغي” إلى أن أجهزة الأمن العسكرية، أي الاستخبارات العسكرية واستخبارات القوات الجوية، أكثر توجهًا نحو إيران منذ بداية الحرب في سوريا، وقد اتضح هذا في معارضتها المبادرات الروسية في درعا. ومن ناحية أخرى، فإن مديرية الاستخبارات العامة ومديرية الأمن السياسي لديهما علاقات أوثق مع روسيا، ومع استمرار التنافس الروسي-الإيراني في سوريا، ستزداد أيضًا المنافسة بين الخدمات الخاصة الموالية لإيران والخدمات الخاصة الموالية لروسيا.
ثلاث مقاربات للحركة الأمنية الروسية
الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، يرى في حديث إلى عنب بلدي أنه “لا يمكن فهم الحركية الأمنية الروسية في سوريا من خلال مؤشرات متعلقة بالانتهاكات التي تقوم بها روسيا، سواء مقصودة أو غير مقصودة، للمراسم والتقاليد والأعراف فقط، سواء بالزيارات الدبلوماسية، أو حتى بالتأمين والتغطية الأمنية لزيارات بوتين”.
فالأمر مرتبط بثلاث مقاربات تعمل عليها موسكو في سياق الحركة الأمنية برأي طلاع، وهي:
المقاربة الأولى نتجت لحظة تدخل القوات الروسية في قيادتها العمليات الأمنية والعسكرية في سوريا، وكذلك إعادة ترتيب القوات السورية، لأن بنية الجيش والأمن مستنزفة خلال سنوات الصراع، ويتمثل ذلك باستنزافين، هما البشري الذي استوجب تدخل الميليشيات الإيرانية، والثاني هو النوعي المتمثل في السلاح والعتاد الذي استوجب تدخل روسيا.
وبالتالي فإن قيادة وهندسة العمليات والأهداف والخطط الاستراتيجية (رئاسة غرف العمليات) كانت روسية، ولذلك فإن التدخل الأمني فرضه التدخل العسكري.
المقاربة الثانية، هي ترميم البنية المؤسساتية العسكرية والأمنية بطريقة تجعلها تحد من استنزاف هذه الأجهزة، وهذا استوجب إعادة ترتيبات معيّنة في البنية الرسمية لأجهزة الأمن والجيش، سواء عبر دعم فكرة “الفيلق الخامس” و”السادس” لتجميع هذه الميليشيات وصهرها لاحقًا في الجيش أو حتى إخراجها بإطار من إطارات الجيش، وأيضًا بدء العمل على محاولة إرجاع الوظائف الأمنية إلى تخصصاتها، وكمثال على ذلك، أعاد الروس تغليب الأمن العسكري على الأمن الجوي (المسيطر سابقًا)، باعتبار الأمن الجوي جزءًا من الأمن العسكري.
أما المقاربة الثالثة فلها علاقة في قيادة روسيا بذاتها عمليات المصالحة وما تستلزمه من ترتيبات أمنية ولوجستية، سواء في القلمون (شمال دمشق) أو حتى في الجبهة الجنوبية.
التدخل الروسي كان يستلزم تدخلًا في السياق الأمني، كالحفاظ على بنية الدولة مع إجراء بعض الإصلاحات الشكلية، بحسب الباحث معن طلاع، ولكن هذا يشير إلى خلل في الاستراتيجية الروسية، إذ تعوّل على ترميم أو بناء أجهزة الدولة سواء الأمنية أو غيرها وإعادة شرعيتها أمام المجتمع المحلي أو الدولي، دون مراعاة المؤشرات التي تحكم المشهد السوري سواء السياسية أو الاقتصادية.
ولذلك تسعى روسيا للسيطرة على القرار الأمني، سواء في العمليات العسكرية أو الميدانية أو حتى في رؤية الإصلاح والتغيير، كتغييرات في جيش النظام السوري والأجهزة الأمنية، بحسب طلاع، وبذلك تحاول السيطرة على القرار وليس على الأجهزة الأمنية بحد ذاتها.
عنب بلدي
————————
روسيا تستعجل ترتيبات ميدانية جديدة شرق سورية: التعزيزات لا تنقطع
تشهد مناطق شمال وشرق سورية تعزيزات عسكرية غير مسبوقة، وخاصة على طرفي الطريق الدولي “m4″، وبينما تقول موسكو إن هذه الخطوات تصب في عمليات “إعادة الاستقرار”، يشير خبراء روس إلى أنها تصب في إطار ترتيبات ميدانية مستعجلة، قبل وصول الإدارة الأمريكية الجديدة إلى البيت الأبيض.
وذكرت وكالة الأنباء الروسية (تاس)، اليوم الاثنين، أن طائرة على متنها وحدات من الشرطة العسكرية الروسية وصلت إلى مطار القامشلي بمحافظة الحسكة، وتحمل أكثر من 300 عسكري روسي.
ونقلت الوكالة عن قائد وحدة الشرطة العسكرية، جورجي روداكوف، قوله إن الكتيبة التي وصلت ستعزز نقاط المراقبة الروسية في المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وأضاف روداكوف: “كتيبة من الشرطة العسكرية وصلت لتعزيز القوات الروسية، وتسيير دوريات على طول الحدود السورية- التركية، وتعزيز نقاط القوة المشتركة ونقاط المراقبة، والمشاركة في دوريات روسية- تركية مشتركة، ومرافقة أرتال السيارات المدنية”.
وتأتي التعزيزات المذكورة بعد يومين فقط من وصول طائرة عسكرية روسية نوع “IL-76” إلى قاعدة القامشلي، وقالت وسائل الإعلام الروسية إنها تحمل أفراداً من الشرطة العسكرية الروسية ومعدات لوجستية.
وأضافت وسائل الإعلام الروسية أن التعزيزات العسكرية الواصلة إلى شرق سورية، تأتي من أجل تعزيز الوجود في محافظتي الرقة والحسكة، وبسبب “تفاقم الصراع بين الأتراك والأكراد”.
إلا أن خبراء روس أشاروا إلى أن التعزيزات تصب في إطار الترتيبات الميدانية الجديدة التي تحاول روسيا فرضها في مناطق شرق سورية، قبل وصول الإدارة الأمريكية الجديدة إلى البيت الأبيض.
أليكسي خيلبانيكوف أحد الخبراء، وقال عبر حسابه في “تويتر”، اليوم: “التعزيزات تصل إلى عين عيسى وتل تمر وعامودا وغيرها”.
وأضاف: “الهدف الرئيسي: تهدئة الوضع في المنطقة، لكن هذه الخطوة ترسل أيضاً إشارة إلى المسؤول الأمريكي الجديد بأن موسكو ستبقى في شرق سورية”.
#Russia deploys additional 300 military policemen to Hasaka province in NE #Syria. They are arriving to Ain Issa, Tel Tamr, Amouda & others. Main goal: de-escalation of the situation in the area. This move also sends a signal to the new US admin – Moscow will stay in NES.
— Alexey Khlebnikov (@AleksKhlebnikov) January 18, 2021
وتأتي التحركات العسكرية الروسية في مناطق شمال وشرق سورية بالتزامن مع استمرار التوتر العسكري بين تركيا وفصائل “الجيش الوطني” من جهة و”قسد” من جهة أخرى، وخاصة على جبهات مدينة عين عيسى بريف الرقة وتل تمر بريف الحسكة.
وحتى الآن لم تتبلور صورة مستقبل المدينة، التي تعيش “أجواء حرب”، فرضتها الاشتباكات والقصف المستمر من جانب الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني”.
وكانت روسيا قد أعلنت، منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عن إنشاء قاعدة جوية في مطار مدينة القامشلي، شمال شرقي سورية، عقب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من محيط المطار.
وعلى مدار الأشهر الماضية لم تنقطع التعزيزات الروسية إلى قاعدة القامشلي، والتي باتت المحطة العسكرية الأبرز للروس في مناطق شمال وشرق سورية.
وإلى جانب قاعدة القامشلي أنشأ الروس أيضاً قاعدة سد تشرين، الواقعة على نهر الفرات، جنوبي منطقة منبج بريف حلب، وقاعدة صرين، الواقعة في منطقة عين العرب (كوباني)، شمال شرقي سورية، وقاعدة عين عيسى شمالي مدينة الرقة.
“سبات” الأيام الأخيرة
ويشهد الملف السوري، وخاصة مناطق شمال شرق سورية ترقباً للخطوات الأولى التي ستتخذها الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي ووفقاً للمؤشرات المطروحة ستنتهج استراتيجية تبتعد كل البعد عن استراتيجية الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.
وكان مبعوث التحالف الدولي لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، الدبلوماسي الأمريكي بريت ماكغورك، قد عاد في الأيام الماضية إلى واجهة السياسة الأمريكية، بعد تعيينه مستشاراً في مجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، من قبل الرئيس المنتخب، جو بايدن.
وخلال توليه منصب مبعوث التحالف الدولي، منذ 2015 حتى أواخر 2018، عُرف ماكغورك بدعمه لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، وزار سورية والعراق عدة مرات، لدمج القوات المحلية في المعارك ضد تنظيم “الدولة”.
وبعد قرار ترامب أواخر 2018 بسحب القوات الأمريكية شمالي سورية، قدم ماكغورك استقالته، معتبراً قرار ترامب “انقلاباً كاملاً على السياسة المرسومة سابقاً.
وأشار في ذلك الوقت إلى أن قرار الانسحاب من شأنه أن “يزيد التهديد والمخاطر ويُضعف موقف الولايات المتحدة أمام روسيا”.
—————————
غنائم الروس السورية.. وانتخابات رئاسة باطلة
أسامة آغي
لا يستطيع بشار الأسد أن يرتّب انتخابات رئاسية تجدّد بقاءه، بدون ضوءين أخضرين من روسيا وإيران، هذا من ناحية، والتجديد مرتبط من ناحية ثانية بتقاعس دولي أمريكي أوربي، وبغياب رؤية ملموسة وبرنامج عمل لدى مؤسسات المعارضة السورية، يتصدى لهذه الهزلية الروسية، التي تسخر من القرارات الدولية، ومن الشعب السوري، الذي لا يزال يقدّم التضحيات من أجل حريته وكرامته.
نينار برس أجرت تحقيقاً صحفياً مع شخصيات سياسية سورية من الصف الأول لإضاءة السؤال التالي:
كيف نتصدى لمشروع انتخابات النظام سياسياً وشعبياً ودولياً وقانونياً؟
انتخابات الأسد خطّة روسية بائسة
جورج صبرا: الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري
يقول جورج صبرا الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، والعضو المنسحب من الهيئة السياسية للائتلاف: “ما ستقوم به زمرة الحكم في دمشق الصيف القادم، تحت عنوان “الانتخابات الرئاسية، يمكن أن يكون أيّ شيء إلّا الانتخابات”. فبرأي صبرا: إن النظام لم يعرف الانتخابات الحقيقية، التي يعرفها الفكر السياسي والإنساني والقوانين الدولية، التي عرفتها بلادنا في خمسينيات القرن الماضي، أي حرة ونزيهة وشفافة، وتحترم إرادة الشعب وتحققها.
ويضيف رئيس المجلس الوطني السابق جورج صبرا: النظام منذ استيلائه على السلطة عام 1963 لم يعرف انتخابات حقيقية، وليس بوسعه أن يتعلمها، وهو على شفير الهاوية، بعد أن دمّر البلاد ورهن مقدراتها للمحتلين وشرّد أهلها في أربع أصقاع الأرض.
ويعتقد صبرا: أن ما سيجري ليس أكثر من استجابة لخطة روسية بائسة ويائسة، حملها فيصل المقداد من موسكو في زيارته الأخيرة، لتحسين صورة النظام ومحاولة تأهيله دولياً.
لكن صبرا يعتبر: أن كل من يشارك بهذه الانتخابات من السوريين ترشيحاً وترويجاً وذهاباً إلى الصناديق، إنما يخون ثورة الشعب السوري وأهدافها النبيلة ودماء الشهداء والضحايا، الذين سقطوا، ومازالوا يسقطون في معاركها الكبرى، ويوجه في الوقت نفسه طعنة غدرٍ للعملية السياسية وحقوق الشعب.
ويرى صبرا: أن أي حديث عن الانتخابات قبل تشكيل (هيئة الحكم الانتقالي) وبدء المرحلة الانتقالية، إنما هو ملاقاةٌ للخطة الروسية في تشويه العملية السياسية ونسفها، التي بدأت بمسار أستانا – سوتشي، وأنتجت اللجنة الدستورية، وهي كذبة كبرى، ومن وسائل الجهد الروسي لتدمير العملية السياسية، وإطالة أمد المحنة السورية.
ويعتقد صبرا أن رد قوى الثورة والمعارضة على قرار الائتلاف رقم 24 الصادر في تشرين الثاني 2020 موضوع تشكيل هيئة الانتخابات اضطر الائتلاف إلى تجميده دون إلغائه، وهذا يعني بأن جمر المهادنة وخذلان الثورة وتزوير إرادة الشعب ما زال تحت الرماد.
ويذهب جورج صبرا وهو عضو منسحب من الائتلاف إلى القول، من الضروري “تعرية ما يجري تحت اسم الانتخابات والدستور بأنه خارج العملية السياسية، وتطاول عليها وتشويه لها، وتفعيل المسار القانوني بجرائم القتل والتدمير والتهجير وملف المعتقلين، الذي فتح بمواجهة النظام، وضرورة التأكيد على تنفيذ العملية السياسية وفق مندرجاتها في بيان جنيف لعام 2012 والقرارات الأممية ذات العلاقة، ولا بدّ من تحرّك السوريين في بلدان اللجوء والاغتراب لرفع الصوت بمواجهة هذه الخديعة”.
محاكمة النظام القاتل أولا
اللواء محمد الحاج علي: وهو أعلى رتبة عسكرية انشقت عن جيش النظام
اللواء محمد الحاج علي، وهو أعلى رتبة عسكرية انشقت عن جيش النظام، ويشغل منصب المنسق العام لمبادرة استعادة القرار الوطني المستقل والسيادة يقول: “الانتخابات الرئاسية في سوريا هي تمثيلية سمجة، تمارسها سلطات الفساد والاستبداد، لتجميل صورتها، وإعطائها شرعية زائفة.
ويعتقد اللواء الحاج محمد: أن هذه المسرحيات لن تزيف حقيقة الوضع، فمن جاء للرئاسة بقوة السلاح، لا يريد انتخابات حرّة، ومن دمّر الوطن وهجّر شعبه من أجل كرسي الرئاسة، لا يريد الديمقراطية، أو يقبل بخيارات الشعب في اختيار من يمثله.
ويرى اللواء محمد الحاج علي: أن إرادة الشعب السوري مسلوبة ومشوهة ومزورة منذ عشرات السنين، فلم تقم الثورة السورية إلا ضد الديكتاتورية والاستبداد ورفض الطغمة الحاكمة، وأساليبها القذرة في استعباد السوريين، وفي استغفالهم بانتخابات صورية، لا يجرؤ سوري أن يخالف فيها إرادة الأجهزة القمعية، التي تعدّ وتحسب أنفاس كل سوري.
ويذهب الحاج علي إلى القول: إن الديمقراطية تتكلم عن نفسها بنتائج ممارساتها، وهي العدل والأمان والنماء والاستقرار والرخاء والتطور السياسي والعلمي والصناعي والمجتمعي ومنظومة الحقوق والميزات التي يتمتع بها المواطن.
ويصرّ الحاج علي على أن إجراء انتخابات حقيقية وغير مزيفة في سوريا يجب أن يسبقها تقديم المجرمين الذين دمروا سوريا وقتلوا شعبها وهجّروا أهلها إلى العدالة، ومحاسبتهم على جرائمهم الممتدة منذ عشرات السنين.
ويضيف الحاج علي: إن سوريا الواقعة تحت الاحتلالات، التي تم دعس كرامتها على أيدي العصابة الحاكمة تعرف أن الانتخابات التي يدعو لها النظام هي انتخابات مزورة ، فالنظام الذي قدّم البلاد للقوى الأجنبية المحتلة لا يحق له التقدم إلى أي انتخابات، فكيف إذاً يقوم بتنظيمها زوراً؟
شروط انتخابية في الوضع السوري
المهندس أحمد العسراوي: الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي
يقول المهندس أحمد العسراوي الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وعضو هيئة التفاوض السورية: في سورية لم أشاهد منذ بدايات وعيي السياسي سوى انتخابات فعلية واحدة عام 1972، وهي الانتخابات الأولى للإدارة المحلية، والتي لم تكن شفافة ونزيهة بالقدر الكافي”.
ويضيف العسراوي: عندما أقرأ العملية الانتخابية بموضوعية فعليّ أن أستعرض بعجالة عدة مسائل ذات دور وأهمية. يتابع العسراوي فيقول: أولهما الناخبون، أين سجلاتهم الدقيقة؟، وأين هم؟ فنصف الشعب السوري لن يتمكن من المشاركة، قسم منه خارج مواقع سكنه الأصلية، إما نازح داخل البلاد أو مهجّر خارجها وقسم آخر خارج سيطرة الحكومة القائمة، بغض النظر عن رؤيتنا جولها، والتالي فأين الانتخابات الحقيقية؟.
ويتابع العسراوي، فيقول، ثانيهما: شفافية ونزاهة الانتخابات، فمن الذي سيدير الانتخابات، ويتابع حسن السير فيها؟ ومن سيشرف عليها ويراقب نزاهتها؟ طالما أن المرشحين والمديرين والمشرفين من فئة واحدة، مهما بلغت مصداقيتها.
وثالثهما يقول العسراوي: البيئة الآمنة والمحايدة التي تحيط بالانتخابات، من يؤمنها، ومن يضمنها؟ والحال كما هي الحال.
لكن العسراوي يستطرد في حديثه ويقول لنينار برس: “بالعودة إلى موقف حزبنا، حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، فإنه لم يشارك بأي عملية انتخابية منذ الانتخابات الأولى لمجلس الشعب عام 1973 وحتى اليوم، لعدم توفر أيٍ من أبسط المواصفات للمسائل المذكورة، كما أن هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي لم تشارك بأي عملية انتخابية منذ تأسيسها منتصف عام 2011.
ويعتقد العسراوي أن نجاح العملية السياسية التفاوضية، وتأسيس هيئة الحكم الانتقالي التشاركية، والعودة الآمنة والطوعية للنازحين والمهجرين، والإفراج عن المعتقلين والمخطوفين، وبيان مصير المفقودين والمغيبين، وإنجاز الإصلاح الدستوري المنشود، وإصدار قانون عصري للانتخابات، وتشكيل الأحزاب والجمعيات السياسية، وإعداد قوائم صحيحة للناخبين، هو الطريق العملي للانتخابات.
الدور المرتقب لهيئة التفاوض
الدكتور يحي العريضي: رئيس المكتب الإعلامي لهيئة التفاوض السورية
من جهته قال الدكتور يحي العريضي رئيس المكتب الإعلامي لهيئة التفاوض السورية: اللجنة الدستورية ليست الأمر الوحيد، الذي يستخدمه النظام السوري، للتفلّت من العملية السياسية، التي نعرف بأنها محكومة بقرارات دولية تهزّ كيانه.
ويضيف العريضي: “النظام استخدم كل جولات جنيف للتعمية، لُيظهر للعالم أنه مهتمٌ بالعملية السياسية، ولكن فعلياً، لا يزال على ديدنه، (يحكمها أو يدمرها) أي الحل العسكري. حتى اجتماعات أستانا استخدمها لهذا الغرض، ولإفراغ القرارات الدولية من مضمونها بمساعدة الروس، وعملياً، ثبُت عدم الجدية الفعلية للقوى الدولية، ومن بينها أولئك الذين ساهموا بإصدار القرارات الدولية.
لكن العريضي يسلّط الضوء على أسلوب النظام في استغلاله للوقت والأحداث فيقول: “النظام من جانبه خلق كل الأعذار، ووقّت معظم جلسات جنيف وغيرها بأحداث إرهابية، لإزاحة النظر عن المسار السياسي والتركيز على ما يريده هو، وخاصة ادعاؤه بأنه يحارب الإرهاب”.
العريضي يضيف: “الآن النظام يلهث لإنجاز انتخابات رئاسية، يعتقدها ضربة حاسمة في إعادة تأهيله مرة أخرى، يناصره في ذلك الروس والإيرانيون، وهناك غياب للضغط الدولي، الذي يزيل شرعية غير موجودة للأسف.
لكن العريضي يقول: إن هيئة التفاوض التي يشغل فيها منصب رئيس مكتبها الإعلامي: “لديها مخطط عام أو مشروع سيتبلور الأسبوع القادم، وخلال الفترة القادمة”
وحول هذا المشروع يشرح العريضي بعض الجوانب فيه فيقول: “التواصل مع جملة الدول المؤثرة بالقضية السورية، وخاصة أوربا وأمريكا والدول العربية، وحثها على اتخاذ موقف واضح تعبّر فيه عن عدم شرعية هذا الإجراء، ومخالفته للقرارات الدولية، التي قالت ونصّت بضرورة انتخابات تحت رعاية وإشراف الأمم المتحدة”.
ويرى العريضي أهمية توضيح الأسباب التي تقف خلف هذا الموقف، وأولها عدم توفر بيئة آمنة، أو محايدة، وثانيها التدخل الأمني وهو أمر معروف وموثق، وكذلك خوف الناس، وثالثها يتعلق بالاستعدادية لدى النظام للتزوير. مضيفاً: هذا نهج بالنسبة للنظام، وما ذكرناه سيكون أحد الإجراءات.
ويتابع العريضي: أما النقطة الثانية في استراتيجية عمل هيئة التفاوض، فستكون فتح الملفات الحقوقية، وملفات الإجرام، التي ارتكبها النظام، وتكثيف العمل بهذه الأمور من خلال دعوة نشطاء ومؤسسات للقيام بهذه المهمة، لوضع منظمات حقوق الإنسان في حالة استنفار تجاه تفلّت المجرمين، ومساعيهم الآن لمسح تلك الجرائم عبر هذه المسرحية الانتخابية، التي يرى العريضي أنها تُهين السوريين والعالم عملياً.
ويجد العريضي في النقطة الثالثة أهمية الحملات الإعلامية في مناطق خارج سيطرة النظام مثل الشمال السوري، وفي أمكنة أخرى، وتوضيح أن هذه المسرحية هي طمس لحقوقهم وتضحياتهم واستمرار للمجرم والجريمة، ولهذا يجب ألا يكون هناك أي اشتراك بهكذا انتخابات”.
نرفض انتخابات رأس النظام
المحامي رديف مصطفى: نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد السوريين
المحامي رديف مصطفى نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد السوريين يقول: “بخصوص التصدي لمشروع النظام بإجراء انتخابات، نحن نعمل وندعو ونتفاعل مع كل القوى الثورية، للقيام بحملة سياسية وإعلامية، لإعلان موقف صريح وواضح يعبّر عن رفضنا لهذه الانتخابات”.
ويوضح مصطفى الأمر: “لنفس الأسباب التي ذكرتها فانتخابات كهذه صادرة عن نظام غير شرعي، هي انتخابات تخالف إرادة الشعب السوري في الحرية والكرامة، وتخالف القرارات الدولية”.
ويرى نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد: “أنهم وبالتعاون مع قوى أخرى ينشطون للقيام بهذه الحملة السياسية والإعلامية” داعياً كل القوى الوطنية والثورية وعلى رأسها الائتلاف القيام بهكذا حملات لا لبس فيها.
المطلوب بدائل من المعارضة
الأستاذ رياض درار: رئيس مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)
رئيس مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) الأستاذ رياض درار يقول: “مجلس سوريا الديمقراطية غير معني بأي انتخابات قامت أو يقوم بها النظام السوري سواء كانت محلية أو تشريعية أو رئاسية، فنحن لن نشارك بها، ولن نكون جزءاً من فعالياتها، بل هي كانت محور خلاف”.
ويرى درار أن هكذا انتخابات فوقية ودائماً فيها تزوير، ولا يمكن الاعتماد عليها، مضيفاً: “إنها تسيء للسوريين لإنها تجعلهم عبارة عن أتباع يأتمرون بما يملى عليهم، ولا يمكنهم تقرير ما في ضمائرهم”.
ويعتقد درار أن الانتخابات الرئاسية الحالية هي بنفس الصيغة (فرض أمر واقع) والنتيجة معروفة سلفاً.
لكنه يشير إلى أمر آخر فيقول: “قوى المعارضة متخلفة عن إيجاد بدائل، يمكن أن تحرّك المجتمع الدولي، ضد مشروع الانتخابات، وأي مشروع إداري يقوم به النظام”. ويذهب درار إلى اعتبار: “النظام قد فقد شرعيته بثورة الشعب عليه، وهذا الشعب موجود الآن في المنافي، وفي مخيمات اللجوء، ولا يمكنه أن يشارك مشاركة حقيقية في أي فعالية خاصة، مثل هذه الفعاليات الانتخابية، التي تحتاج إلى تنظيم وإلى رؤية حقيقية، وإلى ضخ إعلامي حقيقي، لتبيين الوقائع، التي يمكن لأي فرد مواطن أن يبدي رأيه بشكل غير متأثر بمجريات الأحداث”.
لكن رئيس مجلس سوريا الديمقراطية المشارك يرى أن المشروع المعارض يمكنه أن ينجز شيئاً، يواجه العملية الانتخابية من خلال توحيد قوى المعارضة بشكل صريح وسريع، والتوجه إلى العالم وإلى القوى الدولية، بأن هذه الانتخابات غير عادلة، وأيضاً هناك أعمال ارتكبت كجرائم حرب، لا يمكن لمرتكبيها أن يكونوا جزءاً من العملية الانتخابية، أو من المرشحين للمشاركة فيها لعمل سياسي أو إداري يقود البلاد.
ويعتقد رياض درار أنه بالإمكان إيقاف العملية الانتخابية، أو الحكم عليها، لأنها تجري في مناطق محددة، ومن حق السوريين رفضها وإقامة بديل عنها
وانتقد درار الائتلاف قائلاً: “القوى المعارضة ممثلة بالائتلاف السوري الذي لم يعط الفعالية السياسية حقها” وبرأيه فإنه ارتهن لقوى خارجية رسمت مساره، وهذا ظهر في سوتشي وأستانا وخفض التصعيد.
وبرأي درار، إن تراجعات حدثت سببها الإدارة الضعيفة للقوى المتحكمة بسياسات الائتلاف، وهذا يدفعنا للقول إن الائتلاف معني بمراجعة نفسه وبأقرب وقت، وأن يتوجه للسوريين برؤى تستطيع خلق مقاربات قادرة على مواجهة انتخابات النظام، وأول هذه المقاربات برأي درار هي الاستفادة من أرض محررة وقوى كبيرة، تستطيع أن تدير عملاً سياسياً على الأرض السورية”.
ويعتقد درار: أن الأجزاء المحررة من سوريا يمكنها أن تتخذ قرارات ضد النظام الاستبدادي المركزي المعمول به في الدولة والمجتمع، الذي جعل سوريا دولة فاشلة”
نينار برس
—————————
الأسد يخفض جاهزية قواته..تراجع المعارك أم تقليص النفقات
يُشير قيام النظام السوري بتخفيض جاهزية قواته إلى هدوء المعارك وبرود الجبهات، ما يشي بأن النظام يتحضّر لاستحقاقات أخرى ليست عسكرية بالضرورة، فيما يستمر استنزاف قواته في المعارك مع داعش في البادية السورية.
وكشفت مصادر محلية أن رئيس النظام السوري بشار الأسد أصدر قبل أيام، تعميماً يقضي بتخفيض جاهزية قواته المسلحة. وقال موقع “عنب بلدي” إن النظام خفّض نسبة الاستنفار في الإدارات التابعة للقوات المسلحة، بحسب كل إدارة، من 66 إلى 33 في المئة للمقرات الإدارية، ومن 80إلى 50 في المئة للقطعات التابعة لها، أما القوات البرية والبحرية فقد خفضت جاهزيتها من 100 إلى 80 في المئة.
وأكد الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد أديب عليوي ل”المدن”، أن النظام خفّض فعلا نسبة الاستنفار لقواته، موضحاً أن “النظام استفاد من حالة الهدوء العسكري على الجبهات”.
وقال: “عسكرياً يعني القرار زيادة نسبة الإجازات لعناصر الجيش من ضباط وضباط صف وجنود، ولا يعني جاهزية العتاد العسكري”، موضحاً أن “الاستنفار الكامل يعني عدم السماح بالإجازات إلا في الحالات القصوى والطارئة، في حين يُتيح خفض الجاهزية منح الإجازات بشكل سلس للضباط والجنود”.
كذلك، بحسب عليوي، فإن تخفيض نسبة الجاهزية يترتب عليه خفض كميات الطعام للثكنات، حيث يتم تخفيض كميات الإطعام استناداً إلى عدد العناصر في الثُكنة العسكرية، مستدركاً بقوله: “أساساً كمية الطعام غير كافية، ولذلك قد يؤدي القرار إلى زيادة بؤس عناصر النظام”.
وحول دوافع القرار، قال العقيد إن الاستمرار لفترات طويلة في حالة الاستنفار الكامل، وعدم إعطاء الإجازات إلا في الحد الأدنى، من شأنه زيادة الضغط النفسي والمعنوي على أفراد الجيش، وخصوصاً أن نسبة المُحتفظ بهم كبيرة، ومدة الاحتفاظ طويلة، مؤكداً أن درجة الاستنفار مرتبطة دائماً بوضع الجبهات وسخونتها.
وبدا مثيراً للاستغراب أن يقوم النظام بتخفيض جاهزية قواته فيما يتعرض لمعركة استنزاف شرسة في البادية، عبر استهدافات شبه يومية من قبل تنظيم “داعش” أدت إلى مقتل المئات من عناصره. كذلك تستمر إدلب في التأرجح بين الحرب والمعارك الجانبية والخروق اليومية لاتفاق الهدنة الموقع في 5 آذار/مارس 2020.
يريد النظام من خلال خفض الجاهزية وبالتالي السماح لجنوده بأخذ الإجازات أن يُشيع بينهم أن الحرب بدأت تضع أوزارها، لكن ذلك لا يُلغي احتمال تجددها، ولذلك يحتفظ بعشرات الآلاف منهم، تحسباَ لاشتعال معارك جديدة، في شمال سوريا، أو في غيرها.
—————————–
لافروف: لا يمكننا طرد الأميركيين من سوريا
قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إن روسيا لن تخوض اشتباكات مع الولايات المتحدة في سوريا، موضحاً أن موسكو تطالب الجانب الأميركي بعدم استخدام القوة ضد المواقع التابعة للسلطات السورية.
وأضاف لافروف في مؤتمر صحافي الاثنين: “لدينا اتصالات مع الولايات المتحدة عبر القنوات العسكرية، ليس لأننا نعترف بشرعية وجودها هناك ولكن ببساطة لأنها يجب أن تتصرف في إطار معين”.
وتابع: “لا يمكننا طردهم من هناك، نحن لن ننخرط بأي اشتباكات مسلحة معهم بالطبع، ولكن نظراً لوجودهم هناك، فإننا نجري حواراً معهم حول ما يسمى بعدم التضارب”. وأضاف “من بين الأمور الأخرى، نطالب بشدة بعدم جواز استخدام القوة ضد مواقع الدولة السورية”.
وحول الغارات الإسرائيلية على سوريا، قال لافروف: “نتواصل مع إسرائيل بشكل وثيق وندعوها لوقف الاعتداءات على الأراضي السورية واللبنانية”. وأضاف لا نريد أن تستخدم أراضي سوريا ضد إسرائيل أو ساحة للصراع بينها وإيران”. وتابع: “إذا كانت إسرائيل ترى تهديدات لأمنها صادرة من أراضي سوريا فنطلب منها تقديم معلومات تثبت لنا ذلك”.
المدن
————————-
الروس في ورطة: عاش داعش.. مات داعش/ العميد الركن أحمد رحال
طوال السنوات الست الماضية تسابقت موسكو وواشنطن بالإعلان، كل منهما على حدة بالانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والقضاء عليه، لكن بعد أسابيع قليلة كنا نسمع أو نشاهد عبر إصدارات إعلامية للتنظيم وعبر الوقائع عن عودته وقيامه بعمليات يمكن وصفها بالدقيقة والمؤثرة، لتنسف كل تلك الانتصارات الوهمية التي يدعيها البعض خدمة لأهداف سياسية وتلميعاً لصورة قادتهم ورؤسائهم.
لا أريد الخوض بكيفية سيطرة تنظيم داعش على قرابة نصف الأراضي السورية والعراقية (عام 2014 سيطر التنظيم على مساحة تصل لـ 110 آلاف كم2)، وكيفية وصول التنظيم لقمة التمدد، والدفع بأمرائه للتربع على عرش مساحة جغرافية مترامية الأطراف، وإعلان ولايات الدولة وأن الرقة هي عاصمة الخلافة البغدادية، تلك الأمور تم نقاشها والاستفاضة فيها وقد نعود إليها، لكن اليوم سنتحدث عن أسباب عودة تنظيم “داعش” للبادية السورية والحرب الروسية المعلنة للقضاء عليه.
مع نهاية شهر آذار/ مارس من عام 2019 أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفه “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية) عن الانتصار على تنظيم داعش والقضاء عليه وطرده من آخر الجيوب في قرى “الباغوز” شمال شرق الفرات وبمحاذاة الحدود العراقية، وحينها قيل إن معظم قيادات “داعش” قد قُتلت، وأن قلة قليلة منهم قد هربت جنوباً نحو البادية السورية أو شرقاً نحو “صحراء الأنبار” العراقية، وأن التنظيم لن تقوم له قائمة بعدها، وأن ما تبقى من التنظيم يبقى مهمة للقوات الروسية وحلفائها باعتبار أن مناطق البادية السورية تقع ضمن مناطق نفوذ وسيطرة “الروس” وحلفائهم.
لكن، خلال الأشهر الثلاثة الماضية يمكن القول إن تنظيم “داعش” قد آلم ميليشيات الأسد والروس عبر عمليات نوعية دقيقة، اعتمد فيها على التخطيط الدقيق والتنفيذ الصحيح العالي المستوى وحققت غزواته نتائج مؤلمة من حيث أعداد ونوعية الضربات والقوى المستهدفة.
مسرح الأعمال القتالية الذي يعمل عليه التنظيم في سوريا يمتد على مساحة تقارب 80 ألف كيلومتر مربع، ما يمنح التنظيم القدرة على المراقبة وجمع المعلومات واستغلال الظرف المناسب للانقضاض على ميليشيات النظام بشكل مفاجىء، وذلك أثناء انتقالها من وإلى محافظة دير الزور في أقصى شرق سوريا عبر صحراء الرقة، أو أثناء عمل دورياتها أو دوريات الروس، وكان ملاحظاً أن بعض الضربات كانت تحتاج لمعلومات استخباراتية “سطعية” دقيقة، وأن استطلاع “داعش” حصل عليها وخلال أزمنة قليلة نسبياً، تلك المزايا أعطت للتنظيم القدرة على تنفيذ هجمات ونصب كمائن في مناطق مختلفة من البادية، وتحديداً في منطقة الشعلة (غرب دير الزور)، صحراء البوكمال (شرق دير الزور)، طريق دير الزور – الميادين، طريق محطة حميمة الثالثة باتجاه مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي، منطقة الرصافة في ريف الرقة، منطقة إثريا في ريف حماة الشرقي، وصحراء السويداء، وبالتالي أضاف ميزة أخرى لعملياته العسكرية وهي القدرة على المناورة بالنيران والمناورة بالقوات ليس عن طريق الحركة بل عن طريق الانتشار والتموضع المتفرق وبمجموعات صغيرة لكنها مؤثرة، واستطاع “داعش” بعملياته اللاحقة وبالتكتيكات المستخدمة والأساليب المتبعة من تحويل البادية السورية لثقب أسود يبتلع ميليشيات النظام والقوات الروسية.
عملية الهجوم على رتل لـ “لفرقة الرابعة” التي يقودها اللواء “ماهر الأسد” والتي تعد الآن من أقوى تشكيلات جيش الأسد، وتتميز تحركاتها بالحماية العالية والإجراءات الأمنية شديدة التعقيد، ومع ذلك عندما انطلقت حافلاتها ضمن رتل محمي وتسبقه عربات استطلاع من مواقعها في محافظة دير الزور (شمال شرق سوريا) باتجاه العاصمة دمشق بإجازة صغيرة قبل رأس السنة الميلادية، وبعد أقل من (85) دقيقة على انطلاقها، نال منها أفراد تنظيم “داعش” وأوقعوا فيها خسائر كبيرة وصلت من حيث القتلى فقط لأكثر من (40) عنصراً، عدا عن الجرحى وحرق وتدمير العربات القتالية والحافلات، وكان سبق ذلك هجمات متعددة حققت نتائج جيدة للتنظيم وكارثية لنظام الأسد وحلفائه، وخاصة الروس عندما استطاع التنظيم من اصطياد وقتل ضابط روسي كبيرة برتية “لواء” بإحدى عملياته نهاية شهر آب:/أغسطس 2020، وبعملية مناورة عالية الدقة ينتقل “داعش” ليحرق رتلاً من صهاريج النفط على طريق “إثرياً” ثم ينصب كميناً لحافلة تقل (15) ضابطا وجنديا ما زال مصيرهم مجهولاً حتى الآن.
كيف نجح التنظيم بالعودة؟
من المؤكد أن هيكلية القيادة ومنظومات الاتصال وبقية مؤسسات الدولة الإسلامية التي كان يرأسها أبو بكر البغدادي قد تعرضت للكثير من الخسائر المادية والمعنوية والبشرية بعد المعارك القاسية التي خاضها ضد التحالف الدولي وشريكه “قسد”، تلك المعارك التي ألحقت دماراً هائلاً بمكونات وعناصر الدولة الإسلامية، والتي توجت بقتل أمير التنظيم “أبو بكر البغدادي” بعملية استخباراتية عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في شمال إدلب وعلى مقربة من الحدود التركية.
لكن الواضح أيضاً أن مقولة “الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك” كانت أحد المبادئ الذي اعتمدت عليه القيادة الجديدة لتنظيم “داعش” من حيث إعادة ترتيب ما تبقى من فلول التنظيم، وضمن الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة، مع تغيير في الاستراتيجية والخطط وبعض المبادئ.
تنظيم الدولة أدرك بأن سياسة الاحتفاظ بالمدن والتكفل بخدمات سكانها وضرورة رصد أعداد من المسؤولين والموظفين والعناصر لخدمتهم والحافظ على الأمن بمناطق وجودهم وغيرها من المسؤوليات التي تلزمه بها عملية الاحتفاظ بالمدن، كان خياراً خاطئاً كلفه الكثير من الأعباء ويجب الابتعاد عنه حالياً وبما يتواءم مع وضعه المرتبك، وبالتالي التخلي عن تلك السياسة والابتعاد عن المدن والمناطق المأهولة.
أيضاً، تنظيم الدولة استوعب أن بنيته التنظيمية والقتالية وبنية منظومة الاتصال التي كانت تعتمد على القيادة المركزية لم تعد تصلح لتفاصيل المرحلة الحالية، وبالتالي أعاد صياغة استراتيجية منظومة قيادته العسكرية بنقل القيادة للأطراف ومنح حرية اتخاذ القرار للقيادات الفرعية مع الاحتفاظ بتوجه عام يرسمه أمير التنظيم ومجلس الشورى المحيط به، وبالتالي الانتقال من القيادة المركزية للقيادة اللامركزية وبما يتلاءم مع الظروف الميدانية المستجدة دون العودة للمستوى الأعلى.
بـتغيير استراتيجية العمل كان لابد أيضاً من تحضير مسرح الأعمال القتالية وتكتيكات خوض القتال، فالوجود في البادية السورية الخالية من أي وسائط يمكن أن تستخدم للتمويه والتخفي وفي ظل ظروف جوية قاسية “صيفاً وشتاء” كان لابد من تحضيرات وإجراءات فنية وبشرية شملت تطوير شبكات الأنفاق والكهوف القديمة، وإيجاد مقرات قيادة تحت أرضية، ومخازن ومستودعات قتالية وإدارية متعددة ومتفرقة، والتعاون مع عناصر تتبع لهم على دراية بمداخل وطرق البادية ومخارجها، كما يلعب عامل الطقس والرياح الرملية قدرة على التحرك والتخفي يمكن الاستفادة منها، وبما يشكل له الملاذ الآمن، والاعتماد على بناء منظومة سطعية وعناصر عملاء يتوزعون بمختلف المناطق لرصد تحركات خصومهم واستقاء المعلومات اللازمة لتكتيكاتهم الجديدة التي تعتمد مبدأ الكمائن والتلغيم مع استخدام عنصر المفاجأة، وتكتيك “أهجم، اضرب، أقتل، اغتنم، أهرب”، مع التركيز على القتال بتكتيك المجموعات الصغرى أو ما يسمى “الذئاب المنفردة”، ولنجاح هذا العمل كان يتوجب الحصول على المقاتل النوعي القادر على التنفيذ ولا نبالغ بالقول: إن عناصر “تنظيم داعش” هم الأقدر بين الموجود على الساحة السورية من حيث قدراتهم على التحمل ومن حيث معرفتهم بمسرح الأعمال القتالية، ومن حيث إصرارهم على تنفيذ المهام الموكلة نظراً للعقيدة القتالية التي زرعها قادة وأمراء وشرعيي التنظيم برؤوس مقاتليهم.
على الضفة الأخرى نجد أن الأمريكان وكأنهم يقولون نحن قمنا بما علينا وأن الكرة الآن بالملعب الروسي لإتمام المهمة كون وجود وتحركات التنظيم تقع في مناطق نفوذ الروس وحلفائهم.
أيضاً، الروس تلقوا ضربات موجعة على يد تنظيم “داعش”، و أدركوا أن خطر التنظيم يتمدد لأماكن باتت معها مواقعهم بخطر شديد، خصوصاً الموجودة في مدينة تدمر ومحيطها، لذلك أعلنت قيادة قاعدة “حميميم” عن إطلاق عملية عسكرية للقضاء على تنظيم “داعش” في البادية السورية أسمتها “الصحراء البيضاء” رداً على مقتل الجنرال روسي (اللواء فيتشسلاف غلادكيخ) بعد أن وقعت دوريّة للجيش الروسي في حقل ألغام زرعه مقاتلو التنظيم شرق مدينة “السخنة” في بادية “حمص”، ما أسفر عن مقتل الجنرال وإصابة آخرين.
هل نجح الروس بتحضيرات المعركة؟؟
لضمان نجاح أي معركة يجب أن تتوفر لها المقومات وأهمها الاختيار الصحيح لعناصر المعركة القادرة على تنفيذ المهام الموكلة بعد تدريبهم وتزويدهم بمعدات المعركة التي تتناسب مع حجم وطبيعة المهام.
وضباط التخطيط العملياتي في غرف العمليات العسكرية الروسية يدركون أيضاً أن أهم عناصر النجاح بالعمل العسكري بعد اختيار الأدوات والحليف القوى هو عملية قطع الموارد البشرية والمادية عن العدو، وهذا ما لا يتوفر بحيثيات المعركة القادمة لأن موسكو تدرك أنها فاقدة للحليف والشريك الصحيح القادر على تطبيق الخطط التي أفرزتها خرائط غرف العمليات في قاعدة “حميميم”.
التجربة ومعايشة الوقائع للجانب الروسي تقول إن حلفاءها من إيران ومن حزب الله وحتى نظام الأسد هم خير شريك وحليف لتنظيم داعش.
ألم يقم نظام الأسد وحلفاؤه من إيران وحزب الله بالحرب على فصائل الجيش الحر في “مخيم اليرموك” والتخلص منهم جميعاً عدا مقاتلي “داعش” حيث قاموا بنقلهم وتحت أنظار الجميع إلى وادي اليرموك بريف محافظة “درعا” معززين مكرمين بدل القضاء عليهم؟
ألم يطبق الجيش اللبناني الحصار على عناصر تنظيم “داعش” بالقلمون الغربي على الحدود اللبنانية بمعركة “فجر الجرود”، وبدلاً من قتلهم أو أسرهم كان لـ “حزب الله” رأيٌ آخر عندما قام بنقلهم بالحافلات المكيفة لمحافظة “دير الزور” ومنع عن الجيش اللبناني انتصاراً كان قادراً عليه؟؟
أحد ضباط جيش الأسد يقول في حديث خاص “تم نقله لنا”: إن المستغرب عندما تقوم وزارة الدفاع السورية بإعطاء أوامر بتشكيل محارس صغيرة على أوستراد “دمشق_بغداد” وبتعداد صغير من العناصر غير المدربة، ويُطلب منا تزويدها بمستودع ضخم من السلاح والذخائر لا يتناسب مع حجم الطاقم البشري ولا يتناسب مع خطورة المكان لقربه من أماكن نشطة لتنظيم داعش، ولنفاجأ بعد أيام قليلة بأن تنظيم “داعش” قد قام بقتل عناصر تلك المحارس واستولى على مستودعاتها من الأسلحة والذخائر، وكأنه يقوم بإمداد تنظيم داعش بالسلاح وتعويض النقص الذي يعانيه لاستمرار وجوده على الجغرافية السورية.
(لكن هذا لا يعني أن تنظيم “داعش” عجينة لينة وأداة طيعة بيد نظام الأسد وإيران، بل يمكن القول إنهم يتقاتلون أحياناً بمكان ويتوافقون أحياناً بمواقع أخرى ويتبادلون المنافع والخدمات وأن التحالفات التي تجمعهم هي تحالفات منفعية تزول بالوصول للأهداف المحددة لكلا الجانبين، والتجربة علمتنا أنهم يختلفون بأشياء كثيرة لكن الشيء الوحيد غير المختلف عليه هو كيفية وأد الثورة وقتل الجيش السوري الحر).
أيضاً، الروس يعلمون أن كافة ميليشيات إيران ومن يعمل معها من حزب الله وفاطميون وزينبيون وغيرهم لا يشاركون بأي عملية يكون طرفها الآخر تنظيم داعش ويضعون مبررات متعددة غير واقعية.
الروس اليوم بورطة حقيقية، تنظيم داعش يتمدد وباتت عملياته تشكل خطورة حقيقية على ما يسميه الروس “إنجازات” داخل الأرض السورية، وتزداد الورطة كون الشريك اللازم والكافي للقتال غير موجود في ظل غياب خبرات للجيش الروسي بالقتال الصحراوي والقتال بظروف جوية لا تتناسب مع إمكانيات وطبيعة الجيش الروسي غير الكافي أصلاً من حيث التعداد في الجغرافية السورية، وأن الاكتفاء بالزج ببقايا جيش الأسد لا يكفي، لأن كل العمليات التي قام بها هذا الجيش سابقاً كانت فاشلة عسكرياً بسبب استنزاف قوتها، وغياب القدرات البشرية أو الفنية أو المادية لخوض هذه المعركة، وغياب الدافع الأساسي الذي يحرض جيش الأسد على القتال وهو “التعفيش” (كون البادية السورية فارغة ولا توجد فيها مناطق مسكونة يمكن تعفيشها)، وفي ظل رفض عناصر المصالحات الالتحاق بجيش الأسد وانتهاء الرصيد البشري من الموالين للنظام في الساحل السوري أو رفضهم معظمهم الانضمام لجيشه، وزاد “الطين بلة” على الروس، قرار الانسحاب مجهول السبب لشركة مرتزقة مقاتلي “فاغنر” من دير الزور (وقد يكون انسحابها من كامل الجغرافية السورية) والذي وضع الروس بورطة جديدة.
الروس يدركون أيضاً أن سحب كامل وحدات “الفيلق الخامس” و “لواء القدس” (لواء القدس تستخدمه موسكو رأس حربة بالقتال ضد داعش في البادية السورية) التابعين لقاعدة حميميم من مواقعها في أطراف حلب وإدلب للقتال بالبادية السورية سيشكل فراغاً بالنفوذ ستستغله إيران بالسيطرة على ما تبقى من مدينة حلب ومحيطها.
جنرالات قاعدة حميميم وعلى رأسهم قائد قاعدة حميميم “الكساندر تشابكو” يرسلون البرقيات المستعجلة لمقرات عملياتهم في موسكو تختم جميعها بسؤال: ما العمل … نحن بورطة؟؟
———————————–
=================
تحديث 21 كانون الثاني 2021
———————-
الأسد يحكم “سوريا المفيدة” ولكن ما مصير مستقبل البلاد؟/ سوسن مهنا
يبدو وكأنه قد مرّ وقت طويل، منذ أن أجريت الانتخابات الرئاسية في سوريا في الثالث من يونيو (حزيران) 2014. أمور كثيرة تغيرت في الإقليم، ونشأت تحالفات وانتهت أخرى. وتغيرت سياسات ونوايا من كانوا يعدّون حلفاء للنظام السوري ومن هم اللاعبون الأساسيون على الساحة السورية اليوم، تشابكت المصالح وتعقدت لدرجة أنه حتى الحلفاء غرقوا في المستنقع السوري، فتبدلت أدوارهم ليتحولوا إلى خصوم يتناتشون الجبنة السورية، ما سيكون له أثر على مستقبل نظام دمشق ووحدة سوريا، علماً أن الكثيرين من السوريين الموجودين في الخارج والداخل، لا يعولون على تغيير جذري قد يحصل في الانتخابات المقبلة.
المسودة الروسية
تعد الانتخابات الأخيرة التي أجريت 2014 أول انتخابات متعددة المرشحين منذ وصول حزب البعث إلى السلطة في انقلاب 1963، ووفقاً لقانون الانتخابات، بحسب الدستور الجديد، الذي اعتمد في أعقاب الاستفتاء الدستوري السوري 2012، فقد تغيّرت طبيعة الانتخابات الرئاسية من استفتاء إلى اقتراع متعدد المرشحين، ووفق هذا القانون الذي اعتمده البرلمان السوري في أوائل عام 2014، يقصر الترشح على الأفراد الذين عاشوا في سوريا على مدى السنوات الـ10 الماضية، بالتالي يمنع المنفيون من الترشح، وكانت مسودة المشروع الروسي للدستور السوري (2017) قد حددت قواعد لانتخاب رئيس الجمهورية السورية وبقائه في السلطة، تسمح للرئيس الحالي، بشار الأسد، بتولي هذا المنصب، نظرياً، حتى عام 2035. ويعني هذا نظرياً أن الرئيس السوري الحالي، الذي يتولى منصبه منذ عام 2000 وتمت إعادة انتخابه عام 2014 لسبع سنوات أخرى، يمكنه، وفقاً للمسودة الروسية، أن يشغل كرسي الرئيس مرتين أخريين على الأقل، أي أن يتولى هذا المنصب حتى عام 2035 في حال إجراء انتخابات رئاسية في عام 2021، أي عندما تنتهي صلاحياته، وفقاً لقواعد الدستور الذي أعدته روسيا. وتعقد الانتخابات المقبلة بين 16 أبريل (نيسان) و16 مايو (أيار) 2021، ومن الأسماء التي أعلنت عن ترشحها بشار الأسد، مرشح حزب البعث، وجمال سليمان، ممثل ومرشح تيار الغد السوري، وفهد المصري، مرشح مستقل، وعبدالله الحمصي، مرشح مستقل.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين قد صرح في الرابع من يناير (كانون الثاني) الحالي، أن دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في سوريا، تقوض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية في هذه الدولة، وأضاف في حديث لوكالة “نوفوستي”، “على الرغم من العوامل السلبية والقيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، تواصل العمل في جنيف اللجنة الدستورية الخاصة بسوريا”، وتابع، “في غضون ذلك، تظهر تصريحات في بعض المحافل الدولية حول التبني العاجل لدستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا. وهذا يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم، وفي الوقت نفسه يقوضون استقرار عمل مؤسسات الدولة السورية”.
الثوار والنظام جميعهم خسروا
في مقال للكاتب جورج مالبرونو في صحيفة “Le Figaro” بتاريخ 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعنوان “أنقذ بشار الأسد سلطته، لكنه يحكم حقلاً من الخراب”، يطرح مالبرونو أسئلة عدة، “هل ستتخلى موسكو عن الأسد؟ هل تستطيع إيران الانسحاب؟ وهل سترد تركيا على العقوبات الأميركية الأخيرة بشن هجوم جديد على أعدائها الأكراد السوريين؟ قبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية في دمشق تستمر المسلسلات الدرامية السورية في تأجيج التكهنات”، يتحدث خلال المقال مع المعارض السوري ميشال كيلو (82 سنة) اللاجئ في فرنسا، ويخلص إلى نتيجة أن عام 2021 هو عام التجديد لبشار الأسد، ما لم تجد روسيا بديلاً، وهذا احتمال ضئيل، فسوريا بلد يجب أن يبقى تحت السيطرة، يقول كيلو، “الثوار والنظام جميعاً خسرنا، رفض النظام الحل السلمي في بداية الثورة، وفقدت الثورة وحدتها، قوضها نفوذ الإسلاميين. جاؤوا بأسلحتهم، وامتصوا ثورة الحرية لقيادة ثورة مضادة”، وبرأي المعارض السوري أنهم كانوا “ساذجين”، “كان لا بد من إيجاد حل مع النظام، قبل أن يصبح الصراع بين الأطراف السورية جزءاً صغيراً من الحرب”، “لكن النظام لم يكن يريد ذلك أبداً، وكان من الصعب معرفة الأمر، وأعتقد الناس أن الأميركيين سيتدخلون”.
ويردف قائلاً، “في النهاية، لم نفهم نحن ولا النظام أن المعارضة التي ننخرط فيها ستختفي بتدخل قوى عظمى مثل روسيا وتركيا وإسرائيل وإيران والقوى الإقليمية”، واستمرت الحرب منذ ذلك الحين، ولكن من أجل لا شيء، لا يمكن للنظام ولا لنا نحن، المعارضين، أن نقرر ما نريد، تركيا تقرر عنا وبالنسبة للنظام من يقرر هو إيران وروسيا، وإذا كان الرئيس السوري قد سحق الثوار فذلك بفضل دعم إيران وروسيا فقط.
بحسب مالبرونو، يلعب النظام من أجل بقائه، ويمارس قمعاً دموياً، تنازل عن المدن ولم يكن لديه خيار سوى طلب المساعدة من حلفائه، “حزب الله” اللبناني عام 2013، ثم إيران وميليشياتها الأفغانية والعراقية، وأخيراً روسيا اعتباراً من عام 2015، لم يتردد النظام في لعب الورقة الجهادية، واستغلال التقاعس الدولي، للقيام بقصف ضواحي دمشق بالغاز في صيف 2013، “تمت إبادة الشعب ولم يسلم أنصار الأسد من الإبادة”، يقول كيلو. وتبعاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، “قتل 117 ألف مدني و22 ألف طفل، وفقد كل من النظام 130500 مقاتل، و”حزب الله” 1700 مقاتل، والمتمردين 57000 و67500 جهادي، ولا تشمل هذه الحصيلة 88 ألف شخص ماتوا تحت التعذيب في سجون النظام”، “الحدود الدولية لسوريا في أيدي الأجانب بنسبة 80 في المئة، لا يسيطر النظام إلا على المعابر المؤدية إلى كسب، شمال لبنان، وقليلاً على طول الأردن، إلا أن الحدود هي أحد الرموز الرئيسة لسيادة أي بلد”.
العالم ملزم بإعطاء بديل للسوريين
يقول فابريك بالانش، العالم الجغرافي والمتخصص في الجغرافيا السياسية لسوريا ولبنان والشرق الأوسط بشكل عام، “استسلم الروس في إيجاد بديل عن الأسد”، باعتراف الجميع، كما أن الأسد لا يسهل عليهم الأمر، لكن التدخل الروسي في سوريا منح موسكو مزايا”، يضيف الباحث، “وجود موطئ قدم في البحر المتوسط، ومحطات رادار في تدمر، واختبار معدات عسكرية لبيعها في العالم، وكوسيط بين إسرائيل وإيران، الروس واقعيون، يعرفون أن سوريا غير قابلة للإصلاح مع الأسد، لكن من دونه ستحل الفوضى”، “لكن الأسد يعرف تماماً أن أفضل حام له، هي إيران التي لن يتركها”.
يعترف ميشال كيلو أنه على المدى القصير، لا شيء جيداً للمعارضة وصحيح أن الروس موالون للأسد، لكن إذا ما قال لهم الأميركيون، لنجلس إلى طاولة واحدة لإيجاد اتفاق قد ينشأ أمل جديد لإنهاء الجحيم السوري، ومع هذا، فإن كيلو “لا يأمل بشيء من إدارة بايدن”، ولكن بعد 10 سنوات من التضحيات، في هذه الحرب المتقلبة، لا يزال هناك شيء واحد مؤكد بالنسبة لكيلو، “أن الناس لن يعودوا إلى الأسد إذا اختار العالم إبقاء الأسد. كما أن العالم ملزم بإعطاء بديل للسوريين”.
الداخل السوري
ماذا عن الداخل السوري، كيف يتحضر وماذا يقول؟ من سيترشح بوجه الأسد من داخل سوريا؟ وهل الانتخابات ستكون شكلية صورية؟ أم أنها حقيقية؟
يقول عضو المجلس الشعب السوري أحمد مرعي، “القراءة السورية للانتخابات الرئاسية هي أنها استحقاق دستوري، يجب أن يتم بوقته ووفق الشروط المنصوص عليها في قانون الانتخابات ووفق الدستور”.
وعن وجود مرشحين، يشير إلى أن هذا الأمر يحدده قانون الانتخابات كما حصل عام 2014، كان هناك مرشحون بالإضافة إلى الأسد، ويعتقد مرعي أن هذه المرة أيضاً، سيكون هناك أكثر من مرشح، ويضيف أن “هذا الاستحقاق مرتبط بصورة سوريا إلى الخارج بعد حرب دامت 10 سنوات للقول إن سوريا وصلت إلى برّ الأمان، وتستطيع أن تجري كل استحقاقاتها الدستورية، أيضاً يظهر الموقف الأميركي واضحاً من هذه الانتخابات، عبر زيادة الضغوط من أجل فرملة هذا الاستحقاق، أو قراءته من زاوية أخرى، خصوصاً أن كل الضغوطات الأميركية لم تجدِ نفعاً”.
وعن شكلية أو حقيقة هذه الانتخابات، يرى عضو الشعب السوري أن “لكل بلد طبيعته الخاصة، وهذه الانتخابات ليست شكلية صورية بل حقيقية، بما تعنيه أن هناك انتخابات تجرى كل سبع سنوات، ويقول السوريون كلمتهم”، ويشير إلى أن دور المعارضة السورية سيكون وفق ما يقرره الدستور ونظام الانتخابات.
أما عن السؤال إذا ما كانت السيدة أسماء الأسد زوجة الرئيس الحالي ستترشح، يقول، “حتى اللحظة لم ينطلق سباق الرئاسة”.
الأسد يستعين بالأصدقاء اللبنانيين
وكان راج بعض المعلومات عن تواصل مقربين من الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية (الذي يفاخر بصداقته مع الأسد) مع معارضين يعيشون في الخارج، وهذا الكلام أكده أكثر من مصدر سوري معارض.
وللتأكد من صحة هذه المعلومات تواصلت “اندبندنت عربية” مع معارضين مستقلين في المغترب، ويقول أحد المصادر (الذي تمنى عدم ذكر اسمه)، أنه بالفعل، تواصلت معه شخصية من جماعة فرنجية كما سماها، وقالت له إن الأسد عنده نية لمسامحة المعارضين الذين سيعودون إلى سوريا، ولن يحاسبوا أو يعتقلوا.
ماذا عن دور المعارضة السورية الموجودة في الخارج؟
لا يعول المصدر نفسه على دور كبير للمعارضة في الانتخابات المقبلة المؤلفة من هيئة التفاوض والإئتلاف ومنصتي القاهرة وموسكو، وهيئة التنسيق، والعسكريين ومستقلين، ويقول، “إنهم لم يتفقوا على أمور شكلية إلى الآن، منها الجمهورية السورية أو الجمهورية العربية السورية، النشيد الوطني، ما هي ألوان العلم السوري، وغيرها من الأمور”، لكن يعوّل على السياسات المتغيرة في المنطقة والتي أدت إلى تسارع الأمور، خصوصاً بعدما بدأت اتفاقيات السلام مع إسرائيل، إضافة إلى اتفاقية “العلا” التي نصت صراحة على “إخراج القوات الإيرانية، ولم تشر إلى تركيا”، بحسب المصدر.
ويشرح أيضاً أن “سوريا كما نعرفها قد تغيرت، وما يهم النظام حالياً هو السيطرة على “سوريا المفيدة” وهي المنطقة التي تمتد من دمشق إلى القلمون وحمص ودرعا وحماة، وصولاً إلى طرطوس واللاذقية وحتى الحدود التركية”، “لكن سوريا” هذه لا تزيد على 25 في المئة من مساحة سوريا الكاملة، أما سوريا الأخرى المفيدة اقتصادياً والتي تستحوذ على قرابة 70 في المئة من الثروة الوطنية وأهمها منطقة الجزيرة الخاضعة للنفوذ الكردي، والتركي والأميركي، وما تبقى من المعارضة المسلحة، وهذا ما يجعل السلة الغذائية ومصادر الطاقة خارج سيطرة النظام، ما يحول “سوريا المفيدة” سياسياً الخاضعة للاحتلالين الروسي والإيراني إلى عبء عليهما، لأنهما لا يملكان الموارد الكافية لمساعدة النظام على الصمود، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
رسائل إلى إسرائيل
ويعلق على ما تناقلته وسائل الإعلام عن لقاء جمع الأسد بمسؤول أمني إسرائيلي، وبحضور عسكري واستخباراتي روسي في قاعدة حميميم في سوريا، ويقول قد يكون صحيحاً وقد لا يكون، لكن يشير إلى أن الأسد “يعي تماماً أن هناك توجهاً دولياً لإقصائه عن الحكم، عدا عن أن نظامه في حال تآكل، لذا هو قد يكون بدأ بإرسال رسائل إلى الإسرائيليين في محاولة لاستمالة الغرب، ومنها ما قام به رجل الأعمال الأردني، حسن إسميك، عندما قال للغرب ولإسرائيل، إن دمشق أصبحت تدرك عبء التحالف السوري- الإيراني، والمأزق الخطير الذي تعيشه سوريا، هو لا سلم ولا حرب، والعقبة الأساسية في الحل السوري هي إيران ونفوذها في سوريا”، وهذا من عادات الأسد، أي الدفع برجال أعمال لقول ما يريد ومن ثم التنصل منهم”، ومع هذا يضيف، “إسرائيل ليست مهتمة باتفاق مع نظام الأسد الذي أصبح ممجوجاً متآكلاً، بل تفضل عقد تحالف مع نظام يقوده سني مستقل”.
——————————
السيرة الذاتية لبشار الأسد*/ عدنان عبد الرزاق
نشرت، المستشارة الخاصة لبشار الأسد، لونا الشبل سيرة ذاتية حافلة لسيدها، تمهيداً لحملة انتخابات رئاسية، الأرجح ستتعاظم خلال الشهرين المقبلين، لنقرأ ونسمع ما لا نعرفه عن وريث الحكم، من تطوير سورية وتعظيم سمعتها الدولية، ورغد عيش ورفاهية السوريين.
ولم يحالف الصدق، المستشارة الشقراء، بكل ما اختلقته زوراً، عن بشار الأسد، حتى قبل تسلمه كرسي أبيه، من إصلاحات ونشاطات تعدت الشأن السوري والإقليمي، إلا تاريخ ميلاد الأسد “11 سبتمبر 1965” وهو الصدق الذي أريد منه كذب أو كارثة، أي العمر الذي لا يخول ابن حافظ الأسد ليرث أباه، وفق الدستور السوري الذي عدله برلمان الكركوزات عام 2000 خلال دقائق.
من العبث وإضاعة وقت القارئ ربما، إن حاولنا تفنيد “المسخرة” التي أوردتها الشبل بسيرة ومسيرة بشار، إذ كشفت سنون ما بعد التوريث، حتى الأمراض النفسية وبلاهة رئيس الضرورة والغفلة، بعد موت الرئيس المعد مسبقاً “باسل” على طريق المطار.
بيد أن الهروب من هكذا فرض عين، قد يوقع سوريا وشعبها بكارثة جديدة، بعد التساهل بالتعاطي قبل مرحلة التوريث الثالثة عام 2014، واعتماد السوريين على ضمير العالم وعدالة المجتمع الدولي الذين لم يريا ضيراً من تمديد الحكم لمجرم حرب، كان قد قتل زهاء 1300 سوري عام 2013 بغوطة دمشق، بسلاح تدمير شامل، على مرأى ومسمع الجميع.
لذا، سنضيف أمرين اثنين فقط، على ما أوردته “العشيقة” بالسيرة الذاتية وإنجازات بشار الأسد.
الأمر الأول منجزات بشار الأسد، خلال عشرين سنة من بعد حكم أبيه الذي امتد لثلاثة عقود “دام نصف قرن على حكم أسرة الأسد” والذي أوصل سوريا خلالها، للمراكز الأولى على صعيد قتل الشعب وتهجيره، بعد أن هجّر نصف السكان ليبلغ المركز الأول عالمياً بنسبة 8.25% ممن هجرتهم بلادهم بنهاية عام 2020 بعد أن قتل وأعاق نحو مليوني سوري.
وأما الأمر الثاني، فهو فقر السوريين وتجويعهم، بعد أن زادت نسبة البطالة عن 83% والفقر عن 90% لتكون حاويات القمامة، مقصد كثير من السوريين، بعد أن ارتفعت الأسعار بنحو 15 ضعفاً في حين آثر تثبيت الأجور، كحالة قصاص وتخيير، الفقر والإرهاب أو أنا.
وليبتعد الطرح عن الاتهامية من دون أدلة، تقول مراكز بحثية من دمشق، أن تكاليف معيشة الأسرة السورية، ارتفعت من 660 ألف ليرة بداية الربع الثالث من العام الماضي، إلى 732 ألف ليرة حاليا. في حين لا يزيد متوسط الدخول عن 60 ألف ليرة.
ولأي قارئ أن يتفكر، في كيفية تدبر معيشة السوريين، وما يمكن أن يبيعوه ويتنازلوا عنه ويؤجلوه، فقط ليبقوا على قيد الحياة، بعد أن بات الخبز أمنية وحبة الفواكه حلماً، والتعبير عن العوز والموت جوعاً، جريمة تتراوح بين تمويل المتطرفين ووهن نفسية الأمة.
قصارى القول: ربما “الاتفاق بين المعارضة” من أهم ضرورات الرد على “السيرة الذاتية” للأسد وما سيليها من تضليل وحملات ترويجية، والاتفاق هنا لا يقتصر على عدم الوقوع بفخ الترشح مقابل بشار الأسد والانسياق وراء وعود مراقبة الأمم المتحدة، بل بنسف أكاذيب الحلفاء ونشر الحقائق بسيرة ومسيرة وريث السلطة، لوضع كل من يدعم بقاء الأسد، بالسطلة أو خارج قاعات المحاكم، بورطة الشريك والمتستر على المجرم.
ولكن، لو سألنا السوريين الآن، كم عدد الشهداء الذين قتلهم بشار الأسد وعصابته، منذ مطلع الثورة حتى اليوم، كم عدد المغتصبات، كم عدد المعتقلين وكم وكم بعدد جرائم الترويع المستمرة على عشر سنوات.
أرجح الظن، ليس هناك من إجابات محددة أو “اتفاق” حول حملات مضادة للرد على ما نشرته المستشارة الخاصة” الشبل” أو ما سنراه من ترويج تدريجي لبقاء ابن أبيه على الكرسي، على أنه الضامن الوحيد لأمن جميع السوريين، وبحال اختلاف الروايات وتباين أرقام القتلى والمغتصبات والمهجرين، ستكون الكارثة الكبرى التي سيتكئ عليها الأسد ومروجوه، بأن ادعاءات السوريين كيدية لإبعاد الرئيس السوري عن متابعة الإصلاح والتطوير وهزيمة المؤامرة الكونية..فانتهبوا !!
نهاية القول: تتضارب أرقام القتلى السوريين، منذ بداية الثورة حتى اليوم، وفارق التضارب يصل لدرجة الهائل، ففي حين تقول منظمات دولية أن عدد القتلى 200 ألف سوري، تقول أخرى سورية ودولية إن القتلى تجاوزا 400 ألف سورية ويدلو المرصد السوري لحقوق الإنسان، بدلوه بالقول: إن عدد القتلة بلغ 380 ألفاً و636 شخصاً، بينهم أكثر من 115 ألف مدني، منهم نحو 22 ألف طفل، وأكثر من 13 ألف امرأة.
والحال ينسحب على المعتقلين والمغتصبات والمهجرين، ما يعني “الاختلاف لا الاتفاق” قد يكون نقطة ضعف بدل أن يكون دليل الجريمة القاطع، وربما يستغله “الآخر” سواء حملة الأسد داخل سورية أو أنصاره والشركات المنتفعة بالخارج، لدحض مقولة المعارضة ووصفها بالكذب والتهويل.
وهنا، يقفز ما استغلته آلة الدعاية الصهيونية، بعد مجزرة جنين “الجدار الواقي” عام 2002 حينما بالغت بعض وسائل الإعلام العربية بعدد القتلى، فتركت إسرائيل والعالم مقتل 1300 فلسطيني بأول مذبحة بالقرن العشرين، ومسكت المبالغة والتهويل وقلبت الطاولة على الفلسطينيين.
إذا، يكفي السوريين اليوم، أن يتفقوا على عدد القتلى تحت التعذيب، وهو رقم موثق بعد أن دوّله “قيصر” وحوّله لقضية رأي عام عالمي، ويكفي اعتماد قتلى الكيماوي بالغوطة، وهما جريمتان لا يمكن للأسد ومستشارته ولا لمروجيه، دحضهما أو إشراك المعارضة بهما، ويكفي التذكير بعدد المهجرين الذين يؤرقون العالم المتحضر، للانطلاق منهم بتعرية جرائم الأسد، لتحويله من مرشح رئاسة إلى محاكم “لاهاي” وإضافة، للتاريخ والأجيال، ما فات لونا الشبل ذكره بالسيرة الذاتية.
زمان الوصل
————————-
موسكو والحل السّوري: وظيفة إسرائيل!/ محمد قواص
لا يهمّ أن ينفي النظام السوري أنباء عن اجتماع سوري إسرائيلي، برعاية روسية، جرى في قاعدة حميميم شمال سوريا. أن يحصل هذا اللقاء أو لا يحصل، فذلك التفصيل ستتم إدانته أو الترحيب به وفق ديباجات دبلوماسية تقرها مصالح دمشق والأطراف المشرفون على تحديد مصير النظام هناك. وما يهم فعلاً ملاحظة أن آلة الحرب الإسرائيلية التي تفتك نوعياً بالبنى التحتية لإيران وميليشياتها في سوريا، باتت تتيح لإسرائيل أن تملك اليد الطولى، وربما الأولى، في تحديد مستقبل أي تسوية تنهي مأساة هذا البلد.
كان لإسرائيل الكلمة الفصل في تحديد مسارات المزاج الدولي من أزمة سوريا منذ اندلاع الصراع هناك عام 2011. لم تبد إسرائيل ارتياحاً الى تحرك سفراء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة لدعم تظاهرات المعارضين في مدينة حمص ذلك العام، وعارضت أي جهد غربي من شأنه أن يمثل تهديداً لأمن النظام وديمومته.
ثبت لاحقاً أن لوبي إسرائيل في الولايات المتحدة كان نشيطاً في التأثير في قرارات واشنطن، خصوصاً لجهة الحد من تقديم أي دعم نوعي للمعارضة السورية من شأنه قلب الوضع السوري “المعلوم” بالنسبة الى إسرائيل، والانزلاق نحو فوضى “مجهولة” التداعيات على أمنها ومصالحها.
لم تكن أهمية إسرائيل في تحديد مصير النظام في سوريا خافية على أهل الحكم هناك. أرسلت دمشق رسائل مبكرة، من خلال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، ومن على صفحات جريدة “النيويورك تايمز” الأميركية. أطلق الرجل في أيار (مايو) 2011 جملته الشهيرة: “لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا”.
بدا أن أمن إسرائيل مفصلي في بناء موقف دولي مما يجري في سوريا. كانت دمشق تدرك دائماً ذلك وتمارس خبثاً ماكيافيلياً في مقاربة الأمر، بحيث لا ينطلق أي خطر ضد إسرائيل من الأراضي السورية، على أن تشجع أخطاراً تصدر من أراضي الآخرين (لبنان خصوصاً).
بالمقابل، كانت إسرائيل تعي أهمية دور دمشق في المحافظة على أمنها الحدودي، وقادرة على التعامل مع النظام السوري حين يخترق حدوداً حمراً في هذا الصدد. ولئن انخرط النظام السوري في خيارات سياسية معادية لإسرائيل، إلا أن الأخيرة كانت راضية بأداء دمشق وأخطارها المحسوبة وبدت قلقة من البدائل المجهولة.
وقد ظهر أن استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في الغوطة شرق دمشق في آب (أغسطس) 2013 اخترق تلك الخطوط الحمر. ولم يكن التحرك الأميركي في ذلك الحين عاجلاً نصرة لأهل تلك المناطق، بقدر ما كان رادعاً لما يعتبر خطراً على إسرائيل. وما التدخل الروسي لتهدئة الموقف آنذاك والوعد بسحب ترسانة النظام الكيماوية، إلا تدبيراً لطمأنة إسرائيل أسس لاحقاً لتطور التنسيق الروسي الإسرائيلي الذي مهد لتدخل موسكو العسكري في سوريا في خريف 2015.
كان جلياً أن أمن إسرائيل أولوية دولية أباح لها حرية العمل العسكري في سوريا من دون حسيب أو رقيب. حظي الأمر بدعم أميركي أوروبي، وصمت صيني، وتواطؤ روسي واضح. حتى أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة من أن بلاده طلبت مرات عدة من إسرائيل إبلاغها بمصادر ما تراه خطراً في سوريا للتعامل معه، تؤكد، ولا ترفض، حق إسرائيل الكامل في تحديد الخطر وضربه، وتناشدها بالمقابل تزويد موسكو بالمعلومات عن هذه الأخطار.
وتمثل الضربات النوعية والواسعة التي شنتها إسرائيل أخيراً على مواقع في شرق سوريا تابعة لإيران وميليشياتها تحولاً استراتيجياً لافتاً حيال الوجود الإيراني في سوريا، من حيث الانتقال من مستوى التحذير والردع إلى مستوى الاجتثاث. ذلك التطور ليس بعيداً عن استراتيجيات الولايات المتحدة، حتى تحت إدارة الرئيس الجديد جو بايدن، وليس متناقضاً مع تمنيات روسيا التي لا يضيرها تقلص النفوذ الإيراني في هذا البلد.
على أن أنباء اجتماع حميميم الذي نفت دمشق حصوله، لم تنفها أوساط موسكو، على نحو يجعل من احتماله حقيقياً. والاجتماع في ما حمل من معلومات عن مفاوضات حول شكل النظام المقبل في سوريا، يتبع في السياسة منطق ما تستهدفه إسرائيل بالعسكر، من توق إلى قيام “بديل” سوري يوفر لإسرائيل ما كانت توفره دمشق منذ اتفاقية فك الاشتباك عام 1974.
وإذا ما كانت موسكو تهيمن على ميادين الحرب والدبلوماسية في سوريا، فإنها باتت تحتاج إلى الوظيفة الإسرائيلية هذه الأيام لتسويق نسختها التسووية السورية لدى الولايات المتحدة وشركائها في الاتحاد الأوروبي، قبل أشهر على الانتخابات الرئاسية السورية المزمع إجراؤها في نيسان (أبريل) المقبل.
قدمت إطلالة لافروف، الإثنين الماضي، حول سوريا لإدارة بايدن إحداثيات خريطة طريق تعتمد على ثوابت ومتغيرات.
في الثوابت أمن إسرائيل وحقها في التخلص من أي أخطار تخرج عن الفوضى السورية، وأن لا دفاع ولا تمسك بحضور إيران العسكري وميليشياتها التابعة.
في الثوابت أن الوجود العسكري الأميركي (غير الشرعي وفق تعبيره) هو أمر واقع على أن لا يتعرض لمواقع تابعة لنظام دمشق (دون غيرها).
في الثوابت أن موسكو رقم مفصلي في تحديد مستقبل سوريا وجب على واشنطن الإقرار به كما أوروبا وإيران وتركيا.
في الأيام الأخيرة حرّكت موسكو 300 جندي صوب الحسكة غير البعيدة عن المواقع الأميركية شرق الفرات. في الثابت تقول موسكو “الأمر لي”. وفي المتغير ما يمكن لشراكة روسية إسرائيلية أن تدخله على رقعة اللعب حول سوريا.
تغيّرت أمور كثيرة في سوريا منذ “إنذار” رامي مخلوف لإسرائيل. لم يعد الرجل من الثوابت في النظام، فيما ما زالت دمشق ومن ورائها موسكو تستدرج إسرائيل نحو وظيفة ترمّم مستقبل النظام بعدما صانت سابقاً مصائره. يبقى أن موسكو تتأمل الوجوه التي اختارها بايدن في إدارته والتي تجمعها ثابتان: الدعم المطلق لإسرائيل وسوابق في الدعوة إلى تدخل عسكري أكبر في سوريا.
النهار العربي
————————-
النظام السوري يترنح بين الخطف والتحايل على “قيصر“
تشدد دولي بتطبيق العقوبات بحق النظام السوري وإغلاق مصادر إمداده بالأوكسجين على دفعات (غيتي)
في تطور لافت، أضاف الاتحاد الأوروبي، وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى قائمة العقوبات الأوروبية ومنعه من دخول أراضيه.
يأتي هذا بعد سلسلة عقوبات فرضها الاتحاد وآخرها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على ثمانية مسؤولين في حكومة الأسد الجديدة، ما يشير إلى تشدد دولي بتطبيق العقوبات بحق النظام وإغلاق مصادر إمداده بالأوكسجين على دفعات.
وكان جويل ريبورن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، رفض البيان الصادر عن الخبيرة الأممية لحقوق الإنسان ألينا دوهان، التي اعتبرت فيه أن تطبيق قانون “قيصر” سيؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في سوريا، ويعرض المواطنين لخطر أكبر من انتهاكات حقوق الإنسان.
وقال إن “محاولة المقرر الخاص إلقاء اللوم على العقوبات الأميركية في الأزمة الاقتصادية السورية هي محاولة مضللة وباطلة”، مضيفاً أن “اللوم في الوضع الاقتصادي السوري والأزمة الإنسانية يقع على حرب النظام الوحشية ضد الشعب السوري، وليس على العقوبات الأميركية”، مشدداً على أن عقوبات “قيصر” على النظام هي لحماية المدنيين في سوريا ومن أجل قطع الموارد التي يستخدمها النظام في حربه.
جويل ريبورن
ويعد جويل ريبورن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، من الشخصيات ذات الخبرة الطويلة في المنطقة وعلى إلمام كبير بتفاصيل ما يحصل في دمشق، ويتمتع بعلاقات جيدة بكل المكونات السورية، أيضاً له علاقة مع المسؤولين عن الملف السوري في كل الدول المؤثرة.
زار الإمارات والأردن والتقى ديفيد شينكر ومعارضين سوريين، ما يدل على اهتمام أميركي واضح بموقف الشعب السوري لتحقيق طموحاته.
ريبورن الذي كان قد أكد في مقابلة إعلامية، “أن مستقبل عائلة الأسد يجب أن يقرره الشعب السوري”، توقع أن قدرة النظام حالياً على الاستمرار أصبحت أضعف، ولا يجب أن يتفاجأ الجميع إذا بدأ بالانهيار بسرعة، مضيفاً أن قانون “قيصر” سيكون له دور هام، لمنع استغلال الانتفاع من العلاقات مع النظام السوري، وله سلطة كبيرة لعزل دمشق عن دول المنطقة.
وأوضح أن العقوبات الأميركية على النظام السوري ستستمر من قبل الإدارة الأميركية القادمة، بخاصة في ظل وجود إجماع من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على قانون “قيصر”.
وسائل الأسد للتهرب من العقوبات
في المقابل، نشر موقع “FUSE” الأميركي، تقريراً بتاريخ 28 ديسمبر (كانون الأول) 2020، عن ناقلة الغاز المسال “Melody”، التي بحسب التقرير تتنقل بين ألبانيا وسوريا، لنقل الغاز المسال إلى ميناء بانياس على الساحل السوري، في انتهاك للعقوبات الأميركية المفروضة على نظام الأسد.
ويورد التقرير، أن بعض الشبكات التي فرضت واشنطن العقوبات عليها عام 2015، طورت تكتيكات معقدة للتعتيم على أنشطتها البحرية، وإخفاء ملكيتها الحقيقية، ما يدل على نيتها التهرب من العقوبات عبر طرق ضبابية في قطاع الشحن البحري حيث تسود الفوضى.
وأكد موقع Tanker Trackers لتعقب الشحنات وتخزين النفط الخام، وجود الناقلة “ميلودي” على أحد أرصفة ميناء بانياس في الساحل السوري في 3 ديسمبر الماضي.
والناقلة ليست الوحيدة التي تسافر بين ألبانيا وسوريا، حيث وصلت السفينة “جاكوار إس” إلى لبنان من جزيرة كريت اليونانية، ولم تدخل أي ميناء، وفقاً لبيانات تتبع السفن من “FleetMon”، وعندما غادرت السفينة اليونان في 23 سبتمبر (أيلول) 2020، كانت تشير إلى لبنان، وفقاً للموقع، ومن ثم غيرت وجهتها لاحقاً إلى “محطة الزهراني”.
ويضيف التقرير أن هذه الحالة ليست الأولى، بل هناك حالات أخرى لشركات حاولت الاستهزاء بالعقوبات الأميركية والأوروبية ضد نظام بشار الأسد، ويأتي ذلك بعد أن وردت أنباء عن انتهاك شركة دانماركية العقوبات.
ما قصة ناقلة النفط “ميلودي”؟
في سياق متصل، يشير مصدر لـ “اندبندنت عربية” إلى أن شاباً ألبانياً تربطه قرابة مباشرة بأحد كبار المسؤولين جمهورية ألبانيا، سافر منذ 2016 والتحق في صفوف الجماعات المقاتلة في شمال سوريا وانقطعت أخباره، حاولت السلطات الألبانية التنسيق مع مؤسسات الأمم المتحدة والتحالف الدولي، للعثور على هذا الشاب أو الوصول إلى خبر عنه، ولكن من دون نتيجة. ويبدو أن النظام علم بقصة الشاب، فبحث عنه وخبأه، بحسب المصدر الموثوق.
منذ أشهر سافر رجل الدين السوري م. ك. إلى العاصمة تيرانا، والمعلوم أن 60 في المئة من الشعب الألباني مسلم، فأخبره المسؤولون هناك بقصة الشاب، فطلب منهم “بعد أن تم توجيهه بالتعليمات من دمشق” إرسال كتاب رسمي إلى الجانب السوري يطلبون فيه المساعدة، فقام الجانب السوري ونقله إلى مكتب اللواء علي مملوك مستشار رئيس النظام للشؤون الأمنية، حيث أتت طائرة خاصة من تيرانا إلى دمشق لنقل الشاب ع. د. إلى بلده.
ولكن كان هناك طلب للنظام مقابل هذه الخدمة، هي شحنة الغاز التي نقلت إلى سوريا عبر ناقلة ميلودي 8800298IMO… ووفق المعلومات أن هذا الأسلوب “الخطف” حتى لمواطنين سوريين، بات نظاماً متبعاً من قبل النظام السوري، للحصول على الأموال.
وفي هذا السياق يأتي ما كشفت عنه شبكة “بي بي سي” البريطانية، في ديسمبر الماضي، في تقرير لها عن أن السلطات الإيطالية ضبطت نحو 15 طناً من مخدر الأمفيتامين الكبتاغون، أي مايقارب 84 مليون حبة تصل قيمتها المالية إلى نحو مليار دولار. وهذه ليست شحنة الكبتاغون الأولى التي تضبط، يكون مصدرها سوريا.
الغارات الإسرائيلية
في سياق متصل، تأتي الغارات الإسرائيلية التي حصلت ليل الثلاثاء 12 يناير (كانون الثاني) الحالي، على طول الحدود العراقية السورية، واستهدفت مواقع للنظام ولإيران في سوريا، وهي مواقع قريبة من الحدود العراقية، وضربت في إطار عملية خنق لحركة الإيرانيين، وقطع المنافذ المستخدمة للتهريب ما بين العراق وسوريا.
ويصب ذلك في مسار أميركي واضح لقطع طرق الإمداد للنظام. وفي هذا المجال جمع لقاء بين رئيس الاستخبارات الإسرائيلية يوسي كوهين، ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في واشنطن.
ومن هنا جاءت جولة جويل رايبورن إلى الإمارات والأردن للضغط على الدول التي لها علاقة مع نظام الأسد في محاولة لتضييق وإغلاق كل منافذ “تنفس” النظام. حيث بحث رايبورن في الأردن ضبط المعابر مع سوريا، وتشديد الحصار على نظام الأسد.
المتنفس اللبناني
لم يبق منفذ ليمرر عبره شحنات الدعم إلا المعابر اللبنانية، التي طالما اعتبرت “رئة” النظام. ومن هنا تأتي الحركة الكثيفة للطائرات الحربية الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية، ولا ينفصل عن هذا، ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من مشاهد لقوافل على الحدود اللبنانية السورية، التي أشارت إلى أن أكثر من 100 صهريج محمل بمواد نفطية يعبر يومياً إلى سوريا عبر ممرات غير شرعية وغير خاضعة للرقابة الأمنية، وبحسب المعلومات، 40 في المئة من استيراد لبنان النفطي يهرّب إلى دمشق.
——————————
ما السرّ.. بشار الأسد “لَحَس الكوع” عائداً إلى قريش*/ علي عيد
عام 2016 خرج بشار الأسد في مؤتمر يحضره رجال الدّين منظّراً في الهوية السورية، وقائلاً إن السوريين لا علاقة لهم بالأمويين، وإن الأمويين جاؤوا من الصحراء، من قريش، وكان واضحاً وقتها أنه يتحدث عن سوريا أخرى مفصّلة وفق نظرياته، وفي تشرين الثاني 2017 خرج مجددا ليقول إنه لا يريد العروبة باعتبارها تتآمر عليه، لكن بشار نفسه “لحس الكوع” في كلمة له قبل أسبوعين من على منصة تعجّ باللّفات البيضاء في جامع العثمان “الكويتي”، معتبراً أن العروبة مستهدفة بالتفكيك عندما يقال إن سوريا جاءت أصولها من السريانية.
خلال خمسين عاماً من حكم الأسدين استمرأ النظام وحزب البعث كذبة أن دمشق هي قلب العروبة النابض، ولأجل هذه الكذبة تمت جريمة إنسانية بحق ملايين السوريين غير العرب، حيث جرى طمس ملامح الأكراد والسريان والآشوريين والكلدانيين والتركمان، ولم يكن البديل مطلقاً هو مفهوم المواطنة، بل البحث عن دور قسري لتضخيم دور سوريا في المنطقة، ولو أن نظام الأسد استطاع أن يدّعي أن دمشق هي قلب الإسلام النابض لفعلها، لكنها فضفاضة وغير تنافسية، لكنه فعلها بأن صدّر الإرهابيين إلى العراق، وصنّع آلاف الإرهابيين، وكان يستخدمهم عند الحاجة، إلى أن جاء دور استخدامهم في الدّاخل، فكانت الكثير من الفصائل الإسلامية المسلّحة تدار من مكاتب جميل الحسن وعلى مملوك وعبد الفتاح قدسية، وأطلق قياداتهم من سجونه ونشرهم في كلّ المناطق، ولن يكون غريباً إن قلنا إن بعضهم لايزال في أوج عطائه في قيادة مجموعات متشددة.
سياسياً، لا يحتاج خطاب الأسد الجديد لجلسة “فكّ طلاسم”، لأن الرجل منشغل في التحضير للانتخابات القادمة، ويبدو أن المطلوب منه ترك مساحة لعلاقة مع العرب، بعد أن بسطت إيران سجّادتها، كما يبدو أن الروس قانعون بأن إضعاف دور إيران لا يكون سوى بخلق توازن علاقات ومصالح مع الدول العربية، ومن جهة ثانية فإن بقاء الأسد حتى 2028 يحتاج لخطة إعادة إعمار، ولا أحد يستطيع أن يوقد تحت قدر الإعمار سوى المال، وهذا المال موجود عن دول الخليج، وهذا يتطلب مقاربة مختلفة، كأن يخرج سماحة الرئيس السوري مرتدياً العباءة لإرضاء العرب، والعمامة لإرضاء سنّة سوريا الذين ذبحهم ودمّر مدنهم وقراهم وأرسلهم إلى الخيام ودول اللجوء بالملايين.
مقابل رسائل الأسد، ثمة رسائل أمريكية لا تريد إيجاد حلّ في سوريا، وإنما تريدها بلداً مستعصياً لبضع سنوات قادمة على الأقل، فهي تتفرج على القرار 2254 وهو يتحوّل إلى ورشات في الجندرة وقياس تطبيق مدونات السلوك في التخاطب.
يقول صديقي العارف، إن مقولة أن روسيا تتحكم بالشأن السوري هي كذبة كبيرة، فالروسي عندما يخرج من أرضه يتحول من خصم إلى مستثمر صغير بالباطن.
تقودنا كلّ الدلائل إلى أن المحور المطبّع مع إسرائيل وضع خارطة طريق بالتفاهم مع الأمريكيين، وليس الروس سوى شركاء في ذلك، وحتى نفهم أكثر سرّ عودة النبض لقلب العروبة في دمشق، يبدو أن علينا أن ننتظر ونراقب التسويات والمفاوضات في مكان آخر وعلى قضايا مختلفة، فقد يكون طريق دمشق يمرّ من تل أبيب.
———————-
========================
تحديث 22 كانون الثاني 2021
——————————-
مطالع 2011: حين هرب بن علي وتوحّش الأسد/ صبحي حديدي
عندما «هرب» زين العابدين بن علي من تونس، في مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات، صدرت صحف النظام السوري الرسمية الثلاث وكأنّ الخبر المدويّ لم يصل إليها، بل كأنّما «ما في شي» شهده أو يشهده ذلك البلد؛ على غرار ما سيقول حسن نصر الله، بعد سنوات قليلة، عن الانتفاضة الشعبية في مدينة حمص السورية. ولم يكن صمت النظام عن مجريات تونس غريباً، بالطبع، لأنّ بن علي كان أحد أخلص أصدقاء «الحركة التصحيحية» سواء في زمن حافظ الأسد أم وريثه بشار.
ولأنّ الكثير من المراقبين، على صعيد الأوساط الصحفية في الغرب تحديداً، كان مهتماً بما ينتظر سوريا ضمن موجة الانتفاضات الشعبية؛ فقد أجرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية حواراً مطولاً مع الأسد؛ علّق خلاله على انتفاضتَيْ تونس ومصر، وأجاب على أسئلة الصحافيَيْن جاي سولومون وبيل سبيندل بطرائقه المراوغة. جوهر تشخيص الأسد انحصر في أنّ نظامه محصّن ضدّ «الميكروبات» بسبب سياسته الخارجية، «الممانِعة» و«المقاومة»؛ وأنه شخصياً يتبنى المبدأ التالي: «إذا اردتَ أن تكون شفافاً مع شعبك، لا تلجأ إلى أيّ إجراء تجميلي، سواء من أجل خداع شعبك أو لتحظى ببعض التصفيق من الغرب».
مبدأ «الشفافية» هذا سوف ينسفه الأسد بنفسه، سريعاً، حين نشرت «وول ستريت جورنال» النصّ الكامل للحوار يوم 30 كانون الثاني 2011، فجاء في قرابة 13,740 كلمة؛ بينما نشرت وكالة «سانا» الرسمية نسخة من الحوار ذاته، فلم يتجاوز 980 كلمة، وبصيغة فقرات منتقاة. وأمّا عدم اللجوء إلى «الإجراءات التجميلية» فقد لجأ إليه الأسد، سريعاً أيضاً، فأصدر المرسوم التشريعي رقم 9 القاضي بإحداث «الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية»؛ ورفع دعم التدفئة بنسبة 72 في المئة، دفعة واحدة؛ ولوّحت أجهزته بزيادة في الرواتب يمكن أن تبلغ 17٪…
والحال أنّ تلك الإجراءات لم تكن تجميلية فحسب، بل أتت أقرب إلى رشوة متأخرة، إذْ كيف حدث أنّ المواطن لم يكن بحاجة إلى صندوق المعونة الجديد طوال عقد ونيف من سلطة الأسد الابن؟ وكيف كانت حال المواطن، استطراداً، حين كان دعم التدفئة أقلّ بنسبة 72 في المئة؟ والأهمّ من هذا وذاك: أين تبخرت الوعود بأنّ زيادة الرواتب سوف تبلغ 100 في المئة، خلال الخطة الخمسية العاشرة التي انتهت سنة 2010؟ في المقابل، وعلى صعيد أهداف الحريات والحقوق والعيش الكريم التي انتفض من أجلها الشارع الشعبي العربي، لم تتأخر محكمة أمن الدولة، سيئة الصيت وحاوية أبشع مهازل الاستبداد في سوريا المعاصرة، عن إصدار حكم بالسجن خمس سنوات على المدوّنة السورية الشابة طلّ الملوحي؛ في خطوة باغتت بعض الذن علّقوا الآمال على اتعاظ الأسد الابن بما جري ويجري في بلدان عربية شتى، والعجيب أنّ صفوف هؤلاء المباغتَين ضمّت شخصيات سوف تتصدّر منصّات «المعارضة» السورية هنا وهناك.
وقبل اقتياد الملوحي إلى محكمة أمن الدولة، مكبّلة اليدين ومعصوبة العينين حسب رواية وكالة أنباء رويترز، كانت الصبية قد خضعت لأشكال شتى من المهانة والإذلال وبثّ الإشاعات (الحقيرة، المنحطة، التي ابتدعها وأدار طرائق نشرها الفرع 285 التابع لإدارة المخابرات العامة، والتي لم تكن حكاية التجسس لصالح الولايات المتحدة الأمريكية أشدّها وطأة، بل كانت الأقلّ جرحاً… على بشاعتها!). كما تعرّضت أسرتها إلى شتى الضغوط، وأقصى التهديد، حتى بلغ الأمر بوالد الصبية أن أدلى بتصريح صحافي قال فيه إنّ ابنته ليست موقوفة بسبب ما كتبته في مدوّنتها، بل لأنها تخابرت مع جهة أجنبية! والأصل في حكاية الملوحي أنّ رأس النظام (الذي قُدّم في صورة «فتى الإنترنت المدلل» خلال أشهر تدريبه لوراثة أبيه) لم يطق أنّ حفنة مواقع اجتماعية، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والعربية، تبنّت قضية الملوحي.
غير أنّ انطلاقة الانتفاضة الشعبية في سوريا ذاتها، أواسط آذار (مارس) توجّب أن تطلق السؤال الكبير الناحم عن أولى دروس تونس: أيّ فارق بين سلوك العسكر، على صعيد البنية والعقيدة والتربية السياسية، في نظامَيْ استبداد وفساد ومزارع عائلية عربيَيْن: تونس، خلال أسابيع انتفاضة 2011 حتى هروب بن علي؛ وسوريا، خلال الأيام القليلة الأولى التي أعقبت التظاهرات الشعبية، خاصة في محافطة درعا؟ وذاك سؤال لا يصحّ، من حيث المبدأ، طرحه بمعزل عن حقيقة أنّ التاريخ العربي عموماً، والسوري الحديث خصوصاً، اختزن سلسلة دروس حول سلوك العسكر والعسكرتاريا في ظلّ الأنظمة الاستبدادية والشمولية؛ بحيث صار من الواجب البسيط، والضروري، توخي الحذر الأقصى عند الحديث عن أيّ دور وطني أو ديمقراطي للجيوش، وترجيح السيناريوهات الانقلابية والمضادة الأسوأ.
السنوات التي أعقبت هروب بن علي كشفت، تباعاً وربما ليس تماماً حتى الساعة، سلوك الجنرال رشيد بن عمار، رئيس هيئة أركان الجيوش في تونس؛ وما إذا كان قد رفض، بالفعل، تنفيذ تعليمات بن علي وإصدار الأوامر للجيش بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، فأقاله الدكتاتور وسمّى الجنرال أحمد شبير، مدير مدير الإدارة العامة للأمن العسكري، بديلاً عنه. لكنّ التاريخ أثبت أننا، في المثال السوري، لا نقع في حيرة ترجيح المسؤولية عن تنفيذ العديد من المجازر الجماعية، ضدّ أطفال ونساء وشيوخ عزّل أبرياء، في عشرات المدن والبلدات والقرى السورية؛ خلال سنوات الانتفاضة، وقبلها، وطوال عقود حكم آل الأسد منذ 1970.
كذلك حفظ التاريخ أنّ أياً من كبار ضبّاط النظام السوري (رفعت الأسد، قائد «سرايا الدفاع»؛ علي حيدر، قائد «الوحدات الخاصة» وهاشم معلا أحد كبار معاونيه؛ شفيق فياض، قائد الفرقة الثالثة؛ إبراهيم صافي، قائد الفرقة الأولى؛ بدر حسن، قائد الفرقة التاسعة؛ والصفوة العليا من ضبّاط أجهزة الاستخبارات المختلفة…) ممّن تلقوا أوامر باستخدام الأسلحة، الخفيف منها والثقيل؛ لم يهمس ببنت شفة احتجاجاً على استهداف المدنيين، ولم نسمع أنّ هذا عُزل أو ذاك نُقل، لأنه رفض تنفيذ الأوامر.
مجزرة حماة، شباط (فبراير) 1982 كانت أقصى القياس، إذْ قامت كتائب مختارة من «سرايا الدفاع» وأخرى من «الوحدات الخاصة» بمحاصرة المدينة طيلة 27 يوماً، فقصفتها بالمدفعية الثقيلة والدبابات قبل اجتياحها، وسقط عدد من الضحايا يتراوح بين 30 و40 ألفاً، غالبيتهم القصوى من المدنيين العزّل، فضلاً عن 51 ألف مفقود، وتهجير نحو 100 ألف مواطن. كانت حماة، في الجانب الآخر من معادلة الصراع، بمثابة «درس تربوي» شاء النظام تلقينه للشارع السوري بأسره، إسلامياً كان أم علمانياً، فضلاً عن الأحزاب والنقابات والاتحادات المهنية ومجموعات المثقفين. وبالطبع، لم تكن تلك هي المجزرة الوحيدة لأنّ النظام استقرّ، جوهرياً، على قمع روح المعارضة في الشارع السوري بأسره، فتكاثرت الأمثلة: من حصار حلب ومجزرة المشارقة، إلى جسر الشغور وسرمدا ودير الزور واللاذقية، انتهاء بمجزرة تدمر الشهيرة ضدّ السجناء.
وإذْ هرب بن علي، مفترضاً أو عارفاً ربما بأنّ بن عمار لن يرتكب المجازر ضدّ المواطنين العزّل؛ فإنّ الأسد توحّش، مفترضاً ومتأكداً، أنه ما من بن عمار في صفوف جيشه وجيش أبيه، بل ثمة العشرات من نماذج ماهر الأسد وآصف شوكت وجميل حسن وعلي مملوك وعاطف نجيب وعصام زهر الدين وسهيل الحسن… وكلّ هذا بمعزل عن إسناد قاسم سليماني وضباط «حزب الله» وأركان مطار حميميم؛ وحيثما يعرض النظام أقدار سوريا للبيع بأثمان بخسة، لقاء الحفاظ على محض بقاء هزيل، ناقص ومنتقص.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
—————————–
«الأسد إلى الأبد»: مطابخ التوريث الجملكي/ رياض معسعس
يصادف هذا العام مرور سنوات عشر على اندلاع الثورة السورية، والتحضير لانتخابات رئاسية لتنصيب رئيس النظام السوري بشار الأسد لولاية رابعة لمدة سبع سنوات أخر أشد عجافا من سابقاتها.
إذ تأتي هذه الانتخابات في ظل ظروف أقل ما توصف به كارثية على سوريا كدولة وما تبقى من شعب داخل سوريا. ولا مجال لذكر كل مآسي السوريين فقد ملأت الآفاق بما لا يطاق. (وللتذكير أن الانتخابات السابقة التي جرت في العام 2014 جاءت بعد مجزرة الغوطة بالسلاح الكيميائي التي اقترفها النظام وراح ضحيتها مئات الأطفال) الانتخابات السابقة تم تحضيرها بعناية في مطابخ النظام الجملكي، ليسبغ عليها شرعية «ديمقراطية» لرئيس تملأ صوره العملاقة جدران الأبنية، وآليات الجيش «الممانع» التي تقصف المدن والقرى السورية، تقتل منها ما تقتل وتهجر وتهجر الباقي.
مهمة «الكومبارس»
ففي انتخابات لا يفوز بها الرئيس بالتزكية كان لابد من مرشح منافس، فأوكلت مهمة «الكومبارس» لحسان النوري رئيس المبادرة الوطنية للإدارة والتغيير ليكون منافس الرئيس، فكانت النتائج المعدة سلفا فوز الأسد بنسبة 89/ مقابل 4/ للنوري. (وللتذكير أيضا أن الفترتين الرئاسيتين الأوليتين وكانا على شكل استفتاء فاز بهما الرئيس بنسب محببة للديكتاتوريات العربية وهي تباعا الأولى 99،7 في المئة، والثانية 97،62 في المئة).
يتساءل السوريون: كيف لرئيس أن يتقدم لانتخابات رئاسية لفترة رابعة بعد أن أوصل سوريا إلى مستوى ما تحت الحضيض على كل المستويات؟
في الواقع أن السوريين لم يعوا مليا معنى الشعار الذي رفعه الأب المؤسس للجملكية: «الأسد إلى الأبد» لاعتقادهم أن الأسد الأب سيتمسك بالحكم مدى الحياة، ككل زعماء الأنظمة العربية، وبعده ستبدأ مرحلة أخرى، لكن مطابخ التوريث كانت تعمل على قدم وساق لتحويل سوريا من جمهورية إلى «جملكية» (على نسق جملكية عائلة آل سونغ صديقة آل الاسد في كوريا الشمالية،) فتم التحضير لتوريث الابن الأكبر باسل الأسد بداية، لكن القدر شاء عكس ذلك فتوفي في حادث سير في العام 1994. لكن مشروع التوريث بقي قائما فانتقلت الوراثة إلى الابن الثاني بشار الذي بدأ حكمه بتعديل الدستور كي يتناسب مع عمره الذي كان أقل مما ينص عليه الدستور. (34 سنة).
وانتشرت صور الشاب الطبيب «المنفتح» مع حملة إعلامية تقتصر على كلمة واحدة وضعت تحت الصورة: «منحبك» (باللهجة الشامية) وتم تداول صورة السيدة الأولى أسماء وتلميعها عبر تسلمها مؤسسة الأمانة السورية للتنمية التي تقيم نشاطات اجتماعية واقتصادية،لكن هذه الصورة الوردية التي أعطت انطباعا أن عهد الأب قد ولى وبدأ عهد جديد مع وريثه، سرعان ما تغيرت، فبعد أشهر من تنصيبه رئيسا بإجماع سوري الذي وصلت نسبته إلى ما يقارب المئة في المئة حسب أجهزة النظام، قامت مجموعة من المثقفين (99 مثقفا) بالمطالبة بالإصلاح السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وإلغاء قانون الطوارئ الساري المفعول منذ انقلاب 1963 فانطلقت حملات الاعتقال ورمي أبرز شخصيات ما سمي بربيع دمشق في السجون.
من ربيع دمشق إلى الربيع العربي
مع انطلاقة شرارة الربيع العربي من سيدي بوزيد في تونس، كان لا بد لنيرانها، التي ألهبت نفوس المقموعين، والمقهورين، والمهمشين، والجائعين، أن تصل إلى سوريا بعد أن مرت في ليبيا ومصر. فتحولت ثورة الشعب السوري، المطالب بالحرية أولا، إلى مجازر لم تشهدها سوريا في تاريخها، ولا في أي بلد عربي آخر مسته شرارة الحرية، وصار الشعب السوري من أفقر الشعوب في العالم، وأكثرهم قتلا، وتدميرا، وتشريدا، وهذا لم يمنع الوريث من تقدمه لانتخابات لولاية رابعة يتم التحضير لشخصية تلعب دور الكومبارس (ويبدو أن رجل الأعمال محمد عزت خطاب سيقوم بهذا الدور). لكن هذه الولاية محفوفة بالمخاطر، فسوريا ترزح اليوم تحت احتلالات متعددة الأطراف، وعقوبات اقتصادية خانقة بتطبيق قانون قيصر الأمريكي.
وهنا بدأت تكهنات أن مطابخ التوريث راحت تفكر في خطة «ب» في حال وصلت سوريا إلى طريق مسدود بعملية توريثية ليس لحافظ الإبن لكن للزوجة، السيدة الأولى، التي بدأت صورها تملأ المكاتب الرسمية، والجدران، والحملات الإعلامية التي تظهرها تقوم بنشاطات اجتماعية وتفقدية للمناطق النائية والمنكوبة. ظنا من النظام أن هذه العملية يمكن أن تحدث انفراجا سياسيا يرضي الغرب من ناحية، ويبقي بشار الأسد رئيسا خلف زوجته، خاصة أنها تظهر اليوم كمرأة حديدية انتصرت على أخطبوط الاقتصاد السوري، ابن خال الرئيس رامي مخلوف بعد أن استولت على كل شركاته، ثم بدأت الاستيلاء على شركات وأموال العديد من رجال الأعمال الذين كانوا مقربين من النظام بتهم الفساد لضخ هذه الأموال في خزينة الدولة المفلسة.
الدبلوماسية الأوروبية
ومن المحتمل جدا أن يمد يد التطبيع لإسرائيل، بوساطة روسية تتم في قاعدتها العسكرية حميميم في الشمال السوري باجتماعات ضم وفدين من الطرفين الإسرائيلي والسوري، في مقايضة لفك نير العقوبات الأمريكية وتعويم نظامه دوليا، كما حصل في السودان. لكن حسابات الحقل ربما لا تتطابق وحسابات البيدر، فعقوبات أوروبا شملت وزير خارجية النظام فيصل المقداد، كإشارة أن الدبلوماسية الأوروبية لن تفتح ذراعيها للدبلوماسية السورية، ومن الصعب أن تبارك لبشار الأسد بفوزه في انتخابات ولايته الرابعة المحسومة النتائج سلفا والتي ستكون مشابهة لسابقاتها، مع أن نصف الشعب السوري بات لاجئا ونازحا ولن يشارك بها، ومن هم تحت سلطة النظام يمضون وقتهم في طوابير الخبز، والبنزين، والغاز، والمازوت، ولن يقفوا في طوابير الانتخابات ليضعوا صوتا لن يقدم ولن يؤخر، والذي مهما كان لونه سيظهر في النهاية كما جرت العادة بلون الوريث الجملكي.
كاتب سوري
——————————-
إسرائيل في حميميم/ عمار ديوب
وصل قطار التطبيع إلى قبرص أولاً ثم إلى حميميم ثانياً. المحطة الأولى بين الوفدين، الإسرائيلي والسوري، كانت هناك. والثانية في سورية إذاً. حين يكون في حميميم، فهو مع نظام دمشق، أي إن إسرائيل لم تعد تُحلّق في سماء سورية وتصطاد على أرضها المواقع الإيرانية أو التابعة لحزب الله أو للنظام السوري، بل أصبحت تتفاوض، أو تتواصل على الأرض أيضاً. هي جولاتٌ يكتنفها الغموض الشديد، حيث إدارة التفاوض بخصوص التطبيع مع النظام السوري ليست بسيطة، ومعقدة بدرجة تعقيد الوضع السوري ومستقبل النظام؛ وإذا كانت كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب بعيدة عن إسرائيل، فإنّها وسورية متتاخمتان، وهناك الجولان المحتل، والمفاوضات السابقة بينهما، وهناك أيديولوجيا كاملة عن ممانعة التطبيع. ويضاف إلى كل ما سبق وجود دولة وازنة لم تُطبّع، السعودية. ولا يجوز إهمال التحالف التاريخي بين النظام السوري وإيران، وبالتالي من التسرّع بمكانٍ إطلاق الأوهام، وأن إسرائيل هي الممانعة، بينما النظام السوري هو المحبّ الراغب في التطبيع. هذه خفة في القول؛ فإسرائيل تعلم أن القطار أعلاه مع الأنظمة، وليس مع الشعوب، وإذا وضعنا في الذهن أيديولوجيا النظام وتحالفاته، وألف تعقيد آخر، يصبح التطبيع يتطلب شروطاً، ليس أقلها وضع الجولان مستقبلاً، أي كيف سيكون شكل السيطرة عليه، وكيفية تقاسمه بين “الدولتين”؛ الكيان المحتل والنظام السوري (وإن نفى رسمياً اجتماع حميميم).
يتعجل بعضهم بالقول إن التطبيع ضرورة للنظام في سورية، فهو في أشدِّ حالات الضعف، وإن شرعنته مجدّداً تقتضي التطبيع، حيث ستتولى إسرائيل ذلك عند أميركا كما فعلت مع السودان مثلاً. يَشتهر النظام بتضييع خصمه في متاهة التفاصيل، كما كان يؤكد وزير الخارجية الراحل، وليد المعلم، ومن عاداته ألّا يتعجل في قضايا خطيرة، تكشف عورته كاملةً، أي التطبيع. وعدا ذلك، هناك الخلاف الروسي الأميركي بخصوص الموقف من مستقبل النظام ومن كليّة الوضع السوري، ونقصد أنه ليس من مصلحة روسيا تحقيق التطبيع الذي تشرف على المفاوضات بخصوصه، ولا سيما أنه لن يعود عليها بفائدة كبرى، فإسرائيل، مع الأخذ بالتوافقات الكبيرة بينها وبين روسيا، تُقيم حساباتها الدقيقة وفقاً للسياسة الأميركية، وفي هذا لنلاحظ إدخالها تحت القيادة العسكرية الوسطى لأميركا أخيراً.
استهلكت بعض المعارضة السورية بعض الوقت في نقاشٍ خاطئ من أصله، ويتحدّد بكيف نجعل إسرائيل تدعمنا ولا تدعم النظام. قد يكون هناك “علاقات استخباراتية” بين النظام وإسرائيل، والمعلومات عنها شحيحة، وإذا تجاوزنا هذه الفكرة، فكيف لكيانٍ محتلٍ أرضاً عربية أن يدعم ثورة شعبية، هي امتداد لأهل تلك الأرض المحتلة؟ أليس هذا هو العبث بعينه، إذاً لا علاقة للثورة ذاتها بذلك النقاش، وبمن زار إسرائيل متوهماً أنّه سيفكّك أواصر العلاقة تلك، وسيعقد معها زواجاً كاثوليكياً، تنصره إسرائيل عبره وتساهم في إسقاط النظام.
لا يرفض النظام المفاوضات مع إسرائيل، ولكنه يضع لها شروطاً، وهو متمسّك، كما بعض الدول العربية بمبادرة القمة العربية 2002 في بيروت، حيث الأرض ما قبل احتلال عام 1967 مقابل السلام. وضمن ذلك، ونظراً إلى تعقد وضعه، يمكنه أن يُجري مفاوضاتٍ ليس في حميميم، بل في دمشق ذاتها. ولكنه، كما ذكرت، لن يطبع من دون شروطٍ، أقلّها تعيد سيادة معينة على الجولان، وهو ما كان له في مفاوضاتٍ قديمة مع الأسد الأب، وكان الاختلاف على بعض التفاصيل. وضعه الجديد لن يدفعه إلى غير ذلك، ولن يُسلّم بورقة التطبيع بسهولةٍ، ولا سيما أن علاقته متينة بإيران وحزب الله بالتحديد، وأيديولوجيته تمنعه من ذلك.
ذكر الصديق سلامة كيلة مرّةً، أنه هو من أطلق اسم الممانعة على النظام السوري، قاصداً أنّه لا يرفض التطبيع بشكل قاطع، ولكنه يمانع وهو راغبٌ فيه، وأن ممانعته مشروطة، وبتحقّقها صلى الله وبارك. للتوضيح: طبّعت بعض دول الخليج، ولكن السعودية اكتفت بفتح مجالها الجوي للطائرات الإسرائيلية، وعقد محادثات مع وفود من هذه الدولة، ولكنها لم تُطبّع. القصد هنا أن حسابات الدول الوازنة معقدة، ولهذا تتأخر عن إنجاز ذلك، وتريد تهيئة الأرض كاملة.
لو انطلقنا من زاوية إسرائيل، والسؤال لماذا ستتعجل بالتطبيع مع نظامٍ ليس مستقبله مضموناً، وبلاده محتلة، ولدى شعبه نزعة شديدة لرفضها، وسيتأخر كثيراً التطبيع مع الشعب السوري، وقد لا يكون كما حال أهل مصر والأردن والفلسطينيين. أغلب الظن أن مفاوضات قبرص وحميميم تخصّ ترتيبات أمنية كثيرة من نظامي تل أبيب ودمشق، ولكن لن يكون هناك تطبيع قريب بينهما.
قد نجد هوىً لدى بعض السوريين تجاه روسيا أو تركيا أو إيران، بل وحتى أميركا، ولكن لن نجد هوىً نحو إسرائيل، طبعاً نستثني بعض الأفراد هنا وهناك، وربما لدى تياراتٍ في النظام ذلك الهوى، وبقصد تلك الشرعنة، وربما لدى فئاتٍ في المعارضة. إسرائيل ستظل كياناً غاصباً واستيطانياً لدى الشعوب العربية، ولن يتحقّق لها تطبيع حقيقي قبل أن تنصف الفلسطينيين، وهذا لا يساوي أن تلك الشعوب داعمة للفلسطينيين كما كانت في عقود سابقة. لا أقصد ذلك، ولكن استيطانية إسرائيل وعنصريتها وكل سياساتها تجاه فلسطين، والعرب عامة، تمنع ذلك التطبيع؛ هي مشكلة تخصّ إسرائيل أولاً؛ فهي ذاتها لا تستطيع أن تبدّل هويتها، وتلغي صهيونيتها، وتبني مع الفلسطينيين دولة واحدة، وبالتالي قطار التطبيع خاص بالأنظمة، ولن يصعد إليه النظام السوري منفرداً، بعد أن أستعجل أشقاء له ذلك.
لإسرائيل الآن، وبتوافقٍ أميركي روسي، وربما تركي أيضاً، كامل الحق بمتابعة أية أخطار محدقة بها من الأرض السورية، وهذا لن يتطلب توافقاً مع النظام السوري، ورفضه من الأخير لا يغير من المعادلة شيئاً. التطبيع العلني لن يكون قبل جلاء أفق الوضع السوري، الذي لم يستقر بعد، وما زالت الحاجة ماثلة للإيرانيين، وأقصد تحالفهم مع روسيا، ومتابعة خيارهم المشترك بخصوص الوضع السوري. أميركا وأوروبا ما زالتا بعيدتين عن الخيار الروسي للوضع السوري، والروس لم يتقدّموا بعد بصفقةٍ جديدة مع الأميركان. وأغلب التحليلات ترجّح خلافاتٍ أقوى في المستقبل بين روسيا وأميركا، وهذا لا يخدم قضية التطبيع، بل قد تتراجع حمّى التطبيع الذي تمّ في الأشهر الأخيرة كذلك، وبالطبع لن تطوى صفحته. إذاً، التغيير الجديد في الإدارة الأميركية سيتبعه تغيير في السياسات تجاه المنطقة، وهذا لا يفترض التطبيع أولوية، ولا سيما أن التفاوض مع إيران سيكون ضمن تلك الأولويات، وهذا يفترض هدوءاً في سرعة قطار التطبيع.
إذاً ليس من تطبيعٍ راهن بين إسرائيل والنظام الممانع في سورية، والقضية ما زالت تخص مستقبل الجولان أولاً ووضع النظام وفكفكة تحالفاته الإقليمية وأيديولوجيته وقضايا أخرى ثانياً.
العربي الجديد
————————————–
=====================
تحديث 23 كانون الثاني 2021
————————–
وهكذا ينام بشار مطمئناً/ عمر قدور
لا نعلم ما إذا كان بشار قد احتفل ذلك اليوم بصخب، قبل أن يغط في نوم عميق، أم أنه خشي تسرب نبأ فرحه إلى بوتين الذي لديه حسابات مختلفة. منذ الأربعاء الماضي، ولأربع سنوات مقبلة، يستطيع بشار النوم بلا قلق يتسبب به شبح ترامب. النظام عاد أخيراً إلى البيت الأبيض ولن تكون هناك مفاجآت، خاصة في الشأن السوري البعيد عن اهتمامات الرئيس الجديد.
من جهة، كان ترامب مبعث أمل لبشار، فيما لو لم تمنعه المؤسسة الأمريكية من سحب جنوده من سوريا، وتوصلت معه إلى حل وسط يقضي ببقاء عدد محدود منهم. من جهة أخرى، كان ترامب حسبما صرح أثناء حملته الانتخابية الأخيرة قد أراد قتله عام 2017، إلا أن وزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس عارض الفكرة. أي أن المؤسسة التي رفضت انسحابه من سوريا رفضت في المقابل قتل بشار، والمؤسسة الباقية “أو العائدة بقوة” لن تمنحه الأمل.
كان الأمل مع ترامب ملاصقاً الخوف والقلق، الأمل بأن يتسرع ذات ليلة أو نهار بسحب جنوده، والقلق من أن يتصرف براديكالية مضادة. على نحو معكوس، كان هذا حال خصوم بشار الذين يتمنون نوبة “حماقة” ينقض بها ترامب على رأس بشار، ويخشون نوبة مقابلة يقرر فيها الانسحاب التام من الشأن السوري. هكذا تكون الحماقة منصفة، وليس من طبيعتها التمييز بين قاتل وضحية.
ينام بشار مطمئناً لأنه لن يكون بعد الآن تحت طائلة قرار أمريكي “طائش” بتصفيته، ومهما كانت سياسة بايدن فهي لن تصل إلى استهدافه شخصياً. هذا الحد كافٍ لمن كان منذ اندلاع الثورة همّه البقاء بأي ثمن، ولمن اعتاد شراء بقائه بضعفه وبهوانه أمام الحلفاء والخصوم الدوليين والإقليميين. قد تعزز إدارة بايدن قواتها في سوريا، وقد تستمر بفرض عقوبات جديدة بموجب قانون قيصر، ذلك كله وسواه لن يؤرقه، لن تؤرقه أية إجراءات أو ضغوط لا تقترب من قصره.
بل ثمة مكاسب محتملة لبشار من إدارة بايدن، فالأخير بحسب الأخبار فتح قبل تنصيبه قناة اتصال بطهران، ولم يحتفظ مؤقتاً بالمبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، وقد لا يعين مبعوثاً خاصاً ليبقى الشأن السوري رهن المفاوضات مع إيران. رأينا ما يشبه ذلك في عهد أوباما، وكانت النتيجة إفلات الميليشيات الإيرانية والشيعية في سوريا. المعارضة التي ارتمت في الحضن التركي، برضا نسبي من إدارة ترامب، ربما تدفع الثمن مع موقف بايدن الذي لن يحابي أنقرة، خاصة في إدلب التي كانت محمية مؤخراً بالموقف الأمريكي أكثر مما هي محمية بالحشود التركية أو بالتفاهمات التركية-الروسية.
في الجهة المقابلة، يخشى سوريون كثر أن تكون سياسات بايدن إزاء سوريا استئنافاً لسياسات أوباما، لا يبدد الخشية إعلان بعض أركان إدارته المقبلة عن نوايا مختلفة في ما خص التعاطي مع الملف النووي الإيراني ربطاً بملف الصواريخ والتدخلات الإيرانية في المنطقة. الأمل يكاد ينحصر بوزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن الذي كان في أثناء إدارة أوباما مع توجيه ضربة لبشار عقاباً على استخدامه الكيماوي، تعيين ويندي شيرمان في منصب نائب وزير الخارجية يثير المخاوف بسبب ماضيها ككبيرة المفاوضين في الاتفاق النووي أيام أوباما، وكان الاتفاق من ضمن الأسباب التي دفعت الأخير إلى التضحية بوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون المتحفظة حينها على المفاوضات.
هذه ليست المرة الأولى التي تبرز فيها المفارقة ذاتها، إذ يُفترض أن تبتهج الشعوب المقهورة في المنطقة بمجيء إدارة لها موقف متقدم من قضايا المهمشين عموماً، وما يخص البشرية قاطبة مثل قضايا المناخ والصحة والهجرة وغيرها. إلا أن هذه المواقف المتقدمة تبدو بمعظمها شأناً داخلياً لا ينعكس على السياسات الخارجية التي لا يندر أن تكون في غير صالح تطلعات هذه الشعوب.
من الأمثلة الشائعة اتخاذ الأحزاب اليسارية، أو الأقرب إلى اليسار، مواقف إيجابية في بلدانها من اللاجئين والمهاجرين، مع اتخاذ مواقف خارجية محابية لطغاة مثل بشار الأسد. هذا يضع اللاجئ، بسبب أولئك الطغاة، في مأزق سياسي إذ يضعه موقعه كلاجئ أمام استحقاق تأييدها، بينما تدفعه سياساتها الخارجية الخاصة ببلده الأم في الاتجاه المعاكس. ومن الأمثلة الشائعة، التي لا تخلو من دلالة وتبعات أيضاً، اتفاق اليمين واليسار المتطرفين والشعبويين على دعم أولئك الطغاة رغم اختلافهما الشديد في الموقف من اللاجئين.
ليس هذا ما يريده أنصار التغيير الديموقراطي في سوريا؛ أن يبتهج بشار وينام مطمئناً بفضل انتصار الحزب الديموقراطي في الانتخابات الأمريكية، بينما لا يستطيعون الابتهاج بلا غصة أو بلا تخوف من سياسات بايدن. هكذا يجد بشار لنفسه مكاناً ضمن العالم الواسع المحتفل برحيل ترامب، بينما يُطرد ملايين السوريين من الانتماء إلى الاحتفال، وإلى القيم التي يُفترض أنها لصالحهم بينما يرونها تعمل ضدهم.
من السهل على الذين اعتادوا توبيخ شعوب المنطقة وصمها بمعاداة القيم “التقدمية” المشتركة للبشرية، إذا علّقت آمالها على قادة مثل ترامب، من دون التوقف عند الواقع العملي الذي يطرد تلك الشعوب خارج المنظومة المشتركة بينما يستوعب بقاء بشار وأمثاله. لقد قدّم أوباما درساً نموذجياً، عندما كان يرى وحشية بشار، لكنه لا يرى بديلاً مناسباً له، أو لا يرى سوريين قادرين على الانتصار عليه لأنهم بسبب سياسة إدارته محرومون من وسائل فعالة للدفاع عن أنفسهم.
ما سبق لا ينبغي أخذه كإمتداح لقيادات من طراز ترامب، هو دفاع عن حقنا بالشراكة والاحتفال بقيم تكون لصالحنا مثلما هي لصالح البشرية. هو دفاع عن ألا يبقى احتفالنا احتفال الضعفاء بفرح الأقوياء “البخلاء”، بل أن يكون احتفالاً بما لنا حق فيه.
المدن
——————–
المشهد الإقليمي ما بعد ترامب..”سوريا الأسد” تحتمي بـ “حميميم”/ منير الربيع
في شهر أيلول الفائت، كتبت في هذه الزاوية مقالاً بعنوان: “لم يبق للأسد إلا إسرائيل”. في إشارة إلى مساع لبدء مفاوضات مباشرة بين النظام السوري وإسرائيل، كحبل خلاص أخير لبشار الأسد، الذي يبحث عن أي فرصة لإعادة تعويم ذاته. كانت الفترة بعيدة نسبياً عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفي حينها كانت بعض التقديرات السياسية وليس الإحصاءات تشير إلى أن دونالد ترامب سينتخب لولاية ثانية، ما يعني استمرار النهج الأميركي الضاغط نفسه على النظام ومن خلفه إيران، ما سيجبر الأسد على الدخول في مفاوضات مع إسرائيل بناء على نصائح ومساع روسية. خسر ترامب في الانتخابات وجاء جو بايدن، نائب باراك أوباما والذي بمجرد ذكر اسمه، لا بد من التشاؤم إلى أقصى الدرجات حيال الملف السوري وتطوراته.
لقاءان عقدا بين النظام السوري والإسرائيليين، الأول في قبرص برعاية روسية، والثانية في قاعدة حميميم الروسية. المطلب الإسرائيلي واضح وهو لا يمانع إعادة تعويم نظام، منبوذ من شعبه، ومنبوذ عربياً، لا يزال قائماً فوق ركام سوريا، ولا يقوى سوى على البقاء في قصره بينما بلده تفتقد لأي من مقومات الحياة، شخص ونظام مثل هذا هو أكثر ما تفضله إسرائيل، هي التي لا تريد شيئاً أكثر من تهجير سوريا وتفريغها وإخراج القوات الإيرانية منها.
ومن المفارقات هنا، هو أنه بعد تعرضّ الحدود السورية العراقية إلى غارات كثيفة الأسبوع الفائت طالت مواقع ومقار ومراكز عسكرية إيرانية، بدأت إيران وحلفاؤها بإجراء عمليات انسحاب من تلك المواقع والمقار، وإزالة الأعلام واللافتات الإيرانية واستبدال أعلام النظام السوري بها، وكأن رفع علم النظام هو دافع الحماية من الغارات الإسرائيلية. طبعاً استهدفت الغارات مراكز أساسية ومباشرة للنظام، وكانت هذه أبرز الرسائل التي يلجأ الإسرائيلي إلى استخدامها في سياق المفاوضات الدائرة، فيعزز أوراقه.
أسئلة كثيرة تطرح حول السياسة الأميركية تجاه الملف السوري وتجاه إيران في عهد جو بايدن، تلك السياسة لم تتضح بعد، هناك تضارب في التقديرات والمعطيات، المؤشرات تفيد بأن التوجه هو للمزيد من التصعيد على مستوى العقوبات، وزيادة الضغوط والشروط بشأن الأسلحة البالستية والنفوذ الإقليمي والتوسع الإيراني في المنطقة. أما سورياً فالتقديرات تشير إلى التركيز الأميركي على دعم الأكراد بشكل كبير، وستسعى إلى ضرب ما تبقى من نفوذ النظام السوري في المناطق ذات الغالبية الكردية، مع تأكيد على أن النظام في أضعف حالاته.
لدى إسرائيل قناعة بأن فريق إدارة جو بايدن بكامل أعضائه من الذين يحبذون إيران والتفاهم معها، من سوزان رايس إلى رئيس الـ CIA. في المقابل، هناك فريق آخر من أبرز المتشددين ضد إيران، كمستشار الأمن القومي، ورئيس الأركان في الجيش الأميركي، والذي يقال إنه كان صاحب الدفع الأكبر في سبيل اغتيال قاسم سليماني. وهناك من يعتبر أن هناك وقائع لا يمكن التنازل عنها بسهولة، وأي تنازل لا بد أن يقابل بثمن كبير بالحد الأدنى لن تكون هناك عودة إلى الاتفاق النووي كما كان سابقاً. هذا التضعضع أو عدم اتضاح الصورة، يشكل عامل تخوف لدى الإسرائيليين من السياسة الأميركية المقبلة، لذلك فهي ستبحث عن تحالفات جديدة ونسج علاقات متنوعة، فيما سيدفع هذا الخوف ببنيامين نتنياهو إلى تكثيف حملاته السياسية والإعلامية بهدف فوزه في الانتخابات التشريعية التي ستجري في شهر آذار.
بحال نجح نتنياهو في الانتخابات، فإن ذلك سيؤدي إلى تعاون روسي إسرائيلي كبير في سوريا، هذا التعاون سيكون له مجموعة نقاط، أولاً قد يستفيد منها بشار الأسد حتى العام 2022، سعي روسيا إلى التقارب أكثر مع سوريا، مقابل رفع منسوب المطالب الإسرائيلية بجعل إيران لاعباً ثانوياً في سوريا، وإضعاف نفوذها هناك.
في المقابل، لا بد من مراقبة التحالف الاستراتيجي التركي الباكستاني الأذربيجاني، وهو أيضاً موجّه ضد إيران في محاولة لتطويق نفوذها، وسينعكس سلباً على دورها في سوريا، مقابل الاندفاع أكثر إلى عقد اتفاق إيراني مع الإدارة الأميركية الجديدة، على قاعدة تقاسم النفوذ في العراق مع الأميركيين، ويبقى لبنان ساحة مفتوحة لمندرجات التفاوض. إيران وحزب الله سيستثمران بفريق بايدن الذي يحبذ أعضاؤه بغالبيتهم إيران على روسيا، وهذا عنصر في لعبة التجاذب والتفاوض في لبنان من خلال ادعاء إيران ومن خلفها حزب الله بأنهما يمنعان النفوذ الروسي في لبنان.
هناك معطيات ميدانية لم يعد بالإمكان إغفالها، ولا يمكن الذهاب إلى اتفاق مع إيران بدون حصول كل هذه التطورات وفتح كل الملفات على المستوى الإقليمي، في ظل وجود وضع خليجي وغربي ضاغط ضد إيران. بالحد الأدنى أو بأحسن الظروف بالنسبة إلى إيران، فإنه في حال كانت هناك حماسة أميركية لعقد الاتفاق، سيكون على واشنطن لعب دور الوسيط بين طهران وخصومها، وهذا حتماً لا يرتبط فقط بالملف النووي، ولا برفع العقوبات. إنما يشهد العالم تطورات كثيرة، أبرزها الموقف الفرنسي الألماني المشترك من خروج إيران من الاتفاق النووي، والإعلان الصريح عن عدم جدوى العودة إلى الاتفاق كما كان، بالإضافة إلى مفاوضات تركية يونانية قبرصية في البحر الأبيض المتوسط، تحسين العلاقات التركية الفرنسية، بمساع أوروبية، هذه كلها سيكون لها انعكاساتها على واقع العلاقة بين واشنطن وطهران.
تلفزيون سوريا
—————————
سوريا وإسرائيل بين بايدن وبوتين/ عريب الرنتاوي
تتحدث إسرائيل عن رسائل سورية تشي برغبة دمشق، في تطبيع العلاقات معها، وتحدثت مصادر سورية من أنقرة عن لقاء رعته موسكو في «حميميم»، جمع علي مملوك بغادي إيزنكوت. دمشق، نفت خبر الرسائل واللقاء، وأعادت التذكير بجولانها المحتل، وموقفها المؤيد لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
لكن حديث سيرغي لافروف أمس الأول، ورسالته إلى «زملائه الإسرائيليين»، طالباً إليهم تبليغ موسكو بأية مصادر لتهديد أمن إسرائيل في سوريا، حتى تتكفل روسيا بـ«تحييدها»، يدفع للسؤال عمّا يفكر به الكرملين بخصوص العلاقات السورية–الإسرائيلية، بل وربما يلقي المزيد من الأضواء الكاشفة، على دينامية العلاقة الروسية–الإيرانية في سوريا وحولها.
ليس خافياً على أحد، أن الزمن الذي كانت فيه موسكو بحاجة للوجود العسكري الإيراني و«الحليف» في سوريا، قد انقضى. الكرملين سبق وأعلن أن زمن المعارك الكبرى في سوريا قد انتهى، وأن مصائر الشمال السوري، شرقاً وغرباً، ستتقرر على مائدة الحل التفاوضي النهائي، وليس في ميادين القتال.
وليس خافياً على أحد، أن العربدة الإسرائيلية في السماوات السورية، ما كان له أن تستمر طوال هذا الوقت، وأن تتمادى في قتل الأنفس وتدمير المنشآت، الإيرانية (والحليفة) في الغالب، من دون «غض طرف» روسي، لا ينكره أحد.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك، أن أحاديث جيمس جيفري ومقالاته الملخصة لاستراتيجية واشنطن في سوريا، قد نزلت بردًا وسلامًا على الكرملين، لجهة التأكيد على قبول واشنطن بتلزيم سوريا لروسيا، وتأييد فكرة انسحاب القوات الأمريكية والتركية والإيرانية (مع الحليفة)، من سوريا في إطار حل نهائي (لم يذكر القوات الروسية).
وأن واشنطن ما زالت على موقفها «غير الداعي» لرحيل الأسد، بل تعديل سلوكه، بفك عرى ارتباطه بإيران وحلفائها، فمن المنطقي تصور، أن موسكو ربما تكون راودتها فكرة تفتيح قنوات اتصال خلفية بين الأسد وإسرائيل، فهذا ينسجم أتم الانسجام، مع الوجهة العامة لسياستها في المنطقة.
وطالما أن موسكو رفضت فكرة تحويل جنوب سوريا إلى «جنوب لبنان 2»، ولم تقبل بنظرية «المقاومة والممانعة» بوحدة الجبهات ووحدة «المحور»، وتدعم إدماج سوريا في الحراك السياسي الرامي لإنجاز تسوية عربية–إسرائيلية.
ولا تريد لدمشق التخلف عن ركب الرهانات التي انتعشت مع مجيء إدارة بايدن في الإقليم، فإن من المنطقي الافتراض، أن موسكو تراهن على دمشق، لتكون بوابتها للانخراط كشريك في عملية سلام الشرق الأوسط.
لكن هذه المقاربة، تعترضها جملة من العقبات الكأداء، فدمشق، لا يمكن أن تمضي إلى سلام مع إسرائيل من دون استعادة الجولان، كما قال الأسد، هذا أمر محرج للغاية ويسحب آخر غطاء عن النظام. والأسد مطالب بفك عرى التحالف مع إيران وحلفائها كمقدمة لتطبيع علاقاته مع «المجتمع الدولي» وعودته إليه.
والأسد سيكون مطالباً من الاتحاد الأوروبي اليوم، وإدارة بايدن غداً، بمزيد من الانفراجات الداخلية، كإشراك ما تبقى من المعارضة في السلطة، وفتح الفضاء العام، وتخفيف قبضته المشدودة حول رقاب معارضيه، وتلكم تحديات، من الممكن تذليلها نظرياً، بيد أنها صعبة للغاية عملياً، حتى لا نقول أنها مستحيلة في المدى المنظور.
روسيا تخشى «المستنقع الاقتصادي» في سوريا: إعادة الإعمار واستعادة اللاجئين. وهي تدرك أن المجتمع الدولي، لن يقدم المساعدة المطلوبة لدمشق من دون تحولات في مواقفها وتحالفاتها، والأسد يعي أن سياسة «الخنق الاقتصادي» لا تقل خطورة عن التهديد العسكري الذي تعرض له في السنوات الأولى للأزمة…
فهل تصدق رواية «القنوات الخلفية» وما يجري عبرها، من تبادل للرسائل، حول الشروط والشروط المقابلة لأية تسوية، سورية–سورية كانت، أم سورية -إسرائيلية؟
* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني
المصدر | الدستور
———————–
النظام يؤجل طرح أوراق نقدية كبيرة..لاعتبارات انتخابية/ مصطفى محمد
أدّت صعوبة التعامل بالعملة السورية بفئاتها النقدية المتداولة في الأسواق، الناجمة عن تدني قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي إلى ما يقارب ال3000، إلى زيادة الحديث عن ضرورة طرح فئات نقدية كبيرة بين الأوساط الاقتصادية الموالية للنظام السوري، في وقت يرى فيه محللون اقتصاديون أن حسابات كثيرة تجعل النظام متردداً في الإقدام على هذه الخطوة.
النقاش حول إصدار فئات نقدية كبيرة صار محط اهتمام وسائل الإعلام الموالية، بعد الجدل الذي أثاره رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية عابد فضلية، على خلفية توقعه بأن يتم طرح ورقة نقدية جديدة من فئة 5000 ليرة قريباً، مضيفاً أن “طرحها يجعل العد وحمل وتخزين العملة أفضل، وأن قرار طرحها يقرره المصرف المركزي فقط، ولا أؤكد أنها ستطرح”.
وكانت غالبية التوقعات ترجح أن يبدأ النظام بطرح فئات نقدية كبيرة (5000-10000) مع دخول العام 2021، إلا أن النظام خالف ذلك. لكن المستشار الاقتصادي في مركز “جسور للدراسات” خالد التركاوي يؤكد أن النظام بدأ في وقت سابق بإجراءات إصدار الفئات الكبيرة، وأن النماذج الفنية الأولية لها جاهزة، لكنه لن يُباشر بهذه العملية في المدى المنظور، على أقل تقدير.
ويعزو اعتقاده هذا، خلال حديثه ل”المدن”، إلى خشية النظام من تكرار التجربة التي رافقت إصدار فئة ال2000 ليرة، حيث لم تجد هذه الفئة عند طرحها في العام 2017، وما زالت، قبولاً لدى غالبية السوريين، وتحديداً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غرب سوريا، وشمال شرقها.
ويقول: “رافق طرح هذه الفئة النقدية أحاديث عن أنها عملة بدون رصيد، وأنها مزورة، ودون النظر إلى صحة ذلك، فإن التجربة غير مشجعة على إصدار فئات نقدية جديدة، وبالتالي الطبيعي أن تواجه الفئات الجديدة بنفور شعبي مماثل، وربما أكبر، لأننا نتحدث عن فئات كبيرة”.
والأمر الآخر الذي يخشاه النظام من إصدار فئات نقدية كبيرة، حسب التركاوي، هو أن ذلك قد يشكل اعترافاً ضمنياً بأن أوضاع الليرة متجهة لمزيد من التدهور، موضحاً أن “طرح فئات نقدية كبيرة من فئتي 5000 و10000، سيقود الأسواق على الفور إلى مزيد من التضخم”.
ورغم ذلك، يجزم التركاوي بأن النظام سينحّي هذه الحسابات جانباً، وسيُقدم مضطراً على إصدار الفئات النقدية الجديدة، في غضون العام الجاري، لأن الفئات النقدية الحالية ما عادت صالحة للتعاملات اليومية. ويقول: “في سوريا يُقبل الناس على شراء آلة عد النقود، لا لكثرة الأموال، بل لأن مبيعات الجملة والسلع المتوسطة باتت تتطلب وقتاً كثيراً لعد الثمن يدوياً، وقريباً قد يحتاج بائع الخضار المتجول إلى اقتناء مثل هذه الآلة”.
ولعل من الأنسب للنظام تأجيل هذه الخطوة، كما يرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم، الذي يعتبر أن طرح الفئات النقدية الكبيرة في هذا الوقت يبدو خياراً مؤجلاً، في وقت يشهد فيه سعر صرف الليرة السورية تذبذباً أمام العملات الأجنبية.
ويقول الكريم ل”المدن”، إن طرح الفئات النقدية الكبيرة دون احتواء سعر الدولار أولاً، لن يُحدث الحاجة المرجوة منها، طالما أن الليرة في تدهور مستمر، ولذلك قد تسبق هذه الخطوة محاولات من النظام لتحسين قيمة الليرة السورية، حتى يشعر السوري بالفرق الذي ستحدثه الفئات الجديدة في التعاملات اليومية.
كذلك، من شأن طباعة أوراق نقدية جديدة، زيادة أعباء النظام المالية، بسبب تكلفتها كبيرة (طباعة في روسيا)، وبالتالي المزيد من انخفاض قيمة العملة.
الخطوة مؤجلة
يُضاف إلى ما سبق، يرى الكريم أن طرح الفئات النقدية الكبيرة، لا يخدم حسابات النظام المتعلقة بإجراء الانتخابات الرئاسية، قائلاً إن “النظام يحتاج حتى إجراء الانتخابات، إلى تحسين الواقع المعيشي، وهذا لن يتم بطباعة فئات نقدية جديدة، وزيادة السيولة المالية مقابل ارتفاع معدلات التضخم”.
ولا يقلل الباحث الاقتصادي في جامعة “يوزنجويل فان” التركية أحمد ناصيف من تأثير حسابات الانتخابات على اتخاذ قرار إصدار الفئات المالية الكبيرة، ويقول ل”المدن”: “النظام قادر على تأجيل هذه الخطوة إلى ما بعد الانتخابات، فالنظام وروسيا يروّجان أن من شأن إجراء الانتخابات تحسين الواقع المعيشي”.
ويضيف ناصيف أنه “من المعلوم أن طرح الفئات النقدية الكبيرة يؤدي إلى اختفاء الفئات النقدية الصغيرة من التداول، وهذا ما سيقود إلى ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات الفقر، والواضح أن هذا لا يصب في صالح النظام في هذه المرحلة، على أقل تقدير”.
يبدو أن إصدار الفئات النقدية الكبيرة من جانب النظام، بات مسألة وقت، مع العلم بأن هذه الخطوة لن تُسهم في تقليل المعاناة الاقتصادية عن السوريين في مناطق النظام، وإنما ستزيد من حدتها.
المدن
—————————
حل قريب في سورية؟/ ميشيل كيلو
أعلن المسؤول الأميركي عن الملف السوري، جويل ريبورن، أن الحل في سورية صار قريباً، وأنه يتوقع أن ينهار النظام الأسدي فجأة. وأثار هذا الإعلان موجةً من التفاؤل لدى قطاعات واسعة من السوريين، تعتقد أن المسؤول الأميركي يعرف ما يقول، وأنه حان لمن بيدهم القرار أن يجدوا حلاً طال انتظاره، بعد أن دفع شعب سورية ثمنه الفادح، مذ ثار لنيل حريته، وها نصفه ينهشه الجوع، ويجد نفسه مشرّداً في البراري والقفار، ونصفه الآخر أشد جوعاً ودماراً في مناطق الأسدية، وينتظر بدوره الحل.
هل اقترب الحل؟ هذا ما آمله، كالسوريين الذين شبعوا موتاً وغربة، ويتطلعون إلى عودةٍ قريبةٍ إلى وطنٍ لا يريدون غيره، ولا يساويه في أعينهم أي مكان آخر!
ثمّة عناصر في وضعنا ترجّح أن يكون الحل قريباً، وهناك عناصر تجعله مستبعداً إلى زمن يعلمه الله وحده، والسبب: تعارض مصالح (ورهانات) الممسكين به، الذين يسيطرون على المنخرطين فيه، ويُحجمون عن العمل لتسويةٍ تضمن التوازن بين مصالحهم وأهدافهم القريبة والبعيدة التي لا علاقة لسورية وثورتها بها، وتتخطّاها إلى ما في الواقع الدولي القائم من تناقضات وخلافات بين موسكو، الراغبة في الصعود من مواقعها الحالية إلى مراكز تحتلها واشنطن، التي قرّرت منعها من ذلك، ونجحت في سحب أوراق الحل السوري من أيديها، واحتجزت قدرتها على استكمال الحل العسكري الجزئي الذي حقّقته بحلٍّ سياسيٍّ شامل، يقوّض هيمنة أميركا على الصراع السوري ومخرجاته، ورفضها التعاطي بإيجابيةٍ مع مطامح الكرملين السورية، وتعاملها بندّيةٍ معه في الشؤون الدولية، وتسهيل خططه في سورية وما وراءها من ديار العرب. فهل يشجع هذا الواقع الدولي المتناقض الرهانات على حل قريب، أم يقول عكس هذا؟ وهل أيقنت موسكو أنها عاجزةٌ عن الخروج من الاحتجاز الأميركي، وأن من الأفضل لها قبول تسويةٍ تخرجها من الارتباط المفرط بالشأن السوري، الأسدي تحديداً، وتُلزمها بالانصراف إلى غيره، وسط تحوّلاتٍ دوليةٍ فيها من الفرص الافتراضية ما يساعدها على كسر عزلتها الخانقة التي تخلّقت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بما قد يترتب على ذلك من ميلٍ أميركي إيجابي إلى التفاهم معها، بنتائجه التي تفوق، في أهميتها، ما قد يقدّمه الأسد لها، أو تقدّمه هي من تنازلاتٍ في قضايا ومسائل لا ترتبط مباشرة بالصراع السوري، ولا تنعكس إيجابياً بالضرورة على المعارضة، لكنها تمنح موسكو فرصة الخروج من العزل الخارجي، والتخلّص من المستنقع السوري.
هذه العوامل المتشابكة التي يؤيّد بعضها الحل القريب، ويستبعده بعضها الآخر، تضمر مجاهيل عديدة لا نعرف تفاصيلها، ودورها في سياسات الدولتين الكبيرتين، وموضوعاتها الحقيقية. ومع أن علينا الاهتمام بما قاله الدبلوماسي الأميركي ريبورن، والعمل لمعرفة ما لديه من تفاصيل تسوّغ تقديره المتفائل والمفاجئ، المعاكس لما يحيط من غموض بالصراع على وطننا وفيه، ويسود من ركود في مواقف أطرافه المختلفة، فإن من الواضح أننا لن ننال ما ضحّى شعبنا من أجله، إن استمرّت مواقفنا الأقرب إلى الفرجة على مصيرنا منها إلى العمل لتحقيق أهداف ثورة قدّم أهلنا فيها ملايين الضحايا، من أجل نيل حريتهم، وتفاءلنا وتشاءمنا بين تصريح وآخر، لأننا ظللنا، بمحض إرادتنا، أو بسبب غبائنا، مجرّد معلقين على ما يبلغ أسماعنا، بدل أن نكون صناع ما يستمع إليه الآخرون، روساً وأميركيين وإيرانيين … إلخ.
قد لا يكون الحل قريباً، لكنه قد لا يكون بعيداً أيضاً. المشكلة أن المعنيين به يبدون غير معنيين بنا في الحالتين، فلا عجب إن أصبنا بمفاجأةٍ تذهلنا في حال تحقق قريباً، أو كان في المقابل بعيداً، لأننا لن نكون فاعلين، بل منفعلون به، بكل ما يملأ نفوسنا اليوم من حسرة على أهلنا!
العربي الجديد
———————————-
============================
تحديث 24 كانون الثاني 2021
——————————-
الاسد لن يتلقى اللقاح الروسي/ إياد الجعفري
لا يبدو أن رأس النظام السوري بشار الأسد، سيتلقى تطعيماً “روسياً” ضد “كورونا”، في فترة قريبة، بخلاف رغبته التي أبداها منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في حديثٍ مع وكالة أنباء روسية. فنظام الأسد فشل حتى الآن في عقد أي اتفاقية لتوريد لقاح ضد كورونا، بعد ستة أسابيع من المحاولات، وفق اعتراف مثير للجدل، وللسخرية في آن، أدلى به وزير الصحة بحكومة النظام، حسن الغباش، تحت قبة مجلس الشعب، يوم الخميس.
وبعيداً عن البعد الفكاهي في الربط الذي عقده “الغباش” بين الحصول على لقاح كورونا، و”السيادة السورية”، تخلل جلسة مجلس الشعب ذاتها، إجراء نيابي روتيني، يكشف عن مصدر رئيس للقاح يراهن عليه النظام، بعد فشل محاولته في استجداء اللقاح “مجاناً” من روسيا.
إذ أقر مجلس الشعب مشروع قانون بتصديق اتفاقية مع “غافي” – التحالف العالمي من أجل اللقاحات-، والذي يعمل ضمن برنامج “كوفاكس” الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية، بهدف توفير لقاح كورونا للبلدان الفقيرة. لكن يبدو أن اتفاقية حكومة النظام مع “غافي”، لا تتعلق بلقاح كورونا حتى الآن، بل تتعلق بلقاحات لأمراض أخرى، وذلك وفق تصريح وزير الصحة، الذي قال إن حكومته لم توقّع حتى الآن أي اتفاقية مع أي منظمة، لاستقدام لقاح كورونا، لأن هناك شروطاً لم تناسب حكومته.
لكن ما هي هذه الشروط؟ لم يفصح الوزير عن ذلك. وهو غموض آخر يُضاف إلى الغموض حول مصير مفاوضات النظام مع روسيا للحصول على لقاحها، “مجاناً”، أو بشروط مالية مُيسّرة. فبعد الكثير من التهليل بقرب وصول اللقاح الروسي إلى سوريا، بالتزامن مع زيارة وزير خارجية النظام، فيصل مقداد، إلى موسكو، في 21 كانون الأول/ديسمبر الفائت، غاب الحديث عن اللقاح الروسي تماماً عن الإعلام الموالي للنظام. وبناء على ما سبق، فإن الرهان على وصول اللقاح إلى سوريا خلال شهر نيسان/أبريل القادم، كما توقعت مصادر رسمية سورية سابقاً، لا يبدو واقعياً.
وهكذا، تدير دول حليفة ظهرها للنظام، مجدداً، وسط أزماته الاقتصادية المتفاقمة. فروسيا التي تدير عملية تسويق لقاحها، “سبوتنيك v”، بعقلية تجارية بحتة، عبر صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي، مشغولة الآن في عقد الصفقات مع الدول التي تريد الدفع “كاش”، للحصول على لقاحها، المشكوك في فعاليته حتى الآن. وذلك ينطبق أيضاً، على الحليف الآخر لنظام الأسد، الصين. أما الحليف الأوثق، إيران، فهي عاجزة عن مساعدة النظام بهذا الخصوص، حتى الآن، إلا إن كان النظام يأمل في الحصول على لقاحها المحلي “كوفيران”، الذي لا تراهن عليه إيران ذاتها. فطهران عملت مؤخراً بشكل حثيث على استيراد لقاحات من مصادر خارجية.
وبهذا الصدد، لا يستطيع النظام الاختباء وراء ذريعته المفضلة، في تبرير فشله بإدارة أزمات البلاد، وهي العقوبات. فحليفته إيران حصلت على موافقة أمريكية تستثنيها من القيود على حركة حساباتها المالية، بغية شراء اللقاح المضاد لـ كورونا، منذ نهاية العام الفائت. وفي تفاصيل هذا الخبر تحديداً، تتضح المعضلة التي تواجه النظام. فإيران أعلنت أنها خصصت 200 مليون يورو لشراء دفعة من اللقاحات. فمن أين سيأتي النظام بمبلغ مماثل، إذا علمنا أن حسين عرنوس، رئيس وزراء النظام، تهرّب من إلغاء قرار إلزام السوريين بتصريف 100 دولار على الحدود، خلال تصريحات له قبل بضعة أيام، مشيراً إلى إمكانية إلغاء القرار، فقط حينما يتحسن الوضع الاقتصادي. علماً أن حصيلة ما دخل إلى خزينة النظام من هذا الإجراء منذ فرضه وحتى الآن، قياساً إلى ما تم تحصيله خلال شهر آب/أغسطس الفائت، بناء على أرقام رسمية، ربما لا تتجاوز الـ 10 ملايين دولار، في أحسن الأحوال. فالنظام العاجز عن الاستغناء عن 10 ملايين دولار، لإلغاء إجراء أثار استياء السوريين على نطاق واسع، كيف سيوفر مبالغ من قبيل 200 مليون يورو!
يحيلنا ذلك، مجدداً، إلى رهان النظام الأبرز، في ملف لقاح كورونا، وهو المعونة الدولية. فقد تم تحديد سوريا، بالفعل، من بين الدول الـ 92 التي ستتلقى اللقاح بمعونة اقتصادية من التحالف العالمي “كوفاكس”. لكن حديث النظام الغامض عن شروط لم يقبلها في الاتفاق مع المنظمات الدولية في هذا المجال، يطرح تساؤلات حول مصير التعاون المرتقب مع “كوفاكس”. ناهيك عن معضلة أخرى تتعلق بموعد الحصول على اللقاح، إذ تشير تصريحات حكومية في مصر مثلاً، أنها قد تتلقى جرعات لقاح كورونا ضمن إطار مبادرة “كوفاكس”، في حزيران/يونيو القادم. وهو ما يجعل الاستجابة لتفشي الوباء واحتوائه، متأخرة جداً.
أحد الأبواب الأخرى التي ربما يراهن عليها النظام، هي استنساخ النموذج اللبناني، وهو ما أوحى به أحد تصريحات وزير الصحة، يوم الخميس. إذ حذّر من تفشي كورونا على غرار ما حدث في لبنان. بل يبدو أن النظام، الذي يهمل الإجراءات الاحترازية على أرض الواقع، يأمل حصول السيناريو اللبناني بالفعل في سوريا، فذلك قد يتيح له الحصول على معونة دولية لشراء لقاحات كورونا، مثلما حصل لبنان على معونة بقيمة 34 مليون دولار، من البنك الدولي، لهذه الغاية.
أما متى سيصل اللقاح إلى سوريا؟ فالجواب نجده في تصريح سابق لمسؤول في وزارة الصحة، قال فيه إن التأخر في وصول اللقاح سيكون في “مصلحة المواطن”، لأنه حينما يزيد الإنتاج، سينخفض سعر اللقاح. وهو ما يكشف –بين السطور- عن نيّة النظام، ألا يدفع “دولاراً واحداً” لتطعيم السوريين ضد كورونا.
المدن
————————————-
مقترح أميركي جديد..تخفيف العقوبات على الأسد مقابل الإصلاحات؟
يرى موقع “Responsible Statecraft” التابع لمعهد كوينسي الأميركي، أن الرئيس الأميركي جو بايدن ورث أزمة عمرها 10 سنوات في سوريا ولا تزال تشكل تحديات استراتيجية وإنسانية حادة. لدى الإدارة الجديدة فرصة لإعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة بشأن سوريا، وإعطاء الأولوية للدبلوماسية لتعزيز المصالح الأميركية.
ويقول الموقع في مقال للدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان وهارير بيلمان بعنوان: “الولايات المتحدة تحتاج سياسة جديدة في سوريا”، أن المصالح الأميركية في سوريا تشمل القضاء على التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها، وتخفيف معاناة ملايين المدنيين الذين مُزقت حياتهم بسبب مزيج من الحرب والقمع والفساد والعقوبات.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر سوريا نقطة اشتعال للصراع بين القوى الخارجية، بما في ذلك بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران وروسيا وتركيا والمشكلة التركية مع الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. هناك اهتمام مهم آخر وهو عبء اللاجئين على البلدان المجاورة وأوروبا، حيث تستمر الهجرة الجماعية في تأجيج ردود الفعل الشعبوية.
نجحت السياسة الأميركية الحالية -التي تتمحور حول عزل سوريا ومعاقبتها- في شلّ اقتصاد البلاد الذي دمرته الحرب بالفعل، لكنها فشلت في إحداث تغيير سلوكي. كانت الجهود السابقة لتدريب مجموعات المعارضة وتجهيزها وتسليحها للضغط على بشار الأسد لتغيير الاتجاه أو ترك السلطة غير ناجحة. وبدلاً من ذلك، ساهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سوريا على روسيا وإيران.
أدّت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بحسب الكاتبين، إلى نقصٍ حاد في العملة السورية وساهمت في انهيار العملة السورية ، لكنها لم تُضعف الدعم الرئيسي بين جمهور الأسد المحلي ولم تغيّر سلوك النخبة الحاكمة. لقد تركت سياسة العقوبات الولايات المتحدة على الهامش، وروسيا وتركيا وإيران بصفتهم الحكام الرئيسيين لمستقبل سوريا. في غضون ذلك، تعثّرت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف والتي تركزت على الإصلاحات الدستورية.
والأسوأ من ذلك، أن العقوبات المفروضة على سوريا تؤدي إلى عواقب إنسانية ضارّة غير مقصودة من خلال تعميق وإطالة بؤس السوريين العاديين، وتمكين مستغلي الحرب، والقضاء على الطبقة الوسطى السورية، وهي محرك محتمل للاستقرار والإصلاح طويل الأجل. من الآمن الافتراض أن قيادة البلاد لا تعاني بسبب العقوبات.
تواجه الولايات المتحدة الآن خياراً بين النهج الحالي، الذي نجح فقط في المساهمة في دولة فاشلة، أو عملية دبلوماسية أعيد تصورها من قبل مركز كارتر، تهدف إلى تطوير إطار مفصل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة والعملية التي يمكن التحقق منها، والتي، في حالة تنفيذها، ستقابلها مساعدات موجهة وتعديلات في العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
الهدف من هذا الإطار، بحسب المقال، هو وقف دوامة الانحدار في سوريا وإعادة تنشيط الدبلوماسية من خلال تقديم نهج مرحلي يمكّن من إحراز تقدم في القضايا المنفصلة ومنح الحكومة السورية وداعميها مساراً واضحا للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية. فهو لا يتصدى للتحدي الاستراتيجي المتمثل في اصطفاف سوريا مع إيران وروسيا، وهو أمر مرفوض من الولايات المتحدة، ولا يُحاسب أي شخص على الوفيات والدمار المروعين في سوريا، لكن النهج الحالي لا يفعل ذلك أيضاً.
أولاً، يجب على الولايات المتحدة النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة جائحة كورونا في سوريا من العقوبات. وبالقدر نفسه من الأهمية سيكون تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الري. سيتبع ذلك تخفيف تدريجي وقابل للعكس للعقوبات الأميركية والأوروبية.
لن يتم إطلاق هذه الخطوات إلا عندما تتحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة يتم التفاوض عليها مع حكومة النظام السوري. من شأن آليات الرصد التأكد من التقدم في خطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإزالة الأسلحة الكيماوية المتبقية، وإصلاحات القطاع السياسي والأمني، بما في ذلك المشاركة بحسن نية في اجتماعات الأمم المتحدة، عملية جنيف والمزيد من اللامركزية.
ولكن يجب ألا تكون هناك أوهام؛ عوائق النجاح كثيرة. أظهرت القيادة السورية القليل من الاستعداد لتقديم تنازلات. يتطلب الزخم في هذا النهج التدريجي تحركاً سورياً يمكن التحقق منه، وسيؤدي مجرد التشدق بالإصلاح إلى تعليق الحوافز الأميركية والأوروبية وقد يؤدي إلى إعادة فرض سريعة عقوبات.
تخّلت معظم الدول التي دعت إلى رحيل الأسد عن هذا “المطلب المتطرف” منذ سنوات. لكنها استمرت في سياسات الضغط والعزلة التي فشلت في إنتاج أي من الإصلاحات المتصورة في هذا الاقتراح التدريجي.
هذه ليست هدية للنظام السوري، المسؤول عن الكثير من الوفيات والدمار خلال السنوات العشر الماضية. بل هو اقتراح بأن إدامة الوضع الراهن لن يؤدي فجأة إلى نتائج مختلفة عن تلك التي شهدناها منذ عام 2011. من خلال الإفراج العلني عن قائمة متفاوض عليها من الخطوات المتبادلة، يمكن في جوهرها، للولايات المتحدة وأوروبا، تطبيق نوع مختلف من الضغط على سوريا لإنتاج الإصلاحات التي تم رفضها حتى الآن.
ويختم المقال قائلاً: “يوفّر تغيير الإدارة الرئاسية في الولايات المتحدة فرصة لتشخيص واختبار هذا النهج الجديد”.
المدن
————————
تسويق الوهم.. الدور الإقليمي الذي صنعه حافظ الأسد لسوريا/ بسام يوسف
يندر أن تقرأ كتاباً، أو بحثاً، أو حتى مقالاً يتناول فترة حكم حافظ الأسد لسوريا إلا ويتضمن ذكراً لدور إقليمي مهم استطاع حافظ الأسد أن يصنعه لسوريا، ومن النادر أن تحاور مؤيداً له، إلا ويستشهد بأقوال لخصوم له حول هذا الدور، ويستحضرها على أنها الفيصل في القول، فلا كلام بعد اعتراف الخصوم. لكن هل كان لسوريا فعلا دور إقليمي مهم، وهل صنع حافظ الأسد هذا الدور، وإن لم يكن فلماذا هذا الرأي المتداول على أنه حقيقة غير قابلة للنقاش؟
في تعريف “الدور” أولاً، يمكننا أن نجد أنه أحد أهم مكونات السياسة الخارجية لبلد ما، أو هو من الوظائف الرئيسية التي تقوم بها الدولة المعنية في الخارج، وهذه الوظيفة تحدد مسعى الدولة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية.
والدور لا يحدد اعتباطاً، ولا ارتجالاً، ولا حتى بجهود فرد، إنه أولاً تصوّر تحدده وقائع ومعطيات الجغرافيا، والاقتصاد والتنمية البشرية، والعلاقات الثقافية، والقوة العسكرية.. الخ، وهذه الوقائع والمعطيات مجتمعة، تشكّل رؤية استراتيجية متبصّرة، وثاقبة يتمّ على ضوئها رسم الدّور، كل هذا يمكننا اعتباره “مفهوم الدور”، أو “تصوّر الدور”.
بعد تصوّر الدور يأتي “أداء الدور”، والذي يتم وضع خططه، ورصد الإمكانات له، فلا وجود للدور خارج الممارسة، أو خارج الفعل، ولا معنى له خارج معرفة أدوار الآخرين، وخصوصاً من يصنفون على أنهم أعداء، ولا معنى له إن لم ينطلق أساساً من خصوصية وإمكانات البلد المعني.
من أهم أهداف الدور هو امتلاك القدرة على التأثير بالآخرين، لتحقيق مصالح الدولة في التنمية وفي الاستقرار، وفي تقليص التهديدات الخارجية، وفي حماية المصالح الاستراتيجية.
إن لعب أي دور لأي دولة ينطلق أساساً من مرتكزات أساسية داخلية، ومن القدرات الشاملة للدولة، والتي يمكن تقسيمها إلى نوعين:
مقدّرات موروثة أو ثابتة، مثل الموقع الجغرافي، والموارد الطبيعية، والمساحة الجغرافية، وعدد السكان …الخ.
مقدّرات متجدّدة ومتغيّرة، مثل القدرات العسكرية، والاقتصادية، والتنمية البشرية، والتطور السياسي والديمقراطي، ومدى الاندماج المجتمعي والاستقرار الداخلي… الخ.
أبرز من ارتكز على مفهوم “الدور الإقليمي” هو السياسة الخارجية للحزب النازي الألماني، الذي رأى أن لكل دولة مركزية مجالاً حيوياً يحدده التاريخ والجغرافيا
أما في المعنى “الإقليمي”، فيُمكن القول إنه جملة التفاعلات بين دول مستقلة داخل منطقة جغرافية واحدة، وغالبا ما تتشارك دول إقليم ما بعض الخصائص تفرضها الجغرافيا أو الثقافة أو اللغة أو الاقتصاد أو التاريخ، وعليه فإن الدور الإقليمي، هو باختصار إدارة مصالح دولة ما، وحمايتها، وتنميتها على ضوء كل المعطيات السابقة.
تاريخياً، لعل أبرز من ارتكز على مفهوم “الدور الإقليمي” هو السياسة الخارجية للحزب النازي الألماني، الذي رأى أن لكل دولة مركزية مجالاً حيوياً يحدده التاريخ والجغرافيا، وأنه من الضروري لهذه الدولة أن تسيطر على مجالها الحيوي، سواء بالنفوذ السياسي، أو بالقوة العارية، ومن هذا الفهم انطلق “هتلر” لتحديد المجال الحيوي لألمانيا، ولعرقها الآري.
لكن نتائج الحرب العالمية الثانية غيرت المفهوم النازي للمجال الحيوي، واستبدلته بمفهوم جديد حددته أميركا المنتصرة في تلك الحرب، عندما اعتبرت أن المجال الحيوي ليس جغرافياً، ولا تاريخياً، إنه باختصار ترجمة القوة بأوجهها المختلفة وقدرتها على السيطرة، أو الهيمنة عبر “الحدود الشفافة”، أي الحدود التي لا تعترف بالخرائط، وهو ما سماه الباحث السياسي الاجتماعي “تايلور”: (جغرافية السيطرة من دون امبراطورية).
على ضوء ما سبق، هل يمكن فعلاً القول إن حافظ الأسد صنع دوراً إقليمياً مهماً لسوريا، أم أن الأمر ليس أكثر من كذبة سخيفة، ككذبة الممانعة والصمود والتصدي؟
بعد نصف قرن من حكم عائلة الأسد، وبعد أن انكشفت حقائق كثيرة كانت مغطاة بركام هائل من الأكاذيب، والشعارات، والديماغوجيا، يُمكننا أن نلمس بوضوح الحقائق التالية:
سخَّر حافظ الأسد أهم مرتكزين تملكهما سوريا للعب دور إقليمي فاعل، وأقصد الموقع الجيوسياسي البالغ الأهمية لسوريا، والإمكانات البشرية فيها، لهدف وحيد هو استدامة احتكاره للسلطة. مرتكزان لو تم استثمارهما لمصلحة سوريا لمنحاها مكاسب كثيرة، لكنه سخّرهما فقط من أجل سلطته، وحرم سوريا منهما.
منع حافظ الأسد سوريا من امتلاك صناعة حقيقية، وأفرغ الزراعة من القوة العاملة فيها بسياسة ممنهجة، ومنع السوريين من عامل اقتصادي بالغ الأهمية وهو السياحة، فسوريا الغنية جدا بتاريخها ومواقعها الأثرية، وبطبيعتها وبمناخها، وبتنوع تضاريسها، لم تكن تذكر في الوجهات السياحية، ولم يقتصر الأمر على إفشال السياحة في سوريا، بل وصل الأمر إلى تخريب الإمكانات السياحية، سواء عبر تخريب المواقع الأثرية، وتهريب الآثار ونهبها، أو عبر تدمير الغطاء النباتي، أو عبر البناء العشوائي المشوّه للمناطق السياحية، وتدني البنية التحتية فيها، إن لم يكن انعدامها.
حول حافظ الأسد الجيش السوري من جيش له وزنه الإقليمي المهم، إلى جيش هشّ، غير مدرب، ينخر فيه الفساد والطائفية، ولا يمكنه خوض حرب حقيقية، جيش له دور وحيد هو حماية سلطته.
كثيراً ما يستشهد المدافعون عن الدور الإقليمي الذي صنعه حافظ الأسد، بسيطرته على لبنان، وعلى جزء مهم من القرار الفلسطيني، لكنهم يتجاهلون عامدين حقيقة أن هذا الدور لم يكن ليلعبه لولا موافقة إسرائيل وأميركا عليه، وبالتالي فهو دور وظيفي لخدمة آخرين.
هل يمكن لكل المنظّرين حول دور إقليمي لحافظ الأسد، أن يذكروا معادلة إقليمية واحدة غيرها لصالح سوريا، أو عزّز موقع سوريا فيها، أو هل أسس حافظ الأسد لتنمية مستدامة في سوريا، أو أقام بنية تحتية متطورة، أو بنى اقتصادا قادراً على المنافسة، أو بنى جيشاً محترفاً، قوياً، مدعوماً بصناعات عسكرية متطورة، أو حقق تطوراً علمياً، أو صناعياً، أو زراعياً، أو سياحياً يعزز من قوة سوريا، ويمكنّها من لعب دور إقليمي؟
عندما ينهار في بلد ما الاقتصاد والتعليم، والقضاء والبحث العلمي، وينخفض مستوى الدخل، ويزداد التضخم والبطالة، وتصبح مؤسسته العسكرية خادمة للسلطة وليس للشعب، وتُسحق الحياة السياسية فيه، وتنعدم الحريات، ويصبح كامل أعضاء برلمانه مجرد قطيع لخدمة السلطان، كيف يُمكن الحديث عن دور إقليمي له؟
بعيداً عن الدّجل والديماغوجيا، فإن الدور الإقليمي الوحيد الذي نجح فيه حافظ الأسد هو في تدمير المرتكزات السورية الضرورية للعب دور إقليمي، وتحويل سوريا من دولة تملك معظم المقدمات والمقدرات، لتكون دولة قوية وقادرة في الشرق الأوسط إلى دولة فاشلة مدمرة، تحتلها جيوش العالم، ويسكن ثلث شعبها في الخيام.
بسام يوسف
تلفزيون سوريا
————————————-
الصراع مع النظام في غير منطقة.. نهاياته السياسية إلى أين؟/ أسامة آغي
هايات الصراع في سوريا قريبة من خواتيمها، فالنظام السوري، ومعه حلفاؤه الميليشيات الإيرانية، والقوات المدعومة من موسكو، يعملون على أهداف عسكرية، يريدون من نتائجها، تمرير الحل السياسي المناسب لهم في معادلات الصراع الجارية في سوريا.
نفس الأمر تقوم به (قوات سوريا الديمقراطية) المدعومة من الأمريكيين، فهي تعمل على ترسيخ سلطتها على كل مناطق شرق الفرات، من أجل تنفيذ مشروعها فيما تسميه (الإدارة الذاتية)، الذي لا تخفى أهدافه، بأن يكون حجر الأساس، لمشروع الدولة الكردية لاحقاً.
أما قوات الجيش الوطني، التابع لسلطة الحكومة المؤقتة، الحليفة لتركيا، فهي الأخرى، تعمل من أجل الحفاظ على مناطق شمال سوريا، وشمال غربها (محافظة إدلب)، بما فيها مناطق تمّ طرد قسد منها في رأس العين وتل أبيض، من أجل تحقيق انتقال سياسي في سوريا، وفق القرارات الدولية.
هذا الوضع لم يستقر بعد، وعدم الاستقرار مردّه عدم وجود مربعات تفاهم، بين القوى المنخرطة بالصراع في سوريا، وهي (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، تركيا، إيران)، ما يعني أن تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصراع السوري وهي (بيان جنيف1، القرار 2118، والقرار 2254)، سيبقى مرهوناً بالتفاهمات الدولية، والتي لا مؤشرات حقيقة على العمل بها حتى الآن.
عدم وجود مربعات التفاهم بين القوى المذكورة، سمح لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بأن تذهب بمشروعها الذي تسميه الإدارة الذاتية إلى نهاياته المتوقعة، فهذه القوات، لا تريد شريكاً آخر (النظام السوري) لأهدافها السياسية، بل تعتبر النظام السوري، على الأقل خصماً لدوداً، وذلك من أجل ترسيخ قدرتها في السيطرة على كامل هذه المنطقة، (الجزيرة والفرات)، أو ما اصطلح عليه باسم مناطق (شرق الفرات).
قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومن خلفها حزب PYD ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا، يدركان حجم مخاطر الانفراد بمشروع سياسي، في هذه المنطقة المجاورة للدولة التركية، ولهذا فسياسة هذا الحزب تقوم وفق منظور شمولي، يتمثل من جهة بإجبار كل القوى السياسية الكردية وغير الكردية في هذه المنطقة، على قبول فهم هذا الحزب، بترسيخ ما يطلق عليه تسمية (الإدارة الذاتية).
وما يريد تحقيقه من جهة ثانية، ليس بإمكاناته الذاتية العسكرية والسياسية، بل بتوظيف دوره في السياسة الأمريكية، لتحقيق هذا الهدف، الذي يبدو أنه لا يزال قيد صراع داخلي في الإدارة الأمريكية.
ما تفكر به قسد حيال منطقتي الجزيرة والفرات، ربما يكون مدخلاً دولياً لترسيخ حلٍ مؤقت في ظل صراع مستمر، هذا الصراع ستبقى بواباته مفتوحة، بين قسد والجيش الوطني في شمال حلب ومناطق نبع السلام، وبين قسد والنظام في المربعين الأمنيين، سيما أن تحقيق (إدارة ذاتية)، كما يريده حزب PYD لا يمكن تحقيقه بصورته المطلوبة، مادام النظام السوري يمتلك قوى فعالة، ولو بشكل محدود، في هذه المناطق.
نفس الأمر ينطبق بصورة ما على وضع نفوذ الجيش الوطني، في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، فهذه المناطق، إضافة لإدلب، لا استقرار فيها، نتيجة تداخلات جغرافية أمنية، بين مناطقها من جهة، ومناطق النظام السوري وقسد من جهة أخرى، ولهذا وكي تسير الأمور نحو الاستقرار سياسياً واقتصادياً، لابدّ من التوصل إلى وضعٍ، تتوقف فيه الأعمال العدوانية على هذه المناطق، من جهتي النظام وقسد، وهذا يحتاج إلى طرد هذه الجيوب الأمنية من أماكنها، والسيطرة عليها، ومنع أي اعتداء على أي منطقة من مناطقها.
طرد النظام من خطوط التماس مع الجيش الوطني في الشمال السوري، يحتاج بالضرورة إلى طرده من مناطق غرب الفرات كلها، أي جعل كل المناطق الواقعة غرب نهر الفرات مناطق تابعة للجيش الوطني، وهذا يعني تصفية وجود الميليشيات الشيعية، المناصرة للنظام وإيران، من كامل المنطقة الشرقية، وهو عمل تقوم به قوات تابعة لتنظيم داعش في منطقة البادية السورية الهابطة باتجاه وادي الفرات من ضفته اليمنى.
قوات داعش المعلن عنها عبر بياناتها، هي قوات تعمل وفق توجه واضح الأهداف، وهذه الأهداف صريحة وملموسة، تتمثل بطرد كل قوات النظام السوري، وكل قوات تتبع لإيران وميليشياتها، وهذا يعني، تجزئة النفوذ الإيراني وإغلاق تنقلاته عبر الحدود السورية والعراقية، وهذا هدف أمريكي معلن، للإجهاز على النفوذ الإيراني لاحقاً، وربما إفراغ السجون في محافظة الحسكة تدريجياً من (أسرى داعش)، يذهب باتجاه أن يتم استخدامهم من جديد، في منطقة البادية، التي تشهد توسعاً في عمليات داعش.
إن خطوة طرد النظام من مناطق محافظة الحسكة، يلتقي بصورة جزئية مرحلياً، مع مشروع قسد (الإدارة الذاتية)، ولكنه لا يصبّ في النهاية في مصلحة مشروعها، إذ يتم عبر هذا المشروع بجزئيه استنزاف طاقات كل حلف النظام عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ونفسياً.
ففي منطقتي القامشلي والحسكة، سيتم طرد النظام من هاتين المنطقتين، لتنفيذ مشروع إداري مؤقتاً، (الإدارة الذاتية التي قد يتم تعديلها ما بين الجزيرة وشرقي دير الزور) بمساعدة يتوقع حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) أن تأتيه من الأمريكيين، سيما وأن إدارة بايدن عيّنت حليفهم الأمريكي بريت ماكغورك كمسؤول عن هذا الملف، في مجلس الأمن القومي الأمريكي.
وفي منطقة البادية السورية ثمة هدف أمريكي واضح، هذا الهدف يتعلق باستخدام أمثل (لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) الذي تتم تسميته اختصاراً بتنظيم داعش. هذا الاستخدام بدأ منذ حين، إذ تتم بموجبه عملية استنزاف لقوات الميليشيات الشيعية بشتى أسمائها وتبعياتها، فلا يمر أسبوع من غير أن تبتلع رمال البادية السورية قوات لهذه الميليشيات أو قوات للنظام وللروس.
هذا الأمر يتم في الجنوب السوري، في القنيطرة ودرعا والسويداء، فالنظام لا يستطيع حكم هذا المناطق هو وميليشياته، وكذلك تعجز عن فعل الأمر القوات التابعة لإيران، وهذا معناه، أن نزيف النظام مستمر، ما دام لا يرغب هو وحلفه الروسي/الإيراني على التسليم بضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالصراع السوري.
بقي أن نقول: إن مشاركة النظام في مفاوضات اللجنة الدستورية، هي مشاركة لكسب الوقت لا أكثر، فهذا النظام لن يستجيب لقرارات الأمم المتحدة ما دامت التفاهمات الروسية/الأمريكية الإقليمية غائبة عن مربعها، وهو أمرٌ يفسّر استنزافاً جدياً على المستويات العسكرية والاقتصادية للنظام وحلفه الروسي/الإيراني.
فهل يدرك الروس قبل فوات الأوان أنهم في طور استنزاف أمريكي، أم سيكررون تجربتهم الأفغانية في سوريا.
——————————-
الأكبر في تاريخ البلاد.. سوريا تطرح ورقة نقدية جديدة
طرح مصرف سوريا المركزي اليوم الأحد ورقة نقدية جديدة من فئة خمسة آلاف ليرة هي الأكبر حتى الآن، وسط أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية تواجهها البلاد منذ بدء النزاع قبل نحو عشر سنوات.
ونشرت الصفحة الرسمية لمصرف سوريا المركزي صورة الفئة الجديدة وعليها صورة لجندي سوري يوجه التحية للعلم، إلى جانب لوحة جدارية من معبد بعل شمين في مدينة تدمر الأثرية. وسيبدأ الأحد التعامل بالورقة النقدية الجديدة.
وأعلن المصرف المركزي على صفحته على فيسبوك أن “الوقت قد أصبح ملائما وفق المتغيرات الاقتصادية الحالية لطرح الفئة النقدية الجديدة”، التي طبعها قبل عامين.
وأوضح أن طرح الفئة الجديدة جاء “بناء على دراسات قام بها خلال السنوات السابقة ووضعه للخطة الكفيلة لتأمين احتياجات التداول النقدي”.
وعدد أسباب عدة بينها “مواجهة آثار التضخم التي حدثت خلال السنوات الماضية”، فضلا عن “التخفيض من كثافة التعامل بالأوراق النقدية بسبب ارتفاع الأسعار”.
ويأتي قرار المصرف المركزي، بعد ثلاث سنوات على طرحه ورقة نقدية من فئة الألفي ليرة عليها صورة للرئيس السوري بشار الأسد.
وتشهد سوريا منذ بدء النزاع فيها عام 2011 أسوأ أزماتها الاقتصادية والمعيشية التي تترافق مع انهيار قياسي في قيمة الليرة وتآكل القدرة الشرائية للسوريين الذين بات يعيش الجزء الأكبر منهم تحت خط الفقر.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية، وفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بنسبة 249 في المئة في وقت يعاني نحو 9,3 ملايين سوري من انعدام الأمن الغذائي.
وشهدت الليرة السورية تراجعا حادا خلال سنوات النزاع، إذ كان الدولار الأميركي يساوي 48 ليرة سورية، فيما بات اليوم يعادل 1256 ليرة وفق السعر الرسمي، ونحو 2900 ليرة وفق سعر السوق الموازي.
وتساوي الورقة النقدية الجديدة نحو أربعة دولارات وفق السعر الرسمي.
فرانس برس
—————————
90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر… والحكومة تختبئ خلف قانون قيصر/ طارق علي
الفقر يعصف بالسوريين
طغى السواد الاقتصادي على المشهد العام في سوريا. الحرب هي السبب الأول للانهيار المتسارع في قيمة الليرة السورية في مقابل الدولار الأميركي، وتحديداً انهيارها بمعدل وصل إلى 60 ضعفاً عما كان عليه قبل عشرة أعوام، عشية اندلاع الحرب السورية.
لم تستطع الحكومة السورية بأي شكل تدارك الانهيار الحاصل والمتسارع، فمع بداية أزمة كورونا في سوريا، في الربع الثاني من العام المنصرم، وبدء تطبيق قانون قيصر الأميركي في الربع الثالث من 2020، انهارت العملة في ظرف ثلاثة أشهر، 50 ضعفاً، حتى بات الدولار الأميركي الواحد يعادل نحو ثلاثة آلاف ليرة سورية، مع الأخذ في الاعتبار أنه كان يعادل 47 ليرة سورية في عام 2011.
إذاً، لم تستطع الحكومة فعل شيء يذكر، سوى أنها عملت على رفع بسيط للرواتب أكثر من مرة، ليبلغ اليوم في أفضل صوره ما يعادل متوسطه للموظف السوري نحو 25 دولاراً أميركياً في الشهر، وهو الرقم الذي لا يكفي أكثر من أسبوع واحد للأسرة في أفضل الأحوال، حتى أن استطلاعات للرأي كشفت أنّ هذا الرقم لا يغطي حاجات أسرة مكونةٍ من خمسة أفراد لثلاثة أيام، على اعتبار أن كل شيء ارتفع سعره مع صعود الدولار، بدءاً من الخضار، وحتى السيارة، مروراً بالعقارات، فكل شيء قابل للشراء بالمال مهما كان، تضاعفت أسعاره، وينطبق ذلك بصورة موسعة على كل تفاصيل المعيشة والحاجات الأساسية وغير الأساسية، وضمناً المتطلبات الرئيسية والبديهية من غاز ومازوت وبنزين ومحروقات وخبز، والتي شهدت أسعارها كلها ارتفاعاً مضاعفاً، ليصار إلى اعتبار كل ما يفوق سعره حجم الدخل على بساطته، رفاهية، حتى الخبز بدأ يصير رفاهية، وهذا ما تسمعه في الشارع.
هوةُ كبيرة بين الراتب والحاجات
صحيفة “قاسيون” السورية، الناطقة باسم الحزب “الشيوعي”، وهي صحيفة تصدر عن اللجنة المنطقية للحزب، نشرت دراسةً اعدتها وبنت فيها إحصاءاتها انطلاقاً من مكونات الاستهلاك الأساسية الثمانية المقررة في المكتب المركزي الرسمي للإحصاء السوري، التابع لرئاسة مجلس الوزراء، استناداً إلى الحد الأدنى من الأسعار في العاصمة السورية دمشق، وخلصت الدراسة إلى أن تكاليف المعيشة الأساسية ارتفعت بما يعادل على الأقل نسبة 85 في المئة عن عام 2019، أما قياساً مع بداية الحرب فالمجمل يقاس بـ24 ضعفاً للمعيشة، و29 ضعفاً لتكاليف الغذاء.
وبحسب الدراسة، فإن أسرة مكونة من 5 أفراد تحتاج مبلغاً يساوي 252 دولاراً أميركياً شهرياً نصفها ثمن مواد غذائية فقط، أي 126 دولاراً، أما الباقي، فيوزع على السكن والنقل والملابس والصحة. وأكدت الدراسة أن الراتب السوري الحالي لا يكفي غذاءً لمواطن واحد حتى الشبع، لتشير الصحيفة إلى أن سيارةً بيعت في مزاد علني مع نهايات 2020، ثمنها يكفي لإطعام 220 عائلة لعام كامل، ما يدلل مجدداً على التفاوت الطبقي الهائل بين مكونات المجتمع السوري.
الفقر والاقتصاد وفق الأمم المتحدة
قبل البدء بفرض عقوبات قانون قيصر في شهر حزيران (يونيو) من العام 2020، حذرت وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة من أن سوريا تواجه أزمة معيشية كبرى وغير مسبوقة تتمثل بحاجة أكثر من 9.3 ملايين سوري للغذاء الكافي خصوصاً مع تفشي فيروس كورونا.
وبحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا أكجمال ماجتيموفا أنه وبعد تسع سنوات من بداية الحرب، يعيش أكثر من 90 في المئة من الناس تحت خط الفقر المدقع والذي يقدر أممياً بنحو دولارين يومياً للفرد (قرابة 6 آلاف ليرة سورية)، وأشارت إلى أن الواقع الصحي المتردي جاء بسبب هجرة نصف العاملين في المجال الطبي، أما من تبقى منهم، فيواجه تهديدات بالقتل والخطف، وكل ذلك في ظل أرقام تتحدث عن أنّ أقل من نصف مستشفيات سوريا ما زالت تعمل.
أما المتحدثة باسم وكالة الغوث اليزابيث بايرز، فقالت في تصريح لها إن أسعار السلع الغذائية ارتفعت أكثر من 200 في المئة خلال أقل من عام، معتبرة أن جزءاً كبيراً من المشكلة يعود إلى الانهيار الاقتصادي في لبنان، فضلاً عن قيود الحظر والحجر الصحي التي فُرضت من الحكومة السورية على مواطني الجمهورية لاحتواء الوباء في وقت سابق من العام المنصرم.
على الطرقات
“لا يتجاوز راتبي أنا وزوجي مئة ألف ليرة سورية”، تقول هيفاء، الموظفة الحكومية في إحدى الوزارات لـ”النهار العربي”، وتضيف: “منذ سنين لم نعد نشتري إلا الحاجات الأساسية، أقل الحاجات، فقط تلك التي لا تستطيع أي أسرة العيش بدونها، ومن حظنا أنه ليس لدينا أولاد حتى الآن، فلو كان لدينا لكانت صارت المعيشة مستحيلة قطعاً، فللأطفال مصاريف وأشكك في أن آلاف الأسر قادرة على تدبر أمورها”.
حال هيفاء يمكن إسقاطه على آلاف الأسر السورية، نمط الحياة هذا صار قاعدةً واضحةً وبيّنة، فما ينطبق على موظف سينطبق حُكماً على بقية الموظفين، طالما أن متوسط الراتب هو ذاته، من دون ارتفاعات توازي حجم التضخم من جهة، وحجم ارتفاع متطلبات العيش من جهة أخرى. صار السوريون عاجزين عن تأمين حاجاتهم، أقله، السواد الأعظم منه.
ماهر حمو موظف حكومي آخر، يقول لـ”النهار العربي” أنه يتعامل مع الراتب بمنطق الرياضيات، “أقوم بعمليات حسابية متتالية لأوزع الراتب على ما يلزم فقط، حصراً من الغذاء، السكر، السمن، الزيت، الرز، البرغل، ثم القليل من الخضار، وهكذا يكون راتبي شارف على الانتهاء، واستدين لبقية أيام الشهر”.
حال ماهر هو ذاته تقريباً مع الموظف سالم منصور، فسالم يدخل شهرياً في دوامة يناور فيها قدر المستطاع حتى يحصل على حاجات أسرته الأساسية، “اشتري الأساسيات التي تلزمنا، ثم على الفور أسدد ديوني لأصحاب المحال التجارية، ثم أعود لاستدين لبقية الشهر، وهكذا، أقضي أيامي في مناورة مع الحياة من جهة، والدائن من جهة أخرى، في مشهد شهري متكرر لا يعرف التوقف”.
ويتشارك معظم الموظفين في محاولة تأمين الحاجات الرئيسية إلى جانب الغذاء والمتمثلة في الصحة والتعليم والسكن، ومجموعها مع بعضها يشكل حملاً زائداً يمكن الجزم بأن الأسر السورية تعجز عن معالجته، لا سيما أن الكثير من الأسر نست كيف هو شكل اللحم ومعه كل ما يعتبر غذاءً خارج الأساسيات التي باتت تضيق يوماً بعد يوم لتفرض التقليل منها مع كل شهر جديد.
بين طبقتين
على الرغم من أن معظم السوريين تحت خط الفقر فإن ذلك لا يعني عدم وجود طبقة ميسورة. الوضع خلق تبايناً اجتماعياً على حساب الطبقة الفقيرة لصالح الطبقة الثرية، التي يشكل أمراء الحرب معظمها، وهم الذين ما زالوا ورغم قانون قيصر قادرين على استيراد أحدث الأدوات الإلكترونية والسيارات، قياساً بحكومة تعاني مع شعبها من استيراد كل شيء، حتى بذار الشمندر السكري ما عادت قادرة على استيرادها، وفق وزير الصناعة قبل نحو شهرين، وأرجع ذلك إلى ظروف الحصار الدولي.
يقول ابن خلدون في مقدمته أن “الدول تنهار حين يكثر الانتهازيون، لتظهر على السطح وجوه مريبة، ثم يسود الهرج في الأسواق والمزايدات على الانتماء ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة”، وهذا هو الحال اليوم في سوريا، وإن كان المسؤولون يعللون أمر الفقر بفعل الحصار، إلا أنه لا أحد يتكبد عناء شرح مصادر أموال الأمراء. الجميع يخاف الخوض في الأمر، ليضاف إلى الشرخ شرخ ٌ جديد، فالفقير يقف في طابور لا نهاية له لتعبئة سيارته من البنزين، والثري لا يحتاج ليقف أي ثانية في انتظار حصوله على أحدث سيارة “لامبرغيني”، وهي سيارة صارت موجودة فعلاً في الشوارع، يحصل عليها رغم أنف الحصار من دون أن يبرر مسؤول واحد كيف استطاع شخص أو أشخاص تجاوز الحصار، وهو ما قد تملك الحكومة بصورة أو بأخرى تبريراً له، لكنها ما زالت تقطن البرج الذي فرضت فيه سياسات الحكومات المتعاقبة عرفاً يقضي بأن المواطن لا يستحق تبريراً، وإذا ما فكرت بتبرير أمر ما، فإن السوريين يتذكرون ما قاله ممدوح عدوان قبل أربعين عاماً: “أنا أشتغل في إعلام أخجل منه، لأنه يكذب بهذا المقدار، يكذب بدرجات الحرارة، يكذب بالتستر على اللصوص والتجار والمرتشين وشركائهم، ويشكك بي وبكم حين كنتم تقولون إنّ هناك فساداً”.
النهار العربي
——————————-
========================
تحديث 25 كانون الثاني 2021
—————————-
هل اجتمع نظام الأسد مع إسرائيل في قاعدة حميميم؟/ مروة شبنم أوروج
نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) المملوكة لمجموعة (السعودية للأبحاث والتسويق) ومقرها لندن، في 17 كانون الثاني/ يناير، خبرًا حظي بتغطيةً واسعة في وسائل الإعلام الخليجية، وخاصة الإماراتية والسعودية. مصدر الخبر هو مركز جسور للدراسات، ومقره مدينة غازي عنتاب التركية، حيث قال المركز إن مسؤولين إسرائيليين التقوا مسؤولين سوريين، في قاعدة حميميم الجوية التي تسيطر عليها روسيا في اللاذقية.
نفى نظام دمشق الخبر، بعد يومين. لكن بالنظر إلى تفاصيل هذا الخبر، من حيث إن تأكيد النظام لمثل هذا الادعاء أو صمته سيضعه في موقف صعب للغاية أمام إيران؛ نرى أن من الضروري التحقق من الأخبار المعنية أهي صحيحة أم لا. ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل لم تدلِ بأي تصريح حتى الآن.
ورد في الخبر أن الاجتماع ضمّ كلًّا من رئيس الأركان الإسرائيلي السابق غادي إيزنكوت، والمسؤول السابق في الموساد الجنرال آري بن ميناشي، ورئيس مكتب الأمن القومي لحزب البعث والمستشار الأمني لبشار الأسد علي مملوك، ومستشار الأمن الإستراتيجي لبشار الأسد بسام الحسان، وقيل إن قائد القوات الجوية الروسية ألكسندر تشايكو كان حاضرًا أيضًا. إذا كان هذا الخبر صحيحًا؛ فإن بإمكاننا القول إن هذا الاجتماع تمّ برعاية موسكو.
وورد في الخبر أيضًا أن الجانب الإسرائيلي طلب في الاجتماع إخراج الميليشيات الإيرانية والميليشيات المدعومة من إيران وحزب الله من سورية بالكامل، وطلب الجانب السوري أن يتم تسهيل عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، وتقديم الدعم المالي لسداد الديون الثقيلة لإيران، إضافة إلى رفع العقوبات عن النظام.
من المفيد قراءة هذه الادعاءات، مع التطورات المهمّة لعام 2020 والفترة الجديدة التي تنتظرنا في 2021. نحن نعلم أن النظام السوري يريد العودة إلى جامعة الدول العربية. ومن المعروف أن دولًا عربية مختلفة، ولا سيّما الإمارات العربية المتحدة التي أعادت فتح سفارتها في دمشق، وعملت على زيادة العلاقات مع النظام خلال العامين الماضيين، ترحّب بهذا الطلب.
ومن المعروف أن “اتفاقات إبراهام” التي جرت نتيجة جهود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومستشاره وصهره جاريد كوشنر، والتي بدأت مع الإمارات وإسرائيل وشملت البحرين والمغرب والسودان، بهدف تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل، تفتح أبواب عصر جديد في الشرق الأوسط. منذ انتهاء الحروب العربية الإسرائيلية، ازداد التعاون خلف الأبواب المغلقة في السنوات الأخيرة، وابتداءً من العام الماضي، أصبح بإمكاننا أن نطلق على ذلك التعاون اسم “الإعلان المعروف”.
سيكون من المبالغة الاعتقاد بأن إسرائيل تريد ضمّ سورية رسميًا إلى التحالف الذي أنشأته لمواجهة إيران. ومع ذلك، لا شك في أن إسرائيل تريد الاستفادة من فكرة التقارب مع النظام التي همست بها أبو ظبي؛ لأن المسألة الأهم، بعد احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان، هي كسر نفوذ إيران، والقضاء على وجودها في سورية. في هذه النقطة، يجب ألا ننسى أن الضربات الجوية الإسرائيلية في سورية استهدفت قواعد عسكرية إيرانية وأماكن انتشارها.
من الممكن أن تكون الإمارات العربية المتحدة التي تتخذ تركيا منافسًا وعدوًا في المنطقة، والتي زادت مستوى تعاونها مع نظام الأسد، إلى جانب دعمها لـ YPG الذراع السوري لحزب PKK، بهدف إضعاف نفوذ تركيا المتزايد في سورية، هي التي حرّضت إسرائيل على إجراء اجتماع كهذا، خاصة في ظل المخاوف الإسرائيلية من تغييرات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مع وصول جو بايدن إلى سدة الرئاسة في 2021، لأن موقف الإدارة الأميركية الجديدة تجاه إيران سيكون على عكس الإدارة السابقة، حيث إن وجود أسماء في الحكومة الجديدة، كانوا ضمن فريق السياسة الخارجية والأمن للرئيس الأسبق باراك أوباما، يجعلنا نفهم ذلك. إن إدارة بايدن، التي يُتوقع إلى حد ما أن تعيد إحياء الصفقة الإيرانية التي انسحب ترامب منها، ستزيد من توسّع إيران في المنطقة، تمامًا كما حصل في مرحلة إدارة أوباما. وفي الواقع تمكّنت إيران، بفضل الاتفاق النووي الذي وقعته في 2015، من تحسين اقتصادها وزيادة ميليشياتها ونفوذها أكثر من أي وقت مضى. ولذلك كانت إسرائيل أوّل من غضب من الاتفاق النووي الإيراني. بالطبع ستسعى إسرائيل لمنع حدوث اتفاق مرةً أخرى، وحين لا تستطيع منع إجراء اتفاق جديد، لن تقف مكتوفة الأيدي، وستتخذ تدابير مختلفة ضد أنشطة إيران المتزايدة في المنطقة.
في هذا السياق، يمكننا طرح السؤال الآتي: هل بدأت إسرائيل، التي استهدفت لأول مرة القوات العسكرية السورية في دير الزور بقصف جوي، تضغط على النظام لقبول العرض المتعلق بإيران، ميدانيًا وعلى الطاولة؟
من ناحية أخرى، من المعروف أن الوجود النشط لروسيا، الذي أعاد الحياة للنظام بدخوله فعليًا إلى الساحة السورية، بجهود قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني عام 2015، يتعارض أساسًا مع مصالح إيران؛ إذ إن طهران التي أقنعت موسكو بالتدخل في سورية، لدعمها بشكل فعال كي لا تخسر الحرب ضد المعارضة، غيرُ راضيةٍ عن النفوذ الروسي المتزايد في سورية، على الرغم من هدفهما المشترك في قتال المعارضة. وإن روسيا القوة العظمى هي الآن الزعيم الأكبر في سورية. وبينما لا يستطيع نظام الأسد التصرّف إلا بأوامر من موسكو، يمكن للقوات الإيرانية أن تتصرف بالقدر الذي تسمح به روسيا فقط، أو تعمل بعيدًا عن أعينها. لا يمكن لطهران أن تتجاوز رغبات موسكو دبلوماسيًا، غير أن روسيا لا تهتم بضرب إسرائيل للقوات الإيرانية في سورية، ما دام ذلك لا يتعارض مع مصالحها. ومن الواضح للجميع أن العلاقات بين روسيا وإسرائيل باتت أفضل من أي وقت مضى، وذلك مع دبلوماسية الباب الخلفي التي تم تنفيذها مع بداية الحرب الأهلية السورية.
إن المعلومات التي تم تداولها في وسائل إعلامية روسية، السنة الماضية، وهي تفيد بأن روسيا سئِمت من بعض أنشطة نظام الأسد المستقلة، تؤكد أن ما كُتب عن ضغط الكرملين على دمشق، لبدء سداد ديونها المتراكمة، هو ضغط مارسته روسيا نتيجة عدم تنفيذ النظام أوامرها في الوقت المناسب، وكما ينبغي. وليس من المستغرب أن تكون روسيا قد فتحت قاعدة حميميم للاجتماع المذكور، ويمكن أن نخمّن أنها لا تريد أن تسيطر إيران على كامل البلد الممزق (سورية). وعلى الرغم من أن هذه المسائل لا يُعبّر عنها علانية أمام العالم، لأنهم يقفون في صفّ واحد، فإني أعتقد أن موسكو لم تنسَ “الطعنات” التي أتت من “حزب الله” وإيران على مرّ السنين، ولن تسامحهم على ذلك. عندما نفكر في كل هذه الأمور معًا، نجد أن إبعاد سورية عن إيران هو مصلحة مشتركة، بين إسرائيل وروسيا ودول الخليج. لكن هل يستطيع بشار الأسد أن يدير ظهره لطهران التي هي أكثر من دافع عنه؟! لا شكّ في أنه يعلم أن هناك قاتلًا مستعدًا لطعنه في قصره في تلك اللحظة، إن هو أراد ذلك.
قد يبدو لكثيرين حول العالم أنّ نظامَ الأسد انتصر في الحرب الدموية التي شنها ضد شعبه، على حساب تمزيق وطنه وإعطاء أراضيه لدول أخرى، لكن النظام في بلاده، التي تحولت من ساحة حرب أهلية إلى حلبة صراع عالمي، يوشك أن يستنفد قواه بسبب تصارع الآخرين. ويبدو أن عام 2021 سيكون العام الذي سينكشف فيه حجاب جديد في حرب السنوات العشر في سورية. بالطبع، سيكون أكثرُ الأمور إثارةً للفضول هو السياسة الجديدة للولايات المتحدة في سورية: هل ستساعد الولايات المتحدة نظام الأسد هذه المرّة من أجل مصلحتها هي؟ علينا ألا نتفاجأ إذا حدث ذلك، لأن الولاية الثالثة لإدارة أوباما، التي قدّمت وعودًا مختلفة للمعارضة السورية في السابق ثم أدارت ظهرها لهم، عادت إلى البيت الأبيض هذا الأسبوع.
ترجمة فارس جاسم
مركز حرمون
————————
آخر علاج للنظام.. لكنه قاتل/ يحيى العريضي
كانت جائزة الترضية لحافظ الأسد إثر إرساله قواتٍ سوريةً للاشتراك في حرب الخليج الأولى عام ١٩٩٠، وعداً بمفاوضات مع إسرائيل؛ فكان مؤتمر مدريد عام ١٩٩١؛ وتبعه جولات مفاوضات مع الإسرائيليين في “واشنطن” و “واي بلانتيشن”.
في إحدى جولات واشنطن، سألتُ المرحوم الدكتور موفق العلاف، رئيس وفدنا (حيث كُنْتُ في الجانب الإعلامي للوفد): “لماذا لا يحصل أي نتيجة مما نحن بصدده؛ والإسرائيليون يبدون جاهزين؟”؛ فقال ما صدمني، وما يمكن تلخيصه بأن {“جماعتنا”- ويقصد حافظ أسد حصراً- ما (بدهن)}. كان ذلك في الجولة الخامسة من المفاوضات في واشنطن؛ حيث استمرت تلك الجولة أربعة أسابيع؛ وبدت الأمور شبه منتهية: “سنأخذ الجولان، وسيأخذ الإسرائيليون سلاماً”. لم يحدث شيء من ذلك.
عدت لاحقاً للتفكير بعبارة “العلاف” (ما بدهن)؛ ولَم استوعبها إلا عام ألفين، وتحديداً في السادس والعشرين من آذار، خلال آخر لقاء لحافظ الاسد و”بيل كلنتون” في جنيف؛ وبحضور “مارتن انديك” سفير أميركا في إسرائيل، و”دينس روس” المبعوث الأميركي لعملية السلام. خلال القمة كان الأخيران يتواصلان مع “إيهود باراك”، رئيس وزراء إسرائيل حينها. باراك اعترف بما سُمي “وديعة رابين”، التي بموجبها تقرُّ إسرائيل بتبادل (الأرض بالسلام)، وتعود الجولان؛ إلا أن حافظ الأسد لم يوافق؛ وحجته أمتار قرب بحيرة طبريا. رسالته هذه أنه / لا يتنازل عن سنتيمتر واحد من الجولان/. هكذا تم تصدير الأمر إعلامياً؛ إلا أن جوهر الأمر وحقيقته كان واضحاً عنده فقط لثلاثة: الأسد، دينس روس، ومارتن انديك. لا كلنتون، ولا حتى إيهود باراك كانا يعرفان أن الأسد لا يستطيع أن يوافق؛ ولكنه يستمر بالظهور بمظهر المتمسك بكل سنتيمتر؛ إلا أن همّه وهاجسه في مكان آخر. كان لموقفه ذاك أسباب حقيقية أخرى، لا ما هو ظاهر.
من هنا، وكي يبقى الأسد خارج أي استحقاق فعلي، يولّد حلاً، وتستعيد من خلاله سوريا أرضها المحتلة؛ كان الأسد يتلظى حيناً بالقضية الفلسطينية والشعارات البراقة في “المقاومة والممانعة”؛ وشعاره الخاص /لا حل سورياً قبل حل فلسطيني/. وكان قبلها قد عاش على “الصمود والتصدي”، إثر استعادة مصر لسيناء. ثم عاد، واختبأ في ظل “أوسلو”، ومناصبة عرفات العداء، كي يبقي مزاوداته حيّة في “المقاومة والممانعة”.
كثرت الفرضيات والنظريات حول موقف حافظ الأسد ذاك. بعضها وصل لدرجة القول إن الأسد قد باع الجولان فترة تسلمه وزيراً للدفاع، وقبض ثمنها؛ ومن هنا كانت أوامره كوزير للدفاع بذلك الانسحاب المذل من الجولان عام سبعة وستين. وبناءً عليه، يُطلَقُ التساؤل الاستنتاجي: كيف يستردها، وقد باعها وقبض ثمنها؟! آخرون يسوقون تفسيراً آخر لموقفه، بأن السبب الأساس يكمن بضرورة “المقاومة والممانعة والعداء لإسرائيل”، الذي يعطيه مبرر البقاء الأبدي في السلطة وتوريثها كما يشاء؛ لأنه في حال عادت الجولان، وعم السلام والديمقراطية؛ فلن يكون له أي مبرر إلا الخضوع للمعايير الديموقراطية في حكم رشيد أساسه تداول السلطة، والتنمية الحقيقية، ومحاربة الفساد والقمع والاستبداد؛ وهذا ما لا يستطيع الأسد أن يعيش معه، ويحتكر السلطة في آن معاً.
ومن هنا فإنه من وقت لآخر، لا بد من فتح هذا البازار للحاجة الماسة أو للضرورة: “مفاوضات سلام أو تطبيع مع إسرائيل”. فتكون تركيا أو غيرها الوسيط. والآن وبعد النكبة السورية لسنوات هي الأخطر والأكثر تهديداً لسوريا وشعبها عامة، ولمصير النظام التوريثي الحاكم، ومن يقف وراءه، خاصة؛ تدخل روسيا المأزومة على الخط.
هناك تسريب إخباري عن لقاء تمَّ في حميميم، قاعدة الروس الأساسية في سوريا، جمَعَ الأسد وإسرائيليين برعاية روسية الشهر الماضي. يفصّل ناقلو الخبر حتى بالشروط التي وضعها الأسد الابن كي يطبّع مع إسرائيل: تثبيت نظامه، رفع عقوبات قانون قيصر، تسديد ديون إيران، إعادة علاقاته مع الخليج، والعودة للجامعة العربية. ومن جانبهم طلب الإسرائيليون- كما ينقل المسربون- فك الارتباط بإيران، إخراج حزب الله من سوريا، تقديم معلومات وإحداثيات عن الحرس الثوري، وإعادة هيكلية الجيش والآمن وتنظيفه من الولاءات لإيران، وتسليم ما تبقى من السلاح الكيماوي.
مُقنع في هذا المفصل الزمني أن تكون روسيا هي الوسيط؛ فليس أهم عندها من تقديم نفسها للغرب، رعاة إسرائيل، كصديقة لها آملة أن تكون بوابتها للغرب؛ فهو من جانب إخراج لها من أزمتها وتورطها؛ ومن جانب آخر إنقاذ لنظام طالما سعت لإعادة تعويمه؛ إلا أن ذلك يأتي بعد أن توهّم الروس أن القضية السورية كلها بيدهم، غير مدركين أن أميركا لا ترى فيهم حتى الشريك الند للحل. ما هو غير مقنع يكمن أولاً في هذه الشروط المتبادلة شبه المستحيلة. فمن ناحية، نظام الأسد ونظام الملالي كتوءم سيامي يصعب فصله؛ فقد تناسى رأس النظام أن إيران تعتبر خطوة كهذه بمثابة افتئات على ملالي قُم؛ وبالتالي يجب أن يُنزل أشد العقاب بالخائنين الذين يرغبون بالاستغناء عن الأوكسجين الإيراني، ولعل نهاية “علي عبد الله صالح” خير موعظة لمنظومة الاستبداد. من جانب آخر، مَن قال إن إسرائيل ليست مسرورة بوجود إيران وأدواتها في سوريا كحجة لها للنيل منهم ومن سوريا معاً؛ وخاصة أن الأسد هيأ لها هذه الفرصة مختاراً أم مجبراً. ومن ناحية ثالثة، هل تحتاج إسرائيل أن تطبّع مع منظومة استبدادية منحتها كل ما أرادته لأربعة عقود، ودمّرت لها سوريا في العقد الخامس؟! ربما كان نافعاً لإسرائيل أن تطبع مع النظام في أي وقت، إلا في هذا الوقت؛ فهو الآن يحمل أوزاراً، حتى إسرائيل لا تستطيع حملها أو رفعها عنه. والأكثر أهمية، أن إسرائيل تعرف بأنه نظام مهترئ، ولا يستحق منها حتى مكافأة نهاية خدمة.
ما الغاية إذن من هكذا تسريبات، حتى ولو كانت صحيحة؛ وخاصة أن أخطر ما يمكن أن يتعرض له النظام هو انكشاف حقيقته، وانفضاح كذبة “المقاومة والممانعة والصمود والتصدي” التي عاش بظلها، وزاود على الجميع بظلها، وقتل السوريين بظلها، وجعل موالاته مقعدين عقلياً وأخلاقياً بظلها؟؟!!
لقد وصل النظام الأسدي إلى حافة الهاوية فعلاً؛ إنه في حالة يأس قاتلة؛ وما بقي أمامه إلا الانكشاف. فإن تمخض شيء عن المحاولة، فلا بأس؛ وإن لم يحصل (للأسباب المذكورة أعلاه) يقوم بتكذيب التسريب، ويستعيد بعض ماء الوجه أمام موالاته على الأقل، ويبرر شيئاً من الوضع المأساوي الذي وصلت إليه سوريا. ويقول: “ها هي المؤامرة الكونية مستمرة، وعناصرها يتهمون نظام المقاومة بالتواصل مع إسرائيل بكذب وتجنٍ وظلم!!” وبذا يحافظ على سردية عاش بظلها كل هذه السنين، ويستعيد عقولاً برمجها؛ بدأت “تشك” به.
أخيراً، لقد كسبت إسرائيل ما لم تكن تحلم به خلال السنوات العشرة الماضية؛ إلا أن هذا الجنى مرحلي؛ فعمر الشعوب لا يقاس بسنة أو بعقد أو بقرن. ربما كان بودها ألا يصل نظام الاستبداد الخادم لها إلى هذا الحد. لقد سقطت ورقة التوت وانكشفت عورته؛ ولم يعد هناك ما يتلظى به، وسقطت شماعة “أولوية معركة المصير مع إسرائيل”، التي ينشر عليها عذابات السوريين. إنه نظام تخضبت يداه بدمائهم. إنه نظام يحتضر. وقد يكون العلاج الإسرائيلي قاتلاً بالنسبة له. وهكذا، لم يبقَ أمامه إلاّ الرحيل.
تلفزيون سوريا
—————————-
==========================
تحديث 28 كانون الثاني 2021
—————————–
التطبيع جسر حافظ بشار الأسد إلى السلطة/ غازي دحمان
لم يعد التطبيع بين بشار الأسد وإسرائيل مجرّد تكهنات. لقد بدأ يتضح أنه يتم ضمن مسار صممّته روسيا، وأنجز مرحلته الاستكشافية في لقاءين في قبرص وقاعدة حميميم في اللاذقية، وكانت قد سبقته رسائل نقلها الروس من الأسد إلى حكومة نتنياهو، يخبر فيها الإسرائيليين أن بالإمكان إطلاق مفاوضات سلام معهم، إن كانوا راغبين ومستعدين.
كان من الطبيعي أن تنفي وزارة خارجية الأسد حصول هذه اللقاءات، ويمكن الجزم بأنها صادقة في نفيها، لأن مثل هذه الأمور لا يمكن أن تمرّ عليها، ما دام جهاز الأمن، عبر علي مملوك، هو من يتولّى الأمر، ولأن هذه المفاوضات لا تحتاج مفاوضين محترفين من وزارة الخارجية ولا خرائط لإثبات الحدود ولا قانونيين لصياغة الاتفاقات، هذه الأمور باتت خلف إسرائيل والأسد نفسه.
ما يريده الطرفان صفقة ساخنة، لا تنفع معها أطقم المفاوضات الرسمية، ولا تحتوي على سجالات ومماحكات وتفنيد للروايات، صفقة تشبه ما فعلته حكومة السودان، القبول بالتطبيع، من دون أي شروط مسبقة، مقابل فتح الأبواب المغلقة أمام الأسد، إذ بات هذا مقتنعاً أن الدول الغربية ربما تورّطت في الذهاب بعيداً في مسألة العقوبات ضده، وباتت أبوابها موصدة بأقفالٍ لن تكون مفاتيحها على شاكلة التكتيكات السابقة، من نوع التعاون الاستخباراتي، والتهديد بزعزعة استقرار لبنان، والمطلوب هو صدمة بحجم التطبيع مع إسرائيل، تُسقط جدار العزلة المضروب على نظام الأسد.
يعتقد الأسد، المبهور بذكائه الاستراتيجي، وقدراته الهائلة على التقاط الظرف الدولي وفهم توجهاته، أن الفرصة مواتية للإقدام على هذه الخطة، فإدارة بايدن، المتخبّطة حتى اللحظة، ستجد في مبادرة الأسد، التطبيع مع إسرائيل، منقذاً لها من تخبّطها، فهذه الإدارة الواقعة بين إخلاصها لسياسات إدارة أوباما، إلى درجة أنها لا تستطيع اجتراح سياسة سورية مختلفة عن سياسته، وما خلفه ترامب من وقائع على الأرض، ستجد نفسها ممتنّة للأسد على خطوته الذكية، ثم إنه ما دامت إسرائيل قد قبلت بإجراء صفقة مع الأسد فلا كلام بعد كلامها.
ويراهن الأسد على أن دول العالم ستبارك الصفقة، ومعها، ستفتح خزائنها لإنقاذ اقتصاده وإعمار كل حجر دمّره، وسيمحو العالم، بدوله ومنظماته، كل ما سُجّل من وقائع بطشه وجنونه، وسيتجاوز مطالبه بمرحلةٍ انتقاليةٍ ودستور جديد ومحاكمة لمجرمي الحرب، مقابل ذلك سيتركون له المجال لصياغة مخارج مناسبة، ربما تتضمن إعداد رواياتٍ جديدة عما حصل وكيف.
لا يحتاج الأسد سوى ولايتين دستوريتين جديدتين، 14 عاماً لن تكون كثيرة على المجتمع الدولي، بل إن هذا المجتمع هو من يُفترض به أن يبادر إلى طلب هذه المهلة لبشار الأسد، فحماية إسرائيل من عشرات مجاميع المتطرّفين، سنة وشيعة لا فرق، تتطلب مثل هذه المساحة الزمنية، كما أن إسرائيل نفسها لم تشبع من خمسين عاماً من خدمات العائلة الأسدية، وتطمح إلى مثلها ما دامت الإمكانية متوفرة. حافظ بشار الأسد على أعتاب الحكم، تفصله عنه فقط ولايات أبيه، وثلاث أو أربع ترقيات عسكرية لضمان حصوله على رتبة فريق أول.
قد يقول أحدهم إن بشار الأسد المأزوم، والباحث عن صفقة ساخنة وحلول سريعة، لا يملك ترف التفكير بتوريث ابنه في هذه اللحظة، ومن يبحث عن طحينٍ ووقود، لتسيير شؤون يومياته، لا طاقة له في التفكير باستحقاقات تفصلنا عنها سنوات مديدة؟ تختلف حسابات الأسد في ذلك، وطالما أن الأطراف الدولية والإقليمية قبلت بفتح البازار، فهذا يعني أن مطالب الأمس، بالتنحّي والمحاكمة، باتت من سفاسف الأمور. في الأصل، لا تحتاج هذه القضايا إلى مفاوضات، ولم يحصل في التاريخ أن تم التفاوض مع طرفٍ ما على محاسبته ومحاكمته، فالأسد يدرك أنه لن يدخل المفاوضات لينفذ شروطا ومطالب. كل ما هو مطلوب منه قبول التطبيع وإخراج مليشيات إيران من سورية، وعدا ذلك، فهو من سيتقدم بلائحة مطالب: الدعم الاقتصادي، رفع العقوبات، وربما عدم التدخل في الشأن السوري مستقبلاً.
كيف سيحلّ الأسد المشكلة مع إيران؟ إذ يعتقد بعضهم أن إيران التي استثمرت في الحرب السورية مبالغ طائلة وقدّمت أرواحا كثيرة، ربما تُقدم على اغتيال الأسد إذا فكّر بإخراج مليشياتها من سورية. ولكن في المقابل، لماذا لا نطرح السؤال: هل تمانع إيران في دوام حكم الأسد إلى الأبد إذا كان التطبيع سيحقق هذا؟ وهل تمانع إذا أعاد لها الأسد عشرات مليارات الدولارات التي صرفتها في الحرب، ما دام أن هناك أطرافا دولية مستعدة لدفع هذه المبالغ مقابل إخراج مليشيات إيران من سورية؟
السؤال الأهم، أليست إيران بحاجة إلى مثل هذا المخرج الآن؟ ما الذي تفعله مليشياتها في سورية سوى تلقي الضربة تلو الأخرى. ثم إن إيران أنجزت مشروعها في سورية، حققت أقصى قدر ممكن من التهجير والتغيير الديمغرافي، وقتلت وشرّدت جيلاً كاملاً، وأصبحت موجودة في مفاصل الاقتصاد والأمن ومجلس الشعب، وما دامت المطالب تقتصر على خروج مليشياتها وحسب، فالأمر ليس إشكاليا، خصوصا أن إدارة بايدن عائدة إلى التفاوض معها.
يوم مات حافظ الأسد، جاء العالم كله يبارك تسليم بشار السلطة، النخب الحاكمة التي فعلت ذلك ما زالت موجودة هي نفسها في السلطة، ما المانع أن تبارك غداً توريث حافظ بشار الأسد؟
العربي الجديد
———————————
حكاية بيت منهوب؟ أم وطن منكوب؟/ علي سفر
يخبرني مُعارضٌ منفيٌّ في إحدى الدول الأوروبية، عن أن جمعية تعاونية سكنية، تخصص قبل الثورة بمنزل فيها، أرسلت إلى بيت أهله، رسالة بريدية مسجلة، تبلغه فيها أنها قد فصلته، بسبب عدم دفعه للأقساط الباقية عليه، من التكاليف، التي سبق له أن دفع الجزء الأكبر منها مبلغاً غير قليل.
لقد انتهى إذاً بالنسبة للرجل مشروع بيت العمر، أي المكان الذي سيؤمن فيه على نفسه، وسيقضي بين ردهاته، بقية أيامه، بعد أن يكون قد استنفذ سنوات عمره كلها، في العمل في بلده، ليربي أولاده، فيؤمن لهم ما يسترهم، مروراً بأعباء دراستهم، ويوصلهم إلى مرحلة الاعتماد على النفس، ليتقاعد بعد ذلك مطمئناً إلى أن ما بقي من شقاء مستحق بوصفه سورياً، يمكن أن ينقضي، طالما أن ثمة جدران تقيه حر الصيف وبرد الشتاء!
يقع بيت صديقي أو لنقل مشروع الجمعية السكنية التي اشترك فيها بوصفها مشروعاً أهلياً غير حكومي، في إحدى المناطق الثائرة التي خرجت عن سيطرة النظام، ثم استعادها بعد أن قام بتهجير سكانها إلى الشمال، وإلى إدلب تحديداً.
البيت الذي لم يستخدمه أحد طوال سنوات الثورة، وبقي سليماً رغم ما شهدته منطقته من قصف بالبراميل، تحول بعد عودة سيطرة قوات النظام على المنطقة، إلى أداة لمحاربة أصحابه، مثله مثل البيوت والأراضي، التي كان على مالكيها أن يدفعوا ثمن موقفهم من النظام، إما الموت تحت القصف اليومي أو الحصار والموت جوعاً، وإما التهجير، بعد أن فرضت عليهم الظروف وتخلي العالم عنهم، القبول بالشروط اللا إنسانية من أجل إنهاء معاناتهم!
لا يشعر صديقي بأسى الخسارة، رغم فداحتها، ضمن المعايير المحلية للمواطن السوري، فيهمس بهدوء المطمئن: “هذه خسارة صغيرة، لا تستحق أن أعلن عنها، أمام السوريين الآخرين الذين فقدوا كل شيء، وأصيبوا بالخسارات المفجعة، فقتلت قذائف النظام أحبابهم، أو غيبهم في سجونه، ومضوا بعيداً عن ديارهم التي أمست محتلة!”.
حكاية الرجل، وما تتضمنه من أشواك قهر تخز روحه، ولا تخفى في كلامه، واحدة من مئات آلاف القصص، التي يمتلك مثلها كل سوري اضطرته حرب النظام على الثائرين إلى المغادرة، ضماناً لسلامته الشخصية، في مواجهة العنف الفاجر، الذي قوبلت به مطالب الثائرين في الشوارع، حيث ما لبث أن تحول قسم كبير منهم الى حمل السلاح، قبل أن تتداعى الوقائع دراماتيكياً إلى ما هو أسوأ، إلى أن وصل السوريون إلى حالتهم الراهنة!
ميزان الخسارات، والذي يحاول النظام أن يقنع مؤيديه أنه لا يؤثر فيه، فلا يقدم أي تنازل في سبيل أي حل، سوى عودة السوريين جميعهم للرضوخ له، لا يهوي إلى الأسفل في جهة الثائرين والمعارضين الذين تشردوا في مشرق الأرض ومغربها، بل إنه يهوي أيضاً في جهة أولئك الذين أيدوا النظام، ورأوا فيه المدافع عنهم، بعد أن تم سوقهم ذهنياً إلى خرافة وجود خطر وجودي يهددهم بسبب الثورة!
فهؤلاء وبعد مرور عقد كامل على بداية “الأحداث” وفق تسميتهم للثورة، باتوا على حافة الهاوية، حيث تتربص بهم المجاعة، وتهين إنسانيتهم النهايةُ المذلة التي قادتهم إليها سياسة الأسد، والزمرة الحاكمة معه، بعد أن جعلت من أولادهم حطباً سهل الاحتراق في نيران أحرقت أخضر البلاد ويابسها!
يعيش رأس النظام وحاشيته متعة الانتصار كعصابة، فاستيلاؤه على أملاك ابن خاله (على سبيل المثال)، يعادل لجهة آلية التفكير، فوزه ببلاد مدمرة، تعلو شوارعها صوره!
ووفقاً لتكوين الهرم المافيوي، سيعيش أتباعه الأدنى منه انتصاراتهم وفق مقاساتهم، فيربح ذلك الضابط جُعالاتٍ إضافية، وينال وزير مكاسب رخيصة، وتتسلسل الانتصارات الدنيئة، لتصل مراتب سفلية، لا كرامة فيها، لتحكم هؤلاء شريعة الافتراس!
فحين نتذكر كيف كان النظام يشرّع الفساد، فجعل السوريين المعدمين طفيليات، تتعيش على حساب سوريين آخرين، عبر قطع الطرق على المعاملات في المؤسسات الرسمية، بغية نيل الرشاوى، وفرض خوات الحماية، لدرء شر القوانين والضرائب، ندرك كيف سيعتاش قطاع كبير من حثالة المؤيدين، على أملاك الغائبين، دون أن يرف لهم جفنٌ، طالما أن أدوات الحماية متوفرة، في الدولة الفاشلة!
يشعر السوريون الذين فقدوا أملاكهم وأحبابهم، وباتوا مشردين بين النزوح واللجوء، أن بلادهم محتلة، قبل قدوم الجيوش المتعددة إلى الأرض السورية، من قبل نظام لا يرى فيهم سوى جحافل يهرق حيواتها، في آلة سيطرته الجهنمية على مقدرات البلاد، واستباحته لمصائر أفرادها!
كما يشعر السوريون الذين ظنوا ذات يوم أن دفاعهم عن النظام هو دفاع عن الوطن، أنهم قد خدعوا، فبعد كل ما بذلوه في سبيل الأسد، بات عليهم أن يدفعوا في مرحلة ما بعد “الانتصار” أثماناً إضافية، فلا شيء يوحي بأنهم يعيشون كالمنتصرين!
فالمنتصر لا يعيش الفاقة والجوع! ولا يُذل في طوابير الأفران، ولا يقضي لياليه في العتمة بسبب عدم وجود الكهرباء، ولا ينام ملتحفاً الأغطية السميكة بسبب عدم وجود الوقود للتدفئة!
والمنتصر بالتأكيد، لا يمكن أن يقبل الصراعات على مئات مليارات الدولارات بين أفراد العائلة الحاكمة التي بات أفرادها ينهشون بعضهم، وبشكل مكشوف دون أدنى خجل من خسارات المؤيدين، بعد أن طوبت سوريا كملكية خاصة، رغم أنها تُسجل ضمن قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم، بنسبة بلغت 82.5% تحت خط الفقر!
وفي المحصلة، لا يعيش المنتصر نشوة انتصاره تحت سيطرة الإيرانيين والروس، بينما تخردق أجواءه الغارات الإسرائيلية شبه اليومية على مواقع الجيش “المكلل بالغار”، وحلفائه من الميليشيات الطائفية!
تلفزيون سوريا
—————————–
حل قريب في سورية؟/ ميشيل كيلو
أعلن المسؤول الأميركي عن الملف السوري، جويل ريبورن، أن الحل في سورية صار قريباً، وأنه يتوقع أن ينهار النظام الأسدي فجأة. وأثار هذا الإعلان موجةً من التفاؤل لدى قطاعات واسعة من السوريين، تعتقد أن المسؤول الأميركي يعرف ما يقول، وأنه حان لمن بيدهم القرار أن يجدوا حلاً طال انتظاره، بعد أن دفع شعب سورية ثمنه الفادح، مذ ثار لنيل حريته، وها نصفه ينهشه الجوع، ويجد نفسه مشرّداً في البراري والقفار، ونصفه الآخر أشد جوعاً ودماراً في مناطق الأسدية، وينتظر بدوره الحل.
هل اقترب الحل؟ هذا ما آمله، كالسوريين الذين شبعوا موتاً وغربة، ويتطلعون إلى عودةٍ قريبةٍ إلى وطنٍ لا يريدون غيره، ولا يساويه في أعينهم أي مكان آخر!
ثمّة عناصر في وضعنا ترجّح أن يكون الحل قريباً، وهناك عناصر تجعله مستبعداً إلى زمن يعلمه الله وحده، والسبب: تعارض مصالح (ورهانات) الممسكين به، الذين يسيطرون على المنخرطين فيه، ويُحجمون عن العمل لتسويةٍ تضمن التوازن بين مصالحهم وأهدافهم القريبة والبعيدة التي لا علاقة لسورية وثورتها بها، وتتخطّاها إلى ما في الواقع الدولي القائم من تناقضات وخلافات بين موسكو، الراغبة في الصعود من مواقعها الحالية إلى مراكز تحتلها واشنطن، التي قرّرت منعها من ذلك، ونجحت في سحب أوراق الحل السوري من أيديها، واحتجزت قدرتها على استكمال الحل العسكري الجزئي الذي حقّقته بحلٍّ سياسيٍّ شامل، يقوّض هيمنة أميركا على الصراع السوري ومخرجاته، ورفضها التعاطي بإيجابيةٍ مع مطامح الكرملين السورية، وتعاملها بندّيةٍ معه في الشؤون الدولية، وتسهيل خططه في سورية وما وراءها من ديار العرب. فهل يشجع هذا الواقع الدولي المتناقض الرهانات على حل قريب، أم يقول عكس هذا؟ وهل أيقنت موسكو أنها عاجزةٌ عن الخروج من الاحتجاز الأميركي، وأن من الأفضل لها قبول تسويةٍ تخرجها من الارتباط المفرط بالشأن السوري، الأسدي تحديداً، وتُلزمها بالانصراف إلى غيره، وسط تحوّلاتٍ دوليةٍ فيها من الفرص الافتراضية ما يساعدها على كسر عزلتها الخانقة التي تخلّقت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بما قد يترتب على ذلك من ميلٍ أميركي إيجابي إلى التفاهم معها، بنتائجه التي تفوق، في أهميتها، ما قد يقدّمه الأسد لها، أو تقدّمه هي من تنازلاتٍ في قضايا ومسائل لا ترتبط مباشرة بالصراع السوري، ولا تنعكس إيجابياً بالضرورة على المعارضة، لكنها تمنح موسكو فرصة الخروج من العزل الخارجي، والتخلّص من المستنقع السوري.
هذه العوامل المتشابكة التي يؤيّد بعضها الحل القريب، ويستبعده بعضها الآخر، تضمر مجاهيل عديدة لا نعرف تفاصيلها، ودورها في سياسات الدولتين الكبيرتين، وموضوعاتها الحقيقية. ومع أن علينا الاهتمام بما قاله الدبلوماسي الأميركي ريبورن، والعمل لمعرفة ما لديه من تفاصيل تسوّغ تقديره المتفائل والمفاجئ، المعاكس لما يحيط من غموض بالصراع على وطننا وفيه، ويسود من ركود في مواقف أطرافه المختلفة، فإن من الواضح أننا لن ننال ما ضحّى شعبنا من أجله، إن استمرّت مواقفنا الأقرب إلى الفرجة على مصيرنا منها إلى العمل لتحقيق أهداف ثورة قدّم أهلنا فيها ملايين الضحايا، من أجل نيل حريتهم، وتفاءلنا وتشاءمنا بين تصريح وآخر، لأننا ظللنا، بمحض إرادتنا، أو بسبب غبائنا، مجرّد معلقين على ما يبلغ أسماعنا، بدل أن نكون صناع ما يستمع إليه الآخرون، روساً وأميركيين وإيرانيين … إلخ.
قد لا يكون الحل قريباً، لكنه قد لا يكون بعيداً أيضاً. المشكلة أن المعنيين به يبدون غير معنيين بنا في الحالتين، فلا عجب إن أصبنا بمفاجأةٍ تذهلنا في حال تحقق قريباً، أو كان في المقابل بعيداً، لأننا لن نكون فاعلين، بل منفعلون به، بكل ما يملأ نفوسنا اليوم من حسرة على أهلنا!
العربي الجديد
——————————-
روسيا التي تُهمِل إعمار دمشق وتُعانِد واشنطن/ براء صبري
لا يمرُّ يوم إلا ويظهر كيف أن القادة الروس العاملين في الشؤون الخارجية لازالوا يتحرّكون على أساس ثنائية “واشنطن- موسكو” التي سيطرت على السياسة الدولية لنحو سبعة عقود، الثنائية التي لم تَعد كما كانت في السياسات الدولية وفي المنظور الأميركي نفسه، بقيت صامدة في العين الروسية المُحدقة للعالم.
نمط التفكير ذاك، يُحدّد إلى حدٍّ ما آلية تحرّك روسيا في سوريا، وهو بحدِّ ذاته يشرح بصورة أوضح كيف أن رؤيتها ومخاوفها تجاه الأميركيين على مستوى التنافس في العالم هو سيّد الموقف في سياساتها الخارجية.
هذا النوع من القواعد السياسية للخارجية الروسية، تدفع موسكو إلى تفضيل مُعاندة واشنطن منها على تركيزها على ضرورات إيصال مُتنفسات اقتصادية لحليفه المُحاصر في دمشق، وتسهيل الحياة لمن يواصلون العيش تحت ظلال حكمه، وهم عملياً سكان ثُلثي البلاد المنكوبة من سنوات الحرب الطويلة، والتي تحتاج إلى مليارات الدولارات للعودة إلى روحها السابقة.
مُتطلبات موسكو تلك، هي أساس السياسة الروسية المطلوبة هذه الأيام مع اشتداد الخناق الغربي على مناطق حكم دمشق من خلال قانون قيصر ومُلحقاته، هذا النوع من السياسة قد يُفيد الروس أكثر من خلق مُشاحنات مع الدوريات الأميركية في أطراف البلدات الصغيرة في أقصى شمال شرقي سوريا.
روسيا التي تُدرك أن سياسات أنقرة في سوريا أصبحت محصورة بكيفية ردع الأكراد وحلفائهم العرب والمسيحيين من تثبيت ذاتهم وتأسيس كيانٍ محلي داخل الحدود السورية، هي أفضل مُسيّر للأهداف والخطط الروسية ضد من تعتبرهم موسكو عملاء لواشنطن في سوريا الحليف القديم لموسكو.
هكذا تبدأ روسيا التي لا تنظر إلى ضرورة إيجاد حل لطوابير الناس على المخابز والمحروقات في العاصمة دمشق، ولا تفكّر في كيفية وضع حل مُستدام للقضايا ذات الإشكالية السياسية والدستورية في بلدٍ يدفع ثمن تحوّله إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، بدفع تركيا المُشبعة بالعداء القومي ضد الأكراد إلى خلق مخاوف جديدة لدى سكان شمال شرقي سوريا.
كما تدفع روسيا إلى توليد توترات جديدة بين النظام السوري وقسد في مدن التواجد المُشترك لأسباب مُبهمة، إضافةً إلى مُشاركتها المُباشرة في توليد القلاقل بتعمّدها التصادم مع الدوريات الأميركية الجوّالة في شمال شرقي البلاد، وتقوم بتركيز الخطاب الإعلامي الرسمي في سوريا على تصدير صورة العميل الأميركي للمتواجدين في تلك المنطقة لباقي سكان البلاد؛ لزرع الشقاق وتوسيع قلة الثقة الموجودة أصلاً بينهم.
هذا الحيّز من القلاقل ذات المنشئ الروسي، تتمحور جغرافياً في الخط المُمتد من تل رفعت مروراً بمنبج وصولاً إلى نقطة التلاقي التركي السوري العراقي الحدودي. حركة التنافس والمُشاحنات والتوترات تلك مُؤطّرة في الخط الشمالي من الحدود السورية مع تركيا.
لا تقوم روسيا بذات التصرفات في شرقي محافظة ديرالزور حيث القوة الحاكمة هي ذاتها “قسد”، وحيث التواجد الأميركي المُكثّف هناك، لأنها لا تملك أدوات عدوانية تُركيّة هناك للبعد الجغرافي، ولأن مراكز قوة النظام بعيدة عن تلك المنطقة، وهو بدوره يخشى من التصادم مع القوات الأميركية في ذات الوقت.
طبعاً، ولكون الإيرانيين حلفاء موسكو الإقليميين المُوجودين في جنوب خط الفرات غير موثوق بهم ومغضوب عليهم من الجميع هذه الأيام. لذا، تواجه روسيا الكثير من التقييد في عملية اختلاق التوترات والتشاحن مع واشنطن و”عملائها” المُفترضين في تلك المنطقة.
لكن، يبقى هناك الحديث المُستمر عن مُحاولاتٍ روسيّة لتأجيج الجانب العشائري على قسد المُتهمة بالعديد من الأخطاء والانتهاكات في السياسات الداخلية والقانونية في شرق دير الزور.
روسيا التي لازالت تحاول أن تستفيد قدر الإمكان من استثمار عودة نفوذها إلى الساحة التنافسية الدولية، تبحث عن نتوءات في السياسة الأميركية للتسرّب منها لمُعاقبة حلفائها المحليين في سوريا.
هذا ما يظهر من حراكاته في سوريا بالتواطؤ مع أنقرة بكثرة هذه الفترة مع ازدياد الصخب الذي صنعه ترامب بعد خسارته الانتخابات، وانشغال واشنطن بمشاكلها الداخلية، والتي فيما يبدو تحتاج إلى وقتٍ لا بأس به لتخفيف تداعياتها والتركيز على الخارج.
في هذه الفترة، ستحاول موسكو تحويل الملعب السوري الخارج عن سيطرة دمشق وتركيا إلى ساحة لبناء المصائد لما تسميهم “عملاء” واشنطن، وستدفع إلى كسب النقاط في التمركزات والتفاهمات والعملية التفاوضية بين الأطراف المعنية بالشأن هناك.
بالمقابل، فأنها (روسيا) تستفيد أيضاً، من أداء الإدارة الذاتية وقسد المُتهالك داخلياً والضغوطات على السكان هناك، للترويج لنفسها كمُخلّص ممكن لهم بعد تراجع الثقة المحلية بالسياسات الترامبيّة في سوريا.
هذا النمط من السياسات الخارجية ضد شرق الفرات والأميركيين، يعمل على زيادة الضغط على السلطات المحلية في تلك البقعة شبه المستقلة ذاتياً من سوريا، وتجعل النشوة التركية المُستعدة لأن تكون عصا روسيّة في سوريا فقط لإنهاء أيّ شيء له علاقة بالأكراد، في قمتها.
هذا كله يحدث، وتعتبره روسيا انتصاراتها الأهم، في الوقت الذي تقوم بتغاضي تام عن مُواجهة التراجع المُخيف في مستوى المعيشة في عموم سوريا، وندرة الخدمات، وتضاؤل الآمال بالوصول القريب إلى حلٍّ سياسي شامل يُنهي مسيرة طويلة من الحرب والنزوح والهدم والألم.
الحل نت
———————–
أصدر مركز كارتر الامريكي في كانون الثاني/يناير 2021 تقريرا بعنوان: الطريق نحو تحويل النزاع في سوريا- إطار عمل لمقاربة مرحلية.
وبقراءة التقرير يمكن القول أنه بشكل عام يهدف الى اعادة تأهيل النظام السوري (يسميه الحكومة السورية) والى تنازل المجتمع الدولي أمام تعنت النظام المجرم بحجة لكي يتعاون مع القرارات الدولية. علما ان التقرير لا يقترح اي شيء جوهري من تنفيذ القرارات الدولية ويمكن تسجيل الملاحظات التالية:
1- يتحدث التقرير عن ضرورة تخفيف العقوبات على النظام دون اي تنازل مقابل من النظام ولا حديث عن ضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن لانها تزعج النظام.
2- ويتحدث عن ضرورة اعادة التعامل الدبلوماسي مع النظام على مراحل ثلاثة (سماها مراحل التحفيز للنظام) متناسيا جرائم النظام بحق الشعب السوري
3- التقرير يساوي بين الجلاد وبين ضحاياه. ويدعو للمساهمة الاوربية في اعادة الاعمار لكي نؤثر على تعنت النظام.
4- الافكار الواردة في التقرير عموما في تعامل الغرب مع نظام الاسد تشبه تعامل الغرب مع النظام الايراني وسعيهم لمراضاة وتدليل ايران لكي تتعاون ويتناسون جرائم ايران في المنطقة .
5- يتحدث التقرير عن الاسلاحة الكيماوية ويقول ان المنظمة الدولية لحظر الاسلحة قد اتلفت كل المخزون السوري منه وهذا كذب. ولا يستخدم التقرير ولو كلمة ادانة لجريمة استخدام النظام للغازات السامة ضد المدنيين.
ما هذه الوقاحة في مقاربة الحالة السورية والتعاطف والمسايرة للنظام الاسدي المجرم.
6- يهدد التقرير ان لم يتم التجاوب والتعاون مع نظام الاسد فطريق سوريا نحو التقسيم!
التفسير هو فقط لأن اسرائيل راضية عما قام به الاسد سواء في خدمتها لاربعين سنة أو في قتل السوريين وتدمير قدراتها العسكرية والاقتصادية والمجتمعية.
باختصار تقرير مركز كارتر يخلو من اي نظرة اخلاقية وموضوعية لما جرى ويجري في سوريا وهو يدعو الى تاهيل النظام والتعاون مع روسيا.
افهموا ايها السوريون أن مراكز الابحاث الامريكية تقدم نصائح لادارة بايدن للتفاهم مع نظام الاسد وكسب وده ومجاراته وكأنه هو الضحية وليس المجرم.
لكِ الله يا سوريا كيف تكالبت عليك كل حثالات العالم ويريدون معاقبة شعبك لانه اراد العيش بحرية وكرامة.
محمود الحمزة
———————————-
=====================
تحديث 29 كانون الثاني 2021
———————————
الأسد بين خيارين.. عراق التسعينيات أو مصير علي عبد الله صالح/ منير الربيع
تتزاحم العاطفة مع العقل، الواقعية والتمنيات، السياسة والأخلاق، لدى مقاربة ملف كالملف السوري. بالنظر إلى إدارة أميركية راحلة، ومجيء إدارة جديدة، تتشابك في مخيلة أي مراقب قراءات وتصورات وخلاصات لا يمكن أن يصل من خلالها إلى نتيجة واضحة.
ولكن في خلال التفكير بها، يستعيد بذاكرته إعادة تعريف شاملة للسياسة وأصولها، لصراعات الأمم أو لعبتها، والتي غالباً ما تسحق الشعوب. وهذا أكثر ما ينطبق على الإدارات الأميركية المتعاقبة. جورج بوش والذي نظر إليه الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة الأميركية، بأنه فاتح عصره، والذي ضرب لهم صدام حسين، ولوح مراراً بضرب بشار الأسد، وكان شديد “الشراسة” ضد إيران، كانت نتائج حروبه أكثر من عرفت طهران كيفية توظيفها في صالحها، فسيطرت على العراق، وتمكّنت من الاستحواذ على القرار الفلسطيني، عمّقت علاقتها أكثر بالنظام السوري، وورثت عنه دوره في لبنان.
عهد باراك أوباما والذي تأمل فيه المضطهدون، لم يسهم بغير سحقهم، مع الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية معه قد تغيرت من جمهورية إلى ديمقراطية. قضى أوباما على آمال السوريين وعلى أدوار شخصيات مؤثرة في إدارته كوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مثلاً بسبب رفضها لسياق الاتفاق النووي الذي وقعه مع إيران، وكان كثير الحماسة لتوقيعه وإبرامه. استكملت إيران في ولاية باراك أوباما ما أسسته في ظل حروب جورج بوش، مع أوباما أعلنت طهران عن سيطرتها على أربع عواصم عربية، وأصبحت على مشارف السعودية.
في ولاية دونالد ترامب الجمهوري النزق، صاحب الطباع الغريبة، كان من البديهي عدم الرهان على الرجل في غير سياق المقاولات وتجارة المال في السياسة، وله الكثير من المواقف في هذا المجال، لم يكن من الوارد الرهان على ما سيقدم عليه ترامب، والذي استخدم أسلوب رجال الأعمال في عمليات الابتزاز سواء لإيران من خلال فرض العقوبات أو العراضات العسكرية، أو ابتزاز دول الخليج مقابل استجرار كبريات القطعات العسكرية للاستعراض فقط، ولم يقدم على خطوة، وهو بنفسه أعلنه أنه عندما كان ينوي اغتيال بشار الأسد ولكن وزير دفاعه حينها هو الذي رفض ذلك، وهذا مؤشر على سياسة الدول العميقة، أو متركزات المؤسسات.
حالياً يأتي جو بايدن، ومخاوف الشعب السوري ومناصري ثورته، تتعاظم من احتمال تكرار تجربة باراك أوباما السوداء، وحقبة إطلاق يد إيران وجماعاتها في سوريا وفي كل منطقة الشرق الأوسط، بلا شك أن هناك مخاوف حقيقية لا بد من التوقف عندها، وقد ترافقنا لأربع سنوات جديدة بهواجسها ومكائدها ولعبة المصالح التي لا تضرب غير الشعوب.
لم تتضح حتى الآن وجهة جو بايدن، وسط تناقضات كبيرة في خلاصات جانب منها يعتبر أن الرجل ومن خلال فريق عمله سيستعيد تجربة أوباما، في حين أن وجهة نظر أخرى تقول إنه لا بد من يصحح الخطايا التي ارتكبها.
واقعياً على الأرض، هناك مؤشرات حول استمرار الدفع باتجاه تكريس الفصل بين القوى الكردية، والنظام السوري، مؤشر المعارك بين الطرفين سيتصاعد، في حين أن طموح الأكراد هو الذهاب إلى ما يماثل الوضع الكردي في العراق، وهم يراهنون بقوة على جو بايدن، كعراب لنموذج تقسيم العراق. كلام وزير الخارجية الأميركية الجديد أنطوني بلينكن كان واضحاً حول الوضع السوري، والتركيز على دعم الأكراد وعدم الانسحاب من سوريا، مقابل اعتماد سياسة متشددة تجاه النظام.
في المقابل، هناك أجواء أميركية تعمل على تشكيل لوبي ضاغط بهدف تغيير السياسة الأميركية تجاه سوريا، وفق مبدأ تخفيف الإجراءات العقابية التي تنعكس على الشعب السوري، لأن الضغط على السوريين لن يؤدي إلى تغيير النظام.
ستتحول سوريا إلى لا دولة خاضعة للحصار على مدى سنوات طويلة، في حين تكون هناك منطقة كردية محصنة. يتحول الواقع السوري اليوم إلى ما يشبه واقع العراق في التسعينيات.
تطورات كثيرة سيشهدها الملف السوري في المرحلة المقبلة، بعض المؤشرات تفيد بأن إيران لن تقدم على أي خطوات في سبيل تنشيط نفوذها أو تحركاتها في سوريا في المرحلة الاولى من إدارة بايدن.
ويقول حزب الله: إن الإدارة الأميركية الجديدة لا تمانع بوجود النفوذ الإيراني ولكن تحت الضابطة الروسية وبما يحفظ مصالح إسرائيل. سيكون بشار الأسد بين منزلتين، أو بين خيار من اثنين، إما الذهاب أكثر باتجاه حميميم والبحث عن العلاقة سراً وعلناً مع إسرائيل، ما قد يدفعه إلى مصير علي عبد الله صالح، أما بحال أصر على البقاء في الكنف الإيراني، لن يجد من يعومه أو من يرفده بأي دعم وبالتالي سيبقى في عزلته في حين يدفع السوريون الثمن طالما أنه لا إجراء سيطاله في قصره.
تلفزيون سوريا
———————————–
رسائل رفع العقوبات عن الأسد تكشف خريطة داعميه ومؤيديه
إسطنبول – طارق صبح
وجهت الأسبوع الماضي شخصيات سورية وعربية وأوروبية رسائل إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، يطالبون فيها برفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن نظام الأسد.
ووقع على هذه الرسائل
التي أرسلت أيضاً إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وغيرهم من القادة الأوروبيين، نحو 95 شخصية، ينتمي الجزء الأكبر منهم إلى فئة رجال الدين المسيحيين في سوريا ولبنان والعالم، بالإضافة إلى سياسيين ونواب وباحثين أكاديميين أوروبيين وعرب.
واستندت الرسائل إلى بيان خبيرة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ألينا دوهان، التي دعت إلى “رفع العقوبات الأحادية الجانب” عن نظام الأسد، واعتبرت أن “العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في سوريا، خاصة في سياق جائحة كورونا، وتعرض الشعب السوري لخطر أكبر من انتهاكات حقوق الإنسان”.
واعتبر الموقعون على الرسائل أن النتائج التي توصلت إليها السيدة ألينا دوهان، “تعكس إجماعاً متزايداً في أوساط المساعدات الإنسانية وحقوق الإنسان، على أن هذا الشكل من العقاب الجماعي للسكان المدنيين يقود سوريا إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة”.
وحث الموقعون الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني على “مساعدة السوريين في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية التي تهدد بإطلاق موجة جديدة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه من خلال تنفيذ توصية المقررة الخاصة للأمم المتحدة”.
نتاج عمل دؤوب للوبي ضغط سياسي
من المعروف أن هناك تياراً سورياً ودولياً، يرفض العقوبات على نظام الأسد، على اعتبار أنها قد تمس بشكل غير مباشر المدنيين في سوريا، كما قد يكون من الطبيعي بمكان أن تصدر دعوات من المعنيين بحقوق الإنسان تطالب بتحييد المدنيين ورفع العقوبات، خاصة تلك التي من شأنها التأثير على حياة المدنيين وتزيد معاناتهم، الأمر الذي أخذته الإدارة الأميركية السابقة بعين الاعتبار عند كل إعلان للعقوبات، خاصة ضمن “قانون قيصر”، والذي فرض العقوبات على نحو 110 أشخاص وكيانات مرتبطة بشكل مباشر بالدائرة القريبة من نظام الأسد وزوجته وعائلتهما.
إلا أن ما يستدعي التوقف عند هذه الرسائل هو أسماء الشخصيات الموقعة عليها، الذين يشكّلون في معظمهم زعماء دين وقادة كنائس وجماعات دينية مسيحية، ينتمون إلى عدد من الدول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا والمجر، فضلاً عن شخصيات مسيحية بارزة في سوريا ولبنان، ما يدل على أن هناك عملاً منظماً وراء هذه الحملة، ربما تكون مصالح الشعب السوري آخر أهدافها.
وبالإضافة إلى هؤلاء، تشير أسماء الشخصيات السياسية الأوروبية والعربية الموقعة على الرسائل، إلى دفع وتحريض من شخصيات وجهات محددة يمكن مقاطعتها مع هذه الأسماء، ما يؤكد أن هذه الرسائل هي نتاج عمل دؤوب لـ “لوبي ضغط سياسي”، دأب منذ سنوات على تلميع نظام الأسد وإعادة إنتاجه ليتم قبوله لدى الغرب.
من خلال بحث موقع “تلفزيون سوريا” في خلفية الأسماء الموقعة على الرسائل، ولدى التواصل مع مصادر خاصة في العاصمة البريطانية لندن، تبيّن بما لا يدع مجالاً للشك بأن من يقف وراء هذه الحملة مجموعة من أبرز داعمي نظام الأسد في بريطانيا وفرنسا، على رأسهم الدكتور فواز الأخرس، والد زوجة بشار الأسد، ورئيس “الجمعية السورية البريطانية”.
هدية على طبق من فضّة
شكّل الأخرس منذ وصول صهره إلى السلطة في سوريا، قناة خلفية لتواصل السياسيين والصحفيين البريطانيين مع نظام الأسد، فضلاً عن تمثيل صهره بشكل غير رسمي لدى اللوبيات وجماعات الضغط في المملكة المتحدة، حسب ما أكد مقربون منه هناك.
ووفق مصدر خاص في لندن مطّلع على قضية الرسائل، فإن وجود أسماء مثل السفيرين السابقين في سوريا اللورد أندرو جرين وبيتر فورد، والقائد السابق للقوات الخاصة البريطانية جون هولمز، وغيرهم من أعضاء “الجمعية السورية البريطانية”
، يؤكد بالضروة أن فواز الأخرس هو “عرّاب” هذه الحملة ومرشدها.
وأكد المصدر أن الأخرس كان يعمل على فكرة الحملة في بريطانيا منذ عدة شهور، إلا أن بيان خبيرة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ألينا دوهان، جاء “هدية على طبق من فضة” لبلورة الحملة، خاصة مع استنادها إلى “تحذيرات أممية” من تأثير العقوبات على المدنيين السوريين.
وأوضح المصدر أن أحد المقربين من فواز الأخرس، وهو الأكاديمي والباحث الفلسطيني مكرم خوري مخول، اقترح أن تأخذ الحملة طابعاً مسيحياً، للتأثير بشكل أكبر على القادة والسياسيين الغربيين، بالإضافة إلى إيكاله بمهمة صياغة نص الرسالة.
ويُعرف عن مكرم مخول تأييده الدائم والشرس لنظام الأسد، فضلاً عن انتمائه لـ “محور المقاومة والممانعة”، كما تستضيفه قنوات النظام الإعلامية
بشكل مستمر للحديث عن “المؤامرة” التي تتعرض لها سوريا، متهماً دولاً عديدة بالعمل على “تدمير سوريا، وحرق حضارتها”.
وأسس مكرم مخول “المركز الأوروبي لدراسة التطرف” في العام 2016، ويضم بين صفوفه
وجوهاً بارزة في المجتمع البريطاني من رجال الدين والسياسيين، فضلاً عن شخصيات سورية وعربية أخرى، إلا أن نشاطه اقتصر على فعاليتين فقط خلال عامي 2017 و2018، إحداهما كانت تتعلق بالترويج لإعادة إعمار سوريا
، وما عدا ذلك فليس لهذا المركز أي نشاط سوى ضمن دوائر لوبيات دعم الأسد في بريطانيا، وفق ما ذكر مصدر موقع “تلفزيون سوريا” في لندن.
وبحسب المصدر، بدأ مخول باستقطاب الهيئات والتيارات المسيحية في بريطانيا وعموم أوروبا عبر منظمة يرتبط بها بشكل وثيق، تدعى “صندوق الإغاثة الإنسانية
“، وهي مؤسسة مسيحية تعمل على “إنشاء برامج مساعدة في مناطق النزاع النشطة، ومناطق ما بعد الصراع التي ما تزال تدمرها الحرب”، وفق تعريفها.
وعملت المنظمة، خلال الشهور الماضية
، على التمهيد لما سمّته “أثر العقوبات المدمّر على الشعب السوري”، ودعت أكثر من مرة الحكومة البريطانية إلى وقف العقوبات وعدم استخدامها كورقة ضغط على نظام الأسد.
كما لم تخف هذه المنظمة مشاركتها عن كثب في هذه الحملة، عبر التخطيط لاستقطاب رجال الدين المسيحي في الشرق الأوسط وأوروبا للتوقيع على الرسالة، والمساهمة الفعالة في نشرها لزيادة الضغط على رئيس الوزراء البريطاني لتخفيف العقوبات على نظام الأسد.
من أبرز رجال الدين الموقعين على الرسائل اسم بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، ورئيس كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك البطريرك جوزيف عبسي، والأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط اللبناني ميشيل عبس، والمطران جوزيف أرناؤوطيان أسقف دمشق للأرمن الكاثوليك، والمطران أنطوان أودو أسقف الكلدان الكاثوليك في سوريا، ورئيس أساقفة حلب للروم الملكيين الكاثوليك المطران جان كليمان جنبرت، والأب إلياس زحلاوي رئيس كنيسة العذراء الملكية في دمشق، والدكتور نبيل أنطاكي أحد أبرز وجوه تجمع المريميين في حلب وغيرهم..إلخ.
ويشير المصدر من لندن، إلى أنه يعتقد أن بعض أسماء رجال الدين، خاصة الموجودين داخل سوريا، وردت أسماؤهم بين الموقعين على الرسائل دون علمهم، ودون أن يكون لهم أي اطلاع على محتواها، مؤكداً أن ذلك تم لكون هذه الشخصيات لا تستطيع الاعتراض على أمر كهذا خوفاً من بطش النظام.
وتتنوع بقية الأسماء بانتماءاتها الجغرافية والسياسية، من مصر إلى تونس والجزائر ولبنان، فضلاً عن فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، إلا أن القاسم المشترك بين معظم هذه الأسماء هو تأييد نظام الأسد منذ بداية الحراك السلمي السوري في آذار من العام 2011، وتسويق نظرية “المؤامرة والتخريب” و”الجماعات الجهادية المتطرفة” منذ الأيام الأولى للثورة السورية. وهنا نتطرق إلى خلفية بعض هذه الأسماء:
المازري حداد: “لتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم”
شغل المازري حداد منصب سفير تونس لدى “اليونسكو” في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، يقيم حالياً في فرنسا، ويكتب باستمرار في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية اليمينية.
ومعروف عن حداد مهاجمته الدائمة للإسلام والحركات الإسلامية عبر مقالاته، ويصف ثورات الربيع العربي بأنها “جريمة القرن الإسلامية”، محذّراً الغرب من أن دعمه للربيع العربي سيجعله يصل إليهم، مؤكداً ارتباط الربيع العربي والإرهاب الإسلامي في كل العالم.
ولا يخفي الدبلوماسي التونسي دعمه لنظام الأسد، ويعتبر، في حديث مع قناة فرنسية
، أنه “من دون شك لم تكن توجد تحت حكم بشار الأسد ديمقراطية، لكنه لم يكن يوجد هذا النمط من الإرهاب المنتظم والشامل والأعمى”، مكرراً عبارته التي اشتهر بها “لتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم، إذا لم يكن الحق في الحياة مضموناً”.
أحمد المناعي: 600 قناة تلفزيونية تبث أكاذيب ودعاية مغرضة ضد النظام
كان أحمد المناعي أحد المراقبين الذين أرسلتهم الجامعة العربية إلى سوريا في كانون الأول من العام 2011، والذي كان بادياً تحيزه لنظام الأسد من خلال التقرير الخاص بشأن سوريا، الذي قدمته اللجنة للجامعة العربية.
في شباط من العام 2012
، عبّر المناعي عن ارتياحه “العظيم” عقب استخدام روسيا والصين لحق النقض، ضد مشروع قرار مجلس الأمن بالأمم المتحدة يدين قمع نظام الأسد للمظاهرات السلمية، معتبراً أن “الاعتراض الصيني والروسي أنقذ البلاد التي هي مهد الحضارات من التدمير الشامل الذي أراده لها بعض العرب”.
واعتبر طرد السفير السوري من تونس الذي اتخذه الرئيس السابق المنصف المرزوقي، بأنه “قرار طائش، اتخذ من طرف هواة في الدبلوماسية والعلاقات الدولية”.
كما وصف المناعي المعارضة السورية بأنها “جماعات مسلحة متطرفة”، متهماً دول الخليج العربي وقطر وتركيا وكامل بلاد الحلف الأطلسي بدعمها مالياً، وتدريبها عسكرياً، وتأمين التغطية الإعلامية لها، مشيراً إلى وجود أكثر من 600 قناة تلفزيونية “تبث بصفة متواصلة وبكل اللغات سيلاً من الأكاذيب والدعاية المغرضة حول الوضع في سوريا”.
وكذّب منع النظام دخول الصحفيين إلى سوريا لتغطية الاحتجاجات إلى البلاد، مؤكداً أنه شهد بنفسه منح عشرات الاعتمادات الصحفية لوسائل إعلام مختلفة لتغطية الحدث السوري، إلا أنه اعتبر أن ممارسات المعارضة السورية تسببت بخروج الصحفيين وعدم عودتهم إلى سوريا.
إبراهيم نصير: “مقاومة” سليماني كمقاومة السيد المسيح
يبرز من بين أسماء الموقعين اسم القس إبراهيم نصير، راعي الكنيسة الإنجيلية المشيخية في حلب، الداعم البارز لنظام الأسد في حلب، والذي وصف زعيم ميليشيا “فيلق القدس” قاسم سليماني بأنه “يقاوم الأنظمة المستبدة ويتصدى لتنظيم الدولة الإسلامية ويساهم في الحفاظ على تنوع المجتمع السوري وحماية المسيحيين”، عقب اغتياله في كانون الثاني من العام 2020.
كما شبّه “مقاومة” سليماني بمقاومة السيد المسيح، ما استدعى استهجاناً وتنديداً من لجنة متابعة “مؤتمر المسيحيون العرب”
، محذرين من خطورة التضليل الذي يمارسه القس إبراهيم نصير، والساعي لتضييع الحق والحقيقة، والخلط بين المجرم والضحية.
واعتبرت اللجنة أن القس نصير “تجاهل أن قاسم سليماني ارتكب مجازر طائفية في سوريا، كما أنه دعم ميليشيات ترتكب الفظائع وتروج للهمجية والطائفية في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن وعموم المنطقة”.
كما يبرز رئيس رابطة فرنسا للشرق الأوسط، الدكتور أنس شبيب، والمعروف عنه تنظيم المؤتمرات والتجمعات الموالية للأسد في فرنسا، فضلاً عن إطلالاته الإعلامية على قنوات نظام الأسد والقنوات الإيرانية للدفاع عن النظام والتغطية على جرائمه.
ومثله الدكتور سالم الحميد، رئيس جمعية الصداقة الألمانية السورية، الذي يعمل على التقريب بين السياسيين الألمان وشخصيات مقربة من نظام الأسد، فضلاً عن مشاركته في عدة فعاليات مؤيدة لنظام الأسد في ألمانيا.
سياسيون ونواب أوروبيون في فلك الأسد
من بين الأسماء الغربية الموقعة على الرسائل، يبرز اسم السياسي الفرنسي وعضو البرلمان الأوربي عن حزب “التجمع الوطني الفرنسي”، تييري مارياني، الذي زار سوريا مرات عديدة خلال السنوات الماضية، للتأكيد على دعم نظام الأسد ومحاربة “الجماعات التكفيرية”.
بالإضافة إلى ذلك، أنكر السياسي الفرنسي
، في مناسبات عديدة، استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية، وأنكر المجازر التي ارتكبها بحق السوريين، معتبراً أن ذلك من فعل “الجماعات الإرهابية”، ما جعله عرضة للسخرية من وسائل الإعلام الفرنسية، التي وصفته بأنه “المغفّل المفيد”
وفي زيارته الأخيرة إلى سوريا، في أيلول من العام 2019، كثّف مارياني من نشر الصور والفيديوهات عبر حسابه على تويتر، موثقاً لقاءاته مع شخصيات النظام ورأس النظام نفسه، مبدياً استعداداً للتوسط بين نظام الأسد وفرنسا للتحاور نظراً “للتاريخ والأهداف المشتركة بين البلدين”.
#Syrie
. Avec @NicolasBay_,@v_joron et @AndreaKotarac,près de 2h d’entretien,très franc et direct,avec le Pdt #Assad «Nous sommes prêts à renouer le dialogue avec la #France avec qui nous partageons une histoire commune et le même intérêt dans la lutte contre le terrorisme» #Damas pic.twitter.com/77hGe2vvlL — Thierry MARIANI (@ThierryMARIANI) August 31, 2019
كما يبرز اسم المدير السابق لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية خوسيه بستاني، الذي قدّم شهادة
زعم فيها أن مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية وجدوا أدلة تنفي مسؤولية نظام الأسد عن استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية.
و حاولت روسيا في تشرين الأول الماضي استخدام شهادة بستاني في جلسة أممية للدفاع عن نظام الأسد ومحاولة تبرئته من استخدام الأسلحة الكيماوية، إلا أن سفراء الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأعضاء في مجلس الأمن صوّتوا بالأغلبية لصالح منعه من المشاركة في الجلسة، نظراً لعدم نزاهته.
كما تبرز أسماء عدد من البرلمانيين والسياسيين الفرنسيين والأوروبيين، الذين زاروا سوريا أكثر من مرة، والتقوا بشار الأسد، وأكدوا دعمهم له، ومنهم من دعا حكومته لإعادة العلاقات معه، نذكر منهم السياسي الفرنسي والنائب عن حزب “الاتحاد من أجل الحركة الشعبية”، جاك غايار، وعضو مجلس الشيوخ عن “حزب الاتحاد”، جان بيير فيال، ورئيس “مجموعة الصداقة الفرنسية السورية” والنائب الاشتراكي جيرار بابت، وغيرهم.
تلفزيون سوريا
————————–
إيران وإسرائيل في سوريا:أطول حرب بالوكالة
قالت مجلة “ناشونال انترست” الأميركية إن إيران وحزب الله لم ينقذا نظام بشار الأسد من التمرد ضده، لكنهما أبقياه في غرفة الانعاش، حتى وصول التدخل الروسي في خريف 2015 لينقذه.
وسردت المجلة في تقرير لسيباستيان روبلن بعنوان: “كيف أصبحت سوريا ساحة قتال للنفوذ الإيراني، الروسي والإسرائيلي”، جذور الصراع الإيراني-الإسرائيلي منذ الثورة الإسلامية، وصولاً إلى أن أصبح الطرفان وجهاً لوجه على الأراضي السورية، في معركة تميل لصالح إسرائيل.
في منتصف الليل على الحدود السورية الإسرائيلية في 8-9 أيار/مايو 2018، أطلقت قاذفة صواريخ متعددة يديرها فيلق القدس الإيراني، وابلاً من عشرين صاروخاً غير موجه من طراز “فجر-5” تجاه إسرائيل. تم إسقاط أربعة من الصواريخ بواسطة نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “القبة الحديدية”، بينما أخطأت الصواريخ الباقية وسقطت في الأراضي السورية.
بعد ساعات قليلة، أطلقت حوالي عشر قاذفات صواريخ إسرائيلية أرض-أرض و28 طائرة “إف-15” و”إف-16″، 10 صاروخ كروز وقنابل انزلاقية دقيقة التوجيه أصابت القواعد اللوجستية الإيرانية والمواقع الاستيطانية في جميع أنحاء سوريا. تم تدمير قاذفة الصواريخ الإيرانية، وعندما حاولت الدفاعات الجوية السورية الاشتباك مع المقاتلات الإسرائيلية، تم تدمير خمس بطاريات.
يُعتبر صدام 9 أيار أول اشتباك مباشر بين القوات الإيرانية والإسرائيلية، وهو حدث على الأرجح مرتبط بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في اليوم السابق للهجوم. ومع ذلك، قد يتذكر المراقبون في المنطقة أن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت قافلة إيرانية في سوريا في وقت سابق من اليوم نفسه. كانت هناك ضربات إضافية في 6 أيار و29 نيسان/أبريل أسفرت عن مقتل العشرات من القوات السورية والإيرانية -ربما من بينهم جنرال إيراني- ودمرت بطارية صواريخ أرض-جو من طراز “إس-200”.
تشير إحدى الإحصائيات إلى أنه كان هناك أكثر من 150 غارة إسرائيلية في سوريا امتداداً حتى عام 2012. استهدفت العديد من الغارات عمليات نقل أنظمة أسلحة متطورة إلى حزب الله، أو تم تنفيذها رداً على هجمات عبر الحدود.
إذا قمت بربط النقاط، يصبح من الواضح أن تبادل الصواريخ في 9 أيار كان أكبر اندلاع لحرب بالوكالة طويلة الأمد. القوات الإيرانية وحزب الله -بعد أن قامت بتأمين حكومة بشار الأسد بشكل فعال من الانقلاب المحتمل- أصبحت منشغلة بإنشاء وجود طويل الأمد ونقل أسلحة متطورة إلى سوريا والحزب، بما في ذلك الطائرات بدون طيار وأنظمة صواريخ أرض-جو ومدفعيات صاروخية. في الوقت نفسه، تحاول الطائرات الحربية الإسرائيلية تدمير هذه المواقع وأنظمة الأسلحة قبل أن تترسخ بعمق. يبدو أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي دفع طهران إلى السماح أخيراً بهجوم انتقامي مباشر على إسرائيل، حتى لو كان غير فعال.
من غير المعتاد أن تكون قوتان إقليميتان بلا حدود مشتركة بينهما على تماس قريب مع بعضهما البعض. ومع ذلك، فإن سلسلة من الظروف التاريخية دفعتهما إلى صراع عسكري مفتوح أكثر من أي وقت مضى.
في ظل نظام الشاه، طوّرت إيران علاقات اقتصادية وعسكرية وثيقة نسبياً مع إسرائيل. جلبت الثورة الإيرانية عام 1979 رجال الدين المتشددين إلى السلطة وأنهت العلاقات الدبلوماسية رسمياً، لكن إسرائيل استمرت في تزويد إيران بأكثر من 500 مليون دولار من الأسلحة التي كانت في أمس الحاجة إليها خلال الحرب الدامية بين إيران والعراق. في ذلك الوقت، رأت الحكومة الإسرائيلية أن العراق يمثل تهديداً مباشراً، ويرجع ذلك أساساً إلى برامج الأسلحة النووية والصواريخ البالستية.
مع ذلك، فقد زُرعت بذور الصراع الإيراني-الإسرائيلي الأعمق خلال الحرب الأهلية في لبنان. أدّى قيام دولة إسرائيل عام 1948، واحتلالها لأراضٍ إضافية عام 1967، إلى تشريد مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين. وبسبب عدم تمكنهم من العودة إلى ديارهم، أصبح اللاجئون الفلسطينيون سكاناً دائمين بلا وطن في البلدان العربية المجاورة. أدى وجودهم في دولة لبنان الصغيرة متعددة الثقافات في النهاية إلى زعزعة استقرار توازن القوى غير المستقر بين الفصائل المتنوعة المقسمة على أساس العرق والدين والأيديولوجيا، ما ساهم في اندلاع حرب أهلية في عام 1975.
بعد سبع سنوات، دخلت القوات الإسرائيلية لبنان في عملية سلام الجليل، في محاولة لقلب الحرب لصالح الفصائل المسيحية في لبنان. سوريا، التي خاضت حروباً متعددة مع إسرائيل للسيطرة على مرتفعات الجولان، نشرت بالفعل قوات في لبنان لدعم الفصائل الفلسطينية، لذلك اشتبكت الدبابات والطائرات السورية مع القوات الإسرائيلية في معارك ضخمة. كما أرسل الرئيس رونالد ريغان قوات إلى لبنان في محاولة للتأثير على الصراع، لكنه سحبها في تشرين الأول/أكتوبر 1983 بعد انفجار شاحنة أسفر عن مقتل 241 أميركياً.
في غضون ذلك، سهّلت الانقسامات الدينية تورط إيران في الصراع. تكمن أهم الانقسامات في العقيدة الإسلامية بين المذهبين السني والشيعي في الإسلام، على غرار الانقسام الكاثوليكي-البروتستانتي في المسيحية. إيران، الدولة الشيعية الرئيسية في العالم الإسلامي، نظّمت وسلّحت تحالفاً من المقاتلين الشيعة سُمي حزب الله لمحاربة الإسرائيليين. على الرغم من أن حزب الله عارض في البداية النفوذ السوري في لبنان، إلا أن دمشق ستصبح في النهاية شريكاً صغيراً في إدارة حزب الله.
خلال التسعينيات، كثّفت إيران من حدة الخطاب المناهض لإسرائيل من أجل حشد الدعم السياسي في العالم الإسلامي الأوسع. ومع ذلك، في عام 2003، أرسلت حكومة محمد خاتمي المعتدلة عرض سلام واسع النطاق لاستعادة العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع ذلك، لم تهتم إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بالرد على أعضاء “محور الشر”.
في نيسان/أبريل من العام نفسه، غزت القوات الأميركية، عدو إيران القديم، العراق. قد يكون من الصعب تذكر ذلك اليوم، لكن في الأسابيع التي أعقبت سقوط بغداد، تكهّن الكثيرون في واشنطن علناً بأن طهران أو دمشق قد تكونا التاليتين للسقوط. مع الإطاحة بصدام حسين، صعد السياسيون ورجال الدين الشيعة العراقيون إلى السلطة وسرعان ما حولوا بلدهم نحو علاقات أكثر دفئًا مع طهران. ومن المفارقات أن الولايات المتحدة أزالت أحد الحواجز الجغرافية الرئيسية أمام النفوذ الإيراني.
كانت إسرائيل قلقة من برنامج الأسلحة النووية السري لإيران وسوريا، وقدرات إيران الصاروخية الباليستية على وجه الخصوص. في سوريا، كان مهندسون إيرانيون وسوريون وكوريون شماليون يتعاونون في إنشاء منشأة مفاعل نووي ومصنع جديد للأسلحة الكيماوية. في تموز/يوليو 2007، تعرض معمل السفير الكيماوي لانفجار “غامض” ، بينما دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية مفاعلاً نووياً في دير الزور في شهر أيلول/سبتمبر من ذلك العام، مما وضع حداً فعلياً لطموحات سوريا النووية.
في عام 2011، تسبب الربيع العربي في موجة من الاضطرابات السياسية التي اجتاحت الشرق الأوسط، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية في سوريا التي ضربها الجفاف. بحلول عام 2012، فقدت دمشق السيطرة على مساحات شاسعة من البلاد لصالح الجماعات المتمردة.
فعلت طهران كل ما في وسعها لإنقاذ الأسد، فأرسلت فرقاً من جنود وضباط الحرس الثوري الإيراني لتدريب قوات الحكومة السورية وقيادتها إلى المعركة. ومع ذلك، تطلب الجيش السوري المجزأ مزيدًا من القوة البشرية مع انتشار التمرد، لذلك في عام 2012، تدفق حوالي 3000 من مقاتلي حزب الله عبر الحدود اللبنانية للانضمام إلى القتال نيابة عن الأسد.
في الحقيقة، حتى دعم إيران وحزب الله لم يكن كافياً للأسد لكسب الحرب، لكنهما أبقيا نظامه على أجهزة الإنعاش. لقد كان تدخل الجيش الروسي وقوات المرتزقة الذي بدأ في خريف عام 2015 هو الذي قلب المدّ في النهاية.
ظلّت سوريا آخر بؤرة أمامية رئيسية للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط، ولا سيما في شكل قاعدة بحرية في اللاذقية. حسبت موسكو أن التدخل في الحرب لن يحافظ على سوريا كأصل فحسب، بل يمنحها أيضاً فرصة لاختبار العديد من أنظمة الأسلحة التي لم يتم استخدامها في القتال من قبل، وبالتالي الإعلان عن قدراتها لعملاء التصدير المحتملين.
الآن بعد أن أصبحت قبضة الأسد على السلطة آمنة، أصبح من الواضح أن البنية التحتية المتنامية للقواعد الإيرانية في سوريا ستبقى على الأرجح، وأن إيران تنوي استخدامها لإرسال الطائرات بدون طيار والمدفعية والأسلحة المضادة للطائرات والدبابات إلى حزب الله تحدي الهيمنة العسكرية الإسرائيلية. وقد أدى ذلك إلى اندلاع حملة قصف إسرائيلي مكثف للقضاء على التعزيزات العسكرية، سواء من خلال الضربات الوقائية والهجمات المضادة التفاعلية.
حتى الآن، كان التبادل غير متوازن، حيث أسقط الدفاع الجوي السوري طائرة حربية إسرائيلية واحدة فقط على مدى سبع سنوات، في مقابل إصابة عشرات الأهداف بالذخائر الموجهة الإسرائيلية وتدمير العديد من المنشآت والأسلحة المتطورة. ومع ذلك، استمرت القوات الإيرانية وقوات حزب الله في اختبار الدفاعات الإسرائيلية بطائرات بدون طيار وقصف مدفعي، لذلك من المحتمل أن تستمر الحرب بالوكالة في التصعيد لبعض الوقت.
المدن
————————–
=======================
تحديث 31 كانون الثاني 2021
——————————–
الاسد..المستبد الذي لا يتزحزح
ترى صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية أن بقاء بشار الأسد على رأس نظامه يبدو أمراً استثنائيا، نظراً للتطورات التي مرّ بها الصراع في سوريا والحالة التي هي عليها اليوم، فثلاثة أرباع البلاد خراب، ومدنها مدمرة وخاوية على عروشها، والقتلى بمئات الآلاف واللاجئون 6 ملايين خارج البلاد، والنازحون بعشرات الآلاف داخلها، و”مع ذلك يستعد هذا المستبد الباقي الوحيد بعد ثورات 2011 للترشح لولاية رابعة بعد أشهر قليلة”.
وتضيف “ليبراسيون” في تقرير إن هذا هو الثمن الذي كان النظام على استعداد لدفعه للبقاء في مكانه، منذ أن هتف أتباعه في مواجهة المحتجين عام 2011 “الأسد.. أو نحرق البلد”، وبعد 10 سنوات ها قد اجتمع الأسد وحرق البلد، فالأسد موجود والبلاد رماد.
وتقول الصحيفة في التقرير الذي ترجمه موقع “الجزيرة نت”، إن الدفاع عن الكرسي كان دائماً هاجس الأسد ومفتاح بقائه، معتمداً في ذلك على الدولة الأمنية التي ورثها عن والده الذي بناها بطريقة منهجية على مدى 40 سنة لحماية عائلة حاكمة متماسكة عقدت العزم على الحفاظ على النظام وعدم الاستسلام للثورة الشعبية.
وفي عام 2013، وصل الأمر إلى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وانخرط الجيش في القمع ضد شعبه تحت قيادة الضباط “الموالين”، لأن العائلة الحاكمة حشدت الأقلية العلوية التي تنحدر منها أسرة الأسد، من خلال جعلها تعتقد أن بقاءها مرهون ببقاء النظام.
وعندما لم يكف كل هذا للدفاع عن سلطته، لجأ الأسد إلى حلفائه الخارجيين، فحشدت إيران مليشيات قوية إلى جانب قواتها، بدءاً من حزب الله ثم عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة الإيرانيين والعراقيين وحتى الأفغان، وقد ترك لهم الدكتاتور السوري -من دون أن يطرف له جفن- كامل الصلاحيات في دولته وجيشه، ما داموا يقاتلون من أجله.
وتخلى الأسد عن مزيد من السيادة عندما دعا روسيا لإنقاذه عام 2015، بعد أن فقد السيطرة على 80 في المئة من الأراضي، لتتدخل موسكو عسكرياً، بعد أن كانت تحمي النظام سياسياً ودبلوماسياً بحق النقض في الأمم المتحدة، وذلك مقابل انفتاح على البحر الأبيض المتوسط، وامتيازات ذات أولوية في الموانئ والفوسفات السوري.
ويشير تقرير إلى أن الفتح الكبير والرائع بالنسبة للنظام كان إقامة تنظيم داعش “خلافته” عام 2014 في العراق وسوريا، واتخاذ مدينة الرقة السورية عاصمة لها، وإن لم تتعرض هذه العاصمة قط لقصف من قبل القوات الجوية السورية ولا الروسية مثل الذي تعرضت له حلب وإدلب، وإن قصفها التحالف الدولي الذي يحارب السلفيين.
وبعد شعورها بتهديد أكبر يمتد إلى مجتمعاتها، كما تقول الصحيفة، تخلت الدول الغربية عن معارضة النظام السوري، حتى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في اليوم التالي لانتخابه إن “الأسد ليس عدونا”، بل “داعش” هي عدو فرنسا في سوريا.
وخلص التقرير إلى أن الأسد ربما يرى نفسه كأنه قد ربح الرهان وقدم نفسه بديلاً وحيداً عن فوضى الإرهاب، غير أنه بعد هذا النصر في حربه، ليست لديه خطة لإعادة بناء سوريا الآمنة.
———————————–
إدمان الفشل/ ميشيل كيلو
بعد عشرة أعوام من القتل والتدمير، لم يعد هناك من حُكم يمكن إطلاقه على السياسات الأسدية غير القول: إنها تدمن الفشل. والفشل، بمعايير الأسدية، له معنى واحد: خسارة السلطة. أما النجاح، فهو في المقابل استمرار الأسد الأب في الكرسي منذ عام 1970 إلى وفاته عام ألفين، وابنه بشار منذ موت أبيه إلى اليوم. والسؤال هو: هل البقاء في السلطة هو وحده معيار الفشل والنجاح بالنسبة لجهة حكمت بلادها طيلة قرابة نصف قرن، رفضت خلاله تطبيق معايير لعلاقة الحاكم بالسلطة، والسلطة بالشعب، غير معيار امتلاكها، رغم أنه أكثر المعايير بعدًا عن النجاح والفشل، ما لم نعتبرهما شأنين لا علاقة لهما بما يتعدى شخص الحاكم إلى ما يسمونه الشؤون العامة، المجتمعية والدولوية، المتصلة بحقوق الشعب، ويعتبر الحاكم خارج علاقته بهما مجرد مستبد/ متسلط، ومرشح لأن يصير قاتلًا وسفاحًا.
من غير الممكن أن يكون هناك سلطة حاكمة دون علاقة بالشؤون العامة، شؤون مجتمعها ودولته، وبجوانب مما تقوم به في العادة دولة تمثل مجتمعها، مهما حاولت السلطة إلغاءها والحلول محلها، مثلما حاولت الأسدية في سورية، لأن الدولة تسمو على حاكمها، في حين ترتبط السلطة به، وقد تحمل صفاته الشخصية، في ما يسمونه شخصنتها، التي تدفعه إلى رؤية كل شيء في وطنه وفيها بدلالة شخصه، الذي مهما بلغ من التوازن، سيحكم بلاده بمزاجه وهواه، وهما في نظر جدنا عبد الرحمن الكواكبي: جذر الاستبداد، والفساد.
بمرور الوقت، وفي ظل أي سلطة شخصية تستمر لفترة طويلة، يتفاقم الانزياح السلطوي، ويبتعد عن أسس وأصول السياسة كعمل عام مجتمعي المنابع والمآلات، ويصير الحاكم نفسه مشكلة لوطنه ومجتمعه ودولته، لأنه ما إن يكتشف ذلك من سلوك شعبه تجاهه وموقفه منه، حتى يتحول إلى مستبد لن يحول شيء دون تحوّله إلى قاتل.
يحدث هذا، بمجرد أن يرفض الإقرار بحقوق شعبه، أفرادًا وجماعات، لاعتقاده، أو لتوهمه، أن شخصه الخاص هو منبع الحقوق، وهو الذي يملك أن يفيض عليه بها، وأن لا حاجة لمواطنيه بحقوق ما دام يقدّم لهم كل ما هو ضروري منها، وأن مطالبتهم بما عداها، أو بما يختلف عنها، ترغمه على اعتبارهم متآمرين وأعداء عليه معاقبتهم بأقصى قدر من الصرامة، وإلا أفسد ولاءهم له، وتمردوا على طريقته في حكمهم، ومواقفه منهم.
بمعيار البقاء في السلطة، كانت الأسدية تجربة ناجحة نسبيًا، فإن طبقنا عليها معيار العلاقة مع دولة ومجتمع سورية، يكون من الحتمي القول إنها لم تكن فاشلة وحسب، بل أدمنت الفشل في جميع ما فعلته، لأنها كانت دومًا مقطوعة العلاقة بالدولة والمجتمع السوريين، واتسمت بضمور حكم على ولاء المواطنين لها بالتلاشي، بالنظر إلى أن النمو المفرط لكل ما له علاقة بإدامة السلطة، كجهة نافية لهما، وبشخص من استبدل علاقته بهم بتفرغه لأجهزة سرّية جعل من نفسه منسقها الأعلى، والمشرف عليها والمحتمي بها، وراسم سياساتها وخطط مسؤوليها وعملها، الذي لا يعود له من رهان غير تقييد حريتهم ومراقبتهم، والشك فيهم، الذي يعتقد أن عليه استهدافهم بما لديه من سلطة يتطلب استمرارها تغييبهم عن الشؤون العامة، لكون حضورهم فيها يعني بالضرورة غيابه هو، بحكم علاقة التنافي الجدلية بينه وبينهم، المحكومة بهوسه كممسك بسلطة يرى في مفرزات إرادته ما يسمونه الشأن العام، وفي اتباعه ما يعتبرونه المجتمع، وفي الدولة كيانًا مهمته تغييب من لا ينتمي إليه عن الواقع، وتحويل الحقل السياسي إلى ميدان تسرح إرادته فيه وتمرح على هواه، دون حسيب أو رقيب، فلا عجب أنه لا يبقى من خيار بالنسبة للشعب غير ثورة تُعيد وطنه إليه، بعودته إلى الحقل السياسي يعبّر عنه ويضع حدًا للتنافي بينه وبين سلطة جديدة، من صنعه، تعيد إنتاج كيان مجتمعي حر، وحامل دولة يتساوى جميع مواطنيه أمام قانونها القائم على مساواتهم في المواطنة، أي في حقوقهم وواجباتهم غير القابلة للانتهاك، ويكون معيار فشل ونجاح سلطتهم ملكهم ومرتبطًا بهم، ومصدر شرعيته رضى الشعب عنها، وليس الأجهزة القمعية والعنيفة والفاسدة لحاكم متأله يدير بعنفها شعبًا أسيرًا لا حقوق له غير الحق في أن يكون عبدًا مطيعًا له، وفي ثورته عليه ما يُراد به استعادة حقه في الحرية والعدالة والمساواة الكرامة الإنسانية.
تُمثّل الحرب التي شنها بشار الأسد على الشعب السوري ذروة الفشل، لأنها أوضح تعبير عن استحالة تعايش المجتمع مع السلطوية المشخصنة، النافية لكافة أشكال وجوده كهيئة عامة موازية للدولة، ومصدر ما يكون لسلطتها من شرعية. ومهما كانت نتائج الثورة، فإن المجتمع السوري لن يعود إلى ما قبل الخامس عشر من آذار عام 2011، والسلطة لن تبقى ما كانت عليه، بعد فشلها في إبقائه راضخًا لها، ولأن لكل فشل نهاية، وما من ضمانة للحاكم ودوره غير ما يفتقر بشار الأسد إليه: قبول شعبه به وبنهجه وشخصه.
مركز حرمون
———————————
سوريا والسيدة الأولى.. إسرائيل/ إبراهيم الزبيدي
الثابت والمعروف والمتداول عن حافظ الأسد أنه كان واحدا من الانقلابيين (البعثيين) الذين غدروا بحزبهم عام 1966، فكوفئ وعُيّن وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة. وفي أحداث أيلول الأسود في الأردن في سبتمبر عام 1970 أرسل صلاح جديد، الرئيس الفعلي للدولة آنذاك، دبابات الجيش السوري لنجدة الفلسطينيين في حربهم مع الراحل الملك حسين، لكن وزير الدفاع الفريق الطيار حافظ الأسد امتنع عن تقديم التغطية الجوية للقوات البرية السورية وتسبب في إفشال المهمة، الأمر الذي دفع برفيقه البعثي وابن طائفته، صلاح جديد، إلى عقد اجتماع للقيادة القطرية للحزب واتخاذ قرار إقالة الأسد من منصبه، إلا أنه رفض الانصياع، ونجح في حشد عسكري كبير مكنه من السيطرة على سوريا في ما سمي يومها بالحركة التصحيحية في 16 أكتوبر 1970.
والثابت والمعروف والمتداول، أيضا، أنه برر حركته التصحيحية برفض تهاون نظام رفاقه في محاربة الإمبريالية والتصدي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وعدم الإصرار على تحرير الجولان وفلسطين من النهر إلى البحر، بما فيها القدس.
ثم اتخذ من مبادئ الممانعة والمقاومة والصمود والتصدي مبررا للتحالف مع نظام الخميني والوقوف معه ضد أشقائه العراقيين والعرب الخليجيين.
ولا حاجة للتذكير بما فعلته هذه الممانعة والمقاومة بالأمة العربية وبالمنطقة، في عهد الأسد الأب ثم وريثه بشار، وفي سنوات حكم الخميني ثم وريثه خامنئي، وبالأخص بالعراق ولبنان وفلسطين. ولكم، أعزاءنا القراء، أن تُجروا عمليات حسابية سريعة لضبط مقدار ما أريق من دماء، وما دُمر من مدن وقرى وميادين وموانئ وجسور ومبانٍ وسفارات، وما أهدر من أموال، باسم فلسطين، وباسم الصمود والتصدي من أجل تحريرها ومقاومة أي “صلح أو اعتراف أو تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه الشرعيين”.
ورغم تناقض الهوية القومية العلمانية المعلنة المزعومة للنظام السوري مع هوية نظام الخميني الدينية الطائفية المتشددة، فقد أصبح الأسد المتعهد الوحيد لتهريب السلاح و”المجاهدين” من إيران إلى حزب الله، وجعل سوريا معسكرا إيرانيا متقدما للتآمر على لبنان وفلسطين والعراق ومصر ودول الخليج العربية، مقابل أطنان من الأموال والإعانات لدعمه وحمايته من السقوط.
ولكن، وبالمقابل، وبرغم كل هذا الكسب غير المشروع، فقد كان الشعب السوري يزداد فقرا وحرمانا، يوما بعد يوم.
فعلى يد حافظ، ثم وريثه بشار، شاعت الرشوة في سوريا وعم الجوع والتخلف، وصار الخوف هو الخبز اليومي لكل مواطن سوري، حتى وهو بعثي، ومن عظام رقبة النظام نفسه، تحت شعار “لا شيء يعلو على صوت المعركة” و”نموت وتحيا فلسطين”.
وها هي سوريا، في ظل هذه الشعارات القومية البراقة، خراب لا تصلح للسكن الآدمي، من الآن وحتى عشرات قادمة من السنين.
فقد جعل حافظ، ومن بعده ابنه بشار وأعوانهما، حديثهم عن العروبة وعن شرفها وصمود فرسانها بوجه الإمبريالية والصهيونية مملا جدا، ومثيرا للاشمئزاز.
فأيّ عروبة تلك التي تبيح لحاكم أن يهدم مدنا كاملة بالصواريخ والبراميل المتفجرة، ويهدر كرامة أهلها، وينهب ثرواتهم، ويجبر الملايين منهم على الهرب من بلادهم طلبا للرزق أو حفاظا على الكرامة؟
والآن، وبعد الانتصار الإسرائيلي – الأميركي على فكرة التحرير والمقاومة والممانعة، وبعد دخول مصر والأردن والبحرين والإمارات والمغرب والسودان إلى خيمة السلام مع عدو الأمس، ولم تبق سوى السعودية والعراق لتكتمل الحبكة الدرامية لمرحلة الشرق الأوسط الجديد، أدرك شهرزاد الصباح، وظهر النظام السوري عارياً من ثيابه القديمة “الثورجية” و”القومجية”، وكافرا بالممانعة والمقاومة، ليبدأ سِفرا جديدا من المداهنة والنفاق وادعاء العقلانية والمسالمة والأخوية والتصالحية مع “الكيان الصهيوني” القديم الذي أصبح، في نظر الأسد الابن، على لسان جريدته الرسمية، تشرين، الدولة الجارة التي لا يَستبعد التعامل معها بإيجابية، من أجل “مكافحة الإرهاب”.
فقد كتب رئيس تحرير صحيفة تشرين السورية، محمد البيرق، مقالا افتتاحيا أخيرا تساءل فيه “هل نحن أعداء لإسرائيل؟ وأجاب “نعم، ولا”.
“نعم، لأننا قضّينا سنوات عديدة ونحن نقول إننا أعداء إسرائيل، كما أنها لا تزال تحتل بعضا من أرضنا”.
و”لا، لأن أمورا كثيرة تجمعنا بهذه الدولة الجارة، أهمها مكافحة ‘الإرهاب’، وهي قد تتطوع لتحسين علاقاتنا مع الولايات المتحدة التي لا تزال مقيمة في بلدنا، وعلينا أن نتعامل معها بما أمكن من إيجابية وتفهم. ومن يدري؟ فقد تنسحب إسرائيل، ذات يوم، من الجولان وتعيده إلينا”.
ويعتقد الإسرائيليون في تعليقاتهم على هذا المقال المفاجئ بأنه من غير الممكن، ولا من الجائز، أن يكتب رئيس تحرير تشرين الحكومية الحزبية مثل هذا الكلام الخطير دون موافقة أعلى سلطة في سوريا، أي الأسد نفسه، وتكهنوا بأن هذا قد يكون بطلبٍ روسي، على الأرجح.
والسؤال الآن، هل أقدم بشار على مغازلة السيدة الأولى، إسرائيل، بهذا المقال بالتشاور والتنسيق والمباركة من شريكه الإيراني في جبهة الممانعة والمقاومة، حامل لواء القدس، والمصر على محو إسرائيل من الوجود في سبعة أيام؟
أم إنه قرر أن يطعن رفيقه الولي الفقيه في ظهره، كعادته في الغدر والتآمر والانقلاب من النقيض إلى النقيض حسب المصلحة والظروف، واختار أن يبدأ حرب تحرير سوريا من جراثيم الحرس الثوري وحزب الله وميليشيات العراقيين الموالين لإيران، بالتعاون والتحالف والتنسيق مع “الجارة” إسرائيل، ومع الولايات المتحدة، من خلفها، ومع دول التطبيع العربية الغنية التي يحتاج بشار اليوم إلى أموالها أكثر من أي وقت مضى؟
الله أعلم، وسننتظر حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وإن كره الكارهون.
كاتب عراقي
العرب
————————–
بشار الأسد.. نحو تأجيل الانتخابات/ أيمن خالد
تأجيل الانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا وصفة تناسب بشار الأسد تماماً، فالانتخابات التي يُنتظر انعقادها ما بين 16 نيسان و16 أيار القادم باتت مسألة غير ممكنة، والسبب أن الأمريكان والاتحاد الأوروبي لن يعترفوا بنتائجها، لأنها لم تلب الشروط الأساسية، فليس ثمة عملية سياسية حقيقية تضمن انتقال السلطة في سوريا، وليست هناك معادلة أمنية تهدف إلى إغلاق ملف المعتقلين والمختفين في سجون النظام، ناهيك عن العودة الآمنة للاجئين، وملف مليشيا حزب الله والوجود الإيراني.
الحل الأمثل لكي يبقى بشار الأسد في السلطة، هو الإعلان عن تأجيل الانتخابات، ولكنه بحاجة إلى مبررات ذات طابع أمني، لأنه لا يمكن أن يقر بوجود تعقيدات سياسية، ولكي يخلق المبررات الأمنية، فالشاهد أمامنا ويتمثل بما يحدث في درعا، والسويداء وغيرها من الأماكن، حيث يرغب النظام افتعال مزيد من الاشتباكات لإظهار “التعقيدات الأمنية” التي توحي بأن النظام بات يعاني أمام المعضلات الأمنية، ولا نستغرب أن يستعين بشركائه السابقين وهم مجموعة الدواعش للمساعدة في هذا الجانب، وهم الذين تعامل معهم النظام سابقاً، وعمل على نقلهم إلى الرقة تحت مسمى تسويات أمنية أو عسكرية.
ناهيك عن كونه انشغل طوال الأسابيع الماضية في الاشتباكات مع فلول داعش في الصحراء السورية، في اشتباكات أوقعت عشرات الضحايا من جنود النظام والمليشيا المحسوبة عليه، بينما لم نسمع عن اشتباكات بين داعش والقوات الإيرانية حليفته، وهي عموماً لم تكن عمليات عسكرية مقنعة، فقد بدت كمحاولة من النظام لجلب انتباه العالم أنه هو الوحيد الذي يقاتل داعش وهو الوحيد الذي يدفع هذا الكم الكبير من الضحايا، وإلاّ فكيف يمكن أن يرسل جنوده في حافلات بلا حماية أمنية ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى من جنوده بعيداً عن المواجهة المباشرة مع داعش، في الوقت الذي كان يستطيع حمايتهم لو أراد ذلك.
سوريا مرشحة خلال الفترة القادمة نحو مزيد من التفجيرات والفوضى الأمنية، ما سيمنح النظام مبررات لإعلان تأجيل الانتخابات الرئاسية، وأما أن يكون التأجيل المرتقب للانتخابات بتوافق إقليمي أو دولي فهذا غير منطقي بالكامل. فالإسرائيليون لا يهمهم بقاء الأسد بقدر ما يهمهم مغادرة الإيرانيين وملحقاتهم الأراضي السورية، وهذا ما لا يملكه بشار الأسد، وأما الإيرانيين فهم أقرب إلى فكرة كسب الوقت، خصوصاً أن سوريا مجرد ورقة تفاوض محتملة مع الأمريكان، وبما أن الإيرانيين يميلون إلى المفاوضات الطويلة والمملة، وبما أنهم أيضاً يعلمون أن انعقاد الانتخابات سيكون في غير مصلحتهم، فإن مسألة المبايعة لبشار الأسد مستحيلة، كما أن فكرة التمديد لحكم بشار الأسد هي مسألة سوف تضع سقفاً زمنياً محدداً، قد يسبب لهم مشكلة، لذلك هم سوف يميلون إلى فكرة تأجيل الانتخابات إلى أمد غير معلوم ما سيضعنا أمام فكرة الحكومة اللبنانية المؤجلة، وهذا يعني وضع الملف السوري على قائمة الانتظار على شاكلة الملف اللبناني بانتظار متغيرات مستقبلية، مع الفارق أن لبنان لا يعيش أجواء الحرب والفوضى التي تعيشها سوريا.
الإشكالية الثانية هي في تشكيلة المعارضات السورية القائمة، والتي ربما تتابع الوضع السوري من خلال وسائل الإعلام شأنها شأن المراقب البعيد عن الحدث، ما يعني أن المعارضات السورية لا تعاني من الانقسام المتواضع والعميق بقدر ما تعاني من عدم وضوح الرؤية أمامها، لذلك تبقى الخطوات الاستباقية للمعارضات السورية خجولة، وهو ما يضعها دائماً في دائرة العجز عن صناعة الحدث السياسي، الذي لم يعد معجزة في زمن الإعلام ومساحات التواصل المفتوحة.
ما الذي ستفعله المعارضات السورية في هذا الوقت أمام احتمال تأجيل الانتخابات.. إنه سؤال فقط.
————————-
“داعش” حاضر في انتخابات الأسد/ فاطمة ياسين
أعلنت الولايات المتحدة، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أنها قتلت زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أبو بكر البغدادي، وأكد التنظيم الخبر بتعيين إبراهيم الهاشمي القرشي خليفة له. وكان التنظيم قد انحسر بصورة كبيرة، وتراجعت أخباره إلى الصفحات الداخلية في الصحف، بعد أن كان يحتل ثلث سورية وربع العراق، ويتحكّم في نصف مجرى نهر الفرات المارّ بسورية والعراق. ووصل انحسار التنظيم إلى درجة إعلان الرئيس دونالد ترامب، في نهاية العام 2018، عن الانتصار عليه عبر تويتر بقوله: “لقد هزمنا التنظيم في سورية، وهذا كان مبرّر وجود القوات الأميركية هناك”. أراد حينها ترامب سحب قواته، ولكن الأمر لم يخرج عن نطاق “تغريدته”، فبقيت القوات الأميركية مكانها.
منذ بداية 2014، انتشر تنظيم داعش بشكل ملحوظ في المنطقة، وأصبح قوة كبيرة ومسيطرة على مناطق ارتخت فيها قوة الأنظمة، سواء في العراق أو سورية، وتحوّلت عناصره، في لحظة مناسبة، من مجموعة خلايا مترقبة ويقظة إلى جيش منظم وقوي ملأ الفراغات، مستغلا الفجوات الأمنية التي تُركت عن قصد، أو من دون قصد. وأوجد التنظيم قواعد فكرية وعسكرية له في المنطقة، ساعده في ذلك تراجع القوات النظامية عن أماكن وجودها بسرعة مريبة، فقد خسر النظام أراضيه في المنطقة الشرقية، وتكبد خلال معاركه القصيرة مع التنظيم خسائر بشرية مهولة، وتضخّمت صورة تنظيم الدولة إعلاميا، وتراجعت أخبار النظام لصالح رصد تحرّكات “داعش”، ومتابعة المقاطع المصورة لجرائمه، حتى غدت مواجهته معركةً ملحّة حشدت لأجلها الولايات المتحدة تحالفا عسكريا عريضا.
كان النظام وحلفاؤه خلال هذه المدة يبنون مواقعهم ببطء في ما يسمى سورية المفيدة، بعد أن تم تسليم غير المفيد منها لتنظيم الدولة الإسلامية، لتتحوّل إلى ساحة معارك، اشترك فيها المجتمع الدولي والكرد وتركيا ضد “الدولة الإسلامية”، حتى وصلنا إلى لحظةٍ خُيِّل للجميع فيها أن الانتصار على التنظيم قد أُنجز. التنظيم الذي قُتِلَ خليفتُه قبل أكثر من سنة، ارتفع رأسه من جديد، وعادت عملياته في الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول)، لتظهر بقوة في عناوين الأخبار الأولى، فمنذ الثلاثين منه شن التنظيم ثلاث هجمات منفصلة وفي مواقع متعددة، قتل فيها 59 عنصرا من جنود النظام والمليشيات التابعة له في سورية، ثم قتل ثلاثة جنود في كمين قبل أسبوع، وسُجل خطف مسؤولين في المنطقة الكردية وقتلهم في التوقيت ذاته، كل هذه العمليات تحمل توقيع التنظيم، بما يظهر ملامح عودة “داعش”.
فسَّر بعضهم الظهور الأخير النشط لتنظيم الدولة الإسلامية بأنه رسائل إلى الإدارة الأميركية الجديدة، أو تعبير عن رخاوة قبضتها على المنطقة. قد يكون هذا التفسير صحيحا جزئيا، ولكن الحدث الملحّ الآن، ويكاد أن يكون العنوان السياسي الأهم، هو معركة بشار الأسد الجديدة مع الانتخابات، فقد مرّت سبع سنوات أخرى على مدة رئاسته، وبات، بحسب الدستور، رئيسا منتهي الولاية، وعليه التجديد. ولطالما كانت هذه العملية صوريةً في تاريخ سورية الممتد خمسة عقود إلى الوراء، ولكن لا بد لرأس النظام الآن من أن يخضع إلى عمليات تجميلٍ عميقة، تجعله مقبولا في الأسواق الدولية. والتجميل يمكن أن يتم بوضع بعض الدمى في مواكبةٍ انتخابية لشخص بشار، ولكن الرجل الذي أراد طوال العشر سنين الماضية أن يترافق اسمه مع عنوان مكافحة الإرهاب، بدل قمع الثورة، يرغب في أن يستمر كذلك، فجاءت حوادث قتل الجنود المتلاحقة والمتقاربة، واقترن اسم تنظيم الدولة الإسلامية بتنفيذها، وذلك تذكيرا بالتنظيم المُفزع الذي يقول، عبر عملياته، إنه جاهز، ويمكنه العودة في أية لحظة! ليس هذا التوقيت عارضا، وربما لم يتم الاتفاق عليه، ولكنه تزامنٌ ملفت، يمكن أن يُكسبَ الرجل المتمسك بالسلطة في سورية نقاطا قد تنفعه في معركته للبقاء أطول أمد ممكن.
العربي الجديد
————————
ليبراسيون: بشار الأسد.. المستبد الوحيد الذي لا يتزحزح
يبدو بقاء بشار الأسد على رأس بلاده أمرا استثنائيا، نظرا للتطورات التي مرّ بها الصراع في سوريا والحالة التي هي عليها اليوم، فثلاثة أرباع البلاد خراب، ومدنها مدمرة وخاوية على عروشها، والقتلى بمئات الآلاف واللاجئون 6 ملايين خارج البلاد، والنازحون بعشرات الآلاف داخلها، ومع ذلك يستعد هذا المستبد الباقي الوحيد بعد ثورات 2011 للترشح لولاية رابعة بعد أشهر قليلة.
بهذه المقدمة، بدأت صحيفة ليبراسيون (Liberation) الفرنسية تقريرا بقلم هالة قضماني ونيكولا بريسل، قالا فيه إن هذا هو الثمن الذي كان النظام على استعداد لدفعه للبقاء في مكانه، منذ أن هتف أتباعه في مواجهة المحتجين عام 2011 “الأسد أو نحرق البلد”، وبعد 10 سنوات ها قد اجتمع الأسد وحرق البلد، فالأسد موجود والبلاد رماد، على حد قولهما.
قمع لا هوادة فيه
وقال الكاتبان إن الدفاع عن الكرسي كان دائما هاجس الرئيس السوري ومفتاح بقائه، معتمدا في ذلك على الدولة الأمنية التي ورثها عن والده الذي بناها بطريقة منهجية على مدى 40 سنة لحماية عائلة حاكمة متماسكة، فشقيقه الأصغر ماهر يقود قوات النخبة في الجيش، والعديد من أبناء عمومته يسيطرون على أجهزة الأمن، ورجل أعماله المقرّب رامي مخلوف الذي امتص الاقتصاد السوري، هو الذي يدير الحرب.
وهؤلاء جميعا -كما يقول الكاتبان- قد عقدوا العزم على الحفاظ على النظام وعدم الاستسلام للثورة الشعبية، فانخرطوا منذ البداية في حملة قمع لا هوادة فيها، ظلت تتصاعد وتيرتها وحدتها. فبعد إطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين السلميين الأوائل، قصفت المدفعية أحياء الثائرين، ثم في نهاية عام 2012، دمرت القوات الجوية مدنا بأكملها على رؤوس سكانها.
وفي عام 2013، وصل الأمر إلى استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وانخرط الجيش في القمع ضد شعبه تحت قيادة الضباط “الموالين”، لأن العائلة الحاكمة حشدت الأقلية العلوية التي تنحدر منها أسرة الأسد، من خلال جعلها تعتقد أن بقاءها مرهون ببقاء النظام، كما يرى الكاتبان.
وعندما لم يكف كل هذا للدفاع عن سلطته -كما يقول الكاتبان- لجأ الأسد إلى حلفائه الخارجيين، فحشدت إيران مليشيات قوية إلى جانب قواتها، بدءا من حزب الله اللبناني ثم عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة الإيرانيين والعراقيين وحتى الأفغان، وقد ترك لهم الدكتاتور السوري -دون أن يطرف له جفن- كامل الصلاحيات في دولته وجيشه، ما داموا يقاتلون من أجله.
وتخلى الأسد عن مزيد من السيادة عندما دعا روسيا لإنقاذه عام 2015، بعد أن فقد السيطرة على 80% من الأراضي، لتتدخل موسكو عسكريا، بعد أن كانت تحمي النظام سياسيا ودبلوماسيا بحق النقض في الأمم المتحدة، وذلك مقابل انفتاح على البحر الأبيض المتوسط، وامتيازات ذات أولوية في الموانئ والفوسفات السوري.
الإرهاب
ومع كل هذا -كما يقول التقرير- كانت أنجح إستراتيجية استغلها الأسد هي ورقة الإرهاب الإسلامي، من أجل “شيطنة الثورة” على حد تعبير المعارضين السوريين، حيث تحدث النظام منذ الأيام الأولى عن “مؤامرة”، ووصف المتظاهرين “بالمندسين”، كما تحدث عن “السلفيين المسلحين القادمين من الخارج”، فهل كانت تلك نبوءة تحققت أم خطة عمل مدروسة؟
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن هذا الحديث كان مصحوبا بقرارات ملموسة، منها إطلاق سراح مئات الجهاديين، ومن ضمنهم قادة إسلاميون بارزون اتجهوا نحو شمال سوريا، إلا أن الغارات الجوية كانت تستهدف في كثير من الأحيان السكان المدنيين لا المقاتلين المتطرفين.
غير أن الفتح الكبير والرائع بالنسبة للنظام -بحسب الكاتبين- كان إقامة تنظيم الدولة الإسلامية “خلافته” عام 2014 في العراق وسوريا، واتخاذ مدينة الرقة السورية عاصمة لها، وإن لم تتعرض هذه العاصمة قط لقصف من قبل القوات الجوية السورية ولا الروسية مثل الذي تعرضت له حلب وإدلب، وإن قصفها التحالف الدولي الذي يحارب الجهاديين.
وبعد شعورها بتهديد أكبر يمتد إلى مجتمعاتها، كما تقول الصحيفة، تخلت الدول الغربية عن معارضة النظام السوري، حتى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في اليوم التالي لانتخابه إن “الأسد ليس عدونا”، بل “داعش” هي عدو فرنسا في سوريا.
وخلص التقرير إلى أن الأسد ربما يرى نفسه كأنه قد ربح الرهان وقدم نفسه بديلا وحيدا عن فوضى الإرهاب، غير أنه بعد هذا النصر في حربه، ليست لديه خطة لإعادة بناء سوريا الآمنة.
المصدر : ليبراسيون
——————-
مبعوث إدارة ترامب إلى سوريا والشرق الأوسط: سياسة بايدن في المنطقة لن تختلف كثيرا
هدير عبد العظيم
أعدَّ جيمس فرانكلين جيفري، الدبلوماسي الأميركي الذي خدم في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مبعوثا دبلوماسيا لكلٍّ من سوريا والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تحليلا نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية. ركّز جيفري في تحليله على السياسة الخارجية التي انتهجتها إدارة ترامب تجاه قضايا الشرق الأوسط المُلتهبة، التي تتضمّن الملف النووي الإيراني والحرب الأهلية في سوريا، وزعزعة الاستقرار في العراق. ورأى الكاتب أن إدارة ترامب حقّقت نجاحات للمصالح الأميركية في المنطقة لم يسبق لإدارات قبلها تحقيقها. ويُدلِّل جيفري بذلك على أن إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن قد لا يتعيّن عليها أن تسلك مسلكا مختلفا عن ذلك الذي سارت عليه الإدارة السابقة.
هيمن الشرق الأوسط الكبير على معظم السياسة الخارجية للرئيس السابق دونالد ترامب، وذلك على غرار آخر ثمانية رؤساء للولايات المتحدة. وعلى الرغم من الحديث عن إنهاء “الحروب الأبدية” والتوجُّه نحو آسيا فإن المصالح الوطنية الجوهرية كانت تجر الولايات المتحدة مرة أخرى إلى المنطقة.
اختلفت أولويات ترامب في الشرق الأوسط قليلا عن أولويات سلفيه (أوباما وبوش) المُتمثِّلة في القضاء على أسلحة الدمار الشامل ودعم شركاء الولايات المتحدة ومحاربة الإرهاب وتسهيل تصدير البترول، إذ أشرفت إدارة ترامب التي خدمتُ فيها مبعوثا لكلٍّ من سوريا والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة على نقلة نوعية ملحوظة في نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة. سعى الرئيسان السابقان جورج بوش وباراك أوباما إلى حملات تغيير في الشرق الأوسط مستندين إلى اعتقاد خاطئ يقول إنهم إنْ تدخَّلوا سياسيا وعسكريا في دول المنطقة، فإن الولايات المتحدة قد تُعالج الأسباب الكامنة وراء “الإرهاب الإسلامي” والأمن المتزعزع باطراد.
على الرغم من أن وجهات النظر السياسية الحقيقية لترامب كانت صعبة الاستنباط فإن إدارته اتخذت مسارا مختلفا حمل نتائج واضحة. تجنَّب ترامب المآزق التي واجهت سلفيه مع الاستمرار في خدمة المصلحة الأميركية، وذلك عن طريق الحفاظ على أهداف أميركية محدودة والاستجابة للتهديدات الإقليمية الوشيكة، ولكنه من ناحية أخرى عمل ميدانيا بصورة أساسية مع شركاء الولايات المتحدة. وفي كل الجدالات الحزبية المُحتدمة حول السياسة الخارجية يجب أن يستمر هذا النموذج الجديد، وهو ما سيحدث غالبا، في تشكيل السياسة الأميركية، إذ يُمثِّل هذا النموذج الخيار الأمثل لاحتواء التحديات في الشرق الأوسط ووضع تحديات جيوسياسية لمناطق أخرى على رأس الأولويات.
تعتمد معظم الإدارات الجديدة إستراتيجية معينة للأمن القومي ثم سرعان ما تذهب أدراج الرياح. لكن الوثيقة التي صاغها البيت الأبيض عام 2017 قدَّمت خطة مبتكرة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، تلك الخطة التي اتبعتها إدارة ترامب عموما. باختصار دعت تلك الإستراتيجية إلى تحويل التركيز على ما يُعرف بـ “الحروب الأبدية” إلى منافسة القوى العظمى وعلى رأسها الصين وروسيا. وبالنسبة للشرق الأوسط فإن هذا المبدأ الأول من الإستراتيجية يعني تجنُّب الولايات المتحدة التورُّط في قضايا داخلية، وفي الوقت ذاته مواجهة المخاطر الإقليمية أو تلك التي قد تمس الشركاء. وعمليا، فإن ذلك يعني العمل على احتواء إيران وروسيا وفي الوقت نفسه محو تهديدات إرهابية خطيرة.
لكن المبدأ الثاني، أي العمل جنبا إلى جنب مع حلفاء وشركاء في المنطقة بدلا من النهج الذي عادة ما كان مُتَّبعا باتخاذ إجراءات أُحادية الجانب كان أعقد من ذلك. فقد كان وسيلة وليس غاية، إذ عمل ترامب، مدفوعا بهذه الغاية، إلى إنهاء الدور الأميركي المحوري في حملة محاربة تنظيم الدولة بعد سقوط مدينة الرقة، عاصمة التنظيم في سوريا، في 2017، كما خفَّض ترامب مستويات القوات الأميركية في أفغانستان وأسند المُهمتين إلى حلفاء محليين. أراد مستشارو ترامب العسكريون أن تُبقي الولايات المتحدة على التزاماتها في المنطقة، فيما سعى قادة مدنيون آخرون إلى تضمين القوات الأميركية في سوريا والعراق في جهود ترامب الأوسع لاحتواء إيران. كانت الكثير من الصراعات الداخلية في إدارة تراامب نتاج هاتين الرؤيتين المتنافستين: الانسحاب وإعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب أو التركيز على كلٍّ من الإرهابيين وإيران. وفي النهاية استقرت الأمور على تسوية معقولة تتمثَّل في سحب عدد كبير من القوات الأميركية مع تكريس القوات الباقية لمحاربة الإرهاب وتنفيذ عمليات تستهدف إيران.
وجزءا من هذا المبدأ الثاني، أوضح ترامب أنه سيدعم أي أعمال إسرائيلية وتركية ضد إيران وروسيا في سوريا، وسيعتمد اعتمادا أساسيا على دول الخليج والأردن والعراق وإسرائيل في مواجهة طهران. وفي المقابل ستُثني الولايات المتحدة على هذه الجهود عسكريا عند اللزوم ببيع السلاح أو استهداف الإرهابيين أو معاقبة رئيس النظام السوري بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية. كانت الإدارة الأميركية، على الرغم من ذلك، حذرة عموما في استخدام القوة العسكرية وخصوصا في حال عدم وجود خسائر في أرواح الأميركيين. ولكن عندما قرّرت الإدارة التحرُّك، استهدفت القوات الأميركية الأسد والجماعات الإرهابية والمرتزقة الروس والمليشيات المدعومة إيرانيا بفعالية.
وفي مقابل حمل إدارة ترامب هذا العبء الزائد على عاتقها، غضّت الطرف عن السلوك المحلي الذي انتهجه شركاء مُهمّون بما فيهم مصر وتركيا وحتى السعودية على الرغم من مقتل الصحافي جمال خاشقجي. كما أوضحت الإدارة أنها ستدعم إسرائيل صراحة في أي قضايا تتعلق بفلسطين والانقلاب على السياسات الأميركية والدولية التي استمرت طويلا فيما يخص نقل الأسلحة، ووضع هضبة الجولان والقدس والصحراء الغربية. هذه السياسات أنتجت “معاهدات أبراهام” التاريخية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، في مؤشر على أن المنطقة كانت في طريقها لتجاوز الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وضعت مهمة احتواء إيران النموذج الجديد الذي ابتكرته إدارة ترامب تحت الاختبار. رأى ترامب أن اتفاق إيران النووي عام 2015 الذي صمّمته إدارة أوباما كان صفقة خاسرة، إذ كان محدودا بمدة زمنية معينة، واشتكى الحلفاء الإقليميون من أن الاتفاق فشل في معالجة السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار. وفي النهاية، وبعد سعي إيران لمدة 18 شهرا لشروط أصعب؛ انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق. وعلى الرغم من أن إيران انتقمت بالزيادة الجنونية في نشاط التخصيب النووي فإنها لم تنسحب من الاتفاق كليا.
على الرغم من الخطاب المعادي، فإن سياسة الإدارة لاحقا لم تكن تغيير النظام الإيراني، على الرغم من نظرة بعض السياسيين بأن هذا خيار ممكن. وبدلا من ذلك فإن حملة “الضغط الأقصى” التي شنّها ترامب صُمِّمت لإجبار إيران على التفاوض على صفقة أوسع لتحجيم أنشطتها النووية، وبرنامجها الخاص بالصواريخ، وسلوكها الإقليمي. أثَّرت السياسة الأميركية بفعالية في كلٍّ من الاقتصاد الإيراني ومغامرات إيران الإقليمية. وعلى الرغم من استمرار طهران في تهريب البترول والغاز إلى خارج البلاد بمقابل زهيد، فإن العقوبات حدَّت من المساعدة المالية التي قد تُوفِّرها لحلفائها في العراق ولبنان وسوريا. لم تكن الصين ولا روسيا مستعدتين لإنقاذ إيران ماليا، كما أن الأوروبيين، على الرغم من معارضتهم لتصرفات إيران، لا يمكنهم فعل الكثير للانتقام من إدارة ترااامب.
جادل المعارضون لإدارة ترامب بأن إيران لن تُقدِّم تنازلات واسعة، لكن على الرغم من ذلك فإن مطالب ترامب كانت تختلف قليلا عن تلك التي طلبتها إدارة أوباما في البداية. وفي الحالتين كانت الإدارتان تتمسكان بمواقف تفاوضية أولية مُغالى فيها، إذ أراد ترامب، على غرار أوباما، التفاوض على اتفاق لكن باختلاف جوهري: كانت أولوية ترامب المحورية هي التصدي لمغامرات إيران الإقليمية، والحد من إمكانياتها النووية بقدر الإمكان، بصرف النظر عن الحدود الدبلوماسية، إن كان من الممكن تحقيق الاتفاق على هذا النحو، فلِمَ لا؟ وعلى عكس إدارة أوباما، التي وضعت الوصول إلى اتفاق على رأس أولوياتها، رأى ترامب إيران تهديدا شاملا، وأخضع كل التفاصيل السياسية الدقيقة الأخرى، بما فيها الملف النووي، إلى هذه الحقيقة. وبالتالي زاد ترامب من ضغطه، فإما أن يفرض شروطه التي يرغب بها وإما أن تعاني إيران مزيدا من الضعف. وحتى الآن لا يمكن الحكم على جدوى هذه السياسة، فالوقت وصناعة القرار في إدارة بايدن وحدهما سيُقرِّران ما إذا كانت سياسة “الضغط الأقصى” فتحت الباب أمام التسوية مستقبلا، أم أنها تدفع إيران لتكون أقرب لتحقيق الانتشار النووي وأبعد ما تكون عن التسوية التفاوضية.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلن عزمه الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني بالبيت الأبيض
قَرَن ترامب حملة عقوباته بجهود لمكافحة توسُّع إيران الإقليمي خصوصا في سوريا والعراق. ورثت إدارته سياسة مرتبكة عن إدارة أوباما، تلك السياسة التي انتقدها فيما بعد مستشارون سابقون في إدارة أوباما نفسها. كان جزء من هذه السياسة هو الإطاحة بالأسد بيد المعارضة المسلحة، وجزء ثانٍ هو السعي لتسوية سياسية تتوسط فيها الأمم المتحدة، وجزء ثالث هو هزيمة تنظيم الدولة.
وبحلول نهاية عام 2017 كانت إدارة ترامب شكّلت سياستها الخاصة في سوريا، ومرة أخرى اعتمدت فيها على مبادئ مواجهة التهديدات الإقليمية، والعمل مع حلفاء وشركاء في الوقت ذاته: طرد إيران من سوريا، وهزيمة تنظيم الدولة للأبد، وحل النزاع الأهلي الدائر في البلاد. وعلى الرغم من أن الجيش الأميركي عارض التشتت فيما هو أكثر من مهمته في محاربة تنظيم الدولة، فإنه في النهاية وجَّه قواته لتحقيق كلا الغرضين في شمال شرق سوريا وجنوبها، من أجل توسيع السياسة الأميركية في البلاد عن طريق حرمان نظام الأسد وحلفائه من الموارد ومن التوغُّل ميدانيا.
وبحلول عام 2020 كانت الولايات المتحدة قد دشّنت تحالفا منيعا، حتى مع سعيها لخفض التزامها المباشر. كما عملت تركيا وعناصر المعارضة المسلحة في سوريا مع الولايات المتحدة من أجل حرمان الأسد من انتصار عسكري حاسم. وعلاوة على ذلك فإن الغارات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة على أهداف إيرانية في سوريا قد قلَّلت من الخيارات العسكرية التي في يد النظام السوري. وفي هذه الأثناء قادت الولايات المتحدة تحالفا دبلوماسيا عالميا كبيرا دعَّم الجهود السياسية للأمم المتحدة لحل النزاع، وعزل دمشق دبلوماسيا، وسحق الاقتصاد المحلي من خلال العقوبات. ومع ذلك فإن نتيجة السياسة الأميركية في سوريا، كما هو الحال في السياسية الأميركية الأوسع تجاه إيران، ما زالت في طريق مسدود. وفي ظل غياب الحل التفاوضي فإنه من المحتمل استمرار حرب الاستنزاف، لكن هذه هي الطريقة التي آتت ثمارها في الحرب ضد السوفييت في أفغانستان. ومع ذلك فإن الإدارة الأميركية الجديدة يجب عليها أن توازن بين هذه الإيجابيات في مقابل مخاطر أخرى تتضمّن الخسائر في صفوف المدنيين.
ومن غير المفاجئ أن هذه السياسة الأميركية وضعت واشنطن في خلاف مع موسكو، التي رأت سوريا باعتبارها الساحة الأساسية للعودة دبلوماسيا وعسكريا من جديد إلى الشرق الأوسط. استجابت الولايات المتحدة مرارا، بما يتفق مع هدفها المُتمثِّل في مواجهة تهديدات أندادها الإقليمية، لنشاط روسيا العسكري وتوكيلها للمرتزقة في شمال شرق سوريا، كما ساعدت تركيا في صد الغارات السورية-الروسية المشتركة على الشمال الغربي للبلاد. لكن معارضة تركيا للسوريين الأكراد، وهم الشريك المحلي للولايات المتحدة في شمال شرق البلاد مُتمثِّلا في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المرتبطة بحزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه)، قد عقَّدت من العلاقة الأميركية التركية. وأدّت هذه التوترات إلى حادثة عسكرية ودبلوماسية محدودة في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وعلى الرغم من اتفاق واشنطن وأنقرة على حل الأزمة، فإن هذه الحادثة أوضحت صعوبة العمل من خلال الشركاء قسد أو الأتراك على حدٍّ سواء، الذين تتجاوز أجندتهم قدرات واشنطن على دعمها.
أما في العراق فقد حاولت الولايات المتحدة عزل جهودها العسكرية لمكافحة تنظيم الدولة عن المعركة الأوسع ضد إيران، لكن المليشيات المحلية الموالية لطهران بدأت تُصعِّد حملتها ضد القوات الأميركية. لكن ترامب انتقم في النهاية باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق “القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، فيما ردّت إيران بإطلاق هجمة صاروخية باليستية على قاعدة أميركية لكنها فشلت في إلحاق أضرار بالغة. كانت النتيجة واضحة، على الرغم من أنها ليست نتيجة نهائية، بانتصار الولايات المتحدة. لا تزال القوات الأميركية موجودة في العراق، لكن المليشيات مثل “كتائب حزب الله” ما زالت تُمثِّل تهديدا. وما زال العراق هو الجبهة الأكثر تقلُّبا بين واشنطن وطهران.
حقّقت إدارة ترامب على مدار السنوات الأربع الماضية نجاحين رئيسيين في الشرق الأوسط: اتفاقات التطبيع، وتدمير خلافة تنظيم الدولة الإقليمية في العراق وسوريا. كما أنها استطاعت مواجهة التوسع الروسي في سوريا ومناطق أخرى، وأحكمت قبضتها على التهديد الإيراني المستمر متعدد الأوجه للاستقرار الإقليمي، وحشدت تحالفا لمواجهة سلوك طهران. لم يضع ترامب حدًّا للتحدي النووي الإيراني، وهو ما لم يفعله أوباما أيضا، إذ تلاشت بسرعة الحدود التي فرضتها الاتفاقات النووية الأصلية على التخصيب النووي الإيراني غير المحدود خلال السنوات الخمس الماضية فقط.
تعتبر نتائج هذه السياسة جديرة بالتقدير، بمعايير الشرق الأوسط الحديثة، إذ استطاع ترامب خفض التزامات الولايات المتحدة المباشرة ونفقاتها، وفعل ذلك كله بينما كان يعمل عن كثب مع حلفاء إقليميين. ومع ذلك فإنه قد يكون من الصعب على الإدارة الجديدة الحفاظ على هذا النهج، مع إعادة التركيز على الاتفاق النووي الإيراني. وحاليا يرغب الكثير من الحلفاء الإقليميين في استمرار الضغط الأميركي على الاقتصاد الإيراني ومغامرة إيران الإقليمية أكثر من رغبتهم في عودة أميركا الفورية للاتفاق النووي، وسيتعيّن على بايدن الموازنة بين هذه الأولويات بحرص.
هذا المقال مترجم عن Foreign Affairs
————————–
لماذا يصمت نظام الأسد عن التطبيع العربي مع إسرائيل؟/ ماجد عزام
جاء صمت نظام بشار الأسد مدوياً تجاه التطبيع العربي الإسرائيلي بشكل عام والإماراتي الإسرائيلي بشكل خاص، علماً أنه يبدو أقرب إلى التحالف منه إلى العلاقات العادية والتقليدية بين دولتين، وباستثناء تعليق عابر للمستشارة الإعلامية بثينة شعبان عن عدم جدوى التطبيع دون إدانته وشيطنته بحد ذاته. صمتت أبواق النظام السياسية والإعلامية ولا تزال وعلى غير عادتها تجاه معارضيه ومنتقديه، بينما كان لافتاً إعادة نشر موقف لأحد الأبواق والأذرع الإعلامية يدافع فيه عن التطبيع، بل ويبرره ويدعو له، وعموماً يبدو صمت النظام غير مستغرب وغير مفاجئ في الحقيقة، ويعود ذلك لعدة أسباب جدية وجوهرية تتعلق بطبيعة النظام نفسه، كما علاقاته الثنائية مع أبو ظبي رأس حربة التطبيع وعاصمة الثورة العربية المضادة، وأخيراً فهمه لخلفيات وأهداف التطبيع – التحالف في الحالة الإماراتية تحديداً.
ينسف صمت النظام عن التطبيع الجديد والمتسارع رغم أننا أمام علاقات أقرب إلى التحالف الصارخ مع الدولة العبرية منها إلى العلاقات العادية بين الدول، كما في النموذج التطبيعي المصري – الأردني، كل أكاذيبه وادعاءاته عن العداء والصراع مع إسرائيل، الصمت الذي يمكن اعتباره بالتأكيد علامة على الرضا لا الرفض.
إلى ذلك لا بد من التذكير بموقف رأس النظام بشار الأسد الذي قال علناً أنه لا يرفض التطبيع مع إسرائيل من حيث المبدأ، مع إشارته إلى تفاصيل تتعلق بالمفاوضات معها مرتبطة بمصالح النظام وسوريا الطائفية المتجانسة لا سوريا التاريخية العظيمة التي لا تملك بالتأكيد مصلحة في التطبيع والعلاقات مع إسرائيل، وبغض النظر عن التفاصيل فإن إعلانه بحد ذاته يمثل موافقة ودعماً للتطبيع العربي الإسرائيلي، علماً أن الدول أو للدقة الأنظمة المطبّعة تتحدث أيضاً عن تفاصيلها ومصالحها الخاصة في علاقاتها مع إسرائيل.
كان لافتاً كذلك عدم ربط بشار الأسد التطبيع بحل القضية الفلسطينية حلاًّ عادلاً وشاملاً ونهائياً يرتضيه الفلسطينيون، كما تصرح دول عربية عديدة وفق ما نصّت عليه المبادرة العربية التي يقول بشار أنه ملتزم بها، علماً أن إسرائيل استخدمت في الماضي المسار التفاوضي مع نظام آل الأسد لتهميش المسار الفلسطيني وإضعاف وابتزاز القيادة الفلسطينية.
لا شك أن الأسد يسعى أيضاً لاستثمار ورقة التطبيع والعلاقات مع إسرائيل للحفاظ على نظامه، وكما تقول مصادر النظام في لقاءاتها الخاصة فإن التطبيع كفيل بتعويمه دولياً ورفع العقوبات الأميركية والغربية عنه، مع عدم استبعاد فكرة استخدام الورقة نفسها لتوريث السلطة لحافظ الصغير، علماً أن الأسد الجد كان تبنى نفس المقاربة في سياق إبقاء العائلة بسدة الحكم ونيل شرعية خارجية في ظل اليقين بالافتقاد إلى الشرعية الداخلية من أبناء سوريا التاريخية العظيمة.
إضافة إلى طبيعة النظام نفسه تفرض العلاقات الثنائية مع الإمارات نفسها على موقفه من التطبيع وعدم خوض معركة دعائية ضده ولو على سبيل النفاق والمتاجرة بالقضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، كما يفعل في العادة، ذلك يعود إلى كون الإمارات داعما أساسيا ومركزيا للنظام على كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية. فهي أول دولة خليجية أعادت افتتاح سفارتها في دمشق وتدعو علناً – والنظم الدائرة في فلكها – لإعادة النظام إلى الجامعة العربية، كما أنها تقدم مساعدات اقتصادية معتبرة له، وضعتها أخيراً تحت ذريعة مواجهة جائحة كورونا، وكانت قدمت أيضاً رشوة موصوفة له بمليارات الدولارات لكسر اتفاق وقف النار وخفض التصعيد في محافظة إدلب المهمة التي عجز عنها النظام الضعيف الخاضع لإرادة روسيا حاميته والقوة الكبرى القائمة بالاحتلال في سوريا الطائفية المتجانسة.
دعم الإمارات للنظام يأتي كذلك في سياق دعم الثورات المضادة وإعادة إنتاج وتعويم الأنظمة التي أسقطتها الثورات الأصيلة، وهذا يقودنا مباشرة إلى فهم بشار الأسد لخلفيات وأهداف التطبيع التحالف بين الإمارات وإسرائيل الذي يستهدف أساساً الثورات الأصيلة والحركات والأحزاب الداعمة لها تحديداً الإسلامية منها، كما يهدف إلى تقوية أنظمة الاستبداد والثورات المضادة التي يعتبر بشار أحد رموزها، وعلى عكس ما يجري الترويج له فإن التحالف لا يستهدف إيران بشكل مركزي، وإنما تركيا التي تعتبرها الإمارات الخطر الكبير. وكان أحد ناطقيها قد قال علناً أن العلاقات مع نظام الأسد تستهدف أساساً مواجهة الحضور التركي في سوريا والمنطقة.
بناء عليه، لا شك أن بشار الأسد منفتح على التطبيع مع إسرائيل لكن السؤال هنا هل ترضى هذه الأخيرة بالتطبيع معه رغم قناعتها أنه فاقد الحيلة وبات بلا وزن ولا قيمة، خاصة أنها تملك قنوات مفتوحة وحميمية مع روسيا القوة القائمة بالاحتلال في مناطق سيطرته الشكلية – سوريا الطائفية المتجانسة – ويمكن قول الشيء نفسه عن العلاقة مع الحليفة الولايات المتحدة القوة القائمة بالاحتلال في سوريا المفيدة “شرق الفرات” إضافة إلى حريتها المطلقة في استهداف التموضع الإيراني بسوريا الذي لا يستطيع الأسد منعه حتى لو امتلك الإرادة لفعل ذلك، ومع اعتراف إدارة الرئيس المنصرف دونالد ترامب بضمّها غير الشرعي لهضبة الجولان لا تبدو تل أبيب بحاجة للتطبيع أو العلاقة الرسمية والعلنية مع نظام الأسد المتهاوي، غير أن المفارقة تكمن في تصاعد أصوات سياسية وإعلامية عبرية ترفض التطبيع مع النظام من الزاوية الأخلاقية بوصفه المسؤول الذي قتل مليون من مواطنيه، وشرّد عشرات الملايين الآخرين، وهنا تسعى إسرائيل بوضوح إلى استغلال جرائم الأسد الموصوفة بحق الشعب السوري لتبييض صفحتها وطمس جرائمها التي ارتكبتها ولاتزال بحق الشعب الفلسطيني وقبل ذلك وبعده ثمة قناعة إسرائيلية راسخة مفادها أن تعويمه غربياً ودولياً مهمة صعبة جداً وحتى مستحيلة، وأصلاً خارجة عن قدرات الدولة العبرية ورهن توافق القوى الكبرى في المنطقة والعالم.
قال إلياف بنيامين مسؤول دائرة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية منتصف كانون الثاني/ يناير الجاري أن حكومته تلقت تطمينات من إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن للاستمرار في دفع مسيرة التطبيع العربي الإسرائيلي، وهو ما صرح به علناً أيضاً منذ أيام وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتونى بلينكن حتى مع ربطه ذلك “إعلامياً” بتحقيق بالتسوية وحل الدولتين في فلسطين ما يعني نظرياً على الأقل أن مسيرة التطبيع ستستمر إلى هذا الحد أو ذاك ومعها صمت نظام الأسد المدوّي الشائن والراغب في الالتحاق بالمسيرة إذا ما قبلت به إسرائيل وحتى لو لم يحدث فسيستمر في دعمها ولو ضمنياً على أمل الانتفاع بها تحديداً فيما يتعلق بمواجهة الثورات العربية الأصيلة وإعادة إنتاج أنظمة الاستبداد والفساد التي أسقطتها.
تلفزيون سوريا
—————————-
مقترحات على طاولة بايدن لـ«تفاوض مشروط» مع الأسد
تضمنت مقاربة «خطوة مقابل خطوة»… ومسؤولون غربيون يشككون في نجاحها
إبراهيم حميدي
قبل أن تستقر إدارة الرئيس جو بايدن وتكتمل تشكيلة «الفريق السوري»، انهمرت على واشنطن خلال المرحلة الانتقالية، مقترحات لاختبار مقاربة «خطوة- خطوة» مع دمشق و«التفاوض» مع الرئيس بشار الأسد لتحقيق الأهداف الأميركية بسياسة جديدة.
– «غرام» كردي
إلى الآن، المعروفون من المسؤولين عن الملف السوري في واشنطن، بريت ماغورك، في قسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي. وماغورك لقّبته أنقرة بـ«لورانس العربي» الجديد، وهو معروف بأولوية محاربة «داعش» لديه وشكوكه إزاء تركيا مقابل تعاطفه مع الأكراد، بل إن أحد أسباب استقالته كان «تخلي» الرئيس السابق دونالد ترمب عن «قوات سوريا الديمقراطية»، حليف واشنطن ضد «داعش»، وإعطاؤه (ترمب) الضوء الأخضر لتوغل تركيا شرق الفرات وإقامة جيب عسكري هناك. يُضاف إلى ماغورك، زهرا بيل، وهي التي كانت مسؤولة على تسهيل الحوار الكردي – الكردي السوري بهدف «ترتيب البيت» وتعزير استقرار هذه المنطقة، التي تضم نحو 500 جندي أميركي تدعم مائة ألف جندي من «قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على ربع مساحة سوريا وتضم 80% من موارد البلاد، باعتبار أن كل هذه «ورقة تفاوض» لواشنطن مع موسكو وطهران ودمشق وأنقرة.
كان متوقعاً أن تلعب دونا سترول دوراً في الملف السوري في الخارجية الأميركية، لكنها عُيّنت في وزارة الدفاع، ما فتح أسئلة عمن سيتسلم منصب الخارجية لسوريا خلفاً للسفير جيمس جيفري وخلفه جويل روبرن، وما إذا كان الثقل الرئيسي للملف سيكون في مجلس الأمن القومي، على عكس السنوات السابقة التي انكمش فيها هذا المجلس لصالح دور أوسع للوزير مايك بومبيو الذي كان وفريقه «السوري» من أصحاب نهج «الضغط الأقصى» اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً علي دمشق، مع «أحكام العزلة» السياسية عربياً وغربياً.
– على الهامش
هناك إجماع على أن الموضوع السوري لن يكون رئيسياً لإدارة بايدن. هي مهتمة بالعلاقة المتوترة مع روسيا وشروط العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، إضافةً إلى المسار مع تركيا في ضوء موضوع روسيا وسعي واشنطن لاستعادة دور «حلف شمال الأطلسي» (ناتو). لذلك، فإن التقديرات أن يكون «الملف السوري» جزءاً من هذه الملفات ذات الأولوية لبايدن وفريقه.
ضمن هذا الهامش، انهمرت على واشنطن أوراق بحثية ومقالات ودراسات علنية وسرية تتضمن مقترحات لتغيير المقاربة. كان بين ذلك، أن السفير الأميركي الأسبق روبرت فورد كتب في «فورين بوليسي» مقالاً قال فيه إن السياسة الأميركية «فشلت» في تحقيق أهدافها المعلنة عدا قتال «داعش»، مقترحاً التعاون مع روسيا وتركيا في سوريا، علماً بأن هاتين الدولتين تتعاونان وحدهما في أمور كثيرة تخص الملف السوري.
لم تكن مفاجئة الرسالة التي وجهتها شخصيات لبنانية وسورية وغربية، بينهم رجال دين مسيحيون، إلى الرئيسين الأميركي بايدن والفرنسي مانويل ماكرون، تحثّهما على العمل على رفع العقوبات عن دمشق واعتماد سياسة أخرى. لكنّ كثيرين فوجئوا بمقال كتبه السفير الأسبق جيفري فيلتمان والمسؤول في «مركز كارتر» هراير باليان، في موقع «ريسبونسبل ستيتكرافت»، اقترح أيضاً «سياسة جديدة». جاء فيه: «لا يخفى على أحد أن واحداً (فيلتمان) منّا هو من أشد منتقدي الرئيس الأسد وسياسات سوريا الداخلية والخارجية منذ سنوات. أما الآخر (باليان) فهو ناقد شرس للفكرة القائلة إن سياسة ممارسة الضغط وحدها كفيلة بإحداث تغيير في سلوك نعدّه سلوكاً إشكالياً».
– خياران ومقاربة
أمام الولايات المتحدة، حسب الأفكار الجديدة، خياران: إما الاستمرار في المقاربة الحالية التي لم تُفلح إلا في تفاقم انهيار الدولة (السورية) المنهارة، أو اعتماد عملية دبلوماسية جديدة تهدف إلى وضع إطار مفصّل للتحاور مع الحكومة السورية بشأن مجموعة محددة من الخطوات الملموسة التي يمكن التحقق منها، والتي في حال نُفذت، تقدّم الولايات المتحدة وأوروبا مقابلها المساعدة المستهدفة لسوريا وتُجري تعديلاً في العقوبات.
كان «مركز كارتر» قد قدم بتفصيلٍ المراحل التي تنطوي عليها هكذا مقاربة في ورقة تم نشرها في مطلع العام الجاري، بعد مشاورات مع سوريين من كل الخلفيات ومع المجتمع الدولي. ما المطلوب من واشنطن ضمن مقاربة «خطوة – خطوة»؟ حسب الورقة – الأفكار، أن ذلك يشمل إعفاء جهود محاربة «كوفيد – 19» من العقوبات، وتسهيل إعمار البنى التحتية المدنية على غرار المستشفيات والمدارس ومنشآت الري، ثم تخفيف العقوبات الأميركية والأوروبية بشكل تدريجي، على ألاّ تُفعّل هذه الخطوات إلا بعد التحقق من تنفيذ الخطوات الملموسة التي تمّ التفاوض عليها مع دمشق.
المطلوب من دمشق، في المقابل، أن تقوم بـ«خطوات» تشمل إطلاق المعتقلين السياسيين وتأمين العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات من دون أي عوائق إلى كل المناطق، والتخلّص مما تبقى من الأسلحة الكيماوية بموجب اتفاق عام 2013، وتنفيذ الإصلاحات السياسية والأمنية، بما في ذلك المشاركة بنيات حسنة في مسار جنيف، واعتماد المزيد من نظام اللامركزية.
– لا هدية لدمشق
بالنسبة إلى مؤيدي هذه المقاربة، فإن «غالبية الدول تخلّت عن مطلب رحيل الرئيس الأسد منذ سنوات»، لكنها «واصلت سياسات الضغط والعزلة التي أخفقت حتى الساعة في إحداث أيٍّ من الإصلاحات».
عليه، فإن أصحابهما يرون، أن الـ«خطوة – خطوة» المقترحة ليست «هدية للحكومة السورية التي تتحمّل مسؤولية معظم الدمار وسفك الدماء». وحسب دبلوماسيين، فإن أصحاب هذه المقاربة يعتقدون أنه «من خلال الإعلان عن سلسلة من الخطوات المتبادلة المتفاوض عليها، يمكن لأوروبا والولايات المتحدة ممارسة نوع آخر من الضغوط على سوريا بغية إطلاق الإصلاحات التي تم رفضها حتى اليوم، ووصول الإدارة الأميركية الجديدة يقدّم فرصة فريدة لتغيير الوجهة ولاختبار جدوى هذه المقاربة الجديدة».
ويقترح المدافعون عن هذه المقاربة أن تكون الخطة علنية، كي يُعرف مَن المسؤول عن فشل الحل. لكنّ مسؤولين غربيين وأميركيين يقولون إن هذه المقاربة جُرِّبت وعُقدت اجتماعات غير علنية بين الجانبين الأميركي والروسي في فيينا وجنيف وأن موسكو «لم تقدم شيئاً». كما يحذّرون من أن «مقاربة كهذا تعني بدء التطبيع مع دمشق من دون أي تنازلات». وقال أحد المسؤولين: «نعرف أن دمشق غير معنية بأي حل سياسي أو تسوية، لذلك لا فائدة من هذه المقاربة». كما أشار إلى أن «إحدى مشكلات هذه المقترحات، هي غياب البعد الجيوسياسي عنها، خصوصاً ما يتعلق بالوجود الإيراني أو التركي».
في موازاة ذلك، جرت تحركات من دول حليفة لواشنطن ومعارضين سوريين باتجاه فريق بايدن للإبقاء على سياسة «الضغط الأقصى» على دمشق. كان بين ذلك، لقاء فريق «قانون قيصر» الذي بدأ تنفيذه منتصف العام بفرض عقوبات على مائة كيان وفرد في سوريا بعد إقرار من الكونغرس بأعضائه من الحزبين، لضمان استمرار تطبيق بنوده السياسية والاقتصادية. كما خاطب معارضون لندن وباريس لهذا الغرض، للحيلولة دون تغيير مقاربة واشنطن، وسط دعوات لفرض قانون جديد في الكونغرس يزيد من الضغط على دمشق.
الشرق الأوسط
————————
في شرعية انتخابات الأسد/ سميرة المسالمة
يتكرّر مشهد التحضير للانتخابات الرئاسية الجديدة، للمرة الثانية على التوالي بعد بدء الثورة السورية، وظروف الحرب التي أعلنها النظام السوري على معارضيه منذ عام 2011. وعلى الرغم من تدهور واقع الحال لسوريين كثيرين، من مؤيدي الأسد ومن معارضيه، إلا أن النظام عقد العزم على متابعة سلوكه في التغاضي عمّا آلت إليه ظروف البلاد بعد الحرب التدميرية التي خاضها لاجتثاث الثورة ومطالبها وحاملها الشعبي، ومنعكسات هذه الحرب على قدرات النظام الداخلية والخارجية، وظروف احتلال البلاد من جيوش الحلفاء له روسيا وإيران، أو لمعارضيه تركيا والولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن جيش إسرائيل الذي يستقر في الجولان، أجمل بقاع سورية وأغناها بيئة وشعباً.
وحيث يستعد الأسد لانتخابات جديدة مضمونة النتائج منتصف العام الجاري، تبحث روسيا، في ملفاتها، عن مرشّح يلعب دور “الكومبارس” من بين من تقدّمهم للسوريين تحت صفة معارضين، ليس بهدف سحب البساط من تحت “المعارض الموعود”، بل لقطع الطريق على محاولات شخصيات معارضة تسعى إلى أخذ مبادرة الانتخابات في مناطق خارج سيطرة النظام، والشروع في تنظيم انتخابات متساوقة مع الأسد، ليس بهدف إنصاف السوريين، ولكن لتصبح ورقة قوة في يد تركيا لاحقاً خلال المفاوضات المقبلة لمجموعة أستانة، لتقاسم حصص ما بعد حقبة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في سورية. ففيما تتعامل روسيا مع اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف على أنها مجرد ذرّ الرماد في عيون المجتمع الدولي، فإنها لا تخفي مسعاها الحقيقي، وهو لإعادة الاعتبار لمسار أستانة، لأنها من خلاله تستطيع عقد مزيد من التفاهمات، لرسم حدود جديدة بين جيوش الحلفاء أنفسهم في أستانة، وفي الوقت نفسه، الخصوم في مواقع السيطرة على الأرض.
في كل مرة، تقدم روسيا لزوارها من “المعارضين” شرحاً مفصلاً عن موقفها من دون مواربة، فهي تؤكد لهم أن الانتخابات الرئاسية ستجري وفق بروتوكولات سورية السابقة كما حدث في عام 2014، وأن هذا لا يعوق متابعة جلسات اللجنة الدستورية في جنيف، ذات الصلاحية المفتوحة زمنياً، كذلك تمنح المعارضة وعداً أنه في حال توصلهم إلى دستور جديد موافق عليه من أطراف اللجنة الدستورية (الأمر المستبعد تماماً)، فإنها ستكون مع انتخابات رئاسية جديدة “مبكرة”، وهو ما طرحته مع وفود منصتي القاهرة وموسكو وغيرهما.
لم يكن النجاح في تعطيل وفد النظام أعمال اللجنة الدستورية في جولتها الخامسة، هذه المرة أيضاً، جديداً على مبعوث الأمم المتحدة، غير بيدرسون، وهو إذ شعر بخيبة الأمل متأخراً، فذلك يعبّر عن مدى سطحية مباحثاته خلال زياراته لدول محور أستانة ودمشق والقاهرة، التي سبقت الجولة، ولم يمنح أي إجابة تفيد بأن اللجنة ذاهبة إلى صياغة الدستور، بالشراكة مع وفدي المعارضة والمجتمع المدني، فحيث لا تحسب دمشق وفدها أنه يمثل حكومتها، فهي لا تتعامل مع اللجنة على أنها ذات بعد قانوني، يمكنها من تعديل أي مادة دستورية، وستكتفي اليوم ومستقبلاً باعتبار الجلسات لنقاش شفهي، لا قوة تنفيذية لصياغته وتسميته دستوراً.
اعتمد النظام في الجولات السابقة على قوة تأثير حليفته روسيا في تبرير خداع الأمم المتحدة، وتعطيل أعمال اجتماعاتها، لكنه هذه المرة يعتمد على فراغ موقع الولايات المتحدة، وانشغال إدارته في ترتيب أولوياتها، ومقاربتها الملف السوري، في تبعيته المباشرة للملف النووي الإيراني الذي لا يزال قيد البحث والتداول، وهو الموضوع ذاته الذي أعطى فرصة لوفد المعارضة لكي يبتعد عن لغته “التهادنية” التي وصلت، في جولات سابقة، إلى حد التملق لوفد النظام، وإعلان رئيس الوفد، للمرة الأولى، أنه “لا داعي لوجودهم في اللجنة الدستورية ضمن الأجواء غير المبشرة داخل الاجتماعات”، وهو ما يمكن تفسيره أنه أيضاً قراءة واقعية للموقف الأميركي الجديد الذي لا يستعجل الانخراط في المسألة السورية، قبل البتّ بقضيته الأساسية، إيران.
لن تطول غيبة اجتماعات اللجنة الدستورية كثيراً، لكنها ستتلازم مع الحملة الانتخابية لبشار الأسد دولياً، وسيقدم خلالها النظام، وفق الرؤية الروسية، بعضاً من متطلبات تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، ومنها إطلاق سراح بعض المعتقلين، وفتح الأبواب لعودة اللاجئين، والسماح بدخول المساعدات إلى بعض المناطق ذات الاهتمام الدولي، وتعديلات في قانون الإدارة المحلية لتوسيع الصلاحيات المناطقية، وقد تبدأ عودة بعض الأسماء المعروفة إلى سورية لممارسة دور معارضة داخلية تحت عنوان الإصلاح السياسي، ما يعني أن هدف الحملة الانتخابية المجتمع الدولي لإعادة صياغة علاقته بالأسد، لا صياغة علاقة الأسد بالسوريين، من مؤيدين أو معارضين.
مرّت انتخابات الرئاسة السورية، في 3 يونيو/ حزيران عام 2014، بكل سلاسة، على الرغم من التصريحات الدولية، حيث وصفها مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأنها “غير شرعية”. وانتقدها الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون، بأنها محاولات إجراء انتخابات في ظل ظروف الحرب الأهلية، وهي حسب تصريحه “تتناقض مع نص بيان جنيف وروحه”. إلا أن بشار الأسد، مدعوماً من روسيا وإيران، مضى في “انتخاباته” من غير منافس يذكر (بغضّ النظر عن التمثيلية الباهتة للمرشح الثاني حسان النوري).
وأعلن الأسد فوزه بأصوات السوريين بنسبة تزيد على 88%، على الرغم من الحرب وتشريد الناس ومئات آلاف من الضحايا، ولم تأخذ أي جهة دولية موقفاً رسمياً من تلك النتائج، وبقي تمثيله في الأمم المتحدة معترفاً به حتى اللحظة. وما حدث سيتكرر عام 2021، على الرغم من التصريحات الدولية، أو بيانات الشخصيات المعارضة، فما لم توقفه خمسة جيوش تحتل بلده وقراره، لن توقف مسيرته معارضة مشتتة في مشاريعها وأهدافها، وحتى في أسباب ثورتها.
نجح الأسد في الحفاظ على كرسيه، وتمرير عشر سنوات بعد الثورة، وفشلت المعارضة في صناعة موقف موحد واحد من مشروع سورية المستقبل، وقبلت بتجميع مشاريع متناقضة مع بعضها في وفد تفاوضي واحد، تحت مسمى وفد المعارضة، في مقابل مشروع واحد “متماسك” للنظام، حدّده منذ اليوم الأول للثورة، الأسد أو نحرق البلد. وفعلياً بقي الأسد، لكنه أيضاً أحرق البلد وأهلها، ولم تتأخر قيادات المعارضة في اقتباس تجربته في حكم البلد إلى الأبد، على الرغم من صيحات إسقاطها كما صيحات إسقاطه.
العربي الجديد
—————————
الأسد ولعبة المستحيل/ محمد وجيه جمعة
الأعداد الموثقة للمتضررين من الأسد تفيد بملايين النازحين وملايين المهجرين وأكثر من مليون قتيل ومئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين.. سوريا مدمّرة عمرانياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً مع انهيار لمقومات الدولة، فلا الأرض ولا الشعب ولا السلطة ولا السيادة كما يجب ولا كما يفترض ولا كما نصّت عليه الأوراق الصفراء للقانون الدولي.
لا يوجد عدّاد قادر أن يبين لنا كم الألم ولا كم الحزن ولا كم الغضب ولا كم المذلة التي سببها نظام الأسد.
إن بقاء الأسد يعني تكريساً للحالة المأساوية السورية ومزيداً من الألم والدموع والضياع، كما أن بقاءه هو شرعنة للجريمة والقتل والتعذيب والظلم.. بل ومكافأة للجناة وتشجيع للظالمين.
وإن تمكين أنياب الأسد مما تبقى لديه من السوريين يعني المزيد من المعتقلين والمغيبين مع زيادة في عدد الخيام التي ستؤوي المزيد من الفارين من ظلم الأسد.
إن بقاء الأسد يعني استمرار الاستبداد والديكتاتورية والقمع والظلم، وضياع الحلم السوري بالحرية والعدالة والديمقراطية، ومع الأسد ستغيب حقوق كل السوريين المتضررين بشرياً ومادياً ومعنوياً، وستغيب العدالة بكل أشكالها من انتقالية وسواها، فلن يتحقق السلم الأهلي.
سيجرّم الأسد كل الثائرين من أجل الحرية والكرامة وسيصدر بحقهم أحكام إعدام وسيستولي على ممتلكاتهم وسينزع عنهم حتى الهوية السورية.
استمرار الأسد هو دعوة لتقسيم سوريا كأرض وثروات ومقدرات، مع تشكيل كانتونات فاشلة تنشر الفوضى.
الأسد لا يمكن أن يأتي بالحرية والكرامة للشعب السوري، لأنه يتضاد ويتنافر مع هذه القيم، ولا يمكنه أن يعيد الحالة المجتمعية السورية إلى طبيعتها، لأنه غرس أسافين وخناجر الحقد بين مكونات الشعب السوري أفقياً وعمودياً واعتاش عليها.
ولا يستطيع أن يبني اقتصاداً ولا أن يقدم فرصة عمل ولا لقمة عيش، ولا يستطيع رد المظالم لأهلها لأن إنصاف السوريين مفردة غابت من سوريا منذ اغتصب الأسد السلطة.
الأسد أيضاً لا يستطيع إعادة النازحين ولا اللاجئين.. هو لا يريدهم ويجرّمهم بدعوى عدم تجانسهم معه.. اللاجئون والنازحون هربوا من بطش النظام ولا يعيدهم إلا زواله.
إعادة الإعمار تحتاج لمساهمة كل السوريين بكل قواهم ومقدراتهم وخاصة الشباب الذي لا يمكن أن يعود وقاتل آبائهم موجود.
الأسد ظلم السوريين قبل الثورة، وانتقم منهم في الثورة، وإن بقي في السلطة فستتحول سوريا إلى جهنم السوريين لا وطنهم، فلا سيادة للدولة السورية مع استمرار الأسد الذي فرّط بكل شيء بما فيها المقدسات والمحرمات.
مشهد الجولة الخامسة لاجتماعات اللجنة الدستورية المصغّرة والتي انتهت إلى الهاوية التي يريدها الأسد بتلقين ودعم روسي لا تخطئه عين، تبدأ جذوره من قصف الروس للمشافي والمدارس وينتهي بتحدي قرارات مجلس الأمن وتفشيلها.. فالروس من خلال مساهمتهم في تعطيل عمل اللجنة الدستورية هم يبعثرون قرار مجلس الأمن 2254، ويوقفون العملية السياسية مغلبين الحلول التي تهدد إرادة وكيان السوريين.
أحرار سوريا يؤكدون للمجتمع الدولي بكل أعضائه ومؤسساته أنهم على استعداد للاستمرار بتقديم التضحيات ودفع ما تبقى من فاتورة الحرية والخلاص من إجرام نظام الأسد.
مئات الملفات وآلاف الوثائق وملايين الصفحات التي توثق إجرام بشار الأسد.. الأسد مجرم القرن الواحد والعشرين والإبقاء عليه جريمة العصر الكبرى.
تلفزيون سوريا
—————————-
الكاتب والمحلل الاستراتيجي ﺭﺍﻣﻲ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﺪﻋﻮ ” ﺑﺸﺎﺭ ﺍﻷﺳﺪ” ﻻﺗﺨﺎﺫ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺟﺮﺍﺀ ﻗﺒﻞ ﻓﻮﺍﺕ ﺍﻷﻭﺍﻥ .. ﻣﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻮﺗين
ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻹﻧﻬﺎﺀ معاﻧﺎﺓ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ الرئيس ﺑﺸﺎﺭ ﺍﻷﺳﺪ، ﻭﻧﻈﺎﻣﻪ، ﺑﻮﺻﻔﻬﻢ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ .
على الأسد التخلي فوراً ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﻫﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻌسكرية ﻭﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻨﺼﺮ العسكري ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ.
يجب ﻋﻠﻰ الرئيس بشار الأسد ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺠﺎﻫﻞ ﺍﻟﻤﺼﻄﻨﻊ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤـﺃﺳﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ .
12 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺳﻮﺭﻱ ﺑﻴﻦ ﻣﺸـﺭﺩ ﻭﻻﺟﺊ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻌـﺍﻧﺎﺓ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺑﺮﺩ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻳﺼـﺍﺭﻉ ﺍﻟﻤـﻭﺕ ﻭﺍﻟﺠﻮﻉ ﻭﺍﻟﻤﺮﺽ .
ﺍﻟﺤﻞ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻹﻧﻘﺎﺫ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻭﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﺒﺎﺩﺭ الرئيس ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ ﻗﺮﺍﺭ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺭﻗﻢ 2254.
ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻟﻴﺲ ﺣﻜﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺼﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺭ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻦ ﺭﻗﻢ 2254.
ﺩﻋﺎ الكاتب وﺍﻟﻤﺤﻠﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺭﺍﻣﻲ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ الرئيس السوري ﺑﺸﺎﺭ ﺍﻷﺳﺪ ﻟﻠﺘﺨﻠﻲ ﻓﻮﺭﺍً ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﻫﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻌسكرية ﻭﺃﻭﻫﺎﻡ ﺍﻟﻨﺼﺮ العسكري ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ .
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﺮﻭﺳﻲ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻱ ﺳﻠﻄﺔ، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮﺗﻬﺎ، ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺘﺼﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺷﻌﺒﻬﺎ .
ﻭﺭﺃﻯ ﺃﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ الرئيس بشار الأسد ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺠﺎﻫﻞ ﺍﻟﻤﺼﻄﻨﻊ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤـﺃﺳﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ .
ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺍﻟﺮﻭﺳﻲ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩ 12 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺳﻮﺭﻱ ﺑﻴﻦ ﻣﺸـﺭﺩ ﻭﻻﺟﺊ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻌـﺍﻧﺎﺓ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺑﺮﺩ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻳﺼـﺍﺭﻉ ﺍﻟﻤـﻭﺕ ﻭﺍﻟﺠﻮﻉ ﻭﺍﻟﻤﺮﺽ .
ﻭﺃﻛﺪ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻞ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻹﻧﻘﺎﺫ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻭﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﺒﺎﺩﺭ الرئيس ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ ﻗﺮﺍﺭ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺭﻗﻢ .2254
ﻭﻧﻮﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﺬﻟﻚ ﻭﺍﺿﺢ، ﺣﻴﺚ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﺘﻌﺪﻳﻞ ﺩﺳﺘﻮﺭﻱ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺇﺟﺮﺍﺀ ﺍﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺣﺮﺓ ﻭﻧﺰﻳﻬﺔ ﺑﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻛﻞ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﻴﻦ، ﻭﺗﺤﺖ ﺇﺷﺮﺍﻑ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ .
ﻭﺃﺿﺎﻑ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺑﺎﺗﺖ ﻣﻮﺍﺗﻴﺔ ﻟﺬﻟﻚ “ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺑﺸﻜﻞ ﺷﺒﻪ ﻛﺎﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺭﻫـﺍﺑﻴﻴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﻴﻦ ﻭﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺍلحكومة ﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ﻭﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ .
ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻟﻴﺲ ﺣﻜﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﺼﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺭ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻦ ﺭﻗﻢ .2254
ﻭﺭﺃﻯ ﺃﻥ ﻇﻬﻮﺭ ﺟﺒﻬﺎﺕ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﺪﻋﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻲ ﻭﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻫﺪفها ﺇﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ .
ﻭﺃﺿﺎﻑ ﺃﻥ ﺳﻴﻨﺎﺭﻳﻮﻫﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻳﺘﻢ ﺗﺠﺎﺫﺑﻬﺎ ﺣﻮﻝ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﺁﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ، ﻭﺗﺪﻭﺭ ﺑﺎﻟﺘﺰﺍﻣﻦ ﻣﻊ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻟﺠﻨﺔ ﺣﻈﺮ ﺍﻷﺳـﻟﺤﺔ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ .
ﻭﺍﻋﺘﺒﺮ ﺃﻥ ﺗﻘﺮﻳﺮ “ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺣﻈﺮ ﺍﻷﺳـﻟﺤﺔ ﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ” ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻸﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﺭﻑ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺩﻭﻟﻴﺎً ﻟﻌﺪﻡ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻘﺎﺭﻳﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ .
ﻭﺃﺭﺩﻑ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ : “ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻹﻧﻬﺎﺀ معاﻧﺎﺓ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ الرئيس ﺑﺸﺎﺭ ﺍﻷﺳﺪ، ﻭﻧﻈﺎﻣﻪ، ﺑﻮﺻﻔﻬﻢ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ .”
ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻥ ﻭﻗﻒ ﺇﻃﻼﻕ النار ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺑﺠﻬﻮﺩ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺃﺳﺘﺎﻧﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻴﻘﺪﻡ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺑﺎﺩﺭﺓ ﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﻨﻮﺍﻳﺎ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺏ ﻣﻊ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻭﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺘﺴﻬﻴﻼﺕ ﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ .2254
ﻭﺩﻋﺎ الحكومة السورية ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺍﺕ العسكرية ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺘﻬﺎ ﺭﻭﺳﻴﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺑﻔﻀﻠﻬﺎ “ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺭﻫاﺑﻴﻴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﻴﻦ ﻭﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ .”
ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﺍﻟﻬﺎﺗﻔﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺟﺮﺍﻩ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺮﻭﺳﻲ ﺑﻮﺗﻴﻦ ﻣﻊ الرئيس ﺑﺸﺎﺭ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺗﻮﺟﻪ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﺮﻭﺳﻲ ﺳﻴﺮﻏﻲ ﺷﻮﻳﻐﻮ ﺩﻣﺸﻖ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺟﺪﺍً .
ﻭﺧﺘﻢ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ : “ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ﺃﻥ ﺗﺜﻤﻨﻪ، ﻭﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﻣﻐﺰﻯ ﺫﻟﻚ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻤﻴﻖ، ﻭﺗﺘﺠﺎﻭﺏ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﺍﻟﻤﻤﻨﻮﺣﺔ ﺍﻵﻥ ﻗﺒﻞ ﻓﻮﺍﺕ ﺍﻷﻭﺍﻥ.
المصدر: صحيفة زافترا الروسية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب.
——————————
حرب خفية مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض: تحرك مضاد يواجه حملة فواز الأخرس لرفع العقوبات عن النظام السوري/ ديانا رحيمة
تدور حرب خفية بين شخصيات ومراكز أبحاث تدعم رواية النظام السوري، لرفع العقوبات عنه مع وصول إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدين، إلى البيت الأبيض، في مواجهة تحرك مضاد من ناشطين ومعارضين سوريين.
أرسلت شخصيات سياسية ورجال دين مسيحيون رسائل إلى واشنطن وحكومات أوروبية، في 21 من كانون الثاني الحالي، تستجدي فيها رفع العقوبات المفروضة على النظام السوري، بحجة ضغط العقوبات على الشعب السوري، وحرمانه من المساعدات الإنسانية التي لا تندرج ضمن قائمة العقوبات المفروضة على النظام.
وأشارت الرسائل التي كان فواز الأخرس، والد أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام السوري، على رأس الموقعين عليها، إلى تحذيرات المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، من أن ملايين السوريين يعانون ضغوطًا شديدة ناجمة عن الضرر الكبير الذي تعرض له نظام الرعاية الصحية خلال سنوات الأزمة، مجددة التأكيد أن الإجراءات القسرية المفروضة من الولايات المتحدة تفاقم معاناة الشعب السوري.
وقوبلت الرسائل المرسلة من داعمي النظام من السياسيين ورجال الدين، بحركات مناهضة لرفع العقوبات عن النظام أو تخفيفها.
ووقّع عدد من الشخصيات العربية والسورية على رسالة ستقدم للرئيس الأمريكي، جو بايدن، تدين انتهاكات النظام السوري وجرائمه ضد الإنسانية التي ارتكبت في سوريا، وتطرح بعض النقاط التي قد تخفف فعلًا من معاناة الشعب السوري من حيث إيصال المساعدات الإنسانية للشعب السوري، والمساعدة في الاستجابة العالمية لمكافحة تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) وإيصال اللقاح للسوريين.
فحوى التحرك المضاد
كشف رئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، أيمن عبد النور، في حديث إلى عنب بلدي، عن مضمون المسودة المناهضة لرسالة رفع العقوبات، والموقعة لتقدم إلى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والتي شرحت طبيعة الحصار الاقتصادي الذي مارسه النظام السوري ضد شعبه، والذي تجلى باحتكار حصول الشعب السوري على المواد الغذائية الأساسية عبر “البطاقة الذكية”، بينما تنتشر السلع والماركات الباهظة الأسعار بين الموالين له، مع الاتجار بالمساعدات الغذائية التي ترسل للشعب والتي أصبحت مصدرًا لتجار الحرب.
واعتبرت الرسالة المناهضة موقف رجال الدين المسيحيين الذين حاولوا استجداء الحكومات الغربية، موقفًا تضليليًا لا يصب في مصلحة الشعب السوري، لأن العقوبات لا تشمل الغذاء والأدوية.
وبحسب أيمن عبد النور، وهو من بين الموقعين على الرسالة المناهضة، لوحظ في رسالة تخفيف العقوبات غياب تواقيع رجال الدين ممن هم خارج ضغوط النظام السوري، رغم أنهم يمثلون أكبر الطوائف، بينما وردت أسماء بعض الموقعين دون موافقتهم على نص الرسالة، ما يوحي بأن العديد من التواقيع الواردة ضمن الرسالة جرت تحت الضغط.
واقترحت الرسالة المناهضة عددًا من الأمور التي قد تضغط على النظام السوري فيما يخص المساعدات الإنسانية، كالمطالبة بإيصال لقاح فيروس “كورونا” عبر المنظمات الدولية إلى السجناء والمعتقلين في جميع الأراضي السورية لتشمل كبار السن ومصابي الحرب، والإشراف على ملف اللقاح في سوريا من قبل الأمم المتحدة، بعد فشل النظام بالسيطرة على أزمة الجائحة مقارنة بمناطق شمال شرقي وغربي سوريا.
كما طالبت بالسماح للمنظمات الدولية في الدخول إلى سوريا لتأمين وصول المساعدات، كي لا تتبدد عبر المنظمتين الحصريتين “الهلال الأحمر السوري” و”الأمانة السورية للتنمية” المدارة من قبل أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري.
لماذا فواز الأخرس؟
يعيش فواز الأخرس في بريطانيا، ويدير مجموعة من مراكز الأبحاث، وكان أحد المستهدفين بالعقوبات الأمريكية، التي أدرجت اسمه مع ابنته أسماء وعدد من أفراد العائلة، وهم سحر عطري الأخرس وفراس وإياد الأخرس على قائمة العقوبات، في 22 من كانون الأول 2020.
وقالت الخارجية الأمريكية في بيان لها حينها، إن “أسماء الأسد عرقلت الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي لإنهاء النزاع السوري، وقادت الجهود لمصلحة النظام لترسيخ سلطته الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك استخدام ما يسمى بالمنظمات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني”.
وأوضحت وزارة الخارجية أن هؤلاء الأشخاص “تراكمت ثرواتهم غير المشروعة على حساب الشعب السوري، من خلال سيطرتهم على شبكة مكثفة وغير مشروعة مع ارتباطات بأوروبا والخليج وأماكن أخرى، في حين استمرت معاناة الشعب السوري بتلك الأثناء في الانتظار بطوابير طويلة للحصول على الخبز وكذلك الوقود والدواء”.
الأخرس لم يتحرك منفردًا
ودعا حليفا النظام السوري، روسيا والصين، إلى رفع العقوبات الغربية عنه، ودفع العملية السياسية، وتحسين الوضع الأمني والإنساني في سوريا.
وقال مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانغ جيون، خلال اجتماع مجلس الأمن، في 22 من كانون الثاني الحالي، إنه يتعيّن رفع الإجراءات القسرية الأحادية الجانب ضد سوريا في وقت مبكر، لأن الصعوبات الاقتصادية والإنسانية في سوريا تعود إلى حد كبير للحصار الاقتصادي وغيره من العقوبات الاقتصادية.
ودعا إلى القيام بجهود لتعزيز العملية السياسية بقيادة وملكية سورية، مشيرًا إلى أن العقوبات تقوض “بشدة” القاعدة الاقتصادية السورية، وتعوق وصول السوريين إلى الإمدادات والخدمات الطبية.
كما طلبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في 21 من كانون الثاني الحالي، من الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري.
وقالت زاخاروفا، “لقد حان الوقت أخيرًا لرفع القيود الأحادية غير المشروعة عن دمشق التي فرضها الاتحاد الأوروبي، لمصلحة الشعب السوري، الذي يهتم به الغرب كثيرًا، وأيضًا بشكل عام باسم ضمان الاستقرار والأمن الإقليميين”.
وأضافت أن العقوبات الغربية على النظام أدت، إلى جانب تفشي جائحة فيروس “كورونا”، إلى تفاقم حاد في الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في سوريا عام 2020، مشيرة إلى أن الشعب السوري هو أول من يعاني من هذه القيو
تتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، إذ يعيش تحت خط الفقر في سوريا 90% من السوريين، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا.
وحذرت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إليزابيث بايرز، من أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا، بسبب تفشي فيروس “كورونا”.
تحركات أمريكية لإعادة النظر في العقوبات
أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 22 من كانون الثاني الحالي، أن كلًا من وزراء الخارجية والخزانة والتجارة الأمريكية، سيتشاورون مع وزير الصحة والخدمات الإنسانية ومدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لمراجعة العقوبات الأمريكية، وتقييم ما إذا كانت تعرقل الاستجابة لجائحة “كورونا”.
وأضافت الصحيفة أن المشاورة جاءت بناء على بند في توجيه للأمن القومي، أصدره بايدن، في 21 من كانون الثاني الحالي، وبعد ذلك، سيقدم الأمناء توصيات إلى الرئيس الأمريكي، من خلال مستشار الأمن القومي ومنسق الاستجابة للجائحة، بشأن أي تغييرات بخصوص العقوبات.
ولم تحدد الدول التي سيشملها تخفيف العقوبات، وما إذا كانت سوريا من بينها أم لا.
كما دعت خبيرة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان ألينا دوهان الولايات المتحدة، في 29 من كانون الأول 2020، إلى رفع العقوبات الأحادية الجانب عن سوريا، وقالت إن “العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر لحماية المدنيين في سوريا” ستفاقم الوضع الإنساني السيئ، لا سيما خلال جائحة فيروس “كورونا”، إذ سيتعرّض المدنيون لخطر أكبر من انتهاكات حقوقهم.
هل تلقى هذه الدعوات صدى؟
رئيس المركز “السوري- الأمريكي”، زكي اللبابيدي، قال، في حديث إلى عنب بلدي، إنه ليس هناك أي توجه نحو تخفيف العقوبات عن نظام بشار الأسد، والإشاعات المتداولة عن استجابة الحكومة الأمريكية ليست صحيحة.
وأضاف اللبابيدي أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، يؤمن بتحقيق الديمقراطية في سوريا، والدليل أنه قال في أكثر من مناسبة، إن “هناك أخطاء جسيمة حصلت في السياسة الأمريكية بسوريا في السابق، وكان ضد إلغاء الهجمة العسكرية على نظام الأسد عام 2014”.
ويرى اللبابيدي أن الرسالة التي أُرسلت إلى الحكومة الأمريكية والتي تهدف إلى تخفيف العقوبات، لن يكون لها أي تأثير سلبًا أو إيجابًا، كغيرها من محاولات القوى الداعمة للنظام، وخاصة أن عقوبات قانون “قيصر” لا تشمل الجانب الإنساني المتعلق بسماح دخول الأدوية والأغذية والمساعدات الإغاثية للشعب السوري.
وأكد اللبابيدي أن العقوبات المفروضة هي على مسؤولي النظام ومن يساعد بشار الأسد في حربه ضد الشعب السوري، كالمصارف السورية واللبنانية، وغيرها من الكيانات والشخصيات التي تعاملت مع النظام والمقربة منه.
ويرى الناشط السياسي السوري المقيم في واشنطن، محمد غانم، أن النظام استشعر وجود فرصة سانحة لرفع العقوبات عنه، مع فوز بايدن في الانتخابات، وخاصة مع بوادر قيام الحكومة الأمريكية بعقد صلح جديد مع إيران.
ولأن الأسد جعل من نفسه أحد توابع إيران، بحسب ما قاله غانم لعنب بلدي، رتّب لإطلاق الحملة مع أول يوم دخل فيه بايدن إلى البيت الأبيض (في20 من كانون الثاني الحالي)، والتي تجلت برسائل قُدمت إلى الحكومة الأمريكية وغيرها من الدول الأوروبية.
واعتبر غانم أن الرسائل المقدمة لتخفيف العقوبات واستقطاب الدعم، هي استئناف للحملة التي أطلقها النظام عقب سيطرته على حلب في محاولة لاستجلاب أموال إعادة الأعمار، وعودة النظام إلى جامعة الدول العربية، وكأن أيًا من الجرائم التي ارتكبها لم تقع.
خطوة موازية في اليمن
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية أعفت، في 25 من كانون الثاني الحالي، بعض المعاملات المتعلقة بجماعة “الحوثيين” في اليمن، حتى تاريخ 26 من شباط المقبل، من العقوبات الناتجة عن تصنيف وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، الجماعة “منظمة إرهابية أجنبية”، في 10 من كانون الثاني الحالي.
وجاء قرار الإعفاء من ارتباك وكالات الإغاثة وتحذيرات الأمم المتحدة، لما قد تسببه العقوبات من تأثير مدمر على اليمن، الدولة التي مزقتها الصراعات وتواجه خطر المجاعة، كما هي الحال في سوريا.
وكانت إدارة ترامب أعفت منظمات الإغاثة والأمم المتحدة و”الصليب الأحمر” وتصدير السلع الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية من العقوبات المترتبة على تصنيف الجماعة، لكن مسؤولي الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة قالوا، إن الاقتطاعات غير كافية، ودعوا إلى إلغاء القرار، بحسب “رويترز”.
وتتعارض هذه الخطوة مع تقرير لمراقبي الأمم المتحدة، اتهم الحكومة اليمنية بغسيل الأموال والفساد، الأمر الذي يؤثر سلبًا على وصول المساعدات الغذائية الكافية إلى اليمن.
وجاء في التقرير الصادر في 26 من كانون الثاني الحالي، أن جماعة “الحوثي” جمعت ما لا يقل عن مليار وثمانية ملايين دولار من عائدات الدولة في عام 2019، لتمويل مخزونها الحربي، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز“.
عنب بلدي
————————-
رفع العقوبات عن الأسد.. لوبي بطابع مسيحي | الصالون السياسي
———————————
تحركات دولية منسقة حول إمكانية رفع عقوبات عن دمشق
ماكرون مع تخفيف العقوبات عن سوريا لتقليص أثرها على لبنان.
لوقت قريب لم يكن الحديث عن تخفيف أو رفع العقوبات عن دمشق مطروحا، بل كان التوجه نحو تعزيزها لإجبار نظام الرئيس بشار الأسد على تغيير سلوكه، بيد أن تحولا طرأ على المشهد حيث برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات على إمكانية إعادة النظر في تلك العقوبات لاسيما وأن الشعب السوري كان المتأثر من وطأتها.
دمشق – يبرز حراك دولي في الفترة الأخيرة، يدفع باتجاه تبني خيار رفع العقوبات أو تخفيفها عن النظام السوري، كان انطلق من أروقة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وامتد إلى نقاشات بين الزعماء الغربيين ولاسيما بين فرنسا والولايات المتحدة حول صوابية هذه الخطوة وتأثيراتها.
وتعاني سوريا منذ عام 2012 من عقوبات اقتصادية فرضتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإجبار نظام الرئيس بشار الأسد على تغيير طريقة تعاطيه مع الأزمة والقبول بانتقال ديمقراطي حقيقي في سوريا.
أيمن عبدالنور: رفع العقوبات أو تجميدها لفترة سيتطلب تنفيذهما عدة أشهر أيمن عبدالنور: رفع العقوبات أو تجميدها لفترة سيتطلب تنفيذهما عدة أشهر
وعزز قانون قيصر الأميركي الذي جرى تفعيله في يونيو الماضي العقوبات التي طالت الدائرة المحيطة بالأسد، ورجال أعمال سوريين والبنك المركزي، بغرض زيادة الضغط على دمشق، التي لم تظهر أي نية للتنازل، فيما زادت معاناة الشعب السوري الذي يوجد أكثر من 80 في المئة منه تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة.
ويقول المعارض السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبدالنور لـ”العرب” إن “هناك تغيرا في المقاربة الدولية حيال العقوبات في سوريا، انعكس في عدة مواقف وخطوات لا تبدو أنها عفوية بل جرى تخطيط مركزي لها”.
وبدأت هذه التحركات أولا حينما دعت خبيرة حقوق الإنسان المستقلة في الأمم المتحدة، ألينا دوهان، إلى رفع العقوبات المفروضة على دمشق، لأنها “قد تعرقل جهود إعادة بناء البنية التحتية المدنية التي دمرتها الحرب”.
وقالت الخبيرة التي تنحدر من بيلاروسيا في كلمة لها في 29 ديسمبر الماضي “عندما أُعلن عن العقوبات الأولى بموجب قانون قيصر، أكدت الولايات المتحدة أنها لا تنوي إلحاق الأذى بالسوريين”، مضيفة “ومع ذلك، قد يؤدي تطبيق القانون إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، ما يحرم الشعب السوري من فرصة إعادة الإعمار”.
وأثارت تصريحات المسؤولة الأممية حينها ضجة في سوريا وخارجها، في ظل اعتقاد للوهلة الأولى بأن ذلك تحرك عفوي من قبلها قبل أن تظهر مؤشرات أخرى تشكك في الأمر. ويقول عبدالنور في هذا السياق “إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حث مؤخرا رجال الدين المسيحيين على توجيه رسالة له وأيضا لنظيره الأميركي جو بايدن للمطالبة برفع العقوبات”.
وأضاف المعارض السوري “وهو ما تحقق حينما اتصل كبار رجال الدين في سوريا ولبنان بالمنظمات المسيحية من دول العالم وخاصة من فرنسا وسويسرا وبريطانيا التي وقعت على مطلب رفع العقوبات”.
وكان البطريرك أفرام الثاني وعدد من رؤساء الكنائس والفعاليات السياسية في العالم توجهوا فعلا قبل أيام ببيان إلى بايدن بمناسبة توليه الرئاسة طالبوا فيه بـ”الإلغاء الفوريّ للإجراءات العقابية المفروضة على سوريا”، وأوضحوا في رسالتهم أن هذا الأمر “أصبح ملحا في ظل تفشي جائحة كورونا وتزامنها مع الأوضاع الصعبة والتداعيات التي خلفتها هذه الإجراءات غير الشرعية ولاسيما على قطاع الصحة ونظام الرعاية الصحية”.
وأعاد البيان التذكير بما توصلت إليه المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة إلينا دوهان من أن الإجراءات بحق سوريا كانت السبب في الظروف القاسية التي يعيشها المدنيون في ظل تفشي جائحة كورونا عن طريق حرمانهم من الحصول على المساعدات الصحية والإنسانية.
وأوضح أن هذه الاستنتاجات تعكس إجماعاً متزايداً لدى الهيئات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان على أن هذا الشكل من الإجراءات “العقابية” يفاقم معاناة الشعب السوري بشكل غير مسبوق.
ولفت عبدالنور إلى أن دوافع ماكرون لتبني نهج تخفيف وطأة العقوبات على دمشق عديدة، من بينها إدراكه أنه لا يمكن إعادة بناء مرفأ بيروت وتشغيله في ظل قانون قيصر الذي فرض عقوبات على العديد من الشركات السورية ذات الصلة الوثيقة بلبنان، كما أن الرئيس الفرنسي يرى أن قيصر يعيق مشاركة الشركات الفرنسية في إعادة إعمار سوريا.
ومعلوم أن الاقتصادين السوري واللبناني مرتبطان بشكل عضوي، وكل طرف يؤثر بشكل كبير على الآخر، ويسعى ماكرون جاهدا -منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، والذي فاقم أزمة لبنان المالية- إلى إنعاش هذا البلد وإعادته إلى سكة الاستقرار.
وضع على المحك وضع على المحك
وكان الرئيس الفرنسي أجرى الأحد اتصالا هاتفيا مع نظيره الأميركي تطرق خلاله إلى الوضع في المنطقة، ولاسيما في لبنان، وأكد الإليزيه عقب الاتصال أن هناك توافقا في الرؤى بين الرئيسين.
وليس من المستبعد أن يكون هناك تنسيق فرنسي أميركي مشترك حيال مسألة العقوبات على سوريا. وقال المعارض السوري إن الولايات المتحدة بدورها بدأت تعيد مراجعة خيار العقوبات، وهو ما يظهر بشكل جلي في طلب الرئيس الأميركي من وزارات الخارجية والدفاع والخزانة بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية تقديم دراسة عن تأثير العقوبات الاقتصادية على الدول وتداعيات ذلك على معركة تلك الدول مع كوفيد – 19.
وأشار عبدالنور إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وجه في الـ11 من الشهر الجاري بتشكيل لجنة من ثلاثة أشخاص، برئاسة بيل اينغدون رئيس المجلس النرويجي للاجئين الذي له مكتب في دمشق ويحظى بعلاقة وطيدة مع النظام السوري، لإعادة دراسة كيفية توزيع المساعدات الإنسانية داخل سوريا على أن يتم إنجاز التقرير خلال ثلاثة أشهر.
ويرى مراقبون أن بحث رفع العقوبات أو تجميدها الغرض منه على ما يبدو رفع الحرج عن الدول الغربية لاسيما وأن هذه العقوبات كان المتأذي منها الشعب السوري، فيما لا يبدو أن النظام مهتم كثيرا بذلك، وليس في وارد تغيير سلوكه.
وبموجب العقوبات المفروضة على سوريا، لا يستطيع النظام الذي يسيطر على أكثر من نصف مساحة البلاد توريد الحاجيات الأساسية من وقود وطحين وأصبح من المألوف رؤية طوابير طويلة من المواطنين أمام المخابز ومحطات البنزين.
وأوضح عبدالنور في تصريحاته لـ”العرب” أن “قرار رفع العقوبات أو تجميدها لفترة سيتطلب تنفيذه عدة أشهر”، لافتا إلى وجود تحرك للجالية السورية في الولايات المتحدة للضغط باتجاه أن يكون هذا التوجه مشروطا بجملة من المطالب لعل من بينها “إبقاء العقوبات على الفاسدين والمجرمين والذين تلطخت أيديهم بالدماء من النظام السوري”، وأن تبقى العقوبات على الأسلحة وأن يتم توزيع المساعدات عبر الأمم المتحدة حتى لا تسرق أو تباع من قبل “الشبيحة”.
العرب
————————-
نظام الأسد يمهد لـ “الكارثة” ويشير إلى مجاعة في الأفق
أكد رئيس نقابة عمال المصارف في دمشق “أحمد حامد” أن المجاعة باتت تلوح في الأفق داخل مناطق سيطرة نظام الأسد، كما تطرق إلى الخسائر الكبيرة في الاقتصاد السوري خلال العشر سنوات الأخيرة.
وذكر “حامد” خلال المؤتمر السنوي للنقابة أن الاقتصاد السوري خسر أكثر من 530 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010.
وأشار إلى أن المجاعة باتت تلوح في الأفق بسبب الظروف القاسية التي تحيط بسوريا، وتدني معدلات التنمية، الأمر الذي أدى إلى وصول 80% من الشعب السوري إلى خط الفقر.
وشدد على أن حكومة النظام أخلّت بمسؤولياتها وواجباتها في النهوض بالقطاع العام وإصدار القرارات لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، مضيفاً أن ما سبق أدى إلى توقف نشاط المستثمرين في سوريا، وإغلاق منشآتهم والهجرة خارج البلاد.
ولفت “حامد” إلى أن نسبة الدمار في البنية التحتية في سوريا تجاوزت 40%، متهماً ما أسماه “الإرهاب” في ذلك، متناسياً جرائم روسيا وإيران وميليشاتهما، وجيش النظام، الذين عملوا جميعاً على تدمير الحياة في سوريا، وقصف المراكز الحيوية والتعليمية والطبية بكافة الأسلحة بما فيها الطيران.
وأضاف أن حكومة الأسد باتت تتخلى بشكل تدريجي عن الدعم الذي كان يقدم للمواطنين، فضلاً عن عدم استقرار سعر الصرف وارتفاع الأسعار، وزيارة الضرائب والرسوم.
وتعيش مناطق سيطرة نظام الأسد حالة من الغضب والاستياء من تردي الأوضاع المعيشية، وتجاهل النظام للأزمات التي تعصف بالمدنيين، في وقت يركز كافة جهوده على قمع السوريين الثائرين، وتكريس اقتصاد البلاد في شراء السلاح لتدمير ما تبقى من البلاد.
——————————-
دمشق تستهل حملة الانتخابات الرئاسية بتفعيل «الجرائم الإلكترونية»
توقيف 8 من رواد المواقع الموالين بينهم إعلامي
بالتزامن مع حملة أنشطة عامة يقوم بها حزب «البعث» الحاكم في سوريا، ترويجاً للانتخابات الرئاسية المقبلة، بين النقابات العمالية والمهنية المتوقع إجراؤها، الصيف المقبل، أطلقت وزارة الداخلية، تحذيرات لرواد مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا، من مغبة التعامل مع مواقع إلكترونية مشبوهة. وبعد ساعات من التحذير، أعلنت صباح الأحد، توقيفها 8 أشخاص، بتهمة «التواصل والتعامل مع مواقع إلكترونية مشبوهة»، استناداً إلى قانون الجريمة المعلوماتية.
وأفادت مصادر إعلامية، بأن بين الموقوفين، موظفين حكوميين معروفين بولائهم للنظام، منهم إعلامية في التلفزيون الرسمي، وموظفة رفيعة في هيئة الرقابة والتفتيش، ومدني ينشر قضايا عامة في صفحة «مواطنون مع وقف التنفيذ»، وطالبة جامعية.
وبدأ حزب البعث في سوريا حملة الدعاية للانتخابات الرئاسية المقبلة، المتوقعة في يوليو (تموز) المقبل. وفي اجتماع مع عمال القطاع العام شهدته الأسبوع الماضي محافظة السويداء، قال أمين فرع الحزب في السويداء، فوزات شقير، إنّ «الشعب السوري لديه استحقاق كبير خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، ونجاح الاستحقاق رد لجميل القائد الذي لم يترك شعبه في أحلك الظروف».
وفيما اعتبر هدية ترضية للمسرّحين من الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياط، وبعد سنوات من الانتظار وشظف العيش، أعلنت الحكومة، أمس، نجاح أكثر من 10 آلاف عسكري مسرّح في أكبر مسابقة مركزية للتعاقد مع المسرّحين من الخدمة الإلزامية والاحتياطية، لدخول وظائف في مختلف الاختصاصات المهنية والعلمية من حملة الشهادات الجامعية والمعاهد والبكالوريا. وقالت الحكومة، إن هذه الخطوة «تأتي ضمن توجيهات الرئيس الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة، لدعم وتمكين المسرّحين وتأمين وظائف لهم بعد تسريحهم».
ومع تفاقم الأزمات المعيشية تصاعدت انتقادات السوريين للحكومة، في احتقان شعبي بات يعبر عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، ما استدعى إعادة التذكير بقانون الجرائم المعلوماتية التي تعتبر من الجرائم المستحدثة في القضاء السوري، إذ كان يتم اعتقال النشطاء، سابقاً، وفق قانون الإرهاب، بتهم «المس بهيبة الدولة» أو «التسبب بوهن عزيمة الأمة»، أمام محكمة قضايا الإرهاب. لكن في عام 2019، أي بعد نحو عام من استعادة النظام السيطرة على العاصمة ومحيطها ومعظم الأراضي السورية، صدر قانون «مكافحة الجرائم الإلكترونيّة»، للحد من دور الصفحات الإخبارية الموالية التي دعم وشجع ظهورها بعد عام 2011، لبث دعايته الحربية، سيما وأن بين تلك الصفحات من حقق تفاعلاً واسعاً في أوساط الموالين، من خلال نقد الأداء الحكومي وكشف قضايا الفساد، مثل صفحة «دمشق الآن»، التي تم توقيف المسؤول عنها، وتحجيم حضورها. كما تم توقيف عدد من أبرز الصحافيين الموالين للنظام، وفق قانون الجرائم إلكترونية، الذي ينص على عقوبة السجن عدّة أشهر، لكل من «يحاول نشر الشائعات والأنباء غير الصحيحة».
وزارة الداخلية في بيانها، يوم الأحد، لم تكشف عن الأسماء الصريحة للموقوفين، واكتفت بالإشارة إلى الأحرف الأولى من الأسماء، وذلك في إطار جهودها «بمتابعة ومكافحة نشر ونقل الأنباء الكاذبة والإشاعات المغرضة، التي يتم تداولها على بعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب». وأشار بيان الداخلية، إلى أن الموقوفين «اعترفوا بإقدامهم على التواصل مع تلك الصفحات وتزويدها بمعلومات ملفقة».
وكانت الوزارة قد حذرت روّاد المواقع، من التواصل مع ما سمتها «الصفحات المشبوهة»، دون أن تسمي تلك الصفحات والمواقع، وتوعدت في بيان، مساء السبت، بالسجن، «في حال التواصل مع صفحات مشبوهة لها ارتباطات خارجية، أو التفاعل معها، أو تزويدها بمعلومات أو بيانات، أو نشر وتداول أخبار كاذبة.
وبثت الوزارة في بيان سبقه، تقريراً مصوراً على حسابها في «فيسبوك»، بين فيه «المسؤولية القانونية المترتّبة على كل من يقوم بتسريب أو نشر شائعات كاذبة، أو التواصل مع صفحات مشبوهة وتزويدها بمعلومات أو بيانات، وفقاً لأحكام قانوني العقوبات ومكافحة الجرائم المعلوماتية». وتجيز المادة 285 من قانون العقوبات «الاعتقال المؤقت لكل من قام في سوريا، في زمن الحرب، أو عند توقع نشوبها، بدعاوى ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية». كما تجيز المادة 287 من قانون العقوبات، الحبس ستة أشهر على الأقل، وغرامة تتراوح بين ألفين وعشرة آلاف ليرة، لكل سوري «يذيع في الخارج وهو على بينة من الأمر، أنباء كاذبة أو مبالغاً فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها المالية».
ويعيش السوريون فترة تعتبر الأصعب منذ اندلاع الحرب قبل عشر سنوات، في ظل عجز الحكومة في دمشق عن تأمين أبسط الاحتياجات الأساسية، وارتفاع معدلات جرائم القتل والسرقة، مع وصول معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.
————————–
“كعب أخيل” واستطالة المأساة السورية/ يحيى العريضي
يحتاج الغوص في غياهب وتعقيدات القضية السورية، وما حملته من مواجع للشعب السوري، وانكشاف هشاشة القوانين الدولية الناظمة والضامنة لحقوق الإنسان على كوكبنا إلى مراكز بحوث متخصصة بمختلف ميادين المعرفة السياسية والعسكرية والاجتماعية والنفسية، للوقوف على عشرات وربما مئات الأسباب الذاتية والموضوعية، التي أدت إلى استطالة تلك القضية، وتأخُر وصولها إلى نهاياتها مظفرة كانت أم غير ذلك.
لم يعد كافياً أن نقول إن التدخل الإيراني- الروسي، ودعمه للنظام المجرم قد ساهم باستطالة القضية السورية ومواجعها ومآسيها؛ وهو وراء تأخر انتصار ثورة سوريا. ولا سياسة “التحكم عن بعد” الأميركية، وتهديداتها الخلبية جعلت الأسد يتفرعن دون قلق حقيقي. ولا بحث إسرائيل عن البديل المناسب لها، وحماية تلك المنظومة المزايدة زادت في صلفها. ولا تقصير الشعوب العربية وخديعتها بالنظام أو بؤسها على يد حكامها، جعلت النظام يتغوّل أكثر بدماء السوريين.
كل تلك الأسباب مجتمعة فاقمت المأساة وأمدّت بعمرها الكارثي؛ إلا أنها جميعاً تدور حول قطب رحىً واحد. حتى حصر أسباب الاستطالة الموجعة لهذه القضية، وتأخر انتصارها أو انكسارها الصريح بأسباب وعوامل ذاتية وأخرى موضوعية، حسب المقاربات أو المنهجيات البحثية التقليدية، لا يوصل إلى سر هذه الاستطالة. هناك “كعب أخيل”؛ هناك نقطة ارتكاز لهذا البناء التراجيدي؛ ولا بد من الوصول إلى هذه الخلاصة؛ ليكون الخلاص.
وقبل الدخول في تفصيلات “كعب أخيل”، وقبل المسارعة إلى الانضمام لموجة الهجوم الجارفة على ما يُسمى المعارضة أو أولئك الموجودين رسميًا في مؤسساتها؛ أقول، نعم، لم ترتقِ المعارضة/ مؤسسات وأفراد/ إلى قضية بهذا النبل والمأساوية، وهو سبب جوهري في استطالة الأزمة. انتفاضة سوريا تستحق أفضل من أولئك الذين تصدوا لتمثيلها؛ ولكن ذلك يبقى عاملاً ثانوياً جداً في استطالة المأساة؛ وهكذا هجوم عليها لا يسرّع نصراً، ولا يهزم استبداداً، ولا يوقظ مجتمعاً دولياً مُخدَّراً، ولا ينقذ سوريا من مأساتها.
كل شيء في سوريا الأسد يتمركز ويخص ويدور ويتمحور ويرتبط برأس المنظومة. ليس هناك مؤسسة صاحبة قرار ليتم شيء في سوريا عبرها؛ وما من مجموعة أو فئة أو حكومة أو وزارة أو شخص آخر يستطيع أن يسمح أو يوافق أو يقرر أي أمر عسكري أو سياسي أو إداري أو تشريعي أو قضائي أو اقتصادي أو حتى اجتماعي إلا “هو”. إنه- كما كان أبوه من قبله- الحاكم الآمر الناهي الواهب الحارم السامح المانع الرابط الفاكك الرازق المفقر الواصل القاطع الذاكر الكاتم الفاضح الساتر. وهو “المرشّح للرئاسة، حتى ولو كان “مشرشحاً”. هو سوريا الأسد؛ وكل أمر يتعلق بذلك يدور في هذا الفلك وحوله وفيه ومنه.
عبره دخلت ميليشيات إيران وروسيا إلى سوريا؛ ومن خلاله تحقق مصالحها؛ ولا تبقى أو تخرج إلا بالتنسيق معه؛ فهي حمايته وهو ضمانها. أميركا تتحدث عن تغيير سلوكه، لا تغييره. (لا أدري مدى دقة الكلام، إلا أن هناك من يقول بأنه لم يغب يوماً عن عين أميركا). حتى القرارات الدولية الخاصة بسوريا، والتي تتحدث عن انتقال سياسي، لا تتحدث عن إزاحته؛ وكأن من صمم تلك القرارات يعرف أنه لا “انتقال سياسياً” دون إزاحته؛ ومن هناك يأتي استعصاء “الحل السياسي” وعبثية التفاوض. لجولات وجولات دُعي السوريون للتفاوض، وكان خارج المعادلات. حتى وفده إلى الدستورية، لم تُطلق عليه صفة أكثر من “الوفد المنسجمة رؤيته مع رؤية الحكومة السورية”؛ أي “هو”.
وبالعودة للقرارات الدولية، نلحظ أن لا ذكر لمصير بشار الأسد في قرارات صُمَمَت لتكون بلا أنياب. لم يعد كافياً أن نقول إن التدخل الروسي والإيراني بطبيعتهما الدكتاتورية التوسعية وتشابههما وانسجامهما مع المنظومة الحاكمة في سوريا كانا فقط وراء استطالة الأزمة السورية. يوجد شخص وكل شيء يدور حوله؛ إنه نقطة الارتكاز التي إذا ذهب ذهبت. حتى عندما تقدم بعض الدول وبعض المؤسسات أنفسها كجهات حريصة على إيجاد حل للقضية السورية- وعند ذكر الخلاص من رأس النظام لأنه يشكل قطب رحى المأساة- فتسمع على الفور روايات خراب العراق، عندما أُزيح صدام، واستمرار علل اليمن وليبيا. وأن المشكلة بمن حول الرئيس وليست فيه؛ وبغياب البديل.
بغض النظر عن الدور الوظيفي الذي تقوم به منظومة الاستبداد في المنطقة، ورغم أن رأس هذه المنظومة يعاني من فقدان سيادته على أرض سوريا، ورغم أنه موضع استخفاف من قبل داعميه وأعدائه على السواء؛ ورغم ما اقترفت يداه بحق مواطنيه العزل حيث فعل اللامُتَوَقَّع تدرجاً من الرصاص للقنابل للمدافع والدبابات والصواريخ والبراميل والطائرات وصولاً للكيماوي السلاح المحرم، فإن منظومة الاستبداد مازالت تتمتع بالحصانة الدولية حتى تاريخه. فهل موقع سوريا الجغرافي في المكان الخطأ وفي هذا المفصل التاريخي الخاطئ هو الذي جرَّ على أهلها أسوأ الحكام الذين فعلوا بأبناء جلدتهم مالم يفعله أشد أعدائها؟!
ولعل أبشع مظاهر الظلم بحق الشعب السوري أن يُقال له من قبل الدول المنخرطة في المقتلة السورية أن حل المشكلة السورية لم يتحقق لأنه لا يوجد بديل لبشار! عجباً؛ هل نضبت أرحام السوريات الطيبات اللاتي أنجبن فيليبوس العربي وزنوبيا ويوسف العظمة! من المحال إعادة هذا الشعب الذي تحرر من أصفاد الخوف الدفين وانتفض بوجه أعتى منظومة استبداد، إلى قمقمه ثانية. إن الشعب السوري الذي امتهن الصبر، والذي عانى كل أنواع الظلم من منظومة استبداد سوف يُعمل العقل والإرادة والإنصاف والوحدة كي يُسرّع الخلاص من كعب أخيل هذه المنظومة. وفِي النهاية، كل مَن يعلق مصالحه على شماعة “أخيل” سيخسرها ويخسره في آن معاً؛ هذه صيرورة التاريخ وقانونه الطبيعي لا التلفيقي أو المفبرَك.
تلفزيون سوريا
———————-
ماذا يقوم الأسد بتقليص الجاهزية العسكرية في جميع أنحاء سوريا/ خالد الخطيب
أثار قرار النظام السوري بتقليص جاهزية جيشه وقواته المسلحة مجموعة من التساؤلات المتعلقة بالدوافع والتوقيت وراء القرار المتعلق بالظروف العسكرية والاقتصادية في سوريا ، وأثار التساؤل حول ما إذا كان النظام يسعى لإيصال رسائل محددة إلى الأطراف المؤثرة في الشأن السوري.
في 10 كانون الثاني (يناير) ، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد تعميماً يأمر بتراجع تعبئة الجيش إلى المستوى النظامي ، مما يعني أن المستوى الذي تم الحفاظ عليه قبل تسع سنوات قبل بدء الصراع.
وبحسب موقع عنب بلدي المعارض ، نص القرار على “تقليص الجاهزية القتالية للدوائر العسكرية السورية بنسبة 66٪ إلى 33٪ للدوائر الإدارية ، ومن 80٪ إلى 50٪ للوحدات العسكرية التابعة لها ، ومن 100٪ إلى 80. ٪ للقوات البرية والبحرية. ولكن في المستشفيات ، تم الحفاظ على الجاهزية عند 80٪ “.
قال محمد أديب ، باحث في العلوم السياسية يعيش في ريف حلب ، لـ “المونيتور”: “للمحافظة على نفس مستوى الاستعداد القتالي ، يحتاج النظام إلى استمرار تدفق الدعم والتمويل. يحظى النظام بدعم إيران منذ انضمامه إلى حليفه ، نظام الأسد ، في الحرب ضد الثورة السورية. لكن يبدو أن التمويل الإيراني لجيش النظام قد توقف بسبب الظروف الاقتصادية والعقوبات الدولية المفروضة على النظام الإيراني.
وقال أديب إن النظام من خلال قراره خفض الجاهزية القتالية لقواته “يسعى لتهدئة غضب أنصاره السوريين الذين بدأوا يتوقون لتجنيد أبنائهم في الجيش ، ويبدو أن القرار اتخذ بالسماح للجنود والعسكريين. ضباط لزيارة عائلاتهم “
أحمد حسن عبد القادر ، الناشط السياسي المقيم في ريف حلب ، قال لـ “المونيتور”: “قرار تقليص جاهزية جيش النظام جاء [على ما يبدو] بأمر روسي ، إذ تريد روسيا إيصال رسالة إلى دول مؤثرة في الشأن السوري أن الحرب انتهت. كما يستعد النظام للمرحلة المقبلة ، ويأتي القرار في إطار المساعي الروسية لترسيخ حكم الأسد والحفاظ على نظامه “.
وقال هشام اسكيف ، نائب رئيس المكتب السياسي لكتائب السلام المعارضة ، لـ “المونيتور”: “إن السبب المباشر وراء قرار النظام السوري بتقليص جاهزية قواته هو عدم قدرته على تحمل التكاليف الباهظة التي يتحملها الجيش السوري الدائم”. تستدعي حالة الاستنفار بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا. وبالتالي ، قد نشهد تراجعًا في المخصصات المالية للجيش ، مما يعني انخفاضًا في الغذاء والوقود والنفقات اليومية الأخرى “.
اللواء تابع للجيش السوري الحر. وقال اسكيف: “القرار لن يكون له تأثير ملحوظ على جبهات إدلب في شمال غرب سوريا على سبيل المثال لأنه لا ينطبق على الميليشيات المدعومة من روسيا ولا الميليشيات المدعومة من إيران ، ولم نرصد حتى الآن أي شيء مهم”. تغييرات في الوضع العسكري لقوات النظام في إدلب ومحيطها “.
وقال عبد السلام عبد الرزاق ، الباحث في الشؤون العسكرية المقيم في إدلب ، لـ “المونيتور”: “قرار تقليص جاهزية جيش النظام قرار شكلي وسيبقى غير فعال. والهدف منه هو فقط إيصال رسائل إلى قوات التحالف ، وفي مقدمتها إيران ، لاستئناف دعمها المالي والعسكري لجيش النظام في قتاله.تنظيم الدولة الإسلامية في البادية السورية ، وهو طريق بري حيوي للقوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها للوصول إلى مناطق نفوذها. ولم يكن توقيت القرار مصادفة وانما تزامن مع المعارك التي تدور في الصحراء. يبدو الأمر كما لو أن الأسد يريد أن يقول للإيرانيين ، ‘إذا كنت تريدنا أن نشارك بجدية في محاربة داعش في الصحراء ، فعليك أن تستمر في دعمنا’ ‘.
وقال عبد الرزاق: لن تتأثر جاهزية جيش النظام بالتهدئة ، إذ يمكنه تعبئة قواته في وقت قياسي في حال دعت الحاجة إلى إشراك القوات في معركة ضد الجيش السوري الحر أو قوات سوريا الديمقراطية. [قسد]. “
يونس الكريم ، الباحث الاقتصادي والمحلل المقيم في فرنسا ، قال لـ “المونيتور”: “يبدو أن القرار الذي اتخذه الأسد بتقليص جاهزية جيشه حتمي في ظل العجز الكبير في موازنة الجيش ، إذ إن جنود الأسد ليس لديهم ما يكفي من الطعام في ثكناتهم العسكرية ، وحالة الاستياء في صفوف الجيش تتزايد يوما بعد يوم. نظام الأسد يحاول من خلال هذا القرار امتصاص غضب جنوده “.
وقال كريم: “القرار ينقل عدة رسائل إلى العديد من الأطراف. إنه ينقل رسالة إلى تركيا مفادها أن النظام لن يشن معركة ضد الجيش السوري الحر – حليف تركيا في إدلب. كما تنقل رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أنها [سوريا] لن تشن معركة ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا ورسالة إلى إسرائيل مفادها أن نظام الأسد لا ينزعج من الغارات الجوية الموجهة ضد القوات الإيرانية في سوريا.
وأضاف كريم: “من خلال رسائله إلى الدول الثلاث المؤثرة في الشأن السوري ، يحاول النظام إقناعها بالتعاطف معه للتخفيف من آثار قانون قيصر ، ويستعد للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها منتصف عام 2021.
النظام السوري لا يتخذ قراراته قط بشكل عشوائي. بل يخطط لهم بالأحرى ويحاول تحقيق أكبر مكاسب ممكنة منهم على المستويين الداخلي والخارجي.
محمود طلحة ، صحفي يعمل مع وكالة ثقة المعارضةقال للمونيتور: “يبدو أن قرار تراجع الجاهزية العسكرية سيؤدي على ما يبدو إلى تهدئة جبهات القتال وتعزيز حالة التهدئة في شمال غرب وشمال شرق سوريا ، أي مع الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية. سيُطلب من السوريين الذين يعيشون في مناطق خارج سيطرة النظام دعوة القوات المحلية المسيطرة إلى تحسين ظروفهم المعيشية والأمنية لأن جيش النظام لم يعد يشكل تهديدًا على جبهات القتال ، وحان الوقت لذلك. المطالبة بالأساسيات التي يحتاجها الناس. وهذا يترك الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية في مأزق حيث لا توجد لديهما مؤسسات منظمة قادرة على القيام بالواجبات المطلوبة تجاه ملايين السوريين الذين يعيشون في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم ، وهذا من شأنه أن يخدم نظام الأسد في الفترة التي تسبق الحرب. الانتخابات الرئاسية المقبلة “.
المونيتور
—————————–
هل تنجح محاولات إعادة تأهيل الأسد؟
————————
==================
تحديث 02 شباط 2021
————————–
هل ينام السوريون أربع سنوات؟/ مر قدور
كأنما هناك جبهة من الساسة والخبراء الأمريكيين تتطوع “على الأقل” بإسداء النصائح لبايدن في الشأن السوري، العنوان العريض هو فشل إدارتي أوباما وترامب في إدارته، وهذا يلاقي آراء كثر من المتابعين في العالم، لكنه يُفترض أن يلاقي أولاً توجهات سيد البيت الأبيض. أصحاب البضاعة الجديدة، من أمثال روبرت فورد وهراير باليان وجيفري فيلتمان، لا يقدّمون ضمانة لنجاح طروحاتهم، هم ينطلقون من حوالى عقد ضائع في سياسة أمريكية فاشلة، وبناء عليه لا خسارة في القول: لنجرّبْ ونرَ.
الشأن السوري كما نعلم غير موجود في أولويات إدارة بايدن، ولم تعين “وقد لا تعين في المدى المنظور” مبعوثاً خاصاً بسوريا، في دلالة على عدم إبداء اهتمام خاص وأيضاً على عدم وجود سياسة خاصة ناضجة. في المقابل، يظهر الملف الإيراني مستعجلاً مع تكثيف طهران خطواتها التي تقرّبها من امتلاك سلاح نووي، أما العلاقة مع موسكو فهي بطبيعة الحال ضمن مشاغل أية إدارة؛ سلباً أو إيجاباً أو الاثنين معاً.
ينطلق ناصحو بايدن في الشأن السوري من واقع عدم امتلاك واشنطن سلاحاً مؤثراً سوى العقوبات، وهي مستخدمة الآن بمثابة عصا، بينما يجب استخدامها على نحو إيجابي كجزرة. أي أن على الإدارة الأمريكية التوجه إلى بشار ومقايضته، وكل “تنازل” من قبله “كوقف إطلاق النار وإطلاق سراح معتقلين وبعض الإصلاحات السياسية” يُقابل بإزالة عقوبات. لا حديث عن محاسبة الأسد على جرائمه، إذ مرة أخرى باسم الواقعية السياسية لا تملك واشنطن أمر محاسبته بينما لا تملك نفوذاً عليه أسوة بموسكو وطهران.
كما نرى، تبني الواقعية السياسية المذكورة على الأخطاء السابقة لإدارتي أوباما وترامب، لسان حالها “ما حدث قد حدث” ولا تستطيع إدارة بايدن استدراك تلك الأخطاء. تالياً، أي نهج تجربه الإدارة الحالية، مع التشديد مع قبل الناصحين به “ومن قبلنا أيضاً” على أنه غير مضمون النتائج، بل من المستبعد تجاوب بشار معه، ستأتي إدارة مقبلة لتبني عليه أيضاً. إننا نتجاوز النظر إلى السوريين كفأر تجارب، لنصل إلى فهم غريب للواقعية السياسية بوصفها تراكماً لأخطاء التجريب الأمريكية، تحديداً في الجزء من السياسات الخارجية الذي لا يعتبر مؤثراً في الأمن القومي.
التنبؤ بفشل الطروحات الحالية لا يحتاج نباهة خاصة، ويُفترض بمن تولوا مناصب لصيقة بشؤون المنطقة مثل فورد وفيلتمان، أو مثل هراير باليان الذي يملك خبرة من عمله في برنامج تسوية النزاعات في مركز كارتر، أن يروا احتمالات الفشل قبل النجاح. لدينا أولاً نماذج عن عدم تأثير العقوبات الاقتصادية فيما خص تغيير سلوك الأنظمة، إيران وروسيا وكوريا الجنوبية وإلى وقت قريب كوبا والعراق، هذه كلها تدلل على سطحية التعويل على العقوبات كسلاح وحيد. بشار، الذي رفض تقديم أدنى تنازل عندما شارف على السقوط عسكرياً، لن يقدم التنازلات نفسها وقد نجا، إذا كان يملك حقاً اتخاذ قرار على هذا المستوى.
لن يكون بايدن استئنافاً لأوباما حتى إذا رغب في ذلك، ففي مفاوضات النووي لن تكون سوريا جائزة لطهران فوق الطاولة أو تحتها. لقد أعطاها أوباما الجائزة أثناء المفاوضات الأولى، وانتشرت الميليشيات الشيعية في عرض البلاد وطولها من دون نجاح نهائي، لتاتي موسكو بقواتها وتتقاسم معها النجاح في استعادة السيطرة على ثلثي البلاد. ليست واشنطن اليوم في موقع من يوزع حصص النفوذ بين موسكو وطهران في سوريا، وتراجعها عن مطلب ترامب بانسحاب إيران من سوريا لن يحدث فرقاً في الواقع.
الجائزة قد تُعطى لطهران في لبنان، بإنقاذه من الأزمات الحالية مع الاعتراف بهيمنة حزب الله وهيمنتها من خلفه، ومن خلالها يسترجع الأسد نافذته للالتفاف على العقوبات، ما يعزز عدم تجاوبه مع عروض أمريكية بتخفيف العقوبات عنه لقاء تنازلات غير أساسية. إلا أن التحايل على العقوبات لن يحل الأزمة الاقتصادية لبشار، لأنها أزمة بنيوية لاقتصاد منهار ومدمر، والأهم أنه محروم من جزء كبير من المصادر الطبيعية مثل النفط والمزروعات والمياه، إذا بقيت خريطة السيطرة الحالية التي يحظى فيها بثلثي الأراضي مقابل ثلث الثروات تقريباً.
لا يبدو مطروحاً للنقاش حتى الآن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وما يستتبعه من بقاء القوات التركية، وهنا ورقة الضغط التي تمسك بها واشنطن في انتظار تسوية نهائية للقضية السورية. الانسحاب لم يكن مطروحاً على أجندة الجمهوريين، باستثناء ترامب، وكتلة كبيرة من الديموقراطيين لا تؤيده، بل هناك كتلة منهم ترغب في تقديم دعم أقوى لقسد. حتى السماح لقسد بالتجارة مع الأسد قد يخفف من الخناق على مناطق سيطرته، بتوفير النفط والحبوب مثلاً، إلا أن العائد المالي سيكون لمصلحة قسد وتعزيز سيطرتها على المنطقة، ما يرسخ القسمة القائمة.
كان وزير خارجية بايدن قد أثار بعض الآمال بحديثه عن خطأ أوباما عندما لم يعاقب الأسد على استخدامه السلاح الكيماوي، لكن تلك الإشارة العابرة لا تنطوي حتماً على توجه الوزير شخصياً تجاه الشأن السوري بقدر ما يراه إساءة إلى بلاده كقوة عظمى تضع خطاً أحمر ثم تتجاهل الدوس عليه. مع إضافة نواب وموظفين كبار إلى جانب الوزير، مثل ويندي شيرمان وروبرت مالي وبريت ماكغورك، تتبدد شبهة الأمل بالوزير نفسه، خاصة إذا كان الرئيس أقرب إلى تصورات أولئك الموظفين.
وجود هذا الطاقم هو ما يشجع فورد وفيلتمان وغيرهما على طرح مقاربات غير جذرية أصلاً، ومع رؤية حظوظها الهزيلة من النجاح تكون جدواها في مكان آخر تماماً؛ هي في تنحية مبدأ المحاسبة نهائياً وتمهيد الطريق للتطبيع مع الجريمة الأسدية. أفضل تحقق لما يريده هؤلاء لا يعني سوى السير في عملية بطيئة جداً، عملية لا تكفي ولاية بايدن للانتهاء من صعوبتها ومماطلة الطرف الآخر فيها. ربما، على السوريين النوم لأربع سنوات مقبلة، قبل التساؤل عن جديد أمريكي.
المدن
————————–
خطة إعلامية لإعادة انتخاب الأسد/ محي الدين عمّورة
لم يظهر ذلك جلياً حتى الآن، إلا أنّ مختلف حلقات نظام الأسد تنشغل اليوم بالانتخابات الرئاسية المُزمَع إجراؤها في شهر حزيران (يونيو) القادم، والتي انطلق الإعداد لها منذ نهاية العام الماضي على كافة المستويات. ففي شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي خاطب المكتب الإعلامي التابع للقصر الجمهوري وسائلَ الإعلام الحكومية، طالباً منها الشروع بتنفيذ خطةٍ تستمر لمدة ستة أشهر من أجل التحضير للانتخابات الرئاسية.
وتنقسم الخطة، بحسب ما قاله للجمهورية أحد العاملين في صحيفةٍ حكومية، إلى ثلاث فترات: أهمها الفترة الأولى، والتي ينبغي أن تعمل فيها وسائل الإعلام على تسليط الضوء بشكلٍ أكبر على شخص بشار الأسد. وأضاف الصحفي: «منذ شهر كانون الأول الماضي بدأت اجتماعاتٌ مكثّفة على أعلى المستويات الإعلامية من أجل التحضير للانتخابات الرئاسية. للوهلة الأولى شعرنا بأن الوقت مازال مبكراً للحديث عن الانتخابات في وسائل الإعلام، ولكن عندما علمنا بالخطة الموضوعة عرفنا بأن الأمور أكبر وأعقد مما نتخيل، وأننا مطالبون، حسب ما نُقل إلينا من رؤسائنا المباشرين، ببدء الحملة الإعلامية منذ الشهر الأول، وسنعمل فيها على تحسين صورة الرئيس والمؤسسات الحكومية، وتحديداً في الجانب الخدمي، الذي ستتحدّث فيه وسائل الإعلام عن حرص الحكومة على حل مشاكل المواطنين، وهذا ما سترونه جلياً في الأيام القليلة القادمة على كل وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي».
ويضيف الصحفي: «الفترة الثانية ستبدأ عندما يعلن رئيس مجلس الشعب موعد الانتخابات وفتح باب الترشح، وربما نشهد مسرحية أخرى كتلك التي حدثت قبل سبعة أعوام عندما جاء النظام بمرشحين وهميين لمنافسته في الانتخابات، وتفوّق عليهم بنسبة نجاح كاسحة. الفترة الثالثة ستكون في وقت الانتخابات، من تغطية إعلامية للإقبال منقطع النظير على الاقتراع، وصولاً لإعلان النتائج وفوز المرشح بشار الأسد حسب الخطة الموضوعة».
الظهور الإعلامي المكثف
لا شك أن الظهور الإعلامي المكثف لبشار الأسد في الأشهر الأخيرة لم يكن عبثياً، فهو يأتي ضمن الخطة الموضوعة لتعزيز صورته والادعاء بأنه قريب من الناس في كل الأماكن. فقد حرص بشار الأسد مع زوجته وأولاده على الظهور في كل مناسبة لالتقاط الصور والحديث لوسائل الإعلام، وخاصةً عندما ظهر في أكثر من مناسبة وأكثر من منطقة من مناطق الساحل السوري، والتي اشتعلت فيها حرائق أواخر العام الفائت، جاءت على مساحات واسعة من الأراضي والأشجار المثمرة، ما أثار نقمة عارمة من أهالي وسكان تلك المناطق على بشار الأسد ونظام حكمه، بعد أن فقدوا أرزاقهم. ولأنّ الحرائق جاءت في وقتٍ حساس، وبسبب التخوف من ردود أفعال، لم يجد بشار الأسد بداً من زيارة تلك المناطق والتحدث مع السكان مع وعود بمساعدات مالية للتعويض عن الضرر الحاصل، وهي وعود لم يُنفَّذ أي منها جدياً حتى الآن.
ثم أعقب ذلك بظهورٍ مشابه في ذات المناطق مع زوجته في مطلع العام الحالي للمشاركة في زراعة أشجارٍ عوضاً عن تلك المحترقة. وتوالى الظهور الإعلامي بأكثر من مناسبة، من زيارته إلى التكية السليمانية بدمشق التي احتضنت معرض «منتجين 2020» لمنتجين قدموا من مدينة حلب التي تحظى بثقلٍ اقتصاديٍ كبير. وزارَ رأس النظام أيضاً مركز خدمة المواطن الإلكتروني بدمشق الذي بدأ حديثاً بتقديم خدماته، وهي زياراتٌ لم تكن ضمن الاستراتيجية الإعلامية لظهوره خلال السنوات الماضية.
أما الحضور الإعلامي الأبرز لبشار الأسد فكان في السابع من شهر كانون الأول من العام الماضي، عندما شارك في الاجتماع الدوري الموسع الذي عقدته وزارة الأوقاف في جامع العثمان بدمشق. هذا الظهور رسم إشارات استفهامٍ حوله، لا سيما أنّ الكلمة التي ألقاها طويلة جداً على اجتماعٍ كان من المفترض أن يحضره بشار الأسد كضيف. وقد شملت الكلمة مختلف مناحي الحياة الفكرية والعقائدية والأخلاقية والمجتمعية، ليصل في النهاية إلى للحديث عن مفهوم الليبرالية الحديثة «الهدّام للمجتمع والأخلاق». هذا اللقاء كان من ضمن بداية الاستراتيجية لتقديم صورة مرحلية جديدة لبشار الأسد قبل الانتخابات، ذلك إذا علمنا أنّ المكتب الإعلامي للقصر الجمهوري وجّه وزارة الإعلام وكل المؤسسات التابعة لها لتسليط الضوء على هذه الكلمة وتداولها في كل البرامج والأحاديث الإعلامية على نحوٍ غير مسبوق، حتى أن الراديوهات والقنوات المحلية ما زالت تعرض مقتطفاتٍ من هذه الكلمة بشكلٍ مستمر حتى الآن.
اجتماع مطوّل مع الصحفيين الحكوميين
دعا بشار الأسد، مطلع الأسبوع الماضي، مجموعةً كبيرة من الإعلاميين إلى القصر الجمهوري. الصيغة العامة كانت دعوةً للمناقشة حول ما طرحه في كلمته أمام علماء الدين في جامع العثمان، وخاصة فيما يتعلق بالليبرالية الحديثة، لكن في باطنها ليست إلا مناسبةً لتوجيه الصحفيين حول المواضيع التي سيجري طرحها خلال فترة التحضير للانتخابات. ووجهت الدعوة لعدد من المذيعين في القنوات التلفزيونية والاذاعية الحكومية والصحفيين من الصحف الرسمية ووكالة الأنباء سانا، واستمر اللقاء مدة 5 ساعات بحضور بشار الأسد ومستشارتيه لونا الشبل وبثينة شعبان ووزير الإعلام عماد سارة.
تدور أحاديث كثيرة عن هذا اللقاء غير المُعلَن في أوساط الإعلاميين في دمشق، وتقول التفاصيل التي حصلت عليها الجمهورية، والتي يتداولها أشخاص حضروا الاجتماع، إن اللقاء بدأ بحديث مطول لبشار الأسد، وكعادته تحدث فيه من الشرق والغرب عن الأوضاع في سوريا وعن الحرب الكونية والظروف المعيشية والوضع الاقتصادي والسياسي والمعيشي والحصار، وكل ما يردّده بالعادة في لقاءاته وخطاباته. ثم طلب من الحضور توجيه الأسئلة حيث قال لهم: «اسألوا ما تريدون دون خوف أو خجل، قولوا كل الكلام الذي تقولونه في ما بينكم أو ما يقوله الناس فيما بينهم». الأسئلة كانت في معظمها بلا فائدة أو قيمة، حتى أن لونا الشبل، عرّابة الإعلام حالياً وصِلة الوصل بين وسائل الإعلام وبشار الأسد، عبّرت عن استيائها بالقول: «معقول أنتم نخبة الإعلاميين في البلد وتسألون مثل هذه الأسئلة التافهة؟».
ورغم ذلك، فإن بعض هذه الأسئلة تطرّقَ لأوضاع الحياة المعيشية للمواطنين من فقدان البنزين والمازوت والخبز والكهرباء، واللافت أن بشار الأسد كان يجيب عن هذه الأسئلة دائماً بكلمة «بعرف». وفي هذا السياق، ينقل أحد الحاضرين لبشار الأسد سوء الوضع المعيشي ويقول له: «ناقل الكفر ليس بكافر»، أي أنه فقط ينقل ما يقوله الناس، فترد عليه لونا الشبل بأن «ناقل الكفر كافر»، فلا يجوز للإعلامي أن يتبنى رأي الشارع، ليدخل هذا الشخص في مشادة كلامية مع لونا الشبل أمام الحضور وأمام بشار الأسد، ويقول لها: «ما بسمحلك تقولي عني كافر، أنا أبي شيخ وجدي شيخ».
شخص آخر من الحاضرين سأل بشار الأسد عن الانتخابات القادمة وقال له: «هل سنرى في الانتخابات القادمة منافسين ضعفاء كما حدث في الانتخابات السابقة؟»، ليردّ عليه بشار الأسد بالقول: «مهما كان الشخص المنافس في الانتخابات القادمة فإنه لن يكون بسمعتي وشهرتي بين الناس، لأني أنا رئيس الجمهورية منذ عشرين سنة».
لا يخشى بشار الأسد منافسة أحد، هذا مفروغ منه طبعاً، لكنه يسعى إلى أن تكون التغطية الإعلامية المرافقة لإعادة انتخابه أشبه بحملة علاقات عامة، تُظهِرُ للجميع خارج البلد وداخله أنه يحكم قبضته على السلطة، وأن لا شيء بمقدوره تهديد استمرار حكمه، بما في ذلك طوابير السوريين لتأمين حاجاتهم الأساسية.
موقع الجمهورية
————————-
حين يطلب الأسد من إسرائيل التوسط للعودة إلى حضن الجامعة العربية
تنشر مؤخراً أنباء متفرقة عن اتصالات بين إسرائيل وسوريا غايتها إقامة علاقات بين الدولتين. نبأ واحد جذب الانتباه نشر قبل نحو شهر في موقع “إيلاف”، الصحيفة الرقمية الأولى بالعربية التي أسسها منفيان عربياً في 2001، أحدهما سعودي والآخر عراقي. وهذا الموقع معروف بمصداقيته وابتعاده عن الفضائح، بل وينشر مقالات لمراسلين إسرائيليين.
في 23 كانون الأول 2020 نشر الصحافي الإسرائيلي مجدي الحلبي مقابلة أجراها مع أحد ضباط هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي دون الكشف عن اسمه.
وفي إطار المقابلة، وصف الضابط الأعمال الإسرائيلية في سوريا، ثم سأل الحلبي عن رد فعل الرئيس السوري على هذه الأعمال، فأجاب الضابط: “لو كان الأسد يجلس مكانك لقال لي تعال نصل إلى حل.
جلب الأسد الإيرانيين كي يحلوا مشكلة “الدولة” والحرب الأهلية، ولكن بعد أن انتهى تنظيم “الدولة” أصبح الحل (إيران) مشكلة كبيرة للأسد. إيران، التي كانت كنزاً لسوريا، أصبحت عبئاً سواء على سوريا أم على روسيا. الملحق العسكري الروسي يجلس هنا كل أسبوع ويسمع مني كل هذه الأمور”.
سأل الحلبي: “هل ينقل الروس إليكم رسائل من السوريين؟” الجواب: “نعم، بالتأكيد، وليس عبرهم فحسب. رسائل سورية تصلنا بطرق أخرى وبشكل متواصل”. الحلبي: “ماذا يريد السوريون منكم”. الجواب: يريدون العودة إلى الجامعة العربية، ويريدون مساعدة اقتصادية، وقود مثلاً. يحتاجون إلى المال ليدفعوا للإيرانيين كي يخرجوا من سوريا، ويريدون أن يثبتوا نظامهم. الأسد يدرك الوضع، ويريد الاقتراب من المحور السني كي يدفع ديونه لإيران ويخرجها من سوريا. وهو يرى أن لإسرائيل قدرة على مساعدته مع الولايات المتحدة من جهة، ومع محور الخليج والمحور السني من جهة أخرى. كما أن الروس يرون فينا جسراً للولايات المتحدة والخليج والمحور السني. يخشى الأسد من سقوط حكمه ومن عدم عقد السلام معنا غداً. ومع ذلك، فإنه مستعد الآن أن يتحدث معنا كي يثبت حكمه، ويعود إلى الجامعة العربية، ويسدد الدين المالي لإيران، ويقيم وضع عدم حرب مع إسرائيل، وبعد ذلك المفاوضات على الجولان وأمور أخرى”.
الحلبي يسأل: “هل تعتقد أن هذا ممكن؟” الضابط يجيب: “بالتأكيد، أنا مستعد لاتفاق معه صباح الغد، ولكن للحقيقة، لم نتحدث عن ذلك مع رئيس الأركان والقيادة السياسية، كون هذا لا يزال في البداية، مع وسطاء يأتون بالصدفة، ولكن الأمر المهم هو وجود إمكانية لتفكيك المحور الراديكالي، المحور الإيراني”.
هذه أمور واضحة تماماً: الأسد لم يعد يرى أي معنى لاستمرار الوجود الإيراني في سوريا، والمهم بقدر لا يقل: الروس أيضاً لا يريدون رؤية طهران وتوابعها – الميليشيات الشيعية – في سوريا. المصلحة الروسية هي ترميم الحكم في سوريا من خلال إيجاد حل لجيب إدلب ولآلاف معارضي الأسد الإسلاميين المحاصرين والمتمترسين فيه، وإيجاد حل للمشكلة الكردية بشكل يخرج تركيا من سوريا ومن المواجهة معهم، وإيجاد حل للمشلكة الإيرانية كي تكف إسرائيل عن هجماتها العسكرية في سوريا.
المصلحة الروسية واضحة: كلما تقدم الموعد الذي تعود فيه سوريا لأن تكون دولة تؤدي مهامها، سيتقدم الموعد الذي تتمكن فيه موسكو من إخراج قواتها العسكرية التي يشكل استمرار وجودها عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الروسي. إضافة إلى ذلك، تريد روسيا تسريع إنتاج الغاز السوري من أرضية البحر المتوسط كي تتمكن دمشق من دفع ديونها لقاء المساعدة الروسية التي قدمت لنظام الأسد في السنوات الأخيرة.
في 14 كانون الثاني، نشرت صحيفة “الشراع” عن لقاء لوفد إسرائيلي من مندوبي الأسد في القاعدة الروسية “حميميم” قرب مدينة اللاذقية في شمال سوريا، وذلك بعد أن سبق أن عقد لقاء واحد على الأقل بين مندوبي سوريا وإسرائيل على أراضي قبرص. نشر هذا النبأ مرة أخرى (في 18 كانون الثاني) في صحيفة “الشرق الأوسط” الصادرة في لندن وتضمن أسماء المشاركين في اللقاء: رئيس جهاز الأمن الوطني السوري الجنرال علي مملوك، ومستشار الأسد لشؤون الأمن بسام حسن. ومن الجانب الإسرائيلي الفريق احتياط غادي آيزنكوت، وآري بن منشه، من قادة الموساد السابقين. وكان الجنرال الروسي ألكسندر تشيكوف هو المضيف. وحسب النبأ، فإن المواضيع التي طرحت في اللقاء كانت مشابهة للغاية مع الإحاطة التي قدمها الضابط في هيئة الأركان لمجدي الحلبي.
حتى لو لم تكن كل التفاصيل دقيقة أو كاملة، يخيل أن اتصالات مكثفة تدور من خلف الكواليس بين إسرائيل وسوريا. وستتضمن هذه الاتصالات – إذا كانت لا تزال لا تتضمن – الجولان أيضاً، وتحدث أحد الأنباء عن وجود إمكانية أن تنقل إسرائيل لسوريا السيطرة على القرى الدرزية في الجولان. إن المهمة الكبيرة التي تقف أمام الرئيس الأسد هي إعادة بناء الدولة، بُناها التحتية، صناعتها، مدنها وأحيائها السكنية التي دمرت تماماً أو جزئياً في أثناء الحرب الأهلية. وستستغرق إعادة البناء عشرات السنين، وستحتاج إلى مبالغ طائلة لا توجد بوفرة، خصوصاً بسبب التراجع الاقتصادي الذي يشهده العالم في أعقاب أزمة كورونا. تركيز المال الوحيد في العالم موجود في الصين والخليج. ليس واضحاً كم هي موسكو معنية بأن تتسلل الصين (العطشى للطاقة) اقتصادياً إلى سوريا، ومعقول الافتراض بأن هذا مريح أكثر للروس مع المال الذي يأتي من الخليج، إذ لا يترافق هذا المال وتطلعات الهيمنة السياسية. من هنا، يبدو هناك تأييد روسي للتقارب بين سوريا وإسرائيل، والتي تعتبر إحدى البوابات نحو الإمارات والبحرين. إذا كان هذا التقارب بين الأسد والإمارات سيبعده عن الإيرانيين، فإن الأمر بالتأكيد ينسجم مع المصلحة الروسية.
حتى الآن لم يُسمع رد فعل إسرائيلي مخول على الأنباء بشأن الاتصالات مع سوريـا. معقول الافتراض بأن التفاصيل – على ما يبدو بدون شارة الثمن – ستخرج إلى الإعلام الإسرائيلي مع اقتراب الانتخابات القادمة.
بقلم: د. مردخاي كيدار
نظرة من مركز بيغن السادات 2/2/2021
القدس العربي
—————————
حملة رفع العقوبات عن النظام السوري: مَن يقف خلفها؟/ عدنان عبد الرزاق
جاءت الرسائل التي بعثت بها شخصيات عربية وعالمية إلى فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا لرفع العقوبات الاقتصادية عن نظام بشار الأسد، كإشارة إلى زيادة التحركات في اتجاه المطالبة بإلغاء حزم قانون قيصر على وجه الخصوص، والتي تسببت، حسب زعم الموقعين على الرسائل، في أزمة إنسانية بسورية أثرت على المستوى المعيشي للمواطنين.
واستند الموقعون، وهم 95 شخصية عربية وعالمية، في رسائلهم إلى تقرير خبيرة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ألينا دوهان، الذي أكد أن العقوبات، وقانون قيصر أولاً، قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي في سورية، وتعرّض الشعب لعقاب جماعي وانتهاكات حقوق الإنسان.
وتصدت شخصيات سورية ومنظمات حقوقية وروحية لتلك الرسالة التي يخشى السوريون أن تجد آذاناً لدى الإدارات الغربية والأميركية، فيتم رفع العقوبات وبدء إعادة إنتاج نظام بشار الأسد لسبع سنين عجاف أخرى تضاف إلى عشرين عاماً سابقة من وراثة بشار الأسد كرسي أبيه واستمرار القصاص من السوريين، عبر تجويعهم وإفقارهم وتدمير معيشتهم.
ويقول الباحث السوري من واشنطن أيمن عبد النور: “ظننا وللوهلة الأولى، أن نظام بشار الأسد هو الذي استخدم هذه الشخصيات ليرفع العقوبات ويستمر بالتحكم بمقدرات البلاد”. ويضيف عبد النور، في حديث لـ”العربي الجديد”: “ولكن بعد اتصالي شخصياً ببعض الموقعين، علمت أن أمين عام قصر الإليزيه (المقر الرسمي لرئيس فرنسا)، هو الذي اتصل بهم، لينقل رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالتوقيع على هذه الرسالة (المناشدة الإنسانية) لاستخدامها كرافعة خلال لقائه مع الرئيس الأميركي جو بادين”.
ويبين الباحث السوري أنه بعد البحث بمضمون الرسالة “التي وصلتنا نسخة منها، توقفنا عند جملة لها بعد اقتصادي، وهي أن العقوبات الأوروبية والأميركية، وخاصة قانون قيصر، تقف بوجه دخول المساعدات وتنشيط التجارة والاستثمار الضروري من أجل النظام الصحي السوري والتطوير الاقتصادي كي يعمل بشكل جيد في سورية”.
وهنا تساءلنا: ما دخل رجال الدين بقضايا التجارة والاستثمار، ليرسلوا رسائل لزعماء العالم؟ وإذ كانت القصة لها علاقة بشركات كبرى فرنسية وبالرئيس ماكرون وسعيه لإعادة تأهيل مرفأ بيروت، وحصة الشركات الفرنسية بكعكة إعمار سورية بالمستقبل، ويريدون إلغاء “البلوك” الذي فرضه قانون قيصر، ليتسنى لهم الاستثمار بلبنان المرتبط بشكل وثيق برساميل ورجال أعمال سوريين. فوراء الرسالة، إذاً، تجارة واستثمار وليس أغراضا إنسانية كما يدعون.
وكانت شخصيات سياسية ورجال دين مسيحيون قد أرسلوا رسائل إلى واشنطن وحكومات أوروبية، في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، منهم الأكاديمي والباحث الفلسطيني مكرم خوري مخول، مؤسس “المركز الأوروبي لدراسة التطرف”، في العام 2016، وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، ورئيس كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك البطريرك جوزيف عبسي، وغيرهم.
وأشارت الرسائل التي كان فواز الأخرس، والد أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام السوري، ضمن الموقعين عليها، إلى تحذيرات المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي من أن ملايين السوريين يعانون من ضغوط شديدة ناجمة عن الضرر الكبير الذي تعرض له نظام الرعاية الصحية خلال سنوات الأزمة، مجددة التأكيد أن الإجراءات القسرية المفروضة من الولايات المتحدة تفاقم معاناة الشعب السوري.
وزادت مخاوف سوريين من استجابة إدارة جو بايدن للرسالة، خاصة بعد نشر صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي، أن كلًا من وزراء الخارجية والخزانة والتجارة الأميركيين سيتشاورون مع وزير الصحة والخدمات الإنسانية ومدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لمراجعة العقوبات على سورية.
الأمر الذي دفع الجالية السورية بواشنطن وشخصيات سورية فاعلة بالولايات المتحدة لتفنيد الرسالة التي يرونها مضللة، موضحين للإدارة الأميركية الجديدة أن قانون قيصر لم يشمل غذاء السوريين ودواءهم، كما أن الوضع المتردي للسوريين كان قبل إصدار قانون قيصر، الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وألحقه في 17 يونيو/ حزيران 2020، بأول حزمة عقوبات.
ويعاني السوريون فعلاً من تردي الواقع المعيشي، ما أوصل إلى واقع أن الدخول الشهرية لا تزيد عن 60 ألف ليرة، في حين أن تكاليف المعيشة زادت عن 700 ألف ليرة شهرياً، بحسب مراكز بحثية في دمشق. كما تجاوزت نسبة الفقراء أكثر من 90% وتجاوزت البطالة نسبة 83%.
لكن تلك الأوضاع، بحسب الاقتصادي السوري حسين جميل، سابقة للعقوبات الأميركية وقانون قيصر على وجه التحديد، فحينما تدهور سعر صرف الليرة وبدد نظام الأسد الاحتياطي النقدي الأجنبي بالمصرف المركزي، والبالغ عام 2011 نحو 18 مليار دولار، لم يكن قد طبق قانون قيصر، بل كان المصور قيصر موجودا بدمشق ويعمل مع نظام الأسد، وهو السبب الرئيسي لإصدار القانون بعد كشفه عن صور لفظائع الأسد داخل السجون.
ويضيف الاقتصادي السوري، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه لا يمكن إنكار أثر العقوبات الغربية على السوريين، لكن الأثر الأكبر كان على نظام بشار الأسد، والأهم وقف رشى الاتفاقات التي كان يغدقها النظام لشركائه بالحرب على السوريين، في طهران وموسكو، وتعطل عملية إعادة الإعمار التي كان سيتاجر بها النظام على حساب السوريين.
العربي الجديد
————————
“مئة يوم” بشار الأسد/ مالك داغستاني
في تقليدٍ مُتَّبع في العديد من دول العالم، يحرص رئيس الدولة أو رئيس الوزراء المنتخب على تنفيذ أكبر قدر ممكن من وعوده لناخبيه، أو الوعود التي وردت في بيان حكومته أمام البرلمان خلال فترة قياسية، عادة هي المئة يوم الأولى لتولي المنصب. لكن ماذا لو أردنا سحب هذا التقليد إلى سوريا؟ إن أول سؤال ينطوي على الكثير من العجب المرير سيكون: كم كانت “مئة يوم” بشار الأسد طويلة؟! ولماذا لم تنتهِ بعد؟ اليوم، وبعد واحد وعشرين عاماً على وراثته كرسي رئاسة سوريا، إثر موت أبيه الديكتاتور المؤسس حافظ الأسد، ماذا حقق بشار الأسد لسوريا والشعب السوري من وعوده الانتخابية؟ ولكن هل كان للأسد ما وعد به؟
وريث أبيه، قام بكل ما يقوم به الرؤساء المنتخبون بعد فوزهم بالانتخابات في بلدانهم. ففي عام 2000 أدى اليمين ومن ثم ألقى كلمة أمام مجلس الشعب. كلمة سوف يتداولها الإعلام السوري على أنها “خطاب القسم”. وأن يقوم إعلامه بالتهليل لها كخطة طريق لمستقبل سوريا، فهو أمر مفهوم ويأتي في سياق ما درج عليه هذا الإعلام خلال فترة أبيه، ولكن أن يتفاءل به يومها بعض من النخب والمثقفين، ومنهم معارضون على نحوٍ ما، فذاك كان يحدث للمرة الأولى. الخطاب لم يكن يختلف في شيء عن خطابات الأب سوى بالكثير من الحركات التهريجية التي أداها الرئيس الغرّ، وببعض الإشارات إلى ضرورة التطوير والتحديث، المصطلح الذي سيبقى أثيراً لسنوات تالية، مع الوعد بالبناء على إنجازات (القائد الخالد) “والبناء على ما تحقق في عهده الزاهر”، وتعبير “عهده الزاهر” ورد هكذا حقيقةً في الخطاب. ولأن الاستقرار على وتيرة تكاد تكون ثابتة في الحياة السورية، بما سادها من فساد في الاقتصاد والقضاء ومن مصادرة للحريات وللسياسة بعد مجازر عديدة خلال حكم حافظ الأسد، فإن بضع إشارات في خطاب الأسد الابن دفعت العديدين إلى اعتبارها انقلاباً على العهد القديم، الذي يستحق بجدارة أن يُمسح من ذاكرة السوريين لو أمكن.
ربما بنوايا طيبة، وبنزعة رغبوية، تم تفسير بعض المثقفين والمفكرين تلك الإشارات على هذا النحو، رغم أن الأسد الشاب كان يؤكد في كل فقرة من فقرات خطابه، أنه لن يريد إحداث ذاك الانقلاب المنشود سورياً. مراراً أكّد ذلك في جمل متكررة ومتشابهة من مثل “مصممين على تذليل الصعوبات ومواكبة العصر دونما التخلي عن ثوابتنا الوطنية والقومية التي رسخها (القائد الخالد) في قلوبنا وعقولنا”.
كان يتحدث عن تطويره وتحديثه المزمعين، مع تأكيده على دور “الحرس القديم” من رجالات أبيه الذين هيؤوا له، شكلياً على الأقل، الوصول لمنصبه الجديد، فيشرح لنا خطأ البعض حين يعتقدون أن الفكر المتجدد مرتبط بالسن، مؤكداً أن بعض الأشخاص يدخلون سن الشباب وقد تحجرت عقولهم باكرا، والبعض الآخر من كبار السن يفارق الحياة وعقله ما يزال يضج بالحيوية والتجدد والإبداع. تلك الفقرة، إضافة إلى أنها كانت مكافأة لهؤلاء بسبب خدماتهم، فإنها طمأنة لهم بدورٍ سوف يقومون به في السنوات التالية. ولن ينسى أحد الفضل لهؤلاء في المعارك النظرية التي خاضوها خلال قمع ربيع دمشق، وسجن أبرز رموزه.
كانت جملة من (خطاب الأمل) تشير إلى أنه لابد من “الإصلاح والتطوير في مؤسساتنا التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية بما يخدم قضايانا الوطنية والقومية”، كانت جملة كهذه، كافية لجعل كثير من السوريين يعتقدون أن سوريا قادمة على مرحلة جديدة. اليوم وبعد واحد وعشرون عاماً ما زال الأسد يكرر تلك الجمل أو يردد ما يشبهها، مع خلاف أن السوريين اليوم باتوا يدركون تفاهة مثل تلك العبارات وانعدام قيمتها، وأنه ولا لمرةٍ، ترتب عليها أي أثر حقيقي.
عن فهمه الخاص للديمقراطية الصالحة لنا، وهي الحلم المزمن وبعيد المنال للسوريين، سيشرح الأسد لنا أي ديمقراطية نحتاج؟ طبعاً، بعد أن يميّز لنا، حتى لا نقع في أي التباس، بين الانتخاب وحرية النشر وحرية الكلام باعتبارها ممارسات ديمقراطية ونتائج لها ولكنها ليست الديمقراطية. ليصل إلى استنتاج بأنه لا يجوز أن نطبق ديمقراطية الآخرين على أنفسنا، إنما يجب أن تكون لنا تجربتنا الخاصة بنا المنبثقة عن تاريخنا وثقافتنا المناسبة لمقتضيات واقعنا. طبعاً ستلاحظون حتماً، أن بشار الأسد كان يدرك هذا الواقع بينما كان عموم السوريين غافلين عنه. أما ما لخّص كامل فهمه للديمقراطية كان حين توّج فقرته تلك بالاستشهاد بأعظم منجز ديمقراطي حققه الأسد الأب وهو الجبهة الوطنية التقدمية كنموذج (لست أمزح، راجعوا خطابه بأنفسكم).
قد لا يعرف جيل من السوريين أن الأسد الابن، ومنذ خطابه الأول، كان يسعى لإعادة اكتشاف البارود (بعد عام 2011 سيعرفون ذلك). ولكن سريعاً سيكتشف السوريون خلال السنوات الأولى لحكم بشار الأسد، أن خطاب القسم ما هو إلا نسخة أولى عما سيليه من خطابات، سيلقيها في المحافل السورية والعربية، وتتضمن ذات الثرثرة الفارغة، وأكثر من ذلك، سيكتشفون وَلَعه باللعب السخيف على اللغة، ومحاولة بناء مفاهيم وتصويب أخرى، ليوضح لجمهور المستمعين الغافلين الذين يحتاجون غزارة علمه، حتى لو كان هؤلاء رؤساء دول في محفل ما، جهلهم بالحداثة التي يمتلك الرئيس الشاب فلسفته العبقرية الخاصة لها.
في خطبته تلك ثرثر حول العراقيل البيروقراطية التي تعيق تطور الاقتصاد، وضرورة إزالتها مع مكافحة الهدر والفساد، ليبدأ السوريون بعد فترة وجيزة بسماع أسماء مخلوف وحمشو وشاليش وغيرهم من الحيتان الذين ابتلعوا الاقتصاد، كروافع للاقتصاد السوري كما رآه بشار الأسد. سيتحدث عن الإصلاح القضائي ليتحول القضاء خلال فترة حكمه لهيئة يستشهد السوريون بها كرمز للمؤسسة الفاسدة. وكذا التعليم والصحة وغيرها. ستنمو العشوائيات ويتفاقم الفقر، ويستمر قمع أي صوت معارض، وصولاً لليوم حيث تتربع سوريا في أعلى (أو أسفل) المؤشرات العالمية. إن كان المؤشر للفساد أو القمع ستكون سوريا في أعلى القائمة، وإن كان للصحة أو حريّة الصحافة أو التعليم، فإنها ستتربع في أسفل أي مؤشر من هذا النمط. ولن نذكر هنا إنجازات الأسد المعروفة في القتل والتدمير والإخفاء والتهجير وباقي ما حدث بعد عام 2011.
في ختام خطاب القسم، وفي لفتة ستبدو بعد خمس سنوات بالغة الطرافة، قبل خروجه وخروج مخابراته وجيشه صاغرين من لبنان إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سيتحدث الأسد عن العلاقة بين سوريا ولبنان باعتبارها نموذجاً للعلاقة بين البلدان العربية. “نموذج حقق للبلدين الكثير مما لم يكن من الممكن تحقيقه لو أن كل بلد عمل بمفرده وبمعزل عن الآخر” بحسب قوله.
قبل عدة قرون، مات الشاعر المتنبي بقولهِ “الخيل والليل والبيداء تعرفني…”، حين ذكّره مطاردوه وهو يفرّ أمامهم ببيت الشعر ذاك، فعاد لمواجهتهم، ومات ولم يدع لقاتليه مجالاً لسبِّه في أنه يقول ما لا يفعل. وعلى كل معايب خطاب القسم، ولمجرد أن ورد فيه تعابير من مثل إصلاح القضاء ومحاربة الفساد والديمقراطية والشفافية (ملف الإخفاء القسري وحده كافٍ للتدليل على مدى عمق إيمانه بالشفافية)، فإن بشار الأسد الذي استمرأ القتل تحت التعذيب، سوف لن يتردد بقتل من يذكّره بما جاء في ذاك الخطاب، وبالتأكيد لن يمتلك شهامة وشجاعة المتنبي في المواجهة، وهو من أثبت خلال أكثر من عقدين أنه لم يهتم إطلاقاً بامتلاك أية قيمة أخلاقية.
بطيب سريرةِ من لا يعلم بأن أية ثغرة في جدار الديكتاتورية، سوف تطيح بها وبنظامٍ بُني وتمت هندسة معماره على الجريمة، تحدّث يومها عدد من الكتاب في الصحف وطالبوا الأسد (باعتباره شابّاً حداثياً) بردِّ المظالم التي حدثت في عهد أبيه، خصوصاً جرائم الثمانينيات، حتى لا تنفجر أمامه، في تاريخٍ لاحق، الدمامل التي لم تنظّف وتُعالج (انفجرت جميعها في آذار 2011). وللإنصاف فإن مستشاريه الأمنيين عام 2000 كانوا أذكى من أن يدعوه يفعل ذلك. وكلام بعض المثقفين السوريين يومها، وكتابات أصحاب الأحلام الوردية عن قابليّات الرئيس الشاب، كانت لتبدو صحيحةً لو لم يكن النظام يمتلك تلك المورّثات البنيوية الإجرامية، التي رسخها الأب المؤسس للجرائم الكبرى في سوريا. نعم كانت لتغدو صحيحة لو كان الحديث عن أي نظام آخر في العالم، سوى نظام الأسد.
————————
هل يلعب بوتين ورقته الأخيرة؟/ بشار الحاج علي
لا تكمن الحكمة فقط في عدم الرهان على الحصان الخاسر بل من الحكمة التخلي عنه.
ربما يبرر للدول أن تتدخل لحماية مصالحها السياسة والاقتصادية بشتى الوسائل.
كما نعلم أن المبدأ الأصل في السياسة الدولية هو المصلحة الوطنية العليا وللدول الحق في اتباع الوسائل والطرق التي تراها مناسبة للبلوغ لهذه الغاية.
لكن هذه السبل والطرق حكمتها الأعراف الدولية تاريخياً خاصة قبل نشوء التنظيم الدولي بداية بعصبة الأمم وانتهاء بمنظمة الأمم المتحدة وذراعها التنفيذي مجلس الأمن الدولي.
هذه المنظمة التي قامت على أساس التحالف من أجل السلام والتي تعبتر خطوة مهمة في التقدم البشري في التنظيم، وعلى الرغم من عدم المساواة وهيمنة الدول الكبرى على القرارات الأممية، إلا أنها وضعت قواعد تقلل من الصدامات والمواجهات وتوجد آلية لحل النزاعات بطرق سياسة وسلمية وقانونية.
ومن الطبيعي أن هذا لم يكن مثالياً إلا أن وجود التنظيم الدولي قلل من مخاطر وويلات الحروب الكبرى، كالحربين العالميتين الأولى والثانية.
وكان من أركان التنظيم الدولي القوى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ومنها الاتحاد السوفييتي السابق الذي ورثته روسيا الاتحادية بعد انهياره وأخذت العضوية الدائمة وحق نقض مشاريع القرارت التي يمكن أن تصدر عنه إذا كانت تؤذي مصالحها فتوقف إصدارها وتحويلها إلى صفة الإلزام.
لطالما وضعت روسيا بكل ثقلها السياسي والعسكري في سوريا ودفعت أخلاقيا وإنسانيا لتعزيز وجودها فيها فمن دفاعها عن (نظام العصابة) في المحافل الدولية وخاصة مجلس الأمن حيث استخدمت روسيا بوتين حق النقض (الفيتو) كونها دولة دائمة العضوية فيه خمس عشرة مرة ضد مشاريع القرارات التي كانت من الممكن أن تحد من معاناة الشعب السوري وتوقف الخسائر الفادحة وتعطي فرصاً للحل السياسي إلى تدخلها العسكري المباشر والسافر إلى جانب النظام الدكتاتوري ضد الشعب الذي يطالب بحقوقه.
ومع استمرار هذا الدعم اللامحدود لنظام فاقد الشرعية وطنياً وشعبياً، والسعي لإعادة تسويقه دوليا كأمر واقع نتيجة للحل العسكري المدعوم منها ومن خلال وجود قواتها العسكرية في ظل رفض دولي لإعادة شرعنة وجوده ورفض شعبي للعودة إلى الحكم الدكتاتوري العسكري والقبضة الأمنية، التي انتهكت كل المحرمات.
في ظل فشل كامل للدولة السورية تحت إدارة العصابة الممسكة بالسلطة وفِي ظل انهيار الاقتصاد، وتدني قيمة الليرة السورية إلى مستوى جعل أكثر من ٨٠٪ من السوريين تحت مستوى الأمن الغذائي ليس فقط خط الفقر، وفِي حالة من انعدام الخدمات ونزوح من مناطق سيطرة النظام باتجاه مناطق سيطرة القوى المعارضة.
ناهيك عن خروج مناطق كبرى عن السيطرة ووجود خمسة جيوش أجنبية على الأراضي السورية مما يعني نقص السيادة سياسيًا، يضاف إلى ذلك العقوبات الدولية الأوروبية والأميركية بملف قانون حماية المدنيين المسمى (قيصر).
ومع انسداد أفق التفاوض منذ سنوات ومع مراوحة اللجنة الدستورية في مكانها في جولاتها الخمس الماضية دون أي خرق يذكر، أصبح التوافق الدولي في المأساة السورية بحاجة لمبادرة جديدة ولابد وأن ترتكز على القرارات الأممية خاصة القرارين 2254 و2118 وبيان جنيف، وحيث إنَّ هذه القرارات تتحدث عن انتقال سياسي وفق حل سياسي يقوم على هيئة حكم انتقالي ودستور جديد ومرحلة انتقالية تبدأ بإجراءات حسن النية من إخراج جميع المعتقلين والبدء بإيجاد البيئة الآمنة لعودة اللاجئين والنازحين والمهجرين إلى المدن والبلدات التي هجروا منها، ومن ثم إجراء انتخابات شفافة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة يشارك فيها كل السوريين، وهذا كله يتوقف الآن على فرصة لروسيا لتخرج من رهانها الخاسر على نظام دكتاتوري كان السبب في الوصول لما وصلت إليه البلاد وغير قادر حتى على تحقيق مصالحها التي سعت لتحقيها من خلال القوة العسكرية وسيزيد في العزلة الدولية على سوريا وعلى روسيا أيضاً.
فبدلًا من الحديث عن استحقاقات دستورية في نظام جمهوري وراثي أتى من خلال انقلاب عسكري واستمر بالقمع وتصفية المعارضين، وحكم من خلال تعطيل الدستور الذي فصل على مقاس الدكتاتورية بما يسمى حالة الطورائ أو قانون الطوارئ الذي استمر من انقلاب 1970 حتى الوقت الحالي!
وفِي ظل هذا يبدو من المضحك الحديث عن انتخابات رئاسية في سلسلة طويلة من اللاشرعية للحصان الروسي الخاسر وفرصة روسيا بوتين تكمن في معرفة هذه الحقيقة، والمبادرة إلى العمل مع المجتمع الدولي ضمن الإطار المنطقي للحل ومفصلية الدور الروسي تكون؛ من خلال استخدام نفوذها على السلطة الحاكمة والقيام بالإجراءات التالية:
أولاً: اتخاذ النظام قراراً بتأجيل (الانتخابات الرئاسية) لحين صياغة دستور جديد.
ثانياً: إخراج جميع المعتقلين دون قيد أو شرط.
ثالثاً: رفع القيود الأمنية عن كل السوريين.
رابعاً: اعتبار كل السلطات الحكومية بما في ذلك الرئاسة هي بمثابة سلطات تصريف أعمال.
خامساً: العودة إلى جنيف وتشكيل هيئة حكم انتقالي بالصلاحية الكاملة.
هذا ما تستطيع روسيا فعله ضمن قدرتها ونفوذها على النظام السوري ومن خلال ذلك يمكن العمل مع المجتمع الدولي بتطبيق رؤية مشتركة للقرارات الأممية.
وذلك بالشروع بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي على طريقة المثالثة قوى الثورى والمعارضة المجتمع المدني والنظام، ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء السورية ولَم يتهموا بجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
ويترافق مع ذلك تشكيل مجلس عسكري أمني لضبط الأمن وقيادة الجيش في المرحلة الانتقالية.
يترافق ذلك مع قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع، يضع جدولاً لخروج جميع القوات الأجنبية وملاحقة الميليشيات والمنظمات الإرهابية ومحاكمة قادتها.
هذه الفرصة أمام روسيا وأمام الرئيس الروسي بوتين التي لن تتكرر، وهي قابلة للنجاح مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن ربما يوحي ذلك بتصاعد فرص الحل السياسي وحصول انفراج دولي من بوابة سوريا لانسداد أفق روسي خارجي وداخلي مع عودة المظاهرات ضد نظام بوتين.
فهل تبادر موسكو للحضور في المحافل الدولية من خلال الحلول بدلاً من المواجهة الطويلة.
تلفزيون سوريا
———————-
هل ننتخب “الكيمياوي”؟/ بشار علي الحاج علي
معركة بلا فرسان وساحة فارغة إلا من خمسة جيوش أجنبية وميليشيات طائفية، و”سيادة وطنية” مجلّلة بعددٍ لا نهائي من الانتهاكات التي يعرفها المتنطعون بها، وأطلال وطنٍ دمّرته البراميل! وأنواع شتى من الأسلحة، وشعب بين نازح ولاجىء ومعتقل ومصاب، وجائع وبلا أدنى الخدمات في ظلّ البرد والمرض، وفي القاع مجرمون يسعون لتزوير الإرادة الحرة، باستفتاءات لاشرعية لوريث سلطة غير شرعية، من الأب إلى الولد.
بداية، لا يمكن القبول بالدخول في أي استحقاق “انتخابي”؛ للأسباب التالية:
أولًا: لوجود نظام العصابة الحاكمة، لأن ذلك يُعدّ شرعنة لإعادة تأهيل النظام، ولما يترتب على ذلك من إعفائه من تبعات تصرفاته الإجرامية وانتهاكات حقوق الإنسان، من استخدام الأسلحة المحرّمة دوليًا، وفي مقدمتها السلاح الكيمياوي والغازات السامة، وقصف المدنيين بالبراميل والمشافي والمدارس والأسواق، واستمراره في اعتقال مئات الآلاف من الأبرياء، ومنهم الأطفال والنساء والشيوخ.
وثانيًا: لا يمكن القبول والمضيّ بمثل هذا الاستحقاق، إلا وفقًا لتسلسل العملية السياسية تحت مظلة الأمم المتحدة، ووفقًا لمسار جنيف والقرار الأممي 2254، وتراتبية هذه الخطوات، كما جاء في نصّه (حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع)، ومن ثم (انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة)، وهذه الخطوات هي من مراحل الحل السياسي، وفقًا لقرار مجلس الأمن الذي يجب أن نتمسك به، كحد أدنى، كثوار ومعارضة.
في الوقت ذاته، على الشعب السوري، وخاصة الثائر والمعارض، أفرادًا وجماعات وأجسامًا سياسية (رسمية وغير رسمية)، أن يستعدّ لمختلف الاستحقاقات المقبلة، ومن هذه الاستحقاقات قضية الانتخابات، وما يتفرع عنها من إحصاء وتسجيل وتوثيق للسوريين، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أو في مخيمات النزوح في الداخل السوري، ومخيمات اللجوء في دول الجوار وفي دول اللجوء الأخرى، والمهاجرين والمغتربين.
هذه العملية تستغرق وقتًا وجهدًا، وهي بحاجة إلى كوادر وفرق عمل ومختصين، وهؤلاء يحتاجون إلى التدريب والتأهيل وإلى بيئة آمنة للعمل والحركة، كما تحتاج أيضًا إلى فرق مختصة بقضايا الانتخابات من حقوقيين وقانونيين وخبراء، وهم بحاجة إلى مساعدين مدربين ومؤهلين وفقًا للمعايير الدولية وأعلى معايير الشفافية.
تقوم هذه الكوادر المؤهلة بوضع برامج توعية، وعقد ورش عمل، لتعريف الجمهور بأهمية صوته وبحقّه في إبداء رأيه في السياسة العامة والشؤون العامة، بدءًا من أصغر وحدة إدارية، مرورًا بالمجالس المحلية للبلدات والمدن والمحافظات ومجلس الشعب أو البرلمان ورئاسة الدولة والاستفتاء على مشروع الدستور. وهذا لا يمنع أيّ جهة أو جسم من تشكيل وإنشاء لجنة أو هيئة (أو تحت أي مسمى آخر) تعنى بملف الانتخابات بشكل عام، ولا يمنع أيضًا أي تجمع أو تيار أو حزب من أن ينظّر لها، من قبيل المصلحة الوطنية ووفقًا لرؤيته السياسية وأن يتحضر لها.
كما نعلم، يُطلق مصطلح المعركة الانتخابية، خلال ممارسة الديمقراطية في الحياة السياسية، وهي مجال للتنافس ومبارزة الخصوم، وميدان للتفوق والربح، لمن يملك الأوراق الأقوى، والغلبة لمن يعدّ نفسه جيدًا، ويأخذ الوقت الكافي لذلك، والنجاح لمن خاض غمار التجارب وتعلّم منها.
هذه (المعركة) السلمية هي مظهر حضاري، تتجلى فيه حرية التعبير من خلال ممارسة أشكال هذه الحرية (التصويت، الاقتراع، الانتخاب، الاستفتاء)، وهي تجسيد لنقل هذه الحرية من حيّز الرؤى والأفكار، إلى الممارسة الفعلية ضمن العملية التشاركية للأفراد، والجماعات والمنظمات في إدارة الدولة والمجتمع والمرافق العامة، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال اختيار ممثلين عنهم بحرية كاملة، من دون مانع قهري، من خوف واعتقال وترهيب وغير ذلك من موانع الإرادة الذاتية الحرّة، وهو حقّ حصريّ، حيث لا يجوز أن يقوم بهذا الفعل شخصٌ بدلًا من شخص آخر أو نيابة عنه، أيًّا كانت درجة القرابة والصلة، وهو حق لكل من بلغ سن الأهلية القانونية، والأهلية القانونية في سورية لمن أتمّ الثامنة عشر، من ذكر وأنثى، وفي بعض البلدان قد يصل العمر المحدد إلى سن الواحد والعشرين.
ولأن الحرية والكرامة هي شعار ثورتنا التي اشتعلت، على إثر كتابات أطفال درعا العفوية التي تنم عن نزعة أصيلة للحرية ومتأصلة في طبيعة الإنسان، طفلًا وشابًا ويافعًا إلى آخر مراحل العمر، ذكرًا أو أنثى، تضعف وتخبو، ولا تنطفىء أو تتلاشى؛ فلن تكون هناك شرعية لانتخابات، ما لم تتوفر البيئة الملائمة من أسس قانونية (دستور، قوانين عامة، قوانين انتخابات) وقضاء مستقل ومحاكم مختصة وأسس سياسية (نظام سياسي، أحزاب وتجمعات وكتل وتيارات)، ومجتمع مدني منظم (نقابات، منظمات غير حكومية حقوق إنسان، منظمات شفافية ورقابية)؛ ولا بد من وجود بنية تنظيمية وإدارية متوزعة على كامل الجغرافيا بشكل يغطي جميع الوحدات الإدارية، وهذا يتطلب بالضرورة وجود كادر مدرب ومؤهل، وهذا يحتاج إلى الوقت والجهد اللازمين.
والحديث عن الانتخابات في الحالة السورية يرتبط -كما أسلفت- بالحلّ السياسي الذي لا بدّ من توافق السوريين على المستوى الوطني لإنجازه، وهو بالضرورة -نظرًا للتداخل والحضور- بحاجة إلى توافق المستويين الدولي والإقليمي أيضًا، وهذا غير متوفر، كما هو واضح حتى الآن، وعند حصول التوافق وإنجاز الحل؛ لن تكون الظروف مناسبة فورًا لإجراء أي استحقاق.
في هذا السياق، لا بدّ من ذكر القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 18/ 12/ 2015، الفقرة رقم 4: “يُعرب عن دعمه، في هذا الصدد، لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية، من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015”. انتهى الاقتباس. وهذا يعني أن الوصول إلى “بيئة آمنة ومحايدة” يستدعي إنجاز الخطوات الأساسية في الانتقال السياسي، من وجود الحكم الانتقالي (هيئة الحكم الإنتقالي) الذي يتمتع بالسلطة والقدرة على إدارة البلاد، وتلاشي السلطات القمعية وسلطات الأمر الواقع، وعودة الجيش إلى ثكناته ومهماته التي انحرف عنها، ولا يمكن أن ننسى القضية الإنسانية والأخلاقية والحقوقية، وهي خروج جميع المعتقلين والمحتجزين، كشرط مسبق ومطلب فوق تفاوضي، قبل أي حديث آخر.
وأخيرًا، لا منافسة مع المجرمين ولا مشاركة في ميدان فيه المطلوبون للعدالة الدولية ومنتهكو حقوق الإنسان. المنافسة ستكون من خلال قواعد التغيير السياسي، ومتاحة لكل الأشخاص والأجسام والتنظيمات التي تؤمن بسورية وطنًا لجميع أبنائه من دون تمييز، سورية الغنية بتنوعها وعراقة شعبها. وبتحقيق أول انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، تكون ثورة الكرامة انتصرت بقيمها، بفضل تضحيات السوريات والسوريين وعزمهم وتصميمهم على التغيير، وبناء دولة العدالة والقانون وحقوق الإنسان.
مركز حرمون
—————————
حملة تضم لبنانيين وسوريين للدفع بتجميد “قانون قيصر”: غموض يشوب سياسة جو بايدن تجاه دمشق بين ضغط ترمب وتراخي أوباما/ سوسن مهنا
لم تتضح بعد خطوط السياسة الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب حديثاً جو بايدن، فالرئيس الذي ورث ملفات من “الحجم الثقيل”، لا يزال في مرحلة وضع أولويات بلاده ليباشر عملية وضع اللبنات الأساسية التي تنطلق منها ولايته.
وحتى الآن فكل ما يظهر للإعلام هو نتاج دراسات وتقارير آتية إما من “تمنيات” حول كيفية تعامل بايدن مع الأزمات، وإما من وقائع حقيقة يواجهها العالم. يقول بايدن إنه “يريد إحياء القيادة الأميركية للعالم”، لكن هناك موازين قوى تغيرت بشكل جذري عما كانت عليه عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما. عاد التنافس بين القوى العظمى، إضافة إلى الاستطلاعات التي تظهر تراجع سمعة الولايات المتحدة حتى بين الحلفاء، وكان هذا التراجع بدأ مع أوباما وأكمل دونالد ترمب المهمة.
قد يكون الرئيس الجديد لا يزال أقرب إلى مرحلة الاستطلاع قبل أن يخطو الخطوة الأولى، هذا في المشهد العام، أما في ما يعني المنطقة، فتتساءل دوائر القرار عن كيفية تعامل بايدن مع تصاعد النفوذ الإيراني في الإقليم، وتدور تكهنات حول أن سياسات إدارته المقبلة قد تكون في إطار زيادة هذا النفوذ، أو ربما سياسة إمساك العصا من المنتصف، كي يلتفت إلى ملفاته الداخلية. من هنا يتوجس البعض من وجهة هذه السياسات بخاصة في ما يعنى بالنظام السوري.
لوبي بطابع مسيحي
وكانت وسائل إعلام سورية وشخصيات معارضة تحدثت عن حروب خفية تحدث في الكواليس بين شخصيات ومراكز أبحاث تدعم النظام السوري لرفع العقوبات عنه، في مواجهة تحرك مضاد من ناشطين ومعارضين سوريين. وفي المعلومات أنه في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي قامت شخصيات سياسية ورجال دين لبنانيين وسوريين، بالضغط عبر حملة أضفي عليها الطابع المسيحي، للتأثير ما أمكن في دوائر صنع القرار الأوروبي والأميركي، وحجة هؤلاء أن العقوبات المفروضة على النظام السوري حرمت الشعب من المساعدات الإنسانية التي لا تندرج ضمن قائمة العقوبات المفروضة على النظام، مما كانت له تبعات كثيرة على السوريين في الداخل، بخاصة بعد تفاقم جائحة كورونا.
وتضيف المعلومات أن فواز الأخرس، والد أسماء زوجة الرئيس السوري، يترأس هذه الحملة، حيث يقيم في بريطانيا ويدير مجموعة من مراكز الأبحاث، وكان أحد المستهدفين بالعقوبات الأميركية التي أدرجته وابنته مع عدد من أفراد العائلة، في 22 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ونشرت الحملة رسائل بعضها على موقع “تويتر”، تتضمن تحذيرات المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، من أن ملايين السوريين تفاقمت أزماتهم بعد العقوبات القسرية المفروضة من قبل الولايات المتحدة، والأضرار التي لحقت بالرعاية الصحية خلال السنوات الماضية.
لكن هذه الحملة قوبلت بحملة مضادة عبر ورقة وقعها عدد من الشخصيات العربية والسورية ستقدم إلى الرئيس بايدن، وتتضمن إدانة انتهاكات النظام السوري وجرائمه التي ارتكبت ضد الإنسانية، وتطرح بعض النقاط التي قد تخفف فعلاً من معاناة الشعب السوري من حيث إيصال المساعدات الإنسانية والمساعدة في الاستجابة العالمية لمكافحة تفشي فيروس “كورونا” عبر إيصال اللقاح إلى الشعب.
وكان رئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام” المقيم في أميركا، أيمن عبدالنور، تحدث إلى “اندبندنت عربية” عن مضمون المسودة المناهضة لرسالة رفع العقوبات، والتي شرحت طبيعة الحصار الاقتصادي الذي مارسه النظام السوري ضد شعبه، وتجلى باحتكار حصوله على المواد الغذائية الأساسية عبر “البطاقة الذكية”، بينما تنتشر السلع و”الماركات” الباهظة الأسعار بين الموالين له، مع الاتجار بالمساعدات الغذائية التي ترسل للشعب، وأصبحت مصدراً لتجار الحرب.
وأشار عبدالنور إلى جهات خفية ضغطت على أزرار عدة في بعض دول العالم في ما يتعلق بالقضية السورية، تحضيراً للانتخابات الرئاسية المقبلة.
توقيعات تحت الضغط
في الإطار عينه، يشير عبدالنور إلى أن هناك غياباً لتواقيع رجال الدين في حملة رفع العقوبات، ممن هم خارج ضغوط النظام السوري، بينما وردت أسماء بعض الموقعين من دون موافقتهم على نص الحملة، مما يعني أن عدداً من التواقيع الموجودة جرت تحت الضغط. ويضيف أن الرسالة المناهضة اعتبرت موقف رجال الدين المسيحيين في محاولتهم استجداء الحكومات الغربية، تضليلياً لا يصب في مصلحة الشعب السوري، لأن العقوبات لا تشمل الغذاء والدواء.
وتطالب الحملة المناهضة بإيصال لقاح فيروس “كورونا” عبر المنظمات الدولية إلى السجناء والمعتقلين في جميع الأراضي السورية، لتشمل كبار السنّ ومصابي الحرب، والإشراف على ملف اللقاح في سوريا من قبل الأمم المتحدة بعد فشل النظام في السيطرة على أزمة الجائحة مقارنة بمناطق شمال شرقي وغرب سوريا، كما تطالب بالسماح للمنظمات الدولية الدخول إلى سوريا لتأمين وصول المساعدات كي لا تتبدد عبر المنظمتين الحصريتين “الهلال الأحمر السوري” و”الأمانة السورية للتنمية”، اللتان تديرهما زوجة الرئيس السوري.
فرنسا تسعى لوكالة “حصرية” في المنطقة
في السياق، تداول الاعلام خبر الاتصال الذي جرى بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي جو بايدن، والبيانين اللذين صدرا عقب الاتصال وشابهما تناقض واضح، إذ تحدث الفرنسي عن ملفات تخص الشرق الأوسط، وتحديداً الملف النووي الإيراني والملف اللبناني، بينما تحدث الأميركي عن العلاقات الأطلسية وروسيا والصين، إضافة إلى الوضعين الصحي والاقتصادي.
وتشير المصادر إلى أن الاتصال لم يتحدث عن الملف اللبناني أو السوري، ربما لارتباطهما بملفات أخرى. ويأتي ما تحدثت عنه المعلومات في سياق مبادرة ماكرون تجاه لبنان بعدما فشلت جهوده خلال المرحلة الماضية، إما بسبب النفوذ الإيراني في لبنان، أو بسبب موقف إدارة ترمب غير الواضح حينها من مبادرته، والعقوبات التي طالت شخصيات لبنانية.
وفي معلومات متداولة عن “الإليزيه”، فإن ماكرون يسعى جدياً لتسلم ملف المنطقة، وهو في ذلك يريد وكالة صريحة من الإدارة الأميركية الجديدة، في ظل عدم اهتمامها بهذه الملفات حالياً، وفي إطار العمل لتجميد مفاعيل “قانون قيصر” لأسباب عدة، منها تحقيق نصر سياسي في الداخل الفرنسي، وملف اللاجئين الضاغط على الاقتصاد الأوروبي بشكل عام.
وتأتي في هذا الإطار زيارة موفد من المخابرات الفرنسية(DGSE) في ديسمبر الماضي إلى دمشق، التقى نائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية اللواء علي مملوك. ويلتقي الموقف الفرنسي مع مواقف دولية داعمة لنظام الأسد، منها ما قاله مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانغ جيون، خلال اجتماع مجلس الأمن في الـ 22 من يناير الماضي، من أنه يتعيّن رفع الإجراءات القسرية الأحادية الجانب ضد سوريا في وقت مبكر، لأن الصعوبات الاقتصادية والإنسانية تعود إلى حد كبير للحصار الاقتصادي وغيره من العقوبات. كما طالبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في الـ 21 من الشهر ذاته، الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري.
أميركا تحتاج سياسة جديدة في سوريا
مما لا شك فيه أن هناك جدلاً في الولايات المتحدة حول استراتيجية الإدارة الجديدة في سوريا، شارك فيه معظم المسؤولين الأميركيين السابقين، وباحثين ومتخصصين أشرفوا على الملف السوري، وظهرت كثير من الدراسات المتناقضة حول الموضوع، منها ما أدلى به مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في الإدارة السابقة، جيفري فيلتمان، وهو الاسم الأكثر رواجاً ليكون المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، والمدير السابق لبرنامج حلّ النزاعات في مركز “كارتر”، هراير باليان، عبر مقالة لهما نشرت في 20 يناير الماضي عبر موقع
“Responsible Statecraft” التابع لمعهد كوينسي الأميركي بعنوان “الولايات المتحدة تحتاج سياسة جديدة في سوريا”، يقول إن السياسة الأميركية الحالية التي تتمحور حول عزل سوريا ومعاقبتها بشلّ اقتصاد البلاد الذي دمرته الحرب، بالفعل نجحت، لكنها فشلت في إحداث تغيير سلوكي. وكانت الجهود السابقة لتدريب مجموعات المعارضة وتجهيزها وتسليحها للضغط على بشار الأسد وتغيير الاتجاه أو ترك السلطة غير ناجحة، وبدلاً من ذلك أسهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سوريا على روسيا وإيران. ويضيف، “أدت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى نقص حاد في العملة السورية وأسهمت في انهيارها، لكنها لم تضعف الدعم الرئيس بين جمهور الأسد المحلي، ولم تغير سلوك النخبة الحاكمة. لقد تركت سياسة العقوبات الولايات المتحدة على الهامش، بينما جعلت روسيا وتركيا وإيران حكاماً رئيسين لمستقبل سوريا”.
وتهدف الدراسة إلى وضع إطار مفصل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة والعملية التي يمكن التحقق منها، والتي في حال تنفيذها ستقابلها مساعدات موجهة وتعديلات في العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في سياسة ما يعرف بالخطوة مقابل الخطوة.
بايدن لا يحتاج إلى سياسة جديدة للشرق الأوسط
يناقض المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري موقف فيلتمان وباليان، ويقول في مقالة له نشرتها مجلة “فورين أفيرز” الأميركية في الـ 15 من يناير الماضي، إن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الشرق الأوسط أعطت نتائج واضحة، ويجب عدم تغييرها من قبل الرئيس جو بايدن. ويضيف أن “ترمب أوضح أنه سيدعم الأعمال العسكرية الإسرائيلية والتركية ضد إيران وروسيا في سوريا، وسيعتمد بشكل أساس على دول الخليج والأردن والعراق وإسرائيل للوقوف في وجه طهران، وستكمل الولايات المتحدة بدورها هذه الجهود عسكرياً عند الضرورة، من خلال بيع الأسلحة واستهداف الإرهابيين أو معاقبة بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية”.
ولفت إلى أن إدارة ترمب كانت حذرة بشكل عام من استخدام القوة العسكرية، “حرصاً على أرواح الجنود الأميركيين”، ولكنها حين قررت التدخل “استهدفت الأسد والجماعات الإرهابية والمرتزقة الروس والميليشيات المدعومة من إيران”. ويتابع أنه “على الرغم من أن الجيش الأميركي قاوم الابتعاد من مهمته في مكافحة داعش، فقد قام في النهاية بتخصيص قواته في الشمال الشرقي والجنوب لتوسيع السياسة السورية من خلال حرمان حكومة الأسد وحلفائها من التضاريس والموارد”.
الموقف الأميركي
فيما يدور هذا النقاش حول سياسة بايدن تجاه المنطقة، يترقب الداخل السوري خطوات الإدارة الأميركية تجاهه، وتفيد المؤشرات إلى أن جو بايدن سيأخذ منحى مختلفاً عن سلفه ترمب، إذ سيعمل على استعادة الدور الأميركي بعد تراجعه بشكل كبير خلال المرحلة السابقة، والدليل على ذلك أن معظم الطاقم القيادي الذي عينه بايدن، مثل كامالا هاريس ووزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، لهم مواقف مناهضة وحادة تجاه بشار الأسد بشكل شخصي، وتجاه نظام حكمه “القمعي” بشكل عام.
وقد تتخذ سياسة واشنطن الجديدة نوعاً من الصرامة تجاه النظام السوري، وتجلى هذا في تصريحات كثير من مسؤولي الإدارة الجديدة الذي قالوا إن بشار الأسد شخص لا يمكن الوثوق فيه، واقترف كثيراً من جرائم الحرب بحق شعبه، ولم يلتزم بقرارات مجلس الأمن، ونكث بوعوده في شأن القضاء على ترسانة الأسلحة الكيماوية التي يملكها نظامه، وعاود استخدامها مرات عدة.
مع هذا، فمواقف بايدن حتى الساعة يشوبها الغموض، إذ أدلى في أكثر من مناسبة بأن مهمة القوات الأميركية يجب أن تقتصر على مساعدة الشركاء المحليين في مواجهة التنظيمات والجماعات التي يمكن أن تهدد مصالح الولايات المتحدة وشركائها، ولا يجب أن تلعب أي دور سياسي في هذه الدول، ففي سوريا على سبيل المثال يجب أن تقتصر مهمة هذه القوات على التصدي لبقايا تنظيم “داعش” وتخفيف حدة العنف والوصول الى تسوية سياسية للأزمة السورية. يذكر أن بايدن وأوباما رفضا إرسال قوات أميركية إلى سوريا، وكانا من المعارضين لتقديم الدعم المالي والعسكري للمعارضة السورية.
————————–
====================
تحديث 03 شباط 2021
———————-
حضور خجول في أول تعاطٍ للإدارة الأميركية الجديدة مع القضية السورية/ عماد كركص
حضرت القضية السورية لأول مرة بشكل رسمي عند الإدارة الأميركية الجديدة، خلال مباحثات أميركية – تركية، أمس الثلاثاء، تطرقت للأوضاع في إدلب، بعد أن شاب موقف الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن الغموض من سورية وأزمتها المستمرة.
وعلى الرغم من استبعاد بايدن وفريقه التطرق للملف السوري طيلة الحملة الانتخابية وحتى ما بعد نجاحه والوصول إلى البيت الأبيض، إلا أن تعاطي واشنطن مع أنقرة حيال قضايا عدة مشتركة بين الطرفين، سيفرض الملف السوري كمحط اهتمام مشترك بينهما، وربما تختلف نسبة الاهتمام بين الطرفين.
ونقلت وكالة الأناضول الرسمية التركية، بياناً صادراً عن مكتب المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أمس الثلاثاء، أن الأخير تباحث هاتفياً مع مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأشار البيان، إلى أن المحادثة الهاتفية التي استمرت نحو ساعة، هنأ من خلالها قالن المستشار سوليفان بتوليه منصبه الجديد، وبحث معه العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية ودولية.
وأشار البيان إلى أن الجانبين اتفقا على “ضرورة تعزيز مساري الحل السياسي في سورية وليبيا”، إذ شدد قالن على “وجود حاجة لكفاح فاعل ومشترك ضد كافة التنظيمات الإرهابية”، وتطرقا إلى الأوضاع في إدلب، شمال غربي سورية، وأكدا الحاجة إلى “اتخاذ تدابير ملموسة للحيلولة دون حدوث موجة نزوح جديدة من شأنها مفاقمة الأزمة الإنسانية في المنطقة”.
من جهة أخرى، لم يتطرق البيان، الذي صدر عن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض إميلي هورن، إلى مباحثات قالن- سوليفان، للجزء المتعلق بالحديث عن سورية أو إدلب خلال المكالمة، سوى بالإشارة إلى أن سوليفان أكد رغبة إدارة بايدن في بناء علاقات بناءة بين الولايات المتحدة وتركيا، وتوسيع مجالات التعاون وإدارة الخلافات بشكل فعال، والتشاور عن كثب بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وسبق هذه المباحثات بيوم تصريحات للمتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، نقل فيها إدانة بلاده للهجمات الإرهابية التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي في أعزاز والباب وعفرين وأسفرت عن مقتل 20 مدنيا على الأقل، “بمن فيهم أطفال”، مقدماً التعازي لضحايا القتلى الذين قضوا جراء التفجيرات.
وأشار المتحدث إلى أن “الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق من وتيرة تكرار الهجمات المماثلة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الاستخدام المتكرر للعبوات الناسفة في السيارات”، مؤكداً على وجوب “تقديم المسؤولين عن ارتكاب أعمال العنف إلى العدالة، فأفعالهم تعرض الشعب السوري للخطر وتهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة أكثر”.
كاريكاتير السلام الميت / حجاج
ورغم هذا التعاطي الخجول للإدارة الجديدة في البيت الأبيض مع القضية السورية، إلا أنه يشكل خطوة ربما تزيل التكهنات حول استبعاد الاهتمام الأميركي نحو سورية من أجندتها، ولو من خلال مباحثات مشتركة مع تركيا التي تعد أبرز الفاعلين الإقليميين في سورية سياسياً وعسكرياً، وكان لها شراكة كبيرة مع الإدارة السابقة حيال العديد من الملفات السورية، شرق البلاد وغربها، لا سيما إدلب والتعاطي مع القضية الكردية.
ولا يزال أطراف الصراع في سورية، ينتظرون مواقف أكثر وضوحاً تجاه الأزمة السورية من إدارة الرئيس بايدن، للتعامل على أساسها في العلاقة مع واشنطن، لا سيما المعارضة السورية، التي نسجت خلال الفترة الأخيرة علاقات جيدة مع المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سورية، جويل ريبرون، قبل أن ينتهي عمله مع وصول الإدارة الجديدة للبيت الأبيض.
وإلى الآن، لم تعمد الإدارة الجديدة لتعيين مبعوث جديد، وسط معلومات تشير إلى أن إدارة بايدن قد تلجأ لإدارة الملف السوري عبر موظف أو سياسي مختص في البيت الأبيض يتبع لمكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي.
وتبقى الأعين متجهة بشكل رئيسي نحو وزير الخارجية الجديد، أنتوني بلينكن، الذي غاب الحديث عن سورية، في تصريحاته، منذ إعلان بايدن ترشيحه لمنصب وزارة الخارجية وحتى الآن.
وخلال جلسة استماع للأخير في الكونغرس للمصادقة على تعيينه، لم يتطرق بلنكين لتعامل الإدارة مع القضية السورية طوال الجلسة التي استمرت حوالي أربع ساعات قبل نحو أسبوعين، فيما كان الأبرز عدم مناقشة نواب الكونغرس لبلنكين في هذا الشأن خلال الجلسة، ما يزيد من احتمالية تهميش الملف السوري أو تقديم أولويات أخرى عليه ضمن اهتمامات وأجندات إدارة بايدن وسياستها الخارجية.
ووفق ذلك، فإن مصير “قانون قيصر” للعقوبات على النظام يبقى القاسم المشترك الأكبر، في إطار العلاقة الأميركية مع القضية السورية، وتشكل زيادة مفاعيله أو تخفيفها المستوى الذي ستتعاطى به الإدارة مع الشأن السوري.
وضمن ذلك، لمّح منسق عمل متابعة قانون قيصر في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عبد المجيد بركات، إلى عدم اليقين التام حول تأثير تغيّر الإدارة الأميركية على مستقبل قانون قيصر ومتابعة تنفيذه من قبل الإدارة الأميركية الجديدة”.
وتشكل مساعي بايدن لإعادة بلاده للاتفاق النووي مع إيران، نقطة هامة في مسار التعاطي الأميركي مع القضية السورية، سيما أن عودة واشنطن للاتفاق مع نوايا بزج أطراف إقليمية عربية ضمن صيغة جديدة له، قد تنعكس بشكل أو بآخر على الوضع السوري، لا سيما خلال المفاوضات مع طهران للعودة إلى الاتفاق، من خلال حل مشكلة الانتشار الإيراني في سورية، بشكل يرضي الولايات المتحدة وحليفها الإسرائيلي.
ويُتوقع ألا تكون النتائج إيجابية بالنسبة للمعارضة السورية في هذا الإطار، وما زال يُنتظر تطورات أكثر، وتعاطٍ أوسع من إدارة بايدن حول الشأن السوري في قادم الأيام.
العربي الجديد
————————-
سورية في شعار بايدن “عودة أميركا”/ رانيا مصطفى
يتسلم الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، وفريقُه، قيادة البيت الأبيض رسمياً في العشرين من الشهر المقبل (يناير/ كانون الثاني)، من دون مؤشرات على تغييرات جوهرية في السياسة الأميركية تجاه سورية؛ فشعاره “عودة أميركا” محكومٌ بواقع تعترف فيه واشنطن بأنّها لم تعد المتحكّم الأوحد في عالم رأسمالي بات متعدّد الأقطاب، مع صعود الصين الاقتصادي وحلفائها، وأن على واشنطن أن تستعين بشركاء لتطبيق سياساتها الرأسمالية في العالم، ومنها الشرق الأوسط. على هذا الأساس، كان اتفاق جنيف في العام 2012 بين الرئيسين، الأميركي أوباما، والروسي بوتين، تعترف فيه واشنطن بأن سورية منطقة نفوذ روسي، وأن على الأخيرة أن تقود الحل السياسي بإقرار مرحلة انتقالية، من دون حسم ما إذا كان بشار الأسد سيقودها أم لا.
متغيرات كثيرة جرت لاحقاً، أهمّها التوغل الإيراني في سورية، والذي غضّت عنه موسكو النظر، وواشنطن أيضاً، في مقابل دور المليشيات الإيرانية المفصلي في دعم النظام ومنعه من السقوط. وتمدّد تنظيم الدولة الإسلامية من العراق إلى الشام، وما ترتب على ذلك من تدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربته، فيما فشلت السياسة الروسية في سورية في اختيار مساراتٍ أخرى تراهن عليها، غير إعادة تدوير نظام الأسد. وقد مكّنت هذه المتغيرات واشنطن من امتلاك أوراق ضغط قويّة تجاه موسكو، عبر سيطرتها على شرق الفرات، حيث تتركّز منابع الطاقة والثروات الزراعية؛ إضافة إلى ورقة العقوبات الأميركية على رجالات النظام السوري، وعلى كل من يدعمه، وفق قانون قيصر، وعرقلة أي مساعٍ روسية لإعادة الإعمار من دون حل سياسي يحقق الشروط الأميركية. لكن فريق بايدن لم يقل الكثير عن سورية سوى مزيد من التشدّد في محاصرة النظام، عدا عن تصريح المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة عن عدم شرعية انتخابات الأسد التي يزمع إجراءها العام المقبل.
تميل السياسة الأميركية إلى إعطاء مناطق الإدارة الذاتية بعض الاستقلالية، وعرقلة المساعي الروسية بعودتها إلى حضن النظام. وأربك قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سورية قبل عامين الإدارة الأميركية التي عملت على تجاوزه، عبر الاكتفاء بالسيطرة على الحدود العراقية – السورية، لمراقبة تحرّك المليشيات الإيرانية، وعلى قاعدة التنف على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وعلى حقول النفط والغاز شرق الفرات. لكن هذا الانسحاب غير المدروس ارتبط بسيطرة تركيا على شريط “نبع السلام”، وتمركز روسيا في مواقع القواعد الأميركية المنسحبة، وزاد من وتيرة تواصلها مع قيادات الإدارة الذاتية الكردية والعربية.
تسعى السياسة الأميركية في الفترة الأخيرة إلى المصالحة بين “قوات سورية الديمقراطية” والمجلس الوطني الكردي، وتهدئة مخاوف تركيا، بالعمل على إبعاد قيادات حزب العمال الكردستاني من الواجهة، وهناك عقد استخراج النفط من حقول شرق دير الزور الذي وقعته شركة دلتا الأميركية مع “مجلس سورية الديمقراطية”. ويصبّ ذلك كله في استمرار دعمها استقلالية الإدارة الذاتية، لكن ضمن صيغة تبقي على مركزية ما في سورية.
تصريحات المبعوث الأميركي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (المستقيل)، جيمس جيفري، أخيرا عن استمرار الدعم الأميركي لتركيا في إدلب، وأن النظام لن يعود إليها، تؤكّد على السياسة الأميركية المتّبعة حيال ملف إدلب، وهي تعزيز مناطق النفوذ منذ مارس/ آذار الماضي، حيث دعمت واشنطن إنزال تركيا جيشها واستخدامه الأسلحة الثقيلة، ومنع تقدم النظام وحلفائه. وعلى الرغم من أن هذا الجيب الحدودي مع تركيا حول إدلب لا تسيطر عليه تركيا تماماً، وهو محكومٌ من هيئة تحرير الشام، المصنّفة إرهابية في القوائم الأميركية والدولية؛ لا يبدو أن محاربة “الهيئة” ضمن أولويات واشنطن، على عكس ما فعلته مع تنظيم حرّاس الدين، الموجود في الشمال السوري؛ فـ”الهيئة” لا تشكل خطراً حالياً خارج سورية، وهي تقوم بما يقوم به النظام من قمع المواطنين، وتتولى مهمة ضبط الجهاديين في المنطقة، ومنهم مهاجرون، كما أن استمرار التوتر مع النظام ومليشيات إيران يشكل استنزافاً لكل الأطراف.
وقد وافقت واشنطن على كلّ اتفاقات التسوية والمصالحة التي قامت بها موسكو مع تركيا، واستعادة سيطرة النظام على مناطق واسعة، بل كانت عرّاب اتفاق الجنوب، برفقة الأردن والإمارات، وبدعم إسرائيلي. وبالتالي هي تدعم السيطرة الروسية على تلك المناطق، وكذلك لا تعارض معظم مسارات الحل الروسي بشأن مؤتمر سوتشي مطلع 2018، ومسار أستانة مع تركيا وإيران، ومسار اللجنة الدستورية، لكنها عارضت الهراء الروسي عن مؤتمر عودة اللاجئين في دمشق، من دون حل سياسي. ولم تقل معظم التصريحات الأميركية الرسمية بشرط التخلي عن الأسد، بل قالت إن عليه تغيير سلوكه، على الرغم مما ارتكبه من مجازر. تركّز الولايات المتحدة الآن على تقليص الوجود الإيراني في سورية، وتعمل على إضعاف إيران في سورية ولبنان والعراق، والضغط عليها في ما يتعلق بشروط جديدة عن إعادة العمل بالاتفاق النووي، وتريد إرضاء إسرائيل بمنع تشكّل “حزب الله” سورياً في الجنوب، وإرضاء الحلفاء من العرب، الرافضين للنفوذ الإيراني في المنطقة. لكن الدور الإيراني في سورية خدم السياسات الأميركية في تعزيز الطائفية في المنطقة، حيث تتوغل إيران داخل المجتمع السوري في دير الزور ودمشق وحلب؛ وواشنطن لم تمنع مليشيات إيران من المرور على بعد عدة كيلومترات من قاعدة التنف الأميركية.
في المجمل، لا يمكن أن تدعم السياسات الأميركية، مهما تغيّر وجه حكامها، ثورات الشعوب، هي تدعم كل ما يقمعها، من أنظمة ومن تطرّف إسلامي، ومن صراعات طائفية وقومية وغيرها. للنظام دور في هذه السياسات، هو تدمير سورية، وهي تضغط على الحليف الروسي، لكي يؤدي الدور الذي قامت به هي في العراق، أي تحطيم سورية بترسيخ تقسيماتها إلى كانتونات بطابع طائفي أو قومي. هي ليست مؤامرة على سورية، كما يدّعي النظام ومحور المقاومة، بل مؤامرة على مجمل العالم العربي، حيث الخوف من نهوض هذه الشعوب وإسقاط أنظمتها والتقائها في مشتركات قوة. ومن هنا، كان لا بد من نماذج سيئة، كسورية واليمن وليبيا وقبلها العراق ولبنان، لإخافة بقية الشعوب العربية من الثورات ..
لن تخرُج “عودة” بايدن عن هذه السياسات، بل قد تسرّع عجلة التطبيع العربي – الإسرائيلي، وربما يُغلق الملف السوري في هذا السياق.
العربي الجديد
————————-
الأسد واللجنة الدستورية.. والفكرة الإسرائيلية/ نزار السهلي
ستبقى استراتيجية رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إسحاق شامير، التي وضع أسسها حول المفاوضات مع الجانب الفلسطيني في “مؤتمر مدريد” للسلام 1991، موضع تذكير مستمر عن “جرجرة” و”شحشطة” الفلسطينيين عشرات ومئات السنين، بمفاوضات لن ينالوا منها شيئا. أثبت ربع قرن من المفاوضات صحة النظرية الإسرائيلية، وبقيت استراتيجية نظام الأسد المستنسخة لنظرية شامير حول مفاوضة السوريين على حقوقهم حاضرة في كل جولة. ومنذ الجولة الأولى لمفاوضات جنيف 2012، أفصح وزير خارجية النظام وليد المعلم آنذاك، عن قدرة النظام إغراق العرب والسوريين والعالم بالتفاصيل والذرائع.
بعد تسعة أعوام من فشل معظم الموفدين الدوليين إلى سوريا في إرغام الأسد على وقف عمليات القتل والإبادة للسوريين، والإقرار بمسار تفاوضي على أساس قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، والقرارات التي سبقته، وصفَ المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، الجمعة (29 كانون الثاني/ يناير)، الاجتماع الخامس للجنة الدستورية السورية في جنيف بأنه “مخيب للآمال”، وبعدم قدرة المجتمع الدولي المضي بهذا الشكل.
ليست المرة الأولى التي يخلص فيها موفد دولي وأي مراقب لهذه النتيجة المعروفة بخواتيمها وذرائعها المعقدة والمتشعبة، الخرق الوحيد فيها المسمى “نجاح المسعى” أنجزته قوى الاحتلال الروسي على الأرض، وفي مسرح السياسة الذي تُلاعب به أطياف المعارضة السورية بمسمياتها ومنصاتها.
منذ ابتكار المحتل الروسي لأفكار أستانا وسوتشي كقاعدة انطلاق لحوار “سوري- سوري” بدعم إيراني وتركي، كان المبعوث السابق للأمم المتحدة “ستافان ديمستورا” يعول على نسخها المتكررة بحدوث اختراق ما، فكان اختراق أجساد وجغرافيا السوريين عنوانا واضحا للعبة يديرها المجتمع الدولي، بمنح النظام الوقت الكافي للسيطرة بالقوة على الجغرافيا السورية، وبتعطيل الجوهر الأساسي من عملية المفاوضات، من توفير الحماية للضحايا إلى توفير الحماية لقاتل الشعب السوري.
فالآلية السياسية التي مضت بها عملية المفاوضات من رأسها إلى قاعها، من خلال شل وتعطيل قدرة المجتمع الدولي وممارسة دوره الحقيقي في حماية السلم الدولي، تعني تشابه كل جولات المفاوضات، بما يذكرنا بلعبة الصهيوني شامير ونظريته بجرجرة الفلسطينيين عشرات الأعوام خلف المفاوضات، وهو ما تم حتى اليوم.
استعار النظام السوري وحليفه الروسي نظرية شامير وعتاة الصهيونية بـ”شحشطة” المفاوضين، وبتأدية سلوك المحتل الإسرائيلي بكل التفاصيل المتعلقة بإدارة حصار السوريين وتشتيتهم، بتفوق ملحوظ بعمليات الإبادة الجماعية بالمجازر وعمليات الاعتقال لعشرات آلاف السوريين وجرائم الحرب الموثقة، وضرب النسيج الاجتماعي بالتطهير العرقي لمئات القرى والبلدات.
وعليه يصبح السؤال عن الغرض من المفاوضات اليوم ومآل اللجنة الدستورية التي يشكل الأسد الجزء الأساسي منها بدعم روسي إيراني وبنفاق دولي عن جرائمه، والسماح له بأخذ الوقت الكافي لتدمير المجتمع السوري، وإعادة ترشحه مجددا للتحكم برقاب السوريين، والإفلات من العقاب عن جرائمه، مثلما منحت محطات التفاوض عدو الشعب الفلسطيني الوقت لتكثيف الاستيطان والسطو على الأرض وتهويدها.. أعطت محطات التفاوض الجنيفية والأستانية عدو السوريين الوقت الكافي لإزهاق أرواح مئات الآلاف، وتدمير مدن وأرياف السوريين، وتحويل الملايين لمهجرين ونازحين.
عدم معالجة القضايا الجوهرية في جلسات التفاوض، وعلى رأسها رحيل النظام ومحاكمته عن جرائم لا حصر لها، يعني إقرارا بقبول فعل الإبادة الجماعية والمجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المتهم بها نظام الأسد وحلفاؤه المحتلون. وما لم يكن مبدأ المفاوضين بإجماع على هذه النقاط، فإن تراخي المواقف الدولية مستمر دون حصول السوريين على الحرية والمواطنة والعدالة.
عقلية شامير التي يحملها نظام الأسد ويقرأ تفاصيلها وكلاؤه على الطاولة “نجحت” في محطات جنيف وأستانا وسوتشي. ومثلما تسلح المحتل بدعم أمريكي لعقلية السيطرة والإبادة والتهويد والسطو، تسلح نظام الأسد بموسكو من خلال اللجنة الدستورية لإنجاح عقلية السيطرة والتعفيش والسطو لتربع الطاغية على جماجم السوريين وحطام مدنهم.
النتائج المحتومة بالأسى ذاقها الفلسطينيون، ويتجرعها السوريون بكل خطوة مبتهجة بوهج الاحتفاء بانطلاق مفاوضات بعيدة عن آمال الشارع وتضحياته. لا يضرب في غيب الأحداث من يشير إلى فشل عناصر جولات تفاوض قادمة توهم السوريين، ولا يسجل “نجاح” هنا في مفهوم التفاوض إلا لموسكو ودمشق وطهران، من قبل في أستانا إلى جنيف وجلساتها المتعددة.
تفرض موسكو وبعض النظام العربي تحجيم مكتسبات السوريين في التفاوض بعد فرض هزيمة عسكرية في الميدان لصالح الأسد. لا شيء يؤطر الصورة هنا بشكلها الصحيح، سوى خوف المعارضة وتذبذبها مما تَدّعي وتدعو له موسكو، لذلك يمكن اعتبار خيبة آمال المبعوث الدولي غير بيدرسون تتويجا لتخاذل ونفاق المجتمع الدولي، بعدما أسفر عدوان موسكو وطهران على إحداث آثار بعيدة المدى عززت من فشل المفاوضات ونزع جوهرها القاضي برحيل الأسد.
التعامل مع الملف السوري بعد إفراغ مبدأ التفاوض من جوهره، وبعد جرجرة المفاوضين إلى كمائن موسكو والنظام السوري، هو ما انتهت إليه حال المعارضة السورية منذ تسعة أعوام، يستكشفون فيها أفق حلحلة موقف النظام من قضايا عديدة، صغيرة وكبيرة، بينما واقع حال النظام وتحالفاته ووظيفته كشفت عن وجهٍ بشع معادٍ لتطلعات السوريين، وبهما تتطابق صورة الطاغية والمحتل في الميدان وعلى فكرة المفاوضات.
كاتب وصحفي فلسطيني
عربي21
——————————
حملة الأسد الانتخابية: تطبيل إعلامي سوري..وحلقات الدبكة في لبنان!
كشف الإعلامي والسياسي السوري المعارض أيمن عبد النور، عن تفاصيل لقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد مع مجموعة من العاملين في الإعلام الرسمي، في 23 كانون الثاني/يناير الماضي.
ونشر عبد النور تسجيلاً مصوراً عبر موقع “كلنا شركاء”، نقل فيه عن مصادر مطلعة تفاصيل اللقاء الغامض الذي لم ينتج عنه أي تسريبات باستثناء بعض الصور التي نشرها إعلاميون حضروا الجلسة، حاولوا فيها ذر الرماد في العيون بالقول أن الاجتماع كان شخصياً وركز على تفاصيل حميمة مثل الشكر والثناء وحتى التعزية. فيما انتشرت تقديرات بأن الاجتماع مخصص للحديث عن الاستراتيجية الإعلامية الخاصة بالانتخابات الرئاسية الصيف المقبل.
٢٤/ ١ / ٢٠٢١ يوم لن ينسى في ضيافة واستقبال السيد الرئيس … ٥ ساعات من الحديث والأسئلة ورحابة الصدر والإجابة عن كل شيئ …
Posted by Salma Ouda on Sunday, January 24, 2021
وبحسب محضر الاجتماع المسرب، أفسح الأسد مساحة واسعة للحديث عن الانتخابات المقبلة، معتبراً إيها معركة وصفها بـ”الجهاد الأكبر”، وكان الاجتماع بذلك خطة عمل مع إعلاميين بارزين لإعطائهم إحاطة تساعدهم على التحضير لبرامجهم في الفترة المقبلة، ما يعطيهم القدرة على تجاوز حتى مدرائهم المباشرين والملاحقات الأمنية التقليدية في الإعداد والجرأة.
وابتداء من آذار/مارس المقبل، ستبدأ الحملة الانتخابية للأسد الذي سيجري اجتماعات أسبوعية مع شخصيات ومجموعات تضررت أو كان لها دور في الحرب السورية خلال السنوات العشر الماضية، كالجرحى والتجار والديبلوماسيين والمقاتلين وغيرهم، على أن تقام في لبنان حفلات انتخابية شبيهة بالتي تحصل في مناطق سيطرة النظام، أيضاً.
وبحسب الخطة التي تقدم بها مكتب الأمن الوطني في النظام، سيتم استغلال اتفاقية شراكة قديمة بين اتحاد العمال السوريين واتحاد العمال اللبناني، لوضع صناديق انتخابية في عدة مناطق لبنانية، وسيشجع النظام اللاجئين السوريين على الانتخاب عبر وعود بمنح بطاقة تمنح لكل منتخب الحق بدخول البلاد والعودة من لبنان من دون دفع الرسوم الإجبارية البالغة 100 دولار أميركي.
أما في الأردن فسيتم إرسال وفد من نظام الأسد لطلب وضع صناديق انتخابية في المخيمات السورية، مع إغراءات مشابهة لما سيتم تقديمه للاجئين السوريين في لبنان. وسيقدم الوفد وعوداً للحكومة الأردنية في حال قبلت، ببذل المزيد من إجراءات ضبط الحدود وعدم السماح بتهريب عناصر تنظيم “داعش” والمخدرات، ومنح الشاحنات الأردنية مزايا جديدة في عبورها إلى لبنان.
وأوضح عبد النور، أن مكتب الأمن الوطني يتخوف من منع مناطق شمال شرقي سوريا وشمال غربها من وضع صناديق انتخابية هناك، ما يجعل الطعن في نتيجة الانتخابات أمراً سهلاً لكونها لن تشمل سوى 65 بالمئة فقط من سوريا. وعليه يعتزم النظام أيضاً وضع صناديق اقتراع في مدينة خان شيخون التابعة لمحافظة إدلب، وتصوير عملية الانتخابات داخلها على الرغم من خلوها من سكانها، بهدف تصدير صورة للعالم أن الانتخابات شملت كل التراب السوري.
وبحسب المعلومات التي نقلها عبد النور، تحدث الأسد عن دور الإعلاميين في الحرب السورية بتأكيده أن ذلك الدور كان محورياً وأنهم كانوا من قادتها، مشيراً إلى أن الحرب على إدلب تمت بمشاركة الروس وأوقفت بإرادتهم لتحقيق مصالح استراتيجية تخصهم في المنطقة، وبدا كأنه غير راض عن إيقافها.
وأوضح الأسد أن جيشه ومعداته وضعت تحت تصرف روسيا في بداية المعركة التي أوقفت برغبة روسية، وأن قواته كانت مستعدة للاستمرار بالحرب بمفردها لولا تدخل الروس وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار، كما تحدث عن الدور التركي في إدلب، وعن الغطاء الذي تقدمه القوات التركية للمعارضة، وعن الوعود بفصل المعارضة السورية المعتدلة عن الإرهابية، بحسب وصفه، معتبراً أن هدف ذلك هو كسب المزيد من الوقت.
وتطرق رئيس النظام لمناطق سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” محذراً من أن الأكراد سيواجهون مصيراً شبيهاً بما واجهوه شمال العراق، من تخلي الولايات المتحدة عنهم، وأن ليس أمامهم سوى العودة لحضن النظام، زاعماً أن الدعم الذي تلقاه أكراد العراق من قبل إيران والحشد الشعبي العراقي، هو ما ساهم بتقوية مناطق نفوذهم. وأشار إلى أن إعلان استفتاء الاستقلال في شمال العراق كانت له تبعات كارثية، وأن الأكراد في سوريا يحاولون تكرار الخطأ الذي ارتكبوه هناك.
يذكر أن النظام السوري إلى إجراء انتخابات رئاسية في منتصف العام الجاري، وفق الدستور الذي وضعه العام 2012، وهي انتخابات شكلية تمدد رئاسة الأسد 7 سنوات آخرى لا أكثر. فيما لا تعترف المعارضة السورية والمجتمع الدولي بشرعية هذه الانتخابات، لعدة أسباب من بينها عدم الاعتراف أصلاً بالدستور الحالي للبلاد الذي تجتمع من أجله اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة، لتغييره.
المدن
—————————-
حراك تعليق العقوبات على نظام الاسد..ما مصلحة ماكرون؟/ مصطفى محمد
تسود حالة من الترقب في واشنطن لما ستؤول إليه المطالبات بإلغاء حزم عقوبات “قيصر” المفروضة على النظام السوري، بعد إرسال شخصيات سياسية ورجال دين مسيحيين رسائل إلى الإدارة الأميركية وحكومات أوروبية، طالبوا فيها بإلغاء العقوبات، تفادياً لتداعيات العقوبات على الشعب السوري، بحسب ما زعمت الرسالة.
وعلمت “المدن” من مصادر في واشنطن، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، شكّلت لجنة من مسؤولين في وزارات الخارجية والخزانة والصحة والوكالة الأميركية للتنمية، لأجل دراسة تعليق العقوبات على النظام السوري.
وحسب المصادر، فإن الأرجح أن تقرر اللجنة تعليق العقوبات، لأنه من غير الممكن إلغاء القانون (قيصر) دون الرجوع إلى الكونغرس، موضحة أن “لدى اللجنة صلاحيات باتخاذ قرار تعليق العقوبات، تحت مبررات طارئة وغير متوقعة، مرتبطة بوباء كورونا”.
وتخشى المصادر أن يُعلّق قانون العقوبات فعلاً، وأن يأخذ وقتاً طويلاً قبل إعادة تفعيله، وهو ما يعطي النظام السوري فرصة لإنعاش اقتصاده مجدداً.
من يقود الحملة؟
في خطوة مفاجئة، وقع أكثر من 95 شخصية عربية وعالمية على الرسائل التي وُجهت للإدارة الأميركية وعدد من الحكومات الأوروبية، التي استندت إلى تقرير الخبيرة الأممية ألينا دوهان، ادّعت فيه أن العقوبات على النظام السوري تُفاقم الوضع الصحي، وتضع الشعب السوري تحت العقاب الجماعي.
وحول دوافع وأهداف الشخصيات، ميّز الكاتب الصحافي المعارض، ورئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، أيمن عبد النور بين أكثر من طبقة مشاركة في الرسائل، مؤكداً ل”المدن”، أن الحملة تمت بطلب شخصي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقال: “ما وصلنا أن شخصيات مسيحية تلقت اتصالات من قصر الإليزيه، مفادها كتابة وإعداد رسائل تستجدي إلغاء العقوبات على النظام السوري، وإرسالها إلى ماكرون، لاستخدامها كوثيقة خلال حديثه مع الرئيس الأميركي جو بايدن”.
وحول مصلحة ماكرون من إلغاء العقوبات على النظام السوري، قال عبد النور إن مستشاري ماكرون أقنعوه بوحدة الملفين الاقتصاديين اللبناني والسوري، مضيفاً: “بعبارة أخرى، يعتقد ماكرون أن الوضع الاقتصادي في لبنان محكوم بقرينه السوري، وإعادة إعمار بيروت لن تتم فيما عقوبات قيصر مفعّلة، كذلك اشترطت جهات لبنانية على ماكرون رفع العقوبات عن النظام السوري، مقابل تسهيل أعمال إعادة إعمار بيروت”.
أما عن بقية الطبقات التي شاركت في الحملة الداعمة للنظام، كشف عبد النور عن وجود أصابع روسية، مشيراً في هذا الصدد، إلى استناد الرسائل على تقرير للخبيرة الأممية البيلاروسية ألينا دوهان، متهماً إياها بالتعاون مع المخابرات الروسية.
كذلك أشار عبد النور إلى مشاركة مباشرة من مسؤولين من داخل النظام السوري وعلى رأسهم فواز الأخرس والد زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وعدد من مدراء الجمعيات والمنظمات التي تعمل في مناطق سيطرة النظام السوري.
تحرك “مسيحي” مضاد
كل ذلك، دفع بشخصيات ومنظمات متواجدة في الولايات المتحدة إلى اطلاق حراك مضاد. وأكد عبد النور أن شخصيات مسيحية بصدد وضع اللمسات الأخيرة على الرسالة التي سيتم توجيهها للإدارة الأميركية والرئيس بايدن، وقال: “نجحنا في جمع تواقيع لشخصيات مسيحية من 6 دول عربية هي: سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن، العراق ومصر”.
وحول فحوى الرسالة، أشار إلى أن الرسالة تشرح أن قانون “قيصر” يستثني المواد الغذائية والطبية، ولا يمنع وصولها إلى النظام السوري، وأن “قيصر” موجه ضد النظام وليس الشعب السوري، كما تزعم الرسالة التي تُطالب برفع العقوبات.
————————–
واشنطن تتحرك نحو الأزمة السورية…وتتعاون مع أنقرة
قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إن الإدارة الأميركية ستجدد المساعي نحو تحقيق تسوية سياسية لإنهاء الأزمة السورية وذلك مع إجراء مشاورات عن قرب مع حلفاء واشنطن والتعاون مع الأمم المتحدة.
وأضاف برايس في مؤتمر صحافي، أن “التسوية السياسية يجب أن تعالج الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الحرب التي استمرت لنحو عقد من الزمن”. وقال إن “الإدارة الأميركية ستستخدم الأدوات المتوفرة لها، بما فيها الضغط الاقتصادي للدفع نحو إصلاح جدي والمحاسبة ومتابعة الأمم المتحدة دورها في التفاوض على تسوية سياسية بما يتوافق مع القرار الأممي 2254”.
ورفض المتحدث باسم الخارجية الأميركية تأكيد أو نفي التقارير التي تحدثت عن عزم وزير الخارجية أنطوني بلينكن تعيين المسؤول الأميركي والأممي السابق جفري فيلتمان مبعوثاً خاصاً إلى سوريا مؤكداً أن “أي تسوية سياسية يجب أن تعالج أسباب اندلاع الأزمة السورية”.
وقال برايس إن “سوريا كارثة إنسانية وسنستعيد الدور الريادي الأميركي في تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين الضعفاء في الداخل واللاجئين في الخارج”.
من جهة أخرى، أجرى المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أول مباحثات بين أنقرة وواشنطن بعد وصول الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن إلى البيت الأبيض، وتطرقا فيها إلى القضية السورية.
وقالت الرئاسة التركية في بيان إن قالن وسوليفان توصلا إلى ضرورة تعزيز مسار الحل السياسي في سوريا، وتطرقت المباحثات إلى الوضع في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، إذ أكد الطرفان ضرورة “اتخاذ تدابير ملموسة للحيلولة دون حدوث موجة نزوح جديدة قد تؤدي إلى مفاقمة الأزمة الإنسانية في المنطقة”.
واتفق الجانبان على ضرورة بذل جهود مشتركة لحل القضايا الخلافية بين البلدين عبر رؤية جديدة، في ما يخص عدداً من الملفات، مثل منظومة “إس-400” الروسية التي اشترتها أنقرة، ومسألة مقاتلات “إف-35” التي تحجم واشطن عن تسليمها لتركيا، إضافة إلى الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا.
————————
انزعاج في موسكو من رهان دمشق على حوار واشنطن
أعربت مصادر مطّلعة في موسكو عن «الانزعاج» من إشارات وصلت عن رغبة دمشق في الحوار مع واشنطن.
وأبلغ الدبلوماسي رامي الشاعر، القريب من الخارجية الروسية، «الشرق الأوسط» بأنه «بعد فشل الجولة الخامسة لاجتماع الهيئة المصغرة للجنة الدستورية في جنيف، أصبح جلياً للعيان عدم تجاوب القيادة في دمشق مع نصائح الأصدقاء، والإصرار على المضي قدماً، واتّباع النهج نفسه الذي تصرّ عليه، تحت عنوان الدفاع عن وحدة الأراضي السورية، واستئصال الإرهاب منها، والدفاع عن سيادتها ووحدتها».
وأضاف الشاعر أن «بعض المقربين من القيادة في دمشق ذهبوا إلى أبعد من ذلك، عبر الترويج لقناعة بأن وضع دمشق أصبح أفضل بقدوم الإدارة الأميركية الجديدة، والرهان على أن إشارة بسيطة من دمشق قد تقلب العلاقات الأميركية – السورية إلى دعم للنظام والحفاظ عليه، مقابل إنهاء دور روسيا، وإبعادها عن الشرق الأوسط، وليس من المستغرب في هذا السياق أن تتسرب أنباء عن محاولات اتصالات سرية أمنية بين دمشق وواشنطن وتل أبيب، بواسطة وسطاء مشبوهين».
على صعيد آخر، بدأت القوات التركية وعدد من عناصرها على طريق «حلب – اللاذقية» في شمال غربي سوريا، بوضع كاميرات مراقبة على الطريق، حسب مصادر معارضة و«المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس.
وأفاد «المرصد» وشهود عيان في حلب والحسكة والقامشلي بتبادل قوات النظام و«الإدارة الذاتية» إجراءات لتخفيف الحصار على مناطق محاصَرة من الطرفين، وذلك بموجب وساطة روسية.
——————-
القوات التركية تضع كاميرات مراقبة على طريق حلب ـ اللاذقية
واشنطن تدين «التفجيرات الإرهابية» في شمال سوريا
أنقرة: سعيد عبد الرازق إدلب: فراس كرم
بدأت القوات التركية وعدد من عناصرها على طريق «حلب – اللاذقية» في شمال غربي سوريا، بوضع كاميرات مراقبة على الطريق، حسب مصادر معارضة و«المرصد السوري خلوق الإنسان» أمس.
وأكد مسؤول وحدة الرصد والمتابعة في المعارضة السورية «أبو صطيف الخطابي» أمس، أن ورشات وقوات عسكرية تركية بدأت منذ ثلاثة أيام بتركيب كاميرات مراقبة وألواح طاقة شمسية لتغذية الكاميرات على الطريق الدولي، من القرب من مدينة أريحا جنوب إدلب، مروراً بمنطقة بداما، وصولاً إلى منطقة عين حور ضمن الحدود الإدارية التابعة لمحافظة اللاذقية.
ونشرت القوات التركية كاميرات المراقبة في نقاطها العسكرية، وقامت بإخلائها من الجنود. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن الجيش التركي أنشأ غرفة عمليات مركزية لمراقبة التحركات على الطريق، خاصة عمليات زرع العبوات الناسفة التي تستهدف الجيش التركي، وسابقاً الدوريات الروسية – التركية المشتركة، ومستهدفي النقاط التركية في المنطقة.
وأوقفت روسيا الدوريات المشتركة لقواتها مع القوات التركية منذ أغسطس (آب) الماضي احتجاجاً على عدم تنفيذ تركيا التزامها بتأمين مسار الدوريات المشتركة على طريق إم 4، بموجب اتفاق موسكو لوقف إطلاق النار في إدلب الموقع في 5 مارس (آذار) 2020، بعد تعرض هذه الدوريات للعديد من الهجمات. وتم نشر الكاميرات على مسافات متساوية بحيث يفصل بين كل منهما 3 كيلومترات تقريباً بدءاً من قرية بداما التابعة لمدينة جسر الشغور جنوب غربي إدلب، حتى مدينة أريحا جنوب إدلب.
وأصيب جنديان تركيان، أول من أمس، في هجوم نفذه مجهولان كانا يستقلان دراجة نارية على إحدى كبائن الحراسة التركية على الطريق. ونشر الجيش التركي، في 4 يناير (كانون الثاني) الماضي، كبائن حراسة إسمنتية على الطريق الدولية، بهدف حماية الجسور على طول الطريق من التفجيرات.
ونشرت تركيا قواتها في مناطق محافظة إدلب، وبخاصة في جنوبها، بعد انسحابها من مناطق سيطرة النظام، حيث أنشأت عشرات النقاط العسكرية في مناطق مختلفة كان آخرها في بلدة قسطون في سهل الغاب غرب حماة.
وتخضع إدلب لاتفاق «موسكو» الموقع بين الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في 5 مارس 2020، الذي نص على إنشاء «ممر آمن» وتسيير دوريات مشتركة على طريق حلب – اللاذقية (إم 4) بين بلدة الترنبة (شرق إدلب) وحتى عين الحور في ريف اللاذقية، آخر المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية.
على صعيد آخر، تتفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية لدى النازحين في المخيمات شمال غربي سوريا مع استمرار تدني درجات الحرارة وموجات الصقيع، وعقب عاصفة مطرية ألحقت بالنازحين خسائر مادية كبيرة جراء السيول التي تشكلت نتيجة الأمطار الغزيرة.
وقال الناشط عمر الأشقر في مخيمات سرمدا شمال سوريا: «يعيش النازحون ضمن المخيمات خلال الآونة الأخيرة، أصعب الظروف الإنسانية والمعيشية، في ظل موجات البرد القارس والصقيع وتدني درجات الحرارة إلى ما دون تحت الصفر في كثير من الأوقات وتحديداً مع بدء ساعات الليل. بالمقابل حتى الآن لم تسهم المنظمات والجهات الإنسانية المحلية والدولية في توفير وسائل التدفئة السليمة، مما يضطر كثير من النازحين لاستعمال وسائل تدفئة غير نقية، ما ينجم عنها حالات أمراض تنفسية، فضلاً عن احتراق كثير من الخيام بسبب اشتعال النيران داخلها».
ولفت، إلى أن هذه الحالة الصعبة التي يعاني منها النازحون الآن أتت عقب عاصفة مطرية نهاية الأسبوع الماضي دمرت ما يقارب 20 ألف خيمة ضمن مخيمات أطمة وحارم وعقربات وقاح وسرمدا نتيجة تشكل السيول الجارفة والعواصف الهوائية، الأمر الذي تسبب أيضاً بتضرر حوالي 120 ألف نازح معظمهم فقدوا كل ممتلكاتهم داخل الخيام (أغطية وأدوات أخرى) دون أن تساهم المنظمات إلى دعمهم ومساعدتهم. وأضاف أنه لا بد من تدخل إنساني ومساعدة النازحين بشكل عاجل، للحد من تفاقم أوضاعهم الإنسانية والمعيشية.
على صعيد آخر، أعلنت واشنطن أنها «تدين الهجمات الإرهابية التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي في أعزاز والباب وعفرين وأسفرت عن مقتل 20 مدنياً على الأقل، بما فيهم أطفال». وأضافت: «نتقدم بتعازينا الحارة لأسر المدنيين القتلى ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى في أعمال العنف الدنيئة هذه التي لا معنى لها. وتشعر الولايات المتحدة بقلق عميق من وتيرة تكرار الهجمات المماثلة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الاستخدام المتكرر للعبوات الناسفة في السيارات. يجب تقديم المسؤولين عن ارتكاب أعمال العنف إلى العدالة، فأفعالهم تعرض الشعب السوري للخطر وتهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة أكثر».
وتخضع هذه المناطق لسيطرة فصائل تدعمها أنقرة. وتشهد مناطق شمال سوريا التي تسيطر عليها تركيا وفصائل سوريا موالية لها تفجيرات بسيارات ودراجات مفخخة، ونادراً ما تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها. وغالباً ما تتّهم أنقرة المقاتلين الأكراد الذين تصنّفهم «إرهابيين» بالوقوف خلفها.
وأدى تفجير سيارة مفخخة السبت إلى مقتل ثمانية مدنيين بينهم أربعة أطفال في مدينة عفرين شمال غربي سوريا.
وفي 2 يناير، قُتل مدني وأصيب 9 آخرون بانفجار سيارة مفخخة في جنديرس بريف عفرين، كما انفجرت في اليوم نفسه سيارة مفخخة قرب سوق للخضر في بلدة رأس العين الحدودية، ما أدى إلى قتلى وجرحى.
ومنذ عام 2016، سيطرت تركيا وفصائل سورية موالية لها على عدة مناطق في شمال سوريا بعد هجمات عدة شنتها ضد تنظيم «داعش» ومقاتلين أكراد.
وهذه من المرات النادرة التي تدين فيها واشنطن هذه التفجيرات.
————————-
دعوات لرفع العقوبات عن نظام الأسد
بعد أن أقرّت الولايات المتحدة الأمريكية، تنفيذ تطبيق “قانون القصير” الذي صادق عليه الكونغرس لمعاقبة رأس النظام السوري “بشار الأسد” والكيانات الداعمه له، تحاول مجموعات داعمة للأسد، عبر منظمات ومؤسسات من طوائف مختلفة، تقديم رسائل للدول الأوروبية، من أجل الوساطة لرفع العقوبات عن النظام، باعتبار تلك الجماعات، أنّ “قانون قيصر” سبب أزمة اقتصادية خانقة للبلاد.
كشفت مصادر محلية، أنّ 95 شخصية عربية وعالمية، معظمهم رجال دين مسيحيون، أرفقوا دعوة لخبيرة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، “ألينا دوهان”، تفيد بأنّ العقوبات الأمريكية، تزيد من معاناة المواطن السوري، إضافة إلى تعرّض الشعب لعقاب جماعي وانتهاكات حقوق الإنسان.
وفي المقابل، يخشى المناهضون للنظام السوري، أن تجد تلك الرسالة آذاناً صاغية، تعيد معاناة السوريين من جديد، الذين ما زالوا يطالبون برحيل السلطة الحاكمة التي واجهت تظاهراتهم السلمية بشتى أنواع الأسلحة.
وعمل النظام السوري، على مواجهة الشعب الثائر، منذ بداية الثورة السورية، عام2011، بالاعتقال والقتل بالأسلحة المحرّمة دولياً، حتى إنّ الآلة العسكرية أجبرت أكثر من 10 مليون شخص على مغادرة البلاد، خوفاً من الموت أو الاعتقال.
وفي الصدّد، يقول الباحث السوري من واشنطن، “أيمن عبد النور”، أنّ نظام بشار الأسد هو من استخدم رجال الدين المسيحيين والشخصيات “القومية العربية” ليرفع العقوبات، حتى يستمرّ “بشار الأسد” متحكماً في مقدرات البلاد.
وأشار “عبد النور” إلى أنّه تبين لاحقاً، أنّ أمين “عام الإليزيه” هو من اتصل بهم، لينقل رغبة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالتوقيع على هذه الرسالة “المناشدة الإنسانية” لاستخدامها كرافعة خلال لقائه الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن.
وأكد الباحث السوري، أنّ الرسالة كانت بتكليف مدير منظمة “التضامن المسيحي العالمي” بمتابعة الشخصيات المسيحية الفاعلة، وبمعظم دول العالم، للتوقيع على الرسالة.
المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا
وخلال اطلاع “المصدر” على الرسالة، وبعد البحث بمضمون الرسالة التي وصلتنا نسخة منها، يقول: “توقفنا عند جملة لها بعد اقتصادي، وهي أنّ العقوبات الأوروبية والأمريكية، وخاصة قانون قيصر، تقف بوجه دخول المساعدات وتنشيط التجارة والاستثمار الضروري من أجل النظام الصحي السوري والتطوير الاقتصادي كي يعمل بشكل جيد في سوريا”.
وكانت شخصيات سياسية ورجال دين مسيحيون، قد أرسلوا رسائل إلى واشنطن وحكومات أوروبية، في 21 كانون الثاني الماضي، لرفع العقوبات المفروضة على النظام السوري، بحجة ضغط العقوبات على الشعب السوري، وحرمانه من المساعدات الإنسانية.
وأوضحت الرسائل التي كان فواز الأخرس، والد أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام السوري، ضمن الموقعين عليها، إلى تحذيرات المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة “ديفيد بيزلي”، من أنّ ملايين السوريين يعانون ضغوطًا شديدة ناجمة عن الضرر الكبير الذي تعرّض له نظام الرعاية الصحية خلال سنوات الأزمة، مجددة التأكيد أنّ الإجراءات القسرية المفروضة من الولايات المتحدة تفاقم معاناة الشعب السوري.
يشار إلى أنّ العقوبات الأمريكية، في أعقاب سلسلة العقوبات التي فرضتها واشنطن على سوريا، وتمثل ضغطاً من الولايات المتحدة لدفع دمشق للعودة إلى المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الحرب الأهلية التي بدأت قبل نحو 10 سنوات. كما أنّ تلك العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أدّت إلى تجميد الأصول الأجنبية المملوكة للدولة السورية ومئات الشركات والأفراد.
ويرى محللون أنّ هذا التحرُّك لرفع العقوبات عن سوريا، المتزامِن مع وجود تخطيط مركزي له، يسعى إلى انتهاز فرصة المرحلة الانتقالية للإدارة الأمريكية والتشويش على خياراتها المقبلة بالنسبة للنظام السوري.
ليفانت – وكالات
————————
=======================
تحديث 04 شباط 2021
—————————
إسرائيل ونظام الأسد: خدمات متبادلة؟/ بكر صدقي
لم تؤكد تل أبيب، ولم تنفِ، حدوث اجتماع بين ضباط استخبارات إسرائيليين ونظراء لهم من نظام الأسد، في قاعدة حميميم الروسية على شاطئ المتوسط، وكذا بالنسبة لاجتماع سبقه في قبرص، برعاية روسية للاجتماعين. هذا يسمح بافتراض أن أخبار الاجتماعين صحيحة، أما فحوى المحادثات فلا يمكن إلا إطلاق بعض تكهنات بشأنها، في غياب الإعلان الرسمي من الطرفين، بناءً على قراءة مصالحهما وحاجاتهما المتبادلة.
من جهة نظام الأسد الكيماوي، هو بحاجة أكيدة لإسرائيل لتكون نوعاً من «لوبي أسدي فعال» لدى الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن في واشنطن. وفي ذاكرته تلك الخدمة المجانية الثمينة التي قدمتها له إسرائيل في واشنطن باتجاه إلغاء الضربة الأمريكية التي هدد بها باراك أوباما عقاباً للأسد على استخدام السلاح الكيماوي في ضرب الغوطة، وترتيب الصفقة الكيماوية التي لم تكتفِ بإنقاذ النظام، بل منحته إجازة أمريكية – دولية لمواصلة قتل السوريين بجميع أنواع الأسلحة الأخرى، من غير خشية أي محاسبة محتملة على جرائمه.
هناك الآن إدارة أمريكية جديدة من المحتمل أن تكون سياستها السورية امتداداً لسياسة عهد أوباما، وبخاصة أن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران هي العنوان الأبرز لسياسة الإدارة الجديدة في منطقتنا. يأمل النظام، إذن، أن تستمر السياسة الأوبامية تجاه سوريا من ناحية الاطمئنان إلى قبول واشنطن ببقائه، وعدم ممارسة ضغوط إضافية لإرغامه على الانخراط في تسوية سياسية على أساس قرار مجلس الأمن 2254. ومهما امتلك النظام من أدوات دبلوماسية في واشنطن، فهي لن تكون بفعالية إسرائيل القادرة على تسويق النظام بدعاوى تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي.
هل يستطيع النظام إقناع إسرائيل بذلك؟ أو ما الذي يمكن للنظام أن يقدمه لإسرائيل مقابل هذه الخدمة؟ أو ما الذي قد تطلبه إسرائيل من النظام؟ هذه صياغات مختلفة لسؤال واحد. وأول ما يخطر على البال جواباً عليه هو: إيران، أو الوجود الإيراني في سوريا. معروف أن هذا الوجود يثير حفيظة كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وربما روسيا. إدارة بايدن التي تتهيأ لخوض مفاوضات جديدة مع إيران قد لا تبدي المرونة الأوبامية ذاتها إزاء النفوذ الإيراني في المنطقة، هذا على أي حال ما تأمله إسرائيل وستضغط باتجاهه لمصلحتها الخاصة. أما موضوع النظام الكيماوي فالتوقعات تجمع على أن مصيره ليس على جدول أولويات الإدارة الجديدة، لكن عقوبات «قانون قيصر» هي ما يكسر ظهر النظام ويحتاج إلى إلغائها. هنا يمكن لإسرائيل أن تلعب دوراً مشجعاً في هذا الاتجاه، مقابل تخلي النظام المفترض عن خدمات حليفه الإيراني.
هل يستطيع النظام أن يتخذ قراراً بحجم فك تحالفه مع إيران؟ هذا ما لا يمكن التكهن به، وإن كان المرجح أنه لا يملك هذه القدرة، فإيران لن تتوانى عن أي ارتكاب في مواجهة خيانته المفترضة لها، حتى لو بدافع الانتقام وحده، بعد كل ما استثمرته في بقائه من أموال وإمكانيات ورجال. يبقى الطريق الأسلم لفك هذا التحالف هو توافق أمريكي – روسي حول إخراج إيران من سوريا بقرار من مجلس الأمن، بحيث لا يتحمل النظام مسؤولية ذلك وعواقبه. وأفضل من يمكنه إقناع كل من الروس والأمريكيين معاً بهذا الشأن هو إسرائيل.
من المحتمل أن يكون مصير سوريا، والنظام السوري، جزءاً من صفقة شاملة بين عدد من الدول، روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل والدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والمنظومة الخليجية وربما دول أخرى، بما يؤدي إلى «نظام شرق أوسطي جديد» يأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات الكثيرة التي حدثت في العقدين الأخيرين. فجميع مشكلات المنطقة مترابطة بطريقة أو بأخرى، إضافة إلى أن الدول الأقوى ستسعى إلى هذا الربط من أجل امتلاك أوراق قوة للتفاوض عليها فيما بينها. وتبدو سوريا بذاتها مجموعة من المشكلات الموضعية المنعزلة التي ستعمل الدول المنخرطة في الصراعات السورية على ربطها معاً لمقايضة مكاسب متبادلة. نلاحظ، على سبيل المثال، أن تركيا وروسيا والولايات المتحدة هي الجهات الفاعلة والمتنافسة في الشمال، مقابل إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة في الجنوب. كذلك فإن انخراط حزب الله في الصراع السوري لمصلحة إيران يفتح الباب على المشكلة اللبنانية أيضاً. وفي الشرق يربط الموضوع الكردي، والصراع المتجدد ضد داعش، بين مشكلات كل من العراق وسوريا. أما الموضوع الإيراني بذاته فهو موضع اهتمام كل من إسرائيل ودول الخليج، وحتى تركيا إلى حد معين.
لن أدخل في لعبة التكهنات بشأن ما يمكن أن تضيفه إدارة بايدن إلى السياسة الأمريكية في منطقتنا. صحيح أن الخطوط العريضة لهذه السياسة معروفة بشكل تقريبي، لكن التطورات المحتملة وأعمال اللاعبين الإقليميين من شأنها أن تغير تلك السياسة وفقاً للضرورات.
كاتب سوري
القدس العربي
————————-
من فيلتمان إلى مالي.. هل دخلت المنطقة في الحقبة السوداء مجدداً؟/ منير الربيع
غالباً ما تنطوي السياسة الخارجية الأميركية على كمّ هائل من التناقضات لأسباب عديدة منها ما هو داخلي وآخر خارجي. تلك التناقضات تفسح المجال أمام الذهاب إلى تحليلات كثيرة حول خلفيات المواقف، وطرح أسئلة إذا ما كانت سياسة الولايات المتحدة تتغير بتغير الأشخاص، أم أن المسار الذي تفرضه الدولة العميقة هو الذي يبقى قائماً ومستمراً.
حتى الأشخاص الذين يتولون مناصب في الإدارة تتضمن مواقفهم جانباً من التناقض، وأبرزهم جيفري فيلتمان، الذي سرت معلومات عن احتمال تعيينه مبعوثاً أميركياً إلى سوريا، فيما استبعدت معطيات أخرى أن يحصل هذا التعيين.
كان لفيلتمان قبل أيام مواقف لافتة ومهمة حيال الملف السوري والسياسة الأميركية التي وصفها بالفاشلة تجاه سوريا. جاء كلامه بالتزامن مع نشر مركز دراسات بيغن السادات تقريراً تناول اللقاء الذي عقد بين وفدين إسرائيلي وسوري في قبرص.
وبحسب ما يشير إليه التقرير، كانت وجهة النظر السورية واضحة، حول الحاجة إلى الحصول على مساعدات لأن الأزمة الاقتصادية الخانقة لا يمكن تحملها وقد تؤدي إلى تداعيات أمنية. ويفيد التقرير بأن النظام السوري رأى أنه لا يمكن التخلص من النفوذ الإيراني من دون التخلص من الديون لأن إيران منحته مبالغ مالية طائلة، وللتخلص من الديون هناك حاجة للعالم العربي ودعمه والعودة إلى الجامعة العربية، وهذا لا بد أن يرتبط بتفاوض مع إسرائيل.
مما لا شك فيه أن النظام السوري جاهز لتقديم أي تنازلات للإسرائيليين، لكنه لن يكون قادراً على توفير أي مقومات للخلاف أو الصراع مع الإيرانيين، أولاً هو لا يريد ذلك، وثانياً حتى لو أراد يفتقد القدرة على ذلك، بسبب التغلغل الإيراني الهائل في المجتمع السوري والمناطق السورية، من خلال عمليات تملك وتجنيس وتشييع واختراقات أمنية في مخلتف مؤسسات النظام. لا بد من التنبه إلى أن النظام الخبير في لعبة التسويف والرهانات على التحولات الدولية والإقليمية بتناقضاتها، لديه رهان أساسي في ظل ولاية جو بايدن، وهو حصول مفاوضات إيرانية أميركية، يستفيد منها إلى جانب مفاوضاته مع الإسرائيليين لتحسين موقعه والبحث عن فرص لإعادة تعويمه دولياً. يراهن الأسد على أن تؤدي المفاوضات الأميركية الإيرانية إلى تخفيف العقوبات التي يتعرض لها، فيلتقط أنفاسه ويكسب المزيد من الوقت.
من جهته يقول فيلتمان في تعليقه على السياسة الأميركية الفاشلة في سوريا، إن المخاطر التي تهدد النظام هي الضغوط الاقتصادية، ومن غير الممكن أن تقوم سياسة واشنطن على تغيير النظام، وهذا يعني أن فيلتمان يطرح على النظام نوعا من المقايضة بين تخفيف العقوبات مقابل تقديم تنازلات، على الرغم من قناعته أن النظام السوري لن يقدم أي تنازلات حقيقية تتعلق بالإصلاح السياسي أو إطلاق المعتقلين، والأهم في ما قاله فيلتمان إن الإيراني لن يخرج من سوريا، وهناك مسار طويل، هذا الكلام يكفي للرد على كل الرهانات التي يبنيها البعض بأن الانفتاح على النظام وتقديم الدعم المالي له سيؤدي به إلى الخروج من الحضن الإيراني. بمعنى آخر أنه حتى لو تم منح الأسد 20 مليار دولار فلن يكون قادراً على إخراج إيران من سوريا.
يمثل جيفري فيلتمان شخصية إشكالية كبيرة في السياسة الأميركية، فهو من أكثر الخبراء بالوضع السياسي في المنطقة، لا سيما عندما كان سفيراً في لبنان، واكب أبرز التحولات التي شهدتها المنطقة، وهو الذي كان شاهداً ومواكباً لانحسار النفوذ السوري في لبنان لحساب النفوذ الإيراني، وواكب ودعم أيضاً انتفاضة 14 آذار اللبنانية ضد النظام السوري وحزب الله، وصولاً إلى حدّ المواجهة العسكرية التي عندما اندلعت انكفأ الأميركيون والأوروبيون ولم يدعموا حلفاءهم بل تخلوا عنهم، ما أدى إلى تعزيز دور حزب الله ونفوذه وفتح الطريق أمام السيطرة الكاملة. السياسة نفسها اتبعت من قبل الولايات المتحدة في سوريا عند اندلاع الثورة السورية.
فيلتمان نفسه الذي كان من أشرس المعارضين لإيران والنظام السوري، تبين فيما بعد أنه صاحب الدور الأبرز انطلاقاً من موقع في الأمم المتحدة بالعمل على المفاوضات بين واشنطن وطهران حول الملف النووي، وكان من أبرز العاملين في سبيل توقيع الاتفاق، وبالإمكان العودة إلى لقائه الشهير مع المرشد الإيراني علي خامنئي وكل ما قاله فيلتمان عن مزايا هذا اللقاء في حينها.
إشكالية أخرى مطروحة حول السياسة الخارجية الأميركية وهي تعيين روبرت مالي مبعوثاً من قبل البيت الأبيض لإيران، مالي معروف بتأييده لإيران وتعاطفه معها، ومن أبرز المعارضين للثورة السورية، وهو الذي عمل سابقاً بقوة على خطّ المفاوضات الأميركية الإيرانية للوصول إلى الاتفاق النووي، وجوده وحده يكفي لأن يتشاءم معارضو النظام وخصومه، ويشعر بالخوف، بينما آخرون يعتبرون أن تعيينه في منصبه تمّ لأنه لا يحتاج إلى موافقة من الكونغرس، مع الإشارة إلى أن الكونغرس لم يكن بالإمكان أن يوافق عليه، وتعيينه يأتي بسبب انتماء مالي إلى اليسار المحسوب على أوباما والذي يتمتع بعلاقات قوية مع الإيرانيين، بعض الأميركيين يعتبرون أن التعيين له أسباب داخلية أميركية، فيما لن يكون للرجل أي أثر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في إيران، خصوصاً في ظل مواقف وزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي والبنتاغون.
في أحد الردود على المتخوفين من المسار الجديد للسياسة الأميركية، ثمة من يستعين بالإجابة إلى نجاح ترامب في إلغاء كل المفاعيل التي أرساها أوباما، أولها الانسحاب من أفغانستان والعراق، وتحسين العلاقة بدول الخليج وبتركيا، بينما خاض أوباما مجموعة حروب، حرب اليمن، الحرب على داعش، بينما ترامب أرسى مبدأ الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط. كل هذه المواقف يراد منها الإشارة إلى التناقض في السياسة الأميركية عندما تتغير الإدارات. ولكن بحال استمر بايدن في سياسة الانكفاء والانسحاب، فإن ذلك سيؤدي إلى تكريس نظرية الفراغ الذي يحتاج لطرف يملؤه، هذا الدور الذي تطمح إليه فرنسا إيمانويل ماكرون، فيطرح الرئيس الفرنسي العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي بمشاركة الدول الإقليمية وهو يقصد السعودية، يريد ذلك لتمرير صفقات أسلحة إلى السعودية وليتمكن من تكريس دوره في المنطقة بالرهان على علاقته مع إيران والسعودية معاً. هذا كله يقود إلى أن السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط لا تزال غير واضحة.
عندما أعلن دونالد ترامب عن نيته في توجيه ضربة إلى إيران لم يفعل وبقي مساره التصعيدي مرتكزاً على العقوبات الاقتصادية والخطابات فقط، بينما كان يؤكد أنه لو أعيد انتخابه فسيذهب إلى اتفاق مع طهران، الذهاب إلى هذا الاتفاق لا تختلف عليه الإدارات، ما يعني أن بايدن أيضاً يريد الذهاب إلى توقيع اتفاق. وعندما أعلن ترامب عن نيته باغتيال الأسد في العام 2018 بينما رفض وزير الدفاع حينها جيمس ماتيس فهذا يؤشر إلى دور الدولة العميقة في الولايات المتحدة والتي تتقدم على الأشخاص ومواقفهم.
بالنظر إلى المزيد من التناقضات، كان يقال سابقاً إن أمن الخليج من أمن أميركا، ولكن عندما ضربت السعودية لم تقم الولايات المتحدة بأي خطوة، وهذا لا يمكن إلا أن يستمر في مرحلة جو بايدن، ودول الخليج تعرف ذلك، لسببه اندفعت إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل. وسط قناعة بأن الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط مستمر. خلاصة التعيينات والمواقف والتناقضات، ستسهم في إعادة رسم خريطة التحالفات في المنطقة، دول الخليج وتركيا ومصر لن تكون على وئام مع واشنطن ما سيدفعها إلى التقرب من بعضها أكثر، ستبقى العين على مناطق النفوذ في سوريا والتي ستتعزز أكثر فأكثر انطلاقاً من الحماسة الأميركية لدعم الأكراد، إيران ستتشبث أكثر في مناطق نفوذها ومكتسباتها ولن تكون أبداً مستعدة لتقديم أي تنازل، ولو أدى ذلك إلى إعادة إنتاج تنظيم داعش للعودة إلى محاربته على غرار ما حصل أيام أوباما وتقاطع المصالح الإيرانية الأميركية التي فتحت الطريق أمام توقيع الاتفاق النووي. ستكون المنطقة أمام حقبة سوداء متجددة.
تلفزيون سوريا
————————–
إعلام عبري: الأسد.. والطاولة الإسرائيلية: هل يترجم الملف السوري إلى لغة شرق أوسط جديد؟
إذا صحت الأنباء التي نشرت مؤخراً وأفادت بأن رئيس النظام السوري الأسد وافق على أن يلتقي مسؤولين إسرائيليين كباراً، فستكون أمامنا خطوة استراتيجية مهمة تشير إلى خروج الأسد الابن عن سياسة أبيه، الذي ربط مصير بلاده بالإيرانيين بخلاف رأي كل الدول العربية. محمد سموني، المنفي السوري، ورجل الإخوان المسلمين، ومؤسس ومدير عام معهد الجسور الذي يعمل في تركيا ولندن، كان قد نشر مؤخراً أن الروس نجحوا في جلب مسؤولين إسرائيليين وسوريين كبار إلى لقاء في قاعدة الجو الروسية في سوريا. وواضح أن لا أساس من الصحة لهذا النبأ، ولكن موسكو وجدت من الصواب أن تنفيه علناً. فقد نفى مصدر سياسي روسي عليم النبأ، ولكنه أضاف بأن كانت في الماضي كما اليوم أيضاً محاولات من جانب روسيا لعقد محادثات بين سوريا وإسرائيل لإيجاد حل للوضع السائد بين الدولتين.
وبالتوازي مع هذه الأنباء، تروي وسائل الإعلام اللبنانية عن توتر متصاعد بين الأسد وحلفائه الإيرانيين و”حزب الله”، ممن لا يرون بعين العطف أي إمكانية لأن يتحدث الأسد مع إسرائيل. وقد وصل التوتر بينهم إلى توجيه تهديدات مبطنة بين الطرفين. وادعى “حزب الله” بأن السوريين مرتبطون بالانفجار الذي وقع في آب العام الماضي، وكاد يخرب كل ميناء بيروت. ويتهم “حزب الله” سوريا بتهريب المازوت والأدوية والدولارات من لبنان إليها. فردت دمشق بتلميحات بأن معقل “حزب الله”، الضاحية الجنوبية في بيروت، مكشوفة للإصابة.
وحسب المصدر الروسي، فإن موسكو معنية بحوار إسرائيلي سوري، وروسيا مستعدة لهذا الأمر على مراحل. في المرحلة الأولى، استضافة لقاءات غير ملزمة بحثاً عن القاسم المشترك وجوانب الخلاف، وفي المرحلة الثانية، إجراء محادثات ملزمة. كل ذوي الشأن على علم بأن زمن المحادثات الملزمة غير مناسب. ففي آذار ستجري انتخابات في إسرائيل، وفي نيسان ستجرى انتخابات رئاسية في سوريا. وعليه، فإن الروس سينظرون بعين العطف الآن إلى محادثات جس النبض غير الملزمة.
وحسب معهد الجسور، فإن هدف اللقاءات هو اتخاذ خطوات تمنع نفوذاً إيرانياً في الجولان. كما أن قوة الأمم المتحدة المسؤولة عن الرقابة على اتفاق فصل القوات بين الدولتين – جندت للمهمة. وزيادة عدد جنودها ستساعد في إبعاد الإيرانيين كما تطلب إسرائيل. وفهم الأسد بأن الأسرة الدولية لم تعد تطالب برحيله كشرط لحل الحرب الأهلية في بلاده. وهو سيكون جزءاً من إعادة بناء سوريا. لهذا الغرض، عليه أن يتقرب من الغرب ومن الدول العربية التي تطبع علاقاتها مع إسرائيل، كما يرغب في تلقي مساعدة مكثفة لإعادة بناء بلاده. وإذا ما أراد، فعليه أن يقيد النفوذ الإيراني في سوريا. وإذا ما قرر الأسد بعد الانتخابات إجراء تغيير استراتيجي، والاستجابة إلى طلب الروس والحديث مع إسرائيل، فسيؤدي الأمر إلى تغيير جوهري في المنطقة، وينبغي لإسرائيل منذ هذه اللحظة أن تستعد له. يجب أن تكون المرحلة الأولى محادثات عميقة مع الروس.
بقلم: إسحق ليفانون
معاريف 4/2/2021
القدس العربي
————————-
محكومون بسوريا الأسد/ رشا عمران
في إحدى أشهر مقابلاتها في السنة الأولى للثورة، قالت الممثلة الراحلة مي سكاف ردا على سؤال ما الذي دفعك للوقوف إلى جانب الثورة والثوار؟ قالت: ( لا أريد لابني أن يحكمه أيضا ابن بشار الأسد)، يومها بدا كلام الراحلة مي بقدر قوته بقدر غرابته واستحالته، إذ كان حافظ بشار الأسد طفلا، ومهما شطح الخيال بأحد منا فلم يكن من الممكن تخيل أن يحصل لسوريا شيء كهذا، يبدو أن الراحلة مي سكاف كانت تملك نبوءتها الخاصة، أو تلك النابعة من حدسها الوطني السوري الذي جعلها ترى مصير سوريا باكرا.
تتوالى الأخبار من سوريا عن حملة ترويجية إعلامية لتبييض صورة بشار الأسد قبل الانتخابات الرئاسية في منتصف العام الحالي، يقال إن الحملة تتضمن ظهورات لاحقة للرئيس وزوجته، في أماكن مختلفة من سوريا (المفيدة)، وإنها أيضا تتضمن محاولات إظهاره حريصا على الاهتمام بالوضع المعيشي المتردي، على مبدأ أن (الرئيس كويس بس يلي حواليه …..)، وتتضمن أيضا تهيئة عدد من المرشحين الصوريين للرئاسة، لإظهار الديمقراطية السورية بأزهى صورها، وهو ما يحدث حاليا فعلا، إذ أعلن أكثر من شخص لا يعرفه أحد عزمه على (خوض الانتخابات الرئاسية) القادمة، طبعا لا داعي للحديث عن الديمقراطية السورية، فالسوريون والعرب والعالم أجمع، اختبروها جيدا منذ سبعينيات القرن الماضي، وظهرت أكثر وضوحا وتجليا في السنوات العشر الماضية التي انتخب فيها النظام شعبا جديدا بعد أن أسفرت العملية الديمقراطية المهولة عن فشل الشعب السوري في الاحتفاظ بمكانه في سوريا، فتشرد من تشرد وقتل من قتل ونفي من نفي وهاجر من هجر وأخفي في المعتقلات من أخفي.
ولتتفوق العملية الديموقراطية على أعتى الديمقراطيات في العالم كان لابد من تدمير أكثر من نصف سوريا عن بكرة أبيها! هكذا ستأتي المرحلة الرئاسية الجديدة ببلد جديد لا يمت بصلة للبلد السابق، هل حصل سابقا أن وصلت الجمهوريات الديمقراطية إلى هذا المستوى من النجاح في تطبيق أسس الديمقراطية والتغيير ( الإيجابي)، في جمهورية أو دولة ما ؟!
هل يعتقد أحد أن ما يحصل في سوريا يحصل بمعزل عن موافقة المجتمع الدولي؟! أظن أن هذا الاحتمال هو آخر ما يمكن أن يصدقه أحد ما، بقاء النظام، بكل جرائمه، حتى الآن، لم يتم إلا برضا وموافقة من المجتمع الدولي كله دون استثناء، وعلى رأسه طبعا الولايات المتحدة الأميركية، بكل الرؤساء المتعاقبين عليها، (لمن كان من السوريين مؤيدا لترامب أكثر من اليمين العنصري الأميركي يرجى إخبارنا ماذا فعل ترامب في اتجاه تغيير النظام السوري أو خدمة الشعب)، أيضا لمؤيدي بايدن حاليا، وقبله أوباما؟! رغم أهمية قانون قيصر ولكن هل غير شيئا في الوضع السوري، سوى تقديم الذريعة للنظام وحلفائه بأن الوضع المعيشي والخدمي والانهيار الاقتصادي في سوريا، والذل الذي يعيش فيه السوري داخل بلده سببه العقوبات التي فرضها قانون قيصر.
هل غيرت العقوبات وزيرا واحدا؟! هل منعت دولة واحدة من أن تعيد تطبيع العلاقات مع النظام السوري؟! أعادت دولة الإمارات فتح سفارتها في سوريا وطبعت مع النظام السوري قبل تطبيعها مع إسرائيل، هل يعتقد أحد أيضا أن تهافت تطبيع العرب مع إسرائيل يحدث بمعزل عن سوريا؟! إسرائيل تسرح وتمرح في السماء السورية، وقريبا سوف يتم الإعلان الإسرائيلي عن التوقف عن الغارات الجوية شبه اليومية، يليه الإعلان عن معاهدة سلام مع النظام السوري، كل ما يحدث في سوريا وفي المحيط العربي والإقليمي ينبئ بذلك. الأعمى هو من لا يريد رؤية هذا.
شاهدت قبل يومين فيديو لحفل زفاف شابة سورية من (نيقولاي) وهو خمسيني روسي يعمل في سوريا، ثمة زفافات عديدة من هذا النوع حدثت في سوريا، سوريات تزوجن من كل الجنسيات الفاعلة في الأرض السورية، يا سلام، سوريا المفيدة القادمة سوف تكون خليطا غريبا عجيبا، الأم سورية أما الأب فيمكنكم أن تعددوا خلفي: روسي، إيراني، تركي، عراقي، لبناني، شيشاني، سعودي، تونسي، مصري، أميركي، مصري، كويتي، أوروبي، وقريبا إسرائيلي، أجيال مهجنة جديدة سوف تظهر في سوريا تشبه ماهي عليه سوريا اليوم، وأحكي تماما عن الأجيال التي سوف توجد في المساحة الجغرافية المسماة سوريا، ثمة تهجين آخر يحدث خارج سوريا، أجياله سوف تكون مختلفة بسبب اختلاف مستوى الحياة وأمانها وحقوق مواطنيها والقاطنين فيها.
تمر هذه الأيام ذكرى مجزرة حماة، التي قتل فيها خلال أقل من ثلاثة أيام أكثر من ثلاثين ألف سوري، وقتها لم يكن هناك إعلام ينقل الخبر إلا إعلام النظام، الذي قدم روايته للسوريين، وسميت المجزرة بالأزمة حتى الآن، قيل لاحقا: لو أن السوريين عرفوا وقتها بما حدث لهبوا هبة واحدة ضد النظام، لكن التعتيم على الحدث أعطى صورة مغالطة عنه للسوريين وللرأي العام العالمي الذي اقتنع برواية النظام، عظيم، ماذا بخصوص السنوات التسع الأخيرة؟ كان السوريون يموتون على الهواء مباشرة، وسوريا تتدمر على الهواء مباشرة، وصور عشرات آلاف القتلى تحت التعذيب على الهواء مباشرة، وصور الاحتلالات المتعددة لسوريا، (أيضا عدوا معي: روسيا، إيران، أميركا، إسرائيل…) التي تفتك بالسوريين على الهواء مباشرة، ما من مجال ليقول أحد إنه لا لم يسمع سوى رواية واحدة الآن، ومع ذلك هناك سوريون يرون أنه من الطبيعي التخلص من كل سوري لا يؤيد بقاء بشار الأسد، وآخرون يرون أنه من الطبيعي التخلص من كل من لايرى في دول الاحتلالات حليفا، لم تكن المشكلة إذا في الإعلام، وإنما فينا نحن، السوريين، الذين لم نكن شعبا واحدا ولا لمرة واحدة في تاريخ سوريا.
لا يمكن لشعب حقيقي أن يحصل فيه ما حصل للسوريين، لا يمكن لهذه الكراهية التي تصل حد التشفي بموت المختلف سياسيا أو المطالبة بقتله وسحله وفنائه ولو باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، أن تحدث في شعب طبيعي، على الوطنيين السوريين( الباحثين الاجتماعيين والسياسيين) مهمة اكتشاف هذا الخلل، الذي لا يكمن فقط في وجود الاستبداد الأبدي، ثمة أسباب أخرى حتما يجب تفكيكها لخلق مجتمع جديد ذات يوم.
أليس مستغربا أن تعود تسمية (الأحداث) حين يتحدث سوريو الداخل عما جرى خلال السنوات السابقة؟ حتى من كان مؤيدا للثورة تماما ومعروفا بمواقفه ضد النظام؟! أهو الخوف؟ أم التأثر بالسياق العام الذي يريد نسيان مفردة الثورة ورمزيتها كما تم في باقي دول الربيع العربي إلغاء رمزية الميادين والساحات التي جمعت البشر وقت الثورة، في سوريا ( أخذوها من قاصرها) وهدموا كل مكان نطقت فيه كلمة الثورة، دمروه عن بكرة أبيه، كعادتهم دائما في ديمقراطيتهم البهية خلال العقود السبعين التي حموا فيها سوريا.
تخيلوا أن تبقى عائلة واحدة تحكم بلدا لمدة سبعين عاما، والقادم يبدو أعظم، إذ إن سن حافظ “جونيور” حاليا عشرون عاما، وسوف يبقى والده مع الانتخابات القادمة على الأقل ست سنوات جديدة، سيكون بالإمكان وقتها تغيير الدستور مجددا لصالح حافظ “جونيور”، دستور سوريا أثبت أنه مرن جدا، لا يشبه دساتير الدول العتيقة، ومع الأجيال المهجنة القادمة سوف يكون حافظ جونيور خير حاكم للبلد لخير سلف حاكم للبلد.
ذات يوم قال الراحل سعد الله ونوس: (نحن محكومون بالأمل)، وبالمناسبة هو زوج خالة الفنانة الراحلة مي سكاف، التي أظنها تقول له الآن حيث هما معا: “نحن محكومون بسوريا الأسد إلى أبد الآبدين” ! أما الأمل فليس سوى مفردة من ثلاثة أحرف تصلح لتكون اسما لمولودة، سوريا جديدة، ولدت في بلادـ لا تشبه سوريا بشيء، بلاد تحترم إنسانيتها وكيانها القادم.
تلفزيون سوريا
—————————
الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: لن نتهاون في تطبيق «قانون قيصر»
أكدت استخدام أدوات الضغط كافة للوصول إلى حل سلمي ينهي الصراع في سوريا
معاذ العمري
رغم أن خيارات إدارة جو بايدن السياسية الجديدة، والمسارات الاستراتيجية تجاه الأزمة السورية لم تتضح بعد، فإن تطبيق «قانون قيصر» واستخدام الأدوات كافة التي تقود إلى تطبيقه يبقى هو المرجع والأساس في المرحلة الحالية التي تتعامل فيه وزارة الخارجية، إلى حين أن تتضح الصورة أكثر خلال الفترة المقبلة، حسب اعتقاد أوساط في واشنطن.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية لـ«الشرق الأوسط»، أن إدارة الرئيس بايدن «لن تتهاون في تطبيق (قانون قيصر) الذي تم فرضه خلال عام 2019، الإدارة السابقة بعد أن تم التصويت عليه في الكونغرس بشقيه النواب والشيوخ، مع الحفاظ على المسار الدبلوماسي في تسهيل العمل الإنساني والإغاثي، للوصول إلى حل سلمي في البلاد التي مزّقتها الحرب على مدار 10 أعوام».
وأفاد بأن الإدارة الجديدة «أخذت على عاتقها أمراً مهماً في تطبيق القانون، بألا تستهدف خطوط التجارة أو المساعدات أو الأنشطة الإنسانية للشعب السوري، كما أن القانون لن يستهدف الاقتصاد اللبناني ولا الشعب اللبناني»، مضيفاً «بكل تأكيد يستهدف (قانون قيصر) الأشخاص أو الكيانات التي تدعم نظام الأسد وتعيق التوصل إلى حل سياسي سلمي للنزاع على النحو الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن رقم 2254».
وفيما يخص التعيينات الجديدة بوزارة الخارجية في الملف السوري، لم يعلّق المتحدث على تلك التعيينات الجديدة أو الأسماء المقترحة، بعد أن راج في وسائل الإعلام، أن الدبلوماسي ديفيد براونشتاين الذي خدم في السفارة الأميركية بوسط أفريقيا، سينتقل للعمل في الميدان في القواعد الأميركية العسكرية في الشمال الشرقي (منطقة الأكراد) خلفاً للسفير وليام روبوك الذي عمل هناك على الأرض بمنصب نائب المبعوث الأميركي للتحالف الدولي لمحاربة «داعش» في سوريا.
وكانت إدارة الرئيس جو بايدن أكدت أنها لن تنسحب من سوريا في أي وقت قريب، ولو لأسباب أخلاقية.
وفي سياق متصل، قال نيد برايس، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، في أول مؤتمر صحافي له أول من أمس، إن الإدارة الأميركية الجديدة ستجدد جهودها للترويج لتسوية سياسية في سوريا؛ بهدف إنهاء الحرب الأهلية، وذلك بالتشاور الوثيق مع حلفاء واشنطن وشركائها في الأمم المتحدة.
وأكد برايس، أن معالجة التسوية السياسية يجب أن تأخذ في الحسبان الأسباب الأساسية التي أدت إلى استمرار ما يقرب من عقد من الحرب الأهلية، وأن إدارة الرئيس بايدن ستستخدم الأدوات كافة المتاحة لها، بما في ذلك الضغط الاقتصادي، للضغط من أجل المساءلة وتحقيق إصلاح هادف في البلاد، ومواصلة دعم دور الأمم المتحدة في التفاوض على تسوية سياسية بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.
وأضاف «سنعيد أيضاً قيادة الولايات المتحدة في تقديم المساعدة الإنسانية، وقد سمعتني أقول ذلك مرات عدة في هذا الإحاطة بالفعل. سوريا كارثة إنسانية، وعلينا أن نفعل المزيد لمساعدة السوريين المستضعفين النازحين داخل سوريا، وكذلك اللاجئون الذين فروا إلى الخارج».
في حين ذكرت العديد من وسائل الإعلام الأميركية، أنه من المتوقع استئناف الأحزاب الكردية السورية المتنافسة، للمحادثات التي توقفت منذ خروج إدارة الرئيس ترمب من السلطة، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى الوحدة بين تلك الفصائل الكردية، وكانت تدعمها الولايات المتحدة.
وقالت صحيفة «مونيتور» بأن المحادثات ربما تعود هذا الأسبوع، بيد أن احتمالات التوصل إلى اتفاق تبدو بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من التقدم الأولي، بحسب مصادر مطلعة على المفاوضات.
وحث مظلوم كوباني قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الذي يدير المحادثات مع وزارة الخارجية الأميركية، على مواصلة الاجتماع بين الأطراف. وقال في تغريدة بتاريخ 31 يناير (كانون الثاني) «هدفنا هو نجاح الحوار، الاتفاقات التي توصلنا إليها مهمة وتحمي مصالح شعبنا، ومن واجب الجميع الاستعداد لمرحلة الوحدة الجديدة».
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في تغريدة بتاريخ 15 يناير، أي قبل أن تتسلم إدارة بايدن السلطة في البلاد، إنها لا تزال ملتزمة تعزيز الحوار بين الأكراد، لكن موقفها سوف يصبح أكثر وضوحاً عندما يتم تعيين مبعوث جديد إلى سوريا، ويتم ضبط سياسة سوريا الجديدة، ومن المرجح أن يكون لمنسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، الذي ساعد في صياغة التحالف المناهض للدولة الإسلامية مع الأكراد السوريين، دور كبير في تلك المحادثات.
الشرق الأوسط»
—————————
اتهامات للنظام السوري بتصفية نادر قلعي أحد رجال أعمال الأسد/ عبد الله البشير
وجّه سياسيون وناشطون سوريون اتهامات للنظام السوري بتصفية رجل الأعمال وشريك رامي مخلوف السابق، المشمول بعقوبات قانون قيصر الأميركي نادر قلعي في بيروت، بعد الحديث عن تورطه بالتخابر ضد النظام السوري لصالح السلطات الكندية.
وقال مدير مكتب البيانات والمعلومات في الخلية المركزية لإدارة الأزمات السابق في دمشق، وعضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني، عبد المجيد بركات لـ”العربي الجديد”: إن “قلعي” شريك رامي مخلوف السابق، وعمل معه على الاستثمار في أموال عائلة الأسد، وأخرج جزءاً كبيراً منها إلى كندا للاستثمار وهرباً من العقوبات.
وأوضح أنه لم يكن من الرجال البارزين في النظام السوري، وكان متروكاً للأعمال الاستثمارية فقط، وأشار إلى أن من غير المستبعد أن النظام قد قتله خوفاً من تسريب أسرار الاستثمارات والصفقات غير الشرعية، وبخاصة بعد علاقته بالسلطات الكندية التي أطلقت سراحه رغم ثبوت تورطه بانتهاك العقوبات الاقتصادية الكندية المفروضة على النظام السوري عام 2011.
وبدوره قال الصحافي أيمن عبد النور، إن “قلعي” الذي أشاع رفاقه أنه توفي مساء الثلاثاء في مستشفى رفيق الحريري ببيروت، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا الجديد، توصل لاتفاق سري مع الحكومة الكندية يقضي بتعاونه مع القضاء، ونقل المعلومات التي لديه عن نظام الأسد مقابل تبرئته وعدم سجنه في القضية التي رفعت ضده بالمحاكم الكندية، لذلك عاد مباشرة بعد التبرئة لدمشق ومن ثم انتقل إلى بيروت، ويبدو أن النظام قد ارتاب بأمره وتخلص منه.
وفاة نادر قلعي عن عمر يناهز ٥٣ سنة وذلك في مستشفى رفيق الحريري ببيروت
توفى بسبب اصابته بكورونا مما ادى لتوقف الرئتين وانتشرت اشاعة انه كان قد توصل لاتفاق سري مع الحكومة الكندية يقضي بتعاونه مع القضاء ونقل المعلومات التي لديه عن نظام الاسد مقابل تبرءته واكتشف النظام ذلك فتخلص منه pic.twitter.com/bNItAPFjYO
— Ayman Abdel Nour (@aabnour) February 3, 2021
ويخضع قلعي لعقوبات أوروبية وأميركية لاتهامه بالتحايل والالتفاف على العقوبات المفروضة على النظام السوري، وورد اسمه بشكل بارز في عقوبات “قيصر”، ووصف بأنه أحد “رجال الظل” لرامي مخلوف، كما ورد اسمه أيضاً في سلسلة وثائق “برادايز” 2017، التي كشفت عن عمليات التهرب الضريبي لشخصيات رفيعة المستوى حول العالم.
وفي عام 2018 وجّهت وكالة خدمات الحدود الكندية إليه تهمة بانتهاك العقوبات، من خلال استثمار 15 مليون ليرة سورية في شركة عقارات واتصالات تسمى “Syrialink”، وقالت إنه عمل في العديد من الشركات في الخارج، وهو ما لم يعلنه للحكومة الكندية، إضافة إلى مزاولته أعمالاً في سورية مع أفراد وكيانات تخضع لعقوبات اقتصادية كندية.
وفي ديسمبر/كانون الأول الفائت تمّت تبرئته من تهمة دعم النظام السوري مالياً وانتهاك العقوبات الاقتصادية الكندية، بسبب عدم تقديم أدلة كافية ضده.
العربي الجديد
—————————
نصر الحريري يطالب بوضع النظام تحت الفصل السابع
قال رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض نصر الحريري إن العملية السياسية بالنسبة للنظام السوري هي مجرد وسيلة لإضاعة الوقت ريثما يتمكن من فرض نفسه على المجتمع الدولي من جديد عبر عملياته العسكرية الدموية ضد المدنيين.
وأوضح الحريري خلال مؤتمر صحافي، أن النظام السوري لم يقدم خلال اجتماعات اللجنة الدستورية، أي خطوة جادة نحو الحل السياسي على مختلف مستوياته، مشيراً إلى أن وفد هيئة التفاوض السورية انخرط بكل جدية وإيجابية في أعمال الدورة الخامسة للجنة الدستورية، “لكن ممثلي النظام لا يملكون من أمرهم شيئاً، فهم مجرد دمى تحركها أجهزة الأمن، وهم غير قادرين على التحرك خارج الإملاءات التي وصلتهم”.
واعتبر أن “تعطيل النظام السوري، وإيجابية وفد هيئة التفاوض، هو رسالة للمجتمع الدولي، مفادها بأن الملف بوضعه الحالي لا يمكن أن يتقدم أي خطوة نحو الأمام”.
وأوضح رئيس الائتلاف الوطني أن “الخيار العملي المتوفر يأتي من خلال توظيف المادة 21 من القرار 2118 والمتعلقة بفرض تدابير عملية ضد النظام بموجب الفصل السابع”، مضيفاً أن “تفعيل المادة بالشكل المناسب لضمان تطبيق الحل السياسي المستند للقرار 2254 وفق آلية ومراقبة دولية صارمة تتضافر فيها الجهود الأميركية والأوروبية والعربية والتركية دون أن تترك أي فرصة للنظام للتلاعب والتعطيل”.
وقال الحريري: “لا أمل في أي عملية سياسية ناجحة ما لم يتغير الموقف الدولي، ويضع استراتيجية متكاملة تشمل كل جوانب الأزمة، وأهمها وقف جرائم النظام وإطلاق سراح المعتقلين وضمان انتقال سياسي وفقاً لبيان جنيف وقراراي مجلس الأمن الدولي رقم 2118 و2254، ووفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 262/67 الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي تشمل سلطات الحكومة والرئاسة”.
————————-
=======================
تحديث 05 شباط 2021
—————————-
المناطق الداعمة للنظام السوري تقلقه.. الغضب يتزايد لدى الموالين للأسد، وحملة اعتقالات تطال موظفين حكوميين
عربي بوست
أقدمت قوات الأمن التابعة للنظام السوري في الأيام الأخيرة على اعتقال عدد من المدنيين في مدينة اللاذقية، بينهم موظفون حكوميون، بعد انتقادات نادرة لنظام بشار الأسد في معقله، اشتملت على رسوم كاريكاتيرية وتغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
موقع Middle East Eye البريطاني أكد في تقرير، الخميس 4 فبراير/شباط 2021، أن قائمة المعتقلين في المحافظة، أحد أبرز مواطن الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد، قد شملت موظفين حكوميين ومذيعة تعمل بالتلفزيون الحكومي.
وأشار الموقع إلى أن الاعتقالات التي تمت بذريعة ارتكاب جرائم إلكترونية، استهدفت في الحقيقة مدنيين انتقدوا الفساد الحكومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم ابنة مسؤول سابق في إدارة مكافحة المخدرات، بحسب مصادر محلية.
رسم كاريكاتيري يقلق النظام السوري
أضافت المصادر أن من بين المعتقلين رسام الكاريكاتير البارز إدوارد سمندر الذي اقتادته الأجهزة الأمنية تعسفياً من منزله في اللاذقية، بعد أن أظهر أحد رسومه الكرتونية جنوداً يحملون قائداً في كامل حلته يمر بجانب امرأة تنتحب على قبر ابنها، فيما هو يقول لها “ابنك راح فدا الوطن”.
New — Syrian intelligence arrested 4 people (non opposed) for criticizing the gov’t, leading to tension on the #Syria|n coast, #Assad’s hometown.
Among them is a cartoonist who painted the women crying over her son’s grave and wrote: Your son died for the sake of homeland. pic.twitter.com/iwOr8oTH8Y
— Harun Alaswad (@harun_alaswad) February 1, 2021
بحسب الموقع، فإن الرسم الكاريكاتيري انطوى على تعليق منتقد لارتفاع أعداد القتلى بين أنصار الأسد في ظل الصراع المشتعل مع قوات المعارضة منذ عام 2011، إلى جانب استمرار سوء الأوضاع الاقتصادية على الرغم من التضحيات التي يرى أنصار الأسد أنهم قدموها من أجل الدفاع عن النظام السوري.
غير أن الصورة اكتسبت زخماً جديداً على وسائل التواصل الاجتماعي بعد انتشارها مقرونة بصورة لأم سورية تنتحب أمام قبر ابنها أيمن جحجاح، وهو واحد من عشرات الآلاف من الجنود الذين قتلوا منذ 2011 وهم يقاتلون لصالح بشار الأسد، وكثير منهم ينتمي إلى الطائفة العلوية.
وبحسب صحيفة The Telegraph البريطانية، فإن الطائفة العلوية في سوريا قد فقدت قرابة ثلث شبابها خلال السنوات الأولى من الحرب المستمرة منذ نحو عشر سنوات.
اعتقال مذيعة تلفزيونية
وضمت قائمة المعتقلين هالة الجرف، وهي مذيعة تلفزيونية سورية، كانت قد نشرت تعليقاً على موقع فيسبوك بشأن موضوع الجريمة الإلكترونية، وقالت فيه: “الحمد لله، صحيح ليس لدينا خبز، لكن لدينا فرع للجرائم الإلكترونية”.
في منشور آخر، قالت الجرف عبر صفحتها: “ليكن شعارك للمرحلة القادمة (خليك بالبيت) والتزم الصمت المطبق”.
كما ضمت قائمة المعتقلين شخصاً آخر أقدم على الكشف عن واقعة فساد كبيرة منتصف عام 2019، أدت إلى سرقة 800 سيارة تعود للحكومة.
تعليق النظام السوري
من جانبها، قالت وزارة داخلية النظام السوري في بيان رسمي عبر موقع فيسبوك، إن ثمانية أشخاص اعتقلوا بسبب التواصل والتعامل مع مواقع إلكترونية مشبوهة وتسريب معلومات مزيفة ومشوهة لإحداث البلبلة وتشويش الرأي العام.
وكانت الحكومة السورية قد اصدرت قانوناً جديداً للجرائم الإلكترونية في عام 2018 يتضمن “إنشاء محاكم متخصصة وتعيين ممثلين قانونيين لملاحقة الجرائم الإلكترونية في كل محافظة”، بحسب “مركز الخليج لحقوق الإنسان”، الذي حذر من أن القانون “يجرّم بطريقة تعسفية حريةَ التعبير عن الرأي على شبكة الإنترنت”.
#Syria’s regime appears to be facing a sharp increase in public criticism from across its population – people are exasperated at rife corruption & incompetence.
In lieu of this, secret police have been behind a spate of arrests targeting prominent critics, many of them #Alawite.
— Charles Lister (@Charles_Lister) February 1, 2021
في المقابل، نددت منظمة “مراسلون بلا حدود” في بيان لها الأربعاء 3 فبراير/شباط بالاعتقال، وانتقدت عجز الصحفيين عن “إثارة قضايا حساسة في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري دون المخاطرة بالانتقام”.
سخط متصاعد على تفشي الفساد
تأتي هذه الاعتقالات في الوقت الذي تصاعدت فيه التوترات في المناطق التي لطالما كانت موالية للأسد، خاصة مع رؤية الناس لأفراد من عائلة الأسد وحلفائه وهم يعيشون أنماط حياة فارهة ومليئة بالامتيازات، في حين يعاني المدنيون نقصاً حاداً في الخدمات الأساسية ويصطفون لساعات طويلة للحصول على الخبز أو الوقود.
بحسب الموقع، فإن المدنيين في القرى الساحلية قد بدأوا في التسول علناً وطلب المساعدة عبر مجموعات على موقع فيسبوك، وتصاعدت شكواهم من الفقر، خاصة زوجات وأمهات الشباب الذين قُتلوا دفاعاً عن نظام الأسد، وكذلك أولئك الذين تقطعت بهم السبل بعد أن التهمت حرائق الغابات محاصيلهم العام الماضي.
ومع ذلك، انصب قسم كبير من الانتقادات على وسيم بديع الأسد، ابن عم بشار الأسد، الذي يقود ميليشيات محلية ولا يتورع أبداً عن التباهي بأسلوب حياته الفاره بين عموم الناس.
ففي العام الماضي، استولى وسيم الأسد على مقهى في مدينة طرطوس، ثم ألقى القبض على عضو بمجلس المدينة لفضحه عملية الاستيلاء.
ويظهر وسيم بانتظام في مقاطع فيديو يبثها عبر الإنترنت ويستعرض فيها سياراته وممتلكاته باهظة الثمن. وفي أحد مقاطع الفيديو التي نشرها العام الماضي، وجه انتقادات حادة إلى منتقدي الحكومة من مؤيديها، مشيراً إلى أنه لولا النظام السوري “لكان الإرهابيون الآن يغتصبون نساءكم”.
كما أن هناك شخصية أخرى تثير الجدل في الآونة الأخيرة، هو سليمان هلال الأسد، ابن عم آخر لبشار، وقد أطلق سراحه بعد أربع سنوات فقط من السجن لقتله عميداً في جيش النظام السوري لمجرد أنه تجاوزه عند إشارة مرور في اللاذقية.
وجاءت تلك الإجراءات القمعية المستخدمة ضد منتقدي الحكومة في اللاذقية لتذكر كثيرين بسبب خروج السوريين إلى الشوارع لأول مرة ضد بشار الأسد في عام 2011، لكن بعد عقد من الحرب ومقتل مئات الآلاف، يبدو أنه لم يعد هناك إلا أقل القليل من السبل لمساءلة الحكومة أو تحميلها مسؤولية سوء الأوضاع إلى هذا الحد.
عربي بوست
—————————-
لا شرعية للأسد وانتخاباته
أطلق ناشطون سوريون وعدد من الهيئات والتكتلات والكيانات الثورية السورية، حملة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، تعبيراً عن رفض الانتخابات التي يحضر لها النظام السوري ويرشح عبرها رئيسه بشار الأسد لفترة انتخابية جديدة، من منطلق كونه السبب الأساسي لدمار البلاد والكارثة الإنسانية المستمرة فيها.
وتحت شعار “لا شرعية للأسد وانتخاباته”، ينشر الناشطون منشورات تعبر عن رفضهم للانتخابات المقبلة، مع الشعار الرسمي للحملة الذي استخدم فيه اللون الأخضر لتعبير “عن الضوء الأخضر الدولي في بقاء الاسد في الحكم واستمراه بالقتل والتهجير ودعمه من قبل روسيا وايران”، واللون الأصفر الذي يدل على “السلاح الكيماوي الذي استخدمه الأسد ونظامه سابقاً”، فيما يعبر الشريط على الوجه إلى المعتقلين الذين يخفيهم نظام الأسد منذ سنوات.
نضع بين أيديكم الشعار الرسمي لحملة #لاشرعية_للاسد_وانتخاباته أما عن تفسير الشعار 🟢 تم استخدام اللون “الاخضر” ليعبر…
Posted by لا شرعية للأسد وانتخاباته – No Legitimacy for Assad or His Elections on Thursday, February 4, 2021
وكان اتحاد تنسيقيات الثورة السورية دعا إلى اجتماع يوم الأحد الماضي، حضره نحو 100 هيئة وتجمع وكيان ثوري وأكثر من 200 من الشخصيات المستقلة. ونتج عنه بيان موحد جاء فيه: “إننا نخاطب الرأي العام السوري في الداخل والخارج، ونخصّ أهلنا في مناطق سيطرة النظام لحثّهم على عدم المشاركة في هذه المهزلة. كما نخاطب أيضاً الرأي العام الإقليمي والعربي والدولي، والمجتمع الدولي بدوله ومنظماته الدولية والإقليمية، من أجل عدم الاعتراف بهذه الانتخابات الصورية المزيّفة”.
وبحسب البيان: “يستحقّ الشعب السوري أن يختار رئيس دولته بشكل حرّ واعٍ ومسؤول كبقيّة شعوب الأرض، عن طريق انتخابات حرة نزيهة متعددة المرشحين، لا عن طريق استفتاء على شخص واحد لا يجرؤ أحد على منافسته.لقد دفع شعبُ سوريا في سبيل الانتقال من عهود الاستبداد والديكتاتورية أثماناً باهظة”.
بيان حملة #لاشرعية_للأسد_وانتخاباته
Posted by لا شرعية للأسد وانتخاباته – No Legitimacy for Assad or His Elections on Monday, February 1, 2021
وتعتبر الحملة أن الانتخابات التي بدأ النظام بالاستعداد لها عبر لقاء الأسد بمجموعة من العاملين في الإعلام الرسمي الشهر الماضي، تعرقل مسار الحل السياسي في سوريا الذي نصّ عليه بيان جنيف واحد والقرارين 2118 و2254، والذي لا يمكن أن يبدأ إلا بإنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات وشاملة الجميع وغير طائفية، وهي التي تؤمن البيئة الآمنة والمحايدة المناسبة لإقرار دستور يكتبه السوريون بحرية، ومن ثمّ يشاركون بملء إراداتهم بانتخابات نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة الكامل.
——————————-
الأسد يحاول ترتيب فوضى نظامه قبل الاختبار الكبير/ صابرة دوح
الرئيس السوري يواجه خطر مقاطعة الأنصار للانتخابات.
يواجه النظام السوري تحديات كبيرة لإجراء الانتخابات الرئاسية، ولعل من بينها تراجع نسب المؤيدين له في المحافظات والمدن المحسوبة عليه، نتيجة للواقع المعيشي الضاغط، وسط ترجيحات بأن تسجل الانتخابات نسبة مقاطعة واسعة في مناطق سيطرته مقارنة بعام 2014.
لم يعد يفصل عن الانتخابات الرئاسية في سوريا سوى أشهر قليلة، ورغم ذلك لم تعلن أي شخصية عن ترشحها للاستحقاق بما في ذلك الرئيس بشار الأسد، فيما بدا الهدف من هذا التأخير هو ترتيب الأوضاع الداخلية التي تشهد حالة من الإرباك والفوضى، قبل الإقدام على هذه الخطوة.
ويذهب معارضون سوريون إلى أن الأسد من الأكيد أنه سيقدم ترشحه للانتخابات، ومن المرجح على نحو بعيد أن يتم ذلك خلال الشهر الجاري، في ظل استعدادات سورية وروسية حثيثة لإنجاح هذا الاستحقاق أو أقله توفير غطاء لتمريره، بمعزل عن موقف المجتمع الدولي.
وتأتي الانتخابات المقررة منتصف العام 2021، في ظرفية مختلفة نسبيا عن تلك التي جرت في العام 2014، والتي جدد من خلالها الأسد لنفسه لمدة سبع سنوات أخرى. ففي 2014 كان هناك انقسام حادّ بين كتلة موالية حد التعصب له وأخرى معارضة، لكن هذا الفارق بدأ في السنوات الأخيرة بالتلاشي مع تراجع التأييد للأسد في صفوف الحاضنة الشعبية نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، والتي انتهت بأكثر من 80 في المئة من الشعب السوري تحت خط الفقر.
ويُسجّل اليوم تململ شعبي في عدة مناطق ومحافظات محسوبة على الرئيس السوري منذ انطلاقة الأزمة في العام 2011، على غرار محافظات اللاذقية وطرطوس، والسويداء في الجنوب، والعاصمة دمشق. وفيما لم يكن لسكان الأخيرة القدرة على الخروج والاحتجاج بسبب تركّز القوة الأمنية هناك، إلا أن المحافظات الثلاث شهدت في الأشهر الأخيرة مسيرات احتجاجية وإن كانت بشكل متفاوت، احتجاجا على الأزمة المعيشية الخانقة.
ولم يعد يخفي العديد من السوريين الموالين غضبهم حيال طريقة تعاطي النظام مع الوضع الاقتصادي، الذي ساهم في تأزيمه تفشي الفساد وظهور ما يسمى بأثرياء الحرب الجدد الذين يحظون بغطاء أمني كبير، وما فتئوا يستغلون الأزمة لتجييرها من أجل مراكمة ثرواتهم.
ويشير نشطاء إلى أن حالة الغضب الناجمة عن سوء إدارة النظام، من شأنها أن تدفع الغالبية الموالية له إلى معاقبته بمقاطعة الاستحقاق، حيث لن يكون بإمكانه إجبار الناس على الذهاب إلى صناديق الاقتراع بالقوة.
ويبدو الوضع بالنسبة للرئيس بشار الأسد أكثر سوءا في المناطق التي نجح في إخضاعها بقوة السلاح، وأجبرها على الذهاب في تسويات هشة على غرار محافظتي درعا في الجنوب وحمص في الوسط. وتشهد درعا هذه الأيام عمليات ابتزاز من قبل النظام، الذي يلوح بشن عمليات عسكرية ضد مناطق في داخلها، في محاولة لترهيب الناس وإخماد التمرد الذي بدأت تنتقل عدواه إلى خارج أسوارها، وتطال ريفي القنيطرة ودمشق.
وكان سكان درعا أول المنتفضين على نظام الرئيس بشار الأسد، ونجحوا في فك سيطرته عن المحافظة في العام 2013، قبل أن يتمكن بمساعدة روسيا من إخضاعها مجددا في إطار تسوية شاركت فيها الولايات المتحدة، لكن هذه المحافظة لم تهدأ لاسيما بعد عدم التزام النظام بمعظم بنود الاتفاق، وظل يتعامل مع أبنائها بعقلية أمنية بحتة.
وأدى هذا الوضع إلى ظهور خلايا مسلحة (مؤلفة من مقاتلين سابقين) تنامى حضورها بشكل مقلق للنظام في الأشهر الأخيرة، لاسيما مع انضمام العديد من الشباب الحانق إليها، وتحاول اليوم روسيا جاهدة احتواء التمرد في المحافظة بيد أن الأمور لا تبدو أنها تجري وفق أهواء الأسد في ظل غياب ثقة الأهالي في هذا “الوسيط”.
يقول النشطاء إن الوضع لا يبدو مريحا أيضا بالنسبة للنظام في محافظة حمص التي وإن بدت الأكثر هدوءا في السنتين الماضيتين، بيد أن هناك حالة من الرفض المتنامي للنظام في صفوف أبنائها.
ومع محاولة النظام ترتيب الفوضى قبل الانتخابات، مراهنا في ذلك ليس على تحسين الوضع الاقتصادي وإنما على ترهيب الناس، وأيضا على آلته الدعائية، حيث كان الأسد خصص جزءا من وقته خلال الفترة الماضية للقاء الإعلاميين الموالين له، والذين بلغ عددهم 75 إعلاميا لتوجيههم بشأن الخطاب الذي يفترض تبنيه مع اقتراب الاستحقاق، تنشط على الجانب الآخر حملات مقاطعة الاستحقاق.
ويقول في هذا الصدد الأمين العام للمجلس السوري للتغيير المحامي حسان الأسود لـ“العرب”، “إن فكرة تدشين حملة واسعة للدعوة إلى مقاطعة الانتخابات بدأ العمل عليها منذ فترة لا بأس بها، حيث كان لا بدّ من التصدّي لجهود نظام الأسد المكثفة في هذا المجال وإحباطها”.
ويضيف الأسود “لقد بدأنا العمل على الترويج إلى هذه الحملة التي تحمل اسم ‘لا شرعية للأسد وانتخاباته’، في السابع من يناير الماضي، وبدأنا التواصل مع العديد من القوى والشخصيات السياسية والمدنية السورية للمشاركة في هذا العمل الوطني. وبعد اجتماع ضمّ ممثلين عن اتحاد تنسيقيات الثورة ورابطة المستقلين الأكراد، قررنا توحيد المخارج والدعوة إلى اجتماع يضمّ أكبر عدد ممكن من شركاء العمل”.
ويوضح المعارض السوري المقيم في درعا أن “هدف الحملة الوصول إلى جميع السوريين أينما كانوا، وستخاطب أهلنا المقيمين في أماكن سيطرة النظام لتبيّن لهم أهمية مقاطعتهم هذه الانتخابات. كذلك ستخاطب الحملة الرأي العام الإقليمي والعربي والدولي، وستتوجه إلى الدول عبر سفاراتها وخارجياتها، وإلى الهيئات الدولية”.
وستركز الحملة، وفق حسان الأسود على تبيان الأسس اللا شرعية لهذه الانتخابات وعلى الضرر الذي ستلحقه بالسوريين، فهي تأتي في تناقض واضح وصريح مع مقررات بيان جنيف واحد والقرارين 2118 و2254 الصادرين عن مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. مشددا على أن إجراء الانتخابات بغير هذه الشروط سيعقّد الوضع ويفاقم الأزمة.
ولا تنحصر الصعوبات التي يواجهها الأسد فقط في المناطق الواقعة تحت سيطرته، بل وأيضا في أجزاء تحت هيمنة قوى أخرى، وهناك اليوم اتصالات تُجرى مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تبسط نفوذها على أجزاء مهمة من شمال وشرق البلاد للسماح بتركيز صناديق اقتراع، لاسيما في الدوائر والمربعات الخاضعة له في الحسكة.
وذكرت مصادر مطلعة أن التحركات تشمل أيضا التنسيق مع لبنان والأردن اللذين يحتضنان الآلاف من اللاجئين لإضفاء نوع من الشرعية على هذا الاستحقاق. ويوجد أكثر من 7 ملايين لاجئ سوري في الخارج، أكثر من ربع أعدادهم يتوزعون في دول الجوار.
وتعد هذه الانتخابات التي تجري وفق دستور 2012 مهمة جدا بالنسبة للرئيس السوري لجهة تجديد “الشرعية” له، بالرغم من تصريحات القوى الدولية الرافضة لهذا الاستحقاق.
كاتبة تونسية
العرب
—————————-
المهزلة الدستورية وتعويم نظام الأسد/ ميشال شماس
انتهت الجولة الخامسة “للمهزلة” الدستورية في جنيف، لتؤكد المؤكد أن اختيار روسيا للمسار الدستوري، كمنطلق للعملية السياسية في سورية، لم يكن اختيارًا عبثيًا، بل كانت روسيا تهدف من ورائه ليس إلى منع قيام أي عملية انتقالية في سورية وحسب، بل حتى الحديث عنها بأي شكل من الأشكال، تلك العملية التي نصّ عليها بيان جنيف، وشدد على تنفيذها القرار 2254 الذي نصّ في فقرته الأولى على التنفيذ الكامل لبيان جنيف، كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية، ولا بأس هنا من التذكير بما نصّ عليه بيان جنيف الذي حدد بوضوح الخطوات الواجب اتباعها، ابتداءً ببناء الثقة عبر وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين ورفع الحصار وحرية التنقل والتظاهر السلمي والسماح للمنظمات الدولية بالوصول إلى كل المناطق، وتأكيده ثانيًا أن أي تسوية سياسية يجب أن تُقدِّم عملية انتقالية للشعب السوري، وإقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية. وعلى أساس ذلك، يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية، وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام، تليها انتخابات برلمانية وتشريعية.
كان اتجاه السياسية الروسية في سورية واضحًا، منذ مسار آستانا، كانت تتجه إلى الإبقاء على نظام الأسد، وهي التي لم تخفِ ذلك قطّ، إذ فتحت شعار “مناطق خفض التصعيد”، واستطاعت روسيا بالتعاون مع تركيا تجريد الفصائل المسلحة من معظم المناطق التي كانت تسيطر عليها، وحشرتها في مناطق شمال سورية تحت النفوذ التركي، وبالتوازي مع ذلك، استطاعت روسيا أيضًا تحجيم دور الأمم المتحدة وتجييره في معظم الأوقات لحسابها. ولكي تقطف ثمار انتصاراتها العسكرية، عقدت مؤتمر سوتشي، وأطلقت عليه “مؤتمر الحوار الوطني السوري”، وأعلنت روسيا في نهايته -بالتنسيق مع السيد ديمستورا المبعوث الأممي السابق لسورية- إنشاء “لجنة دستورية” تضم في عضويتها ممثلين عن نظام الأسد والمعارضة والمجتمع المدني، وانطلق ديمستورا إلى جنيف للعمل على تشكيل اللجنة، بوصفها مدخلًا أساسيًا للحل في سورية. وهكذا، استُبعد تطبيق القرارات الدولية، ولا سيما بيان جنيف والقرار 2254، لتحلّ محله اللجنة الدستورية.
ولم تكن روسيا لتنجح في فرض مناقشة المسار الدستوري، لولا تهافت المعارضات السورية وبعض العناصر المحسوبة على المجتمع المدني، على القبول بالمقترح الروسي والسير به، بالرغم من كل التحذيرات من خطورة القبول بهذا الفخ الذي نصبته روسيا للسوريين المعارضين لنظام الأسد.
إن قبول المعارضات السورية والمجتمع المدني الانخراط في اللعبة الروسية، كمدخل وحيد للحل السياسي في سورية، لم يشكل تجاوزًا لما نصت عليه القرارات الأممية وحسب، بل ساعد روسيا التي أجرمت بحق الشعب السوري في دفن بيان جنيف والقرار 2254، وفي رفع الحرج عن كاهل المجتمع الدولي الذي كان قبل قبول المعارضة بالعملية الدستورية ملزمًا -نظريًا وأدبيًا- بمتابعة تطبيق قراراته وفرض احترامها. أما بعد أن قبلت المعارضات السورية بالمقترح الروسي، فلن يكون المجتمع الدولي حريصًا على تطبيقها، ما دام أصحاب القضية أنفسهم غير مهتمين بتطبيق القرارات الدولية.
وإن القبول بمناقشة اللجنة الدستورية سيعني أن لن يكون هناك أي عملية انتقال سياسي ولا هيئة حكم انتقالي، ولا محاسبة لمن ارتكب جرائم بحق الشعب السوري. وسيعني القبول بالمنتج الروسي الذي سيخرج عن اللجنة الدستورية، هذا المنتج الذي سيشرف على تطبيقه نظام الأسد، وسيعني أيضًا مساعدة روسيا في تعويم الأسد، ومنحه الشرعية الشعبية والدولية مجددًا لقيادة كامل العملية السياسية في سورية وبشروطه وحده، وسيعني أخيرًا تقديم الأعذار والمبررات للمجتمع الدولي، كي يتهرب من مسؤولياته تجاه مأساة الشعب السوري، وترك السوريين لمصيرهم تحت رحمة نظام الأسد من جديد، لأن الذين ادّعوا تمثيل الشعب السوري قبلوا بالرؤية الروسية، خلافًا لما نصّت عليه القرارات الدولية.
سنة وثلاثة أشهر مضت على بدء اجتماعات اللجنة الدستورية، لم يستطع فيها المشاركون صياغة بند دستوري واحد، كل ما جرى حتى الآن كان عبارة عن مهاترات وخطابات لا طعم لها ولا لون، وكلٌّ يغني على ليلاه في هذه المهزلة الدستورية المستمرة، في الوقت الذي تتفاقم فيه مأساة السوريات والسوريين تعذيبًا في المعتقلات، وجوعًا وبردًا في مخيمات اللجوء.
في ختام الجلسة الخامسة التي انتهت منذ أيام، عبّر أحد المشاركين في وفد المعارضة: المحامي طارق الكردي، عن خيبة أمل كبيرة، واصفًا الاجتماعات بأنها “مائعة وطائرة في الهواء”، وأعلن أنه لم يعد لديهم أملٌ بوفد الأسد إلى اللجنة الدستورية، وختم حديثه قائلًا: “نطلب من السيد بيدرسون والأمم المتحدة أن يعلنوا للعالم ويبلغوا مجلس الأمن ويحددوا الطرف المسؤول عن عرقلة اللجنة الدستورية، بل عن عرقلة العملية السياسة بشكل كامل في سورية”، وحمّل نظام الأسد مسؤولية عرقلة عمل اللجنة الدستورية.
ليسامحني الصديق طارق الكردي، فالحق ليس على نظام الأسد، بل الحق كل الحق على من وافق بداية على الطرح الروسي، وقَبِلَ أن يكون عضوًا في هذه اللجنة الدستورية، فمجرد الاشتراك بهذه اللجنة يعني القبول بالرؤية الروسية وتعويم الأسد مجددًا. نعم الحق كل الحق على من كان يأمل بنظام الأسد، بعد كل الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري والتي لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلًا!
ليس أمام السوريات والسوريين، إلا إعادة تنظيم أنفسهم من جديد، وتوحيد جهودهم في البحث عن طرق وأساليب جديدة، يستطيعون بها الضغط من أجل تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بسورية، وفي مقدمها بيان جنيف والقرار 2254، وفقًا للترتيب الذي نصت عليه، كأساس لحل المأساة السورية والخلاص من هذا النظام المجرم إلى الأبد.
وأخيرًا، نناشدُ من تصدّر المشهد المعارض، طوال الفترة السابقة، أن يتنحوا جانبًا، وأن يُخلوا أماكنهم لمن يستطيع فعلًا أن يدافع حقوق السوريات والسوريين.
مركز حرمون
————————–
النظام ينقذ هيئة التفاوض المعارضة!/ عقيل حسين
في اجتماع الهيئة السياسية للائتلاف الأخير يوم الإثنين الماضي، تركزت معظم النقاشات على نتائج الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية، وتقييم أداء وفد المعارضة فيها وبحث الخيارات التي يمكن اللجوء إليها لمواجهة استمرار وفد النظام بتعطيل هذا المسار.
يتفق الجميع على أن نظام الأسد ليس معنياً لا من قريب أو من بعيد بصياغة دستور جديد للبلاد أو حتى إجراء تعديلات على الدستور الحالي، وأنه لم يكن ليسمي وفداً إلى مفاوضات اللجنة الدستورية لولا ضغط روسي مبني على أهداف خاصة بها كدولة راعية لمسار أستانا الذي نتجت عنه اللجنة، وأن هذين الطرفين يستغلان المسار في الوقت الحالي لتمرير الوقت إلى حين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن يجريها النظام في حزيران القادم .. يتفق الجميع على ذلك لكنهم يختلفون على موقف المعارضة وما الذي يجب أن تفعله حيال ما تقدم.
يطرح كثيرون فكرة انسحاب وفد هيئة التفاوض المعارضة من اللجنة الدستورية، أو تعليق المشاركة فيها كرد فعل على العبث الذي يمارسه النظام في هذا المسار، الذي لا يحظى أصلاً بأي ثقة من الأوساط الشعبية والدولية، وهو طرح وضعه بعض أعضاء كتلة الائتلاف في الوفد المعارض على طاولة اجتماع الهيئة السياسية الأخير، بينما يرى آخرون أن أحد أهداف النظام من التلاعب بالمفاوضات هو دفع المعارضة إلى الانسحاب للتهرب من هذا الاستحقاق ومن مجمل العملية السياسية، وبالتالي فإن الأفضل هو الاستمرار لكن بشروط جديدة.
من حيث المبدأ يمكن للائتلاف أن يعلن انسحابه من مفاوضات اللجنة الدستورية، لكن هذا لن يعني انسحاب كامل وفد المعارضة الذي يتألف من مكونات هيئة التفاوض السبع، فهي تضم، بالإضافة إليه، منصتي موسكو والقاهرة والمستقلين والفصائل والمجلس الوطني الكردي، وهي كتل لا تتفق على موقف واحد وواضح حتى الآن، بل حتى إن اتفقت على الانسحاب، وهو ما لا يمكن أن يحدث (أي الاتفاق على هذا القرار) فإن القوى الإقليمية والدولية المتحالفة مع المعارضة لا تبدو أنها ستقبل هذه الفكرة، وهذا يشمل كل الدول التي لا تخفي أنها لن تكون قادرة وقتها على حماية مناطق سيطرة المعارضة من هجمات روسية جديدة تنهي وقف النار المطبق فيها.
لذلك يبدو أن خيار تفعيل استراتيجية جديدة هو ما يتوجب على المعارضة التفكير به جدياً، ومباشرة وضع الخطط والآليات المناسبة لتنفيذه، ولعل في مقدمة ذلك اشتراط وضع سقف زمني معقول لأعمال اللجنة الدستورية والبدء بالتفاوض حول البنود الأخرى المتضمنة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وعلى رأس هذه البنود إطلاق سراح المعتقلين وإنشاء هيئة حكم انتقالي، الأمر الذي سيظهر المعارضة أكثر جدية من ذي قبل في الانخراط بالعملية السياسية، وسيضع النظام وحليفه الروسي في موقف أكثر حرجاً، خاصة بعد الغضب الشديد الذي عبر عنه المبعوث الدولي إلى سوريا من أداء وفده في الجولة الخامسة.
لكن حتى هذا الخيار هل يمكن لهيئة التفاوض اللجوء إليه فعلاً ؟
سؤال لا تفرضه فقط الخلافات المستفحلة بين مكوناتها، بل وأيضاً تباين وجهات وتوجهات أعضائها واختلاف تحالفاتهم، إن لم نقل تبعياتهم للمحاور والدول المتدخلة في الصراع السوري. بل إن كتلة الائتلاف ذاتها داخل هيئة التفاوض ليست على موقف موحد تجاه العديد من القضايا، ومنها ملف اللجنة الدستورية، الأمر الذي يجعل من أي مقترحات يتعين على الهيئة مناقشتها لتغيير واقع العملية التفاوضية مع النظام، العبثية حتى الآن، اقتراحات ميتة قبل ولادتها طالما أن الموقف الداخلي لها على هذا النحو.
لقد نجحت هيئة التفاوض في تجنيب وفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية الخلافات التي عصفت بها حتى الآن، لكن لا يبدو أنها ستكون قادرة على الاستمرار في ذلك، ليس فقط بسبب عدم التوصل إلى حل للخلافات بين كتلها، بل وأيضاً نتيجة تفجر خلافات داخل هذه الكتل ذاتها، ما يعني أن تجاوز الخلافات الأولى سيصبح أمراً أكثر تعقيداً بالتأكيد، بل الأخطر أن الواقع الحالي لن يجعل من استمرار الهيئة ممكناً، ولذلك فإن توقف مفاوضات اللجنة الدستورية هو في صالح الهيئة لعل وعسى أن تتمكن من إعادة ترتيب صفوفها وحل خلافات مكوناتها.
بل لعل من حسن حظ هيئة التفاوض أنها لم تدخل حتى الآن في مفاوضات متقدمة تتعلق بالتفاصيل، لأنها كانت ستواجه حتماً، والحال على ما هي فيه من الخلافات والتباينات، مواقف في غاية الخطورة والحرج، وقد لا يكون مبالغاً من قال إن غباء النظام هو من جعله يعطل المفاوضات بدل أن يعجل بها ليستغل واقع مفاوضيه من المعارضة غير المنسجمة والمتخاصمين حد العداء.
تلفزيون سوريا
—————————
سورية.. إدارة بايدن تواجه دعوات لكسر هيمنة موسكو على طرق المساعدات
وجه دبلوماسيون أمريكيون سابقون دعوات للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن للتحرك بشكل سريع من أجل كسر الهيمنة الروسية على طرق إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية.
وتأتي هذه الدعوات قبل خمسة أشهر من قرار (سنوي) سيتم التصويت عليه في مجلس الأمن، من أجل تمديد إدخال المساعدات الأممية إلى سورية، والتي تنحصر في الوقت الحالي عبر معبر “باب الهوى” الحدودي فقط.
وفي مقالة نشرتها مجلة “نيوز ويك” الأمريكية، اليوم الجمعة، ذكرت أن موسكو ستحاول وقف آخر عملية إدخال مساعدات عبر الحدود إلى سورية، وذلك في التصويت المقبل في مجلس الأمن (يوليو 2021).
وكتب المقالة كل من: روبرت فورد سفير الولايات المتحدة إلى سورية سابقاً، ووائل الزيات الذي عمل مستشاراً أولاً للسفيرة الأمريكية سامانثا باور في الأمم المتحدة.
وجاء في المقالة التي ترجمتها “السورية.نت”: “ستهدف روسيا إلى وقف آخر عملية مساعدة عابرة للحدود، وبالتالي وقف شحنات المواد الغذائية، الأمر الذي سيتسبب في فرار الملايين من الناس. ولهذا، يجب أن تكون إدارة بايدن مستعدة لاستبدال عملية الأمم المتحدة هذه بآلية مانحين دوليين”.
وعلى مدى السنوات الـ6 الماضية، أرسل المانحون الدوليون المساعدات إلى النازحين السوريين في مختلف المناطق داخل سورية وفي الدول المجاورة أيضاً، في إطار عملية للأمم المتحدة يوافق عليها مجلس الأمن كل 6 أشهر.
ومع ذلك، فإن روسيا تعرقل كل هذه الجهود، وعلى مدى الأشهر الـ18 الماضية، استخدمت موسكو سلطتها في مجلس الأمن لخفض عدد المعابر الحدودية المسموح بها لتوصيل المساعدات من 4 إلى واحد، وهو معبر “باب الهوى”.
دعوات لوضع الخطط
واقترح فورد والزيات في مقالتهما أن تتولى “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الدور في إيصال المساعدات”.
وقالوا: “لترجمة ذلك بالفعل، يتعيّن على إدارة بايدن البدء في وضع خطط للتدخل لصالح الأمم المتحدة والتشاور مع الشركاء الآن”.
وتابعوا: “سيتطلب هذا الجهد أيضاً تبريراً قانونياً لعملية دولية تحل محل دور الأمم المتحدة. كذلك، يجب أن يركز فريق بايدن على شرعية الاستجابات الدولية عندما تجوّع الدول ذات السيادة الناس، وتثير عن قصد عدم الاستقرار الإقليمي”.
ووفقاً للمقالة التي نشرها الدبلوماسيّان، فإنّ إدارة بايدن تحتاجُ أيضاً إلى تعزيز عملية المساعدة التابعة للأمم المتحدة في بقية مناطق سورية، إذ أنّ حكومة نظام الأسد تعرقل تحركات طواقم المساعدات الدولية، وتعيق قوافل المساعدات لـ”الناس اليائسين” في إدلب.
التحرك بعد الانتخابات
وستدعم روسيا إعادة انتخاب بشار الأسد لفترة ولاية جديدة مدتها 7 سنوات “في انتخابات مزيفة مقررة مبدئياً في الربيع المقبل”.
وحسب ما جاء في المقالة: “ستسعى موسكو بعد ذلك إلى الحصول على تفويض مطلق للأسد، لتوجيه جميع عمليات المساعدة التي تقدمها الأمم المتحدة في سورية”.
ولمواجهة هذه العقبات اقترح فورد والزيات أن تضع إدارة بايدن مع مانحين آخرين، معظمهم من الأوروبيين، مجموعة من المبادئ، التي تحكم العمل الإنساني للأمم المتحدة في سورية.
وإذا رفضت دمشق هذه المبادئ، أشارت المقالة إلى أن “المانحون يحتاجون إلى إعادة تقييم ما إذا كان ينبغي أن تذهب أموال مساعداتهم إلى عملية الأمم المتحدة في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، أو إذا كانت هذه الأموال ستوفر تأثيراً أفضل في مجتمعات اللاجئين بالدول المجاورة، وفي شمال سورية الذي تسيطر عليه المعارضة”.
السورية نت
————————-
طرطوس أولاً.. حملات دعائية تروّج للأسد في الانتخابات الرئاسية
بدأ النظام السوري بإطلاق حملات دعائية تروّج لترشح بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في شهر نيسان / أبريل المقبل.
أولى الحملات شهدتها مدينة طرطوس الساحلية، وحسب ما ذكرت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية “رابطة خريجي العلوم السياسية في سورية” أقامت، أمس الخميس، ندوة تحت عنوان “الأسد خيارنا”.
وقالت الصحيفة: “الندوة تأتي تأكيداً وتأييداً لترشح الرئيس بشار الأسد للاستحقاق الدستوري لانتخابات رئاسة الجمهورية العربية السورية”.
وخلال الأشهر الماضية صدرت من مسؤولي نظام الأسد تصريحات تؤكد إجراء الانتخابات في وقتها، وفق الدستور القائم “ودون تدخل خارجي”.
إذ أكد بشار الأسد خلال مقابلته مع قناة “روسيا اليوم”، في 11 من تشرين الثاني الماضي، على إجراء انتخابات 2021 بموعدها المحدد.
وقال: “بالتأكيد ستُجرى انتخابات عامة في العام 2021 في سورية، وسيكون هناك عدد كبير من المرشحين”.
وبينما يؤكد نظام الأسد على تنظيم الانتخابات الرئاسية “في وقتها”، تصر دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بأن الانتخابات “غير شرعية”، كونها شريحة كبيرة من السوريين لن تشارك فيها.
وحسب ما رصدت “السورية.نت” عبر مواقع التواصل الاجتماعي فإن حملات الترويج الدعائية للأسد لا تقتصر عل طرطوس، بل سبقتها منذ أيام حملات مشابهة في العاصمة دمشق وأخرى في دير الزور.
في حين تحدثت شبكات موالية للنظام في مدينة حلب، اليوم، أن كلاً من “مؤسسة الماجد للتنمية” و”موقع لأجلك سورية الإخباري” يعتزمان إطلاق حملة تحت عنوان “الأسد خيارنا”، وذلك في يوم 17 شباط / فبراير الحالي.
وأضافت الشبكات أن الحملات ستطلق في الساعة الثانية بعد الظهر، داعيةً “الراغبين بالمشاركة والمساهمة في الحملة التواصل بشكل فوري على أرقام التواصل (وضعتها ضمن منشورات عبر فيس بوك)”.
وسبق وأن التقى الأسد، مطلع الشهر الحالي، بعدد من الإعلاميين في وسائله الرسمية، وقالت مصادر متقاطعة إن اللقاء جاء في إطار حملة الترويج للانتخابات المقبلة.
وذكر الكاتب والإعلامي السوري، أيمن عبد النور، في ذلك الوقت نقلاً عن مصادر إن الأسد خاطب إعلامييه بالقول: “لقد ربحنا حربا لم يشنها ضدنا فريق واحد بل عدة أعداء، بمن فيهم من كانوا أصدقاء، ومنهم من كان من الحلفاء، ومنهم من كان ثعلباً”.
وتحدث الأسد عن دور كل من الإعلاميين الذين التقاهم، وأضاف: “لقد انتهينا من الجهاد الأصغر وبدأنا الجهاد الأكبر”.
وأشار عبد النور عبر حسابه في موقع “تويتر” إلى أن الأسد تطرق أيضا في أثناء لقاءه مع الإعلاميين إلى الدول الخارجية وأدوارها المتعلقة بالملف السوري، وقال للإعلاميين إنه يجب عدم الإصغاء لـ “الإعلام المعادي”، مؤكدا على “الجهاد الأكبر” الذي يجب العمل عليه في الوقت الحالي والمرحلة الحالية.
1/4
تسريب ما قاله بشار الأسد باللقاء مع عدد من الإعلاميين الذين التقاهم بالقصر يوم الأحد الماضي
-لقد خضنا الحرب بشرف وكنتم انتم جنودها ومن قادتها
-انتصرنا بحرب شنها علينا ليس طرف واحد بل عدة اعداء ,منهم من كان صديق ومنهم من كان حليف ومنهم من كان ثعلب
(افاض بالحديث عن دور كل واحد) pic.twitter.com/RA77HT35Ok
— Ayman Abdel Nour (@aabnour) January 26, 2021
السورية.نت
————————————–
بتوجيه من “ماكرون” ومتابعة “الأخرس”..تكثيف المساعي لرفع العقوبات عن الأسد
يجمع محللون سوريون، على خطورة الرسالة التي رفعتها فعاليات عربية ورجال دين مسيحيون أخيراً، إلى رؤساء فرنسا والولايات المتحدة والمستشارة الألمانية ورئيس الوزراء البريطاني، لرفع العقوبات عن نظام بشار الأسد، إذ إن العقوبات، الأوروبية والأمريكية، وحزم قانون قيصر على وجه الخصوص، سببت برأي الموقعين على الرسالة، أزمة إنسانية بسوريا وراجعت المستوى المعيشي للسوريين.
واستدل هؤلاء “95 شخصية عربية وعالمية جلهم رجال دين مسيحيون”، بدعوة خبيرة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ألينا دوهان، بأن العقوبات، وقانون قيصر أولاً، قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي في سوريا، وتعرّض الشعب لعقاب جماعي وانتهاكات حقوق الإنسان.
وتصدت شخصيات سورية ومنظمات حقوقية وروحية، لتلك الرسالة التي يخشى السوريون، أن تجد آذاناً لدى الإدارات الغربية والأمريكية، فيتم رفع العقوبات وبدء إعادة إنتاج نظام بشار الأسد، لسبع سنين عجاف أخرى تضاف إلى عشرين عاماً سابقة من وراثته كرسي أبيه واستمرار القصاص من السوريين، عبر التجويع والتفقير والتهجير.
* طلب اقتصادي بلبوس إنساني
ويقول الباحث السوري من واشنطن، “أيمن عبد النور”، ظننا وللوهلة الأولى، أن نظام بشار الأسد هو من استخدم رجال الدين المسيحيين والشخصيات “القومية العربية” ليرفع العقوبات ويستمر بالتحكم بمقدرات البلاد. ولكن، يضيف عبد النور، بعد “اتصالي شخصياً” ببعض الموقعين، علمت أن أمين عام الإليزيه هو من اتصل بهم، لينقل رغبة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالتوقيع على هذه الرسالة “المناشدة الإنسانية” لاستخدامها كرافعة خلال لقائه الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، لنتأكد لاحقاً بتكليف مدير منظمة “التضامن المسيحي العالمي” بمتابعة الشخصيات المسيحية الفاعلة، وبمعظم دول العالم، للتوقيع على الرسالة.
ويبين الباحث السوري خلال حديث خاص، أنه وبعد البحث بمضمون الرسالة التي وصلتنا نسخة منها، توقفنا عند جملة لها بعد اقتصادي، وهي “أن العقوبات الأوروبية والأمريكية، وخاصة قانون قيصر، تقف بوجه دخول المساعدات وتنشيط التجارة والاستثمار الضروري من أجل النظام الصحي السوري والتطوير الاقتصادي كي يعمل بشكل جيد في سوريا”.
وهنا تساءلنا، ما دخل رجال الدين بقضايا التجارة والاستثمار، ليرسلوا رسائل لزعماء العالم، وإذ القصة لها علاقة بشركات كبرى فرنسية وبالرئيس ماكرون وسعيه لإعادة تأهيل مرفأ بيروت، وحصة الشركات الفرنسية بكعكة إعمار سوريا بالمستقبل، ويريدون إلغاء “البلوك” الذي فرضه قانون قيصر، ليتسنى لهم الاستثمار بلبنان المرتبطة بشكل وثيق برساميل ورجال أعمال سوريين، فوراء الرسالة إذاً، تجارة واستثمار وليس أغراضا إنسانية كما يدعون.
وبحسب حديث عبد النور لـ”زمان الوصل” لم يستجب “جون أنفير” مدير منظمة التضامن المسيحي، لمطالب الموقعين بالتعديل، ولكن بعضهم، حسب معلوماتنا وتواصلنا مع الموقعين، بصدد إرسال رسالة احتجاجية على استخدام أسمائهم بقضايا اقتصادية وتجارية، فهم مسعاهم بالأساس، رفع الحصار عن الشعب السوري وتحسين مستوى معيشته، مشيراً إلى أن رؤساء أكبر الطوائف المسيحية، بسوريا ولبنان “الموارنة والأرثوذكس” غير موقعين، لذا لا يمكن للمنظمة أو للرئيس الفرنسي المتاجرة بأسماء مسيحيي الشرق وتقويلهم ما لم يقولوا.
وحول الرد، يقول “عبد النور” الذي يشغل “رئيس جمعية سوريون مسيحيون من أجل السلام” نكتب الآن رسالة مضادة نوضح خلالها، أن قانون قيصر لم ينص عقوبات على الشعب ولا يتضمن الغذاء والدواء، وما تعانيه سوريا هو بسبب هجرة الكفاءات ومقتل الكثير منها، فضلا عن الفساد ونهب النظام لمساعدات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، وعدم اتباع النظام لنصائح منظمة الصحة العالمية لحماية الشعب من الأوبئة، وما يتعلق بتجويع السوريين، فهي سياسة انتهجها نظام الأسد لتركيع السوريين، ففي حين يوزع المواد الاستهلاكية عبر “البطاقة الذكية” يعيش ونظامه بحبوحة ويتاجرون بأكبر العلامات التجارية بالعالم.
وكانت شخصيات سياسية ورجال دين مسيحيون، قد أرسلوا رسائل إلى واشنطن وحكومات أوروبية، في 21 كانون الثاني الماضي، منهم (الأكاديمي والباحث الفلسطيني مكرم خوري مخول، مؤسس “المركز الأوروبي لدراسة التطرف” في العام 2016 وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، ورئيس كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك البطريرك جوزيف عبسي، والأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط اللبناني ميشيل عبس، والمطران جوزيف أرناؤوطيان أسقف دمشق للأرمن الكاثوليك، والمطران أنطوان أودو أسقف الكلدان الكاثوليك في سوريا، ورئيس أساقفة حلب للروم الملكيين الكاثوليك المطران جان كليمان جنبرت، والأب إلياس زحلاوي رئيس كنيسة العذراء الملكية في دمشق، والقس إبراهيم نصير، راعي الكنيسة الإنجيلية المشيخية في حلب) يستجدون خلالها، رفع العقوبات المفروضة على النظام السوري، بحجة ضغط العقوبات على الشعب السوري، وحرمانه من المساعدات الإنسانية.
وأشارت الرسائل التي كان فواز الأخرس، والد أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام السوري، ضمن الموقعين عليها، إلى تحذيرات المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة “ديفيد بيزلي”، من أن ملايين السوريين يعانون ضغوطًا شديدة ناجمة عن الضرر الكبير الذي تعرض له نظام الرعاية الصحية خلال سنوات الأزمة، مجددة التأكيد أن الإجراءات القسرية المفروضة من الولايات المتحدة تفاقم معاناة الشعب السوري.
وزادت مخاوف سوريين من استجابة إدارة الرئيس جوزيف بايدن للرسالة، خاصة بعد نشر صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 22 من كانون الثاني الماضي، أن كلًا من وزراء الخارجية والخزانة والتجارة الأمريكية، سيتشاورون مع وزير الصحة والخدمات الإنسانية ومدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لمراجعة العقوبات الأمريكية على سوريا، وتقييم ما إذا كانت العقوبات تعرقل المسائل الصحية والمعيشية أو الاستجابة لجائحة كورونا، خاصة أن تلك الرسائل التي وصلت للإدارات الغربية، ترافقت مع دعوة النظام السوري، حلفاءه في روسيا والصين، إلى رفع العقوبات الغربية عنه، ودفع العملية السياسية، وتحسين الوضع الأمني والإنساني في سوريا، وتصريح مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانغ جيون، خلال اجتماع مجلس الأمن، في 22 كانون الثاني يناير، إنه يتعيّن رفع الإجراءات القسرية الأحادية الجانب ضد سوريا، لأن الصعوبات الاقتصادية والإنسانية تعود إلى حد كبير للحصار الاقتصادي وغيره من العقوبات الاقتصادية.
الأمر الذي دفع الجالية السورية الأمريكية بواشنطن وشخصيات سورية فاعلة بالولايات المتحدة، لتفنيد الرسالة التي يرونها مضللة، موضحين للإدارة الأمريكية الجديدة، أن قانون قيصر لم يشمل غذاء السوريين ودواءهم، كما أن الوضع المتردي للسوريين، كان قبل إصدار قانون قيصر الذي وقعه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وألحقه في 17 يونيو/ حزيران 2020، بأول حزمة عقوبات.
*يمكن لإدارة “بايدن” مراجعة العقوبات
ويقول الباحث بالمركز العربي بواشنطن “رضوان زيادة” إن العقوبات الأمريكية على نظام بشار الأسد، جزء منها من الإدارة التنفيذية، ما يعني يمكن لإدارة بايدن مراجعتها وربما إزالة بعضها، ولكن هناك عقوبات مثل “قانون قيصر” تم فرضها من الكونغرس، لذا لا يمكن للإدارة الامريكية الجديدة أن ترفعها من دون موافقة الكونغرس.
ويضيف الباحث السوري “زيادة” خلال اتصال مع “زمان الوصل” أنه وحتى الآن لا يوجد اتفاق من قبل الإدارة على رفع العقوبات، بل أكد وزير الخارجية الجديد أن واشنطن ستستمر بنظام العقوبات على نظام الأسد وبالتالي ليس هناك مؤشرات على أن الإدارة الجديدة سترفع العقوبات، ربما هناك مراجعة لبعض العقوبات التي لها علاقة بالمساعدات الطبية والتي لها علاقة بوباء “كورونا”، لكن العقوبات المفروضة، ليس هناك نية أمريكية برفعها أو إلغائها.
وحول ما قامت به الجالية السورية الأمريكية، يبين الدكتور “زيادة”، أن موقف الجالية واضح بأن تستمر العقوبات على نظام الأسد بشكلها الأقصى لمنعه من أي تطبيع دولي ودفعه وإلزامه بالانتقال السياسي “وأعتقد الإدارة الأمريكية ستعمل بتوصيتنا”، مؤكداً ليس للرسائل التي وصلت للزعماء الأوروبيين والإدارة الأمريكية أ تأثير على القرار الأمريكي النهائي، و”أعتقد أن هناك توافق بين الجمهوريين والديمقراطيين بالكونغرس مع الإدارة الامريكية على هذه النقطة”.
*العرائض لا تبدل سياسات ولكن..
ولم يخرج رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، “غزوان قرنفل” عن هذه القناعة، إذ يؤكد لـ”زمان الوصل” أن مواقف وسياسات الدول، لا تتبدل وتتغير بناء على عرائض وبيانات ومناشدات، ولكن هذا لا يلغي خطورة هذه الخطوة التي قدمها رجال دين وشخصيات عربية ودولية، ومحاولة الإيهام أن نظام الأسد حامٍ للأقليات، وهو الشخص المتفق عليه للبقاء بالسطلة وبالتالي، ضرورة رفع العقوبات عنه، خاصة بواقع تصويرهم أن العقوبات فقط، هي سبب فقر وجوع السوريين وتردي واقعهم الصحي.
ويضيف المحامي السوري “أنه ورغم عدم توقعي بأن يكون للرسالة أثر فاعل، لكن الخطورة من الاستمرار وأن تكون الرسالة بداية لحملة منظمة تتعاظم كلما اقتربت انتخابات الرئاسة بسوريا المحددة بين نيسان وأيار المقبلين”، لأن وراء الحملة الرئيس الفرنسي “ماكرون” وحرض عليها ويقودها مع غيرها، حمو بشار الأسد، رئيس الجمعية السورية البريطانية، “فواز الأخرس”.
ورأى “قرنفل” ضرورة الرد من المعارضة والمنظمات الدولية وتفنيد الرسالة، لأن العالم بالنهاية يريد حلا في سوريا وقد تأخذ بحلول حملة النظام بحجة عدم وجود بدائل”.
*الأوضاع سيئة قبل “قيصر”
ويعاني السوريون فعلاً، من تردي الواقع المعيشي ما أوصل، بواقع دخول شهرية لا تزيد عن 60 ألف ليرة وتكاليف نافت بحسب مراكز بحثية بدمشق، 700 ألف ليرة، نسبة الفقراء إلى أكثر من 90 % وتعدت نسبة البطالة 83% ومن واقع صحي متردٍّ، بعد غلاء الأدوية وفواتير المشافي ونقص عدد الكوادر الطبية.
لكن تلك الأوضاع بحسب أستاذ النقد والاقتصاد “مسلم طالاس”، سابقة للعقوبات الأمريكية وقانون قيصر على وجه التحديد، فحينما تدهور سعر صرف الليرة وبدد نظام الأسد الاحتياطي النقدي الأجنبي بالمصرف المركزي، والبالغ عام 2011 نحو 18 مليار دولار، لم يكن من قانون قيصر، بل كان المصور قيصر بدمشق ويعمل مع نظام الأسد.
ويقول “طالاس” لـ”زمان الوصل” إن قانون قيصر أثر على النظام بشكل كبير، كما كان له تبعاته على معيشة السوريين، وربما لا تظهر النتائج جلية، لأن الوضع الاقتصادي حتى قبل قانون قيصر، كان مترديا.
وحول الحزمة الأخيرة بقانون قيصر، يضيف الأكاديمي “طالاس”، كانت مهمة لأنها طاولت المصرف المركزي، ما يعني حرمانه بالكامل من عمليات التحول والتسديد والائتمان أو الاتصال مع المنظومة المصرفية الدولية المرتبطة مع الولايات المتحدة، فبعد يونيو/ حزيران العام الماضي، لا يجرؤ أي مصرف بالتعامل مع المصرف المركزي بدمشق، علماً أن التعاملات الدولية البنكية، كانت محدودة حتى قبل حزمة قانون قيصر، لكن العقوبات أوقفت التعامل والأهم عطلت الصفقات التجارية ودعم الأسد بمعدات عسكرية كان يستخدمها لقتل السوريين.
عدنان عبدالرزاق – زمان الوصل
————————–
=============================
تحديث 09 شباط 2021
—————————–
تمويل حملة الأسد الانتخابية/ عدنان عبد الرزاق
على الأرجح ليس بخزينة الدولة ولا لدى المصرف المركزي السوري ما يكفي تطلعات بشار الأسد لحملة انتخابية تتخطى حدود سورية، عساها تعيد ولو بعض إنتاجه وتحقق له جزءاً من الشرعية الضائعة، بعد رفرفة أربعة أعلام لمحتلي سورية وقتل نيف ومليون مواطن وتهجير نصف السكان.
لكن ضيق الحال، إن لم نقل الإفلاس، للحد الذي منع زيادة الأجور رغم زيادة تكاليف المعيشة عن عشرة أضعافها، وتخطي نسبة الفقراء 90%، قد يحول دون الطموح بحملة ترف توازي حجم المرشح والآمال المعقودة على ولايته الوراثية الرابعة.
فالتحسب مما يقال عن رعاية ورقابة أممية، ربما يحول دون البذخ والرشى بواقع الفقر والحرمان، وإن كان وضع الشعب المعيشي وإرهاق مستقبل السوريين بمزيد من الاتفاقات ورهن ثرواتهم آخر هموم بشار الأسد.
لذلك، وجدنا أخيراً أبواب إتاوة وتحصيل جديدين، لم يكونا بالحسبان أثناء احتساب الموارد خلال موازنة عام 2021، عدا ما عرفه السوريون خلال سنوات الحرب على ثورتهم وأحلامهم، من رسم دخول بلدهم 100 دولار أو رشى الحصول على الخدمات والمشتقات النفطية، حتى ضمن ما يسمى “البطاقة الذكية”.
الباب الأول، رفع أسعار “خدمات الوطن” من استصدار أرواق ثبوتية (إخراج قيد نفوس وبيان عائلي وجواز سفر)، خاصة للمهجرين خارج سورية، فارتفع رسم الحصول على بيان عائلي إلى 200 دولار، وكشف العلامات الجامعية إلى 400 دولار، وجواز السفر المستعجل إلى 800 دولار.
وفي ما يتعلق بخدمة الجيش، الضريبة الأكبر، فمجرد الحصول على أي وثيقة تتعلق بالخدمة الإلزامية يكلف 700 دولار، ليكون بابتكار مطرح ضريبي جديد لتمويل الحملة الرئاسية في بدل الخدمة العسكرية البالغ 8000 دولار.
ولأن ثمة تأجيلا أو هروبا للمهجرين من استحقاق خدمة العلم، أو ربما عدم نيتهم العودة للوطن أصلاً ما دام وريث السلطة بالحكم، خرجت وزارة الدفاع أخيراً بحل يضمن العائدات حتى لو لم يطلب المكلف إعفاءه من الخدمة العسكرية مقابل المال. فقد أصدرت وزارة الدفاع (فرع البدل والإعفاء بالوزارة) قرارا بأن كل مواطن سوري، حتى لو بلغ سن 42 عاماً، ولم يدفع بدل الخدمة العسكرية 8 آلاف دولار، سيتم الحجز على أمواله وممتلكاته أو أموال ذويه أو أهله أو ممتلكات أي شخص آخر يخصه.
تماماً على هذا النحو وحرفياً، الحجز على ممتلكات حتى الأهل والأقارب، ليتم بيعها لاحقاً وتحصيل ثمانية آلاف دولار مقابل الإعفاء من الخدمة الإلزامية، حتى لو لم يطلب المهاجر ذلك.
وأما الطريقة الثانية المبتكرة لتحصيل الأموال، فبدأت هذه الفترة، بالتوازي مع بدء ملامح موسم زراعي وفير، وتتأتى عبر طرح ممتلكات “الإرهابيين الهاربين من الوطن” والزراعية خاصة، للاستثمار السنوي، وتعود عائدات الرهن أو الاستثمار للدولة.
ومعلوم ربما أن جلّ المناطق الزراعية، خاصة في مدن وأرياف شمال غرب سورية، حماة وحلب وإدلب، باتت تحت سيطرة نظام الأسد منذ شباط/ فبراير من العام الماضي، وقت زحف جيش الأسد، مدعوماً بالقوات الإيرانية والطيران الروسي، فاستولى على الأرياف والأراضي الزراعية، وهجّر أصحابها إلى المخيمات على الحدود.
نهاية القول: أقلع نظام الأسد مبكراً بحملة انتخابية تتخطى حدود الوطن وسقفه، فرأينا مبادرات دولية مأجورة لرفع العقوبات، قادها أخيراً حماه فواز الأخرس بأوروبا، بإيحاء من الرئيس الفرنسي، ورأينا زيارات لدمشق، مغطاة التكاليف ومستورة النفقات، لـ”قومجيين عرب” ومسؤولين أوروبيين ولقاءات إعلامية مأجورة لتلفزات وصحف ومجلات دولية، مع التوقعات بزيادة الوتيرة وارتفاع التكاليف، كلما اقترب موعد الاستحقاق في منتصف العام الجاري.
وعلى الصعيد الداخلي، بدأت اللقاءات والندوات والحشد الشعبي، بعنوان “الأسد خيارنا وبكرا أحلى”، وطبعت كتب وكراسات ونشرات، تبيّن انتصار القائد الفذ على المؤامرة الكونية، آخرها كتاب بحجم موسوعة بعنوان “القائد الأسد.. صفحات مشرقة من تاريخ الصمود”.
وهذا كله، الترويج الداخلي والخارجي، يحتاج، كما أسلفنا، لنفقات وتكاليف ورشى وشراء أقلام وضمائر. لذا، لم يكن من بد أمام القائد المفلس صاحب تاريخ الصمود، إلا ابتداع طرائق جباية وإتاوات جديدة، ليدعم حملته الانتخابية، ليبقى، بواقع المباركة والصمت الدولي، لسبع عجاف أخرى، تضاف إلى إحدى وعشرين عاماً تلت ثلاثينية حكم أبيه.
العربي الجديد
—————————–
مصائر الأسديين في سوريا/ فايز سارة
يبدو نظام الأسد في مرحلة انتقالية، ستشهد فصولاً واحتمالات متعددة، ومتناقضة في الأشهر الستة المقبلة، وهي الفترة التي تفصلنا اليوم عن موعد الانتخابات الرئاسية، التي يعتزم نظام الأسد إجراءها لتنصيب بشار الأسد لفترة رئاسية رابعة.
أبرز سمات المرحلة الانتقالية وأهمها، المراوحة بين ترشيح الأسد وبالتالي انتخابه، وهو ما يجري تبنيه والاشتغال عليه من جانب النظام وحلفائه الإيرانيين والروس، رغم ما يقال عن ملاحظات الأخيرين، أقصد الروس الذين بعثوا برسائل متناقضة حول بشار وموقفهم منه في العام الأخير، والمقابل للاحتمال السابق، تبلور موقف دولي قوي، في رفض ترشيح بشار وانتخابه، وقد يترافق الرفض مع اشتراطات، تدفع نظام الأسد للذهاب نحو حل في سوريا، لكن الاحتمال الأخير، ما زال في طور همهمات ورسائل مبطنة أو معلنة، وبعضها يجري تبادلها بين الدول، التي وإن عودت نفسها على التعايش مع وجود بشار على رأس نظام القتل والتشريد والتهجير ورعاية الإرهاب ومنظماته وممارسته في إطار إرهاب الدولة وبالتشارك مع إيران، فإن أغلب هذه الدول، تبحث في الخيارات والاحتمالات، ورفض ترشيح وتجديد الرئاسة الرابعة لبشار، واحد من الاحتمالات والخيارات في الأشهر القريبة المقبلة.
بين احتمال ترشيح بشار وانتخابه والاحتمال الآخر فوارق كثيرة، لكن الجوهري فيها، أن يبقى بشار في الأول أو يذهب في الثاني، وقد يضعف في الأخير ليصير، وكأنه شخص آخر، إذا طرحت عليه اشتراطات وقبلها. والسوريون سيتأثرون في الحالتين، وستكون حياتهم وصولاً إلى الانتخابات وما بعدها عرضة لتغييرات ملموسة، بل إن بعض التغييرات والتطورات، قد تكون شديدة عند بعض السوريين.
الغالبية سوف تتواصل حياتهم في السياقات الراهنة، من حيث توزعهم بين الشتات وسوريا، التي يخضع من فيها لسلطات الأمر الواقع القابضة في المناطق الثلاث والعيش في ظلالها، وسيخضع المقيمون في مناطق سيطرة النظام إلى مزيد من التشدد الأمني الذي سيركز أكثر على المناطق الموصوفة بـ«المؤيدة» بعد الاحتجاجات، التي ظهرت فيها، وستستمر سياسة الإفقار والإذلال والفساد، التي يتابعها النظام، ليس فقط بسبب طبيعته، بل لعدم توفر إمكانيات لتقديم رشوات على شكل منح وأعطيات ومكرمات للواقعين في مناطق سيطرته غير الخطابات، التي بدأ بشار في توزيعها عبر سلسلة اجتماعات، بدأت في أولها مع رجال الدين، وثانيها مع صحافيي النظام وأبواقه، وهي إحدى طرق الدعاية والفرز في المرحلة الراهنة.
أنصار الأسد العاديون سيصيبهم ما يصيب عموم السوريين، ولو وسط إحساس أعلى بـ«الظلم»، خاصة أنهم سيكونون تحت عيون النظام وأجهزته أكثر من أي وقت مضى، ولا سيما البارزين فيهم من ضباط الجيش والمخابرات ورجال المال والأعمال، والاهتمام بهؤلاء، يتصل في أنهم المقربون الذي سيضطر النظام للتضحية بأشخاص منهم، وتحميلهم مسؤولية جرائمه وارتكاباته، وباستثناء أنها طريقة اعتاد نظام الأسد في عهد الأب، ثم في عهد وريثه على متابعتها في محاولة للتطهر، وإظهار رأس النظام بأنه خارج تلك الجرائم والارتكابات، وأنه قادر على محاسبة المجرمين والفاسدين حتى لو كانوا من المقربين، وهي صفة، لا تعني إطلاق أيديهم.
ويعزز تلك الأكاذيب أمران؛ أولهما الحملة التي قام بها النظام (وإنْ لأسباب أخرى) في العام الماضي، وشملت بعض أركان النظام ومؤيديه وفي مقدمتهم رامي مخلوف ابن خال بشار، وأهم أركانه في ميدان المال والأعمال، والأمر الثاني، تأكيد بشار في لقاءاته مع رجال الدين والصحافيين، أن مسار النظام في السنوات الماضية كان صحيحاً، وأن ما حصل من أخطاء وتجاوزات (أقرأها جرائم) هي سلوكيات شخصية، والقول يعني أنه مقدمة لتقديم بعض أشخاص النظام كبش فداء أمام السوريين والعالم من جهة أخرى، وتأكيد لادعاءات مكرورة، تقول، إن الأسد يحاسب المرتكبين أياً كانوا.
ومما لا شك فيه، أن قيام الأسد بتدمير وتصفية بعض الأسديين من أنصاره، سيترك انطباعات «إيجابية» لدى بعض الأوساط الخارجية، وخاصة عند حلفائه الروس ولدى الدول الساكتة عن جرائمه، غير أن الأهم في النتائج المتوقعة للعملية المقبلة، ما سيحصل عليه النظام منها، حيث سوف يستولي مباشرة أو بطريقة غير مباشرة على ممتلكات من ستتم تصفيتهم أو إبعادهم من مؤيديه على نحو ما جرى مع رامي مخلوف، وتؤدي العملية إلى حراك ولو محدود في أوساط مؤيدي النظام بذهاب قدماء ومجيء جدد، مما يعني إعادة ترتيب المجموعة بصورة جديدة، وستعيد تلك العملية إحكام قبضة الأسد على المقربين من أنصاره الذي سيدخل بهم الفترة الرابعة من رئاسته، إذا حصلت الانتخابات.
أما إذا لم تحصل الانتخابات أو حصلت بشروط، فإن مصائر الأسديين في سوريا لن تكون أسهل، إذ هم بين مطرقة المتابعة الدولية لدورهم في دعم ومساندة النظام في جرائمه، وسندان نظام يود التخفف من مجرمين ومرتكبين محسوبين عليه، يمكن أن يحملهم المسؤولية في غالبية ما حصل، وسط احتمالات الذهاب لاحقاً إلى عدالة انتقالية تحتاج إلى أشخاص وأسماء في واحدة من خطوات أساسية لحل سوري، ومحاكمة عقيد أمن الدولة أنور رسلان في ألمانيا رغم مكانته الهامشية في البنية الأمنية – العسكرية للنظام، بينت المكانة الكبيرة لمحاسبة بطانة النظام في اهتمام العالم والسوريين.
إن تضحية نظام الأسد بأركانه ومؤيديه، وتحويلهم إلى ضحايا على يديه، ظاهرة لا تقع في دائرة التقديرات والتخمينات، بل هي سياسة معروفة، ومطبقة ضمن استراتيجية الدفاع الذاتي، التي مارسها حافظ الأسد مؤسس النظام الديكتاتوري طوال حكمه، وفيها استبعد وسجن وقتل كثيرين ممن كانوا من أقرب المقربين له على نحو ما فعل برئيس وزرائه محمود الزعبي بعد ثلاثة عشر عاماً من البقاء في منصبه، وقد ورث خليفته بشار النهج، وجعل القتل أول الخيارات وأكثرها شيوعاً، وأقلها الإبعاد والاعتقال، شاملاً في قائمة ضحاياه عشرات من كبار ضباط الجيش والمخابرات ووزراء، كانوا جميعاً من أركانه الأقوياء المقربين والأقرباء، قبل أن يضم إليهم ابن خاله رامي مخلوف، وهو في أغلب الأحوال فعل بهم ما فعله بمخلوف في واقع الاستيلاء على ما كانوا يملكون!
الشرق الأوسط
—————————-
المذكرة المسيحية اللبنانية السورية.. إعادة تعويم للنظام الفاشي بتواطؤ فرنسي روسي/ رفيق قوشحة
لم يكن ماركس مخطئاً عندما قال إنّ التاريخ هو مسيرة الصراع المجتمعي الطبقي بكل مستوياته وأشكاله وأنواعه، وباختلاف الثقافات أو الأيديولوجيات الحاملة له، فبعد عشر سنوات من بداية الثورة والحراك الاجتماعي، وما رافقه من ظروف وإشكاليات وصراعات إقليمية ودولية ومحلية في سوريا، يعود البعض بالحلول للخروج من هذه المعضلة إلى المربع الأول، وكأنّك “يا بو زيد ما غزيت”.
ليطلّ علينا الكانتون المسيحي في سوريا ولبنان، وبغطاء فرنسي بريطاني، بمذكرة وجهتها 95 شخصية مسيحية دينية ومدنية وأكاديمية وسياسية إلى الحكومات الغربية، تحثّ فيها على إعادة النظر بالعقوبات المفروضة على النظام السوري، اعتماداً على قرار قيصر، بحجة أنّ هذه العقوبات تؤثر على مجمل الشعب السوري، وقد ساهمت بمزيد من المعاناة الاقتصادية والمعيشية الموجودة أصلاً في سوريا، ويعيش الشعب السوري تحت ضغطها منذ سنوات.
حقيقة الأمر، إنّ مجموعة من المسيحيين السوريين واللبنانيين استطاعت أن تستميل الرئيس الفرنسي ماكرون للإصغاء إلى حكاية مفادها، أنّ الاقتصادين، السوري واللبناني، متداخلين ومتشابكين بحكم الجوار والعلاقات الاقتصادية العتيقة بين البلدين، وأنّه من أجل إخراج لبنان من أومته الاقتصادية والسياسية الطاحنة، لا بد أن يكون ذلك مترافقاً مع إخراج سوريا، أيضاً، بالتلازم لما تختصّ به الحالة اللبنانية السورية من سمات ومفاعيل وظروف اقتصادية واجتماعية مشركة.
يقوم الدكتور فواز الأخرس، رئيس الجمعية السورية البريطانية، بجمع كل التواقيع الضرورية لهذه المذكرة في بريطانيا وبعض البلدان الأوربية، لكي يبدو المشهد واضحاً تماماً في أنّ المذكرة كلّها، في حدّ ذاتها، ما هي إلا مبادرة يقف خلفها النظام ومعه روسيا لاستمالة الرئيس ماكرون من بوابة المسيحية اللبنانية السورية، مع وعود سخيّة لفرنسا بأن يكون لشركاتها النصيب الوافر في المشاريع الناجمة عن الاتفاقات التي ستحصل في حال تجاوبت الحكومات الغربية مع المذكرة المسيحية اللبنانية السورية.
تبدو أصابع روسيا واضحة تماماً في خلفية المشهد، وبالطبع أصابع النظام، من خلال الاتجاه العام لمضمون هذه المذكرة، التي أوضح مراقبون أنّها لا تتضمن سوى مطلب واحد، هو رفع العقوبات المفروضة على النظام السوري بأثر مفاعيل قانون قيصر الذي أصدره الكونجرس الأميركي.
ويبدو فواز الأخرس، والد أسماء الأسد، زوجة الديكتاتور في سوريا، العراب البريطاني لهذه المذكرة، التي ستتيح له أن يكون محمد مخلوف الجديد في سوريا، وابنته هي رامي مخلوف الجديد، بعد مرحلة إعادة تعويم النظام في مشاريع اقتصادية جديدة، كشكل من أشكال إعادة الإعمار فيما لو استطاع الرئيس ماكرون ومعه بعض مراكز القوة والنفوذ في الغرب أن يقنعوا الإدارة الأمريكية بإعادة النظر في فرض عقوبات على سوريا، وربما إعادة النظر كلياً بجدوى الاعتماد على تقرير قيصر واعتماده مرجعاً ووثيقة لإدانة النظام في سوريا.
لم يكن لهذه المذكرة أن ترى النور لولا أن هناك موافقة مسبقة جزئية، إن لم تكن كاملة، من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي لا يخفى على أحد تأثره الكبير بالمرجعيات المسيحية اللبنانية، فيما يعتبره كأيّ رئيس فرنسي الدور التاريخي لفرنسا في لبنان برعاية مسيحيي الشرق، ناهيك عن أنّ هذا المسعى في حلّ الأزمة اللبنانية يحفظ ماء وجه فرنسا بعد فشل المبادرة الفرنسية للحل في لبنان، وبالتالي حفظ ماء وجه الرئيس ماكرون في لبنان والعالم، وبوجود فواز الأخرس في لندن، كأحد العرابين الرئيسين للمذكرة، فإنّ مشاركة النظام في هذه المذكرة تبدو واضحة، كما يبدو أن لا مانع لدى السيد ماكرون في إعادة تعويم النظام الفاشي في سوريا، ربما بتنسيق كامل مع روسيا، وتجاهل كل معاناة الشعب السوري طوال هذه السنوات العشرة من الحرب المريرة التي يشنّها النظام عليه، كما هو يتجاهل فرصة الحلّ وفق المرجعية الدولية والقرار 2254 المتفق عليه دولياً.
من المؤكد أنّ مثل هذه المذكرة، مهما بلغ من تأثيرها على ماكرون وأروقة وكواليس صنع القرار في الاتحاد الأوروبي، لن تكون قادرة على خلق الاصطفاف السياسي الأوروبي الكافي الذي يمكن أن يدفع الإدارة الأمريكية باتجاه إعادة النظر في مسألة العقوبات على النظام في سوريا، باعتبار أنّ قانون قيصر صدر عن الكونجرس الأمريكي وليس عن الإدارة الأمريكية، ويحتاج الرئيس الأمريكي بايدن إلى الكثير من الحجج والجهد لإقناع الكونجرس بإعادة النظر بقيصر وعقوباته، ولكن ربما هذا المسعى الفرنسي المدعوم من روسيا بإعادة تعويم النظام يساهم في تحويل النظر، بقدر صغير أو كبير، عن التركيز على قرارات المرجعية الدولية للحل في سوريا، أو يساهم في تعطيل جهود قد تبذلها الإدارة الأمريكية الجديدة لإعادة الضغط على النظام نحو إيجاد حلّ نهائي للمعضلة السورية.
وفي كل الأحوال، يبدو واضحاً مما أثارته حكاية هذه المذكرة من ردود أفعال متنافرة ومتناقضة حول مضمونها الذي يعيد تعويم النظام في المجتمع الدولي من جديد، كحاكم شرعي لسوريا وشريك في عملية إعادة الإعمار، يبدو من كل ذلك صواب المثل الشعبي، الكلب لا يعضّ ذنبه، إذ لطالما ساهمت حكومات الغرب في بناء علاقات وطيدة مع الأنظمة الدكتاتورية في العالم الثالث، ومنها النظام الفاشي في سوريا، ولطالما غيّرت سياساتها جذرياً من هذه الأنظمة إذا ما توافق ذلك مع مصالحها، وإنّه ليس من المستبعد أبداً أن تدخل المعضلة السورية في نفق أسود مظلم جديد جرّاء المحاولة (مثل هذه المذكرة)، أو في مساعي مشابهة من هذا الطرف أو ذاك لتمييع الصراع في سوريا وجرّ الأمور باتجاه ضياع حقوق الشعب السوري بعد كل هذه المعاناة، وإعادة تكريس النظام عبر تسويات لا تحقق أبداً ما يطمح إليه شعب سوريا بعد خمسين عاماً من حكم البعث وآل الاسد من سوريا حرة وديموقراطية.
ليفانت – رفيق قوشحة
—————————-
في تحالف سوريا وإيران/ بهاء العوام
مرت عقود على تحالف طهران ودمشق حتى الآن. تحالف أورثه الرئيس السوري السابق حافظ الأسد لابنه بين تركة كبيرة من العلاقات الخارجية المعقدة، وقد استغله الابن كثيراً ليس من أجل تحرير الجولان المحتل، وإنما لقمع المعارضة الداخلية، وإخماد الأصوات المطالبة برحيله خلال السنوات العشر الماضية.
كان موقع سوريا في التحالف أكثر فعالية حتى بداية الألفية الثالثة، أو في عهد الأسد الأب بتعبير أدق. ولكن تغيرات كثيرة طرأت عليها وعلى الشرق الأوسط عامة خلال العقدين الماضيين، أفقدت سوريا القدرة على التحكم بحجم تأثير هذا التحالف عليها، وحولت دمشق إلى واحدة من ولايات الخمينيين العربية.
ما حرص عليه الأسد الأب طوال عهده هو الانتفاع من علاقاته مع طهران دون أن يثير غضب حلفائه الآخرين وخصوم طهران. بانتهازية سياسية واضحة استغل حافظ الأسد علاقاته الخارجية لتثبيت سلطته في الداخل، والمقابل الوحيد الذي قدمه للجميع هو المعادلة الصفرية لمحصلة القوى المؤثرة في بلاده.
الأسد الأب لبّى مصالح جميع القوى الإقليمية والدولية. كان حليفا وخصما للكل في الوقت ذاته. يعرف ما هو الأهم بالنسبة لكل دولة طامعة بسوريا، ويقدمه لها شرط ألا يكون هذا الأهم على حساب دولة أخرى. ولأنه أتقن الرقص على الحبال ولم يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع أحد، بقي سيد اللعبة للنهاية.
مارس حافظ الأسد كثيرا من الانتهازية في علاقاته الخارجية، وتضررت من سياساته هذه عدة دول وتجمعات في المنطقة، ولكن الأكثر تضررا كان الشعب السوري الذي حكم ولازال، بسلطة مستبدة ورث الابن عن الأب مفاتيحها وأدواتها وأسرارها، ولكن الفارق بين العهدين هو تغير الظروف الدولية والإقليمية.
تحالف سوريا وإيران عاش حتى عام 2011 متنكرا بعنوان “محور المقاومة”، وحين طرق الأسد الابن أبواب طهران لمساعدته في قمع الاحتجاجات الشعبية ضده، ظهر التحالف بحلته الأصلية، ومارس المقاومة الوحيدة التي يبرع بها وهي ضد الشعوب التي تحاول التحرر منه والانقلاب على الأنظمة التي تتبناه.
لا يحتاج الأمر إلى جهد كبير لاكتشاف حقيقة هذا المحور، ويكفي أن تنظر إلى واقع الحال في مناطق امتداده الجغرافي حتى تعرف إنجازاته العظيمة. العراق وسوريا ولبنان وقطاع غزة واليمن كلها مرايا تعكس “مقاومة” هذا المحور، أما الحاضنة الأم فحدث ولا حرج عن انتصارات الخمينيين على الإيرانيين.
منذ عام 2011 صوّب محور “المقاومة” أسلحته وميليشياته على المدن السورية التي ثارت على النظام بزعم أن الطريق إلى القدس يمر منها. وفوق كل بقعة وطأها الخمينيون عاثوا فسادا وزرعوا ثقافة الولاء للولي الفقيه. هكذا حتى باتت نصف البلاد وأكثر تدين بالولاء لإيران أكثر من سوريا الدولة والوطن.
لم تنته كوارث الإيرانيين في سوريا حتى الآن، والحضور الروسي هناك منذ 2015 زاد الأمر سوءاً. فالروس لم يمنعوا فقط سقوط بشار الأسد، وإنما منعوا سقوط محور “المقاومة” بأكمله. ونتيجة لجهود الدولتين باتت سوريا اليوم مقسمة بين خمسة محتلين لكل منهم مساحته الجغرافية وخططه الاستراتيجية فيها.
ولا شك أن إيران هي الأكثر قبحا بين المحتلين الخمسة لسوريا، أولاً لأنها السبب في نشوب الحرب هناك، وثانيا لأنها مصدر انقسام المجتمع السوري دينيا وطائفيا، وثالثا لأنها تحرص أكثر من غيرها على أجل مفتوح للأزمة تغرق فيه البلاد أكثر فأكثر في تبعيتها للولي الفقيه، ورابعا لأنها تواصل كذبة “المقاومة”.
إيران هي الأسوأ ليس فقط بالنسبة إلى السوريين، وإنما أيضا للمحتلين الأربعة المتبقين. أسبابهم في هذا تختلف طبعا، ولكن المحصلة أنها باتت اليوم عدواً مشتركا لهم، وكل منهم يحاول طردها من هناك بطريقة أو بأخرى. مرة يتعاونون، ومرات يتصرفون وفق خطط منفصلة، ولذلك النتيجة حتى الآن هي الفشل.
يتحسس الخمينيون جيدا ذلك التضييق الذي يمارس عليهم للخروج من سوريا، ولكنهم يدركون تباين رؤى خصومهم حول آلية طردهم وأهدافها. ويستغلون نقطة الضعف الأكبر في الخطط التي تحاول محاصرتهم ودفعهم للعودة إلى إيران. لتزول برحيلهم لعنة “المقاومة” التي أصابت السوريين وغيرهم بالمنطقة.
ما يهدد خطط خصوم الخمينيين هو اعتمادها على “الرئيس”. فلا زالت القوى الدولية والإقليمية تؤيد بقاء الأسد على رأس السلطة في دمشق، وتفضل التعامل معه على استبداله بنظام آخر قد لا يكون معطاءً كما هي عائلة الأسد. خاصة وأنه لا يوجد اتفاق بين المعنيين الدوليين حول الأزمة السورية حتى الآن.
الحقيقة أن تفضيل الأسد على غيره هي مشكلة الأزمة السورية بشكل عام، وهو يستند على سببين رئيسيين، الأول أن “المعارضة” فشلت في تقديم نموذج بديل عن الأسد للمجتمع الدولي، والثاني أن القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، لم تبد جدية في استبداله لأسباب متعددة لا يتعلق أي منها بمصلحة السوريين.
اليوم تحاول روسيا وإسرائيل وفقا لتسريبات صحفية عديدة، طرد إيران من سوريا عبر اتفاق سلام بين دمشق وتل أبيب يعيد الشرعية للأسد، مقابل وقف تعاملاته مع إيران. لا يفترض الاتفاق أن الأسد يملك القدرة على طرد الخمينيين من بلاده، ولكنهم يريدون منه نزع “الشرعية” عن الوجود الإيراني في بلاده.
إن سحب النظام من الإيرانيين حجتهم في التواجد فوق الأراضي السورية، يصبح من الممكن توسيع نطاق المواجهة الدولية والإقليمية معهم تحت عناوين عدة. تبدو الخطة منطقية إن حظيت بمباركة أميركية وأوروبية، ولكنّ أحدا لا يستطيع الرهان عليها إلى أن يتضح مستقبل الاتفاق النووي الإيراني وتداعياته المتوقعة.
إن نجحت خطة روسيا وإسرائيل، وهو أمر مستبعد كثيرا حتى الآن، قد يُبتلى السوريون بالأسد سبع سنوات أخرى، لكنهم حتما سيتحررون من سلاسل “المقاومة” و”دولة المواجهة” التي استعبدهم النظام بها لعقود طويلة دون أن يضرب حجرا واحدا على إسرائيل. فهل هذا المقابل لا زال يعني شيئاً بالنسبة لهم؟
العرب
————————-
نهاية حقبة آل الأسد/ أيمن خالد
حزيران القادم هو موعد الانتخابات الإيرانية القادمة، التي بسببها هناك تريث أمريكي في التعامل مع الملف التفاوضي الإيراني، لأن التفاوض مع الحكومة الإيرانية الحالية سوف يمنحها مزيداً من أوراق القوة، وهذا مالا تريده إدارة الرئيس بايدن، لذلك يجاهر الإيرانيون بالتحدي، مرة عبر صواريخ المليشيا العراقية، ومرة عبر الإعلان عن زيادة تخصيب اليورانيوم، الذي قد لا يكون حقيقياً، وفي نهاية المطاف، تبقى معادلة القوة الإيرانية ترتكز على الملف السوري أولاً ومدى القدرة الإيرانية في استثماره، لأن الإيرانيين يؤمنون أن قدراتهم التفاوضية تكبر من خلال قدرتهم على الإمساك بالملف السوري.
أما الإدارة الأمريكية تدرك هذه اللعبة تماماً، لذلك هي حريصة على تجريد السلطات الإيرانية الحالية من كامل أوراق القوة في سوريا، سواء من جانبها السياسي أو العسكري. فالانتخابات الرئاسية في سوريا التي تسعى إيران بكل جهدها لإتمامها، هي ملغاة ولا قيمة لها لدى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ما يعني أن النظام السوري إذا ذهب إليها فهو ذاهب إلى الفراغ، الذي سيضع حلفاء النظام السوري جميعهم، أمام موقف لا يحسدون عليه، وهو موقف خاسر للروس الذين استعرضوا كامل أسلحتهم على المدنيين السوريين لبيان جودتها للمشترين، غير أن استمرار هذه اللعبة لم يعد ممكناً للروس، ناهيك بالمجهول القادم، حيث يفضل الروس صفقة مع الأمريكان تضمن لهم بالحدود الدنيا استرداد ديونهم المتبقية على النظام، بالإضافة إلى ميناء طرطوس الذي سيكون مفيداً لصيد السمك ورحلات الاستجمام أكثر من كونه محطة عسكرية في المياه الدافئة، بالتالي لا يملك الروس إمكانية معاندة الموقف الأمريكي/الأوروبي، خصوصاً وأن للروس تجارب سابقة في مسألة كوسوفو.
هناك صدام مصالح حتمي بين إيران وروسيا في الملف السوري، وهناك صدام عسكري من نوع آخر بين إسرائيل وإيران، حيث تستمر إسرائيل (بجلد الإيرانيين) بمزيد من الغارات المتتالية على قواعدهم وملحقاتهم في سوريا، وهو ما سيبقي موقف السلطات الإيرانية الحالي هزيلاً للغاية.
أما في جانب المعارضة السورية، فتبقى تسريبات المرحلة القادمة تتمثل في العودة للقرار “2254” الصادر عن مجلس الأمن في كانون الأول 2015 ومدى القدرة على تطبيقه، وصولاً إلى حلول سياسية تفرض آلية ميدانية على الأرض، تنتهي بتشكيل مجلس رئاسي وآخر تشريعي، إضافة لمجلس قضاء أعلى ومجلس عسكري انتقالي.
عموماً هناك رؤية سياسية تفكر فيها المعارضة، التي من الضروري أن تصل إلى اتفاق يراعي مصالح الشعب السوري، وقلق مختلف الأطياف السورية خصوصاً من اللون الجهادي، لأن هذا القلق له انعكاساته الداخلية والخارجية أيضاً، وهي مخاوف لا تبددها البدلة الرسمية التي ارتداها (أبو محمد الجولاني) في لقائه مع الصحفي الأمريكي، التي كان الجولاني حريصاً على ارتدائها بدون ربطة عنق، ولهذه النقطة قراءة سياسية تتعلق بلون الحركة المنتمية للقاعدة سابقاً، والتي عاش قادتها عمراً في إيران وبينهم ثقافة مشتركة.
في النهاية، عند الحديث عن سوريا، يبقى الحل السياسي الحاضر في العقل الأوروبي والأمريكي هو الحل الذي تم في البوسنة والهرسك، الذي أوقف الحرب الدموية هناك، وأعاد إنتاج البوسنة والهرسك كدولة مستقلة في منظومة سياسية جديدة برعاية دولية، بالتالي إن الحقيقة القادمة لا محالة هي رحيل آل الأسد من السلطة، لذلك لا نستغرب سرقة النظام لأصحاب رؤوس الأموال الموالين له، ما يعني أن آل الأسد أدركوا أنهم في طريق حزم الحقائب، وبالتالي فإن حقائب الموالين هي الأكثر ضخامة في هذا الوقت.
سوريا ذاهبة إلى الوصاية الدولية، وهو الخيار الأخير والممكن المتاح.
—————————-
—————————————–
مرحى لبشار الذي وقف إلى جانب شعبه/ عمر قدور
عندما هبّ بعض أبناء السويداء، ومزقوا صور بشار الأسد، انتصاراً لشيخ عقل أهانه رئيس فرع الأمن العسكري، توجه قائد بعثي محلي إلى الغاضبين مذكّراً إياهم بفضل بشار عليهم، بوصفه “القائد الذي وقف إلى جانب شعبه، ولم يتخلَّ عنه في أسوأ الظروف”. العبارة لم تكن اجتهاداً شخصياً لذلك البعثي، إذ سيكررها أيضاً “فنانون” موالون وآخرون. وحتى إذا كانت قد صدرت في الأصل باجتهاد شخصي فشيوعها لا يحدث من دون موافقة “رسمية-مخابراتية”، ولا يُستبعد وجود توجيهات مكتوبة أو شفاهية لاستخدامها.
أيام حافظ الأسد، وقف عضو في مجلس شعبه ليتحدث عنه بالقول: يا سيدي.. يا سيد الوطن. سُرعان ما انتشرت العبارة الأخيرة، ليستخدمها إعلام الأسد ويكررها متملقون صغار؛ لقد أُضيف إلى قائمة ألقابه لقب “سيد الوطن”. كانت الألقاب السابقة جميعاً تعلي من الفرادة المزعومة للأسد، أما منحه لقب السيد على الوطن “الذي يُفترض ألا يتسيد عليه أحد” فقد كان بمثابة سابقة لن تتأخر في التأسيس لقبول مفهوم “المزرعة بدل الوطن” باستخدام تعبير “سوريا الأسد”. وظيفة الوصف الأخير لا تتوقف عند المبالغة البعثية أو الأسدية المعهودة، فتكريس “سوريا الأسد” أتى مع زخم مشروع التوريث، أي مع التحول ضمنياً إلى نظام ملَكي يُستكمل بشعار “الأسد إلى الأبد”، وهذا كما نعلم كان حرباً استباقية على أي سوري قد ينادي بالتغيير، وعلى أي سوري تسوّل له نفسه تصديق الدستور الأسدي الذي ينص على جمهورية البلاد.
في حالة بشار، لا يصعب استذكار بعض النعوت التي أسبغت عليه، وانصب معظمها في العشرية الثانية على حنكته “أو شجاعته” في التصدي للمؤامرة المزعومة على سوريا. أبوه من قبل امتلك هذه الصفات، بما أن الرطانة البعثية والأسدية تذكّر طوال الوقت بمؤامرة كونية لا يهدأ أقطابها، ورغم تربع أمريكا وإسرائيل “بما لهما من قوة” على قمتها إلا أنها تفشل في تحقيق أهدافها! على أية حال، إسباغ صفات الشجاعة والحنكة على القادة ليس اختراعاً أسدياً، ونستطيع العثور عليها بمستويات متفاوتة تنخفض كلما اقترب بلد من تحقيق مفاهيم الدولة والديموقراطية.
حقق بشار سبقاً تاريخياً بموجب الرطانة المستجدة، هو القائد الذي وقف إلى جانب شعبه الذي تعرض لمؤامرة خارجية. وإذا مضينا مع هذا السبق، فعل بشار ما لم يفعله أي رئيس أو ملك آخر، اجترح ما ليس من صلب مهمته ومسؤولياته. وقف إلى جانب شعبه، ويا لها من مكرمة! إذ أننا لا نحظى في التاريخ برؤساء أو ملوك فعلوا مثله، فالتاريخ مليء بالزعماء الذين أداروا ظهورهم لشعوبهم وقت الأزمات، وهربوا من تحمل مسؤولياتهم، أو لنعدْ إلى الاستغناء عن مفهوم المسؤولية بما أن الوجود في موقع الرئيس أو موقع الملك لا يرتّب مسؤولية وفق ما تضمره المقولة الأسدية الجديدة.
لو لم يكن بشار نبيلاً على نحو استثنائي لتنحى، وغادر البلاد ليتنعم بثرواته في الخارج، الثروات التي ورثها أباً عن أجداد. كان ترك “شعبه” الذي لن يجد بديلاً استثنائياً في عدد مرات استخدام السلاح الكيماوي ضد “الإرهابيين”، أو في تصنيع واستخدام البراميل ضدهم. لن يجد بديلاً يستطيع تهجير ثلث السوريين خارج البلاد، للوصول إلى مجتمع متجانس، ولا هو بالقادر على استقدام إيران وميليشياتها الشيعية، أو إقناع موسكو بإقامة قواعد لها مقابل تمتعها بسياسة الأرض المحروقة.
لو تصرف بنذالة، متخلياً عن رعاياه الذين سيبقون بلا معيل، لكان الفقر ينهشهم أكثر مما يفعل الآن. كانوا مثلاً سيتخلون نهائياً عن عادة انتظار الكهرباء أو الوقود، وربما عن عادة حمل النقود التي لن يبقى لها قيمة في غيابه. كانوا سيرون نعمة في ظروفهم القاسية اليوم، سيتمنونها ويحلمون بزعيم استثنائي يوصلهم إلى هذا القدر المقبول من الشظف، أو بزعيم يصل بالسلطة إلى هذا المستوى البسيط من الفساد!
على قسم من جمهور الموالاة على الأقل أن يغيّر مفاهيمه وتفكيره، فقد صارت من الماضي مقولات من نوع: التصدي للمؤامرة بالالتفاف حول القيادة الحكيمة. كنا مع بداية الثورة، خاصة في الساحل، رأينا لافتات تأييد لبشار تنص على أن القتال معه، أو الذود عنه، فيه ردّ جميل لأبيه. على نحو لا يختلف جداً في الجوهر، رأينا في أماكن أخرى أولئك الشبيحة الذين ظنوا أنفسهم يدافعون عن بشار، واعتقدوا أنهم شركاء في النصر بما أنه مدين لهم ببقائهم، حتى إذا لم يُصرَّح علناً بذلك.
في مقولة “بشار الذي وقف إلى جانب شعبه” طيٌّ لتلك الصفحة، وبموجبها على “الشعب” إدراك مكانته الحقيقية وما يُبنى عليها. ذلك لا يتوقف عند كونه حظي بقائد استثنائي وقف إلى جانبه في أسوأ الظروف، إننا إزاء شعب مُطالَب الآن بردّ الجميل لذلك الاستثناء. الآن أيضاً، يجب طيّ تلك الوعود التي تنص على أن الأزمة عابرة، وسيتم تجاوزها بتكاتف الشعب والقيادة، لأن ردّ الجميل يتطلب من الشعب المزيد من التضحية من أجل الذي ضحى في سبيله طوال عشر سنوات.
من المؤسف أننا، من خلال هذه السطور، لا نؤلف نصاً ساخراً. ويجب التنويه بأن هذه المقولة، وإن ترافقت مع التحضير لولاية جديدة لبشار، غير مرتبطة بموسم انتخابي هزلي كاذب. هي تلخيص لما هو مطلوب من السوريين الواقعين تحت سيطرته، إذ ينبغي عليهم ربطاً بأسوأ أوضاعهم شكره على نعمة وجوده في الرئاسة.
نعم، هناك دائماً في جعبة الأسدية المزيد من القهر. هذه الجعبة لا قعر لها، ولا تتوقف عند أعدائها من السوريين، ففيها أيضاً من فنون الإذلال ما يليق بأشد المدافعين عنها. هو الإذلال الذي لشدته يجعلنا نستحي من أن نسخر من هؤلاء المدافعين الذين تنادوا إلى إبادتنا، أو أن نشمت بهم فنقول: مرحى لبشار الذي وقف إلى جانبهم، وهنيئاً لهم به.
المدن
———————————–
الأسَد إذ يَبحث عَنْ شَرعيّةٍ دوليّة لانتخاباته/ رانيا مصطفى
ينهمك القصر الرئاسي في “جبهة الدعاية والإعلام والنشر” للتحضير لبروباغاندا جديدة تروّج للمرشح، الأسد، بأنه القائد الأصلح للمرحلة المقبلة.
فعلى الصعيد الإعلامي، التقى ب75 إعلامياً من الموالين؛ حيث سيتولى مكتبه الإعلامي بقيادة لونا الشبل، توجيههم حول الخطاب الذي عليهم تبنيه في هذه المرحلة. وصدر في الأشهر الأخيرة عدة كتب تتحدث عن الصمود ودور الأسد وثوابته المبدئية وقيادة البلاد وسط المحن، وأنه الأكثر كفاءة في فهم حاجات أمته وقضاياها.
وفي الوقت نفسه، يطلق حملة اعتقالات واسعة ضدّ المنتقدين لسياساته الاقتصادية والفساد، وبتهمٍ من نوع الخيانة العظمى والجرائم الإلكترونية ووهن نفسية الأمة وغيرها.
وقد أكْثَرَ الأسد من ظهوره إعلامياً في الأسابيع الأخيرة، حيث حضر إلى التكية السليمانية ومعرض “منتجون”، وزار مركز خدمة المواطن في دمشق، وقبلها حضر الاجتماع الدوري لوزارة الأوقاف وألقى كلمة مطولة، وأكثر من زياراته، هو وزوجته، إلى الساحل السوري المتضرر من حرائق الصيف الماضي، وقدم وعوداً بتعويض الخسائر، دون أن يصل المتضررين شيءٌ يذكر.
يحاول النظام إخراج انتخابات متقنة، يوحي بمشاركة الأكراد فيها، والنازحين في لبنان وسوريا، وشخصيات محسوبة على المعارضة؛ فهو يتفاوض مع الإدارة الذاتية في الشمال السوري لإدخال صناديق الاقتراع إلى مربعه الأمني في الحسكة، ويخطط لإقامة حفلات انتخابية في مناطق لبنانية وتشجيع اللاجئين على الانتخاب، مع وعود بمنحهم بطاقة عبور إلى الداخل السوري دون دفع الرسوم الجمركية (عبر تصريف 100 دولار)، ويفاوض الحكومة الأردنية لإدخال صناديق اقتراع إلى المخيمات، مع وعود بضبط الحدود أمام عناصر داعش وأمام المخدرات، وبإعطاء مزايا للشاحنات الأردنية العابرة إلى لبنان.
صحيحٌ أن فوز الأسد بنتائج انتخاباته، إن تمّت، مضمونٌ بغالبية ساحقة، كالعادة، حيث السيطرة الأمنية تضمن ذلك؛ لكن ما يريده الأسد وداعموه الروس هو إعطاء شرعية دولية وإقليمية لهذه الانتخابات.
فالانتخابات الرئاسية التي ستجري بين شهري أيار ونيسان المقبلين، ليست كانتخابات 2014، التي مددت للأسد سبع سنوات في الحكم، بل تختلف من حيث ظرفيتها؛ فالحل العسكري شبه متوقّف، مع تثبيت مناطق النفوذ وفق توازنات دولية وإقليمية، ما يصعب على الأسد إثبات أنه سيحكم كل سوريا.
الآن، تلاشى الانقسام الشعبي الحاد بين موالين متعصبين ومعارضين، بسبب تردي الوضع المعيشي في مناطق النظام، وتفشي الفساد، وظهور أثرياء الحرب الجدد، وهناك تخوف لدى النظام من مقاطعة شعبية للانتخابات، وفي مقابل ذلك أطلق ناشطون من درعا حملة مضادة بعنوان “لا شرعية للأسد وانتخاباته”، والتي تخاطب السوريين في مناطق النظام، وكذلك المجتمع الدولي والإقليمي والعربي.
يواجه الأسد إحراجاً في مناطق المصالحة؛ ففي درعا ظهرت خلايا مسلحة من مقاتلين سابقين، وتنامت مع انضمام شبان غاضبين إليها، بل توسع التمرد إلى ريفي القنيطرة ودمشق، ما دفع الأسد للتهديد بحملة عسكرية وتهجير المسلحين، أي حسم مسألة سيطرته على المنطقة قبل الانتخابات، فيما لا ثقة للأهالي بالوساطة الروسية والوعود بالكف عن ملاحقة المطلوبين للخدمة الإلزامية.
وفي السويداء، التي لا يسيطر عليها النظام كما يفعل في دمشق وريفها، بسبب الاعتبارات الطائفية والتواجد المسلح لحركة رجال الكرامة التي ترفض الالتحاق بالخدمة العسكرية، ويبدو أن الأسد اضطرّ للاعتذار بنفسه، قبيل انتخاباته، من شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، المعروف بولائه للنظام، بعد الإهانة التي تعرض لها من رئيس فرع الأمن العسكري.
ويواجه النظام، على الصعيد الدولي، مشكلة التحقيق في مجلس الأمن في 19 قضية تتعلق بالكيماوي السوري؛ ويواجه أيضاً التشدد الأميركي المستمر في عهد بايدن، حول تطبيق قانون قيصر، إلا إذا “غيّر سلوكه” وفقاً للشروط الأميركية حول تحجيم إيران في سوريا، والتوقف عن الاعتقالات، والعودة إلى القرارات الدولية، الأمور المرفوضة لدى النظام.
إذاً، الأسد يسابق الزمن لتمرير انتخاباته قبل اتضاح سياسات الرئيس الأميركي، جو بايدن، تجاه سوريا، أو أنه يعتقد أنّ إعادة انتخابه ستؤثر في تلك السياسات لتمرير اللاحل الروسي، أي إبقاء النظام على حاله، وإعادة سيطرته على شرقي الفرات وإدلب، وعودة العلاقات الدولية معه.
وعلى هذا بنى وزير خارجيته، فيصل المقداد، تصريحه بأن الانتخابات ستجري في موعدها بغض النظر عن نتائج اللجنة الدستورية، ويبدو أن وفد المعارضة سينسحب من اللجنة بسبب اقتناعه أخيراً بعدم جدواها.
وعلى ذلك، يركز النظام على تبييض صفحته أمام المجتمع الدولي لقبوله، من بوابه محاربة الإرهاب ممثلاً بتنظيم داعش، حيث يتصاعد نشاط التنظيم مؤخراً في البادية السورية الممتدة من تدمر إلى دير الزور إلى الضمير في ريف دمشق وحتى شرقي السويداء؛ رغم أنه بكل الأحوال، لا يملك، النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون، أو ربما لا يسعون لامتلاك استراتيجية للقضاء على التنظيم فعلياً، خاصة أن تمدد التنظيم يخدم أجنداتهم، وقد سبق مراراً، أن وُجِّهت شكوكٌ حول علاقات النظام مع عناصر التنظيم المتواجدين في البادية.
وغير بعيد عن مسألة التحضير للانتخابات الرئاسية للنظام، تلك الرسائل التي رفعتها شخصيات عربية وعالمية ورجال دين مسيحيين وغيرهم، إلى قادة العالم في فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، لرفع العقوبات الاقتصادية عن النظام، وإلغاء حزم قانون قيصر على وجه الخصوص، باعتبارها أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي في سوريا، وأنها عقاب جماعي وانتهاكات لحقوق الإنسان، مستندين في ذلك إلى تقرير ألينا دوهان، الخبيرة في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
يبدو الأمر غريباً للمتابع، أن يتمكن الأسد من تمرير انتخاباته، رغم المجازر التي قام بها، ورغم الإدانة الدولية، ورغم الرفض الشعبي وتقلص حجم مؤيديه.
فيما تبدو حملته الانتخابية هذه شديدة الانفصال عن الواقع، خاصةً مع التردي الأخير لقيمة الليرة السورية بعد إصدار ورقة الخمسة آلاف ليرة، واضطراره، بطريقةٍ غريبة، إلى قرارات من قبيل تصدير المواد الغذائية الأساسية وفقدانها من الأسواق، للحصول على القطع الأجنبي، ومن قبيل التهديد باحتجاز ممتلكات ذوي المطلوبين للخدمة العسكرية، أو أن يدفعوا بدلاً بقيمة 8000 دولار.
بكل الأحوال، من المُبكّر التكهن بما سيحصل خلال الأسابيع القادمة قبل موعد الانتخابات؛ وقد يمرر النظام انتخاباته، ويستمر الوضع السوري في استنقاعه حتى ينضج الحل لدى الدول الفاعلة، وهنا يراهن النظام والروس على توافق صعب مع تل أبيب يدعم بقاءه في السلطة.
——————————-
=====================
تحديث 13 شباط 2021
—————————-
هل تتآمر واشنطن على الأسد؟/ ميشيل كيلو
ركّب بشار الأسد، بإيحاء روسي، مؤامرة كونية على نظامه، طرفها الخارجي الرئيس هو الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، والداخلي هو الشعب السوري: عميل واشنطن وتل أبيب القديم، الذي تحوّل بقضه وقضيضه إلى شعب إرهابي، بمجرّد أن طالب بحريته. وبهذه التركيبة، صارت معركة الأسدية موجهةً ضد الثورة بوصفها مؤامرة إمبريالية/ صهيونية ينفذها السوريون، لذلك، انقلبت جرائم جيشها ضدّهم إلى بطولاتٍ وطنيةٍ تستحق الإشادة.
تثير هذه الفرية عن تآمر الشعب السوري مع صهاينة واشنطن وتل أبيب، العجب، وتطرح أسئلة منها: لماذا امتنع شريكا الشعب في المؤامرة عن حمايته من الذبح، وتركا الأسدية تشطبه من موازين الصراع لصالحهما؟ وهل كان البيت الأبيض عاجزا عن حمايته، أم مستغنيا عنه وعن دوره؟ ألا تكون المؤامرة سيئة التخطيط ومحكومة بالفشل، إما لأن واشنطن وتل أبيب خائفتان من جيش الأسد، أو ممتنعتان عن توظيف قدراتهما الهائلة ضده، والنتيجة: ليس الطرفان منخرطين في مؤامرة عليه، فلا أحد يتآمر ليفشل، أو عندما يكون عاجزا عن استخدام ما لديه من قدرات، وتكون المؤامرة الحقيقية على السوريين الذين أوهمهم البيت الأبيض بأنه معهم، ثم تخلى عنهم، وتنكّر لثورتهم، بحجة أنها ثورة مزارعين وأطباء أسنان، كما قال الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما؟
وإذا كانت واشنطن وتل أبيب تتآمران على الأسد، لماذا لم تستغلا تمرّد الشعب لتنقضّا عليه، عندما وصل عامي 2012 و2015 إلى حافّة الانهيار، وسارع حزب الله والجيش الروسي إلى إنقاذه، وكان إسقاطه متاحا لهما، لكنهما تفرّجتا على الغزاة وهم يسحقون الشعب الثائر، حليفهما المزعوم، حتى بعد تهديد أوباما باستخدام القوة ضد الأسدية، إنْ أقدمت على استخدام السلاح الكيماوي، وعندما أقدمت وضربت بتهديده عرض الحائط، لم ينفذ وعيده، هو أو نتنياهو، وقبل تسوية مع موسكو سمحت للجنة من الأمم المتحدة بزيارة تلك المواقع التي يوافق الأسد على تفتيشها! وحين تبيّن أنه لم يسلّم كل ما لديه من سلاح كيماوي، امتنعت واشنطن عن تطبيق البند السابع من قرار مجلس الأمن عن نزعه بالقوة. أهكذا عوّدتنا واشنطن وتل أبيب أن تتآمرا، وكيف تتآمران إن وقفتا مكتوفتي اليدين دوما، بينما كانت الأسدية تتسلّى باستخدام أسلحتها المحظورة دوليا، وتفتك بعمليهما السوري المزعوم؟ هل كان من المؤامرة تأييد أميركا وإسرائيل دخول حزب الله ثم روسيا إلى سورية، لإنقاذ من تتآمران عليه، مع الشعب السوري؟ وكيف يفسر امتناعهما عن ممارسة أي رد فعل على تدخلّهما، لو كانا يتآمران حقا ويريدان إطاحته ونظامه؟
سأفترض أن واشنطن خافت من الجيش الأسدي وشبّيحته، ونأت بجيشها عن المؤامرة، لماذا امتنعت عن تزويد شريكها السوري بأسلحة ردع متقدّمة، وعن فرض حظر جوي يحمي ما احتله المتآمر السوري عام 2013، ويعادل ثلثي الأرض السورية التي تركها المتآمران الدوليان تسقط في يد إيران وحزب الله وروسيا: الأطراف التي تصدّت لهما؟ أخيرا، إن كانت واشنطن متآمرة على الأسد، بماذا يفسّر إحجامها عن تطبيق قرارات دولية داعمة لشريكها السوري في المؤامرة، مع أن تطبيقها يحقق أهدافهما؟
ترتكز أكذوبة المؤامرة على سذاجةٍ ادّعى أصحابها أن جيش الأسد الذي لا يصلح لغير التشبيح والتعفيش، بشهادة جنرالات روسيا، هزم أميركا وإسرائيل والشعب السوري مجتمعين، بعد إخراج معظمه من المعركة. إذا كان هذا هو ما حدث حقا، أين كمنت المؤامرة، وكيف سمحت أميركا للمعفشين والمشبحين بهزيمتها، وكيف تشبّح إسرائيل ليلا ونهارا فوق سورية، إن كان جيش التعفيش قد أفشل مؤامرتها بقوته؟
قد تنطلي هذه السذاجة على الذين مسحت عقولهم، ولا تنطلي على المصرّين على نيل حريتهم ويسخرون منها.
العربي الجديد
——————————
شخصيات دينية عربية ودولية تطالب بايدن وماكرون بمعاقبة الأسد/ عدنان أحمد
وجهت شخصيات دينية عربية ودولية رسالة إلى الرئيسين الأميركي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون، طالبوا من خلالها بزيادة العقوبات الدولية على نظام بشار الأسد باعتباره المسؤول عن الجرائم ضد السوريين، وذلك ردا على رسالة وجهها رجال دين وحلفاء للنظام يطالبون من خلالها برفع العقوبات عنه.
وطالب الموقعون على البيان وعددهم 47 شخصية، من سياسيين ومثقفين مسيحيين، تحت مسمى “لجنة متابعة مؤتمر المسيحيين العرب”، كلاً من بايدن وماكرون باتخاذ إجراءات مشددة تجاه النظام السوري تتمثل بزيادة العقوبات وتوسيعها لتشمل كل المجرمين ضد الإنسانية ومجرمي الحرب، و”السعي نحو إيجاد الوسائل الفاعلة لمساعدة الشعب السوري في إنهاء هذه المعاناة، والتصدي للتدهور في أمنه الصحي والاقتصادي”.
وقال البيان إنه جرى توثيق “انتهاكات النظام السوري والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبها، من قبل عدد من المنظمات الدولية إضافة لمنظمة منع استخدام الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة”، والتي أكدت استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام في عدد من المرات ضد السوريين، إضافة لعمليات القتل تحت التعذيب وبشكل ممنهج في المعتقلات والتي فضحتها صور “قيصر” ودفعت لفرض عقوبات فردية على المتورطين بهذه الجرائم من معظم دول العالم وأصبح كبار القادة الأمنيين، بمن فيهم بشار الأسد، متهمين ومطلوبين للعدالة أمام القضاء الأوروبي.
واتهم الموقعون على البيان النظام “بممارسة حصار اقتصادي على شعبه لإجباره على الخضوع لحكمه”.
ومن بين السياسيين والمثقفين الموقعين على الرسالة: فارس سعيد ومنى فياض وأحمد فتفت وإدمون وجوزف كرم وأسعد بشارة وأنطوان الخوري وإيلي الحاج من لبنان، وأيمن عبد النور وجورج صبرة وسمير التقي وميشيل شماس وميشيل كيلو وسميرة مبيّض من سورية، وبروكس نيومارك من المملكة المتحدة، ومروان المعشر ومارسال جوينات من الأردن، وياقو إيليش من العراق، وماري تيريز كرياكي من النمسا.
أما البيان الأول الذي طالب برفع العقوبات عن النظام السوري، فقد وقعته نحو 95 شخصية، ينتمي الجزء الأكبر منهم إلى فئة رجال الدين المسيحيين في سورية ولبنان والعالم، إضافة إلى سياسيين ونواب وباحثين أكاديميين أوروبيين وعرب.
واستندت رسالة الموقعين إلى بيان خبيرة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ألينا دوهان، التي دعت إلى “رفع العقوبات الأحادية الجانب” عن نظام الأسد، واعتبرت أن “العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في سورية، خاصة في سياق جائحة كورونا، وتعرض الشعب السوري لخطر أكبر من انتهاكات حقوق الإنسان”.
ومن بين الموقعين على البيان الذي طالب برفع العقوبات عن النظام: ميشيل عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط، وجوزيف عبسي، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك في أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية والقدس، ومار إغناتيوس أفريم الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وبنيامين بلانشارد، المدير العام لمنظمة إغاثة المسيحيين الشرقيين في باريس، وفرنسوا بارمنتييه، رئيسة جمعية “أكت آند سيني” الثقافية في فرنسا، وبيير كويبرس، عضو مجلس الشيوخ بالجمهورية الفرنسية، والجنرال فرانسيس ريتشارد بارون دانات من المملكة المتحدة.
التزام أميركي بالعملية السياسية
إلى ذلك، أكدت الإدارة الأميركية الجديدة التزامها بالعملية السياسية في سورية بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، فيما قالت تركيا إنها تتفق مع واشنطن حول مستقبل نظام بشار الأسد في سورية، بينما تختلف مع موسكو في ذلك.
وناقش وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس الخميس، الأوضاع في سورية في مكالمة هاتفية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وفق بيان للخارجية، أشار إلى أن الجانبين أكدا التزامهما بالعملية السياسية في سورية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي ينص على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، لإقامة حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.
وأكد بلينكن وغوتيريس تمديد التفويض لتقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى السوريين في الداخل السوري، والذي يشمل حاليًا معبر باب الهوى، على الحدود التركية، فقط.
أنقرة تتفق مع واشنطن وتختلف مع موسكو حول الأسد
إلى ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن إن بلاده تتفق مع الولايات المتحدة حول مستقبل نظام بشار الأسد، بينما تختلف مع روسيا في ذلك.
وأضاف قالن، في تصريح لمحطة “تي آر تي” التركية، موجهاً رسالته لمجلس الشيوخ الأميركي: “نحن مختلفون بخصوص دعم تنظيم (ب ي د) في سورية، لكن لدينا العديد من النقاط المشتركة بخصوص مستقبل نظام الأسد، إلى جانب نقاط أخرى”.
وبشأن العلاقة مع موسكو حول سورية، أوضح قالن أن “هناك العديد من القضايا الخلافية مع روسيا، إذ لدينا وجهات نظر مختلفة حول مستقبل نظام الأسد، مقابل مجموعة من القضايا المشتركة”.
من جهته، أعلن السفير الروسي في سورية ألكسندر يفيموف أن روسيا تؤيد الحوار بين حكومة النظام السوري و”الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سورية.
وقال يفيموف، في تصريح لوكالة “سبوتنيك” الروسية، الخميس، إن “روسيا تنطلق من أن الأكراد السوريين هم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، لذلك نحن ندعم الحوار بينهم وبين دمشق، وخاصة في شؤون بناء وطنهم المشترك في المستقبل”، مشيرا إلى أن بلاده ساهمت عبر قنوات مختلفة في إقامة اتصالات بين الجانبين.
العربي الجديد
———————————
سيناريو مناف طلاس مرة أخرى في غياب البدائل بسوريا تشكيل مجلس عسكري رهين توافق روسيا وأميركا
تلقى فكرة تشكيل مجلس عسكري برئاسة العميد المنشق مناف طلاس رواجا في صفوف السوريين، الذين سئموا حالة الجمود السياسي، لكن تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع يحتاج إلى توافق دولي ولاسيما بين الولايات المتحدة وروسيا.
دمشق – عاد الحديث بقوة عن سيناريو تشكيل مجلس عسكري في سوريا يتولى نجل وزير الدفاع الراحل مصطفى طلاس، العميد مناف طلاس قيادته. ويلقى هذا الخيار القديم الجديد دعما من العديد من الأوساط والشخصيات السورية يربطه البعض بغياب بدائل كثيرة قادرة على كسر حالة الجمود السياسي الراهنة، لاسيما في ظل الفشل المزمن الذي يلاحق اللجنة الدستورية.
وفكرة تشكيل مجلس عسكري في سوريا ليست بالجديدة وسبق وأن طرحت في العام 2013 كمخرج لإنهاء الأزمة من قبل بعض المعارضين. كما اقترح المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا في وثيقة إطار لتنفيذ “بيان جنيف” تشكيل مجلس عسكري مشترك يضم المعارضة والنظام، وذلك ضمن ثلاثة أجسام تشمل إنشاء هيئة انتقالية ومؤتمر وطني.
وعلى خلاف المرات السابقة تبدو الفكرة أكثر قبولا هذه المرة، وهناك العديد من الأطراف السورية التي تتبناها وتعمل على الترويج لها، في مقابل أطراف أخرى ترى بأن هذا الطرح قد يتناقض والقرارات الأممية المعلنة بشأن التسوية السياسية وخصوصا القرار رقم 5422.
يقول المعارض السوري أيمن عبدالنور إن الحديث عن مجلس عسكري هو نتاج زخم شعبي جراء إحباط الناس من استمرار الانسداد السياسي، وسوء إدارة أشخاص غير منتخبين ولا يمثلون الشعب السوري من قوى المعارضة التي جرى وضعها من قبل الدول المنخرطة في الصراع، لا السوريين.
ويضيف عبدالنور في تصريحات لـ”العرب” أن هذا الوضع جعل الشارع السوري يتطلع لمجلس عسكري يحقق له الانتقال نحو نظام ما بعد بشار الأسد ويعيد فرض الاستقرار والأمن، وبالتالي هو فعل داخلي، ناجم عن شعور متزايد بضرورة العثور عن مخرج.
ويشير عبدالنور إلى أنه لا يوجد حتى الآن توافق دولي حول ماهية هذا المجلس العسكري، ولتطبيقه هناك حاجة لتوافق روسي أميركي لكي يتم فرضه بالقوة إذا كان خارج إطار القرار 5422.
وأثير هذا المقترح مؤخرا عبر معارضين ينتمون لمنصتي موسكو والقاهرة، كانوا طرحوا في وثيقة مكتوبة “تشكيل مجلس عسكري خلال مرحلة انتقالية يتم الاتفاق حول مدتها”. ووفق المقترح فإن المجلس يتشكل من ثلاثة أطراف “متقاعدون خدموا في حقبة الرئيس حافظ الأسد ممن كان لهم وزن عسكري واجتماعي، وضباط ما زالوا في الخدمة. وضباط منشقون لم يتورطوا في الصراع المسلح ولم يكن لهم دور في تشكيل الجماعات المسلحة”.
وحسب المقترح فإن من مهام هذا المجلس إصلاح المؤسسة العسكرية وإعادة تأهيلها وتمكينها من القضاء على الإرهاب، وتفكيك كافة الجماعات المسلحة، وجمع السلاح واستعادة سيادة الدولة على أراضيها كافة، وتسمية حكومة مؤقتة تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية التي ينص عليها دستور 2012، والدعوة لمؤتمر وطني داخل البلاد ينتج عنه جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد للبلاد.
وتشير الوثيقة إلى خروج كافة القوى الأجنبية من البلاد، باستثناء القوات الروسية التي ستعمل على مساعدة المجلس العسكري والحكومة المؤقتة في تأمين الاستقرار وتنفيذ القرار 2254 وتشكيل هيئة مصالحة، وحماية عملية الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ويرى البعض أن روسيا قد تكون خلف تشجيع معارضين على هذه الخطوة، لاسيما في ظل إدراكها باستحالة الاستمرار على هذا النحو الذي لا يصب في مصلحتها، وكانت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، نشرت مقالا مؤخرا للصحافي السوري المعارض ياسر بدوي يتبنى فيه تشكيل مجلس عسكري “يتم بالتوافق بين الأطراف الفاعلة في سوريا، وعلى رأسها روسيا”. وفي مقاله أشار بدوي إلى أن عشائر عربية وحقوقيين وسياسيين يطالبون بتشكيل هذا المجلس وأن يرأسه مناف طلاس.
ولا يبدو اختيار العميد المنشق عن الجيش السوري اعتباطيا، فالرجل يملك من المميزات التي قد تجعله الأكثر قبولا حيث أنه ينتمي إلى الطائفة السنية التي تشكل أغلبية في سوريا، كما أنه لا يثير قلق الطائفة العلوية، إلى جانب أن الرجل لم ينخرط في أي تشكيل أو تيار منذ انشقاقه في العام 2012 وانتقاله إلى العاصمة الفرنسية باريس، وبالتالي لا يوجد عليه فيتو روسي، فضلا عن كونه يحظى بعلاقات جيدة مع العديد من القوى وسبق وأن التقى بعدد من المسؤولين الأميركيين والأتراك.
ويعد طلاس وهو من مدينة الرستن بريف حمص وحاصل على شهادة الدكتوراه بالعلوم العسكرية من موسكو عام 1994، قليل الحضور الإعلامي منذ خروجه عن الأسد، إذ يعود آخر ظهور له في مايو الماضي، حيث طرح تشكيل مجلس عسكري ضمن قرار 2254، يتولى قيادة الفترة الانتقالية.
يقول محمود الحمزة المعارض السوري المقيم في موسكو لـ”العرب” إن مناف طلاس يبدو شخصية مقبولة من قبل الكثير من ضباط الجيش النظامي وأيضا من قبل الضباط المنشقين، وهو رجل معتدل رفض قتل السورييين وحاول الدخول في مفاوضات مع المدنيين لحلحة الأمور قبل تفجر الصراع، وهذا يحسب له.
ويلفت إلى أن تسريبات كثيرة تتحدث عن أن العديد من الضباط المنشقين راسلوا العميد طلاس لتشكيل مجلس عسكري برئاسته، في ظل استشعارهم بضرورة التحرك ولعب دور لتحقيق اختراق، بعد أن جرى تهميشهم لسنوات وكانوا حرموا من المشاركة في الجيش السوري الحر جراء دخول شخصيات إسلامية وغير عسكرية هي من تولت قيادة دفة الفصائل ليتحولوا لاحقا إلى أمراء حرب.
ويستدرك الحمزة الذي يعد خبيرا في الشأن الروسي أن المجلس العسكري لا يزال مجرد فكرة لم تتبلور بعد، وأن الروس ينفون أي علاقة بهذا الطرح، لكن طبعا لا يمكن الجزم بذلك، حيث أن ما يطبخ خلف الكواليس لا يعلن عنه إلا بعد نضوجه.
ولا تبدو روسيا إلى حد الآن مستعدة للتنازل عن دعمها للرئيس بشار الأسد، ولا تزال تظهر على الأقل في العلن دعمها لإجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا المقررة في مايو المقبل.
ويرجح المعارض أيمن عبدالنور أن يقدم الأسد على طرح ترشحه في مارس المقبل، مع أن هناك بعض الإشارات التي تعكس ترويا من بينها غياب أي مظاهر علنية تستبق هذا الإعلان، كنشر صور الأسد في الشوارع، وحتى الحملات الدعائية تبدو محتشمة وعلى نطاق ضيق.
ويرى الحمزة أن هناك تخوفا من بشار الأسد حيال الموقف الدولي الرافض له، وسبق وأن حاول جس النبض من خلال التفكير في ترشيح زوجته أسماء، حتى لا تخرج الرئاسة من جلباب العائلة، بيد أن هذا الخيار سقط في ظل وجودها ضمن قائمة العقوبات الأميركية. ويلفت إلى أن معلومات يجري تداولها عن تهيئة شخصية أمنية كبيرة كاحتياط، لكن الأرجح أن يعيد الأسد ترشيح نفسه.
العرب
——————————–
السلطة تنقلب.. برنامج انتخابي رئاسي لرامي مخلوف في وجه بشار الأسد
يبدو أنّ رجل الأعمال السوري وابن خال رأس النظام السوري رامي مخلوف اختار التصعيد حتى احد الأقصى. إذ كشفت صفحة على الفيسبوك معنية بأخبار إحدى نواحي اللاذقية، عن ما يسمى البرنامج الانتخابي لرجال الأعمال السوري رامي مخلوف، دون معرفة حقيقة نيته الترشح لرئاسة البلاد. وقالت صفحة تسمّي نفسها “البهلولية نيوز” إن السوريين يشعرون بالملل من ما أسموه بـ “الخطابات العنترية والإنشائية” التي يتميز بها نظام الأسد وعلى رأسهم بشار الأسد واصفةً إياه بغير الشرعي. وأوضحت الصفحة أنهم ثلّة من الشبان يدعمون مخلوف ويرونه الأجدر لقيادة المرحلة بعيداً عن ما وصفوه بـ “نظام التوريث البغيض وحكم المزرعة ودعم الفساد والفاسدين كما فعل ويفعل الرئيس الحالي وزوجته”. ووفق ما تنادي به الصفحة جاء البرنامج الانتخابي للمرشح رامي محمد مخلوف متضمناً “اجتثاث حزب البعث من جذوره” و”إنهاء الحكم العائلي والانتقال إلى مفهوم الدولة الديمقراطية”. إقرأ أيضاً: الصفعة الأقوى.. رامي مخلوف بلا مأوى بسبب استيلاء الأسد على ممتلكاته كما شمل البرنامج الانتخابي: “إنهاء الأجهزة الأمنية كافة باستثناء الأمن الجنائي” و”محاكمة جميع المتورطين بالدم السوري من كافة الطوائف محاكمات عادلة تحت اشراف أممي”. و”النهوض بالاقتصاد وترميم الكتلة النقدية للدولة التي نهبها أقارب زوجة الرئيس الحالي ومن تدعمهم من أثرياء الحرب وتجار الدم وإلغاء ثلاثة أصفار من الليرة الحالية لضمان عودة القيمة الشرائية”. و”ترميم قطاعي النفط والكهرباء بما يكفل العودة الطبيعية لأسعار ما قبل الحرب والغاء التقنين خلال ستة أشهر من تاريخ تنصيب القائد رامي رئيسا عبر تأمين الفيول اللازم لتشغيل المحطات الحرارية واستيراد محولات كافية لهذا الأمر”. كما يشمل البرنامج “دعم مادة الخبز وإلغاء البطاقة الذكية وزج المتربحين منها” و”تأمين الدعم الكافي من أصدقاء سورية لإعادة أعمار البلاد”. وأخيراً “طرد كافة الدخلاء بقوة مجلس الأمن تحت الفصل السابع واعتبار كل من ليس سورياً دخيلاً ومحتلاً بغض النظر عن الجهة التي استدعته بمن فيها النظام الحالي”. وحتى لو كانت الصفحة غير رسمية ولا تشكل بيان صادر عن جهة معروفة، إلا أنها خطوة مختلفة ومباغتة للتغريد خارج سرب الأسد ومن عقر حاضنة الأسد ومسقط رأسه.
جنوبية
———————————-
حدود سوريا وبواباتها في قبضة حلفاء دمشق… وأعدائها/ إبراهيم حميدي
الحكومة تسيطر على 15 % من الخطوط مع الجوار… والبوابات مع لبنان تحت سيطرة «حزب الله»
مع تقلب السيطرة في سوريا وعلى حدودها خلال العقد الأخير، لا تسيطر الحكومة المقيمة في ثلثي البلاد ومعظم مدنها الكبرى سوى على 15 في المائة من الحدود مع الدول المجاورة ونصف معابرها الـ19 (يقع معظمها مع لبنان).
وللمرة الأولى منذ 2011، استقرت في السنة الأخيرة خطوط التماس بين ثلاث «مناطق نفوذ»، ولم يطرأ عليها تغير جوهري، حيث تسيطر الحكومة بدعم روسي إيراني على نحو 65 في المائة من البلاد (المساحة الإجمالية 185 ألف كلم مربع)، وست مدن رئيسية: دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية وطرطوس، ودرعا ودير الزور، تضم 12 مليون شخص. في المقابل، تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية، بدعم من التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة أميركا، على نحو 25 في المائة من الأراضي، تضم نحو 3 ملايين شخص، ومعظم ثروات النفط والغاز والمياه والزراعة، ومدينتي الحسكة والرقة. كما تقع محافظة إدلب ومدن جرابلس وعفرين وتل أبيض ورأس العين التي تضم أكثر من 3 ملايين، معظمهم من النازحين، تحت سيطرة فصائل تدعمها تركيا، ما يشكل نحو 10 في المائة من سوريا، وضعفي مساحة لبنان.
– سيطرة وهمية
وجاء في دراسة نشرها الباحث الفرنسي فابريس بالانش في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، أول من أمس، أن «الحدود رمز السيادة بلا منازع، ولا يزال سجل أداء النظام خالياً تقريباً على هذا الصعيد. ويسيطر الجيش السوري على 15 في المائة فقط من الحدود البرية الدولية للبلاد، في حين تتقاسم جهات فاعلة أجنبية الحدود المتبقية».
وفي جنوب البلاد وغربها، تسيطر الحكومة السورية وتنظيمات مدعومة من إيران و«حزب الله» على 20 في المائة من حدود البلاد. يقول بالانش: «على الرغم من أن سلطات الجمارك السورية هي المسؤولة رسمياً عن إدارة المعابر مع العراق (البوكمال) والأردن (نصيب) ولبنان (العريضة وجديدة يابوس وجوسية والدبوسية)، فإن السيطرة الحقيقية تكمن في الواقع في أماكن أخرى، إذ يحتل (حزب الله) الحدود اللبنانية، وقد أقام قواعده على الجانب السوري (الزبداني والقصير) التي يسيطر منها على منطقة القلمون الجبلية. وبالمثل، تدير ميليشيات عراقية كلا جانبي الحدود من البوكمال إلى التنف. وتمتد قبضة القوات الموالية لإيران أيضاً إلى كثير من المطارات العسكرية السورية التي غالباً ما تكون بمثابة وسيلة لنقل الأسلحة الإيرانية الموجهة إلى (حزب الله) وخط المواجهة مع إسرائيل في مرتفعات الجولان. ويكشف هذا الوضع عن اندماج سوريا الكامل في المحور الإيراني».
وكانت قوات الحكومة قد سيطرت على معبر نصيب مع الأردن في منتصف 2018، بموجب اتفاق روسي – أميركي – أردني قضى بتخلي واشنطن عن معارضين، مقابل عودة قوات الحكومة وإبعاد إيران. لكن فصائل تدعمها قاعدة حميميم الروسية تسيطر على مساحات واسعة من الحدود الأردنية. وأفاد التقرير بأنه رغم السيطرة على نصيب، فإن «حركة المرور لا تزال محدودة جداً حالياً، ووجود الجيش في محافظة درعا سطحي. ولإخماد المقاومة المتنامية في المنطقة بسرعة، اضطر النظام إلى توقيع اتفاقيات مصالحة، بوساطة روسية، تاركاً الفصائل المتمردة المحلية تتمتع باستقلالية مؤقتة وحق الاحتفاظ بأسلحة خفيفة. وحافظ المتمردون السابقون أيضاً على روابط قوية عبر الحدود عن طريق الحدود الأردنية، مما يمنحهم مصدراً محتملاً للدعم اللوجيستي في حالة نشوب صراع جديد». ورعت «حميميم» قبل أيام اتفاق تسوية جديداً قضى بدخول الجيش السوري إلى طفس (غرب درعا).
وتسيطر الحكومة على المعابر غير الشرعية مع لبنان، وتلك الخمسة الرسمية، وهي: جديدة يابوس – المصنع، والدبوسية – العبودية، وجوسية – القاع، وتلكلخ – البقيعة، وطرطوس – العريضة. وتوجد على طول الحدود معابر كثيرة غير شرعية، معظمها في مناطق جبلية وعرة، بحسب تقرير سابق لوكالة الصحافة الفرنسية.
وليست هناك معابر رسمية بين البلدين، لكن «خط فك الاشتباك» بين سوريا والجولان المحتل. وبعد 2011، كانت تسيطر فصائل على المنطقة، غير أن قوات الحكومة عادت إليها بدعم روسي في بداية 2018. كما أعيد في يوليو (تموز) فتح معبر نصيب – جابر مع الأردن الذي كانت قد سيطرت عليه فصائل معارضة في أبريل (نيسان) 2015. أما معبر الرمثا – درعا، فاستعادته دمشق بعدما فقدت السيطرة عليه منذ عام 2013.
– وكلاء وحدود
في عام 2013، بدأت تركيا في بناء جدار حدودي في القامشلي، معقل الأكراد شرق الفرات. ومنذ ذلك الحين، وسعت هذا الحاجز على طول الحدود الشمالية بأكملها. وكان أحد الأهداف منع التسلل من «حزب العمال الكردستاني» و«داعش»، ومنع تدفق مزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا التي تستضيف بالفعل 3.6 مليون لاجئ. وقال التقرير: «لا يزال العبور الفردي ممكناً عبر السلالم والأنفاق، لكن الشرطة التركية توقف معظم هؤلاء المهاجرين وتعيدهم بعنف إلى سوريا».
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، شنت تركيا عملية عسكرية، بالتعاون مع فصائل موالية، وسيطرت على شريط بين تل أبيض ورأس العين في شرق الفرات الذي يخضع لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية». ودفع هذا الأخيرة لعقد تفاهم مع دمشق سمح بدخول الجيش الروسي والسوري إلى شرق الفرات، وتقليص مناطق سيطرة حلفاء أميركا وتركيزهم على القسم الشرقي من شرق الفرات على حدود العراق. وحلت الدوريات الروسية – التركية محل الدوريات الأميركية – التركية على خطوط التماس هذه لضمان انسحاب «قوات سوريا الديمقراطية» من منطقة الحدود التركية.
وعليه، فإن الجزء الوحيد من الحدود الشمالية مع تركيا الخاضع لسيطرة دمشق هو معبر كسب (شمال اللاذقية)، وحتى هذا المعبر تم إغلاقه من الجانب التركي منذ عام 2012. وباتت السيطرة على الجانب السوري من الحدود تباعاً على النحو التالي: أولاً المناطق حتى خربة الجوز من قبل التركمان الموالين لتركيا؛ ثانياً المناطق بين جسر الشغور وباب الهوى من «هيئة تحرير الشام»؛ ثالثاً حتى نهر الفرات من قبل الموالين لتركيا المعروفين بـ«الجيش الوطني السوري»؛ رابعاً حول عين العرب من قبل الجيش الروسي و«قوات سوريا الديمقراطية»؛ خامساً المناطق بين تل أبيض ورأس العين من قبل «الجيش الوطني السوري» المدعوم من أنقرة؛ سادساً من رأس العين حتى نهر دجلة من قبل الجيش الروسي و«قوات سوريا الديمقراطية».
ماذا عن المعابر؟ تتقاسم جهات عدة، وبدرجات مختلفة، السيطرة على الحدود مع تركيا، إذ إن معبر كسب تحت سيطرة دمشق من طرف اللاذقية، لكنه مقفل من الجانب التركي. ويخضع «باب الهوى» لسيطرة إدارة مدنية تابعة لـ«هيئة تحرير الشام» التي تسيطر على معظم إدلب، في حين يتبع «باب السلامة» لمنطقة أعزاز في محافظة حلب، ويقع تحت سيطرة فصائل «درع الفرات» التي تدعمها أنقرة، كما هو الحال مع معبر «جرابلس».
وكانت تل أبيض تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي طردت «داعش» في 2015. وفي أكتوبر 2019، أصبح تحت سيطرة فصائل سورية مدعومة من الجيش التركي، كما هو الحال مع مدينة رأس العين.
وعين العرب (كوباني) التي تقع شمال حلب كانت تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، ولكن دخلته في نهاية 2019 قوات الحكومة رمزياً، وانتشرت دوريات روسية قرب المدينة، وهو مغلق رسمياً. أما القامشلي – نصيبين، فهو مقفل، ولا يزال رمزياً تحت سيطرة قوات الحكومة التي تملك «مربعاً أمنياً» ومطاراً في المدينة.
– من طهران إلى دمشق
تضمن اتفاق «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) ودمشق نشر بضع مئات من الجنود السوريين على طول تلك الحدود، لكن «وجود هذه القوات كان رمزياً فقط. ومنذ ذلك الحين، انطلقت الدوريات الروسية باتجاه الشرق، في محاولة لإقامة موقع في مدينة المالكية (ديريك)، والسيطرة على المعبر مع العراق في سيمالكا – فيشخابور، وهو طريق الإمداد البري الوحيد المتاح للقوات الأميركية في شمال شرقي سوريا». كما هددت ميليشيات عراقية مراراً وتكراراً بالاستيلاء على فيشخابور.
ولا تزال المعابر الشمالية إلى تركيا كافة مغلقة، كما يمنع الجدار الحدودي أنشطة التهريب، ما جعل معبر سيمالكا – فيشخابور النافذة الدولية الوحيدة أمام «الإدارة الذاتية». وعلى الجانب العراقي من الحدود الشرقية لسوريا، كانت ميليشيات عراقية مسؤولة عن معظم المناطق منذ خريف 2017، عندما فقدت «حكومة إقليم كردستان» سيطرتها على الأراضي المتنازع عليها بين كركوك وسنجار، لكن لم تشمل هذه الأراضي المفقودة فيشخابور. وتسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» على الجانب السوري من الحدود، بدعم من القوات الأميركية. وأفاد التقرير: «لكن الوكلاء الإيرانيين منعوها، ومنعوا غيرها من الجهات الفاعلة، من استخدام أي معابر أخرى، وذلك جزئياً بمساعدة التعاون الدبلوماسي الروسي، إذ تم إغلاق معبر اليعربية الحدودي الرسمي أمام المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة منذ أن استخدمت روسيا حق النقض ضد تجديدها في مجلس الأمن الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 2019. ومن بين التداعيات الأخرى لهذا القرار أنه يجب أولاً إرسال جميع مساعدات الأمم المتحدة إلى (الإدارة الذاتية) بالكامل إلى دمشق، قبل أن يتم نقلها إلى الشمال الشرقي من البلاد».
وعليه، فإن الباحث الفرنسي يرى أن معبر سيمالكا – فيشخابور «يعد أمراً حيوياً للبقاء السياسي والاقتصادي للمنطقة التي تتمتع بالحكم الذاتي، حيث يمثل نقطة الدخول الوحيدة للمنظمات غير الحكومية الكثيرة التي تعمل فيها وتوفر دعماً أساسياً للسكان المحليين». ومع ذلك، لا تزال الحكومة السورية تعد الدخول عبر هذا المعبر جريمة يُعاقب عليها بالسجن لفترة تصل إلى 5 سنوات، و«من المحتمل أن يكون تعنت النظام بشأن القضايا الإنسانية هو طريقته لمحاولة إعادة تأكيد سيطرته على جانب واحد على الأقل من السيادة الحدودية».
ويقع عين ديوار تحت سيطرة «قسد»، ومعبر زاخو يستعمل للعبور إلى كردستان العراق، فيما يخضع اليعربية – الربيعة لـ«قسد»، في وقت يقع فيه معبر البوكمال – القائم تحت سيطرة قوات الحكومة وميليشيات إيرانية، وقد جرى تدشينه بعمل بين سوريا والعراق في خريف 2019. وتسيطر قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا على معبر التنف – الوليد منذ طرد تنظيم داعش. ويقول دبلوماسيون غربيون إن أميركا سيطرت على التنف لقطع طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت، وإن إيران ردت على ذلك بفتح طريق مواز عبر البوكمال.
– أجواء مفتوحة
وفي مقابل محدودية السيطرة على الحدود ومعابرها، فإن الحكومة تملك النفوذ على الموانئ البحرية والمطارات، بما فيها مطار القامشلي في مناطق الأكراد شرق نهر الفرات، علماً بأن التحالف الدولي أقام شرق الفرات عدداً من القواعد العسكرية التي تسمح له باستخدامها لهبوط وإقلاع وإقامة طائرات مروحية وشاحنة شرق نهر الفرات. كما حولت روسيا مطار القامشلي إلى قاعدة عسكرية لها.
ورغم وجود منظومات صواريخ «إس-300» و«إس-300 متطور» و«إس-400» تابعة للجيش الروسي الذي يملك قاعدتين في طرطوس واللاذقية، لا تزال الأجواء السورية «مفتوحة» أمام التحالف الدولي والطائرات الإسرائيلية التي شنت مئات الغارات على «مواقع إيرانية» في سوريا.
وإذ يعلن مسؤولون سوريون، واللاعبون الدوليون والإقليميون، بشكل دائم «التمسك بالسيادة» ووحدة البلاد، وأن مناطق النفوذ «مؤقتة، وليست دائمة»، فإن «التوازنات» بين خمسة جيوش، روسيا وأميركا وتركيا وإيران وإسرائيل، والتفاهمات بين أميركا وروسيا شرق الفرات، وبين روسيا وإيران وتركيا في «صيغة آستانة» في شمالها، تجعل الرغبات الرسمية السورية خاضعة للعبة دولية – إقليمية تحد -إلى الآن- من تحقيق «السيادة الكاملة»، وترجمة التصريحات إلى واقع ملموس.
الشرق الأوسط
———————————–
التحالف يستأنف حربه ضد “داعش” شرقي سورية/ محمد الأحمد
قال المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة “داعش” واين ماروتو إن شركاءهم في سورية والعراق نفذوا، بدعم من التحالف الدولي، 33 عملية عسكرية ضد تنظيم “داعش” الإرهابي خلال الشهر الحالي.
جاء ذلك الإعلان عقب مقتل قياديين من التنظيم، من بينهم أمني وأمير قاطع البادية السورية في دير الزور شرقي سورية، مساء أمس الجمعة، إثر غارة نفذتها طائرة مُسيرة تابعة للتحالف الدولي، استهدفت سيارة تستقلها مجموعة من قيادات “داعش” في منطقة الروضة ضمن بادية ناحية الصور، في الريف الشمالي لمحافظة دير الزور، الواقعة ضمن سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، والتي تحوي وجوداً أميركياً.
وأوضح المتحدث باسم التحالف، في تغريدة له نشرها على حسابه في “تويتر”، قائلاً: تمكن شركاؤنا من 1 وحتى 12 فبراير/ شباط الحالي في سورية والعراق من حرمان 20 إرهابياً الملاذ الآمن والقيام بأعمال إرهابية ضد المواطنين، من خلال 33 عملية تركزت ضد تنظيم (داعش) بمساعدة قوات التحالف”.
من 1-12 شباط/فبراير، نفّذ شركاؤنا في العراق وسوريا، بدعم من التحالف، 33 عملية ضد داعش، وتمكنوا من حرمان 20 إرهابيًا الملاذ الآمن والقيام بأعمال إرهابية ضد المواطنين. ساعدونا في تحقيق هزيمة داعش من خلال الإبلاغ عن إرهابيّ داعش عبر الخط الساخن في العراق 454 وفي سوريا 9647512451273+ pic.twitter.com/EmY2KAoQM4
— OIR Spokesman Col. Wayne Marotto (@OIRSpox) February 12, 2021
وأشار، في تغريدة سبقتها بساعات، إلى أن قوات التحالف “تبذل جهوداً ملحوظة لتخليص المناطق المحررة في العراق وسورية من إرث (داعش) المتفجر”.
وأكدت شبكات محلية مقتل أبو ياسين العراقي (عراقي الجنسية)، ويشغل منصب أمير قاطع البادية في مناطق شرق سورية، ونائبه (كرار العراقي)، المسؤول الأول عن العمليات الأمنية للتنظيم في سورية، بالإضافة لمروان ياسين الهليل الملقب بـ”أبو حمزة ذيبان” (سوري الجنسية)، والمسؤول العسكري في التنظيم عن منطقة دير الزور وباديتها، جراء غارة نفذتها طائرة مُسيرة تابعة للتحالف الدولي مساء أمس الجمعة، استهدفت سيارة للتنظيم أثناء وجودهم في منطقة الروضة ضمن بادية ناحية الصور شمال دير الزور”.
كذلك أكد مصدر من أبناء المنطقة لـ”العربي الجديد” أن “دورية ضخمة تابعة للتحالف الدولي توجهت إلى موقع الاستهداف، صباح اليوم السبت، ونقلت آليات تنظيم (داعش) المستهدفة أمس في بادية الروضة إلى ناحية الصور بريف دير الزور الشمالي بعد التأكد من هوية القتلى”.
ويبدو أن التحالف الدولي بقيادة واشنطن بات يتسلم زمام المبادرة من جديد لملاحقة التنظيم في سورية، إثر تعاظم نشاطه منذ منتصف العام الماضي عبر خلاياه المنتشرة في البادية، والتي نفذت منذ ذلك الحين عشرات العمليات الخاطفة والسريعة التي استهدفت قوافل ونقاطاً وأرتالاً لعديد الأطراف التي تسيطر على البادية، وذلك بعد ظهور التنظيم وقياداته في مناطق السيطرة الكردية، التي تحتوي انتشاراً أميركياً.
وكان التحالف الدولي وحليفته “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) قد أعلنا القضاء على التنظيم في آخر جيب له في سورية، بعد الهجوم الواسع على بلدة الباغوز شرقي دير الزور، في آذار/ مارس من العام قبل الماضي.
وحول ذلك، يرى عباس شريفة، الباحث في مركز “جسور للدراسات”، أن “حرب التحالف الدولية ضد تنظيم (داعش) تبدو وكأنها تقوم على رسم حدود لحركة التنظيم أكثر من استراتيجية الاستئصال”، مُشيراً إلى أن “عملية الأمس التي استهدفت قيادات لتنظيم (داعش) جاءت ضمن نفس الاستراتيجية”.
ولفت الباحث إلى أنه “بالنظر للموقع الجغرافي، الذي تم فيه الاستهداف، الواقع شمال دير الزور، أي في مناطق سيطرة (قسد)، وهي نفس المناطق التي تقع فيها قواعد التحالف الدولي، لذلك أعتقد أن التحالف الدولي سيواجه التنظيم في حال قام التنظيم بالنشاط في هذه المنطقة أو الاقتراب من قاعدة التنف الأميركية”.
وأضاف “بينما لن يتم الاستهداف لأي نشاط لداعش في منطقة البادية الواقعة تحت سيطرة النظام والمليشيات الروسية والإيرانية”.
سياسة/اشتباكات سورية/(عمرحاج قدور/فرانس برس)
وكان أبو ياسين العراقي، الذي قُتل مساء الجمعة، قد تسلم منصب أمير قاطع البادية في منطقة شرق الفرات خلفاً للقيادي البارز في تنظيم “داعش” أبو ورد العراقي، مسؤول النفط والموارد الطبيعية وتمويل الخلايا النائمة في التنظيم، والذي قُتل في الـ14 من يناير/ كانون الثاني العام الماضي بعملية مشتركة من التحالف الدولي وقوات سورية الديمقراطية “قسد”، استهدفت مقراً عسكرياً للتنظيم في محافظة دير الزور شرقي سورية.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن “أبو الورد العراقي كان مسؤولاً عن آبار النفط في فليطح والأزرق والملح بريف دير الزور الشرقي، التي كانت تحت سيطرة التنظيم قبل دحره عنها لصالح (قسد)، وحتى بعد سيطرت (قسد) على تلك المنطقة، بقي أبو الورد منسقا ووسيطا بين قوات سورية الديمقراطية (قسد) وبين تنظيم (داعش)، من أجل عبور صهاريج النفط نحو مناطق (قسد) والنظام السوري”، بحسب المرصد، إلى ما قبل مقتله.
وكانت قوات التحالف الدولي أعلنت في مايو/ أيار من العام الماضي مقتل كل من المدعو أحمد إسماعيل الزاوي، المسؤول في تنظيم “داعش” عن شمالي بغداد، وأحمد عبدو محمد حسن الجغيفي، المسؤول المزعوم عن العمليات اللوجستية لدى التنظيم، خلال عملية مشتركة لقوات التحالف الدولي وقوات سورية الديمقراطية “قسد” ضمن بادية محافظة دير الزور شرقي سورية.
العربي الجديد
——————————–
سماء سورية: ازدحام حربي جوي ينذر بتصادم/ عماد كركص
تزدحم الأجواء السورية بحركة الطيران الحربي للعديد من القوى الإقليمية والدولية، التي تدخلت بشكل مباشر، أو شبه مباشر، في الأزمة السورية، وبات لها تواجد عسكري على الأرض أو في الجو. وأضحى هذا الأمر مصدر قلق لكل تلك الأطراف، خوفاً من عمليات تصادم محتملة، لو عن طريق الخطأ، نتيجة كثافة حركة الطيران، وفي ظل غياب آلية تنسيق واضحة ورسمية لتنظيمها.
وعلى الرغم من أن التنسيق الأميركي والإسرائيلي مع روسيا التي تعد المتحكم الأكبر بالأجواء خفف من إمكانية حدوث “خطأ”، وذلك إلى جانب وضع قيود على حركة طيران النظام السوري فوق مناطق معينة من البلاد، إلا أن كل ذلك لا يبدو كافياً. ويستشعر مسؤولون أميركيون الخطر أكثر من ذي قبل، لا سيما مع تعاظم حدة الضربات الإسرائيلية ضد أهداف للنظام السوري وإيران أخيراً، وذلك بحسب تقرير لمجلة “نيوزويك” الأميركية، نشر الخميس الماضي.
ونقلت المجلة عن مسؤول استخباراتي أميركي، وصفته بالرفيع المستوى، والذي فضل الكشف عن اسمه، مخاوف بلاده “بشأن الحجم الهائل للحركة الجوية الناجمة عن حملة القصف شبه السرية الإسرائيلية، بينما تنفذ القوات الجوية الروسية والسورية مهماتها الخاصة”. وأوضح المسؤول، أنه خلال غارات الأسبوع الماضي قرب مطار دمشق، والتي اتهمت إسرائيل بالقيام بها، “لاحظت الولايات المتحدة زيادة كبيرة في النشاط الجوي العسكري فوق سورية، بما في ذلك من قبل إسرائيل وروسيا، بالإضافة إلى الطائرات السورية”، منوهاً إلى أن “زيادة حركة الطيران جعلت وقوع حادث مؤسف أكثر احتمالاً”. وقال “كان المجال الجوي مليئاً بما يتجاوز المعايير اليومية، ما يزيد من فرصة سوء التقدير، أو ربما خطأ في تحديد الأهداف من قبل جميع الكيانات”. وأشارت المجلة إلى أن خطوط الطيران غير واضحة، وهو ما أدى، بحسب تقارير، إلى وقوع أكثر من 170 حادثاً يخص طائرات حربية ومسيرة، شملت نحو سبع دول، فضلاً عن جهات أخرى فاعلة على الأرض السورية، من دون أن تفصّل طبيعة هذه الحوادث.
ونقلت المجلة عن مصدر سوري، طلب عدم الكشف عن هويته، قوله إنه “فيما يتعلق بالمجال الجوي المزدحم فوق سورية، فإن هذا مصدر قلق دائم، لا سيما بعد تدخل الولايات المتحدة في سورية”. وأضاف “الآن حيث تعمل روسيا والولايات المتحدة وتركيا وفرنسا، ناهيك عن إسرائيل، جميعاً فوق أو بالقرب من سورية، فإن الحوادث ممكنة دائماً، لا سيما عندما يتعلق الأمر بصواريخ الدفاع الجوي. بمجرد إطلاق الصاروخ، لا مجال للتراجع”.
وذكرت المجلة مثالاً عما وصفتها بـ”الحسابات القاتلة الخاطئة”، إسقاط النظام السوري لطائرة تجسس روسية خلال غارة إسرائيلية في العام 2018. وأسقطت الولايات المتحدة طائرة سورية، يُزعم أنها كانت تحلق فوق الأراضي الخاضعة لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، المدعومة من البنتاغون في العام 2017. كما قام كل من النظام السوري وإسرائيل بإسقاط الطائرات الحربية لبعضها البعض. وفي حين تشير المجلة إلى أنه لم يسجل أي اشتباك بين الطائرات الإسرائيلية والروسية، لكنها تخلص إلى أنه لا يمكن استبعاد حدوث ذلك لاحقاً.
ونقلت “نيوزويك” عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إن الاتصالات بين تل أبيب وموسكو خففت من المخاطر على الجانبين. وأوضح “لدينا بالفعل آلية لمنع التضارب مع الجيش الروسي تسهل حريتنا في العمل، مع تقليل مخاطر الاحتكاك مع القوات الروسية وتعزز الأمن المتبادل. وحتى الآن، كانت فعالة للغاية، وصمدت في مواجهة الظروف الصعبة في ساحة معركة كثيفة للغاية”. ونقلت عن مسؤول أمني إسرائيلي آخر، تحدثت إليه الشهر الماضي، قوله إن “الجيش السوري يمنح حزب الله (اللبناني) مساحة كبيرة لفعل ما يريد، ويجعل الأوضاع غير مريحة بعض الشيء”، معتبراً “أنها مشكلة كبيرة بالنسبة لنا أن نقرر في الواقع من سنضرب وماذا نفعل”.
وكان وزيرا الدفاع الروسي سيرغي شويغو والإسرائيلي بني غانتس بحثا “قضايا التعاون الروسي الإسرائيلي لضمان الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”، وذلك بحسب بيان لوزارة الدفاع الروسية، أمس الأول، أشار إلى أن الاتصال الهاتفي جرى بمبادرة من الجانب الإسرائيلي. ومن جانبه، أعلن مكتب غانتس، في بيان، أن الوزيرين بحثا الملف السوري، واتفقا على “مواصلة المشاورات الهامة بهدف ضمان أمن قواتهما وبشأن الحاجة إلى تفعيل الجهود الإنسانية في المنطقة”. ويعتقد أن الاتصال تناول التنسيق حول حركة الطيران الروسي والإسرائيلي، بعد تكثيف تل أبيب ضرباتها لقواعد ونقاط عسكرية تابعة للنظام وإيران.
مصدر سوري ثانٍ أوضح للمجلة أن المخاوف لا تقتصر على الحوادث العسكرية، بل تشمل أيضاً الطائرات المدنية، ملمحاً إلى أن احتمالية الخطأ “أمر شائع جداً”، مشيراً إلى أن الطائرات الحربية الإسرائيلية تستخدم مسارات الطيران المدني خلال عملياتها. وحدد المناطق المحظورة على طيران النظام السوري، حيث “تشمل الشمال الشرقي المتمتع بالحكم الذاتي، وجيب صحراوي جنوب شرقي سورية تسيطر عليه الولايات المتحدة، وامتداد حدودي شمالي يحتله المتمردون والجهاديون والقوات التركية”، على حد وصفه. وحدد مجال سلاح جو النظام بالقول إنه “يعمل على الحدود الجنوبية والغربية، وكذلك قبالة ساحل البحر الأبيض المتوسط”، منوهاً إلى أن “أي نشاط قريب جداً من الحدود اللبنانية أو الإسرائيلية سيقابل برد عسكري إسرائيلي”. وأكد أن هناك قيودا على حركة الطيران السوري، وهو أمر لا ينطبق على الروس، موضحاً أن الطيران الروسي يملك حرية الحركة في الأجواء أكثر منهم.
وفي 2016 و2017، كان هناك اتفاقات غير رسمية عن آليات تنسيق مشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا، لتنظيم حركة الملاحة الجوية فوق الأجواء السورية، بعد التدخل الروسي إلى جانب النظام جوياً وبرياً، وزيادة حركة طيران التحالف خلال الحرب ضد تنظيم “داعش”. وكشف المتحدث السابق باسم التحالف الدولي لمحاربة “داعش” العقيد رايان ديلون، في يونيو/حزيران 2017، عن اجتماع لتوسيع الولايات المتحدة وروسيا التنسيق بينهما بشأن حركة الطيران في الأجواء السورية. وأشار حينها إلى أن التنسيق سيشمل تبادل الرسوم التخطيطية ومواقع العمليات، لتجنب حوادث اصطدام الطائرات بين الجانبين. وذكر أن “مسؤولي التحالف والجيش الروسي التقوا وقاموا بضبط وتوسيع إجراءات منع حوادث الاصطدام أو الاستهداف العرضي (قصف أهداف عن طريق الخطأ)”.
وأوضح الرائد يوسف حمود، وهو ضابط منشق عن سلاح الجو في قوات النظام السوري، ويشغل اليوم منصب المتحدث الرسمي لـ “الجيش الوطني”، الحليف لتركيا، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “الروس يتحكمون أكثر من غيرهم من المجال الجوي في سورية، نظراً للمساحة الكبيرة التي ينشرون فيها رادارات الدفاع الجوي. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فقد لاحظنا أن كل المجال الجوي السوري مفتوح أمام حركة الطيران الإسرائيلي، بغض النظر عن رادارات الدفاع الجوي للنظام وروسيا، ويتشارك معهم ذلك الطيران الأميركي الذي يعمل تحت اسم التحالف الدولي”. وأوضح أن “الطيران التركي مجال حركته في الشمال، وأغلبه عبر الطيران المسير”. ونوه، في حديثه مع “العربي الجديد”، إلى أن “التميز التقني لتجنب احتمالات التصادم، يصب في مصلحة طيران التحالف وإسرائيل، كونهم يملكون طائرات ذات تقنيات عالية، تستطيع تحديد الأهداف، بالإضافة لتوجيهها من قبل مراكز عمليات متطورة من الأرض، أو عبر الأقمار الصناعية”. وأكد حمود، من خلال خبرته وعمله في سلاح الجو السوري سابقاً، أن هذا السلاح “يعتمد على طرق تقليدية في تحديد حركة الملاحة الجوية، وأولها الملاحة بالرؤية، حيث يستخدم النظام، بنسبة تفوق 80 في المائة من طلعاته الجوية، هذه الطريقة، بالإضافة إلى طريقة الملاحة اللاسلكية التي تعتمد على تحديد موقع الطائرة من خلال المنارات اللاسلكية الأرضية”.
وأشار حمود إلى أن هناك عملية الملاحة التي تعتمد على الأقمار الصناعية، ويمكن استخدامها من قبل عدد محدود من طائرات النظام. لكنه كشف أنه “بعد تعاظم حدة الحرب السورية، فتح الروس للنظام إمكانية استخدام أقمارهم الصناعية لتحديد حركة الملاحة أكثر من ذي قبل، وبالتالي بات النظام يملك العامل التقني في هذا الجانب”. لكنه نوه إلى أن “عملية التحكم بحركة الطيران، ورادارات الدفاع الجوي المنتشرة في سورية، سواء للروس والنظام، قد لا تكون بيد النظام بعد التدخل الروسي العسكري الكبير في سورية”. ورغم أن حمود قلل من احتمالية التصادم الجوي بين سلاح الجو للأطراف المتعددة في الأجواء السورية، إلا أنه لم يستبعد حدوث ذلك، طالما أن الاعتماد على تنظيم حركة الملاحة الجوية منقسم بين التقني والعامل البشري.
من جهته، أشار الباحث السياسي السوري رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن كل الدول المنخرطة عسكرياً في سورية لديها أجندات متضاربة، وهي تعرف ذلك، لكنها لا تريد أن تدخل في صدام عسكري مع الدول الأخرى على الأرض السورية. ولذلك فإن هذه الدول تفضل التنسيق فيما بينها على ما يسمى حركة الأجواء كي لا يحصل صدام، وبنفس الوقت تتمتع كل دولة بحرية الحركة والرغبة بتنفيذ ما تقوم به، لأن الدولة السورية ليس لها القدرة على إنفاذ سيادتها جواً”.
وحول ما إذا كان لحركة سلاح الجو المختلف، والتواجد العسكري أساساً في سورية، تأثير على صيغة الحل السياسي المستقبلي في البلاد، أشار إلى أن “تضارب الأجندات بين الدول التي تحتفظ بوجود عسكري كبير على الأرض السورية”، يؤخر الحل.
العربي الجديد
—————————–
قوات النظام «تتوغل» برعاية روسية في جنوب سوريا
تحقيقات مع شبكة مخدرات مرتبطة بـ«حزب الله» في ريف درعا
درعا: رياض الزين – لندن: «الشرق الأوسط»
دخلت قوات النظام السوري، أمس، إلى مدينة طفس غرب درعا في جنوب سوريا بموجب «تسوية» رعتها قاعدة حميميم بين قاعدة «الفرقة الرابعة» التي يقودها اللواء ماهر شقيق الرئيس بشار الأسد من جهة، وفصائل معارضة من جهة أخرى.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وشهود عيان أمس، بأن «قوات النظام ووسائل الإعلام التابعة له، دخلت إلى سوق الهال والحي الجنوبي وبعض المقرات الحكومية في مدينة طفس ضمن الريف الغربي لمحافظة درعا؛ ذلك تطبيقاً للاتفاق بين اللجنة المركزية واللجنة الأمنية برعاية روسية». وكان بين الحاضرين ضباط روس ومدير المخابرات العامة السورية اللواء حسام لوقا. وحث الضابط الروسي في فيديو، الأهالي على «التعاون مع الشرطة والدولة لتوفير الأمن واستعادة الحياة الطبيعية»، في حين نوه لوقا بـ«أهالي حوران واحتضانهم للجيش العربي السوري».
وقضى الاتفاق ليل الاثنين – الثلاثاء بين أطراف التفاوض متمثلة في كل من اللجنة المركزية وضباط من اللجنة الأمنية في درعا، وبحضور ممثل عن القوات الروسية، بـ«السماح لقوات النظام والفرقة الرابعة بتفتيش منازل ومزارع في محيط مدينة طفس، ابتداءً من الثلاثاء بحضور أبناء ووجهاء المنطقة لضمان عدم حدوث انتهاكات بحق المدنيين وممتلكاتهم». كما نص الاتفاق على إعادة تشغيل الأبنية الحكومية والمؤسسات التابعة للنظام في المدينة، دون تحديد جدول زمني، والإفراج عن 58 معتقلاً في سجون النظام، بجهود من قبل اللجنة الأمنية في محافظة درعا.
وفتشت قوات النظام أول من أمس، منازل ومزارع واقعة في محيط مدينة طفس بريف درعا الغربي، رافقها ممثلون عن اللجنة المركزية في درعا. كما من المفترض أن ينسحب المقاتلون السابقون لدى الفصائل من المقرات «الحكومية» المتواجدين فيها بالمنطقة؛ وذلك تطبيقاً للاتفاق.
وبحسب «تجمع أحرار حوران» اجتمع، الاثنين، أعضاء اللجنة المركزية بعدد من ضباط النظام، وبحضور وفد روسي في حي الضاحية، بالمدخل الغربي لمدينة درعا، لإنجاز الاتفاق. وانبثق الاتفاق بعد اجتماع مطول في طفس وسط تحليق الطيران الحربي في أجواء الريف الغربي كرسالة للمقاتلين السابقين الموجودين في المنطقة.
كانت ميليشيات إيرانية استقدمت على مدار الأسابيع الماضية تعزيزات كبيرة وصلت إلى أطراف بلدات المزيريب واليادودة وطفس، منها ما هو تابع للنظام ومنها ما يتبع إيران، ذلك بعد فشل «الفرقة الرابعة» باقتحام البلدات المذكورة «ما دفعها للتراجع والضغط لإنهاء الملف سياسياً»، حسب وسائل إعلام معارضة.
وكانت «الفرقة الرابعة» بدأت أولى عمليات انتشارها بالريف الغربي في شهر مايو (أيار) من العام الماضي بعد التوصل إلى اتفاق مع اللجنة المركزية لنشر حواجز مشتركة مع عناصر التسويات في مواقع عدة من المنطقة.
وتقع طفس ضمن منطقة جرى الاتفاق حولها بين أميركا وروسيا والأردن في منتصف 2018، في تفاهم ضم عملها إخراج إيران وعودة قوات الحكومة وانتشار الشرطة الروسية وضمان عودة «القوات الدولية لفك الاشتباك» (اندوف) بين سوريا وإسرائيل في الجولان.
على صعيد آخر، أفادت مصادر محلية بأن تحقيقات تجرى مع أشخاص تم اعتقالهم من قبل «اللواء الثامن» التابعة لـ«الفيلق الخامس» المدعوم من روسيا، لمعرفة خلفية شبكة تهريب المخدرات وعلاقتها بأشخاص بالأردن ودول أخرى. وأشارت إلى أن النظام السوري يسعى للإفراج عن بعض المعتقلين.
كان «اللواء الثامن» أعلن أنه «من خلال متابعة اللواء الثامن لمحاربة ظاهرة انتشار المخدرات وترويجها والاتجار بها وتهريبها للدول المجاورة بعد تجميعها في مخازن بالقرب من الحدود وبيوت ومزارع، ويتبع غالباً أفراد هذه المجموعات المسؤولة عن الاتجار والتهريب لجهات أمنية كالفرقة الرابعة والجهات الأمنية (أفرع المخابرات)، يقوم اللواء الثامن بتسيير دوريات ضمن كامل منطقة بصرى بين القرى والبلدات، وصولاً للمنطقة الحدودية مع المملكة الأردنية الهاشمية، خلال هذه الدوريات والحواجز تمكنا فيما سبق من إلقاء القبض على كميات كبيرة بغرض التعاطي والاتجار وتم إتلافها أصولاً بحضور وفد من الوجهاء ولجنة عسكرية وطبية».
وأضاف «خلال مكافحتنا للمخدرات في المنطقة الجنوبية قام اللواء الثامن بتكثيف الدوريات نهاراً وليلاً ووضع كمائن ليلة على الطرق الزراعية المحيطة بمدينة بصرى الشام وفي قطاع سيطرة اللواء وعبر هذه الدوريات استشعرنا حركة غريبة باتجاه بلدتي السماقيات وندى على الشريط الحدودي مع المملكة الأردنية الهاشمية نحو الساعة الثانية ليلاً يوم الأحد (…) ويتم رؤية أشخاص مشبوهين بحوزتهم أكياس كبيرة».
وتابع تقرير أعده الفصيل العسكري «بعد إلقاء القبض عليهم ضبط بحوزتهم أسلحة فردية وبطاقات أمنية تعود لهم، ومهمات أمنية لآلياتهم وبطاقات حمل سلاح تتبع لشعبة المخابرات العسكرية وكميات من المخدرات، نوع حبوب مخدرة ومواد حشيش». وأشار إلى «العثور على كميات ضخمة من المواد المخدرة. ومصدر هذه المواد من خلال المعلومات الأولية هو (حزب الله) اللبناني، حيث يتم جلبها عن طريق منطقة القلمون الواقعة تحت سيطرة (حزب الله) اللبناني ومن ثم إلى محافظة درعا مروراً بدمشق والسويداء».
وأشار إلى أنه «بعد التحقيقات الأولية مع الأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم بأنه تم تسليمهم الكميات من شخصين من السويداء واللجاة، حيث يتسلم أحدهما المواد من أحد عناصر (حزب الله) المطرودين من بصرى الشام ويعمل بتجارة المخدرات منذ زمن بعيد وتم اغتيال والده من مسلحين في السويداء لارتباطه بعملية المخدرات ونشرها في السويداء». وأشارت إلى أن التحقيقات أظهرت أن «المتهم موجود في القلمون حالياً».
الشرق الأوسط
—————————-
لملاحقة داعمي الأسد.. “مكافآت لأجل العدالة” على طاولة إدارة بايدن
أعاد عضوان في “الكونغرس” الأمريكي طرح مشروع قانون “مكافآت لأجل العدالة” الخاص بسورية، في خطوة منهما لإبراز أهميته واستمراريته في الوقت الحالي على الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن.
والعضوان هما: جو ويلسون النائب عن ولاية كارولاينا الجنوبية وتيد دويتش.
وقال ويلسون عبر مدونته الرسمية، اليوم السبت: “أعدنا طرح مشروع قانون لتوسيع نطاق المكافآت من أجل العدالة في وزارة الخارجية الأمريكية”.
وأضاف العضو في الكونغرس: “سيحفز مشروع القانون الذي يتصدره الدبلوماسي بسام بربندي على تقديم معلومات عملية فيما يتعلق بالتهرب من عقوبات الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة في سورية”.
وأشار ويلسون إلى أن “بسام بربندي دبلوماسي سوري سابق انشق وعمل على معارضة انتهاكات نظام الأسد لحقوق الإنسان”.
وأضاف: “خلال الفترة التي قضاها في السفارة، قدم بربندي معلومات عن أنشطة النظام والتهرب من العقوبات إلى الكونغرس والمسؤولين الأمريكيين وعلماء مراكز الفكر. أنا ممتن لبسام، الذي ألهم مشروع القانون هذا، ودافع عن توسيع برنامج مكافآت وزارة الخارجية الأمريكية من أجل العدالة”.
ويخضع نظام الأسد لعقوبات أمريكية بموجب قانون “قيصر”، وبلغ عدد حزمه ستة، طالت مسؤولين أمنيين واقتصاديين أقدموا على عمليات التفاف لتخفيف أثر العقوبات المفروضة.
تعديل سابق
وتعتبر الخطوة المذكورة المتعلقة بالعقوبات في سورية وتقييد عمليات كسرها الأولى من حيث عرضها على الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن.
وفي نوفمبر / تشرين الثاني الماضي كان مجلس النواب الأمريكي قد أقر تعديل قانون “مكافآت من أجل العدالة” في برنامج الخارجية الأمريكية، بما يسمح بالإبلاغ عن ممولي وداعمي الأنظمة التي تقوم بانتهاكات لعقوبات الولايات المتحدة الأمريكية.
ويشمل القانون الذي مرره مجلس النواب، في ذلك الوقت، تقديم مكافآت مالية لمن يقدم معلومات عن كيانات ورجال أعمال وممولين للنظام السوري، المدرج على قائمة العقوبات الأمريكية.
وتم تعديله لينص على تحديد هوية أو مكان الأفراد أو الكيانات التي تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر (عن علم) في تصدير أو استيراد من أو إلى أي بلد، سلع أو خدمات أو تقنيات تتحكم الولايات المتحدة في تصديرها، واستخدام هذه السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا، بما يخالف عقوبات الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة.
ما هي “مكافآت من أجل العدالة”؟
وأُنشئ برنامج “مكافآت من أجل العدالة” تحت قانون عام 1984، لمكافحة الإرهاب الدولي، وتتم إدارته بواسطة مكتب الأمن الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية.
ويتركز هدف البرنامج على تقديم “الإرهابيين الدوليين” للعدالة ومنع أعمال الإرهاب الدولية ضد مواطني أو ممتلكات الولايات المتحدة.
وفي الأشهر الماضية كان البرنامج قد خصص عدة مكافآت مالية، ارتبط البعض منها بالحصول على معلومات تفيد بموقع قائد “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، والقسم الآخر ارتبط بالشخصيات التي تكسر العقوبات المفروضة على نظام الأسد.
تطبيق “صارم” لقيصر
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أكدت في الأسابيع الماضية أن إدارة الرئيس الجديد، جو بايدن، ستعمل على تطبيقٍ صارم لقانون “قيصر” ضد نظام الأسد، والذي أقرته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
وقال متحدث باسم الخارجية لصحيفة “الشرق الأوسط”، مطلع الشهر الحالي، إن بايدن “لن يتهاون” بتطبيق عقوبات “قيصر”، مع العمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية، لحين الوصول لحل سلمي في البلاد، حسب قوله.
وأضاف المتحدث، الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته، أن الإدارة الجديدة ستأخذ بعين الاعتبار حين تطبيق “قانون قيصر”، عدم استهداف خطوط التجارة أو المساعدات الإنسانية بما يضر الشعب السوري، مؤكداً أن القانون سيستهدف الشخصيات والجهات التي تقدم دعماً لنظام الأسد، وتعيق الوصول لحل سلمي للملف السوري.
————————–
تصريحات بلينكن حول سوريا.. رسالة أمريكية لـ “سوتشي”/ أسامة آغي
أجرى وزير الخارجية الأمريكية الجديد أنطوني بلينكن اتصالاً هاتفياً مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ووفق تصريحات نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: “تطرق الطرفان إلى الملف السوري، وأكّدا على الالتزام بالعملية السياسية في ظل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتمديد التفويض لتقديم المساعدات عبر الحدود، والمساعدة في رفع معاناة الشعب السوري”.
تصريحات بلينكن تسبق اجتماع دول ضمان أستانا في سوتشي، وهذا يعني رسالة أمريكية واضحة المعنى لهذه الدول، بأن لا حلّ للقضية السورية سوى تنفيذ جوهر القرار 2254.
تصريحات بلينكن سبقها بيان الدول الأوربية الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، التي حمّلت النظام السوري مسؤولية إفشال الدورة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف قبل أيام.
من طرفه طالب بيان صادر عن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة الأمم المتحدة بإيجاد آلية لمنع التعطيل في مفاوضات جنيف، وهذا معناه البحث عن صيغة وآلية تيسران التوصل لحل سياسي وفق القرار الدولي 2254.
إن الموقف الأوربي الغربي، والأمريكي، إضافة لموقف الأمم المتحدة، يضع الروس تحديداً في زاوية المسؤولية عن تعطيل تنفيذ قرارات دولية وقّعوا عليها، وهذا يعني دولياً، أن الروس لا يحترمون تواقيعهم، ولا يمكن الركون إلى التعاون الدولي معهم.
إن نظرية الروس السياسية، التي تريد استنزاف نظام الأسد إلى أقصى درجة، بسبب حاجته لهم، هي نظرية انتهازية وقحة، بات المجتمع الدولي يدركها، وبالتالي صار لزاماً على هذا المجتمع إيجاد وسيلة خارج نطاق مجلس الأمن، لمنع الروس من الاستفادة من الفيتو المعطل للقرارات الدولية.
إن استباق الأمريكيين لاجتماعات سوتشي المنوي عقدها في 16 و17 شباط /فبراير الجاري، يراد منه تبليغ دول ضمان أستانا، وتحديداً الروس، أن الأمريكيين لن يسمحوا بغير مسار مفاوضات جنيف التي تجري وفق القرار الدولي 2254، وأن محاولة الانعطاف بهذا القرار لن تقبل بها الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوربي.
الروس الذين دفعوا النظام السوري لإفشال مفاوضات اللجنة الدستورية، معنيون اليوم بإعادة عربة التفاوض إلى سكتها، ومعنيون بمنع الأسد من إجراء انتخابات رئاسية زائفة، تعقّد مشهد الصراع السياسي في سوريا.
تصريحات بلينكن هي دعوة جادة في أكثر من اتجاه، فهي تحمّل الروس مسؤولية ما يحدث من فشل في مفاوضات جنيف، وهي أيضاً تعيد التأكيد على ثبات الموقف الأمريكي من أن الحل السياسي للصراع السوري له طريق واحدة هي طريق القرار الدولي 2254، إضافة إلى أنها رفض مسبق لأية خطوات تحاول روسيا مع الضامنين التركي والإيراني إيجاد مخرج سياسي خارج القرار الدولي المذكور.
إن إصرار وفد المعارضة على وضع جدول زمني للتفاوض، ووضع آليات تفاوض ناجعة وملزمة، من شأنه إنهاء الوضع الكارثي، الذي يعيشه الشعب السوري في مناطق يحكمها النظام، ومناطق خارج حكمه.
هذا الموقف لقوى الثورة والمعارضة يحتاج هو الآخر إلى تعزيز الفعل الشعبي، فقضية الحل السياسي هي قضية السوريين بنازحيهم ولاجئيهم، وقضية من لا يزال تحت قبضة حكم الاستبداد. أي بمعنى آخر يحتاج ممثلو الثورة السورية المفاوضون إلى دعم شعبي عريض، وهذا واجب يقع على عاتق التنسيقيات الثورية والتجمعات السياسية والقوى الأهلية.
مثل هذا الموقف سوف يتلاقى مع تشبث قوى الثورة على إنجاز الانتقال السياسي عبر العملية التفاوضية، وسوف يتلاقى مع موقف الأمريكيين والأوربيين اللذين أعلنا صراحة وقوفهما مع انتقال سياسي بإشراف دولي عبر انتخابات ستجري في نهاية المرحلة الانتقالية، كما حددتها القرارات الدولية.
تصريحات بلينكن تزيد من حصار نظام الأسد، وتفرض عليه إما التآكل الداخلي السريع والمريع، أو الرضوخ للإرادة الدولية، إضافة إلى أنها تسقط ورقة التلاعب من يد الروس، هذا مغزى اتصال بلينكن بغوتيريش.
——————————–
========================
تحديث 14 شباط 2021
————————–
فشل نظام الأسد في استعادة السيادة الكاملة على الأراضي السورية/ فابريس بالونش
تحليل موجز
لم يتغيّر الوضع كثيراً على الحدود السورية خلال العامين الماضيين. وتعارض روسيا وشركاؤها في “عملية أستانا”، وإيران وتركيا، أي جهود رسمية لتقسيم البلاد أو ترسيخ وجود كيان كردي منفصل في الشمال. وحتى لو انسحبت القوات الأمريكية بالكامل من الشرق، فستبقى البلاد في أيدي “ثلاثية أستانا”، لذلك ليس أمام الأسد خيار في هذا الشأن.
بالمعنى الرسمي، على الأقل، بالكاد تغيّر الوضع على الحدود السورية خلال العامين الماضيين. فما زالت الأجندة الغربية تستبعد أي حل دولي، مماثل لما تم التوصل إليه في “اتفاق دايتون” المبرم في دول يوغسلافيا السابقة. وتعارض روسيا وشركاؤها في “عملية أستانا”، وإيران وتركيا، أي جهود رسمية لتقسيم البلاد أو ترسيخ وجود كيان كردي منفصل في الشمال. علاوة على ذلك، تسببت المشاكل الناتجة عن تقسيم السودان بنشوء شكوك جدية لدى صناع السياسة الغربيين حول جدوى مثل هذا الحل لسوريا. ومع ذلك، لم تمنع أي من هذه الاحتمالات الدولية المجهضة القوى الخارجية من تقسيم البلاد بشكل غير رسمي إلى مناطق نفوذ متعددة والسيطرة من جانب واحد على معظم حدودها، وبالتالي حرمان نظام الأسد من أداة رئيسية للسيادة.
الحدود تُخبِر قصة السيادة الحقيقية
من المؤكد أن استراتيجية النظام السوري لمكافحة التمرد قد أتت بثمارها داخل البلاد. فقوات بشار الأسد تسيطر الآن على ثلثي الأراضي السورية، من بينها جميع المدن الرئيسية الست (دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية وطرطوس ودرعا ودير الزور)، بالإضافة إلى 12 مليون نسمة من أصل عدد السكان الإجمالي المقدر بـ 17 مليون (ما زال 7 ملايين سوري يعيشون في الخارج كلاجئين). وهذا تحوّل كامل عن وضع النظام السيئ في ربيع 2013 عندما كانت قوات الأسد تسيطر على خُمس مساحة البلاد فقط.
ومع ذلك، تُعتبر الحدود رمز السيادة بلا منازع، ولا يزال سجل أداء النظام خالياً تقريباً على هذا الصعيد. ويسيطر الجيش السوري على 15 في المائة فقط من الحدود البرية الدولية للبلاد، في حين تتقاسم جهات فاعلة أجنبية الحدود المتبقية.
الغرب والجنوب: سيطرة وهمية للنظام
يسيطر حالياً «حزب الله» وميليشيات شيعية أخرى مدعومة من إيران على حوالي 20 في المائة من حدود البلاد. وعلى الرغم من أن سلطات الجمارك السورية هي المسؤولة رسمياً عن إدارة المعابر مع العراق (البوكمال)، والأردن (نصيب)، ولبنان (العريضة وجديدة يابوس وجوسية والدبوسية)، إلّا أن السيطرة الحقيقية تكمن في الواقع في أماكن أخرى. ويحتل «حزب الله» الحدود اللبنانية، وأقام قواعده على الجانب السوري (الزبداني والقصير) التي يسيطر منها على منطقة القلمون الجبلية. وبالمثل، تدير الميليشيات الشيعية العراقية كلا جانبي الحدود من البوكمال إلى التنف. وتمتد قبضة القوات الموالية لإيران أيضاً إلى العديد من المطارات العسكرية السورية، والتي غالباً ما تكون بمثابة وسيلة لنقل الأسلحة الإيرانية الموجهة إلى «حزب الله» وخط المواجهة مع إسرائيل في مرتفعات الجولان. ويكشف هذا الوضع عن اندماج سوريا الكامل في المحور الإيراني.
بعد استعادة الجيش السوري سيطرته على الجنوب في حزيران/يونيو 2018، عاد إلى الحدود الأردنية وأعاد فتح معبر “نصيب” في جو احتفالي كبير. لكن حركة المرور لا تزال محدودة جداً حالياً، ووجود الجيش في محافظة درعا سطحي. ولإخماد المقاومة المتنامية في المنطقة بسرعة، اضطر النظام إلى توقيع اتفاقيات مصالحة بوساطة روسية، تاركاً الفصائل المتمردة المحلية تتمتع باستقلالية مؤقتة وحق الاحتفاظ بأسلحة خفيفة. وحافظ المتمردون السابقون أيضاً على روابط قوية عبر الحدود عن طريق الحدود الأردنية، مما يمنحهم مصدراً محتملاً للدعم اللوجستي في حالة نشوب صراع جديد (وفي غضون ذلك الحصول على دخل مربح للغاية من عمليات التهريب).
الشمال: وكلاء الأتراك والقوات الروسية
في عام 2013، بدأت تركيا في بناء جدار حدودي في منطقة القامشلي، معقل الأكراد السوريين. ومنذ ذلك الحين وسّعت هذا الحاجز على طول الحدود الشمالية بأكملها. وكان أحد الأهداف منع التسلل: أولاً من قبل «حزب العمال الكردستاني»، وهي جماعة تعتبرها أنقرة عدوّها الداخلي الرئيسي والمنظمة الأم للفصائل الكردية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال سوريا؛ ولاحقاً من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية»، بعد موجة من الهجمات الإرهابية الجهادية التي هزت تركيا في عام 2015.
وكان الهدف الآخر هو منع تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا، التي تستضيف بالفعل 3.6 مليون لاجئ. ولا يزال العبور الفردي ممكناً عبر السلالم والأنفاق، لكن الشرطة التركية توقف معظم هؤلاء المهاجرين وتعيدهم بعنف إلى سوريا.
وفي الواقع، إن الجزء الوحيد من الحدود الشمالية الخاضعة لسيطرة الأسد هو معبر “كسب” شمال اللاذقية، وحتى هذا المعبر تم إغلاقه من الجانب التركي منذ عام 2012. ومن “كسب” إلى أقصى الحدود الشرقية، يتم السيطرة على الجانب السوري من الحدود تباعاً على النحو التالي:
المناطق حتى خربة الجوز من قبل الثوار التركمان الموالين لتركيا
المناطق بين جسر الشغور وباب الهوى من قبل الجماعة الجهادية العربية السنية «هيئة تحرير الشام»
المناطق حتى نهر الفرات من قبل الثوار الموالين لتركيا المعروفين بـ «الجيش الوطني السوري»
المناطق حول كوباني من قبل الجيش الروسي و«قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد
المناطق بين تل أبيض ورأس العين من قبل «الجيش الوطني السوري»
المناطق من رأس العين حتى نهر دجلة من قبل الجيش الروسي و«قوات سوريا الديمقراطية»
في تشرين الأول/أكتوبر 2019، شنت تركيا هجوماً عبر الحدود في الشمال، مما دفع القوات الأمريكية إلى الانسحاب من معظم الأراضي في “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” التي يسيطر عليها الأكراد. وبعد ذلك، سيطرت روسيا على مناطق الاتصال بين «قوات سوريا الديمقراطية» وتركيا ومناصريها في «الجيش الوطني السوري» وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في سوتشي في ذلك الشهر نفسه. وحلّت الدوريات الروسية-التركية محل الدوريات الأمريكية-التركية على خطوط التماس هذه لضمان انسحاب «قوات سوريا الديمقراطية» من منطقة الحدود التركية. وعلى الرغم من أنه قد طُلب من قوات الأسد نشر بضع مئات من الجنود على طول تلك الحدود، إلّا أن وجود هذه القوات رمزياً فقط. ومنذ ذلك الحين، انطلقت الدوريات الروسية باتجاه الشرق، في محاولة لإقامة موقع في مدينة المالكية (ديريك باللغة الكردية) والسيطرة على المعبر مع العراق في سيمالكا/فيشخابور، وهو طريق الإمداد البري الوحيد المتاح للقوات الأمريكية في شمال شرق سوريا.
معبر حدودي واحد
لا تزال كافة المعابر الشمالية إلى تركيا مغلقة، كما يمنع الجدار الحدودي أنشطة التهريب. وهذا الأمر يجعل معبر سيمالكا/فيشخابور النافذة الدولية الوحيدة أمام “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”. وعلى الجانب العراقي من الحدود الشرقية لسوريا، كانت الميليشيات الشيعية مسؤولة عن معظم المناطق منذ خريف 2017، عندما فقدت «حكومة إقليم كردستان» سيطرتها على الأراضي المتنازع عليها بين كركوك وسنجار. ولكن الأهم من ذلك، لم تشمل هذه الأراضي المفقودة فيشخابور. وتسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» على الجانب السوري من الحدود بدعم من القوات الأمريكية، لكن الوكلاء الإيرانيين منعوها ومنعوا غيرها من الجهات الفاعلة من استخدام أي معابر أخرى، وذلك جزئياً بمساعدة التعاون الدبلوماسي الروسي.
على سبيل المثال، تم إغلاق معبر اليعربية الحدودي الرسمي أمام المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة منذ أن استخدمت روسيا حق النقض ضد تجديدها في مجلس الأمن الدولي في كانون الأول/ديسمبر 2019. ومن بين التداعيات الأخرى لهذا القرار هو أنه يجب أولاً إرسال جميع مساعدات الأمم المتحدة إلى “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” بالكامل، إلى دمشق قبل أن يتم نقلها إلى الشمال الشرقي من البلاد.
لذلك يُعتبر معبر سيمالكا/فيشخابور أمراً حيوياً للبقاء السياسي والاقتصادي للمنطقة التي تتمتع بالحكم الذاتي، حيث يمثل نقطة الدخول الوحيدة للمنظمات غير الحكومية العديدة التي تعمل فيها وتوفر دعماً أساسياً للسكان المحليين. ومع ذلك، لا تزال الحكومة السورية تَعتبر الدخول عبر هذا المعبر جريمة يُعاقب عليها بالسجن لفترة تصل إلى خمس سنوات، لذلك يجب أن تحرص المنظمات غير الحكومية التي تدخل منطقة “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” من العراق على أن لا تقوم بأي أنشطة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. فأي منظمة غير حكومية تتقدم بطلب للحصول على تفويض من “الهلال الأحمر العربي” السوري من أجل العمل في مناطق النظام، عليها أن تتعهد بعدم تنفيذ أي أنشطة تتضمن العبور إلى “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” من الدول المجاورة. ومن المحتمل أن يكون تعنّت النظام بشأن القضايا الإنسانية هو طريقة الأسد لمحاولة إعادة تأكيد سيطرته على جانب واحد على الأقل من السيادة الحدودية. في غضون ذلك، لا تزال الدوريات الروسية تحاول الوصول إلى سيمالكا واختبار مقاومة «قوات سوريا الديمقراطية»، وقد هددت الميليشيات العراقية مراراً وتكراراً بالاستيلاء على فيشخابور.
مستقبل السيادة المحدودة
فشل نظام الأسد في إعادة بسط سيطرته على سماء سوريا ومياهها الإقليمية، بالإضافة إلى تنازله عن معظم حدوده البرية لروسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة. وتخضع المناطق البحرية للبلاد للمراقبة من قبل قوات من القاعدة الروسية في طرطوس، ويتم التحكم في معظم مجالها الجوي من القاعدة الروسية في حميميم. وتعتمد إيران على الأصول الجوية الروسية للحماية من الضربات الإسرائيلية – وهي ضمانة محدودة في أحسن الأحوال، لأن روسيا لا تحمي عمليات طهران الأكثر استفزازاً مثل نقل الصواريخ إلى «حزب الله» أو تعزيز مواقعه في الجولان. ومن جانبها، تحتفظ الولايات المتحدة بممر جوي بين نهر الخابور والحدود العراقية، حيث تتواجد آخر قواتها البرية.
وعلى الرغم من التصريحات العلنية التي تدلي بها دمشق بين الحين والآخر حول استعادة سيطرتها على كافة الأراضي السورية، إلّا أنها تبدو راضية في الخضوع لهذه اللعبة من القوى الأجنبية وبسط سيادتها المحدودة على عدد أقل من الأراضي على الأمد الطويل. وحتى لو انسحبت القوات الأمريكية بالكامل من الشرق، فستبقى البلاد في أيدي “ثلاثية أستانا”، لذلك ليس أمام الأسد خيار في هذا الشأن.
فابريس بالونش هو أستاذ مشارك في “جامعة ليون 2” وزميل مساعد في معهد واشنطن.
——————————
موسكو تصارح الأسد: احذر!/ إياد الجعفري
يبدو وكأن دبلوماسيي روسيا تعلموا من دروس نظرائهم البريطانيين، حيال كيفية التعامل مع الأنظمة المستبدة الحليفة لدولهم، في مواجهة مخاطر الانهيار لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية. فتصريحات السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، التي أدلى بها لوسائل إعلام روسية، يوم الخميس، هي أشبه بمصارحة مكشوفة لرأس النظام شخصياً. مفادها، أن عليك أن تحذر من التداعيات المحتملة لتدهور الوضع المعيشي غير المسبوق لشعبك، بصورة قد تجعل الأمور تخرج عن السيطرة. وأن عليك، ألا تتأمل كثيراً في تغيّر نوعي بالسياسة الأمريكية حيالك، في عهد بايدن، فالضغوط الأمريكية – الاقتصادية على نظامك، ستستمر. وأن موسكو لن تستطيع تقديم مساعدة اقتصادية نوعية لك.
حديث يفيموف عن وضع اقتصادي واجتماعي هو الأصعب في سوريا، يكتسي أهمية كبيرة، لثلاثة أسباب، الأول يرتبط بشخص المتحدث، فهو دبلوماسي هادئ، اعتاد العمل من وراء الكواليس، ومن دون كثيرٍ من الضجيج، خاصةً الإعلامي منه. والثاني يرتبط بالتوقيت، فالأسد المنشغل بمساعي التمديد له لولاية رئاسية جديدة، لا يريد أي منغصٍ للعملية “الانتخابية” المرتقبة، ومن هذا المنطلق، يبدو أن الهم المعيشي للسوريين هو آخر انشغالاته، أو ربما، آخر ما يريد الإطلاع عليه، فيما تتفاقم حالة الفاقة في أوساط شريحة واسعة من السوريين، بإضطراد. أما السبب الثالث، فيرتبط بطبيعة صلاحيات يفيموف، فالرجل ليس سفير روسيا في دمشق، فقط، بل هو مبعوث رئاسي خاص يمثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة السورية، منذ أيار/مايو 2020. وكانت تسميته بذلك المنصب، حينها، إيذاناً بانتقال مركز ثقل السياسة الروسية في الملف السوري من قاعدة حميميم، إلى السفارة الروسية بدمشق، وتعبيراً عن تحول التركيز الروسي في سوريا، من الشأن العسكري إلى الشأن الاقتصادي تحديداً. وكان ذلك يتعلق بصورة رئيسية بتهيب موسكو من آثار قانون “قيصر” على الاقتصاد السوري المتهشم. فتسمية يفيموف مبعوثاً لبوتين في دمشق، جاءت قبل أسابيع فقط من دخول قانون العقوبات الأمريكي حيز التنفيذ في حزيران/يونيو الفائت. كما أن تسمية يفيموف حينها، تزامنت مع خروج الصراع بين رأس النظام وابن خاله، رامي مخلوف، إلى العلن، بصورة أنذرت باحتمال تصدع البيت الداخلي للنظام.
هذا التصدع الذي تخشاه روسيا، لم يحصل حتى الآن، لكن مبرراته لم تختفِ، بل ربما تفاقمت. وزاد عليها اتجاه واضح في سياسة رأس النظام، لتجاهل التدهور المعيشي للسوريين، فكان طرح ورقة الـ 5 آلاف ليرة سورية، قبل أسابيع، لتمويل العجز في الموازنة، والنتائج التضخمية الكبيرة التي تلت ذلك، وصولاً إلى تسجيل سعر صرف الليرة السورية أدنى مستوى في تاريخه على الإطلاق، بالتزامن مع ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية. في الوقت ذاته، تتزايد الدعوات “الافتراضية” لحراك في الساحل السوري، ببصمات علنية لـ رامي مخلوف، تحت اسم “رابطة مؤيدي راماك التنموية الخيرية”، وهي المؤسسة التي تمثّل الذراع الاجتماعي لـ مخلوف، والتي كانت تقدم مساعدات لفقراء الطائفة العلوية، بصورة خاصة، قبل أن يطالها صراع الأسد – مخلوف. ويتزامن كل ذلك، مع اتساع النفوذ الاقتصادي لـ “أمراء الحرب”، بضوء أخضر من الأسد نفسه، للاستيلاء على كل مصادر الإثراء الممكنة في البلاد. وبهذا الصدد، يبدو لافتاً للانتباه، الدور المتزايد لـ “خضر علي طاهر”، المعروف بـ “أبو علي خضر”، إحدى الواجهات الاستثمارية لـ “الأسد وعقيلته”، والذي يمثّل إحدى تجليات الصراع مع رامي مخلوف، على النفوذ داخل الطائفة العلوية.
في ضوء كل ما سبق، يأتي حديث يفيموف، بوصفه رسالة للأسد شخصياً. فالدبلوماسي الروسي -الذي سبق أن حقق نجاحات مشهودة في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الإمارات وروسيا، خلال سنوات تعيينه سفيراً لبلاده في أبوظبي، بين عامي 2013 و2018، قبل أن ينتقل إلى العاصمة دمشق- فشل حتى الآن في تحقيق غاية روسيا الأساسية في الملف السوري بالوقت الراهن، وهي تجنب المزيد من التدهور الاقتصادي، كنتيجة لسنوات الحرب والعقوبات الغربية.
ويقرّ يفيموف، في حديثه، بصورة لافتة، أن التدهور الاقتصادي في سوريا، ليس نتيجة العقوبات فقط، بل هي “عواقب الحرب”، التي تظهر “أكثر فأكثر، كل عام”. وفي وضع كهذا، يتطلب الأمر من إدارة النظام السوري أن يكون جُلّ اهتمامها منصباً على الشأن الاقتصادي تحديداً، بدلاً من الانشغال بتعزيز حاجز الخوف في أوساط السوريين، عبر اعتقال كل من يتواصل مع وسائل الإعلام الخارجية بالداخل، أو الضغط لتهديم وقف إطلاق النار الهش على تخوم إدلب، أو الإصرار على احتكار كل مصادر الإثراء الممكنة في البلاد، حتى لو كان ذلك يعني الدفع نحو صراع في البيت الداخلي “العلوي”.
إنها الدروس التي تعملتها الدبلوماسية البريطانية جراء فشلها في التنبؤ بانهيار نظام الشاه الحليف لها بإيران، في ثورة العام 1979. وهي دروس كشفت عن تفاصيلها وثائق الخارجية البريطانية، التي نشرت “بي بي سي” تقارير بخصوصها. فمن بين 6 ملامح كان يتصف بها نظام الشاه بإيران، قبيل الثورة، تتجلى 4 منها في نظام الأسد، وهي الاعتماد الرئيس في تأمين نظام الحكم وبقائه، على القادة الكبار في القوات المسلحة. واختيار الوقت غير المناسب لتطبيق برامج التحرر الاقتصادي – نظام الأسد يرفع الدعم بسرعة كبيرة عن أبرز المواد الأساسية -، وتغول أجهزة المخابرات، واستشراء الفساد بصورة هائلة.
ومن أبرز النتائج التي خلصت إليها الدبلوماسية البريطانية من مراجعة أخطائها مع نظام الشاه، ضرورة النقاش الصريح مع النظام الحليف، والاستماع إلى مخاوف المعارضين، وعدم الرهان على استقرار هذه الأنظمة.
هي دروس، يبدو أن الدبلوماسية الروسية استوعبت بعضها. وهكذا أراد يفيموف أن يصارح رئيس نظام مستبد حليف، خشية فقدانه الاستقرار بشكل مفاجئ. ما يعني أنه لا يجب الرهان أبداً، على استقرار نظام الأسد.
المدن
————————–
جرائم الحرب التي يرتكبها الأسد ومعالجة الأمم المتحدة/ محمد كمال اللبواني
تحليل موجز
بعد فشل الأمم المتحدة فيما يتعلق ببشار الأسد، يحتاج السوريون سبيل أقوى يعيد لهم الكرامة والحقوق.
هذا هو العام العاشر الذي يستمر فيه نظام الأسد المجرم المدعوم من ميليشيات إرهابية أجنبية في حربه الظالمة على شعبه الذي طالب بحقوقه الإنسانية الأساسية. فعلى مدى عشر سنوات، يتحمل السوريون المصائب والويلات التي سببتها هذه الحرب الوحشية التي لا هوادة فيها. وبالرغم من الكم الكبير من البراهين على ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعلى نطاق واسع، مع ذلك يبدو أن النظام السوري يتمتع بالحصانة المطلقة في وجه تطبيق العدالة الدولية. بل تصب في الوقت الحاضر جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام في مساعدة النظام السوري على استعادة شرعيته بدلا من معاقبته على جرائم الحرب التي يرتكبها. الحركة المدنية السورية، كمجموعة من عشرات الألوف من النشطاء المدنيين السوريين الذين عانوا من فظائع النظام خلال الحرب القذرة الجارية في سورية، تدعو كل المعنيين بإيجاد السلام لسوريا أن يتذكروا حقيقة ويلات الحرب هذه.
جهود الأمم المتحدة لحل الأزمة السورية الجارية في فيينا تعتمد تشخيصاً خاطئاً للحالة في سورية، فهي تعتبرها صراعا بين طرفين (مؤيد للنظام – ومعادي له)، في الحقيقة الصراع يقع بين نظام مستبد فاسد مجرم بمؤسساته القمعية، وبين شعب مظلوم دفع كماً هائلاً من الضحايا، والمهجرين، والدمار على أوسع نطاق.
وتجسيدا لتلك الفكرة الخاطئة فإن عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة بدلا من تطبيق العدالة بدأت من عملية إعادة كتابة الدستور، تلك الخطوة التي يجب تتم في ظل سلطة انتقالية ومن قبل ممثلين منتخبين بحرية في مناخ من الاستقرار والأمن، لا يمكن صناعة وثائق شرعية تتعلق بالدستور ونظام الحكم والسلطات من قبل مجموعات تمثيل غير شرعية غير منتخبة من الشعب مباشرة، تفتقر للشفافية، وهي عبارة عن عملاء للدول الأجنبية المتدخلة. في هذا الوقت الطويل من مناقشات السلام غير المجدية، قدمت كامل الوقت للنظام ليستعيد السيطرة عسكريا على معظم المناطق في سورية.
أكثر من ذلك، فقد فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تحمل مسؤوليته في تنفيذ قراراته رقم ٢١١٨، ورقم ٢٢٥٤. فقرار مجلس الأمن ٢١١٨ الذي تم تبنيه بعد عامين فقط من اندلاع الحرب أدان نظام الأسد لاستعماله السلاح الكيميائي، وطلب منه تدمير كامل ترسانته قبل منتصف عام ٢٠١٤، لقد فشل نظام الأسد في تنفيذ تعهداته تبعا لتقرير لجنة التقصي التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية المقدم لمجلس الأمن عام ٢٠٢٠، والذي ينبغي أن يؤدي لتطبيق القرار ٢١١٨ بالقوة. إضافة إلى أن قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ الصادر قبل خمس سنوات قد عبر عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة في سورية لتمكين الشعب السوري من حقه في تقرير مصيره ورسم مستقبله، وهو ما يُفتَقد إليه بوضوح في سورية.
نظام الأسد ليس اللاعب الوحيد الذي فشل في الالتزام بقرار الأمم المتحدة رقم 2254، روسيا وإيران وتركيا، والعديد من الدول العربية قد بذلت جهودا منهجية لإحباط مساعي الأمم المتحدة لإيجاد حل متوافق مع إعلان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤، لعبت ايران بشكل مميز دورا حاسما في ضمان بقاء نظام الأسد، وأصبحت شريكة له في ارتكاب الفظائع في سورية. كما نجحت في ترسيخ وجودها في سوريا وأصبحت قوة ثابتة تسيطر على البلاد. السوريون يحتاجون الآن إلى المساعدة في إنهاء الاحتلال الإيراني واستعادة حقهم في تقرير مصيرهم.
كل أولئك اللاعبون تلاعبوا في تمثيل الشعب السوري، وفوضوا عملاءهم لتمثيل المعارضة، وهكذا أصبح نظام الأسد يتحكم في كلا وفدي التفاوض، كما عملت هذه الدول على تعطيل المسار نحو الديمقراطية من خلال القفز إلى موضوع الدستور وتجاهل السلطة التي يتوقعون أن تطبقه. لا ينبغي كتابة الدستور من قبل وفود غير منتخبة، أو بغياب قسم كبير من الشعب، منهم على سبيل المثال المكون الكردي، وذوي الضحايا والمنكوبين.
علاوة على ذلك، كان للمماطلة في كتابة الدستور لمدة سبع سنوات عواقب كثيرة، فقد أمدت نظام الأسد وداعميه بكل الوقت الكافي لتطبيق الحل العسكري في معظم سورية، والمنسقة عبر مسارات أخرى تتجاهل عملية الأمم المتحدة (مؤتمر الحوار الوطني السوري الروسي في سوتشي، ومؤتمر المعارضة في أستانا). دفعت هذه العمليات إلى تقديم تنازلات خطيرة في المناطق، وأخرى تتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من قبل ممثلي وفد المعارضة، الذي أصبح هو نفسه مواليًا للنظام، يساعد في إعادة الشرعية لنظام الأسد.
نقل التفاوض لدمشق سوف يسمح للنظام الحاكم بتجديد نفسه كما يريد، وإحراج المساعي الأممية، وفرض الأمر الواقع على المفاوضات، والنتيجة ستكون استمرار الاحتلال الإيراني وميلشياتها المسؤولة عن مأساة الشعب السوري، وكذلك قتل كل أمل له في حياة حرة على أرض وطنه.
أقر مفتشو الأمم المتحدة مؤخرا بأن النظام قد انتهك قرار الأمم المتحدة 2118 وما زال يطور أسلحة كيماوية بمساعدة خبراء من إيران وحزب الله. واستُخدمت هذه الأسلحة عدة مرات منذ توقيع النظام على التعهد، (في خان شيخون واللطامنة)، كما أثبتت لجنة التحقيق الدولية. وأدان تقرير لجنة التفتيش التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام وبذلك هيأ المبررات للدول للعمل دون العودة إلى مجلس الأمن، الذي يعرقله حق النقض الروسي والصيني. ستستمر الأسلحة الكيماوية تهدد السلام والأمن العالمي طالما أنها بقيت في أيدي المجرمين الذين يتعاونون مع العصابات والمنظمات الإرهابية.
مع تعثر المفاوضات الأخيرة لمجلس الأمن الدولي مرة أخرى من قبل روسيا، من المهم الاعتراف بأن مجلس الأمن لم يعد مكانًا مناسبًا لمعالجة حقائق الحرب، وأن العدالة للسوريين تتطلب قوى عظمى عالمية يمكن أن تتخذ إجراءات عقابية دون العودة إلى مجلس الأمن للدفاع عن السلام العالمي والقانون الدولي. في الوقت الحالي، من المحتمل أن يكون الجمع بين ضغوط المخابرات العسكرية والسرية هو الوسيلة الفعالة الوحيدة لإزاحة المجرمين من السلطة، مع دعم من مجلس عسكري انتقالي يعمل على تشكيل ضغط عسكري على الأرض، فقط إذا كانت الدول على استعداد لمتابعة هذه الخطوات، فسيكون هناك تنفيذ لقرار الأمم المتحدة رقم 2254 وإعادة سوريا إلى الحكم تحت إرادة الشعب.
ومع ذلك، يمكن للدول المعنية أيضًا أن تساعد الشعب السوري على تنظيم نفسه سياسيًا والضغط على الدول العربية وتركيا للتوقف عن السماح لنظام الأسد بتزوير إرادة الشعب السوري… الشعب السوري يبحث عن المساعدة والدعم، خاصة من إدارة بايدن الجديدة، لفرض التنفيذ الفوري لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. بتشكيل مجلس عسكري يوحد الجيوش، ويحرر سوريا من العصابات التي تسيطر على البلاد، ويدعم إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
تشديد الضغوط وحده هو الذي سيجعل من الممكن إزالة الأسد المجرم وتسليم السلطة إلى مجلس عسكري انتقالي يتألف من ضباط وطنيين من كلا الجانبين – لكن استمرار الوضع الراهن ومسار التسوية الحالي سوف يؤدي حتما لإعادة تأهيل مجرم الحرب. بينما الانتقال السياسي الناجح هو الذي يستبعد المجرمين من ساحة القرار السياسي ويعزز المساءلة والعدالة وحقوق الإنسان. أخيرا وعلى الرغم من استمرار نزيف الشعب السوري والمعاناة، إلا أنه لم يفقد الأمل بعد.
——————————–
التنافس الأميركي – الروسي في الشرق الأوسط في زمن بايدن/ د. خطار أبودياب
أبدى جو بايدن حرصه، منذ إعلان فوزه بالرئاسة الأميركية، على طمأنة قادة العالم، خصوصا الحلفاء، بأن الولايات المتحدة عائدة، وسوف تقود العالم مجدّدا بعد الحقبة الترامبية الاستثنائية. لكن طموح الإدارة الجديدة من أجل تقوية القيادة الأميركية العالمية وترميم سمعة الولايات المتحدة، داخليا وخارجيا، يصطدم بوقائع المتغيرات العالمية في السنوات الأخيرة وصعود الصين وروسيا تحديدا.
إزاء ارتسام التجاذب بين واشنطن وموسكو، سيكون الشرق الأوسط أحد المسارح البارزة للبدايات الصعبة بين سيدي البيت الأبيض والكرملين. وإذ نسمع الكثير من الجعجعة أو الضجيج من الجانب الأميركي في ملفات حساسة، يبدو الجانب الروسي مصمما على التمسك بمكاسبه وربما تعزيزها. ولذا سيحتدم الصراع العالمي على ضفاف الخليج العربي وفي بقاع المشرق وفي سنوات بايدن لن تكون المهمة سهلة في سياق اختبار القوة الأميركي – الروسي.
اتسمت العلاقة بين واشنطن وموسكو باستمرار التوتر خلال الولاية الأميركية السابقة، لكن للمفارقة لم تهتز الصِّلة الشخصية بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين. ومن اللافت أن عهد ترامب بدأ في 2016 مع اتهام روسيا بالتدخل في حرب إلكترونية لصالحه، وانتهى أواخر 2020 مع اعتراف واشنطن باختراق سيبراني هائل وأيضا كانت روسيا موقع الشك الأول. ومع وصول الإدارة الديمقراطية الجديدة، بدت موسكو حذرة من توجهاتها ومن العودة إلى نهج مؤسساتي في العلاقات والأولويات الأميركية. لكن للوهلة الأولى، أعطى بايدن إشارة إيجابية بعد أيام على تمركزه في البيت الأبيض مع تسهيل توصل البلدين إلى اتفاق حول تمديد معاهدة نيو ستارت حول الأسلحة الإستراتيجية الهجومية. وحيال التساؤل عن السبب وراء اتصال أجراه بايدن مع بوتين، وكان أول اتصال له مع زعيم عالمي، فسر البعض ذلك دليلا على الاهتمام بالصلة مع موسكو، لكن ضغط عامل الوقت لإنجاز التجديد.
وبرز بعد ذلك التشدد الأميركي إثر تطورات قضية نافالني التي أخذت تلقي بثقلها على مجمل العلاقات الروسية – الغربية. وزادت الأمور تدهورا بعد مداخلات بايدن وردة فعل موسكو. وكان بايدن مباشرا ولهجته حازمة عند تطرقه إلى العلاقة مع موسكو خلال أول خطاب دبلوماسي له منذ توليه الرئاسة، إذ أعلن عن عهد جديد في السياسة الخارجية الأميركية. وقال بايدن حرفيا إنه أبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأن أيام تراجع الولايات المتحدة في مواجهة ما وصفها بأنها أفعال عدائية من جانب روسيا قد ولت. ولم تتأخر ردة فعل الكرملين الذي وصف التصريحات التي أدلى بها بايدن بـ”الخطاب العدواني وغير البناء”، مشيرا إلى أنه لن يتهاون مع أي إنذارات أميركية.
ستنعكس هذه الأجواء على الصفيح الساخن للشرق الأوسط الملتهب خصوصا في الملف الإيراني والنفوذ الروسي في سوريا والملف الليبي والعلاقة مع تركيا ومستقبل الصراع الإسرائيلي – العربي بالإضافة إلى صراعات النفوذ والطاقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر.
لا يتمسك الفريق الجديد للسياسة الخارجية في واشنطن بكل ما أنجزه الثنائي ترامب – كوشنير خصوصا تشريع ضم الجولان والملف الفلسطيني. واللافت أن وزير الخارجية بلينكن يتحدث عن “السلام” بين إسرائيل والفلسطينيين بطريقة مختلفة ظنّت إسرائيل أنها انتهت بعد “صفقة القرن” واتفاقات التطبيع مع دول عربية خليجية وأخرى أفريقية.
التعارض الأهم مع الإرث الترامبي يكمن في الملف الإيراني وكذلك حرب اليمن والموقف من المملكة العربية السعودية، أما حول التطبيع الإسرائيلي مع عدة دول عربية وملفات سوريا والعراق والحرب ضد الإرهاب وليبيا ستكون الاستمرارية هي السمة البالغة. حيال التموضع الأميركي الجديد الملتبس أو المتردد بالنسبة للعديد من الأطراف المعنية، تبدو روسيا بوتين واثقة من خياراتها وقدرتها على التكلم مع الجميع وأن تكون صديقا أو محاورا لكل الأطراف الرئيسية من إيران إلى إسرائيل وتركيا ومصر والمملكة العربية السعودية والجزائر.
المبارزة الأميركية – الروسية تبدو واضحة حول منظومة القيم وأساليب العمل وتناقض المصالح على أكثر من مسرح المبارزة الأميركية – الروسية تبدو واضحة حول منظومة القيم وأساليب العمل وتناقض المصالح
ومما لا شك فيه أن الملفات الخلافية تتزايد عالميا: الحرب الإلكترونية والسيبرانية بين واشنطن وموسكو وأثر العقوبات الأميركية والخلاف حول أوكرانيا وتوسيع حلف شمال الأطلسي وموقف واشنطن ضد خط السيل الشمالي للغاز الروسي نحو ألمانيا، بالإضافة إلى التناغم الصيني – الروسي والملف الكوري الشمالي وأخيرا الموقف من انقلاب ميانمار. إنها حرب باردة جديدة بشكلها تمثل واشنطن طرفا فيها لمواجهة الصين وروسيا سويا أو بشكل منفرد. ويضع كل ذلك على المحك مبادئ بايدن المنتمي إلى ما يُعرف بالمدرسة الليبرالية في السياسة الخارجية، التي تعتبر أن التعاون، وليس الصراع، هو الأصل في العلاقات الدولية وأهمية وجود منظمات دولية تعمل على حماية السلم والأمن الدوليين، وتساعد في مواجهة التحديات العالمية التي لا يمكن لدولة واحدة مواجهتها بنفسها.
عمليا في الشرق الأوسط، لن تكون دروب بايدن معبدة وسهلة، وأنه ربما يكون أخطأ في تحديد أولوياته. وحسب مصدر أميركي “كانت هناك صدمة عندما لم يذكر بايدن في خطابه الأول الذي ألقاه في وزارة الخارجية إسرائيل وإيران، في حين انتقد الحليفة المزمنة لبلاده أي المملكة العربية السعودية ودعا إلى إنهاء حربها على اليمن أو فيه، وأعلن قراره عدم بيعها أسلحة وذخائر تتصل بهذه الحرب، وفي الوقت نفسه تمسّكه بمساعدتها للدفاع عن حدودها”. واستغرب مصدر آخر “سبب التركيز على السعودية رغم أنها بدأت عملية تحديث مهمة جدا اجتماعيا واقتصاديا وعن سبب تجاهل ذكر إيران وانتقادها رغم ممارساتها وانتهاكاتها وسجلها في مجال الحريات على أنواعها”.
والأدهى بالنسبة إلى فريق بايدن أن الحليف الإستراتيجي الأول للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إسرائيل ترى في إيران خطرا مباشرا عليها وتخشى من صفقة جديدة لا تراعي مصالحها وتجعل “الشرق الأوسط بحيرة نووية من دون ضوابط” حسب تعبير خبير أوروبي.
في مقاربة الملف الإيراني تناور موسكو للحفاظ على شراكتها مع طهران دون الوصول إلى تعارض أو صدام مع واشنطن، وهي من خلال توثيق علاقاتها بالدول العربية في الخليج توسع رقعة علاقاتها وتنافس الهيمنة الأميركية التي سادت منذ سبعينات القرن الماضي. وفي الملف السوري، يبقى الاختراق الروسي بحاجة لوفاق مع واشنطن لمنحه إكسير الدوام. وفي الملفين السوري والليبي كما ملف شرق المتوسط ستكون العلاقة الروسية – التركية تحت مجهر إدارة بايدن. وكل ذلك سيزيد من التشابك في ملفات الشرق الأوسط التي يمكن أن تتعقد من دون استئناف الحوار الروسي – الأميركي والمساومة بين الجانبين.
اعتبر بايدن أن “روسيا مصممة على إلحاق الأذى بالولايات المتحدة وديمقراطيتها”، ومن الواضح أن قدرة روسيا على إيذاء الغرب تفوق قدرتها على منافسته (على عكس قدرة الصين). وينطبق ذلك على الشرق الأوسط حيث سيكون التنافس الحقيقي بين الولايات المتحدة والصين.
تبدو المبارزة الأميركية – الروسية واضحة حول منظومة القيم وأساليب العمل وتناقض المصالح على أكثر من مسرح، ويبدو أن إدارة بايدن لا تطبق أسلوب إدارة أوباما في أول عهده حينما سعى لإعادة ترتيب العلاقة مع روسيا، بل تشبه أكثر نهج إدارتي بوش الابن وكلينتون في محاولة منع روسيا من العودة بقوة إلى المسرح الدولي، أما موسكو فلا ترغب إطلاقا بالمساومة وتصر على تطبيع ممكن للعلاقات الثنائية بناء على الاحترام المتبادل وتوازن المصالح في عالم أكثر اضطرابا.
العرب
———————————
سوريا ومؤشرات التفاهم الايراني الامريكي/ حسن فحص
الموقف غير المتساهل الذي اعلنه الرئيس الامريكي جوزيف بايدن من موضع العقوبات الايرانية التي سبق ان فرضها سلفه دونالد ترامب، كبح الاندفاعة المزدوجة في واشنطن وطهران حول امكانية اتخاذ خطوة سريعة على هذا المسار تعيد فتح المجالات امام انطلاق حوار ثنائي حول مختلف القضايا المطروحة على جدول التفاوض.
لا شك ان اوساطا دبلوماسية ايرانية كانت تترقب وترغب بان يكون ملف القرارات التنفيذية لـ”عقوبات ترامب” من بين ملفات القرارات التي وقّع على الغائها مع بداية دخوله الى البيت الابيض، الا ان موقف الادارة الجديدة، وعلى الرغم من اعلانها النية بالعودة الى الاتفاق النووي، الا انها تبدو غير متعجلة لاتخاذ مثل هذه الخطوة في المدى المنظور ولا تتوقف امام الابواب والنوافذ التي يتحدث عنها رئيس الدبلوماسية الايرانية في الايام الاخيرة وهي ستقفل قريبا ما لم تبادر واشنطن برفع العقوبات قبل العودة الى الاتفاق وبدء مرحلة جديدة من التفاوض بينهما.
اوساط سياسية ايرانية قريبة من مصادر القرار، لا تتوقف عند موقف الرئيس الامريكي من العقوبات، وترى انه من المبكر جدا الحديث عن خطوة امريكية في هذا الشأن. الا انها في المقابل تنظر بايجابية لما صدر عن البيت الابيض حول اربع مسائل، الاولى اتفاق السلام في افغانستان والحوار بين طالبان والحكومة في كابول، والثانية هي الازمة اليمنية وسحب الحوثيين عن لائحة الارهاب، والثالثة ما يتعلق بقرار عودة واشنطن لتفعيل دورها في وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين “الانروا”، والرابعة ما يتعلق بالدور الامريكي في حماية آبار النفط السورية. في حين ان مساراً منفصلاً للتفاهم حول العراق بين الطرفين قد بدأ عمليا وتلعب بريطانيا دوراً محورياً عبر سفيرها في بغداد ستيفن هيكي الذي يؤدي دور “الوسيط” بين السفيرين الايراني ايرج مسجدي والامريكي ماثيو تولر في العراق لتقريب وجهات النظر بين البلدين والتأسيس لتفاهمات لا تقتصر على الساحة العراقية. خصوصا وان الحوار حول العراق يقوم على التهدئة وتجاوز الخطوات والاعمال التي قام بها الرئيس السابق دونالد ترامب، والانتقال الى مرحلة يتم فيها التمييز بين الفصائل غير المنضبطة وقوات الحشد، واعتبار العقوبات على رئيس هيئة الحشد فالح الفياض وقائد الاركان ابو فدك المحمداوي قرارات تخص مرحلة ترامب، اي انها قد لا تعني الادارة الجديدة ولا تلزمها باي مفاعيل تترتب عليها، ولا تمنع امكانية الحوار والتواصل مع هذه القيادة من اجل اعادة بناء الدولة العراقية ومؤسساتها.
وفي اطار الاستراتيجية الايرانية للرد على اغتيال قائدة قوة القدس الجنرال قاسم سليماني، تأتي مسألة خروج القوات الامريكية من منطقة غرب آسيا على رأس الاولويات، من افغانستان مرورا بالعراق وصولا الى سوريا، من هنا تتوقف الاوساط الايرانية عند قرار بايدن الانسحاب من حماية آبار النفط السورية ما يحمله من تداعيات ترافق هذا القرار على الوضع السوري وما فيه من تحديات للاطراف الروسية والايرانية والتركية المنخرطة فيه خصوصا في منطقتي الشرق والشمال السوري.
لذلك فان القيادة الايرانية تعاملت مع القرار الامريكي حول سوريا بكثير من “الحذر الايجابي”، والذي يأتي في سياق التفاهمات التي تحاول تكريسها مع الحكومة العراقية وما تبذله من جهود لتفعيل الحوار الافغاني بين الحكومة وطالبان، والذي ينقل المواجهة بينها وبين واشنطن في هذه المنطقة من عسكرية الى دبلوماسية، وبالتالي تصبح عملية اخراج القوات الامريكية من منطقة غرب آسيا التي وضعها المرشد الاعلى للنظام الايراني كاستراتيجية عملية “دبلوماسية” بعيداً عن اي عمل عسكري قد يؤدي الى حرب لا يرغب فيها الطرفين.
وفي هذا السياق يمكن فهم الرسائل التي حملها رئيس البرلمان الايراني محمد باقر قاليباف الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن من المرشد الاعلى والتي وصفت بانها استراتيجية وأكدت على ضرورة التعاون الاستراتيجي بينهما وثبات العلاقة التي تربطهما وعدم تأثرها بأي تطور قد يحصل على مسار الحوار والعلاقة مع الغرب وامريكا. وقد تزامنت هذه الرسالة مع موقف بايدن من سوريا ودور قواته في هذا البلد، وبالتالي فان طهران تسعى لتكريس تفاهم مع موسكو حول تقاسم الادوار على الساحة السورية، وهو الامر الذي بدأت ملامحه بالظهور مع عودة الجانب الروسي للعب دور الوسيط في الحوار بين الحكومة السورية في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” الكردية التي تسيطر على مناطق في الحسكة والرقة وريف دير الزور وريف حلب والقامشلي، تحت سقف عودة هذه المناطق الى سيادة الدولة السورية ورفض مطلب الحكم الذاتي الذي سبق أن أكده وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم وترفضه كل من طهران وتركيا، واندماج القوات الكردية مع القوات النظامية.
وترى طهران ان الحوار الذي ترعاه موسكو بين دمشق وقسد سيشكل نقلة مهمة واساسية في معالجة الوضع الاقتصادي للنظام في مواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها ادارة ترمب في اطار قانون قيصر، اذ سيعيد السيطرة لدمشق على حقول النفط والحصول على عائداته حتى وان كان في اطار تولي قسد عمليات البيع في المرحلة المقبلة والتي سيحدد مدتها التفاوض حول مرحلة الحل السياسي.
ولا تخرج طهران وموسكو من اعتباراتهما وجود لاعبين اخرين على الساحة السورية ، لذلك فهما تسعيان لبناء معادلة تضمن دور وحصة كل من الامريكي والتركي، بما يضمن استعادة النظام لسيادته على كامل الاراضي السورية، وقد لا يتبلور الوصول الى هذه المعطيات قبل الانتهاء من استحقاقين اساسيين للانتخابات الرئاسية في طهران ودمشق، حيث يبدو ان واشنطن تنتظر نتائج انتخابات طهران للانتقال الى المرحلة التالية.
المدن
—————————-
رسالة لبايدن وماكرون تحثهما على «زيادة العقوبات» على دمشق
رداً على مذكرة طالبتهما بتخفيف الإجراءات
لندن: «الشرق الأوسط»
وجهت شخصيات سورية ولبنانية وغربية رسالة إلى الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون تطالب بـ«زيادة العقوبات (في سوريا) وتوسيعها لتشمل كل المجرمين ضد الإنسانية ومجرمي الحرب»، وذلك رداً على رسالة سابقة إليهما طالبت برفع العقوبات.
وبين الموقعين على الرسالة، النائبان السابق اللبناني أحمد فتفت والبريطاني بروكس نيومارك ورئيس منظمة «سوريون مسيحيون من أجل السلام» (أميركا – أوروبا) أيمن عبد النور، والمعارضون السوريون جورج صبرة وميشال كلو ونبراس فاضل وعضو اللجنة الدستورية السورية سميرة مبيض ووزير الخارجية الأردني الأسبق مروان المعشر وسكرتير منظمة «المحافظون الشرق أوسطيون في بريطانيا» وائل العجي.
وجاء في الرسالة: «تم توثيق انتهاكات النظام السوري والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبها من قبل عدد من المنظمات الدولية، إضافة لمنظمة منع استخدام الأسلحة الكيماوية التابعة للأمم المتحدة».
وتابعت أن «النظام مارس حصاراً اقتصادياً على شعبه لإجباره على الخضوع (…) وبناء على هذه الوقائع المُثبتة لا يمكن أن يكون هذا النظام موقع ثقة لإيصال المساعدات إلى السوريين». وزادت: «يتطلب الموقف السليم ليس رفع العقوبات، بل زيادتها وتوسيعها لتشمل كل المجرمين ضد الإنسانية ومجرمي الحرب والسعي نحو إيجاد الوسائل الفاعلة لمساعدة الشعب السوري في إنهاء هذه المعاناة والتصدي للتدهور في أمنه الصحي والاقتصادي، وهذا ما نتقدم به في هذه الرسالة كمسيحيين عرب ومسيحيين سوريين».
وقدمت خمسة مقترحات بينها «السماح للمنظمات الدولية بالدخول إلى سوريا للتنظيم والإشراف الدقيق على عملية تأمين وصول المساعدات لمستحقيها» و«ربط أي مساعدة للنظام بالكشف عن مصير المغيبين قسراً وإطلاق سراح المعتقلين» و«العمل على العودة لدخول المساعدات الإنسانية لسوريا عبر أربعة معابر حدودية بدلاً من اثنين» و«تسريع الحل السياسي في سوريا وفق القرار 2254». جاءت هذه الرسالة رداً على مذكرة أخرى من شخصيات سورية ولبنانية وأجنبية إلى بايدن وماكرون، تحضهما على العمل على رفع العقوبات عن النظام السوري.
وكان بين الموقعين ميشيل عبس، الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط، وجوزيف عبسي، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك في أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية والقدس، ومار إغناتيوس أفريم الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وبنيامين بلانشارد، المدير العام لمنظمة إغاثة المسيحيين الشرقيين في باريس، وفرنسوا بارمنتييه، رئيسة جمعية «أكت آند سيني» الثقافية في فرنسا، وبيير كويبرس، عضو مجلس الشيوخ بالجمهورية الفرنسية، والجنرال فرانسيس ريتشارد بارون دانات من المملكة المتحدة.
كان الرئيس دونالد ترمب وقع في نهاية 2019 «قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس. وبدأ تنفيذه في منتصف العام الماضي، حيث تم فرض عقوبات على نحو مائة شخص وكيان في النظام السوري.
وقال مسؤولون أميركيون إن العقوبات لا تمس الجانب الإنساني أو «كورونا». وأعلن وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، نهاية العام الماضي، عن مساعدات إنسانية بأكثر من 720 مليون دولار لدعم المدنيين المتضررين من الصراع في سوريا.
واستغرب معارضون سوريون تجاهل رسالة الشخصيات السورية واللبنانية والأجنبية انتهاكات النظام السوري ضد المدنيين.
وتزامنت الرسالة مع مطالبة بايدن فريقه بالتحقق من آثار العقوبات على التعاطي مع «كورونا» ودعوات أميركية لنهج أميركي جديد في سوريا.
وفرض الاتحاد الأوروبي، قبل أسابيع، عقوبات على وزير الخارجية الجديد فيصل المقداد، ما رفع عدد الشخصيات والكيانات السورية المدرجة على قائمة العقوبات إلى 358.
الشرق الأوسط»
—————————-
مشروع في الكونغرس..لتشديد العقوبات على منتهكي قانون قيصر
أعلن العضوان في الكونغرس الأميركي جو ويلسون وتيد دويتش إعادة تقديمهما قانون “بسام برابندي” للمكافآت من أجل العدالة، بهدف توسيع نطاق العقوبات على من ينتهك قانون “قيصر”، وتشديد الحصار الاقتصادي على النظام السوري.
وقال دويتش في منشور على “فايسبوك”، إن مشروع القانون سيحفز المخبرين على تقديم معلومات بشأن التهرب من عقوبات الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة من خلال توسيع برنامج “المكافآت من أجل العدالة” في وزارة الخارجية الأميركية.
ويقوم برنامج “مكافآت من أجل العدالة”، الذي أصدرته وزارة الخارجية عام 1984، على تخصيص مكافآت مالية لكل من يدلي بمعلومات عن أشخاص، يهددون سلامة الأميركيين أو ضرب مصالح الولايات المتحدة وسياستها الخارجية واقتصادها.
وأضاف دويتش “أنا ممتن لبسام، الذي ألهم مشروع القانون هذا، ودافع عن توسيع برنامج مكافآت وزارة الخارجية الأميركية من أجل العدالة، وتحفيز الناس في جميع أنحاء العالم على تقديم معلومات عن منتهكي العقوبات لتحسين الإنفاذ”.
وأشار إلى أن بسام، وهو دبلوماسي سوري انشق عن سفارة النظام في واشنطن وعمل مع المعارضة على توثيق انتهاكات النظام السوري، قدّم معلومات حول أنشطة النظام والتهرب من العقوبات إلى الكونغرس والمسؤولين الأميركيين والباحثين في مراكز الفكر.
وسيدفع المشروع الجديد “المخبرين” في سوريا للمضي قدماً في إعلام السلطات الأميركية بمعلومات عن المتهربين من قوانين العقوبات الأميركية والمخالفين لها، حسبما نشرت معرفات وزارة الخارجية الأميركية.
وقال كل من ويلسون و دويتش إن “مشروع قانون مكافآت” رديف لقانون “حماية المدنيين في سوريا” الذي يُعرف اختصاراً باسم “قانون قيصر”، وسيسهم في توسيع برنامج “المكافآت من أجل العدالة” في وزارة الخارجية الأميركية.
————————-
موسكو لا تريد نجدة النظام السوري من ورطته المالية
أنصار الأسد يتوعدون الروس: الزموا حدودكم!
إيلاف من بيروت: يبدو أن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بدأت تتململ من قبضة روسيا الحديدية، فعلت أصوات الاعتراض، بعدما أعلن السفير الروسي في دمشق عجز روسيا عن نجدة بشار الأسد من مأزقه المالي.
فبحسب تقرير نشره موقع “العربية.نت”، أدى إقرار السفير الروسي في دمشق بحقيقة وعمق الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحتها مناطق سلطة النظام إلى موجة جديدة من الانتقادات الحادة للنظام السوري، من داخل شريحة الموالين له، بعضها طال روسيا نفسها، والحليف الثاني للنظام، إيران.
وكان ألكسندر يفيموف، سفير روسيا الاتحادية لدى النظام السوري، قد قال لوكالة “سبوتنيك” الروسية: “سوريا تعيش الآن أصعب وضع اقتصادي واجتماعي منذ بداية الصراع في البلاد”.
وعلّل يفيموف الذي يشغل أيضاً منصب الممثل الخاص للرئيس الروسي بوتين لتطوير العلاقات مع سوريا، سبب ضعف المساعدات المالية للنظام أو الإحجام عنها في الظروف الراهنة بكون روسيا خاضعة أيضاً لتأثير العقوبات، وتعاني هي الأخرى من ركود اقتصادي بسبب كورونا، مطالباً بأخذ هذه الظروف في الاعتبار.
تبجح لا أكثر
علّق لؤي حسين، من تيار “بناء الدولة السورية” المعارض، وهو من الشخصيات المعارضة التي التقتها الخارجية الروسية أكثر من مرة، على هذا التصريح بالقول على حسابه في فيسبوك: “نعم، روسيا، ليست قادرة على إعانة سوريا ماليا أو معيشيا، بشهادة سفيرها، في دمشق”، مؤكدًا أن إيران أيضا ليست في وارد دعم النظام السوري مالياً، “فأوضاعها الاقتصادية لا تسمح لها بدعم النظام إلا بموضوع السلاح والحرب”، منتقداً الأسد الذي لا يتحدث عن قضية ألم السوريين الرازحين تحت أسوأ أزمة اقتصادية، إلا “بقول كلمة أو اثنتين” كون سلطات النظام “لا تنظر إلى السوريين إلا كمواد دعم لسياستها”.
وطالب حسين بقيادة سورية لا تكون مهمتها “التبجّح الإعلامي بخصوص المقاومة والصمود والممانعة، بل خدمة مواطنيها”.
وتقدّم بعض أنصار النظام السوري، إثر الصراحة الروسية المفاجئة عن حقيقة وضعه الاقتصادي وعجز موسكو عن مساعدته ماليا، باقتراح انتخاب برلمان جديد، مهمته الاطلاع على الاتفاقيات التي عقدها الأسد مع الروس والإيرانيين، وإلغاء ما يتعارض فيها مع مصالح اقتصاد النظام، بحسب اقتراح لأحد أعضاء نقابة المحامين في اللاذقية، الجمعة، كرر مطالبته فيه بعرض الاتفاقيات المعقودة مع طهران وموسكو على “مجلس شعب حقيقي جداً”.
إلغاء امتيازات
اللافت في هذا السياق هو دعوة بعض أنصار النظام إلى بناء جسور جديدة مع الولايات المتحدة، يسبقها إلغاء بعض العقود والامتيازات التي منحها النظام السوري لروسيا أو لإيران.
وقال سوريون يعيشون في مناطق سلطة النظام إن روسيا “استولت” على خيرات سوريا، والآن تعلن موسكو عجزها، عن مساندة الأسد مالياً، وقاموا بتذكيرها بما قدمه الأسد مكافأة لها على حمايته من سقوط وشيك، كتقديم “مرفأ طرطوس” وقاعدة “حميميم” وعدد من المناجم، واتفاقيات أخرى كثيرة.
في المقابل، وجدت روسيا عدداً لا بأس به من المدافعين عنها، في ما تتعرض له من انتقادات بعد “تخليها” عن مساعدة الأسد ماليا، فقام ناشطون بالتذكير بأنه لولا الدعم الروسي للأسد “لكان في خبر كان”.
الزم حدودك!
كان السجال الناتج من المصارحة الروسية المباغتة، حول تدهور اقتصاد الأسد، قد فتح الباب، في المقابل، لكشف الفساد المتفشي داخل مؤسسات تابعة لحكومة النظام.
وقال ناشطون موالون للأسد، إن الفساد الضارب في البلاد، هو أحد أهم أسباب الأزمة الاقتصادية، وليس العقوبات وحدها.
واستغرب معلقون من “لا مبالاة” الأسد لما يحل بأنصاره جراء الأزمة الاقتصادية التي تعصف بهم، خاصة بعد إصداره قانوناً، منذ يومين، بإنشاء معهد للفنون السينمائية، أو افتتاح متحف باسم أخيه باسل في اللاذقية، في عزّ عجز مواطنيه عن تأمين مجرد لقمة تسدّ الرمق، وزعم النظام عجزه عن توفير أبسط المتطلبات الحياتية، كالخبز أو وقود التدفئة.
من جهته، اتهم أحمد أديب الأحمد، أستاذ الاقتصاد في جامعة “تشرين” التابعة لحكومة الأسد، ورئيس ما يعرف بالمجمع العلَوي على الانترنت، حلفاء الأسد الروس والإيرانيين بـ”المراوغة” وقال مخاطباً الحليف الروسي، في منشور آخر، الخميس: “الزم حدودك، واعرف مهامك!”.
——————————–
إيران لن تخرج من سوريا..إلا بطلب من النظام
قال كبير مساعدي وزير الخارجية الإيرانية علي أصغر حاجي إن “طهران لم تتسلم أي رسالة لخروج قواتها من سوريا. نحن متواجدون بطلب من الحكومة السورية”، مضيفاً أن وجود القوات الإيرانية سوف يستمر طوال الفترة التي يرغب بها النظام السوري، قائلاً إن سبب وجودها هو “الاستشارات العسكرية”.
وأضاف أصغر حاجي في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، أن “الذين عليهم مغادرة سوريا هم من جاؤوا بصورة غير شرعية واحتلوا أراضيها، هؤلاء هم من عليهم ترك الأراضي السورية”، في إشارة إلى القوات الأميركية.
وتعليقاً على الضربات الإسرائيلية المتكررة لنقاط تابعة لإيران و”حزب الله”، قال أصغر حاجي إن “طبيعة الكيان الصهيوني منذ نشأته طبيعية عدائية وقمعية في المنطقة، وهذا كان سلوكهم ضد الشعب الفلسطيني وضد الدول المجاورة”، مضيفاً أنه “في الوقت الذي تحارب فيه الحكومة السورية الإرهابي، تساعد إسرائيل الإرهابيين”.
وأضاف أن “هدف وجودنا في سوريا هو مكافحة داعش والكيانات الإرهابية، لكن إذا أراد الكيان الصهيوني تجاوز الخطوط الحمراء سيُواجه برد حاسم يندمه على تصرفاته هذه”.
وتتعرض مواقع الميليشيات الإيرانية لغارات إسرائيلية متكررة في العاصمة دمشق ودير الزور وجنوب سوريا، لكنها لم ترد حتى الساعة على أية غارة.
وحول المسار السياسي للأزمة السورية، اعتبر أكبر حاجي إن المسار السياسي السوري لم يفشل، قائلاً إن “بلاده تسعى لأن تتمكن اللجنة الدستورية السورية من إنهاء عملها بنجاح”.
وأضاف أن بناء الثقة بين طرفي اللجنة الدستورية أمر صعب، معتبراً أن مسار مباحثات اللجنة الدستورية “تطور وتقدم”، وقال إن الاجتماع القادم للجنة الدستورية لن يُعقد في القريب العاجل.
وحول زيارته الأخيرة لدمشق، يوم الأربعاء الماضي والتي التقى فيها برئيس النظام السوري بشار الأسد ومسؤولين آخرين، قال أصغر حاجي إنه بحث مع مسوؤلين في النظام السوري ما سيتم مناقشته في الاجتماع القادم الخاص لمسار أستانة في سوتشي.
المدن
————————
سوريا.. أفضل الحلول هو اللاحل/ بهاء العوام
تفشل اللجنة الدستورية السورية في عملها للجولة الخامسة على التوالي. يستجير المبعوث الأممي الخاص جير بيدرسون بمجلس الأمن فيخذله. لا أحد يريد أن يتقدم قيد أنملة في هذه الأزمة الممتدة على عقد بأكمله، والنتيجة التي تعلن عن نفسها اليوم دون تجميل أو تضليل، هي أن أفضل حلول للأزمة بالنسبة إلى الأطراف المعنية هو اللاحل.
“لا يمكن أن يستمر الوضع على هذا النحو” هذا ما قاله بيدرسون أمام مجلس الأمن، ولكن ما هي خياراته لتغيير الواقع الراهن، وهل هناك إرادة دولية لتغييره حقا؟ ثمة شيء واحد قد يحصل، وحدث سابقا، وهو استقالة المبعوث الأممي، وتعيين آخر مكانه. سوى ذلك لا يبدو أن أحدا مهتمّ بوضع الأزمة على سكة الحل بأي شكل كان.
الولايات المتحدة تتمسك فقط بمحاربة داعش في سوريا، لا يعنيها أيّ أمر آخر. حتى حقول النفط التي كانت تحميها لصالح حلفائها الكرد وشركاتها النفطية شرق الفرات، لم تعد ذات أهمية بالنسبة إليها. لا أحد ينكر الخطر القائم للدواعش في الدولة المتداعية، ولكن واشنطن تنكر العلاقة الوثيقة بين هذا الخطر واستمرار الأزمة في البلاد.
إدارة الرئيس جو بايدن “تكره” بشار الأسد ولكنها لا تخطط لرحيله، ولا تخطط أيضا لآلية تجبر حلفاءه على الرحيل أو على دفع عملية الانتقال السياسي في البلاد. هي ذاتها لا تستعجل هذه العملية. تكفيها العقوبات المفروضة على النظام، ولديها ما يشغلها أكثر من الملف السوري سواء في الشرق الأوسط أو حول العالم عموما.
ولأن الأزمة تتأخر على قائمة الأولويات الأميركية في المنطقة، تتمتع الأطراف الدولية والمحلية المعنية برفاهية المماطلة والتهرب في تنفيذ التزاماتها لتطبيق قرار مجلس الأمن 2245، ومع مرور الأشهر والسنوات تتبلور أكثر فأكثر نظرية (الواقع المعلق) كوصفة مثالية لإدارة الحالة السورية الممتدة على عقد كامل حتى اليوم.
المبعوث الخاص إلى سوريا يقول إن نجاح المحادثات السياسية يقتضي بالضرورة تغلب الأطراف المعنية على “انعدام الثقة بينها” و”الإرادة في تقديم التنازلات”. ولكن الحقيقة هو أن ما تحتاجه هذه الأطراف هو الرغبة في إنجاح المحادثات. فمن هنا تبدأ الثقة، ويبدأ تقديم التنازلات، ومن دون ذلك ستبقى مدينة جنيف مقصدا سياحيا للمتحدثين، يمضون إليها كلما استدعت الحاجة إلى التصريحات الإعلامية حول الأزمة السورية.
اللاحل هو ما بات يتمسك به الجميع اليوم. فهو يضمن مصالح كل الأطراف بأفضل شكل ممكن في ظل كل هذا التعقيد الذي يلف المشهد. السوريون كشعب داخل وخارج الدولة هم فقط المتضررون من اللاحل، أما النظام والمعارضة ومن خلفهما الدول المعنية بالأزمة، يبقى هذا الخيار بالنسبة إليها هو الخيار المثالي إلى أجل غير مسمى.
بالنسبة إلى نظام بشار الأسد تبقيه الأزمة المعلقة على قيد الحياة، وتسمح له بإجراء انتخابات وإصدار قوانين ومواصلة سرقة الدولة والتحكم بمقدراتها. أما هيئات المعارضة فهي تجني الأموال وتتمتع بسياحة المؤتمرات، كما أن بعضها يمارس السلطة والقيادة في مناطق نفوذه التي ترعاها وتحميها دولة من الدول الكثيرة المعنية بالأزمة.
بين الأطراف الخارجية، وقد باتت جميعها بمثابة دول احتلال مباشر لسوريا، لا يوجد أيضا من يستعجل حل الأزمة هناك. اللاحل هو الأفضل بالنسبة إليها للحفاظ على مكتسباتها المتراكمة في الدولة المتداعية خلال السنوات العشر الماضية من جهة، ومن أجل تنفيذ استراتيجيات طويلة الأجل لها في المنطقة ككل من جهة ثانية.
الروس يفضلون اللاحل على أي خيار يمكن أن يحجم نفوذهم على سواحل البحر المتوسط. لقد عملوا جاهدين من أجل هذا على مدار ست سنوات، وباتت سوريا بوابتهم لكامل الشرق الأوسط والمنطقة العربية. بالتالي أي حل يقترح استعادة الدولة السورية لسيادتها وخروج القوات الأجنبية منها، لن يكون موضع ترحيب من قبل موسكو.
الإيرانيون أيضا لديهم التحفظ ذاته على الحلول التي تطردهم من سوريا. خلال السنوات العشر الماضية تغلغلوا بقواتهم وميليشياتهم وأموالهم وعصاباتهم هناك لتحويل دمشق إلى ولاية خمينية، تصِل طهران مع بيروت مرورا ببغداد. فيكتمل الهلال الشيعي الذي يقدم نفسه كمحور “مقاومة ضد الصهيونية والإمبريالية الأميركية”.
ليس من المبالغة في شيء القول إن إيران هي الأكثر تضررا من حل الأزمة السورية، ولأنها كذلك تحرص أكثر من غيرها على اللاحل كخيار مفضل للأزمة. لن يكون هناك أفضل من هيمنتها على دولة متداعية مثل سوريا، لتكون حديقة خلفية تمارس فيها نزواتها العدائية، وتوسع تدخلاتها في شؤون الدول العربية المجاورة.
“العثمانيون الجدد” أيضا يريدون حصتهم من الكعكة السورية في الهيمنة والنفوذ والتمدد والمكاسب الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط. خيار اللاحل يضمن لهم أكبر قطعة ممكنة لأنه يتيح لهم تحويل المناطق التي يحتلونها الآن إلى ولايات تركية. وبالتالي أي حل يضمن استقلال سوريا ووحدتها سيذهب بأحلامهم أدراج الرياح.
ولاشك أن تجاور إسرائيل مع نصف دولة تستبيح سماءها وأرضها متى تشاء وكيفما تشاء، هو خيار جيد لتل أبيب. كما أن اللاحل للأزمة السورية يبعث المزيد من الطمأنينة في نفس تل أبيب بوجود القوات الأميركية والروسية للمساندة والحماية عندما تستدعي الحاجة، على الأقل بتوفير الدعم الاستخباراتي وخدمات الأقمار الصناعية.
نصف الدولة عموما لن تطالب بأجزائها المحتلة من قبل أحد، وخاصة عندما يكون على رأس السلطة فيها رئيس مثل بشار الأسد، لا يمانع في وهب البلاد لمن يضمن له فقط البقاء على كرسي الحكم. مثل هذا “الرئيس” يتمسك باللاحل لأزمة بلاده بقدر ما يستطيع إن كان ذلك هو خياره اليتيم ليبقى رئيسا، حتى من دون شعب أو أرض.
في نهاية المطاف مرّ على سوريا خلال السنوات العشر الماضية أربعة مبعوثين أمميين حاولوا حل أزمتها واصطدموا بحقيقة أن الأطراف الدولية والمحلية المعنية لا تستعجل الأمر. وعندما يدعو بيدرسون اليوم مجلس الأمن إلى المزيد من التعاون في إنجاح مهمته، فإنه حتما لا يقصد جميع أعضائه، وإنما يناشد تلك الدول التي تمتلك مفاتيح الحل وتخفيها، لأنها متفقة على أن اللاحل هو الخيار الأفضل للأزمة حتى الآن.
العرب
————————–
الجولان السوري بين واشنطن وتل أبيب/ سمير صالحة
رد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي قال إن دعم الولايات المتحدة لسيطرة إسرائيل على الجولان ليس ثابتاً، بإعلانه أن مرتفعات الجولان ستبقى إسرائيلية.
حكومة دونالد ترامب هي التي اعترضت قبل 3 سنوات على قرار للجمعية العامة بإلغاء سلطة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان. الجمعية العامة تدعو مرة أخرى العام المنصرم تل أبيب للانسحاب من الهضبة وعدم اكتساب الأراضي بالقوة، لكن وزير الخارجية الأسبق بومبيو هو الذي قال لنا بعد زيارته الأخيرة إلى هضبة الجولان إن أميركا عبر قرارها بتبني ما فعلته إسرائيل تكون قد اعترفت بالأمر الواقع وبالامتداد التاريخي للمنطقة. واشنطن الأمس هي التي شجعت نتنياهو على القول إن الجولان سيبقى بيد إسرائيل إلى الأبد، فما الذي يحاول جو بايدن قوله للإسرائيليين غير ذلك؟
منح ترامب تل أبيب اعترافاً أميركياً رسمياً بسيادة إسرائيل على الجولان في عام 2019، في تحول كبير عن سياسة اتبعتها الولايات المتحدة لعشرات السنين. بايدن الرئيس الجديد يعرف أكثر من غيره صعوبة التراجع عن هذا القرار في البيت الأبيض حتى ولو كان يعرف أكثر من غيره انعدام وجود أي دعم دولي لإسرائيل في ملف الجولان ويعرف أن ما جرى لا يؤسس لأية حالة قانونية جديدة طالما أن هناك قرارات أممية واضحة وملزمة وأن عنصر مرور الوقت لا يشرعن ما تقوله تل أبيب.
بايدن لا يبحث عن أزمة مع إسرائيل أو الدخول في مواجهة أميركية إسرائيلية لأنه لو كان يريد ذلك فعلاً لما اختار الكثير من أعوانه من المحسوبين على إسرائيل وسياساتها في المنطقة.
عندما نسمع بلينكن يردد أن الجولان مهم جداً لأمن إسرائيل القومي، وأنه ما دام بشار الأسد في السلطة، وما دامت إيران موجودة في سوريا والميليشيات التي تدعمها قادرة على الاقتراب من الجولان فإن السيطرة على المنطقة هناك في هذا الوضع تظل ذات أهمية حقيقية لأمن إسرائيل. وإذا كان هذا هو منطق إدارة الرئيس الديمقراطي الليبرالي بايدن في السلطة فما هو الفارق بين ما يقوله وما سبق وأعلنه سلفه ترامب بقبول سيادة إسرائيل على أراض محتلة وإعلان ضمها بالقوة؟
تؤكد اللوبيات والمصالح الثنائية والإقليمية المتداخلة أنه لا توتر أميركياً إسرائيلياً محتملاً في الملفات الإقليمية، لكن واشنطن ومن خلال هذا السجال تبحث عن بعض الفرص والأهداف التي تريد الوصول إليها قبل الإعلان عن فتح صفحة جديدة من العلاقات الأميركية الإسرائيلية:
– يروج الإعلام الروسي والإسرائيلي منذ فترة لأنباء تتحدث عن وساطة متعددة الجوانب والأهداف تقودها موسكو بين تل أبيب ودمشق يتقدمها موضوع النفوذ الإيراني في سوريا. الحديث هو عن صفقة روسية إسرائيلية لا تعرف طهران وواشنطن مضمونها لكن بينها تجاهل الكرملين للهجمات الإسرائيلية شبه اليومية ضد مواقع إيرانية في سوريا. إدارة بايدن تسعى لتذكير تل أبيب بأنها لن تسمح لها بمغازلة روسيا في الملف السوري خصوصاً الشق المتعلق منه بإيران دون موافقتها.
– احتمال آخر هو أن بايدن يريد إبلاغ تل أبيب أنهم ساوموا على مصالحهم هم على حساب شراكتهم مع واشنطن عندما تعاونوا مع الروس الذين قبلوا الغارات التي تنفذها المقاتلات الإسرائيلية ضد إيران لكنهم رفضوا استهداف قوات النظام السوري في إطار خطة تبادل خدمات على حساب واشنطن ومصالحها ونفوذها. الهدف هو تنبيه تل أبيب إلى أن هذا الموضوع لا يعني إسرائيل وحدها وأن ما قالته الخارجية الأميركية اليوم حول الهضبة ستقوله غداً أو بعد غد حول القدس.
– قال السفير الروسي في دمشق ألكسندر يفيموف: إن واشنطن لن تبدل من استراتيجيتها في سوريا في عهد الرئيس جو بايدن بالتوازي مع بروز تقارير إعلامية روسية تحدثت عن مواصلة القوات الأميركية تعزيز وجودها في قواعد عسكرية جديدة في شرق البلاد. رد أميركي واضح على التحركات الروسية عبر رفض أية تفاهمات على حسابها حتى ولو كانت إسرائيل هي من يقوم بذلك.
– ثم هناك تساؤل هل من علاقة بين رسائل المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون أمام مجلس الأمن الدولي حول المرحلة الحرجة التي وصل إليها الملف السوري والتعقيدات التي تقف في وجهه وضرورة وجود تدخل وتنسيق دولي جاد من أجل التقدم في الملف وبين المواقف الأميركية الأخيرة لإسرائيل وروسيا على السواء؟ وهل دعوة بيدرسون لتشكيل مجموعة دولية جديدة ترفع مستوى التنسيق بين الدول ذات الشأن في الملف السوري تعني الرفض الأميركي لهذا الحوار الروسي الإسرائيلي الإيراني وضرورة توسيع رقعة المشاركات الإقليمية والغربية؟
– رسالة بايدن أيضاً لها الطابع الإقليمي في التوازنات الأخيرة التي عقدها ترامب مع بعض العواصم العربية والتي هي متصلة بالملف السوري شئنا أم أبينا وهي تذكير الجميع في المنطقة أن ما فعلته الإدارة السابقة لن يلزم الإدارة الجديدة إذا لم يأخذ التوازنات القائمة كلها بعين الاعتبار وفي مقدمتها الإصغاء إلى ما يقوله الجانب الفلسطيني والأردني أيضاً.
– توحي تعقيدات المشهد أن البيت الأبيض لن يزعجه حدوث مفاجأة في الانتخابات الإسرائيلية وحدوث تحول حزبي وسياسي تحدث فيه المفاجأة التي تبعد نتنياهو عن الحكم والدليل أن الأخير ما زال جالساً أمام سماعة الهاتف ينتظر اتصال بايدن الذي لم يفعل ذلك حتى الآن. بايدن يغازل الناخب الإسرائيلي الليبرالي في محاولة لتسجيل اختراق سياسي حقيقي في الذهنية الإسرائيلية. قد لا ينسف التفاهمات التي عقدت بين إسرائيل وبعض العواصم العربية لكنه سيطالب بإعادة الملف الفلسطيني إلى قلب النقاش.
– يعلن الوزير بلينكن التزام إدارة بايدن بالإبقاء على السفارة الأميركية في القدس، بعد أن اعترفت إدارة ترامب بالمدينة عاصمة لإسرائيل. ويقول البيت الأبيض إنهم سيعيدون العلاقات مع الفلسطينيين بعدما قطعها ترامب، وسيستأنفون المساعدات، ويرفضون الإجراءات الأحادية الجانب مثل بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة. بايدن يبحث عن قيادة إسرائيلية جديدة أكثر اعتدالاًٍ وانفتاحاً على الحوار مع الجانب الفلسطيني لكنه يريد أيضاً توجيه رسائل انفتاحية إلى العديد من العواصم العربية باتجاه كسب دعمها لتسوية شاملة للنزاع العربي الإسرائيلي.
احتمال أن تكون “صفقة القرن” شملت تفاهمات سورية إسرائيلية تعلن لاحقاً وبينها موضوع الجولان والتواجد الإيراني في سوريا وهي النقطة التي يعترض بايدن عليها في إطار محاولة بناء سياسة أميركية إقليمية جديدة بدأها من خلال إطلاق هذه التحذيرات لتل أبيب. لم نسمع قيادات النظام في دمشق تتحدث كثيراً عن الرسائل السياسية المتبادلة بين واشنطن وتل أبيب في موضوع الجولان هل هي على علم بكل ما يجري أم أن الأمر لا يعنيها أساساً؟
تلفزيون سوريا
—————————-
مخرج المحتل الروسي لسوريا الأسد… عدنان عبد الرزاق*/ عدنان عبد الرزاق
أذكر بآخر جولة بمحادثات أستانا، 11 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أن المؤتمرين خرجوا خاليّ الوفاض، فلم يتحقق ما أعلنوه قبل الجولة 14 “بحث إطلاق سراح المعتقلين وإجراءات بناء الثقة وتكثيف المساعدات الإنسانية في سوريا وعودة اللاجئين إلى ديارهم” فاضطروا لإصدار بيان عام صالح لأي زمان ومكان، من قبيل” رفض التدخل الأجنبي وضرورة القضاء على التنظيمات الإرهابية بشكل كامل”.
لكن الدول الضامنة أو الراعية، روسيا وإيران وتركيا، ارتأت إطلاق الجولة 15 بعد غد الثلاثاء في مدينة سوتشي الروسية، والجديد هذه المرة، إشراك الدبلوماسي العراقي المعروف، نزار الخير الله، بصفة مراقب على “مناقشات” التطورات الأمنية والسياسية بسوريا، ولربما من جديد، يستدعي مراقبة الشقيق العراقي المخضرم.
لن نأتي على كل ما هو جدلي وخلافي، ابتداء من الجولة الأولى لأستانا، 23 يناير/كانون الثاني 2017، وما طرحته من سقف عال وقتذاك، لتكون مبررة وتصرف النظر أنها وما تلاها في سوتشي، انقلاب على محادثات جنيف، منذ المؤتمر الأول عام 2012 حتى الرابع في شباط/فبراير 2017 وما قيل وقتذاك، من طرح ولأول مرة الانتقال السياسي وتداول السلال الأربع”.
السلة الأولى القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع، مع الأمل في الاتفاق على ذلك خلال ستة أشهر، والسلة الثانية حول القضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، مع الأمل في أن تتحقق في ستة أشهر، والثالثة حول كل ما يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع دستور، وذلك خلال 18 شهرا، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل السوريين خارج بلادهم، والأخيرة المتعلقة بإستراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، وبناء إجراءات للثقة المتوسطة الأمد”.
ولن نقلب بجولتي أستانا بكزاخستان من توسيع المشاركات وحرف هدف المحادثات والحل السياسي ولعبة اللجنة الدستورية التي أكلت الزمن وبددت أمل السلال والقرار الدولي 2254، ولا حتى لنكء قيح تكرار مباحثات أستانة لخمس عشرة مرة، من دون علم أو إرادة السوريين، على كلتا الضفتين.
بل سنسأل عن الخبر الطازج “تشكيل مجلس عسكري” هل سيدرج ضمن مباحثات بعد غد الثلاثاء ليكون واقعاً، بعد التسريبات الروسية ومقال “نيزافيسيمايا غازيتا” وتسريبات المقدم، أحمد قناطري الذي يقال إنه ضمن فريق مرشح رئاسة المجلس، مناف مصطفى طلاس، حول مطالبة 1400 ضابط منشق بتشكيل المجلس.
جميل بالبداية، أن نقرأ ما يشاع على أنه حقيقة، وهو كذلك ربما، بعد التسريبات وكثرة التداول التي يمكن قراءتها على أنها تمهيد و”جس نبض” الشارع السوري، خاصة أن جميع مقدمات التبرير لهذا المجلس، تبدأ بأن طلاس الأكثر قبولاً وأن الشعب فقد الأمل وأن جميع الأفق، عدا هذا المجلس طبعاً، مسدودة بعد الجمود السياسي.
لا نعتقد أن فكرة المجلس العسكري من اختراع روسيا أو وليدة هذه الفترة، وإن تغيّر الكثير، بين مهام وبنية مجلس الأمس ومجلس اليوم، إذ أول ما طرحت هذه الفكرة في عام 2013، كما تضمنت وثيقة إطار تنفيذ بيان جنيف، تشكيل مجلس عسكري، ولكن إلى جانب مجالس أو أجسام أخرى، كالهيئة الانتقالية والمؤتمر الوطني.
وهذا ما يمكن التركيز عليه بالخلاف بين المجلسين، فدعاة اليوم، يطرحون المجلس فقط، وما عداه سيأتي لاحقاً عبر المجلس، كتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات مطلقة، لنكون أمام مخرج جديد، لا يخلف عن متاهة البدء بسلة اللجنة الدستورية وتأجيل ما بعدها من السلال الأربع..وها نحن حتى اليوم نغوص بتفاصيل اللجنة الدستورية من دون أي جدوى أو طرح لما بعدها..
وأما الأمر الملفت الآخر بمجلس اليوم الذي طرحته منصة القاهرة “ولم تنكر” فهو الثلاثية المقدسة بالتشكيل، ثلث ضباط متقاعدون من أيام الأسد الأب، وثلث ضباط على رأس عملهم من زمن الأسد الابن، والثلث الثالث من ضباط المعارضة، ولكن شريطة ألا يكونوا ممن تتورط في الصراع المسلح ولم يكن لديهم دور في تشكيل جماعات مسلحة.
لأن بهذه التشكيلة، ليس تغليباً للنظام وتبرئة الضباط القتلة بنظام الأسدين فحسب، بل وتجريم كل من حارب نظام الأسد وإبعاد الضباط المنشقين عن المجلس.
وثالثة الأثافي والكارثة، وفق ما تسرب، أن هذا المجلس سيرجأ إلى ما بعد انتخابات الرئاسة وترشح بشار الأسد في مارس/آذار المقبل وفوزه بأيار/مايو، ليصدر هو مرسوم تشكيل المجلس.
نهاية القول مسائل أربع.
الأولى أن ثمة طرحين لمتاهة المجلس، الأول منسوب لـ”منصة القاهرة” التي ترى ضرورة إبعاد من حارب من الضباط الأحرار وتغليب حصة الأسد، أيام الوارث والوريث، وأن بشار الأسد من سيصدر مرسوم تشكيل المجلس.
والطرح الآخر، منسوب لطلاس أو فريقه، وفق ما تسرب خاصة عبر الصحيفة الروسية، وهو أن المجلس سيكون بديلاً عن الأسد.
وثمة خلاف كبير، وإن كان اللعب بالألفاظ ومطبات الطرح والضبابية، تسكن كلا الطرحين.
أما المسألة الثانية فهي واشنطن وإدارة جوزيف بادين الحالية، بمعنى، هل واشنطن بالصورة أو تبارك أو تدعم، فإن كانت الإجابة بالنفي، فالمشروع برمته طروحات إعلامية لا هدف لها، سوى مزيد من تشرذم المعارضة وشراء الزمن ريثما تمرر كارثة الانتخابات الرئاسية وإعادة إنتاج النظام القاتل.
وتكمن المسألة الثالثة بالتضليل أن المجلس العسكري، هو خيار السوريين الذين تعبو من المعاناة وانسداد الأفق لأي حل سوري، وبذلك مصادرة جديدة للسوريين وإنابة بالقوة عن حقوقهم ودم أبنائهم وحلمهم بدولة ديمقراطية، هذا إن لم نسأل عن الحكم العسكري وإن غير المباشر الذي يمكن أن يلي هكذا مجالس.
والنقطة الأخيرة بأمر المجلس، هي روسيا ذاتها، فعدا فخ خروج جميع القوى الأجنبية عدا الروسية، يتوثب إلى الشفاه سؤال، هل فعلاً موسكو تسعى للحل بسوريا وهل يمكن أن تتخلى عن بشار الأسد، بواقع ما يقال عن عودة ارتماء الوريث بالحضن الإيراني بعد ملامح التخلي الروسية..
يقول المنطق وحتى التاريخ إن من الحماقة التعويل على محتل، هو من منع إسقاط الديكتاتور الابن عبر تدخله العسكري منذ عام 2015، فقتل وهجر أضعاف ما فعل الأسد، لكن الواقع يدلل على أن روسيا هي سيدة القرار بسوريا، وربما يتعزز دور وصلاحية موسكو بعد وصول الديمقراطيين للحكم بالولايات المتحدة، ليبقى الفيصل والجدية من دوامة المجلس المستجدة بأمرين.
الزمن، أي تأسيس المجلس قبل تمرير صفقة التوريث لولاية رابعة وبالصلاحيات التي تلغي الأسد ليكون المجلس بداية للحلحة وتوقف للدم والآلام والإقلاع نحو تأسيس دولة لجميع السوريين.
زمان الوصل
———————
عندما يسجن النظام السوري إعلامييه/ عمار ديوب
لا سلطة رابعة للإعلام في سورية. كان الاعتقال والموت من مصير الإعلاميين المعارضين بعد 2011، والآن انضم إلى المصير ذاته إعلاميو السلطة. حديث اعتقالات بعض إعلاميي السلطة صار شائعاً في سورية. هي ليست المرة الأولى، ولكنها تأتي، هذه المرة، متوافقة مع بداية الحملة الأمنية للانتخابات الرئاسة؛ إذاً فلتجف الأقلام عن النقد، ولتتجه بأكملها نحو المعركة المصيرية: الانتخابات. رسالة لقاء الرئيس السوري، بشار الأسد، أخيرا، مع إعلاميي السلطة في هذا الاتجاه؛ فمن فهم القصد أهلا به، ومن لم يفهم فله السجن؛ الخيارات واضحة إذاً.
تأتي حالة إخراس الإعلام بعد حديثٍ ما زال يتناقله ويعيشه السوريون، إنه حديث الأمل الكاذب بتغيير الأوضاع بعد القضاء على الإرهابيين والمؤامرة، فإذا بالبلد أصبح محتلاً من الروس والإيرانيين والأتراك والأميركان، وإسرائيل تصول وتجول في سمائه. تُكذّب أحاديث السلطة طوابير الخبز والوقود وانقطاع الكهرباء، وهذه الحاجات الضرورية ما أن تجد السلطة لها حلاً حتى تطلّ كسيفٍ مسلطٍ عليها من جديد. الأنكى أن الناس صاروا على وعيٍّ بَيّنٍ بأنها لن تنتهي في وقت قريب؛ انتقادات الإعلاميين تأتي من جرّاء عجز النظام عن تلبية تلك الاحتياجات، وعن فقرٍ أصبحوا يعيشون في رحابه الواسعة، ومن دون أيِّ أفقٍ بتغييرٍ قريب لأوضاعهم.
الإعلاميون أكثر السوريين معرفة بعلاقة النظام بإيران وروسيا، وبمصالحهما في سورية، وبواقع اللحظة الراهنة لتلك العلاقة. لأنهم كذلك، فهم يعرفون أن هاتين الدولتين أوقفتا جلَّ المساعدات، وهما غارقتان في أزماتٍ، لا يُعرف أوّلها من آخرها، وليس في جعبة الرئيس الأميركي، بايدن، الاتفاق النووي القديم، والذي، وكما يبدو، صار مشروطاً باتفاقيات تتعلق بالوجود الإقليمي لإيران وبالصواريخ البالستية، وشطب كل التطورات التي راكمتها إيران في الصناعة النووية منذ انسحب الرئيس السابق، ترامب، من الاتفاق، وفي هذا يتفق الأوروبيون مع بايدن كذلك. وبالتالي، لا يَلحظ الإعلاميون العارفون بمقتضى الأحوال تغيّراً، لطالما عمّمته أجهزة الأمن، وأن بايدن سيقلب ظهر المجن لترامب، وسيتم إيقاف قانون قيصر، وستعود المياه إلى مجاريها كما قبل 2011. سردية النظام هذه مَلّها موالوه، وفوق ذلك أُفقروا أشدَّ الإفقار، وبالتالي صار النقد يتفجر تلقائياً. ولإيقافه يأتي الاعتقال والملاحقة والمتابعة الأمنية، وهذا يطاول ليس الإعلاميين فقط، وربما أكثرية الموالين، حيث أصبحوا هم الخطر حالياً.
انتهج النظام تكميم الأفواه والقمع والقتل، وبشكلٍ ممنهج، منذ 2011، وهذا خياره الوحيد حالياً، سيما أنه يريد تمرير مسألة الانتخابات ومن دون أي “منغّصات” ذات معنى. التهاون مع النقد سيؤدّي، مع انهيار الخدمات والأوضاع المعيشية، إلى مظاهر احتجاجية، وهذا ما قد يضطره إلى مزيدٍ من القمع، وسيكون نتائج ذلك وبالاً أكبر. يريد النظام، في اعتقاله الإعلاميين، إغلاق طريق الاحتجاجات ما أمكنه، وهو بكل الأحوال سيرة حياته، أي الاعتقال.
في الأيام الأخيرة، لاحظنا تطويق النظام مشكلة كبيرة في مدينة السويداء، حيث قارب الوضع من الانفجار، وهناك تسريباتٌ تؤكد اتصال الرئيس بشار الأسد بالشيخ بهجت الهجري لتطويق إشكال استخفاف ضابط أمن كبير به. تزامنت المشكلة الأخيرة مع كتابات مندّدة بالانتخابات، ويبدو أن طيّ مشكلة الضابط ستسهل لأجهزة السلطة تطويق قضية تلك الكتابات، ودفع المدينة إلى تجدّد العهد للرئيس.
كذلك انفجر الوضع في الحسكة، ويتخوّف النظام من رفض قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إجراء تلك الانتخابات في مناطق سيطرتها، حيث سيعني ذلك الرفض أن السلطة السورية لم يعد لها من وجود هناك، وأن “قسد” و”مسد” و”الإدارة الذاتية” ليست حبراً على ورق. النظام وروسيا يحاولان تطويق الإشكال هناك، وبما يبقي النظام في تلك المدينة، ويعزّز الوجود الروسي كذلك.
الأمر عينه في مدينة درعا، حيث تؤكد التحقيقات الصحافية والأخبار أن الأوضاع غير هادئة، ومناطق عديدة في المدينة قابلة للانفجار. وبالتالي، كيف سيُجري انتخاباته تلك والمدينة غير مستقرة، وأغلبية أهلها رافضة تلك الانتخابات. مشكلة النظام أن خياراته لا تتعدّى القمع، بينما احتياجات الناس تبدأ بالخبز، ولا تنتهي بتوفير الأمن، وذلك كله ليس ضمن أولوياته، وحتى لو شاء ذلك فليس في مقدوره توفيرها، سيما أن إيران وروسيا غارقتان في مشكلاتٍ داخلية مستعصية.
لا يمكن للنظام أن يَنعم بديمومة صمت الشعب، بعد أن انهارت الخدمات، وتراجعت قيمة العملة، وكذلك بعد أن شعر الناس أن الفصائل المعادية له لن تتمكّن من تغييره أو تهديد المدن الواقعة تحت سيطرته. أيضاً، لم تعد أسطورة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تفيد في حشد الجمهور خلف القيادة؛ وحرب النظام وروسيا وإيران أخيرا ضد “داعش” هي رسائل إلى أميركا وأوروبا بأن بديل النظام هو “داعش”، وبالتالي عليكم شرعنته، والموافقة على الانتخابات المقررة المقبلة.
يجد النظام الذي باشر حملته الانتخابية نفسه محرجاً، فهناك هيئة تحرير الشام و”قسد” والمناطق التي تحت سيطرة تركيا، وهناك المشكلات التي لا يجد لها حلاً في الحسكة والسويداء ودرعا، ويضاف إلى ذلك علوّ الصوت الموالي، والرافض للنظام والاستخفاف بمسألة الانتخابات، ولسان حالهم يقول: كيف تتم هذه الانتخابات، والنظام ليس قادرا على تأمين الخبز أو الوقود أو الكهرباء وسواه كثير.
لا يُحسد النظام عما هو فيه، فهو سبب مأساة سورية منذ 2011 ومن قبل، ولكنه أضاف إلى أعدائه كتلاً مجتمعية جديدة، وذُكرت أعلاه بعضها، وهناك كتل أخرى ما زالت تداري، وتهمس همساً بمشكلاتها، وهذه تتجاوز الأغلبية الصامتة، لتشمل كذلك فئاتٍ واسعة من الجيش وأجهزة الأمن. ويشكل انهيار قيمة العملة مشكلة كبيرة للفئات أعلاه، حيث جنون الأسعار أكبر من أن تستوعبه الأجور، وبالتالي الاحتجاجات قادمة.
إذاً القضية الراهنة الآن في سورية لا تختصر في أصواتٍ إعلامية ناقدة، ويتم اعتقال بعضها. القضية تكمن في مزيد من الانهيار الاجتماعي ورداءة الوضع الاقتصادي وغياب أفقٍ للحل السياسي، وشعور الأغلبية بأن النظام يتجاهل أحوالها، ويُجري انتخاباتٍ رئاسية لا تُسمِن بعد جوعٍ كبير، ولن تتغير حياتها التي تزداد بؤساً على بؤسٍ وكل يوم.
العربي الجديد
———————————–
========================
تحديث 15 شباط 2021
————————-
في شرعية انتخابات الأسد/ سميرة المسالمة
يتكرّر مشهد التحضير للانتخابات الرئاسية الجديدة، للمرة الثانية على التوالي بعد بدء الثورة السورية، وظروف الحرب التي أعلنها النظام السوري على معارضيه منذ عام 2011. وعلى الرغم من تدهور واقع الحال لسوريين كثيرين، من مؤيدي الأسد ومن معارضيه، إلا أن النظام عقد العزم على متابعة سلوكه في التغاضي عمّا آلت إليه ظروف البلاد بعد الحرب التدميرية التي خاضها لاجتثاث الثورة ومطالبها وحاملها الشعبي، ومنعكسات هذه الحرب على قدرات النظام الداخلية والخارجية، وظروف احتلال البلاد من جيوش الحلفاء له روسيا وإيران، أو لمعارضيه تركيا والولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن جيش إسرائيل الذي يستقر في الجولان، أجمل بقاع سورية وأغناها بيئة وشعباً.
وحيث يستعد الأسد لانتخابات جديدة مضمونة النتائج منتصف العام الجاري، تبحث روسيا، في ملفاتها، عن مرشّح يلعب دور “الكومبارس” من بين من تقدّمهم للسوريين تحت صفة معارضين، ليس بهدف سحب البساط من تحت “المعارض الموعود”، بل لقطع الطريق على محاولات شخصيات معارضة تسعى إلى أخذ مبادرة الانتخابات في مناطق خارج سيطرة النظام، والشروع في تنظيم انتخابات متساوقة مع الأسد، ليس بهدف إنصاف السوريين، ولكن لتصبح ورقة قوة في يد تركيا لاحقاً خلال المفاوضات المقبلة لمجموعة أستانة، لتقاسم حصص ما بعد حقبة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في سورية. ففيما تتعامل روسيا مع اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف على أنها مجرد ذرّ الرماد في عيون المجتمع الدولي، فإنها لا تخفي مسعاها الحقيقي، وهو لإعادة الاعتبار لمسار أستانة، لأنها من خلاله تستطيع عقد مزيد من التفاهمات، لرسم حدود جديدة بين جيوش الحلفاء أنفسهم في أستانة، وفي الوقت نفسه، الخصوم في مواقع السيطرة على الأرض.
في كل مرة، تقدم روسيا لزوارها من “المعارضين” شرحاً مفصلاً عن موقفها من دون مواربة، فهي تؤكد لهم أن الانتخابات الرئاسية ستجري وفق بروتوكولات سورية السابقة كما حدث في عام 2014، وأن هذا لا يعوق متابعة جلسات اللجنة الدستورية في جنيف، ذات الصلاحية المفتوحة زمنياً، كذلك تمنح المعارضة وعداً أنه في حال توصلهم إلى دستور جديد موافق عليه من أطراف اللجنة الدستورية (الأمر المستبعد تماماً)، فإنها ستكون مع انتخابات رئاسية جديدة “مبكرة”، وهو ما طرحته مع وفود منصتي القاهرة وموسكو وغيرهما.
لم يكن النجاح في تعطيل وفد النظام أعمال اللجنة الدستورية في جولتها الخامسة، هذه المرة أيضاً، جديداً على مبعوث الأمم المتحدة، غير بيدرسون، وهو إذ شعر بخيبة الأمل متأخراً، فذلك يعبّر عن مدى سطحية مباحثاته خلال زياراته لدول محور أستانة ودمشق والقاهرة، التي سبقت الجولة، ولم يمنح أي إجابة تفيد بأن اللجنة ذاهبة إلى صياغة الدستور، بالشراكة مع وفدي المعارضة والمجتمع المدني، فحيث لا تحسب دمشق وفدها أنه يمثل حكومتها، فهي لا تتعامل مع اللجنة على أنها ذات بعد قانوني، يمكنها من تعديل أي مادة دستورية، وستكتفي اليوم ومستقبلاً باعتبار الجلسات لنقاش شفهي، لا قوة تنفيذية لصياغته وتسميته دستوراً.
اعتمد النظام في الجولات السابقة على قوة تأثير حليفته روسيا في تبرير خداع الأمم المتحدة، وتعطيل أعمال اجتماعاتها، لكنه هذه المرة يعتمد على فراغ موقع الولايات المتحدة، وانشغال إدارته في ترتيب أولوياتها، ومقاربتها الملف السوري، في تبعيته المباشرة للملف النووي الإيراني الذي لا يزال قيد البحث والتداول، وهو الموضوع ذاته الذي أعطى فرصة لوفد المعارضة لكي يبتعد عن لغته “التهادنية” التي وصلت، في جولات سابقة، إلى حد التملق لوفد النظام، وإعلان رئيس الوفد، للمرة الأولى، أنه “لا داعي لوجودهم في اللجنة الدستورية ضمن الأجواء غير المبشرة داخل الاجتماعات”، وهو ما يمكن تفسيره أنه أيضاً قراءة واقعية للموقف الأميركي الجديد الذي لا يستعجل الانخراط في المسألة السورية، قبل البتّ بقضيته الأساسية، إيران.
لن تطول غيبة اجتماعات اللجنة الدستورية كثيراً، لكنها ستتلازم مع الحملة الانتخابية لبشار الأسد دولياً، وسيقدم خلالها النظام، وفق الرؤية الروسية، بعضاً من متطلبات تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، ومنها إطلاق سراح بعض المعتقلين، وفتح الأبواب لعودة اللاجئين، والسماح بدخول المساعدات إلى بعض المناطق ذات الاهتمام الدولي، وتعديلات في قانون الإدارة المحلية لتوسيع الصلاحيات المناطقية، وقد تبدأ عودة بعض الأسماء المعروفة إلى سورية لممارسة دور معارضة داخلية تحت عنوان الإصلاح السياسي، ما يعني أن هدف الحملة الانتخابية المجتمع الدولي لإعادة صياغة علاقته بالأسد، لا صياغة علاقة الأسد بالسوريين، من مؤيدين أو معارضين.
مرّت انتخابات الرئاسة السورية، في 3 يونيو/ حزيران عام 2014، بكل سلاسة، على الرغم من التصريحات الدولية، حيث وصفها مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأنها “غير شرعية”. وانتقدها الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون، بأنها محاولات إجراء انتخابات في ظل ظروف الحرب الأهلية، وهي حسب تصريحه “تتناقض مع نص بيان جنيف وروحه”. إلا أن بشار الأسد، مدعوماً من روسيا وإيران، مضى في “انتخاباته” من غير منافس يذكر (بغضّ النظر عن التمثيلية الباهتة للمرشح الثاني حسان النوري).
وأعلن الأسد فوزه بأصوات السوريين بنسبة تزيد على 88%، على الرغم من الحرب وتشريد الناس ومئات آلاف من الضحايا، ولم تأخذ أي جهة دولية موقفاً رسمياً من تلك النتائج، وبقي تمثيله في الأمم المتحدة معترفاً به حتى اللحظة. وما حدث سيتكرر عام 2021، على الرغم من التصريحات الدولية، أو بيانات الشخصيات المعارضة، فما لم توقفه خمسة جيوش تحتل بلده وقراره، لن توقف مسيرته معارضة مشتتة في مشاريعها وأهدافها، وحتى في أسباب ثورتها.
نجح الأسد في الحفاظ على كرسيه، وتمرير عشر سنوات بعد الثورة، وفشلت المعارضة في صناعة موقف موحد واحد من مشروع سورية المستقبل، وقبلت بتجميع مشاريع متناقضة مع بعضها في وفد تفاوضي واحد، تحت مسمى وفد المعارضة، في مقابل مشروع واحد “متماسك” للنظام، حدّده منذ اليوم الأول للثورة، الأسد أو نحرق البلد. وفعلياً بقي الأسد، لكنه أيضاً أحرق البلد وأهلها، ولم تتأخر قيادات المعارضة في اقتباس تجربته في حكم البلد إلى الأبد، على الرغم من صيحات إسقاطها كما صيحات إسقاطه.
———————————
من سيرث بشار: العسكر؟/ ساطع نور الدين
هو من مؤشرات الأمل ان ينفتح نقاش داخلي سوري، معارض، حول المستقبل وما إذا كان يفترض ان يشهد مرحلة إنتقالية عسكرية، أو ما إذا كان يجب أن يلتزم بالإنتقال السياسي التدريجي المنصوص عليه في القرارات الدولية. العيب الوحيد في هذا النقاش هو أنه مجرد صدى لحملة إنتخابات الرئاسة السورية، المقررة بعد أربعة أشهر، والتي تديرها موسكو وتمولها طهران، وتغيب عنها واشنطن، وستؤدي في النهاية الى تمديد ولاية الرئيس بشار الاسد لسبع سنوات أخرى.
تداول الافكار والاراء مفيد بلا شك، حتى ولو كان يبدو أنه ينطلق من فرضية لم يثبتها أحد، هي أن موسكو ضاقت ذرعاً بالنظام السوري، وتعبت من محاولة الحفاظ عليه، وباتت جاهزة لتغييره. كما يستند الى نظرية مفادها أن واشنطن التي لا تزال تنزع الشرعية عن ذلك النظام وتجرده من الأهلية، راغبة فعلا في المضي قدماً في ذلك التغيير. وهو يعتمد على فكرة خيالية مفادها أن طهران يمكن أن تمتنع عن مقاومة هذا التغيير وتعطيله، لتسلم في النهاية بأنها مطالبة بالخروج من سوريا، أو بالبقاء كشريك صغير.
صحيح أن التدخل الروسي في سوريا بلغ ذروته التي لا يمكن أن يتخطاها، لكنه لم ينته من عملية جني المكاسب والمغانم المتاحة، في ظل القيود التي وضعتها تركيا على توسع روسيا في الشمال السوري، وفي ظل الضوابط التي فرضتها إسرائيل على حركتها بإتجاه الحدود السورية الجنوبية، وفي ظل الموانع التي أقامتها إيران على الحدود الشرقية السورية، التي تتيح للايرانيين إدعاء نفوذ يوازي أو ربما يفوق النفوذ الروسي في دمشق.
التعبير عن الأمنيات والرغبات السورية المعارضة دليل صحة وعافية، لأنه في المقام الأول ينقض المسار السياسي العقيم الذي فرضته موسكو طوال السنوات الأربع الماضية، والذي باتت هي نفسها تنكر جدواه. لكن البحث عن بدائل، كان ولا يزال يحتاج الى مخيلة سياسية واسعة، من جانب المعارضين السوريين على إختلافهم، والى كفاءة عالية في مساعي الاستفادة من المواجهات الحادة التي تدور بين الدول والجيوش الاربعة التي تقاتل وتتقاتل على الاراضي السورية.
التوجه الى موسكو بفكرة المجلس العسكري، القديمة والمطروحة منذ العام 2013، دليل على سؤ تقدير وقلة معرفة بما يجري في سوريا وحولها. ليس فقط لأن الروس يرفضون أي بحث في بدائل بشار، قبل قبض الثمن المجزي سلفاً، بل لأن الدور الروسي يتضاءل بالفعل هذه الايام، ويكاد يتحول ربما الى شاهد على صراع يدور بين الاميركيين والايرانيين، قد لا تكون سوريا من عناوينه الرئيسية، لكنها بالتأكيد عنوان مهم جدا.
كما أن المجلس العسكري المنشود، لا يُطرح كفكرة، ولا يُطلب من الروس او سواهم أن يساهموا بتشكيله، بل يفترض ان تسبقه إتصالات وتفاهمات سياسية، بين كبار الضباط المرشحين لعضويته، تتوج بالاعلان عن تشكيلته الكاملة، وعن برنامج عمله الواضح، وعن الجدول الزمني المحدد لقيامه بإدارة المرحلة الانتقالية السورية، لفترة سبع سنوات أو أقل، تجرى خلالها إنتخابات نيابية ورئاسية حرة ونزيهة وخاضعة للاشراف الدولي..حتى لا تسقط الفكرة بسرعة، بوصفها تنافساً مثيراً للهزء بين الشقيقين مناف وفراس طلاس، على وراثة بشار، يشبه التنافس المثير للسخرية بين سعد وبهاء الحريري على وراثة والدهما الشهيد رفيق الحريري.
لسؤ الحظ، لا مستقبل للحل السياسي في سوريا من دون المرور بهذا الخيار العسكري، الذي فكر به الروس والاميركيون يوماً، لكن وضع جانباً، عندما إنقطعت الاتصالات بينهما، وسلمت أميركا بالحجة الروسية في سوريا، وباتت تتحدث مع الروس حول جميع عناوين الصراع والخلاف في العالم، عدا سوريا، وقعت موسكو في فخ العجز عن إستثمار دورها ونفوذها السوري في أي مفاوضات مع الاميركيين.. وتولى الاتراك والاسرائيليون والايرانيون مهمة تحجيم ذلك الدور وحصره في مناطق الساحل السوري.
الحل السوري ليس على جدول اعمال الادارة الاميركية الجديدة، ولا من أولوياتها. يمكن ان يكون هامشاً أو ملحقاً من ملاحق التفاوض والتفاهم مع ايران، وليس روسيا، على الرغم مما طرح مؤخرا من افكار أميركية حول تخفيف العقوبات على بشار مقابل الاصلاحات، هدفها الوحيد هو استعادة مقعد أميركا الفارغ منذ سنوات حول طاولة البحث في مستقبل سوريا.
مع ذلك فإن فكرة المرحلة الانتقالية العسكرية في سوريا، جديرة بالمتابعة، علّها تسد فراغاً سياسياً شديداً، لا يبدو أن هيئات المعارضة المستسلمة للقدر الروسي، قادرة على الخروج منه.. وتحفز ربما على إثارة الجدل حول سبل الخروج من المأزق السوري، بغير الأدوات والآليات السياسية الحالية التي لا تعد إلا بتمديد المأساة لسبع سنوات أخرى.
المدن
———————————
مظاهرة «الحريقة»: جلال ذاك الرزء/ صبحي حديدي
حين قال أحمد شوقي: «تكاد لروعة الأحداث فيها/ تُخال من الخرافة وهي صدقُ» كان قد بلغه طرف محدود النطاق من الأرزاء التي حاقت بدمشق جراء القصف الفرنسي البري والجوي لأحيائها التي استضافت رجال سلطان باشا الأطرش وحسن الخراط والبقية من أفراد الثورة السورية الكبرى. وكان «أخو حرب به صلف وحُمق» هو الجنرال الذي أشفق شوقي على فرنسا من أفعاله «إذا ما جاءه طلاب حقّ» مستدركاً مع ذلك أنّ «دم الثوار تعرفه فرنسا/ وتعلم أنه نور وحقّ».
الجزء من دمشق الواقع بجوار سوق الحميدية وسوق مدحت باشا، بين جادة الدرويشية وسوق الخياطين، كان يُعرف باسم محلة «سيدي عامود» ثمّ توجّب أن تتغير تسميته إلى «الحريقة» بعد أن أحرقته قذائف الانتداب الفرنسي يوم 18 تشرين الأوّل (أكتوبر) 1925. صحيفة «لومانيتيه» الناطقة باسم الحزب الشيوعي الفرنسي، تبنت الرواية السورية فتحدثت عن 1416 قتيلاً، بينهم 336 امرأة وطفلاً؛ وأمّا المصادر الرسمية الفرنسية فقد أحصت 150 «ضحية مدنية» فقط.
بعد 86 سنة، يوم 17 شباط (فبراير) 2011، سوف تنتفض «الحريقة» إياها مجدداً؛ ليس في وجه الانتداب الفرنسي هذه المرّة، بل ضدّ نظام الفساد والاستبداد الذي يحكم سوريا منذ انقلاب «الحركة التصحيحية» سنة 1970 وتولاه حافظ الأسد حتى وفاته سنة 2000 وتابعه وريثه ونجله بشار من بعده. ومع اقتراب الذكرى العاشرة لتلك التظاهرة الفريدة يعود إلى خاطر الكثير من السوريين تفصيلان حاسمان اكتنفا وقائع ذلك اليوم: العبارة الاستثنائية، الطافحة بالدلالات، التي رددتها حناجر العشرات: «الشعب السوري ما بينذلّ»؛ والعبارة، التي لا تقلّ استثناء ودلالة، التي أطلقها وزير داخلية النظام آنذاك، اللواء سعيد سمور، ساعة إطلالته من باب سيارته: «عيب يا شباب! هاي اسمها مظاهرة»!
تعبير سمور (الذي لن يطول به الزمان حتى يلتحق بأمثاله في سلّة مهملات التاريخ، على رفوف «الحركة التصحيحية» المخصصة لمتعفّني الصلاحيات المنتهية) كان مهذباً بعض الشيء، والحقّ يُقال؛ إذْ أنّ المظاهرة في عرف آل الأسد لم تكن مجرّد «عيب» بل كانت تتراوح في أيّ موقع بين الجريمة الكبرى والإثم الأقصى والعصيان الصريح والتمرّد الذي يستوجب ما هو أشدّ عاقبة من مجرّد التفريق أو الاقتياد إلى غياهب السجون. و»التكتيك» الذي اهتدى إليه الوزير الحائر في محاولة استيعاب هذا «العيب» وذاك كان خياراً سينال عليه توبيخاً لاذعاً من غالبية ضباط الأمن، الحمائم منهم أسوة بالصقور في الواقع، اقتصر على اصطحاب المواطن المعتدى عليه في سيارة الوزير المصفحة ذاتها، وإطلاق سراحه أمام المتظاهرين، والوعد بمعاقبة المعتدين عليه من عناصر الشرطة.
الأجهزة الأمنية الساخرة من اللواء سمور (ابن بلدة جبلة الهاوي، الذي لم يبلغ كعباً من آل أسد أو مخلوف أو دوبا أو خولي أو حيدر أو شوكت…) سارعت إلى تطبيق واحد من الحلول الكلاسيكة القياسية التي ابتدعتها «الحركة التصحيحية» في صناعة الغوغاء وتفعيل الدهماء. وهكذا، خلال دقائق معدودات، جرى تطويق مظاهرة «الحريقة» وسيارة الوزير، بعشرات من عناصر الأمن الذين سوف يحتكرون لاحقاَ لقب «الشبيحة» واشتعلت حناجرهم بالهتاف الأزلي الخالد: «بالروح! بالدم! نفديك يا بشار! وهنا أيضاً، لم تكن خيارات الاسد الابن قد بلغت سوية العنف المفتوح وارتكاب المجازر وجرائم الحرب، فلم تصدر الأوامر بتفريق متظاهري «الحريقة» عن طريق الرصاص الحي، وبدا أنّ حشرجة الهتاف التشبيحي كافية لتطويق الواقعة.
بيد أنّ تظاهرة «الحريقة» كانت لتوّها قد قرعت عند النظام جرس إنذار نوعي الرسائل، إذْ كيف حدث أنّ واقعة مثل هذه (يصنّفها النظام عادة في باب التفاهة، لأنها لم تتجاوز احتجاج المواطن عماد نسب على شرطي سير كان قد وصفه بـ»«لحمار» ويحدث كلّ يوم ما هو أفظع منها عشرات المرّات، بين أجهزة السلطة والمواطن)؛ حرّكت قرابة 1000 مواطن وأخرجتهم إلى الشارع في قلب العاصمة؟ ولسوف يتلقف ضباط الأمن الرسالة بالطبع، سريعاً هنا أيضاً، فلا يتردد العميد عاطف نجيب، ابن خالة الأسد، في تكسير أصابع تلاميذ درعا الذين خطوا على الجدران عبارة «إجاك الدور يا دكتور»؛ وسيخبر آباءهم أن ينسوا أولادهم هؤلاء، وأن يعودوا إلى نسائهم ليصنعوا غيرهم، وإلا فإنّ عناصره سوف ينوبون عنهم في الصناعة!
كذلك أدرك رعاة النظام، المخابرات الإيرانية والروسية على وجه الخصوص، أنّ المغزى يذهب أعمق وأبعد؛ إذْ أنّ 41 سنة من حكم الاستبداد والفساد والمزرعة العائلية والطائفية كفيلة بمنح ما شهدته شوارع تونس ومصر وليبيا واليمن سلسلة أبعاد مماثلة، بعضها أشدّ مضاضة وتحريضاً وباعثاً على الحراك، في الشارع الشعبي السوري. تلك، كرامة «الحريقة» وأطفال درعا وعقود القهر والقمع والطغيان، كانت أولى الشرارات التي أشعلت لهيب الانتفاضة السورية؛ وليس، البتة، شعائر أمثال زهران علوش وحسان عبود وحسن صوفان وأحمد الشيخ. وثمة جذوة منها، تفضي إلى الحرية والخبز بعد الكرامة، ليس مقدراً لها أن تخبو أياً كانت الرياح التي تهب لإطفائها، وأياً كانت هوية القوى الخارجية التي تعهدت أو تتعهد بإطلاق الأنواء لإخمادها.
و على نقيض ما يمكن أن توحي به المظاهر الراهنة، ليست «الحريقة» اليوم إلا استعادة لصورها في عهود مضت: غزاة وطغاة من كلّ حدب وصوب، مرّت صفحاتهم وانطوت، وبقي هذا الشعب «ما بينذلّ».
القدس العربي
——————————–
“الحرب الأكثر توثيقاً في التاريخ”.. كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في كشف جرائم نظام الأسد؟
تجرى حالياً عملية واسعة النطاق للتوثيق، إضافة إلى تحليل جرائم الحرب في سوريا بواسطة الذكاء الاصطناعي قد تفضي إلى نتائج غير مسبوقة بشأن أسماء القادة المسؤولين عن هذه الجرائم.
فوفقاً لمعظم الروايات، كان الصراع السوري هو الحرب الأكثر توثيقاً في التاريخ، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
لكن الكمَّ الهائل من الأدلة- ملايين الصور والفيديوهات ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وصور الأقمار الصناعية- لا يُترجَم بسهولة إلى مساءلةٍ عن الجرائم المُرتَكَبة أثناء الحرب.
لذا بينما تُعِد الأمم المتحدة والسلطات الأوروبية وجماعات حقوق الإنسان قضايا جرائم الحرب، فقد تحوَّلوا إلى أداةٍ جديدة؛ ألا وهي استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل جرائم الحرب في سوريا.
تجدر الإشارة إلى أن محكمة ألمانية وجهت، في أبريل/نيسان 2020، اتهامات بالتعذيب والاعتداء الجنسي إلى شخصين يشتبه في أنهما من أفراد أجهزة أمن رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهي أول محاكمة في جرائم حرب ارتكبها ضباط سوريون، وفق ما أكده محامون ألمان.
والمتهمان هما أنور.ر، وهو ضابط سابق في المخابرات السورية، طلب اللجوء إلى ألمانيا قبل ست سنوات بعد أن غادر سوريا؛ وإياد. أ، الذي يُعتقد أنه كان رئيس وحدة التحقيقات بالإدارة 251 المسؤولة عن دمشق، ووصل إلى ألمانيا في أبريل/نيسان 2018.
نعم، نظام الأسد انتصر، ولكن المحاكمات ما زالت ممكنة
مع انتصار نظام الرئيس السوري بشَّار الأسد إلى حدٍّ كبير في الصراع الذي يمتدُّ إلى ما يقرب من عقدٍ من الزمان، تكتسب الجهود المبذولة لتحقيق قدرٍ من المساءلة سرعةً إلى حدٍّ كبير في المحاكم الأوروبية.
منذ اندلاع الصراع السوري، خاطَرَ النشطاء على الأرض بحياتهم من أجل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، من التعذيب والهجمات على المتظاهرين إلى الضربات الصاروخية العشوائية والبراميل المتفجِّرة.
الآن، يمكن أن يضطلع الذكاء الاصطناعي والتعلُّم الآلي بدورٍ أساسيٍّ في تقديم مجرمي الحرب إلى العدالة في سوريا من خلال المساعدة في فرز مجموعةٍ ضخمةٍ من الأدلة، والعمل كنموذجٍ للتحقيقات في صراعات العصر الحديث الأخرى.
تقول كاثرين مارشي أوهيل، التي ترأس هيئة الأمم المتحدة المُكلَّفة بجمع المعلومات حول الصراع السوري وإعداد القضايا: “يمكن استخدام التكنولوجيا لنشر المعلومات والتقاطها، والآن للبحث عنها بشكلٍ مختلفٍ تماماً وتغيير طريقة عملك في عملية تحليل جرائم الحرب في سوريا”.
ما أهمية تحليل جرائم الحرب في سوريا؟
تهدف التقنية إلى تحليل جرائم الحرب في سوريا عبر المساعدة في معالجة البيانات وتنظيمها وتحليلها وتقليل الوقت الذي يقضيه المحقِّقون البشريون في غربلة فيديوهات صور مؤلمة يبلغ حجمها تيرابايتات كثيرة.
وتساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تجميع الفيديوهات لنفس الحادث والتخلُّص من النسخ المُكرَّرة أو الصور ذات الصلة. وتعمل الخوارزميات أيضاً على التعرُّف على الأشياء، وإيجاد جميع البيانات ذات الصلة بسلاحٍ معين للمساعدة في بناء قضية.
في العام 2017 أراد هادي الخطيب، مؤسِّس الأرشيف السوري، وهي جماعة حقوقية مستقلة تعمل على أرشفة الأدلة منذ بداية النزاع، تجميع قاعدة بيانات قابلة للبحث عن جميع هجمات الذخائر العنقودية.
تحليل جرائم الحرب في سوريا
يأمل الخطيب أن تساعد قاعدة البيانات في بناء قضية أن النظام السوري وداعمه العسكري الأكبر، روسيا، استخدما أسلحةً محظورةً دولياً أثناء الصراع وذلك عبر تحليل جرائم الحرب في سوريا.
لكن كان من المستحيل على فريق الخطيب الصغير فرز أكثر من 1.5 مليون مقطع فيديو للعثور على تلك الفيديوهات المتعلِّقة باستخدام القنابل العنقودية.
في بعض الحالات توجد تقنية فرز الأدلة بالفعل، لكنها مُكلِّفة للغاية بالنسبة لجماعة حقوقية. وفي كثيرٍ من الأحيان، لا توجد تقنيةٌ لتمكين الآلات من التعرُّف على صورة أو صوت الذخائر العنقودية أو غيرها من أسلحة الحرب، وتحتاج هذه الآلات أن تُبنَى في المقام الأول.
مهندس ألماني يصمم طريقة لاكتشاف القنابل الذكية
لذلك لجأ الخطيب إلى آدم هارفي، مهندس البرمجيات المقيم في برلين والذي يقود مشروع VFRAME، وهو مشروعٌ مفتوح المصدر يركِّز على استخدام التعلُّم الآلي لتعزيز العمل في مجال حقوق الإنسان، لبناء كاشف ذكاء اصطناعي قادر على مثل هذا البحث.
توقَّع هارفي مهمة تشفير على قدم المساواة مع إنشاء خوارزميات للبحث عن الصور في غوغل بهدف تحليل جرائم الحرب في سوريا باستخدام الذكاء الاصطناعي.
لكن سرعان ما أدرك أنه يفتقد عنصراً حاسماً لتدريب الذكاء الاصطناعي، وهذا العنصر يتمثَّل في إدخال مجموعةٌ كافية من الصور والفيديوهات للقنابل العنقودية.
وقال هارفي: “عند البحث عن هذه العناصر المُحدَّدة في تحقيقات حقوق الإنسان، ليس لديك الكثير منها مثل صور القطط على الإنترنت”.
لذلك أمضى هارفي أكثر من عام في إنشاء بيانات تركيبية بما في ذلك صور ثنائية الأبعاد تهدف إلى تكرار البيئات الظاهرة في سوريا، واستخدام نماذج ثلاثية الأبعاد لإعادة إنشاء مقاطع فيديو ما بعد الانفجار في مواقع مختلفة في جميع أنحاء ألمانيا.
بعد تدريب البرنامج على البيانات، يختبر الباحثون دقة الخوارزمية من خلال تشغيلها على مجموعةٍ معروفةٍ من الصور، ثم يقومون بتعديل وإعادة تدريب مجموعة البيانات بغرض تحسينها.
ويأمل الخطيب وهارفي أن تكتمل قاعدة البيانات وتكون جاهزة لبدء بناء قضية بحلول منتصف العام الجاري.
وعلى صعيدٍ آخر يشارك مشروع مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي للعمل الإنساني، الذي تبلغ تكلفته 40 مليون دولار، ومؤسَّسة Benetech غير الربحية في وادي السيليكون، في البحث عن أدلةٍ استخدام الذخائر العنقودية.
كجزءٍ من هذا الجهد، أكمل مشروع مايكروسوفت رمز نظام تحديد الأسلحة، العام الماضي، وهو رمزٌ يبحث ويكتشف مقاطع الفيديو المتعلِّقة بالذخائر العنقودية- بالإضافة إلى نيران المدافع والانفجارات العامة وصواريخ TOW الأمريكية المضادة للدبابات وصفارات الإنذار- استناداً إلى صوتها. ولدى القنابل العنقودية صوت طقطقة مميَّز عند انفجارها.
العدالة تحتاج إلى الذكاء الاصطناعي
اعتقد نشطاء حقوق الإنسان سابقاً أن المجتمع الدولي- الذي كان له وصولٌ محدودٌ إلى البلاد- حين يُظهِر ما كان يحدث، فمن شأن ذلك أن يؤدِّي إلى تدخُّلٍ ضد بشَّار الأسد. لكن هذا لم يحدث.
والآن، مع تحوُّل الاهتمام الدولي نحو المساءلة، ثبت أن هذا الكم من الوثائق غير مسبوق في حجمه وتنوُّعه في سجلات محاكمات جرائم الحرب، وفقاً للآلية الدولية المحايدة والمستقلة التابعة للأمم المتحدة. لكن الكم الهائل لا يُترجَم بسهولة إلى تحقيقٍ للعدالة.
قال كيث هياث، الذي يُشرِف على إدارة نظم المعلومات في الآلية الدولية: “مقاطع الفيديو لا تتحدَّث عن نفسها، فبغض النظر عن مدى دقة الفيديو، لن يفوز الفيديو أو يخسر قضايا في جرائم حرب”. وأضاف: “لا يمكن أن تُظهِر مقاطع الفيديو مدى انتشار الهجمات المُمَنهَجة”.
وقال إنه بدون استخدام التكنولوجيا في عملية تحليل جرائم الحرب في سوريا “لن هتكون هناك طريقةٌ للقيام بذلك”.
يمكن معرفة القيادات التي أصدرت الأوامر
وتستخدم الآلية الدولية برنامج التعلُّم الآلي لمسح مئات الآلاف من المستندات باللغة العربية- ومعظمها صور ذات جودة منخفضة- لاستخراج الأنماط ذات الصلة بجرائم الحرب، مثل الطوابع الرسمية أو الأوراق المُرفَقة بإمضاءات… إلخ.
عند بناء القضايا، يحتاج المُحقِّقون ليس فقط إلى إثبات الأدلة على ارتكاب جرائم حرب، والتي غالباً ما توجد في فيديوهات وصور، بل أيضاً لإثبات التسلسل القيادي الذي أدَّى إلى هذه الجرائم، وهو ما يوجد غالباً في الوثائق المُهرَّبة خارج سوريا.
قال هياث: “إنها الطريقة الوحيدة التي ستتاح فيها للأمم المتحدة فرصة لفهم صراع معقد مثل ما يجري في سوريا”. وأضاف: “الأمر أكبر من أن تفعله بالطريقة القديمة”، ويُشبِّهه أعضاء الآلية الدولية بالبحث عن إبرة في كومةٍ من القش.
بالمقارنة مع الكم الهائل من الأدلة الإلكترونية من الصراع السوري، كان لدى المحكمة الدولية للحرب في يوغوسلافيا السابقة حوالي 9 ملايين وثيقة- وكان ذلك كافياً ليلائم التخزين في قرص صلب حديث.
ويضم فريق الآلية الدولية الذي يعمل في القضية السورية “ضباط اكتشاف إلكتروني”، بالإضافة إلى محامين ومحقِّقين ومحلِّلين. وبعض هؤلاء، مثل القاضية الفرنسية السابقة مارشي أوهيل، عملوا في المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
عربي بوست
————————————-
ترامب أراد قتل الأسد.. مسؤولة سابقة في إدارته: صور شاهدها الرئيس السابق كانت سبباً بقراره
كشفت كاثلين ماكفرلاند، المستشارة السابقة في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أن الأخير أراد اغتيال رئيس النظام في سوريا، بشار الأسد، قبل أن يقوم مسؤولون بإقناع ترامب بالعدول عن مخططه.
هجوم السارين في سوريا
جاءت تصريحات ماكفرلاند، التي تولت منصب نائبة مستشار الأمن القومي سابقاً، خلال حديثها في مسلسل وثائقي جديد بعنوان “ترامب في مواجهة العالم”، الذي تنتجه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
أشارت ماكفرلاند إلى أنه لم تمر أسابيع على وصول ترامب للحكم في 2017 حتى أصر على اغتيال الأسد، عقب مشاهدة صور لهجوم بغاز السارين على المدنيين.
كان نظام الأسد قد شنَّ هجوماً بغاز السارين على مدينة خان شيخون في محافظة إدلب الواقعة شمال غرب سوريا، في إبريل/نيسان من العام 2017، ما أثار موجة استنكار عالمية، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 83 شخصاً، وفقاً للأمم المتحدة، ورداً على ذلك قصفت أمريكا أهدافاً عسكرية لنظام الأسد.
تحدثت ماكفرلاند- وهي مسؤولة سابقة في وزارة الدفاع- عما قالته حينها لترامب، وقالت: “قلت له: سيدي الرئيس، لا يمكنك فعل ذلك. وتساءل: لماذا؟ فأجبته: لأنَّ هذا بمثابة إعلان حرب”.
أضافت ماكفرلاند: “حدَّق ترامب بي عاقداً يديه بجدية بأسلوبه المعتاد. أعرف أن ما أراده هو معاقبة الأسد بطريقة ما، وألا يسمح له بالإفلات بفعلته”.
بعد أشهر قليلة من هذه المحادثة مع ترامب، أُقِيلَت ماكفرلاند من منصبها بسبب مخاوف من انحيازها الحزبي، حسبما أفادت صحيفة The New York Times.
كان ترامب قد تحدث في سبتمبر/أيلول 2020 لقناة Fox News الأمريكية، عن أنه ناقش اغتيال الأسد، كرد على الهجوم على المدنيين في خان شيخون، لافتاً إلى أن وزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس عارض الخطة.
كذلك كان الصحافي في “واشنطن بوست” بوب وودوارد، قد ذكر في كتابه “الخوف: ترامب في البيت الأبيض”، أن ترامب قال إن “على القوات الأمريكية أن تدخل وتقتل الأسد”.
قرارات ترامب الخارجية
يكشف مسلسل BBC الوثائقي، الذي يُعرَض الأسبوع القادم، تفاصيل جديدة من داخل إدارة ترامب عن قرارات السياسة الخارجية للرئيس السابق.
وبحسب صحيفة The Independent البريطانية، يلقي مسؤولون سابقون الضوء على عملية صنع القرار في الإدارة في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
في هذا السياق أفيد بأنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أقنع الرئيس ترامب بتهميش الفلسطينيين والتركيز على توحيد الدول العربية المتعاطفة ضد عدو مشترك في إيران.
كذلك قال رون ديرمر، السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، لشبكة BBC: “بذل رئيس الوزراء قصارى جهده لإقناع الرئيس ترامب بأنَّ هناك إمكانية حقيقية لتحقيق طفرة استراتيجية مع الدول العربية”.
على الجانب الآخر، يقول القادة الفلسطينيون إنَّ التصدع في العلاقات مع إدارة ترامب له سبب آخر؛ هو: القدس المحتلة.
حسام زملط، رئيس بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة، قال لـ BBC، إنَّ إدارة ترامب نكثت وعدها بعدم نقل سفارتها من تل أبيب إلى منطقة القدس المحتلة، وهو ما اعتبره البعض تأييداً رسمياً لمزاعم إسرائيل بشأن المدينة.
يُذكر أن إدارة ترامب ساعدت في تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والسودان والمغرب والبحرين وإسرائيل، وهو ما قوبل برفض فلسطيني واسع.
——————————-
الجولة 15 في مسار “أستانة السوري”.. ثلاثة ملفات على الطاولة/ ضياء عودة
في الوقت الذي تغلق فيه أبواب الحل السياسي في سوريا، وتنعدم فيه الخيارات، تطل “الدول الضامنة” لمسار “أستانة السوري” بجولة جديدة في مدينة سوتشي الروسية تحمل رقم “15”.
وعلى الرغم من انعدام أي آمال من هذا المسار، نظرا لحصيلة جولاته الـ14، إلا أن التوقعات تشير إلى أن التحرك الحالي من شأنه إنعاش “اللجنة الدستورية السورية”، والتي فشلت على مدار خمس جولات مضت من تحقيق أي نتائج على صعيد كتابة دستور جديد للبلاد.
جولات
طوال أربع سنوات، عقدت 14 جولة من “أستانة”، تنوعت فيها شخصيات المعارضة، مع ثبات هيكل وفد النظام السوري، والدول الضامنة الثلاث (روسيا، إيران، تركيا)، والتي تولت خوض المحادثات بشكل أساسي من خلال الاتفاق على البنود في كل بيان ختامي يصدر في نهاية الجولة، بعيدا عن الأطراف المحلية التي التزمت بتنفيذ ما أملي فقط.
وعلى خلاف ما مضى ينظر إلى الجولة 15 بعين الأهمية من قبل الدول الثلاث التي ترعاها، وليس من قبل السوريين، كونها جولة “حاسمة” تأتي في وقت حساس، يتبع إعلان فشل اللجنة الدستورية السورية من قبل المبعوث الأممي، غير بيدرسون، كما أنها تستبق الانتخابات الرئاسية التي يحضر لها نظام الأسد، والمقرر تنظيمها في أبريل المقبل.
ثلاثة ملفات على الطاولة
حسب ما قال أحد المشاركين من وفد المعارضة في “أستانة 15” التي تنطلق، الثلاثاء، في سوتشي، فمن المقرر أن يناقش المشاركون ثلاثة ملفات، على رأسها اجتماعات اللجنة الدستورية، إلى جانب ملف محافظة إدلب وضرورة تثبيت الخارطة العسكرية الحالية، وملف المعتقلين في سجون نظام الأسد.
ويضيف المصدر في تصريحات لموقع “الحرة” أن “الملف الأبرز الذي نتوقع تحقيق نتائج ملموسة فيه هو ملف إدلب، وذلك من خلال تثبيت حدود السيطرة كما هو حالها اليوم. فيما يخص ملف اللجنة الدستورية فهو مرتبط بما ستكون عليه الرؤية الروسية”.
ورغم إدراج مسار “أستانة”، منذ الجولة الأولى له في عام 2017 ضمن إطار التفاهمات السياسية الخاصة بالملف السوري، إلا أن “الضامنون” له أصبغوه بـ”النفس العسكري”، فالبنود التي يتم الاتفاق عليها عقب ختام كل جولة ترسم شكل الخريطة العسكرية لسوريا على الأرض، وخاصة خارطة إدلب، والتي كان لهذه المحادثات دورا كبيرا في تغييرها، في السنوات الماضية.
ومن المقرر أن يرأس الجانب الروسي في محادثات الثلاثاء مبعوث الرئيس لشؤون التسوية السورية، ألكسندر لافرنتييف، والمبعوث الخاص لوزارة الخارجية إلى الشرق الأوسط، ألكسندر كينشاك.
ومن الجانب التركي سيكون حاضرا مسؤول ملف سوريا في وزارة الخارجية التركية، سلجوق أونال، ومن إيران كبير مستشاري وزير الخارجية، علي أصغر حاجي.
أما عن الوفدين السوريين، سيكون أحمد طعمة على رأس وفد المعارضة السورية، وفي المقابل سيكون معاون وزير خارجية النظام السوري، أيمن سوسان على رأس وفد الأخير.
مسار فرض نفسه وليس خيار
في تصريحات لموقع “الحرة” وصف أيمن العاسمي، المتحدث باسم وفد المعارضة إلى “أستانة”، بأن هذا المسار هو عسكري “بحت” كونه يجمع القوى العسكرية الفاعلة على الأرض، ويقول: “هو مسار فرض نفسه وليس خيار. سمي بالمسار لطول جولاته الـ15”.
ويضيف العاسمي الذي وصل إلى سوتشي الروسية الاثنين “نحاول في هذه الجولة دفع اللجنة الدستورية السورية بعد تعطيلها، والعمل على استمرار وقف إطلاق النار في محافظة إدلب”.
وعن أسباب إصرار المعارضة السورية على حضور جولات “أستانة”، رغم انعدام النتائج المرجوة منها، يوضح “بالنهاية هو مسار يجب المحافظة على وجوده، مع انعدام المسارات الأخرى. كفصائل عسكرية لدينا مصلحة فيه في تثبيت وضع محافظة إدلب، وخاصة وجود النقاط التركية لمنع أي عمل عسكري من جانب النظام وروسيا”.
ويتابع المعارض السوري “أستانة متعلق بإدلب، وصحيح أن هناك خروقات من جانب النظام وروسيا وإيران، إلا أننا حافظنا على الجزء الأكبر من الخريطة. غير راضين على جميع نتائج المسار لكن هذا لا يعني أننا لم نحقق شيء”.
وكانت تركيا وإيران وروسيا الدول الضامنة لأستانة قد أصدرت بيانا مشتركا، في يناير الماضي على هامش الاجتماع الخامس للجنة الدستورية السورية أعلنت فيه الاتفاق على عقد “اللقاء الدولي الخامس عشر، في مدينة سوتشي”.
وأكد البيان الثلاثي في ذلك الوقت على “الالتزام القوي بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها”، مشددا على “ضرورة احترام هذه المبادئ من قبل جميع الأطراف”.
وكانت أعمال الجولة الـ14 من محادثات “أستانة” بشأن سورية قد انتهت في ديسمبر 2019 بالاتفاق بين “الدول الضامنة” على بنود عريضة، أبرزها “الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية”.
مسار يقوده الراعون
في سياق ما سبق يرى الكاتب والمعارض السوري، حسن النيفي أن التمسك بمسار “أستانة” لا يرتبط بالسوريين المشاركين فيه فحسب، بقدر الإرادات الدولية التي يتبعون لها.
ويقول الكاتب السوري في تصريحات لموقع “الحرة” “مسار أستانة هو مسار تركي- روسي- إيراني، والمشاركون فيه من الفصائل العسكرية المعارضة وشخصيات سياسية أخرى يتحركون بعيدا عن المصلحة الوطنية، بل بما تمليه الدول المحركة لهم”.
ويستبعد أن تخرج الجولة 15 من “أستانة” بنتائج تذكر، وهو الأمر الذي يمكن التماسه بمستوى التمثيل لكل من “الدول الضامنة”، موضحا: “مستوى التمثيل ليس من وزراء الخارجية بل أدنى من ذلك”.
وهناك سبب آخر أيضا يدلل على عدم التوصل لأي نتائج، وحسب النيفي “ليس هناك أجندة محددة للنقاش سوى كلام عام، والتركيز على المزيد من التنسيق ومناقشة الشؤون الإنسانية”.
ويضيف “فيما يخص اللجنة الدستورية فلا توجد أي دلالة على الانفراجة، بل على العكس فإن الطريق مسدود، ولا توجد أي نية لاختراقه، وخاصة من جانب الروس”.
زخم مغاير
على الطرف الآخر من طاولة المحادثات هناك وفد النظام السوري، والذي يبدو أنه مرتاحا لمسار “أستانة”، كونه صب في صالحه على الأرض من جهة، في السنوات الأربع الماضية، وفي مضمار السياسة من جهة أخرى.
وكما هو الحال قبل أيام من انعقاد الجولات شهدت العاصمة دمشق، في الأيام الماضية زيارات ولقاءات لمسؤولين من حلفاء الأسد، أبرزها الزيارة التي أجراها كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي والتقى فيها رئيس النظام، بشار الأسد، الأسبوع الماضي.
وجرى خلال اللقاء حسب البيان الصادر عن “الرئاسة السورية” حينها التأكيد على التشاور حول عدد من المواضيع على الجانب السياسي، ومنها اجتماعات “أستانة”، و”ضرورة البناء على ما تم تحقيقه في الاجتماعات السابقة”.
وحسب ما نقلت صحيفة “الوطن” عن مصدر مطلع الاثنين فإن الجولة المقرر عقدها الثلاثاء في “سوتشي” تتخذ “زخما مغايرا، على اعتبار أن مسائل طارئة عديدة ومؤثرة طرأت على المشهد الميداني السوري خلال المرحلة الماضية، خصوصا مع وصول إدارة بايدن، وعودة “الخروقات لمنطقة خفض التصعيد في إدلب”.
ووصفت الصحيفة شبه الرسمية مسار “أستانة” بـ”الناجح”، واعتبرته “هاما ويحقق الكثير من المكاسب بالنسبة للملف السوري”، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يتضمن البيان الختامي للجولة المقبلة “التركيز على ملف مكافحة الإرهاب، ووقف دعم المنظمات الإرهابية، والوقوف في وجه دعم النزعات الانفصالية في مناطق شمال شرق سورية”.
ضياء عودة – إسطنبول
الحرة
—————————-
هل يخرج بوتين من المستنقع السوري؟/ يحيى العريضي
مع انطلاق ما سُمِّي “الربيع العربي”؛ ومع قرار استعمارات الأمس التدخل السافر في شؤون هذا الربيع، لحماية دكتاتوريات همّها البقاء، مقابل الحفاظ على مصالح قوى الخارج؛ لم يُسمَح لروسيا بوتين أن تكون جزءاً من التحالف الدولي الذي دخل سوريا؛ إلا أن روسيا تدبّرت أمرها مع حاكم دمشق “مهتز العرش”؛ وبالتنسيق مع قوة إقليمية صاحبة مشروع توسعي خبيث /إيران/؛ ودخلت لحماية منظومة الأسد الاستبدادية.
عَمِلَ هذا الغرب الاستعماري على احتواء روسيا بوتين مستغلاً ملفاتها الإجرامية المتراكمة، والممتدة من الشيشان إلى جورجيا فالقرم، وبنى على طموحات بوتين المَرَضيّة والتي حدّدها “أوباما” بوصفه روسيا كمجرد “قوة إقليمية كبيرة”. وهنا تمَّ تصميم استراتيجية احتواء؛ يمكن تسميتها “استراتيجية احتواء المُرْتَكِب” لإنجاز جملة من الأهداف في سوريا الهامة جداً لكل تلك القوى المتدخلة بشؤونها:
أولها – تعهيد الملف السوري لبوتين صاحب الطموح المَرَضيّ، وثانيها – استصدار قرارات أممية بلا أنياب لإدارة المأساة السورية، لا لإنهائها، وثالثها – تسجيل نقاط سياسية واستراتيجية سوداء على روسيا بوتين لإغراقها أكثر بسوء أفعالها، وإبقائها كما وصّفها “أوباما”.
صدّق بوتين نفسه؛ وتفاعلت طموحاته الشخصية باستعادة أمجاد إمبراطورية الروس بدور جديد، كمقرر لمصير شعب ودولة قُرب المياه الدافئة؛ فتصرّف كدب هائج: – سياسياً عبر الفيتو، الذي حمى به إجرام نظام الأسد؛ وعسكرياً عبر “السوخوي”، التي راكمت ملفات الإجرام على كاهله.
لم يكن بوتين غبياً ليغيب عن ذهنه المستنقع الذي أُريد إدخاله في أتونه؛ فسارع إلى استثمار الفخ الغربي ذاته، مستنداً إلى دعوة “الشرعية الأسدية” له؛ وبدأ عملية وضع اليد على سوريا عبر عقود طويلة الأجل مع “الشرعية الأسدية”؛ إلا أن التحالف الدولي، وعلى رأسه أميركا، حَرَمَه مما أُطلِق عليه اسم “سوريا المفيدة” فعلاً، حيث النفط والماء والقمح. وهنا، وجد بوتين نفسه محاصراً بين شمال سوري بغربه وشرقه بيد التحالف وتركيا، كحليفين لمن يعارض الأسد الذي يحميه، من جانب؛ وباقي سوريا تحت نفوذ إيران، التي تزاحمه في حماية الأسد، من جانب آخر. وللمفارقة مِن قبل إسرائيل، التي تستبيح ذلك النفوذ بالتنسيق معه ومع طموحاته بكسب ودّها، من جانب ثالث.
كسب بوتين بجدارة عداء كل من احتكَّ معهم بشأن القضية السورية: – زاد توتر العلاقات بينه وبين أميركا والغرب الأوروبي؛ – أصبح رهينة للخبث والاستغلال الإيراني والأسدي؛ – تحول إلى خادم لطموحات المشروع الصهيوني في المنطقة؛ والأهم من كل هذا، – كسب عداءً أزلياً تجاه شعب سوري ينشد الحرية والخلاص من ربق الاستبداد الأسدي، حيث حالَ دون ذلك بإصرار ومكابرة.
تجلى التخبط البوتيني، وعمى القلب بالموقف الروسي الأخير في مجلس الأمن؛ حيث وقف ممثل بوتين في وجه تفعيل حقيقي لعملية السلام في سوريا، عندما رافع عن انتخابات أسدية لا شرعية لها. والمفارقة أن الفعل الروسي هذا، وما يشابهه من إفراغ القرارات الدولية من مضمونها، يحدث مرة تلو الأخرى؛ وهذا الغرب، الذي يمتلك معظم أدوات اللعبة، يستمر بالتمتع بالغباء الروسي، ويطمئن على إدارته “الناجحة” للمأساة السورية.
كيفما كانت أهداف بوتين، وكيفما كانت أشكال معيقاتها، فإن الجهة الأكثر عرقلة لها هي نظام تمرّس على اللعب فوق أكثر من حبل. ومن حق أي سوري أن يسأل ها هنا: هل يَغْفُلُ بوتين عن العبارة الأشهر بتوصيف علاقة الأسد الأب بالاتحاد السوفيتي؛ والتي تقول: إن “قلب الأسد كان على الدوام مع أميركا، ويده في جيب الروس”؟ – ألا تصل بوتين تلك التهديدات المبطّنة بأولوية التحالف الأسدي-الإيراني على الأسدي-الروسي؟ – ألم يقع على أسماعه غزل الترجي بين النظام والإدارة الأميركية الجديدة؟ و – هل يصدّق بوتين أن النظام يحتاجه للتواصل مع إسرائيل؟
إذا كان بوتين يعتقد أن لا أحد يمكن أن يحافظ على المصالح الروسية كالمنظومة الإجرامية القائمة، فهو يكابر ويخاتل؛ وهو الأعلم، حسب تصريحات بعض مسؤوليه مؤخراً، بأن نظام الأسد في حالة موت سريري؛ وهو عبء أكثر مما هو ضامن وشريك. من جانب آخر، يشكل استمرار حمل بوتين لهكذا منظومة إجرامية مزيداً من الانتفاخ بملفاته الثقيلة سلفاً.
مرة أخرى نقول إن المخرج المضمون والأكثر براعةً سياسياً واستراتيجياً، يتمثل بأعكاسه لكل ما فعله تجاه المسألة السورية حتى الآن، وبإدارة الظهر لكل القوى التي أرادته أن يغوص في هذا المستنقع، وبالعودة إلى جوهر القضية السورية. فإن كانت الملايين السورية خرجت أساساً للخلاص من هذه المنظومة الاستبدادية، فالقانون الدولي سيكون بجانبه- بفعل حقوق الإنسان، لا بفعل الفيتو.
وإعادة الإعمار ستكون ممكنة- بفعل تطبيق القرارات الدولية الخاصة بسوريا، لا بابتزاز العالم. وعودة اللاجئين ستكون محققة بفعل الإرادة والضمانات الدولية، لا بفعل الابتزاز والمساومات.
لا مخرج لبوتين من مأزقه، إلا بخروج سوريا والسوريين من مأساتهم؛ ولا يحدث ذلك عبر الاستمرار ببهلوانيات الدببة. لا مخرج إلا بقلب الطاولة على كل السياسات البائسة التي نهجها حتى الآن في سوريا، وأولها الإقرار الصريح والصادق والفعلي بالتنفيذ الكامل والحرفي للقرار الدولي 2254، وخاصة تشكيل هيئة حكم انتقالي لا مكان فيها للمنظومة الاستبدادية، التي أوقفت حياة سوريا وأهلها. قد يكون هذا رهاناً على مجرمين؛ ولكن إذا كانت مصلحتهم تكمن بهكذا فعل؛ فلمَ لا يكون الرهان!
———————————————
ما الذي يريده رعاة مسار أستانة؟/ عمر كوش
كان لافتاً أن تحدد الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة (روسيا تركيا إيران) موعد انعقاد الجولة الخامسة عشرة من اجتماعاتها حول سوريا، يومي 16 و17 شباط الجاري، على وقع فشل الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، حيث أصدر ممثلوها بياناً ذكّروا فيه أن اللجنة “أنشئت في جنيف نتيجة مساهمة حاسمة من قبل ضامني أستانة، وتنفيذ قرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي”، لكنهم اعتبروا، ربما من باب السخرية والتعمية، أنها “لعبت دوراً هاماً في دفع العملية السياسية التي تدار وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بتيسير من الأمم المتحدة، وبقيادة السوريين”. وكأنهم أرادوا الثناء في بيانهم على ما قام به وفد النظام، بدءاً من الاستهزاء باللجنة وبالرعاية الأممية لها، مروراً بالمماطلة والتسويف والاستفزاز، ووصولاً إلى رفضه الانخراط في مناقشة المضامين والمواد الدستورية، واعتبروه على ما يبدو نجاحاً لها.
ولعله من السخرية بمكان مطالبة رعاة مسار أستانة بأن يكون “عمل اللجنة الدستورية على أساس التفاهم والمشاركة البناءة، دون تدخلات خارجية، ودون فرض مواعيد نهائية من الخارج”، بينما يمثلون دولاً تتدخل بشكل سافر في القضية السورية، لذلك لا يقرّون بجدول أو سقف زمني لعمل اللجنة، لأنهم ينظرون إليها بوصفها لعبة تدار من طرفهم، وخاصة من طرف الساسة الروس، الأمر الذي شجع نظام الأسد على عدم إقامة أي اعتبار لها، وراح يتعامل معها بوصفها لعبة سياسية، ومضيعة للوقت.
وفي ضوء إفشال عمل اللجنة السورية من طرف نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، يتبادر السؤال عن الغاية من إنشاء اللجنة من قبل الساسة الروس، وماذا كانوا يريدون منها؟
وهل سيقرر رعاة أستانة في اجتماعهم المقبل معزوفتهم المتكررة عن دعمهم للجنة الدستورية وللحل السياسي ووحدة الأرض والسيادة السورية، ومحاربة الإرهاب، أم أنهم سيفكرون في رعاية اجتماعات اللجنة بالطريقة ذاتها التي يرعون فيها اجتماعات أستانة، حيث يجلبون وفداً للنظام وآخر للمعارضة إلى اجتماعاتهم دون أن يكون لهم أي دور سوى الموافقة على مخرجات الاجتماعات، وربما سيتحدثون عن توسيع قائمة وفود الدول المشاركة في اجتماعات مسار أستانة بصفة مراقب، من أجل الظهور بمظهر الراعي الحصري للقضية السورية في ترحالها ما بين فنادق سوتشي وأستانة وجنيف وسواها؟
وتظهر تطورات وتغيرات موازين القوى الدولية أن القضية السورية أُخرجت من أيدي السوريين جميعاً، وخاصة بعد التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب نظام الأسد، وباتت سوريا ملعباً لتدخلات أكثر من خمس قوى دولية وإقليمية، بعد أن حولتها إلى ساحة صراع مصالح وتقاسم نفوذ بينها، وراحت تديرها وتدورها وفقاً لمشاريعها وأجنداتها المختلفة، وتتعامل معها بوصفها أزمة صعبة ومعقدة، تتطلّب الخوض في تسويتها عقد قمم ومؤتمرات واجتماعات عديدة ما بين جنيف وفيينا وأستانة مروراً بالرياض ووصولاً إلى سوتشي وسواها.
وكانت الغاية الأساسية للساسة الروس، بوصفهم اللاعب الأقوى على الساحة السورية، هي تمييع وتهميش المعارضة والقرارات الأممية، والاستفادة من الاجتماعات الصورية والفارغة لتمرير محاولتهم إعادة تأهيل نظام الأسد، ووعود زائفة بإمكانية الانتقال في سوريا نحو دولةٍ يتحكّم فيها السوريون، وهو ما يكرّره المحتلون الروس والإيرانيون بوقاحة، لأن النظام استقدمهم للاستواء على السوريين، وبالتالي باتت غايتهم هي إعادة تثبيته وبث الحياة فيه، مقابل إجراء إصلاحات هامشية، وتمرير انتخاباته الرئاسية الهزلية المزمع إجراؤها في منتصف العام الجاري.
وتمكن الروس، بالفعل، من إنهاء مفاوضات جنيف التي كانت ترعاها الأمم المتحدة، بعد تسع جولات فاشلة، واستبدلوها بتواطؤ من الأمم المتحدة باللجنة الدستورية المسخ، التي كانت من مخرجات ما سمي بمؤتمر الحوار السوري، الذي اجترحته روسيا وليس له أي صفة شرعية أممية أو دولية، في ظل انكفاء الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية وعدم اكتراث ساستها بالقضية السورية، وعدم سعيهم إلى تنفيذ القرارات الأممية المتعلقة بالقضية السورية، وخاصة القرارين 2118 و2254، الأمر الذي يثبت أنها لم تكن ذات قيمة أو أهمية، ويمكن التخلي عنها بسهولة لصالح المسارات التي اخترعتها روسيا في أستانة وسوتشي بديلاً عنها، والأنكى من ذلك هو قبول جهات في المعارضة الدخول في اللعبة السورية كشهود زور، ومن أجل شرعنة المسارات الروسية، تحت مختلف الحجج والذرائع، التي لا تحجب حقيقة أن روسيا لا يمكنها أن تقدم حلاً للقضية السورية سوى القيام بكل ما يمكنها من أجل إعادة إنتاج النظام وبقائها قوة احتلال للأرض السورية.
وأراد الساسة الروس من مسار أستانة، في بداية انطلاقته، الفصل بين المسارين العسكري والسياسي، حيث تمكنوا من تبريد جبهات القتال، وجعلها مناطق “منخفضة التصعيد”، ثم تمكنوا من الاستفراد بالمناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، ومن قضمها واحدة تلو الأخرى، وبقيت منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وما حولها، بعد قضم مناطق واسعة منها، وعقدوا اتفاقيات مع تركيا بشأنها، بما يعني اكتمال المسار العسكري، لذلك يحاولون الحفاظ على ما جنوه عسكرياً في سوريا، من خلال هندسة تسوية للوضع السوري على مقاسهم، يستثمرون فيها ما صرفوه عبر بوابات متعددة، ويضمنون فيها نفوذ بلادهم ومصالحهم قبل كل شيء، شريطة أن لا تفضي إلى تغيير نظام الأسد.
وتمتد التساؤلات، عشية ذهاب رعاة أستانة إلى اجتماعهم المقبل في سوتشي، إلى ما يتجاوز المخرجات المنتظرة منه والمعدة سلفاً، كونه قد لا يتعدى مجرد اجتماع عابر، لإظهار تحكم الروس وحلفائهم بمختلف الملفات السياسية المرتبطة بآليات دفع التسوية، من دون القيام بأي مراجعة لتحركاتهم وتفاهماتهم على خلفية فشل اللجنة الدستورية، لذا سيخرج بيانهم الختامي بكلام معسول حول الملف الإنساني وآليات إيصال المساعدات وتوزيعها، وإعادة طرح ملف اللاجئين السوريين، فيما الأهم بالنسبة اليهم هو استعراض أوضاع قواتهم في المناطق السورية، للعمل على تكريس التنسيق والتفاهمات فيما بينهم، من أجل تقاسم النفوذ والسيطرة، على حساب الشعب السوري بوصفه الضحية الكبرى في كل ذلك.
تلفزيون سوريا
————————–
هل تكون سوريا منطلق الحرب الإسرائيلية – العربية/ علي حمادة
تعود الساحة السورية إلى واجهة الصراع الإسرائيلي – الإيراني مع تأكد القرار الإستراتيجي الإسرائيلي بالعمل المنهجي لمنع تموضع الإيرانيين و ميليشياتهم في الجنوب السوري، وذلك مهما كلف الامر. فإسرائيل تعرف تماماً أن أي تقاعس في مواجهة التموضع الإيراني في الجنوب السوري، و لو لأسابيع معدودة، يمكن ان يخلق واقعاً جديداً سيكون من الصعب تغييره، نظراً لكون الإيرانيين يصرون على تغيير التوازن الدقيق في الجنوب السوري المحاذي لخطوط التماس بين سوريا و الإسرائيليين، ليتوسيع خط التماس الإيراني مع إسرائيل من رأس الناقورة على الساحل اللبناني الى خطوط وقف اطلاق النار في الجولان، وصولاً الى حدود بادية الشام و الحدود مع الأردن .
انها خطوط تماس طويلة لا يمكن لإسرائيل أن تتقبل فكرة ترسخها من دون أن تذهب بعيداً لمنع قيامها، نظراً للتهديد الاستراتيجي الكبير الذي تمثله تلك الخطوط. و لذلك يشهد الجنوب السوري في محافظتي درعا و السويداء تنامياً للعمليات الجوية الاسرلائيلية ويتوقع ان تشهد المنطقة تطورات عسكرية دراماتيكية في الأسابيع القليلة المقبلة، عندما ستكثف إسرائيل من قصفها الجوي لاهداف إيرانية في الجنوب السوري لمنع التوضع الذي في حال نجاحه سيربط بين جبهتي لبنان و سوريا، و يمنح ايران إما عبر تشكيلات “الحرس الثوري” أو عبر المليشيات التابعة مثل “حزب الله”، وضعية متقدمة نوعيا .
القرار الإسرائيلي لا يتوقف على بقاء رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو في موقعه، بعد الانتخابات المقبلة، بل انه قرار يتعلق بالامن القومي الإسرائيلي الذي يتقدم على التشكيلات السياسية الحاكمة، لا سيما ان كل التقارير الدولية تشير الى أن ايران استغلت مرحلة العقوبات القصوى الأميركية للتحلل من التزاماتها في ما يتعلق بالاتفاق النووي، وقامت بتكثيف جهودها لانتاج السلاح النووي انطلاقا من مواقع نووية سرية خاضعة للبرنامج السري الذي كان يديره العالم النووي محسن فخري زاده الذي لقب قبل تصفيته في شهر تشرين الثاني ( نوفمبر) الماضي ب”أبي القنبلة النووية الإيرانية” .
اذاً وفيما يتابع الإسرائيليون ضرباتهم الجوية على كامل المسرح السوري، من الجنوب، الى محيط العاصمة و مطار دمشق، وصولاً الى الحدود البرية مع العراق، من دير الزور الى معبر البوكمال الذي تسيطر عليه قوات من “الحرس الثوري ” الايراني ومعها مليشيات تابعة له، و ابعد من ذلك الى محيط مدينة حلب في الشمال، تتوالى المواقف الدولية من خرق طهران لالتزاماتها المتعلقة بالاتفاق النووي، و قد أصدر الثلاثي الأوروبي، فرنسا – المانيا – بريطانيا أكثر من موقف يحذر طهران من مواصلة خرق الاتفاق النووي. اما الاميركيين الذي كان ينتظر منهم مع وصول الرئيس جو بايدن الى سدة الرئاسة ان يسارعوا الى اعلان عودة اتوماتيكية الى الاتفاق، فإنهم يلاحظون ان الإيرانيين يصعدون مواقفهم في ما يتعلق بمسار العودة الى الاتفا ، و الشروط الأميركية التي يرفضونها سلفاً من اجل كسب مزيد من الوقت لفرض واقع “نووي ” جديد يقرب ايران أكثر من حيازة القنبلة النووية.
و الحال أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي كان يدعو الى عودة أميركية تلقائية الى الاتفاق النوي، تبدا بتوقيع الرئيس بايدن سلسلة قرارات إدارية تلغي مفعول قرارات الرئيس السابق دونالد ترامب، يكتشف أن العودة لن تكون تلقائية، بل ان طهران مدعوة الى العودة الى الالتزام بالاتفاق النووي الذي لم ينسحب منه بقية الشركاء( ٤+١)، و ان الملفات الاخرى العالقة المرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية، و السياسية التوسعية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن اغفالها، وتجاوزها، لان في هذه الحالة يمكن أن يؤدي الامر الى نشوب حرب إقليمية كبيرة بين تحالف عربي – إسرائيلي، و ايران تمتد من لبنان الى سوريا و العراق وصولا الى قلب ايران نفسها.
فالمنطقة في حاجة الى وضع الملفات المهددة للتوازن الاستراتيجي في المنطقة على طاولة المفاوضات، لتجنب انزلاق الأطراف الإقليميين نحو حرب، و لا سيما أن ايران تجاوزت كل الخطوط الحمر خليجياً، و إسرائيليا، و ما عادت فكرة الحرب مستبعدة في المدى المتوسط لوقف الزحف الإيراني المضطرد .
في مقابل هذه الوقائع، يستمر التصعيد الإيراني على أعلى المتسويات، فالمرشد الأعلى علي خامنئي يرفض أي حوار وأي تفاوض قبل الغاء جميع العقوبات التي فرضها ترامب، و يصر على عودة الولايات المتحدة السابقة لعودة ايران للالتزام بالاتفاق بعد فرة “تمهل” في العودة لحين التأكد من من تطبيق الولايات المتحدة وأوروبا رفع العقوبات من الناحية العملية. كل هذا و المجتمع الدولي يترقب موعد الحادي و العشرين من شباط ( فبراير) الحالي موعد بدء طهران رفع معدلات تخصيب اليورانيوم وفقا لـ”قانون استراتيجية رفع العقوبات” الذي اقره البرلمان الإيراني في شهر تشرين الثاني ( نوفمبر) الماضي ، عندما صوت على تصعيد المواجهة مع اميركا و المجتمع الدولي من خلال تطبيق برنامج تحلل تدريجي من الالتزامات المرتبطة بالاتفابق النووي .
اذاً نحن امام مرحلة تصعيد قصوى في المواقف، و على مسارح العمليات، واهمها اليوم سوريا التي يمكن ان تتحول على حين غرة الى منطلق حرب إسرائيلية – إيرانية- عربية، من لبنان الى العراق وإيران نفسها !
النهار العربي
————————–
=========================
تحديث 16 شباط 2020
—————————
الخلاف على جِلد بشار/ عمر قدور
هو تمرين ذهني. هكذا هو حال الخلافات السورية التي برزت في الأيام الأخيرة حول فكرة إنشاء مجلس عسكري انتقالي مختلط من ضباط موالين ومعارضين. هو أيضاً تمرين على الخلاف على جِلد بشار قبل صيده، وفق المثل المعروف عن الخلاف حول جلد الدب قبل صيده. فالمجلس المقترح العتيد يُفترض أن يدشن ما بعد بشار الأسد، بل ما بعد نصف قرن من حكم عائلته، وجزء من الخلاف حوله هو خلاف على تركة الأسدية وكأن “صيدها” صار متاحاً.
إلا أن التمرين الذهني تشعب كالمعتاد، في حين كان ممكناً أن يقدّم قليلاً من الفائدة لو انصبّ على ما هو أساسي بدل التيه في تشعبات ليست في أصل الفكرة، ولا تستغلها لتقديم معرفة سياسية راهنة. أقل ما يقتضيه الفهم الواقعي الراهن رؤية المستوى السياسي للمعارضة يتسول مفاوضات “جادة” في اللجنة الدستورية، ورؤية الفصائل العسكرية “بمختلف تسمياتها وتوجهاتها” تتسول وقفاً دائماً لإطلاق النار. في الحالتين، الدب ليس في موقع الطريدة، لا بشائر لتوافق دولي قريب على وضعه في هذه المكانة.
بناء على الواقع لا الأمنيات، من المرجح أن يحظى خيار تشكيل مجلس عسكري بقبول غالبية السوريين، متضمنة نسبة غالبة من الموالاة، لا حباً منهم بالعسكر وإنما لما ينطوي عليه لجهة استبعاد آل الأسد من السلطة. الذين سيوافقون على المجلس العسكري غير مدفوعين بالسذاجة أو قلة الوعي، دافعهم الأساسي اليأس وانسداد الأفق أمام تغيير سلمي ديموقراطي. بمعنى أن أي حكم يحل مكان عائلة الأسد لا يُتوقع منه الأسوأ، ولا يُتوقع منه القدرة على صناعة أسدية جديدة. هناك قناعة سورية ودولية عامة بأن بشار الأسد هو آخر الأسديين، إذا سقط أو تنحى، وحتى إذا حل مكانه ديكتاتور فقد ولى الزمن الذي سمح للأسد الأب بصناعة أبده.
موسكو غير بعيدة عن فكرة بيع جلد الدب قبل صيده، فهي تروّج لامتلاكها إياه على الرغم من منافسة طهران. التركيز على موسكو وطهران كحُماة لبشار ينبغي ألا ينسينا السؤال القديم للقوى الغربية المؤثرة عن البديل، بل تورط بعضها في صرف النظر عن التغيير نهائياً والقبول بإعادة تدوير بشار. طرح المجلس العسكري كبديل لبشار ينبغي أن يحظى بقبول هذه القوى جميعاً، والقبول ينطوي على تأثير الخارج في تركيبة المجلس، وعدم استبعاد تغلّب منطق المحاصصة الذي يعكس خريطة النفوذ الخارجية. بعبارة أخرى، لن يكون هناك مجلس عسكري ما لم تُرضِ تشكيلته مختلف القوى النافذة في سوريا.
سيكون أشبه بالمراهقة السياسية الظنُّ بأن التغيير الديموقراطي مطلب لأيّ من القوى الدولية والإقليمية، فهي جميعاً تفضّل العنف عندما يحقق لها أهدافها، وتجنح إلى الاستقرار “وحتى الاستبداد” متى خرج العنف عن الدائرة المقبولة كانتشار وكهدف. عندما يستنفذ العنف أغراضه، السؤال الأهم الذي تطرحه هذه القوى هو: من سيضبط الأوضاع في سوريا فلا تكون ساحة للفوضى تهدد الاستقرار الإقليمي؟
لقد وُجّه السؤال مراراً إلى وفود من المعارضة: ماذا أنتم فاعلون إذا تنحى بشار؟ ألديكم إمكانية للسيطرة على الجيش والمخابرات؟ أأنتم قادرون على مواجهة فوضى السلاح والإرهاب؟ بصرف النظر عما في الأسئلة من ذرائع، وعن عدم أخلاقيتها إذ تفضّل نظام إبادة على احتمال فوضى قد لا تكون أكثر دماراً مما حصل فعلاً؛ هذه هي الأسئلة التي لا تجيب عليها أفكار عمومية تنص على إعادة هيكلة الجيش والمخابرات، لأن عملية الهيكلة تستغرق إدارة ووقتاً لن تنتظر الفوضى المحتملة توفرهما.
بعبارة أوضح، المجلس العسكري هو ضمانة للخارج من أجل نيل موافقته على التغيير، ومن الوهم الظن بأن الخارج الذي اتفق على قرار مجلس الأمن 2254 “بنصه على تشكيل هيئة حكم انتقالي” سيلتزم بالقرار ما لم تكن الهيئة الانتقالية عسكرية أو واجهة لتحالف من العسكر والمخابرات يمسك فعلياً بالبلد. أبعد من ذلك، ستكون نقلة ضمن الواقع السوري وجود رئيس مدني بمثابة واجهة للعسكر، بمعنى أن يُضطر العسكر للمرة الأولى إلى التواري خلف واجهة مدنية فلا يحكمون البلد كما فعلوا مع كل انقلاب قاموا به.
قد يكون صادماً قولنا أن أفضل سيناريو واقعي راهن هو الانتقال من استبداد عائلة الأسد إلى نظام ديكتاتوري، بما يعنيه أصل الديكتاتورية بكونها إجراءً استثنائياً، ضمن ظروف استثنائية تزول بزوالها، وأيضاً بما تعنيه كنظام يلقى قبول النسبة الأكبر من السوريين وفق الشروط التي تنص على كونه استثنائياً وانتقالياً. أسهل ما يمكن قوله في مواجهة هذا الطرح أن السوريين ثاروا وقدّموا التضحيات من أجل الحرية والديموقراطية، وما دونهما لا يليق بتضحياتهم ولا يجوز قبوله. وأسهل ما يمكن الرد به أن السوريين لم يثوروا كي يقدّموا التضحيات التي أُجبروا عليها، وبالطبع لم يثوروا من أجل أن تتصدر الساحة مجموعة من المعارضين الفاشلين، إذا تغاضينا عن ارتهانهم لمختلف قوى الخارج.
اليوم، أي كلام في السياسة يتلطى خلف الثورة هو كلام مغشوش، هو ليس كلاماً في السياسة إلا بما يخفيه من غباء أو خبث. الواقعية لا تعني الاستسلام، بل تعني البحث عن الممكن، وأي ممكن يبدأ برحيل آل الأسد عن السلطة سيفتح على ممكنات أخرى في المستقبل، لأن بقاء حكم السلالة بمثابة حرب دائمة وحجب للمستقبل معاً. في حالتنا، الخلاف على جلد الدب خارج السياسة بالمطلق، فهو لا يحدث قبل صيده فحسب، بل قبل تفضّل الآخرين بصيده وتقديمه مجاناً لمعارضينا الأشاوس!
حسناً.. كاتب هذه السطور أيضاً لا يحب العسكر ولا مجالسهم، ويعرف أنهم متى حازوا السلطة لن يفرّطوا بها، وعلى الأرجح سيضطر السوريون إلى ثورة لاحقة للتخلص منهم. إننا جميعاً لنتمنى تدبيج عشرات السطور بما يتناسب مع أمنياتنا لبلداننا، إلا أن أحلام اليقظة لا تصنع سياسة ولا تقدّم الحل للسوريين الذين ينتظرون الخلاص من سلطات الأمر الواقع الحالية، للسوريين الذين يريدون رفع أقدامهم من فوق ألغام الماضي ووضعها على أشواك المستقبل.
المدن
————————
بماذا أوصى حافظ أسد وريثه في الحكم؟/ خلدون سماق
طالما شغلني السؤال عن محتوى عقل حافظ أسد، وما بداخله من أفكار وقيم وقواعد تشكل أسس أفعاله ومنطلقاتها وتبريراتها، والتي رددها كوصايا أوصى بها ولده باسل ومن ثم بشار من بعده، وهو يعدهما لوراثة سورية “كتركة” يتركها لهما كونها، وقد غدت بمثابة “ملك يمين”.
أفكار حافظ أسد وقيمه وقواعد عمله هي بمثابة “نظام التشغيل” بلغة البرمجيات أو “السوفت وير” الذي يحرك الأسد ونظامه. وهو نظام شفوي غير مكتوب وغير معلن. وأنا، مثل جميع السوريين، لم أسمع بنفسي وصايا حافظ أسد التي أوصى بها وريثه، ولم أسمع ممن سمع منه مباشرة أي من هذه الوصايا، ولكن يمكنني من خلال العيش في “سورية الأسد” ومراقبة سياسات النظام وأفعاله على مدى نصف قرن تقريبًا، أمضيت منها 18 عام في السجن بتهمة “وهن عزيمة الأمة”، وأنا ابن الساحل، وأفهم عقلية النظام وآليات عمله جيدًا، يمكنني أن أتصور “ماذا قال حافظ أسد لولديه وبماذا أوصاهم”، فالأفعال تنم عن خبايا الأفكار وعن النوايا وعن الوصايا. وبنتيجة ذلك أتصور أن حافظ أسد قد ردد على مسامع وريثه الوصايا التالية:
– اسمع نصائحي يا ولد، واجعلها حلقة في أذنك، واعمل بها، وإياك أن تحيد عنها، فهي من ثبّت السلطة في يدي لثلاثة عقود، ومكنني من توريثك إياها دون أن يجرؤ أي سوري على إظهار عدم رضاه.
– حافظْ على السلطة وهي بيدك، واقبض عليها بأسنانك، فإنها إن ذهبت منّا فلن تعود إلينا؛ فالقفز إلى السلطة أمرٌ شاق، ولكن الاحتفاظ بها أمرٌ أشقّ ألف مرة، وخاصة بالنسبة إلى رجل منا، فقد استوليتُ أنا عليها وكرّستُ سلطتي المطلقة في غفلةٍ من التاريخ، فحافظ عليها، وعضّ عليها بالنواجذ.
– خذ شريعتك من القوة والغلبة، واجعل قبضتك الأمنية أساس الحكم، تقبض على رقاب الناس، وتتحكم في كل شيء، وتتدخل في مفاصل حياة كل فرد. واعلم أن الجيش هو أداة السلطة الضاربة، فابقِه في يد من يلوذ بك، فكتيبة دبابات واحدة أهمّ من كل أفرع الأمن. الأمن يقبض على الأفراد، ولكن لا يواجه التحركات الواسعة سوى الجيش.
– نحن عائلة صغيرة فقيرة ثانوية، من طائفة صغيرة ثانوية، وقد أتيح لنا أن نقبض على السلطة، فغيّرنا قواعد اللعبة، ولكننا لا نستطيع تغيير الواقع، فاعتمد على أبناء الطائفة، وورّطهم معك في أعمال السلطة، واجعلهم يشعرون بأنهم أصحاب هذا الحكم، وأن يقتنعوا بعمق بأنه إن ذهب منهم فسينالهم ضّرٌ عظيم.
– لا تسمح للطائفة العلوية بأن تصبح طائفة بذاتها، فهذا يجعلها قوية في مواجهة بيت الأسد، وبيت الأسد لم يكن لهم مكانة معتبرة داخلها، بل اجعل أبناءها فرادى، كلٌّ يهتم بذاته، ولا تخلق فُرص عمل لهم في مناطق عيشهم، بل ادفعهم إلى أن يأتوا إلى دمشق؛ فسورية تُحكم من دمشق، ومن مدنها الرئيسة، لا من الريف البعيد، فهذا قِرش أبيض ليوم أسود، ولن يدوم حكمك بغير هذا، واجعل أبناء الطائفة العلوية عماد جهازي الجيش والأمن.
– اجعل قيادات مؤسسات الدولة من أبناء الفئات التي كانت مهمشة في المدينة أو في الريف، لتحكم تلك الفئات التي كانت حاكمة سابقًا، فهؤلاء سيسعدون بهذا الدور القيادي بعد أن كانوا محكومين، فمصلحتهم تكمن في استمرار سلطتك، وسيدافعون عنها وعنك لأنهم يخشون عودة الظروف السابقة ، ويخشون أن يعودوا الى فقرهم وتهميشهم.
– تذكر أن الناس يوالونك ما دمتَ قويًا وقادرًا على قهرهم، فالناس عبيدُ القوة، فإن أحسّوا بضعفك انقلبوا عليك، وذهبوا إلى من هو أقوى. من يملك القوة يملك الشرعية، والشرعية تؤخذ غصبًا، ولا تغتر بشعارات “إرادة الجماهير”، فالجماهير تساق إلى حيث يراد لها، وتهتف بحياة من يراد له.
– تذكّر درسَ حماة جيدًا، واجعله قاعدة حكمك، ولا تأخذنك رحمة بمن يتمرد على سلطتك، فاضرب بيد من حديد ونار، واستخدم العقاب الجماعي لكل منطقةٍ تؤوي متمردين على سلطتك، واهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها في أي منطقة تتمرد، إذ يجب أن يدفعوا الثمن، ولا تبكِ لموت النساء والأطفال والشيوخ، وأخفِ كلّ شيء ما استطعت، ولا تهتم إن وصل ما تفعله إلى درجة العلن، ولا تتراجع ولا تضعف، ففي الضعف مقتلك.
– اقبض على المنافع والمصالح، وعزز القوة المالية في يدك وفي يد من يلوذ بك، واخلق مجموعات أعمال من بني جلدتك ومن يوالونك، فمن يملك المال يملك السلطة. لقد جنينا المال من خلال قبضنا على السلطة، والآن سنستخدم المال لتعزيز قدرتنا في القبض عليها.
– اخلق مصالح في كل مكان وفي كل منظمة، لتشكل شبكة تتخلل المجتمع وتمكنك من القبض عليه، وأجّج التنافس عليها، بين من يوالونك في قيادات الحزب وفي مؤسسات الدولة وفي المنظمات الجماهيرية. واسعَ لمنع المتنافسين من الاتفاق فيما بينهم، فليس ثمة أخطر من أن يتفقوا، فقد يتفقون يومًا عليك. وهذه المنافسات تفتّتهم.
– اشتر الولاءات، فالناس عبيد مصالحهم، توجّه إلى الفئات المدينية، واخلق مصالح صغيرة لوجهائهم، وتوجه إلى العشائر واخلق مصالح لشيوخهم، وتوجه إلى رجال الدين واخلق لهم مصالح، كي يسبّحوا بحمدك، وتذكر أن من يأكل على طبق السلطان يضرب بسيفه، ولا تصدق أن رجال الدين يعملون بهدي الله أو بهدي ما يؤمنون به، بل يعملون بهدي مصالحهم ومصالح من يتبعونهم.
– تذكر أن معظم الناس يمكن شراؤهم، وأبعد عنك من لا يمكن شراؤه. استخدم من أصحاب الكفاءات من هم بلا شخصية وبلا طموح، وأبعد عنك أصحاب “الضمير الحيّ”، فهؤلاء متعِبون، وابحث عن الانتهازي والفاسد والسافل، واستخدمهم في سلطتك، فهؤلاء يهمهم مصلحتهم، وهم مستعدون لتنفيذ كل ما تطلبه منهم. وإياك أن تسمح لأي منهم بالبروز، مهما كان دوره عظيمًا تحت سلطتك، ومهما كان مخلصًا لك، فلا دور لأحد إلا من خلالك، فأنت البداية والنهاية. وكلّ من ينتهي من خدمتك، عليه أن يختفي ويصمت، فلا يسمع به أحد.
– اجعل الجميع طراطير من حولك، وتمتع بمنظر كبار مسؤولي الدولة وهم يدبكون في الساحات من أجلك، ويشعرون بأن مصيرهم معلق بكلمة منك، دعهم ينظرون دومًا إليك يترقبون ما سيصدر عنك، وإياك والظهور بمظهر من يستجيب لطلبات الآخرين أو حتى طلبات الجماهير العريضة.
– اجعل شخصك عظيمًا مهابًا و “طوطمًا” لا يمسّ، وتشبّه بالأنبياء، وانشر من حولك هالة من القدسية، فلا يقترب أحد منك ولا ينتقدك أو يمسك بكلمة، من دون أن يناله عقاب عظيم. فالقدسية هي من عزز وجود الأديان عبر آلاف السنين.
– الأديان صمدت كل هذه القرون بسبب القدسية. الإله هو تصعيد لشخصية الملك، فتملى صورته جيدًا، إنه مُطلق الإرادة لا رادّ لقضائه، مقتدر جبار، منتقم ممن يكفرون بسلطته، ويسبغ نعمه المحدودة على أتباعه، ويقدّم لهم الوعود البعيدة بفردوس لن ينالوه.. الناس يتذللون للإله، ويحبون هذا التذلل، الأنبياء بشرٌ ادّعُوا النبوة، فصاروا مقدّسين عبر العصور.
– أنت القائد الفرد الأوحد، فإياك أن تسمح ببروز قيادات في المجتمع، يجب أن تبقى وحيدًا، فمن تبرز له قوة سيطمع في تعزيزها، وقد ينافسك يومًا، وتذكر كلمة يزيد بن معاوية إذ قال: “والله، من قال لي اتق الله قطعت رأسه”، وليعلم الجميع أن قدرتك على البطش لا حدود لها، ولكن لا تظهرها إلا حين اللزوم.
– اقبض على العقول والقلوب ما استطعت، وسيطر على التعليم والإعلام كي تسيطر على العقول، وأضفِ على شرعيتك شرعية دستورية، من دستورٍ أنا وضعته على مقاسي، وخذ تصديق الناس بالإكراه الناعم المستند إلى قدرة عظيمة من الإكراه الصلب، وعزز شرعيتك بخرقة بالية هي حزب البعث الذي نحكم باسمه، وادعمها بسيطرة مطلقة على تنظيمات الشبيبة والطلبة والعمال والفلاحين والنساء والطلائع والنقابات المهنية، من مهندسين وأطباء ومحامين وصيادلة ومعلمين.
– إياك وتمكين أي مؤسسة من الاستقلال بقرارها، لا برلمان ولا إدارة محلية ولا وزارة ولا إعلام ولا قضاء، واجعل الجميع يقضون ويفعلون بما ترتضيه أنت وتأمر به أجهزة أمنك.
– تذكر أن لا قيمة للجماهير، كلمة استعملها كالعلكة، مضغ بدون طعام، استعملها كذبًا، وإياك والوقوع في الشعبوية والميل إلى إرضاء الجماهير، فهذا ضعفٌ وفيه مقتلك، وليبدُ أن كلّ شيء يصدر عن إرادتك المطلقة، حتى حين لا تعجب إرادتك البعض، يجب أن يتقبّلها ويسلّم بأن وراءها حكمة عظيمة لا يعرف هو كنهها، وحين لا يسلّم بذلك ويبقى غاضبًا، فليعلم أن انتقامك عظيم، إذا ما أظهرَ أي تذمّر.
– قوتك في ضعف مجتمعك، فالسلطة ميزان بين الحاكم والمجتمع المحكوم، ولكي يبقى الحاكم حاكمًا يجب أن يبقي المحكوم ضعيفًا. لا تمنح المجتمع قدرات على التعبير والتنظيم، وامنع أي رأي آخر من الظهور، وإياك والانبهار بأنظمة الغرب الديمقراطية، وبالكلام الفارغ عن الحريات العامة وحقوق الإنسان، وإياك أن تتيح للشعب أن يقول كلمته بحرية، فحينها لن يقولها لصالحك، وإياك وحرية الأحزاب وحرية الصحافة وحرية التظاهر، فهذا ماردٌ إن انطلق من قمقه أطاح بسلطتك.
– اسعَ لاستمالة الأكثرية السنّية، عبر مكاسب مادية لنخبتها الثقافية ورجال أعمالها ورجال دينها، وتجنب إثارتهم، واسعَ لاستمالتهم ببناء المساجد ومدارس تحفيظ القرآن والعلاقات الحسنة مع الإخوان المسلمين خارج سورية، والعلاقات الحسنة مع الحركات السنية الجهادية، ولكن إياك أن تسمح لهم بإقامة تنظيمات سياسية، ولا تأمن لهم، فالسلطة انتُزعت منهم، ولن ينسوا ذلك.
– إياك والاطمئنان، فمنه يأتي هلاكك، وإياك والاعتقاد بأن الأمن مستتب، وأن الجميع مستكين ومستسلم، وأن لا تنظيمات في المجتمع تعمل ضد الدولة، ولا تظنن أن المجتمع قد مات، فالمجتمعات لا تموت، فمثل هذا التفكير هو مناخ مناسب لنمو مساعي قلب السلطة.
– إياك والغفلة عن المتربصين بالسلطة، فهم كثر، ويستعدون في كل لحظة للانقضاض عليها وعلينا. فإياك والاستكانة، ولا يخدعنك هدوء ماء النهر، ففيه حيتان وأسماك قرش تنتظر غفلتك. وأخطر هؤلاء المتربصين هم قيادات سلطتك ذاتها وأقرب المقربين إليك، فهؤلاء اكثر من يطمع في السلطة كاملة وأن يكون هو مكاني، فاحذرهم أكثر من غيرهم، خاصة وأن تحت إمرتهم قوات ولديهم نفوذ، فإن شعروا بضعفك انقلبوا عليك. لذا اجعل مراكز القوى هذه متفرقة منفردة يرتبط كل منها بك مباشرة، وضع على رأس كل منها أشخاص يُعادي بعضهم بعضًا، واجعل التنفاس بينهما شديدًا كي تأمن اي اتفاق بينها، فاتفاقهم خطر على سلطتك.
– إياك والثقة المطلقة بأي أحد، مهما أظهر لك الولاء، فحين سيتمكن سيُظهر لك النواجذ؛ فالطمع في السلطة لا يموت في النفوس، حتى من أقرب الناس إليك. ولا تأخذنك رحمة بمن ينظر إلى الكرسي، حتى لو كان أخاك أو ولدك. وتذكر كلمة هارون الرشيد إذ قال لولده: “والله، لو نافستني عليها لقتلتك”، وليكن الولاء مطلقًا لك، ومن لا يواليك شخصيًا ومطلقًا ليس له مكان في خدمتك.
– اخلط نظامك بين الرأسمالية والاشتراكية، وأقم علاقاتك مع الغرب والشرق، مع اليمين واليسار، مع العلمانيين والإسلاميين، وإياك أن تظهر أنك مع أي معسكر بالمطلق. اجعل الجميع يعتقدون أنك قريب منهم، وأن بإمكانهم كسبك إلى صفوفهم، ولا تقطع شعرة معاوية مع أحد.
– ضع مقاليد الأمور في كل محافظة في يد الفئات التي كانت مهمشة، لتتحكم في الفئات التي كانت سيّدة من قبل، فهؤلاء الجدد سيظلون يخافون عودة الماضي، فيعلمون بإخلاص لتثبيت حكمك، وأفسح لأبناء الريف القدوم إلى المدينة، وإقامة أحزمة من الفقر تحيط بالمدن الكبرى، ليشعر أبناء المدن الكبرى بأن الخطر يحيط بهم، وأن نظامك هو من يلجم تلك الفئات الوافدة. يجب أن يشعر ساكن حي المالكي بدمشق بأن السلطة تحميه من هجوم محتمل لقاطني حي الـ 86 ليأخذوا منازلهم.
– استخدم الفساد والإفساد على نحو واسع، فالفساد الصغير يجعل الفساد الكبير مقبولًا، تحت مقولة الجميع فاسد. فنحن عبر استخدام السلطة كوّنّا الثروة، فلم يكن لدينا ملكيات لتنتج ثروة، السلطة أنتجت لنا الثروة، والآن على الثروة أن تعزز سلطتنا.
– مارس التقية السياسية، وخذ ممن يعطيك وأعط من يواليك، وتذكر أن لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، ولكن مصالح السلطة دائمة.
– حافظ على علاقة قوية مع السعودية في كل الظروف، ولكن انتظم سرًا مع إيران بقوة، واستخدمها كفزاعة ضد العرب، كي تكون أنت الوسيط بينهما، فهذا يعطيك دورًا. ولكن لا تدع إيران تتحكم بك، ولا تكن ورقةً بيدها، بل لتكن هي ورقةٌ بيدك. ولا تسمح لها بنشر التشيع في سورية، فهذا قنبلة موقوتة.
– الدور الإقليمي يعزز سلطتك، ونحن دولة ضعيفة، لا إمكانات لديها ولا تستطيع القيام بأعمال إيجابية كبيرة لخلق دور كبير لها، لذلك عليك اللجوء دائمًا إلى دور “مخربط الألعاب”، كي يمنحوك دورًا، وفق القاعدة الفقهية “داروا سفهاءكم”. لا تصالح إسرائيل، وهددها بغيرك، ولا تخرج من لبنان، ولا تدع اللبنانيين يتفقون، واجعل الأردن تعيش تحت شعور دائم بالخطر القادم من دمشق، وأقم علاقات وطيدة مع ما يسميه الأميركان “دول الشر”، مثل كوريا الشمالية وكوبا والعراق، وأقم علاقات مع القاعدة ومع القوى الإسلامية المتطرفة، وسرّب معلومات عنهم للأميركان، أقم علاقات مع المعارضات في الدول العربية وفي تركيا، وادعم حزب PKK التركي، ليكون مصدر إزعاج دائم للأتراك، وأقم علاقات مع أكراد العراق، وفي الوقت نفسه أقم علاقات معلنة أو سرية مع حكومات جميع هذه الدول، وهددهم بمعارضاتهم، على نحو مبطن وصريح، وحينئذ سيكون الجميع بحاجة إليك وإلى خدماتك.
– أبقِ على وضع اللاحرب واللا سلم مع إسرائيل، فلا مصلحة لنا في انتهاء هذا الصراع، فهو يمنح سورية دور “دولة المواجهة”، وهو أداة لتجييش الداخل، وحجة لفرض حالة الطوارئ، وللحفاظ على جيش كبير ونظام أمني شامل، وعسكرة المجتمع، ووسيلة لاجتذاب تأييد القوميين واليساريين، وأداة لابتزاز المال من دول النفط. ولكن أزعج إسرائيل بحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وامتلك قوة ردع صاروخية، فهي كل ما نستطيعه عسكريًا، وهذا كي تحسب إسرائيل لك حسابًا، ولكن إياك والانجرار إلى صدام مباشر معها، فالصدام معها سيُنهي سلطتنا إلى الأبد.
– عادِ أميركا بالإعلام، ولكن إياك والإضرار الفعلي بأي من مصالحها، والعب على الشعور القومي، ولكن لا تقترب من المعسكر الشرقي كما يريد، ولا من روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فدورها أصبح محدودًا، ولكنها مصدر لتسليحنا، وهي تملك فيتو في مجلس الأمن.
– إذا احتل الأميركان العراق، كما يلوح في الأفق، فلا تخفْ، فهي ستقيم دكتاتورية شيعية تأتمر بأمر إيران، وهذا لصالحنا، ولكن ادعم المقاومة السنية في العراق ضد الأميركان، بحدود، فهي تجارة رابحة كي يبقى لك دور، وكي يحسب لك الأميركان حسابًا.
كلمة أخيرة
قد يطالب البعض بالدليل على أن حافظ أسد قد قال ما أوردته أعلاه، لذا أنا أوضح هنا أن الأهم من الدليل، والأهم من أن يكون حافظ أسد قد قال هذه الوصايا بهذا الشكل وبهذه العبارات أم بغيرها، أن هذه الوصايا هي بالضبط القواعد التي بنى عليها حافظ أسد ومن بعده وريثه بشار قواعد حكمهم وسلطتهم، فالأفعال على مدى نصف قرن هي البرهان الأهم الف مرة من الوثيقة، لذا اعتقد جازمًا أن حافظ الأسد قد أوصى وريثه بكل هذا وأكثر منه سواء قالها بهذه الكلمات أم بغيرها، وأنه قد كرر عليه هذه الوصايا مرات ومرات إلى أن وافته المنية، وكانت نصيحته الأخيرة:
يا يشار… حافظ على السلطة بأي ثمن.. بأي ثمن.. بأي ثمن… وظلّ يرددها حتى ذهب إلى منتهاه
مركز حرون
———————
=====================
تحديث 19 شباط 2021
—————————–
هل تراهن موسكو على خيارات غير نظام الأسد؟/ رانيا مصطفى
أعادت الأوساط الإعلامية تداول مبادرات قديمة جديدة، بشأن تشكيل مجلس عسكري في سورية؛ بعضها يقول بتولي ضباطٍ الحكم من الحرس القديم للنظام، وبعضها الآخر يسمّي شخصيةً بعينها لقيادة المجلس، العميد مناف طلاس. لا معلومات دقيقة عن جدّية تلك الطروحات، لكنّ اللحظة الراهنة استوجبت التوقف عندها، والأخذ بنقاشها على محمل الجد. خيار موسكو بالتمسّك ببشار الأسد بات اليوم محفوفاً بخطر انهيار مفاجئ داخل النظام، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، وخصوصا مع تصاعد الدعوات إلى الاحتجاج في الساحل السوري، والذي يشكّل كتلة اجتماعيةً متماسكةً ووازنة، ومؤثرة على استقرار النظام. من هنا، كان الانتباه الروسي لخطورة المسألة، حيث وجه السفير الروسي، وممثل الرئيس بوتين في دمشق ألكسندر يفيموف، رسالة يحذر فيها النظام من خطورة الوضع الاجتماعي مع التدهور الاقتصادي المتصاعد، قبيل الانتخابات الرئاسية.
وصلت المسارات الدستورية والسياسية إلى إعلان الفشل، وتوقفت العملية العسكرية كلياً، ما دفع روسيا إلى العودة إلى خيار التلاقي مع الدول الضامنة في أستانة، وإحياء حلف ثلاثي ضد السياسات الأميركية في سورية، بعد وضوح هذه السياسات لناحية عدم التغيير في الملف السوري، من جهة استمرار التشدّد في تطبيق قانون قيصر، الذي يضع اعتراضا على عملية إعادة الإعمار، وكل أشكال دعم النظام اقتصادياً.
وواضح أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، يريد حلحلة بعض الملفات العالقة في المنطقة، حيث هناك دفع إلى حلٍ في ليبيا، ومثله في اليمن. وبالتالي، من المتوقع أن واشنطن ترغب في حل الملف السوري، وهي تدفع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إلى التوافق مع روسيا والنظام، وقد قطعت عليهم أي أملٍ بدعمها التوجه الانفصالي. لكن موسكو ما زالت تصرّ على سياسة الانقلاب على مرجعيات الأمم المتحدة، والذهاب إلى مسارات بديلة، تبقي على النظام من جهة، والعمل على تشكيل جيش موازٍ داخل النظام، يمكنه ضمّ معارضين تقبلهم موسكو في فصيلها الخامس، كما في درعا، ليكون قوّةً وازنةً ضد حالة الولاء لإيران من بعض فرق الجيش، وضدّ حالة المليشيات الرديفة التي تشكلها طهران بمرونةٍ فائقةٍ لا تملكها موسكو، عدا عن المليشيات الشيعية غير السورية الموجودة في سورية.
هنا تأتي أهمية المبادرات التي تُقدَّم إلى موسكو، والتي ربما تدرسها القيادة الروسية على مهل. ضبابية تلك المبادرات، وافتقاد الردود الروسية حولها، سمحت للتحليلات السياسية والإعلامية بأن تشطح في مخيلتها، باعتبار أن ذلك المجلس العسكري سيقود المرحلة الانتقالية، الأمر غير المطروح، فهو يحتاج إلى انقلاب عسكري داخل النظام، وهو غير ممكن حالياً، بسبب تورّط ضباط الصف الأول من النظام بارتكاب مجازر حرب، وبالتالي هم يشاركون مجمل النظام مصيره، بينما لا يملك ضباط الصف الثاني تلك الإمكانية، كونهم مراقبين أمنياً، ولم تقدّم تلك المبادرات ضماناتٍ لهم حول سلامتهم من المحاسبة والانتقام. هذا إضافة إلى أنه لا توافق دوليا بشأن ماهية الحل في سورية. وبالتالي، إمكانية فرض حل سياسي ومجلس عسكري من الخارج غير متاحة الآن.
أمام روسيا عدّة خيارات؛ أولها أنها قد تقتنص الفرصة، وتقبل بخيار مجلس عسكري ما يضم الضباط المنشقين غير المشاركين في معارك المعارضة، من فريق مناف طلاس أو غيره، لكن أن يتم ذلك عبر نظام الأسد، أو أن توحي بأنّ بقاء الأسد مرحلي، حتى تتمكّن من تمكين ذلك المجلس من السيطرة ودمجه بجيش النظام. وهي بذلك ستمرّر الانتخابات، وتبحث عن تبرير وقبول دولي وبعض اللين من الإدارة الأميركية بخصوص إعادة الإعمار. لكن هذا الخيار سيسقط على الأغلب، مع النقاش المتصاعد والرفض للفكرة ضمن الوسط السوري، والتحذير منها. وبالتالي لن يُقبِل الضباط المنشقون على هذا الطرح، ولا الشخصية العسكرية المطروحة ستقبل بحرقها كورقة في سبيل الإبقاء على الأسد.
والخيار الثاني أمام روسيا العمل داخل جيش النظام على تهيئة الظرف لقبول هذا الطرح، عبر انقلاب عسكري ترتّب له موسكو، وتأتي بالمجلس العسكري المزعوم لتولي الحكم تحت وصايتها، وهو طريقٌ محفوف بمخاطر الرفض الإيراني للفكرة، والتصاق الأسد أكثر بإيران ومليشياتها، والتي لا تزال قوة لا يستهان بها في الداخل السوري.
والخيار الثالث أن تبقي موسكو على حالة الاستنقاع السوري، وتعيد المناورات مع واشنطن بشأن تسليم شرقي الفرات للنظام، وتحقيق بعض الانتعاش الاقتصادي، وهو خيارٌ ما زال بعيداً، ومحفوفاً بخطر مداهمة الوقت، مع الانهيار المتسارع للعملة السورية وغلاء أسعار المواد الأساسية غير المسبوق.
توحي رسالة السفير يفيموف إلى النظام السوري عن ضرورة اهتمامه بالوضع المعيشي للسكان، والتقليل من الضغوط الأمنية والاعتقالات، بأن موسكو باقية على الخيار الثالث بالاستمرار بدعم بقاء الأسد في السلطة، وأن عليه أن يخفّف قبضته الأمنية، وأن يجد حلولاً اقتصادية؛ مثلاً عبر اتباع سياسات اقتصادية أقلّ تحريراً، والاعتماد على المنتج الوطني، أي التقليل من حجم استفادة مافيات الحرب التي دعمته من التجار الجدد مقابل دعم بعض السلع الأساسية للمواطن.
في كل الأحوال، إذا استمر الأسد في حملته الانتخابية، ومضى في إجراء الانتخابات الرئاسية، فذلك يعني أن موسكو اختارت الاستمرار في حالة الاستنقاع السوري، وأن عليها أن تبحث عن بدائل لإقناع واشنطن والغرب بشأن تخفيف العقوبات على النظام، والسماح بتدفق بعض الأموال لاستثمارها في عملية إعادة الإعمار.
بقي القول إن ما يقود إلى التفكير بمبادراتٍ كهذه عن دور أساسي للعسكر في التغيير، على الرغم من المخاوف من تجارب حكم العسكر في دول الربيع العربي الأخرى، هو أولاً الفشل الذريع للطبقة السياسية المعارضة، وتقديم نفسها أدوات للدول المتدخلة في الشأن السوري، إلى درجة خلو الحالة السورية من العمل السياسي في اللحظة الراهنة. وثانياً عدم وجود قوى مجتمعية منظمة، تعطي دوراً للشعب، وتضمن عدم سيطرة العسكر. وهنا نتحدث عن نقابات واتحادات عمالية وطلابية فاعلة، كما في الحالة التونسية. وثالثاً فشل الخيار العسكري، وغرقه في الأسلمة، وفي التبعية للدول المموِّلة والحاضنة له. وفي كل الأحوال، امتلاء الساحة السورية بمليشيات متعدّدة التبعية، يستوجب وجود جيش مقبول لدى جميع الأطراف، توجهه غير طائفي أو قومي أو انتقامي. ولذلك قد تحظى الفكرة باهتمام وتطوير، إذا ما توفرت الإرادة الدولية لحل سياسي حقيقي للأزمة السورية.
العربي الجديد
——————————–
لماذا يهرب بايدن من سورية؟/ مروان قبلان
بعد أربعة أسابيع على تسلمه منصبه رئيسا للولايات المتحدة، ما زال جو بايدن يتجنّب الإشارة، ولو عرضا، إلى سورية، في تصريحاته العامة، علما أن الرجل يتحمّل من الناحيتين، السياسية والأخلاقية، مسؤولية كبيرة عما آل إليه الوضع فيها، بحكم أنه كان نائبا للرئيس في إدارة باراك أوباما، التي ظلت ست سنوات من عمرها (2011 – 2017) تتفرّج على المأساة السورية تتوالى فصولا، واستخدمتها خلال ذلك عربون ثقة لجرّ إيران إلى اتفاق 2015 النووي.
يزعم بايدن أن أولويته في منطقة الشرق الأوسط الآن هي إنهاء الحرب في اليمن، نظرا إلى الوضع الإنساني الكارثي في هذا البلد. جهود وقف الحرب في اليمن مهمة، ويجب أن تكون محلّ ترحيب، لأن الشعب اليمني دفع ثمنا باهظا لصراع داخلي على السلطة، تطوّر إلى حرب إقليمية مدمرة. لكن خطوات بايدن في اليمن تُبرز تناقضا كبيرا في سياساته، ولا تدلّ في الحقيقة على أن دوافعها إنسانية، كما يزعم، ففي المقابل هناك كارثة إنسانية لا تقل سوءا في سورية، يتجنّب بايدن حتى ذكرها، مستمرّة منذ عشر سنوات، سقط فيها ضعف ما سقط في اليمن من قتلى، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، الى جانب مليون مصاب، كما تسببت الحرب في تشريد نصف السكان (5.6 ملايين لاجئ، و6.4 ملايين نازح داخلي) إضافة إلى 6.5 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و11.7 مليونا بحاجة إلى مساعدة إنسانية.
ليس الحال أن بايدن يتجاهل الكارثة الإنسانية في سورية، بل إنه يسهم في إطالة عمرها من خلال توجهه إلى تشديد العقوبات الاقتصادية عليها. منذ عام 2011، تستخدم الولايات المتحدة سلاح العقوبات أداة ضغط على النظام السوري، لدفعه باتجاه حل سياسي. وبعد عشر سنوات، لا يبدو النظام أقرب إلى الاقتناع بجدوى أي حل سياسي، لا بل غدا مصمّما أكثر على أن ما لم ينتزعه منه خصومه بالقوة لن يعطيه بالمفاوضات، يؤيده في ذلك حلفاؤه.
ذكرنا مرارا أنه لا توجد في التاريخ المعاصر واقعة واحدة تدلّ على أن العقوبات الاقتصادية تسببت في إسقاط نظام متشبث بالسلطة بالأظافر والأسنان. استمرّ نظام كاسترو ستة عقود في حكم كوبا تحت الحصار (1959 – 2016)، وصمد نظام كوريا الشمالية 70 عاما وما زال، ونظام الملالي في طهران باق ويتمدّد بعد نيفٍ وأربعين عاما من العزلة والعقوبات. لا أدري لماذا ينبغي لنا بناء عليه توقع نتيجة مغايرة في سورية. الواقع أن العقوبات المفروضة من الخارج لا تفشل فقط في إضعاف نظام يمدّه حلفاؤه بما يكفي لإبقائه قائما، بل تسهم في تعزيز سطوته على مجتمعه، فالإنسان الجائع لا يملك رفاهية التفكير بحقوق مدنية أو ديمقراطية أو حرّيات. وليس لديه متسع ليلعن الاستبداد، دع جانبا مسألة أن يستجمع قواه الخائرة للثورة عليه. في المقابل، تؤدي العقوبات الى فتح أبواب ارتزاق جديدة أمام بطانة النظام وحاشيته، فكل شيء يغدو لديهم مباحا من أجل البقاء.
الواقع أن العقوبات ليست استراتيجية لتقريب الحل في سورية، أو إجبار النظام عليه، بل هي سياسة ممنهجة لتدمير ما تبقى من المجتمع السوري، وإماتته بصمت. ولا أحسب أن بايدن، الذي ساهم في صوغ العقوبات على العراق بين 1991- 2003، عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ، مقتنع بأن العقوبات على سورية ستؤدّي إلى نتائج مختلفة عنها في العراق. أميل، فوق ذلك، إلى الاعتقاد بأن الوضع الإنساني في اليمن لا يعني بايدن، كما لا يعنيه في سورية. أولويته الوحيدة هنا إيران، وهو يستخدم اليمن، كما سورية، لإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات، يخفّف الضغط هنا ويزيده هناك، أملا في الوصول معها إلى تسويةٍ تعفيه من التورّط في أزمة جديدة في المنطقة. طبعا هناك من سيسأل ولماذا تلوم بايدن، إذا كان جزء مهم من المعارضة السورية يؤيد العقوبات الأميركية، لا بل ساهم في صياغتها؟ سؤال وجيه يحتاج إلى تفصيل، لكني أميل إلى تقديم حسن النية في إجابة مختصرة عليه، وأقول: سوء التقدير، إذ تغلبت لدى بعض المعارضة، على الأرجح، أولوية إسقاط النظام على ما عداها، حتى لو كان الثمن فناء السوريين جميعا، في حين أن المطلوب هو إبقاؤهم أحياء، حتى يتمكّنوا من إسقاط النظام.
العربي الجديد
——————————-
«الانتخابات الرئاسية» في سوريا: النظام يجدد لنفسه وسط استمرار تغييب صوت الشعب/ هبة محمد
دمشق – «القدس العربي» : مع اقتراب استحقاق ما يسمى بـ «الانتخابات الرئاسية» في سوريا، تبدو تحضيرات النظام السوري، العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية والخدمية جارية على قدم وساق، استعداداً لفصل ضمن «مسرحية» انتخابية مكررة، يعيد إنتاج أدوات النظام ذاتها، ويحاول فرض وقائع على المشهد السياسي بغية دفع الفاعلين المحليين والدوليين للتعامل معها لسبع سنوات مقبلة على الأقل. وتُظهر المعطيات أن الانتخابات المقبلة لن تكون مختلفة عن «الانتخابات» السابقة، رغم المساعي الروسية الحثيثة لإضفاء طابع يظهرها بصورة أقل فجاجة.
الحاضنة العلوية
المعارض السوري أيمن عبد النور تحدث عن عشرات الطرق والأساليب التي يعمل بها النظام السوري، سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي. وقال في اتصال مع «القدس العربي» أن بشار الأسد يقدم عروضًا مغرية وقروضًا مكثفة لحاضنته من العلويين في الساحل السوري عبر وجه نسائي، لاسيما بعد تحميل الأسد مسؤولية مقتل أكثر من 170 ألف شاب من أبناء تلك المنطقة بينهم نحو 15 ألف امرأة.
وأضاف «كان قد وعدهم الأسد بالانتصار في الحرب، وتعويضهم والإغداق عليهم، إلا أن ما تعانيه حاضنته أسوة بكل الشعب السوري، جعلهم يشعرون بالنقمة، فتقرّب منهم عبر وجوه ناعمة، وأموالٍ طائلة حصل عليها بعدما سلب أموال رامي مخلوف ومنها «جمعية البستان» التي جعل منها جمعية إنسانية تحمل اسم «جمعية العرين» توزع القروض والمساعدات الغذائية والأشجار على المزارعين».
وتحدث المعارض السوري، عن تحضيرات مماثلة في معظم المناطق السورية، حيث يحاول النظام التقرب عبر أساليب مختلفة على رأسها إنعاش الموظفين بمنحة مادية، وزيادة في المرتبات الشهرية من أجل تخفيف الضغوط على الناس لكن الأمر غاية في الصعوبة بسبب ما تعانيه البلاد من وضع اقتصادي صعب.
وقال «لا شك أن ثمة حملة إعلامية هي الأضخم من نوعها ستنطلق في دمشق لاسيما بعدما التقى بشار الأسد الإعلاميين لوضع خطة تضم مجموعة من البرامج سيتم اطلاقها في الأول من مارس /آذار المقبل، حتى العاشر منه، على أن تنطلق حملته الانتخابية في منتصف الشهر ذاته».
لكن الوضع حسب رأي «عبد النور» يشير إلى أن بشار الأسد ينتظر ضوءاً أخضر خارجياً، وأضاف «بشار الأسد ونظامه يبحثان عن نظراء حتى ينافسوه في التمثيلية الانتخابية، منهم سيدة قد تكون كردية ورجال ونساء من إثنيات مختلفة كما يبحثون بمساعدة روسية عن أسماء من المعارضة ذات وزن، تقبل بالترشح للانتخابات حتى تكتسب الأخيرة مصداقية وشرعية».
ويرى خبراء في الشأن السوري أن بشار الأسد ومن خلفه موسكو يسوّقون للانتخابات ويعملون عليها من أجل أموال إعادة الإعمار في «سورية المفيدة» من جهة ومحاولة دفن مسار جينيف للحل السياسي من جهة أخرى. ويجزم الكثيرون أن لا شيء في الحالة السورية اسمه حملة انتخابية، فالعملية لا يمكن وصفها بالانتخابات طالما أنه لا يوجد سياق تنافسي في الأصل.
وحول آلية تسويق بشار الأسد لنفسه، تحدث مدير مركز جسور للدارسات محمد سرميني عن تصريحات وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في نهاية عام 2020، بأنّ الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها المحدد دون أي تأجيل، بمعزل عن نتائج عمل اللجنة الدستورية. جاء ذلك بعد أيام قليلة من تدشين حملة غير رسمية لدعم ترشيح بشار الأسد للانتخابات الرئاسية بتسليمه رسالة طولها كيلومتران عليها تواقيع مليونين ونصف مليون مواطن.
مسيرات مؤيدة
وفي 26 كانون الثاني/ يناير 2021، عقد بشار الأسد اجتماعاً مع عدد من الإعلاميين العاملين في وسائل الإعلام الرسمية، والذين كان لهم دور بارز على مدار عقد من الزمن في الترويج للرواية الرسمية للحرب. وبالفعل في 14 شباط/ فبراير، بدأ الإعلام الرسمي بالترويج لانتخاب بشار الأسد، عبر بث مسيرتين مؤيدتين لترشحه في مدينتي الحسكة والقامشلي شرقي البلاد.
واستنتج الخبير السياسي في تصريحه لـ «القدس العربي» أنّ بشار الأسد ما زال يولي أهمية كبيرة لدور الإعلام في تثبيت وترويج السردية الرسمية، لتحسين صورته خارجياً وداخلياً أيضاً، وإظهار نفسه كفاعل لا غنى عنه للحفاظ على الاستقرار بالنسبة للمواطن وللقوى الدولية.
ولا تقتصر التحضيرات على الجانب الإعلامي بل تشمل أيضاً الجانب الأمني، إذ حشد النظام السوري جهوده العسكرية والأمنية والسياسية بدعم من روسيا وإيران لفرض السيادة على مناطق الجنوب السوري من درعا إلى السويداء، على أمل أن يساهم ذلك في تحقيق مزيد من الاستقرار، وبالتالي الترويج لوجود بيئة آمنة لا تؤثر على ظروف إقامة الانتخابات الرئاسية. وتُظهر المؤشرات وفق المتحدث المتوفرة حتى الآن أن الانتخابات المقبلة لن تكون مختلفة عن «الانتخابات» السابقة، رغم المساعي الروسية الحثيثة لإضفاء طابع يظهرها بصورة أقل فجاجة، وهو ما يواجه مقاومة شرسة من طرف النظام بدعم من حلفائه الإيرانيين.
وبناء عليه فإنّ الانتخابات المقبلة لن تعدو كونها إعادة إنتاج لأدوات النظام المشروخة ذاتها، بدل أن تكون إعادة إنتاج للنظام كما يحلو للروس تسويقها، ومحاولة لفرض وقائع على المشهد السياسي بغية دفع الفاعلين المحليين والدوليين للتعامل معها لسبع سنوات قادمة على الأقل.
مسرحية
المعارض السوري والخبير القانوني محمد سليمان دحلا وصف بدوره تلك «الاستعدادات» بأنها فصل ضمن مسرحية هزلية تسمى تزويراً وتضليلاً بـ«الانتخابات» وهي لا تشبه الانتخابات بأي حال من الأحوال ولا حتى تلك التي تنظمها الانظمة الشمولية لتعزيز شرعية القوة والغلبة والأمر الواقع، وأضاف «من المعروف في الأنظمة الرئاسية وشبه الرئاسية أيضاً بأن رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من الشعب ضمن سياق تنافسي حقيقي، أما في سوريا فرئيس الحزب الواحد هو نفسه رئيس الحكومة التنفيذية وحزبه يسيطر بشكل مطلق على ما يسمى مجلس الشعب الذي سيختاره بناء على ترشيح القيادة القطرية ثم يطرح الأمر على استفتاء شكلي يغيب عنه أكثر من نصف الشعب السوري الذي هجـره هذا المرشح المجرم ودمر مدنه وبلداته وقتل أبناءه في المعتقلات والزنـازين والبـراميل المتفـجرة وغاز الـسارين».
وتساءل الخبير والمحامي عن «أي انتخابات يتحدث ذلك النظام الذي جعل من الجغرافيا السورية ساحة مستباحة للجيوش والميليشيات الأجنبية والطائفية الإرهابية في الوقت الذي يجمع فيه رأس النظام ومرشحه الأوحد سلطات الدولة الثلاث في يده سيما وان القضاء بعثي مسيس وكذلك لجنة الانتخابات القضائية التي ستدير تلك المسرحية المقيتة، فالديكتاتور المستبد المجرم ليس في حاجة لأي انتخابات من أجل شرعنة بقائه في السلطة لأنه يعلم بأن تلك المسرحية السمجة لن تغير من الواقع».
فالقيادة القطرية التي سترشح المرشح لمجلس الشعب يترأسها رأس النظام ومجلس الشعب يسيطر عليه شبيحة البعث الذين كافأهم على تشبيحهم بمقاعد المجلس وكل البنى التنظيمية للحزب بدءاً من قيادة الفرق وانتهاءً بعضوية القيادة القطرية ومروراً بقيادات الشعب والفروع تعينهم أجهزة الأمن التي يترأسها هو أيضاً والقضاء يترأس هو مجلسه الأعلى وكذلك مجلس الوزراء كما يعين هو أعضاء المحكمة الدستورية.. فما حاجته للحملة الانتخابية؟ ثم ما هو البرنامج الانتخابي الذي يطرحه؟ وهل سيطرحه على كل السوريين أم على من هم تحت سطوته الأمنية والعسكرية؟ ليس لديه أي برنامج يقدمه حتى لمؤيديه سوى شعارات الصمود والمقاومة والممانعة والانتصار على المؤامرة.
المعارض السياسي درويش خليفة أبدى اعتقاده بأن الاستحقاقات الدستورية والتي تشمل الانتخابات الرئاسية والنيابية، عندما تكون بعيدة عن اهتمام ومصالح السوريين، فهذا مؤشر على أن هذه الاستحقاقات لم تكن يوماً تعنيهم وتؤثر على حياتهم الخاصة والعامة. وأن المشاركة فيها من عدمها لا تحمل أي جديد لهم، وبالتالي فإن مقاطعتها تصبح جزءًا من الجانب الذي عمل عليه النظام، وهو إقصاء المجتمع عن الحياة السياسية، وهذا ما أفقد السوريين شعورهم بالمواطنة وولّد عندهم إحساساً بأنهم رعايا وليسوا مواطنين.
تعديل الدستور في أقل من ساعة
وفي رأي خليفة، فإن ما حدث عام 2000 عندما ورث النظام حكم سوريا لبشار الأسد عن أبيه من خلال تعديل الدستور في أقل من ساعة، بحيث يكمل القاصر سن الرئيس دستورياً، هو سبب مهم لمقاطعة السوريين لأي انتخابات في بلدٍ لم يعد فيه لتصوت المواطن السوري أي قيمة. وإذا عدنا للحديث عن الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة، فما هو دافع السوريين للمشاركة فيها بعد تهجير نصفهم من مدنهم ووطنهم واعتقال وقتل ما يقرب من مليون ونصف المليون من شعبه؟
وتساءل المعارض السياسي عن «البرنامج الانتخابي الذي سيصوتون من خلاله؟ هل لدى مرشح النظام المحكوم علينا أن يكون من عائلة الأسد أي برنامج إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، هل يدخل ضمن أجنداته سحب الجيش إلى ثكناته ورفع الحصانة عن الأفرع الأمنية وإطلاق سراح معتقلي الرأي ومناهضيه السياسيين؟ هل سيسمح لمعارضيه بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية وتنص المادة الدستورية 84 في فقرتها الخامسة على أن المرشح يجب «أن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح» وهو (نظام الأسد) لم يدع لأي معارض له أثراً في القطاع الذي يحكمه في سوريا؟
وانتهى «خليفة» بالقول: الانتخابات ليست مجرد صندوق فقط، بل هي استحقاق تجاه الشعب والدولة والسيادة الوطنية وهذه العناصر الثلاثة أغفلها وفرّط بها بشار الأسد دون مبالاة منه، بإدخاله جيوش عدة دول وميليشيات لقتل السوريين الذين يحتاج لأصواتهم ليبقى على رأس السلطة.
القدس العربي
————————-
المأزق الروسي.. فكرة جمال سليمان وفرصة المعارضات/ منير الربيع
في إحدى حلقات مسلسل “خان الحرير” السوري والذي أنتج في العام 1994، يجتمع تجار حلب وشخصيات سياسية وعسكرية للبحث في انسداد الأفق السياسي الذي وصلت إليه الوحدة بين سوريا ومصر.
الوحدة الاندماجية مع مصر حينها، قضت على الحركية السياسية في سوريا، وضربت كل النظم الاجتماعية والاقتصادية والفرادة السورية حين كانت سوريا كلها تتمتع بحياة سياسية متنوعة قائمة على تنافس الأحزاب والصحف ووسائل الإعلام.
الآلية التي أديرت بها الوحدة هي التي أسهمت في إسقاطها، ليس فقط في إلغاء الحياة السياسية، إنما من خلال قانون الإصلاح الزراعي ومشاريع التأميم. وصل الاختناق إلى حدّ الانفجار، فكان الاجتماع الذي يبحث في كيفية تجاوز تلك المشكلة. من بين الحضور، تجار، ليبراليون، برجوازيون، شيوعيون، وضباط جيش أبرزهم من المحسوبين على البعثيين.
ركز الاجتماع في البحث عن كيفية الانقلاب على الوحدة، يومها تقدّم المهندس مراد، المحسوب على الشيوعيين والسياسي السوري العريق خالد العظم والذي كان يلقّب بـ”المليونير الأحمر”، باقتراح لا ينطوي على حسابات الانقلاب الجذري على الوحدة، داعياً إلى إعادة البحث بها وبتجديدها، ولكن على قاعدة غير اندماجية، إنما وحدة فدرالية، كان يمكن لها أن تنجح بحال جرى توسيعها نحو اتحاد فدرالي عربي.
تقدّم المهندس مراد والذي كان يؤدي دوره الممثل جمال سليمان، هذا الاقتراح، المبني على قراءة للأحوال الجيواستراتيجية في تلك المرحلة، خاصة أن هناك خوفاً سورياً مزمناً منذ الاستقلال إلى ما قبل الوحدة، من تكرار تجربة حلف بغداد، وطمع العراق بضم سوريا إليه.
كانت فكرة جمال سليمان في المسلسل، تنطلق من مبدأ عدم الاستفراد في سوريا، وبتقييم سياسي كان الطرح الأفضل، لكن البعثيين فيما بعد أخذوا الصراع على عاتقهم نفذوا الانقلاب وانقضوا على الحكم، ومارسوا أسوأ من ممارسة عبد الحميد السراج وعبد الحكيم عامر.
شاءت الأقدار اليوم، أن لا يكون جمال سليمان ممثلاً في مسلسل درامي، إنما يمثل رأياً يعبّر عن كثير من السوريين، وبسبب الاستعصاء السوري المديد والذي على ما يبدو سيطول، رمى جمال سليمان باسمه الشخصي كما قال وليس باسم منصة القاهرة المعارضة، حجراً في بركة مياه راكدة، مقترحاً الذهاب إلى تشكيل مجلس عسكري يضم جهات متعددة ومتعارضة يشكل هيئة حكم انتقالي في سوريا.
لاقى كلام الرجل الكثير من الاعتراضات، ولكنه في الحقيقة، هو الاقتراح الوحيد الذي يبدو واقعياً وعملياً، بسبب عدم قدرة أي طرف على تحقيق أي تقدم على طريق الحلّ السياسي.
طرح جمال سليمان الفكرة، على الروس خلال لقاءات عقدت في موسكو، وهنا لم يعد بالإمكان الاستسلام لمنطق التخوين الشعبوي الذي يرتفع لدى حصول أي لقاء بين مسؤولين في المعارضة مع الروس، السياسة هنا تحتاج إلى تعقّل وواقعية، روسيا هي صاحبة الدور الأكبر في سوريا، ولا بد من التعاطي معها، طالما أنه لا بروز لأي مشروع حقيقي وجدي لمقاومتها لا سياسياً ولا عسكرياً.
لا بد من التعاطي معها مع تسجيل موقف أساسي يدين الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب السوري، أو بنتيجة ذهابها إلى أفكار تارة أقلوية، وتارة أخرى تقوم على تحالفات مذهبية أو إضفاء طبائع دينية لخوض تلك الحرب، ولا بد أيضاً من التعاطي معها كقوة مهيمنة تسعى إلى إعادة إحياء أمجاد الإمبراطورية الروسية، أو العودة كلاعب أساسي على الساحة العالمية انطلاقاً من سوريا وعلى أشلاء ودماء الشعب السوري. خاصة أن روسيا صاحبة مشروع أصبح واضحاً لتقديم أي بادرة من بوادر التقدم السياسي في سوريا إذا ما أخذت في المقابل ما تريده في شرق أوروبا.
يأتي الاقتراح في لحظة سياسية مفصلية، انشغال أميركي عن منطقة الشرق الأوسط، ووضع غير مستقيم بين روسيا والنظام السوري، وهنا لا بد من تقديم أي مشروع قابل لضرب العلاقة بين روسيا والنظام أكثر فأكثر، في ظل عدم توفر أي فرصة من فرص الحلّ، خاصة أن الآية انقلبت بالنسبة إلى كل القوى المشاركة في الحرب السورية، إذ كانت هذه القوى تنتظر حصول الحلّ لتحصيل الحصة السياسية بنتيجة قتالها، بينما الواقع أن كل طرف نجح في ضمان منطقة نفوذه، بدون توفر بوادر الحل، فيما تؤشر المعطيات إلى أن الاستعصاء سيستمر طويلاً.
اقتراح جمال سليمان فكرة يجدر التفكير بها، تأطيرها وتوسيعها، لتشمل فئات أوسع من السوريين، خاصة أن روسيا غارقة في ورطة حقيقية بسوريا، وتتوزع من حولها جملة من الخطوط الحمر، واحد في إدلب من قبل تركيا، آخر في الجزيرة والشرق بسبب الوجود الأميركي، كذلك بالنسبة إلى مناطق النفوذ الإيرانية، ناهيك عن الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية.
هذه الوقائع تنعكس سلباً على وضع موسكو في سوريا، ما يضرب طموحات بوتين التي أعلنها بأنه يريد سوريا قاعدة لبلاده، يستعيد من خلالها نفوذ الاتحاد السوفييتي، والتوسع باتجاه العالم العربي. روسيا غير قادرة على تحقيق أي تقدم في سوريا، وغير قادرة أبداً على الشروع في مشاريع إعادة الإعمار.
كان بوتين قد أعلن بأن المهمة الروسية قد تنتهي خلال ستة أشهر، بينما أصبح عمر الدخول الروسي إلى سوريا 6 سنوات، ولا بوادر أبداً للحلّ. الفرصة الآن لأي اقتراح جدّي قادر على تغيير الوقائع السياسية، واستقطاب المزيد من المواقف الدولية والإقليمية المؤيدة، بما يفيد سوريا، والسوريين، بدلاً من بقائهم على هذا الواقع من التشرذم والتشرد. وذلك لا بد له من أن يستفيد من لحظة المصالحات العربية، والخليجية، ووجود بوادر لتقارب تركي خليجي.
إنها فرصة للسوريين لإعادة إحياء الاهتمام العربي بهم وبالملف السوري. وذلك يتجلى بتلقف الاقتراح، والدعوة إلى تكثيف اللقاءات بين المجموعات السورية المتعارضة على اختلاف توجهاتها، ما يدفع إلى تشكيل عناصر ضاغطة على روسيا والنظام في آن معاً، بالاستثمار بالقواسم المشتركة بدلاً من معارك التخوين، والاستمرار بإثارة ما يثير المزيد من الفرقة.
تلفزيون سوريا
——————————-
دول أوربية تجهز مفاجأة لبشار الأسد وهذه تفاصيلها!
تحدثت وسائل إعلامية غربية عن تجهيز أوربا مفاجأة لبشار الأسد ستساهم في تقييد مجرمي الحرب في سورية.
وقال صحيفة “وول ستريت جورنال”: إن هناك أداة جديدة تستخدمها الدول الأوروبية والمنظمات الحقوقية تتمثل بما يعرف “الذكاء الاصطناعي”.
وستساعد الميزة الجديدة في فرز مجموعة ضخمة من الأدلة على ارتكاب الجرائم، واستخدامها كنموذج للتحقيقات، وسيكون لها الدور الأساسي في تقديم مجرمي الحرب إلى المحاكم الدولية.
من جهتها أكدت كاثرين مارشي أوهيل المعنية بجمع المعلومات حول سورية بتكليف من الأمم المتحدة أن هدف التقنية المذكورة هو المساعدة في تنظيم ومعالجة البيانات وتحليلها وتقليل الوقت في فرزها من قبل المحققين البشريين.
ونوهت الصحيفة نفسها إلى أنه من أساسيات “الذكاء الاصطناعي” تجميع مقاطع فيديو لنفس الواقعة والتخلص من المقاطع واللقطات والصور المكررة، وتجميع المقاطع التوثيقية لارتكاب انتهاكات بسلاح معين، كالعنقودي مثلاً.
وتحدثت الصحيفة عن مشاركة مشروع “مايكروسوفت” للذكاء الاصطناعي في البحث عن انتهاكات نظام الأسد بالأسلحة العنقودية، عبر اكتشاف مقاطع الصوت الخاصة بالانفجارات هذه الأسلحة، لكون صوتها مميز عن باقي الانفجارات.
ووثق نشطاء الحراك الثوري في سورية ملايين الصور ومقاطع الفيديو لعمليات القصف والإبادة التي مارستها قوات النظام وحلفاؤها الإيرانيون والروس بحق السوريين، كما وثقت آلاف الصور لمعتقلين قضوا تحت التعذيب.
الجدير بالذكر أن عدداً من منصات التواصل الاجتماعي حاربت المحتوى الثوري بحجج الكراهية والمحتوى غير الملائم وأشهرها فيسبوك ويوتيوب.
وهذا ما دفع عدداً من الناشطين إلى العمل على توثيق الصور والفيديوهات بعيداً عن المنصات المعروفة لكي يسهل العودة إليها ولتكون أداة لمعاقبة الأسد وأعوانه.
————————
هل يخرج بوتين من المستنقع السوري؟/ يحيى العريضي
مع انطلاق ما سُمِّي “الربيع العربي”؛ ومع قرار استعمارات الأمس التدخل السافر في شؤون هذا الربيع، لحماية دكتاتوريات همّها البقاء، مقابل الحفاظ على مصالح قوى الخارج؛ لم يُسمَح لروسيا بوتين أن تكون جزءاً من التحالف الدولي الذي دخل سوريا؛ إلا أن روسيا تدبّرت أمرها مع حاكم دمشق “مهتز العرش”؛ وبالتنسيق مع قوة إقليمية صاحبة مشروع توسعي خبيث /إيران/؛ ودخلت لحماية منظومة الأسد الاستبدادية.
عَمِلَ هذا الغرب الاستعماري على احتواء روسيا بوتين مستغلاً ملفاتها الإجرامية المتراكمة، والممتدة من الشيشان إلى جورجيا فالقرم، وبنى على طموحات بوتين المَرَضيّة والتي حدّدها “أوباما” بوصفه روسيا كمجرد “قوة إقليمية كبيرة”. وهنا تمَّ تصميم استراتيجية احتواء؛ يمكن تسميتها “استراتيجية احتواء المُرْتَكِب” لإنجاز جملة من الأهداف في سوريا الهامة جداً لكل تلك القوى المتدخلة بشؤونها:
أولها – تعهيد الملف السوري لبوتين صاحب الطموح المَرَضيّ، وثانيها – استصدار قرارات أممية بلا أنياب لإدارة المأساة السورية، لا لإنهائها، وثالثها – تسجيل نقاط سياسية واستراتيجية سوداء على روسيا بوتين لإغراقها أكثر بسوء أفعالها، وإبقائها كما وصّفها “أوباما”.
صدّق بوتين نفسه؛ وتفاعلت طموحاته الشخصية باستعادة أمجاد إمبراطورية الروس بدور جديد، كمقرر لمصير شعب ودولة قُرب المياه الدافئة؛ فتصرّف كدب هائج: – سياسياً عبر الفيتو، الذي حمى به إجرام نظام الأسد؛ وعسكرياً عبر “السوخوي”، التي راكمت ملفات الإجرام على كاهله.
لم يكن بوتين غبياً ليغيب عن ذهنه المستنقع الذي أُريد إدخاله في أتونه؛ فسارع إلى استثمار الفخ الغربي ذاته، مستنداً إلى دعوة “الشرعية الأسدية” له؛ وبدأ عملية وضع اليد على سوريا عبر عقود طويلة الأجل مع “الشرعية الأسدية”؛ إلا أن التحالف الدولي، وعلى رأسه أميركا، حَرَمَه مما أُطلِق عليه اسم “سوريا المفيدة” فعلاً، حيث النفط والماء والقمح. وهنا، وجد بوتين نفسه محاصراً بين شمال سوري بغربه وشرقه بيد التحالف وتركيا، كحليفين لمن يعارض الأسد الذي يحميه، من جانب؛ وباقي سوريا تحت نفوذ إيران، التي تزاحمه في حماية الأسد، من جانب آخر. وللمفارقة مِن قبل إسرائيل، التي تستبيح ذلك النفوذ بالتنسيق معه ومع طموحاته بكسب ودّها، من جانب ثالث.
كسب بوتين بجدارة عداء كل من احتكَّ معهم بشأن القضية السورية: – زاد توتر العلاقات بينه وبين أميركا والغرب الأوروبي؛ – أصبح رهينة للخبث والاستغلال الإيراني والأسدي؛ – تحول إلى خادم لطموحات المشروع الصهيوني في المنطقة؛ والأهم من كل هذا، – كسب عداءً أزلياً تجاه شعب سوري ينشد الحرية والخلاص من ربق الاستبداد الأسدي، حيث حالَ دون ذلك بإصرار ومكابرة.
تجلى التخبط البوتيني، وعمى القلب بالموقف الروسي الأخير في مجلس الأمن؛ حيث وقف ممثل بوتين في وجه تفعيل حقيقي لعملية السلام في سوريا، عندما رافع عن انتخابات أسدية لا شرعية لها. والمفارقة أن الفعل الروسي هذا، وما يشابهه من إفراغ القرارات الدولية من مضمونها، يحدث مرة تلو الأخرى؛ وهذا الغرب، الذي يمتلك معظم أدوات اللعبة، يستمر بالتمتع بالغباء الروسي، ويطمئن على إدارته “الناجحة” للمأساة السورية.
كيفما كانت أهداف بوتين، وكيفما كانت أشكال معيقاتها، فإن الجهة الأكثر عرقلة لها هي نظام تمرّس على اللعب فوق أكثر من حبل. ومن حق أي سوري أن يسأل ها هنا: هل يَغْفُلُ بوتين عن العبارة الأشهر بتوصيف علاقة الأسد الأب بالاتحاد السوفيتي؛ والتي تقول: إن “قلب الأسد كان على الدوام مع أميركا، ويده في جيب الروس”؟ – ألا تصل بوتين تلك التهديدات المبطّنة بأولوية التحالف الأسدي-الإيراني على الأسدي-الروسي؟ – ألم يقع على أسماعه غزل الترجي بين النظام والإدارة الأميركية الجديدة؟ و – هل يصدّق بوتين أن النظام يحتاجه للتواصل مع إسرائيل؟
إذا كان بوتين يعتقد أن لا أحد يمكن أن يحافظ على المصالح الروسية كالمنظومة الإجرامية القائمة، فهو يكابر ويخاتل؛ وهو الأعلم، حسب تصريحات بعض مسؤوليه مؤخراً، بأن نظام الأسد في حالة موت سريري؛ وهو عبء أكثر مما هو ضامن وشريك. من جانب آخر، يشكل استمرار حمل بوتين لهكذا منظومة إجرامية مزيداً من الانتفاخ بملفاته الثقيلة سلفاً.
مرة أخرى نقول إن المخرج المضمون والأكثر براعةً سياسياً واستراتيجياً، يتمثل بأعكاسه لكل ما فعله تجاه المسألة السورية حتى الآن، وبإدارة الظهر لكل القوى التي أرادته أن يغوص في هذا المستنقع، وبالعودة إلى جوهر القضية السورية. فإن كانت الملايين السورية خرجت أساساً للخلاص من هذه المنظومة الاستبدادية، فالقانون الدولي سيكون بجانبه- بفعل حقوق الإنسان، لا بفعل الفيتو.
وإعادة الإعمار ستكون ممكنة- بفعل تطبيق القرارات الدولية الخاصة بسوريا، لا بابتزاز العالم. وعودة اللاجئين ستكون محققة بفعل الإرادة والضمانات الدولية، لا بفعل الابتزاز والمساومات.
لا مخرج لبوتين من مأزقه، إلا بخروج سوريا والسوريين من مأساتهم؛ ولا يحدث ذلك عبر الاستمرار ببهلوانيات الدببة. لا مخرج إلا بقلب الطاولة على كل السياسات البائسة التي نهجها حتى الآن في سوريا، وأولها الإقرار الصريح والصادق والفعلي بالتنفيذ الكامل والحرفي للقرار الدولي 2254، وخاصة تشكيل هيئة حكم انتقالي لا مكان فيها للمنظومة الاستبدادية، التي أوقفت حياة سوريا وأهلها. قد يكون هذا رهاناً على مجرمين؛ ولكن إذا كانت مصلحتهم تكمن بهكذا فعل؛ فلمَ لا يكون الرهان!
تلفزيون سوريا
————————-
أسرى سوريا..خدعة نتنياهو وبوتين/ ساطع نور الدين
لا تنفك أخبار سوريا تثير العجب، وتعد بالمزيد من الخيبة: المفاوضات السرية التي بدأت قبل أسابيع، برعاية مباشرة من روسيا، وسربت أنباؤها من إسرائيل في الساعات القليلة الماضية، كدليل على إخفاقها، إستؤنفت مجدداً، وإتجهت نحو البحث عن أسرى جددٍ يقبلون بعملية تبادل مثيرة ترسم صورة بهية للدور الروسي في المشرق، وتمهد لتقارب منشود بين النظام السوري وبين العدو الاسرائيلي.
رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي وجدها فرصة ذهبية لإداء عرض مسرحي جديد، يشبه عروض التطبيع التي نظمها قبل أشهر مع عدد من الدول العربية، لا سيما مع إقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية الحاسمة لمستقبله السياسي والجنائي، الشهر المقبل، بلغ به الأمر حد دعوة حكومته المصغرة الى إجتماع طارىء بالامس، حيث أبلغ الوزراء بتفاصيل الصفقة المقترحة، ووزع عليهم ورقة للتوقيع يتعهدون فيها بعدم تسريب أسرار العملية..التي نشرها الاعلام الاسرائيلي بالكامل، مع أسماء “الاسرى” الثلاثة الذين كانوا مرشحين للتبادل ومقابلات مع بعضهم.
وعلى الفور، تبين أن القصة كلها ملفقة: إثنان من “الأسرى”الثلاثة سوريان، فتاة درزية من بلدة مجدل شمس السورية في الجولان المحتل، ليست أسيرة ولا معتقلة، وهي موجودة في منزلها، ولم تطلب الإنتقال الى الداخل السوري، ومعتقل من بلدة الغجر السورية-اللبنانية أيضاً على الحدود مع لبنان، رفض نقله الى دمشق وأصر على إطلاق سراحه وإعادته الى بلدته، فأُعيد الى السجن..أما الثالثة فهي فتاة يهودية قيل أنها عبرت خطأ الحدود الى سوريا، قبل أسبوعين، ولم يعرف عنها شيء ولم يعترف بها أحد!
دمشق ما زالت تلتزم الصمت المعتاد في هذه الحالات، وتفسح المجال لحفاري القبور الروس، الذين نبشوا طوال الاشهر الماضية عددا غير محدد من المقابر السورية بحثا عن رفات الجاسوس الاسرائيلي الشهير ايلي كوهين وجنديين آخرين قتلا في غزو لبنان العام 1982، لكي يكملوا “وساطتهم” الانسانية ، التي تشمل إستضافة وفد إسرائيلي مفاوض توجه الى العاصمة الروسية على عجل، الاربعاء، لمتابعة التفاوض.. من دون أن يتأكد حتى الآن ما إذا كانت سوريا قد أرسلت وفداً مماثلاً الى موسكو.
قد لا تكون القصة كلها خادعة. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرتبط بصلات شخصية وثيقة جداً مع نتنياهو ويعمل بجدية، ربما أكثر من الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، من أجل بقائه في السلطة، يسعى جهده حاليا لكي يهدي صديقه الاسرائيلي صفقة سورية تخدم حملته الانتخابية، وتفتح آفاقاً جديدة لدور روسي منشود منذ سنوات، في رعاية مفاوضات سلام سورية إسرائيلية.
لا يبدو أن مثل هذه المفاوضات الى ذريعة مثل صفقة الاسرى المزعومة، التي قد تنتهي بإعلان موسكو العثور على جثة كوهين او الجنديين الاسرائيليين. فمنذ ان إنتخب الرئيس الاميركي جو بايدن راجت شائعات كثيرة عن لقاءات وإتصالات سورية إسرائيلية، عبر موسكو، التي كانت ولا تزال تعتبر ان التوصل الى معاهدة سلام سورية إسرائيلية هو أحد طموحاتها الرئيسية، خاصة وأنها تشكل غطاء نموذجيا لدور روسي بعيد المدى في سوريا وفي المشرق، يحرج الإدارة الاميركية الجديدة، ويفرض عليها التسليم التام بهذا الدور، ويخرج إيران من سوريا، أو على الاقل يحشرها في الزاوية.
ليست دمشق جاهزة الآن لمثل هذه الصفقة، لسبب رئيسي هو أنها لا تستطيع ان تستغني عن التمويل الايراني المباشر للنظام، والمقدر بما يزيد على ستة مليارات دولار سنوياً. لكن إذا توافر البديل، العربي خاصة، وهو لم يعد مستبعداً أيضا، فإنها لن تتأخر طبعا في توجيه الشكر الى إيران على ما قدمته من أجل سوريا وفي دعوتها الى سحب “مستشاريها” ومليشياتها من الاراضي السورية.
عندها قد لا يكون تبادل الاسرى قصة واهية إخترعها نتنياهو وبوتين في وقت الفراغ الاميركي.
المدن
—————————
“بند سري” في صفقة الفتاة الإسرائيلية..لماذا يخفيه نتنياهو؟/ أدهم مناصرة
يبدو أن صفقة “الفتاة الاسرائيلية” التي اجتازت قبل اسبوعين الحدود باتجاه سوريا، لم تتوقف عند حدّ استعادتها بوساطة روسية ووصولها مطار بن غوريون فجر الجمعة، مقابل إطلاق سراح راعيي أغنام سوريين والأسيرة نهال المقت.
وتصرّ أوساط سياسية وإعلامية في إسرائيل على وجود ثمن في بند سري في هذه الصفقة لم تدفعه إسرائيل بعد. وقد أثار الكشف عن بند سري، وُصف بأنه “الثمن الإضافي الذي دفعته إسرائيل لسوريا”، عاصفة إعلامية في إسرائيل؛ ما ولّد ضغطاً على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للكشف عن البند، متهمة إياه بعدم الإفصاح عنه لمصالح انتخابية شخصية.
ونقلت القناة الإسرائيلية “13” عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن “الثمن الإضافي في الصفقة الذي تم دفعه لسوريا لم يكن على حساب مواطني إسرائيل ولا يمس بمصالح إسرائيلية. وهذا الثمن رمزي وإنساني مع رؤية المصالح الإسرائيلية المستقبلية مقابل روسيا وسوريا في قضايا مستقبلية هامة لإسرائيل”.
وقال مصدر مطلع ل”المدن”، إن إسرائيل سعت إلى النجاح في التوصل الى نتيجة “مُرضية” من جانبها وليس بثمنٍ كبير. لكنه لم يستبعد وجود ثمن سياسي يمكن أن تدفعه إسرائيل لاحقاً بشأن مسألة محددة مرتبطة مباشرة بالمصالح الروسية في سوريا.
لكنّ مصدراً آخر توقع في حديث ل”المدن”، أن الحديث يدور عن إطلاق سراح أسير إلى أسيرين اثنين “إضافيين” من دروز هضبة الجولان وربما من الفلسطينيين أو اللبنانيين، في المرحلة القادمة. وألمح المصدر إلى أنه قد يكون قد تمّ إطلاق سراح هذا الأسير او الأسيرين ولم يتم الاعلان عن ذلك حتى اللحظة.
وكشفت مصادر ل”المدن” أن إسرائيل لم تكن هي المُبادِرة في الحديث عن الوساطة الروسية في قضية الفتاة، إلا بعد أن جاء اتصال من قاعدة حميميم السورية إلى الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، تُخبرها عن الموضوع رغم مرور خمسة عشر يوماً على واقعة اجتياز الفتاة للحدود المذكورة.. ثم سارع المستوى السياسي في اسرائيل إلى التواصل مع القيادة الروسية طالباً دوراً وسيطاً منها لاستعادة الفتاة.
وبعد ذلك سافر وفد أمني إسرائيلي وضباط استخبارات على أعلى مستوى إلى روسيا لنقاش بنود الصفقة وحدثت مفاوضات بشأنها. وهو ما دفع جهات سياسية إلى الاستنتاج بأن الصفقة تعدّت أبعادها أي “مسألة انسانية فقط”، كان بالامكان إنجازها دون ذهاب وفد برتب عالية إلى موسكو.
وتقول المصادر إن روسيا وجدت في قضية الفتاة فرصتها لطرح مطالبها أمام إسرائيل على الطاولة، بينها تخفيف وتيرة الغارات الاسرائيلية في سوريا. لكن الاعلام العبري لم يتمكن من معرفة ماهية البند في ظل فرض الرقابة العسكرية ومنع النشر. ولهذا، فإن مرافقة الوفد الأمني الإسرائيلي لهذه الفتاة من موسكو (بعد نقلها من سوريا) حتى تل ابيب لم يكن بروتوكولياً، بل هو كان في مهمة تفاوضية ليس بالسهلة، وفق المعطيات.
بدورها، قالت هيئة البث الإسرائيلية العامة “كان”، إن الثمن الإضافي للسوريين، صودق عليه خلال اجتماع الحكومة، قبل يومين. ولا يدور الحديث عن تحرير أسرى سوريين آخرين. وسبب حظر النشر هو منع رفع ثمن صفقات مستقبلية.
ووصف المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، “الثمن الإضافي” بأنه “بند غير مألوف”، وأن الكشف عنه من شأنه أن “يثير خلافات في أوساط الجمهور الإسرائيلي”.
وتحدثت مصادر سياسية ل”المدن”، عن أن روسيا وإسرائيل بحثتا في سياق الصفقة العلاقة مع سوريا، وإمكانية عدم تصنيف دمشق على قائمة “الإرهاب”.
ووفق المصادر، فإن نتنياهو أراد استغلال هذه الصفقة في هذا التوقيت كي يبعث برسالة إلى إدارة الرئيس جو بايدن، مفادها “إننا نصحّح العلاقة مع روسيا لنكون حاضرين في ترتيبات المنطقة”.. فضلاً عن أن روسيا الآن هي على الخط لإيصال “رسائل تهدئة” إلى الدولة اللبنانية، لطمأنتها من أن إسرائيل غير راغبة بالحرب إذا لم تنزلق إليها. كما طلبت إسرائيل من دمشق عبر روسيا أن تضغط على حزب الله من أجل لجم أنشطته ضد إسرائيل، وألا يقوم الحزب بتنفيذ عمليات قبل الانتخابات الاسرائيلية المقررة في آذار/مارس 2021، من شأنها أن تحرج نتنياهو أمام الإسرائيليين.
وتروج جهات إسرائيلية بأن رئيس النظام السوري بشار الأسد يحاول إيجاد مسافة معينة مع إسرائيل تضمن له التخلص من عبء الوجود الإيراني في سوريا. ولهذا، يعتقد الأسد أن الطريق إلى واشنطن يمر حتماً عبر إسرائيل. وتستدل على ذلك، بطبيعة الرسالة التي وصلت من دمشق إلى تل ابيب بشأن قضية الفتاة الاسرائيلية، ومفادها “لدينا فتاة إسرائيلية اجتازت الحدود، ولا نريد توتير الأمر مع إسرائيل. لنحله بطريقة مُرضية”.
المدن
—————————–
لافرنتييف:ليس لدى روسيا جميع أدوات التأثير على النظام السوري
عبّر المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف عن استياء روسي من فشل اللجولة الأخيرة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، محملاً النظام السوري، بشكل غير مباشر، مسؤولية فشلها.
وقال لافرنتييف لوكالة “تاس” الروسية، إن موسكو ترى أنه “حان الوقت فعلاً للعمل الدستوري”، محذراً من عواقب “عملية دستورية بديلة في دمشق”، مشيراً إلى أنها لن تحظى بقبول دولي.
وأشار لافرينتيف في المقابلة التي أتت عقب لقاء “أستانة 15” في سوتشي، إلى أن الوجود الروسي في سوريا لا يعني أن لديها “كل أدوات التأثير على دمشق، وعليها أن تصدر التعليمات، وعلى السوريين أن ينفذوا هذا كله”، مضيفاً أن الدور الروسي يقتصر على تقديم التوصيات للنظام، “والقرار يجب أن تتخذه الحكومة السورية”.
وقدّم وجهة النظر الروسية في ضرورة الانتقال إلى مناقشة فقرات محددة من الدستور قائلاً: “على الأرجح، حقيقةً، حان الوقت للانتقال إلى مناقشة فقرات محددة من الدستور، كيف ترى الحكومة ذلك، وكيف ترى المعارضة، وتوثيق هذا كتابةً”.
وأكد المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سوريا وجود أطراف، لم يسمها، تريد “دفن العملية”، وقال: “لا بديل عن عملية المفاوضات حول الدستور في جنيف، لأنه إذا فشلت هذه العملية، وإذا امتنع المجتمع الدولي عن دعمها، لن يبقى مخرج بديل أمام الحكومة السورية، سوى تنظيم العمل حول الإصلاحات الدستورية على الأراضي الخاضعة لسيطرتها”.
كما لم يحمل المسؤول الروسي المعارضة السورية مسؤولية عرقلة عمل اللجنة الدستورية، محملاً المسؤولية للنظام بشكل مبطن. وقال إن “حجر العثرة هو أنه من وجهة نظر السوريين، من وجهة نظر دمشق، لا بد من التوصل في البداية إلى فهم للمبادئ الوطنية الأساسية، مثل السيادة ووحدة الأراضي”.
وأشار إلى أنه إذا رأى المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن استعداداً لدى دمشق في استكمال عمل اللجنة الدستورية والتوافق على آليات العمل، فإن الأخير “سيعلن لا شك عن موعد الجلسة القادمة في أقرب وقت”. وأضاف أنه أجرى محادثات مفيدة جداً ومطولة مع بيدرسن في سوتشي حول عمل الدستورية، مشيراً إلى وجود “تطورات إيجابية” رافضاً الكشف عنها.
من جهته، أعلن ممثل وفد المعارضة السورية في محادثات سوتشي أيمن العاصمي عن الاستعداد للعمل مع روسيا لحل القضايا المعقدة المتعلقة بالتسوية في سوريا.
وقال العاصمي لوكالة “سبوتنيك”: “يمكن لروسيا أن تتعاون مع المعارضة، وأنا متأكد من أننا مستعدون للتوصل إلى تفاهم بالقدر الذي يسمح للشعب السوري باستعادة حقوقه”. وأشار إلى أنه تمت مناقشة الوضع في إدلب وعمل اللجنة الدستورية خلال اجتماعين مع الوفد الروسي في سوتشي.
واعتبر أن “روسيا قادرة على الضغط على دمشق للمضي قدماً بعمل اللجنة الدستورية”، مضيفاً أن “هذه مسألة صعبة للغاية لكننا سمعنا وعوداً من روسيا والأمم المتحدة بممارسة بعض الضغوط للنجاح في ذلك”.
———————-
هل من مقاربة روسية جديدة للأزمة السورية؟/ عقيل حسين
تسعى روسيا جاهدة لكي تحافظ على المسار السياسي الذي ترعاه في سوريا، بالتزامن مع إظهار واشنطن أول بوادر التركيز على هذا الملف من خلال تعيين مبعوث خاص جديد مؤقت، بينما يحاول المبعوث الأممي غير بيدرسن استغلال ذلك من أجل تحقيق تقدم في الجهود التي يبذلها ولم تسفر عن نتائج مهمة حتى الآن.
وعقب انتهاء الجولة الخامسة عشرة من أعمال مسار أستانة الأربعاء، في مدينة سوتشي الروسية، كثفت موسكو نشاطها الديبلوماسي للبناء على ما تحقق في هذه الجولة ومنحه زخماً يقطع الطريق على القراءة السلبية لما أسفرت عنه، سواء من حيث الشكل حيث اقتصر الحضور على المساعد الثاني لوزير الخارجية في الدول الثلاث الراعية للمسار (روسيا، تركيا وإيران) أو من حيث المضمون، حيث اقتصرت النتائج على الاتفاق على تمديد الهدنة في إدلب وتوسيعها لتشمل جميع مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب البلاد، بينما لا يزال الاستعصاء السياسي يفرض نفسه وبقوة على الجميع.
وشهد يوم الخميس نشاطاً روسياً واضحاً، حيث أجرى الرئيس فلاديمير بوتين مكالمة هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، تركزت حول نتائج مؤتمر أستانة.
ورغم أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في سوتشي حول تثبيت خطوط الاشتباك بين المعارضة والنظام يعتبر أحد أهداف تركيا الرئيسية، إلا أن أنقرة تعاملت ببرود مع الجولة الأخيرة من أعمال أستانة، في موقف يرى فيه البعض تريثاً تركياً تفرضه الاتصالات الأخيرة مع الولايات المتحدة، حيث تعتبر العلاقات بين أنقرة وموسكو على رأس اهتمامات واشنطن، وخاصة في ما يتعلق بالملف السوري.
لماذا البرود التركي؟
اعتقاد جعل أصحابه يرون في المكالمة الهاتفية التي أجراها لافروف مع وزير خارجية النظام السوري فيصل مقداد، والتي تركزت، حسب بيان للخارجية الروسية، “على نتائج لقاءات سوتشي، والزيارة المرتقبة لبيدرسن إلى دمشق، ومهام تعزيز التسوية السياسية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254، وأعمال اللجنة الدستورية”، أنها تضمنت أكثر من مجرد ما تمّ الإعلان عنه في البيان.
كما أجرى لافروف محادثات مع بيدرسن الذي يزور موسكو قبل توجهه المقرر إلى دمشق، وذكرت الخارجية الروسية، في بيان، أن الجانبين أوليا “اهتماماً خاصاً لعمل اللجنة الدستورية”، وأن لافروف وبيدرسن أكدا أنه “لا بديل للحل السياسي للأزمة السورية بناء على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن”.
لقاء سبقه أيضاً اجتماع بيدرسن مع نائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين. وإذا كان لافتاً أن يلتقي بيدرسن بمسؤول عسكري روسي رفيع، إلى جانب لقائه لافروف، فإن اللافت أيضاً عودة موسكو للتأكيد في جميع التصريحات الصادرة عنها على دور الأمم المتحدة في الحل السياسي في سوريا، وكذلك في العمليات الإنسانية، الأمر الذي يرى فيه معارضون سوريون محاولات روسية لمحاصرة أي تحرك غربي أو أميركي جديد في هذا الملف.
ويرى عضو الإئتلاف الوطني المعارض زكريا ملاحفجي أن “التحرك الروسي الأخير المختلف، تحكمه معطيات عديدة جعلت من موسكو تكثف نشاطاتها مؤخراً على صعيد الملف السوري، وفي مقدمة هذه المعطيات انتهاء ترتيبات الإدارة الأميركية الجديدة وتعيين مبعوثة خاصة إلى سوريا، من المتوقع أن تستأنف حضور الولايات المتحدة في هذا الملف بشكل أكبر، وهو ما ترى روسيا بالتأكيد أنه يجب العمل على التلاقي معه بالمستوى المطلوب، بالإضافة طبعاً إلى تفاقم تأثر النظام بالعقوبات الإقتصادية المفروضة عليه”.
وكشف ملاحفجي أنه “بينما تسعى روسيا لمنح الأمم المتحدة دوراً أكبر في الملف السوري بما يخدم توجهاتها في إبعاد الغرب ما أمكن عنه، فقد اصطدمت بالإحاطة التي قدمها المبعوث الدولي إلى مجلس الأمن حول أعمال اللجنة الدستورية، وحمّل فيها النظام مسؤولية فشل الجولات السابقة، كما بدا واضحاً ارتباكها من مساعي الدول الأوربية والأميركية لإصدار بيان يدين النظام بسبب هذا التعطيل، وقد توج كل ذلك بموقف حازم من بيدرسن في اجتماعات أستانة حين وجّه اللوم للنظام وحليفته روسيا بسبب تعثر الجهود الديبلوماسية حتى الآن”.
وأوضح أن رد فعل رئيس الوفد الروسي في سوتشي تجاه إشارة وفد المعارضة، إلى أن السوريين يرون اليوم في روسيا دولة إحتلال بسبب دعمها المطلق للنظام، كان مثيراً للانتباه، وهو أمر ليس جديداً بطبيعة الحال وسبق أن سمعته من بعض المعارضين الذين زاروا موسكو في أوقات سابقة، لكن يبدو أن ذلك كله يدفع الروس للتحرك من أجل ممارسة ضغط من نوع مختلف من أجل إنقاذ المسار الدبلوماسي الذي تتبناه، وعلى رأسه اللجنة الدستورية التي بلغت طريقاً مسدوداً.
لا يمكن الاكتفاء بما ورد في بيانات موسكو الرسمية حول الاجتماعات والاتصالات المكثفة الأخيرة التي أجرتها بخصوص سوريا، ولا بد أن هناك ما لم يتم الكشف عنه لكن من دون الوقوع في فخ المبالغة كما يقول معارضون سوريون في تعليقهم على هذه التحركات، في وقت يترقب فيه الجميع ما تحمله حقيبة المبعوثة الأميركية الجديدة إيمي كترونا، ورؤية الإدارة الجديدة بشكل عام لهذا الملف.
المدن
——————–
الليرة السورية..اللعنة المزدوجة/ إياد الجعفري
يعكس أداء الإدارة الحالية لمصرف سورية المركزي، درجة الرداءة التي وصل إليها واقع النظام الحاكم سواء على صعيد الخطاب الموجّه للداخل، أو على صعيد كيفية إدارته للأزمات الاقتصادية، أو حتى على صعيد محدودية موارد القوة الاقتصادية التي بقيت في قبضته. وفي مفارقة تشبه تلك التي أشارت إليها دراسة “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، مؤخراً، والتي كشفت أن النظام يسيطر فعلياً على 15% فقط من المنافذ الحدودية البرّية في البلاد، فيما يرفع مسؤولوه شعار “السيادة” في خطابهم –ليل نهار-، يأتي تحدّي كسر حاجز الـ 3000 ليرة للدولار الواحد، وفق ما طرح أحد مسؤولي المركزي، بوصفه تعبيراً صارخاً عن الاستخفاف بعقل المتلقي السوريّ.
وفيما غاب حازم قرفول، حاكم المركزي، عن المشهد الإعلامي تماماً، تعاقب ثلاثة مسؤولين من إدارته على الإعلام الموالي، طوال الأسبوع الفائت، ليواكبوا حملة أمنية شنتها سلطات النظام على شركات ومكاتب الصرافة في البلاد، بغية لجم تدهور الليرة. وكانت مهمة المسؤولين دعم تلك الحملة، بخطاب يعزّز تأثيرها. لكن خطابهم لم يؤتِ ثماره، بل أثار السخرية والاستياء جراء ما احتواه من استغباء لعقل المُتلقي. وكان أبرز هؤلاء المسؤولين، وأكثرهم ظهوراً، صاحب تحدّي كسر حاجز الـ 3000 ليرة للدولار، عمار معروف، أمين سر هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في مصرف سورية المركزي.
فقد حذّر الرجل السوريين من الانجرار وراء “الشائعات”، مشيراً إلى أن القائلين إن الدولار لن ينخفض تحت حاجز الـ 3000 ليرة، مخطئون، بدلالة أن الدولار وصل قبل ستة أشهر، إلى 3600 ليرة، ومن ثم انخفض مجدداً إلى 2200 ليرة.
فالرجل لم يكتفِ فقط بالتدليل على مبررات تحدّيه، بمعلومات مغلوطة، من قبيل أن الليرة هوت إلى 3600 للدولار الواحد، قبل ستة أشهر، بل واستخف بعقول المتلقين أيضاً حينما اعتمد على هذه المدة الزمنية -آخر 6 أشهر- بوصفها الدلالة على دقّة قراءته، وتجاهل تماماً الأشهر الستة التي سبقتها، حينما كان الدولار بـ 900 ليرة وهوى إلى ما فوق الـ 2000 ليرة.
بطبيعة الحال، فإن “عمار معروف” الذي يترأس الدائرة التي تولت الحملة الأمنية الأخيرة على شبكات الصرافة، تلميذ نجيب لحاكم المركزي، صاحب التوصيف الشهير –السعر الوهمي للدولار-، الذي أثخن جراح السوريين بتكراره على مدى أكثر من سنتين منذ تعيينه في موقعه، ليحدد هو ذاته، قبل شهرين فقط، سعراً قريباً من هذا “السعر الوهمي”، لتصريف “دولار بدل خدمة العلم”، في إجراء أثار أعلى درجات السخط في أوساط الموالين من السوريين، قبل المعارضين. سُخطٌ زخرت به وسائط التواصل الاجتماعي، حينها، وكان التساؤل المعلن في أوساط المُتفاعلين: كيف تتحدثون عن “سعر وهمي للدولار”، ومن ثم تعتمدون تصريف الدولار لصالحكم بسعر قريب منه؟
وبالعودة إلى حملة المركزي الأخيرة وتصريحات جوقة مسؤوليه، كانت ثمار الحملة الأمنية ذاتها -والتي نالت من عدد كبير من الصرافيين في دمشق وحلب وحماة، ودامت أياماً عديدة- متواضعة للغاية، فالليرة تحسنت من أدنى مستوى لها في تاريخها – 3400 للدولار- لتصبح بـ 3250 للدولار، لأقل من 48 ساعة، قبل أن تعاود الانخفاض مجدداً، وتستقر مساء الأربعاء 17 شباط/فبراير الجاري، عند حاجز 3330 للدولار. أي أن حملة المركزي الأمنية، وما رافقها من حملة “نفسية – إعلامية”، نجحت في خفض الدولار 70 ليرة فقط، من أصل 480 ليرة قيمة ارتفاع الدولار منذ طرح ورقة الـ 5000 ليرة سورية للتداول في الأسواق، قبل ثلاثة أسابيع.
وفيما تصرّ جوقة مسؤولي المركزي على رفض أي ربط بين تدهور سعر الصرف وبين إجراء طرح الـ 5000، تشير لغة الأرقام إلى أن الليرة فقدت 12,32% من قيمتها، منذ طرح الورقة النقدية الجديدة. أما لغة السوق، فتعطينا نتائج أكثر خطورة، إذ تؤكد مصادر متقاطعة من الداخل بأن التجار يسعّرون بضائعهم على 3700 للدولار، أي أعلى من السعر الرائج للدولار بأكثر من 350 ليرة، في إشارة إلى أنهم يتوقعون المزيد من التدهور لسعر الصرف.
وبطبيعة الحال، تكشف محدودية أثر حملة المركزي الأمنية، حقيقة محدودية قدراته التدخلية، بعد أن انحصرت أدواته للتدخل، بالعصا الأمنية فقط. فزمن جلسات التدخل الحقيقية، حينما كان المركزي يضخ الدولارات في الأسواق، للجم تدهور الليرة، في عهد أديب ميالة، الحاكم الأسبق للمركزي، ولّى إلى غير رجعة. فخزينة المركزي ما عادت تحتمل عبء سياسة “التعويم الموجّه” لليرة السورية، التي أدارها ميالة بحنكة مقبولة منذ العام 2012 وحتى إعفائه من موقعه في تموز/يوليو 2016. وفيما كان خَلَفُه، دريد درغام، يتفاخر بالاستقرار النسبي لسعر الصرف في عهده، مرجعاً هذا الإنجاز إلى أدائه، كان أثر التدخل العسكري الروسي المباشر في الصراع المسلح لصالح نظام الأسد، قد بدأ يُؤتي ثماره ميدانياً، بصورة دعمت الليرة نفسياً، حتى صيف العام 2018، حينما هدأت الآلة الحربية على معظم الجبهات، لتتكشف –وبشكل سريع- الآثار الاقتصادية للحرب. وفي خريف ذلك العام، أيلول/سبتمبر 2018، بدأ عهد الحاكم الحالي للمركزي، حازم قرفول، الذي كان حظه عاثراً للغاية، أن تولى إدارة أهم مؤسسة اقتصادية في البلاد، في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد يكشف بأصدق تعبير عن آثار سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها النظام وحلفاؤه، قبل أن يستعيدوا معظم الأرض ذاتها، التي أحرقوها، هم أنفسهم. لتصبح مهمة حاكم المركزي، إدارة الأزمات، بخزينة شبه فارغة، وبخطاب متهاوٍ لا يستند إلى أية حقائق على الأرض، بصورة أفقدت هذه المؤسسة الرصيد المتبقي لها من الثقة التي تمتعت بها في أوساط شريحة من السوريين بالداخل، وبالتالي خسر مسؤولوها أي قدرة على التأثير النفسي للجم تدهور العملة، التي لعنتها صورة الأسد الأب، ومن بعده الابن.
المدن
——————-
روسيا في سوريا.. تمكين وتوسّع/ بهاء العوام
عندما تهدأ الحرب السورية على جميع الجبهات، يبدأ الروس في توسعة قاعدتهم حميميم جنوب شرق مدينة اللاذقية. لم يتوقع أحد منهم العودة إلى بلادهم فورا بعد “نجاحهم” في سحق الثورة ضد “الرئيس” بشار الأسد، ولكنّ الكثيرين اعتقدوا أن حضورهم إلى سوريا لن يتجاوز حدود الحفاظ على موطئ قدم على ساحل المتوسط.
موسكو تريد جعل قاعدة حميميم أكثر فاعلية، وتعمل على تأهيل بنيتها التحتية حتى تكون قادرة على استقبال مختلف أنواع الطائرات، فتحط فيها المقاتلات والقاذفات الاستراتيجية وطائرات الشحن العملاقة القادرة على حمل عتاد جيش كامل من جنود ومروحيات ودبابات ومختلف الأسلحة المستخدمة على خطوط الهجوم.
مثل هذا التطوير الذي يسعى إليه الروس في حميميم يكشف بوضوح عن ثلاث نقاط، الأولى هي أن موسكو تبحث عن إقامة دائمة في سوريا، والثانية أنها تريد للساحل السوري أن يكون بوابتها على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والثالثة أنها تمتلك استراتيجية واضحة إلى حد كبير في المنطقة، على عكس ادعاء البعض.
ثمة من يعتقد بأن الوجود العسكري الدائم في سوريا هو استنزاف للروس على المدى الطويل. هذا التخوّف كان موجودا فعلا لدى موسكو عندما جاءت بقواتها ومقاتلاتها عام 2015، ولكنها احتوته مع الوقت، وتوسعت على الساحل الشرقي للمتوسط بكثير من الحكمة والتعلم من التجارب السابقة التي تورطت فيها مع الغرب.
ربما قدم الروس في البداية لهدف محدود لا يتجاوز حماية قاعدتهم في طرطوس، موطئ قدمهم الوحيد على المتوسط. وحضورهم إن لم يأتِ بتنسيق مباشر مع الولايات المتحدة، جاء بغض الطرف من قبل واشنطن وحلفائها الغربيين على أقل تقدير. هم لم يرغبوا في التورط عسكريا في سوريا ولكنهم احتاجوا لمن يدعم الأسد ويحميه.
تجارب الروس في مصارعة الأميركيين والأوروبيين بعيدا عن حدود بلادهم وخارج القارة العجوز لا تشجّع كثيرا. صور المستنقع الأفغاني كانت حاضرة في مخيلتهم عندما قدموا إلى سوريا، ولذلك مارسوا نزقهم، واستعرضوا قوتهم خارج مناطق نفوذ القوات الأميركية والتحالف الذي تقوده هناك لـ”محاربة” تنظيم داعش.
كان الروس يقتلون من السوريين ويجرّبون من الأسلحة في حدود المهمة التي أوكلت لهم في المحافظة على نظام الأسد ومنع انهيار مؤسسات “الدولة” السورية. وكلما كانت موسكو تحاول تجاوز الخطوط الحمراء لها على الأرض كان الرد يأتيها سريعا عبر أشكال مختلفة، منها ما هو سياسي ومنها العسكري والاقتصادي.
إضافة إلى الالتزام بحدود المهمّة الغربية، كان على روسيا إثبات دعمها لتل أبيب في جميع مراحل الحرب السورية. لذلك فتحت الأجواء هناك أمام المقاتلات والصواريخ الإسرائيلية لتصطاد على أرض سوريا كلما تشاء وحيثما تشاء ومتى تشاء. ليس فقط الفرائس الإيرانية وإنما كل ما تشعر بأنه يهدد أمنها أو يزعج حدودها.
هناك محدد ثالث في الحضور العسكري كان لزاما على روسيا مراعاته في سوريا. وهو تفهّم مخاوف تركيا في ما يتعلق بأمنها القومي على حدودها الجنوبية. قد تكون هذه المخاوف محض ادعاء ولا أساس لها واقعيا، ولكن كان ولا يزال، على موسكو توخي الحذر عندما تقترب من الحدود الجنوبية لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
استنادا إلى هذه المحددات الثلاثة بُنيَ قرار روسيا في القدوم إلى سوريا بكل هذه القوة العسكرية. وبالتالي اعتمدت استراتيجية موسكو في البداية على التمكين وليس التوسع في المنطقة. ومن أكثر الفوائد التي حصدتها وفق هذه الاستراتيجية هو الإعلان عن نفسها بديلا مثاليا لأي فراغ يحدثه الأميركيون والأوروبيون في المنطقة.
الإعلان وجد أصداء إيجابية لدى جميع دول المنطقة، وأبرز الفرص التي أفرزها هي دعم الجيش الليبي. هناك أبواب أخرى فتحت لروسيا في بيع وتصدير الأسلحة إلى دول عربية عديدة بعد “نصرها” في الحرب السورية، كما وقعت موسكو في ديسمبر الماضي اتفاقية مع الخرطوم لتشغيل منشأة في بورتسودان على البحر الأحمر، لتكون أول قاعدة عسكرية بحرية روسية في أفريقيا منذ العهد السوفييتي.
يمكن القول إن الاستراتيجية الروسية في سوريا مرت بثلاث مراحل منذ 2015. في البداية كانت تملأ الفراغ الذي تقَّصده الأميركيون والأوروبيون دون زيادة أو نقصان، أما المرحلة الثانية فتركزت على نسج التحالفات والتفاهمات من أجل توسعة الحضور الروسي في المنطقة شرط ألا يكون على حساب الولايات المتحدة.
في المرحلة الثالثة التي بدأت مع مطلع 2020، أصبحت موسكو تتجرأ على محددات الأميركيين والأوروبيين في سوريا. راحت تخطّط لحضور أكبر هناك وفي المنطقة العربية ككل، لا يتصف بالديمومة فقط، وإنما يشكل مصدر تهديد لمصالح الغرب في القارتين الأوروبية والآسيوية في سياق توقع مستقبلي للتفاوض معهم.
يريد الروس اليوم زيادة أوراق تفاوضهم مع أميركا وأوروبا في جميع ملفات الخلاف بينهم، فاختاروا توسعة حضورهم في الشرق الأوسط والقارة السمراء كورقة ضغط على خصومهم. تدرك موسكو خطورة مثل هذه الاستراتيجية وهي تخطو باتجاهها بهدوء وحذر شديدين، ولكن ذلك قد لا يكفي لتجنّب المواجهة مع الغرب.
لقد أدرك الأوروبيون نوايا روسيا مبكرا، ولكن المواجهة معها كانت تنقصها إدارة أميركية تؤمن بالتحالفات العابرة للحدود، وعندما تسلم الرئيس جو بايدن مفاتيح البيت الأبيض أعلنوا حربا دبلوماسية وسياسية عليها عبر قضية المعارض أليكسي نافالني، فقط ليوصلوا لها رسالة مفادها أن خططها وتحركاتها مكشوفة جدا لهم.
تلقت موسكو الرسالة الغربية بكل قسوتها، ولكنها لا تزال تحاول الصمود مستغلة هذا الوقت الذي يسيطر فيه الملف النووي الإيراني على أولويات الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا. لا شك أنها ستسعى جاهدة خلال هذه الفترة إلى تنفيذ خططها التوسعية المرسومة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، ولكن هل تسعفها الأدوات؟
النظام السوري يطرق الأبواب لاستبدال روسيا بأميركا وإسرائيل، والأتراك يؤسسون لتواجد عسكري دائم في إدلب على بعد خطوات من قواعد موسكو على المتوسط، والدول العربية منشغلة بتحسين علاقاتها مع الإدارة الأميركية الجديدة، والإيرانيون يسعون إلى اتفاق نووي جديد يفتح لهم أبواب الشرق الأوسط مجددا. وسط كل هذه المعطيات المعقدة توسع موسكو مدرجا لاستقبال الطائرات الاستراتيجية في حميميم، ولكن ربما لن تستخدمها إلا لشحن أوهامها الكبيرة في المنطقة والعالم ككل.
صحافي سوري
العرب
———————
عن حقيقة ما يحدث في سوريا/ أكرم البني
والبداية من اعتقالات طالت عدداً من الناشطين الموالين بشدة للنظام، وغالبيتهم من مدينتي طرطوس واللاذقية، والسبب استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي، لانتقاد تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتفشي ظواهر الفساد والابتزاز، أما التهمة فهي التعامل مع صفحات مشبوهة تضعف الشعور القومي وتنال من مكانة الدولة، وقد جرت الاعتقالات التي يرجح أنها لا تزال سارية وتطال آخرين، بعد يوم واحد فقط من إنذار لوزارة الداخلية يقضي بتفعيل أحد أسوأ قوانين الوصاية السلطوية ومحاربة الرأي الآخر ويهدد «بالعقاب والاعتقال المؤقت، كل من يساهم في إضعاف الشعور القومي ونقل أنباء يعرف أنها كاذبة، أو مبالغ فيها، من شأنها أن توهن نفسية الأمة»!
تلا ذلك قرار صادر عن رئيس فرع البدل والإعفاء في الجيش السوري، يقضي بالحجز التنفيذي ومصادرة ممتلكات وأموال كل مواطن داخل البلاد أو خارجها، لم يؤد الخدمة العسكرية أو يدفع بدل فواتها، والأنكى أن الحجز يتم بموجب حكم تصدره مديرية التجنيد وليس القضاء، ويشمل ممتلكات أهله وذويه أو أي أحد يخصه! وإذ يقدر عدد الفارين من الخدمة الإجبارية العسكرية بعشرات الآلاف، وإذ يتزامن القرار مع حملات واسعة تقوم بها أجهزة أمن النظام وشرطته العسكرية لملاحقة الشبان واعتقالهم وسوقهم إلى الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، يمكن أن نفهم مدى حاجة السلطة لتعويض ما فقدته من عناصر جيشها كي تتابع حملاتها العسكرية، وكيف تحاول رفد خزينتها بالأموال والعملات الأجنبية، حين تشدد الضغط على أرزاق المتخلفين وذويهم لإجبارهم على تسديد بدل الخدمة، ويصل إلى ثمانية آلاف دولار، بالتزامن مع شن حملات قمع واعتقال وترهيب في أسواق العاصمة والمدن السورية لمنع التداول بالعملة الصعبة.
ومنذ أيام، نجح النظام، وبوساطة روسية، وتحت وطأة القصف المتواتر والتهديد بالاجتياح الشامل، في تعديل شروط التسوية مع اللجان المحلية المعارضة في مدينة طفس الحدودية ومناطق غرب مدينة درعا، وتمكن بعد سنوات من دخولها وتفعيل مؤسسات الدولة فيها، لكنه أكره على التراجع، مرة جديدة، عن اندفاعاته العدوانية في مدينة السويداء، التي يرفض شبابها الالتحاق بالخدمة العسكرية، وآثر سياسة الاسترضاء والاحتواء، بعد مظاهرات غاضبة لأبنائها وصلت لتمزيق صور الرئيس السوري، تعبيراً عن رفضهم لاعتقال شاب على حاجز أمني وإساءة رئيس أحد فروع الأمن لشيخ عقل الطائفة حين طالب بإطلاق سراحه!
وإلى الآن، لا يزال التوتر سيد الموقف في شمال شرقي البلاد، بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام، بعد حملة تحريض أطلقتها الأجهزة الأمنية لتشجيع الأهالي والموالين لها في مدينتي القامشلي والحسكة على الخروج في مظاهرات ضد سلطة الإدارة الذاتية الكردية، ربطاً بتشديد الضغط على قرى وأحياء محسوبة على قوات سوريا الديمقراطية في ريف حلب، كالشهباء والأشرفية والشيخ مقصود، فمنعت عنها الطحين والمحروقات والدواء، كما فرضت إتاوات مالية كبيرة على سيارات الفواكه والخضراوات، وقد ردت قوى الأمن الكردية بقمع عنيف للمظاهرات التي خرجت، وتشديد الحصار على قوات النظام وأعوانه في مدينة الحسكة ضمن بقعة صغيرة تسمى «المربع الأمني»، كما تضييق الخناق على الأحياء الموالية للنظام في مدينة القامشلي، بحيث منعت الدخول إليها والخروج منها وكذلك البضائع والمواد الاستهلاكية، مما ينذر، في أي وقت، بانفجار الأوضاع هناك، وذلك رغم الدور النشيط التي تلعبه روسيا للتوفيق بين الطرفين ورعاية اجتماعات بينهما لتخفيف حدة الخلافات، لكن وساطتها لا تزال تراوح في المكان، في ظل إصرار النظام على إعادة القوات الكردية إلى بيت الطاعة، وتعويل الأخيرة على استمرار الدعم الأميركي لها لفرض شروطها، خاصة وقد تراجعت ثقتها بالنظام الذي تعتقد أنه طعنها في ظهرها غير مرة، عبر تغاضيه، منذ اجتياح عفرين، عن دور تركيا في محاربتها ومحاصرتها.
وبالنتيجة، ثمة أحداث متضافرة تتواتر في سوريا منذ أسابيع، وتتخذ أشكالاً متنوعة، لكن يمكن إدراجها جميعها تحت عنوان واحد هو اندفاع النظام القائم، وبتسارع لافت، نحو سياسة تصعيدية في محاولة لتوسيع قبضته القمعية وتشديدها على البلاد.
لا يخطئ من يذهب إلى ربط تلك الأحداث بقرب موعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في أبريل (نيسان) المقبل، بغرض توسيع قاعدة المشاركين فيها وترهيب أو تطويع الرافضين لها، وتمريرها بأقل منغصات وردود فعل، وفي الطريق تعويم رأس النظام ورفع المسؤولية عنه فيما يجري، ومنحه دوراً حاسماً في تهدئة التوترات (اعتذاره لمدينة السويداء) أو في مراضاة المتضررين بزيادة صورية للأجور والرواتب، وإطلاق سراح بعض المعتقلين وتخفيف ملاحقة الفارين.
كما لا يخطئ من يقرنها بنتائج الانتخابات الأميركية ويعتبرها عملاً سلطوياً مبرمجاً لتمكين السيطرة قبل استجلاء جديد سياسة واشنطن تجاه سوريا، وبخاصة محاولات النظام الحثيثة لخلق البلبلة في مناطق حكم الإدارة الكردية المدعومة أميركياً، بأمل إنهاء دوافع الاعتماد الغربي عليها، والظهور بمظهر الممسك بكل الأمور لتسويق نفسه كبديل وبأنه لا خيار سوى التعاطي المباشر معه، ربطاً بإرسال إشارات تودد للقيادة الأميركية الجديدة، لتغذية تلميحات عند بعض رموز الأخيرة بضرورة التعاطي مع الدولة السورية في مواجهة الإرهاب الإسلاموي.
لكن الصائب هو تفسير ما يجري على أنه أمر مألوف في سوريا، واستمرار طبيعي لنهج سلطوي معجون بمنطق القوة والغلبة، ويفتنه الهروب من معالجة الأسباب الحقيقة للأزمات المتفاقمة، نحو توظيف مختلف أدوات القهر والفتك والتنكيل، وحتى آخر الشوط، للحفاظ على سلطته وامتيازاته، ممعناً مع حلفائه، في رفض مختلف الحلول والمبادرات الأممية وعرقلتها، بدليل ما حل باللجنة الدستورية، وفشل مجلس الأمن مؤخراً في اتخاذ قرار يحرك العجلة السياسية في سوريا.
والحال، لن ينجح النظام في تسويق نفسه وتفادي تداعيات أزمة اقتصادية خانقة، مع حليفين يعانيان مثله، ولا يمكنهما أن يقدما له سوى المسكنات، كما لن ينجح في وقف العقوبات وفتح باب إعادة الإعمار، أمام تضافر مصالح عالمية وإقليمية تتمسك بأولوية الحل السياسي، لكنه، بلا شك، سوف ينجح في التوغل أكثر فأكثر، في تعنته وارتكاباته للحفاظ على كرسي الحكم، ولإجهاض أي معالجة سياسية لما تعانيه البلاد، حتى لو كان الثمن مزيداً من العزلة والحصار، ومزيداً من العنف والتفكك والجوع والخراب.
الشرق الأوسط
—————————-
لعبة البيادق في الجنوب السوري/ أرميناك توكماجيان
في منتصف كانون الثاني/يناير، وقفت محافظة درعا السورية على حافة تصعيدٍ عسكري كاد أن يتسبب بزعزعة الاستقرار في جنوب سورية. فقد تأجّج خلافٌ قديم في بلدة طفس بين أفراد من عشيرتَي كيوان والزعبي، أدّى إلى اشتباكات استخدم فيها الطرفان أسلحة عسكرية، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل.
سعى النظام السوري إلى استغلال الخلاف والدفع نحو سيطرة أمنية أكثر تشددًا في طفس ومحيطها، ولا سيما من خلال نشر الفرقة الرابعة المدرّعة. والسبب هو أنه عندما استعادت القوات الحكومية وروسيا السيطرة على جنوب البلاد من قبضة الثوّار في العام 2018، كانت طفس من الأماكن حيث فرض اتفاقٌ جرى التوصل إليه بوساطة روسية قيودًا شديدة على وجود الجيش السوري والقوى الأمنية. في المقابل، رضخ الثوّار لعودة النظام السوري إلى الجنوب.
في ذلك الوقت، أيّدت روسيا عودة النظام إلى الجنوب عن طريق التفاوض، لسببٍ أساسي هو الحؤول دون مشاركة إيران في استعادة الأراضي. فقد كانت تخشى أن يستجلب ذلك ردودًا عسكرية إسرائيلية وأردنية وأميركية لمنع الإيرانيين وحلفائهم من الانتشار في المنطقة الحدودية، الأمر الذي كان ليقوّض الجهود التي بذلتها موسكو والنظام السوري لفرض سيطرتهما على المنطقة. لكن النظام السوري لم يحبّذ مطلقًا الشروط التي فرضتها عليه موسكو، وكانت الاشتباكات في طفس مؤخرًا من الوسائل التي استخدمها لتمهيد الطريق أمام عودةٍ أكبر لقواته.
حدّد النظام مهلةً قصوى للمعارضة في طفس من أجل استيفاء العديد من مطالبه، ومن بينها تسليم الثوّار المطلوبين أو نفيهم إلى مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال سورية، وتسليم الأسلحة التي استُخدِمت خلال الاشتباكات. في غضون ذلك، فُتٍح مسارٌ تفاوضي للحؤول دون التصعيد. في الأيام الأولى من الاشتباكات، بذل وجهاء محليون وأعضاء في الفيلق الخامس الذي ينتمي اسميًا إلى الجيش السوري لكنهه يتلقى الأوامر من روسيا ويحصل على رعايتها، محاولات من أجل تهدئة التشنّجات. لاحقًا، عمدت روسيا وممثّلون عن النظام وشخصيات معارضة إلى تفعيل القنوات القائمة بغية التوصل إلى حل للأزمة.
تمكّنَ الروس، في نهاية المطاف، من تيسير العملية من أجل التوصل إلى اتفاق ينص، وفقًا للتقارير، على طرد الثوّار المطلوبين من طفس إلى مناطق أخرى في درعا بدلًا من شمال سورية، وتسليم الأسلحة، وإعادة فتح مركز الشرطة وثلاث مؤسسات مدنية أخرى في طفس، والسماح للوحدات التابعة للفرقة المدرّعة الرابعة بإجراء عمليات تفتيش في أماكن محدّدة. وسعى الاتفاق أيضًا إلى قطع الطريق أمام الخطوات التي من شأنها أن تتسبب بتصعيدٍ عسكري. وفيما صوّرت وسائل إعلام موالية للنظام الاتفاق بأنه يسطّر عودة الجيش السوري إلى طفس من أجل “إرساء الأمن والاستقرار”، كتبت منصات مناهضة للنظام أن مزاعم الحكومة بالسيطرة على البلدة هي “وهمية”.
ما جرى في طفس لم يكن مفاجئًا للسكان المحليين والمراقبين على السواء. فقد وجب النظر إليه في إطار لعبة يقوم بها الأفرقاء الأساسيون على الأرض في الجنوب، أي روسيا ونظام الأسد وإيران وفلول مجموعات الثوار المسلّحة السابقة، منذ العام 2018. لقد سعى هؤلاء إلى التعدّي على مناطق النفوذ العائدة لأفرقاء آخرين بهدف تعزيز سلطتهم. وحاولوا في غضون ذلك، أقلّه في الوقت الراهن، عدم الإخلال بالتوازن الهش الذي نشأ بعد الحملة العسكرية في العام 2018.
لا يزال النظام اللاعب الأساسي في هذه اللعبة المميتة. فعلى الرغم من أنه يعاني من الضعف واللامركزية، وتخضع أجهزته الأمنية والعسكرية لنفوذٍ خارجي واسع، يبدو أن لديه استراتيجية واضحة في ما يتعلق بالشؤون المحلية في درعا. ويهدف إلى استيعاب شبكات المعارضة التي ظهرت خلال النزاع أو إلغائها، لأنها قد تتحوّل إلى تهديد له.
أقدم النظام، منذ العام 2018، على اغتيال أو اعتقال أشخاص يعتبرهم معارضين له، أو على تنفيذ عمليات عسكرية محدودة ضدهم. خلال هذه المرحلة، نجح النظام أيضًا في ضم ثوّار سابقين إلى أجهزته العسكرية والأمنية، أبرزهما عماد أبو زريق في نصيب ومصطفى المسالمة في درعا البلد، وغيرهما.
تلعب إيران لعبة مشابهة، إنما تستخدم بيادق أخرى. يقتصر وجود طهران في المنطقة بصورة أساسية على حلفائها. وحليفها الأهم هو حزب الله الموجود في القنيطرة منذ ما قبل حملة 2018، ويُذكر أنه عمد إلى تعزيز حضوره منذ ذلك الحين. وتُعدّ الفرقة الرابعة المدرّعة التابعة للجيش السوري، والتي يقودها ماهر شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، أيضًا حليفًا مهمًا لإيران في الجنوب. وخلال العام الماضي، حاولت وحدات من الفرقة توسيع حضورها في ريف درعا غرب البلاد، مثلما حدث في أيار/مايو 2020 عندما اندلعت أزمة مماثلة للأحداث التي شهدتها المحافظة في كانون الثاني/يناير.
تُبدي إيران حذرها من أداء روسيا دور الوصيّ على الوضع القائم، فيما تراقب إسرائيل التطورات في الجنوب عن كثب ويمكنها أن تتحرّك ساعة تشاء. وهذا ما فعلته، مثلًا، في كانون الثاني/يناير 2015 عندما قتلت ستة عناصر من حزب الله في القنيطرة، من بينهم جهاد مغنية، نجل القيادي الكبير في حزب الله عماد مغنية. وقد شنّ الإسرائيليون أيضًا عشرات الهجمات الجوية التي استهدفت حلفاء إيران في جنوب سورية، من دون أن يصدر أيّ رد فعل عن الدفاعات الجوّية الروسية.
صحيحٌ أن لروسيا حسابات مختلفة عن الحسابات الإيرانية، نظرًا إلى أنها مسؤولة عن النظام الذي يسود في أجزاء واسعة من الجنوب، ولكنها أيضًا لها بيادق تُحرّكها. ففي مرحلة المفاوضات في العام 2018، استقطبت روسيا أحمد العودة، أحد أبرز قادة الثوّار في المنطقة، ليصبح رجلها الأساسي في الجنوب. وأضحى العودة، الذي توصّل إلى اتفاق مع روسيا بشكل أسرع من قادة الثوّار الآخرين، قائد الفيلق الخامس في درعا. إضافةً إلى ذلك، أفادت بعض التقارير بأن روسيا تحاول تعزيز الفيلق بواسطة مقاتلين إضافيين، لتدعيم حضورها المحلي على الأرجح، نظرًا إلى العدد المحدود من العناصر الروس على الأرض.
غالب الظن أن اللعبة التي يخوضها كبار اللاعبين في درعا سوف تستمر لبعض الوقت. وهذا يعني أن المحافظة ستظل ساحةً لانعدام الاستقرار، والاغتيالات، وغياب الأمن، والاعتقالات، والتصعيد العسكري المحلي. وهكذا، يبدو أن جميع الخطوات الصغيرة التي يقوم بها اللاعبون الكبار منذ العام 2018، تعيد شيئًا فشيئًا رسم خريطة النفوذ المعقّدة في الجنوب السوري الذي يعاني أوضاعًا هشّة وشديدة التقلّب.
——————————–
الانتخابات الرئاسية السورية وعمل اللجنة الدستورية/ جوان سوز
إصرار حكومة الأسد على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها يؤشر على مساهمتها المباشرة في إفشال مهام اللجنة الدستورية، ويحمل تجاهلا واضحا للحرب الأهلية التي لاتمكن ملايين السوريين من المشاركة في هذه الانتخابات.
تتمسّك الحكومة السورية بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها منتصف عام 2021، وترفض ربطها بجدول عمل اللجنة الدستورية التي استأنفت جلساتها يوم 25 يناير/كانون الثاني الماضي بعد انقطاعٍ استمر لأشهر نتيجة تفشي فيروس كورونا، حيث شدد على ذلك مسؤولون حكوميون في دمشق، منهم فيصل المقداد، وزير خارجية نظام الرئيس بشار الأسد، والذي قال في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول 2020 إنه “لا علاقة بين اللجنة الدستورية وموعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.”
يبدو واضحاً أن عدم ربط حكومة دمشق بين موعد الانتخابات الرئاسية واللجنة الدستورية، التي كان ينبغي عليها وضع دستورٍ جديد للبلاد خلال الفترة الماضية، يوحي بفشل اللجنة المكونة من 150 عضواً موزّعين بالتساوي بين وفدين رئيسين هما: وفدا حكومة الأسد ومعارضته، إضافة إلى وفدٍ ثالث يمثّل المجتمع المدني. هذا الوضع يدعو إلى تقصي أسباب فشل اللجنة الدستورية في المهام الموكلة إليها، وتأثير ذلك على الانتخابات الرئاسية وعلى الوفدين الرئيسين المشاركين فيها.
يؤشر إصرار حكومة الأسد على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها على مساهمتها بالدرجة الأولى في إفشال مهام اللجنة الدستورية، التي أنهت الجولة الخامسة من أعمالها بعد مرور أكثر من عامٍ ونصف على تشكيلها في سبتمبر/أيلول 2019 في جنيف دون أن تتمكن من إحراز أي تقدّم فعلي في صياغة دستور جديد. إلى جانب أن هذا الإصرار الحكومي يحمل أيضاً تجاهلا واضحا لواقع سوريا التي تشهد حرباً أهلية منذ نحو عقدٍ من الزمن، إذ لا يمكن لملايين السكان المشاركة في هذه الانتخابات بعد فرارهم من بلادهم، ناهيك عن عدم مشاركة المعارضة فيها، بالإضافة إلى وجود مساحات جغرافية كبيرة لا تخضع لنفوذ دمشق، كما هي الحال في مناطقٍ مختلفة جنوب البلاد وشمال غربها وشرقها. وهي مناطق لن تسمح الأطراف التي تسيطر عليها بإجراء انتخاباتٍ لديها.
وتعود أسباب فشل اللجنة الدستورية حتى الآن، إلى اختلاف الطرفين الرئيسين فيها، الحكومة ومعارضتها ،على خطوط عريضة فيما يتعلق ببنود ومحتوى الدستور الجديد، وأبرزها الأحكام الانتقالية، ويمكن تسميتها أيضا بـ “المرحلة الانتقالية”، التي ستشهد انتخابات جديدة وفق القرار الأممي 2254، الأمر الذي تتهرب منه الحكومة عبر إطالة أمد عمل اللجنة الدستورية، ولاسيما أنه بالإضافة لحصة الحكومة التمثيلية المكونة من 50 شخصاً، لديها أشخاص مقرّبون منها ومدعومون من موسكو ضمن قائمة “المجتمع المدني”، وعددهم في الواقع أكبر بكثير من أولئك الذين يدعمون المعارضة في المجموعة ذاتها، ما يعطيها أفضلية في التحكّم أكثر بمسألة الوقت فيما يتعلق بالمدة المطلوبة لصياغة الدستور، وهذا ما يعني إخفاق اللجنة في وضع دستور جديد خلال الأشهر القليلة المقبلة التي تسبق موعد الانتخابات.
كما أن المرحلة “الانتقالية” ليست العائق الوحيد أمام تقدّم اللجنة الدستورية، فتحديد القوات الأجنبية التي سيتم تصنفيها ككيانات “محتلة” لا يقل تعقيداً عنها. وفي هذه النقطة، تقف الأطراف الثلاثة عند مفترق طرقٍ، حيث يصر ممثلو الحكومة على تصنيف تركيا وأمريكا لوحدهما كقوات محتلة على اعتبار أن أنقرة تسيطر على مدنٍ سورية شمال شرقي البلاد وغربها، وأن لدى واشنطن قوات عسكرية في المنطقة ذاتها ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فيما وفد المعارضة، الذي تهيمن عليه أنقرة من خلال “الائتلاف”، يرفض ذلك كلياً ويطالب بتصنيف إيران وروسيا كقوتين محتلتين أيضاً، وهنا يكمن التصادم بين الطرفين، خاصة أن وفد الحكومة يرى أن القوات الروسية والإيرانية دخلت خط الأزمة بناءً على طلب حكومة دمشق “الشرعية”، وبالتالي لا يعد وجودهما احتلالاً. وهذا خلاف يتكرر في قائمة المجتمع المدني أيضاً.
أما بالنظر إلى هيكلة الأطراف المتفاوضة، فمن الواضح أن وفد المعارضة في اللجنة الدستورية مشتت. على الرغم من أن “الائتلاف” يعتبر المهيمن على وفد المعارضة ويشكّل عموده الفقري، إلا أن الوفد يضم أيضاً أطرافاً أخرى منها “المجلس الوطني الكردي” الذي يختلف معه ومع وفد الحكومة على تسمية اسم الدولة السورية والاعتراف بمكوناتها القومية. وهناك أيضاً ممثلون عن قائمة المجتمع المدني، الذين يختلفون مع الحكومة والائتلاف حول هذه الأمر، ما يزيد من هشاشة كتلة المعارضة ضمن اللجنة مقابل صلابة موقف ومطالب وفد الحكومة الموحد، ولاسيما أن بعض أعضاء “الهيئة العليا للمفاوضات”، الذين يشاركون في صياغة الدستور، محسّوبون على “الائتلاف” مقابل معارضين له في “الهيئة” ذاتها.
ومع أن “المجلس الوطني الكردي” يشارك ضمن اللجنة الدستورية من خلال “الائتلاف” و”الهيئة العليا للمفاوضات”، لكن جهات داعمة للأكراد مثل “مجلس سوريا الديمقراطية” يرفض أن يكون هذا المجلس ممثلهم الوحيد، ويطالب بالمشاركة في أعمال اللجنة، في مواجهة “فيتو” أنقرة التي ترفض أي مشاركة لأطراف داعمة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في اللجنة باعتبار أنها ترى فيها امتداداً لحزب “العمال الكردستاني” المحظور لديها. ويبدو أن غياب “قسد” يخفف من تأثير قرارات اللجنة وأثر عملها على الأرض باعتبار أن ممثل الأكراد الحالي فيها ضعيف من ناحية التواجد الشعبي ولا يملك سيطرة ميدانية في منطقة شرق الفرات وأيضاً غربها.
وبالتالي، نجحت حكومة دمشق إلى حدٍّ كبير من خلال وفدها المشارك في اللجنة الدستورية في المماطلة وكسب الوقت اعتماداً على العامل الزمني، مستغلةً تشتت وفد المعارضة وانقسام قائمة المجتمع المدني بينها وبين معارضتها. وبطبيعة الحال، المدة المتبقية إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية لن تكون كافية للتوافق على الدستور، ما يعني أن الانتخابات التي ستجري منتصف العام المقبل سيكون مرجعيتها الدستور الحالي وسيشارك فيها الأسد مجدداً، وقد اعترفت المعارضة بذلك ضمنياً على لسان يحيى العريضي المتحدث باسم وفدها المشارك في اللجنة يوم 6 ديسمبر/ كانون الأول، والذي قال إنه “لا فائدة من اللجنة الدستورية في حال لم تنهِ اجتماعاتها قبل الانتخابات المقبلة”. وكذلك قالت ميس كريدي، المقرّبة من موسكو ضمن قائمة المجتمع المدني، إن “أهلية اللجنة الدستورية وعملها غير مرتبطين بالانتخابات.”
ويمكن القول إن بديل دمشق الحالي عن اللجنة الدستورية هو إجراء الانتخابات في موعدها المقرر مع الاستمرار بالمشاركة في أعمال اللجنة، ما يمنح وفدها فرصة إضافية للمماطلة في بنود الدستور وكسب المزيد من الوقت ريثما تنتهي الانتخابات، ناهيك أن موسكو أيضاً تفصل بدورها بين عمل اللجنة والانتخابات الرئاسية، ما يوحي أنها توافق ضمنياً على إجراء الانتخابات في موعدها. وقد قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن: “الانتخابات الرئاسية شأن يخص الحكومة السورية ولا مواعيد زمنية لجدول أعمال اللجنة الدستورية”. وهذه الأمور كلها تجعل المعركة الانتخابية لصالح دمشق مع غياب المعارضة عنها، فقد أكد “الائتلاف”، يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في بيان عن تراجعه عن تشكيل مفوضية للانتخابات نتيجة رفض أنصاره لانتخاباتٍ يكون الأسد طرفاً فيها.
ولذلك، من المستبعد أن تتمكن اللجنة الدستورية من تحقيق النجاح المرجو منها في الوقت الراهن، ذلك أن الانتخابات الرئاسية اقتربت بينما لم تتمكن اللجنة من إحراز أي تقدّم في سير عملها، ما يجعل مطلب إسقاط الرئيس وحكومته لدى وفد المعارضة أمراً غير قابلٍ للتطبيق باعتبار أن الانتخابات ستجري في موعدها في ظل مقاطعة المعارضة. إضافة إلى ذلك، لدى وفد الحكومة فرصة زمنية إضافية، لأن الأشهر الستة المتبقية التي تسبق إجراء الانتخابات غير كافية للجنة الدستورية لتتمكن من وضع دستورٍ جديد للبلاد قد يؤدي لانتخابات بموجب بنوده، وهو ما يجعل دمشق تراهن على العامل الزمني. ومن المتوقع أن يواصل وفدها المماطلة في اللجنة ريثما يتم انتخاب الأسد مجدداً، وقد يسبق ذلك إعادة مناطق جديدة لسيطرة قواته ومنها أجزاء من إدلب وأخرى في شمال شرقي البلاد.
وينبغي الأخذ بعين الاعتبار، أن سوريا تعيش حرباً طاحنة تديرها أطرافاً دولية وإقليمية، وهو ما يجعل اهتمام غالبية السوريين باللجنة الدستورية أو الانتخابات الرئاسية أمراً ثانوياً، سيما وأن ذلك يتم في ظروفٍ غير مواتية، حيث ينشغل معظمهم بأزمة اقتصادية بالإضافة إلى الأزمة الصحية التي رافقت تفشي فيروس كورونا. كما أن مماطلة وفد الحكومة في اللجنة الدستورية خلال الفترة الماضية، كان ينذر بصعوبة قبول دمشق لمرحلة ما بعد الدستور فيما لو كانت الأطراف المفاوضة قد تمكنت من وضع دستورٍ جديد للبلاد، الأمر الذي يعني فعلياً عدم وجود أي تأثير للجنة على نظام الأسد ونتيجة انتخاباته. وأخيرا، حتى تتمكن اللجنة الدستورية من تحقيق أهدافها، لابد من ممارسة الضغط على وفد الحكومة، وإرغامه على القبول بوضع دستورٍ جديد للبلاد يضمن حقوق كل السوريين، كما ينبغي الضغط أيضاً على وفدي المعارضة والمجتمع المدني للمضي قدماً في العملية السياسية التي قد تساهم في إنهاء الحرب الحالية، بعيداً عن التدخلات الخارجية.
جوان سوز، باحث وصحافي مختص بالشؤون التركية والأقليات في الشرق الأوسط، وهو أيضاً عضو في نقابة الصحافة الفرنسية SNJ
المزيد عن:
———————————
لماذا لا تطبّق موسكو سيناريوهات الحلّ الليبي أو اليمني في سورية؟/ محمود الحمزة
بعد عشر سنوات من ضخّ الدماء والتضحيات الكبرى التي قدّمها السوريون من أجل مستقبل مشرق لبلادهم، وبعد كمّ هائل من القتل والتدمير والتهجير والتغيير الديموغرافي؛ بات السوريون جميعًا يعيشون حياة أليمة متشابهة دون تمييز، سواء أكانوا يقيمون في مناطق سيطرة الأسد وحلفائه إيران وروسيا، أم في مناطق سلطات الأمر الواقع في باقي أجزاء سورية. لقد توحّد السوريون في المعاناة، ويجب أن يفتح ذلك عيونَهم على وحدة المصير والهدف، وهو إنقاذ سورية من الكارثة التي فرضتها عصابة الأسد مدعومة من حلفائها، في ظل صمت وتخاذل دولي سافر أمام إبادة الشعب السوري بكل شرائحه.
لكم كان الحلُّ سهلًا في السنتين الأوليين من الثورة، قبل التوغل في دماء السوريين، وقبل زرع الفتن الطائفية، وقبل ظهور ميليشيات إرهابية تحت شعارات دينية أو طائفية قومية مزيفة، ولكن لم يرد أحدٌ من القوى المؤثرة مساعدةَ الشعب السوري في الخلاص من الظلم، وفرض القرارات الدولية التي عليها إجماع عالمي، ولم يرفضها سوى نظام الأسد، ولم يصدق حلفاؤه في الدعوة لتطبيقها، وكذلك القوى الدولية والإقليمية الأخرى لم تمتلك الإرادة السياسية لفرض القرارات الدولية على نظام الأسد.
وهكذا نرى أن جميع هؤلاء يناسبهم كلّ ما جرى، حيث أصبحت سورية دولة فاشلة مدمّرة، يعيش فيها شعب جائع مريض وفاقد للأمان والاستقرار. أما الأسد وداعموه فما زالوا يرددون شعارات طنانة عن سيادة سورية ووحدة أراضيها، علمًا أن الأسد فرّط بكرامة المواطن وسيادة البلاد، بجلبه لميليشيات طائفية وقوى دولية تدافع عنه، ولو على حساب سيادة البلد ووحدته. لقد أصبحت سورية ممزقة وموزعة بين نفوذ دول وميليشيات أجنبية ومرتزقة ومتطرفين، وكلّهم ينهش جسم هذه البلاد، ويأكل لحم أهلها، عن طريق التغاضي عن أي مساعدة للناس، أو نهب ثروات البلد بيد أمراء الحرب وتجار الدم، كما يحدث في مختلف المناطق.
أقول هذا الكلام لكي أناقش الموقف الروسي والأميركي اللذين منعا حدوث حلّ سياسي، وحافظا على نظام الأسد، بالرغم من التصريحات والممارسات المختلفة للبلدين، ولكن النتيجة واحدة، وهي أن سورية على حافة الزوال كدولة. والسؤال الذي يطرحه كثيرون: لماذا لم تقدّم روسيا ولا أميركا حلًا سياسيًا يخلق استقرارًا في سورية ويُخرج شعبها من الهولوكوست الذي يعيشه؟!
أذكر أنني في سنة 2013 تقدّمت إلى السيد ميخائيل بوغدانوف بمقترح بتطبيق السيناريو اليمني في سورية، وذلك بتكليف فاروق الشرع، وهو ابن النظام، برئاسة البلاد بدلًا من بشار الأسد، وتطبيق حلّ سياسي. كما أجبر الحل في اليمن علي عبد الله صالح على التنازل عن الرئاسة، مع ملاحظة أن الإخوة اليمنيين ارتكبوا خطأ ببقاء صالح في اليمن، وكان يجب تنظيف المؤسسة العسكرية من أتباعه. وحينئذٍ رد السيد بوغدانوف بأن هذه الفكرة جيدة، ويجب التفكير بها! وإلى اليوم لم يردّ عليها.
وأعدتُ طرح الموضوع على شكل مبادرة لإنقاذ سورية عام 2018، وكان جوهرها أن سورية تحتاج إلى تغيير يخلق حالة استقرار، وهذا من مصلحة روسيا قبل غيرها، وقد أثبتنا منطقيًا ضرورة أن تكون سورية الجديدة من دون الأسد وحاشيته، وأن فاروق الشرع أو الدكتور عارف دليلة يمكن أن يقود المرحلة الانتقالية، لأن الشعب السوري ليس عدوًا لروسيا تاريخيًا، مع أن صورة روسيا تغيّرت بسبب تدخلها العسكري ودعمها لنظام الأسد المجرم الفاسد. وأرسلتُ المبادرة إلى أعلى الجهات في موسكو، وكان الرد بأنها إيجابية. ولكنها لم تطبّق!
وفي 2020، أعدنا المقترح للروس، وللتاريخ أهمية كبيرة كون المعطيات والظروف تغيرت، ففي 2020 توقفت تقريبًا العمليات العسكرية، واعتبرت روسيا نفسها منتصرة في الحرب، وحان وقت عملية إعادة البناء والإعمار السلمية. وهنا تحتاج روسيا الى تمويل، لا تملكه هي ولا إيران (حليف النظام الآخر). وبقي أن تمد يدها الدول الغربية والخليجية لتقديم الدعم المالي، فالجميع تقريبًا اشترطوا إجراء تغيير سياسي، وفق القرار الدولي 2254 لعام 2015.
منذ أيام، اتفق الليبيون على حلّ سياسي، يضمن سيادة ليبيا واستقلالها، من خلال انتخاب مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أشخاص يمثلون الأقاليم الليبية الثلاثة، ورئيس للحكومة الوطنية المؤقتة، وبهذا بدأت مرحلة البناء والاستقرار في ليبيا، وأصبح الليبيون سادة أنفسهم. وكان موقف موسكو قريبًا من موقف حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، بالرغم من أن موسكو كانت تدعم حفتر، الذي حاول فرض دكتاتورية في ليبيا، وشن هجومًا واسعًا على طرابلس محاولًا دخولها، لكنه فشل.
فلماذا لا تقدم موسكو على تفاهم وتنسيق مع القوى والنخب الوطنية السورية، ومع القوى المعتدلة في النظام، لتقديم حل سياسي يرضي الشعبَ، لا بشار الأسد؟ فبشار طاغية دمّر كلّ شيء، وهو جزء من المشكلة، ولا يمكن أن يكون جزءًا من الحل.
واليوم، بات الوضع السوري في طريق مسدود، وخاصة بالنسبة إلى موسكو! فالنظام يلعب بذيله ويعاكس الموقف الروسي في اللجنة الدستورية، وفي التعاون الاقتصادي، وفي أمور أخرى، وهناك تسريبات بأنه مستعد لتدوير الزوايا 180 درجة، ليتجه بعدها إلى الغرب. وهذا الاحتمال يسبب وجع رأس كبير لموسكو، بعد كل ما قدمته للنظام السوري، وكما قال لافروف “لولا موسكو لسقطت دمشق”، وهو صادق، لأن موسكو بتدخلها العسكري في 30 أيلول/ سبتمبر 2015 أنقذت النظام من الهلاك.
ومع ذلك، فالأسد لا يصدق التعامل مع الروس، وبدأ الروس يشعرون بذلك، وهذا يفسر المقالات الناقدة بقوة للمحلل السياسي والمقرب من الجهات الرسمية في موسكو، حيث وجّه السهام ضد الأسد، فاضحًا ضعفه في إدارة البلاد، وذكر أن شعبيته لا تصل إلى 20%، وتحدث عن انتشار الفساد في عائلته ومحيطيه وفي مجمل النظام، وكذلك عن تبجح النظام ومناداته مدعومًا من إيران بالحلّ العسكري، بالرغم من أن موسكو تردد ليل نهار أنها تريد الحل العسكري، لأنه بالفعل لم يعد من مصلحتها فتح معارك والاصطدام مع تركيا أو أميركا.
وشهدنا في الآونة الأخيرة نشر مقالات في وسائل الإعلام الروسي، تنتقد النظام وممارساته، وتنتقد إيران، ولذلك استنفر سفير الأسد في موسكو، وقدّم ردودًا على المقالات، واتهم الكاتب الروسي المرموق بأنه يكتب أشياء غير صحيحة، وشكّك في مصادره، وقال إنه يشوه سمعة النظام السوري، وما إلى ذلك من هذا الكلام الذي يدعو للاستغراب! وقد قال لي صديق إعلامي روسي: هل يُعقل أن النظام السوري يتصرف في موسكو وكأنه صاحب البيت، فهو يحدد ما هو مسموح نشره، وما هو ممنوع، وفق نظرية الأسد الإعلامية التي يعرفها السوريون؟ قلت له: “تستحقون ما يحدث لكم، هذا جزاء الدعم الذي قدمتموه للأسد، وهو ليس حليفًا لكم ولا صديقًا، وسيبيعكم في أرخص الأسواق”.
وبالمناسبة، التقييم نفسه ينطبق على إيران التي تحالفت عسكريًا مع روسيا في الدفاع عن نظام الأسد، وكلٌّ يغني على ليلاه، ولكن كلًّا منهما لا يثق بالآخر ويخاف أن يبيعه للغرب.
ألم يحن الوقت لتتقدم موسكو بمقترح سياسي عقلاني، يرضي الشعب السوري، ويحافظ على مصالحها ويستقطب توافقًا دوليًا؟
حتى فكرة المجلس العسكري المتزامنة مع هيئة حكم انتقالية، لقيادة المرحلة الانتقالية، يمكن أن تكون مخرجًا من المستنقع السوري، على أن يتم تشكيل تلك الهياكل الانتقالية من شخصيات لم تتلطخ أيديها بالدم السوري الطاهر ولا بالفساد الكبير. وعندئذ سيربح الجميع الذين يريدون الخير لأنفسهم ولسورية.
أتمنى ألا تستمر موسكو في مقاربتها للملف السوري، بالطريقة المستمرة من 10 سنوات، وهي تلميع صورة النظام، وتشتيت المعارضة وإضعاف دورها؛ فنحن نرى أن الثورة قام بها الشعب السوري، وليس المعارضة، وإذا كانت قيادات المعارضة السياسية والمسلحة قد فشلت؛ فإن الشعب السوري حيّ يرزق، ولا يمكن لأي حل أن يعيش من دون رضاه.
لتكن القيادة الروسية على ثقةٍ بأنّ هدف الوطنيين السوريين ليس معاداة موسكو، ولا التبعية للدول الأخرى، إنما هدفهم هو التغيير السياسي، بحيث تتحول سورية إلى دولة مدنية عصرية، يُحترم فيها الإنسان أمام القانون، وأن تكون سورية وطنًا حرًا كريمًا لكل السوريين.
مركز حرمون
\
——————————-
هل ستدفع روسيا ثمن تجاهلها لداعش غرب الفرات؟/ د. عماد بوظو
في الثالث من شهر فبراير الحالي أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن سقوط 19 قتيلا للنظام السوري في هجوم لداعش في البادية شرقي حماة، وفي الثامن من الشهر نفسه أعلن نفس المصدر عن سقوط 26 قتيلا للنظام في هجوم آخر في بادية الميادين، وقدّر المرصد أن التنظيم “قتل 780 عنصرا للنظام والميليشيات الموالية له خلال عام 2020 لأنه يكاد لا يمر يوم دون تفجير أو كمين أو استهداف أو هجوم خاطف لداعش في البادية السورية”، كان أكبرها كمين لحافلات تقلّ عسكريين في نهاية العام الماضي أدّت إلى مقتل 39 منهم.
ولم تقتصر هجمات داعش على قوات النظام السوري وميليشياته بل شملت أيضا الروس ففي شهر أغسطس 2020 اعترفت روسيا التي تتكتّم عادة لأسباب داخلية على خسائرها في سوريا بمقتل نائب كبير المستشارين الجنرال فيتشسلاف غلادكيغ شرق مدينة السخنة، مما رفع عدد الجنرالات الذين قتلوا في سوريا إلى أربعة وهو نفس عدد الجنرالات الذين خسرتهم موسكو في حرب أفغانستان التي استمرت عشرة أعوام حسب صحيفة كومسومولسكايا برافدا.
ومع ازدياد عمليات داعش واتساع رقعتها بدأ الإعلام بالحديث عن عودة قوية للتنظيم، دون أن يذكر أحد أن سبب ذلك أنه لم يسبق لأي طرف أن هاجم بشكل جدي مراكز داعش في المنطقة الممتدة من جبل أبو رجمين شمالي تدمر والذي يعتبر العاصمة الحالية للتنظيم إلى جبل بشري شمال شرق بلدة السخنة حتى حدود الرصافة شمالا، وهي منطقة واسعة مساحتها أربعة آلاف كيلومتر مربع أي ما يعادل أربعين في المائة من مساحة لبنان تحتوي على سلسلة كبيرة من المغارات والجبال والأودية والتضاريس الصعبة، لأن وقوع هذه المناطق غرب الفرات يجعلها حسب التفاهمات الروسية الأميركية من اختصاص الروس، وليس من الوارد أن يتحمل الأمريكيون التكاليف البشرية والمادية للقضاء على التنظيم فيها لكي يقوموا بتسليمها للروس.
خصوصا لأنه عندما أتيحت لروسيا الفرصة للقضاء على داعش في تلك المنطقة في آذار 2019 عندما كان هذا التنظيم في حالة انهيار بعد هزيمته وإنهاء وجوده العسكري في آخر جيوبه في الباغوز شرق الفرات، اختار الروس عدم القيام بشيء لاعتقادهم أن تنظيم داعش لا يشكل تهديدا وجوديا للنظام السوري أو لشرعيته الدولية لأنه مهما كبر حجمه فهو في النهاية عصابة إرهابية حسب التصنيف العالمي، بل أن وجوده قد يدفع أطرافا خارجية للتعاون مع النظام السوري لمواجهته مما قد يعطيه بعض الشرعية كشريك في محاربة الإرهاب.
وكان التركيز الروسي على ما تبقى من جيوب للمعارضة السورية، رغم أن الأولوية الروسية الحقيقية اليوم وغدا هي التخلص من الوجود الأميركي شرق الفرات وفي منطقة التنف والتي تجعل روسيا المسؤولة الوحيدة عن الوضع السوري، ومارست في سبيل ذلك ضغوطا كبيرة على إدارة الرئيس ترامب الذي أصدر مرتين أوامر بالانسحاب من سوريا ولكن البنتاغون لم يستجب له وأقنعه بضرورة الإبقاء على تواجد عسكري أميركي محدود هناك.
وكنتيجة مباشرة لهذا التجاهل الروسي وصلت اليوم أعداد عناصر داعش غرب الفرات إلى بضعة آلاف حسب التقديرات الغربية، مسلحين بأسلحة متوسطة وخفيفة ويعتمدون على تكتيكات حرب العصابات دون التمسك بخطوط أو جبهات عسكرية ثابتة، وبما أن المنطقة التي يتحصنون فيها كبيرة المساحة وشبه خالية من السكان فإن الأساليب الروسية التقليدية مثل القصف الجوي والمدفعي المكثّف والأعمى وحصار المناطق وتجويعها لن تجدي نفعا في محاربة التنظيم.
كما شكّلت هذه المنطقة قاعدة انطلاق لداعش للقيام بهجمات على كامل البادية السورية من نهر الفرات حتى أرياف السويداء ودمشق وحمص وحماه بمساحة تبلغ 80 ألف كلم مربع تحتوي على جزء رئيسي من الاستثمارات التي تحاول روسيا من خلالها استرداد جزء بسيط مما أنفقته في سوريا، مثل حقول الشاعر وأراك وحيّان والهيل للنفط والغاز، ومكامن خنيفيس والشرقية للفوسفات، ومعمل إيبلا للغاز، وقامت داعش فعلا باستهداف هذه المنشآت وخطوط نقل منتجاتها عدة مرات مما ألحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد السوري وبالشركات الروسية.
ولمحاولة الرد على تصعيد داعش الأخير شنت الطائرات الروسية في أول عشرة أيام من شهر فبراير الحالي 700 غارة على تلك المنطقة ورغم أنه من المألوف أن تستخدم روسيا في غاراتها قنابل عنقودية تحتوي على مادة الثيراميت الحارقة، لكن من غير المتوقع أن يكون لهذه الغارات نتائج ذات قيمة إذا لم تترافق مع هجوم برّي، ولكن مثل هذا الهجوم يتطلب آلاف الجنود ولا تتوفر لدى النظام السوري حاليا هذه الأعداد، كما أن القيام بعملية بهذا الحجم يعني أن ما يتم الترويج له إعلاميا بأن الحرب في سوريا قد انتهت وأن مرحلة الاستقرار وإعادة الإعمار قد بدأت غير صحيح.
كما أن الاعتماد على الميليشيات الإيرانية للقيام بهذه المهمة ليس بهذه السهولة إذ رغم أن الإيرانيين نجحوا بتجنيد الكثير من أبناء العشائر المحلية في ميليشياتها مقابل رواتب شهرية وسلّات غذائية ولكن من الصعب أن يكون لدى هؤلاء الولاء أو الحماس للمخاطرة بحياتهم في معركة صعبة مقابل عائد مادي، كما أن إدخال أعداد كبيرة من الحشد الشعبي العراقي إلى سوريا يحتاج إلى توافق دولي وإقليمي وقد يعرّضهم للاستهداف من قبل الطائرات الإسرائيلية وربما لمعرفة الموقف الإسرائيلي من هذا الخيار اتصل بوتين بنتانياهو في الثامن من شهر فبراير الحالي.
وللتغطية على الفشل في مواجهة داعش ولتبرير حجم الخسائر الكبير، يروّج الإعلام الروسي والإيراني إلى أن داعش موجود في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الأميركية حيث يتلقى الحماية والتدريب ثم ينطلق إلى مهاجمة قوات النظام، وإذا وجدت هذه البروباغندا من يصدقها في أوساط المحور الإيراني المولع بنظرية المؤامرة فإنه لا يوجد من يصدقها في المراكز الدولية الرصينة، لأن كل الوقائع تقول إن القوة الرئيسية للتنظيم موجودة حاليا غرب الفرات.
واليوم مع اقتراب الثورة السورية من إنهاء عامها العاشر واقتراب التدخل العسكري الروسي من إنهاء خمس سنوات ونصف دون أن يبدو في الأفق أي مؤشر على قرب انتهاء هذه الكارثة الإنسانية، يأتي داعش ليضيف تحديا إضافيا أمام الروس، فالمؤشرات تقول أن عملياته ستتواصل وتشتد قوتها مما سيضعهم أمام خيارات صعبة، فالاستمرار في تجاهل التنظيم لم يعد مقبولا ويرتفع ثمنه يوما بعد يوم، والقيام بحملة عسكرية واسعة للسيطرة على هذه المنطقة غير متاح ضمن المعطيات الحالية كما أنه غير مضمون النتائج، والتعاون الدولي مع الروس لمكافحة التنظيم مستبعد دون تحقيق تقدم في الحل السياسي الذي يبدو بعيدا حتى الآن، أي أن المأزق الروسي في سوريا سيستمر ويزداد تعقيدا دون وجود مخرج على المدى القريب.
الحرة
—————————–
ليبيا وسوريا: تمرين على المقارنة/ موفق نيربية
في مقابلة في آب/ أغسطس 2012، لم يأبه لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي بكونه يعترض على توقيع رئيسه ساركوزي على بيان مشترك مع رئيس المجلس الوطني السوري المعارض آنذاك، يربط ما بين الوضعين السوري والليبي، وقال إنه «من الخطأ المقارنة بين الوضع في سوريا وليبيا». في ما يلي سيقع ذلك الخطأ، عن سابق تعمّد وتصميم.
بيّن فابيوس أسبابه يومها، بأنها تكمن في الفروق الجيو- استراتيجية بين البلدين؛ ويقصد مقدار قربهما من أوروبا غالباً؛ إضافة إلى تركيبة النظام السوري المختلفة نسبياً عن ليبيا، من حيث الجيش القوي والنظام الأمني؛ بما في ذلك وجود السلاح الكيماوي؛ الذي يؤرق وجوده الآخرين، أكثر مما كان يؤرّق السوريين أنفسهم. ولم يذكر الثروة النفطية الليبية يومها، ولا الخوف من التفاعل مع منطقة الساحل الافريقي، حيث أخذت بؤرة للتطرف والإرهاب بالتبلور والتطور.
هناك في ليبيا، أخذ حلف الناتو، بتفويض رسمي من مجلس الأمن؛ زمامَ الأمر في يده في وقت مبكّر، وأبعد القوى الهامشية – نسبياً- عن التفكير بالتدخل المباشر، ثم حصل تدخل خارجي لعب دوراً مهماً في حسم الأمور بسرعة، حتى سقطت طرابلس في أيدي المعارضة خلال أشهر، وقُتل القذافي المختبئ في مجرور على طريق عام بعدها أيضاً بأسابيع. وما بين يوم بداية الثورة في 17 شباط/فبراير ويوم قصف قوات النظام بحوالي 110 صواريخ توماهوك، هنالك ثلاثون يوماً وحسب؛ ما أشعل ذلك مخيلة الثوار الشبان في سوريا، ومعارضتهم الكهلة، وأخذوا يحلمون بانتصار لا يطول انتظاره. تفاقمت الأمور بعد ذلك في ليبيا بسبب العجز عن السيطرة الأمنية على البلاد، بعد خلاصها من القذافي وأدواته وآليات حكمه. وابتدأت كذلك بالتخمّر فالتفسّخ في سوريا، مع الكثير من الدعم الخارجي «الناشف» الذي لا يشبه ذلك الذي حصل في ليبيا، مع الكثير من المطامع الإقليمية التي ازدهرت في غياب الكبار عملياً.
ما أثار تلك المقارنة هو ما حدث مؤخراً في مسار العملية السياسية الليبية، من انتخاب ناجح، كما يبدو، لسلطة تنفيذية برعاية الأمم المتحدة، ودعم القوى الدولية الأساسية، خصوصاً بعد مؤتمر برلين في مطلع عام 2020 الذي ضمّ إلى ألمانيا كلّاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا وتركيا ومصر والإمارات، إلى الاتحاد الافريقي والأوروبي والجامعة العربية، وكان بمثابة مظلة دولية لحماية ودعم الحوارات الليبية العتيدة أو المقبلة.. وقد حضرت للتوّ في مخيلة العديد من السوريين مقارنات بين ما حدث، وما يحدث في مسار عمليتهم السياسية، إن كانت هنالك عملية سياسية فعلية، وانصبّ الاهتمام حالياً خصوصاً على نجاح من لم يكن متوقعاً نجاحه في تلك الانتخابات المقصورة، وفشل من لم يكن متوقعاً فشله. بدلاً من حسابات المهندس الذي كنته، سأستعين بحسابات البقّال الذي كان والدي؛ وسأنظر في أرقام تلك الانتخابات التي جرت بين أعضاء ملتقى الحوار السياسي، الذين كان عددهم 75 وظهروا في النتائج 74 لأسباب تمّ تبريرها. من هؤلاء كما يبدو، مارس الجميع حقّهم، ما عدا واحداً لم يهجر المكان ولم يخاصمه. جاء هؤلاء من الغرب – 37 عضواً- ومن الشرق- 23 عضواً- ومن الجنوب- 14 عضواً- وبين تلك الأقاليم ما بينها من عوامل تجاذب وتباعد منذ القديم، ولطالما سمعنا في طفولتنا عن طرابلس وبرقة وفزّان. وأثبتت تطورات الأحداث في السنوات الأخيرة تلك الظاهرة، حتى تبلور حكم «حكومة الوفاق» مع أحزابها وقواتها المسلحة أو فصائلها من جهة، وحكم «الحكومة المؤقتة» مع مجلس النواب بتنظيماتها و»جيشها الوطني» و»المشير» حفتر من جهة أخرى.. وظهر دعم الإمارات ومصر وروسيا في الشرق، ودعم تركيا في الغرب.. وتوزّعت أشباح أوروبا على أهوائها ومصالحها العتيقة بينهما. رغم ذلك، كان في القائمة الفائزة أولئك الذين حصلوا على أصوات قليلة جداً في الانتخابات الأولية بين كل مجموعة إقليمية على حدة؛ في حين جمعت القائمة الخاسرة أولئك الأعلى أصواتاً في تلك المجموعات، وبشكل ملموس أكثر: حصل عقيلة صالح على تسعة أصوات في إقليمه في الشرق، ومحمد يونس المنفي على خمسة أصوات فقط. وحصل خالد المشري على ثمانية أصوات، بينما لم يحصد عبدالله اللافي إلّا صوتا واحدا – ربما كان صوته غالباً – في مجموعة الغرب. في حين حصل عبد المجيد سيف النصر على ستة أصوات في مجموعة الجنوب، وموسى الكوني على صوتين فقط في الجنوب. وفازت القائمة التي ضمت الثلاثة الذين وردوا ثانياً هنا للتو، مع عبد الحميد دبيبة الذي تفوق أيضاً على الشخصية البارزة فتحي باشاغا، وكلاهما من مصراتة. وما عدا موسى الكوني، الذي كان عضواً في المجلس القديم، لم أكن قد سمعت بأسماء الفائزين كلّهم. وقد يوحي ذلك كلّه بأن هنالك جواً عاماً قد سئم قياداته المحلية، ويريد الخروج من المأزق والمتاهة، ربّما يوحي أيضاً بانبعاث روح» ليبية» تفوقت على الجهوية والروابط المحلية.
يلفت الانتباه أنه ظهرت تصريحات حول» مؤامرة» تركية، مع أن رئيس المجلس الفائز من الغرب، ونائبه الذي من الشرق – التركي كما يُقال- لم يحصل في الانتخابات الإقليمية الفردية إلا على صوت واحد، وكذلك يلفت الانتباه تلك الدرجة العالية من الترحيب بالعملية ونجاحها من قبل الأطراف المختلفة سابقاً.. كما قد يعطي المشهد انطباعاً بأن هنالك انفلاتاً – أو بعض انفلات – من التبعية للداعم الخارجي، أو بتعبير آخر: من الارتهان ونتائجه الوخيمة، بذلك يتعمّق الفارق – إن صحّ- ما بين الحالة الليبية والسورية: هنالك انخراط أكبر فعالية بكثير من قبل الخارج ذي النفوذ الدولي في العملية السياسية في ليبيا، ظهر بأشكال أكثر انسجاماً منذ مؤتمر برلين وما تلاه.. وحين يكون ذلك الانخراط وازناً يخفّ تأثير المتداخلين الأصغر نسبياً، وتخفّ بالضرورة تأثيرات الاختلافات الجزئية على الضفة المقابلة من البحر المتوسط، ليسود ما هو أقرب إلى أجواء حلف الناتو عند الأزمات الجدية. هنا، ربّما يؤثّر غياب ضغط القوى المتضائل على أطراف الصراع المباشر، لتتفلّت قليلاً وتنطلق بتأثير»وطنيتها» إلى مواقف أكثر استقلالية.. ولا تتوافر عوامل مثل هذه في ما يخصّ سوريا، لا في الأجواء الدولية النافذة، ولا بين السوريين أنفسهم على الإطلاق.
يبدو أن القوى الليبية حين توفّرت لها الشروط الكافية، تملّصت من نجومها الساطعة، وتداخلت مواقفها خارج المعادلات البسيطة التي تختصر الأمور بترجمة كل شيء من خلال المراجع الخارجية، أو حتى من خلال الانتماءات السياسية أو الأيديولوجية، التي غدت مؤخّراً مهزلة قاتلة. هنالك ضجر ورفض للطبقة السائدة على السطح، تجلّى إسقاطاِ لها في تلك الانتخابات البسيطة.. في حين لا تتوافر الشروط ولا الإرادات ولا القوى الكافية للقيام بمثل ذلك في سوريا، رغم ضرورته الملحّة، بل المصيرية حالياً. الوضع في سوريا مختلف وأكثر تعقيداً، فالقذافي هنا ما زال حياً، بل ينوي ترشيح نفسه من جديد ومن دون كللٍ للرئاسة في حزيران/يونيو المقبل.. وهنالك قوى خارجية مسلحة ما أنزل الله بها من سلطان على الأرض، وطائفية وعنصرية فائرتان تخرّبان أي بارقة أمل سياسية. وهنالك أيضاً معارضة وسلطة متنافستان على الضحالة والارتهان لآخر أو آخر، وعلى مقدار الانفلات من الوطنية التي تستبطن المواطنة إلى هويات هدّامة.. ولو كانت إحداهما لنا، والثانية علينا! بل إن هنالك استعصاءً يستطيع توليد اقتراحات عسكرية وطائفية وعشائرية وعصبوية لمسار سياسي..
كاتب سوري
القدس العربي
——————————
===================
تحديث 20 شباط 2021
——————————–
المهزلة: تل أبيب تشتري لقاحاً لحكومة دمشق/ حازم الأمين
سيختلط حابل الممانعة بنابل المقاومة، وسيكون أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمام استحقاق صعب، ذاك أنه أعلن عن مقاطعته اللقاح الأميركي، فجاءته قصة اللقاح الروسي الممول من قبل الحكومة الإسرائيلية.
اذا صح خبر “هآرتس” عن أن إسرائيل ستشتري مآت الآلاف من اللقاح الروسي لمصلحة الحكومة السورية، وهو على الأرجح صحيح، فسيختلط حابل الممانعة بنابل المقاومة، وسيكون أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمام استحقاق صعب، ذاك أنه أعلن عن مقاطعته اللقاح الأميركي، فجاءته قصة اللقاح الروسي الممول من قبل الحكومة الإسرائيلية. أما تهمة “العلاقة مع السفارات” فسينالها مزيد من الابتذال وستتحول من كونها نكتة مبتذلة إلى كونها مهزلة. فالسيد يقاتل إلى جانب عملاء الحكومة الصهيونية، ممن بذلوا ماء وجههم بعد أن بذلوا دماء شعبهم في سبيل تأمين حماية إسرائيلية.
لكن المهزلة في “صفقة التبادل” بلغت ذروتها في تفصيل آخر في بنودها، وهو أن الأسير السوري لدى اسرائيل ذياب قهموز رفض الخروج من السجن الاسرائيلي في حال كان إطلاق سراحه يعني توجهه إلى سوريا، واستقر رأيه على البقاء أسيراً لدى إسرائيل. وهذا فعلاً يطرح تحدياً أخلاقياً لا يشعر أهل الممانعة بأنهم معنيون به. فإسرائيل بلد محتل، ودولة تمارس تمييزاً عنصرياً، وهذه ممارسات يومية موثقة ومصورة ومثبتة. وهي أنشأت جداراً عازلاً صار رمزاً عالمياً يعبر عن منسوب الكراهية التي تمارسها حيال المواطنين العرب، وعلى رغم كل هذه القباحة، اختار الأسير السوري أن يكون في السجن لديها على أن يكون مواطناً “طليقاً” في بلده!
والحال أن “هآرتس” حين تناولت خبر صفقة التبادل بين دمشق وتل أبيب نشرت بنوده من دون البند المتعلق باللقاح السوري، لكنها أشارت إلى وجود بند غير معلن وعدت قراءها بنشره في اليوم الثاني، ونسبت إلى مصادرها سبب تأخرهم بتزويدها به إلى أنه يثير حفيظة الرأي العام الإسرائيلي. وهذا فصل آخر في مسلسل المهزلة، ذاك أن “أهل المحور” أقل حساسية من الرأي العام الإسرائيلي الذي هاله شراء حكومته لقاحات روسية لمصلحة الحكومة السورية. وهنا نجد أنفسنا أمام حالٍ من فقدان الحساسية ابتلينا به، وبليت فلسطين به، ذاك أن أصحابه يجاهرون بأنهم يقتلون شعوبهم من أجل فلسطين.
وهنا يبرز أيضاً الدور الروسي بوصفه حلقة الوصل في حفلة المهانة المتواصلة التي تديرها تل أبيب منذ سنوات في سوريا. والسؤال عن دور الوسيط الذي يريد أن يُمرر صفقة لقاح يمولها خصم لمصلحة خصمه فيكشف عن أننا حيال سمسار لا يقيم وزناً لكرامة زبائنه. والسؤال يصبح أكثر إلحاحاً إذا ما دفعناه خطوة إلى الأمام وصار على الشكل التالي: روسيا دولة عظمى وجدت موطىء قدم لها في الشرق الأوسط عبر وجودها في سوريا. وهي في نفس الوقت نجحت في تصنيع لقاح لفايروس كورونا. روسيا هذه لا تريد أن تزود الدولة التي تحتلها باللقاح من دون الثمن، وهي اجترحت صيغة لبيع اللقاح إلى سوريا، وتقاضت ثمنه من إسرائيل. فأي مستعمر هذا؟
طبعاً الخبر لن نقرأه غداً في وسائل إعلام المحور، سيتقدم عليه “انتصار” حققه الحوثيون في اليمن، أو حملة على قاضٍ لبناني لأنه تجرأ على استدعاء وزير من حركة أمل! أما الضحية الرئيسة لهذه المعادلة، فلن تكون إلا القضية الفلسطينية التي وضعت في سوق نخاسة لم تُبقِ منها سوى كلام مبتذل عن القضية.
ليست الصفقة من كشف مهزلة الممانعة، فهذه الأخيرة سبق أن اختبرت كرامتها عشرات المرات، ولم يهتز الخطاب. لكن الصفقة هي محطة بين محطات كثيرة التي انكشفت فيها حقيقة الحرص الإسرائيلي على حماية “العدو المحمود” وعلى مده بأسباب الحياة، وعلى إهانته في نفس الوقت.
درج
——————————–
900 ألف وثيقة تدين الأسد..أكثر من النازيين
قال رئيس اللجنة المستقلة للعدالة الدولية والمساءلة ستيفن راب إن الذهاب إلى محاكمة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، ستكون بمثابة ضربة قاضية على الأسد ونظامه.
وأضاف خلال مقابلة في برنامج “60 دقيقة” على قناة “سي بي أس” الأميركية، إن مجموعة الأدلة التي تم جمعها ضد الأسد تعتبر أقوى مما استخدمه “الحلفاء” لإدانة النازيين في نورمبرغ، قائلاً: “اشتهر النازيون بتوثيق جرائمهم، ولكنهم لم يلتقطوا صوراً لضحاياهم مع معلومات تحدد هويتهم”.
وأضاف “لدينا دليل ضد الأسد وزمرته أفضل مما كان لدينا ضد ميلوسيفيتش في يوغوسلافيا، وأفضل مما كان لدينا ضد النازيين في نورمبرغ”.
وكشف راب، الذي شغل أيضاً منصب سفير الولايات المتحدة الأميركية السابق لشؤون العدالة الجنائية الدولية، عن أن اللجنة أرشفت أكثر من 900 ألف وثيقة تدين الأسد، مشيراً إلى أن الكثير من تلك الوثائق تم التخلي عنها من قبل قوات النظام في مناطق الحرب.
وأكد راب وجود وثائق تحمل اسم الأسد قائلاً: “ليس هناك شك، في أن الوثائق تقودنا إلى اتهام الأسد. من الواضح أنه نظّم هذه الاستراتيجية، لذلك نرى أوامر موجهة إلى أسفل النظام باعتقال الناس، ثم نجد تقارير عائدة إلى الجهة الصادرة مرة أخرى عن وجود مشاكل مثل تكدس الكثير من الجثث، هناك وثائق تحمل اسمه”.
واعتبر أن الفضل يعود إلى “قيصر” قائلاً: “من خلال صور قيصر، كان من الواضح جداً أن المعتقلين تعرضوا للتعذيب، كانوا أجساداً هزيلة، هياكل عظمية بحتة، تم اقتلاع أعين معظمهم…كان بإمكاننا أن نرى كل أنواع التعذيب على أجساد هؤلاء الأفراد”.
وقال “سامي”، اسم مستعار للشخص الذي ساعد “قيصر” في تهريب صور المعتقلين، ل”سي بي أس”، إن أجهزة النظام السوري كانت توثق عدد القتلى، “مع كل جثة، عادة ما تكون هناك 3 أرقام مكتوبة على أجزاء مختلفة من أجسادهم: الرقم الأول هو رقم المعتقل، والثاني هو رقم فرع المخابرات الذي قام بتعذيب ذلك الشخص حتى الموت. والثالث هو رقم تسلسلي يدل على عدد الجثث”.
وأضاف “لقد كانت مسؤولية علينا، على عاتق قيصر وعاتقي، أن نتمكن من إظهار وإعلام الشعب السوري بما كان مصير أحبائهم”.
وقالت القناة الأميركية إنه “لسوء الحظ، قد لا تؤدي كل هذه الأدلة إلى إدانة الأسد. لقد عارض حلفاء النظام، روسيا والصين، محاولات الأمم المتحدة إحضاره إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومع ذلك لدى راب الأمل في تحقيق العادلة”.
وقال راب: “أنا متفائل، لقد رأيت مواقف أخرى اعتقدنا أنها ميؤوس منها إلى حد كبير، حيث لم يعتقد أحد أنه ستكون هناك عدالة ثم نجحنا. الاحتمالات موجودة وإحدى الطرق التي نبنيها لتحقيق ذلك هي وجود الدليل القاطع لدينا الآن”.
المدن
———————–
سورية تعود لما قبل الدولة: تمترس وراء القبلية والعشائرية/ عماد كركص
تعود سورية إلى مرحلة ما قبل الدولة، وتذهب جميع المؤشرات، منذ بداية الثورة مروراً بسنواتها الطويلة، إلى تمترس أبنائها خلف عشائرهم المتناثرة على طول الجغرافيا السورية، في ظلّ اختفاء دولة القانون القوية. كذلك تعمل أطراف الصراع، من النظام والمعارضة، وما بينهما من مجموعات مسلحة، كردية وإسلامية وغيرها، وحتى من الإرهابيين الذين سيطروا لوقت على أجزاء من البلاد، على استمالة العشائر لصفّهم. لكن هذا الواقع، والذي خلق تشظياً مجتمعياً متعدد الأوجه، له تراكمات عدة، من أبرزها ما عمل عليه رأس النظام الأول، حافظ الأسد، وما يستعيده ابنه بشار اليوم، في سعيه الجديد للبقاء في السلطة. ويُعرّض كلّ ذلك سورية إلى خطر الذهاب إلى ما يشبه “العصر الجاهلي”، ضمن سيرورة تاريخية تعاكس المفهوم الصحيح لتقدّم الدولة.
وتتوزع في أغلب المحافظات السورية، ولا سيما الشرقية، العديد من القبائل والعشائر، أكثرها عدداً: النعيم، والموالي، والبكارة، والعكيدات، والجبور، وبنو خالد، وغيرها. ويتفرع عن القبائل والعشائر بطون وأفخاذ متعددة، وضمن امتداد قبائلي واسع، وتمتد بعض القبائل السورية إلى دول محيطة، وحتى الخليج، فيما تُعد قبائل أخرى امتداداً لقبائل في دول خليجية والعراق.
وبعد تصاعد حدة الأزمة في سورية، سعت تلك القبائل والعشائر التقليدية إلى الانخراط في المشاريع السياسية، بهدف حجز مكان لها ضمن التركيبة المستقبلية، في ظل اعتقاد بتهميش دورها طوال الفترة الماضية. وعلى الرغم من الدور الإيجابي الذي تؤديه العشيرة بكونها تؤمن نوعاً من التضامن الاجتماعي بين أبنائها على مستويات مختلفة في الكثير من الأحيان، إلا أن هناك نواحيَ سلبية قد ينتجها هذا التضامن الذي قد يؤدي إلى التعصب، ومن ثم التنافس، وبالتالي الدخول في دوامة المعارك والصراعات.
الأسد الأب وعصبية ابن خلدون
مثّل صعود حافظ الأسد إلى هرم السلطة في سورية نهاية ستينيات القرن الماضي بداية عودة العصبية المتجانسة إلى سورية، والتي تقبض على الحكم في سبيل الحفاظ على ديمومته واستمراره. وعمد الأسد الأب إلى تعزيز تلك العصبية تدريجياً، طوال فترة حكمه، بعدما جعل البلاد ترزح تحت رحمة القبضة الأمنية، وحيث اختبأ وراء ستار حزب “البعث”، مُركزاً بيده كافة السلطات التنفيذية والقضائية، وفارضاً رقابة أمنية كبيرة على السلطة التشريعية التي أفسدها وعبث بهيكليتها، عبر إيصال من كان راضياً عنهم إلى مجلس الشعب (البرلمان).
وبنى حافظ الأسد عصبيةً تعتمد بشكل رئيسي على شخصيات من عشيرته (آل الأسد)، مقدّماً إياهم لترؤس الأجهزة الأمنية والوحدات العسكرية الأهم داخل الجيش. أما اجتماعياً، فجعل الأسد الأب من تلك العشيرة، الصغيرة وغير المتماسكة أساساً، تتقدم لتقود باقي العشائر العلوية في سورية.
هكذا، عاد الأسد ليطبق في سورية نظرية “العصبية الاجتماعية الخلدونية” ليُحكم قبضته على الحكم. لكن تطبيق هذه النظرية يأتي اليوم في زمان مختلف، وفي مكان غير مكانها، إذ تصلح عصبية ابن خلدون للدولة الناشئة في المجتمع الإسلامي، أي في مرحلة صعودها، وهي أساساً عامل تهديد لانهيار الدولة في حال تضعضعها. تلك العصبية لم تعد تصلح للحكم في دولة مثل سورية، عرفت الحضارة وتدرّجت ضمن السيرورة التاريخية الطبيعية للانتقال إلى “الدولة”، التي تأسست في مطلع عشرينيات القرن الماضي. أي أن الأسد الأب قد عاد إلى مرحلة ما قبل الدولة الحديثة، ومعتمداً على معايير بالية جداً لبناء الدولة، ولا تتناسب مع العصر الحالي.
نظام بشار… تابع
اليوم، يهدّد الواقع الحالي لسورية، والذي فرضته ظروف الثورة في هذا البلد، وتعامل نظام بشار الأسد الأمني والقمعي معها، بالإضافة إلى طول أمدها دون أن تلوح لها في الأفق أي حلول، بخطرٍ قد يذهب أبعد من إعادة سورية لما قبل الحداثة، بل هو يهددها بالعودة إلى مرحلة “ما قبل الدولة”. ويلوح هذا الخطر، بعدما باتت جميع أطراف الصراع السوري، من النظام إلى المعارضة، وحتى الأطراف الأخرى المسيطرة بحكم الأمر الواقع على البلاد، تلجأ إلى استنهاض العصبية العشائرية، والتمترس خلفها، سواءً في مواجهة بعضها البعض، أو حتى في المواجهات والمنافسة داخل تلك الأطراف ذاتها، مع اختلاف الأساليب المتبعة.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، ذهب نظام بشار الأسد نحو بعض العشائر في سورية، لكي يُكوّن من أبنائها مليشيات تساند قواته التي أنهكتها حربه طوال عقد من الزمن. ومقابل ذلك، كافأ الأسد زعماء تلك العشائر، والنافذين فيها، بأدوار اقتصادية وعسكرية، وحتى سياسية ومجتمعية. وأخيراً، برزت محاولة رأس النظام الاعتماد على الدور العشائري، في التمهيد لإعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة خلال الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها منتصف العام الحالي. وفي هذا السياق، حرّك الأسد الابن مقربين منه من زعماء العشائر، لكي يبدأوا بحشد العشائر المنتشرة في مناطق نفوذه، من أجل مساندته في الانتخابات. وفي مسعاه هذا، يحاول رأس النظام أيضاً، اللعب على النفوذ العائلي والطبقي في المناطق التي لا تصبغها العشائرية بالمطلق، بل تغلب عليها صبغة الزعامات العائلية والمرجعيات الدينية والوجاهية، كمحافظة السويداء.
المعارضة والأكراد على الخطّ ذاته
في الطرف الآخر، أي في مقلب المعارضة، تمكّنت العشائرية من احتلال حيّز كبير من المؤسسات، لا سيما السياسية والعسكرية منها، حيث باتت المحاصصة داخل تلك المؤسسات والأجهزة تحسب حساباً للمكون العشائري داخلها. وتعدى الأمر ذلك، لولادة أجسام ذات صبغة عشائرية خالصة، أصبحت تملك حضوراً في المجتمع المناصر للثورة السورية، بغضّ النظر عن مدى فاعليتها. وعملت تلك الأجسام على توسيع قاعدتها، بضمّ كل تجمع مجتمعي يحمل صبغة عشائرية. فعلى الرغم من الأكثرية العربية في تلك الأجسام، إلا أن العشائر الكردية والتركمانية والمسيحية جرى تمثيلها أيضاً داخلها، وإن حصل ذلك بنسب ضعيفة، مقارنة مع العشائر العربية.
وفي شمال شرقي سورية، لم تجد “الإدارة الذاتية” الكردية، التي أحكمت قبضتها على مساحات واسعة في المنطقة، بقيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وسطوة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، ومكونها الرئيسي “وحدات حماية الشعب”، والتي تتخذ من العلمانية واليسار منهجاً لها، مفراً من اللجوء إلى العشائر لاستمالتها. وتعد منطقة شرقي سورية، البقعة الجغرافية الأكثر احتواءً للعشائر العربية وغيرها. هكذا بات للعشائر حضور داخل “قسد”، حيث يحقق أبناء العشائر المنضوون في تلك القوات مكاسب لجهة تنظيم حمايتهم والحفاظ على دورهم العسكري، بالإضافة للمنفعة المادية، على الرغم من أن التأثير واتخاذ القرار يبقى محصوراً بيد العناصر الكردية. وأخذت القيادة الكردية أخيراً، تستميل العشائر في المنطقة، من خلال شيوخها وزعاماتها، وذلك لأسباب عدة، من أهمها منحهم دوراً، ولو رمزياً، وإشراكهم في حكم المنطقة، لنفي تحكّم الأقلية (الكردية) بالأكثرية، ومنع أو إبعاد انتفاضة عشائرية بوجه الإدارة الكردية وذراعها العسكرية. كذلك تهدف الخطة إلى زجّ العشائر وأبنائها في الخندق الكردي، لمواجهة تركيا وحلفائها في المعارضة، ولمواجهة النظام وقواته أيضاً.
وبما أن السيرورة التاريخية لبناء الدول، تبدأ بالانتقال من العشيرة أو القبيلة إلى القرية، ثم إلى المدينة فالدولة، يمكن القول اليوم إن الوضع في سورية بات معاكساً لهذه السيرورة، من خلال العودة إلى العشيرة، مع اختفاء دور الدولة بالمطلق. ويأتي ذلك، في ظلّ واقع عسكري وتدخلات إقليمية معقدة، تعزز هذه الظاهرة، بانتظار حلّ سياسي شامل في البلاد، قد يُمكّن من الانطلاق لإصلاح هذا الخطر القائم، والمهدد لوحدة البلاد وتماسكها في المستقبل.
اللاعشائريون مقابل القبلية
وأمام كلّ ذلك، يقف اللاعشائريون في موقع المتفرج على هذا المشهد المعقد. وعلى الرغم من أن لا إحصائية رسمية تحدد نسبة عدد أبناء العشائر من مجمل سُكّان البلاد، إلا أن الإحصاءات التقديرية تشير إلى أن نصف سُكّان ينتمون إلى أكثر من 50 قبيلة وعشيرة منتشرة في أنحاء البلاد، ما يعني أن النصف الآخر غير عشائري، ولا يعنيهم هذا الانتماء بالمطلق. وهؤلاء يعيشون خصوصاً في مدن المحافظات الداخلية، مثل دمشق وحلب وحمص وحماة وإدلب واللاذقية، دون أريافها طبعاً، وهم مُدركون أن لا منقذ لهم ولدورهم، سوى الدولة المدنية، التي تنتفي في ظلّ وجودها كل الانتماءات الأخرى، الدينية والعرقية والاجتماعية.
وبخلاف الإحصاءات المتاحة، يشير الشيخ مضر حماد الأسعد، المتحدث باسم “مجلس القبائل والعشائر السورية”، الذي تأسس في عام 2018 شمالي حلب، والموالي للمعارضة، والذي استند إلى جهود “المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية” المؤسس منذ 2013، إلى أن العشائر والقبائل السورية تمثل أكثر من 80 في المائة من بنية المجتمع السوري. ويرى الأسعد أنه لهذا السبب، فإن أطراف الصراع تلتف حول العشائر لكسب ودّها، ولأن هذه العشائر، العربية وغيرها، والقبائل الكردية والسريانية والدرزية والجيجانية (شركسية) والتركمانية، تنتشر على كافة الجغرافيا السورية، لكن انتشارها تركز شرقي البلاد، حيث الثروة الزراعية والنفطية”.
ويرى الأسعد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن القبائل السورية “تمثل منذ تشكيل الدولة السورية في عشرينيات القرن الماضي الأساس في بنية المجتمع السوري، وهي لا تزال تعلب دورها في التكوين السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد حتى اليوم”. لكنه المتحدث باسم “مجلس القبائل والعشائر السورية” يوضح أنه “بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في عام 1963، تمّ تهميش دور القبائل والعشائر وإبعادها عن الحياة السياسية، من خلال محاربتها اقتصادياً بعد صدور قانوني الإصلاح الزراعي والتأميم”. ويلفت في هذا الإطار إلى أن قانون التأميم “كان من شأنه تفتيت الملكيات الزراعية، والتي تضررت من خلالها مئات المصانع والمنشآت التجارية والصناعية، التي كان يملكها أو يقف وراءها شيوخ عشائر من أبناء المدن”. ويرى الأسعد أن “وصول حافظ الأسد إلى السلطة زاد بدوره في تهميش دور العشائر، إذ عمد الأخير إلى التدخل في تركيبة مجلس الشعب (البرلمان)، من خلال تعيين أعضائه عبر الحزب أو الأفرع الأمنية، ما حرم شيوخ العشائر من الوصول إلى المجلس رغم دعم أبناء عشائرهم على كثرتهم”.
وحول الواقع الحالي، يرى الأسعد أنه “عندما تضعف الدولة، يصعد دور العصبية القبلية، لتملأ العشيرة أو القبيلة الفراغ، وعلى العكس، فإن الحكومات في الدول المستقرة والمتقدمة، تُضعف دور القبائل وشيوخها”. أما في الحالة السورية، فيعتبر أن “العشيرة أصبحت هي الأقوى، لكونها الملجأ الآمن لأبنائها أو للسكان في ظلّ عدم وجود حكومة مركزية قوية، تستطيع أن تدير زمام الأمور السياسية والعسكرية والأمنية”. ويبين الأسعد أن النظام وحلفاءه بشكل خاص، ومعهم النفوذ الأميركي في البلاد، يعملون على تفتيت العشائر والقبائل من خلال سياسة تجزئة المُجّزأ في عموم البلاد، ومن خلال سياسة فرّق تسد، داخل القبائل نفسها لسهولة السيطرة على الجغرافية والسكان. ويشير المتحدث باسم “مجلس القبائل والعشائر السورية”، في هذا الإطار، إلى أنه “من الملاحظ خلال الأعوام الثلاثة الماضية ارتفعت حدّة العصبية القبلية وشهدت العديد من المناطق السورية نزاعات وحروب قبلية، بسبب توزع الولاءات العشائرية بين أطراف الصراع، وحتى داخل العشيرة ذاتها، طفت صراعات إلى السطح، كون الكثير من العشائر منقسمة في ولائها بين الأطراف المتحاربة”.
ويؤكد الأسعد أن استنهاض دور العشائر والقبائل السورية بشكل إيجابي كان هدف “مجلس القبائل والعشائر السورية” الذي يتحدث باسمه، وكذلك خلق تكتل عشائري – قبلي داخل أجسام الثورة والمعارضة. ويوضح في هذا الصدد: “نعمل على توحيد رؤية وهدف جميع العشائر والقبائل السورية، وتعزيز ثقافة السلم الأهلي والمجتمعي”، مشيراً إلى وصولهم إلى نتائج إيجابية في هذا الإطار، داخل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام و”قسد”، حيث “أخذت القبيلة دورها كوحدة متكاملة مع غيرها من القبائل، ما جعل لتجمع القبائل دوراً إيجابياً في مؤسسات المعارضة، أو إلى جانبها”.
بناء الدولة ممكن؟
من جهته، يرى الباحث في العلوم الاجتماعية والاجتماع السياسي، في “مركز حرمون للدراسات المعاصرة”، طلال مصطفى، أن “العشائرية في سورية كان لها تاريخياً بنى اجتماعية انتمائية تقليدية تعود إلى ما قبل الدولة المعاصرة (دولة القانون)، وقد استمر وجودها منذ الاستقلال وحتى اليوم”. ويلفت مصطفى إلى أن “حافظ الأسد قد يكون قوّض هذا الدور إلى حدّ ما سياسياً من خلال الاعتماد على شخصيات عشائرية هشّة على الصعيد الشخصي، وفي وسطها العشائري، والتي مثلّته في مجلس الشعب وفي بعض الوظائف المحلية الرسمية كتمثيل شكلي غير فاعل، الى جانب التمثيل السياسي لما يسمى أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، والتي كان يظهرها إعلامياً عند الحاجة السياسية إليها، ويخفيها عند الضرورة أيضاً”.
ويشير مصطفى في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “البنى الاجتماعية التقليدية (العائلة، العشيرة، الطائفة… إلخ)، تبرز عادةً في مجتمعات ما قبل الدولة الحديثة، وخصوصاً تلك التي تحصل فيها اضطرابات اجتماعية وحروب أهلية، حيث يضطر المواطن للبحث عن بنى اجتماعية تحميه أمنياً واجتماعياً، وحتى معيشياً، في حالة تنحي مؤسسات الدولة عن القيام بوظائفها”. ولهذا السبب، يرى الباحث أنه “في فترة الحرب السورية التي شنّها النظام على السوريين، إثر ثورة 2011 ومن ثم اتساعها لتصبح حرباً سورية إقليمية دولية، برزت البنى الاجتماعية التقليدية، ومنها العشائرية في سورية، وخصوصاً في المنطقة الشمالية والشرقية (دير الزور، الحسكة، الرقة، ريف حلب) بداية، وذلك بسبب الفراغ الذي ظهر نتيجة توقف مؤسسات الدولة عن العمل، وأهمها المؤسسات القضائية”. وبرأيه، فإن ما زاد هذا التوجه “فشل المعارضة السورية في إيجاد مؤسسات محلية بديلة، تقدم الخدمات الضرورية للمواطنين، ومع ازدياد وتيرة الانتهاكات الأمنية والعسكرية من قبل النظام ومليشيات قسد التابعة، وكذلك من قبل التنظيمات الراديكالية مثل داعش وجبهة النصرة وغيرها، الأمر الذي دفع بالتنظيمات العشائرية للبروز، وبالتالي التفكير بلعب دور بارز وفعّال في الأحداث العسكرية والسياسية الجارية”.
ويشدد مصطفى أيضاً على “الفشل السياسي الكبير للقوى السياسية، سواء أكان النظام أو المعارضة السياسية بتلاوينها المتعددة في المحافظات ذات الطابع العشائري، في جذب أبناء العشائر بناء على برامجها السياسية، بل هي اتجهت لكسب هذه العشائر بناء على مصالح شخصية وآنية، من خلال تمثيلها في الهيئات السياسية التابعة لها”. ولذلك، بحسب الباحث، “فقد وجدنا العديد من المجالس والهيئات العشائرية التي ولدت خلال سنوات الحرب، وتعددت انتماءاتها بين النظام وحليفه الإيراني والمعارضة السورية وكذلك قسد… إلخ، ما دفع بهذه البنى العشائرية للمزيد من التشظي الاجتماعي والسياسي، وأيضاً التشظي الديني، حيث ذهبت بعض العشائر باتجاه التشيع مثلاً، وهنا مكمن الخطورة في هذه الانقسامات التي تحدث على خلفية عشائرية، وليست فردية كما حصل في المدن السورية”.
أما الحلّ لهذا الانقسام والتشظي العشائري، فيكون، بحسب مصطفى، “من خلال بناء دولة القانون والمواطنة، ما يستوجب أن تتعامل معه المعارضة بناء على برامجها السياسية لسورية المستقبل، وليس بناء على كسب هذه العشيرة أو تلك من خلال تمثيلها في هيئاتها السياسية”. لكن ذلك لا يمنع، كما يستطرد الباحث، “إمكانية الاستفادة إيجابياً من هذه البنى الاجتماعية التقليدية، أي العشائر، في الحلول السياسية في المناطق التي تشهد صراعات عسكرية محلية، من خلال إيجاد آليات محلية للمصالحات، وخصوصاً في المرحلة الانتقالية من بناء دولة القانون والمواطنة مستقبلاً”.
ويفضل الكاتب والأديب السوري نجم الدين سمّان، من جهته، الدفاع عن اللاعشائريين، لكونه واحداً منهم، مطلقاً عليهم مسمى “التيار الثالث”. ويرى سمّان في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “هذا التيار لم يتبلور بعد في شرقنا، حيث تتداخل البنى الاجتماعية في خليط عجيب يصطف في خندقين: تيار العسكر وفاسديه، وتيار لحى سماسرة الدنيا والدين”. وبرأيه، فإنه “عندما يتفق التياران على وأد كل انتفاضة شعبية ضدهما، يرتدّ كثيرون نحو نزعاتهم الدينية والمذهبية والمناطقية والعشائرية، حيث يتبدّى على نحوٍ فجٍ التمييز بين الريف والمدينة وبين كل مدينتين، بل بين كلّ حارتين في مدينة واحدة، وحتى بين كل عائلتين وعشيرتين”. ويشرح الكاتب أنه “في ظلّ غياب دولة مدنية ديمقراطية، يتساوى فيها جميع مواطنيها، من السهل الانكفاء نحو الهويّات الضيقة التي ذكرناها، حيث لا ملاذ للمواطن في غياب العدالة والمساواة سوى عائلته أو عشيرته أو طائفته”.
أما “التيار الثالث”، وهم اللاعشائريون واللاطائفيون، فيشير إليهم سمّان بأنهم “نخبة متناثرة”، مضيفاً أن “تأثيرهم ضئيلٌ بين الناس، إذ يحشد الديكتاتور حوله بطانته وجلّاديه ومُناصريه، ويحشد الشيخ مريديه؛ وشيخ العشيرة أبناء عشيرته، كما لو أننا نعيش قبل آلاف السنين، وفي مرحلة ما قبل الدولة”.
ويشير سمّان إلى أنه “بعد ثورات العربي، وعلى الرغم من تآمر الجميع لوأدها، فإن التربة باتت مهيّأةً أكثر للعمل على إقامة مجتمعات جديدة خارج ثنائية العسكر ورجال الدين، وخارج ثنائية الطائفة والعشيرة، لكن ذلك يحتاج إلى وقت طويل وإلى كفاح مدني من نوع جديد، تقوم به النخبة المتنورة”. وفي هذا الإطار، يقدم الكاتب الغرب كمثال، حيث مَهَّد الكثير من الفلاسفة والأدباء لمجتمع جديد، قبل عقودٍ من تبلوره، وذلك في مؤلفات جان – جاك روسو مثلاً عن المجتمع المدني، وقبل عقود من تبلوره في الدساتير والقوانين وفي شرعة حقوق الإنسان. وفي مجتمعات “شرقستان” كما يسميها، يرى سمّان إلى “أننا قد نحتاج لعقود حتى تتبلور هذه المفاهيم في مجتمعاتنا المنكوبة بطغاتها وبغزاتها على التوالي”. ومع ذلك، فإن برأيه “لا شيئاً مستحيلاً، فقد تستبق ثورات الناس الأفكار، تماماً كما فاجأ الربيع العربي الكثير من المفكرين”.
العربي الجديد
————————
صفقة التبادل..إسرائيل تشتري مئات آلاف اللقاحات الروسية لنظام الاسد
قالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إن إسرائيل ستموّل شراء لقاح كورونا الروسية لصالح النظام السوري، من ضمن صفقة التبادل التي استرجعت إسرائيل بموجبها فتاة يهودية عبرت الحدود نحو سوريا عند بلدة القنيطرة.
وقالت “هآرتس” نقلاً عن تقارير أجنبية، إن الصفقة شملت دفع إسرائيل ثمن مئات آلاف الجرعات من لقاح “سبوتنك في” الروسي، كبند سري حاولت حكومة بنيامين نتنياهو التعتيم عليه.
وكان البند السري أثار عاصفة الجمعة في إسرائيل بعد وصول الفتاة بطائرة خاصة من روسيا إلى إسرائيل، ويرافقها وفد أمني واستخباراتي إسرائيلي. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن عملية تبادل فتاة مع راعيين سوريين، لا تحتاج إلى توجه هذا الوفد الأمني إلى موسكو.
وقال موقع صحيفة “يديعوت آحرنوت” الجمعة، إن الروس طلبوا عدم نشر هذا البند السري الذي لا مشكلة إسرائيلية بالكشف عنه بحسب مسؤولين إسرائيلين كبار.
لكن مدونة سياسية أميركية تدعى “Tikun Olam” كشفت البند السري نقلاً عن مصدر إسرائيلي أبلغها بأن “إسرائيل وافقت على شراء ملايين الجرعات من اللقاح الروسي لصالح النظام السوري”. وأشار التقرير إلى أن قيمة الصفقة بلغت 1.2 مليون دولار تدفعها إسرائيل لصالح روسيا.
وتفرض الرقابة العسكرية الإسرائيلية رقابة على وسائل الإعلام لعدم كشف هذا البند. لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية ربطت بين “الثمن الإضافي لسوريا” وتغريدة للنائب أحمد الطيبي قال فيها أنه طالب إسرائيل بالمصادقة على نقل لقاحات إلى قطاع غزة والضفة الغربية “من احتياطي اللقاحات الكبير الموجود بحوزة إسرائيل. هل علينا أن ننتظر أن يعبر يهودي الحدود إلى غزة كي تحظى باللقاح؟”.
————————
تنافس أميركي ـ روسي في شمال شرقي سورية/ عماد كركص
يعود التنافس الروسي ـ الأميركي ليخيّم على المشهد في شمال شرقي سورية، تحديداً عند مثلث الحدود السورية – العراقية – التركية هذه المرة، بعد حركة تعزيزات ملحوظة ومستمرة لقوات الطرفين هناك. ويتذرع الأميركيون لتقوية نفوذهم في تلك المنطقة بعودة نشاط تنظيم “داعش” للتفاقم في البادية السورية، وأحياناً في المناطق التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، حليفة واشنطن. ومع تعزيز واشنطن وجودها، دخل الروس السباق، مع تعاظم حركة الأرتال الروسية من الغرب، تحديداً من القاعدة العسكرية الروسية في حميميم، نحو الشرق. وفي موازاة ذلك، تعمد موسكو لاستمالة الأكراد هناك من أجل تدعيم نفوذها، ومحاولة عدم تثبيت الهيمنة الأميركية على الشرق، ومكامن الثروة النفطية والزراعية.
وعمدت روسيا أخيراً إلى بدء تعزيز قاعدتها في مطار مدينة القامشلي، شمالي الحسكة، بشكل دوري بالجنود والمدرعات العسكرية، وباتت ترسل إليها براً شاحنات تقل أسلحة وذخيرة، عادة يكون مصدرها القاعدة العسكرية الروسية في حميميم. ومن القاعدة في المطار، تمد القوات الروسية نقاطها الموجودة في كل من تل تمر وعامودا بالتعزيزات. مع العلم أن 200 جندي روسي مع شحنات كبيرة من العتاد والذخيرة، وصلوا في منتصف الشهر الماضي إلى مطار القامشلي، من قاعدة حميميم. وهي أكبر التعزيزات التي أرسلتها روسيا إلى القاعدة في الآونة الأخيرة.
ومع نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي، بدأت القوات الروسية بالانتشار في نقاط جديدة، لا سيما عند المثلث الحدودي مع تركيا والعراق، في منطقة يمر فيها نهر دجلة، الذي يمتد فوقه الجسر الروماني، بالإضافة لمعبر نهي بين إقليم كردستان العراق وسورية، ويعد الشريان للحركة التجارية والطبيعية، ورافداً أساسياً لتحريك عجلة الاقتصاد في مناطق “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”قسد”. وهذا ما يشكل هاجساً دائماً لدى النظام والروس للسيطرة على هذه المنطقة التابعة إدارياً لناحية المالكية، فضلاً عن قربها من منابع وحقول النفط والغاز.
ولتحقيق ذلك، سعت روسيا عبر الضغط على “قسد” و”الإدارة الذاتية”، لفرض وجود حرس حدود تابع لقوات النظام، ونشر نقاط لهم على امتداد الحدود مع تركيا. وفي ما بعد حاولت روسيا التمدد عند مثلث الحدود، ما جعل القوات الأميركية تسعى لمجابهة هذا التمدد عبر اعتراض الدوريات الروسية بدوريات أميركية أو أخرى تابعة لـ”الإدارة الذاتية”، فيما لا تزال الدوريات الروسية مستمرة بالتحرك لفرض الوجود الروسي، وصولاً إلى بلدة عين ديوار عند تقاطع المثلث الحدودي.
أمام ذلك، تسعى القوات الأميركية للجم التمدد الروسي العسكري بشكل غير مباشر، منعاً للاحتكاك ومن ثم الاشتباك. ويبدو أن واشنطن ارتأت زيادة حجم قواتها ونشر قواعد إضافية لها في المنطقة، إذ ازدادت حركة التعزيزات والأرتال عبر معبر الوليد الحدودي مع إقليم كردستان العراق، كان آخرها دخول 60 عربة محمّلة بالذخائر منذ أيام، بالإضافة للعربات العسكرية وشاحنات تحمل معدات لوجستية وتقنية متطورة، عدا عن الدعم الجوي المباشر إلى جنوب الحسكة. وعمدت تلك القوات لتثبيت قواعدها ونقاطها القديمة، وإنشاء نقاط وقواعد ومهابط طائرات حديثة، فعلى بُعد كيلومترين من عين ديوار، ثبّتت القوات الأميركية قاعدة جديدة دعمتها بكثير من الجنود والمعدات وأنشأت فيها مهبطاً للطائرات المروحية. والقاعدة هي الثانية من نوعها التي تنشئها القوات الأميركية خلال أقل من شهر، إذ أقامت، نهاية الشهر الماضي، قاعدة عسكرية قرب تل علو في منطقة اليعربية بريف الحسكة الشرقي.
وحول ذلك، رأى القيادي في المعارضة السورية، المحلل العسكري العميد فاتح حسون، أن “روسيا المتحكمة بنظام الأسد والقائمة بأعماله نيابة عنه، عملت على تهدئة منطقة إدلب بالتوافق مع تركيا، ليس عن طيب خاطر، بل بضغط فاعل من تركيا في ملفات عدة، كان آخرها ملف ناغورنو كاراباخ، ولكي تركز على مناطق جديدة خارج سيطرة نظام الأسد، منها منطقة شمال شرقي سورية”. وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “انتقال روسيا لتعزيز وجودها شمال شرقي الفرات بإرسال المزيد من القوات والمعدات، تسعى من خلاله إلى تحقيق نفوذ عسكري لها بهذه المنطقة يفتح قناة تواصل مع خصمها أميركا، حتى لو أثار ذلك حفيظة الإدارة الجديدة التي تنظر إلى روسيا بدورها على أنها أكثر من خصم”. ولفت إلى أن “روسيا حاولت سابقاً في شمال شرق سورية اختبار إرادة الإدارة الأميركية زمن دونالد ترامب، بإرسال مرتزقتها ضمن شركة فاغنر للهجوم على حقول البترول التي تتمتع بحماية أميركية، فوجدت أن الرد كان عنيفاً جداً، فاستكانت. وهي حالياً تعيد الكرّة مع الإدارة الأميركية الجديدة لاختبارها، ويبدو أنها ستستكين لاحقاً”.
وأشار حسون إلى أن “الإدارة الأميركية الجديدة اختلفت بطريقة التعاطي مع الخطر المتشكل على الجنود الأميركيين عن سابقتها، ففي العراق مثلاً، بدلاً من الانسحاب تقوم بتعزيز قواتها. ويبدو أن هذا السيناريو سيتكرر في سورية، مع إنشائها قاعدتين عسكريتين جديدتين في مناطق نفوذها”. وأوضح أنه “في ظل الصراع على المصالح الدولية، وعدم جعل السوريين يختارون مصيرهم بأنفسهم، ستكون منطقة شمال شرق الفرات ساحة صراع مستقبلي”.
وخلافاً للرأي السائد، رأى رئيس “الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة”، التابعة للمعارضة، مضر حماد الأسعد، أن هناك تفاهماً روسياً أميركياً حيال شرق وشمال سورية، ومنطقة الجزيرة السورية بالعموم. وأوضح في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “واشنطن تحاول تثبيت أقدامها بقوة هناك، لكنها أيضاً تفسح المجال للروس ليكون لهم دور في شرق سورية لمواجهة تركيا، وذلك للحد من دعم تركيا لقوات المعارضة ومواجهة القوات الكردية الحليفة لواشنطن التي تسعى لإقامة كانتون أو ممر إرهابي في شمال وشرق سورية”. وأشار الأسعد إلى أن “روسيا لا يمكن أن تتحرك شرقي البلاد إلا من خلال الضوء الأخضر والموافقة الأميركية”. وتكمن الاستفادة الأميركية من ذلك، بحسب تعبيره، في أن “واشنطن تدفع بروسيا لمواجهة الأخطار عوضاً عنها، من التمدد الإيراني في الشرق، إلى طموح المعارضة السورية المدعومة من تركيا بدحر قسد، بالإضافة للسيطرة الأميركية على قسد من خلال القوات الروسية، وكي لا تتحمل واشنطن وزر تجاوزات قسد بمفردها، أو تتنصل منها بشكل كامل”.
وكشف الأسعد، الذي يشغل أيضاً منصب المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر السورية، أن “روسيا التقت أخيراً مع عدد من شيوخ العشائر العربية في القامشلي، شمالي الحسكة، بهدف تشكيل مليشيات عسكرية جديدة في الحسكة، مهمتها مواجهة التغلغل الإيراني، وكبح جماح قسد”. وأشارت مصادر، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن ضابطاً أميركياً أخبر سكان بلدة دير الغصن بريف الحسكة، وذلك خلال تسيير دورية أميركية هناك، بأن الوجود الأميركي هدفه الرئيس منع التمدد التركي والروسي في مناطقهم، وذلك بعد شكاوى السكان لقائد الدورية من أن الوجود التركي والروسي يمنعهم من متابعة أعمالهم في الزراعة، الأمر الذي يفتح الباب أمام حركة تنافس متشابكة ومعقدة، قد تزداد حدتها في الأيام المقبلة.
العربي الجديد
======================
تحديث 22 شباط 2021
————————–
تصويت مبكر على “الانتخابات” الرئاسية في سورية/ راتب شعبو
طبيب وكاتب سوري من مواليد 1963. قضى 16 عامًا متّصلة في السجون السوريّة. صدر له كتاب “دنيا الدين الإسلامي الأوّلَ” (دراسة) و”ماذا وراء هذه الجدران” (رواية)، وله مساهمات في الترجمة عن الإنكليزيّة.
جرت في 17 فبراير/شباط 2021 صفقة تبادل محتجزين (وليس أسرى لأن عملية الاحتجاز لم تأت في سياق معركة أو حرب، ولأن المحتجزين مدنيون) بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والنظام السوري، شملت راعيين سوريين محتجزين في إسرائيل وفتاة إسرائيلية (25 عاماً) دخلت إلى منطقة القنيطرة عن طريق الخطأ واحتجزت في سورية. تمت العملية عبر الصليب الأحمر برعاية روسية. غير أن الصفقة كان يجب أن تتم بشكل آخر. كان ينبغي مبادلة الفتاة الإسرائيلية بسجينين سوريين في سجون الاحتلال، ولكن حدث ما لم يتوقعه المتفاوضون. ما حدث يمكن اعتباره فضيحة، إذا ظل هناك مجال للكلام عن فضائح فيما يخص نظام الجمهورية الوراثية في سورية. أما وأن موسم الفضائح قد ازدهر بعد أن تحول واقع النظام السوري جملة وتفصيلاً إلى فضيحة، فيمكن اعتبار ما حدث مؤشراً على درجة الفضيحة.
ما حدث هو أن السجين السوري الأول الذي كان مدرجاً في الصفقة، على أساس أن المفاوض السوري حريص على استعادة الأسرى، والحقيقة هي أن الصفقة روسية إسرائيلية في الأصل وأن الطرف السوري مجرد منفذ، نقول إن السجين السوري فضل البقاء في السجون الإسرائيلية على أن يتم إبعاده إلى دمشق. السجين اسمه “ذياب قهموز”، من أبناء قرية الغجر في الجولان المحتل، وهو سجين في السجون الإسرائيلية منذ العام 2016. وقد طلب الرجل إخراجه من الصفقة مفضلاً البقاء في السجن داخل إسرائيل على الافراج عنه ونقله إلى سورية، مع العلم أنه محكوم بالسجن لمدة 14 عاماً.
والشخص الثاني في الصفقة هي المناضلة نهال المقت، من أبناء مجدل شمس، محكوم عليها بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ وسنة مراقبة. فقد قالت المقت للصحافة إن الجانب الإسرائيلي أراد إبعادها إلى سورية أثناء المفاوضات ولكنها رفضت، وانتهى الأمر إلى خروجها من الصفقة أيضاً. وعليه فقد تمت إعادة الأسيرة أو المحتجزة الإسرائيلية التي كانت قد دخلت الأراضي السورية عن غير قصد، مقابل إعادة إسرائيل راعيين سوريين كانا قد دخلا أيضاً عن طريق الخطأ عبر (الخط ألفا) الذي يمثل الحدود المتنازع عليها بين البلدين، وجرى احتجازهما من قبل إسرائيل منذ حوالي اسبوعين.
إذا حاولنا أن نفسر رفض السجينين السوريين الدخول في الصفقة على أنه رفض للإبعاد، ونوع من التمسك بالبقاء في الجولان، سوف يواجهنا أمران، الأول هو حقيقة أن الإبعاد إلى دمشق كان بالنسبة للأسير قهموز أسوأ من البقاء في السجن الذي قد يمتد حتى نهاية فترة الحكم المذكورة. والثاني، إذا كان المفاوض السوري حريصاً على بقاء أهل الجولان في الجولان لماذا لم يشترط في الصفقة الإفراج عن الأسير قهموز وعدم إبعاده عن الجولان، أي أن يعود إلى بيته وأهله؟ والأمر نفسه ينطبق على الأسيرة المقت، وإن بدرجة أقل، ليس فقط لأن مدة حكمها أقل، بل أيضاً لأنها في الإقامة الجبرية وليست في السجن.
جدير بالذكر أن آخر عملية تبادل أسرى بين الجانبين كانت قد جرت في نيسان/ابريل 2019، استلمت خلالها إسرائيل رفاة جندي إسرائيلي كان قد اختفى بعد معركة السلطان يعقوب في لبنان مع الجيش السوري عام 1982. وقد رفض حينها عميد الأسرى السوريين “صدقي المقت” (افرج عنه في 2012 بعد 27 من السجن، ثم أعيد اعتقاله في 2015) ادراجه في الصفقة لأنها تشترط إبعاده عن الجولان، ولم يفرج عنه حتى كانون الثاني 2020.
يبقى السؤال لماذا على السجين السوري في إسرائيل أن يطالب بعدم إبعاده وأن يخرج من الصفقة حين لا يجاب طلبه، فيما يذعن المفاوض السوري للشرط الإسرائيلي في إبعاد الأسير المحرر عن الجولان؟ أليس من الطبيعي أن يعود السجين المحرر إلى أهله. في عملية تبادل أسرى واسعة جرت في حزيران 1984، أفرجت إسرائيل، مقابل استعادة ثلاثة من جنودها وجثث خمسة آخرين، عن 291 جندياً سورياً، و85 مقاوماً من المقاومة الوطنية اللبنانية و13 معتقلاً سورياً من الجولان السوري المحتل كانوا معتقلين منذ العام 1973، مع اشتراط عدم إبعادهم وبقائهم بين أهاليهم في الجولان.
في كل حال يمكن اعتبار الصفقة الأخيرة مؤشراً على مدى الهوان الوطني الذي بلغه نظام الأسد، فلا يستطيع مفاوضه أن يفرض في صفقة تبادل، بقاءَ الأسير المحرر في أهله وقريته. كما يمكن اعتبار موقف الأسيرين المذكورين (ذياب قهموز ونهال المقت) تصويتاً مبكراً، في الانتخابات الرئاسية أو في الفضيحة الرئاسية التي يجتهد نظام الأسد في التجهيز والترويج لها.
موقع نواة
—————————–
أعد لي وطني حتى أنتخبك/ يحيى العريضي
لا يختلف اثنان أنه لم يكن هناك انتخابات رئاسية ذات مصداقية أو قيمة حقيقية في سوريا لعقود من الزمن، وخاصة في الحقبة الأسدية. كان “الاستفتاء” على الرئيس- بما يُسبَغُ عليه من صفات شبه إلهية- هو سيد الموقف والموضة الدارجة؛ فهو “المُلهم، البطل، القائد، الواهب، المانع، المعلّم، المقاوم، المؤمن، الحامي، الطاهر، المنزه، المربي، الحكيم، الرحيم، الشجاع، الاستراتيجي، صاحب العطاءات والمكرمات…..
مؤخراً تدخل مفردة “انتخابات” رسمياً إلى سوريا عبر القرارات الدولية؛ إلا أنه عام 2014، جرت “انتخابات” رئاسية في سوريا؛ وكان فيها مرشحان آخران للرئاسة. أحدهم- نسيت اسمه “لأهميته”- هو ذاته، صوّت “للسيد الرئيس” في تلك الانتخابات؛ ومع ذلك حَصَلَ على نحو عشرة في المئة من الأصوات، بفعل مخابراتي.
أحد القضايا التي تشغل السوريين، وكثيراً من الجهات المتدخلة بشؤونهم هذه الأيام، هي “الانتخابات الرئاسية. هاجس الجهات هذه أن تحافظ على مصالحها؛ ومِن حقّها فعلُ ذلك؛ ولكن إذا فكّرت هذه الجهات حقيقة بقليل من الأخلاق أو الإنسانية أو حتى العقلانية، لما قبلت، بأي شكل من الأشكال، ترشيح من تسبب بإيصال سوريا إلى ما وصلت إليه. فهي تعرف ضمنياً، أكثر مِن غيرها، أن المسؤولية الأولى والأخيرة تقع عليه، بحكم كونه رئيساً للبلاد. أما السوريون الراغبون بهذا الترشيح، أو الرافضون له، فما الذي يحركهم سلباً أو إيجاباً؛ وخاصة المتحمسين باتجاه مَن سيفعل بسوريا الشيء ذاته، إذا ما تم إعادة تكراره؟
يأتي على رأس سرديات هؤلاء أن “الرئيس” الحالي هو مَن يحافظ على “وحدة سوريا وسيادتها”؛ إلا أنهم ينسون أو يتناسون أن سوريا بتاريخها الحديث لم تكن مستباحة، ومبعثرة، وفاقدة للسيادة- دولةً وشعباً- كماهي الآن؛ فهي قطعة في الشمال الشرقي، وأخرى في الشمال الغربي، وثالثة في ما تبقّى من سوريا؛ وداخل كالقطعة صراعات على النفوذ؛ وفي كل واحدة لا سيادة للدولة السورية أو لشعبها أو رئيسها، الذي لا سيادة له حتى على مصيره الشخصي. /دعك من الترشُّح للرئاسة/؛ فهل يجرؤ مثلاً أن يصرّ على القيام بأي أمر “سيادي” دون موافقة روسيا أو إيران؟! فأي سيادة هذه التي يتحدثون عنها!
يرى هؤلاء أن بشار الأسد يتصدى لما يسمونه “مؤامرةً كونيةً” غافلين عن أن دول الكون استنفرت للإبقاء على منظومته الاستبدادية من خلال تدويل القضية السورية. فإن كان هناك مِن مؤامرة فهي على شعب أراد أن يتحرر من ربقة أداتهم الاستبدادية في دمشق، فساهمت تلك القوى والدول معه بتدمير سوريا وشعبها.
يتحدثون عن “مقاومته للإرهاب”، ولكنهم ينسون أوامره التي أطلقت أشباح الإرهاب من سجن صيدنايا، ليكونوا قادة (داعش)، والذين تم استخدامهم يوماً في العراق. “الإرهاب” بنظر رئيسهم هو إرهاب إخوتهم في الوطن، وليس تلك الحالة المغناطيسية التي جلبت عصابات الإرهاب من مختلف دول العالم. السوريون ليسوا إرهابيين إلا أنه لم يكن من مخرج لمنظومة الاستبداد، التي تحكمهم، كي تبرر جرائمها بحق الشعب السوري، إلا أن تتهمه بالإرهاب. وهذا لا ولن يُغفَر؛ وهو مهين جداً حتى لأولئك الذين يتبنون سردية الإرهاب على طريقة الاستبداد الحاكم.
يكفي المتحمسون لإعادة تكرير الاستبداد، التفكير بالغزل القائم بينها وبين إسرائيل؛ حيث لا يفيدهم الاستمرار بالحديث عن الرئيس “المقاوم والممانع لإسرائيل”- مغتصبة الحقوق- وهو يخطب ودهّها لإبقائه في كرسي الدم. لا أدري إذا كان أحد من هؤلاء المتحمسين يشعر بالتناقض، أو بشيءٍ من الخجل عند سماع هكذا حقائق!
لا أريد التحدث عن فقدان الكرامة أو عن الجوع أو العوز أو الإذلال أو الخوف أو انسداد كل الآفاق في وجه السوريين، مع استمرار هذا الوباء المتسلط على رقاب العباد؛ بل أريد المتحمسين أن يفكّروا فقط بحجم وثائق ومستندات الجرائم التي ارتُكبت خلال السنوات الماضية؛ والتي بلغ عددها التسعمئة ألف وثيقة؛ وهي تدين النظام الأسدي دون التباس. فأي منظومة قهر وجريمة ورخص وبيع وطن وذل وإذلال وجوع وفقر وضياع مستقبل يتحمّس له هؤلاء؟! لن يطول أخذ روسيا مجلس الأمن رهينة لحماية النظام من السوق إلى العدالة؛ وإن طال، هناك مسارات أخرى، يجري العمل عليها.
قبل أخيراً؛ أيها المتحمّس لرسوخ الاستبداد، هل فكّرت بأخَواتٍ لك تم اغتصابهن في معتقلات الاحتلال الاستبدادي؟ أو بآلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب؟ أو باستخدام السلاح الكيماوي الموثق على مواطنيك السوريين؟ أو برغيف الخبز الذي أضحى طموحاً؟ أو بالعقوبات التي يستغلها نظام الإجرام لإذلالك وخضوعك له أكثر؟ أو بنصف أهل سوريا المشردين؟ وأكثر من نصف سوريا المدمر؟ أو بعقود إذعان مزمنة وقّعها الاستبداد مع الاحتلالات؟!
لن يعود لاجئ سوري، ولن يكون هناك إعادة إعمار، ولن يكون هناك خلاص من القوى والجيوش والميليشيات الغريبة على الأرض السورية، مع استمرار منظومة الاستبداد. ليس هذا فقط؛ ولكن لن يكون هناك كرامة أو أمان أو حياة أو حتى عيش طبيعي بوجودها. باختصار، هذه الطغمة رَفَعَت شعار/ إما أن تكون سوريا لنا، أو لن تكون/؛ فلماذا تهب، وبإرادتك، ما لَكَ، لمَن لا يستحق؛ أو لمَن فعل كل هذا بوطن ليس لك غيره؟! لقد عنيت ما قلت في العنوان؛ ولكنني أعرف بأنه المستحيل.
تلفزيون سوريا
—————————
السويداء ضد ترشح الأسد: فجوة غير قابلة للردم/ ريان محمد
لا يبدو أن المزاج العام في محافظة السويداء جنوب سورية، ذات الغالبية الدرزية، مع إعادة انتخاب رئيس النظام بشار الأسد، في ظل وجود إحساس لدى غالبية الأهالي بأن النظام بات يكيل لهم الحقد بسبب تصديهم لنفوذه في المحافظة، من خلال تصرفات عدة، في مقدمتها الاحتجاجات ضده بين الحين والآخر، واستنكاف الشبان عن الخدمة العسكرية في قواته. وقابل النظام هذا الأمر بمختلف أدوات التضييق والحصار والعقاب الجماعي وافتعال الأحداث الأمنية، والنيل من رموز المحافظة الدينية في محاولة لإجبارهم على الرضوخ، وسط فشله في ذلك إلى الآن.
من يزور مدينة السويداء اليوم، تصادفه في مدخلها الشمالي المعروف بـ “طريق دمشق”، وصولاً إلى دوار الشرطة العسكرية، لافتات تحمل صور الأسد، التي أضيفت إليها العبارات المؤيدة له، وجميعها مقدمة من مليشيا “الدفاع الوطني”، الرديفة لقوات النظام، وذلك عقب تعيين وافي زياد السعد قائداً للمليشيا في السويداء قبل بضعة أشهر، وهو متعهد وتاجر عقارات سيئ الصيت.
لكن في الفترة الأخيرة، خسر النظام العديد من تلك الصور، بعد تمزيقها من قبل غاضبين، جراء تعرض الشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ العقل لدى طائفة الموحدين الدروز في سورية، للإهانة من قبل رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية العميد لؤي العلي، بعد أن رفض الأخير إطلاق سراح أحد أبناء السويداء، ما تسبب في تجمهر المئات من أبناء الطائفة في دارة الهجري مطالبين باعتذار رسمي من أعلى مستويات النظام. وقد تلقى الأخير العديد من الاعتذارات، بدأت من العلي ورئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء كفاح الملحم، إضافة إلى القيادة المركزية لحزب “البعث” الحاكم، ونهاية باتصال شخصي من الأسد. يشار إلى أن الهجري يعتبر من المقربين من النظام، وله العديد من الامتيازات والتسهيلات لأعماله.
وفيما يخص الانتخابات المقررة منتصف العالم الحالي، كانت أولى الصفعات التي تلقاها النظام، هي فشل رئيس حزب “الشعب” نواف الملحم، أحد أدوات التسويق العشائرية لإعادة انتخاب الأسد، في زيارة له الشهر الماضي لمشايخ عقل الموحدين الدروز، لمحاولة كسب تأييد الوجوه العائلية والمرجعيات الدينية لدعم الأسد في الانتخابات. إلا أن الصمت كان جواباً على طرحه، فعاد دون أن يحمل أي موقف تأييد. في المقابل، زادت الضغوط على المشايخ، الذين يعتبرون أبرز القيادات المجتمعية. وبرز ذلك خلال لقاء لإحدى الصحف التابعة للنظام مع شيخ العقل يوسف جربوع، الأسبوع الماضي، للحديث عن الانتخابات وجر المشيخة لتأييد الأسد. إلا أن جربوع أشار، خلال اللقاء، إلى أن “الشعب السوري وصناديق الاقتراع لديهم الكلمة الفصل في الانتخابات”، داعياً السوريين إلى الإدلاء بأصواتهم. إلا أنه لم يأت على ذكر الأسد أو مسألة إعادة انتخابه.
من جهته، قال الناشط أبو جمال معروف (اسم مستعار) لأسباب أمنية، لـ”العربي الجديد”، إن “غالبية أهالي السويداء ليسوا راغبين بإعادة انتخاب الأسد، خصوصاً مع وصوله إلى مرحلة أصبح عاجزاً بها عن تأمين أبسط احتياجات المواطنين. والأهم من ذلك إدراكهم أن النظام يتحين الفرصة لينتقم منهم شر انتقام. فالمجتمع حمى خلال السنوات الأخيرة نحو 40 ألف شاب مستنكف عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية في القوات النظامية”. وأضاف “كما مُنع النظام من اعتقال أي أحد من أبناء السويداء، على خلفية مواقفه السياسية أو المدنية والاستنكاف عن الخدمة، بل وأجبر في كثير من الأحيان على إطلاق سراح معتقلين، بالضغط عليه تارة، أو عبر احتجاز ضباط وعناصر من قواته الأمنية والعسكرية تارة أخرى، لأنه لا يمكن التفاهم معه إلا بذات الطريقة التي يتعامل بها مع السوريين”.
وشهدت السويداء أخيراً ظهور كتابات على الجدران مناهضة لإعادة انتخاب الأسد، وتدعوه لعدم ترشيح نفسه. وكانت المحافظة سجلت عزوفاً غير مسبوق عن المشاركة في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) والإدارة المحلية الأخيرتين. من جهته رأى، طلال مدني، وهو اسم مستعار أيضاً، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الناس التي كانت تخشى عدم وجود بديل للأسد، الذي عمل على حصر الخيارات، إما هو وإما التنظيمات المتشددة التكفيرية، قد تغير مزاجهم العام، وخصوصاً أنهم يتهمون النظام بأنه سهل وصول تنظيم داعش عام 2018 إلى الريف الشرقي للمحافظة، ما تسبب بمقتل أكثر من 250 شخصاً، غالبيتهم من المقاتلين المحليين الذين تصدوا لهجوم التنظيم وإفشاله. كما أنه مسؤول أيضاً عن قتل عشرات المدنيين في العام 2015 عبر عمليتي تفجير استهدفتا الشيخ (وحيد) البلعوس. كذلك فإنهم لم ينسوا أن الأسد الابن بدأ حكمه بارتكابه مجزرة عام 2000 راح ضحيتها نحو 20 مدنياً على يد قواته النظامية التي عمدت إلى قمع احتجاجات السويداء التي اندلعت بعد خلاف بين الأهالي والبدو في المنطقة. ويضاف إلى كل ذلك تاريخ طويل من التضييق والحرمان من المشاريع التنموية، بل كانوا حتى زمن ليس بالبعيد محرومين من حفر بئر ماء، ومجبرين على الشرب من السدود السطحية الملوثة”.
أما زياد، الذي أخفى كنيته خوفاً من الملاحقة الأمنية، فقد أشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “النظام عمل في السنوات الأخيرة على تعميق الشرخ بين أهل السويداء وباقي المواطنين السوريين، عبر تجنيد عصابات تحمل بطاقات أمنية، وتستخدم سيارات بلوحات أمنية ممنوحة من رئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء كفاح الملحم بشكل مباشر، يقومون بارتكاب أعمال خطف وتعذيب وطلب فدية بحق سوريين من مختلف المناطق، لتشويه سمعة السويداء والتفريق بينهم وبين باقي السوريين، الأمر الذي يؤدي إلى عزلهم، والسماح له بالاستفراد بهم”. وأوضح أن “كل ذلك بات يعيه أبناء المحافظة، وبالتالي أصبح بينهم وبين النظام ورأسه الأسد، قطيعة وفجوة لا يمكن ردمها”.
العربي الجديد
——————————
هل تلجأ دمشق للتطبيع مع إسرائيل؟
تحت العنوان أعلاه نشرت “زافترا” الروسية مقالة للكاتب رامي الشاعر …
وجاء في المقال: عقد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يوم 19 فبراير الجاري ، اجتماعاً مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن.
وإلى جانب مناقشة عمل اللجنة الدستورية المصغرة التي عقدت جلستها الخامسة في جنيف أواخر يناير الماضي، تطرق الجانبان إلى نتائج الاجتماع الدولي الـ 15 حول سوريا في إطار مسار أستانا، والذي عقد في مدينة سوتشي الروسية يومي 16 و17 فبراير .
ولم تكد تنتهي اجتماعات سوتشي، حتى انبرت الأقلام، وتتابعت الآراء والتحليلات السياسية حول ما أسموه “فشل مسار أستانا”، و”انعدام أي فائدة” لهذه المجموعة من الدول الضامنة (روسيا، تركيا، إيران) واجتماعاتها، و”عدم جدوى اللجنة الدستورية” بالأساس، والتي، بحسب تقديراتهم، ولدت ميتة بالأساس، نظراً لأن القيادة في دمشق لا تعتزم تقديم أي تنازل، أو الاستجابة لأي ضغوطات للتقدم في عملية التعديل الدستوري والسير نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254.
لابد من فهم أبعاد الموقف من وجهة نظر القيادة في دمشق، حتى يتسنّى الوقوف على جوهر الأزمة الراهنة.
دمشق، وذلك أمر مفهوم ومنطقي، لا تثق نهائياً بمصداقية المجتمع الدولي، أو دوره في توفير الضمانات الكافية أثناء عمليات التحوّل، والأمثلة على ذلك كثيرة في الآونة الأخيرة، مثلما حدث في يوغوسلافيا وأوكرانيا وغيرها من البلدان، التي وضعت مصائرها رهينة لإرادة المجتمع الدولي. وقطعاً، لا يريد الرئيس السوري، بشار الأسد، أو أي ممن حوله من السياسيين، مصيراً مثل مصير الرئيس اليوغوسلافي السابق، سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي قضى نحبه في السجن بعد أن خدعه الغرب.
لكن البعض في هذه الأوقات الحرجة التي يعيشها الشعب السوري يتساءلون عن دور الضامن الروسي وفريق مجموعة أستانا، لهذا وجب التذكير من جديد بالظروف التي أحاطت بالاتفاق بين روسيا وتركيا وإيران، عندما كانت سوريا على حافة الهاوية، وقبل أيام من وقوع البلاد بأسرها في أيدي الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، وما كان من الممكن أن يتبعه ذلك من حرب أهلية واسعة في عموم البلاد، وتداعيات مرعبة في المنطقة بأكملها.
يجدر التذكير كيف كانت دمشق على بعد أيام من صدام عسكري حتمي، وكانت استجابة موسكو لنداء القيادة في دمشق للمساعدة، والتدخل من أجل إنقاذ البلاد والسيادة السورية هو الحل الوحيد.
بهذا الصدد، يستحق الكشف عن رسالة وصلت في الساعة 16:56 بتاريخ 24 نوفمبر عام 2013:
“لقد قدمنا الأسلحة الكيميائية للمجتمع الدولي، واضعين ثقتنا بأن تقدّم روسيا البدائل اللازمة لمواجهة العدوان الإرهابي على وطننا. لكن الأمور في الوقت الراهن تشير إلى انهيار مفاجئ محتمل خلال أيام معدودة، بعد خسارتنا بالأمس أكبر 5 بلدات في الغوطة، ووصول المسلّحين إلى مسافة 3 كيلومترات من مطار دمشق الدولي، وقطعهم طريق دمشق حمص الدولي، بعد احتلالهم مدينة دير عطية، ونفاذ قدرتنا البشرية والنارية. لهذا فإن هناك ضرورة ماسة جداً للتدخل العسكري المباشر من قبل روسيا، وإلا سقطت سوريا والعالم المدني بأسره بيد الإرهابيين الإسلاميين”.
هكذا كان الوضع في سوريا عشية اتخاذ موسكو قرار التدخل العسكري، وبينما كان هناك دور لكل من إيران وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية آنذاك في محاربة الإرهابيين، كان على روسيا أن تبدأ مباشرة، عقب تدخلها العسكري المباشر، في التنسيق مع تركيا وإيران، وإنشاء قناة اتصال عسكرية مع القوات الأمريكية الموجودة على الأرض في سوريا، وعلى أثر ذلك، تشكّلت مجموعة أستانا، وشاركت أيضاً أطراف معنية أخرى في مجموعة أصدقاء سوريا الدولية، والتي كانت تشارك فيها أيضاً إيران إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وغيرهم، حتى جاءت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وأوقفت مشاركتها في هذه المجموعة على مستوى الرؤساء، وبقيت هذه المجموعة تعمل في جنيف، على مجموعتين، إحداهما مختصّة بقضية اللاجئين، والأخرى بالقضايا الإنسانية والمساعدات الاقتصادية، التي أعاقها قانون العقوبات الأمريكية “قيصر” المفروض على سوريا، وعلى كل من يحاول مساعدتها.
كانت هذه السياسة الأمريكية إلى جانب بعض الدول الغربية والعربية حينها، والتي وضعت نصب أعينها هدف الإطاحة بالنظام في دمشق بأي ثمن، هي ما تبقى في ذاكرة القيادة في دمشق، التي أصبحت على يقين من أن أي تنازل أو تجاوب مع أي ضغوطات من قبل المجتمع الدولي لا يعني سوى التصفية الجسدية لهم بالقطع.
المؤمل من الإدارة الأمريكية الجديدة هو لعب دور في إعادة تفعيل مجموعة أصدقاء سوريا إلى جانب مسار أستانا ودور هيئة الأمم المتحدة، لأن المساعدة في دفع عملية الانتقال السياسي السلمي، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، لن يكتب له أي نجاح دون جهود وضمانات دولية تضمن أمن جميع الأطراف السورية المتصارعة، وتحفظ السيادة السورية ووحدة التراب السوري. كذلك يتعيّن على القيادة الحالية في دمشق ألا تتجاهل دورها الأساسي في عملية الانتقال السياسي في سوريا، وأن تدرك مدى أهمية اجتماعات مجموعة أستانا، التي تتابع تنفيذ نظام التهدئة ووقف الاقتتال، إلى جانب التنسيق فيما يخص القضاء على ما تبقى من جماعات إرهابية، وتسهيل الجوانب الحياتية ومعاناة اللاجئين والمهجرين وغيرها من القضايا الإنسانية، والمجموعة ملتزمة دائماً بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية والسيادة السورية.
أما بخصوص الانتخابات السورية، والمقرر إجراءها، وفقاً للدستور الحالي، خلال هذا العام، وما يحيط تلك العملية من لغط، فإن الوضع بشكله الحالي لا يعني سوى أنها ستجري وفق موعدها، لعدم وجود مخرج آخر، وإذا لم يقم النظام بإجراء هذه الانتخابات، فسوف يفقد شرعيته لمخالفته الدستور الحالي، وذلك في ظل ثقته التامة في إعادة انتخابه في ظل الظروف الراهنة، ووفقاً لمعطيات الوضع الحالي، حتى لو شارك في الانتخابات جميع السوريين في مخيّمات اللجوء، أو المواطنون في الخارج.
قد لا يوافق كثير من السوريين على هذا التصور ، إلا أنه من الصعب اليوم إيجاد شخصية سورية يمكن أن يجتمع عليها تأييد أو أصوات بعدد ما يتمتع به الرئيس بشار الأسد، والذي يمكنه على أقل تقدير أن يجمع 4 مليون صوت مؤيد.
لذلك فالمطلوب من جميع القوى السياسية المختلفة والشخصيات المسؤولة من النظام والمعارضة، التخلّي عن الشعارات غير الواقعية، والتحلّي بالموضوعية لإنقاذ شعبهم من المعاناة، حيث لم يعد يهم الأغلبية الساحقة من الشعب السوري الشعارات ولا البرامج، بل يهمهم ببساطة لقمة العيش، التي يكافحون من أجل تأمينها.
ولعل الاتفاق الذي توصلت إليه تركيا وسوريا برعاية روسية، لنقل مئات الأطنان من القمح من مناطق سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة، إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، هو بارقة أمل على طريق رفع المعاناة عن الشعب السوري الذي يمر بأزمة حادة في تأمين القمح منذ أشهر، خاصة بعد تراجع الإنتاج، وخروج مساحات كبيرة، خاصة من منطقة الحسكة التي يتركّز فيها أكثر من 60% من إنتاج البلاد، عن سيطرة الحكومة، وفي ظل عقوبات اقتصادية غربية على البلاد.
وأخيراً، وليس آخراً، فإن المراهنين على أدوار أو صفقات أخرى، مثل التطبيع مع إسرائيل، وغيرها من الأفكار “خارج الصندوق”، وكذلك من يظن أن الوضع سيبقى على ما هو عليه، أو لا زال يفكّر في حلول عسكرية، كل هؤلاء واهمون. ولن يكون هناك حل للأزمة السورية سوى من خلال المسارات المعروفة لحل الأزمة السورية بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، واجتماعات اللجنة الدستورية، ومسار أستانا، وبدعم من المجتمع
——————————-
أوراق طارئة في سوريا ترمي بها إسرائيل وتركيا بتنسيق روسي/ تيم الحاج
دائما ما يكسر حالات الجمود المتكررة في الأزمة السورية القائمة منذ عشر سنوات، أحداث مفاجئة تأتي بسرعة دون أي مقدمات بعضها يترك أثراً في مسار الأزمة وبعضها يذهب أدراج الرياح دون تبعات ولا حتى تفصيلات لسبب حدوثها، والأمثلة على ذلك كثيرة.
يُلاحظ هذه الأيام بروز عدة معطيات طارئة جميعها لم يسبقه أي مقدمات، وجلّها قد يُعطي مؤشرات إلى أن الأحداث ستأخذ منحى مختلفاً في قادم الأيام على الساحة السورية التي تعيش نوعاً من التعثر السياسي لجهة فشل مفاوضات اللجنة الدستوية والاجتماعات ذات الصلة، وفي ظل حالة من الركود العسكري وتثبيت مواقع السيطرة منذ أشهر طويلة للقوى على الأرض.
أولها وأهمها.. إسرائيل تحرك مياه الأسد الراكدة بـ”صفقة إنسانية”
لا شك أن وسائل إعلامية عربية وعالمية ستبقى مشغولة لفترة من الزمن بالبحث عن خيوط تكشف طبيعة الصفقة “الطارئة” التي جرت أو ما زالت بين نظام الأسد وإسرائيل بمساع روسية حثيثة.
بدأت أحداث هذه الصفقة، بعد أن سربت صحف إسرائيلية منتصف الأسبوع الفائت، معلومات عن انعقاد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء الإسرائيلي، دعا إليه بشكل مفاجئ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لبحث مسألة في سوريا، ذكر مصدر إعلامي رسمي إسرائيلي حينئذ، أنها “ذات طابع إنساني”، في حين وصفها مصدر إسرائيلي آخر بأنها قضية “أمنية حساسة”.
وفرضت الرقابة الإسرائيلية حظر نشر على تفاصيل الاجتماع، الذي استمر نصف ساعة، إلا أن هيئة البث الرسمية قالت إنه جرى عبر تقنية الفيديو، وعلى خلفية اتصالات مكثفة على أعلى مستوى بين إسرائيل وروسيا حول “قضية إنسانية” متعلقة بسوريا.
بعد هذا الاجتماع بدأت الأنباء تتوالى عن مضمونه وأهدافه، وبات واضحاً اشتراك روسيا بها، من خلال الإعلان عن عودة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، ومنسق الرهائن في الحكومة الإسرائيلية، يارون بلوم، إلى تل أبيب من موسكو بعد إنهاء عملية التفاوض على إطلاق سراح المرأة.
وفي مقابلة مع راديو الجيش الإسرائيلي قال نتنياهو، إنهم يعملون على إنقاذ الأرواح، مؤكداً أنه على اتصال مباشر مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين بشأن هذه الصفقة.
في الأثناء أوضحت هيئة البث الإسرائيلي، أن تل أبيب توجهت أخيراً إلى موسكو بطلب المساعدة في مسألة “إنسانية” في سوريا، من دون مزيد من التوضيح.
لم يستمر الغموض كثيراً، فوكالة أنباء نظام الأسد، سارعت للحديث عن وجود مفاوضات ترعاها روسيا من أجل إطلاق سراح أسيرين في سجون إسرائيل.
تعثرت الصفقة بعد ساعات من الحديث عنها من قبل الطرفين بسبب رفض الأسرى السوريين، ذياب قهموز ونهال المقت، ترحيلهم إلى دمشق، ومطالبتهم بالبقاء في قراهم في الجولان السوري المحتل.
وتعتقل إسرائيل ذياب قهموز، الذي ينحدر من قرية الغجر في الجولان، منذ 4 سنوات، حيث حكم عليه بالسجن 16 عاماً في العام 2018، بتهمة التخطيط لتفجير إرهابي بالتنسيق مع “حزب الله”.
أما نهال المقت، فتنحدر من بلدة مجدل شمس في الجولان، ووجهت إليها محكمة إسرائيلية اتهامات في العام 2017، بالتحريض على الدولة العبرية، وفرضت عليها الإقامة الجبرية.
بعد ذلك دخلت الصفقة في مرحلة الغموض الشديد، إذ جرى تعديل على شخصيات الأسرى حيث تم الاستعاضة عن المقت وقهموز براعيين سوريين معتقلين لدى إسرائيل، وسبق هذا التعثّر إجراء العديد من المحادثات الهاتفية بين كبار المسؤولين في إسرائيل ونظرائهم الروس، على مستوى وزراء الخارجية والدفاع، كما تم لقاء بين سفير إسرائيل لدى روسيا، أليكس بن تسفي، ونائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، بحضور الملحق العسكري في موسكو، إذ لعبت روسيا دورا مهماً كوسيط بين إسرائيل ونظام الأسد.
بند سري:
منذ بداية الحديث عن الصفقة، شكك مراقبون بأنها ورغم التصريحات الصادرة عن طرفيها إلا أن غموضاً كبيراً يكتنفها لجهة البنود والأهداف، مرجحين وجود تفاهمات أخرى بين الطرفين ستبقى حبيسة الغرف المغلقة، قد تكون تتعلق باستعادة جثة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي أعدم في دمشق عام 1965.
وتؤكد التسريببات الإسرائيلية هذه القراءة، وخاصة ما قالته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، صباح السبت الفائت، عن أن تل أبيب وافقت على تمويل أكثر من مليون دولار لشراء لقاحات “سبوتنيك” ضد كورونا من روسيا، ليتم نقلها إلى نظام الأسد في إطار صفقة إطلاق سراح الفتاة الإسرائيلية.
وقال موقع صحيفة يدعوت آحرنوت، إن الروس طلبوا عدم نشر هذا البند السري الذي لا مشلكة إسرائيلية بالكشف عنه بحسب مسؤولين إسرائيليين كبار، وتفرض الرقابة العسكرية الإسرائيلية رقابة على وسائل الإعلام لكشف هذا البند، الذي أثار عاصفة إعلامية في تل أبيب.
وبحسب تقرير على مدونة Tikun Olam
، يتضمن الجزء السري من الصفقة تمويل إسرائيل ملايين الجرعات من اللقاحات التي ستقدمها روسيا إلى سوريا، ويوضح التقرير أن إسرائيل على تمويل لقاح سبوتنيك للسوريين بملايين الدولارات كجزء من صفقة التبادل.
ويفسر ذلك دوافع الطلب الروسي بعدم كشف فحوى هذا البند، كونها الحليف الأول لنظام الأسد العاجز عن دفع ثمن اللقاحات والذي قد يسبب عدم تقديمه إحراجاً لموسكو.
وفي خضم الحديث عن هذا البند السري الذي ترافق مع نفي من قبل نظام الأسد وحتى من نتينياهو، أُطلق سراح الفتاة الإسرائيلية، كما أُطلق سراح نهال المقت ولم تجبرها إسرائيل على مغادرة الجولان المحتل بحسب تصريحاتها لقناة “الميادين”.
ويعتقد مراقبون مطلعون على الشأن الإسرائيلي، أن إثارة هذه الصفقة بهذا الشكل أمر غير مقنع، ويرون أن الفتاة الإسرائيلية لم يسمع عنها الإسرائيليون من قبل، بمعنى أنها ليست موضع اهتمام، وأنه كان باستطاعة الموساد الإسرائيلي أن يُعيدها بسهولة فهي ليست أسيرة بالمعنى المطلق.
ويضيفون أنه كان لافتاً منذ البداية أن الاجتماع الوزراي السري والاتصالات المكثفة مع الروس، كان تشي بمقدمات وإرهاصات لصفقة أكبر، فالأسيران السوريان ليسا موضع اهتمام أيضاً لنظام الأسد بالطبع وما يدل على ذلك هو الاستعاضة عنهم برعاة أغنام اعتقلتهم إسرائيل على الحدود.
وخلاصة القول إن هناك دوافع سياسية وراء هذه الصفقة ستنعكس على المنطقة وسوريا تحديداً، وقد جاءت محمولة على الغزل الروسي- الإسرائيلي وفي ظل أجواء مشحونة بين تل أبيب وواشنطن، إضافة إلى أنها تمثل دعاية انتخابية للمرشحين الإسرائيليين في انتخاباتهم المقبلة.
تركيا تسمح بوصول كميات من الحبوب لنظام الأسد.. ما المقابل؟
بات واضحاً من عدة مواقف أن تركيا لا تعارض الوساطة الروسية في الأمور التي تتعلق بنظام الأسد وأنقرة، وفي كثير من الأحيان توافق الأخيرة على مبادرات موسكو بهذا الشأن.
وقبل يومين، أُعلن عن تفاهم روسي- تركي في محافظة الحسكة يُفضي إلى نقل حبوب من صوامع الشركراك إلى مناطق سيطرة نظام الأسد.
هذه الحبوب ظلت حبيسة صوامعها لنحو عام ونصف بقرار تركي كان رافضاً أن تصل إلى يد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بعد أن أصبحت المنطقة المحيطة بالصوامع في تشرين الأول 2019 تحت سيطرة عدة قوى أبرزها روسيا وتركيا.
وصوامع الشركراك محاذية للطريق الدولي M4 (الحسكة- الرقة- حلب)، وبحسب وسائل إعلام كردية، تحتوي الصوامع على 16 ألف طن من القمح، و25 ألف طن من الشعير، خزنتها “الإدارة الذاتية” في منتصف عام 2019.
وحاولت وزراة الدفاع التركية توضيح هذا الاتفاق ببيان أعلنت فيه البدء بتوزيع الحبوب الموجودة في صوامع قرية الشركراك، على أهالي المنطقة، بعد تفاهم مع روسيا، مشيرة إلى أن الهدف من توزيع الحبوب هو المساهمة في تحسين الظروف المعيشية لأهالي المنطقة.
لكن موقعRusvesna
الروسي قال إن مجموعة القوات الروسية في محافظة الحسكة رعت اتفاقاً بين نظام الأسد وتركيا، لنقل جزء من احتياطي الحبوب من صوامع الشركراك إلى مناطق سيطرة النظام في محافظة حلب.
وأضاف أن القافلة الأولى (مؤلفة من ثماني شاحنات محملة بالحبوب) غادرت إلى محافظة حلب، برفقة قوات روسية، وتبلغ الكمية الإجمالية نحو 400 طن.
ويجد مراقبون في هذا الاتفاق عوامل قوة بيد أنقرة، على رأسها أنها تقوي من مسار التفاهمات المتعددة بينها وبين روسيا في سوريا.
ومنها أيضاً، أنها قد تكون ورقة ضغط تحاول من خلالها تركيا خلط الأوراق في منطقة شمال شرقي سوريا التي تشهد تنافساً بين نظام الأسد و”قسد”، بناء على توتر أمني بينهما منذ أشهر إذ لا يكاد ينطفئ حتى يعود مجدداً.
ولعل خلط الأوراق هذا يسفر عن إعادة فتح ملف عين عيسى التي لا تجد أنقرة مشكلة في أن يدخلها نظام الأسد بإشراف روسي، ومن هنا قد تعيد روسيا عجلة الضغط على “قسد” كي تقبل بشروط النظام لكي يوقف أي هجوم عسكري تركي محتمل على البلدة، خاصة وأن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان أعاد قبل يومين تهديده لـ “حزب العمال الكردستاني” (pkk)، الذي يعتبر أن لـ “قسد” ارتباط به، إذ هدد بـ “تطهير” سوريا منه كما ينوي فعل ذلك في العراق، كما قال.
وشهدت منطقة الصوامع عدة اجتماعات بين القوات التركية والروسية خلال الأشهر الماضية، ولا سيما مؤخراً حول بلدة عين عيسى التي يريد الجيش التركي طرد “قسد” منها.
كما يرى مراقبون في الاتفاق الروسي- التركي حول صوامع الشركراك محاولة تأديبية روسية لـ “قسد” التي تمارس أقصى أنواع التضييق على نظام الأسد في الحسكة والقامشلي، وتصر على حرمانه من مطاحن الحبوب ومن موارد النفط وأطبقت على عناصره في المربعات الأمنية، وتطالبه في غرف التفاوض المغلقة وفق مصادر لتلفزيون سوريا بأن يرحل مع قواته خارج المحافظة.
وسيطر الجيش الوطني السوري بدعم تركي على هذه الصوامع خلال عملية “نبع السلام” ضد “قسد” التي حاولت عدة مرات استعادة مخزون القمح والشعير فيها، لكنها قوبلت برفض من الجيش الوطني، كان آخرها في 15 من شباط الحالي.
تلفزيون سوريا
———————–
الراعي الكذاب/ عبير نصر
على الرغم من اضطهاد العلويين تاريخياً، فإنّهم، وعندما سنحتِ الفرصةُ لذلك، لم يقاتلوا (كما يجب) من أجل الانصهار في المجتمع السوري الحديث، كشركاء في الوطن والقضية، وبعد عام 1963 أوصى زعماءُ العلويين الدينيين أتباعهم بالاندماج في الدولة الجديدة، التي تقطنها أغلبيةٌ ساحقة من (السنّة)، وعلى مدى العقود التالية، انتقل العلويون مبتعدين عن الجبال من أجل البحث عن فرصِ التعليم والعمل في المدن، أملاً في حياةٍ جديدة، آمنة ومستقرّة، يبدو أنّها لن تتحقّق على الإطلاق،
بعد انقلاب حزب البعث، زُجّ العلويون في معارك وجودية مع المناوئين للنظام الحاكم، بداية بأحداثِ الثمانينات، ومروراً بتظاهراتِ الأكراد المضطهدين، وليس نهاية بانتفاضةِ 2011، حيث تمثّلت (رؤيته) بتوريط العلويين من خلالِ اغتصابِ معظم المناصب في الدولة، والاستحواذ على الحصة الأكبر من المكاسب، بشكل واضح وفجّ، وذلك لإثارة النقمة بين باقي مكونات الشعب عليهم، لتجعلَ هذه الرؤية الشيطانية مصيرَ الطائفة معلّقاً، وبشكلٍ كامل، بشخص الرئيس. وفي العام 2000، عند وفاة (حافظ الأسد)، عاد الكثيرُ من العلويين إلى قراهم بانتظارِ حصيلةِ عملية الخلافة، ولم تعد هذه العائلات إلاّ بعد أن تمَّ تثبيت (الابن) كرئيسٍ جديد.
وطبعاً تركيبةُ الحكم في سوريا ليست بهذه البساطة، وهي القائمة على مبدأ (الكنتونات الإقطاعية)، حيث يتمُّ إطلاقُ يدَ (المُوالي المُطيع) في حصته من (المزرعة)، لجني المنافع وتقاسمها مع النظام (صاحب الملك)، بشرط الولاء المطلق غير المشروط، وشمسُ سوريا الاقتصادية كانت عائلة (مخلوف)، فيما قبضتْ عائلةُ (الأسد) على كلّ مفاصل القوى العسكرية والأمنية والسلطات الرئيسة الثلاث، ولم تفعل هذا حبّاً بالطائفة، بالتأكيد، ومن الخطأ الفادح أن نجزم بأنّ كلَّ علوي استفاد من هذه الامتيازات، فقد بقي أكثرُ العلويين يعيشون في حالةٍ من الفقر والعوز، وصاحبُ الحظّ منهم يحصل على مكاسب بسيطة تتمثل في وظيفة، لا تكاد تسدُّ رمقه، لكنّ رأسَ الهرم، المتمثل في شراكة (السلطة والمال – الأمن والعسكر)، كلها كانت، وعلى مدى خمسين عاماً، ضمن نفوذ أشخاص (معدودين) ينتمون للطائفة العلوية، أما الضباط ومُحدثو النعمة فكان ولاؤهم لا يتزعزع، وحين اندلعت الانتفاضة السورية، دفعتِ العديدَ من أولئك المتنفّذين، عسكرياً واقتصادياً، إلى اعتبار الحراك تهديداً شخصياً لأصولهم المادية، ونمط حياتهم، ما جعل سلوكهم متماسكاً إلى حدٍّ بعيد، بغرض حمايةِ نظام النفعيات، لا الالتزام بولاءٍ أيديولوجي صارم.
ورغم هذا التعصّب الأعمى للنظام، فإن ثمّة دلائل، مؤخراً، تشير إلى أنّ كثيراً من العلويين يشرعون في الابتعاد عن النظام، وصمتهم (دون شكّ) نتيجة خوفهم من احتمال أن يسعى المجتمعُ (السنّي) إلى الانتقام لفظائع الأسد في الماضي والحاضر، ليس ضدّه فقط، وإنما ضد كافة العلويين كمجموعةٍ طائفية ينتمي إليها، ويتجذّر هذا الخوفُ في الإحساس بالضعفِ والهشاشة في تاريخ الطائفة نفسه، التي تحوّلت إلى قطيعٍ مُطيعٍ لا يفكّر لأبعد من مرعاه، فضّلتِ اللحاقَ بالراعي بدلاً من الذوبان في المجتمع السوري، وفي الحقيقة ما عزّز ولاء العلويين للنظام، أنّه وفي نهاية سبعينيات القرن الماضي، أطلقتْ جماعةُ الإخوان المسلمين انتفاضتها ضد ما وصفته بأنّه نظامٌ علوي (زنديق)، وحينها، قام العلويون، الذين تحتفظ ذاكرتهم بحكاياتٍ كثيرة، ومخيفةٍ من رفضِ واضطهادِ الطائفة (السنيّة)، بالالتفافِ حول النظام، وقد أعدّ كلّ من الطرفين نفسه للمعركة، وعلى مدى سنوات الصراع، اعتمد (الأسدُ) على طائفته في صد تمرّد الجماعة المعارضة، بينما اتهم العلويون الأخيرةَ بالمسؤولية الكاملة عن المجازر المروّعة، مقتنعين (مسبقاً) بأنّ الآخرَ سيرفضُ دائماً ما يبذلونه من جهودٍ للاندماج في المجتمع السوري المدنيّ، والمتنوّع.
ومن المؤكد أنّ سياسات النظام الطائفية طالتِ الجميع، خاصة العلويين، الذين رسموا خيالاتٍ لوضعهم الآمن في ظلّ حُكمه، وعزّز هذا الشعور الآلةُ الإعلامية التي ربطت بين بقائهم على قيد الحياة، وبين بقاء حكم الأسد في السلطة، ونتيجة الانخراط في الحرب السورية، لجأ النظامُ إلى تجنيدِ آلاف العلويين ممن ينتمون للطبقات الفقيرة، ليكونوا كبشَ المحرقةِ المجانيّ، وعلى الرّغم من احتماء الطائفة العلوية داخل المناطق التي تتمركز فيها، وبقائهم دوماً تحت الحمايةِ العسكرية للنظام، وضمن أسوارِ العزلة التي شيّدها عبر سياساته القمعية مع بقية الطوائف، إلا أنّ آثارَ الحرب طالتهم في أكثر الجوانب حساسية، في لقمة العيش المرّة، وفي تهميشِ تضحياتهم الغالية، ما أجبرهم على توجيهِ الانتقادات، والهمس واللغز في جلساتهم الخاصة، والخروجِ عن الخطّ العام للولاء المطلق، وذلك على خلافِ التسليم الكامل قبل 2011.
لذا ليس مستغرباً أن يعلو الصوتُ العلوي، لاحقاً، كي يميّزَ بين الطائفة والسلطة، وهذا ما ظهر جلياً على مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل نشطاء علويين يريدون العيشَ بسلامٍ مع بقية السوريين، كمحاولةٍ لردم الهوّة مع الآخر، وألا يكونوا عرضةً للانتقام على خلفيةِ أفعال النظام الدمويّ، ومنذ سنوات عرضتْ تنسيقيّةُ (صرخة)، عشرات الصور لمنشوراتٍ ورقيةٍ، تمَّ توزيعها في شوارع مدينة طرطوس، ذات الغالبية العلوية، وحملت تلك المنشورات -التي رفع بعضَها أشخاصٌ لم يُظهروا وجوههم في الصور المعروضة- عبارات مثل (الكرسي لك والتوابيت لأولادنا!)، (حتّى البحر تعب وبدّو يعيش بسلام)… إلخ، كما أصدر ثلاثةٌ من أبرز شيوخ العلويين: (مهيب نيصافي، وياسين حسين، ومنصور موسى)، بياناً مشتركاً أعلنوا فيه (البراءة من هذه الأعمال الوحشية التي يرتكبها بشار الأسد ومساعدوه الذين ينتمون إلى كافة الطوائف الدينية)، وفي واقع الأمر، يعرض سقوطُ الأسد عدّة سيناريوهات محتملة للعلويين، إذ يمكن أن يطلقَ سقوطُه عمليةَ مصالحةٍ شاملة، وهذا احتمال بعيد نسبياً، ما لم تضمنه أطرافٌ دولية فاعلة، أو أنّه قد يؤدي إلى فتحِ صراعٍ مع (السنّة)، وهنا فإنّ العلويين سيواجهون معضلةً حقيقية، وسيترتّب عليهم درء الانتقادات التي لا ترحم، والتي ستُوجه إليهم بسبب دعمهم لهذا النظام طويلاً.
وبانتظار الاستحقاقِ الانتخابي الرئاسي القادم، ونسبةِ التصويت التي ستكشف مدى رغبة الطائفة العلوية في تثبيت الأسد على عرشِ الحكم، بعد صحوةِ الفقر التي جعلت الكثيرين منهم ينفضّون عنه، في وقتٍ ما تزال فيه حظوظه هي الأقوى، على الإطلاق، وسط الخيارات المتاحة، وفي مواجهةِ بعض الأصوات التي بدأتْ تتعالى بعد عام 2011، كحركة (الشغل المدني) التي تضمُّ عدداً من العلويين، والتي أبدتْ موقفها المعارض لترشّح (بشار الأسد) للانتخابات الرئاسية، المزمع إقامتها في شهر نيسان القادم، واصفةً إياه بــ(مجرم حرب)، مبديةً دعمها لمرجعيّةِ جنيف، وتشكيلِ هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحية، وفي ذات السياق انتقدتْ صفحة (مواطنون مع وقف التنفيذ) فسادَ النظام، وعلى إثرها اعتقل مديرُ الصفحة (العلويّ)، في حين وجهتْ حركةُ (الأحرار العلويون) رسالةً إلى الشعب السوري جاء فيها (ندعوكم ألا توقفوا الدفاع عن حقكم، بعد كلّ الثّمن الذي دفعتموه، هذه العائلات تلفظ أنفاسها الأخيرة، وليس لها إلا أمل وحيد هو الحماية الروسية التي تتذمر الآن من استمرار دعمها لهذا الشخص) في إشارةٍ صريحةٍ إلى الرئيس، وفي زمنٍ مضى كان كثيرٌ من العلويين يعمدون إلى تمزيقِ صور المرشحين المنافسين للأسد، بسبب عدم تحمّلهم فكرةَ أنْ ينافسَ أحدٌ رئيسهم المفدّى، الذي سحقَ -وبفضل حاضنته القوية- كلَّ بدائل المعارضة البائسة.
ليفانت – عبير نصر
——————–
لماذا المجلس العسكري الانتقالي هو الحل الوحيد؟/ كمال اللبواني
من غير المفيد أن ندخل في دوامة سياسية لا بداية ولا نهاية لها ولا مخرج منها، تشبه السؤال من هو قبل الآخر: البيضة أم الدجاجة. فقضية تمثيل الشعب السوري تحتاج لوجود طرق تمثيل شرعية غير متوفرة حالياً، فإذا بدأنا بالتفاوض على سلطة حكم انتقالية كما هو مصمم في قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ وبيان ومسار جنيف، فلن يتوصل الفريقان المتصارعان لأي تقدم طالما أنّ كلاهما متمسكان بإزاحة الآخر، عسكرياً أو سياسياً. المجلس العسكري
لقد انتقل الصراع الدامي لمسار التفاوض، وصار النظام يستغلّ المطمطة لكسب الوقت وتحقيق النصر العسكري بدعم من دول محور سوتشي، ثم حاول، مؤخراً، إفراغ قرار مجلس الأمن من محتواه، بجعل وفد المعارضة يتنازل سياسياً في جنيف بعد أن تنازل عسكرياً في سوتشي، بحيث يقفز فوق العدالة ومحاسبة المجرمين والانتقال للعدالة التصالحية، والقفز فوق سلّة المعتقلين واختزالها بخروج عدد محدود ممن تم اعتقاله، مؤخراً، بعد أن قتل معظم المعتقلين وطوى ملفاتهم، وحتى ملف المهجرين الذين أصبح عليهم العودة بشروط النظام لخيمة الطاعة، والقفز فوق السلطة الانتقالية الناتجة عن الانتخابات بالمشاركة في إعادة انتخاب الأسد، واعتبار سلطته الجديدة، التي يشارك فيها بعض شخوص من يدّعون المعارضة، سلطة تحقق هدف القرار ٢٢٥٤، وتنهي الصراع في سوريا بانتصار ساحق للنظام ومن خلفه الاحتلال الإيراني، وهذا طبعاً بالتوافق مع تركيا التي تعتبر مشاركة الإخوان في نظام الحكم حصانها الرابح الذي سيجعل لها نفوذاً سياسياً دائماً في سوريا بالتوافق والانسجام مع النفوذ الإيراني.
حاول دي مستورا فكّ عقدة التفاوض باختراع السلال والقفز للدستور التوافقي الذي سينتج عنه سلطة منتخبة في انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة، لكن هذا المسار وبعد خمس سنوات ما يزال في المربع الأول، ولم يتقدّم قيد أنملة، بل سرعان ما تكشف أنّ النظام بدعم من دول نافذة استطاع تزييف تمثيل المعارضة وفرض مندوبيه ووكلائه على رأس وفد التفاوض، عبر منصات صنعها بنفسه تسرق تمثيل الشعب، فصار النظام هو من يعارض نفسه ويفاوض نفسه، ثم يعيد الشرعية لنفسه، معيداً إنتاج نفسه عبر مسار الأمم المتحدة.
بالأصل أي هيئة حكم يجب أن تكون منتخبة، وأي انتخابات يجب أن تجرى في ظروف مناسبة وضمن دستور متوافق عليه، وأي هيئة مكلفة بكتابة دستور يجب أن تكون منتخبة أيضاً. وبذلك بقي هذا المسار يدور في حلقة مفرغة غير منتجة، ولا يمكنها أن تنتج غير تضييع الوقت لفرض حلّ الإبقاء على النظام، الذي يعني فرض حل عسكري لصالح طرف بما يعارض جوهر بيان جنيف وقرار مجلس الأمن، وهو الشرط لرفع العقوبات وإطلاق عملية إعادة البناء.
إذا كان لا بد من الخروج من هذه الدوامة بشكل يناسب روح وجوهر القرار ٢٢٥٤، بالبحث عن بداية صحيحة، وهي تأمين الأرضية الأمنية لعودة الشعب وإطلاق العملية السياسية، وصولاً للانتخابات والدستور والسلطة، فالبداية المنطقية هي من ملف الأمن والتحرير ، وهذا يتطلب توحيد القوى العسكرية على هدف واحد، هو إخراج المحتل الإيراني، وتفكيك الميليشيات وإمارات الحرب، وسحب السلاح، والقضاء على الإرهاب، وفرض الأمن وسلطة القانون، تمهيداً لعودة آمنة للشعب، مع تحسين البنية التحتية من خلال المؤسسات الراهنة التي يديرها مدراء تكنوقراط لا يرتقوا لأن يكونوا سياسيين، بإشراف المجلس العسكري، الذي يعني بداية جديد لجمهورية جديدة تبدأ بسلطة قوة تسمح بإعادة إنتاج سلطة منتخبة. المجلس العسكري
إنّ أي دخول بموضوع السلطة المدنية سوف يعيدنا للمربع رقم واحد (من يختارها، ومن تمثل) في ظل غياب تام لأي قوى سياسية، وانقسام عامودي تصارعي، مما سيعني الدخول بالمتاهة ذاتها، بل تعميقها لمتاهة المكونات، والتمايزات، والتي سيستمر التفاوض عليها لعقود من دون نتيجة ومن دون آلية للحسم.
ككل دولة تبدأ من سلطة قوة وجيش، تفرض نفسها ثم تطور حياتها السياسية، هكذا يجب أن يكون الحلّ في سوريا، ولا توجد عملياً سوى مؤسسة الجيش مؤهلة للقيام بذلك بعد إقصاء كل المدنيين، وأولهم نظام الأسد والبعث، ثم أحزاب المعارضة المتصارعة معه، هنا لا يمكن القفز فوق حقيقتين، أولهما أنّ الجميع متورّط في الفساد والجرائم، وأنّ ضباط كلا الطرفين هم من يمسكون بملفات القوى العسكرية في جانبي الصراع، فنحن في هذه المرحلة لن ننتج سلطة دائمة نزيهة بل انتقالية، تنتهي بأداء مهمتها، من دون أن يطوى ملف المحاسبة الذي سيبقى سيفاً مسلطاً على رقبتها في حال حاولت الاحتفاظ بالسلطة، مع ضمانات دولية، ونشاط مجتمعي سياسي كبير يحصن أهداف الانتقال.
لذلك كل طرح لسلطة انتقالية مدنية، يعني تكرار مسار الفشل والاستغراق في دوامة جنيف والبيضة والدجاجة، الذي لا يدفع ثمنه سوى المعتقلون الذين يموتون وسكان المخيمات، والتغيير الديموغرافي، وهو فقط لصالح الاحتلال الإيراني الذي يتجذّر في المجتمع السوري. مع العلم أنّ من يتحرّك في هذا المطلب هم فقط الباحثون عن منصب وكرسي. المجلس العسكري
ليفانت – كمال اللبواني
————————–
الأسد باع البلد لروسيا وإيران/ غسان المفلح
هذه الرسالة سربها بوتين شخصياً وفقاً لهيكلية النظام الروسي. نشر موقع “روسيا اليوم” مقالاً بعنوان “هل تلجأ دمشق للتطبيع مع إسرائيل؟”، أورد فيه الكاتب رسالة من دمشق إلى موسكو في تشرين أول/ نوفمبر ٢٠١٣، هذا نصها: “لقد قدمنا الأسلحة الكيميائية للمجتمع الدولي، واضعين ثقتنا بأن تقدّم روسيا البدائل اللازمة لمواجهة العدوان الإرهابي على وطننا. لكن الأمور في الوقت الراهن تشير إلى انهيار مفاجئ محتمل خلال أيام معدودة، بعد خسارتنا بالأمس أكبر 5 بلدات في الغوطة، ووصول المسلّحين إلى مسافة 3 كم من مطار دمشق الدولي، وقطعهم طريق دمشق حمص الدولي، بعد احتلالهم مدينة دير عطية، ونفاذ قدرتنا البشرية والنارية. لهذا فإنّ هناك ضرورة ماسة جداً للتدخل العسكري المباشر من قبل روسيا، وإلا سقطت سوريا والعالم المدني بأسره بيد الإرهابيين الإسلاميين”.
“تدخل حزب الله اللبناني في سوريا عسكرياً/ طائفياً منذ الأيام الأولى للثورة، وبرر أنّه يريد حماية “المراقد الشيعية”، وأرسلت إيران “خبراء ومستشارين” من الحرس الثوري الإيراني في الوقت نفسه مع تدخل حزب الله، ومع إرسال المالكي (العراق) ميليشيات مقاتلة. وعبر مقابلة تلفزيون “الميادين”، مؤخراً، عرفنا أن تدخل حزب الله والحرس الثوري بدأ قبل بدء الثورة السورية، استعداداً لمواجهتها منذ اندلاع الثورة المصرية! وهذا كان مواجهة إسلامية للثورة السورية، إنما (إسلامية شيعية) هذه المرة”.
هذه أخبار من اشتروا البلد. ليست أخبار من أهل الثورة السورية أو مواقع المعارضة أو من مواقع إمبريالية. كما أنّنا سمعنا وقرأنا أكثر من تصريح لمسؤولي روسيا وإيران، أن لولاهما لسقط الأسد.
ما أريد مناقشته هنا، لماذا انتظرت روسيا سنتين منذ تاريخ الرسالة الأسدية بطلب التدخل لحمايته من السقوط؟ كي لا يدخلنا نص الرسالة المسرّبة من قبل روسيا، وبوتين شخصياً، في متاهة جديدة من قراءات خاطئة. خلال السنتين، منذ عام 2013 وحتى عام 2015، كانت روسيا متواجدة بقوة من خلال أسلحتها التي ترسلها للأسد، ومن خلال الفيتو المستخدم في الأمم المتحدة. حيث استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) خمس مرات قبل تدخلها العسكري المباشر. إضافة لتدخلات عبر مفاوضات مع أطراف إقليمية ودولية من أجل المساعدة على وقف تدهور نظام الأسد. في تلك الأثناء، كانت روسيا منخرطة مع مجموعة الست في مفاوضات مع إيران من أجل الملف النووي.
هذا الانخراط الروسي كان إيجابياً بالنسبة لأوباما في تلك المرحلة، تنازل يستحق مكافأة. بوتين بقي سنتين حتى تدخل عسكرياً، للحصول على موافقة أمريكية إسرائيلية فرنسية بريطانية صينية. أولاً لمنع صدور قرار من مجلس الأمن أو من الأمم المتحدة بإدانة التدخل واعتباره احتلالاً. ثانياً بوتين لا يستطيع التدخل في دولة هي على حدود إسرائيل، وكذلك إيران. هذا ما كنا نشدّد عليه في قراءة التدخل الإيراني منذ اللحظة الأولى للثورة السورية. بوتين كان يدرك أنّ الأسد مستعدّ للتنازل عن أي شيء مقابل أن يبقى في قصر الشعب بدمشق، لهذا هو لم ينتظر نتائج مفاوضات مع الأسد، بل انتظر سنتين كي يتوصل لاتفاق مع أمريكا وإسرائيل، بشكل رئيسي وأساسي. وهذا ما حدث، وهذا ما جعل بوتين يتدخل بقوة عسكرياً ضد الثورة السورية ويمارس أبشع أنواع القتل بأحدث الأسلحة الروسية، حتى إنّه ضمن عدم وصول فصائل سورية إلى صواريخ مضادة للطيران. ضمانة من قبل أوباما وإسرائيل. حيث سيناريو أفغانستان لم ينسَ بعد بالنسبة للروس ولصواريخ ستينغر الأمريكية التي حطمت أسطورة الطيران الروسي هناك.
خلال هذه الفترة من الانتظار توصل أوباما لاتفاق مع إيران، وسمح لها بسوريا ولبنان واليمن، وسمح لروسيا بالتدخل في سوريا لاحتلال الثورة وقتل الشعب السوري وتهجيره. هذه الرسالة توضح أيضاً أنّ قراءة أغلب أهل الثورة آنذاك للتدخل الروسي الإيراني، أنّه أتى بموافقة أمريكية، كانت قراءة صحيحة. من جهة أخرى إسرائيل لا تقبل أيضاً أن تكون روسيا شرطياً على عملياتها الجوية داخل سوريا، وهذا أيضاً ما تعهد به بوتين، وإلا ما كان لبوتين أن يأتي بطيرانه وأسلحته كلها من أجل دفن السوريين وتهجيرهم واقتلاعهم. هذه أيضاً مصلحة إسرائيلية مباشرة، بغضّ النظر عن موقع الأسد والأسدية فيها. هذا سبب انتظار بوتين لسنتين منذ أن باعه الأسد قسماً من سوريا كما باع إيران.
بوتين، كما قلنا، بقي سنتين حتى استطاع الحصول على موافقة دولية مشرعنة من الأمم المتحدة، لكون الأسد ممثلاً فيها. لهذا رفضت أمريكا مقترحاً تقدّمت به بعض الدول بإلغاء مقعد الأسد في الأمم المتحدة وإعطائه للمعارضة. هذا الرفض له أسباب أخرى طبعاً. لكن السبب الرئيس أنّ الأسد أيضاً خط أحمر أمريكياً، كان بوتين أداة تنفيذه، كما كانت وما تزال إيران. لا يهم الأسدية أية سيادة للدولة السورية، لأنّه لا يراها إلا من خلال بقائه في قصر الشعب.
بقي أن نقول إنّ قضية التطبيع مع إسرائيل ليست مطروحة لا أسدياً ولا إسرائيلياً، لأنّها لا تخدم الطرفين. إسرائيل بظهر الأسد كما هو، وكما هي الوضعية بينهما، ولا تريد تغييرها حتى اللحظة. أسباب كثيرة، كنا كتبنا عنها سابقاً، تجعل من التطبيع قضية ساخرة، لأنّ الأسدية أول من طبعت مع إسرائيل، وفقاً لهذا الشكل القائم منذ عام 1974 “من يريد الاعتداء على الشعب السوري لينسّق معنا”. هذا كان حال لسان الأسدية وما يزال وسيبقى ما دامت الأسدية موجودة في تاريخ سوريا.
ليفانت – غسان المفلح
———————————
=====================
تحديث 23 شباط 2021
————————–
الخروف مرشحاً لرئاسة سوريا/ عمر قدور
لم يُفتح الستار بعدُ لمتابعة مهزلة الحملة الانتخابية لرئاسة سوريا. هناك مظاهر متفرقة لدعم حملة بشار الأسد، وهي حتى الآن لا تُقارن بماكينته التي سيقودها الشبيحة ورجال المخابرات والمخلصون من مواليه. الخاتمة معروفة سلفاً إذا كان الأمر يتعلق بالفائز، وفي الأصل لن تُجرى مسرحية الانتخابات هذه إلا لأن الفائز معروف. أهمية العرض هي في التفاصيل، لا في الحبكة المكررة المملة، وهي أيضاً في دلالات التمكن من إعادة العرض الممل ذاته.
من المتوقع أن يكون واحد من انشغالات مخابرات الأسد الآن ترشيح بعض الأشخاص، ليختار بشار من ضمنهم الخروف أو الخروفين اللذين سينافسانه في المهزلة الانتخابية. باستخدامٍ أدق للتعبير المحلي السوري، سيختار بشار منافسيه من بين أولئك الذين قبِلوا خَوْرَفتَهم، وارتضوا تأدية هذا الدور مع استبعاد أن يكونوا قد سعوا إليه، إذ لن يتجرأ سوري مهما بلغ من خفة العقل أو غيابه على المشاركة من تلقاء نفسه في السيرك الرئاسي.
الخروف في المجاز المحلي هو ذاك الذي يُدعى إلى سهرة عارمة في مطعم فقط كي يدفع الفاتورة، هو ذاك الذي يحتال عليه بائع ما بسلعة لا يحتاج كشف الغش فيها إلى نباهة، هو الذي تبقيه امرأة لعوب في خدمتها “وحتى في خدمة من تعشق” وهو مقتنع بأنهما على موعد قريب مع الغرام. قابليته للاستغفال تحجب المزايا الأخرى للخروف، كأن يكون سدد فاتورة المطعم بداعي الكرم، أو بقي متفانياً في خدمة لعوب بدافع العشق الشديد، فالقيمة في هذه المفاضلة هي للذكاء وسعة الحيلة والمكر.
إذاَ، مع انطلاق الحملة الرئاسية، سيكون الجمهور مدعواً للضحك على أولئك الخرفان، وإدراك أنهم يمثّلون هذا الدور لن يقلل من الاستهزاء بهم. شبيحة الأسد معدُّون في الأصل للسخرية من المرشحين الشكليين على قاعدة تفوّق بشار على أي منافس، بصرف النظر عن إمكانيات الأخير. من وجهة نظرهم، يتفوق بشار لأنه بشار “الأسد”، وهو غنيّ عن أية كفاءة زائدة، ومن المثير للسخرية أن ينافسه أحد ولو على سبيل التواطؤ؛ إنه لن يحظى بقليل من الرأفة التي يستحقها الخروف.
من جهة جمهور المعارضة، ولأسباب مغايرة، سينال هؤلاء حصتهم من السخرية. هم أشخاص ارتضوا خورفتهم دعماً لبشار، وهنا ينالون السخرية على أدائهم الدور وعلى قبولهم به، وقد يغيب إدراك الفوارق بين الاثنين فتتغلب صفة الخروف والاستهزاء به ليصبّ ذلك “بلا وعي” في مصلحة بشار بوصفه صاحب حذاقة ومكر.
لا ننسى أن فكرة وجود هؤلاء مردها الاستهزاء بالانتخابات التعددية، بعد تظاهر سلطة الأسد بالإقلاع عن عادة الاستفتاء، لسان حالها أن من يجعل الحكم وراثياً بوجود دستور جمهوري يستطيع التنكيل بفكرة التنافس. في الانتخابات المقبلة، لهذه الحبكة المكررة دلالة أقوى، فهي على نحو مفهوم تطوي صفحة التغيير، وخاصة بعض الوعود الغربية بأن تكون ولاية بشار الحالية هي الأخيرة، وهي على الأرجح تضع مهلة زمنية لمفاوضات اللجنة الدستورية، مدتها سبع سنوات جديدة على الأقل.
مهزلة الانتخابات، كمناسبة لتكريس اليأس من التغيير، غير موجهة فحسب لطالبي التغيير من المعارضة. إنها، هذه المرة، موجهة أيضاً إلى كافة الواقعين تحت سلطة بشار، لأنها تأتي في ظروف أسوأ من تلك التي رافقت مهزلة عام 2014. قبل حوالى سبع سنوات، لم تكن أعداد قتلى قوات الأسد قد بلغت ما بلغته مع التدخل الروسي وما صاحبه من معارك جديدة شرسة، ولم تكن الآثار الاقتصادية لتدمير البنية التحتية قد ظهرت كما هي الآن، ولم تكن قيمة جمهور الموالاة بالنسبة لعائلة الأسد قد تدنت إلى هذا الحد.
هذا الجمهور سيُساق لتجديد الولاء وهو في أسوأ أحواله على الإطلاق منذ عشر سنوات، وبلا أفق لتحسين أوضاعه. سيُساق إلى الضحك على منافسي بشار الشكليين والاستهزاء بهم، وإلى إعلان التمسك به رغم كل المصائب التي تسبب بها لجمهوره. وأن تكون نسبة متزايدة من الجمهور مرغمة على تكرار مظاهر الولاء المعتادة رغم بؤسها فهذا مبعث رضا أكبر، لأن فكرة الأسدية وفلسفتها قائمة على الإرهاب والخوف لا على اجتذاب جمهور محب.
يعلم الجميع أن السوريين كافة ليسوا ناخبين في العرض المقبل، الناخبون الكبار موزعون على قوى الخارج التي دعمت بقاء بشار علناً أو سراً. إجراء الانتخابات فيه تجديد من قبل أولئك الناخبين الكبار، وفي وقت يحتاجه حقاً، فالعرض الانتخابي “بمهازله وخرفانه” فرصة شخصية لاستعادة قليل من الهيبة التي هتكت ولم يبقَ منها حتى القليل خلال السنوات الأخيرة.
نعم، من الطريف أن الأنظار في العرض المقبل ستتجه إلى أولئك الخرفان المهرجين لأنهم التجديد الوحيد في المسرحية. سيتلذذ بشار بالسخرية التي سينالها هؤلاء، سيتلذذ من موقع من نال الإهانات المتتالية خلال السنوات الأخيرة، ولم يكن قادراً على ردّ أيّ منها. هي استراحة، ينسى فيها المشاركون عبر المهرجين أن “الحاذق” الذي أتى بهم وُصف بالحيوان من قبل الرئيس الأمريكي، وكان الحليف الروسي أبخل من الأمريكي عندما أطلق عليه لقب “ذيل الكلب”، بينما حرص الحليف الإيراني وحزب الله على استخدام لغة “لطيفة” كلما اضطرهما إلى تذكيره بأنهما أنقذاه من السقوط. لنصل أخيراً إلى الإسرائيلي الذي سارع إلى الكشف عن دفعه ثمن جرعات من اللقاح الروسي، ضمن صفقة إعادة فتاة إسرائيلية، الثمن المهين لا لأن إسرائيل دفعته بل بقدر ما هو بخس أن يصل الجشع بمن يملك عشرات المليارات في أرصدته إلى قبول مليون دولار كمساعدة إنسانية!
في موسم الاستهزاء منهم، قبل نسيانهم كأنهم لم يكونوا يوماً، لا نعلم ما إذا كان المرشحون الشكليون للرئاسة لديهم بعض من الكرامة، البعض الذي يجعلهم يتألمون قليلاً ولو في قرارة أنفسهم. لا يخفى هنا أننا ننطلق من فهم عامّ للكرامة والإهانة قد لا يتبناه كافة البشر، هو الفهم ذاته الذي يوصّف تلك الإهانات التي وُجّهت إلى بشار من دون أن نستأذنه.
المدن
—————————-
الدور والحاجة الروسيان في موضوع التجديد للأسد/ عبد الباسط سيدا
من بين نتائج يمكن الخروج بها بعد مرور عشرة أعوام على انطلاقة الثورة السورية (مارس/ آذار 2011) أن الروس يخططون للبقاء في سورية؛ في حين أن الأميركان يستخدمون “الساحة السورية” لممارسة الضغط في العراق، على أمل احتواء إيران، وترتيب الأوضاع وفق تفاهمات جديدة مع تركيا، والحفاظ على أمن إسرائيل بطبيعة الحال.
ويبدو أن الدور الروسي في سورية لم يخرج، منذ البداية، عن إطار التفاهم الأولي مع الأميركان، خصوصاً في مرحلة أوباما؛ كما أنه التزم، هو الآخر، بأمن إسرائيل، وأثبت، في مناسبات عدة، حرصه على ذلك الالتزام، واستمراريته في التمسّك به، وما زال مستمراً في هذا الاتجاه، هذا إلى جانب تحالفه الإيراني.
وقد مارس الروس، منذ البداية، سياسة تضليلية، إذ كرّروا في مواقفهم العلنية، وفي تلك التي أفصحوا عنها، خلال لقاءاتهم مع السوريين المناهضين لحكم الأسد، بأنهم ليسوا متمسّكين ببشار الأسد؛ ولكنهم مع إعطاء الحرية للشعب السوري، ليقرّر بنفسه ما يريده. هذا بينما كانوا، في واقع الأمر، يدعمون النظام بكل أنواع الأسلحة، ويقدّمون له المعلومات والخبرات الاستخباراتية والعسكرية؛ كما كانوا يغطّونه دبلوماسياً في مجلس الأمن، عبر الاستخدام المستمر لحق النقض (الفيتو) ضد أي قرار في المجلس، كان من شأنه الضغط على النظام بأي شكل. وعلى الرغم من موافقتهم على بيان جنيف 1 عام 2012، إلا أنهم، منذ البداية، أكّدوا أن تفسيرهم يختلف عن التفسير الأميركي للبيان، من جهة أنه لا يدعو إلى إزاحة بشار الأسد عن الحكم، بل حاولوا باستمرار تفريغ ذاك البيان من محتواه.
ومع بداية جولات جنيف 2014، حاول الروس، بكل إمكاناتهم، حرف تلك الجولات عن مساراتها، عبر طرح موضوع أولوية محاربة الإرهاب، والدعوة إلى تعاون كل من النظام والثائرين عليه في محاربة الإرهاب. ثم دخلوا على خط “المصالحات” في مناطق مختلفة؛ ودفعوا نحو مسار أستانة 2017، حيث طرحوا دستورهم الجاهز، ثم حولوا هذا المسار إلى محور ثابت نسبياً، يضمهم مع كل من إيران وتركيا؛ وتمكّنوا من سحب المعارضة الرسمية إليه التي شاركت فعلياً، من دون أن تتبنّى ذلك رسمياً، في جميع الجولات، بما فيها الجولة الأخيرة الـ 15 التي كانت في 16 /17 فبراير/ شباط 2021.
ومن الملاحظ أن الهدف الأساس للسياسة الروسية في سورية يتمثل في شرعنة الوجود الروسي، والتغلغل ضمن المؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية. ولتحقيق ذلك، يرى القائمون على السياسة المعنية أهمية، بل وضرورة، المحافظة على النظام بقيادته الهشّة التي باتت خاضعة لهم وللإيرانيين في كل شيء، وذلك في مقابل البقاء في واجهة المشهد. ولعل هذا ما يفسّر سعي روسيا المتواصل راهناً، على مختلف المستويات، من أجل ترتيب الأوضاع لتمرير مهزلة إعادة انتخاب بشار الأسد، سواء عبر تعطيل مسار اللجنة الدستورية المضللة أصلاً، هذا المسار الذي لم، ولن يؤدي، إلى نتيجة، وإنما هو مجرّد بدعة روسية تم التفاهم حولها مع الجانب الأميركي، بهدف تكوين انطباع زائف، مفاده بأن هناك جهداً دولياً يُبذل للوصول إلى حل في سورية. وفي الموازاة مع هذا المسار، هناك لقاءات متواصلة في حميميم التي باتت تذكرنا بعنجر اللبنانية التي كان يتقاطر عليها المسؤولون اللبنانيون، لتلقي التعليمات والتوجيهات من المسؤولين الأمنيين السوريين، وتقديم الطاعة لهم. واليوم، يتكرّر المشهد ذاته، ولكن بأشخاص مختلفين، فالشخصيات التي تراجع حميميم سورية، سواء من الموالاة أم من المعارضة المدجنة؛ ومن يستقبلهم هم الأمنيون والعسكريون الروس. أما اللقاءات الأعلى مستوى، فتعقد في موسكو، تماماً كما كان يحصل بالنسبة للقاء مع المسؤولين اللبنانيين الأرفع شأناً الذين كانوا يتوجّهون إلى دمشق.
وما يجري من حديث اليوم عن فكرة تشكيل مجلس عسكري انتقالي، والدعوات إلى تفعيل المسار الدستوري، لا يخرج عن نطاق سياسة كسب الوقت، وتشتيت الانتباه عن الهدف الأساس للروس في المرحلة الراهنة الذي يتمثّل في تمرير عملية إعادة بشار الأسد في الأشهر القليلة المقبلة، وهي الانتخابات التي يبدو أنها باتت محسومة بالنسبة إليهم، وكل ما يسعون إليه، في الوقت الحالي، إنما يندرج في إطار المساعي المبذولة من أجل إضفاء المشروعية الاسمية عليها.
ولعل إشرافهم على المباحثات التي تجرى، من حين إلى آخر، بين وفود “الإدارة الذاتية” وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والنظام، وتسهيلهم لها من بين الخطوات التي تسير في هذا الاتجاه. إذ يبدو أن الهدف الأساسي هو تأمين توزيع صناديق الانتخابات/ المبايعة المفروضة في المناطق التي تشرف عليها الإدارة المعنية، وتتحكم فيها “قسد” عسكرياً بدعم أميركي، وتفاهم روسي. وذلك حتى لا تخرج منطقة شرقي الفرات التي تضم ثلاث محافظات؛ الحسكة ودير الزور والرقة، عن نطاق التبعية الرسمية للنظام، ولو شكلياً.
واللافت أن التركيز على الاتصالات والحوارات بين النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) يأتي بالتزامن مع تراجع الاهتمام بموضوع الحوار بين الحزب المذكور وممثلي الأحزاب المرتبطة به من جهة، والمجلس الوطني الكردي من جهة أخرى؛ وهو الحوار الذي كانت تشرف عليها الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ربما يُستشف منه تراجع الاهتمام الأميركي بالموضوع السوري بصورة عامة. وهذا ما يُستنتج من تجاهل الرئيس الأميركي، جو بايدن، لوضع سورية في خطاباته، فأميركا حالياً منشغلة بملفاتٍ أخرى، تمثل أولويات في المرحلة الراهنة، منها الوضع الأميركي الداخلي في ظل حالة الاستقطاب الحاد بين توجهين متباينين: الأول يمثله الحزب الجمهوري بتوجهه الترامبي على وجه التخصيص، وهو الذي يركز على شعار أميركا القوية أولاً؛ في حين أن الثاني يتمثل في الحزب الديمقراطي، والرئيس بايدن بصورة خاصة، ويدعو إلى استعادة علاقات الثقة والتعاون مع الحلفاء، والعمل المشترك معهم في سبيل معالجة مختلف القضايا التي تستوجب تعاوناً دولياً. وهناك موضوع كورونا، والأزمة الاقتصادية التي تلوح بوادرها في الأفق. هذا إلى جانب موضوع مستقبل العلاقات مع الصين، في ضوء التحديات الاقتصادية والتكنولوجية المستقبلية. وكذلك العلاقات مع روسيا، وحرص الأخيرة على استعادة قسط من دورها السالف في عهد الاتحاد السوفييتي.
يبدو أن الموضوع السوري الذي لم يكن أصلاً ضمن دائرة أولويات إدارة الرئيس أوباما الديمقراطية، سيما في سياق سعيه إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لم يعد من الأولويات الأميركية في ظل الإدارة الجديدة، على الرغم من تصريحات تصدر هنا وهناك، فالنظام حالياً يستفيد من نفط الجزيرة، على الرغم من تطبيق قانون قيصر، والوجود الأميركي هناك. كما أن الصفقة حول القمح بين تركيا والنظام بوساطة روسية، وأعلن عنها أخيراً، تندرج ضمن هذا الاتجاه. والمؤكد هو أن المباحثات الجارية بين “قسد” وممثلي “الإدارة الذاتية” من جهة، وممثلي النظام من جهة ثانية، لا تجرى بعيداً عن أعين المسؤولين الأميركان الموجودين على الأرض هناك ومعرفتهم.
هل سلّم الأميركان ملف سورية بالكامل إلى الروس، مقابل التزامهم بأمن إسرائيل، وعدم التدخل في أماكن أخرى تخصّ أميركا، العراق وليبيا مثلاً؟ موضوع العلاقة بين حزب العمال الكردستاني والنظام قديم جديد؛ ولا تحمل المباحثات القائمة حالياً جديداً سوى أن توقيتها لافت، وطريقة إخراجها. أما البراغماتية التي أظهرها هذا الحزب من خلال التعاون مع الأميركان فلم تكن بعيدة عن التفاهمات الأخرى مع الروس والنظام في الوقت ذاته. ومع ذلك كله، ينتظر الجميع ملامح الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه المنطقة، سيما بعد التصعيد الإيراني في العراق، وانسداد الآفاق في لبنان، فالسياسة علمتنا أن المتغير في حقلها هو السائد.
لننتظر ونتابع، خصوصاً وأن ما جاء في خطاب الرئيس جو بايدن أمام مؤتمر الأمن “الافتراضي” في ميونيخ (19 فبراير/ شباط الحالي) يتضمن رسائل في مختلف الاتجاهات، وتحتمل أكثر من تفسير.
العربي الجديد
————————–
لماذا كشفت موسكو الآن عن «استغاثة الأسد» في 2013؟
روسيا تجرّب طائرة هجومية من دون طيار في سوريا
رائد جبر
أثارت مقالة نشرتها صحيفة «زافترا» الروسية للكاتب رامي الشاعر ضجة كبرى وتساؤلات، كونها كشفت للمرة الأولى عن توجيه القيادة السورية رسالة إلى موسكو في 2013 يستجدي فيها التدخل الروسي لإنقاذه من سقوط وشيك.
ومع الأسئلة التي برزت عن أسباب قيام الجانب الروسي بالكشف في هذا التوقيت تحديداً عن تلك الرسالة، فإن السؤال المهم الذي برز أيضاً يتعلق بآلية استجابة موسكو لتلك الاستغاثة في ذلك الوقت، ولماذا تريثت لمدة عامين حتى تطلق مسار التدخل العسكري المباشر في الحرب السورية في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015؟
جاء في المقالة نص حرفي مقتطع من الرسالة الموجهة في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013: «قدمنا الأسلحة الكيماوية للمجتمع الدولي، واضعين ثقتنا بأن تقدّم روسيا البدائل اللازمة لمواجهة العدوان الإرهابي على وطننا. لكن الأمور في الوقت الراهن تشير إلى انهيار مفاجئ محتمل خلال أيام معدودة، بعد خسارتنا بالأمس أكبر 5 بلدات في الغوطة، ووصول المسلّحين إلى مسافة 3 كيلومترات من مطار دمشق الدولي، وقطعهم طريق دمشق – حمص الدولية، بعد احتلالهم مدينة دير عطية، ونفاد قدرتنا البشرية والنارية. لهذا فإن هناك ضرورة ماسة جداً للتدخل العسكري المباشر من قبل روسيا، وإلا سقطت سوريا والعالم المدني بأسره بيد الإرهابيين الإسلاميين».
وأكد الكاتب في حديث لـ«الشرق الأوسط» صحة المعطيات التي قدمتها المقالة، وقال إن هذه الرسالة كانت بين رسائل عدة، جرى تداولها في إطار واحدة من قنوات متعددة للتواصل تم تنشيطها بمبادرة من النظام، و«هذا أمر طبيعي في ظروف مماثلة أن يتم اللجوء إلى القنوات المختلفة للحوار».
لكن لماذا تم الكشف عنها الآن؟ حملت المقالة عنواناً لافتاً هو: «هل تلجأ دمشق للتطبيع مع إسرائيل؟».
ويعكس هذا العنوان بعض جوانب ازدياد الاستياء في موسكو من أداء الرئيس بشار الأسد، التي لم تعد تقتصر كما ورد في المقالة على محاولات عرقلة الخطوات الروسية الهادفة إلى دفع عمل «اللجنة الدستورية» في إطار تطبيق القرار 2254، بل تعدى ذلك إلى الرهان الكامل على عدم وجود بدائل لدى المجتمع الدولي، أو مواصلة التفكير بأن الحل العسكري وحده قادر على تثبيت معادلة جديدة، أو وهو الأهم هنا الرهان على «أدوار أخرى أو صفقات مثل الميل نحو التطبيع مع إسرائيل».
في هذا الأمر، قالت مصادر روسية موثوقة إن «محاولات التلاعب بملف التطبيع من وراء ظهر روسيا خطيرة جداً، لأنها تعكس استعداداً للتنازل عن كل شيء، بما في ذلك في إطار التراجع عن المواقف الثابتة التي دافعت عنها موسكو عبر أهمية تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بملف الجولان وغيره من الملفات لدفع أي حوارات».
يظهر هذا الموضوع أحد أسباب تعمد الكشف عن رسالة الاستغاثة في هذا التوقيت، إذ إن موسكو عمدت عملياً إلى تذكير النظام مجدداً بالوضع الذي كانت عليه الأمور قبل أن تتدخل لإنقاذه. أيضاً، يشكل السجال حول الانتخابات المقبلة أحد محاور الاستياء، لأن موسكو التي تدعم استكمال الاستحقاق الانتخابي لمنع حدوث فراغ دستوري ستكون له آثار ضارة، لا ترغب في أن ينعكس موقفها كأنه موافقة على ما تقدمه الآلة الإعلامية الحكومية السورية حول حتمية بقاء الأسد «المنتصر». وهنا كانت إشارة لافتة في المقالة حول أن الأسد لديه أربعة ملايين صوت مؤيد، بمعنى أنه الأكثر قدرة حالياً على حشد تأييد، وهو أمر أوضحه الكاتب بالإشارة إلى أن المقصود بالرقم هو حجم التأييد الإجمالي، وليس امتلاكه أربعة ملايين صوت انتخابي.
السؤال الآخر المهم: هو لماذا تريثت موسكو عامين؟ وكيف تعاملت مع استغاثة الأسد في حينها؟
جاء في المقالة أن «الكثير يتساءلون عن دور الضامن الروسي في هذه الأوقات الحرجة التي يعيشها الشعب السوري، وعن دور موسكو عندما كانت سوريا على حافة الهاوية، وقبل أيام من وقوع البلاد بأسرها في أيدي (الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية)».
وقال الشاعر إن تريث موسكو لا يعني أنها لم تسارع منذ الحين إلى تقديم مساعدات لوجيستية وعسكرية قيمة إلى النظام، بما في ذلك عن طريق الإمدادات من الأسلحة والذخائر وغيرها من مسلتزمات تعزيز وضع المؤسسة العسكرية، فضلاً عن إرسال الخبراء العسكريين، وإطلاق نشاط واسع لتزويد دمشق بالمعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك عن طريق صور الأقمار الصناعية التي رصدت مواقع المسلحين.
والعنصر الثاني المهم في مسألة «التريث» سببه أن النظام عندما وجه رسائلة الاستغاثة كان هناك في سوريا وجود عسكري فعلي لكل من إيران وتركيا والولايات المتحدة، و«لم يكن من الممكن أن تقوم موسكو بمغامرة عبر تدخل لا تحسب عواقبه، لذلك اقتضى الأمر عملاً واسعاً لإدارة التنسيق مع القوى الموجودة على الأرض، ما يعني فتح قنوات اتصال مع الطرفين التركي والإيراني، وفتح آلية تنسيق مع الأميركيين لتجنب الاحتكاكات على الأرض، وبعد ذلك، كان لا بد من الحصول على طلب رسمي من دمشق حتى يكون التدخل العسكري المباشر منسجماً مع القوانين الدولية». وزاد أنه «عندما وصلت الأمور إلى وضع خطير جداً وباتت دمشق مهددة فعلاً ومحاصرة، ودلت كل المعطيات على خطر انتقال المعارك إلى داخل المدينة، ما يعني مواجهة دموية مع الفرقة الرابعة كان يمكن أن تسفر عن اتساع عدد الضحايا بين المدنيين بشكل كارثي، عند ذلك تدخلت موسكو عسكرياً لإنقاذ دمشق وباقي المدن السورية».
على صعيد آخر، بثت القناة التلفزيونية الروسية الأولى تقريراً مصوراً حول استخدام الطائرة المسيرة الروسية من طراز «أوريون» في قصف أهداف للتنظيمات المسلحة في سوريا.
وبحسب التقرير، تم قصف 17 هدفاً في أماكن لم يتم تحديدها، كما لم يوضح الشريط تاريخ القيام بالعملية. لكن بعض اللقطات أظهرت لحظات انطلاق قنابل موجهة من الطائرة وتدمير كثير من مواقع المسلحين. كما اشتملت التجارب وفقاً للتقرير على توجيه ضربات نهارية وأخرى ليلية لتحديد مدى قدرات الطائرة المسيرة.
وتعد هذه المرة الأولى التي تكشف فيها موسكو عن القيام بتجارب ميدانية عملية للطائرة الروسية الحديثة التي تم تطويرها في مصانع «سوخوي»، ودخلت الخدمة القتالية عملياً في سبتمبر (أيلول) عام 2019. وقال أحد القائمين على المشروع إنه «تمت تجربة الطائرة الهجومية في سوريا أخيراً، وأظهرت قدرات عالية على إصابة أهدافها بدقة».
وقد بدأ العمل على تصنيع المسيرة «أوريون» منذ عام 2011، لكن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت نشاطاً مكثفاً، بحسب المصادر العسكرية لإنجاز هذا المشروع.
وقالت المصادر إن «أوريون» تنتمي إلى فئة المركبات ذات الارتفاعات المتوسطة (14 كيلومتراً)، ويمكن أن تحلق لمدة طويلة قد تصل إلى يوم كامل، ويبلغ وزنها 1100 كيلوغرامات، وحمولتها تصل إلى 250 كيلوغراماً. ويمكن تزويد «أوريون» بالصواريخ الموجهة صغيرة الحجم والقنابل الموجهة ضد الأهداف الأرضية.
الشرق الأوسط
—————————–
وفد روسي في السويداء في إطار مساعي التهدئة في الجنوب السوري لتأمين إعادة إنتاج النظام/ هبة محمد
تواصل موسكو مساعيها الحثيثة في ترسيخ التهدئة في محافظة السويداء جنوب سوريا، قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، صيف العام الجاري، وتطويع قرار المحافظة ذات الغالبية الدرزية، بهدف ضمان وجود بشار الأسد في سدة الحكم لسبع سنوات قادمة، حيث زار يوم الأحد جنرال رفيع المستوى من قيادة القوات الروسية في العاصمة السورية دمشق، محافظة السويداء واجتمع مع أحد أبرز المرجعيات الدينية في المحافظة.
وقال مدير شبكة أخبار «السويداء 24» نور رضوان لـ»القدس العربي» إن الجنرال أندري كولوتوفكين من قيادة القوات الروسية، زار منزل الرئيس الروحي للطائفة الدرزية حكمت الهجري في بلدة قنوات، لمناقشة الأوضاع في المحافظة والمنطقة الجنوبية، خصوصاً بعد عملية التسوية التي أطلقها النظام السوري خلال الشهر الحالي، لتسوية أوضاع المطلوبين من أبناء المحافظة.
وبيّن المتحدث أن رئيس فرع أمن الدولة في السويداء، العميد سالم الحوش رافق الجنرال الروسي في الزيارة، كما نقل عن مصدر من الرئاسة الروحية أن «الشيخ حكمت الهجري تحدث عن التسوية الأخيرة وما تطلبه من إجراءات جديدة من الجهات المعنية، تتعلق بضرورة تحسين الأوضاع المعيشية للمجندين في الخدمة العسكرية، وتفادي الأسباب التي تجبر الشباب على التخلف وعدم الالتحاق بالخدمة، كما لمح إلى الحالة الاقتصادية المتردية التي تعيشها المحافظة والبلاد عموماً، وكذلك الأوضاع الأمنية» معتبراً أن هذه المشاكل تتطلب جملة من الحلول وجدية في اتخاذها وتنفيذها. ووفقاً للمصدر فقد تحدث الجنرال الروسي عن مساعي موسكو التي تبذلها بالتنسيق مع النظام السوري، لإنجاز المصالحات في المنطقة الجنوبية من سوريا، وقال «روسيا تسعى لدفع الأوضاع نحو الاستقرار في عموم الأراضي السورية».
أهداف الخطوة الروسية
ولشرح أهداف الخطوة الروسية، قال الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد حوراني أن النظام يحاول من خلال تكثيف زيارات مسؤوليه أو المسؤولين الروس إلى السويداء لتحقيق أهداف عدة، على رأسها تصدير صورة مغايرة للمحافظة، وإظهارها على أنها خاضعة لسيطرة النظام ويفرض عليها سلطاته الشرعية. كما أنه يحاول حسب الباحث «إقناع شيوخ العقل بدعوة شبان السويداء للالتحاق بالخدمة، بهدف الاستفادة منهم في المعارك المندلعة في البادية ضد تنظيم الدولة، فضلاً عن رغبته الواضحة في إخراج السويداء من دائرة التأثير مع جارتها درعا، وحتى لو أن ما يجري في السويداء يتم استثماره في درعا، والعكس صحيح أيضاً، ولو بطرق غير مباشرة».
وبرأي المتحدث لـ»القدس العربي» فإن النظامين السوري والروسي قد يزيدان من معدل هذه الزيارات مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. ويُمكن الاعتقاد بأن إصرار روسيا على تكثيف وفودها إلى المرجعيات الدينية ورموز محافظة السويداء يعود إلى سعيها لتسوية أيّة بؤرة صراع خارجة عن السيطرة المركزية للحكم في دمشق، وترسيخ التهدئة. وفي هذا الإطار اعتبر نائب رئيس المكتب السياسي لحزب الوسط السوري من أهالي السويداء وليد الحسنية، أن جهود الوفد الروسي تأتي ترجمة لسياسة حكومته، في تعويم بشار الأسد قبيل الاستحقاقات القادمة، «أما شيوخ الطائفة الكبار فلا سلطة لهم أصلاً على شباب الجبل، ونسبة مصداقيتهم بالنسبة للكثيرين قد لا تتجاوز 15 في المائة».
رسائل روسية – سورية
وحول مدى نجاح موسكو في تطويع المحافظة، قال المتحدث لـ»القدس العربي» «لو أراد الروس خيرًا، فدرب السلام والاستقرار واضح. وهم أعلم الناس بشعبنا، لكن «روسيا البوتينية» قدمت نفسها خصماً وعدواً لشعبنا وبلادنا، وبالتالي لن تنجح جهودها أبداً، لأنها تدعم عصابة لا تفهم سوى لغة القتل والتشريد واستخدام القبضة الفولاذية أمام شعب أعزل يواجه إجرام السلطة وداعميها الروس والايرانيين». وشهدت نهاية العام الماضي سلسلة من الزيارات الرسمية التي أجرتها وفود روسية من قيادة القوات في دمشق إلى وجهاء المحافظة والهيئات الدينية، حيث ناقش الوفد الأوضاع في المحافظة، وكشفوا عن وجود مساعٍ روسية لإحداث تسوية ملفات الشبان المتخلفين والفارين عن الخدمة بالتنسيق مع النظام السوري، حيث استقبلت بالفعل لجنة مشتركة من الأجهزة الأمنية السورية مطلع الشهر الجاري الراغبين بتسوية أوضاعهم في مبنى لمحافظة.
وتضم اللجنة المشتركة وفقا لمصادر محلية لـ»القدس العربي» عناصر من الفروع الأمنية كافة في محافظة السويداء، مطلعة على أوضاع المطلوبين، ومكلفة إجراء تسوية أوضاع المتخلفين والفارين عن الخدمة الإلزامية لدى قوات النظام. وتنصّ التسوية على إلحاق كل من أجرى التسوية بالخدمة العسكرية ضمن «الفيلق الأول» الذي يشرف عليه الجانب الروسي، على أن تكون الخدمة ضمن المنطقة الجنوبية من البلاد. وفي السياق، قال مدير شبكة «السويداء 24» إن عدد المطلوبين لأداء الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، المقيمين داخل محافظة السويداء يبلغ قرابة 22500 مواطن.
ووفقاً لـ»نور رضوان» فإن اللجنة المكلفة بتسوية أوضاع المطلوبين في محافظة السويداء، استقبلت الشهر الفائت، حوالي 250 مواطناً، تقدموا للتسوية، ووقعوا على تعهد يشدد على عدم التظاهر، وتستمر اللجنة باستقبال الراغبين بالتسوية كل أحد وخميس، حتى إشعار آخر، موضحاً «أن المواطنين الذين يطلبون التسوية قسم منهم مطلوبون جراء التخلف أو الفرار عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، بالإضافة للمطلوبين بقضايا أمنية، حيث اقتصرت الإجراءات الأولية على توقيع التعهد، على أن يتم استكمال الإجراءات خلال الفترة المقبلة».
ورغم إعلان اللجنة أن التسوية لا تشمل المطلوبين بقضايا جنائية كالقتل والخطف، إلا أن المتحدث أكد اطلاعه على أسماء أشخاص تقدموا للتسوية من المطلوبين بقضايا أمنية خطيرة مثل تشكيل العصابات، والقتل والخطف بدافع الفدية. وقال رضوان إن «المتقدمين للتسوية من المطلوبين للخدمة، سيسلمون هوياتهم الشخصية أو العسكرية، ومن ثم سيحدد موعد لهم للالتحاق بالخدمة العسكرية، على أن تكون خدمتهم ضمن فرق الفيلق الأول، المنتشرة في المنطقة الجنوبية».
القدس العربي
—————————-
الأسد باع البلد لروسيا وإيران/ غسان المفلح
هذه الرسالة سربها بوتين شخصياً وفقاً لهيكلية النظام الروسي. نشر موقع “روسيا اليوم” مقالاً بعنوان “هل تلجأ دمشق للتطبيع مع إسرائيل؟”، أورد فيه الكاتب رسالة من دمشق إلى موسكو في تشرين أول/ نوفمبر ٢٠١٣، هذا نصها: “لقد قدمنا الأسلحة الكيميائية للمجتمع الدولي، واضعين ثقتنا بأن تقدّم روسيا البدائل اللازمة لمواجهة العدوان الإرهابي على وطننا. لكن الأمور في الوقت الراهن تشير إلى انهيار مفاجئ محتمل خلال أيام معدودة، بعد خسارتنا بالأمس أكبر 5 بلدات في الغوطة، ووصول المسلّحين إلى مسافة 3 كم من مطار دمشق الدولي، وقطعهم طريق دمشق حمص الدولي، بعد احتلالهم مدينة دير عطية، ونفاذ قدرتنا البشرية والنارية. لهذا فإنّ هناك ضرورة ماسة جداً للتدخل العسكري المباشر من قبل روسيا، وإلا سقطت سوريا والعالم المدني بأسره بيد الإرهابيين الإسلاميين”. الأسد
“تدخل حزب الله اللبناني في سوريا عسكرياً/ طائفياً منذ الأيام الأولى للثورة، وبرر أنّه يريد حماية “المراقد الشيعية”، وأرسلت إيران “خبراء ومستشارين” من الحرس الثوري الإيراني في الوقت نفسه مع تدخل حزب الله، ومع إرسال المالكي (العراق) ميليشيات مقاتلة. وعبر مقابلة تلفزيون “الميادين”، مؤخراً، عرفنا أن تدخل حزب الله والحرس الثوري بدأ قبل بدء الثورة السورية، استعداداً لمواجهتها منذ اندلاع الثورة المصرية! وهذا كان مواجهة إسلامية للثورة السورية، إنما (إسلامية شيعية) هذه المرة”.
هذه أخبار من اشتروا البلد. ليست أخبار من أهل الثورة السورية أو مواقع المعارضة أو من مواقع إمبريالية. كما أنّنا سمعنا وقرأنا أكثر من تصريح لمسؤولي روسيا وإيران، أن لولاهما لسقط الأسد.
ما أريد مناقشته هنا، لماذا انتظرت روسيا سنتين منذ تاريخ الرسالة الأسدية بطلب التدخل لحمايته من السقوط؟ كي لا يدخلنا نص الرسالة المسرّبة من قبل روسيا، وبوتين شخصياً، في متاهة جديدة من قراءات خاطئة. خلال السنتين، منذ عام 2013 وحتى عام 2015، كانت روسيا متواجدة بقوة من خلال أسلحتها التي ترسلها للأسد، ومن خلال الفيتو المستخدم في الأمم المتحدة. حيث استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) خمس مرات قبل تدخلها العسكري المباشر. إضافة لتدخلات عبر مفاوضات مع أطراف إقليمية ودولية من أجل المساعدة على وقف تدهور نظام الأسد. في تلك الأثناء، كانت روسيا منخرطة مع مجموعة الست في مفاوضات مع إيران من أجل الملف النووي. الأسد
هذا الانخراط الروسي كان إيجابياً بالنسبة لأوباما في تلك المرحلة، تنازل يستحق مكافأة. بوتين بقي سنتين حتى تدخل عسكرياً، للحصول على موافقة أمريكية إسرائيلية فرنسية بريطانية صينية. أولاً لمنع صدور قرار من مجلس الأمن أو من الأمم المتحدة بإدانة التدخل واعتباره احتلالاً. ثانياً بوتين لا يستطيع التدخل في دولة هي على حدود إسرائيل، وكذلك إيران. هذا ما كنا نشدّد عليه في قراءة التدخل الإيراني منذ اللحظة الأولى للثورة السورية. بوتين كان يدرك أنّ الأسد مستعدّ للتنازل عن أي شيء مقابل أن يبقى في قصر الشعب بدمشق، لهذا هو لم ينتظر نتائج مفاوضات مع الأسد، بل انتظر سنتين كي يتوصل لاتفاق مع أمريكا وإسرائيل، بشكل رئيسي وأساسي. وهذا ما حدث، وهذا ما جعل بوتين يتدخل بقوة عسكرياً ضد الثورة السورية ويمارس أبشع أنواع القتل بأحدث الأسلحة الروسية، حتى إنّه ضمن عدم وصول فصائل سورية إلى صواريخ مضادة للطيران. ضمانة من قبل أوباما وإسرائيل. حيث سيناريو أفغانستان لم ينسَ بعد بالنسبة للروس ولصواريخ ستينغر الأمريكية التي حطمت أسطورة الطيران الروسي هناك. الأسد
خلال هذه الفترة من الانتظار توصل أوباما لاتفاق مع إيران، وسمح لها بسوريا ولبنان واليمن، وسمح لروسيا بالتدخل في سوريا لاحتلال الثورة وقتل الشعب السوري وتهجيره. هذه الرسالة توضح أيضاً أنّ قراءة أغلب أهل الثورة آنذاك للتدخل الروسي الإيراني، أنّه أتى بموافقة أمريكية، كانت قراءة صحيحة. من جهة أخرى إسرائيل لا تقبل أيضاً أن تكون روسيا شرطياً على عملياتها الجوية داخل سوريا، وهذا أيضاً ما تعهد به بوتين، وإلا ما كان لبوتين أن يأتي بطيرانه وأسلحته كلها من أجل دفن السوريين وتهجيرهم واقتلاعهم. هذه أيضاً مصلحة إسرائيلية مباشرة، بغضّ النظر عن موقع الأسد والأسدية فيها. هذا سبب انتظار بوتين لسنتين منذ أن باعه الأسد قسماً من سوريا كما باع إيران. الأسد
بوتين، كما قلنا، بقي سنتين حتى استطاع الحصول على موافقة دولية مشرعنة من الأمم المتحدة، لكون الأسد ممثلاً فيها. لهذا رفضت أمريكا مقترحاً تقدّمت به بعض الدول بإلغاء مقعد الأسد في الأمم المتحدة وإعطائه للمعارضة. هذا الرفض له أسباب أخرى طبعاً. لكن السبب الرئيس أنّ الأسد أيضاً خط أحمر أمريكياً، كان بوتين أداة تنفيذه، كما كانت وما تزال إيران. لا يهم الأسدية أية سيادة للدولة السورية، لأنّه لا يراها إلا من خلال بقائه في قصر الشعب.
بقي أن نقول إنّ قضية التطبيع مع إسرائيل ليست مطروحة لا أسدياً ولا إسرائيلياً، لأنّها لا تخدم الطرفين. إسرائيل بظهر الأسد كما هو، وكما هي الوضعية بينهما، ولا تريد تغييرها حتى اللحظة. أسباب كثيرة، كنا كتبنا عنها سابقاً، تجعل من التطبيع قضية ساخرة، لأنّ الأسدية أول من طبعت مع إسرائيل، وفقاً لهذا الشكل القائم منذ عام 1974 “من يريد الاعتداء على الشعب السوري لينسّق معنا”. هذا كان حال لسان الأسدية وما يزال وسيبقى ما دامت الأسدية موجودة في تاريخ سوريا. الأسد
ليفانت
—————————
الصفقة الغريبة بين بوتين ونتانياهو والأسد/ هشام ملحم
الصفقة الثلاثية الروسية-الإسرائيلية-السورية الذي أطلقت بموجبها سوريا عن سراح امرأة إسرائيلية عبرت الحدود السورية، لقاء قيام إسرائيل بشراء كمية من لقاح Sputnik V المضاد لفيروس كورونا من روسيا بقيمة 1.2 مليون دولار للنظام السوري، تعكس من جملة ما تعكسه الأهمية المتزايدة للّقاحات المضادة للفيروس في العلاقات الدولية، والتفاوت الكبير في مكافحة الفيروس بين الدول الغنية والصناعية ذات الأنظمة الطبية المتطورة، والدول النامية غير القادرة على شراء اللقاحات لشعوبها والتي تفتقر إلى البنية التحتية الطبية والصحية الضرورية لمكافحة الفيروس بفعالية.
هناك فرق شاسع بين إسرائيل وسوريا في مكافحة فيروس كورونا. النظام الصحي الإسرائيلي لّقح حوالي نصف سكان إسرائيل، على الأقل بالجرعة الأولى من اللقاح، وهو إنجاز يعكس تقدم وفعالية هذا النظام. ولكن في سوريا، التي دخلت الحرب فيها سنتها الحادية عشرة، لم تبدأ بعد عمليات تلقيح السوريين. السوريون في بعض المناطق مشغولون بتأمين لقمة العيش، لأنهم يفتقرون إلى ما يسمى “بالأمن الغذائي”، أي أن هناك شريحة كبيرة من الشعب السوري تفتقر إلى الغذاء الكافي، وتقترب من الجوع، وفقا لتقارير صحفية وتقارير لمنظمات صحية دولية.
المقارنة بين دولة صناعية وغنية مثل إسرائيل، ودولة مثل سوريا أفقرتها الطبقة السياسية والاقتصادية المفترسة التي تحكمها منذ عقود، وأدخلتها أتون الحرب الأهلية وعرّضتها للاجتياحات والاحتلالات الخارجية، قد لا تكون منصفة كليا، ولكنها تعطينا الفرصة للتمعن واستيعاب معنى الكارثة التاريخية التي حّلت بسوريا منذ سيطرة زبانية وأوباش حزب البعث عليها في ستينات القرن الماضي، وتحديدا بعد وقوعها في مخالب عائلة الأسد لأكثر من نصف قرن.
ولكن للصفقة الثلاثية أبعاد سياسية وأخلاقية أخرى سافرة تعكس طبيعة قادة الدول الثلاثة، وغرابة العلاقات بينهم. طبعا الأبواق الإعلامية للنظام السوري نفت ما اسماه الإعلام الإسرائيلي “البند السري” في الصفقة المتعلق بلقاح Sputnik V الذي اشترته إسرائيل من روسيا لحساب النظام السوري، وادعت أن الاتفاق تمحور حول تسليم المرأة الإسرائيلية عبر الوسيط الروسي، وتسليم إسرائيل راعيين لسوريا عبروا حدودها. النظام السوري الذي يدعي أنه في حالة حرب مع إسرائيل، التي تحتل هضبة الجولان منذ حرب 1967، ويسيطر طيرانها الحربي على الأجواء السورية، ويقصف أراضيها دوريا، لا يتردد في استجداء أو ابتزاز إسرائيل للحصول على كميات محدودة من اللقاحات الروسية، ليس لتلقيح الشعب السوري، الذي يواصل النظام وحلفائه الروس والإيرانيون قتله وترويعه، بل لتلقيح أركان النظام.
وهذه حقائق تعرفها روسيا، التي لا يمانع رئيسها فلاديمير بوتين في بيع لقاحاتها والظهور بمظهر الطرف الخارجي القوي والقادر على التوسط بين بشار الأسد وبنيامين نتانياهو اللذين لجأ إليه لعقد الصفقة . كما يعرفها نتنياهو الذي يريد أن يقول للإسرائيليين وللعالم إن حكومته تعلق أهمية أخلاقية وسياسية كبيرة على إنقاذ رعاياها من الأسر أو الأذى، وأنها مستعدة لدفع الغالي والرخيص لتحقيق ذلك. رئيس وزراء إسرائيل يرحب بوساطة دولة كبيرة مثل روسيا لاستعادة حرية مواطنة إسرائيلية من قبضة النظام السوري، الذي ارتكب المجازر ضد شعبه ولم يتردد في استخدام أي منظومة عسكرية في ترسانته بما في ذلك الأسلحة الكيماوية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي قال إنه لم يعط النظام السوري أي لقاحات من إسرائيل، وهو كلام صحيح تقنيا، لأنه اشترى اللقاحات مباشرة من روسيا ولم يفّرط بمخزون إسرائيل من اللقاحات. الصفقة الغريبة عرّضت نتانياهو لانتقادات إسرائيلية شرعية من المواطنين اليهود والعرب، لأنه دفع فدية بشكل كمية من اللقاحات للنظام السوري، بينما يتجاهل توفير اللقاحات للفلسطينيين الخاضعين للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. وبصفتها دولة محتلة، وفقا لمؤتمر جنيف الرابع، يجب على إسرائيل أن توفر مقومات الصحة العامة للسكان الخاضعين لاحتلالها. ويتذرع نتانياهو بأن اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين يعفيه من الواجبات الواردة في مؤتمر جنيف الرابع.
الصفقة الثلاثية أبرزت بشكل سافر، وللمرة المليون نذالة نظام بشار الأسد الذي سيتبجح لزبانيته بأنه ابتز إسرائيل وحصل على اللقاح اللازم لتحصين مناعتهم ليواصلوا حربهم ضد الشعب السوري.
قناة الحرة
—————————
الراعي الكذاب/ عبير نصر
على الرغم من اضطهاد العلويين تاريخياً، فإنّهم، وعندما سنحتِ الفرصةُ لذلك، لم يقاتلوا (كما يجب) من أجل الانصهار في المجتمع السوري الحديث، كشركاء في الوطن والقضية، وبعد عام 1963 أوصى زعماءُ العلويين الدينيين أتباعهم بالاندماج في الدولة الجديدة، التي تقطنها أغلبيةٌ ساحقة من (السنّة)، وعلى مدى العقود التالية، انتقل العلويون مبتعدين عن الجبال من أجل البحث عن فرصِ التعليم والعمل في المدن، أملاً في حياةٍ جديدة، آمنة ومستقرّة، يبدو أنّها لن تتحقّق على الإطلاق، الراعي الكذاب
بعد انقلاب حزب البعث، زُجّ العلويون في معارك وجودية مع المناوئين للنظام الحاكم، بداية بأحداثِ الثمانينات، ومروراً بتظاهراتِ الأكراد المضطهدين، وليس نهاية بانتفاضةِ 2011، حيث تمثّلت (رؤيته) بتوريط العلويين من خلالِ اغتصابِ معظم المناصب في الدولة، والاستحواذ على الحصة الأكبر من المكاسب، بشكل واضح وفجّ، وذلك لإثارة النقمة بين باقي مكونات الشعب عليهم، لتجعلَ هذه الرؤية الشيطانية مصيرَ الطائفة معلّقاً، وبشكلٍ كامل، بشخص الرئيس. وفي العام 2000، عند وفاة (حافظ الأسد)، عاد الكثيرُ من العلويين إلى قراهم بانتظارِ حصيلةِ عملية الخلافة، ولم تعد هذه العائلات إلاّ بعد أن تمَّ تثبيت (الابن) كرئيسٍ جديد.
وطبعاً تركيبةُ الحكم في سوريا ليست بهذه البساطة، وهي القائمة على مبدأ (الكنتونات الإقطاعية)، حيث يتمُّ إطلاقُ يدَ (المُوالي المُطيع) في حصته من (المزرعة)، لجني المنافع وتقاسمها مع النظام (صاحب الملك)، بشرط الولاء المطلق غير المشروط، وشمسُ سوريا الاقتصادية كانت عائلة (مخلوف)، فيما قبضتْ عائلةُ (الأسد) على كلّ مفاصل القوى العسكرية والأمنية والسلطات الرئيسة الثلاث، ولم تفعل هذا حبّاً بالطائفة، بالتأكيد، ومن الخطأ الفادح أن نجزم بأنّ كلَّ علوي استفاد من هذه الامتيازات، فقد بقي أكثرُ العلويين يعيشون في حالةٍ من الفقر والعوز، وصاحبُ الحظّ منهم يحصل على مكاسب بسيطة تتمثل في وظيفة، لا تكاد تسدُّ رمقه، لكنّ رأسَ الهرم، المتمثل في شراكة (السلطة والمال – الأمن والعسكر)، كلها كانت، وعلى مدى خمسين عاماً، ضمن نفوذ أشخاص (معدودين) ينتمون للطائفة العلوية، أما الضباط ومُحدثو النعمة فكان ولاؤهم لا يتزعزع، وحين اندلعت الانتفاضة السورية، دفعتِ العديدَ من أولئك المتنفّذين، عسكرياً واقتصادياً، إلى اعتبار الحراك تهديداً شخصياً لأصولهم المادية، ونمط حياتهم، ما جعل سلوكهم متماسكاً إلى حدٍّ بعيد، بغرض حمايةِ نظام النفعيات، لا الالتزام بولاءٍ أيديولوجي صارم.
ورغم هذا التعصّب الأعمى للنظام، فإن ثمّة دلائل، مؤخراً، تشير إلى أنّ كثيراً من العلويين يشرعون في الابتعاد عن النظام، وصمتهم (دون شكّ) نتيجة خوفهم من احتمال أن يسعى المجتمعُ (السنّي) إلى الانتقام لفظائع الأسد في الماضي والحاضر، ليس ضدّه فقط، وإنما ضد كافة العلويين كمجموعةٍ طائفية ينتمي إليها، ويتجذّر هذا الخوفُ في الإحساس بالضعفِ والهشاشة في تاريخ الطائفة نفسه، التي تحوّلت إلى قطيعٍ مُطيعٍ لا يفكّر لأبعد من مرعاه، فضّلتِ اللحاقَ بالراعي بدلاً من الذوبان في المجتمع السوري، وفي الحقيقة ما عزّز ولاء العلويين للنظام، أنّه وفي نهاية سبعينيات القرن الماضي، أطلقتْ جماعةُ الإخوان المسلمين انتفاضتها ضد ما وصفته بأنّه نظامٌ علوي (زنديق)، وحينها، قام العلويون، الذين تحتفظ ذاكرتهم بحكاياتٍ كثيرة، ومخيفةٍ من رفضِ واضطهادِ الطائفة (السنيّة)، بالالتفافِ حول النظام، وقد أعدّ كلّ من الطرفين نفسه للمعركة، وعلى مدى سنوات الصراع، اعتمد (الأسدُ) على طائفته في صد تمرّد الجماعة المعارضة، بينما اتهم العلويون الأخيرةَ بالمسؤولية الكاملة عن المجازر المروّعة، مقتنعين (مسبقاً) بأنّ الآخرَ سيرفضُ دائماً ما يبذلونه من جهودٍ للاندماج في المجتمع السوري المدنيّ، والمتنوّع.
ومن المؤكد أنّ سياسات النظام الطائفية طالتِ الجميع، خاصة العلويين، الذين رسموا خيالاتٍ لوضعهم الآمن في ظلّ حُكمه، وعزّز هذا الشعور الآلةُ الإعلامية التي ربطت بين بقائهم على قيد الحياة، وبين بقاء حكم الأسد في السلطة، ونتيجة الانخراط في الحرب السورية، لجأ النظامُ إلى تجنيدِ آلاف العلويين ممن ينتمون للطبقات الفقيرة، ليكونوا كبشَ المحرقةِ المجانيّ، وعلى الرّغم من احتماء الطائفة العلوية داخل المناطق التي تتمركز فيها، وبقائهم دوماً تحت الحمايةِ العسكرية للنظام، وضمن أسوارِ العزلة التي شيّدها عبر سياساته القمعية مع بقية الطوائف، إلا أنّ آثارَ الحرب طالتهم في أكثر الجوانب حساسية، في لقمة العيش المرّة، وفي تهميشِ تضحياتهم الغالية، ما أجبرهم على توجيهِ الانتقادات، والهمس واللغز في جلساتهم الخاصة، والخروجِ عن الخطّ العام للولاء المطلق، وذلك على خلافِ التسليم الكامل قبل 2011.
لذا ليس مستغرباً أن يعلو الصوتُ العلوي، لاحقاً، كي يميّزَ بين الطائفة والسلطة، وهذا ما ظهر جلياً على مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل نشطاء علويين يريدون العيشَ بسلامٍ مع بقية السوريين، كمحاولةٍ لردم الهوّة مع الآخر، وألا يكونوا عرضةً للانتقام على خلفيةِ أفعال النظام الدمويّ، ومنذ سنوات عرضتْ تنسيقيّةُ (صرخة)، عشرات الصور لمنشوراتٍ ورقيةٍ، تمَّ توزيعها في شوارع مدينة طرطوس، ذات الغالبية العلوية، وحملت تلك المنشورات -التي رفع بعضَها أشخاصٌ لم يُظهروا وجوههم في الصور المعروضة- عبارات مثل (الكرسي لك والتوابيت لأولادنا!)، (حتّى البحر تعب وبدّو يعيش بسلام)… إلخ، كما أصدر ثلاثةٌ من أبرز شيوخ العلويين: (مهيب نيصافي، وياسين حسين، ومنصور موسى)، بياناً مشتركاً أعلنوا فيه (البراءة من هذه الأعمال الوحشية التي يرتكبها بشار الأسد ومساعدوه الذين ينتمون إلى كافة الطوائف الدينية)، وفي واقع الأمر، يعرض سقوطُ الأسد عدّة سيناريوهات محتملة للعلويين، إذ يمكن أن يطلقَ سقوطُه عمليةَ مصالحةٍ شاملة، وهذا احتمال بعيد نسبياً، ما لم تضمنه أطرافٌ دولية فاعلة، أو أنّه قد يؤدي إلى فتحِ صراعٍ مع (السنّة)، وهنا فإنّ العلويين سيواجهون معضلةً حقيقية، وسيترتّب عليهم درء الانتقادات التي لا ترحم، والتي ستُوجه إليهم بسبب دعمهم لهذا النظام طويلاً.
وبانتظار الاستحقاقِ الانتخابي الرئاسي القادم، ونسبةِ التصويت التي ستكشف مدى رغبة الطائفة العلوية في تثبيت الأسد على عرشِ الحكم، بعد صحوةِ الفقر التي جعلت الكثيرين منهم ينفضّون عنه، في وقتٍ ما تزال فيه حظوظه هي الأقوى، على الإطلاق، وسط الخيارات المتاحة، وفي مواجهةِ بعض الأصوات التي بدأتْ تتعالى بعد عام 2011، كحركة (الشغل المدني) التي تضمُّ عدداً من العلويين، والتي أبدتْ موقفها المعارض لترشّح (بشار الأسد) للانتخابات الرئاسية، المزمع إقامتها في شهر نيسان القادم، واصفةً إياه بــ(مجرم حرب)، مبديةً دعمها لمرجعيّةِ جنيف، وتشكيلِ هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحية، وفي ذات السياق انتقدتْ صفحة (مواطنون مع وقف التنفيذ) فسادَ النظام، وعلى إثرها اعتقل مديرُ الصفحة (العلويّ)، في حين وجهتْ حركةُ (الأحرار العلويون) رسالةً إلى الشعب السوري جاء فيها (ندعوكم ألا توقفوا الدفاع عن حقكم، بعد كلّ الثّمن الذي دفعتموه، هذه العائلات تلفظ أنفاسها الأخيرة، وليس لها إلا أمل وحيد هو الحماية الروسية التي تتذمر الآن من استمرار دعمها لهذا الشخص) في إشارةٍ صريحةٍ إلى الرئيس، وفي زمنٍ مضى كان كثيرٌ من العلويين يعمدون إلى تمزيقِ صور المرشحين المنافسين للأسد، بسبب عدم تحمّلهم فكرةَ أنْ ينافسَ أحدٌ رئيسهم المفدّى، الذي سحقَ -وبفضل حاضنته القوية- كلَّ بدائل المعارضة البائسة. الراعي الكذاب
ليفانت
—————————
هذا ما يجب أن يتضمنه “قيصر2”!/ عدنان علي
تشير مصادر عدة في العاصمة الأميركية واشنطن الى أن “فريق عمل قيصر” يعمل على إعداد نسخة جديدة من قانون قيصر الذي بدأ العمل به في يونيو حزيران الماضي. وسيكون القانون الجديد باسم (قيصر2) حيث من المنتظر تقديمه إلى الكونغرس قريباً.
وحسب المصادر، فإن النسخة الجديدة التي تعكف لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري في الكونغرس على إعدادها، تتضمن مجموعة إجراءات لسد الثغرات في القانون السابق، مع الإشارة إلى وجود توافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن ضرورة تشديد العقوبات على النظام السوري وحلفائه سواء كانوا أفراداً أو كيانات.
وبالتزامن مع هذه التحضيرات، سوف يتم تنظيم لقاءين في مارس آذار المقبل، الأول على شكل طاولة مستديرة لمناقشة السياسة الأميركية العامة في سوريا، يشارك فيها مسؤولون ودبلوماسيون من بينهم فريد هوف، المبعوث الخاص إلى سوريا في عهد الرئيس باراك أوباما، ومديرة متحف المحرقة في واشنطن، إضافة إلى شخصيات من المعارضة السورية، على أن يرفع المشاركون توصيات بشأن سوريا الى الإدارة الأميركية والكونغرس. واللقاء الثاني سيُشارك فيه مسؤولون من الإدارة الأميركية، بينهم مستشار الأمن القومي جيك ساليفان، وسيركز على عمل فريق “قيصر”.
وكان ساليفان ووزير الخارجية أنطوني بلينكن، أكدا أن سياسة واشنطن تجاه سوريا ستكون مختلفة عن سياسة إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، والتي ساهمت بشكل كبير في مفاقمة الأوضاع في سوريا.
والواقع أن هذا الشعور السائد في واشنطن، وفي غيرها، بأن العقوبات السابقة التي تتراكم ضد النظام منذ عام 2012 سواء من جانب الولايات المتحدة أم الاتحاد الأوروبي، لم تؤت أُكُلها حتى الآن، هو ما يدفع إلى التفكير باتخاذ إجراءات أشد على أمل أن يؤدي ذلك إلى خنق النظام اقتصاديا، ومحاصرته سياسيا، ودفعه تاليا إلى الانهيار أو تقديم تنازلات سياسية، تسهم في الحل النهائي.
غير أن المتتبع لأثر هذه العقوبات على نظام الأسد، ولما شابهها من عقوبات على أنظمة أخرى مثل العراق في عهد صدام وعلى إيران وكوبا وكوريا الشمالية، لا بد أن يدرك أن العقوبات مهما اشتدت وتنوعت، غير كافية وحدها لإسقاط نظام ديكتاتوري، أو حتى دفعه إلى تغيير سلوكه بشكل جدي، خاصة حين يكون هذا النظام مدعوما من قوتين كبيرتين: دولية (روسيا) وإقليمية (إيران)، فضلا عن حماية نفسه بشبكة مافيوية أمنية طائفية واسعة داخليا وإقليميا، متشاركة معه في القمع والفساد.
وتطول العقوبات المفروضة حاليا على النظام السوري أكثر من نحو 300 مسؤول وأكثر من 70 كياناً تابعين للنظام، بمن فيهم رأس النظام وأفراد عائلته، ووزير خارجيته، لكن أثرها الملموس لم يظهر سوى على الشعب السوري في الداخل، بينما يزداد أمراء وأثرياء الحرب الممسكون بقوت الناس ثراءً، كما تواصل الآلة العسكرية والأمنية للنظام حروبها وقمعها على كل الجبهات.
ومن نافل القول إن النظام لا يعبأ بمعاناة شعبه مهما اشتدت، ويمكنه أن يقتطع دون أن يرف له جفن، اللقمة من فم الناس، لتأمين احتياجات آلته العسكرية، بل ومراكمة ثروات أتباعه داخل البلاد وخارجها، ثم الصراخ بأن العقوبات الدولية هي السبب في جوع الناس وحرمانهم من احتياجاتهم الأساسية.
يجب أن يشعر كل مسؤول فاعل في النظام بالخطر الشخصي عليه، لكي يفكر بالقفز من مركبة النظام
لا شك أن المطلوب هو التفكير بطريقة مختلفة لإيذاء النظام بشكل موجع، واستهداف رموزه بشكل مباشر، ليس اقتصاديا وسياسيا وحسب، بل جسديا أيضا، لأنهم ببساطة يستطيعون التملص من تبعات العقوبات أينما تكن، ولا يكترثون بمعاناة شعبهم. يجب أن يشعر كل مسؤول فاعل في النظام بالخطر الشخصي عليه، لكي يفكر بالقفز من مركبة النظام، بما في ذلك دراسة إمكانية استهداف بعض مسؤولي النظام من المتورطين بارتكاب جرائم حرب بشكل شخصي، على غرار استهداف قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وبعض قادة تنظيم “داعش” أو التنظيمات المتطرفة الأخرى في سوريا من جانب طائرات التحالف الدولي. وينبغي على الناشطين في الجالية السورية بالولايات المتحدة الدفع بهذا الاتجاه، ومحاولة تضمينه بالنسخة الجديدة من قانون “قيصر”. وبخلاف ذلك فان أية عقوبات جديدة مهما كانت قاسية، لن تسهم في ضعضعة النظام أو تغيير سلوكه، بل قد تسهم فقط في زيادة معاناة المواطنين السوريين.
والنقطة التي يجب أن تطرح هنا، لماذا يكون لمسؤولي النظام، خاصة المتورطين بجرائم حرب مثبتة، حصانة من الملاحقة والاستهداف؟ ما هي الحماية القانونية لهم، بينما هناك شبه إجماع دولي على تجريمهم بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية؟.
تلفزيون سوريا
—————————-
واشنطن تهاجم الأسد: استخدم السلاح الكيماوي ولا يمكنه الإفلات من العقاب
أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه بدعم من روسيا، معتبرًا أن “الإفلات من العقاب غير ممكن”.
وقال بلينكن، في كلمة ألقاها خلال مشاركته بمؤتمر “نزع السلاح”، الاثنين 22 من شباط، “لقد استخدمت سوريا مرارًا وتكرارًا الأسلحة الكيماوية ضد شعبها”.
وأضاف أن روسيا قدمت “مساعدات دبلوماسية وعسكرية لسوريا لمواصلة هذا السلوك المدمر”، كما استخدمته لقتل المواطنين الروس.
وبحسب الوزير الأمريكي، فقد فشل النظام السوري بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية للكشف الكامل عن برنامج أسلحته الكيماوية وتدميرها بشكل يمكن التحقق منه.
وأدان بلينكن “مثل هذه الإجراءات”، ودعا روسيا والنظام السوري إلى الامتثال لالتزاماتهما بموجب اتفاقية الأسلحة الكيماوية.
وأكد أنه “لا يمكن أن يكون هناك إفلات من العقاب”، مشددًا على أهمية “الحفاظ على القانون الدولي ضد استخدام الأسلحة الكيماوية، وإلا فإننا نجازف بتطبيع استخدامها”.
ثاني موقف أمريكي
ويعد هذا ثاني موقف واضح لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من سوريا، بعد بيان للخارجية الأمريكية، في 11 من شباط الحالي، جاء فيه أن وزير الخارجية ناقش هاتفيًا الأوضاع في سوريا ضمن أول مكالمة مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.
وأكد الجانبان التزامهما بالعملية السياسية في سوريا بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254”.
يتألف القرار “2254” من 16 مادة، وتنص الفقرة الرابعة على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد.
ويؤكد القرار دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة.
دعوات للاعتراف باستخدام الكيماوي
في 5 من كانون الثاني الماضي، دعت الولايات المتحدة الأمريكية روسيا وغيرها من “المدافعين عن نظام الأسد” في اجتماع لمجلس الأمن إلى حث النظام السوري على الاعتراف باستخدام الأسلحة الكيماوية، بعد إدانته، في كانون الأول 2020، بتقديم بيانات متناقضة.
وحمّل نائب المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، مجلس الأمن المسؤولية عن ضمان فرض العقوبات الوخيمة على الذين يستخدمون الأسلحة الكيماوية.
ودعا ميلز روسيا والدول الأخرى المدافعة عن نظام الأسد إلى تشجيع سوريا على قول الحقيقة بشأن استخدامها للأسلحة الكيماوية، ومخزونها الحالي من هذه الأسلحة.
بينما اعتبر النائب الأول لممثل الاتحاد الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، أن الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية تظهر “ازدواجية في المعايير” فيما يتعلق بسوريا.
ودعا بوليانسكي إلى ضرورة “معالجة” منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي تعاني من “مرض التسييس المستشري فيها”.
اتهامات للنظام السوري بهجمات كيماوية
في نيسان 2020، حمّل تحقيق أجرته منظمة حظر الأسلحة الكيماوية سلاح الجو التابع للنظام المسؤولية عن سلسلة من الهجمات الكيماوية باستخدام غاز السارين والكلور، في أواخر آذار 2017، على بلدة اللطامنة بريف حماة.
وجاء في التحقيق أن طائرة عسكرية من طراز SU-22″” تابعة لـ”اللواء 50” من الفرقة الجوية “22” في قوات النظام، أقلعت الساعة السادسة من صباح 24 من آذار 2017، من قاعدة “الشعيرات” الجوية جنوبي حمص.
وأوضحت المنظمة أن الطائرة قصفت جنوبي اللطامنة بقنبلة “M-4000” تحتوي على غاز السارين، ما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 16 شخصًا.
أما الهجوم الثاني فكان بعد يوم واحد فقط، إذ غادرت طائرة مروحية قاعدة “حماة” الجوية في الساعة الثالثة ظهرًا، وقصفت مستشفى “اللطامنة” بأسطوانة تحوي الكلور، ما أدى إلى إصابة 30 شخصًا على الأقل.
وفي تشرين الأول 2020، قال مدير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، إن النظام السوري فشل في الوفاء بمهلة 90 يومًا المحددة في تموز 2020 للإعلان عن الأسلحة المستخدمة في الهجمات على اللطامنة والكشف عن مخزون الكيماوي.
—————————-
التغيير عبر الدستور/ د. سميرة مبيض
تسعى التيارات السياسية لتشكيل المجتمعات وفق منظورها الأيديولوجي وإعطاء الأولوية لما يراه الفكر السياسي السائد أفضلية أو طريقة نموذجية لبناء المجتمع، وبناء على هذا المنظور يضع النظام السياسي الذي يستلم دفة الحكم في أي دولة القانون المؤسس للدولة أي الدستور ليكون قاعدة رئيسية في بناء مؤسساتها وفي هيكلة النظم الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والعسكرية والقضائية ضمنها وفي كيفية تقاسم السلطة وفي تسيير حياة المواطن وشؤونه العامة والخاصة فهو باختصار يحدد كيفية تشكيل المجتمع وإدارته وفق هذا المنظور.
بناء على هذه الخطوط العريضة يمكننا التمييز بين أنماط الحكم السائد في أي دولة في العالم وبناء على هذا المنظور يظهر جلياً ان أي تغيير في المجتمع، تقوده التيارات المهيمنة على الحكم فهو يرتبط بتثبيت وتطبيق رؤية المتنفذين ضمنها والتي يترجمها العقد الاجتماعي المُبرم بين السلطة والشعب وبين أفراد المجتمع فيما بينهم وبالتالي فان أي تغيير مأمول من شعوب تعاني من نظم شمولية قومية أو عسكرية أو دينية أو أيديولوجية سياسية بأي من مسمياتها سيمر حتماً عبر تغيير المنظور المؤسس لحالة القمع والمؤدي لانعدام العدل والأمان والاستقرار الازدهار نحو بناء دستور مؤسس ومنتج لحالة نقيضة وذلك ما هو عليه حال سوريا اليوم.
فالانتقال من حكم شمولي سخّر أدوات قمعية على كافة المحاور الممكنة، غير ممكن دون إعادة بناء القانون المؤسس للدولة أي دون إعادة بناء الدستور السوري وفق ما ينهي المنظومة المدمرة للمجتمع بأكملها ويؤسس لحالة نقيضة، من هذا المنظور تبدو الإجابة على الجملة المُكررة من قبل جهات سورية عديدة (هل نهض السوريون بثورة من أجل تغيير الدستور؟) إجابة بديهية، نعم من أهم أهداف الثورة السورية تغيير الدستور الشمولي وذلك لعدة أسباب أبسطها الثلاث نُقاط التالية:
– أن نظام الحكم الحالي شكل نفسه وقونن أدواته القمعية في السلطة عبر الدستور
– أن دستور سوريا في ظل نظم أيديولوجية وُضع لخدمة الأيديولوجيات القائمة وليس لخدمة أمن واستقرار الانسان السوري
– أن دستور سوريا لم يستطع حماية السوريات والسوريين من أي نوع من أنواع القمع المُمارس ضمن المجتمع
إذا فالحديث عن دستور سوري جديد في خضام الثورة السورية ليس رفاهية سياسية او فكرية بل هو في صلب مسار تحرر الشعب السوري أو بالأحرى في صلب استعادة الشعب السوري لحق تقرير المصير ولبناء دولة تنطلق من مصالح أبنائها ومن تحقيق استقرارهم المستدام وليس من منطلقات أخرى أدت للحالة الكارثية التي بها سوريا اليوم.
لا بد أن يكون لهذا الدستور صفة أساسية هو قدرته على تحقيق العدل والأمن للسوريين جميعهم، هذه الصفة الذي أثبت العقد المنصرم أن السوريين عاجزين عن تقديمها لبعضهم البعض، في ظل ارث قمعي سمته الصراعات البينية على كافة المحاور لا بد اذاً من قانون يعيد ضبط المجتمع على البناء وليس على الهدم، على العمل التشاركي وليس على السلطوية، على التقاسم وليس على الاحتكار، على الاحترام وليس على الكراهية، على الاحتواء وليس على النبذ، الدستور المُنقذ لشعب من الاندثار ولهوية من الزوال بالانتقال من الشمولية نحو التعددية.
لتحقيق مثل هذه المعايير يفترض وبوضوح تجنب الوقوع فيما أسست له الدساتير السابقة، على الأخص النقاط العلّام الموّلدة للحالة الشمولية والسلطوية ومنها نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
– انهاء حالة فرض هوية شمولية وإعادة تعريف مفهوم الهوية السورية التعددية وحمايته عبر الدستور بكونه قائم على مجموع الهويات الفرعية المتعددة أهمها الثقافات القومية، العربية، الكردية والسريانية والتركمانية والشركسية والارمنية وغيرها والثقافات الدينية، الإسلامية، المسيحية، اليهودية، اليزيدية إضافة الى بقية الشرائع والمناهج القيمية اللادينية وفق ما حمله تاريخ المنطقة من تتالي حضارات وثقافات انسانية حاضرة في سوريا لغاية اليوم وبما يحدده العامل المكاني من إطار وجود مشترك للسوريين وحماية التنوع اللغوي الناجم عنها وضمان حيادية الدولة تجاه كافة الأديان والقوميات.
– الانتقال من الحالة الشديدة المركزية في سوريا الى اعتماد اللامركزية كأساس لدستور بناء الدولة السورية الحديثة وكأساس لتقاسم السلطة والموارد بما يحقق العدالة لجميع السوريين.
– تخفيض صلاحيات منصب الرئاسة بمقابل زيادة صلاحيات البرلمانات، والعمل على تأسيس مجلس نيابي بغرفتين.
– فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بما يحقق التدافع المطلوب فيما بينها لخلق التوازن الذي يضمن مصالح المواطن السوري.
– إعادة رسم خارطة العلاقات مع دول المنطقة والعالم على أساس أولوية مصالح الشعب السوري.
– ضمان الحريات والحقوق بكافة الصعد وحمايتها بشكل فعلي.
– ضمان حماية التنوع الجندري وحقوق الطفل والفئات التي تحتاج للرعاية.
– ضمان تحقيق الازدهار والتنمية، وضمان استدامة المحيط البيئي.
– إعطاء الأولوية للتقدم العلمي والصحي والصناعي والاقتصادي وإعادة دور المؤسسات العسكرية والأمنية الى موقعها المنحصر بحماية المواطنين تحت رقابة البرلمان والقانون والمحاسبة وكذلك إعادة دور المؤسسات الدينية الى موقعها الطبيعي ضمن أطر الحريات الشخصية للأفراد وليس بالحياة العامة.
يمكننا الاختصار إذا أن الانتقال من نظام شمولي الى نقيضه يمر عبر الانتقال من دستور شمولي نحو دستور تعددي، يؤسس لبناء دولة تعترف بحقوق جميع أبنائها وتحميها، دولة تقوّم مساراً طويلاً من استخدام فرضيات ورؤى بعيدة عن واقع المجتمع السوري فبذلك فقط نضع العجلة على طريق صاعد مسلحة بأدوات التقدم والاستدامة وتحمل مسؤولية الأجيال القادمة.
—————————
الانتخابات السورية.. 50 عاماً من التزوير/ عبدالعزيز مطر
إنّ ممارسة العملية الديمقراطية بمختلف أشكالها في الدول المبنية على أسس ونظم ديمقراطية، تعتبر واجباً وطنياً، بالإضافة هي حق لكل مواطن يملك الهوية الوطنية لهذه الدولة. وفي كل الأنظمة المتقدمة تتجلّى سلطة القانون والدستور في تنظيم ورعاية العملية الديمقراطية في تلك الدول، بحيث تكون مسألة تنظيم الانتخابات، بكافة أنواعها وأشكالها، هي من شأن السلطة القضائية التي تمثّل الدور الرقابي، ولها كلمة الفصل في نتائج العملية الديمقراطية، وتستمدّ السلطة القضائية قوتها من الدستور، الذي يشكل مجموعة القوانين الناظمة لحياة الفرد والمجتمع، والذي يحدّد واجبات وحقوق المواطن والدولة.
ويعدّ الحديث عن ممارسة الديمقراطية في الأنظمة الشمولية والانتخابات التي تنظّمها تلك الأنظمة، مجرد حديث عن عملية شكليّة لا روح فيها ولا هدف منها، سوى إبقاء تلك الأنظمة حتى لو تمتعت ظاهرياً باستقرار تلك الأنظمة والبلدان التي تحكمها.
وعند الحديث عن الوضع في سوريا والانتخابات التي تقوم سلطة الاستبداد وسلطة الأمر الواقع بتنظيمها، ومحاولة إضفاء الشرعيّة على هذه الانتخابات، فإنّنا لا ىنتحدّث عن عملية انتخابيّة، بقدر حديثنا عن مأساة شعب ووطن، تغيب فيه معظم أسباب الحياة لأي إنسان على وجه هذه الأرض.
فعندما يتحدّث النظام المافيوي وعصابته عن تنظيم انتخابات وشرعيتها، ويطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بها، بغياب كل الأطر التشريعية والشرعية لهذه الانتخابات، فنصف سكان سوريا هم نازحون في مخيمات الشتات، والآخرون هجرهم هذا النظام البائس في بقاع الأرض، فأي عملية سياسية أو ديمقراطية يغيب عنها الشعب لا قيمة لها. ويعلن الشعب السوري، مراراً وتكراراً، رفضه لهذه العملية المنبثقة والمنظمة من قبل السلطة الأمنية التي تحمي نظام الاستبداد بدلاً من أن تنظّمها السلطة القضائيّة.
كيف يتحدّث النظام البائس عن تنظيمه لانتخابات في ظلّ سيطرته المطلقة على السلطات الثلاث في سوريا، القضائية والتشريعية والتنفيذية؟ هذا بالتأكيد ينفي مبدأ العدالة والمنافسة الحقيقية بين المرشحين، إن وجدوا، فالعدالة في ممارسة الحق الانتخابي، والحق في الترشح، تتطلب سلطة تراقب نزاهة الانتخابات، وتتطلب معايير دولية تحكم على نزاهة وشرعية هذه العملية، ومع غياب أي معايبر حقيقية لمراقبة سير الانتخابات ونزاهتها تعتبر نتيجتها غير شرعية في عيون المواطن السوري، الذي تسببت له تلك السلطة، التي تنظم هذه المسرحية، بكل ما حلّ به من آلام ودمار.
كيف سيقوم المواطن بممارسة حقه الانتخابي؟ هل يستطيع القيام بهذا الدور والحق والواجب في ظلّ رقابة صارمة من الأجهزة الأمنية التي تديرها سلطة الأسد، وتجعل كل صوت لا يرغب بهذه السلطة هو عدو لها وعدو لوطن أصبح رهينة لهذه السلطة، وستجعل من المستحيل أن يكون هناك من يمارس حقّه الانتخابي بحرية ويستطيع أن يقول ما يريد ويعبّر عن رأيه بالتصويت، فأين شرعية هذه الانتخابات التي تسخر فيها كل أجهزة الدولة السورية ومؤسسات الحكومة السورية ووزاراتها وإعلامها الرسمي لخدمة ترشيح وإعادة تدوير هيمنة الأسد على السلطة من خلال عملية مزيفة؟ فمن المفترض أن تكون هذه المؤسسات وإعلامها الرسمي حيادية وتراقب سير العملية الانتخابية وتعمل على منع أي تجاوزات أو خروقات فيها.
وإذا تحدّثنا وناقشنا مسألة الرقابة على هذه المسرحية، المسماة بطلاناً وزوراً انتخابات ديمقراطية، من هي الجهات الدولية التي ستراقب وتشرف على هذه الانتخابات في ظلّ رفض المجتمع الدولي لها ورفض الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية لشرعيتها ونتائجها سلفاً؟
بالتأكيد سيلجأ الأسد لحليفيه، إما الاتحاد الروسي الذي لا يهتم بهذه العملية، ولا يهتم بهذا الشأن، إلا من بوابة مصالحه وما سيطر عليه، وكيف يستطيع الاحتفاظ به وهو غير معني بمنصب الرئاسة، إلا كونه ورقة سيفاوض من خلالها لاحقاً المجتمع الدولي والولايات المتحدة للحصول على مكاسب أخرى في مناطق أخرى بعيدة عن سوريا، أو سيطلب من أنظمة امتهنت القتل والتدمير في المنطقة إرسال مراقبين، كالنظام الإيراني البعيد كل البعد عن مفهوم الديمقراطية أو أحد ملحقات وأذرع الحليفين.
وبغض النظر عن نتائج هذه الانتخابات الصورية المحسومة سلفاً لصالح السلطة المستبدة، فما هو برنامج الأسد الانتخابي؟ وماذا يمكن أن يحقق للشعب السوري، وهو أحد المسببات الرئيسة لما حلّ بهذا الشعب من كوارث، على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي؟ فهل سيغير بقاؤه على رأس هذا النظام من واقع الحال في سوريا شيء؟
بالتأكيد ستزداد عزلة سوريا، وسيستمر التدهور الاقتصادي، وستتفاقم المشاكل الاقتصادية، من فقر وانعدام مقومات الحياة، وسينحسر الشعور الوطني لحساب الشعور الفئوي، وستزداد أمراض المجتمع استفحالاً، كالفقر والجريمة والتخلف والطائفية، بسبب تردّي الواقع الاقتصادي والأمني، وستزداد قبضة الميليشيات والعصابات -المختلفة التبعية- قوة في البلاد، واستشراساً على الشعب، وسيفكر من تبقى من هذا الشعب بمغادرة سوريا لأي مكان لا توجد به هذه العصابات وأذرعها، وستزيد مشغلات الأدوات في سوريا، من جشعها للنهب والسيطرة على ما تبقى من مؤسسات وثروات ومقدرات للدولة السورية.
هذا واقع الحال إذا بقي الأسد أو أعيد تدويره في مسرحية الانتخابات، وسيعاني من يقبعون حالياً تحت وطأة هذه السلطة أكثر مما عانوا ليصل الوضع لمرحلة أكثر قتامة مما عليه الآن، ولا سبيل للخروج من هذا الموقف إلا بسعي السوريين الجاد، ومن كل الأطراف والقوى والانتماءات، للدفع باتجاه توافق دولي بين القوى الفاعلة في الشأن السوري للوصول لحل ينهي هذه المأساة، عبر التطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخصوصاً القرار ٢٢٥٤، واتفاق السوريين على توحيد وتوجيه الخطاب السياسي والإعلامي في هذا الاتجاه، والعمل على صياغة مشروع وطني أو صيغة وطنية تجمع السوريين يمكن تقديمها لهذه القوى، ترضي جميع السوريين وتنهي هذه المأساة والكارثة التي تستنزف سوريا كوطن وشعب. الانتخابات السورية
ليفانت
————————
نظام الأسد وروسيا وإيران.. أدوارٌ متكاملة للالتفاف على 2254/ أسامة آغي
كشفت مفاوضات جنيف في كل حلقاتها السابقة واللاحقة، عن التفاف نظام الأسد وحلفه الروسي/الإيراني على جوهر القرار الدولي 2254، الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 18/12/2015.
هذا القرار وقّع عليه الروس بعد تدخلهم المباشر عسكرياً ضد الثورة السورية، وضد الشعب السوري، إذ كانت طائراتهم تقصف بوحشية مناطق حررتها قوى الثورة، وكان هناك أهدافٌ عديدة، تقف خلف هذا التدخل.
أول هذه الأهداف كانت وضع قدم روسية في مياه البحر الأبيض المتوسط، وثانيها كان منع سقوط الأسد، وهذا يعني منع امتداد شرارة الثورة السورية إلى أرجاء منطقة الشرق الأوسط، ثم إلى الدول الإسلامية، التي يعتبرها الروس جزءاً من الاتحاد الروسي، ومن المجال الحيوي لهم.
الروس أرادوا سوريا ورقة ضغط ضد الولايات المتحدة وحلفها الغربي، لاستخدامها في مسائل صراع في مناطق وقضايا خلافية، مثل قضية أوكرانيا، والوضع الليبي، ومسألة الدرع الصاروخية، وقضايا الطاقة.
الإيرانيون تدخلوا لنصرة النظام السوري، الذي يشنّ حرباً على شعبه، من أجل وضع سوريا ضمن حلقات الدول الدائرة في القطب الإيراني الصفوي، وحدث ذلك قبل التدخل الروسي بوقت طويل.
لهذا، حين وقع الروس على القرار 2254، كانوا مؤمنين بضرورة إفراغه من محتواه، ووضع طريق جديدة لحلٍ سياسي، يريدونه ملبياً لمصالحهم، التي ذكرنا جزءاً منها، ولكن كان ينقصهم الوقت اللازم لتنفيذ مآربهم، لأنهم لم يكونوا آنذاك في وضع يفرض شروطاً.
كانت عملية تخريب المفاوضات تجري على أكثر من مستوى، منها، محاولة زجّ قوى غير محسوبة على الثورة السورية، في بنية هيئة التفاوض، مثل منصة موسكو، التي كان رئيسها قدري جميل، يشغل منصب نائب رئيس وزراء ووزير للتجارة في حكومة النظام بعد مرور عامين على الثورة.
وبعد مرور خمس سنوات على تشكيل أول هيئة تفاوض، لا يزال الحل السياسي وفق القرار 2254 بعيد المنال، وهذا يعود إلى إصرار الروس على تحقيق أغلب مطامحهم، إضافة إلى محاولة إعادة انتاج النظام بصورة مقاربة لصورته الحالية.
الروس وبعد خمس سنوات من تدخلهم العسكري المباشر لصالح النظام، وجدوا أنفسهم أمام جدار مسدود، هذا الجدار يتمثّل بعدم قدرتهم، على فرض طريق حلٍ سياسي، وفق ما خططوا له، فمخططهم، اصطدم بالرفض الأمريكي والأوربي الغربي، لأي حلٍ سياسي خارج 2254، واصطدم بالوجود العسكري التركي في سوريا، الذي له حسابات، لا تتفق والرغبة الروسية، وقد حاولوا في بدايات عام 2020 تخليص منطقة خفض التصعيد الرابعة من القبضة التركية، لكنهم اكتشفوا أن تركيا ليست في وارد الانسحاب من إدلب أو باقي مناطق وجودها في سوريا.
لهذا، فإن المخطط الروسي بتجزئة القرار 2254 إلى سلال أربع، لم يقدهم إلى تحقيقه مآربهم، بتفريغ هذا القرار من محتواه، وفرض صيغتهم للحل السياسي بدلاً منه.
فاقتراحهم بتشكيل اللجنة الدستورية وعملها، قاد بعد أكثر من سنة إلى فشل واضح، هم من يقف خلفه، إضافة للنظام وحليفه الإيراني.
وقد كشفت التصريحات الروسية، وما تضمنه بيان سوتشي لجولة مفاوضات أستانا 15، أن الأمور في حالة انتظار، لتحديد اتجاهات الموقف الأمريكي الجديد في عهد بايدن من جهة، وكسب للوقت من جهة أخرى، من أجل زيادة تعقيد المشهد السوري عبر دفع النظام لإجراء انتخابات زائفة، رفضها المجتمع الدولي والسوريون.
الروس والإيرانيون والنظام يشغل كل طرف منهم مساحة لتخريب الحل السياسي الدولي، الروس لا يريدون تمرير عمل مثمر للجنة الدستورية، وهم يدعون أنهم لا يستطيعون الضغط على النظام السوري، بل دورهم يكمن في تقديم النصيحة، وهذه كذبة كبيرة وصريحة، فلولا الروس و”الفيتوات” التي استخدموها في مجلس الأمن وهي كثيرة جداً، لحماية النظام ومنع معاقبته دولياً لانتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان، وارتكابه جرائم حرب ومنها جرائمه الكيماوية، لما كان هذا النظام موجوداً اليوم في سدة الحكم بدمشق.
الإيرانيون يعلنون غير ما يبطنون، فهم يدعون أن النظام شرعي، وينسون أنه نظام استخدم القوة العسكرية بوحشية ضد المدنيين الآمنين، تحت حجة أنهم حاضنة للثورة. ليس ذلك فحسب، بل هم شاركوا في ذبح السوريين، وعملوا عبر “حرسهم الثوري”، وعبر أذرعهم الميليشياوية التي جندوها للدفاع عن نظام الأسد، وجلبوها من أفغانستان ولبنان والعراق وغيرها، على التغيير الديمغرافي وفرض دينهم الشيعي على شعب جوعوه ويساومونه على معتقداته مقابل إطعامه.
هذا الموقف الإيراني أخذ شكلاً إقليمياً لمساندة نظام الأسد، حيث حشد كل ما يستطيعه لتحويل الثورة السورية إلى صورة كاذبة تظهر بمظهر صراع طائفي كاذب سني/شيعي.
هذا الموقف الإيراني المعادي للسوريين، تقف خلفه أحلام ملالي طهران بقيام إمبراطورية فارسية تكون سوريا إحدى حلقاتها، وقد سمي هذا الحلم (الهلال الشيعي).
لهذا اشتراك إيران بمفاوضات أستانا، هو لزيادة دعم وجود نظام ضعيف في دمشق، يستطيع تلبية احتياجات إيران السياسية والاقتصادية بما يخدم مخططاتها، ولذلك هم خطرون إقليمياً، ويجب طردهم من منطقتنا العربية كلها، وتقويض حلمهم الفارسي.
أما النظام السوري، الذي انكشف بكل جلاء أمام حاضنته، التي صدّقت أنه يقودها نحو مصالحها بمواجهة باقي الشعب السوري، فقد وصل إلى طريق مسدودة، وهو موجود بحكم قوة وجود حلفائه، (الروس والإيرانيين، والميليشيات متعددة الجنسيات) وليس بقوته الذاتية، وتبينت صحة هذه الحالة، عندما كان بقوته واجتاحت قوى الثورة السورية كثيراً من جغرافية البلاد، وحررت 80% منها، ولم يستطع أن يصمد في وجهها.
النظام السوري دخل نفق نهايته منذ زمن بعيد، ولن يستطيع أن يفرض استبداده السابق على السوريين، وحاضنته بدأت حراكها المعادي له، ونهايته مرهونة بتفاهمات روسية – غربية لا أكثر، فمتى تم التوافق الروسي/الأمريكي/الغربي، سيسقط هذا النظام بسرعة البرق، ولهذا فانتخاباته، لن تزيده قوة، بل ستضعه في فوهة سقوطه، فهو عاجز عن تأمين الخبز والطاقة والخدمات وفرص العمل والأجور الطبيعية، والانفجار قريب، ولن يقدر حلفاؤه على نجدته، أو بثّ الحياة فيه.
الروس يغرقون في الوحل السوري يوماً وراء يوم، وفاتورة تدخلهم تزداد تكلفتها، وليس أمامهم غير الانصياع لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 بجوهره، وكلما مرّ زمن غرقوا أكثر فأكثر، وهذا ما يجب أن تعيه قوى الثورة والمعارضة وتزيد من أواره، بدل اليأس والإحباط الذي يتفشى في بعض مفاصلها حالياً.
السوريون يواجهون حلفاً للنظام تدعمه قوات احتلال روسية/إيرانية، فهل يفكرون جيداً كيف يطردون هذه الاحتلالات؟. سؤال بحاجة لإجابة صريحة.
————————
==================
تحديث 24 شباط 2021
———————–
نيويورك تايمز: في سوريا فقر ونساء يبعن شعورهن.. وحل الأسد للمشكلة إلغاء برامج الطبخ التلفزيونية/ إبراهيم درويش
بعد عقد من الحرب في سوريا يواجه رئيس النظام السوري بشار الأسد أزمة أكبر من التهديد بالإطاحة به، ولكن ليس لديه حل لها كما قال في لقاء خاص مع الصحافيين الموالين لنظامه عقد قبل فترة، ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصدر مطلع على ما جرى فيه قائلا إن رد الرئيس على زيادة الأسعار وتدهور الاقتصاد والنقص الحاد في الوقود والخبز، كان “أعرف” وكرر مرة ثانية “أعرف”.
ولم يقدم خطوات عملية وقوية لتخفيف الأزمة أكثر من هذه الفكرة: يجب على قنوات التلفزة إلغاء برامج الطبخ حتى لا تسخر من السوريين في وجبات طعام لا يستطيعون الحصول عليها.
وفي تقرير أعده بن هبارد وهويدا سعد جاء أنه مع اقتراب الذكرى العاشرة على انطلاقة الحرب الأهلية السورية فالتهديد الأكبر الذي يواجه الأسد لم يعد الجماعات المسلحة أو القوى الأجنبية التي لا تزال تسيطر على مساحات واسعة من البلاد بل الأزمة الاقتصادية التي عرقلت عمليات إعمار المدن وأفقرت السكان وتركت عددا كبيرا من السوريين يكافحون للحصول على ما يكفي من الطعام.
ويعطي اللقاء الخاص مع الصحافيين الذي عقد الشهر الماضي ولم يتم الكشف عنه من قبل رؤية نادرة وعارية عن رئيس يبدو معزولا عن الاهتمامات التي تقلق شعبه وعجز عن فعل شيء لمعالجتها.
وعلمت الصحيفة عما جرى في اللقاء الخاص من شخص تحدث مع الصحافيين الذين حضروا اللقاء وأكد كلامه أحد المشاركين فيه. وبدا الأسد في حديثه الخاص متمسكا بالتفاهات التي تميز خطاباته العامة.
حيث كان يرتدي بدلة سوداء وتحدث للصحافيين كشخص مهني عارف بالأمور وحمل مجموعة من القوى مسؤولية المشاكل التي تعاني منها سوريا: وحشية العالم الرأسمالي، غسل الأدمغة التي تقوم بها منصات التواصل الاجتماعي والليبرالية الجديدة التي تتسبب بتآكل قيم البلد.
وأكد الأسد للصحافيين أن نظامه لن يعقد مصالحة مع إسرائيل أو تشرع زواج المثليين، وهي موضوعات لا تهم السوريين الآن.
ويعيش الاقتصاد السوري أسوأ حالاته اليوم وأشد من عام 2011، فقد انهارت قيمة العملة السورية أمام الدولار لأدنى مستوياتها في السوق السوداء مما رفع أسعار الاستيراد وقلل من قيمة الرواتب. وتضاعفت أسعار الطعام الضعفين أو أكثر منذ العام الماضي. وحذر برنامج الغذاء العالمي هذا الشهر من أن 60% من سكان سوريا الـ 12.9 مليون نسمة يواجهون مخاطر الجوع، وهي أعلى نسبة تسجل في تاريخ البلد. ويقضي معظم السوريين وقتهم الآن في البحث عن الوقود من أجل الطبخ وتدفئة منازلهم والانتظار في طوابير الخبز المدعم. وأصبحت حالات انقطاع التيار الكهربائية دائمة، حيث لا تحصل بعض المناطق إلا على عدة ساعات ليست كافية لشحن هواتف السكان الجوالة.
وباعت النساء اليائسات شعورهن لتوفير الطعام لأطفالهن. وقالت امرأة تعيل ثلاثة أولاد في صالون تجميل في دمشق لم تذكر اسمها “عليّ بيع شعري أو جسدي”. ويعمل زوجها نجارا ويعاني من مرض ولا يعمل إلا في فترات متقطعة، وهي بحاجة للوقود من أجل تدفئة البيت ومعاطف شتوية للأطفال. واشترت مقابل بيع شعرها بـ 55 دولارا الذي يستخدم لصناعة الباروكات بترولا للتدفئة وملابس لأطفالها ودجاجا مشويا الذي ذاقته عائلتها لأول مرة منذ 3 أشهر. وبكت ليومين خجلا من نفسها بعد بيع شعرها. وأضافت الصحيفة أن انهيار العملة يعني حصول الأطباء على ما يساوي 50 دولارا في الشهر. وقال رئيس نقابة الأطباء السوريين إن الكثير من الأطباء رحلوا إلى الخارج وللعمل في الصومال والسودان من بين عدة دول تسمح للسوريين الدخول بدون مشاكل. ويحصل المهنيون في القطاعات الأخرى على رواتب أقل. وقال موسيقي في دمشق “ما يهم الناس أكثر من أي شيء آخر هو الطعام والوقود” و”كل شيء غال بطريقة غير طبيعية والناس تخشى من الحديث”.
وتشير الصحيفة إلى أسباب الأزمة التي تقول إنها متعددة ومتداخلة، منها الضرر الكبير والنزوح بسبب الحرب، العقوبات الغربية الواسعة التي فرضت على حكومة الأسد والمقربين منها وانهيار النظام المصرفي في لبنان والذي كان يعتمد أثرياء سوريا عليه وعمليات الإغلاق لمواجهة فيروس كورونا. وليس لدى الأسد خيار سهل، فمعظم آبار النفط والأرض الزراعية في شمال- شرق سوريا وبيد الأكراد الذين تحميهم الولايات المتحدة. واستثمرت إيران وروسيا للحفاظ على الأسد في الحكم لكنهما تعانيان من مشاكل اقتصادية ولا تستطيعان مساعدة اقتصاده. وتواصل روسيا تقديم دعم عسكري مهم للأسد وليس مساعدات إنسانية. وقال السفير الروسي في دمشق ألكسندر إيفيموف في تصريحات لوكالة أنباء “ريا” الروسية “يعتبر الوضع الاقتصادي- الاجتماعي في سوريا صعبا جدا اليوم” ولكن إرسال المساعدات “صعب جدا” لأن روسيا تعاني من وباء كورونا والعقوبات الغربية.
وفي الأسبوع الماضي استخدمت سوريا ورقة الإفراج عن إسرائيلية دخلت الأراضي السورية للإفراج عن راعيين سوريين والحصول على 600.000 لقاح ضد كورونا دفعت إسرائيل 1.2 مليون دولار لشرائها من روسيا. ورغم هذه المشاكل لا يزال الأسد مسيطرا على الحكم، فبعد عشرة أعوام من الحرب التي دخلت حالة من الجمود، يسيطر الأسد على ثلثي البلاد ومعظم سكانها يخضعون اسميا له. ويتطلع للإمام والفوز في انتخابات مرتبة في الربيع القادم ويقنع أعداء سوريا التخلي عن أحلامهم بتغيير النظام والقبول به كزعيم سوريا المستقبل. ولم يعلق مكتبه على أسئلة حول التقرير هذا أو لقائه مع الصحافيين.
ويحاول الأسد ممارسة الضغط على أي نوع من المعارضة له. ففي الشهر الماضي اعتقلت المذيعة هالة الجرف لأنها نشرت اقتباسا للمفكر الفرنسي جان جاك روسو على صفحتها في فيسبوك “ما هي الأمة؟” وكتبت “بالنسبة للغنى يجب ألا يصبح أي مواطن غنيا لشراء آخر ولا أن يكون فقيرا ليجبر على بيع نفسه”، ووجهت لها تهمة خرق قانون الجرائم الإلكترونية.
وتشير الصحيفة إلى أن لقاء الأسد مع الصحافيين اتسم بلحظات من التوتر عندما سأل صحافي الأسد عن الطريقة التي سيعالج فيها الغضب وسط أنصاره بسبب تدهور الاقتصاد. وتدخل مستشار للرئيس وحاول غاضبا مقاطعته، لكن الأسد سمح له بإكمال سؤاله وأجاب أنه يعرف بمعاناة الناس، ولم يقدم إلا تطمينات غامضة عن تحسن الوضع وبدون خطة واضحة.
وعادة ما تظهر زوجة الأسد التي تحافظ على أناقتها بالمناسبات العامة لإعطاء انطباع أن الحياة تبدو عادية في سوريا. وفي خطاب لها أمام منافسة وطنية للعلوم دعت إلى التعليم عبر الإنترنت والذي قالت إنه “يوفر الوقت والمال ويحقق العدالة” ويمكن أن “يوفر المعلومات للتلاميذ في كل المناطق”. ولكن المشكلة هي كيف سيواصل التلاميذ تعليمهم عبر الإنترنت وسط انقطاع التيار الكهربائي المستمر.
وليس بعيدا عن قصر الأسد أب لتسعة أولاد يحصل في اليوم على ما يساوي 9 دولارات من بيع الخضروات، وتعتمد عائلته على الخضروات من الباذنجان والبطاطا والتفاح في ظل الحرب. ولكنه قرر العام الماضي بعد زيادة أسعار الطعام تنويع مبيعاته وبدأ بصناعة دبس الرمان ومخللات الخضار وتوقف عندما لم يعد غاز الطبخ متوفرا. ولم يكن قادرا على توفير رسوم الدراسة لولدين من أولاده اللذين تركا المدرسة وهاجر آخر إلى ألمانيا حيث يرسل ما يكفي لدفع أجرة البيت وهناك ولد يقضي اليوم في الطابور للحصول على حصة من الخبز المدعم. وقال إنه اشترى دجاجة قبل عدة أسابيع وعملت منها زوجته ثلاث وجبات. وأصبح أبناء الطبقة المتوسطة فقراء.
وقال وسيم الذي يعمل في وزارة حكومية إن راتبه وزوجته كان يوفر للعائلة قبل عدة سنوات الخبز والبترول وغاز الطبخ والملابس، وحتى في وقت صعود تنظيم الدولة وسيطرته على مناطق واسعة من البلاد، إلا أن انهيار العملة الذي بدأ عام 2019، انخفض دخلهما مما أجبرهما على تناول الطعام البسيط وشراء الملابس المستعملة. وافتتح دكان عطور يعمل فيه بعد نهاية عمله بالوزارة للحصول على دخل إضافي، وبهذه الطريقة لا يجد وقتا للوقوف في طابور الخبز المدعم ويضطر لشراء الخبز غير المدعم وبسعر أعلى. ولم يعد له صبر على الشعارات الحكومية بشأن المقاومة والسيادة الوطنية و”لكن الحكومة أغلقت سمعها وبصرها ولا تظهر اهتماما بظروفنا المعيشية”.
القدس العربي
——————————-
التايمز: هل يقود انسحاب أمريكا من المنطقة إلى تحول بوتين لصانع سلام بين إسرائيل وسوريا؟/ إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “التايمز” مقالا لروجر بويز بعنوان “هل يمكن أن يكون بوتين صانع سلام في الشرق الأوسط؟”، قال فيه إن الكرملين يقيم علاقة منذ أكثر من نصف قرن مع عائلة الأسد التي تحكم سوريا، أولا مع الأب حافظ ثم ابنه بشار. وهي علاقة ممهورة بالدم، وفي هذه الحالة، لو أطيح ببشار غدا، فلن يتردد بوتين في أن يحيطه بالعناية. وربما منحه “داشا” أو منزلا ريفيا خارج موسكو وخصص له من يقومون بخدمته والتسوق له، وفريق حراسة مسلحا لكي يمنع المحكمة الجنائية الدولية وأعداء آخرين من الوصول إليه.
ومع ذلك، فالعلاقات بين بوتين والأسد، وكلاهما في السلطة منذ عام 2000، لا يمكنها وبالكامل تفسير الأحداث الغامضة الأخيرة. وأولها، التوسع بدرجات سريعة في القاعدة الجوية العسكرية الروسية في حميميم قرب اللاذقية، حيث خصص السوريون في العام الماضي قطعة أرض إضافية ليتم إنشاء مدرج جديد فيها. وتشير تقارير إلى أن المدرج الثاني من أجل تمكن القاذفات الإستراتيجية من استخدامه. وتضم قاعدة حميميم كذلك وحدة تجسس متطورة تابعة للاستخبارات الروسية وحظائر طائرات المحصنة لحماية عشرات الطائرات من هجمات الطائرات بدون طيار. وتعد القاعدة المركز العصبي للدفاع الجوي السوري. والسؤال الآن: “من يحتاج إلى مقاتلات استراتيجية في وقت تعيش فيه الحرب الأهلية في سوريا أهدأ أوقاتها منذ عقد؟”.
ويعتقد الكاتب أن هناك لغزا آخر غير توسيع القاعدة العسكرية باللاذقية، وهو وساطة بوتين في عملية تبادل للأسرى بين سوريا وإسرائيل. فقد تمت مبادلة راعيين سوريين بامرأة إسرائيلية حققت معها المخابرات السورية بعد أن دخلت إلى قرية درزية في الجولان في وقت سابق من هذا الشهر.
وجاءت وساطة بوتين مقابل هدية كريمة وافقت فيها إسرائيل على شراء كميات من لقاح سبوتنيك الروسي المضاد لكوفيد-19، بقيمة 1.2 مليون دولار لتوزيعه في سوريا.
ويعتقد بويز أن بوتين يحاول تأكيد دوره كلاعب قوي في الشرق الأوسط، مستفيدا من الفجوة التي خلفها تراجع الولايات المتحدة من المنطقة. ويرى الكاتب أن فك الولايات المتحدة علاقتها بالمنطقة والذي بدأ في عهد باراك أوباما وإهمالها للزعماء العرب وتركيزها على الصين، ترك فجوة.
وكان التدخل العسكري الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015 هو الذي أنقذ بشار الأسد، وهو ما خلّف انطباعا لدى الأنظمة العربية في كل مكان من أن روسيا على خلاف أمريكا، تسارع لنجدة حليفها. كما لعبت روسيا دورا في تخليص الأسد من ترسانته الكيماوية، وبهذه الطريقة فتح بوتين مخرجا يحفظ ماء وجه أوباما الذي وضع خطا أحمر تحت استخدام السلاح الكيماوي. وبنفس السياق أمّن بقاء وكيله بشار الأسد.
وبحسب مصدر في شرق أوروبا تحدث إليه بويز، قال إنه لا تمر لحظة تتعلق بأزمات الشرق الأوسط، إلا ويستيقظ فيها بوتين ويفكر: “كيف كان يفغيني ماكسيموفيتش سيتصرف في هذا الموقف؟”.
وكان المصدر يشير إلى يفغيني بريماكوف، المستعرب الروسي الثعلب الذي عمل في التسعينيات من القرن الماضي كرئيس للمخابرات الروسية ووزيرا للخارجية ورئيسا الوزراء. وبعد نهاية الحرب الباردة، أكد بريماكوف أن المشكلة ليست في تحول روسيا إلى جزء من أوروبا أم لا، بل كيف تتحايل على النفوذ الأمريكي وتواجهه.
وبالنسبة لبريماكوف، كان هذا يعني العمل على تشكيل تحالفات براغماتية ومنع أمريكا من التقدم داخل فلك التأثير الروسي أو الحديقة الخلفية لموسكو، وتحديد مكامن ضعف الولايات المتحدة.
وفي فترة بريماكوف، عززت روسيا موقعها كمصدر مهم للأسلحة، وركزت بشدة على البلدان التي انزعجت من الحضور الأمريكي العسكري الضخم في العراق.
ومرة أخرى، قرأ بوتين حكمة من كتاب أستاذه الراحل بريماكوف، وحوّل دعمه العسكري للأسد إلى وجود دائم في سوريا، ليس من خلال القاعدة الجوية والسيطرة على المجال الجوي، ولكن عبر قاعدة بحرية في المياه الدافئة بميناء طرطوس على البحر المتوسط.
وعندما يتحقق السلام في سوريا، ستحاول روسيا أن تلعب دورا أكبر في أزمات منطقة شرق البحر المتوسط المتعددة. وبهذا الشكل ستعمل روسيا على تحدي الطموحات التركية بأن تكون القوة المهيمنة في الشرق الأوسط.
ويعود الكاتب إلى عام 2007 الذي يرى أنه مرحلة بداية جهود بوتين لكي يكون له دور في المنطقة والظهور بمظهر صانع السلام. ففي تلك السنة أرسل بريماكوف إلى دمشق لاستكشاف إمكانيات تحقيق السلام في المنطقة بقيادة روسيا.
في تلك الفترة كان الأسد يجري محادثات حذرة مع إسرائيل حول مرتفعات الجولان بوساطة تركية. لم يحدث أي تقدم. وكان الجميع، بمن فيهم الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي، يتنافسون على سوريا، معتقدين أن الأسد يمكن أن يتحول إلى حليف للغرب وليس لروسيا. ولم يتحقق من هذه الجهود أي شيء، لكن بوتين لم ينس الفكرة. وكان تفكيره يدور حول هذا: ماذا لو أقنعت إيران بالخروج من سوريا مقابل تنازل إسرائيل عن مرتفعات الجولان؟
يعتقد بويز أنه لو ظل بريماكوف على قيد الحياة لعارض هذه الفكرة، وذكّر تلميذه بضرورة تناسيها. فلماذا تتنازل إيران عن موطئ قدم لها في سوريا؟ وحتى لو عاد الحرس الثوري إلى إيران، فماذا عن حزب الله ووكلاء إيران بالمنطقة؟ وهل سيستسلم الإيرانيون بالفعل كجزء من صفقة تشمل تخفيف العقوبات وإحياء الاتفاق النووي؟ لن يحدث هذا في عهد المرشد الحالي للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.
وربما زاد بريماكوف وقال لتلميذه: “فلاديمير، ألم تشاهد مسلسل وادي الدموع الإسرائيلي؟ كيف يمكن لإسرائيل أن تتخلى عن الجولان؟ أي رسالة ستكون هذه؟”، ذلك أن المسلسل التلفزيوني الإسرائيلي صور ببراعة حجم الدماء التي سفكت أثناء قتال السوريين في حرب عام 1973.
ومع ذلك، هناك شيء ما. ومن المحتمل أن ينجذب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سيواجه انتخابات أخرى الشهر المقبل لفكرة انضمام سوريا إلى قائمة الدول العربية الأخرى التي تسعى إلى توثيق العلاقات مع إسرائيل. ولو حدث ذلك، فستكون خسارة مدمرة للنظام الإيراني.
ويستطيع نتنياهو قراءة الحروف المبهمة، فالأسد منزعج من الخيلاء الإيراني ولم يعد بحاجة إليه. كما سمحت روسيا للطائرات الإسرائيلية بقصف وكلاء إيران في سوريا وهي إشارة إلى أن بوتين يؤيد الانسحاب الإيراني.
وفي النهاية يقول الكاتب إن بوتين يشتم رائحة فرصة في الطريق، وهو ما يتضح كثيرا من الاجتماعات المختلفة التي عقدها المسؤولون الروس في القاعدة الجوية بسوريا. وفي الوقت الذي حدد فيه الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن سياسته في الشرق الأوسط بالعودة إلى طاولة المفاوضات وإحياء الاتفاق النووي الذي وقعه سلفه باراك أوباما عام 2015 بشكل سيكون امتحانا لقدراته السياسية وكرجل دولة، إلا أن هذه المحاولات لا تكفي لنزع الفتيل من برميل البارود بالمنطقة، وهذه فرصة، حتى لو كانت غير محتملة لفلاديمير صانع السلام.
القدس العربي
————————–
==================
تحديث 25شباط 2021
—————————-
الأسد
لقاحات روسية لنظام الأسد بتمويل إسرائيلي/ بكر صدقي
يحار المرء من أين يمسك «بصفقة التبادل» الفضائحية التي أنجزها التاجر الروسي قبل أيام بين الصهيوني الأشد تطرفاً وفساداً نتنياهو والممانع الأكثر دموية بشار الأسد. هل من رفض السوريين دياب قهموز ونهال المقت العودة من «نعيم» السجن والاحتلال الإسرائيليين إلى جحيم «الوطن» الأسدي، أم من «البند السري» المتعلق بتمويل إسرائيل للقاحات روسية بلغت قيمتها أكثر من مليون دولار لإنقاذ الطغمة الأسدية من فيروس كورونا، أم من صمت أبواق الممانعة عن هذه الفضيحة المركبة، أم من الاحتلال الروسي لسوريا الذي بلغ هذا المبلغ من الخسة والوضاعة؟
كان رفض السوريين العودة إلى بلدهما، وتفضيلهما البقاء في السجن والإقامة الجبرية تحت الاحتلال الإسرائيلي مفاجأة طيبة، بقدر ما هي محزنة، كشفت عن مدى عقلانية رفض السوريين لحكم الطغمة الكيماوية حين أطلقوا ثورتهم قبل عشر سنوات، وحين هربوا بالملايين إلى بلدان اللجوء، ويرفضون العودة ما دام هذا النظام قائماً.
يصعب العثور على مثال تاريخي آخر رفض فيه أسرى في دولة أجنبية (بل معادية) العودة إلى بلدهم في عملية تبادل أسرى. أما أن يكون الشخص المعني سجيناً في سجن إسرائيلي محكوماً عليه بستة عشر عاماً، فهذا مما يزيد من المفارقة الكامنة في رفض العودة.
كذلك يوجه موقف السوريين المشار إليهما رسالة فصيحة إلى كل الدول الفاعلة بعبث محاولات حل المشكلة السورية مع بقاء النظام الكيماوي. فإذا كان السجين في سجون الاحتلال الإسرائيلي قد رفض العودة إلى «سوريا الأسد» فلا شيء يدعو لتوقع عودة ملايين الفارين خارج الحدود المقيمين بمنافيهم القريبة والبعيدة منذ سنوات طويلة، آخذاً بعين الاعتبار أن ما قد يهم الدول الأوروبية من المشكلة السورية لا يتعدى الاهتمام بالتخلص من اللاجئين السوريين لديها، ولا يعنيها في شيء مأساة السوريين في ظل نظام الأسد أو تطلعهم إلى التخلص منه.
لكن المفاجأة الأكبر هي البند السري في الصفقة الذي لم يحافظ على سريته طويلاً، واتضح أنه ينص على شراء إسرائيل لنحو ستين ألف لقاح بقيمة مليون ومئتي ألف دولار من روسيا ومنحها لنظام الأسد مقابل إعادة المرأة الإسرائيلية التي دخلت الأراضي السورية بالخطأ وتم احتجازها لدى النظام. وقد برر نتنياهو سرية هذا البند بأن البائع الروسي هو من طلب عدم الإعلان عنه. وهذا مفهوم بالنظر إلى وضاعة الموقف الروسي الذي بخل على تابعه الذليل في دمشق بهذه الكمية المحدودة من اللقاحات، فاضطر هذا إلى الاستعانة بالمال الإسرائيلي لشرائها.
لا شك أن الأسد وبطانته المقربة يستطيعون تأمين هذا المبلغ التافه لشراء اللقاحات الروسية، حتى لو لم يرغب النظام بدفع المبلغ من خزينته، كان بوسعه جمعه من تجار دمشق على شكل «تبرعات» هي في حقيقتها خوات اعتادوا على دفعها طوال حكم الأسدين. ولكن ربما تعشم النظام أن يحصل على اللقاحات على شكل هبة من سيده الروسي يعتبر نفسه قد استحقها بعد الخدمات الكبيرة التي قدمها له طوال سنوات الحرب. وإذ بالروسي أحط منه وأحقر، فهو الذي طرح البند السري في الصفقة وفرضه على نتنياهو، ثم طلب منه الحفاظ على سريته! الدليل على تفوق بوتين على كل من نتنياهو والأسد في الوضاعة هو تحرج الأخيرين من الكشف عن هذا البند بأكثر من تحرج روسيا. فنتنياهو محرج تجاه الرأي العام الإسرائيلي الذي يرفض أن تمول إسرائيل شيئاً سيستفيد منه نظام الأسد، وهذا الأخير محرج تجاه «جمهور الممانعة» الذي سيجد صعوبة في ابتلاع هذا الأمر، لكنه سيتقبل الأمر في نهاية المطاف على أي حال ما دام الأمر يتعلق بالنظام الذي يتمسك ببقائه.
إذا حسبنا أن كل شخص يحتاج جرعتين من اللقاح، فصفقة اللقاح الروسي الممولة إسرائيلياً ستكفي لثلاثين ألف شخص فقط، وهو ما يشير إلى محدودية حجم «الفرقة الناجية الأسدية» من الوباء القاتل، مقابل ملايين الموالين للنظام وملايين أخرى خاضعة لسيطرته، وعشرات الآلاف من قواته المسلحة، ممن سيتركون لمصيرهم بلا لقاح. سوريو المناطق الخارجة عن سيطرته هم خارج الحساب سلفا بطبيعة الحال.
كاتب سوري
القدس العربي
————————–
تسويات وهمية جنوب سورية: تمرير وقت لما بعد الانتخابات/ ريان محمد
يجهد النظام السوري، بكل السبل، لتمرير إعادة انتخاب رئيسه بشار الأسد دون أي منغصات. وإن كان نجح إلى اليوم بتعطيل الحل السياسي، إلا أنه لا يأمن ما قد يخبأ له في العديد من المناطق، كحال الجنوب السوري، الذي يعد قنبلة موقوتة، جراء ازدياد السخط عليه، مع تدهور الأوضاع المعيشية والانتهاكات الأمنية وانتشار السلاح وتعدد أطراف الصراع، ما يهدد مسرحية الانتخابات الرئاسية، صيف العام الحالي. ولعل إحدى تلك المحاولات إشغال الجنوب بما يسميها “تسويات” للعسكريين والمطلوبين أمنياً بعمر 6 أشهر، تؤمن صمت شريحة واسعة من المجتمع مقابل أمل والخلاص من الملاحقات.
واللافت في تلك “التسوية”، التي تبناها الروس، وإن كان عرابها الحقيقي شعبة المخابرات العامة، وبدأت في درعا نهاية العام الماضي وفي السويداء أخيراً، أنها تعد من يوافق عليها بفترة سماح تمتد إلى 6 أشهر، يزود خلالها بورقة خاصة تسمح له بالتجول في مناطق النظام دون أن يتم اعتقاله، على أن يلتحق المنشقون والمستنكفون بعدها بقوات النظام. كما تعد بأن يتم إنهاء الإجراءات الأمنية بحق المدنيين، على أن يتعهدوا بعدم التظاهر وعدم التعرض لقواته. وتعد فترة الـ6 أشهر كافية لإنجاز الانتخابات دون أي مظاهر تنديد بها، خاصة أن النظام يشل حياة شريحة واسعة من المجتمع بهذه الإجراءات.
“من جرب المجرب كان عقله مخرب” مثل شعبي بدأ به أبو عبدالله رفاعي، من درعا، حديثه مع “العربي الجديد”. وقال “لم يصدُق النظام مع السوريين يوماً. وحتى في النشرة الجوية التي كان يبثها التلفزيون الرسمي، كان يضطرنا لمتابعة النشرة الجوية على التلفزيون الأردني. وفي 2018 أجرى أهالي درعا تسوية مع الأفرع الأمنية التابعة للنظام، إلا أننا اكتشفنا أنه قسم درعا إلى معتقلات كبيرة، الريف الشرقي تحت سيطرة الأمن العسكري، والريف الغربي الشمالي متداخل ما بين المخابرات الجوية والفرقة الرابعة ومليشيات مدعومة من حزب الله اللبناني وإيران”. وأضاف “لم يكن لتلك التسويات أي منفعة، فأي شخص ينتقل من منطقة إلى أخرى، أو يراجع دائرة رسمية، عرضة للاعتقال، حتى أصبح عدد المعتقلين بالمئات ومنهم من فقد حياته بالمعتقل، في حين لم يف الروس والنظام بتعهداتهم، وخاصة إطلاق سراح آلاف المعتقلين. وحتى رئيس شعبة المخابرات الجوية جميل حسن قال لنا في 2018: يجب أن تنسوا المطالبة بالمعتقلين قبل 2014”.
ودرعا التي وضع أبناؤها أمام خيارات التهجير أو التسويات اختاروا البقاء. وكان كل اعتقادهم بأن الروس لن يسمحوا للنظام بالتنكيل بهم، وأن يديروا هم شؤونهم المحلية. وبالفعل نشر النظام حواجز عسكرية بين المدن والبلدات، إلا أنه لم يوفر فرصة لاستفزاز الأهالي، وفي حال أي رد يبدأ بجلب التعزيزات والتهديد باقتحام المنطقة فيأتي الروس، وباسم التسوية، لوضع الأهالي أمام خيارات أحلاها مر، فإما التهجير أو التسوية وتسليم المزيد من السلاح الفردي، ما يعطي النظام المزيد من الهيمنة.
وتتعدد “التسويات والنتيجة ذاتها”، بحسب الناشط الإعلامي أبو محمد الحوراني، في الريف الغربي من محافظة درعا. وقال “بين الحين والآخر يخرج علينا النظام بتسوية ما. مرة تسوية للمنشقين، ومرة للمدنيين، وأخرى للمطلوبين أمنياً، وحتى أن هناك تسوية لمن يعمل في الفصائل التابعة لروسيا أو النظام. لكن جميعها تفتقد المصداقية، فالكثير ممن وافق على هذه التسويات فوجئ بعد بضعة أسابيع بعودة الإجراءات الأمنية بحقه. لكن كثيرا من الأشخاص مجبرون على القيام بهذه التسوية لما تشكله من فرصة لإنجاز بعض القضايا الرسمية، من استخراج بطاقة شخصية إلى معاملات البيع والشراء وغيرها من الأمور التي ربطها النظام بالحصول على موافقات أمنية”. ولفت، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “الثقة اليوم معدومة بين الأهالي والنظام، فالغالبية الساحقة من المنشقين لم يجروا التسوية الأخيرة، إذ سبق أن أجروا تسوية في 2018، ومنهم من غُيب، ومنهم من عاد للخدمة، إلا أنهم سرعان ما انشقوا من جديد، بسبب عدم وفائه بتعهداته، بل ومعاملته الانتقامية”.
وبين الحوراني أن “الناس تعيش على أمل أن يكون هناك حل قريب في سورية، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. حيث إن الغالبية تنتظر رحيل الأسد، في وقت أصبحت تميل إلى أن تكون مناطقهم محميات لهم من بطش النظام”. وتوقع أن “رشح الأسد نفسه خروج العديد من التظاهرات ضده بكل أرجاء سورية، وليس درعا فقط. وقد بدأت التحركات المناهضة لتلك الانتخابات حالياً، مثل الكتابات المناهضة للانتخابات، بالرغم من أنه يكيل الوعود للأهالي مع اقتراب الانتخابات، من التسويات إلى إطلاق سراح المعتقلين، إلى تأمين الخدمات الأساسية المعيشية، والتي إلى اليوم لم يتحقق شيء منها”.
وليس الوضع في السويداء، ذات الغالبية من طائفة الموحدين الدروز، وجارة درعا من الجهة الشرقية، أفضل، حيث يحاصر النظام عشرات آلاف الأشخاص من أبنائها المستنكفين عن الخدمة العسكرية والملاحقين أمنياً لنشاطهم السياسي أو المدني، بعد أن منعت الفصائل المحلية، وعلى رأسها “حركة رجال الكرامة”، الأجهزة الأمنية من اعتقال أي من أبنائها على خلفية هذه الأسباب. ويزيد تسارع انهيار الوضع الاقتصادي من الاحتقان الشعبي، الأمر الذي يمكن أن يُلمس بأحاديث الناس في الشارع، وإن كان ذلك ظهر بشكل أوضح أخيراً في ردود الفعل على تعرض شيخ العقل لدى الموحدين الدروز حكمت الهجري، لما وصف بالإهانة من قبل رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية لؤي العلي. فتم تمزيق صور الأسد وشتمه ومطالبته بتقديم اعتذار للشيخ والطائفة، وهذا ما دفع الأسد للاتصال بالهجري.
وبدأ الروس بطرح تشكيل لجنة تسوية، شبيهة بلجنة درعا نهاية العام الماضي، على الوجهاء ومشايخ العقل، لكن لم يكن ما تسرب عن معظم تلك اللقاءات مشجعا، بحسب الناشط أبو جمال معروف (اسم مستعار لأسباب أمنية). وقال، في حديث مع “العربي الجديد”: “قيل لهم حينها هذه التسوية كسابقاتها لن تنجح، لأن الأسباب الطاردة للشباب من الخدمة العسكرية ما زالت قائمة، من سوء التعامل وظروف الخدمة إلى الوضع الاقتصادي. لذلك سيتم حصاد ذات النتائج، فقد سبق أن التحق الكثير من أبناء المحافظة بالخدمة في العام 2019، ولكن ما هي إلا أشهر قليلة حتى عاد الجميع. واليوم الثقة معدومة”.
وأضاف معروف “الملف الضاغط على الأهالي اليوم هو الموافقات الأمنية، حيث يوجد أعداد كبيرة محرومة من إجراء أي معاملة رسمية، لا بيع ولا شراء ولا استئجار. وقد يكون ذلك بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين لدينا شريحة كبيرة من الفاعلين بالعمل المدني والسياسي يضيق النظام عليهم، عبر الإجراءات الأمنية بهدف شل حركتهم ومنعهم من السفر، وغالبية هؤلاء مطلوبون للأمن العسكري”. ولفت إلى أن “كثيرا منهم، وبعد الواسطة والرشاوى، أغلق ملفهم لبضعة أسابيع فقط، ثم تمت إعادة طلبهم أمنياً، أو إعطاؤهم إذن سفر لمرة واحدة لدفعهم للخروج دون عودة”. ورأى أن “النظام يساوم شريحة واسعة من المناهضين له لتمرير فترة الانتخابات بهدوء، عبر بدء اللجنة بعملية التسويات في وقت سابق من الشهر الحالي، بغض النظر عن التهم الموجهة للشخص أو التقارير التي بحقه، إن كان فاراً من الخدمة، أو مستنكفاً عنها، أو لديه موقف سياسي معارض، أو ناشطا مدنيا، أو حتى ارتكب أعمالاً غير مشروعة. جميعهم يوقعون على ذات التعهد بعدم الخروج في تظاهرات مناهضة للنظام، أو التعرض للشرطة والقوات النظامية. وفي المقابل يحصل الشخص على ورقة تسمح له بالتنقل داخل مناطق النظام دون أن يتعرض للاعتقال لمدة 6 أشهر. وحتى اليوم ينتظر الأشخاص موافقة مكتب الأمن الوطني على تلك التسوية”.
من جانبه، قال حسام.ف، أحد الشبان الذين تقدموا إلى التسوية في السويداء، في حديث مع “العربي الجديد”: “لست بحاجة إلى ورقة للسياحة في مناطق السلطة، إنني بحاجة للحصول على موافقة أمنية لإنجاز معاملة إرث. فبسبب وضعي الأمني، مصالح عائلتي كاملة معلقة، ولدي التزامات عقارية معلقة أيضاً. أحتاج لتسوية لأنجز هذه الأمور، ومن بعدها فليعد الإجراء، لا مشكلة لدي”. ورأى أن “النظام يعمل حالياً لتسويق إجراء الانتخابات، وما فترة الستة أشهر الممنوحة إلا لتعليق الأشخاص وعائلاتهم بأمل الخلاص من الضغوط الأمنية. أنا سبق وأجريت تسوية مع الأمن، إلا أن الإجراء الأمني تجدد بحقي بعد أقل من 6 أسابيع”.
بدوره، أفاد مصدر مقرب من الأجهزة الأمنية بأن “مصير الأشخاص الذين يجرون التسوية غير معروف، حيث يقتصر الأمر على إعطاء ورقة سماح تنقل لمدة 6 أشهر، بانتظار أن يصل قرار الأمن الوطني بحقهم، بالموافقة أو الرفض، أو عدم اتخاذ أي إجراء، أي بقاء الحال على وضعه. لا شيء مضمون ولا أحد بالأصل لديه معلومات مؤكدة عن نية النظام”. ولفت إلى أن “المجتمع اليوم غير واثق بالتسويات بسبب الأخطاء السابقة وعدم التنسيق بين الأجهزة الأمنية”.
العربي الجديد
—————————-
سوريا الاسد واسرائيل:سلام وشيك/ ساطع نور الدين
السلام آت بين سوريا الاسد وبين إسرائيل. لعله صار وشيكاً. بوادر حسن النية المتبادلة بين الجانبين ليست خافية على أحد. وهي توحي بأنه لم يعد هناك عائق أمام الجلوس حول طاولة مفاوضات مباشرة، يرعاها وسيط روسي، لتعبر عن مصلحة ثلاثية سورية إسرائيلية روسية في الانتقال الى هذا التحول الاستراتيجي في المشرق العربي.
هدية اللقاحات الروسية التي قدمتها إسرائيل الى القيادة السورية، الاسبوع الماضي كانت مؤشراً إضافياً على أن جسور الثقة والود بين الدولتين والحكومتين، التي بنيت على مدى الاعوام العشرة الماضية، تخطت الحاجز النفسي الأخير، الذي يحول دون السلام والتطبيع معاً. ومن الآن فصاعداً لن يثير أي لقاء ثنائي سوري إسرائيلي الاستغراب، ولا حتى السؤال عما إذا كان النظام السوري قد إنقطع عن ماضيه، وعن الوصية التي تركها المؤسس حافظ الاسد والتي تتضمن شروطاً واضحة للإحتفاظ بالسلطة بينها المحافظة على حالة من العداء مع اسرائيل.
وليس من المستبعد أن تكون روسيا تدرس هذه الايام تنظيم عقد اللقاء الثنائي الجديد، الذي بات الجانبان السوري والاسرائيلي يتطلعان اليه بحماسة، لاستكشاف سبل بلوغ السلام والتطبيع، الذي يفتح أفق الخروج من مأزق إنهيار الوضع الاقتصادي والمالي في سوريا، ويوسع مجال الصراع الذي يخوضه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع إيران من جهة ومع إدارة الرئيس الاميركي جو بادين التي تسرع الخطى للتصالح مع الايرانيين.
ولن يكون من الصعب أن تجد دمشق في الانحدار المتسارع لسعر العملة ولمستوى المعيشة في سوريا، حافزاً للاسراع في فتح قنوات الاتصال والتفاهم مع اسرائيل، طالما أن القيادة الايرانية لم تعد قادرة، ولا راغبة ربما، في إنقاذ النظام والحؤول دون إنفجار غضب شعبه الذي يغرق في الفقر والجوع، والذي يدفع اليوم ثمن حرب عشوائية مدمرة باهظة الكلفة، كما يخضع لعقوبات اميركية قاسية، ويتعرض لضغوط روسية متصاعدة.
بل قد تدعي دمشق قريباً أن السلام والتطبيع مع اسرائيل هو سبيلها الوحيد للخلاص، بعدما مهدت لذلك بما يشبه القطيعة مع القضية الفلسطينية وعناوينها ورموزها كافة، وأطلقت خطاباً داخليا معاديا للفلسطينيين وحاقداً عليهم، بعدما تلقت عروضاً خليجية، إماراتية خاصة، بالمساعدة المالية إذا ما حذت حذو دول التطبيع العربي، وإذا ما إنفصلت عن ايران ونأت بنفسها عن حلفاء طهران اللبنانيين والعراقيين.
يمكن ان تتردد إسرائيل في الاقدام على هذه الخطوة في إتجاه نظام مفلس في دمشق، من دون أن تطلب الإذن من أميركا، التي يفترض ان تكون حاضرة وشريكة مع موسكو في رعاية السلام والتطبيع، لا أن تكون مشاهداً بعيداً مثلما حصل في اتفاق اوسلو الاسرائيلي الفلسطيني الشهير، لكن نتنياهو الذي يواجه إختباراً حاسماً لمستقبله السياسي ولا يجد نصيراً واحداً في إدارة بايدن، يمكن ان يلجأ الى وضع واشنطن أمام الامر الواقع، ويعتبر إخراج إيران من سوريا بواسطة معاهدة سلام سورية اسرائيلية هو أحد الأثمان التي يطلبها مقابل التسوية النووية المرتقبة بين واشنطن وطهران.
السلام والتطبيع بين سوريا الاسد وبين اسرائيل قاب قوسين أو أدنى. وهو يبدو كأنه تحصيل حاصل. لكن المؤكد أنه لن يجلب الاستقرار والازدهار لسوريا، مثلما لم يجلبه لأي من دول التطبيع العربي منذ اواخر السبعينات وحتى اليوم.. بل قد يكون شرارة جديدة للصراع على سوريا الممزقة، لن تكون إيران بمعزل عنه، وربما سبباً إضافياً للصراع بين السوريين أنفسهم، على مستقبل نظام بنى شرعيته السياسية على حجتين متساقطتين: ضمان أمن سوريا الداخلي من خطر الانقلابات العسكرية والثورات السياسية، وحماية حدود سوريا من أي إختراق إسرائيلي، أو أي تسلل من داخل أراضيها في إتجاه فلسطين.
المدن
———————–
هل يُنجز بوتين “السلام” بين إسرائيل والأسد
نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية مقالا للكاتب روجر بويز، تناول فيه أدوار روسيا، بقيادة فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط، ولا سيما محاولته للتوصل لاتفاق بين النظام السوري وإسرائيل.
وقال بويز في مقال بعنوان: “هل يمكن أن يكون بوتين صانع سلام في الشرق الأوسط؟”، إن الكرملين يتعامل منذ أكثر من نصف قرن مع عائلة الأسد في سوريا، أولاً مع الأب حافظ ثم ابنه بشار. ووصف تلك العلاقة بأنها علاقة “مختومة بالدم”، مضيفاً: “ما من شك في أنه إذا أُطيح ببشار غداً فسوف يمنحه بوتين حماية، وربما يمنحه منزلاً ريفياً خارج موسكو ويخصص له من يتسوق نيابة عنه ويحيطه بفريق من الحراس المسلحين لحمايته من المحكمة الجنائية الدولية وأعداء آخرين”.
واعتبر الكاتب أن العلاقات بين بوتين والأسد، وكلاهما في السلطة منذ عام 2000، لا تفسر تماماً الأحداث الغامضة الأخيرة. وقال إن “هناك عمليات توسعة تجري بوتيرة سريعة للقاعدة الجوية العسكرية الروسية في حميميم باللاذقية، وقد خصص النظام السوري في العام الماضي قطعة أرض إضافية حيث أُنشئ مدرج ثانٍ، تشير تقارير إلى أنه يمكن للقاذفات الاستراتيجية استخدامه”.
وتضم قاعدة حميميم بالفعل وحدة تجسس متطورة تابعة للاستخبارات الروسية، وحظائر طائرات معززة لحماية عشرات الطائرات من هجمات الطائرات المُسيّرة، وتعدّ القاعدة المركز العصبي للدفاع الجوي السوري. وتساءل الكاتب: “من يحتاج إلى قاذفات استراتيجية في وقت تمر فيه الحرب الأهلية في سوريا بأهدأ فتراتها منذ عقد من الزمن؟”.
وهناك لغز آخر، بحسب الكاتب، وهو وساطة بوتين لتبادل الأسرى بين النظام وإسرائيل، فقد تمت مبادلة راعيين سوريين بامرأة إسرائيلية استجوبتها المخابرات السورية بعد أن ضلّت طريقها إلى قرية درزية في الجولان في وقت سابق من الشهر.
وجاءت وساطة بوتين بمقابل سخي من إسرائيل، التي اشترت ما قيمته 1.2 مليون دولار من لقاح سبوتنيك الروسي ضد فيروس كورونا لتوزيعه في سوريا.
واعتبر الكاتب أن “السلام” وإن حلّ في سوريا، بين النظام وإسرائيل، فإن كل ذلك سيكون مقدمة لاستغلال البلد المتوسطي كقاعدة للتدخل في أزمات أخرى في المنطقة. وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه انتخابات الشهر المقبل، من المحتمل أن يرى جاذبية في انضمام سوريا إلى صفوف الدول العربية الأخرى التي تسعى إلى توثيق العلاقات مع إسرائيل، وهذه ستكون خسارة مدمرة لماء وجه النظام الإيراني.
وبحسب الكاتب، يستطيع نتنياهو قراءة ما بين السطور، فالأسد غاضب من الوجود الإيراني المتهور ولم يعد بحاجة إليه، وقد سمحت روسيا للطائرات الإسرائيلية بقصف وكلاء إيران في سوريا، وهذه إشارة بالتأكيد إلى أن بوتين يتعاطف مع انسحاب إيراني.
ويشير الكاتب إلى أن التدخل العسكري الروسي هو الذي أنقذ بشار الأسد في عام 2015، وهو ما ترك أثراً لدى الأنظمة العربية في كل مكان، وكذلك كان الأمر بتخلص روسيا المزعوم من أسلحة الأسد الكيميائية، فقد حفظ بوتين للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ماء وجهه، وحافظ على سلامة وكيله الدكتاتور.
وينقل بويز عن أحد مصادره في أوروبا الشرقية أنه لا تمر لحظة تتعلق بأزمات الشرق الأوسط، إلا ويستيقظ فيها بوتين ويفكر: “ماذا كان سيفعل يفغيني ماكسيموفيتش “بريماكوف” في هذا الموقف؟”.
وكان المصدر يتحدث عن بريماكوف، المستعرب الماكر الذي خدم في التسعينيات كرئيس للمخابرات الروسية ووزيراً للخارجية ورئيساً للوزراء، الذي قال بعد نهاية الحرب الباردة إن “السؤال الأساسي لروسيا لم يكن ما إذا كانت ستصبح جزءاً من أوروبا أم لا، بل كيف تلتف على الهيمنة الأميركية وتواجهها”.
وقال الكاتب إن “ذلك يعني إنشاء تحالفات عملية، ومنع تقدم الولايات المتحدة إلى ما يمكن اعتباره مجال نفوذ روسيا الطبيعي، وقبل كل شيء تحديد النقاط التي تغفل عنها واشنطن. وفي عهد بريماكوف، رسخت روسيا نفسها كمصدر كبير للأسلحة وركزت بشدة على تلك البلدان التي أزعجها وجود جيش بري أميركي ضخم في العراق”.
ويستثمر بوتين دعمه العسكري للأسد بوجود دائم في سوريا، ليس فقط القاعدة الجوية والسيطرة على المجال الجوي، ولكن أيضا بالحصول على قاعدة بحرية في ميناء طرطوس.
وعندما يحل السلام في سوريا، ستطلب روسيا أن يكون لها دور أكبر في الأزمات المختلفة في شرق البحر المتوسط. وستتحدى موسكو طموحات تركيا بأن تكون القوة المسيطرة في الشرق الأوسط.
ويرجع الكاتب إلى بداية مساعي بوتين للعب دور صانع السلام في الشرق الأوسط، الذي يعود إلى عام 2007، عندما أرسل بريماكوف إلى دمشق ليرى إمكانية إرساء السلام في المنطقة بقيادة روسيا. وكان الأسد آنذاك يجري بالفعل محادثات حذرة مع إسرائيل بشأن مرتفعات الجولان بوساطة تركية. لم يتحقق أي تقدم وكان الجميع بمن فيهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يتزاحمون على سوريا، معتقدين أن الأسد يمكن أن يتحول إلى حليف للغرب وليس لروسيا.
لم ينتهِ هذا إلى أي شيء أيضا، لكن الفكرة لم تترك بوتين تماما؛ وكان يفكر: “ماذا لو أقنعت إيران بمغادرة سوريا وتنازلت إسرائيل بالمقابل عن مرتفعات الجولان؟”، وفق الكاتب.
ويوضح الكاتب أنه لو كان بريماكوف لا يزال على قيد الحياة لكان رفض هذا على الأرجح، وقال له: “انس الأمر، لماذا قد تتنازل إيران عن موطئ قدمها في سوريا؟ حتى لو عاد الحرس الثوري إلى إيران، فماذا عن حزب الله ووكلاء إيران؟ هل سيستسلمون حقا كجزء من صفقة تشمل تخفيف العقوبات وإحياء اتفاقها النووي؟ ليس في ظل حكم المرشد علي خامنئي”.
أما بوتين، فإنه يشم فرصة سانحة، وهو ما يتضح كثيراً من الاجتماعات المختلفة التي عقدها مسؤولوه في قاعدته الجوية السورية، فالرئيس الأميركي الجديد جو بايدن يركز في الشرق الأوسط على إعادة إيران إلى الطاولة وإعادة الاتفاق النووي إلى مساره، وهذا سيؤكد التزامه بالكفاءة السياسية، لكن لا يمكن له أن ينزع بالكامل فتيل برميل البارود في المنطقة. وهذا يمثل فرصة، حتى لو ضئيلة، لـ”فلاديمير صانع السلام”.
ويخلص الكاتب إلى أن بوتين يوسع دوره كلاعب قوي في الشرق الأوسط، مستغلا الفجوة التي خلفها انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وانفصال الولايات المتحدة، الذي بدأ في عهد باراك أوباما، وإهمالها للزعماء العرب وتركيزها على الصين، ترك مكانا شاغراً.
المدن
———————–
صورة الرئيس المنهارة مع العملة/ قاسم البصري
ضمن الحزمة السادسة لقوائم الكيانات والأشخاص المشمولين بعقوبات قيصر، الصادرة نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، أضافت وزارة الخزانة الأميركية مصرف سوريا المركزي إلى القائمة، بعد خمسة شهور تقريباً على دخول الحزمة الأولى من العقوبات حيز التنفيذ في شهر حزيران (يونيو) من العام نفسه. وتلا ذلك، بعد شهر من صدور الحزمة الأخيرة للعقوبات، طَرحُ المصرف المركزي ورقة نقدية من فئة 5000 ليرة للتداول، بعد عامين من التأجيل بحسب المركزي، وهي المرة الثالثة التي يلجأ فيها النظام إلى طباعة عملة جديدة منذ بداية الثورة السورية، بعد أن طبع ورقة نقدية من فئة 2000 ليرة مرتين في العام 2017، فضلاً عن كميات جديدة من مختلف الوحدات النقدية في العام 2015.
يمكن لنا من خلال مراقبة سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء أن نلاحظ أنها «استطاعت امتصاص الأثر» الذي خلفته العقوبات على المركزي، فقد انخفض سعر صرفها من 2850 ليرة مقابل الدولار يوم الحادي والعشرين من شهر كانون الأول، وهو تاريخ إضافة المركزي إلى قائمة المشمولين بالعقوبات، إلى حدود 2900 ليرة سورية في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني، الموافق لإصدار الوحدة النقدية الجديدة، أي إنها استطاعت تقريباً استعادة ما خسرته بعد أيام من التذبذب صعوداً وهبوطاً بفعل الأثر النفسي لمعاقبة المركزي. ولكن، منذ ذلك الحين، واصلت الليرة خساراتها حتى اقتربت من 3600 ليرة مقابل الدولار الواحد في أسواق العاصمة دمشق، بحسب آخر نشرة صرف نشرها موقع الليرة اليوم ليل أمس الأربعاء.
قد توحي هذه الأرقام بأن الضرر الذي ألحقه طرح ورقة 5000 ليرة في الأسواق كان أشدّ على العملة السورية من الحزمة الأخيرة للعقوبات، غير أنّ ذلك ليس دقيقاً تماماً دون النظر إلى العوامل الأخرى. أولاً لأن تقدير أثر العقوبات غير ممكن على المدى القصير، وثانياً لأنّ معاقبة المركزي قد تكون هي ما دفعت نظام الأسد لإصدار ورقة 5000 ليرة في هذا التوقيت كاستجابة دفاعية ضدّ الأثر الذي قد تخلّفه العقوبات على المركزي، لا سيما أنّ الأخير كان يتردّد في طرحها للتداول على مدى عامين. هل كانت هذه الاستجابة الدفاعية الخطوة الأفضل للمركزي؟ أو، بالأحرى، هل من المنطقي أن يطرح النظام الورقة الجديدة في هذا التوقيت الصعب؟ ليس بالضرورة، ولكن ما هي الأدوات التي يمكن له اتخاذها في ظلّ إفلاسه وعدم قدرته على ضبط سعر الليرة؟ لم يجد النظام أمامه سوى طرح ورقة نقدية جديدة، دون أخذ مسألة التوقيت في الحسبان وعلى الرغم من التضخّم الذي سينتج عن ذلك. وعوضاً عن إجراءات نقدية، اكتفى بالتعويل على المزيد من التشديد على حركة القطع الأجنبي في الأسواق بواسطة الأجهزة الأمنية.
لقد استنفذ نظام الأسد كل الحلول التي من شأنها التخفيف من أزمته المالية، من طرح منشآت حكومية وقطاعات طاقية للاستثمار أمام روسيا وإيران، مروراً بسلب رجال المال المقربين منه أموالهم وأصولهم، ثمّ ما يتعلّق بموضوع بدلات الخدمة الإلزامية ووضع اليد على ممتلكات المتخلفين عن الدفع، فضلاً عن عشرات الأمثلة الأخرى. إذن ليس من السليم محاكمة مدى صواب الطريقة التي يدير بها النظام أزمته الاقتصادية أو يتجاوب من خلالها لما يعترضه، فهو يحاول فعل كل ما يمكنه دون القدرة، من ناحية الوقت والأدوات، على وضع استراتيجية واضحة يمكن أن تعود بنتائج إيجابية.
من نافل القول إنّ الشعب السوري أكثر تأثراً من نظام الأسد من العقوبات وإصدار الورقة النقدية الجديدة، ذلك أنّه لم يتبين حقاً أنّ بمقدور العقوبات أن تُجنّب الناس الجوع كما قال أصحابها والمتحمسون لها. والأهم من ذلك أنّ النظام لا يتورّع عن تجريب أي سياسات تمنع انهياره الاقتصادي التام، مهما كان أثرها سيئاً على الناس، فسياسات النظام جميعها تراعي بقاءه دون الناس، فهو يعي أنّ مَخرجاً للناس من أزمتهم يعني دخوله هو في أزمة تُملي عليه الرحيل، أو الدخول في عملية سياسية حقيقية تُفضي إلى رحيله. ويمكن الإشارة هنا إلى الأرقام التي نشرها مؤخراً مركز قاسيون للدراسات في دمشق، والتي تشير إلى أنّ الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص تحتاج اليوم إلى قرابة 732 ألف ليرة لتكون قادرةً على تحمّل تكاليف العيش، وهذا الرقم هو 15 ضعف متوسط الأجور في البلاد. لا يمكن للنظام، بأيّ شكل من الأشكال، تأمين احتياجات الناس المعيشية، وبالتالي فإن كل تركيزه اليوم ينصبّ على تأمين احتياجات بقائه هو نفسه، في مواجهة الناس والأزمة الاقتصادية على حدّ سواء.
هنا، ينبغي العودة للسؤال الرئيسي: هل وحدها ورقة الـ5000 قد رفعت معدلات التضخم وخفّضت القدرة الشرائية؟ لا شك أنها ساهمت، ولكن يجدر أيضاً حساب الأثر التراكمي للعقوبات والأثر التراكمي لانهيار الاقتصاد السوري التدريجي على مدى سنوات. في ظل حالة الانغلاق الذي يعيشه الملف السوري على الصعيد السياسي، ورفض نظام الأسد لكلّ الحلول، فهو يمضي في تعميق أزمة الناس وتعميق أزمته.
لقد وصل انهيار قدرة النظام النقدية إلى حدود عجزه عن تأمين مبلغ 1.2 مليون دولار لشراء لقاح كورونا من حليفه الروسي. العجز عن تأمين هذا المبلغ، المتواضع جداً قياساً بميزانيات الدول، مؤشر رهيب على مدى الانهيار غير المنظور في القدرة على تأمين مبالغ متواضعة من النقد الأجنبي، وتُظهر أيضاً العجز الاقتصادي الذي يعانيه النظام السوري، والذي يحاول مداراته وستره بشتى الأساليب. يظنّ النظام أنه قادر على العيش اقتصادياً طالما أنّه قادر على صرف الرواتب والأجور على جميع العاملين لدى الدولة، ولكنّ الأمور تتجه رويداً رويداً لأن يصبح صرف هذه الرواتب من عدمه سيّان في ظلّ تراجع قدرتها الشرائية إلى حدود كبيرة، وهو يدرك تماماً أنّ زيادة الأجور لن تؤدي إلا إلى مزيد من التضخم وضعف القدرة الشرائية. دخلنا العام 2020 بسعر دولار معادل لـ925 ليرة سورية، ثم دخلنا العام الحالي بسعر صرف قريب من 3000 ليرة مقابل الدولار، أي إنّ سعر الصرف انهار بمقدار 300% خلال عامٍ واحد. أما العام الحالي فسيكون أكثر كارثيةً من سابقه، ذلك أنّ جميع أسباب الانهيارات السابقة ما تزال موجودة، علاوةً على مسببات انهيار يومية متواصلة.
يدرك بشار الأسد، بحسب ما تسرّب من اجتماعه مع مجموعة كبيرة من الإعلاميين، حجم الأزمات المعيشية التي يواجهها ضحاياه الذين ما زالوا أحياء في مناطق سيطرته، ولكنّ المهمة الرئيسية بالنسبة له اليوم هي تمديد حكمه سنوات إضافية من خلال الانتخابات التي يخطط لإجرائها قبل منتصف العام الحالي. ولكن هل هو غير مهتم حقاً بالوضع المعيشي؟ لا يبدو أمر اهتمامه من عدمه تفصيلاً مهماً، لأنه فعلياً عاجز عن إحداث أي تغيير. ما بوسع الأسد فعله هو منع الناس من تنظيم احتجاجات على كارثية الوضع المعيشي باستخدام العنف المفرط، ولكن هل سيتحرك السوريون بعد كل الوحشية التي عاينوها خلال السنوات الماضية؟ يمكن لمتابع للأحاديث الدائرة في الشارع السوري أن يلاحظ أنّ النظام المُرعب خلال الأعوام الماضية لم يعد كذلك بالنسبة للجميع، أو لعلّ خشية الناس منه صارت أقل بكثير من السابق. اليوم يُشتَم بشار الأسد في أماكن عامة داخل مناطق سيطرته في الساحل السوري كما يُشتم أي شبيح آخر.
موقع الجمهورية
—————————–
بعد أن انتصر في الحرب السورية، الأسد غارق في المشاكل الاقتصادية
ترجمة د/راتب شعبو
في لقاء خاص مع صحفيين موالين للحكومة، سُئل الأسد عن الانهيار الاقتصادي في سوريا: انهيار العملة الذي أضر بالرواتب، وعن الارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية والنقص المزمن في الوقود والخبز.
فأجاب، بحسب شخصين على دراية بالموضوع: “أعلم“. “أنا أعرف“.
لكن لم يكن لديه خطوات ملموسة يقدمها لوقف الأزمة سوى طرح هذه الفكرة: يجب على القنوات التلفزيونية إلغاء عروض الطهي حتى لا تغري السوريين بصور طعام ليس في مقدورهم الحصول عليه.
مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة للحرب الأهلية في سوريا، فإن التهديدات المباشرة للسيد الأسد ليست فقط الفصائل المتمردة والقوى الأجنبية التي لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد، بل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أعاقت إعادة إعمار المدن المدمرة، وأفقرت السكان، وتركت عددًا متزايدًا من السوريين يكافحون للحصول على ما يسد الرمق.
الاجتماع الخاص للأسد مع الصحفيين السوريين الشهر الماضي، والذي لم يتم الإبلاغ عنه من قبل، قدّم نظرة نادرة غير مألوفة لقائد بدا منفصلاً عن المخاوف الحقيقية التي تزعج شعبه وعاجزًا عن فعل أي شيء حيالها. علمت صحيفة نيويورك تايمز بما دار في الاجتماع من شخص كان قد أطلع على مجريات الاجتماع من قبل العديد من الصحفيين، كما تم تأكيد التفاصيل من قبل أحد الذين حضروا الاجتماع.
حتى في أحاديثه الخاصة، ظل الأسد متمسكًا بالتفاهات التي تميز خطاباته العامة. كان يرتدي بدلة سوداء ويتحدث بهيئة رسمية، فألقى باللوم على مجموعة من القوى تسببت في ويلات سوريا: “وحشية” الرأسمالية العالمية، و“غسيل الدماغ” بسبب وسائل التواصل الاجتماعي و“النيوليبرالية” الغائمة التي تقوض قيم البلاد.
ولكي لا يقلق أحد، أكد للصحفيين أن سوريا لن تصنع السلام مع إسرائيل أو تقبل زواج المثليين. ولكن ليست هذه هي القضايا التي يقلق معظم السوريين بشأنها اليوم.
يمر الاقتصاد السوري بأسوأ أحواله منذ بدء الحرب في عام 2011. فقد وصلت الليرة السورية هذا الشهر إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار في السوق السوداء، مما أدى إلى انخفاض قيمة الرواتب وارتفاع تكلفة الواردات. زادت أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف في العام الماضي. وقد حذر برنامج الغذاء العالمي هذا الشهر من أن 60٪ من السوريين، أي 12.4 مليون شخص، معرضون لخطر الجوع، وهو أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق.
يكرس معظم السوريين الآن وقتهم لإيجاد الوقود لطهي الطعام ولتدفئة منازلهم، والوقوف في طوابير طويلة للحصول على الخبز. انقطاع التيار الكهربائي مستمر، حيث تحصل بعض المناطق على بضع ساعات فقط من الكهرباء في اليوم، وهذا يكفي بالكاد لشحن الهواتف المحمولة.
اضطرت النساء اليائسات إلى بيع شعرهن لإطعام أسرهن. قالت أم لثلاثة أطفال مؤخراً في صالون لتصفيف الشعر بالقرب من دمشق، بعد أن اشترطت عدم الكشف عن هويتها، مثل آخرين تمت مقابلتهم في هذا المقال، وذلك خوفاً من الاعتقال: “كان علي أن أبيع شعري أو جسدي“. قالت إن زوجها، وهو نجار، مريض ويعمل بشكل متقطع، وأنها كانت بحاجة إلى مازوت لتدفئة المنزل ومعاطف شتوية لأطفالها. وقد اشترت بالمبلغ (55 دولاراً) الذي حصلت عليها مقابل شعرها، والذي سيستخدم في صنع الشعر المستعار، جالونين مازوت وملابس لأطفالها ودجاجة مشوية، وهي المرة الأولى التي تتذوقها أسرتها منذ ثلاثة أشهر. بكت هذه السيدة من العار لمدة يومين بعد ذلك.
انخفاض العملة يعني أن الأطباء يكسبون الآن أقل من 50 دولاراً في الشهر. وقد صرح رئيس نقابة الأطباء، مؤخراً، إن الكثير من الأطباء يسافرون إلى الخارج للعمل، إلى السودان والصومال، لأنهما من بين الدول النادرة التي تسمح بدخول السوريين، لكن اقتصاد هاتين الدولتين ضعيف.
المهنيون الآخرون يكسبون أقل بكثير. قال موسيقي من دمشق: “ما يهم الناس، أكثر من أي شيء آخر، هو الطعام والوقود“. “كل شيء باهظ الثمن بشكل غير عادي والناس يخافنون أ، يتكلموا“.
الأسباب متعددة ومتداخلة: الدمار والنزوح والعقوبات وانهيار النظام المصرفي في لبنان المجاور، حيث كان يحتفظ الأثرياء السوريون بأموالهم، وعمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا.
ليس أمام الأسد مخرج سهل. معظم حقول النفط في البلاد ومعظم أراضيها الزراعية تقع في الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه القوات التي يقودها الأكراد بدعم من الولايات المتحدة.
عمل حلفاء سوريا، روسيا وإيران، الكثير لمساعدة الأسد على الفوز في الحرب، لكن كلاهما يعاني من مشاكل اقتصادية خاصة بهما ويمكنهما تقديم القليل من المساعدة. روسيا تستمر في تقديم مساعدات عسكرية كبيرة لسوريا ولكن مساعداتها الإنسانية محدودة.
صرح السفير الروسي في سوريا ألكسندر إيفيموف لوكالة الأنباء الروسية ريا نوفوستي هذا الشهر إن “الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا اليوم صعب للغاية“. لكنه قال إن تقديم الدعم “صعب للغاية” لأن روسيا أيضاً تعاني من الوباء ومن العقوبات الغربية.
في الأسبوع الماضي، بعد أن اعتقلت شابة إسرائيلية كانت تتجول في سوريا، ساومت الحكومة السورية على إطلاق سراح راعيين سوريين و60 ألف جرعة من لقاح فيروس كورونا، كما دفعت إسرائيل لروسيا 1.2 مليون دولار مقابل ذلك.
على الرغم من هذه المشاكل، لا يزال الأسد مستمراً. بعد ما يقرب من عقد من القتال، وصلت الحرب إلى طريق مسدود، حيث يعيش حوالي ثلثي البلاد ومعظم سكانها تحت حكومة الأسد. وهو الآن يتطلع إلى الأمام، على أمل أن يؤدي الفوز في انتخابات رئاسية زائفة هذا الربيع إلى إقناع خصومه بالتخلي عن آمالهم في تغيير النظام وقبوله كزعيم لسوريا الآن وفي المستقبل.
لم يرد مكتب الأسد على طلب للتعليق على هذا المقال، ولم يرد على أسئلة حول لقائه بالصحفيين. المثابرة على عدم التلميح للمعارضة هو جزء من استراتيجية الأسد.
في الشهر الماضي، نشرت هالة الجرف، زهي مذيعة أخبار سابقة في التلفزيون الرسمي السوري، اقتباسًا من جان جاك روسو على فيسبوك ردًا على سؤال “ما هي الأمة؟” وكتبت: “فيما يتعلق بالثراء، لا ينبغي لأي مواطن أن يكون ثريًا بما يكفي لشراء آخر، ولا أن يكون فقيراً بما يكفي ليضطر إلى بيع نفسه“. على إثر ذلك تم القبض عليها لمخالفتها قوانين “الجرائم الإلكترونية” في البلاد.
كانت هناك لحظة من التوتر في الاجتماع الخاص مع الصحفيين عندما سأل أحدهم كيف سيتعامل الرئيس مع الغضب بين مؤيديه بسبب الاقتصاد السيئ. قاطعه مستشار رئاسي بغضب، لكن السيد الأسد سمح للرجل بالتحدث وأجاب بأنه على علم بآلام الناس. لكنه قدم تأكيدات غامضة فقط بأن الوضع سوف يتحسن، دون أن يقدم خططاً واضحة تساعد على ذلك.
غالبًا ما تظهر زوجة الأسد الأنيقة المولودة في بريطانيا، أسماء، علناً في إشارة إلى أن الحياة في سوريا تسير بشكل طبيعي. وقد روجت مؤخرًا أمام المشاركين في مسابقة وطنية للعلوم، للتعليم عبر الإنترنت، قائلة إنه “يوفر الوقت والجهد والمال، فضلاً عن تحقيق العدالة” ويمكن أن يجعل المعلومات “متاحة لجميع الطلاب في جميع المناطق“، كما ذكرت وكالات الأنباء الحكومية. لكنها لم توضح كيف يمكن للطلاب الدراسة عبر الإنترنت دون كهرباء.
ليس بعيدًا عن قصر الأسد، يكسب أب لتسعة أطفال ما يعادل 5 دولارات في اليوم من بيع الخضار. من بسطة فقيرة عليها صناديق مليئة بالباذنجان والبطاطا والتفاح كان يعيل عائلته حتى خلال أسوأ سنوات الحرب. لكنه قال إنه خلال العام الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسرعة كبيرة لدرجة أنه قام بتنويع عروضه لتغطية نفقاته. لقد صنع دبس الرمان ومخلل الباذنجان، لكنه توقف عندما أصبح من الصعب جدًا الحصول على غاز للطهي. إنه اليوم غير قادر على تحمل الرسوم المدرسية. اثنان من أبنائه تركا المدرسة، وهاجر آخر إلى ألمانيا وصار يرسل لهم ما يكفي من المال لدفع الإيجار. ومع ذلك، فإن ابناً آخر يقضي ثلاث إلى خمس ساعات يومياً منتظراً في طابور للحصول على نصيب الأسرة من الخبز الرخيص والمدعوم من الحكومة. وأضاف إنه حتى الرفاهيات البسيطة أصبحت نادرة.
قال: “قبل أسابيع قليلة اشتريت دجاجة“. “أعدت زوجتي منها ثلاث وجبات“.
لقد أصبح السوريون الذين كانوا يعتبرون من الطبقة المتوسطة فقراء.
وسيم، الذي يعمل في وزارة حكومية، قال إن راتبه مع راتب زوجته كان يكفي لشراء الخبز والوقود وغاز الطهي والملابس، حتى في السنوات التي سيطر فيها جهاديو الدولة الإسلامية على مساحة من البلاد. وكانت المعارك لا تزال مستعرة. لكن مع انهيار العملة، الذي بدأ في أواخر عام 2019، تضاءل دخلهم، مما أجبرهم على تناول طعام أبسط وشراء ملابس مستعملة. افتتح مؤخرًا متجرًا للعطور يديره بعد دوامه في الوظيفة لزيادة دخله. فلا يبقى لديه الوقت للانتظار في طابور للحصول على الخبز، لذلك يشتري الخبز غير المدعوم (35 سنتًا للكيس المكون من ستة أرغفة)، وهو أغلى بست مرات.
حاله هذا جعله يكره تركيز حكومته على القضايا السياسية التي لا تؤثر على حياته اليومية، مثل النضال ضد إسرائيل، ويقول: “نسمع يوميا تصريحات من الرئيس بشار الأسد وحكومته حول المقاومة والسيادة الوطنية“، مضيفاً، “لكن الحكومة أغلقت آذانها وعينيها ولا تبدي أي اهتمام بظروفنا المعيشية“.
Having Won Syria’s War, al-Assad Is Mired in Economic Woes – The New York Times (nytimes.com)
مقال مترجم عن نيويورك تايمز
موقع نواة
———————————-
لغز“دولار الحوالات” في سوريا/ إياد الجعفري
فيما يواصل سعر صرف الليرة السورية انهياره المتواصل، ليلامس عتبة 3600 لكل دولار أمريكي، مساء الأربعاء، وهو أدنى سعر في تاريخ الليرة على الإطلاق، تظهر تبعات هذا الانهيار بشكل متسارع على القدرة الشرائية لدخول السوريين المتهاوية، بصورة كارثية، وسط تساؤل ملحّ، يصعب أن تجد إجابة مقنعة بخصوصه: لماذا لا ترفع سلطات النظام سعر صرف “دولار الحوالات” عبر القنوات الرسمية والمُرخّصة؟
ذلك أن دخول الدولار عبر القنوات المُرخّصة، قد يعني زيادة عرض العملة الصعبة في السوق السورية، مما قد ينعكس تحسناً في سعر صرف الليرة، أو على الأقل، لجماً لتدهورها. ناهيك عن أن دخول الحوالات عبر القنوات المُرخّصة، الخاضعة لسيطرة مصرف سورية المركزي، سيتيح للأخير، أن يرمم الاستنزاف من العملة الصعبة في خزينته، إن اعتمد استراتيجية الاستئثار بالدولارات القادمة ضمن الحوالات، ومنح أصحابها ما يعادلها بالليرة السورية. وسيكون أصحاب تلك الحوالات راضين جداً، بإجراء المركزي، إن منحهم قيم حوالاتهم، بالليرة السورية، وفق سعر الصرف الرائج في السوق. وبذلك تتحقق مصلحة الطرفين، المركزي، والمواطن السوري المكلوم، الذي يعيش على ما يرسله له قريبه المُغترب أو المُهجّر.
لكن المركزي اعتمد بدلاً من ذلك، وعلى مدار معظم السنوات الثماني الماضية، سياسة غريبة، تقوم على فرض سعر صرف رسمي لـ “دولار الحوالات” يقلّ كثيراً عن سعر الصرف الحقيقي، الأمر الذي أدى إلى نشوء سوق سوداء قوية، توسعت على مدار السنوات الفائتة، لتستحوذ على معظم القطع الأجنبي المحوّل إلى سوريا. أضرّت هذه السياسة بطرفين، المركزي الذي خسر القطع الأجنبي المتأتي عن الحوالات الخارجية، وأصحاب الحوالات الذين يخضعون لابتزاز سماسرة السوق السوداء، ويحصلون على دولاراتهم بسعر صرف أقل من السعر الحقيقي، لكنه أفضل بكثير من السعر الرسمي.
وللتوضيح كمثال. يحدد المركزي منذ حزيران/يونيو الفائت، السعر الرسمي لصرف “دولار الحوالات”، بـ 1250 ليرة. أي ما يعادل 35% من قيمة الدولار الحقيقية في السوق، التي لامست الـ 3600 ليرة، مساء الأربعاء. فيما تُسلّم قنوات “السوق السوداء” “دولار الحوالات” الواحد، بأسعار تتراوح ما بين 3250 و3470 و3500 ليرة، وفق مصادر تحدثنا إليها، مساء يوم الأربعاء. أي أن سماسرة الحوالات في السوق السوداء السورية، يربحون في كل دولار واحد ما بين 100 إلى 350 ليرة سورية.
بينما يندر أن تجد من يحوّل مثلاً عبر “ويسترن يونيون”، الشركة العالمية المُرخصة في الداخل السوري، والتي تصرف “دولار الحوالات” بالسعر الرسمي، أي بـ 1250 ليرة لكل دولار. وهي الشركة التي يستفيد المركزي من الحوالات المرسلة عبرها، إذ يحصل على الدولارات مقابل أن يحصل أصحاب الحوالات على قيم حوالاتهم بالليرة السورية. فلماذا لا يرفع المركزي السعر الرسمي لـ “دولار الحوالات” ليصبح مثلاً بـ 3400 ليرة، على أن يتم تسليمها بالليرة عبر مكاتب شركة “ويسترن يونيون”؟ هكذا إجراء سيؤدي بطبيعة الحال، إلى تحول جزء كبير من أصحاب الحوالات، إلى التحويل عبر الشركة المشار إليها، وهو ما سيصب في مصلحة المركزي، فلماذا لا يقوم المركزي بذلك؟، ولماذا يصرّ منذ سنوات على استراتيجية اعتماد سعر رسمي لـ “دولار الحوالات” أقل بكثير من سعر الصرف الحقيقي؟
على هذا السؤال، الذي يبدو أشبه باللغز، تجد الكثير من الأجوبة، يقابلها الكثير من علامات الاستفهام، والتعجب أيضاً.
إحدى أشهر الأجوبة، تلك التي وردت على لسان الدكتور عابد فضيلة، رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، الخاضعة للنظام، والذي قال في حديث صحافي مع إذاعة “ميلودي إف إم”، الثلاثاء، بهذا الخصوص، إن المركزي يخشى إِذا رفع “دولار الحوالات” أن يرفع تجار السوق السوداء أسعارهم بالمقابل، وأن يضاربوا عليه، للاستحواذ على القطع الأجنبي المتأتي من الحوالات الخارجية. وهي الإجابة التي لطالما مررها مسؤولون محسوبون على النظام، طوال السنوات الفائتة. فالاعتراف بالسعر الحقيقي للصرف، ستكون كلفته أكبر من عائد تحصيل القطع الأجنبي المتأتي عن الحوالات. وتبدو هذه القناعة أشبه بالنظرية، التي لم تثبت صحتها على صعيد التطبيق العملي، في الحالات المشابهة. فمثلاً، في مصر، وعشية تعويم الجنيه المصري، في خريف 2016، كان هناك سعران لصرف الدولار مقابل الجنيه، سعر في السوق السوداء، وآخر أقل من نصف قيمته لدى الجهات الرسمية وتلك الخاضعة لها كالبنوك. وحينما تم تعويم الجنيه، ورُفع السعر الرسمي إلى حوالي الضعف، وتمت إتاحة المجال لبيع الدولار عبر البنوك ومكاتب الصرافة، من دون قيود معقّدة، اختفت بشكل شبه كامل، السوق السوداء، وتوحّد سعر الصرف. وبغض النظر عن الآثار السلبية لخطوة تعويم الجنيه المصري على القدرة الشرائية للمصريين، يبقى أن وجود سعرين للصرف، رسمي منخفض وآخر أعلى منه في السوق السوداء، حالة مشوهة، لا يمكن البناء عليها أبداً في أي مسعى للإصلاح الاقتصادي. التجربة ذاتها تكررت قبل أيام فقط، حينما اعتمدت الحكومة السودانية سياسة تعويم مُدار للجنيه السوداني، فأتاحت بيعه عبر المصارف، بسعر يقارب السعر الرائج في السوق السوداء، حيث قفز السعر الرسمي حوالي 7 أضعاف. وحتى ساعة كتابة هذه السطور، تؤشر النتائج الأولية، إلى تضعضع السوق السوداء، وربما اختفائها.
وبالعودة إلى الحالة السورية، قد تجد إجابة أخرى يقدمها القائلون بها بوصفها تفسيراً لإصرار المركزي بدمشق على الإبقاء على “دولار حوالات” رسمي منخفض للغاية. وهي أن “قانون قيصر” سيعيق أي حوالات بالقطع الأجنبي، ويمنعها من الدخول إلى سوريا. وبالتالي، نعود إلى المعادلة السابقة، وهي أن تكلفة الاعتراف بسعر الصرف الحقيقي، أعلى من عائد الحصول على القطع الأجنبي المتأتي من الحوالات. وهي أيضاً نظرية من غير المفهوم كيف تم تبنيها. إذ أن الشركة العالمية الوحيدة المُعتمدة في مناطق سيطرة النظام، والتي تعمل في مجال الحوالات المالية من مختلف دول العالم – ويسترن يونيون- هي شركة أمريكية. ولا توجد أية قيود على عملها، سوى القيد الذي يضعه المركزي ذاته، والذي يجبر الشركة على تسليم الحوالات بسعر الصرف الرسمي المنخفض للغاية. وحتى الآن، لا توجد قيود مفروضة على الحوالات المالية إلى سوريا، ضمن حِزَم قانون “قيصر” المُعتمدة.
لكن هناك إجابة ثالثة، حيال لغز “دولار الحوالات” الرسمي المنخفض للغاية، وإصرار المركزي عليه. إجابة قد تختصر المشهد في سوريا. إذ يقول العارفون بنشاط السوق السوداء، إن متنفذين ورجال مخابرات وشبيحة كبار، ينشطون في هذه السوق، التي تُدير أكبر القطاعات الخدمية في سوريا اليوم. فالاقتصاد السوري المتهاوي، بزراعته المنهارة، وصناعته المدمرة، وخدماته المُهشّمة، لم يبق فيه نشاط يستحق الاستثمار، حقاً، إلا المتاجرة بالعملة، وتمرير الحوالات والقطع الأجنبي مقابل عمولة. ذلك القطاع، وفق أولئك العارفين بهذه السوق، حسب وصف “عابد فضيلة” نفسه، يمثّل نشاطاً بملايين من الدولارات يومياً. ووفق تصريحات قديمة لحاكم مصرف سورية المركزي، الأسبق، أديب ميالة، فإن حصيلة الحوالات اليومية، كانت تتراوح ما بين 3 إلى 7 ملايين دولار. أي بحد أدنى، حوالي 100 مليون دولار شهرياً. أي ما يعادل 1.2 مليار دولار سنوياً. إنه قطاع مثمر للغاية، فكيف نريد من أصحاب القرار الحقيقي من المتنفذين داخل أروقة النظام، بأن يسمحوا للمركزي بالاستحواذ عليه؟ ببساطة، لغز “دولار الحوالات” يعلم إجابته، أصحاب القرار الحقيقي من المتنفذين داخل أروقة النظام، أولئك الذين يستثمرون بموارد السوريين، وأموالهم، وعلى حسابهم. أما أن يحلّق سعر صرف الدولار فتحلّق معه الأسعار، وتُلهب جيوب المُلتاعين من هذا الشعب.. فهذا آخر هموم مالكي جواب هذا اللغز. لغز “دولار الحوالات”، العصيّ على الفهم.
المدن
————————————
من صيد الوثائق إلى محاكمة النظام السوري/ فايز سارة
كشفت لجنة العدل والمساءلة الدولية عن مجمل نشاطها في كشف الوثائق السرية، التي جرت من خلالها حرب نظام الأسد ضد السوريين في السنوات العشر الماضية، وتضمنت المحصلة أكثر من تسعمائة ألف وثيقة سرية، شملت قرارات وتعليمات وتوجيهات للأجهزة العسكرية والأمنية والمدنية التابعة للنظام، عما ينبغي القيام به، وأين ومتى وكيف في إطار حرب التقتيل والتدمير والتشريد. ومما زاد في أهمية الكشف، قيام محطة «سي بي إس نيوز»، وهي إحدى أهم قنوات الإعلام الأميركي بالحديث عنه عبر برنامج «60 دقيقة» الموصوف بأنه واحد من أهم برامج المحطة، وجرى إبراز ثلاث نقاط أساسية، الأولى تتصل بعدد الوثائق ونوعها، وقيل إنها تزيد على 900 ألف وثيقة، تشمل كل مجالات إجرام النظام، والثانية تأكيد أنها ترتبط بالأسد شخصياً وكبار معاونيه؛ إذ هي صادرة من الأعلى إلى الأسفل في سلم إدارة النظام، متضمنة توجيهات الأسد وعليها توقيعه، والنقطة الثالثة هي أن الوثائق تكشف عن أدلة تورط النظام ورئيسه بجرائم أكثر وأهم منتلك التي استخدمت لإثبات جرائم النازيين، التي جرى ارتكابها في الحرب العالمية الثانية.
ما وصلت إليه لجنة العدالة والمساءلة الدولية من نتائج، جزء من محصلة جهود سورية ودولية، تشارك فيها أفراد ومؤسسات ودول، بذلوا جهوداً كثيرة وبعضها خارق للوصول إلى وثائق تثبت حيثيات الجرائم، وتكشف عن بعض تفاصيل، يصر البعض، وخاصة في المحاكم على وجودها باعتبارها أدلة لمحاكمة النظام ورموزه؛ مما جعل جهود لجنة العدالة والمساءلة هي الأبرز والأهم بما توفر لها من بيئة نجاح؛ إذ ضمت في صفوفها محققين ومحللين، ومحامين من بلدان مختلفة، عملوا في تجارب مشهودة، وتوفرت لديهم إرادة وجدية كافيتين للعمل، كما توفرت لها ميزانية، تساعد في تنفيذ أعمالها ونشاطاتها، والتي كان في مقدمتها اختيار وتدريب عشرات من كوادر سورية لمتابعة الوثائق وتدقيقها؛ مما عزز عمليات اللجنة، وأعطاها مستوى عالياً من المصداقية على ما ظهر في محتويات تقاريرها من نتائج.
لم يكن عمل اللجنة (ولا عمل غيرها) سهلاً في سوريا، حيث الصمت والكتمان سمة أساسية في نظام الأسد المغلق والدموي منذ أن أقامه الأسد الأب عام 1970، وتابعه الوريث في عام 2000، وذهب به إلى الأسوأ، حسب ما بينت الوقائع والوثائق، ولعل الأشهر والأبرز فيها عمليات القتل تحت التعذيب على نحو ما بينت عشرات آلاف الصور التي قام بتهريبها قيصر ورفيقه سامي، ومثلها الكشف عن مسار عمليات الإعدام اليومية لعشرات المعتقلين في سجن صيدنايا العسكري حسب ما قاله شهود، واستيراد وتشغيل أجهزة حرق جثث المعتقلين ممن يتم إعدامهم أو قتلهم تحت التعذيب لإخفاء تلك الجرائم، إضافة إلى استخدام الأسلحة الكيماوية في مجازر ضد المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
إن القاسم المشترك في الجرائم السابقة، أنها جرت بواسطة الأجهزة العسكرية والأمنية مباشرة، لكن ثمة جرائم أخرى، ارتكبها نظام الأسد بواسطة مؤسسات وأجهزة النظام المدنية، كما تبين أمثلة، كشفت عنها وثائق وشهادات، منها استخدام المشافي العامة في عمليات تعذيب وقتل معتقلين جرحى، كما حدث في مشفى دمشق الوطني، واستخدام محاكم وزارة العدل وخاصة محاكم الجنايات في تجريم متهمين بتهم خارج القانون، وقيام شركات المياه والكهرباء والهاتف، التي تسيطر عليها الحكومة بقطع إمداداتها عن المناطق المحاصرة في إجراءات، في حين تولت البلديات مصادرة عقارات وأراض في مناطق ثارت على النظام في إطار جرائم تختلط فيها جرائم العقوبات الجماعية مع جرائم التغيير الديموغرافي، وهذا ما قامت به محافظة مدينة دمشق، ولم يكن لهذه المؤسسات أن ترتكب مثل هذه الجرائم إلا بتدخل مباشر من جانب رأس النظام وقادة الأجهزة الأمنية، حسبما تتضمن وثائق سرية تم الوصول إليها.
إن الوصول إلى وثائق النظام السرية، لا يكشف عن جرائم نظام الأسد فقط، إنما يبين سعي النظام وأجهزته لإخضاع السوريين وإعادتهم إلى بيت الطاعة عبر مختلف الوسائل، بما فيها القوة الوحشية مجسدة بعمليات القتل والاعتقال والتعذيب والتهجير والتدمير، والنهب والتعفيش والابتزاز، وكلها أسس تربت عليها أجهزة النظام، وأكدتها مرات كما في أحداث ثمانينات القرن الماضي، ومنها أحداث مدينة حماة، وكررتها حيث تطلبت الحاجة كما في تعاملها مع الفلسطينيين واللبنانيين في عقود التدخل السوري في لبنان.
غير أن الأهم في كشف الوثائق، تعميم محتوياتها لدى الرأي العام وتحشيده ضد النظام، وتقديمها إلى جهات معنية بالحصول عليها، مثل المحاكم ومنظمات حقوق الإنسان والدول، لاتخاذ ما يمكن من خطوات، يمكن حالياً ملاحظة ثلاثة تعبيرات منها؛ أولها قيام الولايات المتحدة بإصدار قانون قيصر الذي يشمل بعقوباته النظام وشخصيات فيه، وأطرافاً خارجية لها دور في جرائم نظام الأسد. والتعبير الثاني سلسلة من العقوبات الأورو – أميركية ضد كيانات وشخصيات سورية نتيجة دورها في الجرائم ضد السوريين ودعم سياسات الأسد. والتعبير الثالث استخدام الوثائق في محاكمات عناصر النظام، كما ظهر الأمر في محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب الجارية في ألمانيا، والتي بات من المؤكد تكرارها في بلدان أخرى.
لقد فتحت الوثائق المسربة الباب ليحمل أصحاب الجرائم والذين يصدرون أوامر القيام بها مسؤولية أعمالهم، وعلى نحو ما حصل في المحاكمة الجارية في المانيا، فإن قادة النظام وأجهزته سيلاقون المصير ذاته بسوقهم إلى محاكم، سواء كانت على غرار المحكمة الألمانية أو محكمة الجنايات الدولية، أو محكمة خاصة سيتم تشكيلها لمحاكمة مسؤولي نظام الأسد على غرار محكمة نورمبيرغ التي حاكمت عام 1945 مجرمي حرب القيادة النازية بعد سقوط الرايخ الثالث، وفي الفترة الثانية، حاكمت الأطباء الذين أجروا التجارب الطبية على البشر.
كاتب وصحفي سوري
الشرق الأوسط
——————————–
عن أوباما ودبلوماسيّيه/ طارق متري
(*) يسارع نفر غير قليل من المعلقين والباحثين في قولهم إن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، سيعود، في سياسته الخارجية على الأقل، إلى السير في الطريق الذي شقّه الرئيس الأسبق باراك أوباما. ويضرب عدد منهم رغبته في التفاوض مع إيران مثلًا بالغ الدلالة، أو يحسبون أن تعيينه أو ترشيحه شخصيّات خدمت في إدارة أوباما يشي بأمانته لإرث الرئيس الذي عمل نائبًا مخلصًا له طوال ثمانية أعوام. لذلك تراهم ينزعون إلى قراءة مذكرات أوباما الطويلة، وأخرى أقل منها طولًا لمساعدين بارزين له، وكأنهم سيصادفون في طيّاتها المبادئ والسياسات التي سيعمل بايدن على احترامها وتنفيذها منذ الأيام الأولى لولايته الرئاسية. لعلّ القراءة المتأنية تقينا من هذه النزعة؛ لأننا سرعان ما نجدها، مثلها مثل كل المذكّرات، حافلة بالشهادات الشخصية والعوامل الذاتية المؤثرة في الرؤى والقرارات، وتقدّم لنا أيضًا مادة ثمينة، لكنها أولية، لفهم التاريخ السياسي المعاصر للولايات المتحدة الأميركية.
ورغم اعترافهم أن الولايات المتحدة والعالم تغيّرا في الأعوام الأربعة الأخيرة، بفعل مواقف الرئيس السابق دونالد ترامب وبقوة أفعاله أو بمعزل عنها، لا يولي المستعجلون اهتمامًا كافيًا لما شهدته العلاقة بين السياسة الداخلية والخارجية من تحوّلات تدعو إلى شيء من الحذر في الجزم والتعميم عند القول بالانقطاع بين بايدن وترامب والاستمرار بينه وبين أوباما. ففي الماضي، كثيرًا ما سمح الفصل بين السياستين الداخلية والخارجية في غير مجال، فضلًا عن تقدّم الأولى على الثانية، باقتصار حدّة الانقسامات والصراعات السياسية على الشؤون الوطنية، بينما تتنوع الخيارات السياسة في المسائل الدولية داخل الحزبين المتنافسين أو تحظى باتفاقهما. أما اليوم، فالخلاف الداخلي حول هوية الولايات المتحدة يبدو طاغيًا على السياستين الداخلية والخارجية؛ ما يضعف، ولو قليلًا، احتمالات السير في مسالك أوباما. فالرئيس الأسبق انشغل بوحدة الأميركيين المتعالية على مصالحهم الفئوية في تأييد سياسته الخارجية الجديدة، في ابتعادها النسبي عن “الأوحدية” وعن النزعة إلى التدخل واستعمال القوة اللتين عرفتهما المرحلة السابقة. وازداد انشغالًا بالسعي وراء تحقيق تلك الوحدة، مستجيبًا لما عاينه من ميل لدى أكثرية الأميركيين إلى الانكفاء عن حروب العالم، ولا سيما التي قادتها بلاده، وصراعاته المتفجّرة، وكأنه سعى بذلك للتعويض عن عجزه عن تجاوز الانقسام السياسي والثقافي حول أهم القضايا الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية.
نتعرف إلى عقلنة هذا النزوع عند الرئيس الأسبق أوباما في الجزء الأول من مذكّراته المعنونة أرض ميعاد المحبوكة على نحو قلّ نظيره في المذكرات التي درج المسؤولون، في الولايات المتحدة وخارجها، على كتابتها بعد الخروج من السلطة. صحيح أن أوباما يحدثنا عن حياته وعن ظروف تكوّن شخصيته الفكرية والسياسية، وإن بنسبة أقل من سواه، وعن أهم ما استطاعه وسعى إليه. وصحيح أيضًا أنه يصف هدوءه ورصانته وتواضعه وصبره وتردّده واحترامه للآخرين؛ وكأنه يبيّن لنا، وبطريقة لاواعية أو نصف واعية، أن الضد يظهر حسنه الضد. فنقارن مزاياه بنزق ترامب ونرجسيته وعدوانيته وقلة ثقافته وذوقه واحترامه للغير. إلا أن الكاتب يذهب إلى أبعد ويستفيض، أكثر من المألوف عند واضعي المذكرات، في عرض فلسفته السياسية من حيث تفاعلها مع الواقع السياسي والاجتماعي. ويكاد يسرد التاريخ الأميركي المعاصر ويفسره، وعينه تنظر صوب أسئلة الحاضر، شأن كل مؤرخ معني بالزمن المعاصر، لا فرق إذا ظهرت أمام أعيننا أم اختبأت وراء تموّجات الذاكرة وحبائلها وانتقائيتها المعروفة. ولعلّه يوفّق في إحالة القارئ إلى الأوضاع الراهنة من دون شبهة اصطناع أو سابق تعمّد. فعلى سبيل المثال، رغم أنه انتهى من وضع كتابه قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، نراه قلقًا إزاء معطوبية المؤسسات الديمقراطية الأميركية، وواثقًا في الوقت نفسه بقوتها ورسوخ مبادئها الناظمة في المخيال الجمعي أو الدين المدني الذي شهدنا خروجًا عليه منذ هزيمة ترامب الانتخابية وحتى انتهاك حرمة مبنى الكونغرس، أحد أماكن ذلك الدين المقدسة يوم 6 كانون الثاني/ يناير 2021.
ويبدو لنا أشدّ الأسئلة حرجًا عنده، وإن لم يفصح عنها على نحو جلّي، تتصّل بفكرة “الاستثناء الأميركي” التقليدية، والتي تبدّلت فيما بعد على يد ترامب. ففي أيام هذا الأخير، اتّسقت الفكرة مع انعزالية مستجدّة، تدير ظهرها لما كان يقال عن رسالة الولايات المتحدة أو دورها في العالم، لتمتلئ بلغو استعادة العظمة وغطرسة القوة. يفترض أوباما أن الولايات المتحدة لم تكن محبوبة في العالم كله، ولكنها كانت دائمًا محترمة. ولا يردّ هذا الاحترام إلى أنها ظلت دومًا مرهوبة الجانب، بل إلى تعدد قدراتها ومزاياها ونجاحاتها. ولكنه، مهما كان اعتزازه بهويته الأميركية المفرط أحيانًا، وفي تأكيد قناعته الراسخة بفضائل النظام الأميركي، يتجنّب الغلو في تمجيد الفرادة الأميركية الشائع بين الأميركيين. ويحذر من مجاراة القائلين بأن الولايات المتحدة أمة لا غنى عنها وأنها بمنزلة “مدينة على جبل”، بحسب العبارة الإنجيلية المصدر والمتكررة كاستعارة عند الحديث عن الاستثناء الأميركي. ويذهب مرة إلى حد اعتبار فكرة الاستثناء المذكور مجرد مرادف للخصوصية، فيعلن أنه يؤمن بها مثلما يؤمن أبناء القوميات الأخرى بالاستثناء البريطاني والروسي واليوناني. بطبيعة الحال، جاءت يومئذ ردود الفعل على قوله حادة، ولم يوفّق بسهولة في إخماد السجال من دون الاضطرار إلى التراجع، حتّى أنه، وفي مرات أخرى عديدة، لا يخفي عدم اعتراضه، بل موافقته، على تأكيدات مساعديه أن للولايات المتحدة دورًا قياديًا في دفع العالم نحو الأحسن.
وفي حالات أخرى كثيرة نجدنا أمام شخص يتردد طويلًا قبل اتخاذ موقف أو قرار، يأخذ الوقت الكافي ويقلّب المسائل ظهرًا على بطن ويتقلّب معها ويكثر من استشارة مسؤولي إدارته. ولا يبدو التردّد هذا مجرد طبع من طباعه، بقدر ما يكشف عن ازدواج في بعض آرائه وعن ميل إلى محاولة التأليف بين فهمين للسياسة متعارضين يتسببان للقائل بهما، مختارًا أو مضطرًا، في توتر يصعب التخلّص منه. ففي أكثر من مناسبة، يصوّر أوباما نفسه بصورة الحائر بين اعتماد سياسة واقعية في اعترافها بقوة النموذج الرأسمالي وإقرارها بعلاقات القوى وتشديدها على الدفاع عن المصالح القومية الأميركية وبين أوليّة التعلّق بالقيم والمبادئ الكونية، كما نجدها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والحرص على احترامها في الظروف كافة. إلّا أنه، وفي ما خلا حالات قليلة، يبدّد حيرته بالخضوع لما تأمر به الواقعية في أبرز القضايا الداخلية أو الخارجية. فيفصّل لنا مثلًا ما قام به من معالجات، إبان الأزمة المالية 2008، للوصول إلى درء الكارثة والمحافظة على النظامَين الاقتصادي والمالي، وإلى بثّ بعض الروح الإنسانية في الرأسمالية. في المقابل، يتفكّر في إمكانية تحويل الأزمة المذكورة إلى فرصة للحد من حجم التفاوت الاجتماعي. لكن خشيته من اضطراب النظام الاجتماعي تتغلّب على توقه إلى العدالة، وكأنه يحذو حذو أحد أسلافه، كالرئيس فرانكلين روزفلت، الذي قيل عنه إنه أنقذ الرأسمالية من نفسها.
ويتحدث عن تردّده، حين يدعى للتصدي لأنظمة تمارس الفظائع ضد شعوبها. فيبدي تفهّمًا لمبدأ “مسؤولية الحماية” للمدنيين وقبولًا لفكرة التدخل العسكري بدافع منها مرة واحدة، وفي حالة ليبيا، بينما يتحفظ حيالها في المرات الأخرى. وهو يفعل ذلك باسم الواقعية. وعلى غرار الواقعيين، لا يجد نفسه محرجًا، إلا قليلًا، في الإحجام عن تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن نتائج سياستها في دعم فئة من الأنظمة المستبدة، التي، مهما انتهكت حقوق شعوبها، بقيت حليفة لها في مناطق كثيرة من العالم. ونجده غالبًا ما يتجنب الحرج الخفيف بتشديده على أفضلية اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية، بالإقناع والإغراء والضغط، واستنفادها قبل التفكير في استعمال القوة. وتكاد الدبلوماسية عنده تنقلب إلى مراعاة لبعض الأنظمة وإيجاد المبررات لها عند التعامل معها، كما في حالة مصر، من باب صيانة المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها الكبار. ويوحي لنا أن اختيار جانب الدبلوماسية الصبورة يتأصّل في شخصيته حيث يحتل الأسلوب مكانة كبيرة لا تقل شأنًا عن المحتوى. ويحسبه أيضًا وفاء لوعوده الانتخابية، القائلة بطي صفحة الحروب السابقة، لا سيما في أفغانستان والعراق، والآخذة بنصائح العسكريين الكبار، ممّن استشارهم، الذين اكتووا بنار الحروب وعرفوا أتمّ المعرفة حدود القوة العسكرية وتكاليفها البشرية.
من جهة ثانية، يعترف أوباما أن الخطط والقرارات السياسية لا تولد من الدبلوماسية. ربما كان خطاب القاهرة في حزيران/ يونيو 2009 الموجه إلى المسلمين شاهدًا على ذلك؛ فهو يؤكد أن ما قاله أقل طموحًا مما ظنّه الكثيرون. لم يدّع رسم سياسة جديدة حان أوانها في ظنّ من خيّبهم غياب المتابعة العملية في تأسيس علاقة مختلفة بين الولايات المتحدة والعرب والمسلمين. لكنّه، بحسب قوله، لم يرم إلى أبعد من السعي لإزالة سوء الفهم، كما يسمّيه، والإشارة إلى أن المبدأ الناظم للعلاقة المختلفة بين الطرفين ليس محاربة الإرهاب دون سواها. لم يأت خطابه من معرفة عميقة بالإسلام والعالم الإسلامي. ولا يزعم أوباما خلاف ذلك. إلّا أنه يكرّر ذكر خبرته الإندونيسية حيث أتيح له أن يتعرف، في أيام فتوّته، إلى التنوع والتسامح والانفتاح في مجتمع انطبع تديّنه بالصوفية. ويقارن بين هذا التديّن وما يعرفه عن ممارسة الإسلام في المملكة العربية السعودية ويضعه على الطرف النقيض منه. ويتحدث أيضًا عن التجربة التركية المعاصرة بوصفها نموذجًا للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية والعلمانية. ولا يغيّر رأيه بعد فتور حماسه بعد لقائه برجب طيب أردوغان، بل تبدو له تلك التجربة جديرة بالتأييد نظرًا إلى ما تعد به لجهة تدعيم ما يدعوه تيّار الاعتدال الإسلامي من دون أن يشرح بدقته المعهودة ما يعنيه هذا المصطلح. ولا يأتي على ذكر الإخوان المسلمين إلا قليلًا. وعند بلورة موقفه الأول والحذر من الثورات العربية، لا يتوقف عند السؤال حول أهليتهم لتسلّم الحكم. وحين يعدّل موقفه متجاوزًا حذره الأول ومتأثرًا بالأخذ والرد بين مساعديه من الشباب “الأمميين” والأكبر سنًّا منهم، لا يوحي من قريب أو بعيد برغبة الولايات المتحدة في إعطائهم فرصة لقيادة المراحل الانتقالية. عكس ذلك، يستعيد توجيهاته إلى مساعديه ومبعوثه إلى القاهرة عن ضرورة تأليف حكومة لا يسيطر عليها الإخوان المسلمون. وعلى هذا النحو، يدحض زعم البعض في مصر وليبيا وسورية أن الولايات المتحدة عملت، جهارًا وسرًّا، من أجل إيصال الإسلاميين إلى السلطة.
لم يجارِ أوباما الذين تلوثت قوميتهم الأميركية بكراهية الإسلام والتوجس من المسلمين ولم ينح نحو الثقافويين الذين يبرزون الفروق الحضارية بل يضخّمونها ويفسّرون العلاقات المضطربة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي انطلاقًا منها. أدرك أهمية المشكلات التاريخية والسياسات في تشكيل النظرات والمشاعر المتبادلة وصناعة المخاوف والعداوات. وكما يتبيّن من خطاب القاهرة، لم يفته في هذا السياق ذكر الظلم والإذلال الذي تعرّض له الفلسطينيون. أكثر من ذلك، يتناول أوباما تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي بلغة المطلّع على الوقائع التي تبيّن شرعية الحق الفلسطيني. غير أنه، في المقابل، يتحاشى الخروج عن الطابع العام للعلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ففي موقفه من قضية حيوية كمواصلة الاستيطان، يستند إلى الموقف الأميركي التقليدي لينفي عنه الشرعية. وفي الوقت نفسه، يشيح بنظره، وهذه ممارسة أميركية تقليدية، عن لاشرعية ما تفعله إسرائيل. بعبارة أخرى، يرفض الاستيطان ولا يبذل ضغطًا حقيقيًا لوقفه، ولا يختلف في ذلك اختلافًا كبيرًا عن أسلافه، رغم تعامل الإسرائيليين وأصدقائهم معه على نحو أقل تهيّبًا وودًا حياله من الذين درجوا عليه في العلاقة مع الرؤساء الأميركيين ورغم استفزازات بنيامين نتنياهو ووقاحتها. في ضوء كل ذلك، لا غرابة أن ينتظر الرئيس أوباما حتى السنة الأخيرة من ولايته الثانية لإعلان معارضته للاستيطان الإسرائيلي من طريق كسر العادة الأميركية المعروفة في ممانعة كل تدخل لمجلس الأمن في مناقشة المسائل المتصلة بالاحتلال وسبل الوصول إلى إنهائه وفي استخدام حق النقض للحؤول دون صدور أي قرار يتضمن إدانة، أو شبه إدانة، لإسرائيل. بطبيعة الحال، لا يناقش الجزء الأول من المذكرات بين أيدينا دوافع التغيير ذي الدلالة الرمزية، والضعيف الأثر، وظروفه. علينا انتظار الجزء الثاني علّنا نجد فيه تفسيرًا أو تبريرًا.
من جهتها، غضّت سامنتا باور نظرها عن هذه القضية التي تعنيها مباشرة، وذلك لأسباب غير مفهومة. فالسيدة المتحمّسة لنصرة الشعوب المظلومة، والتي عيّنها الرئيس بايدن مديرة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كانت ممثلة الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة عند صدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334 في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2016، ومقرّبة من أوباما. ففي مطلع ولايته كلّفها العمل، في جهاز مجلس الأمن القومي، من أجل منع حدوث الفظائع ووقوع الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. لكنه، وأيًّا كان من أمر إشادته بها إلى حدود الإعجاب، عرفت علاقتهما الواقعية مدًا وجزرًا ملحوظين. فهو يشبّهها مرة بميزان الحرارة لضميره حين يتعلّق الأمر بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. ويقول مرة أخرى إنها تزعجه بمثاليتها المتطرفة التي تقحم المعاير الأخلاقية في المسائل السياسية كافة. ويذكر أنه رفض اقتراحها، لدى مشاركتها في وضع مسودة خطابه في أوسلو بمناسبة تسلّمه جائزة نوبل للسلام عام 2009، والداعي إلى التشديد على تبنّيه المبدأ القائل بمسؤولية الحماية للمدنيين ضد اعتداءات حكوماتهم.
بخلاف صمت سامنتا باور في مذكراتها، تستعرض سوزان رايس، سلفها في تمثيل الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، الظروف المحيطة برفعها حق النقض الأميركي ضد مشروع القرار في مجلس الأمن الدولي عام 2011 الذي يؤكد لاشرعية المستوطنات الإسرائيلية، ويستعيد الأسس التي يقوم عليها حل الدولتين. وتشير إلى أنها فوجئت بردة الفعل الإسرائيلية التي تنتقد تعليقًا لها، جاء فيه أن هذا التصويت لا يعني أن الولايات المتحدة تعتبر المستوطنات شرعية. ويبدو ممّا جاء في مذكراتها أن انزعاجها يعود إلى ما تحسبه سوء تفاهم أو تجاهلًا لسجّلها المؤيد لإسرائيل، والذي تذكّر به تفصيلًا. فهي تعتزّ بصداقتها مع شيمون بيريز الذي تعتبره أستاذًا لها، وتعدّد ما قامت به في الأعوام الأربعة التي أمضتها في نيويورك. فعلى يدها، انسحبت الولايات المتحدة من المؤتمر الدولي عن العنصرية، بسبب ما دعته انحيازًا ضد إسرائيل. وهي التي قادت الجهود المعارضة لانضمام فلسطين المبكر إلى الأمم المتحدة. ودافعت عن إسرائيل ضد محاولات لومها داخل الوكالة الدولية للطاقة النووية. وفي ما يتعدّى كل ذلك، يبدو لنا أن رايس، وفي أكثر من محطة من حياتها المهنية والسياسية، تحرص على إظهار انسجامها مع التيار الرئيس داخل النخبة الأميركية في تعاطفه مع إسرائيل وإن بأقدار متفاوتة. ويوحي حرصها هذا، مثلها كمثل أوباما، بالسعي لنفي الصورة النمطية عنها عند قسم كبير من تلك النخبة. وهذا ما يفسر بعض الغلوّ في توكيد وطنيتها الأميركية على حساب الهوية الخاصة التي تؤثر في أفكار وسلوكيات الأميركيين – الأفريقيين الذين تنتمي إليهم، كما في حالة أوباما، بحكم لون البشرة، وإن من دون الاشتراك معهم، إلا قليلًا، في الثقافة والمشاعر. وبوجه الإجمال، تكشف سيرتها الشخصية والسياسية، في مرآة مذكّراتها، عن تأثير التقلّبات الداخلية في فهم أدوارها في العلاقات الخارجية، بما يفوق ما نشهده عند الدبلوماسيين التقليديين. وهذا ما يخفّف من مفاجأة تسلّمها في أول أيام بايدن إدارة مجلس السياسة الداخلية.
أما وليم (بيل) بيرنز، نائب وزير الخارجية (2011–2014)، فيربط محدودية العمل من أجل الوصول إلى تسوية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بتناقص اهتمام أوباما بالشرق الأوسط لمصلحة التوجّه صوب آسيا. وبلغة مهذّبة يكتب عن رفع التوقعات العربية والإسلامية في خطاب القاهرة، وما آلت إليه الإخفاقات في الممارسة إلى تعميق الخيبات. وحين يسهب هذا الدبلوماسي، البالغ الحرفية والواسع الثقافة، في الحديث عن الثورات العربية وسياسة الولايات المتحدة حيالها، يوحي بأن هذه الأخيرة ظرفية ومتأرجحة بين الأحكام القيمية السريعة والحسابات المؤقتة. وفي مقارنة مضمرة بعهود رئاسية سابقة، يصل بنا إلى الملاحظة أن ما من سياسة متماسكة عند أوباما في التعامل مع الشرق الأوسط بديلة من السياسة السابقة أو منقطعة عنها. إلّا أنه يستثني، بطبيعة الحال، العراق الذي سبق أن عارض الحرب عليه ووعد بالانسحاب العسكري منه. كما يستثني إيران حيث أراد أن يبعد شبح المغامرات العسكرية ويحقق نجاحًا للدبلوماسية كبيرًا. ويميل بيرنز، الذي يتقن العربية ويعرف العالم العربي ويتفهّم قضاياه، نحو التماس العذر لأوباما في تقاعسه عن المتابعة الجدية للجهد الدبلوماسي المتعثّر الذي قام به مبعوثه إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل. ويعزو هذا التقاعس أولًا إلى تصلّب نتنياهو الشديد وقدرته على الضغط من داخل الولايات المتحدة. ويعزوه أيضًا إلى ما يسميه ترهّل القيادة الفلسطينية وإلى قلة اهتمام العرب بقضية الفلسطينيين. ومن دون أن ينتقد بصراحة حرج أوباما ومساعديه وتردّدهم في التصدي لنتنياهو، يعود بالذاكرة إلى صلابة جيمس بيكر، وزير الخارجية الأسبق، الذي منع نتنياهو لمدة ثمانية عشر شهرًا من دخول وزارة الخارجية بعد اتّهامه الإدارة الأميركية بالكذب.
لكن بيرنز يشيد ببراعة أوباما في إدارة ضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي الهادفة إلى تغليب الخيار العسكري في مواجهة إيران. ويشير أيضًا، وإن مداورة، إلى مقاومته الشخصية لصلف نتنياهو وتهويله حين عهد إليه بالمحادثات السرية في شباط/ فبراير 2013، والتي مهّدت للمفاوضات العلنية التي انتهت في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بتوقيع “خطة العمل الشاملة المشتركة” حول برنامج إيران النووي. ويروي لنا بإسهاب قصة تلك المحادثات السرية والدور العماني، والأخذ والرد حول اقتصارها على المسألة النووية. ربما كان الحرص على النجاح، وفرصته لم تزد عن الخمسين في المئة بحسب أوباما، الدافع الأول وراء عدم توسيع جدول الأعمال ليشمل مسائل حيوية أخرى. ويذكر الدبلوماسي الأميركي سببًا إضافيًا ألا وهو طلب حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين ألّا تناقش في غيابهم سياسات إيران غير النووية. غير أنه، وفي نهاية فصله الطويل عن القناة الخلفية التي اختارها عنوانًا لكتابه، يعترف بضياع فرصة القيام بعمل أفضل في مواجهة المشكلات التي تتسبّب فيها سياسة إيران في المنطقة، أو على الأقل من خلال تأكيده أن الاتفاق النووي مدخل لسياسة أشدّ حزمًا تجاه إيران. بطبيعة الحال، يصعب التكهّن بحجم الدور الذي سيؤديه مستقبلًا في هذا المجال بحكم موقعه في إدارة بايدن مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. لكن معرفة إيران والخبرة في التفاوض الصعب مع ممثّليها وفريقه ستستثمر بطريقة ما عند استئناف المفاوضات مع إيران، أو بالأحرى العودة إليها بصيغة واستعدادات جديدة. أضف إلى ذلك أن معاونَيه في المفاوضات مع إيران، جيك سوليفان ووندي شيرمان، عيّنا مستشارًا للأمن القومي ونائبة لوزير الخارجية.
يقول بيرنز في معرض الحديث عن المفاوضات مع إيران إنه كان يترتّب على الولايات المتحدة المجازفة في اتخاذ موقف أفضل ضد نظام بشار الأسد يكون في الوقت نفسه موقفًا من تدخّلات إيران في سورية ؛ ما يسهم في تبديد بعض القلق العربي الذي تحدثه. ولا يخفي صاحب المذكرات المكتوبة بعناية كبيرة معارضته وأسفه لإحجام الولايات المتحدة عام 2013 عن الرد على استخدام نظام دمشق غاز السارين ضد المدنيين متجاوزًا الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس أوباما عام 2012. وعدا ذلك، لا يخفي قناعته أن مأساة سورية هي فشل كبير للسياسة الأميركية. ويؤكّد أن غياب الموقف الحاسم لأوباما في أكثر من مرحلة من مراحل الكارثة السورية فوّت فرصًا لإحداث فرق جدي في مسارها. ولا يقتصر، في رأيه، هذا الغياب على تجنّب انخراط عسكري يراه أوباما بصورة التورّط، بل يظهر في وضع القيود الصارمة على دعم المعارضة بالسلاح، خلافًا لنصائح العسكريين في إدارته، وفي عدم الاستجابة للدعوة إلى إقامة مناطق آمنة في الشمال السوري، وفي إخفاق التفاوض مع روسيا على نحو يحقّق تعاونًا وتوازنًا يحدّ من انحيازها إلى دمشق، وصولًا إلى تدخلها العسكري دعمًا للنظام. ويفسّر موقف الرئيس الأميركي، محاذرًا تبريره، ببطء عملية اتخاذ القرار، في ظل معرفة أوباما المحدودة بسورية، وإطالة المشاورات وتوسيع حلقة المشاركين فيها واستيضاحهم وسؤالهم عن توقّعات ليسوا قادرين على ترجيح تحقّقها. ويذكر أن الرئيس نظر أحيانًا إلى دور الولايات المتحدة في سورية من زاوية تجربتها المتعثرة في أفغانستان، منذ دعم المعارضة المسلحة وصولًا إلى تعزيز وجودها العسكري وصعوبة الإسراع في الانسحاب وآثاره المحتملة. ويضيف أن صدف التزامن مع انقسامات ومشكلات داخلية، ومعها تعرّجات العلاقة بين الرئيس والكونغرس، وجدول أعمال هذا الأخير في الشؤون الداخلية، اضطرّته إلى مراعاته وطلب موافقته على عملية عسكرية في سورية.
لم تبتعد حجج سوزان رايس وسامنتا باور عن الموقف من سورية الذي دافع عنه بيرنز. لكن الدوافع والمشاعر المؤثرة فيها اختلفت باختلاف التواريخ الشخصية. فرايس تحمل في ذاكرتها وفي قلبها مرارة اللاقرار الأميركي في الحؤول دون جريمة الإبادة في رواندا أو وقفها. يومها، أي عندما كانت تعمل في مجلس الأمن القومي، أخفقت في دفع بيل كلينتون وإدارته في اتجاه قرار فاعل. أما باور فعندها إيمان لا يحتمل الشك بضرورة التدخل لحماية المدنيين، منذ تشكّل وعيها السياسي الأممي إبّان عملها الصحافي، أيام الشباب، بصفتها شاهدة على الجرائم المرتكبة في حق المسلمين في البوسنة والهرسك، ووضعها بعد سنوات قليلة كتابًا لفت أنظار دبلوماسيين كبار وسياسيين وعنونته: مشكلة من الجحيم: أميركا وعصر جريمة الإبادة.
وقبل الدخول في تفاصيل الخلاف حول سياسة إدارة أوباما في سورية، تصف رايس التباين بين جيلين من المسؤولين ومساعدي الرئيس الأميركي حيال الثورة على النظام المصري؛ فالكبار، سنًا ومقامًا، عارضوا الضغط على مبارك ودعوته إلى الاستقالة. ورأى الآخرون، وهي منهم، أنه على الولايات المتحدة الانحياز إلى التطلعات الديمقراطية للشباب في مصر والعالم العربي. وتقول إن التباين نفسه ظهر عند البحث في قضية سورية، لكن إدراكها لما تراه مأزقًا حقيقيًا حال دون انضمامها إلى الداعين إلى تدخل الولايات المتحدة لإقامة مناطق آمنة للمدنيين، وتوجيه ضربات عسكرية إلى النظام ودعم المعارضة دعمًا قويًا. شدّها منطق أوباما وإن لم تقبل كل فرضيّاته. وزاد تقديرها لتبصّره الاحتمالات كافة، وأبرزها التورط العسكري التصاعدي الذي يحرص على تفاديه. إلّا أنها لم توافق على عدم الرد عسكريًا على اجتياز الأسد الخط الأحمر الذي حدّده أوباما. ومهما يكن من أمر، فقد رأت أن خيارات أوباما صائبة، رغم وعيها أن الامتناع عن التدخل في سورية يثير سؤالًا أخلاقيًا ويراه البعض مناقضًا للقيم الأميركية. ورغم ذلك، تضيف أنها لو كانت صاحبة القرار لما فعلت غير ما فعل، باستثناء الدعوة إلى رحيل الأسد والإعلان عن الخطوط الحمراء الذي لم ينفع شيئًا. وخلصت إلى القول إن قلبها وضميرها يتألمان بسبب سورية، إنها منذ مجازر رواندا وهي تؤيد التدخل لموقف ارتكاب الفظائع في حق المدنيين شرط ألّا تكون المخاطر على مصالح الولايات المتحدة كبيرة، وكأنها تضمر أن التدخل في سورية يجازف بتلك المصالح.
ليس تقييم المصالح همًّا كبيرًا عند سامنتا باور؛ فهي نادرًا ما تنظر إلى سياسة الولايات المتحدة من هذه الزاوية، أو هكذا تريد أن نراها. تشدّد على واجبها الأخلاقي، وكأنها تضمر أن بلدها مدعو، ومؤهل أيضًا، أن يكون قوة للخير في العالم. ولا ينفصل الاعتبار الأخلاقي، الذي تلبسه أحيانًا لبوس اللغة السياسية، عن تشديدها المتكرر على الصدقية والمشروعية في أوليتهما على حسابات الربح والخسارة الظرفيين، بما فيها ما يتّصل باضطرار السياسيين إلى المراعاة الدائمة لميول ناخبيهم. ويظهر ذلك عندها جليًّا عند الدفاع عن مبدأ التدخل في سورية، لا عند اجتياز الخطوط الحمراء فحسب بل قبل ذلك وبعده، وذلك أمام أوباما ومسؤولي إدارته ومساعديه وفي اتصالاتها بأعضاء الكونغرس الذي قرر أوباما طلب موافقته. كما يظهر في ممارستها لدورها الدبلوماسي في الأمم المتحدة. ويظهر أخيرًا في شرحها المسهب لتعرّجات الموقف الأميركي، الرئاسي بخاصة، بشأن التعامل الحازم والفاعل مع جرائم النظام السوري في حق المدنيين. ويتّسع انشغالها بالصدقية بفعل العلاقات التي نسجتها منذ بدايات الثورة السورية مع شخصيات في المعارضة ومجموعات مدنية ونتيجة إصغائها إلى شهادات عدد من الضحايا ومساعدة قسم منهم بعد الخروج من بلادهم. ومما لا شك فيه أن نظرة باور إلى المدنيين بصورة أشخاص التقتهم ساهمت في زيادة إصرارها على الموقف المؤيد للتدخل، بوسائل مختلفة وبحسب المراحل المختلفة، بل دفعتها نحو العناد في تفنيد حجج المتحفظين والمتردّدين، مثل قولها بشرعية التدخل العسكري باسم القانون الدولي ومبدأ حماية المدنيين كما فعل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو من دون الحصول على قرار متعذّر لمجلس الأمن. وتبيّن كيف وصل بها هذا الاصرار إلى مجادلة الرئيس نفسه حتى إثارة غضبه أكثر من مرة. وهي لا تخفي أن تلك الحجج ذكّرتها بالتي استخدمتها إدارة كلينتون لتبرير تقصيرها في وقف جرائم الإبادة في رواندا. وتوحي بأنها، من البداية، استشعرت أن أوباما ليس متحمّسًا للتدّخل في سورية لقلّة حماسة الرأي العام الأميركي لها، ولأنه قارن أحيانًا بين احتمال التورّط فيها والتورط في العراق وأفغانستان الذي عارضه. غير أنها لاحظت بعدئذ تغيّر اتجاهه واعتماد خيار الضربات العسكرية العقابية لتتفاجأ بتغيّر موقفه مرة ثانية، بعد تأرجحٍ بين الارتباك والحسم.
وتتفّق باور مع بيرنز ورايس في الإقرار أن تدهور الأوضاع في ليبيا جعل الكثيرين في الولايات المتحدة أكثر شكًا في قدرة أي تدخّل عسكري على تحقيق أهدافه المعلنة. ويضرب الثلاثة، كل من زاويته، مثالًا عن استخدام الروس تكرارًا ما وصفوه بالفشل الغربي قي ليبيا حجةً على أي إجراء دولي في حق النظام السوري بل رفضًا لمجرد إدانته، خشية أن تكون بمنزلة تمهيد لعمل عسكري ضده. أكثر من ذلك، جنح أوباما نفسه لمقارنة سورية بليبيا في معرض تساؤله عن جدوى العمليات العسكرية ضد الأنظمة التي تنتهك حقوق الناس على نطاق واسع. وقبل ذلك، أي في مستهل البحث حول ما تستطيع المجموعة الدولية فعله لحماية المدنيين الذين يهدّدهم تقدّم جيش القذافي، لم يبدِ استعدادًا للتدخل لا لبس فيه. يل اكتفى بدعوة الرئيس الليبي إلى التنحي بعدما فقد شرعية الحكم، وفرض عقوبات اقتصادية، وجمّد الأصول الليبية في المصارف الأميركية، وأيد بقوة قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بحظر دخول السلاح وإحالة قيادييّ نظام طرابلس إلى المحكمة الجنائية الدولية. وحين علت الأصوات المطالبة بعمل عسكري ضد القذافي، رأى في ذلك دليلًا على التقدم الأخلاقي في الولايات المتحدة صاحبة التاريخ الطويل من قلّة الاكتراث بما تفعله ضد شعوبها الأنظمة الاستبدادية الحليفة. لكنّه أضاف أنه بقدر ما شارك دعاة إنقاذ الأبرياء من الطغاة دوافعهم، ساوره القلق من شنّ أي عملية عسكرية ضد ليبيا، متسائلًا عن الحدود التي يقف عنها واجب حماية المدنيين. وحاذر أيضًا فكرة زجّ الولايات المتحدة في حرب وفي بلد بعيد ليس لها فيه مصلحة استراتيجية. واستشهد بأحد مساعديه الذي قال له إن الرأي العام الأميركي لا يهتمّ بليبيا وإن تسعة من عشرة مواطنين لا يعرفون أين تقع تلك البلاد. وعند استشارته العسكريين، أعيدت إلى الأذهان تجربتا أفغانستان والعراق، وأيّد نائب الرئيس جو بايدن رأيهم المعارض للمشاركة في حملة عسكرية، أيا كانت المبرّرات. وكعادته، تأرجح أوباما بين اعتماد هذا الرأي وتفهّمه لما سمعه من وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون لجهة ضرورة الاستجابة للمعارضة الليبية فضًلًا عن رايس وباور ومعهما بيرنز وأنتوني بلينكن، الذي أصبح في عهد بايدن وزيرًا للخارجية، والذين دافعوا عن سياسة منسجمة في دعم الحركات الشعبية المطالبة بالديمقراطية في العالم العربي وعن مسؤولية الولايات المتحدة في حماية المدنيين. ووصل بعد مناقشة وتفكّر كثيفين إلى خطة للتدخل قابلة للنجاح. فقرّر أن تشارك الولايات المتحدة في العملية العسكرية، مع توزيع للعمل مع الدول الأوروبية والعربية متفّق عليه مسبقًا، على أن تترك للأوروبيين تحمّل مسؤولية إعادة البناء في ليبيا ومساعدتها في التحوّل إلى الديمقراطية.
غني عن القول إن تنفيذ الخطة المذكورة لم يكن سهلًا من الناحية السياسية، كما استفاضت في تبيانه سوزان رايس من خلال سرد دقيق لما قامت به في الأمم المتحدة ودورها في استصدار قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي يأذن للدول الأعضاء، تحت الفصل السابع، باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة. وبحكم مسؤوليتها، لم تؤد دورًا كبيرًا في ضمان تقسيم العمل الذي أراده أوباما. لكنّها لم تبذل أي جهد ملحوظ لتأكيد الانكفاء الأميركي بعد انتهاء العمليات العسكرية، حتى بعد الحملة التي تعرّضت لها في الكونغرس إثر تصريحها لوسائل الإعلام عن الطابع العفوي لانطلاقة المظاهرات في بنغازي في أيلول/ سبتمبر 2012 والتي انتهت بمقتل السفير الأميركي وثلاثة موظفين آخرين. وحين انتقلت إلى البيت الأبيض، مستشارةً للأمن القومي، لم تكتف خليفتها في نيويورك سامنتا باور بعدم إظهار أي نزعة إلى الانكفاء الأميركي. ذهبت أبعد من ذلك إلى انتقاد مخفف لأوباما في اتكاله على أوروبا لمتابعة العمل في مساعدة ليبيا بعد التدخّل العسكري، وإلى تمنّيها لو أن الولايات المتحدة قامت بدور أكبر في هذا الصدد، لمّا اتضح أن أوروبا لم تقم بكامل المهمة المطلوبة. أما بيرنز، فبعد تشديده على ضرورة الاعتراف بحدود النفوذ الأميركي وتأثيره في مآلات الثورات العربية، يقرّ بالأخطاء المرتكبة في ليبيا. فعلى غرار رايس وباور، لا يناقش صوابية تردّد أوباما ومن ثم قراره بالتدخل في ليبيا. غير أنه يتحدث بصراحة عن الفشل في صنع سياسة متماسكة ومستدامة بعد سقوط معمر القذافي، إضافة إلى سوء تقدير لدور حلفاء الولايات المتحدة العرب، في مصر والخليج، والتقليل من ضغوط الثورة المضادة التي ساهموا فيها.
غني عن القول إن المذكرات الثلاث لا تخفي تمايزًا، بدرجات متفاوتة، عن رؤية أوباما ومشاعره وحساباته الداخلية، بالنسبة إلى قضايا فلسطين ومصر وسورية وليبيا وغيرها. وأيًا كان من أمر التساؤلات والمراجعات التي سمعتها منهم شخصيًا وتململهم المتحفّظ الذي عاينته حين كنت مبعوثًا للأمم المتحدة إلى ليبيا، فإن هامش الدبلوماسيين الثلاثة في التمايز ظل ضيّقًا، لا بسبب واجب الانصياع لرئيسهم وطاعة أوامره الرئاسية فحسب، بل بفعل تأثّرهم بقوة شخصيته وعقلانيته واتساع معرفته وحسن إدراكه لما تتيحه موازين القوى الداخلية. فهل يختلف الأمر مع الرئيس الجديد؟
(*) مقالة نشرها الوزير السابق طارق متري في موقع “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”.
———————————–
=================
تحديث 26 شباط 2021
————————–
الأسد
بايدن يقصف مقاتلي إيران بهدوء في سوريا/ جويس كرم
الضربة الأميركية فجر الجمعة في سوريا والتي استهدفت بما يفوق طن ونصف من الذخيرة سبعة أهداف لميليشيات إيرانية، تعبر وبشكل لا لغط فيه أن الرئيس الجديد جوزيف بايدن، لن يتهاون في ملفات الأمن الإقليمي والرد “بالوقت والمكان” المناسبين حيث تفترض المصالح الأميركية ذلك.
القصف الأميركي، الذي دمر عدة منشآت تقع عند نقطة مراقبة حدودية لسوريا مع العراق الساعة الواحدة فجرا في التوقيت المحلي، استهدف عددا من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، بما في ذلك “كتائب حزب الله” و “كتائب سيد الشهداء”. المرصد السوري لحقوق الإنسان قدر عدد الضحايا بـ17 مقاتلا، فيما قال البنتاغون إنهم لا يتجاوزون عدد الأصابع وأكد على دقة الأهداف.
الضربة وهي الأولى لبايدن في الحلبة السورية ضد حلفاء إيران تعكس نهجا أميركيا مختلفا عن ذلك الذي صاحب حقبتي دونالد ترامب وباراك أوباما.
فعلى عكس ترامب، بايدن الهادئ والكتوم، لا يهدد ويرشق الاتهامات عبر “تويتر” بعد كل صاروخ تطلقه الميليشيات الموالية لإيران في العراق ضد المنطقة الخضراء أو باتجاه قواعد عسكرية. وعلى عكس أوباما، فإن بايدن الوسطي البراغماتي، لا يبدي ضعفا في الساحة الإقليمية خوفا على مفاوضات حول الاتفاق النووي لم تبدأ أصلا مع إيران. فأميركا يمكن أن تفاوض حول التخصيب ونسب اليورانيوم وفي نفس الوقت تحمي وجودها الاستراتيجي في المنطقة.
ترامب اختار الانسحاب من سوريا وهدد بالانسحاب بالكامل من العراق، فيما انسحب أوباما في 2011 من العراق قبل أن يعود في 2014 لمحاربة داعش. بايدن أكثر حذرا وأقل تسرعا من الاثنين، وهو ليس بصدد الانسحاب أو التصعيد مع طهران في العراق.
ضربة بايدن فيها من الحذاقة السياسية والعسكرية ما يجب أن يقلق إيران. فهي موجعة عسكريا نظرا لعدد الميليشيات الموالية للحرس الثوري الموجودة في تلك المنطقة، وفي نفس الوقت هي محسوبة لجهة عدم جر العراق إلى منزلق تصعيدي بين أميركا وإيران وتحييده من خلال ضرب سوريا.
وفي نفس الوقت فإن الضربة ليست استعراضية وتوازن بين مصالح أميركا في محاولة تثبيت قوة الردع ضد إيران بعد ثلاث هجومات استهدفت مصالحها في العراق في الأسبوعين الأخيرين، أبرزهم في أربيل، وبين ضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات مع طهران حول الملف النووي.
هذه هي المعادلة التي يفرضها بايدن بالموازنة بين الدبلوماسية النووية والمصالح الإقليمية التي ليست الإدارة الجديدة بوارد التخلي عنها أمام ميليشيات ليست لديها الشجاعة لتبني الهجوم الصاروخي، لا بل تختبئ خلف أسماء وسرايا “أولياء الدم” المعروف من مظلتها.
القصف في سوريا يصعب على إيران الرد أيضا. فليس هناك العمق الشعبي الموجود في العراق للسير بتظاهرات للحشد الشعبي والدعوة لانسحاب أميركي وفي حال اختارت هذه الميليشيات الرد على الأميركيين في سوريا، فستصطدم بقوات سوريا الديمقراطية والطيران الأميركي. فالميدان السوري أصعب على إيران للتحرك ضد أميركا من العراق، والدليل هو مواجهة دير الزور في 2018 بجانب حقل الغاز كونوكو وحيث حاولت إيران وروسيا تحدي واشنطن، وتعرضت لهجوم جوي وقتلى بالمئات.
الترحيب السياسي الداخلي في واشنطن بالضربة من الجمهوريين كما الديمقراطيين يعطي بايدن اندفاعة باتجاه تنسيق بين الكونغرس والبيت الأبيض كان غائبا في السنوات الأخيرة.
ضربة سوريا هي أول تعبير عن نهج وسطي وغير استعراضي لبايدن في مقاربة تحديات مفصلية للمنطقة. فالباب مفتوح أمام إيران للمفاوضات كما هو مفتوح أمام واشنطن لحماية مصالحها وخط قواعد اللعبة.
الحرة
——————————–
اقتراحات رئاسية لحلّ الأزمات العربية!
حسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فإن رئيس النظام السوري بشار الأسد اقترح، في لقاء مع صحافيين موالين له حول مظاهر الأزمة الاقتصادية في البلاد (من انهيار سعر العملة إلى النقص الحاد في الوقود والخبز) أن يكف الإعلام السوري عن عرض برامج الطبخ كي لا تزعج الملايين من مواطنيه المعدمين والجوعى والنازحين بصور مآكل يصعب عليهم شراؤها.
تنطق تصريحات الأسد ـ الذي تسبب بواحدة من أكبر الكوارث السياسية في التاريخ المعاصر ـ بما يسمّى في الأدبيات السياسية العالمية «تفاهة الشرّ» التي تكشف عن نفسها في تعليقات مخيفة في خلوها من العاطفة والمنطق معا، فالأسد، الذي روّج في بداية عهده لكونه مشغولا بالتحديث الرقمي والتكنولوجي لبلاده، يطلق هذا التصريح وهو يعلم أن السوريين، مثلهم مثل قبائل غابات الأمازون، وسكان الأصقاع المعزولة والبعيدة كسيبيريا وآيسلندا ومنغوليا، صارت لديهم أشكال للتواصل مع العالم ورؤية ما يحصل فيه، بما في الأسرار السياسية التي كانت أجهزة الأمن تستطيع محاصرتها في السابق، وأنهم ليسوا مسجونين، كما كان آباؤهم، في عهد والده المورث حافظ الأسد، في إطار مشاهدة تلفزيونهم المحلّي وحسب.
من هذه التصريحات التي لا تكف عن مناقضة بعضها بعضا، أن الأسد ألقى في اجتماع في كانون الأول/ديسمبر الماضي خطبة في جمع من رجال الدين أخبرهم فيها أن «العدو الحقيقي للإسلام ليس الخارج وإنما من أبناء الدين الإسلامي أنفسهم» وأن من خرجوا من المساجد للتظاهر ضد نظامه وهتفوا الله أكبر «هم ملحدون» وبعد تحميل «العدو الداخلي» المسؤولية وتبرئة الخارجي هاجم الأسد في الخطاب نفسه العدوّ الخارجي الذي يعمل «على نسف الدين والمجتمع» هو «الليبرالية الحديثة» التي «تتناقض مع طبيعة الإنسان».
إضافة إلى الخطابات الأولى التي قدّمت خطاب الأنظمة العربية المعهود عن «الإرهاب» و«العمالة للخارج» أنتجت آلة خطب الأسد أفكارا تحسب له، من قبيل تشبيه المتظاهرين المعارضين بالجراثيم، وهذه الفكرة القادمة من إرث الطبيب الذي استدعي من لندن على عجلة بعد وفاة والده ليرث الحكم، تم تطويرها لاحقا بطبعة أقرب إلى المفاهيم النازيّة، حين تحدث عن سعادته بتخلّص مناطق سيطرته من المعارضين، ومن «البيئة الحاضنة» التي تعدّ بالملايين، مما خلق، حسب قوله، «مجتمعا متجانسا».
في سباق دفاع الدكتاتور المستميت عن نفسه، وتجريمه لكل من يعارضه، يُفترض أن يبوأ الأسد مكانا عاليا بين أقرانه ونظرائه العرب والأجانب، ففي حين يكتفي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بترديد أسطوانة من مقطعين يحمّل فيهما مسؤولية تردي الأوضاع في بلاده إلى الإرهاب وزيادة عدد السكان، فإن رئيس النظام السوري لا يكف عن الإبداع الذي يتفوق فيه على نفسه وأقرانه في كل مرة يتفوه بها بتصريح جديد.
من الفلتات الثمينة التي فاه بها الأسد في لقائه الأخير مع الإعلاميين الموالين كانت تأكيده لهم إن نظامه لن يعقد مصالحة مع إسرائيل (في الوقت الذي تتزايد الإشارات إلى طموح متزايد بأن تقوم إسرائيل بإنقاذه من أزماته) وأنه لن يشرع زواج المثليين، كما لو أن مسألة المصالحة مع إسرائيل وزواج المثليين هما من الحجم والوزن نفسيهما.
يحب الأسد التصرّف مع الجمهور المجبور على سماعه على أنه فيلسوف يحاضر في الجهلة أو أنه فاز بالرئاسة بشكل ديمقراطي، فيشرح لرجال الدين معنى الإسلام، ويقول لنظرائه الزعماء العرب إنهم «أنصاف رجال» وينظر للإبادة بالحديث عن الجراثيم والمجتمع المتجانس، ولكن هذا المحاضر العظيم الذي يتفلسف في كل شيء لا يستطيع أن يرى الشيء الوحيد الحقيقي وهو أنه مسؤول مباشر عن تدمير بلده وتحطيم شعبه وفوق ذلك كله الاستتباع للقوى الأجنبية التي تحافظ على حكمه.
القدس العربي
——————————-
الضربة الأميركية على سوريا مدروسة..وأغضبت الروس
قال موقع قناة “الحرة الأميركية” إن “قنابل ذكية دكّت مواقع مسلحين تدعمهم إيران في سوريا على الحدود مع العراق”، في غارة أميركية جاءت رداً على الهجمات الصاروخية الأخيرة في العراق. ونقل عن مسؤول أميركي أن “رسالتنا هي: لن نغض الطرف عن هجمات ميليشيات إيران”.
وأضاف أن التفاصيل تشير إلى “رد مدروس” من قبل الإدارة الأميركية الجديدة على هجمات صاروخية تكثفت في الفترة الأخيرة ضد القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق. وكشفت أن الغارات استهدفت سبعة مواقع واستخدمت فيها قنابل ذكية، سعة القنبلة الذكية الواحدة من المتفجرات 250 كيلوغرام.
وأشاد رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مايكل ماكول بالضربات الجوية. وقال في بيانا: “لقد دعوت الإدارة إلى الرد على الهجمات الأخيرة على أهداف الولايات المتحدة والتحالف، وأنا أشيد بهم لفعلهم ذلك بالضبط”.
وتابع: “ردود مثل هذه تعتبر رسالة تهديد وتذكير لإيران ووكلائها وخصومنا في جميع أنحاء العالم بأن الهجمات على المصالح الأميركية لن يتم التسامح معها. أشكر الرئيس وأفراد خدمتنا على حماية الأميركيين في الخارج”.
ويبدو أن الضربة الأميركية أقلقت حلفاء نظام الأسد. وقالت وكالة “رويترز” إن وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف اتصل بنظيره السوري فيصل المقداد، بعد ساعات من الضربة، فيما نقلت وكالة “سبوتنك” عن مصدر في وزارة الخارجية الروسية أن موسكو تدين الضربة، وتعتبرها انتهاكاً “غير مقبول” للقانون الدولي.
وقال المصدر: “تم توجيه الضربة على أراضي دولة ذات سيادة عضو في الأمم المتحدة”. وأضاف “هذا انتهاك غير مقبول للقانون الدولي. نحن بحاجة لمعرفة الأهداف التي ضربوها هناك”. فيما أعلنت الرئاسة الروسية أنها لا تزال على اتصال مستمر مع حكومة النظام السوري بخصوص الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة على شرق سوريا الليل الماضي.
وأضاف بيسكوف، رداً على سؤال حول ما إذا كان الجانب الأميركي قد أخبر روسيا بهذا القصف، “لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لأن الاتصالات تجري عبر الجيش. وليس لدي مثل هذه المعلومات. والجيش يواصل الاتصالات”.
ودانت وزارة الخارجية الروسية الضربات الجوية. وقالت المتحدثة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا: “ندين بشدة هذه التصرفات، ندعو للاحترام غير المشروط لسيادة سوريا وسلامة أراضيها”.
وفي السياق، رأى رئيس اللجنة الدولية في مجلس الفيدرالية الروسي قسطنطين كوساتشيوف أن التصرفات الأميركية في سوريا قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع في المنطقة وانهيار الاتفاق النووي مع إيران.
وقال كوساتشيوف الجمعة: “قصة غريبة للغاية، تشارك فيها أربع دول، الولايات المتحدة والعراق وإيران وسوريا، لكن دولة واحدة فقط (الولايات المتحدة) تستخدم القوة العسكرية علانية وكذلك العقوبات”.
واعتبر أن ظروف وملابسات إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء في بغداد في 22 شباط/فبراير، “غير واضحة تماماً”، و”تمّ تحديد المسؤولين عن هذا القصف بطرق مبتذلة، بين الجيوسياسيين المعارضين. وقال: “الولايات المتحدة تهب لنفسها مرة أخرى الحق في إجراء تحقيق وإصدار حكم وتنفيذه خارج المحكمة ودون مراعاة قواعد ومبادئ القانون الدولي”.
وتابع: “هكذا، تتطور هذه القصة إلى الخطر العلني، عندما يكون تصعيد المواجهة العسكرية في المنطقة أمراً ممكناً، وانهيار التطبيع المحدد للتفاعل بين الولايات المتحدة وإيران في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة”.
بدوره، قال النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الفيدرالية الروسي فلاديمير جباروف، إن “ما حدث خطير للغاية ويمكن أن يؤدي إلى تصعيد الأوضاع في المنطقة بأسرها”.
واعتبر جباروف أن مثل هذه الأعمال قد تؤدي إلى “صراع ضخم”، مضيفاً أن “سوريا تمتلك أسلحة حديثة، بما في ذلك منظومات إس-300، ويجب على الأميركيين توخي الحذر الشديد في مثل هذه الأعمال”. وقال إن “كل تفاصيل ما حدث ليست واضحة بعد، وبالتالي لا يمكن إجراء سوى تحليل أولي للوضع الآن. لكن كل شيء حتى الآن يبدو في غاية الخطورة”.
المدن
—————————–
صورة الرئيس المنهارة مع العملة/ قاسم البصري
ضمن الحزمة السادسة لقوائم الكيانات والأشخاص المشمولين بعقوبات قيصر، الصادرة نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، أضافت وزارة الخزانة الأميركية مصرف سوريا المركزي إلى القائمة، بعد خمسة شهور تقريباً على دخول الحزمة الأولى من العقوبات حيز التنفيذ في شهر حزيران (يونيو) من العام نفسه. وتلا ذلك، بعد شهر من صدور الحزمة الأخيرة للعقوبات، طَرحُ المصرف المركزي ورقة نقدية من فئة 5000 ليرة للتداول، بعد عامين من التأجيل بحسب المركزي، وهي المرة الثالثة التي يلجأ فيها النظام إلى طباعة عملة جديدة منذ بداية الثورة السورية، بعد أن طبع ورقة نقدية من فئة 2000 ليرة مرتين في العام 2017، فضلاً عن كميات جديدة من مختلف الوحدات النقدية في العام 2015.
يمكن لنا من خلال مراقبة سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء أن نلاحظ أنها «استطاعت امتصاص الأثر» الذي خلفته العقوبات على المركزي، فقد انخفض سعر صرفها من 2850 ليرة مقابل الدولار يوم الحادي والعشرين من شهر كانون الأول، وهو تاريخ إضافة المركزي إلى قائمة المشمولين بالعقوبات، إلى حدود 2900 ليرة سورية في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني، الموافق لإصدار الوحدة النقدية الجديدة، أي إنها استطاعت تقريباً استعادة ما خسرته بعد أيام من التذبذب صعوداً وهبوطاً بفعل الأثر النفسي لمعاقبة المركزي. ولكن، منذ ذلك الحين، واصلت الليرة خساراتها حتى اقتربت من 3600 ليرة مقابل الدولار الواحد في أسواق العاصمة دمشق، بحسب آخر نشرة صرف نشرها موقع الليرة اليوم ليل أمس الأربعاء.
قد توحي هذه الأرقام بأن الضرر الذي ألحقه طرح ورقة 5000 ليرة في الأسواق كان أشدّ على العملة السورية من الحزمة الأخيرة للعقوبات، غير أنّ ذلك ليس دقيقاً تماماً دون النظر إلى العوامل الأخرى. أولاً لأن تقدير أثر العقوبات غير ممكن على المدى القصير، وثانياً لأنّ معاقبة المركزي قد تكون هي ما دفعت نظام الأسد لإصدار ورقة 5000 ليرة في هذا التوقيت كاستجابة دفاعية ضدّ الأثر الذي قد تخلّفه العقوبات على المركزي، لا سيما أنّ الأخير كان يتردّد في طرحها للتداول على مدى عامين. هل كانت هذه الاستجابة الدفاعية الخطوة الأفضل للمركزي؟ أو، بالأحرى، هل من المنطقي أن يطرح النظام الورقة الجديدة في هذا التوقيت الصعب؟ ليس بالضرورة، ولكن ما هي الأدوات التي يمكن له اتخاذها في ظلّ إفلاسه وعدم قدرته على ضبط سعر الليرة؟ لم يجد النظام أمامه سوى طرح ورقة نقدية جديدة، دون أخذ مسألة التوقيت في الحسبان وعلى الرغم من التضخّم الذي سينتج عن ذلك. وعوضاً عن إجراءات نقدية، اكتفى بالتعويل على المزيد من التشديد على حركة القطع الأجنبي في الأسواق بواسطة الأجهزة الأمنية.
لقد استنفذ نظام الأسد كل الحلول التي من شأنها التخفيف من أزمته المالية، من طرح منشآت حكومية وقطاعات طاقية للاستثمار أمام روسيا وإيران، مروراً بسلب رجال المال المقربين منه أموالهم وأصولهم، ثمّ ما يتعلّق بموضوع بدلات الخدمة الإلزامية ووضع اليد على ممتلكات المتخلفين عن الدفع، فضلاً عن عشرات الأمثلة الأخرى. إذن ليس من السليم محاكمة مدى صواب الطريقة التي يدير بها النظام أزمته الاقتصادية أو يتجاوب من خلالها لما يعترضه، فهو يحاول فعل كل ما يمكنه دون القدرة، من ناحية الوقت والأدوات، على وضع استراتيجية واضحة يمكن أن تعود بنتائج إيجابية.
من نافل القول إنّ الشعب السوري أكثر تأثراً من نظام الأسد من العقوبات وإصدار الورقة النقدية الجديدة، ذلك أنّه لم يتبين حقاً أنّ بمقدور العقوبات أن تشتمل على آليات تحد من الجوع كما قال بعض أصحابها والمتحمسون لها. والأهم من ذلك أنّ النظام لا يتورّع عن تجريب أي سياسات تمنع انهياره الاقتصادي التام، مهما كان أثرها سيئاً على الناس، فسياسات النظام جميعها تراعي بقاءه دون الناس، فهو يعي أنّ مَخرجاً للناس من أزمتهم يعني دخوله هو في أزمة تُملي عليه الرحيل، أو الدخول في عملية سياسية حقيقية تُفضي إلى رحيله. ويمكن الإشارة هنا إلى الأرقام التي نشرها مؤخراً مركز قاسيون للدراسات في دمشق، والتي تشير إلى أنّ الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص تحتاج اليوم إلى قرابة 732 ألف ليرة لتكون قادرةً على تحمّل تكاليف العيش، وهذا الرقم هو 15 ضعف متوسط الأجور في البلاد. لا يمكن للنظام، بأيّ شكل من الأشكال، تأمين احتياجات الناس المعيشية، وبالتالي فإن كل تركيزه اليوم ينصبّ على تأمين احتياجات بقائه هو نفسه، في مواجهة الناس والأزمة الاقتصادية على حدّ سواء.
هنا، ينبغي العودة للسؤال الرئيسي: هل وحدها ورقة الـ5000 قد رفعت معدلات التضخم وخفّضت القدرة الشرائية؟ لا شك أنها ساهمت، ولكن يجدر أيضاً حساب الأثر التراكمي للعقوبات والأثر التراكمي لانهيار الاقتصاد السوري التدريجي على مدى سنوات. في ظل حالة الانغلاق الذي يعيشه الملف السوري على الصعيد السياسي، ورفض نظام الأسد لكلّ الحلول، فهو يمضي في تعميق أزمة الناس وتعميق أزمته.
لقد وصل انهيار قدرة النظام النقدية إلى حدود عجزه عن تأمين مبلغ 1.2 مليون دولار لشراء لقاح كورونا من حليفه الروسي. العجز عن تأمين هذا المبلغ، المتواضع جداً قياساً بميزانيات الدول، مؤشر رهيب على مدى الانهيار غير المنظور في القدرة على تأمين مبالغ متواضعة من النقد الأجنبي، وتُظهر أيضاً العجز الاقتصادي الذي يعانيه النظام السوري، والذي يحاول مداراته وستره بشتى الأساليب. يظنّ النظام أنه قادر على العيش اقتصادياً طالما أنّه قادر على صرف الرواتب والأجور على جميع العاملين لدى الدولة، ولكنّ الأمور تتجه رويداً رويداً لأن يصبح صرف هذه الرواتب من عدمه سيّان في ظلّ تراجع قدرتها الشرائية إلى حدود كبيرة، وهو يدرك تماماً أنّ زيادة الأجور لن تؤدي إلا إلى مزيد من التضخم وضعف القدرة الشرائية. دخلنا العام 2020 بسعر دولار معادل لـ925 ليرة سورية، ثم دخلنا العام الحالي بسعر صرف قريب من 3000 ليرة مقابل الدولار، أي إنّ سعر الصرف انهار بمقدار 300% خلال عامٍ واحد. أما العام الحالي فسيكون أكثر كارثيةً من سابقه، ذلك أنّ جميع أسباب الانهيارات السابقة ما تزال موجودة، علاوةً على مسببات انهيار يومية متواصلة.
يدرك بشار الأسد، بحسب ما تسرّب من اجتماعه مع مجموعة كبيرة من الإعلاميين، حجم الأزمات المعيشية التي يواجهها ضحاياه الذين ما زالوا أحياء في مناطق سيطرته، ولكنّ المهمة الرئيسية بالنسبة له اليوم هي تمديد حكمه سنوات إضافية من خلال الانتخابات التي يخطط لإجرائها قبل منتصف العام الحالي. ولكن هل هو غير مهتم حقاً بالوضع المعيشي؟ لا يبدو أمر اهتمامه من عدمه تفصيلاً مهماً، لأنه فعلياً عاجز عن إحداث أي تغيير. ما بوسع الأسد فعله هو منع الناس من تنظيم احتجاجات على كارثية الوضع المعيشي باستخدام العنف المفرط، ولكن هل سيتحرك السوريون بعد كل الوحشية التي عاينوها خلال السنوات الماضية؟ يمكن لمتابع للأحاديث الدائرة في الشارع السوري أن يلاحظ أنّ النظام المُرعب خلال الأعوام الماضية لم يعد كذلك بالنسبة للجميع، أو لعلّ خشية الناس منه صارت أقل بكثير من السابق. اليوم يُشتَم بشار الأسد في أماكن عامة داخل مناطق سيطرته في الساحل السوري كما يُشتم أي شبيح آخر.
موقع الجمهورية
————————-
بايدن والشرق الأوسط: إرسال الأطباء وتأجيل العلاج/ عقيل حسين
في الثاني والعشرين من شباط، وعقب حلقة استثنائية من برنامج (ستون دقيقة) الذي تبثه قناة (سي بي اس) الأمريكية، خرج وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكين بتصريح جديد حول مجازر النظام التي نفذها بالسلاح الكيماوي، مشيراً إلى أن “النظام السوري استخدم مراراً وتكراراً الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وفشل في التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في الإفصاح عن مخزونه من هذه الأسلحة وتدميرها”، وأكد أنه “لا يوجد أي نوع من الحصانة والهروب من العقاب الذي ينص عليه القانون الدولي فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية”، كما ذكّر بأن روسيا قدمت المساعدة الدبلوماسية والعسكرية إلى النظام لمواصلة هذا “السلوك المدمر”.
تصريح رأى فيه الكثيرون أنه يدشن استئنافاً جديداً لموقف أميركي مستمر مما يجري في سوريا، يقوم على أن واشنطن تنزعج فقط إذا ما ارتُكبت الجرائمُ باستخدام السلاح الكيماوي، وهنا يمكن استحضار الكثير من المحطات المؤلمة على هذا الصعيد، لعل أشهرها على الإطلاق خط أوباما الأحمر التعيس الذي كان يعتبر أن استخدام هذا السلاح من قبل النظام ستتم مواجهته بقوة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، واكتفى الرئيس الأميركي الأسبق بعقد صفقة بواسطة روسية تقضي بتسليم نظام الأسد سلاح الجريمة دون أي محاسبة.
يكشف هذا التصريح، حسب منتقديه، فشل الولايات المتحدة حتى على مستوى إلزام النظام بتنفيذ الاتفاق الذي جرى توقيعه عام 2014، إلى حد أنه بعد أكثر من ست سنوات لا زالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عاجزة عن تطبيقه، لكنه حسب آراء أكثر تشاؤماً، فإن بلينكين يجدد في الواقع تصريحاً منسوباً لسلفه الأسبق جون كيري بهذا الخصوص.
ينقل عن كيري أنه قال لنظيره الروسي بعد أولى هجمات الكيماوي في سوريا ما مضمونه، أنه “إذا كان المعارضون بهذا السوء الذي تتحدثون عنه، فلتتم مواجهتهم بكل الأسلحة إلا الكيماوي”!
تصريح لا يمكن استبعاده بالنظر إلى معطيات كثيرة تعضده، ولا تحتاج لإعادة التذكير بها، خاصة مع استمرار عدم ظهور تفاصيل كامل الاتفاق بين كيري ولافروف حول سوريا، الموقع عام 2016، رغم التسريبات التي صدرت حوله.
بالمقابل هناك من رأى في تصريحات بلينكين الأخيرة مؤشراً إيجابياً، أولاً لجهة عودة الاهتمام الأميركي بالملف السوري، وثانياً لكونه يؤكد على عدم سقوط جرائم النظام الكيماوية على الأقل بالتقادم، وثالثاً لجهة دمجه بين مسؤولية روسيا والنظام عن هذه الجرائم.
إلا أنه حتى مع افتراض ذلك، فإن هذا التصريح يشير إلى أن الإدارة الأميركية الحالية ليست بوارد تغيير استراتيجيتها في سوريا، القائمة على “إدارة الصراع وليس حله” كما أكد رئيس الائتلاف الوطني المعارض نصر الحريري يوم الأربعاء الماضي.
الحريري الذي انتقد السياسة الأميركية في التعامل مع الأزمة في سوريا، قال إن الولايات المتحدة “تعاملت مع الملف السوري من باب إدارة الأزمة وليس البحث عن حلول جذرية لها”. وأضاف: “نحاول العمل مع الإدارة الأميركية الجديدة على مجموعة من العناصر السياسية القائمة على أن تكون استراتيجية واشنطن محددة وواضحة وتنسجم مع المخاطر الجسيمة في المنطقة وتضمن الأمن والاستقرار المستدام في سوريا”.
إذاً حتى الآن لا أحد يعرف عن التوجهات الأمريكية حول الملف السوري الكثير، ولعل من المهم الإشارة هنا إلى أن الجميع يعتمد على التعيينات والأسماء التي يعلن عن تسميتها في هذه الإدارة لفهم توجهات الرئيس الجديد جوزيف بايدن فيما يتعلق بالشرق الأوسط، لكن خبراء السياسية الأميركية يرون في هذه التعيينات استمراراً لسياسة سلفه باراك أوباما خاصة لجهة إدارة الصراع في سوريا وليس العمل على حله، مقابل تركيز مطلق على تجديد الاتفاق النووي مع إيران، والحفاظ على الوجود الأميركي الرمزي في سوريا والعراق، بهدف عدم منح موسكو وطهران، وكذلك الأتراك فرصة التفرد بالمنطقة.
فمقابل تعيين روبرت مالي مبعوثاً خاصاً بالشأن الإيراني، وهو المعروف بإعجابه بإيران ودعمه الواسع للتعاون معها، عيّن بايدن وزير الخارجية أنتوني بلينكين لإحداث توازن على هذا الصعيد، ليبدأ الاثنان سباقاً محموماً من أجل سحب ملف إيران إلى أدراج مسؤوليته، خاصة مع بروز مواقف من الأخير تشير إلى عدم حماسه لتقديم أي تنازلات إلى طهران، ويمكن إلى حد ما أن تنسحب هذه الرؤية على موقف كل منهما فيما يخص تركيا والسعودية والعالم العربي بشكل عام.
لا تقف إدارة بايدن عند حد التوازنات في توجهات مسؤوليها الخارجيين الذين تم اختيارهم لإدارة ملفات الشرق الأوسط، بما يعطي إيحاءات متساوية لكل الأطراف والدول في هذه المنطقة، بل تجاوزتها في هذا التوجه إلى تعيين موظفين من أصول مختلفة في الإدارة الجديدة.
فلأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة يتم تعيين مسلمة محجبة، هي سميرة فيزالي، نائبة مدير المجلس الاقتصادي القومي في البيت الأبيض، وهي المسلمة الثانية من أصول غير عربية بعد الإيرانية آرين طبطبائي، بالإضافة إلى الموظفتين من أصول عربية، وهما دانا شباط، ذات الأصول الأردنية، التي سميت مستشارة أولى للشؤون التشريعية، والفلسطينية الأصل ريما دودن، المسماة نائبة لمدير مكتب البيت الأبيض للشؤون التشريعية.
مغازلة الجميع وإظهار الاهتمام بالكل.. هذه هي رسالة إدارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط الواضحة حتى الآن على الأقل، وذلك على حساب استراتيجية تشتغل لحسم الملفات العالقة التي يعتبر عدم اتخاذ واشنطن موقفاً واضحاً تجاهها هو ما أبقاها مفتوحة حتى الآن رغم كل تكاليفها الباهظة بالنسبة لشعوب المنطقة وأمنها ومستقبلها.. فهل سيستمر بايدن في إرسال الأطباء إلى هذه المنطقة المريضة، لكن دون أن يزودهم بأي علاج؟
تلفزيون سوريا
—————————
دلالات الصفقات المتكررة بين النظام السوري وإسرائيل/ عدنان أبو عامر
بصورة مفاجئة، أعلن الاحتلال الإسرائيلي والنظام السوري، اكتمال صفقة تبادل أسرى بينهما، برعاية روسية، بموجبها تم إطلاق سراح أسيرين سوريين من محافظة القنيطرة، كانا معتقلين في السجون الإسرائيلية، مقابل إطلاق سراح فتاة إسرائيلية دخلت بطريق “الخطأ” إلى الأراضي السورية حيث منطقة القنيطرة، وتم اعتقالها من قبل الأمن السوري.
صحيح أنه تم فرض تعتيم إعلامي مشدد حول طبيعة هذه الصفقة، حقيقتها ودوافعها، والأهم الأثمان المدفوعة من قبل الجانبين، لكن المعلومات الشحيحة تحدث أن الإسرائيلية اجتازت الحدود السورية قبل أيام عدة، دون نشر تفاصيل كاملة بشأن هويتها ودوافعها.
لكن بدا واضحا أنه فور وقوع هذا الحدث الغريب في جغرافيته وتوقيته، دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية للحديث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرتين، وطلب منه مساعدته في استعادتها، فيما عقد اجتماع طارئ لحكومة الاحتلال دعا إليه بشكل مفاجئ نتنياهو، لبحث مسألة متعلقة بسوريا.
في وقت لاحق، سافر مساعدان لنتنياهو إلى موسكو لإعادة تلك “الإسرائيلية”، وهما مستشار الأمن القومي مائير بن شبات ومنسق شؤون الأسرى والمفقودين يارون بلوم، وإجراء محادثات مع كبار المسؤولين الروس بشأن تفاصيل هذه “الصفقة”، والأثمان المتوقعة.
رغم انقضاء الأمر، وتبادل أسرى الجانبين، فلا زالت عملية تبادل السجناء بينهما بمساعدة روسية، وسط غموض ما زال قائما يحيط بدخول تلك الفتاة الإسرائيلية إلى سوريا، ولم يتم الكشف عن هويتها بسبب أمر أمني يمنع تحديد هويتها، رغم أنها وصفت بأنها من عائلة متدينة، وهي في العشرينات من عمرها، وأقامت سابقا في مستوطنة “موديعين عيليت” بالضفة الغربية المحتلة، ولم يعرف سبب اجتيازها الحدود مع سوريا، حيث أوردت الصحافة الإسرائيلية تقارير متناقضة.
هناك من قال إنها حاولت مقابلة مواطن سوري التقطت صورته عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقال آخرون إنها تعاني من مشاكل نفسية، وحاولت مرة العبور إلى قطاع غزة، وألمحت تقارير أخرى إلى ارتباط المسألة برمتها بوجود عمليات حفر في مقابر سورية بحثا عن رفات العميل الإسرائيلي إيلي كوهين الذي اخترق النظام السوري، ثم ألقي القبض عليه، وأعدم عام 1965، ودفن في مكان مجهول، وزعمت أطراف رابعة أن تلك السيدة رغبت بالتحاور مع سوريا للمساعدة في السلام.
أياً كانت حقيقة اجتياز الإسرائيلية للحدود السورية، لكن التقارير المتواترة تتحدث أن الحدث حصل عند الجولان المحتل قبل أسبوعين، من منطقة لم يقم فيها سياج، وفشلت كاميرات المراقبة باكتشاف حركتها، ونظرا للشدة في الرقابة والحراسات الأمنية القوية، فربما كانت تعرف مقدما مكامن الضعف، حتى أن رواية إسرائيلية خامسة تضع فرضية أن الإسرائيلية ربما وصلت إلى سوريا عبر دولة ثالثة، من تركيا أو الأردن، وتم اعتقالها بعد وصولها إلى سوريا بفترة قصيرة، فيما علمت القوات الروسية باعتقالها، وقامت بإعلام إسرائيل.
الحقيقة أن هناك الكثير من المعطيات التي تفند الروايات الإسرائيلية بصورة لا تخطئها العين، لأن إسرائيل حاولت التغطية على حقيقة تلك الشابة التي أطلق سراحها النظام السوري، فقد قالوا إنها تجاوزت الحدود عند منطقة لا يوجد فيها جدار أمني، في حين أن الإسرائيليين الذين خدموا كجنود احتياط في الجولان يؤكدون أنه يستحيل أن يتجاوز أحد الحدود دون أن يكشفه جيش الاحتلال.
هذا يعني أنه في حال تجاوزت هذه الشابة الإسرائيلية الحدود السورية، فإن هذا يتطلب مساعدتها بطائرة بدون طيار، مما يرجح احتمالا كبيرا بأنها كانت في مهمة استخبارية إسرائيلية، لاسيما في ظل الاهتمام الكبير الذي أبدته إسرائيل لضمان الإفراج عنها، فضلا عن الاستنفار الروسي لضمان هذه النتيجة، مع أن الجيش الإسرائيلي يبدو مطالبا بأن يفحص كيفية عدم ملاحظته لعبور تلك الإسرائيلية للحدود السورية في مثل هذا المكان الحساس، وما هي إجراءاته لمنع تكرار هذا الإخفاق في مرات قادمة.
خرجت معلومات إسرائيلية، لم تؤكدها الأوساط الرسمية، مفادها أن النظام السوري أبلغ الروس باستعداده لتبادل السجناء، بعد أن تم التحقيق مع المرأة للتأكد من عدم ارتباطها بالمخابرات الإسرائيلية، وهي على خلاف مع بقية الإسرائيليين، فقد أبلغت محققيها السوريين بأنها لم تخدم في الجيش الإسرائيلي، وأقنعتهم أنه لا يوجد أي داع للإبقاء عليها رهن الاحتجاز، أو المطالبة بثمن عال لتسليمها.
الآن، وقد تم طي صفحة صفقة جديدة بين الاحتلال الإسرائيلي والنظام السوري، فقد فرضت الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية تعتيما كاملا على تفاصيلها، خاصة الثمن الذي طلبوه مقابل الإفراج عن الشابة الإسرائيلية التي عبرت الحدود معهم، لكن تسريب جلسة مجلس الوزراء بشأن هذه المسألة مثير للقلق، وربما كان يهدف لتعزيز صورة بنيامين نتنياهو على أنه يتمتع بعلاقات دولية، وقد تعني أن فلاديمير بوتين يقدم مساهمته في حملة نتنياهو الانتخابية.
منح تزامن هذه الصفقة مع الحملات الانتخابية الإسرائيلية أهمية إضافية، خاصة في ظل الفضول الطبيعي غير المرضي لوسائل الإعلام، بجانب السياسيين، عشية الانتخابات، بهدف إخراج عصير الليمون لأنفسهم، ومن المحتمل أنه لو لم يكن هناك مثل هذا التداعيات الداخلية، فإن الانشغال الشديد من السياسيين والإعلام في هذا الموضوع كان أقل مما هو عليه الآن.
يزعم الإسرائيليون أنه ليس لدى النظام السوري الكثير ليطالب إسرائيل من أجله في مجال إطلاق سراح الأسرى، إلا أن رفع الرقابة منعهم من المبالغة في تقدير ما يمكن أن تقدمه إسرائيل مقابل إطلاق سراح الشابة الإسرائيلية، ولذلك فضل وزير الحرب بيني غانتس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يوضحوا للروس أن هذه قضية إنسانية بحتة من وجهة نظر إسرائيلية.
بدا الموقف الإسرائيلي واضحا بعدم إثارة مطالب سياسية عسكرية كوقف العمليات الإسرائيلية في سوريا لمنع تواجد إيران وحزب الله، أو على الحدود في هضبة الجولان وفي عمق سوريا، مع أن الروس أثاروا مثل هذا الاحتمال في تلميح خلال الاتصالات مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لكن ردها لم يترك مجالا لمزيد من النقاش حول هذه القضية، بزعم أن الحديث يدور عن قضية إنسانية لن تقدم إسرائيل أي تنازلات استراتيجية مقابل حلها.
الآن وقد انتهى أمر الصفقة، يجدر توضيح مسألتين مقلقتين: الأولى كيف عبرت شابة إسرائيلية الحدود إلى سوريا في وقت خضع فيه هذا النظام الحدودي لتحديث أمني كبير في السنوات الأخيرة، لأنه من المفترض مراقبته وحراسته بسبع عيون، وبكل الوسائل التكنولوجية المتاحة لإسرائيل، وقد كشف عبورها الحدود إلى سوريا عن ثغرة في المنظومة الأمنية يجب سدها، لئلا تستغلها عناصر معادية لإسرائيل.
لقد انتقلت الشابة الإسرائيلية إلى الأراضي السورية عند نقطة على الحدود حيث لا يوجد سياج، لكن ظروف المنطقة بالكاد تسمح بمرور شخص واحد، ولذلك يجب فحص كيف لم يتم ملاحظتها في تلك المنطقة، وما إذا كان أشخاص من المنطقة نقلوها عمدا إلى الأراضي السورية لأسباب “أمنية وسياسية”.
وكشف أن “الجيش وأجهزته الأمنية بدأت بالفعل التحقيق بالقضية، والتوصل إلى استنتاجات أولية حول المكان المحتمل الذي عبرت فيه الحدود، وكيف، لكن التفاصيل لن تُعرف إلا عند استجوابها عند عودتها لإسرائيل، على أي حال، فإن المكان الذي مرت فيه على الحدود الإسرائيلية هو خرق أمني يستدعي الخطر”.
المسألة الثانية أنه لماذا لم يتم تداول هذه المعلومات لوسائل الإعلام، حول ما يسمى بالاجتماع السري للحكومة الذي وافق على تنفيذ صفقة تبادل مع سوريا عبر الروس، مع العلم أنه من التسريبات حول اجتماع مجلس الوزراء غير المخطط له، خاصة تصريحات نتنياهو بعده، ظهر شك واضح أن شخصا ما كان مهتما بتضخيم القضية ليوضح للجمهور، أنه يستطيع إقناع بوتين للعمل من أجل قضية إسرائيلية، مما أظهر أن بوتين عمل من أجل نتنياهو عشية الانتخابات.
أخيراً.. من الواضح أن نتنياهو هو المستفيد الرئيسي من هذه الصفقة، بحيث أظهر مجددا قدراته على الساحة الدولية، الأمر الذي قد يساعده في الانتخابات المقبلة، ولعل هذه مساهمة متواضعة من بوتين، لكنها مهمة، في الحملة الانتخابية لصديقه نتنياهو.
تلفزيون سوريا
————————–
===================
تحديث 27 شباط 2021
————————–
صراع أميركا وروسيا على الأرض السورية/ رضوان زيادة
أعلن الرئيس بايدن أن إدارته ستكون أكثر تشددا في التعامل مع روسيا، وفي المكالمة الهاتفية الأولى بين بايدن وبوتين شدد بايدن على قضايا حقوق الإنسان وهو ما أثار استياء بوتين بشكل كبير، لكن السؤال كيف ستكون العلاقة الروسية الأميركية في سوريا.
الإجابة على هذا السؤال تعتمد على موقع سوريا في الأولوية الأميركية، واضح أن سوريا تشكل أولوية للرئيس بوتين على مدى السنوات العشر الماضية ودفعت روسيا موقفا سياسيا ضخما من أجل حماية نظام الأسد من الإدانة على المستوى الدولي ومن التغيير على المستوى العسكري، لكن بالمقابل كان هناك انسحاب أميركي شبه كامل من الملف السوري خاصة خلال إدارة الرئيس الأسبق ترامب، الذي اعتمدت سياسته على اللاتوقعية والبحث عن العائدات المالية.
لم يجعل ترامب قضية الانتقال السياسي ومستقبل الأسد أولوية له بالرغم من وصفه للأسد بصفات حادة من مثل “الحيوان”. لكن روسيا كانت أكثر التزاما في حماية الأسد على المستوى الدولي، حيث استخدمت الفيتو لأكثر من 15 مرة بما فيها الفيتو ضد مشاريع أميركية في تحميل مسؤولية استخدام الأسلحة الكيماوية وغيرها ولم ترد الولايات المتحدة بأي شكل سياسي أو وسيلة دبلوماسية لهذا الاستخدام المتكرر للفيتو. ولذلك وصلت الولايات المتحدة إلى قناعة أن الانخراط مع روسيا في سوريا لن يؤتي بالثمار التي يمكن توقعها من قبل الرئيس ترامب.
وبسبب هذا الانكفاء الأميركي والاعتماد على قوات حماية الشعب أو قوات سوريا الديمقراطية كما يطلق عليها، وجدت تركيا حليف الولايات المتحدة في الناتو أنها أقرب إلى روسيا منها إلى أميركا فازداد التركيز التركي مع الروسي على إنجاح مسار المفاوضات في أستانة، التي أنهت الجولة الأخيرة الشهر الماضي، وبنفس الوقت يبدو أن تركيا تتأهب كي ترى ما هي الخطوة القادمة لقوات وحدات الحماية.
وبذلك يمكن القول إن انحسار الدور الأميركي الذي يدرك أن ما تبقى من داعش في الأرض السورية سيصبح في حدود المسؤولية الروسية، فروسيا الآن تقود مع قوات النظام السوري معركة ضد داعش في البادية السورية من أجل إخراج داعش منها ولا يبدو أن هناك أي تنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا بهذا الشأن وهو ما يعني أن الولايات المتحدة وروسيا ستتقاسمان النفوذ في الشمال السوري بالاعتماد على حلفائهما على الأرض، حيث تبقى الرقة وما حولها تحت إدارة وحدات الحماية الكردية في حين تسيطر روسيا على دير الزور والميادين وغيرها التي يبدو أنها أصبحت مرتعا للميليشيات الإيرانية.
يدرك الرئيس بايدن الحاجة الكبيرة إلى أن يكون هناك استراتيجية للولايات المتحدة في سوريا بعد فشل السياسات السابقة من إدارة أوباما وترامب، لقد تجاهلت الولايات المتحدة الحاجة إلى مثل هذه الاستراتيجية في السابق وعلى مدى السنوات العشر الماضية وركزت فقط على هزيمة تنظيم الدولة في سوريا، وقررت تجاهل كل دعوات المعارضة السورية وحليفتها في الناتو تركيا بالاعتماد على الجيش السوري الحر في هزيمة تنظيم الدولة بدلا من الاعتماد على قوات الحماية الكردية؛ ولذلك وبعد هزيمة داعش تمكن حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا من تقويض وحدة سوريا في النهاية على عكس ما تدعي الإدارة الأميركية في بياناتها أن وحدة سورية أحد أهدافها الاستراتيجية.
لذلك هناك شكوك كبيرة لدى تركيا والمعارضة السورية في مدى مصداقية الولايات المتحدة الآن في تنفيذ وعودها عبر تبني استراتيجية سياسية جديدة تركز على موضوع الانتقال السياسي، ويجبر الرئيس السوري بشار الأسد على مغادرة السلطة كما أشار وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال مقابلة سابقة مع صحيفة الواشنطن بوست في سبتمبر من العام الماضي.
إذا ما استمرت الولايات المتحدة بدعم قوات سوريا الديمقراطية في سوريا فإن ذلك سيؤدي إلى اشتعال القتال مجدداً بين العشائر العربية والقوات الكردية بهدف الصراع على النفوذ في منطقة لا وجود تاريخيا للكرد فيها.
وبتجاهل هذه الدعوات، ستعقد الولايات المتحدة عملية السلام خلال المرحلة الانتقالية في سوريا، فعلى الولايات المتحدة اليوم أن تشارك في عملية السلام أو الدفع بالمرحلة الانتقالية وتستثمر المزيد من الجهود الدبلوماسية والموارد لتكون قادرة على ربط المعركة ضد داعش مع المرحلة الانتقالية وتحقق ما ذكره وزير الخارجية في بيانه من تحقيق استقرار وسلام دائمين في سوريا.
تلفزيون سوريا
———————-
«نيويورك تايمز»: هكذا تحولت الأزمات الاقتصادية في سوريا إلى شوكة في ظهر الأسد
بعد عقد من الحرب السورية، أصبحت الأزمة الاقتصادية في سوريا التهديد الأكبر الذي يواجه الرئيس السوري بشار الأسد الآن، لكن اجتماعه الأخير كشف أنه لا يملك حلولًا ملموسة لمحنة بلاده القاسية، حسب ما خلص إليه تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أعدَّه الصحفيان بن هوبارد وهويدا سعد.
في البداية استعرض الصحفيان ما دار في لقاء خاص للرئيس السوري بشار الأسد مع صحفيين موالين للحكومة، إذ سُئل الرئيس السوري عن الانهيار الاقتصادي في سوريا، والذي عكسه انهيار العملة الذي أضرَّ بالرواتب، والارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية، والنقص المزمن في الوقود والخبز.
وردَّ الأسد: «أعرف»، وفقًا لشخصين مطلعين على المناقشة. لكنه لم يقدِّم خطوات ملموسة لحل الأزمة بخلاف الطرح الآتي: يتعين على القنوات التلفزيونية إلغاء برامج الطبخ حتى لا تضايق السوريين بصور أطعمة لا قِبَل لهم بها.
اقتصاد الناس
الأزمات الاقتصادية.. التهديد الحقيقي
ووفقًا للتقرير، مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة للحرب الأهلية في سوريا، لم تعد الفصائل المتمردة والقوى الأجنبية التي لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد هي التهديد المباشر للأسد. لكن الأزمة الاقتصادية الطاحنة هي التي أعاقت إعادة إعمار المدن المدمرة، وأفقرَت السكان، وتركت عددًا متزايدًا من السوريين يكافحون لنيَل ما يَسُدُّون به رَمَقَهُم.
ولفت التقرير إلى أن الاجتماع الخاص مع الصحفيين السوريين الشهر الماضي، والذي لم يُعلن عنه من قبل، عرض نظرة نادرة غير مألوفة لقائد بدا منفصلًا عن المخاوف الحقيقية التي تقضُّ مضاجع شعبه وعاجزًا عن فعل أي شيء حيالها. وعلمت صحيفة «نيويورك تايمز» بالمناقشة من شخص أحاطه عديد من الصحفيين بالمناقشة، وأكد أحد الحاضرين التفاصيل مباشرة.
حتى في حديثه الخاص، لم يتخلَّ الأسد عن الأفكار المُبْتَذَلَة التي أضحت سمة لخطاباته العامة. ووقف الأسد مرتديًا بدلة سوداء مُتقمصًا شخصية المحاضر وألقى باللوم على مجموعة من القوى في الويلات التي تعانيها سوريا: «وحشية» الرأسمالية العالمية، و«غسيل الأدمغة» الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي و«الليبرالية الجديدة» التي تقوِّض قِيم البلاد.
وخوفًا من أن يتسلل القلق إلى أحد الحضور، أكَّد الأسد للصحفيين أن سوريا لن تصنع السلام مع إسرائيل أو تقنن زواج المثليين. لكن تلك القضايا ليست هي ما يشغل بالَ معظم السوريين.
سوريا وانهيار العملة
وأوضح التقرير أن اقتصاد سوريا بات أسوأ مما كان عليه منذ بدأت الحرب في عام 2011. وفي الشهر الجاري، بلغ الجنيه السوري أدنى مستوياته على الإطلاق مقابل الدولار في السوق السوداء، الأمر الذي أدَّى إلى انخفاض قيمة الرواتب وارتفاع تكاليف الواردات.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف في العام الماضي. وحذَّر برنامج الغذاء العالمي هذا الشهر من أن 60% من السوريين، أو 12.4 مليون شخص، معرَّضون لخطر الجوع، وهو أعلى رقم سُجل على الإطلاق.
ويُكرس معظم السوريين الآن أيامهم في السعي لإيجاد الوقود اللازم لطهي الطعام وتدفئة منازلهم، والوقوف في طوابير طويلة للحصول على خبز البيتا (الخبز السوري التقليدي). وأصبح انقطاع التيار الكهربائي أمرًا مألوفًا كل يوم، وتحصل بعض المناطق على التيار الكهربائي لبضع ساعات فقط في اليوم، وهو ما يكفي بالكاد لشحن الناس هواتفهم المحمولة.
مضطرة لبيع شعري أو جسدي
وألمح التقرير إلى أن بعض النساء اليائسات اضْطُررن إلى بيع شعرهنَّ لإطعام أسرهنَّ. وتقول أم لثلاثة أطفال مؤخرًا في صالون لتصفيف الشعر بالقرب من دمشق، شريطة عدم الكشف عن هويتها، مثل آخرين قابلتهم الصحيفة، خوفًا من الاعتقال: «كنتُ مضطرة لبيع شعري أو جسدي». وقالت إن زوجها، وهو نجَّار، كان يعاني المرض ويعمل من حين لآخر، وكانت بحاجة إلى وقود لتدفئة المنزل ومعاطف شتوية لأطفالها.
وقد اشترت السيدة، بمبلغ 55 دولارًا الذي حصلت عليه مقابل بيع شعرها الذي سيُستخدَم في صنع الشعر المستعار، جالونين من وقود التدفئة وملابس لأطفالها ودجاجة مشوية، وهي المرة الأولى التي تتذوق فيها أسرتها لحم الدجاج خلال ثلاثة أشهر.
وظلت السيدة تبكي من الشعور بالخجل (لأنها باعت شعرها) ليومين بعد ذلك.
ونوَّه التقرير إلى أن انخفاض العملة يعني أن الأطباء يكسبون الآن ما يعادل أقل من 50 دولارًا في الشهر. يقول رئيس نقابة الأطباء، مؤخرًا، إن أطباء كُثر يلجأون إلى السفر إلى الخارج للعمل، وتحديدًا إلى السودان والصومال، من بين الدول النادرة التي تسمح بسهولة بدخول السوريين، لكن اقتصادهما ضعيف. بينما يكسب المهنيون الآخرون أقل من الأطباء بكثير.
وقال أحد الموسيقيين من دمشق إن: «شُغل الناس الشاغل الآن هو الحصول على الطعام والوقود»، مضيفًا أن: «كل شيء أصبح باهظ الثمن على نحو غير عادي ويخشى الجميع من التفوُّه بكلمة».
أسباب عديدة
وأفاد التقرير أن أسباب ذلك متعددة ومتداخلة: الضرر الواسع النطاق والتشريد الناجم عن الحرب، وتشديد العقوبات الغربية على حكومة الأسد وشركائه، وانهيار مصرفين في لبنان المجاورة، حيث يحتفظ السوريون الأثرياء بأموالهم، والإغلاق المرتبط بمكافحة فيروس كورونا المستجد.
وليس أمام الأسد من مخرج سهل؛ إذ تقع معظم حقول النفط في البلاد وكثير من أراضيها الزراعية في المنطقة الشمالية الشرقية، التي تسيطر عليها قوات يقودها الأكراد مدعومة من الولايات المتحدة.
ولفت التقرير إلى أن أقرب حلفاء سوريا، روسيا وإيران، بذلا قصارى جهدِهما لمساعدة الأسد على الفوز بالحرب، ولكن كل منهما لديه مشاكله الاقتصادية الخاصة، ولا يستطيع أي منهما أن يقدم كثيرًا من المساعدة. وفي حين واصلت روسيا تقديم مساعدة عسكرية كبيرة إلى سوريا، كانت مساعداتها الإنسانية محدودة.
قال السفير الروسي في سوريا ألكسندر إيفيموف لوكالة الأنباء الروسية ريا نوفوستي هذا الشهر إن: «الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا اليوم صعب للغاية»، لكنه أكد أن إرسال الدعم بات «أصعب» لأن روسيا أيضًا، حسب ما ذكر، تعاني من جائحة كورونا والعقوبات الغربية.
وفي الأسبوع الماضي، بعد أن اعتُقِلت شابة إسرائيلية كانت تتجول في سوريا، استخدمتها الحكومة السورية ورقة مُساوَمة لتأمين إطلاق سراح راعيين سوريين والحصول على 60 ألف جرعة من لقاح فيروس كورونا، والتي دفعت إسرائيل مقابلها 1.2 مليون دولار لروسيا.
ورغم هذه المشاكل، لا يزال الأسد يُمسك بزمام الأمور في سوريا. وبعد ما يقرب من عقد من القتال، وصلت الحرب إلى طريق مسدود، مع حوالي ثلثي البلاد ومعظم سكانها تحت سيطرة حكومة الأسد نظريًّا.
والآن يتطلع الأسد إلى المستقبل، على أمل أن يؤدي الفوز في انتخابات رئاسية زائفة من المقرر عقدها هذا الربيع إلى إقناع خصومه بالتخلي عن الآمال في تغيير النظام وقبوله زعيمًا لسوريا الآن وفي المستقبل. ولم يرد مكتبه على طلب التعليق على هذا التقرير، بما في ذلك الأسئلة المتعلقة باجتماعه مع الصحفيين.
إستراتيجية الأسد
ويعتقد الكاتبان أن جزءًا من إستراتيجية الأسد تتمثل في كبح أي تلميح للمعارضة. وفي الشهر الماضي، نشرت هالة جرف، مذيعة أخبار سابقة في التلفزيون الرسمي السوري، اقتباسًا للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو على صفحتها على الفيسبوك ردًا على سؤال: «ما هو الوطن؟» وكتبت مقتبسة جواب روسو: «ألا يبلغ مواطن من الثراء ما يجعله قادرًا على شراء مواطن آخر، وألا يبلغ مواطن من الفقر ما يجعله مضطرًا لبيع نفسه!».
وأُلقِي القبض عليها لمخالفتها قوانين «الجرائم الإلكترونية» في البلاد.
وأضاف التقرير أن لحظة من التوتر سادت الاجتماع الخاص مع الصحفيين عندما سأل أحدهم كيفية تعامل الرئيس مع غضب مؤيديه بسبب تدهور الاقتصاد. وعلى الفور قاطعه مستشار رئاسي بغضب، ولكن الأسد سمح للصحفي بالكلام وأجاب بأنه يشعر بمعاناة الشعب. ولكنه لم يقدِّم سوى تطمينات غامضة بأن الوضع سوف يتحسن، ولم تكن هناك خطط واضحة لمساعدته على القيام بذلك.
وكثيرًا ما تظهر زوجة الأسد الأنيقة المولودة في بريطانيا، أسماء الأسد، علنًا في إشارة إلى أن الحياة في سوريا تسير على ما يرام. وخاطبت مؤخرًا المشاركين في مسابقة علمية وطنية، وروَّجت للتعلم عبر الإنترنت، قائلة إنه: «يوفر الوقت والجهد والمال، فضلًا عن تحقيق العدالة» وكذلك يتيح «المعرفة لجميع الطلاب في جميع المناطق»، وفقًا لما ذكرته دائرة الأنباء الحكومية. ولم تتطرق زوجة الأسد إلى كيفية دراسة الطلاب عبر الإنترنت في ظل انقطاع التيار الكهربائي.
فقر مدقع في سوريا
ويتابع التقرير: ليس بعيدًا عن قصر الأسد، يقف أب لتسعة أطفال في كشك بسيط يكسب منه ما يعادل 5 دولارات في اليوم من بيع الخضروات، ويقف وسط صناديق على الأرض مليئة بالباذنجان والبطاطس والتفاح.
لكنه قال إن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بسرعة كبيرة خلال العام الماضي لدرجة اضطرته إلى تنويع منتجاته لتغطية نفقاته. فقد صنع دبس الرمان ومخلل الباذنجان، لكنه توقف عندما أصبح من الصعب جدًّا الحصول على وقود الطهي.
وأوضح أنه لم يعد قادرًا على تحمل الرسوم المدرسية، لذلك توقف اثنان من أبنائه عن الدراسة، فيما هاجر ثالث إلى ألمانيا ليرسل إلى أبيه ما يكفي لدفع الإيجار. ومع ذلك، فإن ابنه الرابع يضطر لقضاء ما يتراوح من ثلاث إلى خمس ساعات يوميًّا منتظرًا في طابور طويل للحصول على حصة الأسرة من الخبز الرخيص المدعوم من الحكومة.
وقال: «حتى الكماليات البسيطة لم تعد متوافرة»، مضيفًا: «قبل أسابيع قليلة اشتريت دجاجة أعدَّت منها زوجتي ثلاث وجبات».
لقد تحول السوريون من الطبقة الوسطى إلى فقراء.
يقول وسيم، الذي يعمل في وزارة حكومية، إن راتبه بالإضافة إلى راتب زوجته كان يسمح لأسرتهم بتحمل نفقات الخبز والوقود وغاز الطهي والملابس، حتى قبل بضع سنوات عندما سيطر جهاديو الدولة الإسلامية على مساحة من البلاد. وكانت المعارك لا تزال مستعرة.
لكن مع انهيار العملة، الذي بدأ في أواخر عام 2019، تضاءل دخلهم، مما أجبرهم على تناول أطعمة أرخص وشراء ملابس مستعملة. وقد افتتح وسيم مؤخرًا متجرًا للعطور يديره عقب انتهاء عمله الحكومي لزيادة دخله. غير أن ذلك لا يمنحه وقتًا كافيًا للانتظار في طابور للحصول على الخبز، لذلك يضطر لشراء الخبز غير المدعوم والذي يزيد سعره ستة أضعاف عن الخبز المدعوم، 35 سنتًا لكيس من ستة أرغفة.
ولم تترك له معاناته من أجل لقمة العيش سوى القليل من الصبر على تركيز الحكومة على القضايا السياسية التي لا تؤثر في حياته اليومية، مثل النضال ضد إسرائيل.
وقال: «نسمع كل يوم تصريحات من الرئيس بشار الأسد وحكومته عن المقاومة والسيادة الوطنية. لكن ظروفنا المعيشية لم تجد من الحكومة سوى آذان صُمّ وأعين عمي ولم تبدِ أي اهتمام بنا وبأحوالنا»، حسب ما يختم التقرير.
كاتب: Ben Hubbard and Hwaida Saad
مصدر: Having Won Syria’s War, al-Assad Is Mired in Economic Woes
——————————-
معالم تفاهمات روسية ــ إسرائيلية حول سوريا/ محمد السعيد إدريس
تحافظ روسيا على «تنسيق دقيق مع إسرائيل»، ولا تريد «أن تستخدم الأراضي السورية ضد إسرائيل أو ساحة للمواجهة الإيرانية– الإسرائيلية».
جاء التوجه الإسرائيلي نحو روسيا بكثافة مؤخرا ضمن مخاوف إسرائيلية من مبادرة أمريكية لحل الأزمة السورية لا تنسجم مع مصالح إسرائيل.
* * *
ليست كل الإشاعات أكاذيب. فبعض الإشاعات تكون محض أكذوبة تدخل ضمن الحرب النفسية، سواء كانت داخل الدولة الواحدة، أو بين الدول، لكن بعض الإشاعات تتضمن قدراً محسوباً من الحقيقة، سواء كان الغرض من ذلك هو تمرير باقي الأكاذيب، أي كمجرد «طُعم» يراد منه اصطياد الأفكار والعقول ودفعها نحو الاتجاه المرغوب، أو كان الغرض منها تمرير رسائل معينة لفتح ثغرات في الآفاق المعقدة للأزمات والصراعات.
والإشاعة التي جرى تمريرها خلال الأيام القليلة الماضية التي صاحبت صفقة تبادل تحرير عدد من الأسرى السوريين مقابل فتاة «إسرائيلية»، جرت الأسبوع الماضي بوساطة روسية، تدخل ضمن هذا النوع الأخير.
فبمجرد الإفصاح عن نجاح هذه الصفقة اندفع الحديث عن وجود «بند سري» ضمن بنودها، وتدافعت الإشاعات عن مضامين هذا البند وكثرت الاجتهادات التي كان من أبرزها أن إسرائيل «دفعت 102 مليون دولار أمريكي ثمناً لشحنة من لقاح (سبوتنيك في) الروسي ترسل من موسكو إلى دمشق لتلقيح سوريين ضد وباء كورونا».
ورغم نفي بنيامين نتنياهو وجود بند اللقاحات في الصفقة وقوله «أحضرنا الفتاة ولم يذهب لقاح واحد لهذا الشيء.. ولن أصرح أو أفصح عن المزيد لأن هذا طلب روسي».
إلا أن هذا النفي جاء ملغوماً، ويحمل ما يؤكد تلك الإشاعة أكثر مما ينفيها، وربما كان هو الهدف الذي دعمه بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي في مقابلة له مع القناة 13 الإسرائيلية تعليقاً على ما يجري الحديث عنه حول «البند السري» في الصفقة، بقوله «هناك الكثير من الإشاعات على شبكة الإنترنت.. الأفضل أن تبقى كذلك»، ما يعني أنه يدعم مواصلة تدافع مثل هذا النوع من الإشاعات، وهنا يجدر التساؤل: لماذا؟
توجد الكثير من الاجتهادات في هذا الخصوص، من أهمها وأبرزها أن مؤشرات جديدة لتسوية الأزمة السورية بدأت تتكشف في الأسابيع الأخيرة، منذ مجيء إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خلفاً لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
والتي كانت شديدة الارتباك والتردد في تفاعلها مع الأزمة السورية، ما بين نوايا الانسحاب من سوريا، وبين تأكيد البقاء للسيطرة على النفط السوري، وللحيلولة دون تمكين روسيا من جني ثمار تدخلها العسكري والسياسي في سوريا، ولدعم المطالب الإسرائيلية، وعلى الأخص إخراج إيران من سوريا، وإغلاق الحدود السورية- العراقية أمام إيران.
حديث التسوية آخذ في التردد تزامناً مع ملامح لتسويات مهمة لبعض الأزمات العربية، وحتى الشرق أوسطية المستعصية، خاصة الأزمتين الليبية واليمنية، وكذلك الأزمة الأمريكية- الإيرانية حول الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015 من جانب دول «مجموعة 5+1» الدولية.
وهنا تأتي الصفقة الأخيرة حول تسليم الأسرى بين كل سوريا وإسرائيل بوساطة روسيا لتبرز أحد أهم معالم ما يمكن أن يكون تسوية للأزمة السورية، وهو أن روسيا ستكون الطرف القوي والأهم الذي يمكن أن يقود هذه التسوية، ولكن بتفاهمات مع الولايات المتحدة.
ويبدو أن إسرائيل تعي ذلك جيداً، وهذا ما جعلها تركز على التعامل مع روسيا وليس مع الولايات المتحدة بالنسبة إلى ما يخص الملف السوري، مستفيدة من «التفاهمات» شديدة الأهمية التي استطاع نتنياهو نسجها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
التوجه الإسرائيلي نحو روسيا بكثافة في الأسابيع الأخيرة جاء ضمن مخاوف إسرائيلية من مبادرة أمريكية لحل الأزمة السورية لا تنسجم مع المصالح الإسرائيلية.
وبالذات في ضوء ما فهمه نتنياهو من وجود نوايا جادة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران متجاوزة كل التحفظات الإسرائيلية، وامتناع وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكن عن تأييد اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة.
ورغم تأكيدات بلينكن على الالتزام بالأمن الإسرائيلي وإعلانه الإبقاء على السفارة الأمريكية في القدس، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يخل تعليقه على هذا الموقف الأمريكي الجديد بخصوص هضبة الجولان من التحدي، حيث أصدر مكتبه بياناً شديد اللهجة جاء فيه أن «موقف إسرائيل من موضوع هضبة الجولان واضح: هضبة الجولان ستبقى إسرائيلية في كل سيناريو محتمل».
رهان إسرائيل على روسيا بدلاً من الولايات المتحدة يتوازى مع رهان روسي أيضاً على إسرائيل بدلاً من إيران، وبدلاً من الولايات المتحدة، وحتى بدلاً من الحليف السوري نفسه. فإذا كانت روسيا أبدت انزعاجها من إشارات وصلت إليها تعبر عن رغبة دمشق في الحوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة، فإنها ضاعفت من تواصلها مع إسرائيل ليس ضمن صفقة التبادل المشار إليها فقط، بل ضمن تفاصيل الحل الأشمل للأزمة السورية والحرص على أن يراعي هذا الحل كل مطالب إسرائيل الأمنية.
وكان سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي قال في مؤتمر صحفي (18/1/2021) إن بلاده تحافظ على «تنسيق دقيق مع الجانب الإسرائيلي»، وأكد أن روسيا لا تريد «أن تستخدم الأراضي السورية ضد إسرائيل، أو أن تستخدم كما يشاء كثيرون ساحة للمواجهة الإيرانية – الإسرائيلية. وربما يكون ذلك هو عنوان الشراكة الإسرائيلية – الروسية الجديدة بشأن سوريا.
* د. محمد السعيد إدريس باحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.
المصدر | الخليج
—————————
بايدن يقول إن الضربات الأميركية في سورية تحذير لإيران
قُتل 22 مسلّحاً عراقيّاً موالين لإيران، جرّاء قصف أميركي استهدف، ليل الخميس- الجمعة، بنى تحتيّة تابعة لهم شرقي سورية، في أوّل عمليّة عسكريّة لإدارة جو بايدن، ردّاً على هجمات طاولت مؤخّراً مصالح غربيّة في العراق.
وقال بايدن، الجمعة، إن الضربات الجوية الأميركية شرقي سورية يجب أن تنظر إليها إيران على أنها تحذير. وأضاف: “لن تفلتوا من العقاب. احذروا”، موجهاً تحذيره إلى طهران.
وتأتي الضربات التي ندّدت بها دمشق وحليفتها موسكو، على خلفيّة توتّر بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي الإيراني والعودة إلى طاولة المفاوضات.
ومساء الجمعة، قالت المتحدثة جين ساكي إنّ الرئيس جو بايدن “يبعث رسالةً لا لبس فيها بأنّه سيتحرّك لحماية الأميركيّين. وعندما يتمّ توجيه التهديدات، يكون له الحقّ في اتّخاذ إجراء في الوقت والطريقة اللذين يختارهما”.
من جهته، قال المتحدّث باسم البنتاغون، جون كيربي، إنّ طائرتَي “إف-15 إي” من طراز “سترايك إيغلز” أسقطتا سبع ذخائر دقيقة التوجيه، الخميس، على منشآت شرقي سورية تستخدمها مجموعات مسلّحة يُعتقد أنّها وراء سلسلة هجمات صاروخيّة على القوّات الأميركيّة في العراق.
ووصف كيربي في بيان الضربات بأنها “دفاعية”، موضحاً أنها دمّرت “بنى تحتيّة عدّة تقع في نقطة حدودية تستخدمها مليشيات مدعومة من إيران”، وتحديداً كتائب حزب الله وسيد الشهداء، المنضويين في الحشد الشعبي العراقي.
ووصفت كتائب حزب الله في بيان، الضربة الأميركيّة، بأنّها “جريمة نكراء مخالفة للقانون الدولي ومستهينة بسيادة العراق”، كما اعتبرتها “عدواناً همجياً… يدلّ بلا أدنى شكّ على أنّ السياسات الأميركيّة العدوانيّة تجاه شعوبنا لا تتغيّر بتغيّر إدارتها”.
ودمّرت الغارات الأميركية، وفق المرصد، ثلاث شاحنات تحمل ذخيرة، عند الساعة الواحدة فجراً (23,00 ت غ)، لحظة دخولها من معبر غير شرعي من العراق إلى جنوب مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي.
وتخضع المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال والميادين لنفوذ إيراني، عبر مجموعات موالية لها تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري. وغالباً ما تتعرّض شاحنات تنقل أسلحة وذخائر أو مستودعات في المنطقة لضربات تُنسب لإسرائيل التي تؤكد غالباً عزمها على إنهاء “التموضع الإيراني” في سورية.
وندّدت وزارة الخارجية السورية بـ”العدوان الأميركي الجبان”، معتبرةً أنّه “يشكّل مؤشّراً سلبياً” على سياسات الإدارة الأميركية الجديدة.
وحذّرت في بيان من أنّه “سيؤدّي إلى عواقب من شأنها تصعيد الوضع في المنطقة”، مطالبة واشنطن “بتغيير نهجها العدواني تجاهها”.
ونفت وزارة الدفاع العراقية تلقّيها معلومات من الجانب الأميركي قبل تنفيذ القصف، فيما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ واشنطن أخطرت الجيش الروسي قبل أربع أو خمس دقائق فقط. وقال “هذا النوع من التحذير، عندما تكون الضربات قيد التنفيذ، لا ينفعنا”.
ونددت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا “بشدة” بالقصف الأميركي، داعية إلى “احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها من دون شروط”.
وأكد المتحدث باسم البنتاغون أنّ “هذا الرد العسكري المتكافئ تمّ بالتوازي مع إجراءات دبلوماسية، ولا سيما مشاورات مع شركاء” التحالف الدولي.
وقالت الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة لـ”فرانس برس”، إنّ واشنطن تبدو كمن يرسل “إشارة إلى أنها لن تتساهل مع أنشطة إيران الإقليمية لصالح المحادثات النووية”، مضيفة “لا أرى في ذلك (القصف) موقفاً متشدداً على نحو خاص، إذ كان رد الولايات المتحدة موجهاً إلى هدف غير مهم نسبياً”.
وتوجّه إدارة بايدن، وفق الباحث في معهد دراسات الحرب نيكولاس هيراس، رسائل إلى “خصوم سياسته تجاه إيران في الداخل بأن الولايات المتحدة قادرة أن تكون قاسية تجاه إيران”، وأخرى إلى إسرائيل بأن واشنطن قادرة أيضاً على ضرب المجموعات التابعة لإيران.
وأضاف أن “الضربات الأخيرة لا تتعلق بما حصل في العراق فقط، بل إنها جزء من لعبة دبلوماسية أوسع تجاه إسرائيل والحزب الجمهوري”.
وسبق للجيش الأميركي أن أعلن نهاية عام 2019، قصف خمس قواعد لكتائب حزب الله العراقي في كل من سورية والعراق، بعد مقتل أميركي في هجوم بالصواريخ طاول قاعدة عسكرية عراقية.
(فرانس برس)
———————-
غارات أمريكية على ميليشيات عراقية في سوريا توجّه رسائل لإيران وروسيا والنظام/ هبة محمد ومشرق ريسان
في ضربة قوية عبارة عن رسائل عدة في اتجاهات متعددة، هي الأولى منذ تسلم الرئيس الأمريكي جو بايدن الرئاسة، استهدف قصف أمريكي ليل الخميس الجمعة بنى تحتية تابعة للميليشيات الإيرانية في شرق سوريا على الحدود مع العراق، وهي أول عملية عسكرية رداً على هجمات طالت أخيرا مصالح غربية في العراق. وتأتي الضربات التي ندّدت بها دمشق وحليفتها موسكو، على خلفية توتر بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي الايراني والعودة إلى طاولة المفاوضات.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان 22 قتيلاً على الأقل من فصائل عراقية موالية لإيران، غالبيتهم من كتائب حزب الله والحشد الشعبي. ووصفت كتائب حزب الله، التي نعت عنصراً من صفوفها، في بيان الضربة بأنها “جريمة نكراء مخالفة للقانون الدولي ومستهينة بسيادة العراق”. ووصف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي في بيان الضربات بأنها “دفاعية”، موضحاً أنها دمرت “بنى تحتية عديدة تقع في نقطة حدودية تستخدمها ميليشيات مدعومة من إيران”، وتحديداً كتائب حزب الله وسيد الشهداء، المنضوية في الحشد الشعبي العراقي. ودمّرت الغارات الأمريكية، وفق المرصد، ثلاث شاحنات تحمل ذخيرة عند الساعة الواحدة فجراً لحظة دخولها من معبر غير شرعي من العراق إلى جنوب مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي.
وتخضع المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال والميادين لنفوذ إيراني، عبر مجموعات موالية لها تقاتل الى جانب قوات النظام السوري. وندّدت وزارة الخارجية السورية بـ”العدوان الأمريكي الجبان”، معتبرة أنّه “يشكل مؤشراً سلبياً على سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة. وحذّرت في بيان من أنه “سيؤدي إلى عواقب من شأنها تصعيد الوضع في المنطقة”، مطالبة واشنطن “بتغيير نهجها العدواني تجاهها”.
ونفت وزارة الدفاع العراقية تلقيها معلومات من الجانب الأمريكي قبل تنفيذ القصف، فيما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن واشنطن أخطرت الجيش الروسي قبل أربع أو خمس دقائق فقط. وقال “هذا النوع من التحذير، عندما تكون الضربات قيد التنفيذ، لا ينفعنا”. ونددت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا “بشدة” بالقصف الأمريكي، داعية إلى “احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها من دون شروط”.
وقال البيت الأبيض على لسان المتحدثة جين ساكي إنّ الرئيس جو بايدن “يبعث برسالة لا لبس فيها بأنه سيتحرك لحماية الأمريكيين، وعندما يتم توجيه التهديدات يكون له الحق في اتخاذ إجراء في الوقت والطريقة اللذين يختارهما”. واعتبر العديد من المحللين أن الضربات رسائل “ذكية وقوية” في أربعة اتجاهات إلى دمشق وموسكو وبغداد وطهران.
وقالت مصادر محلية لـ”القدس العربي” إن الغارات الأمريكية استهدفت ليلة أمس معبر “حسين علي” العسكري قرب قرية “الهرّي” ، إذ يربط المعبر بين الأراضي السورية والعراقية ،وهو مخصص لعبور الشاحنات العسكرية والأسلحة والذخائر.
الباحث لدى المركز العربي في واشنطن، رضوان زيادة، أبدى اعتقاده بأن تكون الضربات الجوية مدخلاً لإعادة صياغة السياسة الأمريكية تجاه سوريا، معتبراً أنها “تحمل الكثير من الدلالات الرمزية والسياسية”. وعزا المتحدث لـ”القدس العربي”، السبب إلى أن “بايدن لن يتردد في استخدام القوة في سوريا على عكس ما روجت له إيران والنظام السوري بأن وقت المفاوضات عاد وانتهى زمن الضربات الجوية التي كانت تستهدف الميليشيات الإيرانية في سوريا”. ومن جهة ثانية “ربط بايدن بشكل عملي بين المفاوضات مع إيران في برنامجها النووي مع دور أنشطتها الخارجية.
ورأى الخبير العسكري والاستراتيجي د.فايز الدويري أن الرئيس بايدن اختار الخيار الأقل ضرراً من بين الخيارات التي قدمت له بحيث يبقي على حالة شبه الاستقرار وعدم التصعيد.
كما أن واشنطن اختارت وفق الخبير العسكري “مكان الهجوم في سوريا لعدم إحراج الحكومة العراقية وعدم تصعيد الخلاف بينها وبين الحشد الشعبي”. وحول عدم إبلاغ موسكو بهذه الضربات، اعتبر الدويري أن السبب يعود إلى أن “المنطقة التي نفذت فيها العملية هي خارج مسؤولية روسيا وضمن المظلة الأمريكية”.
تزامناً، أعلن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، أن بلاده “تؤيد الضربات الجوية الأمريكية في سوريا “.وكتب راب عبر “تويتر” أن “المملكة المتحدة تدعم الرد الأمريكي المستهدف ضد مجموعات الميليشيات التي تهاجم قواعد التحالف”، فيما أكد مصدر استخباري رفيع لـ”القدس العربي” شريطة عدم الافصاح عن هويته، أن يكون مصدر المعلومة الاستخبارية العراقية، التي تحدث عنها أوستن، قد حصل عليها من جهاز المخابرات العراقي، برئاسة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أو من خلال العمليات المشتركة، التي تجمّع المؤسسات العراقية الأمنية والعسكرية بالتحالف الدولي.
——————————
البوكمال:القصف الأميركي لم يكن بقوة الغارات الإسرائيلية
قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الضربات الجوية الأميركية شرقي سوريا كانت بمثابة تحذير لإيران. وأضاف خلال جولة في تكساس، “لن تُفلتوا من العقاب… احذروا”، موجهًا تحذيره إلى طهران، بحسب ما نقلت وكالة “فرانس برس”.
وكان البيت الأبيض قال في بيان ليل الجمعة، إن الولايات المتحدة بعثت رسالة عبر شنها الغارات. وقالت المتحدثة جين ساكي إن بايدن “يبعث رسالةً لا لبس فيها بأنه سيتحرك لحماية الأميركيين. وعندما توجه التهديدات، يكون له الحق في اتخاذ إجراء في الوقت والطريقة اللذين يختارهما”.
وشرح البنتاغون تفاصيل الضربة التي نفذتها القوات الأميركية. وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي أن طائرتي “إف-15” أسقطتا سبع ذخائر دقيقة التوجيه على منشآت في شرقي سوريا، تستخدمها مجموعات مسلحة يعتقد أنها وراء سلسلة هجمات صاروخية على القوات الأميركية في العراق.
ووصف كيربي في بيان الضربات بأنها “دفاعية”، مشيرًا إلى أنها دمرت بنى تحتية تقع في نقطة حدودية تستخدمها ميليشيا كتائب “حزب الله” العراقي و”سيد الشهداء”.
وأنهت القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها في محافظة دير الزور شرقي سوريا استنفارها الطارئ بعد ساعات قليلة من القصف الجوي الأميركي الذي استهدف نقطة عسكرية للمليشيات الإيرانية تقع على الحدود مع العراق شرقي دير الزور. وعادت الحركة مجدداً إلى المعابر العسكرية التي تديرها المليشيات على الحدود.
وكانت طائرات حربية أميركية نفذت عدداً من الغارات الجوية على مواقع تتبع للمليشيات الإيرانية في ريف البوكمال الشرقي، بعد منتصف ليل الخميس/الجمعة، ما تسبب بمقتل وجرح عدداً من عناصر المليشيات غالبيتهم من اللواء 46 التابع لحزب الله العراقي، وحركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وعصائب أهل الحق.
ونعى اللواء 46 (حزب الله العراقي) أحد مقاتليه الذين سقطوا في القصف الجوي، يدعى سيد راهي سلام زايد الشريفي، في حين لم تعلن باقي التشكيلات عن خسائرها البشرية، واكتفت بإصدار بيانات استنكار وتنديد بالقصف الأميركي.
وقال مصدر محلي في دير الزور ل”المدن”، إن ” طائرات أميركية قصفت بثلاث غارات متتالية المعبر العسكري القريب من معبر القائم الحدودي الذي يُطلق عليه اسم معبر حسين العلي، والذي تستخدمه المليشيات الإيرانية ومليشيات الحشد الشعبي التابعة لها في نقل العتاد والعناصر من العراق الى سوريا”.
وأشار المصدر إلى أن “الضربة الجوية كانت محدودة جداً”. وقال: “لا يمكن مقارنة الاستهداف الجديد بالغارات الإسرائيلية التي وقعت منتصف كانون الثاني/يناير”، مشيراً إلى أن “القصف طاول موقعاً عسكرية مؤقتاً في منطقة نائية يقع على الشريط الحدودي، لذا شاهدنا أن المليشيات أنهت استنفارها وجاهزيتها في جميع مواقعها وثكناتها بعد ساعات قليلة من القصف الجوي”.
وقال المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق ل”المدن”: “من خلال الصور التي نشرتها المليشيات الإيرانية لموقع القصف الجوي يبدو أنه موقع مؤقت، وليس ذا قيمة بالمفهوم العسكري، ولا يحوي أصلاً على مهاجع أو مساكن للعناصر والقادة في المليشيات الإيرانية”.
وأضاف “يبدو أن اختيار توقيت القصف الأميركي لمواقع المليشيات ليلاً لم يكن صدفة، ولو أرادت الولايات المتحدة الأميركية إيقاع قدر أكبر من الضرر من خلال قصفها الجوي لكانت نفذته خلال ساعات النهار عندما تكون حركة العبور في أوجها”. وتابع: “كما أنه بإمكانها توجيه ضربات أعنف وأكثر فاعلية ضد المليشيات الإيرانية في دير الزور، لو أنها تريد فعلاً تقليص نفوذها هناك. لديها بنك أهداف كبير جداً يحوي عشرات المواقع الإيرانية أكثر أهمية من الممر العسكري المستهدف”.
المدن
———————
الضربة الأميركية في سوريا..رسالة “غير نووية” لإيران
قام الرئيس الأميركي جو بايدن بأول تحرك عسكري كبير خلال فترة رئاسته عندما وجّه ضربات جوية في سوريا على هيكل تسيطر عليه الميليشيات المدعومة من إيران، والتي يُعتقد أنها مسؤولة عن الهجمات الأخيرة على أهداف أميركية في العراق.
وترى مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في تقرير بعنوان: “في رسالة إلى إيران..بايدن يقصف سوريا”، أنه بقصف الدولة التي مزقتها الحرب، وذلك بعد أسابيع من توليه الرئاسة، يسير بايدن على خطى سلفه دونالد ترامب، الذي شنّ هجوماً صاروخياً بعد 77 يوماً من بدء ولايته، حين ضرب قاعدة جوية سورية رداً على هجوم مشتبه به بأسلحة كيماوية.
القاسم المشترك بين الضربتين هو أنهما مصممتان بحيث لا تُفسَّران على أنهما عمل حربي، بل كرسالة. في حالة بايدن، إنها محاولة لوضع حدود المقبول وغير المقبول مع القوات الوكيلة لإيران وتهدف إلى منع المزيد من التصعيد.
ولكن بينما تتحدث إدارة بايدن علناً عن استئناف الحوار مع إيران حول العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، يجدر النظر في ما إذا كانت الضربة تجعل هذا الاحتمال بعيداً، وما إذا كانت قد قوّضت هدف إدارة بايدن المعلن المتمثل الترويج للدبلوماسية كأداة أساسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وتنقل “فورين بوليسي” عن فالي نصر، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، أنه “من غير المرجح أن تغير الضربات حسابات إيران عندما يتعلق الأمر بخطة العمل الشاملة المشتركة”.
ويقول نصر: “لا أعتقد أن ذلك يغلق الباب أمام الدبلوماسية”. ويضيف “بالنسبة إلى كل من طهران وواشنطن، فإن الاتفاق النووي مهم أكثر من هذه الأمور في العراق وسوريا. تحتاج إيران إلى تخفيف العقوبات فيما الولايات المتحدة لا تزال تريد قيوداً على برنامج إيران النووي، لذلك لا أعتقد أن القضايا الإقليمية تحلّ محل هذه المخاوف”.
ويعتقد نصر أنه من ناحية معاكسة، “ربما تكون التفجيرات قد ساعدت الدبلوماسية.. سيفكر الإيرانيون أنه إذا شعرت الولايات المتحدة بالقلق بشأن سلوكها المزعج، فقد تصل إلى طاولة المفاوضات بشكل أسرع، ويريد الأميركيون منع إيران من القيام بأشياء قد تعقّد العودة إلى طاولة المفاوضات من خلال الرد بشكل حاسم في وقت مبكر”.
بدورها، ترى تريتا بارسي، المديرة التنفيذية لمعهد كوينسي، إن التصعيد المتبادل وخفض التصعيد أمر معقد بلا داع. وتقترح حلاً أكثر لباقة تقول فيه إنه “إذا فعلت إدارة بايدن ذلك رداً على ما حدث في العراق لأنهم يعتقدون أن الإيرانيين يصعّدون من أجل الضغط على الولايات المتحدة للعودة إلى الصفقة، فإن ذلك بحد ذاته يوضح مخاطر عدم العودة إلى الصفقة. لماذا لا نعود للصفقة؟ يبدو أن هذا يحل هذه المشكلات بشكل أفضل”.
على الرغم من أن الوقت ما زال مبكراً داخل إدارة بايدن، إلا أن بارسي تقول إن الضربات في سوريا لم تبعث الثقة. وتضيف “أتفهّم أنهم يعتقدون أنهم بحاجة إلى إظهار هذا التصميم -لذلك لا أحد يعتقد أنهم ضعفاء- لكن هذا، في رأيي، يشير إلى الضعف. لأنه إذا كنت قوياً، فلن تحتاج إلى القيام بهذا النوع من الإشارات. ويقلقني أنهم يشعرون بالفعل بضغوط شديدة لدرجة أنه يتعين عليهم القيام بذلك”.
المدن
———————-
روسيا مستاءة من غارات أميركا وقلقة من «استراتيجية جديدة»
دعوات في موسكو لتحرك في مجلس الأمن… وتلويح بربط الملف مع «النووي الإيراني»
موسكو: رائد جبر
تسارعت أمس، ردود الفعل الروسية على الغارات الأميركية في منطقة الحدود السورية مع العراق. ومع التنديد بـ«انتهاك جديد للسيادة السورية»، بدا أن التطور أثار مخاوف روسية من أن تكون الضربات مقدمة لإطلاق استراتيجية أميركية جديدة في سوريا.
ومع تشكيك وزير الخارجية سيرغي لافروف برغبة واشنطن في الانسحاب من هذا البلد، برزت إشارات لافتة في البرلمان الروسي حول احتمال أن «تسفر سياسات واشنطن في سوريا عن تقويض الاتفاق النووي مع إيران نهائياً».
وأظهرت اللهجة التي ترددت على أكثر من مستوى أمس، أن روسيا ترى في الضربة الأميركية «ليس مجرد غارة عادية مماثلة للغارات السابقة، بل مقدمة لتطور كامل في الاستراتيجية الأميركية في سوريا»، وفقاً لمحلل عسكري قال إن واشنطن كما يبدو تسعى إلى توجيه رسالة بأن العمل العسكري سيكون موازيا لأي نشاط سياسي أو حوارات مع الأطراف الأخرى.
وفي هذا الإطار، يتضح سبب مسارعة الرئيس فلاديمير بوتين أمس، إلى دعوة مجلس الأمن القومي الروسي لعقد اجتماع طارئ لم تتضح نتائجه، لكن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ارفق الإعلان عن ذلك، مع الإشارة إلى أن بوتين «سيجري (أمس) اتصالاً هاتفياً دولياً مهماً ولديه عدد من الاجتماعات المغلقة» من دون أن يوضح ما إذا كان هذا التحرك مرتبطاً مباشرة بتطورات الوضع في سوريا. لكن الإعلان عن هذه التحركات تزامن مع التعليق على الغارات الأميركية، وقال بيسكوف، إن «روسيا تتابع عن كثب الوضع حول الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة على منطقة البوكمال شرق سوريا عند حدود العراق».
وقال إنه لا يستطيع الإجابة عن سؤال بشأن ما إذا كانت واشنطن أبلغت موسكو مسبقاً بغاراتها، لكن «يمكنني التأكيد أننا نتابع الوضع بدقة على الأرض ونبقى على اتصال دائم مع الزملاء السوريين».
ولم يلبث وزير الخارجية أن كشف بعد ذلك بقليل، عن أن واشنطن أبلغت الجانب الروسي بالغارات «قبل أربع أو خمس دقائق من تنفيذها». وأوضح لافروف، أن العسكريين الروس «تلقوا إخطاراً من الجانب الأميركي بشأن الغارات الجديدة قبل أربع أو خمس دقائق فقط، وحتى إذا تحدثنا عن إجراءات منع وقوع الاشتباك المعتادة في العلاقات بين العسكريين الروس والأميركيين، فإن مثل هذا الإخطار الذي يأتي بالتزامن مع تنفيذ الضربة لا يجلب أي منفعة».
اللافت هنا، أن موسكو كانت نشرت قبل أسابيع وحدات من شرطتها العسكرية في البوكمال على مقربة من تواجد وحدات تابعة لإيران؛ ما يفاقم من خطورة الضربات الأميركية الأخيرة بالنسبة إلى موسكو.
وشدد لافروف مجدداً على أن تواجد القوات الأميركية في سوريا «غير شرعي ويتناقض مع جميع أعراف القانون الدولي، بما فيها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الخاص بالتسوية السورية». وأكد أن العسكريين الروس والأميركيين لا يزالون رغم ذلك على اتصال دائم ضمن آلية منع وقوع الاشتباك، لكنه شدد في الوقت ذاته، على «الأهمية القصوى لاستئناف الاتصالات على المستويين السياسي والدبلوماسي بين موسكو وواشنطن بشأن سوريا». وتابع «نأمل أن تشكل الإدارة الجديدة قريباً فرقها المعنية بهذا الشأن».
وحملت عبارات لافروف تشكيكاً بنيات واشنطن، وأشار إلى تلقي «بيانات غير مؤكدة على أن الولايات المتحدة لا تنوي الانسحاب إطلاقاً من سورياً»، مؤكداً أن موسكو تنوي توضيح هذه المسألة في اتصالاتها مع واشنطن. وزاد «نسمع في الآونة الأخيرة بيانات متضاربة من مصادر مختلفة، ولم نستطع حتى الآن التأكد من صحتها، وبودنا أن نسأل الأميركيين مباشرة بهذا الشأن. تزعم هذه البيانات بأنهم يتخذون قرارا بعدم الانسحاب من سوريا أبداً، حتى لو أسفر ذلك عن تدمير البلاد».
في غضون ذلك، شددت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، على أن موسكو تدين بشدة الغارات الأميركية على سوريا، مضيفة «ندعو إلى الاحترام غير المشروط لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، ونؤكد رفضنا لأي محاولات لتحويل الأراضي السورية إلى حلبة لتصفية الحسابات الجيوسياسية». وأعادت هذه العبارة إلى الأذهان حديث لافروف قبل أسبوعين عن أن روسيا «تعارض أن تكون سوريا منطلقاً لشن هجمات على إسرائيل، وأنها في الوقت ذاته تعارض تحويل سوريا إلى ساحة صراع بين الأطراف الإقليمية».
بالتزامن مع ذلك، بدا أن موسكو تسعى إلى إثارة الملف في مجلس الأمن، كما ظهر من تعليق فلاديمير جباروف، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الفيدرالية (الشيوخ) الذي تحدث عن «حق دمشق في التوجه بشكوى إلى مجلس الأمن وتطلب عقد جلسة طارئة لمناقشة الضربة الأميركية غير القانونية، التي تم خلالها قصف أراضي دولة ذات سيادة». وشدد جباروف، على أن «ما حدث في غاية الخطورة، ويمكن أن يؤدي إلى تصعيد الوضع في المنطقة بأسرها (…) مثل هذه الأعمال، يمكن أن تؤدي إلى اندلاع نزاع كبير».
وفي إشارة نادرة إلى احتمال أن ترد الحكومة السورية عسكرياً على أي غارات أميركية في المستقبل، زاد جباروف أن سوريا «تمتلك أسلحة حديثة، بما في ذلك بطاريات دفاع جوي صاروخية من طراز (إس – 300)، ويجب على الأميركيين توخي الحذر الشديد خلال ارتكاب مثل هذه الأعمال». وأشار إلى أن «تفاصيل ما حدث، لا تزال غامضة ولم تتضح كلياً، لكن حتى الآن يبدو كل شيء في غاية الخطورة».
اللافت، أن هذه اللهجة التحذيرية تزامنت مع تحذير آخر اتخذ بعداً مختلفاً، صدر عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الفيدرالية (الشيوخ) قسطنطين كوساتشيف، الذي قال إن «العدوان الأميركي على سوريا، قد يؤدي إلى زيادة التوتر في المنطقة، وإلى تعطيل التطبيع المتوقع للتفاعل بين واشنطن وطهران في إطار الصفقة النووية». وأضاف كوساتشيف، وهو شخصية مقربة من مصنع القرار السياسي، أن «ما يحدث غريب للغاية، هنا تنخرط أربع دول الولايات المتحدة والعراق وإيران وسوريا، لكن دولة واحدة فقط – الولايات المتحدة – تستخدم القوة العسكرية علانية وبشكل مفتوح». وزاد «يحدث كل ذلك، على خلفية لا تزال غامضة، حول ملابسات إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء في بغداد أخيراً».
وأشار كوساتشيف، إلى أن واشنطن اتهمت الإيرانيين بالحادثة من دون تقديم أي دليل. وحذر من أن «هذا الوضع قد يتطور إلى تصعيد المواجهة العسكرية في المنطقة، وقد يؤدي إلى انهيار كامل للتطبيع المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني».
الشرق الأوسط
——————-
رد مدروس”.. الضربة الأميركية في سوريا تكبح جماح إيران
تمثل الضربة العسكرية الأميركية على الميليشيات الموالية لإيران في سوريا هذا الأسبوع اختبارا أوليا حاسما لمحاولة إدارة بايدن تحقيق التوازن بين الأهداف المتنافسة بشأن إيران، وهي استراتيجية يقول خبراء إنه من غير المرجح أن تنهي هجمات الميليشيات على قوات أميركية، وبحسب صحيفة واشنطن بوست.
ووصف المحللون الهجوم على موقع بالقرب من الحدود الجنوبية الشرقية لسوريا مع العراق بأنه رد محسوب على إطلاق الصواريخ على المنشآت الأميركية في العراق، لكنهم قالوا إنه من المحتمل أن يكون له تأثير عملي ضئيل لأنه تجنب المناطق الأكثر حساسية التي تسيطر عليها الميليشيات المدعومة من إيران.
ووفقا لقناة سي إن إن، أراد الرئيس الأميركي جو بايدن، إرسال رسالة بسيطة إلى إيران من خلال السماح بهذه الضربات الجوية في سوريا: “لا يمكنك التصرف مع الإفلات من العقاب، كن حذرا”.
وقدر المسؤولون الأميركيون أن الضربة التي أسقطت فيها طائرتان من طراز F-15E Strike Eagle سبع قنابل دقيقة، قتلت مجموعة من المقاتلين التابعين لميليشيات مدعومة من إيران.
وبالرغم من أن الموقع لم يكن مرتبطًا على وجه التحديد بالهجمات الصاروخية، لكن وزير الدفاع لويد أوستن قال إنه “واثق” من أن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران استخدمت من قبل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في استهداف القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق بهجمات صاروخية.
تحقيق التوازن
ويعتقد أن الموقع يستخدم كجزء من عملية تهريب أسلحة من قبل الميليشيات المدعومة من إيران، بحسب مسؤول أميركي.
ويعكس قرار الإدارة بضرب موقع للميليشيات في سوريا، وليس العراق، عزمها على تقليل الاحتكاك مع بغداد، التي انتقدت بشدة الهجمات الأميركية أحادية الجانب على أهداف الميليشيات خلال إدارة ترامب.
ومع ذلك، أعربت الحكومة العراقية عن عدم ارتياحها للهجوم. في بيان، رفضت وزارة الدفاع العراقية ما بدا أنه اقتراح من وزير الدفاع لويد أوستن بأن العراق شارك المعلومات الاستخباراتية مع الحكومة الأميركية قبل الضربة.
وقالت الحكومة “تعاوننا مع قوات التحالف الدولي يقتصر على هدف محدد. . . محاربة داعش وتهديدها للعراق بما يحفظ سيادة العراق “.
ويلوح في الأفق بعد عملية يوم الجمعة التحدي الذي يواجهه البيت الأبيض في جهوده لتحقيق التوازن بين الأهداف المتنافسة بشأن إيران.
ويعتبر المسؤولون دعم إيران للجماعات القوية بالوكالة، من العراق إلى لبنان إلى اليمن، عنصرًا رئيسيًا لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، قد يحاولون دمج أنشطة إيران بالوكالة وبرنامجها الهائل للصواريخ الباليستية في الصفقة، وهي خطوة يقول محللون إن إيران من المرجح أن تقاومها ، كما فعلت في الماضي.
وقال نورمان رول، الذي شغل منصب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية لإيران حتى عام 2017، إن قرارات طهران المتعلقة بأعمال الوكالة ربما تكون متأثرة بتعليقات قادة الإدارة الحالية حول رغبة بايدن في تقليص الوجود الأميركي في الشرق الأوسط.
وأضاف رول “تصرفات الإدارة ودعم أوروبا لقرارات الولايات المتحدة ردا على اختبارات إيران الإقليمية ستحدد ما إذا كانت طهران تعتقد أنها يمكن أن تكون أكثر عدوانية على الصعيد الإقليمي في ظل حكم بايدن”. وتابع “لكن إذا صعد الإيرانيون السلم التصاعدي، فلن يكون لدينا خيار سوى فعل الشيء نفسه من أجل حماية قواتنا وشركائنا”.
رد مدروس
بينما أكد تقرير لمعهد بروكنغز أن الهجمات الميليشيات الموالية لإيران كانت أول اختبار حقيقي لإدارة بايدن، وأضافت أن الرد الأميركي كان مرحب به ومدروس جيدا، لأنه يوازن بين الحاجة إلى الرد على الهجمات بالوكالة الإيرانية مع ضمان عدم غرق دول مثل العراق في عنف واسع النطاق وعدم استقرار يمكن للحلفاء استغلالها لتعزيز نفوذهم.
وقال التقرير “ليس من الضروري أن تحاكي السياسة الأميركية تجاه إيران موقف المواجهة الذي تبنته إدارة ترامب، ولكن يمكنها أن تمارس استخدام القوة ضد الجهات التي تهدد الأفراد الأميركيين. وذكر أن ذلك يمكن أن يعزز المفاوضات الدبلوماسية حول برنامج إيران النووي.
وأشارت إلى أن إيران تعتقد بأن بإمكانها تعزيز قدرتها التفاوضية في هذه المفاوضات إذا رفعت الرهان عن طريق إصابة أو قتل أفراد أميركيين، وأن إدارة بايدن لديها قدر كبير من التسامح مع هجمات وكلاء إيران على الأفراد الأميركيين.
إلا أن الضربة الأخيرة قد تغير إلى حد ما هذا التصور، وتردع المزيد من الهجمات على الولايات المتحدة وتجبر إيران على كبح جماح وكلائها. وأوضح أنه في حين أنه من غير المرجح أن نرى نهاية كاملة للهجمات الصاروخية الإيرانية بالوكالة، فليس من غير المعقول تمامًا أن تسعى طهران إلى تعديل حجم ونطاق الهجمات الصاروخية المستقبلية.
الحرة / ترجمات – دبي
—————————
تضربون ونضرب: الكرملين يستوعب الرسالة الأميركية في سوريا
تحذير من بايدن لإيران بأن تبنّي مسار الحوار لا يعني تسليما بالأمر الواقع.
حملت الضربات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة ليل الخميس الجمعة ضد ميليشيات شيعية موالية لإيران متهمة بتنفيذ هجمات على مواقع أميركية في أربيل رسالة متعددة للأطراف الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية مثل روسيا وإيران مفادها: تضربون ونضرب، وأن واشنطن لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام استهداف مواقعها العسكرية والدبلوماسية.
وفهمت روسيا الرسالة الأميركية بسرعة، ودعا وزير الخارجية سيرجي لافروف الجمعة الولايات المتحدة إلى إعادة الاتصالات مع موسكو وتوضيح موقف إدارة بايدن بخصوص سوريا.
وأوضح لافروف أثناء مؤتمر صحافي في موسكو أن العسكريين الروس تلقوا إخطارا من الجانب الأميركي بشأن الغارات الجديدة قبل أربع أو خمس دقائق فقط من شنها، مضيفا “حتى إنْ تحدثنا عن إجراءات منع وقوع الاشتباك المعتادة في العلاقات بين العسكريين الروس والأميركيين فإن مثل هذا الإخطار الذي يأتي بالتزامن مع تنفيذ الضربة لا يجلب أي منفعة”.
وقال محللون إن ردة الفعل الروسية على الهجمات تعود إلى كون موسكو قد فوجئت بسرعة رد واشنطن على استهداف مواقع لها في مدينة أربيل في الوقت الذي كان فيه الروس يتوقعون أن يكرر بايدن تجربة باراك أوباما في النأي بالنفس عن التدخل المباشر في الملف السوري، وإدارة الملف عن بعد.
ولا تكمن محاذير هذا الهجوم فقط في غياب التنسيق مع روسيا لتجنب أي أخطاء تقود إلى اشتباك، وإنما تتضمن أيضا رسالة سلبية بشأن مسعى روسيا لإعادة تأهيل نظام بشار الأسد، وجعل الاعتراف الدولي به أمرا واقعا.
وأعلن المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي في بيان يوم الخميس أنه “بناء على توجيهات الرئيس بايدن، نفذت القوات العسكرية الأميركية ضربات جوية استهدفت بنية تحتية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران في شرق سوريا”.
وكشف أن الضربات دمرت عدة منشآت في نقطة سيطرة حدودية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران ومنها كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء.
وقال مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “قرار توجيه هذه الضربات كان يهدف إلى إرسال إشارة مفادها أن الولايات المتحدة تريد معاقبة الجماعات المتشددة لكنها لا تريد أن ينزلق الوضع إلى صراع أكبر”.
وأضاف أن “بايدن عُرضت عليه عدة خيارات واختار أقلها تخليفًا للعواقب”.
ويرى محللون وسياسيون أن الهجوم لم يكن مقتصرا على توجيه رسالة إلى الفصائل الموالية لإيران في العراق، وإلا لكان وجّه ضربات للمجموعات التي كانت وراء الاستهداف على الأراضي العراقية، لكن الهدف الأكثر وضوحا هو توجيه رسالة إلى إيران يتعلق فحواها بدورها الإقليمي في العراق وسوريا واليمن.
ويلفت هؤلاء المحللون والسياسيون إلى أن إدارة بايدن أرادت أن تثبت للمسؤولين الإيرانيين أن لديها بدائل متعددة لجلب طهران إلى طاولة المفاوضات، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام رفضها العودة إلى طاولة الحوار في الملف النووي والاستمرار في وضع الشروط المعرقلة قبل رفع العقوبات أولا.
ويعتبرون أن الرسالة الأميركية تعمل على تبديد ما حصل من التباس في أذهان الإيرانيين بشأن الإدارة الجديدة، وأن تبني مسار الحوار في الملف النووي أو في الأدوار الإقليمية لإيران، وخاصة في موضوع اليمن، لا يعني ضعفا وتسليما بالأمر الواقع.
ويعتقد مايكل ماكول، أبرز عضو جمهوري في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، أن الضربات “إنذار لإيران ووكلائها وخصومنا في جميع أنحاء العالم بأنه لا تهاون مع الهجمات على المصالح الأميركية”.
وقالت سوزان مالوني من معهد بروكنجز للأبحاث على تويتر إن الضربات “خطوة جيدة” أظهرت أن إدارة بايدن يمكنها أن تتفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي وفي الوقت نفسه تتصدى للفصائل التي تدعمها.
وجاءت الهجمات الصاروخية على مواقع أميركية في العراق في وقت تبحث فيه واشنطن وطهران عن طريق يعود بهما إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
ولم يتضح ما إذا كانت الضربات ستؤثر على الجهود الأميركية الرامية إلى إقناع إيران بضرورة التفاوض بشأن عودة الجانبين إلى الامتثال للاتفاق النووي.
وقال بلال صعب، المسؤول السابق في البنتاغون والباحث حاليا في معهد الشرق الأوسط بهولندا، “الضربة، بالطريقة التي أراها، كانت تهدف إلى ضبط النبرة مع طهران وتقويض ثقتها المتضخمة قبل المفاوضات”، وأضاف “لا تريد الدخول في محادثات محتملة مع إيران بشأن أي قضية بكدمة في وجهك من هجمات أربيل”.
وفي هجوم الخامس عشر من فبراير أصابت صواريخ القاعدة العسكرية الأميركية في مطار أربيل الدولي بالمنطقة التي يديرها الأكراد، مما أسفر عن مقتل متعاقد غير أميركي وإصابة عدد من المتعاقدين الأميركيين وأحد أفراد الخدمة الأميركيين. وبعد أيام سقط وابل من الصواريخ على قاعدة تستضيف قوات أميركية شمالي بغداد مما أصاب متعاقدا واحدا على الأقل.
ويوم الاثنين ضربت صواريخ المنطقة الخضراء في بغداد، وهي منطقة تضم السفارة الأميركية وبعثات دبلوماسية أخرى.
ورغم أن كتائب حزب الله نفت أي دور لها في الهجمات الصاروخية يقول بعض المسؤولين الغربيين والعراقيين إن الهجمات التي غالبا ما تعلن جماعات غير معروفة المسؤولية عنها ينفذها متشددون لهم صلات بكتائب حزب الله كأسلوب يتبعه حلفاء إيران لإزعاج القوات الأميركية دون محاسبة.
ومنذ أواخر عام 2019 نفذت الولايات المتحدة ضربات استهدفت كتائب حزب الله في العراق وسوريا ردا على هجمات صاروخية على القوات التي تقودها واشنطن أوقعت قتلى في بعض الأحيان.
العرب
—————————-
خبيران يستبعدان الرهان على دور أمريكي حاسم في سوريا
لندن ـ عربي21
رأى نشطاء سوريون أن مواقف الإدارة الأمريكية من الأزمة السورية، غير واضحة حتى الآن بما فيه الكفاية، على الرغم من كارثية الوضع الذي يعيشه السوريون بعد عشرة أعوام على انطلاق ثورتهم المطالبة بالتغيير الديمقراطي.
فقد أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة السوربون الدكتور برهان غليون، أن الأزمة السورية تفاقمت ووصلت درجة من السوء لم يعد بعدها إلا الانفراج أو الموت الجماعي.
وقال غليون في تصريحات خاصة لـ “عربي21”: “اشتدت الأزمة السورية إلى درجة لم تعد قابلة للاحتمال من طرف الجميع اللهم إلا إذا قبل المجتمع الدولي بالموت الجماعي للسوريين”.
وأضاف: “هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه السوريون يجب أن يستفز الإرادات في الداخل أولا قبل أن يستدعي إرادات الدول الكبرى، ذلك أن العالم الخارجي لن يهتم بالسوريين إذا لم يهتم السوريون بأنفسهم ويظهروا استعدادا للتفاهم مع بعضهم البعض”.
وأكد غليون أنه متفائل بوجود ديناميكية داخلية للخروج من الحرب التي فرضها النظام، والتوجه نحو تشكيل إرادة داخلية قادرة على تغيير المشهد.
وأضاف: “أقول هذا وأنا مقتنع بأن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن لن تفعل شيئا للسوريين إذا لم يظهروا هم أنفسهم دعمهم لقضيتهم، فإذا رأتنا أمريكا مستسلمين، فإنها لن تأتي لإنقاذنا.. أما إذا فرضنا أنفسنا فإنهم سيجدون أنفسهم مضطرين للاعتراف بوجود قضية سورية، على خلاف ما هو قائم اليوم حيث هناك شبه شعور بتراجع القضية السورية”.
وأعرب غليون عن أسفه لعدم وجود إرادة دولية جادة لإنهاء الأزمة السورية، وقال: “لا توجد لا إرادة أمريكية ولا دولية للقيام بشيء جدي تجاه سوريا، لأن المجتمع الدولي يشك إلى اليوم بقدرة السوريين على التفاهم مع بعضهم البعض”.
وعما إذا كان الحوار الأمريكي ـ الإيراني المرتقب يمكنه أن يكون على حساب حل الأزمة السورية، قال غليون: “من الممكن جدا أن يكون الحوار الأمريكي ـ الإيراني على حساب الملف السوري، لكن أعتقد أن الأمر أعقد بكثير من ذلك، فإذا كان الإيرانيون يعتقدون أن إدارة بايدن بها أشخاص لهم علاقة بحزب الله، فأعتقد أنهم واهمون، إذ لا توجد ضمانات لترتيب الأمور”.
وأضاف: “لقد وضع بايدن 3 نقاط رئيسية في حواره مع إيران، وهي بالإضافة إلى الملف النووي، الصواريخ الباليستية والميليشيات الإيرانية المنتشرة في دول المنطقة، وقضية استخدام الإرهاب في السياسة”.
من جهة أخرى رأى غليون أن واقع المعارضة السورية المشتت أفقدها الكثير من المصداقية، وأن الرهان بالأساس اليوم على الشعب السوري، وقال: “أعتقد أن تركيز الأمور على المعارضة السورية اليوم خطأ كبير، القضية قضية الشعب السوري بأكمله، وبالتالي عودة القضية إلى مكانها الطبيعي باعتبارها قضية شعب بأكمله، شعب يقف ضد الميليشيات ومتمسك بحكم ديمقراطي مدني”.
وأكد أن نظام بشار الأسد لن يكون لا جزءا من الحاضر ولا من المستقبل، وقال: “نظام بشار لم يعد له أي قيمة واقعية إلا لجهة كونه ورقة إقليمية، أو قل مخلبا إيرانيا وإلى حد ما روسي لتخريب السلام ليس إلا”، على حد تعبيره.
من جهته رأى القيادي السابق في الائتلاف السوري المعارض ميشيل كيلو في حديث مع “عربي21″، أن “أمريكا ليست مستعجلة على حل الملف السوري، وأن إدارة بايدن لها هموم أكبر من سوريا بكثير، تسعى لحلها بطريقة مختلفة عن طريقة بايدن”.
وأكد كيلو في حديث مع “عربي21″، أن “حصة أمريكا في سوريا مضمونة، وأنه لا توجد قوة دولية قادرة على تغييب واشنطن من سوريا، بل إن دور أمريكا الآن هو تعطيل روسيا في سوريا”.
وأشار كيلو إلى أن “استراتيجية الروس في سوريا هي إبقاء الوضع على ما هو عليه، وأن بشار أمر واقع، وأن ذهابه سيفتح الباب أم صراع طائفي في سوريا متناسين أنه هو من أسس لهذا الصراع في سوريا”.
وأضاف: “للأسف الشديد ستظل الأزمة السورية تراوح مكانها لفترة زمنية غير قصيرة، لأنه من غير المقبول سوريا بأي شكل من الأشكال القبول بنظام بشار الأسد، الذي كبد السوريين ويلات يصعب نسيانها لأجيال عديدة”.
وتابع: “لا شك أن ما يجري في سوريا ليس فقط مشكلة سورية، وإنما هو مشكلة لكل دول الجوار.. ولا أعتقد أن شعبا فقد ما لا يقل عن وفاة مليون ونصف تحت التعذيب ومثلهم بالبراميل المتفجرة فضلا عن ملايين النازحين واللاجئين يمكنه بعد عقد من الصمود الأسطوري سيقبل بالعودة للعيش مع هذا النظام”.
وأعرب كيلو عن قلقه لغياب ممثل حقيقي للشعب السوري، حتى وإن كان الأمريكيون والعالم ما زالوا يعترفون بالائتلاف وبهيئة التفاوض، وأكد أن غياب هذا الممثل الحقيقي والجامع من شأنه أن يزيد من تأجيل حل الملف السوري، وفق تعبيره.
ويشهد الملف السوري، حالة من الترقب الحذر بانتظار الخطوات الأولى التي ستتخذها الإدارة الأمريكية الجديدة، فيما تلوح مؤشرات على أن إدارة الرئيس جو بايدن، ستتجه لتبني استراتيجية مختلفة عن إدارة سابقه دونالد ترامب.
ويتقاسم النظام السوري المدعوم من إيران وروسيا السيطرة على الأراضي السورية مع المعارضة والأكراد.
ويستعد السوريون لإحياء الذكرى العاشرة لانطلاق ثورتهم ضد النظام في 15 آذار/ مارس 2011.
وأشارت عدة تقارير للأمم المتحدة خلال السنوات الماضية إلى ارتكاب النظام وحلفائه لجرائم حرب تمثلت في استخدام السلاح الكيماوي واتباع سياسة التجويع، والتهجير القسري والحصار والاعتقال التعسفي، والتعذيب، إضافة إلى القتل الممنهج والمتعمد لمئات الآلاف من المدنيين.
وحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن “6.7 ملايين مواطن سوري تحولوا إلى لاجئين”، حيث تستضيف تركيا وحدها 3.6 ملايين منهم، حسب أرقام رسمية.
ولم تفلح مفاوضات سياسية عقدت حول الأزمة السورية في عواصم دولية متعددة في التوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب الدائرة في سوريا، ويحقق حلم الشعب السوري في الإصلاح السياسي المطلوب.
———————————
في أولى ضرباته العسكرية… بايدن يستهدف “ميليشيات إيران“
استغرق الأمر ما يزيد قليلاً على الشهر من توليه الحكم، حتى يحرك الرئيس الأمريكي جو بايدن المقاتلات لقصف مواقع تديرها ميليشيات تابعة لإيران في سوريا.
ويؤكد مسؤولون أمريكيون أن القصف كان رداً على ثلاث هجمات تعرضت لها الولايات المتحدة في العراق خلال الأيام العشرة الماضية، أسفرت عن إصابة ومقتل عدد من الأمريكيين ومتعاونين أجانب في محاربة تنظيم داعش.
وفي رأي عدد من المحللين، فإن القصف الأمريكي يحمل أيضاً رسالة طمأنة إلى دول الخليج، بعد اعتراض صواريخ وطائرات مسيرة حوثية في السعودية أيام 7 و8 و10 و11 و 13 و 16 شباط / فبراير الجاري.
القصف الأمريكي
بحسب شبكة سي أن أن الأمريكية، الموقع الذي تعرض للقصف في 25 شباط/ فبراير تستخدمه مجموعتان من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران.
وقال مسؤول أمريكي للشبكة إن “حفنة” من المسلحين قُتلت في الضربات على الموقع، الذي يُعتقد أنه يُستخدم في عمليات تهريب أسلحة إلى الميليشيات التابعة لإيران.
وتشير معلومات متداولة إلى أن المنطقة التي ضربتها الولايات المتحدة تقع بالقرب من قاعدة “الإمام علي” الإيرانية في البوكمال السورية، وهي منطقة تتمركز فيها ميليشيات تابعة لكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وسيد الشهداء العراقية، بالإضافة إلى مجموعات أفغانية وباكستانية موالية لطهران.
وذكر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أنه “واثق” من أن الموقع تستخدمه الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والتي أطلقت صواريخ على القوات الأمريكية وقوات التحالف في أربيل.
وقال أوستن: “نحن واثقون من الهدف الذي سعينا وراءه، نحن نعرف ما ضربناه. سمحنا وشجعنا العراقيين على التحقيق وتطوير المعلومات الاستخباراتية، وكان ذلك مفيدًا جدًا لنا في تحديد الهدف”.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إن الضربات حدثت “بتوجيه من الرئيس بايدن”، ليس للرد على الهجمات الأخيرة ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف فحسب، ولكن أيضاً “للتعامل مع التهديدات المستمرة من هؤلاء الأفراد”.
يحرج إدارة بايدن… اتهام إيران بالمسؤولية عن هجوم أربيل
“خطر حقيقي” أم “وقيعة”؟ تقرير عن مخطط إيراني لاغتيال سفيرة لأمريكا في إفريقيا
الحكومة اتهمت داعش وكثر اتهموا إيران… رسائل بدماء العراقيين إلى بايدن؟
وقال كيربي: “على وجه التحديد، دمرت الضربات عدة منشآت تقع عند نقطة مراقبة حدودية يستخدمها عدد من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، بما في ذلك كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء”.
وأضاف: “العملية تبعث برسالة لا لبس فيها، مفادها أن الرئيس بايدن سيعمل على حماية أفراد التحالف الأمريكي. وفي الوقت نفسه، عملنا بطريقة تهدف إلى تهدئة الوضع العام في شرق سوريا والعراق”.
وأوضح كيربي أن بايدن سمح بالضربات بعد التشاور مع حلفاء الولايات المتحدة، كما أفاد موقع أكسيوس الأمريكي بأن واشنطن أبلغت إسرائيل مسبقًا بالضربات الجوية.
وأظهرت صور متداولة، عبر حساب صابرين نيوز المرتبط بالميليشيات المدعومة من إيران، تدمير منشآت بدائية في منطقة صحراوية.
وأسقطت الولايات المتحدة سبعة صواريخ “JDAM” زنة كل منها 500 رطل خلال الغارة الجوية في منطقة البوكمال، ما أسفر عن مقتل 17 مقاتلاً مدعوماً من إيران.
وفي 15 شباط/ فبراير، أسفر هجوم صاروخي بـ14 صاروخاً على القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي ضد داعش، بالقرب من مطار أربيل الدولي، في إقليم كردستان العراق، عن مقتل مقاول مدني وإصابة تسعة، من بينهم جندي وأربعة متعاقدين أمريكيين. وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي بأن بايدن وإدارته “يحتفظان بالحق في الرد بطريقة وفي الوقت الذي يختارانه”.
ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أي علاقة لإيران بالهجوم في أربيل، ولم تعلن إيران مسؤوليتها عن أي من الضربات الأخرى. ومع ذلك، أشارت ساكي إلى أن الولايات المتحدة سوف تحاسب إيران على تصرفات وكلائها.
وفي 20 شباط/ فبراير، سقط ما لا يقل عن أربعة صواريخ على قاعدة بلد الجوية شمال بغداد، حيث تعمل شركة دفاع أمريكية على طائرات مقاتلة عراقية، كما تم قصف المنطقة الخضراء في 22 من الشهر ذاته.
وكانت آخر مرة قصف فيها الجيش الأمريكي مواقع ميليشيات تابعة لإيران، في آذار/ مارس 2020، حين ضربت موقعاً لكتائب حزب الله، رداً على هجوم صاروخي أدى إلى مقتل أمريكيين ومسعف بريطاني وإصابة 14 آخرين.
تعقيد الجهود الدبلوماسية
تأتي الضربات الأمريكية في الوقت الذي تستعد فيه واشنطن وطهران للمفاوضات حول برنامج إيران النووي، ما قد يعقد العملية التي لا تزال في بدايتها، إذ ذكرت “سي أن أن” أن الضربة قد تخلق توتراً مع المشرّعين الذين سيدعمون أجندة بايدن، والذين سيحتاج دعمهم للمضي قدماً في الصفقة.
وقال النائب الديمقراطي رو خانا، وهو عضو في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي: “هذا يجعل الرئيس بايدن خامس رئيس أمريكي على التوالي يأمر بشن ضربات في الشرق الأوسط. لا يوجد أي مبرر على الإطلاق لرئيس يأذن بضربة عسكرية ليست دفاعاً عن النفس ضد تهديد وشيك دون تفويض من الكونغرس. نحن بحاجة إلى الخروج من الشرق الأوسط، وليس التصعيد”.
وأضاف خانا في تغريدة على تويتر: “لا ينبغي على الرئيس أن يتخذ هذه الإجراءات دون السعي للحصول على إذن صريح، بدلاً من الاعتماد على قوانين واسعة وتجاوزها الزمن لترخيص استخدام القوة العسكرية. لقد تحدثت ضد حرب لا نهاية لها مع ترامب، وسوف أتحدث ضدها عندما يكون لدينا رئيس ديمقراطي أيضاً”.
وغرد مات دوس، مستشار الشؤون الخارجية للسيناتور الديمقراطي التقدمي بيرني ساندرز: “لم يأذن الكونغرس بشن حرب في سوريا”.
ونشر السناتور الجمهوري راند بول، تغريدة للمتحدثة الحالية باسم البيت الأبيض، جين ساكي، في 2017، أي خلال عهد دونالد ترامب، ترفض فيها قصف سوريا باعتبارها دولة ذات سيادة، وعلق: “أدين التدخل في الحرب الأهلية السورية. كما أدين مهاجمة دولة ذات سيادة بلا سلطة”، وأضاف: “ما هي السلطة التي يمتلكها بايدن لضرب سوريا؟ هل يجب على شخص ما أن يسأل المتحدثة باسم البيت الأبيض اليوم؟”.
وغردت الصحافية الأمريكية كايلي أتوود: “الضربات الأمريكية ضد وكلاء إيران في سوريا تأتي في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة وإيران للمفاوضات بشأن برنامج إيران النووي. وقد تؤدي الضربات إلى تعقيد الأمور، ولكن من المرجح أن يرحب بها الجمهوريون الذين يخشون ألا يرد بايدن بقوة على الصواريخ الإيرانية”.
ضربة ضرورية
من جانب آخر، رأت الباحثة في “معهد دراسات الحرب” جينيفر كافاريلا أن الضربة على وكلاء إيران في سوريا خطوة جيدة، وأضافت في تغريدة: “نتائجها ستكون رفض محاولة هؤلاء الوكلاء إنكار الهجمات الصاروخية، وتحميلهم تكاليف هجماتهم، وتخفيف خطر التصعيد في العراق، وتقويض البنية التحتية الإيرانية في سوريا”.
وختمت الباحثة المتخصصة في الشأن السوري والإيراني: “الأهم من ذلك أنه يوضح أيضاً أن إدارة بايدن لا تتجاهل تماماً عمليات إيران الإقليمية الخبيثة والتصعيدية، في سعيها لإبرام صفقة نووية ثانية. ولا يزال هناك الكثير الذي يتعين رؤيته، لكن هذه خطوة جيدة”.
وقال الباحث المختص في الشأن السوري كايل أورتن في تغريدة: “الرسائل من الضربة الانتقامية الولايات المتحدة قوية: يخبر بايدن إيران أن الأمريكيين لديهم رؤية جيدة لشبكاتهم السرية، وأنها ستدفع الثمن”.
وغرد الباحث البريطاني أندريس كريغ: “المواجهة عن بعد بين إيران والولايات المتحدة مستمرة، بايدن لن يكون لطيفًا مع شبكة إيران على الرغم من رغبته في الدخول في مفاوضات حول الاتفاق النووي”.
وأضاف كريغ: “قد يكون القصف أيضاً إشارة إلى الشركاء في إسرائيل والخليج، بأن الولايات المتحدة مهتمة بصفقة أكثر شمولاً مع إيران، بما في ذلك الأنشطة الإيرانية الأخرى، كما يشير إلى أن الخط الأحمر الذي وضعته الولايات المتحدة، بخصوص حياة الأمريكيين، لم يتغير كما كان في عهد ترامب، وهذا يحدد إطار الردع”.
———————————
======================
تحديث 28 شباط 2021
————————-
عروض بوتين لبايدن في سورية/ سميرة المسالمة
ترى واشنطن المشهد السوري من الزاوية الإيرانية، وهو تحديداً ما يزعج موسكو، أو بصيغة أدق تتعامل الإدارة الأميركية مع الملف السوري باعتباره تفصيلاً صغيراً في واقع الوجود الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وأحد البنود التي ستكون بين سطور الاتفاق النووي بصيغته الجديدة غير المحدّدة لانتهاء الصلاحية، ما يعني أن نضج أي حل سياسي في سورية مرهون بتقدّم الحوار مع إيران، واستبعاد الدور الروسي، كما هو الحال مع الدور السوري، بشقيه النظام والمعارضة.
ويمكن النظر إلى اللقاءات التي يجريها أعضاء في الإدارة الأميركية مع بعض الفعاليات السورية على أنها جلسات استماع، أو اختبار مشاهد ثانوية، قد يحتاجون فيها ممثلين “كومبارس” يساندون بها أدوار الفاعل الرئيسي في صراع صياغة العلاقات الدولية الجديدة، وانتزاع ما يقلق حدود إسرائيل، ويعيد ترتيب أولويات الأنظمة والشعوب في آن واحد، بما يتوافق والرغبة في استعادة الدور الأميركي قطباً وحيداً ينظم شؤون العالم بأدواته الدبلوماسية أو العسكرية إن لزم الأمر.
أما النظام السوري، فيتقوقع خلف الموقف الإيراني، ويراهن على قدرة حليفته باستمالة إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للعودة إلى الاتفاق النووي، وتعزيز قدراتها من خلاله في مناطق نفوذها، بتحريرها من العقوبات التي أثقلت كاهلها، معتبرين أن من شأن تصريحات “النظامين السوري والإيراني” النارية، والتهديدات والتعنت، رفع أسهم طهران على طاولة الاتفاق، وهو ما ردّت عليه، في ما يبدو، يوم الخميس 25 فبراير/ شباط الماضي، وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بضربة عسكرية مؤلمة “للبنية التحتية التي تستخدمها الجماعات المسلحة المدعومة من إيران شرقي سورية”، أي إن اللغة الدبلوماسية لبايدن مع إيران لا تنفي وجود إصبعه على زناد “بندقيته”.
تراقب روسيا سلوك النظام السوري، وترسل إليه تحذيراتها وتهديداتها على شكل رسائل إعلامية، وتسريبات لصور تظهر فيها الرئيس بشار الأسد في مواقف محرجة وصادمة لمؤيديه، أو حتى للدولة داعمته (إيران)، فالرسالة التي سُرِّبَت، عبر وسائل إعلام روسية أخيراً، ليس الهدف منها فقط إظهار واقع تدهور قوات الجيش السوري وإمكانية هزيمته أمام فصائل معارضة مسلحة، ولكن الرسالة المسرّبة هي أيضاً لإظهار عجز إيران، وكل مليشياتها من حزب الله و”زينبيون” و”فاطميون” ومرتزقة آخرين عن تحقيق أي تقدّم أو حتى القدرة على صدّ هجوم المعارضين وحماية العاصمة دمشق.
لا يحتاج النظام أن تذكّره روسيا بما قدّمته له من مساندة، وكيف أعادت له ثلثي مساحة سورية تحت نفوذه، لكن روسيا تحتاج تذكير الولايات المتحدة الأميركية، أولاً وقبل أي طرف آخر، بدورها في سورية، وأنها من صنعت الواقع الجديد للنظام بعد تدخلها، وأن ملف سورية دولياً يجب أن يبقى بيدها دون سواها. وهي، في الوقت ذاته، تريد وضع إيران في حقيقة حجمها ودورها في سورية، وأنها بكل ما قدّمته للنظام السوري من دعم، كانت ومليشياتها والجيش السوري، بعد سحب السلاح الكيماوي منه، على شفا حفرة من هزيمة قاضية، كما جاء في رسالة الأسد إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2013، طلباً لتدخله قبل أن تنهار سورية وتسقط بيد الإرهابيين “الإسلاميين”.
اللافت أن الرسالة توضح دور السلاح الكيماوي في الحرب التي خاضها النظام السوري ضد معارضيه، وهي دليل إدانة واضح على أن ميزان القوى لم يعد في مصلحة النظام وإيران، بسبب تسليمه السلاح الكيماوي بعد مجزرة الغوطة، وفق الصفقة الأميركية – الروسية، وعيون الرقابة الدولية التي حدّت من استخدام ما بقي منه، ما يعني أن لتسريب الرسالة أغراضاً كثيرة، وقد يدخل في تصفية الحسابات، والتلميح إلى أن من استخدم الكيماوي قد لا يتأخر عند امتلاكه النووي في استخدامه، وتهديد السلم الدولي. ويمكن الربط بين تزامن الحديث عن تسريب رسالة الأسد إلى بوتين، وتفاعلاتها الإعلامية، مع عرض روسي للولايات المتحدة قدّمه وزير الخارجية، سيرغي لافروف، الجمعة الماضي (26/2)، باستئناف المشاورات السياسية والدبلوماسية بشأن سورية، ما يعني أن لدى موسكو ما تقدّمه لواشنطن لفضّ النزاع في سورية وعليها، بعيداً عن اتفاقاتها مع إيران والدور الجديد الذي تريده لها في المنطقة، وبما يضمن أن صاحبة القرار في الحل هي روسيا.
وضمن ذلك، يمكن فهم سبب النشاط الملحوظ لموسكو في استقبال معارضين سوريين، وتلميع أسماء عسكرية، والتفاعل مع إعادة توزيع الحصص داخل هيئة التفاوض، بما يضمن لمشاريع موسكو نسبة تصويت أعلى، باستقطابها منصة القاهرة وهيئة التنسيق، إلى جانب منصة موسكو، في مواجهة أصوات “الائتلاف” المحسوب على تركيا، إضافة إلى محاولة تنشيط مسار أستانة الذي تتزعمه من دون منازع، وتفتح من خلاله مسارات التفاوض العابرة لشريكيها، (إيران وتركيا)، الذي استطاعت من خلاله انتزاع مناطق كاملة من سيطرة الفصائل المسلحة، وإعادتها إلى كنف النظام السوري.
بعد فقدان كثير من عوامل نجاح مقايضات روسيا على الأسد مقابل ملفات أوكرانيا والعقوبات الأوروبية، وفي ظل إنهاء طموحات النظام السوري بأي مساعدات روسية قادمة، للأسباب الاقتصادية التي تعانيها سورية بسبب العقوبات، وتحت عنوان أن روسيا هي المنقذ الوحيد للأسد، وحامي حدود إسرائيل مع سورية لعقود مضت، بما يتضمنه ذلك دورها في إبعاد الهاجس الإيراني عنها، فهل ستقدّم موسكو سيناريو حلّها إلى واشنطن على حساب الأسد قبيل انتخاباته، بما ينزع مخالبه التي تهيمن على السلطات جميعها في سورية، لكن من دون أن تقوّض وجوده على الأقل في المرحلة الأولى من حلها، وتفسح المجال لأسماء متداولة محسوبة على المعارضة لتكون على قائمة حكومته الجديدة، وتسهيل عمل اللجنة الدستورية مقابل تجاوب واشنطن مع المقترح، والسماح بتسييل الأموال للبدء بإعادة إعمار سورية، ما يخفف وطأة الأزمة الاقتصادية عن بوتين في سورية وروسيا في آن واحد؟
العربي الجديد
————————
جدوى العقوبات على نظام الأسد/ عبسي سميسم
بعد تطبيق حزم متتالية من “قانون قيصر” الأميركي على النظام السوري، وبعد تقديم 150 عضواً في مجلس النواب الأميركي في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي مسودة مشروع قانون جديد إلى الكونغرس لفرض عقوبات بحق المؤسسات المالية والمصارف التي تربطها علاقة مع شبكة بشار الأسد الاقتصادية في كل من سورية ولبنان، تعمل حالياً مجموعة من الناشطين الحقوقيين السوريين، وعدد من المنظمات الحقوقية السورية، من أجل حثّ الاتحاد الأوروبي على إصدار قانون عقوبات أوروبي على هذا النظام على غرار “قانون قيصر”.
على الرغم من أهمية العقوبات التي طُبقت، ومشاريع القوانين التي طُرحت، والجهود التي تبذل لإصدار قوانين جديدة تفرض على النظام، إلا أن البحث في نتائج وجدوى تطبيق تلك العقوبات، خصوصاً “قانون قيصر” الذي تم تطبيقه بالفعل، يبيّن أن تأثير تلك العقوبات يستهدف المواطنين الذين يعيشون في ظل سلطة النظام بالدرجة الأولى، كما يؤثر على بعض البنى الاقتصادية لحكومة النظام، من دون أن يؤدي إلى إحداث تغيير يسهم في سقوطه. وبالتالي، فإن من يسنّ تلك العقوبات، أو يسعى لسنّها، إما يدرك أن تلك العقوبات لن تؤدي إلى أي نتيجة بما يتعلق بسلوك النظام، وإنما هدفها يقتصر فقط على حثّ النظام على تقديم بعض التنازلات بما يتعلق بإعادة تأهيله. ومن الممكن أن يكون يتعامل مع النظام بشكل متناقض، فهو يفرض عليه عقوبات لأنه مجرم وقاتل، ومن ناحية أخرى، بحسب نتائج تلك العقوبات، فهو يتعامل معه وكأنه نظام أخلاقي يتأثر بتراجع الوضع المعيشي لمواطنيه، أو بتأثر بعض بناه الاقتصادية، متناسياً أنه نظام مجرم ولا يهمه سوى البقاء في السلطة، حتى لو تعرض كل المواطنين لمجاعة وحتى لو انهارت كل البنى الاقتصادية في البلد.
كما أن القوانين التي تفرض عقوبات على الدول غير المرضي عنها من المجتمع الدولي أثبتت عدم جدواها في كل الدول التي فرضت بحقها عقوبات، مثل العراق، وإيران، وكوبا، وكوريا الشمالية، وغيرها، إذ استمرت الأنظمة في تلك الدول عقوداً من الزمن وهي تحت العقوبات، التي لم تؤثر بمعنى المساهمة في تغيير هذه الأنظمة، بل على العكس استطاعت كل تلك الدول التأقلم مع ذلك الواقع والالتفاف عليها. أما من تأثر فعلياً فهي الشعوب، الأمر الذي يجعل من كل العقوبات التي تُفرض على النظام السوري بلا جدوى، ما لم تكن عقوبات سياسية تستهدف النظام بشكل مباشر ومؤثر.
العربي الجديد
—————————
انتخابات نظام الأسد اللاشرعية.. والدور الروسي فيها/ أسامة آغي
الروس لا يؤيدون الأسد لأنهم مفتونون بلون عينيه، بل يريدون الاحتفاظ بالورقة السورية لأسباب تخصّ مصالحهم، وتخصّ صراعاتهم مع الغرب. هذه الصراعات سببها تجاهل الروس لحقيقة قدراتهم الاقتصادية، التي لا يمكن أن تضعهم في مربع الدول المتطورة، وسببها الآخر اعتقادهم أن القوة العسكرية النووية التي يمتلكونها، تكفي لجعلهم دولة عظمى.
هذه الحقيقة لا يريد نظام بوتين، الذي أوهم الشعب الروسي، بأنه سيعيد لهم أمجاد الإمبراطورية السوفياتية، ناسياً أن هذه الامبراطورية، انهارت لأسباب تتعلق ببنيتها الاقتصادية، العاجزة عن منافسة مثيلاتها في الغرب الأوربي أو الأمريكي.
النظام الروسي، يعتقد أنه يستطيع تطوير اقتصاده وعلومه وثقافاته، في ظل استبداد سياسي فظيع، متجاهلاً حقيقة إنسانية طبيعية، أن العقل الخائف لا يبدع، ولهذا فهو لا يمكنه إبداع ما ينافس به الآخرين.
هذه الذهنية المغلقة، على فكرة فرض الخوف، واستخدام القوّة، هي ذهنية بوتينية بامتياز، وهي مؤشر على استمرار تحكم الأوليغارشية الأمنية، والاقتصادية، الناشئة من نهب الدولة سابقاً، ولاحقاً.
هذه الذهنية، تقف خلف تدخل الروس في سوريا، وهي من سيقودهم إلى الغرق المرسوم غربياً لهم في الوحول السورية، وهي من يفسّر إصرارهم على فرض نظام ارتكب جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، بحقّ الشعب السوري، لأنهم لا يؤمنون بحرية العقل والتفكير والسياسة والإنسان.
الروس في عمق تأييدهم للنظام السوري، يعيدون إنتاج شغفهم بقهر المجتمع، عبر شعارات فضفاضة، لا قيمة لها، وهذا ظهر بعدم تحمّل بوتين للمعارض الروسي أليكسي نافالني، حيث ألبسه تهماً خارج العدالة الحقيقية، وزجّه بسجن يفرض الأعمال الشاقة على نزلائه.
موقف إدارة بوتين من انتخابات نظام الأسد، يكشف حقيقة الدور الروسي في الصراع السوري، هذا الموقف يقوم على إعادة انتاج بنية سياسية يريدونها، باعتبارها تتلاقى مع مصالحهم الضيّقة في هذا البلد، مصالح لا تأتي عبر علاقات اقتصادية وسياسية متكافئة مع سوريا، بل تظهر كعلاقات بين بنيتين استبداديتين، لا تهتمان للقوانين الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان.
هذه السياسة الروسية، تكشف تعطيل إدارة بوتين، لجوهر القرار 2254 الذي وقّعت عليه في مجلس الأمن، فهي من منظور براغماتي سيّء، وقّعت على القرار المذكور، لأسباب تتعلق بتدخلها المباشر بالصراع السوري عسكرياً، ثم وضعت سيناريوهات متعددة لإفراغه من محتواه وتعطيله.
الروس يفعلون ذلك نتيجة سياسة العزلة البنيوية، التي يعيشها نظامهم السياسي، على الصعيد الدولي، حيث تسيطر السياسة الأمريكية، والغربية، على هذا الفضاء الدولي، وهو أمرٌ يجعل الروس في دائرة حصار، تدفعهم لممارسة سياسات عدوانية بحق الشعوب الأخرى، لإثبات وجودهم عالمياً، والمطالبة بحصة اقتصادية وسياسية، تتناسب وتقديرهم هم لقوتهم الذاتية، وليس وفق تقديرات الواقع الحقيقي لهذه القوة.
هذه الرؤية تفسّر حسابات روسية، بنيت عليها إجراءات عسكرية وسياسية وديبلوماسية، ففي أوكرانيا مثلاً، ذهب الروس إلى احتلال شبه جزيرة القرم الأوكرانية، حين أحسوا بخطر خروج أوكرانيا عن مربع تحكمهم السياسي، والتحاقها بعربة الغرب الاقتصادية والسياسية.
وتفسّر هذه الرؤية في مكان آخر، انخراطهم في الصراع السوري، نصرة لنظام يشبههم بنيوياً كنظام قهر واستبداد، فهم يعتقدون أن بنية الثورة السورية، هي بنية ستذهب بسوريا إلى تحالفات مع الغرب الأمريكي والأوربي، ولهذا فإن خروج سوريا من مربع تحالفاتهم المتوهمة، ومن دائرة مصالحهم، يجعلهم يحسون بخطر حصار الغرب عليهم أكثر فأكثر.
الروس وفق هذه الرؤية، يريدون ضمانات غربية حقيقية لمصالحهم في سوريا، هذه الضمانات، ترتكز كما يرون، على وجود عسكري دائم لهم في سوريا، وتحديداً في الشاطئ السوري على البحر الأبيض المتوسط، ويريدون أن يكونوا لاعباً رئيسياً في عملية إعادة إعمار سوريا، وفي الحفاظ على بعض الامتيازات الاقتصادية في هذه الدولة.
وباعتبار أن الغرب عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، ليسوا في وارد الابتزاز الروسي، أو الرضوخ لمسار سياسي رسمته إدارة بوتين، نجدهم يصرون على تنفيذ الروس لالتزاماتهم الدولية، واحترام توقيعاتهم على القرارات، التي وقّعوا عليها في مجلس الأمن، كبيان جنيف1 والقرار 2118 والقرار 2254.
إن ذهاب الروس (نكاية بالغرب الأوربي والولايات المتحدة) إلى تأييد انتخابات الأسد اللاشرعية، سيزيد بدون شك من تعقيدات الحل السياسي السوري، وهذا قد يذهب إلى تقسيم مؤقت لسوريا، على قاعدة مناطق النفوذ الحالية، (منطقة الجزيرة وشرقي الفرات) تكون تحت الوصاية الأمريكية وفي الواجهة قوات سوريا الديمقراطية، وفي الجنوب السوري (القنيطرة والسويداء ودرعا) ستكون تحت الوصاية الروسية وفي الواجهة الفيلق الخامس المدعوم روسياً، (ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وإدلب) ستكون تحت الوصاية التركية، وفي الواجهة جيش الحكومة المؤقتة المكون من فصائل كثيرة، أما (باقي المناطق السورية والتي يهيمن عليها النظام وإيران والروس حالياً) فستكون تحت وصاية مختلطة، وفي الواجهة النظام السوري وميليشياته.
إن إصرار الروس على عدم تنفيذ القرارات الدولية، وتعطيل مفاوضات اللجنة الدستورية، ومن قبلها هيئة التفاوض، لن يخدم مصالحهم في هذه البلاد مستقبلاً، فعملياً هم من يحمون النظام بكل الوسائل، وهم من يعملون على بقائه فوق رؤوس السوريين بالقوة، وهذا سيُبقي الغرب في حالة فرض عقوباته الاقتصادية والسياسية على النظام، ما يزيد من حالة تفكك حاضنة النظام وغضبها، بسبب الجوع والفاقة والأمراض، وهي حالات ناتجة عن سياسات النظام وحماته الروس.
الروس حين يبتعدون عن تنفيذ قرارات وقّعوا عليها، يقتربون بالضرورة من هزيمتهم السياسية والعسكرية، لأنهم غير قادرين على الإطلاق في ظل هذه الظروف على انتشال النظام من مأزقه الخانق، ولن يستطيعوا إيجاد بدائل أمام سيف العقوبات الأمريكية المطبقة عليهم وعلى حليفهم النظام السوري.
فهل يفهم السيد لافروف أن خبثه واحتياله وصلفه لا قيمة له بعد اليوم؟ وهل هو المؤهل لاشتقاق سياسة روسية واقعية تُخرجها من عنق الزجاجة؟.
الجواب متروك لمزيد من فشل السياسة الروسية، التي يتباهى لافروف بأنه مبدعها.
——————————
السوري في الرمق الأخير/ بشير البكر
تقول الممثلة هدى شعراوي إنها شاهدت أحد المواطنين في منطقة “باب سريجة” بدمشق، يعرض ابنه البالغ من العمر ستة أعوام للبيع، وذلك بسبب عدم قدرته على تأمين الطعام له ولإخوته. وقبل يومين من ذلك جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن سيدة سورية باعت شعرها للحلاق بخمسة وخمسين دولارا، وقالت إنها اشترت دجاجة مشوية، وبعض المازوت للتدفئة، ومعاطف للصغار. ومنذ عدة أسابيع تحفل وسائل الإعلام بقصص وتفاصيل كثيرة يرويها السوريون تتعلق بتدبير الشأن الحياتي اليومي الخاص بالطعام والتدفئة والدواء، ومثل موجة تعلو شيئا فشيئا في كل يوم تنظم أصوات جديدة إلى حملة الذين قرروا الحديث عن الانهيار الاقتصادي بصوت عال، وكان لافتا في الأسبوع الماضي أن بعض القريبين من النظام، والذين وقفوا معه ضد الثورة، أخذوا يتحدثون بعلنية بعد أن صاروا يحسون باقتراب الخطر منهم، في وقت تزداد فيه المسافات بين الغالبية العظمى من الشعب الذي بات تحت خط الفقر، وفئة قليلة لا تزال تعيش في انفصال تام عن الواقع. ووصف وائل رمضان، وهو زوج الفنانة سلاف فواخرجي، من بقي في سوريا إلى الآن بالـ “حمير” بعد عشر سنوات من وصفه لللاجئين الهاربين من بطش الأسد بـ”الحمير لأنهم غادروا سوريا في البحر”، معتبرا أنه أخطأ في حقهم.
وثمة قصة قريبة من الخيال، وتصلح أن تتحول إلى مشروع فيلم عن الجوع، وهي تتعلق برب أسرة من الطبقة الوسطى في دمشق وصل إلى الفقر، ولكنه لا يزال قادرا على تأمين الاحتياجات الأساسية، واستغنى عن كثير من المواد الغذائية ومنها الفواكه، ولأن الأطفال يلحون عليه قرر أن يقوم باستئجار الفواكه من البائع بأسعار رمزية من أجل عرضها في البيت ليلا، ومن ثم إعادتها إلى الدكان في الصباح، الفرجة هنا تكسر حاجز الرغبة المستحيلة. من لا يستطيع أكل تفاحة بوسعه أن يراها قريبة منه يمسكها ويشمها. وغير بعيد عن هذا الوضع المأساوي دعا بشار الأسد إلى وقف برامج الطبخ في قنوات التلفزيون كي لا يتعذب السوريون من الفرجة على طعام لا يمكنهم الحصول عليه. وما هذه الوجبات التي تتحدث عنها التلفزيونات، غير التي تخص فئات أقل من متوسطة؟ وهذا يعني اعترافا رسميا بأن حصول العائلة على وجبة خضراوات بلحم الدجاج صارت أمرا بعيد المنال.
ما جنته عائلة الأسد وبطانتها على سوريا يتجاوز كل وصف. فلم يشهد هذا البلد عبر تاريخه الطويل ما يعيشه اليوم من مجاعة جماعية. حتى المغول لم يعاملوا دمشق هذه المعاملة. والأسد ليس وحده طبعا وإنما يقف إلى جانبه الروس والإيرانيون، ولكن لا يبدو أن هؤلاء مكترثين بالوضع الاقتصادي الرهيب، وهم منشغلون بالعمل على الأهداف التي جاؤوا من أجلها. روسيا تريد قاعدة كبيرة في الشرق الأوسط وساحة لتجريب الأسلحة، وإيران تعمل هي الأخرى على استخدام سوريا والسوريين في حروبها كما هو الحال في اليمن، حيث تستثمر ورقة الحوثيين في مفاوضات المشروع النووي، وهدفها في هذه الفترة دخول نادي الدول النووية على حساب العرب، ولا تكتفي إيران باستغلال إمكانات البلدان العربية كما هو حاصل مع نهب النفط العراقي، بل تقوم بتدمير طاقات البلد كي لا ينهض على قدميه ويستعيد قراره المستقل، ويتجلى ذلك بصورة فاقعة في العراق، حيث دمرت إيران بنى الدولة العراقية وخلقت دولة للميليشيات الشيعية، ونتيجة للنهب المستمر لثروات هذا البلد النفطي يعيش العراقيون فقرا لا نراه في إقليم كردستان العراق رغم الفساد، وتعكس التحركات التي شهدتها مدينة البصرة مدى التغلغل الإيراني على حساب العراق، ونقلت كاميرات التلفزة منذ أسبوعين مظاهرات على المعابر الحدودية ضد دخول الخضر الإيرانية إلى العراق، ومنافستها لمنتوج هذا البلد الزراعي.
حولت إيران سوريا واليمن والعراق ولبنان إلى ساحات مواجهة من أجل تمرير مشاريعها الخاصة، وضربت في سبيل ذلك الدولة، وأقامت ميليشيات طائفية تعمل لصالحها، ونتيجة للانهيار تتقدم المجاعة التي تشكل السلاح الأخير في حرب الإبادة.
تلفزيون سوريا
———————–
إعلامي أمريكي: واشنطن تركز في المرحلة الراهنة على رحيل رئيس النظام السوري/ هبة محمد
تحدثت مصادر إعلامية أمريكية عن تركيز واشنطن، في المرحلة الراهنة على رحيل رئيس النظام السوري، بشار الأسد وجنرالات الجيش والمتعاونين معه، حيث برز ذلك على لسان الإعلامي الأمريكي الشهير جاك بوسوبيك حيث قال إن نظام الأسد يتصدر أهداف «الرئيس بايدن» ولديه خطة للإطاحة به.
وأضاف بوسوبيك عبر حسابه الشخصي على موقع «تويتر» الذي يتابعه أكثر من مليون ومئتا ألف شخص، في أعقاب الضربات الأمريكية التي استهدفت الميليشيات الإيرانية شمال شرقي سوريا «هناك شيء واحد لا يلتقطه الناس هو مدى تركيز بايدن والبيت الأبيض على سوريا فهم يريدون رحيل الأسد وجنرالاته… هذا يستغرق وقتاً أكثر مما يصرحون به علناً، وهدف بايدن في سوريا هو استكمال الخطط التي بدأها أوباما بتمويل وتسليح المتمردين. إنهم يريدون رحيل الأسد بأي وسيلة ضرورية ولا يهتمون بالعواقب». وكان الإعلامي «جاك بوسوبيك» قد توقع في تغريدة سابقة له، استهداف واشنطن للنظام السوري، وحلفائه قبل يومين من الضربة الأخيرة.
وفي هذا الصدد، رد الخبير العسكري والاستراتيجي، د.فايز الدويري بأن «واشنطن لن تتدخل عسكريًا لإسقاط بشار الأسد» وأضاف في اتصال مع «القدس العربي» أن الإدارة الأمريكية «أنشأت لجنة لتقييم الوضع في سوريا وتقديم التوصيات اللازمة، وستضغط أمريكا لتفعيل القرار 2254، وستستخدم قانون قيصر وتسمح بتمويل إعادة الأعمار». وتحدث «الدويري» عن سبل ضغط الولايات المتحدة الأمريكية على النظام السوري حيث قال «واشنطن ستستخدم العقوبات لإرغام النظام للعودة لمسار جنيف، وستسمح لإسرائيل باستمرار توجيه ضربات مؤلمة لإيران وأذرعها، لكن لن تتدخل عسكريًا لإسقاطه».
ومن واشنطن، قال المعارض السوري أيمن عبد النور، إن سوريا ليست أولوية على أجندة الرئيس بايدن وليست بأمر مستعجل بحسب وصفه. وتحدث «عبد النور» لـ»القدس العربي» عما يجري من «صياغة استراتيجية جديدة، من ضمن استراتيجية الشرق الاوسط وليست مستقلة فقط لسوريا بحد ذاتها» وقال «لا يوجد فريق يعمل لأجل سوريا بمعزل عن إقليمها وبعدها في المنطقة، وبدون العامل الايراني، وبالتالي فإن النتائج تتبلور خلال شهر ويتم إنهاء التعيينات، إذ إنه لم يتم تعيين نائب وزير الخارجية المسؤول عن الشرق الأوسط إلى الآن، وخلال هذه الفترة تتبلور الاستراتيجية».
وأبدى المعارض السوري اعتقاده أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالجديد «ولن يتم ارتكاب نفس الأخطاء خلال أدارة أوباما، وأولوية حقوق الانسان ستكون أكثر مما قبل، وستطرح قضايا حقوق الإنسان بشكل أكثر، لهذا سيتم الاهتمام بالمحاكم وتسريع البعد الاقتصادي والصحي لمساعدة الشعب السوري». وبناءً على ذلك، يجمع مراقبون سوريون على أن خيار الإطاحة ببشار الأسد ونظام حكمه هو سيناريو غير مقنع إلى الآن، وفي هذا الإطار قال الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي أن بايدن مثقل أو ملتزم بسياسات أوباما في سوريا، وكذلك هو مثقل بسياسات ترامب، وهناك العديد من المسؤولين الأمريكيين الذين أكدوا أن سوريا ليست أولوية بالنسبة لإدارة بايدن إنما تتقاطع مع سياساتها بالنسبة للدول الأخرى الفاعلة في المنطقة أي تركيا وروسيا وإيران وإسرائيل.
لذلك، برأي المتحدث لـ»القدس العربي»، فإنّ خيار الإطاحة بالأسد لا بد أن يكون مقترناً باستراتيجية إدارة بايدن في إضعاف إيران، ومع ذلك لا يبدو هذا السيناريو مقنعاً لأنّ إدارة بايدن أو حتى إدارة ترامب وقبله إدارة أوباما كانت تربط رحيل الأسد بالتوصّل إلى توافق أمني مع روسيا وإسرائيل أو بالحصول على بديل يضمن عدم الوقوع في فراغ أمني أو بيئة عدم استقرار على غرار العراق.
أمّا إن كان المقصود تقويض نفوذ بشار الأسد والنظام السوري فهذا برأي عاصي يحتاج إلى تسليح المعارضة السورية، وفي حال كانت هناك خطة في هذا الصدد يُفترض أن تستهدف فصائل الجيش الوطني في الشمال السوري عبر التوافق مع تركيا، أو تستهدف فصائل التسوية في الجنوب. قد تكون محددات الافتراض الأول مرتبطة بروسيا بالدرجة الأولى، في حين ترتبط محددات الافتراض الثاني بإيران.
القدس العربي
————————-
صفقة نفطية تنقل “القاطرجي” من الحضن الإيراني إلى الروسي/ خالد الخطيب
شهد مطار دير الزور العسكري نهاية شباط/فبراير، اجتماعاً هو الأول من نوعه بين ضباط من القوات الروسية ومسؤولين في “مجموعة القاطرجي الدولية” وعلى رأسهم زعيم المجموعة، وعضو مجلس الشعب السوري، حسام قاطرجي. واتفق الجانبان على التعاون المشترك في القطاعات الاقتصادية والأمنية والعسكرية.
ومن المفترض أن تتكرر اللقاءات خلال أذار/مارس، من أجل متابعة تطبيق ما تم التفاهم حوله وعلى الصعد المختلفة. وتمثل الصفقة المفترضة الخطوة الأكثر جدية من قبل “القاطرجي” في الانتقال من “الحضن” الإيراني” إلى “الحضن” الروسي.
الشراكة بين “مجموعة القاطرجي” والقوات الروسية ستنطلق بداية من مناطق شرقي سوريا، وحصلت المجموعة بموجب الاتفاق الأولي على حق استثمار وحماية عدد من حقول النفط في محافظتي دير الزور والرقة، بالإضافة إلى عمليات نقل النفط وحماية طرق الإمداد وإيصال النفط إلى مصفاتي بانياس وحمص.
وستتولى شركة “أرفادا البترولية” التابعة لمجموعة القاطرجي عمليات الاستثمار النفطي بالشراكة مع روسيا، والتي أعلن عن تأسيسها منتصف العام 2018، ويحق لها حفر الآبار الاستكشافية والإنتاجية في المناطق والقطاعات التي تهيمن فيها القوات والمليشيات الروسية، وتجهيزها للإنتاج، وتأجير واستئجار المعدات اللازمة للحفر والاستكشاف.
وقالت مصادر ميدانية، على تواصل مباشر مع مليشيا القاطرجي في ريف دير الزور، إن الاتفاق مع القوات الروسية يتيح للمجموعة الاستثمار في عدد من الحقول النفطية في ريف دير الزور، أهمها حقلي التيم والورد، بينما تبقى الحقول في ريف البوكمال شرقي المحافظة في يد القوات والمليشيات الإيرانية، أهمها حقول الحمار والحسيان. وأوضحت المصادر ل”المدن”، أن الاتفاق يتضمن أيضاَ حصول المجموعة على حق الاستثمار والحماية لحقول الرصافة جنوبي الرقة، والتي من المفترض أن يتم توسعتها خلال العام 2021.
ووصفت المصادر الاتفاق بين الجانبين ب “المصلحي”، فروسيا تريد حماية الحقول النفطية واستمرار التدفق الآمن للنفط باتجاه مصافي التكرير، و”هذا ما يحتاجه النظام في الوقت الحالي الذي يعيش فيه أزمة اقتصادية خانقة”، فيما القاطرجي تتوفر لديه الإمكانات لكي يقوم بالمهمة، ولدى المجموعة تجربة سابقة في نقل النفط وتأمين خطوط إمداده الى النظام عندما كان تنظيم “داعي” يهيمن على إنتاج غالبية النفط السوري.
من المفترض أن تتوسع الصفقة بين الجانبين لتشمل عمليات نقل النفط القادم من مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) شمال شرقي سوريا، وما يلزمه من تأمين للطرق الصحراوية، وتنسيق عمل المعابر النهرية. احتكار “القاطرجي” المفترض وبموجب الصفقة مع روسيا لعمليات النقل والتدفق الآمن على الطرق وفي المعابر، يعني بالضرورة أنها ستصبح أكثر نفوذاَ وعلى حساب “الفرقة الرابعة” التي تعمل القوات الروسية على تهميشها.
كما أنه يمهد لشراكة أوسع بين الجانبين قد تمتد إلى طرق التجارة الرئيسية بين مناطق السيطرة الثلاثة، النظام وقسد والمعارضة، ووصول المليشيات الروسية منتصف شهر شباط، إلى أطراف مدينة الباب والجبهات مع المعارضة في ريف حلب، يوحي بأنها تريد الهيمنة على خط التماس تمهيداً للتحكم بالمعابر، وإن تم لها ذلك ستكون المعابر ضمن الصفقة مع “القاطرجي”، الأمر ذاته قد يتم تنفيذه في المعابر التي ستفتتح في إدلب بين المعارضة والنظام.
مدة الصفقة بين القوات الروسية و”القاطرجي” لا تزيد عن خمس سنوات، وعلى “القاطرجي” خلال هذه المدة الحفاظ على تماسك النظام السوري اقتصادياً، في حال أعيد انتخاب بشار الأسد لفترة رئاسية جديدة منتصف العام، وهو الراجح. وخلال هذه الفترة ستركز روسيا خلالها على إنعاش النظام عبر تنشيط الحركة التجارية الداخلية وفتح الطرق بين مختلف المناطق لضمان تدفق سهل للبضائع وما يلزم النظام للاستمرار في ظل العقوبات الأميركية.
تمتلك “القاطرجي” علاقات واسعة مع مختلف الأطراف السورية من قوى ومليشيات وتنظيمات ولديها تجار وشخصيات محسوبة عليها في مختلف المناطق، وبشكل خاص في مناطق سيطرة “قسد”، وهذا ما يسهل عليها عملها، كما أنها تمتلك ميليشيا عسكرية ينتمي عناصرها لمختلف العشائر العربية، وقد ضمت إلى صفوفها منذ بداية العام 2021 أكثر من 1000 عنصر، غالبيتهم من مناطق شرقي سوريا، وهم على دراية بجغرافية المكان لحمايته.
—————————-
احذروا الخرائط المريضة/ غسان شربل
مؤلمة قصة الخرائط المريضة إذا اختارت انتظار الطبيب من وراء البحار والعلاج من المختبرات البعيدة. رغبة المريض في الشفاء أساسية في أي علاج. وتقول التجارب إنَّ الدول لا تسقط من الخارج إلا إذا كان الداخل هشاً ومريضاً. تبلور الإرادة الوطنية الجامعة جوهري في هذا السياق. وربما لهذا السبب تحرص أي وصاية خارجية على تفتيت وحدة المواطنين واستحداث خطوط تماس ملتهبة بينهم. هكذا يتمُّ إيقاظ عصبيات قديمة تلتقي مع مخاوف مستجدة لتمزيق الناس وتوزيعهم على متاريس متقابلة. رأينا في منطقتنا المنكوبة تجارب صارخة ومفاجآت لم نتوقعها. رأينا الجيش العراقي يخترق الحدود الإيرانية في عهد صدام حسين. ثم رأينا بغداد تعجز عن تشكيل حكومة ما لم تحصل هذه على مباركة طهران. رأينا سوريا اللاعب الأول في لبنان تحرك الخيوط والدمى، ثم رأينا ميليشيات لبنانية تجتاز الحدود لتدافع عن النظام السوري. رأينا خرائط تفقد حصانتها وتتسلل رياح التفكك أو الإرهاب إلى داخلها. ورأينا دولاً تفقد استقرارها وتختبئ مذعورة تحت معطف قوي صادر صوتها وإرادتها.
يكثر الحديث عن الترياق المنتظر، ليس من العراق، بل من صفقة أميركية – إيرانية. أغلب الظن أنَّ الأمور أكثر تعقيداً مما يعتقد كثيرون. على مدى عقود بذلت إيران جهوداً هائلة وشنت هجمات متنوعة لقطع الخيط الأميركي الذي اعتقدت أنَّه يحرس استقرار واستمرار عدد من دول المنطقة. وفي السنوات القليلة الماضية شنَّت الإدارة الأميركية حرب عقوبات لتقطع الخيط الإيراني الذي التف على القرار في خرائط عدة لاجتذابها فوقعت في خانة الخرائط المريضة. رحلة إدارة بايدن مع ملفات الشرق الأوسط الرهيب لا تزال في بداياتها. من المهم جداً أنْ تجيدَ الإدارة الأميركية قراءة ما تغيَّر وما تكشف وألا تكون مجرد صدى لأفكار قديمة قادرة لا على معالجة الخرائط المريضة، بل على إنجاب المزيد منها.
للاستقرار ركائز معروفة في الشرق الأوسط وتأتي المملكة العربية السعودية في طليعة هذه الركائز. ويجدر بإدارة بايدن أن تتوقَّفَ عند حجم التغيير الذي شهدته السعودية والذي أدَّى إلى تجفيف منابع التطرف وفتح أبواب الأمل أمام أجيال شابة كان الفكر المتطرف يحاول سابقاً استدراجها إلى ملعب الإرهاب. إنَّ الاستناد إلى تقارير وتقويمات تعوزها الأدلة لإطلاق أحكام أو إشاعة مناخات من عدم الثقة مع الحلفاء يؤثر سلباً بالتأكيد على استقرار المنطقة، وقدرة الإدارة الحالية على الاضطلاع بدور بناء فيها.
سوريا المريضة ليست مفيدة لأحد. لا لأهلها ولا لجيرانها. لا للمنطقة ولا للعالم. وليست مفيدة بالتأكيد لوضع هذا الجزء الشائك من العالم الذي نسميه الشرق الأوسط على طريق الاستقرار والبحث عن الازدهار. أقصد بسوريا المريضة سوريا التي لا تزال تقطر دماً بفعل الحروب الطاحنة التي دارت على أراضيها. وأقصد تلك البلاد التي يرابط ملايين من أبنائها في مخيمات على مقربة من حدودها ولا يجرأون على العودة أو لا يُسمح لهم بذلك. البلاد التي لا تسيطر مؤسساتها الرسمية على كامل أراضيها وتعيش اليوم موزعة تحت أعلام كثيرة. البلاد التي يشترك حلفاء وأعداء في صنع قرارها بعدما كانت شهرتها تقوم على أن قرارها صناعة سورية خالصة. ولم يكن الأمر مجرد ادعاء، فحافظ الأسد لم يسمح لا لواشنطن ولا لموسكو بإملاء سياسات عليه. وتابع بشار الأسد السير على هذا الطريق قبل أن ينحسر دور سوريا بفعل انسحابها من لبنان وبدء تصدع مؤسساتها مع اندلاع «ربيعها» بكل مبرراته وملابساته وأهواله.
سوريا المريضة ليست مفيدة لأحد. ليست مفيدة بالتأكيد للبنان الذي تربطه بسوريا شرايين يستحيل قطعها، وهي شرايين تختلف بالتأكيد عن معابر التهريب غير الشرعية التي فشل «العهد القوي» في كبح شبكاتها وقبضاياتها ما كرسه أضعف العهود في دفتر الضعفاء. والحقيقة أنَّ سوريا المريضة العاجزة عن استرجاع استقرارها واستعادة أبنائها مشروع دائم لزعزعة الاستقرار اللبناني، وصبّ الزيت على النار المشتعلة لأسباب أخرى. ولا يحتاج الأمر إلى التذكير بالشرايين المفتوحة بين سوريا والعراق بفعل الجغرافيا والتاريخ معاً وهو ما أعاد التذكير به انتشار «دولة داعش» على أجزاء واسعة من أراضي البلدين.
وإذا كانت سوريا المريضة تحمل في داخلها خطر ولادة الإرهاب على أرضها أو تسلله إليها، فإنَّها تحمل أيضاً خطر أن تكون مسرحاً لحروب طاحنة أو شرارة لحرب تتعدى حدودها. والواقع هو أنَّ حرباً إسرائيلية تدور ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، وقد اختارت طهران حتى الآن عدم الرد بما يمكن أن يؤدي إلى مواجهة واسعة لا تسمح روسيا بحصولها، وإن لم تعارض الضربات الإسرائيلية الموضعية ضد «التموضع الإيراني».
العراق المريض ليس مفيداً لا لأهله ولا لاستقرار المنطقة التي تتزايد فيها معدلات التفكك والفقر واليأس. ما نشاهده منذ وقت غير قصير غريب، ويكاد يتحول إلى قواعد مسلم بها. يشنُّ الطيران التركي غارات على أهداف كردية داخل العراق. يقيم الجيش التركي مراكز ثابتة داخل الأراضي العراقية. في المقابل تزداد إيران تشبثاً بإدارة بغداد من طهران أو عبر الفصائل التي «تعالج» العاصمة العراقية بالوصفات المستوردة من طهران. لا مبالغة في الأمر فمن يتابع المجريات يدرك بسهولة أنَّ العراق يخوض حالياً معركة قاسية لاستكمال بناء مؤسساته المعبرة عن قدرته على اتخاذ قراره السيادي دفاعاً عن استقراره ومصالحه. ويذكر وضع بغداد الحالي مع طهران بوضع بيروت مع دمشق في السنوات الخوالي، وتتشابه كثيراً لعبة الأدوات المحلية والواجهات المصطنعة والمغطاة بشعارات كبيرة يمارس أصحابها أصنافاً من الاستعلاء على مواطنيهم، فضلاً عن ترهيبهم. ويمكن قول الشيء نفسه عن لبنان. لبنان المريض ليس مفيداً لا لأهله ولا لجيرانه. الأمر نفسه بالنسبة إلى اليمن.
أخطر ما يمكن أن يحصل هو أن تتكرر تجارب الماضي. أن يحسم مصير دول في غياب ممثليها وهم الأدرى بتطلعات شعوبها ومصالحها الحقيقية. سيكون بالغ الخطورة أن يسلم لعواصم في الشرق الأوسط بحق إدارة عواصم أخرى مهما كانت الأعذار. قدرة الشعوب والمجموعات على مقاومة توجه من هذا النوع ستؤدي إلى توالد أشكال من المقاومة والعنف واليأس والتطرف والإرهاب. التسليم لموازين القوى الطارئة بحق الديمومة وتغيير توازنات تاريخية أمر بالغ الخطورة. على إدارة بايدن أن تتمهَّل في قراءة المنطقة وركائز الاستقرار والاعتدال فيها. ومن حق أي مراقب عاقل أن يقول: «احذروا الخرائط المريضة». العلاج الخاطئ يضاعف التهاباتها.
الشرق الأوسط
—————————–
بوتين يبيع لقاحاته للأسد بأموال إسرائيلية/ عمر كوش
تطرح صفقة “تبادل الأسرى”، التي تمّت مؤخراً بين النظام السوري وإسرائيل برعاية النظام الروسي، أسئلة عديدة، تطاول طبيعة الدور الروسي فيها، وأبعادها السياسية والأخلاقية، وصولاً إلى ملابساتها وما تسرّب من بنودها السردية، وتمتد إلى تركيبة وطبيعة العلاقات بين رئيس النظام الروسي فلاديمير بوتين، وكل من بشار الأسد وبنيامين نتنياهو وسوى ذلك.
وحسب ما تسرّب من بنود الصفقة، السرية والعلنية، فإن ملابسات كثيرة اعترتها، خاصة أن من أطلق سراحهم لم يكونوا جنوداً أُسروا في معارك بين سوريا وإسرائيل، إذ أُعلن عن إطلاق سراح فتاة إسرائيلية يلفّ الغموض أسباب دخولها إلى الأراضي السورية، مقابل الإفراج عن راعيين سوريين، وذلك بعدما رفض السوريين دياب قهموز ونهال المقت العودة إلى حضن نظام الأسد، وفضلا البقاء في السجن والإقامة الجبرية تحت الاحتلال الإسرائيلي، لأنهما يعرفان حجم الكارثة التي سببها نظام الأسد لسورية والسوريين، ويدركان تماماً أهوال معاناة الناس في مناطق سيطرة النظام، والتي تفاقمت إلى درجة جعلت أستاذاً جامعياً يرفع شعار “موعد الخبز لا يؤجل”، ويكتشف أن “الخبز أهم من العلم”، حيث يمضي كل يوم ساعات طويلة واقفاً في طابور من أجل الحصول على ربطة خبز.
وحاول ساسة إسرائيليون، وخاصة نتنياهو، تسويق الصفقة مع نظام الأسد من الباب الإنساني، والإيهام بأنها تتعلق “بقضية إنسانية سرية مرتبطة بسوريا”، تجري بتنسيق ومساعدة روسية، وكأنهم انقلبوا فجأة إلى حماة للإنسانية، ولم يرتكبوا أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين وسواهم. كما حاولت أطراف الصفقة الثلاثية جاهدة التكتم على بنودها، لكن انكشاف بندها السري المتعلق بشراء إسرائيل 60 ألف عبوة لقاح روسي لفيروس كورونا وتخصيصها لأركان نظام الأسد، أظهر أن نظام بوتين كان يريد من الصفقة تزويد نظام الأسد بعدد محدود من اللقاحات ليس على حسابه، بل بأموال إسرائيلية، وأنه مجرد سمسار غايته تنحصر في تقاضي الثمن، بصرف النظر عن الإهانة التي وجهها لنظام الأسد، الذي تعود بدوره على تلقي الصفعات والاهانات والإذلال من طرف الروس والإسرائيليين وسواهما.
غير أن الكشف عن البند السري فنّد ادعاءات وكذب نظام الأسد، الذي حاول أن يخفي دوره المخزي في الصفقة التي تمتّ بين الطرفين الروسي والإسرائيلي، وعن المقابل الذي طلبه لقاء تعاونه مع روسيا في العملية، لذلك بالغ هذا النظام في نفيه وجود بند سري حين وصف الأنباء التي كشفت وجوده بأنها بروباغندا صهيونية، وأن “ترويج هذه المعلومات الملفقة حول وجود بند في عملية التبادل، يتعلق بالحصول على لقاحات كورونا من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، هدفه الإساءة إلى عملية تحرير الأسرى السوريين من سجون الاحتلال والإساءة لسوريا وتشويه الجانب الوطني والإنساني للعملية”.
ويعلم القاصي والداني أن نظام الأسد لا يقيم أي اعتبار للمواطن السوري، وما يزال يواصل قتل السوريين مع حلفائه الروس والإيرانيين منذ عشر سنوات، وارتكب بحقهم كل أنواع المجازر والجرائم الوحشية، لذلك لم يتردد في استجداء الروس والإسرائيليين للحصول على لقاحات تكفي فقط لأزلامه وزبانيته كي يستمروا في قتل السوريين، مع مواصلة زعمه الزائف بأنه في حالة حرب مع إسرائيل، التي تحتل هضبة الجولان منذ العام 1967، ويشن طيرانها الحربي غارات شبه دورية على الأراضي السورية.
بالمقابل، لا يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي حرج في أن يتحول إلى سمسار رخيص ووضيع، لأن المهم بالنسبة إليه هو جني ثمار بعض ما صرفه بتدخل قواته عسكرياً إلى جانب نظام الأسد، لذلك لم يتردد في بيع اللقاحات بصرف النظر عمن يدفع الثمن ولصالح من تذهب اللقاحات، بالرغم من حرصه على الظهور كصاحب اليد الطولى في سوريا، وبنفس الوقت الصديق والداعم لنتنياهو ودولة الاحتلال الصهيوني.
أما بنيامين نتنياهو الذي يواجه معركة انتخابات الكنيست، التي ستجري في 23 آذار/ مارس الجاري، وستحدد نتائجها مصيره السياسي والجنائي، فقد أراد توظيف الصفقة من أجل المساهمة في إنقاذه، في وقت تشتد فيه أزماته السياسية، وتلاحقه تهم فساد عديدة، من خلال الظهور أمام الرأي العام الإسرائيلي بأنه يعلق أهمية أخلاقية وسياسية كبيرة على حياة الإسرائيليين وإنقاذهم وفكهم من الأسر، ولا يتوانى عن دفع الأثمان الباهظة من أجلهم، وبالتالي جاءت الصفقة قبيل بضعة أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية، وكأنها محاولة لتخليصه من مآزقه السياسية والملاحقات القضائية، وضخ دعم جديد لحملته الانتخابية.
وتكشف الصفقات الثلاثية بين كل من بوتين والأسد ونتنياهو تاريخاً من تبادل الخدمات وبناء التفاهمات بينهم، حيث يشرف بوتين شخصياً على عمليات نبش القبور، التي تقوم بها منذ سنوات القوات الخاصة الروسية في مقابر مخيم اليرموك، من أجل العثور على رفاة جنود إسرائيليين، والتي أسفرت عن إعادة رفاة الجندي زخاريا باوميل في العام 2019. وقبلها تفاخر بوتين أمام صديقه نتنياهو بإعادة دبابة إسرائيلية استولى عليها جيش النظام، خلال إحدى المعارك قبل سنين طويلة. كما تبادل المجرم بشار الأسد وبنيامين نتنياهو الخدمات والمواقف المساندة، وكان أبرزها تدخل نتنياهو لدى الإدارات الأميركية من أجل عدم دعم الثورة السورية، وإقناعها بضرورة مساندة نظام الأسد، وضمان استمرارية بقائه في السلطة، لكونه أحرص الأنظمة على أمن إسرائيل، لذلك يتعامل ساسة إسرائيل وجنرالاتها منذ أكثر من خمسين سنة خلت، وفق مبدأ، ينص على أن بقاء نظام الأسد هو أفضل ضمان لأمن إسرائيل.
——————————-
اللقاح الأخلاقي المفقود/ يحيى العريضي
لم تبق وسيلة إعلام شرق أوسطية إلا تحدثت عن تلقي منظومة الأسد لقاح كورونا “سبوتنك” الروسي، وتسديد الفاتورة من قبل “الجارة” “الإنسانية” إسرائيل. وكالة أنباء منظومة الاستبداد “سانا” تنفي هكذا أخبار، وتعتبرها تلفيقية هدفها تشويه صورة القيادة “المقاومة والممانعة للعدو الصهيوني”.
صحيفة “جورزليم بوست” أكدت دفع إسرائيل ثمن اللقاح مقابل صفقة تبادل أسرى رفضوا العودة إلى “حضن الوطن”؛ ليتبيّن أن الأمور أعمق من ذلك بكثير؛ وتشهد عليها التنقيبات والنبش والحفر الذي يتم بإشراف الروس جنوب دمشق بحثاً عن رفاة الجاسوس الإسرائيلي “كوهين”؛ وهكذا تكون الصفقة ذات قيمة حقيقية؛ وخاصة أن نتنياهو في ورطة انتخابية، ويحتاج إلى منجز يعزز فرصه.
تغفل همروجات كهذه عمق الغزل والتواصل بين الكيانين الأسدي والإسرائيلي؛ فالأول لا ينتظر التوسط أو التدخل الروسي بينهما؛ حيث الروس أنفسهم ربما يحتاجون منظومة الأسد كي تتدخل لدى إسرائيل لتجعل أوراق الاعتماد الروسية مقبولة أميركياً وأوروبياً. ونعتقد أن الروس سمعوا تصريحات رامي مخلوف بداية انطلاق الثورة السورية، عندما ربط أمن إسرائيل بأمن نظامه.
معروف أن منظومة الأسد على درجة من الإفلاس والاهتراء، إلا أنها ربما تتصور أن المنقذ الوحيد لها ليس إلا إسرائيل. فمهما كانت إسرائيل على درجة من النذالة ونكران الجميل، فلن تتوانى عن نجدة من أسدى لها خدمات لا تحلم بها؛ ولكن يفوت تلك المنظومة الاستبدادية أنه حتى إسرائيل، بكل حقارتها، لا تستطيع، وربما، لا تريد لململة حطام بلا مستقبل، ويتعذر حمله أو احتمال ما ارتكبه من إجرام؛ وهي تدرك تماماً أن التوءمية بينه وبين إيران، وارتهانه لها، لن تمكنه من التفلت من براثن إيران.
وبالعودة إلى تقرير جيروزليم بوست، نقرأ لفتها للانتباه بأن القضايا الطبية ليست مشمولة بالمقاطعة المفروضة على نظام دمشق، وأن إسرائيل هي مَن سيسدد فاتورة اللقاحات لإسرائيل؛ وهنا نسأل: منذ متى كانت إسرائيل- التي تعيش على الدعم الأمرو-أوروبي- مصدراً للمساعدات للأعداء؟ من جانب آخر كيف يمكن أن يقبل نظام “الممانعة والمقاومة لإسرائيل” أن تتحسن عليه بتسديد فواتيره؟ إسرائيل لا تكنّ لأي عربي- حتى ولو كان خادماً أميناً لها- إلا العداء والكره والاحتقار. ألا يقول الصهاينة:”
A good Arab is a dead Arab
“العربي الطيب، هو العربي الميّت”؟!
نتذكر في هذا السياق تلك الزيارة التي قام بها “نتنياهو” لجرحى سوريين تم إسعافهم إلى فلسطين المحتلة؛ حيث لم تكن تلك الزيارة والرعاية لسواد عيونهم ولا رأفة بهم؛ بل فعلياً مساعدة لمنظومة الإجرام في دمشق بأن أولئك الجرحى ليسوا إلا عملاء لإسرائيل؛ وها هو رئيس وزراء الكيان يعودهم؛ ليثبّت تلك الوصمة.
على الساحة السورية المستباحة، وبفضل نظام الأسد “السيّد المستقل”، تجري تنسيقات عالية المستوى بين القوى المحتلة “للدولة السورية ذات السيادة” بحيث لا يقع اشتباك بينها؛ ولكن ما يبرز مؤخراً هو تذمر إيراني صامت من إعطاء الروس إحداثيات مواقع إيرانية للإسرائيليين. قد تكون إيران صبرت واستوعبت ما يذهب الروس إليه بحكم التفاهم الروسي الإسرائيلي والحاجة الروسية لعطف الود الإسرائيلي؛ أما ما لم تصبر عليه أو تستوعبه إيران فكان إعطاء ضباط أسديين إحداثيات مواقعها؛ فكانت ردة فعلها مؤخراً إخفاء سبعة ضباط أسديين؛ وُجِد أحدهم مقتولاً على طرق حمص- تدمر؛ أما ردة فعل المنظومة الأسدية، فكانت الصمت المطبق.
ها هو الحبل الإيراني أيضاً يلتف حول عنق منظومة الاستبداد. قبله بدأ الحبل الروسي بمنع أي دعم مالي أو اقتصادي لمنظومة تختنق؛ فحتى ثمن اللقاح لا بد أن يُدفع؛ ومن قبل مَن؟ من قبل إسرائيل، لشد حبل الإذلال أكثر على عنق النظام. قبله كان ولا يزال حبل قيصر. أما الحبل الذي لا خلاص منه فهو دم ودمار وتشرد واعتقال وتعذيب الشعب السوري الذي تحوّل إلى ما يقارب المليون وثيقة كفيلة بإعدامه مليون مرة.
لقاح الروس لن يفيد منظومة الأسد؛ حتى ولو كان مدفوع الثمن إسرائيلياً. لم يفد منظومة الاستبداد تجريب بوتين أكثر من مئتي صنف من الأسلحة الروسية على أجساد أطفال السوريين ومدارسهم ومشافيهم وأسواقهم. ولم يغسل “فيتو” بوتين الدم السوري عن أيدي النظام الأسدي. ولم تحمِ ميليشيات ملالي طهران مراقد الصالحين أو مراقد الأرواح الأسدية الاستبدادية. ولن تشرعن “انتخابات” لا شرعية مَن قتل شعبه.
اللقاح الوحيد لمنظومة الاستبداد هو لقاح الأخلاق والمسؤولية؛ ولكن هذا اللقاح غير متوفر، ولن يتوفر لمن قتل وطناً وشعباً ينتمي إليه افتراضياً. هذا اللقاح غير متوفر في روسيا؛ ولا إسرائيل تستطيع شراءه، ولا ملالي إيران يعرفونه. وحده شعب سوريا يمتلك هذا اللقاح؛ ولن يعطيه إلا لسوريا الوطن ليلفظ ويبصق هذه الطغمة كي يستعيد الوطن حياته.
———————————
حكومة الأسد تعوّل على القمح الروسي لحل أزمة الخبز
أعلن سفير النظام السوري في روسيا، رياض حداد أن توريدات القمح الروسي بدأت بالوصول إلى سورية، على أن يستمر هذا الحال بانتظام خلال الفترة المقبلة.
وقال حداد في تصريحات لصحيفة “الوطن“، اليوم الاثنين: “التوريدات التي جرى الاتفاق عليها هي طويلة الأمد، وستلبي حاجة قسم مهم من احتياجات الشعب السوري، حيث يأتي على رأسها المشتقات النفطية والقمح”.
وأضاف حداد أن التوريدات ستستمر بالوصول خلال شهري آذار / مارس ونيسان / أبريل، حيث جرى الاتفاق على جدولتها.
ويأتي ما سبق مع استمرار أزمة الطحين والخبز التي تعاني منها المحافظات السورية، الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.
وفي الأشهر الماضية أشار اقتصاديون إلى أن أزمة الخبز ترتبط بشكل أساسي بإلغاء عدة عقود موقعة بين نظام الأسد وروسيا، وتتضمن جميعها الحصول على كميات من القمح الروسي.
من جانبه قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة الأسد، طلال البرازي: “اعتباراً من اليوم سوف يتم توزيع ما يكفي الحاجة من الطحين على الأفران حسب عدد البطاقات لكل منطقة وعدد أفراد الأسر فيها لتغطي الاحتياجات”.
وأضاف البرازي في تصريحات لذات الصحيفة: “كما سيتم توزيع 3 % زائدة عن الكميات الأولى”، مؤكداً أن الآلية الجديدة سوف تبدأ من ريف دمشق وحمص وحماة.
وعمدت حكومة الأسد، خلال السنوات الماضية، إلى تأمين القمح عن طريق مناقصات دولية وشراء القمح، خاصة من روسيا، بعد خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من سيطرة النظام.
إذ تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من أمريكا على المساحات الواسعة المخصصة لهذا المحصول الاستراتيجي في شمال شرق سورية.
وفي أواخر العام الماضي كانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة الأسد، قد كشفت عن كميات القمح المستوردة من روسيا خلال عام 2020، والتي تبلغ نصف الكمية المؤمّنة من قبل النظام.
وحسب تقرير صادر عن “المؤسسة السورية للحبوب” التابعة للوزارة، في ذلك الوقت فإن المؤسسة تسوقت 700 ألف طن قمح محلي من الفلاحين، إلى جانب استيراد 675 ألف طن قمح من روسيا.
وحددت المؤسسة صعوبات تأمين القمح، وأرجعت ذلك إلى سببين الأول هو ما أسمته “الحصار الاقتصادي المفروض”، أما السبب الثاني يعود إلى “عدم توفر القطع الأجنبي اللازم لإتمام وإنجاز بعض العقود التي أبرمتها المؤسسة”.
وحسب تصريحات سابقة لمسؤولي حكومة الأسد، حول الكميات اللازمة سنوياً لتفادي أي أزمة في الخبز، يلاحظ نقص في الكميات خلال عام 2020 يصل إلى قرابة 600 ألف طن.
———————–
================
تحديث 03 أذار 2021
————————
الأسد
———————
عندما استنجد الأسد “المنتصر” بروسيا/ غازي دحمان
تفضح الرسالة التي نشرها الدبلوماسي الفلسطيني السوري، رامي الشاعر، في صحيفة زافترا الروسية، ادعاءات بشار الأسد، ومن خلفه، حلف الممانعة، بالنصر الذي حققوه ضد “المؤامرة الكونية” التي تعرّضت لها سورية، وتؤكّد أن الهزيمة الكبرى لنظام الأسد حصلت على يد رجال سورية ونسائها، على الرغم من كل ما صبّه من جحيم ودمار فوق رؤوسهم.
في رسالته التي استنجد فيها بوتين للمسارعة في إنقاذه من مصيرٍ قاتمٍ باتت نذُره على بعد أمتار قليلة من القصر الجمهوري، يقول الأسد “قدّمنا الأسلحة الكيميائية للمجتمع الدولي، واضعين ثقتنا بأن تقدّم روسيا البدائل اللازمة لمواجهة العدوان الإرهابي على وطننا. لكن الأمور في الوقت الراهن تشير إلى انهيار مفاجئ محتمل خلال أيام معدودة، بعد خسارتنا بالأمس أكبر خمس بلدات في الغوطة، ووصول المسلّحين إلى مسافة ثلاثة كيلومترات من مطار دمشق الدولي، وقطعهم طريق دمشق حمص الدولي، بعد احتلالهم مدينة دير عطية، ونفاد قدرتنا البشرية والنارية. لهذا فإن هناك ضرورة ماسّة جداً للتدخل العسكري المباشر من روسيا، وإلا سقطت سورية والعالم المدني بأسره بيد الإرهابيين الإسلاميين”. يكشف نص الرسالة حقائق لطالما حاول الأسد وحلفاؤه نكرانها:
أولاً: كان نظام الأسد يعتبر الأسلحة الكيماوية جزءاً أساسياً من منظومته الحربية ضد الثورة، وهو يطالب روسيا بتعويضه بسلاح مكافئ لردع الثوار ومنعهم من إسقاطه.
ثانياً: استطاعة الثوار تفكيك أدوات النظام العسكرية والأمنية بعد سنتين من قيام الثورة، وبعد سنة من تسلّحها، وهو وقت قصير جداً قياساً لحجم البنية التحتية العسكرية والأمنية للنظام، وخصوصاً في الأماكن التي يذكرها الأسد في رسالته، وهي ريف دمشق، حيث تتموضع أكبر فرقه العسكرية حجماً، وأكثرها تسليحاً وعدداً، حيث يوجد في تلك المنطقة ثلاثة فيالق من أصل خمسة فيالق من مجموع الجيش السوري البالغ عدد عناصره عشية الثورة 325 ألف عنصر، بالإضافة إلى أكثر مائة ألف عنصر مخابرات.
ثالثاً: يكشف تاريخ الرسالة، 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، أن الأسد أرسل استغاثته، بعد أن استنفد كل أوراقه في مواجهة الثورة، وبعد استهداف غوطة دمشق بالكيميائي في 21 أغسطس/ آب، وقتل مئات من أطفال الغوطة ونسائها، بغرض إجبار الثوار على التراجع. وعلى الرغم من حجم الألم فإن من صرخ هو بشار وليس المنكوبين.
رابعاً: لم يغير تدخل إيران وأذرعها، رغم بطشهم ومجازرهم، الوضع لصالح نظام الأسد، مع أنه قد حصل باكراً، ومنذ الأيام الأولى للثورة. صحيح أن حزب الله كان قد دخل القصير في نيسان/ إبريل عام 2013، لكن ذلك لم يحصل إلا بعد تدمير سلاح الجو التابع للأسد القصير، بالإضافة إلى ضعف تسليح ثوار القصير وقلة عددهم، وزجّ حزب الله كل قوته، وساعده في ذلك قربها من حدود لبنان.
خامساً: يكشف تاريخ الرسالة أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لم يكن قد ظهر بعد، إذ إن تاريخ إعلان ولادته مسجلة لدى العالم في 2014. كما أن التنظيم لم يتدخل في الحرب السورية قبل بداية 2015، وبدأ نشاطه ضد الجيش الحر وأحرار الشام وجبهة النصرة في أرياف الرقة وحلب ودير الزور، كما أن جبهة النصرة لم تكن بهذا الحجم من القوة، ولم يكن عدد أفرادها يزيد عن مئات، بعد الإعلان عن تأسيسها في بداية 2012.
سادساً: لم يكن الدعم العربي للثورة قد ظهر بحجم كبير في ذلك الوقت، فالمعلوم أن هذا الدعم بالسلاح والمال قد حصل في سنتي 2014 و2015، عندما تم تأسيس جيش الفتح في شمال سورية. أما “غرفة الموك”، التي تخصصت بدعم وتنظيم عمل الثوار في جنوب سورية وتنظيمه، فقد تأسست نهاية عام 2013.
ويعني ذلك أن من قام بهذا الضغط الذي دفع الأسد إلى الاستنجاد بروسيا هم الثوار الذين أجبرهم نظام الأسد على مغادرة المظاهرات، وبمساعدة الجنود والضباط الذي انشقّوا عن جيش الأسد الذي بدأ عملية قتل واسعة للمدنيين السوريين. .. والسؤال المطرح هنا بقوّة، على خلفية نشر رسالة الأسد: لماذا تأخرت روسيا عامين لنجدة الأسد؟ تثبت الوقائع أن روسيا لم تتأخر في هذا، ففي الأصل هي موجودة عسكرياً قبل الثورة، وفي أثناء الثورة قدّمت، وبحسب اعتراف رامي الشاعر “مساعدات لوجيستية وعسكرية قيمة إلى النظام، بما في ذلك عن طريق الإمدادات من الأسلحة والذخائر وغيرها من مستلزمات تعزيز وضع المؤسسة العسكرية، فضلاً عن إرسال الخبراء العسكريين، وإطلاق نشاط واسع لتزويد دمشق بالمعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك عن طريق صور الأقمار الصناعية التي رصدت مواقع المسلحين”. ولكن ذلك كله لم يمنع احتمالية سقوط الأسد. وفي رسالته، طالب الأسد بضخ مزيد من المساعدة، وربما أراد تغيير نمط التدخل الروسي إلى تدخل أكثر كثافةً وحجماً. والدليل أن هذا الانخراط الكبير حصل بعد زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بأيام. ما يعني أن الأخير ذهب لطلب زيادة الدعم، ومن غير المعقول أن تستطيع روسيا تجهيز نفسها بأيام. المؤكّد أن خطوط إمداد لوجستي كانت موجودة، وبنية تحتية للوجود الروسي، وقواعد يعمل بها الروس.
تحاول روسيا، ولديها فضائح كثيرة مخفية، القول للأسد إياك أن تمطّ رقبتك كثيراً، نحن من صنعنا ما تسميه الانتصار، ونحن من سيقبض ثمنه.
العربي الجديد
———————-
تحديثات على الاستراتيجية الأمريكية المقبلة في المنطقة/ موفق نيربية
توفي وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري في 16/11/2020 الماضي، أي مع ذكرى انقلاب الأسد الأب واستلامه وأسرته السلطة في عام 1970، لسخرية القدر. وكان قد أعاد قبل ذلك بأربعة شهور مقولته حول نسيان «أن أوروبا على خريطة العالم» التي كان قد قالها بعد ثلاثة أشهر وحسب من اندلاع الثورة السورية وحراكها الكبير.. هذه مجرّد مقدمة، لما سيأتي هنا من مراجعة للسياسة الأمريكية، التي يمكن – يمكن وحسب- أن نتلمّس في هامشها بعض النسيان «لكون سوريا على الخريطة» في المنطقة التي جاءت بمراجعة استراتيجية جذرية.. مع أن هذا بذاته ليس موضوع المقالة هنا.
فقد صدر منذ أيام تقرير مهم عن مؤسسة راند، مركز الأبحاث الأمريكي الذي يزوّد الحكومة الأمريكية ومؤسساتها بمؤشرات ودراسات استراتيجية تخصّ الأمن والدفاع، تساعد صنّاع القرار على اتّخاذ قراراتهم، وكان تحت عنوان رئيسي «إعادة تصوّر الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط: شراكات مستدامة، استثمارات استراتيجية». ويبدو أن التقرير المهم، تمّ تجهيزه بتعاون عدد من كبار الباحثين الاختصاصيين، لمساعدة الإدارة الجديدة على تشكيل رؤية لسياساتها في المنطقة، من خارج الصندوق المعتاد حتى الآن، الذي يبدو جليّاً أنه قد بلي واهترأ.. وفي ما يلي عرض لأهمّ ما ورد فيه.
يقوم البحث بتحليل حاجة الولايات المتحدة إلى تعديل أدواتها سياسياً وأمنياً واقتصادياً ودبلوماسيا ومعلوماتياً؛ باتجاه معالجة أكثر فعاليةً للتحديات الإقليمية، بطرق تراعي الموارد الأمريكية وحدودها. وحين تؤخذ الجائحة بالاعتبار، مع تغيّر المناخ، وخلل أسواق النفط، بالاشتراك مع أزمات المنطقة العديدة وفشل حكوماتها في مواجهتها؛ فإن استراتيجية الولايات المتحدة لا يمكن تركيزها على مستوى الدول أو القيادات، بإهمال مستوى الحاجات الاجتماعية لشعوب المنطقة. ومن ثمّ أيضاً، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع متابعة المشاكل الإقليمية وحدها.
وتأخذ إعادة تقييم سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هذه الاعتبارات بجدية، بحيث يؤدّي ذلك إلى اختبار حازم للكيفية التي نتعامل بها مع الشركاء والخصوم، في المنطقة وخارجها؛ وكذلك مع الأدوات المؤثّرة في السياسة، حتّى نتقدّم نحو تحقيق أهدافنا الاستراتيجية لمصلحة الولايات المتحدة والمنطقة» كما ورد في مقدمة التقرير.
إذا كان من الصحيح تلخيص محتوى التغيير الاستراتيجي، الذي يتبناه التقرير، فيمكن القول إن جوهره قائم على مبدأ الانتقال من التركيز على التهديدات إلى المنافع؛ أي الانتقال من أن يقال: نحن هناك لمواجهة كذا وكذا، إلى القول: نحن هناك لنحقق كذا وكذا.. تلك التهديدات كانت قديماً قائمة على الاتحاد السوفييتي وأي أخطار تتعلّق بأمن إسرائيل وحركة النفط، وهي حالياً تركّز على «داعش» وإيران، إضافةً إلى أمن إسرائيل. بذلك يتحوّل الهدف الاستراتيجي في المنطقة لينطلق من تفهّم أكبر لاستقرار المنطقة، ويعطي الأولوية لتقليص النزاعات، والحكومات الأكثر رشداً والتنمية. بذلك تكون المسألة – كما يطرح البحث – ليست في البقاء في المنطقة أو الخروج منها، بل في «كيف» يمكن التعامل معها والانخراط في قضاياها، وما هي الأهداف الواقعية التي يمكن أن تساعد على بناء سياسات أكثر واقعية، لأنه؛ على الرغم من تعب الأمريكيين ومللهم من الشرق الأوسط بعد عقود من الحروب؛ فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى الاستمرار في الانخراط هناك، حيث تؤذي تلك النزاعات، وحالة عدم الاستقرار، الأمريكيين وحلفاءهم مباشرة، لذلك يقوم البحث باستخدام تعبير «التهديدوية» كثيراً، وهي العقلية التي يوصي بالتخلّي عنها، وينتقل منها إلى انتقاد السياسات السارية حتى الآن في العلاقة مع الشركاء الإقليميين، وإدارة تهديدات الخصوم، وتحديد دور المنافسين الدوليين (الصين وروسيا) وكذلك في الأدوات المستخدمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، التي تحتلّ القوة العسكرية منزلة مهمة فيها.
في العلاقة مع الشركاء، يرى التقرير إن جزءاً كبيراً من المساعدات الأمريكية مبنيٌّ على إرث التفكير بحاجة هؤلاء الشركاء إلى حوافز مالية، حتى يكون لهم دور إيجابي أو غير متعارض على الأقل مع أمن إسرائيل. ولا يترافق مع ذلك التوجّه إلّا القليل من الاهتمام بالاستثمارات غير الأمنية، كالحوكمة المتطورة التي تستطيع دعم الاستقرار الإقليمي بطريقة أكثر نجاعة ودواماً.
كذلك فيما يخص محاولات تقليص التهديد الإيراني، ربّما يكون من المفيد – كما يرى الباحثون في توصياتهم – الانتقال من الانشغال بتغيير النظام إلى تعزيز قوة ومناعة دول المنطقة، أو تقليص هشاشتها أمام النفوذ والفعل الإيراني التخريبي. والمنطق الذي ينطلق منه هذا الطرح هو أن إحباط النفوذ الإيراني مسألة انخراط في لعبة طويلة الأمد. وعلى المنطق نفسه، تطرح الدراسة أن مواجهة «داعش» في العراق، تتطلّب الإصلاح الحكومي، وتعزيز الشرعية والقوى الأمنية التي تضمن للدولة هيبتها العملية. في حين، لا ترى أساساً لمنع عودة «داعش» في سوريا، إلّا في استقرار المنطقة الشرقية، بالبناء على مقوماتها وقواها الحالية ذاتها التي أثبتت فعاليتها حتى الآن.
بالنسبة لروسيا والصين، التي تتركّز مصالح أولاهما بالأمن والسلاح، وثانيتهما بالتبادل والاستثمار، واستقرار تدفق النفط وسعره، أو الاقتصاد عموماً؛ ويمكن هنا إطفاء حالة التهاب التنافس، بإجراء تقاطع للأهداف، وإعطاء فرصة أكبر للتعاون والانفتاح، في مجالات لا تنتهك المصالح الأمريكية. أمّا مسألة أدوات دعم السياسات وتحقيق الأهداف، فهي حتى الآن مرتكزة بقوة إلى الجانب العسكري المباشر، بحيث زادت المساعدات العسكرية كثيراً عن الاقتصادية (ستة مليارات دولار لإسرائيل ومصر والأردن في العام، بحيث تزيد عن نصف ما تنفقه الولايات المتحدة دولياً لهذا الهدف) وهذا لا بدّ من معالجته في السياسات المستهدفة الآن. ينتهي التقرير إلى توصيات استراتيجية للإدارة الأمريكية وللولايات المتحدة عموماً، تقوم على الانزياح من العسكري إلى الاقتصادي – السياسي، بالاشتراك مع الحوكمة والدبلوماسية. وفي ذلك – جزئياً- اشتقاق من الاستراتيجية الصينية، التي أثبتت نجاحها حتى الآن. تبني تلك الاستراتيجية على تأسيس مبادرات واستثمارات إقليمية، تنطلق من أفق أكثر بعداً وانفتاحاً، لتخفيض النزاعات، ودعم التنمية الإقليمية بكلّ جوانبها، وتقديم مسائل الحوكمة ودعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان؛ حتى لو كان ذلك على حساب المخاطر القريبة المدى.
– العمل مع شركاء دوليين- وأحياناً منافسين دوليين- لمقاربة التحديات العامة، كخفض حدة النزاع بين دول الخليج وإيران مثلاً، الأمر الذي يتطلّب انزياحاً في منظومة التخطيط والممارسة من العسكري إلى السياسي أيضاً. تسمّي مجموعة الباحثين الخيارات المطروحة بأنها قائمة على «شراكات مستدامة، استثمارات استراتيجية» وأعتقد أنها ستكون من أهمّ ما تستند إليه الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، خلال المدى المنظور على الأقل، جزئياً أو كلياً.
في هذا الموجز، بقيت ملاحظة واحدة لا بدّ لكاتب سوري من ملاحظتها، وهي غياب بلده بشكل واضح من هذا البحث، رغم تسجيل لوجود كلّ عناصر ومسائل الشرق الأوسط وقضاياه. وربّما ينسجم ذلك مع توجّه الإدارة الأمريكية إلى تجميد القضية السورية حتى تنتهي مفاعيل الوجود الروسي، ويستنفد طاقاته، أو لأن هذا البلد بعد كلّ مآلاته أصبح أبعد بكثير عن أيّ بحث في حقل الشراكات والمصالح والاستثمارات، ومن ثمّ حقل الاستراتيجيات. وإذا أضفنا ذلك إلى تصريحات أوروبية عن تراجع القضية السورية، وتضاؤل الاهتمام بها، يمكن لنا أن نفهم ملاحظة «ثعلب» دبلوماسية النظام السوري المتوفّى حديثاِ منذ البدايات عن «محو أوروبا من الخريطة» من خلال ما قام به النظام فعلياً، وشغله الحثيث على «محو سوريا من الخريطة».. على شكلها الحالي، وفي المدى المنظور على الأقل.
كاتب سوري
القدس العربي
——————–
بهدف حرمان ملايين السوريين من حق المواطنة… النظام يحدد صلاحية البطاقة الشخصية بـ 10 سنوات/ هبة محمد
دمشق – «القدس العربي» : في خطوة أمنية وسياسية تصب في صالح النظام الحاكم في سوريا، وتهدف على المدى البعيد إلى حرمان السوريين خارج سيطرة النظام وفي بلاد اللجوء من الجنسية السورية، أقر مجلس الشعب، يوم الاثنين الأول من آذار، مشروع قانون الأحوال المدنية الجديد، والذي يتضمّن تحديد مدّة صلاحية الهوية الشخصية للمواطن بـ 10 سنوات فقط، ليحل محل قانون الأحوال المدنية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 26 لعام 2007 وتعديلاته وأصبح قانونًا.
المشروع الذي وصفه معارضون سوريون بأنه أداة من أدوات الحرب التي يشنها النظام ضد معارضيه، قالت عنه وسائل إعلام النظام الرسمية، إنه «أصبح قانوناً حل مكان القانون الصادر عام 2007، ويتكون من 79 مادة تتناول في مجملها الأحكام المتعلقة بالتسجيل في السجل المدني والواقعات كالولادات والزواج والطلاق والوفيات وتصحيح قيود الأحوال المدنية والبطاقات الشخصية والأسرية والرسوم والغرامات والعقوبات وعدد من الأحكام الانتقالية».
وقبيل إقرار مشروع القانون «غير الشرعي والذي يرسخ استراتيجية التغيير الديموغرافي ويستثني الملايين من حق المواطنة» حسب معارضين للنظام السوري، كان المجلس قد وافق بالأكثرية على مجموعة من المواد وعلى رأسها المادة 54 التي «تحدد مدة سريان البطاقة الشخصية بعشر سنوات من تاريخ صدورها وعلى صاحبها أن يتقدم بطلب تبديلها خلال مدة لا تقل عن 30 يومًا ولا تزيد على ستة أشهر قبل انتهاء مدتها ويجوز تمديد سريان البطاقة لظروف وأسـباب قـاهرة بموجـب قرار من وزير الداخلية».
وقال وزير الداخلية اللواء محمد خالد الرحمون إن قانون الأحوال المدنية الجديد يعتمد على قاعدة بيانات إلكترونية مركزية تربط جميع المحافظات وهو يسهم في تقديم الخدمات وتبسيط الإجراءات وتخفيف المعاناة والتكاليف عن كاهل المواطنين وتقليص الأخطاء البشرية في الشؤون المدنية مبيناً أنه أصبح باستطاعة المواطنين وفقاً للقانون استخراج كل بياناتهم في أي مركز للشؤون المدنية بغض النظر عن قيدهم الأصلي بعد تسجيل الواقعة مباشرة.
وتستمد هذه الخطوة أهميتها من حيث توقيتها، إذ أنها تسبق الانتخابات الرئاسية المقررة صيف العام الجاري، حيث يعيش أكثر من 13 مليون سوري بين نازح ولاجئ في دول العالم، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة.
وزير داخلية النظام محمد الرحمون، قال إنّ «قانون الأحوال المدنية الجديد يعتمد على قاعدة بيانات إلكترونية مركزية تربط جميع المحافظات وهو يسهم في تقديم الخدمات وتبسيط الإجراءات وتخفيف المعاناة والتكاليف عن كاهل المواطنين وتقليص الأخطاء البشرية في الشؤون المدنية». وأضاف أنّه يساعد «الوزارة على التوسع بتقديم الخدمات أفقياً وهو يؤدي إلى إنهاء التزوير والتلاعب في البيانات المدنية لأن عمل الموظف المدني وفقاً للقانون أصبح محدوداً حيث سيصبح العمل مؤتمتاً بالكامل وعندها ينتفي موضوع تشابه الأسماء».
المحامي البارز والناشط السوري أنور البني، قال إن هدف النظام السوري من هذا القانون هو حرمان المعارضين السوريين من وثائقهم، وحرمانهم على المدى البعيد من جنسيتهم، وإعطاء المجنسين حديثاً بطاقات شخصية جديدة يمحو بها آثار جريمة تجنسيهم ويخلط تواريخ التجنيس ما قبل 2011 بما بعده. وأوضح المحامي البني لـAالقدس العربي» أن «القانون لا يحرم السوريين من الجنسية في الوقت الحالي، لكنه خطوة استباقية، ربما يتبعها إصدار قانون يحرم به كل من لم يجدد هويته لمدة خمس سنوات فرضاً، من الجنسية وعلى ذلك يتم إسقاط قيوده نهائياً». كما تحدث المحامي عن أهمية هذه الخطوة على الداخل السوري، حيث قال «يهدف النظام إلى إجبار السوريين في الداخل على مراجعة الدوائر الحكومية، لاعتقال الناس المطلوبين في الداخل، عند تجديد الهوية، أما من هو خارج سيطرته فقد يفقد حقه بأي مراجعة».
ووصف البني القرار بأنه «مخطط إجرامي، لأن ما يشغل النظام دائماً، هو ارتكاب جرائم جديدة، أو جرائم يغطي بها على جرائم قديمة أخرى».
فالقانون عبارة عن تعديلات أمنية وسياسية لصالح النظام والعائلة الحاكمة، برأي مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، الذي قال إن «مجلس الشعب أداة بيد النظام السوري فهو يشرع من خلاله كم كبير من القوانين التي تهدف إلى السيطرة على ممتلكات المواطنين وإلى تشريع عمليات النهب والقمع وهذا القانون يأتي ضمن هذا السياق».
القانون «هندسة ديموغرافية لصالح النظام وصالح مواليه، لأنه لا يمكّن أكثر من نصف الشعب السوري الموزعين بين نازح ولاجئ من تجديد البطاقة الشخصية خلال 30 يوماً، ما يعني أن ملايين من السوريين لن يجددوا ولن ينتخبوا أيضاً». فالنظام استثنى هؤلاء، برأي المتحدث لـ»القدس العربي، وبعدها سوف يضمّن بديلاً عنهم من أعطاهم الجنسية من إيرانيين وعراقيين وأفغان من أتباع إيران، وهو الهدف الأساسي من القانون.
وأدان مدير الشبكة السورية لحقوق الانسان، فضل عبد الغني خلال حديثه مع «القدس العربي» القرار لأنه «غير شرعي ويرسخ استراتيجية التغيير الديموغرافي ويستثني الملايين من حق المواطنة فهو يتحكم بكل الوثائق في الدولة السورية، وهنا أشير إلى أن الهوية ليست ملكاً للعائلة الحاكمة التي تحكّمت بجوزات السفر ورفع أسعارها، حيث منحها النظام لمين يريد وقننها على المعارضين كأداة من أدوات الحرب وهو ما يفعله الآن بالهوية السورية».
———————–
مئات آلاف الأسر السورية تنتظر معرفة الحقيقة عن أبنائها
قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب السوري، والمجتمع المدني السوري، ومجموعة واسعة من الشركاء الدوليين في المطالبة بالمساءلة ودعم الحل السياسي على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وتطرقت خلال اجتماع لأعضاء الجمعية العامة، عن حالة حقوق الإنسان في سوريا، “إلى ثلاثة جوانب من وحشية نظام الأسد، وهي: مراكز الاعتقال، واستخدام الأسلحة الكيماوية والعنف ضد المواطنين الأبرياء، وتعطيل المساعدات الإنسانية”.
ووصفت أفعال نظام الأسد بأنها “فظائع مروعة لدرجة أن بعضها يرقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”. وقالت إن نظام الأسد “يواصل سجن عشرات الآلاف من السوريين الأبرياء، بما في ذلك النساء والأطفال والمسنين والأطباء ومقدمي المساعدات والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان”.
ولفتت إلى أن هؤلاء المدنيين الأبرياء يُحرمون من المحاكمات العادلة ويتعرضون للتعذيب والعنف الجنسي والظروف اللاإنسانية وكثيرون منهم معرضون لخطر كبير بالإصابة بكورونا. وطالبت غرينفيلد بنشر “مصير كافة المعتقلين بشكل علني وإعادة جثث المتوفين إلى أحبائهم مع ذكر تاريخ الوفاة ومكانها وسببها”.
وأضافت أن نظام الأسد استخدام أسلحة كيماوية ضد مواطنيه. وقالت: “لقد ذبح المتظاهرين السلميين ودمر المنشآت المدنية في مختلف أنحاء سوريا ودمر العديد من المستشفيات والمنازل. وفر حوالى 12 مليون شخص من ديارهم، أي ما يقرب من نصف السكان قبل الحرب، وأصبحوا اليوم نازحين داخليين أو لاجئين”.
وقالت إن الولايات المتحدة “تقف إلى جانب الشعب السوري والمجتمع المدني السوري ومجموعة واسعة من الشركاء الدوليين في المطالبة بالمساءلة ودعم الحل السياسي على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
وفي السياق، رحبت بريطانيا والولايات المتحدة بنتائج تقرير أممي تضمّن رصد انتهاكات بحق محتجزين، وقال إن “الحكومة السورية قامت باعتقال واحتجاز الأفراد بشكل تعسفي، وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سياق الاحتجاز”.
وذكر تقرير أعدته اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في سوريا أنه “بعد 10 سنوات من الحرب، اختفى عشرات آلاف المدنيين المعتقلين تعسفياً في سوريا، وتعرّض آلاف آخرون للتعذيب والعنف الجنسي أو ماتوا في المعتقل”.
وقال بيان صادر من السفارة الأميركية في دمشق: “سنواصل الضغط من أجل إطلاق سراح السوريين المحتجَزين تعسفياً بما يتفق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، وسنعطي الأولوية للمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا”.
تقرير لجنة التحقيق الذي صدر مساء بناءً على أكثر من 2500 مقابلة تمت على مدار عشر سنوات وعلى تحقيقات حول ما يزيد على 100 مركز من مراكز الاعتقال، وثّق انتهاكات وتجاوزات تاريخية ومستمرة خصوصاً بالاعتقال من كل الأطراف الرئيسية التي تسيطر على الأراضي في سوريا منذ عام 2011.
وقالت كارين كونينغ أبو زيد، وهي أحد المفوضين الثلاثة المكلفين بإعداد هذا التقرير: “يبدو أن الاهتمام كان منصباً على سُبل التستر على الجرائم المرتكَبة في مراكز الاحتجاز وليس التحقيق فيها”.
ويضم التقرير، الذي تم إعداده بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الكثير من الشهادات عن الفظائع المرتكبة، ومنها بحق فتى يبلغ من العمر 14 عاماً كان مغطى بالكدمات جراء الضرب وينزف من أذنيه وعينيه وأنفه قبل أن يغمى عليه إثر تلقيه ضربة في الرأس بعقب بندقية، وامرأة شابة تم اغتصابها من القوات الحكومية.
وتشير لجنة التحقيق بشكل خاص إلى أي مدى شكّلت “الاعتقالات التعسفية والسجن في آن واحد سبباً وحافزاً وممارسة متواصلة في النزاع السوري”. ويخلص التقرير إلى أن كل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان “تمت بمعرفة وبموافقة الحكومات الداعمة لمختلف أطراف النزاع”.
وقال التقرير إن مصير عشرات الآلاف من المدنيين الذين اختفوا قسراً على أيدي القوات الحكومية السورية لا يزال مجهولاً، علماً بأن العديد منهم اختفوا منذ ما يقرب العقد. وأضاف “يغلب الظن أن العديد منهم ماتوا أو أُعدموا، بينما يُعتقد أن البعض ما زالوا محتجزين في ظروف غير إنسانية”. وأوضح التقرير كيف عمدت الحكومة “وبدرجة أقل من الأطراف الأخرى، إلى إطالة معاناة أفراد أسر المعتقلين وأحبائهم”.
وأشار رئيس لجنة التحقيق إلى أن “مئات الآلاف من أفراد الأسر لهم الحق في معرفة الحقيقة بشأن مصير أحبائهم”. وأضاف “هذا الوضع يشكّل حالة من الصدمة الوطنية التي ينبغي للأطراف المعنية والمجتمع الدولي معالجتها فوراً. يجب إيلاء اهتمام أكبر للاحتياجات النفسية والاجتماعية للضحايا وعائلاتهم”.
المدن
————————-
مشروع قرار أمريكي لحظر الأسد وخامنئي على مواقع التواصل
قدم نواب في الحزب الجمهوري الأمريكي، مشروع قرار لمجلس النواب، اقترحوا خلاله حظر شخصيات ودول “راعية للإرهاب” على مواقع التواصل الاجتماعي منهم رئيس النظام بشار الأسد.
وحسب قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، اليوم الثلاثاء، فإن 40 نائباً في مجلس النواب الأمريكي، بينهم أندي بار وجيم بانكس وجو ويلسون، قدموا مشروع قانون حمل عنوان “لا توجد حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي للإرهابيين أو الدول الراعية للإرهاب لعام 2021”.
وجاء في المشروع أنه “لا ينبغي لشركات التواصل الاجتماعي توفير وسيلة للجماعات الإرهابية مثل داعش لجمع الأموال أو للديكتاتوريين مثل آية الله (المرشد الأعلى) في إيران لنشر الدعاية”.
وحصلت شبكة “فوكس نيوز” على نسخة من المشروع الجديد، الذي من شأنه توضيح قانون العقوبات الحالي، ومنح الرئيس الأمريكي سلطة معاقبة “تقديم الخدمات” بما في ذلك توفير الحسابات والحفاظ عليها.
وتشمل منصات التواصل الاجتماعي شبكات “Twitter” و “Facebook” و “Instagram” و “YouTube”.
ويؤكد المشروع أنه “ينبغي أن تنطبق العقوبات الاقتصادية (الأمريكية) التي تحظر تقديم الخدمات للأفراد والكيانات الخاضعين للعقوبات بتهمة الإرهاب على منصات وسائل التواصل الاجتماعي”.
ويشير النواب إلى “المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، الذي صنفته وزارة الخزانة كإرهابي عالمي، وزعيم الدولة الراعية للإرهاب في العالم”، مؤكدين أن “خامنئي لديه العديد من وسائل التواصل الاجتماعي حسابات على Twitter وInstagram”.
وأوضح النواب أن “المرشد الأعلى استخدم حساباته للتهديد بالعنف ضد الأمريكيين، ودعم تدمير دولة إسرائيل، والترويج لنظريات المؤامرة والمعلومات المضللة بشأن لقاحات كوفيد 19، والتحريض على معاداة السامية في عدد من المناسبات”.
كما أن وزير خارجية إيران، جواد ظريف، لديه عدد من حسابات التواصل الاجتماعي على “تويتر” و”إنستغرام” ومنصات أخرى، وغرد الشهر الماضي عن “نظرية مؤامرة سامية تقول إن اسرائيل كانت تخطط لشن هجمات على اميركيين في العراق”، بحسب مشروع القرار.
وكان ظريف قال مطلع العام الحالي عبر حسابه في “تويتر”:”تشير معلومات استخبارية جديدة من العراق إلى أن عملاء استفزازيين إسرائيليين يخططون لشن هجمات ضد الأمريكيين- مما يضع ترامب (المنتهية ولايته) في مأزق مع سبب مزيف للحرب”.
كما تحدث النواب في مشروع القرار، عن رئيس النظام بشار الأسد “المسؤول عن قتل نصف مليون من الشعب السوري ورئيس دولة راعية للإرهاب”، بحسب توصيفهم، مؤكدين أن لـ”الأسد حسابات متعددة على مواقع التواصل الاجتماعي على “تويتر” و”إنستغرام”.
وقالوا إن الأسد “استخدم حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي لتبييض نظامه والترويج له، وللترويج للكراهية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل”.
ولا يوجد صفحة رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي وموثقة تابعة للأسد، باستثناء ما يسمى “رئاسة الجمهورية العربية السورية” التي تنشر تحركات الأسد ولقاءاته إضافة إلى القرارات والمراسيم الصادرة عنه.
وقال جيم بانكس إن “منصات وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على حظر الرئيس ترامب والمحافظين الآخرين، لكنها تسمح للزعيم الإيراني الأعلى والرئيس السوري بشار الأسد بمواصلة فتح حسابات Twitter وInstagram وFacebook وYouTube”.
في حين قال النائب ويلسون إن “المرشد الأعلى لإيران ورئيس كوبا والمجرم بشار الأسد لديهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي على منصات متعددة تستضيفها شركات أمريكية، هذا غير مقبول ولهذا السبب شاركت في رعاية هذه المبادرة”.
————————-
إيران تنذر السوريين بحرب مفتوحة طويلة الأمد.. والهدف لم يعد حماية بشار الأسد!
وكالة زيتون – تقرير
لم تكتف إيران بمحاربة الشعب السوري عبر الآلة العسكرية والعشرات من الميليشيات التي استقدمتها إلى سوريا لدعم نظام الأسد، بل تجاوزت ذلك إلى الشروع في عمليات التغيير الديمغرافي ونشر المذهب الشيعي واختراق المعاهد والجامعات وافتتاح أخرى باللغة الفارسية.
إيران، لم تخفِ يوماً أن تدخلها العسكري في سوريا انطلق من أساس طائفي مذهبي في الدرجة الأولى، ودفاعاً عن “بشار الأسد” الأداة الأساسية في تنفيذ مشروعها في المنطقة المعروف باسم “الهلال الشيعي” ثانياً.
ففي منتصف عام 2013، صرح وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان” أن “العتبات المقدسة في سوريا تتعرض لهجمات من قبل الإرهابيين ويبقى عالم التشيع متفرجاً”، مضيفاً أن بلاده تتخذه إجراءات “لحماية العتبات الشيعية المقدسة في دمشق”.
وعقب ذلك، تحولت بلدة “السيدة زينب” على أطراف العاصمة دمشق من مجرد مكان يحمل رمزية لدى معتنقي المذهب “الشيعي” إلى غرفة عمليات وعاصمة إيران في سوريا ومركزاً لإدارة العمليات العسكرية ضد المناطق الثائرة، ونقطة جذب للمقاتلين الشيعة من أفغانستان والعراق وباكستان ولبنان وبالطبع من إيران.
بدأ نفوذ إيران يتوسع وبدأت مطامعها تكبر، كما وجدت من انبطاح بشار الأسد لها واستعداده للتخلي عن أي شيء مقابل أي شيء يحافظ على بقاءه في الحكم وقمع المعارضين له فرصة ثمينة وأرضية خصبة لتحقيق حلمها في تحويل سوريا إلى ضاحية جنوبية جديدة.
تهجير السوريين وتوطين الأفغان والباكستانين
استهلت طهران أولى خطوات تنفيذ مشروعها بتهجير السكان الأصليين من المناطق التي تتعرض لعمليات عسكرية وتوطين عوائل مقاتليها الأفغان والباكستانين محلهم، ومنحهم جنسيات سورية انطلاقاً من مقولة “بشار الأسد” بأن “الوطن لمن يحميه لا لمن يحمل جنسيته”.
وتركزت عملية التوطين في منطقة “السيدة زينب” والقرى والبلدات المحيطة بها جنوب دمشق، وفي مدينتي “داريا” و”معضمية الشام” في الغوطة الغربية، إضافة مدينة “القصير” بريف حمص الجنوبي والقرى التابعة لها.
ونالت محافظة دير الزور النصيب الأكبر من تلك العمليات، حيث استولت الميليشيات الإيرانية على معظم مدينتي “البوكمال” و”الميادين” بالريف الشرقي، واستقدمت عشرات عوائل مقاتلي “زينبيون” الباكستانية و”فاطميون” الأفغانية، و”لواء أبو الفضل العباس” العراقي.
يعود سبب تركز إيران على محافظة دير الزور والتي نفذت نشاطات فيها قبل اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس من عام 2011 إلى قربها من الحدود العراقية، ووقوعها على طريق “طهران – بيروت” التي تطمح إيران من الوصول إلى البحر المتوسط من خلاله.
ومن أجل ذلك بدأت إيران بمحاولة اختراق المجمتع في المحافظة وهذه المرة ليست عبر الطرق العسكرية بل عن طريق الترغيب واستغلال سوء الأوضاع المعيشية وحاجة الأهالي إلى المساعدات ومنحهم إياها مقابل دخولهم في المذهب الشيعي.
مراكز ثقافية وحسينيات لنشر المذهب الشيعي
أوضح المتحدث باسم شبكة “عين الفرات” المتخصصة بنقل أخبار المنطقة الشرقية “أمجد الساري” أن موضوع نشر التشيع ليس بجديد على المنطقة، إلا أنه بدأ يتوسع ويظهر للعلن بعد انطلاق الثورة وتدخل إيران بشكل واضح في سوريا.
وأكد “الساري” في حديث لـ”وكالة زيتون”، أن جميع المناطق التي تدخل إليها إيران تبدأ بشكل فوري بتنفيذ مشروعها الطائفي فيها متبعة أساليب عدة، تبدأ بالتغيير الديمغرافي من خلال طرد العوائل السُنيّة وتوطين عوائل عناصرها محلها، كحي “الجمعيات” في “البوكمال”.
يضاف إلى ذلك -بحسب الساري- تحويل بعض المساجد إلى حسينيات وأماكن للمارسة الطقوس الشيعية، وبناء مزارات وهمية داخل المناطق السنة كمزار “عين علي” قرب “البوكمال” و”قبة علي” في منطقة “السويعية” بهدف استقطاب الشيعة من العراق وإيران وتغيير هوية المنطقة.
وأشار “الساري” إلى أن إيران أقدمت أيضاً على افتتاح مراكز ثقافية مخصصة للأطفال بالدرجة الأولى بهدف تغيير أفكارهم وتأسيس جيل يحمل فكر “ولاية الفقيه” يمكن أن تعتمد عليه في حال خرجت من سوريا مستقبلاً، موضحاً أن عمل المراكز يقوم على عرض أفلام وثائقية وتعليمية حول المذهب الشيعي ومن ثم تقديم هدايا ومبالغ مالية للأطفال للحضور وذويهم.
وأكد محدثنا أن إيران استطاعت من خلال تلك الطرق من التمدد إلى ريف حمص الشرقي وريفي حلب الشرقي والجنوبي، ونشر المذهب الشيعي فيها.
زواج متعة والمال مقابل التشيع
وعملت الميليشيات الإيرانية على نشر “زواج المتعة” في المناطق التي سيطرت عليها، وقد تم تسجيل عدة حالات في منطقة “حطلة” بريف دير الزور لفتيات يحملن الجنسية العراقية ويقيمن في البلدة، ووفقاً لـ”الساري” فإن الفيتات من عوائل عناصر ميليشيا “زينبيون” الذين تم توطينهم في المنطقة.
وتطرق محدثنا إلى أسلوب آخر تتبع إيران للسيطرة على المجتمع، يقوم على تجنيد الشبان المطلوبين للخدمة العسكرية في جيش الأسد ضمن صفوف “الحرس الثوري” وتأمين الحماية لهم ومنحهم رواتب مغرية مقارنة برواتب عناصر نظام الأسد مقابل دخولهم في المذهب الشيعي.
مركز تكنولوجي لبث المحتوى الديني الإيراني!
وفي السياق ذاته، وفي محاولة أوسع تشمل كامل الأراضي السورية ومنها إلى الوطن العربي، شرعت إيران بافتتاح مكتب للتقنيات الإيرانية في سوريا، والذي سيعمل على بث “المحتوى الديني الإيراني” على السوريين.
وأوضح الرئيس التنفيذي لـ”اتحاد إنتاج ونشر المحتوى في الفضاء الإلكتروني” الإيراني “سعيد مشهدي” أن المكتب سيكون مسؤولًا عن “تبادل التكنولوجيا بين البلدين، وتصدير التقنيات الإيرانية إلى سوريا، وأساساً للتواصل مع الجماهير الناطقة باللغة العربية في البلدان الأخرى”.
واعتبر في تصريح لـ”وكالة فارس” الإيرانية، أنه إذا أسست إيران منصات مناسبة باللغة العربية في بلد يتحدث العربية، ستكون “أرضية للدخولن إلى المجتمع الناطق بالعربية في العالم”.
وأوضح الباحث والكاتب السوري “مطيع البطين” أن إيران تسعى من خلال إنشاء هذا المركز التكنولوجي إلى زيادة حضورها في سوريا ومحاولة جديدة لتغريب المجتمع السوري باتجاه الثقافة الإيرانية، مضيفاً أن هذه الخطوة سبقها عدة خطوات إعلامية لصبغ سوريا بثقافة “الولي الفقيه”.
وأضاف “البطين” في حديث لـ”وكالة زيتون”، أن إيران تستغل جميع المواد الممكنة للمضي في مخططها في سوريا، مشيراً إلى أن ذلك المركز هو مكمل للخطوات التي بدأتها قنوات “الميادين” و”المنار” و”العالم” في نشر الثقافة الإيرانية.
وشدد على أن إيران تصر على نشر المذهب “الشيعي” في سوريا لتمرير أجندات “الولي الفقيه”، ولتنفيذ ذلك هي بحاجة إلى تيار كبير موالي وتابع لها وحاضنة واسعة تكون مستعدة من خلالها لأي حل قد يخرجها من سوريا.
وحذر “البطين” من أن أي اختراق للمجمتع من الجانب الديني والثقافي يعتبر غاية في الخطورة لأنه يمزق النسيج السوري ويعتدي على الثقافة السورية ويخلق صراعاً مستمراً، لأن الوسائل التي تتبعها إيران في الدعوة إلى التشيع تقوم على التحريض بين الناس وإذكاء الروح الطائفية واستدعاء التاريخ والأحقاد.
إيران تخترق التعليم في سوريا
استخدمت إيران ملف التعليم كغيره من الوسائل التي اعتمدت عليها في التمدد بسوريا ونشر ثقافتها، بل وأولت الجانب العلمي والثقافي اهتماماً خاصاً نظراً لكونه يستهدف فئات عدة من المجتمع السوري لا تقتصر على المناطق الثائرة فقط.
وفي سبيل ذلك، افتتحت إيران مدارس ومعاهد خاصة لتعليم اللغة الفارسية في العديد من المحافظات وبشكل خاص في العاصمة دمشق واللاذقية ودير الزور، كما أنها خصصت مبالغ مالية كرواتب للمواظبين على حضور المحاضرات، وجوائز للأشخاص الذين يتقنون اللغة بشكل سريع.
كما وقعت اتفاقيات مع نظام الأسد لافتتاح فروع لأكثر من 8 جامعات إيرانية في العديد من المدن السورية، كان آخرها قبل أيام حيث أعلنت وكالة “سانا” عن توقيع اتفاقية تعاون بين جامعتي دمشق و”أهل البيت” “لتطوير وتعزيز علاقات التعاون العلمي والأكاديمي المشترك”.
وخلاصة القول إن إيران تسعى لترسيخ وجودها الثقافي والمذهبي في سوريا، وتعزيز نفوذها في المجتمع المدني ليكون رديفاً لوجودها العسكري الذي من الممكن أن تفقده في أي وقت إذا ما توافقت الدول الكبرى على ذلك، كما أنها تأمل بإنشاء جيل جديد يكون أداة لها في سوريا ويحقق أطماعها مهما كانت الظروف.
———————
الأسد مكبَّلٌ بحقيقة جرائمه/ مصلح مصلح
حين كنّا صغارًا مشاكسين نعيش ونحيا في فضاء مخيلتنا كان الأهل يستعينون على نزقنا الطفولي بالغولة، تتسلل من الشقوق في الجدار أو تقفر من الشباك تغير على شغب الطفل الذي في دواخلنا فتخرسه، وحين لا تفلح خطتهم الجهنمية تلك تراهم يلوحون لنا بأبي سلة، ذلك الغجري القاسي القلب، يأتي على حمار ليدس في خرجه أبناء أناس غيره، يصنع من دمائهم الوردية أصبغة نسائية قابلة للبيع. عندما كبرنا تبادر إلى ذهننا بأنّا غادرنا عوالم الغيلان واللصوص الجواليين إلى غير رجعة، إلى أن جاء يوم الـ 21 من شباط/فبراير 2021، حيث الإعلامي الأمريكي الشهير سكوت بيلي (Scott Pelley) يطل في مقدمة برنامجه “60 Minutes” الذي يبث على قناة الـ CBS، ليحذر أطفال العالم من التعرض لصدمة الأفعال الجرمية لغول العصر بشار الأسد، يقف بين جنوده ليبارك لهم النصر على أحلام السوريين بالحرية، كل ذلك في خلفية سريالية من أنقاض البيوت المطحونة والهياكل العظمية لأناس جُوّعوا حد الموت.
في اللقاء الذي جمع بين سكوت بيلي، مقدم البرنامج، وبين ستيفن راب، مفوض لجنة العدالة والمحاسبة التابعة للأمم المتحدة، يسأل بيلي محاوره بلغة القانون ليطمئن على حق الضحايا في الحصول على العدالة “هل تعتقد بأن ثمة إمكانية لتحقيق العدالة في سوريا؟”، ليرد عليه الخبير راب بلغة الأمل “أنا بطبعي أمريكي متفائل، لقد شهدت خلال عملي في العديد من القضايا الخاصة بتحقيق العدالة على المستوى الدولي، الكثير مما يبعث على الأمل، فعلى الرغم من القضايا التي بدت لي ميؤوس منها في تحقيق أي عدالة تذكر، إلا أن الوقائع أثبتت لي خطأ ما كنت أعتقده. إن عدم إمكانية تحقيق العدالة في القضية السورية في القريب العاجل لا تقلقني أبدًا، فأنا واثق من تحقق ذلك يومًا ما، إن ذهني في مطرح آخر تمامًا؛ العمل على جمع أدلة صلبة لتقديم بشار الأسد نفسه للمحاكمة”.
هل لديك مثل هذه الأدلة المحكمة، يسأل بيلي القلق، بنعم كبير يرد راب الواثق، ففي حوزة اللجنة الأممية 900 ألف وثيقة ضد مجرمي الحرب ضد سوريا، بمن فيهم بشار نفسه، حيث تمتاز هذه الوثائق عن غيرها من تلك المستخدمة في محاكمات مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة، كما على تلك المستخدمة في محاكمة النازيين في نورمبيرغ، في كونها تحتوي على الكثير من الوثائق البصرية، فالقتلة في دولة الأسد لم يكتفوا بارتكاب أفعالهم المشينة وحسب، بل حرصوا على توثيقها أيضًا.
على الرغم من الطابع الوثائقي لتقرير بيلي، كما تركيزه على الجانب الحقوقي في إمكانية سَوق بشار الأسد مخفورًا إلى العدالة، إلا أنه لم يغفل الحديث عن آلام الضحايا وعذاباتهم، حيث يضعنا الرجل أمام معاناة ثلاثة من ضحايا التعذيب في أقبية سجون الأسد.
في حين نتعرف في الأولى على قصة أحمد المسلماني، ابن الـ 14 عامًا، الذي اعتقلته قوات النظام بجريرة وجود أغنية مناهضة لها في هاتفه النقال، ليتم العثور على جثته هامدة فيما بعد ضمن مجموعة صور قيصر المسربة. فإننا في الثانية نتعرف على حكاية شخص آخر عن طريق سامي شخصيًا، شريك قيصر في تهريب صور الإبادة الجماعية في معتقلات الأسد، حيث يروي لنا كيف عثر على صورة جثة صديقه المعتقل، وظل طيلة تواجده في سوريا عاجزًا عن إبلاغ أم ذلك الصديق بحقيقة ما جرى خوفًا من إنكشاف أمره وأمر قيصر. الحكاية الثالثة كانت من حصة السوري الأمريكي صاحب الاسم المستعار علي، حيث يروى لنا فيها، معايشته لصراخ طفل لم يتجاوز الـ 13، دأب كل الوقت على مناشدة أمه الغائبة لإنقاذه من جحيم التعذيب الذي كان يتعرض له على أيدي جلادي بشار.
المشاهد لتقرير سكوت بيلي لا بد له أن يخرج ببعض التفاؤل رغم الجو المأساوي، الذي ما زال يحيط بشروط تحقيق العدالة في سوريا. فعلى الرغم من الطابع التشاؤمي في عبارة بيلي التي ينقلها عن راب “حتى لو لم يتم اعتقال الأسد أبدًا، فسيظل مكبل اليدين بالحقيقة للأبد، حقيقة جرائمة”، فهي تبقي على بعض الأمل في إمكانية تكبيل الدكتاتور بشار الأسد بقبح أفعاله، كما بعض الأمل في تحول جريمة الإبادة الجماعية إلى لعنة تطارده صباح مساء، ذلك أن التعويل على ذلك يظل عبر الشهود بشقيهم؛ الحاضرين في صور قيصر، أو الناجين من معتقلات الأسد بمعجزة، الذين سيظلون يتطلعون إلى عدالة ناجزة تنصفهم.
دمر الأسد ما بناه السوريون عبر آلاف السنين، كما لم يتورع عن إبادة ربع مليون إنسان وتشريد أحد عشر مليون آخرين، كل ذلك لأنه أراد أن يظل ملكًا ليوم آخر وربما لعقد أو قرن، حتى ولو على تل من خراب. فإذا كان للعالم أن يتسامح حيال ذلك كما لمح بيلي، فإنه يتساءل عن الرسالة التي يبعث بها للمستبدين الآخرين القابضين على رقاب شعوبهم بالحديد والنار. ليأتيه الجواب من المفوض الدولي راب “إذا قدر للأسد أن يفلت من العقاب، فهي خسارة لنا جميعًا، إننا لا نفعل شيئًا سوى قبولنا بالتعايش، مع فكرة أن يكون مستقبلنا البشري أشد قبحًا من ماضينا”.
————————-
=================
تحديث 04 أذار 2021
————————
أي مستقبل لـ“سورية الأسد“/ مصطفى عبد السلام
في سورية الأسد، من لم يمت بمدافع ونيران نظام بشار وجرائم حرب يخوضها منذ 10 سنوات ضد شعبه بلا هوادة، مات بالجوع والقهر والحرمان والذل والبطالة والفقر المدقع والعشوائيات وتردي البنية التحتية وهدم المنازل والحرق وسلب ومصادرة الأموال.
ومن لم يمت بالمتفجرات وغازي السارين والكلور، مات بالغلاء والتضخم وقفزات الأسعار الجنونية التي لا تتوقف لحظة، ولا ترحم الغالبية العظمى من المواطنين.
ومن لم يمت بالبراميل المتفجرة والاغتصاب والاحتجاز القاسي وتشويه الجثث، مات في طوابير الخبز والدقيق والوقود والمواصلات العامة، أو خلال رحلة بحث المواطن الفقير والمعدم عن السلع الأساسية المختفية من الأسواق، أو البحث عن لتر بنزين أو سولار أو قارورة غاز منزلي.
ومن لم يمت بالطائرات المقاتلة والمروحيات والبراميل المتفجرة، مات بالبرد القارس والجوع في مخيمات اللاجئين التي تمتد عدة كيلومترات على حدود سورية.
ومن لم يمت في مقابر الكيميائي وغياهب السجون، مات بسبب المرض واختفاء الأدوية الضرورية وعدم وجود سرير في مستشفى حكومي وندرة الأطباء الذين يأسوا من المستقبل وفروا خارج البلاد بحثاً عن الأمان أو غد أفضل لأولادهم.
ومن لم يمت من السوريين في معتقل أو حريق أو تحت منزله بعد أن حولته طائرات النظام إلى ركام، مات كمداً على مصادرة أمواله وشقى عمره، أو من رسوم وضرائب لا ترحمه، أو من راتب ضعيف تتآكل قيمته يوما بعد يوم بسبب التضخم وتعويم العملة وخفض قيمتها بشكل سريع يفوق سرعة الصاروخ الذي يوجهه النظام لبيت المواطن وقلبه المعرض للتوقف فجأة بسبب سياسات بشار وقهره وجرائمه وظلمه وجبروته.
ومن لم يمت من الشباب السوري في جيش نظامي يقتل شعبه ليل نهار، مات غرقاً وهو يستقل مركبا غير مرخص في هجرة غير شرعية نحو أوروبا وغيرها من دول العالم.
في سورية الأسد، بات المواطن يشاهد يومياً كيف أن محتلين أجانب يسرقون قوته وطعامه ومستقبله وثروة بلاده وأولاده وأحفاده، وكيف يمنح النظام الحاكم صفقات بمليارات الدولارات للمحتل الإيراني والروسي مقابل الدفاع عنه والحيلولة دون سقوط نظامه، وكيف يحصد هؤلاء المحتلون من حزب الله وغيره من الميلشيات ما تبقى من نقد أجنبي وأموال في البلاد.
في سورية الأسد يتغاضى النظام عن سرقة ونهب تنظيم “داعش” الإرهابي والأميركان وغيرهم لثروة البلاد من النفط والغاز الطبيعي والمعادن، لكنه يبيد آلاف الشباب ويقتلهم في حال الخروج للشارع للمطالبة بحقوقهم في ثروة بلادهم، والتمتع بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والتوزيع العادل للثروة.
في سورية الأسد، بات المواطن خائفا من كل شيء، وعلى أي شيء، خائفا على بلاده ومستقبلها، على مستقبله وأمنه الشخصي الغامض وسط صمت دولي وعربي متواصل على جرائم الأسد التي تفوق جرائم النازية، خائفا من انهيار اقتصادي واقع لا محالة ولا تخطئه عين محايد، على فساد مستشر في كل ركن من أركان الدولة العربية العريقة، حانقا على رموز النظام ووزراء ومسؤولين يتسابقون على سرقة قوت الشعب وثروته وتهريبه إلى الخارج.
ورغم مرور عقد على الثورة السورية، لا يزال المواطن يسأل: أي مستقبل لسورية، ونظام بشار يواصل إبادة شعب بأكمله طول 10 سنوات كاملة.
أي مستقبل لسورية والنظام لا يزال يصر على تهجير ما تبقى من الشعب، ولم يكفه قتل أكثر من 400 ألف مواطن حسب منظمة هيومن رايتس ووتش، وأكثر من 130 ألف معتقل، وتهجير الملايين إلى كل دول العالم؟
أي مستقبل لسورية والدولة تقترب من الإفلاس الاقتصادي والمالي في ظل نفاد احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي، واستمرار تهاوي العملة، وعدم توافر سيولة لتمويل واردات البلاد من القمح والأغذية والأرز والوقود وغيرها من السلع الضرورية؟
أي مستقبل لبلد رهن نظامها الحاكم مستقبلها المالي والاقتصادي، بل والسياسي، لمحتلين أجانب همهم الأول هو السطو على ثروة البلاد؟
أي مستقبل لبلد كانت ديونه الخارجية صفرا، وصادراته تفوق وارداته، ويكتفي ذاتيا من الأغذية خاصة القمح، أما الآن فقد بات غارقا في الديون وأزمات نقص السيولة والسلع الرئيسية وغلاء المعيشة؟
أي مستقبل لبلد يشهد أعلى معدلات التضخم في العالم حيث تجاوزت نسبة زيادة الأسعار 2100% خلال السنوات العشر الأخيرة، وبات ملايين الأسر غير قادرين على توفير وجبة غذاء واحدة لذويهم، فماذا عن وجبات اليوم التالي، وماذا عن المستقبل أيضاً؟
في سورية المأزومة لا يخشى نظام بشار من العقوبات الاقتصادية الغربية، أو قانون “قيصر” الأميركي وغيرها من العقوبات التي حاصرت الاقتصاد السوري وساهمت في تجويع الملايين، لأنه لا تعنيه مشاكل المواطن أصلاً طالما أن قصوره مليئة بالأموال والسلع المستوردة، وأرصدته المالية محفوظة في البنوك الغربية.
في سورية الأسد يتغاضى النظام عن دك قوات الاحتلال الإسرائيلي وغيرها من القوات الأجنبية لمواقع استراتيجية وعسكرية، ولا يتغاضى عن قيام شاب خرج للمطالبة بفرصة عمل وحياة كريمة أو برغيف خبز نظيف وبسعر مناسب للأسعار تناسب دخله أو دخل ذويه.
نظام بشار لا يهمه تهاوي قيمة العملة المحلية، ولا تعنيه قفزة سعر الدولار من 45 ليرة في العام 2010 إلى 3750 ليرة في الوقت الحالي، ولا تعنيه الأزمات المعيشية طالما أن المدافع والطائرات والصواريخ على أهبة الاستعداد، والمعتقلات والسجون مفتوحة، المهم أن يبقى النظام ويواصل حكمه وجبروته حتى ولو كان يحكم جماجم وهياكل بشرية وشعبا فقيرا معدما وشبابا عاطلا ومحطما اقتصاديا ومعنويا.
لا يهم كل ذلك، المهم أن يظل آل الأسد، الذين حولوا سورية إلى ساحة حرب مفتوحة منذ أكثر من عقد، في هرم السلطة للأبد حتى لو حكموا مساحة 10% فقط من أراضي الدولة السورية.
العربي الجديد
————————–
عقيدة “اليهودي” التي آمن بها الأسد/ إياد الجعفري
قد يتهمنا البعض بأننا اعتمدنا عنواناً يستدعي مشاعر عدائية “غرائزية” في أوساط مجتمعاتنا. وقد يكونون محقين جزئياً في ذلك، فـ “اليهودي المولد” الذي نتحدث عنه، اعتنق “اللاأدرية” في سنوات نضجه. لكن، في المقابل، فإن الاستعارات الغيبية المسجلة في تعليقات أنصار مدرسته الاقتصادية الشهيرة، تستدعي إلى الذاكرة نظرية “الشعب المختار”، المتجذرة في “الآيديولوجية اليهودية”، الأمر الذي يجعل وصمه بـ “اليهودي”، أمراً فيه جانب من الموضوعية.
وإن كنا لا نعلم على وجه التحديد، إن كان رأس النظام السوري، بشار الأسد، يعرف أفكار منظّر “مدرسة شيكاغو”، الراحل ميلتون فريدمان، إلا أننا واثقون من أن الأول يعتنق، وبحماسة، عقيدة فريدمان، الذي وصفته مجلة “التايم” عام 1969 بـ “العفريت” أو “الآفة”. فـ ميلتون، يُعتبر مؤسس النيوليبرالية المتوحشة، وهو الأب الروحي لدعوات رفع الدعم وتحرير العملة. تلك ذاتها، التي “آمن” بها الأسد، وظهر ذلك جلياً في السياسات الاقتصادية المُطبقة في عقده الأول من الحكم بسوريا، قبل أن يكشر أنيابه عن “وحشية” غير مسبوقة، في سياسات حكومته الاقتصادية المُعتمدة، منذ أن بدأت كفّة الصراع المسلح تميل لصالحه، قبل خمس سنوات.
ولن نُفاجأ إن اكتشفنا، بطريقة ما، أن بشار الأسد يظن أنه “مُختار” أو يحظى برعاية “إلهية” ما. فهي طريقة تفكير مشتركة لدى معظم المؤمنين بأفكار “فريدمان”. حتى لو لم يكونوا يدركون ذلك. ففي عام 2005، وبعيد إعصار كاترينا الكارثي، الذي ضرب مدينة نيو أورلينز الأمريكية، بشدة، ولقي 1500 شخص حتفهم جراءه، ودُمرت مئات المنازل، وقُدّرت الخسائر بحوالي 100 مليار دولار أمريكي، قال عضو جمهوري في الكونغرس من أبناء المدينة، وهو كان أحد المحسوبين على “لوبي شركات”: “ها قد حللنا مشكلة الإسكان الشعبي في نيو أورلينز. لم نستطع أن نفعل ذلك نحن. لكن الله استطاع”. وفي سريلانكا، بجنوب شرق آسيا، وبعيد تسونامي 2004، باعت الحكومة الخط الساحلي كله، وحولته لمنتجعات فاخرة ومنعت آلاف الأشخاص الذين كانوا يعتاشون على صيد السمك من إعادة بناء قراهم، أو الاقتراب من الشاطئ. ويومها، أعلنت الحكومة السريلانكية: “من خلال ضربة عنيفة للقدر، قدمت الطبيعة لسريلانكا فرصة فريدة. سيُولد من رحم المأساة، مقصد سياحي عالمي”.
وعلى المنوال نفسه، نسج أتباع مدرسة “ميلتون فريدمان”، تجارب مماثلة، ترتكز على استغلال الكوارث الطبيعية أو الحروب، لإنجاز تحولات اقتصادية “نيوليبرالية”، ما كان يمكن للشعوب المستهدفة أن تقبل بها، في ظروف مختلفة. إنها “عقيدة الصدمة”، التي تحدثت عنها بتميّز، الصحافية الكندية الشهيرة، نعومي كلاين، عام 2007. تلك العقيدة التي تستنسخ “مستوطنات القدس الجديدة” وتقوم على محو ما بقي من المجموعات السكنية والمجتمعات المتجذرة، والإسراع باستبدالها، قبل أن يتمكن ضحايا الكوارث والحروب من استيعاب الصدمة، والتحرك للمطالبة بما كان ملكاً لهم، سابقاً.
تلك العقيدة بالذات، تُطبق بتسارع كبير في سوريا، اليوم. وما بدأ بمشاريع من قبيل “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي”، القائمة على استبدال سكان الحواضن المناوئة، وطردهم، وسلب أملاكهم، لصالح متمولين موالين للنظام، لن يتوقف عند هدم مقهى الحجاز التاريخي، الذي قالت سلطات النظام، إنه لا يتمتع بـ “هوية تراثية” أو “تبعية تاريخية”، متجاهلةً المكانة التي يحظى بها في الذاكرة الشعبية لسكان دمشق وزوارها، على مدار سبعة عقود من تاريخنا الحديث.
فالنظام الذي حوّل “الدعم” الخاص للمواد الأساسية، إلى بطاقات تُوصف ظلماً بـ “الذكية”، تستثمرها شركة تعود ملكيتها لأسماء الأسد، هو ذاته الذي أصدر القانون رقم “10” سيء الصيت، الذي يحدد شروطاً تعجيزية لإثبات ملكية المُهجّرين، بهدف سلب ممتلكاتهم.
ويخطئ من يظن، أن بشار الأسد “آمن” بـ “عقيدة ميلتون فريدمان”، مؤخراً، بعيد سنوات الثورة ضده، فحكومة الأسد باشرت منذ العام 2007، باعتماد سياسات “نيوليبرالية”، منها، المشروع الذي أثار الكثير من الجدل، في حينها، والذي استهدف هدم أبنية قديمة واقعة خارج السور الروماني للعاصمة دمشق من أجل شق طريق عريض وإقامة أبنية تجارية حديثة، ضمن استثمارات لحفنة من رجال الأعمال المؤتلفين حينها، تحت قيادة “رامي مخلوف”، حين كان الأخير وكيل أعمال “آل الأسد”.
وكان المشروع في ذلك التاريخ، يستهدف إزالة “سوق ساروجة” الشهير، وكذلك سوق “النحاسين”، وأحياء ومعالم أخرى، ضمن المنطقة ذاتها، بذريعة أنها “عتيقة” وليست أثرية، وهو ما تطلب توجيه رسالة من “اليونسكو” تحذّر من هذه الإجراءات، وأثرها السلبي على المدينة القديمة وقيمتها التراثية. وتوقفت عجلة ذلك المشروع بعد سنتين تقريباً، جراء الضجة التي أُثيرت حوله، كما توقفت عجلة سياسات “عبد الله الدردري”، نائب رئيس الوزراء الأسبق، القائمة على استراتيجيات “التحرر الاقتصادي” بطريقة “الصدمة”، والتي كانت من الأسباب العميقة للثورة السورية عام 2011.
وهكذا، كان الأمر يتطلب “صدمة” من قبيل إلقاء البراميل المتفجرة على رؤوس الأهالي، واستهدافهم بالكيماوي، وسط صمت وتواطؤ إقليمي ودولي، كي تُستأنف عجلة مشاريع كهذه من جديد. فـ “رامي مخلوف” استُبدل بـ “أسماء الأسد”، وما كان الأول عاجزاً عن تمريره قبل أكثر من عقدٍ، نظراً لحاجة رأس النظام لحد أدنى من “الشرعية الشعبية”، تريد “أسماء” اليوم تمريره بوتيرة متسارعة. فهي وزوجها، لم تعد تعنيهم أية “شرعية”، بعد أن اختبروا الذهاب إلى حدود قصوى من اعتماد “شرعية” السلاح والقسر، و”الصدمة”. ومن الأخيرة بالتحديد، يستمد نظام الأسد، اليوم، شرعيته. ببصمات فكرية جليّة من “يهودي” راحل.
المدن
——————————–
سوريا.. حلول “الرئيس” الناجعة/ بهاء العوام
معالجة الجوع في المجتمع تبدأ بوقف القنوات التلفزيونية بث برامج الطهي عبر شاشاتها. هذه ليست نكتة تتناقلها منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما رأي “رئيس” سوريا، وإحدى وصاياه لحفنة من الإعلاميين نالوا “شرف” لقائه مؤخرا. فبشار الأسد يظن أن وقف بث البرامج التي تعرض لأكلات لا يحتمل شعبه كلفتها، هو السبيل لتجاوز مشكلة الفقر المدقع الذي يغرق فيه غالبية من يعيشون في الداخل.
تحار في “ذكاء” هذا “الرئيس” ومقارباته الدونكشوتية للأزمات. هذا “الذكاء” يفسر بسهولة الكوارث المتلاحقة التي تعيشها سوريا منذ أن ابتليت به رئيساً، ولكن المشكلة أن الدول المعنية بالأزمة بعضها لا يريد أن يرى هذا “التميز” للأسد، والبعض الآخر مستمتع به لما يجلبه لهم من فائدة ومنفعة. فليس أفضل للمحتل الإيراني والروسي مثلاً، من قيادة سياسية “متقدة” الفكر كرأس السلطة في دمشق وبطانته الانتهازية.
بلغة الأرقام تقول الأمم المتحدة إن حوالي ستين في المئة من السوريين، أي ما يزيد على اثني عشر مليون شخص، لا يحصلون بانتظام على ما يكفي من الغذاء. هذا الواقع دفع بالملايين إلى بيع أصولهم وماشيتهم ليأكلوا ويطعموا أطفالهم أقل من الحد الأدنى، كما أصبحوا يرسلون أولادهم للعمل بدلا من المدرسة. فبات أكثر من نصف مليون طفل دون الخامسة يعانون من التقزم نتيجة سوء التغذية المزمن، وفي الشمال الغربي والشمال الشرقي، تظهر بيانات مراقبة التغذية أن واحداً من كل ثلاثة أطفال في بعض المناطق يعاني من التقزم، وتأثير ذلك على تطورهم وتعليمهم سيكون مدى الحياة.
على ذمة طبيب سوري تحدث لوكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة مارك لوكوك، فإنه من بين 80 سريرا للمرضى، يشغل نصفها أطفال يعانون من سوء التغذية. وقد لقي خمسة أطفال حتفهم في مستشفاه نتيجة لسوء التغذية في الشهرين الماضيين. كما أخبرته طبيبة أطفال أخرى أنها تشخص سوء التغذية لحوالي 20 طفلا يوميا، لكن الأهالي لا يدركون ذلك ويجلبون أطفالهم إليها لأسباب مختلفة.
أمام هذه الأرقام والمعطيات يعتقد “الرئيس” أن وقف برامج الطهي هو الحل الأنجع للجوع والفقر في سوريا. لا تخطر له أن يتعاون مع المجتمع الدولي في حلحلة أزمة بلاده سياسيا واقتصاديا، ولا يفكر بحلول تخفف من تأثير العقوبات الاقتصادية الأميركية التي يعانيها الشعب بسبب وجوده على رأس السلطة، والمستحيل طبعا أن يخطر له الاستقالة ومغادرة البلاد كي يحمي أجيالا من الموت والتشوه والجوع والفقر.
هو ذات “الرئيس” الذي قال إن الأزمة الاقتصادية في بلاده وقعت بسبب أموال السوريين المخبأة في بنوك لبنان. لا تعرف إن كان جهله أو غروره هو ما يجعله عاجزا عن رؤية الأسباب الحقيقية للكارثة، أو ربما يعتقد فعلاً أن السوريين صدقوا كذبة المؤامرة الكونية على البلاد، وهم يرجعون كل مصائبهم لها. لمَ لا وهو لا يلتقي من الشعب إلا بالانتهازيين والمتملقين الذين يطمعون بمنصب أو حفنة من الدولارات.
ولأن “البطريرك” لا يمكن الوصول إليه خلف أسوار قصوره التي لا ينقطع عنها الماء ولا الكهرباء والغذاء، ولا يضطر فيها إلى إرسال أولاده للعمل بدل الدراسة، لم يجد السوريون أمامهم سوى منصات التواصل الاجتماعي ليشكوا إليه ضيق حالهم وتردي أوضاعهم. حتى هؤلاء الذين كانوا يظنونه “بطلاً” و“منقذاً” للأمة، انفجروا برداً وجوعاً وغضباً في وجهه، وراحوا يملأون الدنيا صراخا ونحيبا واستغاثة.
فنان مؤيد لـ”الرئيس” مثل بشار إسماعيل ينشد الموت وجهنم هربا من واقع أسوأ بكثير يعيشه اليوم في عهد الأسد. وفنانة مؤيدة مثل منى واصف ترثي حالها وحال من حولها في البرد والجوع، بنبرة تحذر فيها “الرئيس” من انفجار الناس نتيجة لسوء الأوضاع المعيشية في البلاد. فمن يبيع أبناءه ويأكل من القمامة لن يجد صعوبة في ارتكاب الجرائم، أو الثورة على النظام، أو الانضمام لفصيل مسلح يعارض الأسد.
لا حياة لمن تنادي، وكل الشكاوى والأصوات التي ترتفع لتطالب “الرئيس” بالحل ستنتهي إلى سلة القمامة، أولا لأنه لا يهتم ولا يكترث لحال الشعب، وثانيا لأنه لم ولن يصل يوما إلى حلول ناجعة للأزمة الممتدة في البلاد منذ عشر سنوات، فكيف يعالج مشكلة هو الأصل فيها، ووجوده يعني استمرارها واستحالة الخلاص منها.
قبل عقد من الزمن اختار “الرئيس” أن يعاقب سوريا بأكملها لأن أطفالا من محافظة درعا كتبوا على جدران مدينتهم أن “الأسد يجب أن يرحل”. فضّل موت الشعب بأكمله على رحيله. اختار تشريد الملايين وقتل مئات الآلاف واعتقال أكثر منهم، على الاستقالة والتخلي عن الكرسي. قرر أن يبقى رئيسا على رجال ونساء يسفون التراب كل يوم بسببه، وأطفال أصابهم القزم، وعبث بهم وبمستقبلهم الجوع والفقر.
هذا “الأسد” يرشح نفسه اليوم لولاية رئاسية جديدة تمتد على سبع سنوات قادمة. جل ما يمكنه فعله هو عقد لقاءات مع إعلاميين مطبلين يبحثون عن المال والنفوذ على جثث الأيتام والجوعى والفقراء. وعندما يحين موعد الانتخابات “الاستفتاء” منتصف مايو المقبل، ستتكفل أجهزته الأمنية والعسكرية بإجبار الناس على التصويت له، أو بإحصاء أصواتهم دون حتى أن يغادروا منازلهم أو مواقع عملهم في ذلك اليوم.
ما يراهن عليه “الرئيس” هو صمت المحتلين الخمسة لسوريا عن ولايته الجديدة، وهو لم ولن يبخل في منحهم البلاد قطعة تلو الأخرى مقابل ذلك. هذا ما يبرع به “الأسود” منذ بداية عهدهم في سبعينات القرن الماضي. الأب وضع الوصفة السحرية للسلطة والابن يثابر عليها، فحوى الأمر باختصار: امنح الخارج ما يريدون من خيرات البلاد، واسلب الداخل كل ما لديهم بحجة الأمن القومي. يتمسك “الرئيس” الابن بهذه الطريقة ظنا منه أنها تناسب كل زمان ومكان، وهذه علامة فارقة أخرى من علامات “ذكائه”، الذي أشار عليه بوقف برامج الطهي كي ينقذ الناس من الجوع والفقر والموت.
العرب
——————————–
مشاهد من حملة انتخاب الأسد كـ“شيخ عشيرة سورية“/ ريان محمد
بدأ رئيس النظام السوري بشار الأسد باكراً في التحضير لما يسمى “الاستحقاق الرئاسي”، دافعاً بـ”الكومبارس” للخروج بمشاهد تحاول الإيحاء بأنّ الشعب السوري يطالبه بالترشح لفترة رئاسية ثالثة، وذلك في الوقت الذي يعمل فيه النظام لتمرير الانتخابات الرئاسية المقررة في مايو/ أيار المقبل، في ظلّ تعطيله للحل السياسي للأزمة السورية. وبدأت أول مشاهد المسرحية باجتماع عقده عدد من شيوخ العشائر الموالين للنظام في مدينة حماة، في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حيث غصّت كلماتهم بالمديح والثناء على الأسد، مطلقين عليه لقب “شيخ عشيرة سورية”، ليضاف إلى الألقاب غير المتناهية التي يطلقها النظام عليه، كما أُطلقت على والده حافظ الأسد، كلقب “المعلم الأول” و”المحامي الأول” و”المقاوم” وغيرها. وأعلن هؤلاء الشيوخ تأييدهم بالإجماع إعادة انتخاب بشار الأسد لفترة رئاسية ثالثة، وكان أبرزهم شيخ عشيرة الحسنة والأمين العام لحزب “الشعب” نواف طراد الملحم، المعروف بولائه الشديد للنظام. إذ قام الملحم بالعديد من الزيارات لمرجعيات العشائر والطوائف والأديان غير المشاركة في اللقاء، للحصول على تأييدهم للأسد.
من جهتها، قامت مليشيا “الدفاع الوطني” التابعة للنظام، وأشباهها، برفع صور الأسد الممهورة بعبارات التأييد والمبايعة، في حين أُعلن في منتصف شهر ديسمبر الماضي، عن عزم بعض الموالين للنظام على إطلاق ما سمّوه “أطول رسالة حب ووفاء في العالم إلى رجل السلام الأول السيد الرئيس بشار الأسد”، على أن تجوب تلك الرسالة التي يبلغ طولها ألفي متر المناطق، بهدف جمع 2.5 مليون توقيع من قبل السوريين، ومن ثمّ تقديمها إلى الأسد في القصر الرئاسي بدمشق.
بدورها، تصدّرت “رابطة خريجي العلوم السياسية” مشهداً آخر من مشاهد المسرحية، عبر إقامتها سلسلة من الندوات للتسويق لوجود “مطالبة من قبل الشعب السوري للأسد بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة”، وذلك في مختلف مناطق سيطرة النظام تحت عنوان “الأسد خيارنا”. وأقامت هذه الندوات مجموعة من الموالين للأسد، منهم اللواء حسن حسن وخالد المطرود، وهو مدير موقع إعلامي محلي وأحد محللي النظام دائمي الحضور في الإعلام الرسمي، وحيان سلمان، الذي شغل العديد من المناصب الرسمية ويقدم نفسه على أنه محلل وخبير اقتصادي، ومحمد خير عكام، وهو عضو مجلس شعب وأحد المحللين والضيوف الدائمين على وسائل إعلام النظام والقريبة منه، إضافة إلى هاني بركات، رئيس “رابطة خريجي العلوم السياسية” وأحد المسوّقين للأسد.
وقدم هذا الفريق المشهد ذاته في جميع المناطق التي أقام فيها ندوات الترويج للأسد، من دير الزور إلى القنيطرة. إذ يستهل الندوة بعرض فيلم ترويجي عن الأسد يستعرض زياراته إلى المناطق التي سيطر عليها النظام عقب تدميرها بشكل شبه كامل، تحت عنوان “محاربته الإرهاب”، فضلاً عن تسويقه أنّ الوضع الاقتصادي في فترة حكم الأسد الابن منذ عام 2000 إلى عام 2010، أي قبل انطلاق الثورة السورية المطالبة بالحرية والكرامة وإنهاء الاستبداد في مارس/ آذار عام 2011، كان جيداً وتنموياً.
ووصل الأمر بالنظام حتى إلى استغلال الأطفال في مسرحيته الانتخابية، فعقد جلسة لما يسمى “برلمان الطفل” التابع لمنظمة “طلائع البعث”، إحدى منظمات حزب “البعث العربي الاشتراكي” الحاكم، والتي تنظم الأطفال من عمر 6 سنوات إلى عمر 12 سنة، لينتقلوا بعدها إلى منظمة “اتحاد شبيبة الثورة” في عمر 13 سنة، إلى جانب تنظيمهم بالحزب بالعمر ذاته. وعقدت جلسة “برلمان الطفل” في مبنى محافظة دمشق، تحت شعار “أملنا بشار… لنكمل المشوار”، مع أن المشاركين أطفال لا يحق لهم الانتخاب.
ويعتقد النظام أنّ السوريين بلا ذاكرة، بحسب الناشط شكري ف. (57 عاماً)، من دمشق، والذي فضّل عدم ذكر كنيته لأسباب أمنية، متسائلاً في حديث مع “العربي الجديد”: “أي إرهاب يتحدث عنه النظام؟ وهو الذي قصف أمام أعيننا المناطق السكنية في الغوطتين (الشرقية والغربية)، وأطراف دمشق وغيرها من مناطق سورية، ونهبت قواته ومليشياته أرزاق السوريين وأملاكهم. هذا عدا عن الاعتقالات اليومية، حتى أصبحنا نخشى السير في شوارع دمشق، فقد يعتقل الشخص بلا سبب، فقط ليتم ابتزازه وابتزاز عائلته، وإن مات في السجن لا يكلف النظام نفسه سوى بالاتصال بعائلته بعد سنوات من اعتقاله، ليخبرهم بأنه فارق الحياة من دون أن يسلمهم حتى الجثمان، إذ غالباً ما يفقد المعتقل حياته بسبب التعذيب، وواقع المعتقلات غير المراعي لأدنى الشروط الصحية”.
وأضاف الناشط نفسه: “لم يكتفِ النظام بتدمير البلاد، بل باعها أيضاً للإيرانيين والروس، من الميناء إلى الغاز إلى مسألة إعمار بعض المناطق السكنية، إلى العديد من المعامل، مثل معمل الفوسفات، وأغرقنا بالديون بعدما أنفق كل مدخرات البلاد ودخلها الوطني على حربه الهادفة للحفاظ على الكرسي، في حين تحوّل أكثر من نصف الشعب السوري إلى لاجئ ونازح”.
من جانبه، رأى معارض سوري في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “النظام يحاول خداع العالم عبر إقامة هذه النشاطات ليتذرع بها، ويقول إنّ الأسد هو خيار الشعب السوري الوحيد، ليقوم رئيس النظام في النهاية، بمكرمة منه، بالاستجابة لمطالبات الجماهير، ويرشّح نفسه لدورة رئاسية جديدة، في حين أنه وأجهزته الأمنية يعملون على إخراج هذه المسرحية الهزيلة، التي لا يصدقها حتى الناس البسطاء، وهذا تسمعه منهم في الشارع”. وأشار الناشط نفسه إلى أنّ “النظام يعمل على تعطيل عمل اللجنة الدستورية، المناط بها وضع دستور جديد للبلاد كجزء من الحل السياسي المقرر من قبل الأمم المتحدة، ليضمن فترة رئاسية جديدة، ويدخل إلى أي عملية تفاوضية لاحقة ومعه ورقة الرئاسة”.
ولفت إلى أنّ “النظام منذ تسلمه السلطة عبر الأسد الأب في سبعينيات القرن الماضي، ثمّ انتقالها إلى الأسد الابن قبل 20 عاماً، وفي مشهد يثير تندر السوريين إلى اليوم، لم يجرِ أي انتخابات حرة ونزيهة، فدائماً ما كان يجبر الموظفين والطلاب والعسكريين وحتى بعض الأموات على الاستفتاء على إعادة انتخاب رأسيه (الأسد الأب والأسد الابن) والتصويت بنعم، ومنهم من كانوا يجبرون على الاستفتاء بنعم بالدم. حتى أنّ الأسد الابن قام في عام 2014، بإجراء مسرحية، وقدم شخصين على أنهما مرشحان للرئاسة، أحدهما يدعى حسان النوري، انتخب هو نفسه الأسد، وكان يمتدحه في جميع مقابلاته، فكافأه الأخير ووضعه وزيراً للتنمية في حكومته، بعد إعادة انتخابه. وعلى الأغلب سيعيد النظام اليوم المسرحية ذاتها، في حين ستكون أجهزته الأمنية وأعضاء حزب البعث، هم القائمون على صناديق الاقتراع وفرز الأصوات وإصدار النتائج، ما يعني إصدار النتائج التي يريدونها، في ظلّ غياب الحل السياسي ووجود جهات رقابية مستقلة”.
العربي الجديد
———————
سوريا كمعرض أسلحة روسية/ هشام حاج محمد
نشرت وزارة الدفاع الروسية بتاريخ 25 شباط (فبراير) 2021، لقطات ومقطع فيديو يتضمن إطلاق صواريخ إسكندر-ك في سوريا. جاء ذلك رداً على مزاعم أرمينية جاءت على لسان رئيس الوزراء الأرميني الحالي نيكول باشنيان، بتاريخ 23 شباط 2021، والذي قال إن السلاح الروسي لم يساعد جيشه في حرب كاراباخ الأخيرة، وإن صواريخ إسكندر لم تكن فعالة ولم تنفجر، أو انفجرت بنسبة 10% فقط. تصريحات باشنيان بدورها جاءت في سياق تبريره خسارة جيش بلاده حرب كاراباخ 2020 في مواجهة الجيش الأذربيجاني، ورداً على سؤال صحفي طلب منه تعليقاً على تصريح رئيس الوزراء الأرميني السابق سيرج سركسيان، والذي قال إن الجانب الأرميني كان بإمكانه استخدام صواريخ إسكندر-إي التي يمتلكها منذ الأيام الأولى لبدء المعركة.
الفيديو الذي نشرته وزارة الدفاع الروسية كان مرفقاً بتأكيدٍ مفادُه أن أرمينيا لم تستعمل هذه الصواريخ إطلاقاً، وأنها ما زالت محفوظة في مخازنها، وأن هذه الفئة من الصواريخ استُخدِمت بنجاح في سوريا، وأنها الأفضل في فئتها، الأمر الذي يعترف به الجميع بحسب التأكيد.
خدمة توصيل الصواريخ في حميميم
أظهر الفيديو لقطات إطلاق الصواريخ من قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية، التي تتخذها قوات الاحتلال الروسي قاعدة رئيسية لعملياتها في سوريا، وذلك باتجاه هدفين أحدهما المشفى الوطني في شمال حلب في مدينة إعزاز، والآخر مبنى في مدينة الطبقة في محافظة الرقة على بعد حوالي 1 كم فقط من سد الفرات.
القصف الذي طال المشفى الوطني في إعزاز يعود لتاريخ 15 شباط 2016، وكانت وسائل الإعلام المحلية قد أبلغت عنه على أنه استهداف بصاروخ باليستي دون تحديد نوعه ولا من أطلقه. إلا أن الدقة غير المعهودة في القصف الصاروخي، والقصف الجوي الروسي على إعزاز في الأيام التي سبقت وتلت الاستهداف الصاروخي للمشفى، رَجَّحَا على الفور أن تكون روسيا هي من تقف وراء الاستهداف. كان الصاروخ واحداً من سبعة صواريخ روسية استهدفت مدينة إعزاز حسبما نقلته وكالة رويترز عن مسؤول أمني تركي، أحدها سقط بجانب مشفى آخر هو مشفى التوليد النسائي التابع لجمعية «لأجل سوريا حرة» الإغاثية.
في اليوم التالي للقصف الصاروخي والتصريح الأمني التركي عن مسؤولية روسيا، نفت وزارة الدفاع الروسية مسؤوليتها، وقالت إن مصدر الهجوم من غازي عينتاب في تركيا، لكن محتوى الفيديو الذي نشرته وزارة الدفاع مؤخراً لتأكيد فعالية صاروخها المكسور الخاطر يوضّح بشكل لا لبس فيه أنها هي المسؤولة.
يُظهر الفيديو المنشور لقطات لعملية إطلاق الصواريخ، وأخرى لإصابة الأهداف. تصوير العملية في مرحلتَي الإطلاق والإصابة يرجّح الأغراض دعائية وراءه، حيث سيُستخدم كمادة تسويقية غالباً من قبل لجان مبيعات السلاح التابعة لوزارة الدفاع الروسية. لم تكتفِ الدفاع الروسية بالقول إن الصواريخ لم تُستعمل في حرب كاراباخ، وبالتالي فإن مزاعم باشنيان لا أصل لها، بل نشرت فيديو قصف هدف مدني لتأكيد فعالية سلاحها وإبعاد كل الشبهات عنه.
بالنسبة للأسلحة الروسية الجديدة، فإن استخدامها لأول مرة يحتاج إلى مراجعات ميدانية لتعديل الأسلحة وتلافي أخطاءها. لكن عدا الدعاية التسويقية، ما الذي يستدعي تصوير استخدام سلاح قديم ومُجرَّب ولا يحتاج لمعايرة؟ والأهم، ما الذي يستدعي، عملياتياً، استخدام صاروخ كروز لاستهداف ما يمكن الوصول إليه وتدميره بالطائرات – هي التي تعمل في السماء السورية بكل سلاسة، ولا تواجه أي تحدٍّ حقيقي، الأمر الذي يوفر في الكلفة ويزيد في دقة الإصابة؟
سوريا كحقل استعراض وتجارب مناخية
استخدام سوريا كحقل لتجريب الأسلحة الروسية أمر لم يتم إخفاؤه ولا تجميله، بل صرَّح به من هو على رأس هرم السلطة في روسيا، فلاديمير بوتين، والذي أشاد بالحملة العسكرية الروسية في سوريا في أكثر من مناسبة، ووصفها بأنها فرصة لا تُقدَّر بثمن لتطوير القدرات القتالية للجيش الروسي واختبار أسلحة جديدة. كما أكد مسؤولون روس أن موسكو اختبرت مختلف أصناف الأسلحة الجديدة في سوريا، وأن هذه الاختبارات، التي وفّرتها «معركة حقيقية»، قد أكسبتهم خبرة وأثبتت فعالية السلاح الروسي.
من الأسلحة التي جربتها روسيا في سوريا مقاتلات السوخوي سو-35 وسو-57، والقاذفة تي يو-160، بالإضافة إلى القنابل الذكية وأنظمة قتال بري وأنظمة دفاع جوي وطائرات بدون طيار ومركبات إزالة ألغام. وإلى جانب استخدام صواريخ إسكندر من قاعدة حميميم داخل سوريا، استخدمت روسيا أيضا صواريخ كروز من نوع كاليبير من قطعها البحرية في بحر قزوين ضد أهداف داخل سوريا، قاطعةً مسافة 1500 كم. ورغم تكلفتها العالية، إلا أن هدف استخدامها كان إظهار امتلاك جيل جديد من الأسلحة الرادعة، على أساس أن روسيا التي بعثت الحياة في قدراتها السياسية والدبلوماسية، أعادت أيضاً بعث مهاراتها العسكرية وعلى مستوى غير مسبوق.
من الأسلحة التي استخدمتها روسيا أيضاً في سوريا القنابل الحرارية، وكان أول استخدام لها في ريف حلب في 21 حزيران (يونيو) 2016، على مناطق قريبة من مدينتي عندان وحريتان. وميض القنبلة الهائل – ربما هذه هي الشمس التي تشرق من موسكو كما وعدنا معاذ الخطيب – استرعى اهتماماً عالمياً، وبعد تفحص الخبراء أكدوا أنها قنبلة حرارية، وهي من النوع الأقوى انفجاراً بعد القنابل النووية، وإن كان بدون تداعيات إشعاعية.
ما أكد عليه العسكريون الروس أيضاً في تصريحاتهم عن العمليات العسكرية الروسية في سوريا، هو أنها تجري في أجواء بيئة مناخية مختلفة وجديدة على القوات الروسية لا تشبه ما اعتادوا عليه، وأن روسيا تفتقر إلى الخبرة في تصميم أسلحة لهذه المناخات. إعداد القوات الروسية للقتال في مناخ صحراوي وشبه صحراوي، وخاصة للطيارين والأطقم الفنية للقوات الجوية، هو هدف روسي طَموح يتجاوز سوريا، ويتعداها إلى الدول الأفريقية التي أظهرت اهتماماً بها مؤخراً.
قد يُقال إن نشر الفيديو تصرّف غبي قام به مُهمِلون في الدفاع الروسية، لأنه اعتراف بما دأبت موسكو على نفيه طيلة سنوات عدوانها على المدن السورية. لكن هناك ما يوحي أنه ليس تصرفاً غبياً، بل على العكس تماماً، هو تصرّف مقصود وذو أغراض تسويقية أيضاً. لكن ما الذي يتم تسويقه هنا؟ ولمن؟
تدرك روسيا أن أحداً لا يستطيع محاسبتها. اللامبالاة الروسية نفسها هي ما يتم تسويقه، وتحديداً للدول التي تواجه مشاكل مع الرقابة المفروضة من قبل مورّدي السلاح الغربيين. ما يتم تسويقه هو سلاح يمكن استخدامه ضد أهداف مدنية، مع صفر مخاوف من رقابة البلد المصنِّع على كيفية استخدامه.
هيبة عسكرية مافيوزية
تعدّ صادرات الأسلحة من أهم الأعمال التجارية الروسية، وكل ما يتعلق بالأسلحة الروسية هو مسألة ذات صلة بالهيبة. لكن هناك ما يسترعي الانتباه في هذا الطراز من الصواريخ الروسية بالذات، وهو ردة الفعل الروسية السريعة على مزاعم عدم فعاليتها، وتَعاطي بعض وسائل الإعلام الروسية مع الأمر بحساسية أكبر بكثير من تلك التي أثارها فشل منظومات الدفاع الجوي الروسي، أو هجمات المسيَّرات التركية في سوريا وليبيا وحتى كاراباخ. وقد تبدّت هذه الحساسية البالغة في تصريحات مختلف المسؤولين الروس، منهم نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما فيكتور زافارزين، الذي وصف تصريح باشنيان بأنه «كذبة مطلقة»، بالإضافة لعناوين بعض الصحف الرسمية الروسية مثل «لا تسخر من إسكندرنا، سيد باشنيان» في صحيفة برافدا.
اللافت أيضاً ما قامت به وزارة الدفاع الروسي من تزوير متعمد، فقد استخدمت طرازاً مختلفاً من الصواريخ لنفي مزاعم باشنيان، فالتي تمتلكها أرمينيا من فئة إي، وهي صواريخ بالستية معدّة للتصدير، أما الذي يظهر في الفيديو فهو من طراز ك، وهي صواريخ كروز مخصصة للجيش الروسي. الباليستي ذو مسار إطلاق ثابت محدَّد مسبقاً، أما كروز فيمكن التحكم بمساره بعد إطلاقه وهو ما يمنحه دقة أعلى في الإصابة.
ربما لو عدنا الى تاريخ هذا الطراز لعرفنا أنه خليفة الصاروخ الروسي الشهير أوكا، الذي تخلّى عنه الاتحاد السوفييتي بعد معاهدة نزع أسلحة مع الولايات المتحدة عام 1987. قد ينكأ فشل هذا الصاروخ جرحاً روسياً قديماً، ويرسم خطاً مستقيماً يربط روسيا اليوم بماضٍ متهالك لا تريد الالتفات إليه.
الأسلحة الجديدة التي يتم تجريبها في سوريا ليست بالضرورة عتاد جديد تستخدمه القوات الروسية في سوريا نفسها، بل غالباً ما يتم تجريبها لتسويقها في مكان آخر. مثلاً، عندما تجرب الطائرات قنبلة ذكية وتتأكد فعاليتها ودقتها، قد لا تنتهي التجربة باعتمادها في سوريا، فقد استخدمت القوات الروسية في هجماتها الجوية في سوريا قنابل تقليدية غير موجَّهة مماثلة لما يمتلكه النظام السوري، وذلك بهدف خفض تكلفة عملياتها الجوية. ولعل لدى موسكو غرضاً آخر هو نقل المسؤولية عن جرائم حرب محتملة للنظام السوري، أي تصعيب مهمّة محققي جرائم الحرب الباحثين عن مسؤولين مباشرين عن الهجمات. القنابل غير الموجهة في النهاية أقرب ما يكون للبراميل المتفجرة، وإن كانت أكثر أناقة.
ربما لا شيء من هذا جديد على روسيا، وربما هذه هي بالعموم أحوال أسواق السلاح العالمي: المبيعات بحاجة دائمة إلى مواد تسويقية متجددة، وفقط نحن المُستجِدّون في حقل تجاربها.
موقع الجمهورية
———————–
أسواق سوريا فارغة والأسعار ملتهبة.هل من“ثورة اقتصادية“؟/ عقيل حسين
لم يتردد أبو خالد، تاجر التجزئة الحلبي الذي يمتلك محلاً متوسطاً لبيع المواد الغذائية في سوق “جب القبة”، عن الإدلاء بشهادته حول الوضع الاقتصادي البائس في البلاد، والذي انعكس انخفاضاً حاداً على الحركة التجارية. وعلى الرغم من أنه طلب عدم التصريح بإسمه الحقيقي خشية انتقام النظام، إلا أنه كان متحمساً لقول الكثير.
ربما ساعد على ذلك خروج المشاهير من الفنانين والكتاب الموالين للنظام على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد مؤخراً للحديث عن الوضع المعيشي المتردي في مختلف أنحاء سوريا، مع الارتفاع الجنوني في الأسعار والانخفاض الحاد بقيمة الليرة، ما أدى إلى مستويات غير مسبوقة من التضخم، في ظل تزايد نسبة البطالة.
يعتقد الكثيرون أن النظام يتسامح عن عمد مع انتقاد الحالة الاقتصادية الصعبة من أجل تنفيس غضب السوريين، خشية أن يؤدي المزيد من التضييق والكبت إلى الانفجار، لكن هذا الانفجار الشعبي في مناطق سيطرته لا يبدو احتمالاً وارداً في الواقع، بالنظر إلى القبضة الأمنية المشددة من جهة، والإرهاق الذي نال من السوريين بعد عشر سنوات من الحرب التي أدت إلى خسائر بشرية ومادية فادحة طاولت الجميع، وجعلت حتى المقيمين خارج مناطق سيطرته غير متحمسين لتنفيذ أي شكل من أشكال الاحتجاج.
لكن أبو خالد الذي تحدث إلى “المدن” الخميس، أكد “أن السوريين قد بدؤوا احتجاجاً من نوع خاص من خلال التوقف عن التوجه إلى الأسواق لشراء الحاجات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، لكن حتى هذه المواد بات المواطن يقتصد جداً في شرائها”.
ويضيف أنه “حتى الأمس القريب، ورغم المعاناة الشديدة، إلا أن الأمور بقيت في الحد الأدنى من المعقول، بحيث وفّر لي عملي في تجارة المواد الغذائية ما يكفي من الدخل لتأمين مصاريف عائلتي، أما حالياً، ومنذ شهر تقريباً، فقد انتقلت إلى مرحلة الخسارة بسبب الانخفاض الكبير جداً في حركة البيع، إلى درجة بات معها الاستمرار في فتح المتجر مع ما يتطلبه من مصاريف عمل خاسر بامتياز”.
وعن السبب الذي يدفعه لمواصلة العمل رغم ذلك، يقول أبو خالد: “أولاً الأمل في أن يكون كل يوم أفضل من سابقه، لكن السبب الأهم هو الخوف من اعتبار النظام أن الإغلاق هو نوع من الإضراب، وهذا الهاجس يسيطر على جميع من أعرفهم من التجار والبائعين، وبالتالي لا أعتقد أنه يمكن أن يحدث أي شكل من أشكال الإضراب”.
ورغم الانخفاض النسبي في سعر صرف الدولار الخميس في السوق السورية، مسجلاً 3800 ليرة، بعد كسر حاجز ال4000 ليرة بداية الأسبوع، إلا أن ذلك لا يُعتبر مؤشراً جيداً بالنسبة لتجار التجزئة. ويقول أبو خالد إن “التذبذب المستمر في سعر الصرف، وكذلك الانخفاض الضئيل الذي يسجل في بعض الأيام مقابل الارتفاع الحاد غالباً أرهق الجميع وتسبب بخسائر كبيرة لهم، ما أجبرهم على التوقف عن استجرار مواد جديدة لن يتمكنوا من بيعها غالباً”.
ولا تقّل معاناة سكان المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة عن معاناة المقيمين في مناطق سيطرة النظام، فزيادة الأسعار لا يحكمها فقط عدم استقرار سعر صرف الدولار، حسب أبو فايز، النازح إلى مدينة إعزاز الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني شمال حلب، “بل إن تعدد السلطات وانتشار الحواجز التي تفرض الرسوم على نقل البضائع والمواد بين منطقة وأخرى، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود…، كلها عوامل تسهم في زيادة التكلفة التي يضيفها المنتج والتاجر على سعر المادة عند البيع، ما يرهق حتى الذين ما زال بإمكانهم الشراء، وهي فئة تتضاءل نسبتها بين السوريين باضطراد”، كما يقول.
وحتى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ورغم تفاوت درجة المعاناة نسبياً بينها، إلا أنه من غير المتوقع أن يكون هناك أي تحرك شعبي إحتجاجاً على هذا الواقع، كما يقول أبو فايز، وهو عاطل عن العمل منذ وصوله إلى هذه المدينة قبل ثلاثة أعوام مهجّراً من ريف حمص الشمالي، “بالنظر إلى شعور الجميع باليأس وعدم الجدوى” حسب وصفه.
أمر يتفق معه الخبير الاقتصادي أحمد عزوز، الذي اعتبر في تصريح ل”المدن”، أن “الأمر لا يمكن مقاربته وفق معادلات اقتصادية، فالسوريون اليوم أمام مشكلة سياسية أمنية متجذرة، وهي بحاجة إلى حل جذري”.
ويضيف أن “النظام لن يسمح بأي حركة احتجاجية من أي نوع في مناطق سيطرته، بما في ذلك الإضراب، وعليه فإن أكثر ما يمكن توقعه على هذا الصعيد هو انخفاض حركة التبادل وتراجع الحركة التجارية إلى مستويات متدنية، إلى حد أنه يمكن أن تتوقف بشكل كامل تقريباً، أما الحديث عن حركة احتجاجية شعبية فيبقى مستبعداً”.
لكن الناشط السياسي عبد الله حمدان يرى أن “الوضع الاقتصادي الخانق سيدفع بالنهاية إلى تفجر غضب شعبي قد لا يكون بالمستوى الذي تأمله المعارضة، بحيث نشهد ثورة شعبية حتى لو كانت أسبابها اقتصادية في مناطق سيطرة النظام، وذلك بسبب القبضة الأمنية التي يطبقها دائماً، لكن بالتأكيد سيكون هناك رد فعل قد يصل إلى مرحلة الإضراب، حتى وإن كان غير منظم، ففي النهاية لن يتمكن الناس من الاحتمال أكثر”.
واقع اقتصادي ومعيشي يزداد تدهوراً في مختلف أنحاء سوريا، وتحديداً في مناطق سيطرة النظام الذي يمارس تضييقاً أمنياً شديداً يفاقم الغضب لكن يجعل من التعبير عنه أمراً خطيراً، في الوقت الذي يرى فيه البعض أن كل الاحتمالات تبقى واردة في النهاية.
المدن
—————————
قوانين الأسد والهويات المكسورة/ علي سفر
وضعتُ كل أوراقي (وثائقي الشخصية؛ بطاقة الهوية، جواز السفر، دفتر العائلة، وكل وثائق أفرادها)، في ظرف بريدي، وقمت بإرساله إلى المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (Ofpra).
وسأنتظر بعد ذلك شهوراً، إلى أن أحضر جلسة المقابلة مع محقق المكتب، حيث سأراه يقلب بينها، ثم يلقي بها في علبة وثائق، طالباً مني أن أودّعها، إذ إنها وبمجرد حصولي على حق اللجوء، أو الحماية في فرنسا، ستصبح جزءاً من أرشيف المكتب، وسأمتلك أوراقاً فرنسية مقابلة لها، تكفل لي حرية الحركة، في كل أوروبا، والعديد من دول العالم، ولن أكون خائفاً إن فقدت واحدة منها، أو حتى إن فقدتها كلها!
لم أكن في البداية مرتاحاً للفكرة، لكنني مع الوقت، سأجد أنني لم أغير عاداتي، ومازلت سورياً، بكامل همومه، ومشاقه، وآماله وأحلامه وآلامه أيضاً!
لكنني، وكلما مر معي شيء يخص الهوية السورية، أستعيد تاريخاً كاملاً من الأسى، والأذى النفسي، أستطيع أن أعممه على كل أبناء جلدتي!
وأنا هنا لا أتحدث عن مفهوم الهوية الوطنية السورية، التي يتم نقاشها حالياً في صالونات المثقفين المعارضين السوريين، بل أتحدث عن تلك البطاقة البلاستيكية، باهتة الألوان، التي صارت عنواناً لشقاء السوريين منذ عقود!
وقد أعاد إقرار مجلس الشعب التابع للنظام، قانون أحوال مدنياً جديداً منذ يومين، إلى الواجهة، كل نبضات ذاكرتي السوداء، وأيضاً هواجس السوريين وقلقهم من محاولات الأسد ونظامه الالتفاف على حقوقهم، وسرقة أملاكهم، عبر حرمانهم من هويتهم السورية.
حيث لفت الانتباه تداول مادة من مواده على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، تطلب ممن تنتهي مدة صلاحية بطاقاتهم الشخصية (الهوية) تجديدها ضمن فترة محددة.
ووفقاً للمادة /54/ للقانون الجديد “تُحدد مدة سريان البطاقة الشخصية بعشر سنوات من تاريخ صدورها وعلى صاحبها أن يتقدم بطلب تبديلها خلال مدة لا تقل عن 30 يوماً ولا تزيد على ستة أشهر قبل انتهاء مدتها ويجوز تمديد سريان البطاقة لظروف وأسباب قاهرة بموجب قرار من وزير الداخلية”.
بعض القانونيين الذين تمت العودة إليهم صحفياً لتفسير المادة، أشاروا إلى أن نص المادة قديم، ولا جديد فيه يدعو إلى القلق، ولا سيما من السوريين الذين يعيشون في بلدان اللجوء حول العالم!
غير أن السياق العام للهواجس السورية، لم يتوقف عن إعادة طرح الموضوع، ووضع الخطوط الحمراء تحت فقراته!
فالقانون الذي يُصدره النظام، حتى وإن كان يتعلق بأحجار الرصيف، لن يمر على السوريين المعذبين في أرضهم، وفي حيواتهم ومصائرهم، بسببه، دون أن يروا فيه خطوة أخرى من خطوات مسيرتهم الدامية طيلة عشر سنوات ماضية، ساروا فيها على الزجاج المكسور، في شوارع مدنهم وبلداتهم وقراهم، وعلى الأشواك في الدروب، وهم يفرون من الموت، على يد جيش الأسد وقطعان الميليشيات الطائفية المتحالفة معه!
على هامش هذا الفزع من خسارة بطاقة الهوية، يمكن للاجئين وكاتب هذه السطور منهم، أن يتذكروا محطات قاسية، عاشوا تفاصيلها، من خلال ارتباط وجودهم، ببطاقاتهم الشخصية!
إذ لم تكد تمضي الثورة السلمية في مسارها اليومي الذي تحدى قدرة النظام على سحقها، حتى نادى الشيخ عدنان العرعور، نداءه الشهير، بكسر بطاقات الهوية البلاستيكية، كتعبير عن رفض أصحابها للنظام وتحكمه بهم، ورغم أن عدداً قليلاً من الشباب قد نفذ فحوى الكلام، إلا أن موجة كبيرة من تكسير الهويات، حدثت على يد رجال النظام أنفسهم، ولاسيما على الحواجز، أو في الدوائر التي يجب على السوريين أن يتركوا فيها هوياتهم بين أيدي رجال الأمن، ويرجح كثيرون ممن تعرضوا لمثل هذه الحالات أن الهدف كان هو دفع سكان المناطق الثائرة إلى فخاخ رجال الأمن، حيث يمكن ابتزازهم، مقابل السكوت عن وضع الهوية المكسورة، بعد أن أُعتبر صاحب كل واحدة منها ثائراً، أو متعاطفاً مع الثورة، “عرعوري” الهوى!
أتذكر أنني شخصياً قدمت في شهر آب من العام 2011 على طلب لوثيقة (لا حكم عليه)، تاركاً هويتي الشخصية السليمة، لدى مركز الأمن الجنائي في ساحة الجمارك، فحصلت على الورقة التي تثبت خلو سجلي الجنائي، لكنني، ومنذ ذلك الوقت أمسيت أمشي بهوية “مشعورة” شبه مكسورة! استطعت بمعونة بعض الخبراء إلصاقها، بحيث لا يظهر الخراب الذي أصابها بسهولة في يد رجال الحواجز، لكن الخوف الذي كان يتملكني عند كل حاجزٍ أو سيطرة، كان وحده، ودون غيره، يكفيني لأدرك أي مصيبة يعيشها السوريون، بسبب القطعة البلاستيكية، التي تدل على هويتهم!
المسألة لم تكن تتعلق بارتجالات العرعور ذاته، بل كانت مرتبطة بالسياسة التي اتبعها النظام لتدمير الثورة، والتي كانت بطاقة الهوية واحدة من أدواتها العنيفة البشعة، إذ شهدت مناطق كثيرة تصفيات دموية للناشطين على الحواجز، بناء على انتمائهم المناطقي، أي “على الهوية” كما هو شائع في السياق الحياتي اليومي، وإلى اللحظة، مازال كثيرون يعتقدون، بأن الباركود في أسفل البطاقة، يتضمن معلوماتٍ، تكشف ليس فقط الانتماء المحلي لصاحبها، بل أيضاً انتماءه الطائفي أيضاً!
في بلدان المنافي، القريبة منها والبعيدة، حيث يفترضُ المرء أن صفة اللاجئ قد أمست هي هويته، التي تعرف به، وتحميه أيضاً وفق المواثيق الإنسانية، والأعراف والمعاهدات الدولية، يكتشف السوري أنه مازال بحاجة لهويته، ليس من أجل أن تثبت أمام الآخرين اسمه، واسمي والديه، ومكان وتاريخ ولادته، بل من أجل أن يثبت عدم كونه مؤذياً للآخرين، وأن سجله لا يتضمن علاقة مع الجماعات الجهادية الإرهابية!
وبسبب تعقّد المعادلة أمام أي سوري هارب من وطنه، حيث لا يستطيع أن يثبت حسن سلوكه، صارت الهوية السورية نقمة على أصحابها، بعد أن باتوا هدفاً لانتقام نظام الأسد، الذي قام في لحظة ما بإبلاغ الإنتربول الدولي عن عشرات الآلاف من وثائق السفر النظامية، التي يمتلكها معارضوه، بحجة أنها مسروقة، وأن من يحملونها هم أعضاء في تنظيم داعش!
وبعد أن بات تزوير الهويات والبطاقات في المناطق الحدودية الخارجة عن سيطرة النظام تجارة سارية، يستخدم المزورون فيها بحق وبغير حق قدرتهم على صناعة الهويات، والوثائق الأخرى في سبيل الكسب المادي، بعد أن تم الترويج لها على أنها لمساعدة السوريين الذين حرمهم الأسد من وثائقهم! ما أدى في المحصلة إلى وضع كل الوثائق السورية، تحت بند “المشكوك بصحتها”، الأمر الذي جعل حياة السوريين في الخارج تصبح أشد صعوبة، مع فقدان القدرة على تصديق أو وثيقة في مؤسسات النظام!
يتحدث سوريون عن أوضاع وثائقهم فيقولون:
في الأردن، كان علينا أن نستعمل بطاقة تعريف أمني ورقية بيضاء كتب عليها الاسم وتاريخ دخول البلاد، مع صورة شخصية مشوهة، مع الاحتفاظ بهويتنا السورية لإبرازها عند الحاجة!
وفي لبنان، لم يكن الوضع بأفضل حالاً، خاصة أن السوريين، ليسوا بحاجة للوثيقة الشخصية لإثبات الوصمة التي يلصقها بهم عنصريو البلاد، عابرو الطوائف، مؤيدو الأسد!
وفي تركيا، التي يحوز مئات الآلاف من السوريين فيها بطاقةَ “الكيملك” التي يحتاجون للحصول عليها، التعريف بأنفسهم عبر ترجمة هوياتهم السورية إلى اللغة التركية، وبالتالي لن يكون هؤلاء بحاجة لها مرة أخرى، إلا إن احتاجوا التسجيل في الجامعات أو غيرها.
لكن ملايين من أشقائهم سيحتاجون ليس للهويات الشخصية السورية فقط، بل إلى جوازات السفر، كي يتمكنوا من الحصول على (أو تجديد بطاقات) الإقامة السياحية، التي تضمن لحامليها شروط إقامة أفضل. حيث يمكنهم السفر خارج تركيا والعودة إليها دون مشكلات، جوازاتٌ يضطر السوري لأن يدفع أموالاً باهظة (400-800$) من أجل الحصول عليها، ولمدة زمنية محدودة (عامان ونصف).
لقد حول النظام علاقة السوريين بوثائقهم الشخصية، وفي مقدمتها بطاقات هوياتهم، فصارت بدلاً من أن تكون دلالة الانتماء الوطني وإثباته، إلى دليل الاتهام، الذي يجب أن يحتفظ المرء به مرغماً، محاولاً أن يتخلص منه في أول فرصة سانحة.
وهكذا صارت هويات السوريين جميعاً متكسرة، ومتشظية إلى عشرات الأجزاء التي تجرح أعماقهم، وتعكس تهشم دواخلهم! فلا ينفع معها تجبير هنا، أو تطبيب هناك، فما دامت البلاد تحت أسر الأسد ونظامه، قد ينفع الرحيل عنها قليلاً، ولكن الحقيقة تقول مع بقاء الطغيان لا دواء، ولا شفاء!
تلفزيون سوريا
——————————–
بعد ضربة سوريا..الكونغرس يتحرك لاستعادة سلطات الحرب
قدّم أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري تشريعاً الأربعاء، لإلغاء تفويضات تعود إلى عقود من الزمن تجيز استخدام القوة العسكرية، واستُخدمت لتبرير هجمات على مدى سنوات في المنطقة، وذلك في مسعى لإعادة سلطة إعلان الحرب إلى الكونغرس وليس البيت الأبيض.
وسيلغي التشريع، الذي يقود جهود إصداره السيناتور الديمقراطي تيم كين، ونظيره الجمهوري تود يانج، تفويضين صدرا في 1991 و2002 باستخدام القوة العسكرية ضد العراق.
واستُخدم هذان التفويضان باستخدام القوة العسكرية، إضافة إلى تفويض ثالث صدر في 2001 لقتال تنظيم “القاعدة”، لتبرير ضربات أمر بها رؤساء ديمقراطيون وجمهوريون منذ إصدارها. وقال منتقدون إن تلك التفويضات تسمح “بحروب إلى الأبد” أبقت القوات الأميركية تقاتل في الخارج لعقود.
وجاء طرح مشروع القانون بعد أسبوع من تنفيذ إدارة الرئيس جو بايدن ضربات جوية في سوريا ضد مواقع تابعة لجماعة مسلحة مدعومة من إيران، أثارت التساؤلات مجدداً حول ما إذا كان ينبغي أن يكون الرئيس قادراً على القيام بتلك العمليات دون موافقة الكونغرس.
وحاول أعضاء في الكونغرس من الحزبين مراراً إلغاء تلك التفويضات باستخدام القوة العسكرية في السنوات الماضية، لكن جهودهم لم تفلح.
وقال السيناتور كين في بيان، إن “الضربات الجوية في سوريا الأسبوع الماضي تظهر أن الفرع التنفيذي، بغض النظر عن الحزب، سيواصل توسيع سلطاته الحربية”.
وقال البنتاغون الجمعة، إن سلاح الجو الأميركي وجّه ضربة مباشرة ضد مواقع تابعة لجماعات مسلحة “تدعمها إيران” شرقي سوريا، رداً على الهجمات الأخيرة على عسكريين أميركيين في العراق.
وأعلن البيت الأبيض أن الضربات الجوية التي نفذها الجيش الأيريكي كانت ضرورية لتقليل خطر المزيد من الهجمات، ووجه بايدن رسالة إلى إيران قائلا: “لن تفلتوا من العقاب.. احذروا”
————————-
عندما ضرب ترامب الأسد..وكان جاهزاً لضرب الروس إذا تدخلوا
قالت قناة “فوكس نيوز” الأميركية إن الغواصة الأميركية من طراز “فيرجينيا يو إس إس جون وارنر” كانت جاهزة لإغراق السفن الروسية قبالة سواحل سوريا في عام 2018.
وقالت القناة إنه في نيسان/أبريل 2017، وافق الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب على توجيه ضربة بصواريخ توماهوك ضد نظام الأسد بعد استخدام أسلحة كيماوية. تم إطلاق 59 صاروخ توماهوك من سفينتين حربيتين أميركيتين لتدمير قاعدة جوية يستخدمها الجيش السوري. وقالت المخابرات الأميركية إن القاعدة الواقعة على ساحل البحر المتوسط استُخدمت لشن هجوم كيماوي.
وأضافت أن ترامب وافق على توجيه ضربة توماهوك ثانية بعد عام لتدمير معامل الأسد للأسلحة الكيماوية. انضمت القوات الفرنسية والبريطانية في هذا الجهد أيضاً. أطلقت السفن الحربية الأميركية في البحر الأحمر صواريخ على سوريا.
كان هجوم نيسان 2018 بمثابة البداية القتالية للغواصة الأميركية “فرجينيا”. أطلقت “يو إس إس جون وارنر” ستة صواريخ توماهوك من البحر المتوسط على سوريا. ثم غاصت واستعدت لإغراق أي سفن حربية روسية في حالة قيامها بأي تحرك ضد أي سفن تابعة للبحرية الأميركية في المنطقة. وقالت “فوكس نيوز” أن “إحدى السفن الأميركية كان دورها إخفاء موقع الغواصة، وشاركت تلك السفينة في قصف سوريا”.
وضربت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سوريا، ليلة 14 نيسان 2018. واستخدمت 103 صواريخ كروز خلال القصف، بما في ذلك صواريخ توماهوك البحرية والقنابل الموجهة وصواريخ جو-أرض.
—————————
بلينكن: واشنطن لن تتدخل عسكريا للإطاحة بالأنظمة الاستبدادية
وزير الخارجية الأميركي يؤكد أن بلاده متمسكة بالدبلوماسية ولن تتردد في استخدام القوة لحماية مواطنيها.
واشنطن – قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن إدارة الرئيس جو بايدن لن تشجع الديمقراطية حول العالم “من خلال التدخلات العسكرية أو محاولة الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية بالقوة”.
جاء ذلك في أول خطاب رئيسي ألقاه بلينكن بصفته وزيرا للخارجية الأميركية، ونشر فحواه موقع الوزارة الإلكتروني مساء الأربعاء، كشف من خلاله عن الخطوط العريضة لاستراتيجية السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وأضاف بلينكن “لقد جربنا هذه التكتيكات في الماضي. مهما كانت النوايا الحسنة، إلا أنها لم تنجح. لقد أطلقوا سمعة سيئة على ترويج الديمقراطية، وفقدوا ثقة الشعب الأميركي. سنفعل الأشياء بشكل مختلف”.
وأكد بلينكن أن بلاده ستسعى إلى تجديد الديمقراطية “لأنها مهددة”، منوها في الوقت ذاته بأن “تآكل الديمقراطية لا يحدث فقط في الولايات المتحدة”، وأشار إلى تقرير جديد “يبدو واقعيا” صادر عن منظمة فريدوم هاوس، لافتا إلى أنه رصد أن “الاستبداد والقومية آخذان في الازدياد في جميع أنحاء العالم. أصبحت الحكومات أقل شفافية وفقدت ثقة الناس. الانتخابات هي على نحو متزايد بؤر التوتر للعنف. الفساد آخذ في الازدياد. وقد أدى الوباء إلى تسريع العديد من هذه الاتجاهات”.
وقال وزير الخارجية الأميركي إنه “كما وعد الرئيس، فإن الدبلوماسية – وليس العمل العسكري – ستأتي دائما أولا”، مضيفا “الأميركيون قلقون بحق من التدخلات العسكرية الأميركية المطولة في الخارج. لقد رأينا كيف أنها تأتي في الكثير من الأحيان بتكلفة باهظة للغاية، سواء بالنسبة لنا أو للآخرين”.
وسبق للولايات المتحدة أن تدخلت عسكريا في العراق في عام 2003 بحجة حيازته أسلحة دمار شامل، ليتحول البلد إلى ساحة نفوذ لإيران التي تمددت طيلة السنوات الماضية في الأراضي العراقية، وهي تعمل جاهدة الآن على الإبقاء على سيطرتها من خلال الأحزاب والميليشيات الموالية لها، حيث يعتبر هذا البلد بمثابة المرتكز الأول لوجودها في المنطقة.
وانعكس التدخل العسكري للناتو تحت قيادة أميركية في ليبيا في 2011 سلبا على البلد الغني بالنفط، لينتهي به الأمر بعد انهيار حكم الرئيس الراحل معمر القذافي إلى فوضى وصراع بين القوى الإقليمية والدولية على النفوذ، ولا مؤشر فعليا إلى حد الآن على انتهاء أزمة هذا البلد رغم الاتفاق السياسي وانتخاب حكومة مؤقتة لتسيير البلاد حتى إجراء انتخابات في ديسمبر 2021.
وقال بلينكن “عندما ننظر إلى العقود الماضية من تدخلنا العسكري في العالم، وخاصة في أفغانستان والشرق الأوسط، يجب أن نتذكر ما تعلمناه عن حدود القوة لبناء سلام دائم، أن اليوم التالي لتدخل عسكري كبير يكون دائما أصعب مما نتخيل، وما مدى أهمية السعي وراء كل السبل الممكنة للتوصل إلى حل دبلوماسي”.
وشدد على أن واشنطن لن تتردد أبدا في استخدام القوة عندما تكون أرواح الأميركيين ومصالحهم الحيوية على المحك، وضرب مثلا بأمر بايدن بشن غارة جوية الأسبوع الماضي ضد الميليشيات المدعومة من إيران في مواقع على الحدود ما بين العراق وسوريا، “التي تستهدف القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق”.
ووصف وزير الخارجية الأميركي علاقة بلاده بالصين بأنها “أكبر اختبار جيوسياسي للقرن الحادي والعشرين”، رغم اعترافه بوجود “تحديات خطيرة لعدة دول، بما في ذلك روسيا وإيران وكوريا الشمالية. وهناك أزمات خطيرة علينا التعامل معها، بما في ذلك في اليمن وإثيوبيا وبورما”.
وأشار إلى أن “التحدي الذي تمثله الصين مختلف. الصين هي الدولة الوحيدة التي تمتلك القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحدي النظام الدولي المستقر والمفتوح – كل القواعد والقيم والعلاقات التي تجعل العالم يعمل بالطريقة التي نريدها، لأنه يخدم في النهاية مصالح وتعكس قيم الشعب الأميركي”.
وأضاف بلينكن “ستكون علاقتنا مع الصين تنافسية عندما يجب أن تكون، وستكون تعاونية عندما يكون ذلك ممكنا، وستكون عدائية عندما يجب أن تكون كذلك. القاسم المشترك هو الحاجة إلى إشراك الصين من موقع القوة”.
وضمن حديثه عن الخطوط الرئيسية لاستراتيجية السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أوضح بلينكن أن واشنطن ستعمل على تعزيز الأمن الصحي العالمي ووقف جائحة كورونا وبناء اقتصاد عالمي أكثر استقرارا وشمولية، ودعم علاقاتها مع حلفائها، بمن فيهم “الشركاء القدامى والجدد في أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية”، إلى جانب التصدي إلى أزمة المناخ والحفاظ على تفوق أميركا العلمي والتكنولوجي.
—————————
عبد الباسط سيدا: الروس يستعدّون لإجراء الانتخابات الرئاسية في سورية وفق حساباتهم
غسان ناصر
ضيف مركز حرمون للدراسات المعاصرة، هذا الأسبوع، هو المعارض السياسي الكردي السوري البارز الدكتور عبد الباسط سيدا، الذي تولى رئاسة المجلس الوطني السوري في الفترة ما بين 9 حزيران/ يونيو 2012 و9 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته، وهو أحد مؤسسي هذا المجلس.
ضيفنا من مواليد عام 1956 في عامودا (من مدن محافظة الحسكة ومركز ناحية في أقصى شمال شرق سورية)، وهو يقيم في السويد منذ عام 1994.
الأكاديمي السوري صاحب «المسألة الكردية في سورية.. نصوص منسية من معاناة مستمرة للأكراد السوريين» حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة دمشق في عام 1991، وتابع دراساته في الآشوريات واللغات السامية في جامعات السويد. وله عدد من الكتب والأبحاث المنشورة منها: «الوضعية المنطقية والتراث العربي: فكر زكي نجيب محمود نموذجًا»؛ «ذهنية التغييب والتزييف: الإعلام العربي نموذجًا»؛ و«بلاد الرافدين: أرض الأسطورة والحضارة». وله كذلك مساهمات فكرية منشورة في العديد من المجلات العربية، وشارك في مؤتمرات علمية في ميدان تخصصه، وكذلك في ندوات ولقاءات سياسية حول الموضوعين السوري والكردي. وهو يعمل حاليًا في التدريس في السويد، ويتابع البحث في ميدان اختصاصه العلمي في الحضارات القديمة.
كتابه «موضوعات كردية سورية» (عشرة فصول في 272 صفحة بالقطع الوسط)، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، كان منطلقًا لحوارنا الذي تطرقنا فيه إلى رؤيته للمشروع الوطني السوري، كحلٍّ على المستوى الوطني العام لواقع انسداد الآفاق، بعد نحو ستين عامًا من حكم البعث؛ من بينها نصف قرن من الحكم الأسدي الفاسد، كما تطرقنا إلى ما تعرّض له الكرد من ظلم في التاريخ السوري المعاصر، خاصة في ظلّ حكم شمولي استبدادي طائفي، وإلى العلاقة بين المثقفين العرب والكرد السوريين راهنًا، وتناول الحوار المواقف الأميركية والروسية والتركية من الكرد السوريين، في سياق مراعاة هذه القوى لمصالحها في سورية والمنطقة، بالإضافة إلى الموقف الروسي من الانتخابات الرئاسية المقبلة في (سورية الأسد)، وقراءته لمسار ومآلات مفاوضات جنيف ومواقف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من العملية السياسية والحلّ المنشود من أجل سورية حرة لكل أبنائها من كل المكوّنات السورية…
هنا نص الحوار:
بداية، نسألكم عن كتابكم الجديد «موضوعات كردية سورية». كيف تقدّمونه لقراء مركز حرمون؟
بداية، اسمحوا لي أن أتوجّه إليكم بالشكر لدعوتكم الكريمة، وإتاحة الفرصة للتواصل مع قراء مركز حرمون الأعزاء. عنوان الكتاب هو: «موضوعات كردية سورية»، وهو عنوان محايد، كما ترون، ينسجم مع طبيعة المواد التي يتناولها، ومع المنهجية البحثية المتبعة التي تقوم على أساس استقرائي توصيفي للوضع الكردي السوري وعلاقته مع الوضع السوري العام، منذ بدايات تأسيس الدولة السورية الحديثة عام 1920 حتى يومنا هذا. أما الخطوة المنهجية الأخرى الاستنتاجية – الاستشرافية، فهي تتمحور حول سبل المعالجة وإمكانية الحلّ، والنتائج التي يمكن أن تترتب على الحلّ السليم.
يضم الكتاب أوراقًا بحثية شاركت بها في مؤتمرات حول المسألة الكردية السورية، وحول الشأن السوري العام. كما يضم أبحاثًا نُشرت في مجلات محكمة تناولت الموضوع الكردي السوري في سياقه الوطني السوري. والخيط الناظم الذي يجمع بين هذه الأوراق والأبحاث يتمثّل في أهمية وإمكانية حلّ الموضوع الكردي السوري، ضمن إطار المشروع الوطني السوري، ولا يمكن أن يُترجم هذا المشروع واقعًا، ما لم يكن لكل السوريين، من دون أي استثناء أو تمييز. وقد كُتبت هذا الأبحاث في الفترة ما بين 2003 إلى 2019. وهي فترة طويلة نسبيًا تغيرت فيها الظروف والمعطيات على مختلف المستويات. وطبيعي في مثل هذا الوضع أن تتغيّر المفاهيم والمقاربات. ففي عام 2004، على سبيل المثال، كانت انتفاضة 12 آذار/ مارس المعروفة باسم “الانتفاضة الكردية”، التي امتدت من قامشلي إلى مختلف المناطق الكردية؛ وشملت كذلك معظم الكرد السوريين في المهجر. أما الحدث الوجودي المفصلي فقد تجسّد في الثورة السورية التي انطلقت في آذار/ مارس 2011، وما زالت مستمرة، على الرغم من كل ما حصل من قتل وتهجير وتدمير بفعل وحشية النظام، وعلى الرغم من جميع التدخلات الدولية والإقليمية. ولكن الثورة هي الأخرى شهدت تطورات ومتغيرات وتراجعات وانتكاسات، إلّا أنها ما زالت مستمرة، تتمثّل في رفض غالبية ملايين السوريين التعايش مع نظام الاستبداد والفساد، بالرغم من كل الضغوط المعيشية التي يتعرّضون لها، ومن كل التدخلات الدولية والإقليمية التي تتم لصالح النظام.
الثورة السورية بكل جوانبها: أسبابها، تطوراتها، متغيراتها وتحوّلاتها، ومآلاتها، ستكون موضوعًا لعمل مستقل أستعد لإنجازه، وأتمنى أن أتمكّن من ذلك إن شاء الله. الكتابُ اليوم هو ملك عام. أنتظر ملاحظات القراء الأعزاء بصدر رحب، كما أنتظر آراء النقاد والباحثين ممن سيتناولون الأفكار والمصطلحات والمقاربات التي يضمها الكتاب، ومدى تطورها في السياق الزمني، وذلك نتيجة تفاعلها بما قد حدث تباعًا في الحيّز المكاني، وعلى الصعيد المجتمعي.
البحث عن الهوية السورية الوطنية الجامعة
يبحث الكتاب في معالجة الموضوع الكردي السوري ضمن مشروع وطني سوري يشترك في صوغه جميع السوريين. فهل لكم أن ترسموا لنا ملامح هذا المشروع في ظل الأوضاع الراهنة في منطقة شرق الفرات؟
فكرة المشروع الوطني السوري، وضرورة اعتماده حلًا على المستوى السوري لواقع انسداد الآفاق بعد نحو ستين عامًا من حكم البعث، من بينها نصف قرن من الحكم الأسدي، لا تعدّ بالنسبة إلي فكرة طارئة برزت في سياق الثورة. بل هي فكرة توصلت إليها بعد تجربة طويلة، ومراجعات معمقة لواقع سورية والمنطقة بصورة عامة. على الصعيد الشخصي، بدأت بالعمل السياسي ضمن صفوف الحزب اليساري الكردي أيام قوّته، في بداية السبعينيات؛ ومن ثم كنت في قيادته في بداية الثمانينيات. ثم تابعت العمل الحزبي ضمن صفوف حزب الشغيلة، بعد انقسام الحزب اليساري على نفسه. ولكن في الوقت ذاته كانت لدي علاقات عميقة مع الوسطين الثقافي والسياسي السوريين بصورة عامة. وذلك بحكم دراستي وعملي الحزبي في الوقت ذاته. ونتيجة الخلافات البينيّة، ضمن حزب الشغيلة، والرغبة في توحيده ثانية مع الحزب اليساري؛ تركت العمل القيادي لأفسح المجال لجهود الوحدة، إذ كانت هناك مجموعة ضمن الحزب اليساري ترفض الوحدة في حال وجودي. وقد عبّر أعضاء هذه المجموعة عن هواجسهم صراحة قائلين: “إذا كان موجودًا (أي أنا) فهذا معناه أنه سيكون حكمًا الأمين العام للحزب الموحد؛ لأنّ معظم الأعضاء من الجانبين يفضلونه”. وكان جوابي هو ترك القيادة، بغية إفساح المجال أمام الوحدة عبر قطع الطريق على ذرائع تلك المجموعة.
في بداية التسعينيات، حصلت على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة دمشق، وسافرت إلى ليبيا لأعمل في التدريس هناك. تجربة ليبيا كانت تجربة فريدة غنية بالنسبة إلي. فقد عشت هناك على مدار ثلاث سنوات في حالة تأمل وتمعن في واقعنا السوري. ومن القناعات التي توصلت إليها أنّ سورية والعديد من دول المنطقة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى تشكّلت بناء على التوافقات والمصالح الدولية والإقليمية؛ وهناك خطوط حمراء لا تستطيع شعوب تلك البلدان أن تتجاوزها. وقد ولّدت ظروف التقسيم التي شهدها المنطقة قوًى، تمثّلت في الأنظمة المختلفة والشرائح المنتفعة منها، لها مصلحة في التقسيم، ولذلك باتت من حرّاسه، بالرغم من كل الشعارات القوموية التي رفعتها للاستهلاك المحلي. وغالبًا ما كانت تلك الشعارت وسيلة لتغطية عملية الانقضاض على الداخل الوطني. كانت النتيجة التي توصلت إليها تنصُّ على ضرورة البحث عن المشترك السوري، عن الهوية السورية الوطنية الجامعة؛ والحرص على تحسين قواعد العيش المشترك بين جميع المكوّنات السورية. ومع الوقت، توضحت لدي هذه الفكرة أكثر، وترسخت بصورة أكبر. بل وصلت إلى قناعة تامة بأنّ المشروع الوطني لا يناسب سورية وحدها، بل معظم مجتمعات المنطقة التي تعاني اليوم أزمات بنيويّة عميقة نتيجة صراعات الهويات، والمصالح، والتدخلات الإقليمية الفاقعة. وقد كتبت حول هذا المشروع قبل الثورة السورية بسنوات، وأكدت مجددًا أهمية الدعوة إلى هذا المشروع، واعتماده في سياق الثورة. ولم أكن وحيدًا في هذا التوجّه، بل كان هناك العديد من المثقفين السوريين والسياسيين ممن يدعون إلى هذا المشروع. والثورة السورية بدأت -كما نتذكر جميعًا- بشعارات وطنية سورية جامعة. ولكن أصحاب نزعات الهويات الفرعية والهويات العابرة تمكّنوا، لظروف لا يتسع المجال هناك لتناولها بالتفصيل، من إبعاد الثورة عن مسارها الوطني، الأمر الذي أسفر عن جملة تراجعات كارثية ما زلنا ندفع ضريبتها.
سورية حاليًا مقسمة بين مناطق نفوذ تتحكّم فيها قوى دولية وإقليمية. في منطقة شرقي الفرات، الولايات المتّحدة الأميركية وحلفاؤها، وهي تعتمد ميدانيًا على قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وهي قوات قياداتها ومفاصلها الأساسية تابعة لحزب العمال الكردستاني (التركي). ولهذا الحزب تاريخ طويل من التعامل مع نظامالأسد يمتد إلى بداية الثمانينيات. ومع بداية الثورة السورية، حصل اتفاق جديد بين نظام الأسد وحزب العمال الكردستاني، وقد دخلت بموجب هذا الاتفاق القوات التابعة لهذا الحزب تحت اسم حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو الفرع السوري لحزب العمال. وقد تمكّن هذا الحزب -بفعل دعم النظام- من تهميش الأحزاب الكردية السورية؛ وقضى على حركة التنسيقيات الشبابية الكردية التي تفاعلت مع الثورة السورية منذ اليوم الأول. وفي غربي الفرات، هناك الوجود التركي الذي يتكوّن من القوات العسكرية التركية، والفصائل العسكرية السورية التي تلتزم بتوجيهات القيادة التركية، وتتحرك بموجب خططها. أما في المناطق الأخرى، فهناك النفوذ الروسي والإيراني، وهناك ميليشيات “حزب الله”، والميليشيات العراقية التي تعمل جميعًا تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني. وروسيا أيضًا لها قوى محلية تلتزم بأوامرها، سواء في صيغة ميليشيات أم ضمن الجيش نفسه. لذلك نرى أنّ الوضع في شرقي الفرات هو جزء من الحالة السورية الراهنة العامة. ولن يكون هناك حلّ واقعي ممكن لصالح جميع السوريين، من دون خروج سائر القوى الدولية والميليشيات الوافدة من سورية بعد التوصل إلى توافقات دولية إقليمية تراعي مصالح السوريين وتطلعاتهم.
والواقعية تلزمنا هنا بضرورة أخذ الصعوبات والتحديات التي تنتظر المشروع الوطني السوري في يومنا هذا بعين الاعتبار. فهناك توتر يخيم على العلاقة الكردية العربية. ولكنني على ثقة بأنّ الأمور لم تصل بعد إلى حالة القطيعة، فالحكماء من الطرفين هم ضد التصعيد، بل يعملون على التخفيف من حالة التشنج والتوتر. هذا في حين أنّ المتطرفين من الجانبين، وهم لحسن الحظ قلة، يدفعون الأمور نحو التصعيد. وربما هناك قوى إقليمية ودولية تدفع هي الأخرى في هذا الاتجاه، بما ينسجم مع خططها، وحساباتها الخاصة. ولكن المشكلة الأساسية في سورية تتمثّل في النزاع الطائفي بين السنّة والعلويين، وهو النزاع الذي يعد النظام المسؤول الأول عن إثارته، وتصعيده، وتوظيفه لصالحه. وهناك نزاعات جهوية مناطقية. ولكن كل ذلك يمكن معالجته بوجود مشروع وطني سوري يطمئن سائر السوريين، على قاعدة إزالة الهواجس بعقود مكتوبة، وتعزيز الثقة، والتوافق على آلية لحلّ الخلافات.
أما الحامل الاجتماعي لهذا المشروع، فلا بدّ أن يكون من مختلف المكوّنات السورية، يجمع بين المؤمنين بقدرة السوريين على العيش المشترك، وتجاوز آثار ما حصل. ولكن هذا لن يتم قبل رحيل النظام المستبدّ الفاسد المفسد المسؤول عن مآساة السوريين المستمرة منذ عقود. هذه المأساة التي أخذت طابعًا كارثيًا في سنوات الثورة. المؤمنون بالمشروع الوطني عليهم أن يكونوا على استعداد لبذل الجهود الجبارة لتحقيق المصالحة الوطنية السورية العامة، وترميم النسيج المجمعي الوطني، وإن تطلب الأمر منهم التنقل بين جميع الحارات والقرى السورية، بل بين العائلات في جميع المناطق السورية. علينا أن نعمل من أجل بناء أحزاب وطنية سورية تتّخذ من الوطنية السورية هوية لها، مع مراعاة واحترام سائر الخصوصيات. والدولة هي الأخرى لا بدّ أن تكون حيادية، قوميًا ودينيًا وأيديولوجيًّا. حتى تكون دولة الجميع. أما الإصرار على تجريب الأيديولوجيّات التي ثبت فشلها، فهذا سيؤدي إلى استمرارية الأزمة التي نعيشها، الأمر الذي يترك الباب السوري مفتوحًا على كل الاحتمالات التي لا تخدم المصلحة الوطنية السورية.
ما توصيفك للعلاقات الحالية بين المثقفين العرب والكرد السوريين، وقد رأيتَ أنها “إذا بُنيت على أسس سليمة من شأنها أن تؤثر بصورة إيجابية في الموقفين: السياسي الحزبي، والشعبي العام لدى العرب والكرد على السواء”؟ وهل يمكن أن يتيح السلاح مجالًا واسعًا للفكر كي يقدم أطروحاته، في الوقت الذي تغذي فيه قوى إقليمية ودولية الصراع بين الأطراف السورية المتحاربة فوق الأرض التي مزقتها الحرب في العشرية الأخيرة؟
العلاقة بين المثقفين العرب والكرد راهنًا هي أفضل من العلاقة التي كانت قبل الثورة. فالمناقشات هي أعمق وأوضح، ولم تعد لغة المجاملات هي الطاغية. وهناك توجّه عام نحو تأكيد أهمية المشروع الوطني السوري، بوصفه الإطار الجامع بين السوريين. لم تعد هناك مسائل أو مناطق محظورة على التفكير والمناقشة والحوار. وهي المسائل والمناطق التي كان النظام قد تمكّن من إخراجها من دائرة المباح فكريًا. ولكن هذه العلاقة كان المفروض أن تكون أفضل وأكثر تأثيرًا في التوجّهات العامة للسوريين. هناك نقاشات ومراجعات فكرية مهمة بينيّة، تجري ضمن مجموعات المثقفين السوريين الموزعة بين مختلف أدوات التواصل الاجتماعي، والمؤسسات البحثية والصحافية التي تشكّلت بعد الثورة، العربية منها والسورية. ولكن علينا أن نعترف بوجود مجموعة من المثقفين، في هذه الضفة أو تلك، ممن لم يتمكّنوا من القطع مع بقايا الأيديولوجيّات القومية سواء من العرب أم من الكرد. ولم يتحرروا من أوهام الماضي، لذلك لا يستطيعون قراءة المستقبل بدقة. هناك العديد من المثقفين العرب والكرد الذين ساروا، لأسباب مختلفة، مع النزعة الشعبوية التي التزمتها الأطراف السياسية؛ وأصبحوا جزءًا من حالة الاستقطاب التي فرضها المتطرفون من الجهتين. وهي حالة تتناغم مع جهود ومحاولات قوى إقليمية، وربما دولية تستهدف تفجير العلاقة بين المكوّنات التي تشكّل قوام النسيج المجتمعي الوطني السوري.
وأذكر هنا، على سبيل المثال، أنّ مؤسسات إعلامية إقليمية ودولية تصرّ على الربط بين حزب الاتحاد الديمقراطي، والكرد السوريين. بل تجعله ممثّل الكرد السوريين. هذا في حين يعلم الجميع أنّ هذا الحزب أُقحم في الساحة السورية، والكردية السورية على وجه التحديد، عبر توافقات أمنية مع النظام منذ الأيام الأولى للثورة. بل ربما كانت هناك اتفاقات سابقة استعدادًا لمواجهة الثورة. وقد تمكّن هذا الحزب، الذي هو كما أسلفنا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، من إحكام السيطرة على المناطق الكردية بمختلف الأساليب، ومن ضمنها القتل والإبعاد والاعتقال والتهديد وقمع أصوات المخالفين.
هناك العديد من المثقفين من الطرفين ممن كنا نعول عليهم، ونبني على حكمتهم وبعد نظرهم؛ ولكنهم لظروفهم الخاصة انساقوا مع الشعبوية القوموية أو الإسلاموية، بهذه الصورة أو تلك. الظروف التي مر بها السوريون منذ نحو عشر سنوات كانت قاسية جدًا من جميع النواحي. لذلك أقول أحيانًا: إنّ من اجتاز هذه المرحلة، وهو محتفظ بتوازنه العقلي وسلامته النفسية، فقد فاز. وهذا ما يستوجب المزيد من التواصل والحوار والتفاهم بين المثقفين العرب والكرد من المؤمنين بالمشروع الوطني السوري، والعمل المشترك في سياق المشاريع الثقافية التي تؤسس لوعي وطني يستوعب التعددية بكل أشكالها، ويبني عليها، بل يطورها ضمن إطار الوطن المشترك. وقد كانت في هذا المجال خطوات ثقافية ناجحة واعدة، أثرت إيجابيًا على المستويين السياسي والشعبي العام منها. نحن نحتاج من دون شكّ إلى المزيد. أنا متفائل من هذه الناحية، رغم كل الضجيج الذي يحدثه المتطرفون هنا وهناك.
إلى أيّ مدًى تعرّض الكرد للظلم في التاريخ السوري المعاصر، خاصة في ظل حكم حزب البعث والأسدين الأب وابنه الوريث؟
المسألة الكردية السورية هي حصيلة السياسات الاستعمارية التي قسمت المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى. وتوزع الكرد بموجبها بين أربع دول هي: تركيا، إيران، العراق، وسورية. وذلك بعد أن كانوا موزعين بين دولتين: تركيا، وإيران. كما أنها حصيلة إخفاق الدولة السورية في تبني مشروع وطني سوري، كان من شأنه طمأنة جميع السوريين، وتوحيدهم على صعيد التوجه والولاء مع احترام تنوّعهم وانتماءاتهم الفرعية. فالتوجّهات العامة للسياسيين السوريين خاصة في مرحلة الخمسينيات توزعت بين ثلاثة تيارات لم تعط أيّ اعتبار للوطنية السورية، بل جميعها كانت عابرة للحدود، ولا تعترف بالحدود الدولية لسورية الحديثة، وهي الحدود التي تتعرّض اليوم لمخاطر جدّيّة باتجاه التقسيم، إذا ما استمرت مناطق النفوذ الحالية لمدة من الزمن، وتشكّلت شرائح وقوى مجتمعيّة ترى مصلحتها في التقسيم، وتناغم ذلك مع حسابات ومصالح القوى الدولية والإقليمية التي لا تقيم أيّ وزن أو اعتبار لتطلّعات السوريين.
الطامة الكبرى بالنسبة إلى الكرد السوريين بدأت مع حكم حزب البعث الذي يدعو في برنامجه صراحة إلى طرد كل من يصرّ على انتمائه القومي غير العربي من “الوطن العربي” الذي يحدده البعث بنفسه ولنفسه، ومن دون العودة إلى أيّ مستندات تاريخية، علمية، جغرافية وغيرها. فقد تعرّض الكرد في ظل حكم البعث لظلم مزدوج، تمثّل في الظلم العام الذي تعرض له سائر السوريين في ظل حكم البعث العسكري الأمني القمعي. كما تعرّضوا في الوقت ذاته لظلم خاص فُرض عليهم بناء على انتمائهم القومي، ومطالبتهم بحقوقهم القومية. هذا الظلم الخاص تمظهر في هيئة اضطهاد مركب، تجسّد في عدم الاعتراف بأيّ حقوق قومية للكرد، ومنها الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية والإدارية من جهة، وتعرّضهم من جهة أخرى لجملة من المشاريع الاضطهادية التمييزية التي استهدفت الكرد صراحة نتيجة انتمائهم القومي. فكان مشروع الإحصاء الاستنثاني في محافظة الحسكة عام 1962، ومشروع “الحزام العربي” الذي طبق عام 1973. إلى جانب سياسات التعريب القسريّة التي شملت تعريب أسماء القرى والبلدات، وحتى أسماء الأشخاص والمحلات. هذا إلى جانب الاستغلال الواضح لقانون الإصلاح الزراعي؛ وعدم توزيع الأراضي على الفلاحين الكرد، في كثير من المناطق، بعد أن تم سحب الجنسية السورية منهم بموجب الإحصاء المشار إليه. أبواب كليات الجيش والشرطة أُغلقت في وجه المتقدمين من الكرد، وحُرم الطلاب الكرد من البعثات الدراسية الداخلية والخارجية منها. وظائف الدرجة الممتازة والأولى سُدت أبوابها أمام الكرد، مهما كانت مؤهلاتهم العلمية. أما الوظائف الأخرى فكان الحصول عليها يستوجب الموافقات الحزبية والأمنية. لم يعين أيّ كردي كسفير، بل حتى على مستوى مدير ناحية. بعض الكرد الذين تسلموا مراكز وزارية كانوا يصلون إلى مواقعهم عبر حزب البعث أو الحزب الشيوعي، وليس بوصفهم ممثّلين لأحزاب كردية أو كرد مستقلين. الثقافة الكردية محاربة بكل الأشكال. اللغة الكردية ممنوعة في مجال الطبع والنشر والتعليم. المناطق الكردية من أكثر مناطق البلاد إهمالًا ونهبًا. لا توجد مشاريع تنموية زراعية أو صناعية. القطاع الزراعي تعرض لتخريب غير مسؤول. المحاصيل الزراعية تشترى من أصحابها بأبخس الأثمان.
هذه السياسة كانت متبعة في عهد الأسد الأب، واستمرت في عهد الابن الوريث الذي أضاف إليها المرسوم 49 لعام 2008 الذي مُنع بموجبه بيع وشراء وبناء وترميم أيّ عقار، إلّا بعد موافقة الأجهزة الأمنية والوزارات المعنية، وذلك بعد أن أعلن كامل المناطق الكردية مناطق حدودية، تسري فيها إجراءات خاصة لدواعٍ “أمنية”. شخصيًا، لا أجد مصطلحًا مناسبًا لتوصيف هذه السياسة سوى مصطلح العنصرية القوموية. لا أعلم أهناك مصطلح آخر أدقّ أم لا.
أقرأ اليوم، بكل أسف، لبعض المثقفين العرب ممن يتناغمون مع النزعة الشعبوية القوموية، بعض التعيلقات التي تتهم الكرد باضطهاد العرب بمختلف الأشكال. وهم يستندون في ذلك إلى ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي، علمًا أنً الاضطهاد الذي مارسه ويمارسه هذا الحزب، وبالتنسيق مع النظام السوري، بحق الكرد يفوق كثيرًا ذلك الذي يمارسه بحق المكوّنات الأخرى. فقد تسبب هذا الحزب في هجرة نحو مليون كردي من المناطق الكردية التي لم تشهد الحرب والتدمير مثلما شهدته المناطق السورية الأخرى، ومع ذلك اضطر الناس إلى الخروج، والمنطق السليم يستوجب البحث عن أسباب هجرة هؤلاء.
ما رأيكم بالحوارات الكردية – الكردية التي تجري برعاية أميركية من جهة، والحوار بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقوى المعارضة السورية من جهة أخرى؟
هذه الحوارات أو المفاوضات لم تؤدِ حتى الآن إلى أيّ نتائج ملموسة. ما صدر من بيان بخصوص التوافقات السياسية، والحديث عن التوافقات حول بنية المرجعية الكردية وحصة كل طرف فيها، لا يتجاوز دائرة العام المبهم غير المحدد. لم يتم حتى الآن تناول الملفات الأساسية. هناك مماطلة واضحة من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتحكم في الكيان المسمى بـ “أحزاب الوحدة الوطنية الكردية”. الموضوع يتوقف على مدى جدّيّة الأميركان، وعلى مشروعهم في سورية والمنطقة. لذلك علينا أن ننتظر الإدارة الجديدة وتوجّهاتها. الأحداث الأخيرة التي تمت في العديد من المناطق الكردية السورية التي شملت اختطاف القاصرين، واقتحام مقار بعض أحزاب المجلس الوطني الكردي تؤكد وجود تيار ضمن حزب الاتحاد، أو بكلام أدق ضمن حزب العمال، لا يعطي أيّ قيمة للمفاوضات. بل يعمل على عرقلتها، وذلك لإدراكه بأنّ ما يطالب به المجلس الوطني الكردي، من جهة ضرورة فك الإربتاط بين حزب الاتحاد والإدارة الذاتيّة من جهة، وحزب العمال من جهة أخرى، مؤداه إبعاد تأثير حزب العمال المباشر عن الساحة الكردية السورية، وهذا ما لا يقبل به حزب العمال بالمطلق. شخصيًا، لا أجد أيّ أمل لنجاح هذه المفاوضات، إذا سارت ضمن الوتيرة الحالية، وبالحسابات الحالية من قبل كل طرف. ولكن الطرف الأميركي إذا كان جادًا يمكنه تحقيق شيء، وذلك بالتفاهم مع تركيا وإقليم كردستان العراق. قناعتي أنّ أيّ حوار كردي-كردي معزول عن الحوار الوطني السوري، المحلي أم العام، لا يمكن له أن يكون فاعلًا مفيدًا للكرد والسوريين بصورة عامة. ولكن المشكلة أنّ المعارضة السورية هي الأخرى مفككة، مبعثرة، منقسمة على ذاتها، موزعة بين الائتلاف والمنصات، والكيانات الهشة، والتشكيلات المتكاثرة التي تظهر يوميًا، هذا بالإضافة إلى الشخصيات التي ليس من السهل تحقيق التوفيق بين وجهات نظرها حول مشروع وطني متكامل.
الائتلاف اليوم في أضعف حالاته
كمعارض كردي سوري، ما أهمّ ما تطالبون به قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في المرحلة الراهنة؟
أنا كردي سوري، وسوري كردي في الوقت ذاته. انتمائي الأول يفسح المجال للتواصل مع الكرد في كل مكان. وبالفعل لدي علاقات واسعة مع المثقفين والسياسيين والشخصيات المجتمعيّة الكردية، سواء في سورية أم في خارجها. لدي علاقات ممتازة مع كرد العراق من مختلف التيارات، وكذلك مع كرد تركيا وإيران. أما انتمائي الثاني: السوري الكردي، فهو الذي فتح ويفتح الآفاق أمام التواصل مع مختلف المكوّنات والتيارات السياسية والفكرية السورية. وهنا أيضًا لدي علاقات واسعة مع المثقفين والسياسيين والشخصيات المجتمعيّة السورية في مختلف المناطق والجهات والتوجّهات، وهي علاقات أعتزّ بها، كما لدي علاقات جيدة مع مثقفين وسياسين عرب من مختلف الدول العربية. أما مسألة إعطاء الأولوية لهذا الانتماء أو ذاك، فهذه مسألة قد تبدو من الناحية العاطفية الشخصية صعبة بعض الشيء. ولكننا إذا انطلقنا من المشروع الوطني السوري الجامع، علينا أن نركز على الانتماء السوري أولًا. كنت في بداياتي السياسية معارضًا كرديًا. عملت ضمن حزب كردي، ثم وجدت أنّ القضية الكردية السورية لا تنفصل عن القضية السورية العامة، وأنّ الحلّ لا بدّ أن يكون عامًا وشاملًا. إنّ سورية المتوازنة، المنسجمة مع طبيعتها، القادرة على طمأنة جميع مكوّناتها، بل جميع مواطنيها؛ ستكون من دون شكّ على وئام وانسجام مع محيطها العربي والكردي وجوارها الإقليمي، ومع المجتمع الدولي. ربما رأيي هذا لا يروق للمتطرفين في هذه الجهة أو تلك. ولكن من قال إنّ التطرّف هو الحلّ في سورية. أقول دائمًا: سورية لا تتحمّل التعصب بكل أشكاله، ولا تتحمّل التعصب القومي أو الديني أو الأيديولوجي. أما بالنسبة للائتلاف، فلا نذيع سرًا إذا قلنا إنه اليوم في أضعف حالاته. ولهذا الأمر أسبابه ومقدماته وتراكماته. ولكن مهما يكن، وبغض النظر عن ملاحظاتنا على عمله الحالي، فإننا نرى ضرورة في أن يبادر بمشاريع وطنية لطمأنة السوريين جميعهم. إذا كنا نريد سورية متعافية موحدة قادرة على طمأنة جميع مكوّناتها، فلا بدّ من أن نثبت ذلك للناس. هناك مشكلة حقيقية اليوم بين السنّة والعلويين، بين الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين، والمسيحيون لهم هواجسهم المشروعة. هناك مشكلات بين المناطق السورية المختلفة، بين السويداء ودرعا مثلًا، بين الريف والمدينة في العديد من المناطق. وضمن هذا السياق تأتي العلاقة العربية – الكردية التي دفع بها المتطرّفون من الجانبين نحو التشنج والتوتر. هناك حرص وإصرار من قبل بعضهم على الربط بين الكرد وحزب الاتحاد الوطني الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني؛ هذا مع معرفتهم بعدم صواب مثل هذا الربط. وقد بيّنا ذلك باستمرار، في مختلف المناسبات. وقلنا في أكثر من مناسبة: تمامًا مثلما لا نستطيع أن نقول إنّ جميع العرب السنّة هم (داعش)؛ كذلك لا نستطيع أن نقول إنّ كل الكرد في سورية هم من أنصار أو أتباع مشروع الحزب المذكور. بل إنّ الجهات التي أقحمت مشروعي (داعش) و(ب. ي. د) في الواقع السوري كانت تريد بناء على خطة مسبقة إجهاض الثورة. لذلك على من يدعي أنّه يعبر عن تطلّعات الثورة السورية أن يكون واعيًا لهذا الموضوع، وإلّا فإنّ الشكوك ستكون هي سيدة الموقف، خاصة بعد التوضيح ومعرفة الوقائع. على الائتلاف أن يختار إما أن يكون مجرّد واجهة سورية تستخدمها القوى الإقليمية والدولية وقت اللزوم، ووفق ما يناسبها ويتناغم مع حساباتها؛ وإما أن يكون مؤسسة تعبّر بالفعل عن تطلّعات السوريين، وتدافع عن مصالحهم، وتطرح المبادرات التي تطمئن كل السوريين، من دون أيّ تمييز أو استثناء، كما أشدّد وأكرر عادة، وذلك لأهداف وطنية أريد التركيز عليها، وبيان أهميتها بكل وضوح. وفي هذا الإطار، أشير مثلًا إلى الوثيقة التي تم توقيعها بين الائتلاف والمجلس الوطني الكردي. كم من الجهود بذلت لشرح هذه الوثيقة، وبيان فوائدها في واقعنا السوري؟ ما المانع من إصدار وثائق مشابهة تخص مختلف المكوّنات السورية، لتكون أرضية لوثيقة وطنية سورية جامعة؟ وثيقة تطمئن، ولا ترواغ عبر مجاملات خاوية لم ولن تقنع أحدًا.
ما المصالح والغايات التي تجعل الولايات المتّحدة الأميركية تقف مع تركيا وتتخلى عن ذراعها الكردية في سورية (قسد)؟ وهل يدرك السياسيون الكرد ماهيّة الموقف الأميركي على حقيقته؟
الولايات المتّحدة الأميركية هي قوة عظمى. وعادة ما أقول: إنّ القوى العظمى تراعي مصالحها أولًا. وهي لا تخشى ولا تخجل من تغيير مواقفها، والتخلي عمن اعتمدت عليهم في سياق مراعاتها لمصالحها التي عادة ما تأتي أولًا. خاصة في وقتنا هذا الذي باتت فيه المصالح العارية هي الهدف. ولكن صيغة السؤال المطروح هنا لا تميّز هي الأخرى بين الكرد السوريين والأحزاب والقوى الكردية السورية، سواء السياسية منها أم المجتمعيّة، وبين مشروع حزب العمال الكردستاني عبر واجهته السورية. هذا الحزب دخل إلى الساحة الكردية السورية بعد التوافق مع نظام الأسد. هذه مسألة معروفة للقاصي والداني، وقد استطاع مع الوقت الهيمنة بعد أن تمكّن من إبعاد الجميع.
وفي سياق الحملة الأميركية على (داعش) في منطقة شرقي الفرات، وذلك بعد التوافق مع الروس، وتوزيع مناطق العمل والنفوذ؛ اعتمدت أميركا على قوات هذا الحزب لتنفيذ المهمات الأرضية، في حين اكتفت القوات الأميركية والدولية المتحالفة معها بالقصف الجوي. العلاقة هي ميدانية استخباراتية براجماتية. ولا أعتقد أنّ هناك مشروعًا أميركيًا لإنشاء كيان كردي في سورية كما يُروّج، ويُستخدم إعلاميًا، من قبل بعض القوى، سواء السورية أم الإقليمية. موضوع شرقي الفرات ارتبط بالوضع في المنطقة بصورة عامة، والعراق تحديدًا. وليس من المستبعد أن تقوم الولايات المتّحدة الأميركية بإدخال قواتها المنسحبة من العراق إلى المنطقة المعنية لتبقى قريبة من العراق؛ فالمنطقة هي متداخلة مع العراق جغرافيًا ومجتمعيًا.
الوجود الأميركي هناك هو حتى الآن مبنيّ على التوافقات مع الروس. لذلك هو وجود لا يخضع لضغوط. وسيستمر هذا الوجود ريثما تتم التوافقات الدولية والإقليمية. من دون شكّ، لن تفرّط الولايات المتّحدة الأميركية بتحالفها مع تركيا، بالرغم من كل التشنج الذي يهيمن حاليًا على العلاقة بينها. وتركيا هي الأخرى لا تستطيع -وفق الظروف الحالية- أن تتخلى عن علاقاتها مع الغرب والناتو والولايات المتّحدة الأميركية. ربما هناك تباينات وامتعاض من السياسات هنا وهناك، ولكن في نهاية المطاف هناك حسابات إستراتيجية ليس من السهل تجاوزها، أو القطع معها.
ما فائدة وجود الإدارة الذاتيّة لشمال وشرقي سورية المدعومة بالاستثمارات والمشاريع الأميركية والغربية، وهي معزولة عن محيطها السوري؟
هذه الإدارة تشكّلت قبل الدخول الأميركي إلى المنطقة، أعلنت صيغتها الأولى عام 2014. وهي إدارة شكّلها حزب الاتحاد الديمقراطي من طرف واحد، وحرص منذ اليوم الأول على ضم قوى وشخصيات تزينيّة من مكوّنات المنطقة، سواء من العرب أم السريان، وهي في معظمها كانت على علاقة مع النظام أو قريبة منه. ظهرت هذه الإدارة بالتناغم والتوافق مع نظام الأسد، وبناءً على تبادل الأدوار معه. ولم يكن للكرد السوريين أيّ رأي أو دور في تشكيل هذه الإدارة، إلّا من خلال الدور التزييني الذي منحه الحزب المذكور لبعض الأحزاب الهامشية التي ارتبطت بمشروع حزب العمال الكردستاني في سورية. وكان أبو بكر البغدادي قد سبق تشكيل هذه الإدارة بإعلان دولة (داعش) في سورية والعراق في عام 2013، واتّخاذه بعد ذلك الرقة عاصمة لتلك الدولة المزعومة، كما نتذكر جميعًا. ومن الطرائف التي ما زلت أتذكرها بهذه المناسبة أنّ بعض جهات المعارضة أصدرت في ذلك الوقت بيانات تنديد بالإدارة الذاتيّة، لكنها لم تعلن أيّ موقف من دولة (داعش)! وكان تعليقي في ذلك الحين (إذا كان المقصود هو الحرص على وحدة سورية ومستقبلها، فـ “دولة داعش” تمثّل مشروعًا أخطر من مشروع الإدارة الذاتيّة. حتى على المستوى الإصطلاحي مفهوم “الدولة” أوسع وأشمل من مفهوم “الإدارة الذاتيّة”).
بعد دخول الولايات المتّحدة الأميركية إلى المنطقة، على إثر التوافق مع الروس، وعلى الأرجح بناءً على توافق أمني ثلاثي أميركي-روسي-إسرائيلي، وبمعرفة إيرانية وربما تركية؛ تم التعامل مع هذه الإدارة كسلطة أمر واقع، وهناك مشاريع تنفذها المنظمات الدولية في المنطقة. حاليًا يتركز معظم جهود تلك المنظمات على الرقة وجنوب الحسكة، وهي المناطق التي خضعت لسلطة (داعش). هناك من يقول إنّ وضعية وجود سلطة، مهما كان نوعها، أو الموقف منها، أفضل من الفوضى. وربما الأميركان لهم هذا لموقف. ولكن في جميع الأحوال يبقى الوضع في شرقي الفرات جزءًا من الوضع السوري العام غير السوي حاليًا. فالأوضاع في منطقة إدلب -كما نعلم- ليست سوية؛ هناك الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ والفصائل المسلحة والتواجد التركي. من الذي يحكم؟ ومن الذي يتحكّم في الموارد بخاصة المعابر البرية؟ وكذلك الأوضاع في عفرين ومناطق الباب وغيرها. والأمر نفسه في المناطق الخاضعة -بالاسم- لسيطرة النظام، بينما في حقيقة الأمر هناك النفوذ الروسي والإيراني، والفصائل المذهبية العراقية، وميليشيات “حزب الله”.
الموضوع السوري بصورة عامة يحتاج إلى توافق دولي-إقليمي ينصُّ على ضرورة انسحاب جميع القوات والميليشيات الوافدة من سورية. ولكن هذا لن يتم قبل توافق السوريين أنفسهم. هذه الحالة إذا ما استمرت، فإنها ستؤدي، شئنا أم أبينا، إلى بروز فئات وشرائح تجد أنّ مصلحتها تتواءم مع الاستمرار في وضعية الانقسام والفوضى العارمة، لأنها تمكّنها من تحقيق ثراء فاحش، ما كان لها أن تحلم به في الأحوال العادية.
بتقديركم، ما الدور الذي سيلعبه الكرد في المرحلة القادمة، خاصة مع بداية عهد الرئيس الأميركي جو بايدن؟
أعتقد أنّ دور الكرد السوريين لن يكون بمعزل عن الوضع السوري العام. أما بالنسبة إلى موضوع دور حزب الاتحاد الديمقراطي، أي حزب العمال الكردستاني، فهو أمر يتوقف على توجهات الإدارة الأميركية الجديدة وخططها الخاصة بالتعامل مع الملف الإيراني والعلاقة مع تركيا. وسياساتها في سياق إعادة ترتيب الأمور في المنطقة. الحزب المذكور هو مجرد أداة اعتمدتها الإدارة الأميركية في إطار سياساتها البراغماتيّة، وبحثًا عن أوراق ضاغطة لا تكلفها كثيرًا، وتخفف عنها عبء ضغوطات الرأي العام الأميركي الذي ما كان ليقبل بإرسال الجنود الأميركان إلى حرب برية جديدة، لا سيما بعد التجربة المريرة في كل من العراق وأفغانستان، وقبل ذلك في فيتنام.
توجّه روسي لوضع دستوري شكلي وإجراء انتخابات صورية
أتوقف معكم للحديث عن مسار ومآلات مفاوضات جنيف، راجيًا أن تحدثونا عن نظرتكم إلى اجتماعات اللجنة الدستورية الأخيرة؟ كيف تقرأ موقف الائتلاف بعد تخليه عن خارطة طريق الحلّ التي وضعتها الأمم المتّحدة في القرار (2254) وفي بيان (جنيف1)؛ بقراره تشكيل “لجنة عليا للمفاوضات”؟
الحلّ المطلوب في سورية في نهاية المطاف هو الحلّ السياسي. ولكن هذا الحلّ يستوجب مقوّمات ومقدمات، حتى يكون حلًا واقعيًا مقبولًا مستدامًا. لا بدّ من البحث عن أسباب المشكلة، ومتابعة تطوراتها، ودراسة مآلاتها، وتحديد مسؤولية كل الجهات، ومن ثم التوافق على قواعد الحلّ الذي يرتكز على عملية انتقال حقيقية من النظام السابق إلى نظام سياسي جديد، يتجاوز الأسباب التي أدّت إلى قتل نحو مليون سوري، وتهجير ونزوح أكثر من نصف سكان سورية، هذا إلى جانب التدمير، والانهيار الاقتصادي المرعب الذي ينعكس اليوم بصورة كارثية على الواقع المعيشي للسوريين. وهذه المقوّمات غير موجودة راهنًا؛ فالنظام يتصرف وكأنه قد أنتصر، ويهدّد ويتوعّد ويخوّن كل الذين ثاروا عليه. هذا مع أنّ الجميع يعلم أنه لولا الدعم الروسي والإيراني، ولولا الميليشيات الوافدة، لما تمكّن هذا النظام من الاستمرار لأشهر، إن لم نقل لأيام. حاليًا توجد ثلاث مناطق نفوذ معلنة، فضلًا عن منطقة رابعة في الجنوب السوري لها وضع خاص، كما نعلم جميعًا، وذلك بناءً على المحددات الإسرائيلية، ومراعاة لوضع الأردن. أما المجتمع الدولي فإنه لم يأخذ موضوع الحلّ في سورية حتى الآن على محمل الجدّ، وكلّ ما هنالك لا يتجاوز نطاق عملية إدارة الأزمة.
سيدا مع وفد من المعارضة السورية أثناء لقاءهم مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أرشيف)
الدبلوماسي والأكاديمي الهولندي المعروف نيقولاوس فان دام، وهو الخبير في الشأن السوري منذ عقود، يتناول هذا الموضوع بوضوح في كتابه: «تدمير وطن». ويذهب إلى ما معناه: أنّ المجتمع الدولي لم يساعد السوريين عسكريًا لحسم موضوعهم، كما لم يساعدهم سياسيًا، ولم يتدخل كما ينبغي لإلزام النظام بقبول حلّ سياسي، بل غضّ النظر عن جميع جرائمه. وقد أدّى هذا الواقع إلى تداعيات ضمن مؤسسات المعارضة السورية. وبكل أسف، أفسح السوريون المجال أمام القوى الدولية والإقليمية للتدخل في أدق تفاصيل؛ فكانت التدخلات في تشكيل الائتلاف وتوسعته، ومن ثم كانت التدخلات في عملية تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات، وتشكيل الوفد المفاوض، وتشكيل لجنة الدستور. ومن حين إلى آخر، كانت الدول تتدخل لتحديد الأشخاص الذين يناسبون مقاساتها، وقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بكل وضوح في هذا المجال، بعد مؤتمر (الرياض2) وإعادة تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات.
شخصيًا، حرصت باستمرار على عدم المشاركة في مسار جنيف منذ بداياته الأولى؛ لأنني لم أكن مقتنعًا بجدّيّة المجتمع الدولي في مساعدة السوريين للوصول إلى حلٍّ عبر هذا المسار، وما زلت على قناعتي تلك. خارج نطاق هذا المسار، كانت هناك تفاهمات أميركية-روسية، دخلت بموجبها القوات الروسية إلى جانب النظام بغية منعه من السقوط، مقابل تحكّم الولايات المتّحدة الأميركية في منطقة شرقي الفرات، وحصول تركيا على مناطق عدّة في الشمال الغربي. وفي موازاة مسار جنيف، كان مسار أستانا الذي أسفر عن خروج المقاتلين من معظم المناطق السورية الداخلية، مثل حمص وغوطة دمشق وحلب والجنوب السوري. القرار رقم (2254) كان من المفروض أن يتّخذ من بيان (جنيف1) عام 2012، ومن قرار مجلس الأمن رقم (2118) عام 2013 مرجعيته، ولكن فجأة، بقدرة قادر وبضغط من الروس، تم تحوير المسار رأسًا على عقب، وأصبحت الأولوية للدستور، وتم السكوت عن هيئة الحكم الانتقالي، التي تتم الإشارة إليها من حين إلى آخر من جانب بعض أطراف وفود المعارضة الرسمية لذرّ الرماد في الأعين. هذا في حين أنّ التوجّه الروسي هو وضع دستوري شكلي، وإجراء انتخابات صورية، وإنّ الله يحب المحسنين، كما يقال. ومن هنا، كانت تلك الحملة الشعبية الواسعة على قرار الائتلاف تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات، وذلك بعد أن تلمّس الناس عبر التجربة كارثية نتائج التنازلات، وطريقة إخراجها. لا أعلم ما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت الائتلاف إلى إصدار هذا القرار، ولعله من المناسب أن يوجّه هذا السؤال لهم. ولكن قرارهم أثار كثيرًا من التساؤلات والشكوك، حتى اضطّر الائتلاف نفسه إلى تجميد القرار، لا إلغائه. ما هي الحكمة من وراء ذلك؟ من المفروض أن يجيب الائتلاف نفسه، بصدق، عن هذا السؤال. شخصيًا، لست متفائلًا بمسار جنيف حتى الآن. ولا أعتقد أنه سيسفر عن شيء، كل ما هناك أنه يعطي انطباعًا زائفًا بوجود سعي دولي من أجل الوصول إلى حلّ. وغالبًا ما يستخدم هذا المسار بصورة مناسباتيّة من قبل الجهات الدولية ذات التاثير على الملف السوري، وذلك للتنصل من المسؤولية. هذا في حين أنّ الدول المعنية تتوافق فيما بينها -من حين إلى آخر- على توزيع مناطق النفوذ، وتغيير حدودها، وتتوافق على قواعد التعامل في ما بينها، كل ذلك من دون أيّ اعتبار لرأي السوريين، ومن دون أيّ مشاركة سورية لا في المشاورات ولا في القرارات.
هل ترون أنّ هناك أملًا في إطاحة حكم بشار الأسد ونظامه ومنظومته الأمنية والعسكرية عبر مسار جنيف؟
المعطيات الحالية والمؤشرات الموجودة لا توحي بذلك. بل هنالك محاولات روسية حثيثة، عبر الضغط على الوسطاء الدوليين، لإقناع المعارضة بالتنازلات، واستخدام مصطلحات مراوغة، يمكن أن تُفسّر بأكثر من معنى. وإن قبول “المعارضة الرسمية” بهذه المصطلحات لا يمكن تفسيره إلا على أحد الوجهين: إما الجهل بمضمون تلك المصطلحات ودلالاتها، وما سيترتب على الأخذ بها؛ وإما الرغبة في عقد صفقة لمشاركة النظام في الحكم بهذه الصيغة أو تلك. هذا مع معرفة الجميع بأنّ هذا النظام لم يتنازل حتى الآن عن أيّ شيء، في إطار المفاوضات مع وفد “المعارضة الرسمية”، وما زال يتصرف وكأنه الطرف المنتصر في مواجهة الطرف المهزوم. وأشير في هذا المجال، على سبيل المثال لا الحصر، إلى مصطلحي “العدالة التصالحية” و”العدالة التعويضية”. إن مشكلة السوريين تتمثّل في غياب القيادة الوطنية المتماسكة التي يثق بها السوريون، الأمر الذي كان من شأنه التأثير في مواقف القوى الدولية والإقليمية. فهذه القوى اليوم تدرك الأوزان الحقيقة لمن يفاوضون باسم الثورة السورية، وهي تعرف حقيقة موقف السوريين منهم؛ لذلك تفرض عليهم التنازلات تباعًا. شخصيًا، لا أرى أيّ حلّ في الأفق، وأتمنى أن أكون مخطئًا، ولا أرى أنّ هناك أيّ إرادة جدية دولية لمساعدة السوريين على الوصول إلى الحلّ. من يدري؟ ربما يكون الهدف من ذلك هو الاستمرار في وضعية مناطق النفوذ إلى إشعار آخر، لتصبح كل البدائل التي لا يريدها السوريون اليوم مطروحة. النظام لم يعد كما كان، إنه محض حطام، ولكن وجوده ما زال ضروريًا للروس والإيرانيين الذين يحاولون من خلاله شرعنة وجودهم في سورية. لا أعلم عن أيّ شرعية يتحدثون؟ ولكن هذا هو المنطق الأعوج الذي يسير بموجبه المجتمع الدولي راهنًا، بكل أسف.
هل أصبحت مشكلتنا -السوريين- متركزة فقط على صياغة دستور جديد، بعد كل الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد الوحشي والاستبدادي والفاسد والمذهبي بحق ملايين المدنيين؟ ألم يخرج الشعب ثائرًا ومطالبًا برحيل رأس النظام وأركانه وأجهزته الأمنية ومؤسسته العسكرية الطائفية؟
مشكلة السوريين لن تُحلّ عبر دستور شكلي، على الأرجح لن يكتب، بل ربما ستفرضه الدول، إذا توافقت على حلٍّ ما. المشكلة هي في آليات تطبيق الدستور، والمؤسسات التي تلتزم به وتفسره، وتبتّ الخلافات حوله. وكل ذلك يستوجب وجود عملية فصل حقيقية بين السلطات: التشريعية والتنفيذية والقضائية. وشفافية واضحة، وإمكانية المناقشة والاعتراض، وتوفر آلية أكيدة واضحة فعالة للمساءلة والمحاسبة. وكل هذه الإجراءات لا تتوفر في نظام شمولي قمعي، يحكم بقوة أجهزة المخابرات والجيش التابعة له بصورة عضوية. نظام لا يتم البحث في إمكانية تغييره، بل هناك دعوات روسية للتكيف معه، ودعوات أميركية لتغيير سلوكه. هذا في حين تُبذل جهود عربية هناك وهنا لإعادته إلى الجامعة العربية، وبعضها تتواصل مع قياداته الأمنية، بغية التوافق على صفقات تراعي مصالحها وحساباتها، ولا تأخذ بعين الاعتبار تضحيات السوريين وتطلعاتهم. أعتقد أن على السوريين، بعد كل هذه التجارب والتضحيات، أن يتوصلوا إلى قناعة بأنهم، ما لم يحرصوا على قضيتهم وعلى مستقبل أجيالهم المقبلة، لن يفعل ذلك أحدٌ عوضًا عنهم. أما المراهنة على جهود الآخرين، فهذا معناه انتظار التوافق الذي سيكون بشروط الآخرين، وبما يناسب مصالحهم وحساباتهم، وخاصة بعد أن تبدلت الأولويات، وأصبحت مختلف الأطراف، خاصة الإقليمية منها، تسعى لضمان أولوياتها. أما الموضوع السوري، فقد بات بالنسبة إليها مجرّد ورقة من أوراق الضغط أو المساومة أو المقايضة. مسار جنيف في أساسه يقوم على بيان (جنيف1) كما نعرف جيدًا. وجوهر هذا البيان أنّ المحور الذي تتمفصل حوله كل الأمور الأخرى يتمثّل في هيئة الحكم الانتقالي. ولكن فكرة هذه الهيئة أيضًا غامضة ومبهمة وفق صياغة البيان. ومثل هذه الصيغ عادة تكون مألوفة في البيانات والقرارات الدولية التي تكون نتيجة توافقات الحد الأدنى، وهي توافقات غالبًا لا تسفر عن شيء في الواقع العملي، ما دامت الجهات الفاعلة غير متوافقة على طبيعة الحلّ. هذا ما يسمونه بالغموض الخلاق الذي يفسره كل طرف وفق ما يتناسب معه. أعتقد أنه في الوضع السوري لم يحصل التوافق التام بعد بين الروس والأميركان، ولكل طرف أسبابه وأولوياته ومسوغاته. مسار جنيف هو في نهاية المطاف عبارة عن وسيلة من وسائل إدارة الأزمة من دون معالجتها. وقد تمكّن الروس عبر مسار أستانا، ونتيجة الانكفاء الأميركي، من تغيير أولويات جنيف، وقد ساعدهم المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان ديمستورا في ذلك، وتجاوبت مع جهودهم جهات في المعارضة، بكل أسف. فبات التركيز على اللجنة الدستورية، حتى ظهر الخلاف بين السوريين، وكان عبارة عن خلاف تقني، في حين أنّ الجميع يعلم أنّ الجوهر يتمثّل في النظام السياسي وأجهزته المخابراتية والعسكرية التي تتحكّم في مفاصل الدولة والمجتمع ومصاير الأفراد. الروس يكسبون الوقت، وكذلك النظام، وهم يستعدون لإجراء الانتخابات الرئاسية في هذا العام وفق حساباتهم، وبمعزل عن النتائج التي يمكن أن تتوصل إليها اللجنة الدستورية أو لا تتوصل إليها. شخصيًا، لم ولن أعوّل على هذه اللجنة. المشكلة لن تحلّ من دون توافق دولي-إقليمي على مساعدة السوريين، ولكنها أولًا وأخيرًا تحتاج إلى توافق السوريين أنفسهم. لأنّ المصير في نهاية المطاف هو مصير شعبهم وبلدهم، ومصير ومستقبل أجيالهم المقبلة.
تركيا لا تستطيع تسليم كلّ أوراقها للروس
هل توافق الرأي القائل: “ما زال المسار السياسي السوري المعارض يعاني مشكلة إيجاد شخصيات قيادية تضمن استقلالية قراراتها في المرحلة المقبلة، بعيدًا عن أيّ استقطاب سياسي يتبع لجهات أجنبية تتعارض مصالحها في سورية”؟ ولماذا نعاني هذه المعضلة بعد نحو عقد من ثورة شعبنا؟
المشكلة لا تتمثّل في عدم وجود شخصيات قيادية؛ فالشخصيات موجودة باستمرار، والشعب السوري لديه القدرة الدائمة على تقديم المزيد، والسوريون في جميع أنحاء العالم معروفون بمهاراتهم وإبداعاتهم، وقدراتهم القيادية، ولكن المشكلة في عالم السياسة على وجه التحديد تتمثّل في عدم قدرة الشخصية القيادية على تقديم المفيد المنتظر من دون تموضعها ضمن فريق متكامل، متماسك، يتبادل أعضاؤه الأدوار والمهمات ضمن إستراتيجية واقعية مدروسة بعناية، تتمحور حول محددات وطنية جامعة؛ هذا مع توفير الآليات التي تضبط سير العمل، وتفسح المجال واسعًا أمام المساءلة والمحاسبة والمراجعات المستمرة. هذه المسائل لا استغناء عنها في أيّ مشروع سياسي، وهي كما نرى من مهمات الأحزاب والقوى السياسية، وليست من مهمات الأفراد، لأنها تفُوق طاقات الأفراد بكثير. وقد أشرنا إلى هذه المشكلة، وتوقفنا عندها في بدايات الثورة السورية؛ إذ لم تكن لدينا أحزاب قوية، قادرة سياسيًا وتنظيمًا وإعلاميًا ودبلوماسيًا على قيادة المرحلة المفصلية التي بدأت مع انطلاقة الثورة السورية وانتشارها لتشمل معظم المناطق السورية. أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية كانت قد أصبحت جزءًا من النظام. وإعلان دمشق، على اسمه الكبير والترويج الذي كان يتم له من قبل المثقفين وبعض القوى السياسية، لم يكن يمتلك الإمكانات التي تؤهله لقيادة المرحلة، وكذلك هيئة التنسيق الوطنية.
أما الإخوان المسلمون فقد كانوا يعانون خلافاتهم البينيّة من جهة، ومن جهة أخرى يعانون ضعف وجودهم وتأثيرهم التنظيمي في الداخل السوري. الأحزاب الكردية كانت في الأساس أحزاب مطلبيّة، إذا صح التعبير، ولم تكن تمتلك أصلًا مشروعًا لتغيير السلطة، أو الإسهام في تغييرها مع قوى المعارضة.
بحثنا في هذا الموضوع مطولًا في المراحل التحضيرية من تأسيس المجلس الوطني السوري، وقلنا في ذلك الحين بأننا نواجه مشكلة. ولكننا حاولنا ضمن حدود المستطاع الجمع بين الأفراد المعارضين ممن كانوا يمتلكون حضورًا بين السوريين، سواء عبر الكتابات والإعلام أم عبر تاريخهم المعروف للجميع في مواجهة النظام، وعملنا على إشراك ممثلي التنسيقيات الشبابية التي أسهمت بصورة أساسية في انطلاقة الثورة واستمرارية التظاهرات السلمية. وسعينا باستمرار من أجل دعوة جميع الأحزاب المعارضة للنظام للمشاركة في المجلس، وكنا نشدّد على المشروع الوطني السوري الذي ينبغي أن يكون بالجميع وللجميع. حرصنا على التواصل مع القوى السياسية: إعلان دمشق وهيئة التنسق والأحزاب الكردية والإخوان، كما تواصلنا مع الأشخاص الفاعلين من مختلف المكوّنات المجتمعيّة السورية، ومن مختلف الألوان الأيديولوجيّة. وشدّدنا على ضرورة التزام الجميع بالمشروع الوطني الذي يحترم خصوصيات الجميع، وعلى قاعدة العام المشترك السوري الجامع. ولكن سرعان ما بدأت الحساسيات بين الشخصيات والقوى السياسية؛ وهي حساسيات حاولنا معالجتها مرارًا وتكرارًا ضمن المجلس، خاصة بين الإخوان وإعلان دمشق. وحاولنا إقناع المجلس الوطني الكردي بدخول المجلس، وسعينا لتوسيع المجلس، ولكن كانت هناك جهود مستمرة من قبل بعض السوريين المعارضين لتشكيل جسم آخر لتجاوز أخطاء المجلس، كما قالوا. ولكن الذي حصل هو أنّ الائتلاف ظهر وهو يحمل في ذاته بذور أزمة بنيويّة لم يتمكّن من معالجتها، ولا أعتقد أنه سيتمكّن من معالجتها. والغريب في الأمر أنّ بعض القوى والشخصيات، ممن كانوا يتّهمون المجلس بأنه إخواني التوجّه، كانوا في مقدمة الذين تحالفوا مع الإخوان في مرحلة الائتلاف! هذا موضوع آخر نترك التفصيل فيه إلى مناسبة أخرى. باختصار: كان المجلس في طريقه، على عيوبه، إلى تشكيل فريق سوري متكامل يمتلك رؤية وطنية واسعة، وقد أثبت في أكثر من مناسبة قدرته على إدارة الخلافات البينيّة ومعالجتها. وكان المجلس متمسكًا بصرامة بمبادئ ومطالب الثورة. وهذا الأمر لم يكن يتناسب مع حسابات كثير من الدول التي كانت قد انضمت إلى مجموعة أصدقاء الشعب السوري لحساباتها الخاصة. المجلس كان نتيجة حوارات سورية-سورية، في حين أنّ الائتلاف كان توليفة إقليمية دولية، في التأسيس والتوسعة. وقد أشرت في كلمتي الافتتاحية لمؤتمر المجلس في الدوحة خريف 2012 إلى أنّ كل مساس بالمجلس معناه إطالة أمد الأزمة. وأعتقد أننا نعيش راهنًا ما حذرنا منه قبل نحو ثماني سنوات. مصيبتنا في الشرق أننا لا نستفيد من تجاربنا، بل دائمًا نلغي السابق، ونبدأ من الصفر، لذلك تكون النتائج صفرية، ما دامت لا تستفيد من الحالة التراكمية. نندم لاحقًا، ولكن في وقتٍ لا ينفع فيه الندم، بكل أسف. لنترك كل المسائل والحساسيات الشخصية جانبًا؛ المجلس كان فرصة واقعية ناجحة تحتاج إلى التطوير من دون شكّ، ولكننا عوضًا عن تطويرها دمّرناها، ولم نقدم الأفضل، مع الأسف. ومع دخول المال السياسي اختلطت الأمور، وتبعثرت الجهود، وأصبحت إمكانات العمل المشترك أصعب وأصعب. هذه الوضعية غير السوية ستستمر، ما لم تتشكّل قوى سياسية ناضحة، قادرة على الجمع بين الناشطين والشخصيات الوطنية السورية التي أثبتت حرصها على قضية شعبها في مختلف المناسبات.
أعتقد أنّ المطلوب حاليًا هو تشكيل مثل هذه الأطر السورية، من قبل السوريين أنفسهم. أما المراهنة على تشكيل أجسام سياسية جديدة بدعم إقليمي دولي، فهذا معناه تسليم زمام المبادرة من جديد إلى الجهات الداعمة والممولة. نحن في حاجة إلى تحالفات وطنية بين القوى السياسية المؤمنة بالمشروع الوطني السوري. وهناك إرهاصات ومحاولات، ولكنها لمّا تنضج بعد، ربما مستقبلًا نشهد أمرًا من هذا القبيل.
لا تزال إدلب تشكّل نقطة الخلاف الروسي التركي، بالرغم من تنفيذ اتفاق الخامس من آذار 2020 وتسيير دوريات مشتركة، ما السبب برأيكم؟ وما هو مصير الشمال السوري في المستقبل المنظور وبعيد المدى؟ وهل ترجّحون استمرار الهدنة في ظل الحديث عن عملية عسكرية لنظام الأسد؟
الوضع في إدلب على وجه التحديد، وفي الشمال عمومًا، سيستمر على حاله من دون تغييرات هيكيلية كبيرة، إذا صح التعبير. فتركيا لا تستطيع تسليم كل أوراقها إلى الروس، وهي تحظى في هذا المجال بتفاهم ودعم أميركيين. الروس يحاولون التهديد من حين إلى آخر. والنظام يعلن عن تحركات بهدف استعادة المنطقة، ولكنه يدرك تمامًا أنّ الموضوع مرتبط بتفاهم إقليمي-دولي. ربما تكون هناك مناوشات للاستهلاك المحلي، وممارسة الضغط، من وقت إلى آخر. إلّا أنّ الجميع في انتظار توجّهات الإدارة الأميركية الجديدة الخاصة بالملف السوري بصورة عامة، وإدلب ستكون بطبيعة الحال بندًا من بنود الملف المعني.
في تحليلٍ لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المقرّب من الإدارة الأميركية، تحت عنوان «قانون قيصر يدخل حيّز التنفيذ: زيادة عزل نظام الأسد»، تأكيدٌ أنّ “العقوبات لم تفلح حتى الآن في ثني الرئيس بشار الأسد عن تغيير سياساته”. فما الفائدة منه إذن غير تجويع الشعب السوري في الداخل؟
لقد أثبتت التجارب العديدة في العالم، وفي منطقتنا، أنّ الأنظمة المستبدّة الشموليّة التي تحكم شعوبها بالحديد والنار لا تسقط ولا تتغيّر بالعقوبات الاقتصادية. لدينا مثال العراق في عهد صدام حسين، ومثال إيران. وسورية لن تكون استثناء من دون شكّ. خاصة أنّ نظام الأسد يحصل على الدعم الروسي والإيراني، وربما هناك دول أخرى، منها عربية، تساعده في عملية الالتفاف على العقوبات والاستمرار.
المغزى السياسي لهذه العقوبات هو المهم؛ فـ “قانون قيصر”، واسمه له دلالة خاصة، الذي يمثّل حصيلة التقاطع بين الجهود الكبيرة التي بذلها ناشطون ضمن الجالية السورية الفاعلة في الولايات المتّحدة، وبين الحسابات الأميركية، جاء ليؤكد عدم الموافقة الأميركية على الجهود التي كانت تبذل لفك العزلة عن النظام. فقد كانت هناك جهود حثيثة تبذل في الجامعة العربية لإعادة النظام إليها، ولكنها توقفت بعد وصول الإشارات الأميركية. وقد جاء هذا القانون ليؤكد للروس أنّ الأمور في سورية بعيدة جدًا عن القول بأنها في طريقها نحو أن تصبح طبيعية. فمشروع عودة اللاجئين الروسي أخفق حتى الآن، وكذلك موضوع إعادة الاعمار، وغير ذلك من المحاولات الروسية التي تكشف عن نزعة استعجالية لدى الروس، تهدف إلى تجاوز الموضوع السوري. وذلك ربما لشعورهم بالمأزق الذي سيواجههم مستقبلًا، وربما لحاجتهم إلى التفرغ لمنافسات أخرى سواء مع الأميركان أم مع الصينيين في شتى أنحاء العالم، وفي مختلف الميادين.
الأزمة الاقتصادية التي يعانيها السوريون ليست وليدة هذ العقوبات، حتى الآن على الأقل. بل هي بسبب الحرب التي أعلنها النظام على غالبية السوريين المناهضين لحكمه، وهي كذلك نتيجة للفساد الأسطوري الذي بات معلمًا من معالم النظام الفارقة. ولكن على وجه العموم، الموضوع السوري يحتاج إلى المعالجة. والمعالجة الحقيقية لا بدّ أن تكون سببية وليست عرضية، وهذا فحواه أنه لن تكون هناك معالجة ناجحة من دون عملية انتقال سياسي حقيقية، تُبعد المسؤولين عن المأساة السورية، وتحاسبهم بموجب محاكمات عادلة. ومن أولويات المعالجة المطلوبة، وجود مشروع وطني عام لإنجاز مصالحة وطنية، ووضع الأسس لوثيقة عهد وطنية تطمئن جميع السوريين من دون أيّ تمييز. وثيقة يتوافق عليها السوريون، وتعرض على الاستفتاء العام الحر بعد توفير البيئة الآمنة، ومن ثم يأتي موضوع الدستور الذي سيكون بعد عملية الانتقال السياسية والتوافق الوطني العام، ليكون أساسًا لانتخابات الهيئة التشريعية والحكومة؛ وبعد التوافق على طبيعة النظام السياسي وشكله الإداري، خاصة من جهة فصل السلطات، والتوافق على آلية لحلّ الخلافات؛ وكل ذلك لن يكون ممكنًا من دون طمأنة السوريين جميعًا، وتعزيز الثقة بينهم من دون أيّ تمييز أو استثناء.
في نهاية حوارنا، ما الذي ينشده الكرد السوريون اليوم؟ وكيف ترى شكل سورية المستقبل كدولة لكل أبنائها من كل المكوّنات السورية؟
الكرد السوريون هم جزءٌ لا يتجزأ من الشعب السوري. وهم جزءٌ أساسي من المشروع الوطني السوري الذي لا بدّ أن يجمع بين سائر المكوّنات المجتمعيّة السورية، بغض النظر عن انتماءاتها الدينية والمذهبية والقومية، وتوجّهاتها السياسية. أعتقد أنّ إمكانية توحيد السوريين، على قاعدة المشروع الوطني العام الجامع، هي إمكانية واقعية وقابلة للتطبيق، على الرغم من الظروف الصعبة التي نعيشها حاليًا بسبب توزع البلاد بين مناطق نفوذ، وحصول كثير من التباعد بين المكوّنات السورية، نتيجة سياسات النظام، خاصة بين العلويين والسنّة. وإن استعانة النظام بحزب الاتحاد الديمقراطي جعلته فاعلًا سياسيًا عسكريًا ضمن الساحة الكردية السورية، والسورية العامة، حتى أصبح الحزب، عبر (قسد)، خاصة بعد أن اعتمد عليهم الأميركان في المعارك التي كانت مع (داعش)، قوةً أساسيةً في الواقع السوري العام نفسه. وقد أدّى هذا الأمر إلى حالة من التوتّر والتشنج بين العرب والكرد، على الرغم من معرفة الجميع بأنّ مشروع حزب الاتحاد هو مشروع وافد مقحم يرتبط بأجندات إقليمية لا علاقة لها بمصلحة الكرد السوريين، والسوريين على وجه العموم. إذا توافقت القوى الدولية على مساعدة السوريين، عبر رفع اليد عن بلادها، ورفع الغطاء السياسي عن النظام؛ فستكون هناك إمكانية كبيرة لتوافق السوريين. أما شكل الدولة فلن يكون بالشكل المركزي الذي كان عليه من قبل. نحن في حاجة إلى نظام لا مركزي واسع، كمرحلة أولى على أقل تقدير؛ حتى يتعافى الجسم السوري، ويترسخ الفكر الوطني الجامع الذي يتجاوز سائر الانتماءات ما قبل الوطنية على قاعدة احترامها، واحترام الحقوق المتربتة عليها، وكل ذلك ضمن إطار الدولة الوطنية السورية، وعلى كامل التراب السوري، الدولة الحيادية، قوميًا ودينيًا وأيديولوجيًّا، الدولة التي تكون فعلًا بجميع ولجميع مواطنيها.
مركز حرمون
————————-
بيان مشترك.. روسيا والأسد: الدول الغربيّة تنهب خيرات سوريا
أصدرت هيئة التنسيق الحكومية المشتركة (سوريا وروسيا) بياناً مشتركاً، اليوم الخميس، اتّهمت فيه الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة بأنّها تسعى إلى نهب ثروات سوريا وليس محاربة الإرهاب في البلاد.
نقلت وسائل إعلام روسية، البيان الذي صدر اليوم، حيث جاء فيه: “كل الخطوات التي تتخذها دول الغرب لا علاقة لها بمحاربة الإرهاب في سوريا، ويتمثّل هدفها الحقيقي في نهب الثروات الوطنية لدولة ذات سيادة تعتبر عضواً في الأمم المتحدة دون أي عقاب”.
وأضاف البيان، أنّه يتم من أجل ذلك استخدام النهج إلى تقسيم سوريا وزيادة الوجود العسكري الأمريكي في المناطق الغنية بمصادر الطاقة، شمال شرق البلاد.
روسيا
وأشار البيان إلى أنّ “هذا الأمر يؤكده، بما في ذلك تصريح الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي أعلن عملياً النفط سبباً أهم لوجود مجموعة القوات الأمريكية على أراضي سوريا”.
وشدّد البيان المشترك، أنّ قوات التحالف الدولي، التي تبرر وجودها في سوريا بمكافحة الإرهاب، تقوم عملياً بتحفيز أنشطة التشكيلات العصابية عبر تزويدها بالأسلحة والذخائر والأموال وتقدم تدريبات للمسلحين.
وختم البيان: “بالتزامن مع ذلك يجري اتباع نهج الخنق الاقتصادي لسوريا، إلا أنّنا مقتنعون بأنّ الوجود العسكري غير الشرعي للدول الغربية بالذات وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في أراضي سوريا يتطلب اهتماماً أساسياً من قبل المجتمع الدولي، حيث يسهم كل ذلك في تدهور مستوى الجريمة والأوضاع الاقتصادية في الجمهورية بل منطقة الشرق الأوسط برمتها”.
يشار إلى أنّ رأس النظام السوري، شرعن التواجد الروسي في سوريا، بعد أن استحوزت “موسكو” على الموانئ في الساحل، ناهيك عن الدعم الذي قدمته له.
وتفرض روسيا على النظام السوري تنفيذ سياساتها مقابل دعمها له، والنظام السوري يدرك جيداً بأنّه بدون الدعم الروسي لن يستطيع البقاء طويلاً، بسبب الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد.
ليفانت – وكالات
———————–
هل ما زال ممكناً منع الانهيار في سورية؟/ مروان قبلان
ينشغل المثقفون والناشطون السوريون من جميع الاتجاهات السياسية والفكرية هذه الأيام في البحث عن مخرج من الحال الكارثية التي آلت إليها بلادهم بعد عشر سنوات دامية من الصراع. المسألة ليست سهلة، والمخرج غير واضح، والكلّ يتلمس طريقه في العتمة، من دون نتيجة، خصوصا أن قدرة السوريين على التأثير في مستقبل بلادهم تتقلص باستمرار، مع تكرّس الوجود الأجنبي فيها، وبلوغ جمهور النظام والمعارضة حافّة الانهيار.
لا يجب أن يكون هناك خلاف كبير بين السوريين بشأن أن بلادهم باتت، منذ السنة الثانية لثورتها، ساحة صراع لقوى إقليمية ودولية لا تقيم وزنا لمصالحهم، ولا تأبه بمصيرهم. هذا يجب أن يقرّ به الجميع خطوة أولى نحو الخروج من المأزق، فإيران لم تهرع لمساعدة النظام حبًا فيه أو وفاءً له، بل وجدت في الصراع فرصةً لاستكمال بناء قوس نفوذها الإقليمي، خصوصا مع خروج الأميركيين من العراق عام 2011. وعندما يئست من ذلك، مع احتدام الصراع على سورية، اقتصر اهتمامها في السيطرة على “كوريدور” برّي، وإنشاء سلطات موازية، تؤمن وصولها إلى حليفها في لبنان، حزب الله. بالنسبة لإيران، ليست سورية سوى خط دفاع، أو ساحة صراع، تمنع عبرها انتقال المعركة إلى طهران وقم وأصفهان، وهي من ثم غير معنية بدمارها، تقسيمها، أو حتى بفناء أهلها، من النظام أو المعارضة، لا فرق ما دامت المعركة تظل بعيدة عن أرضها. دول الخليج العربية لم تكن يوما مهتمةً بمساعدة الثورة في الوصول إلى نظام ديمقراطي، يحقق للسوريين تطلعاتهم في حياة حرّة كريمة، بل وجدت في سورية ساحة صراع لاستنزاف إيران، وكسر قوس نفوذها الذي بات يهدّد الخليج بعد انهيار العراق. ينطبق الأمر نفسه على الروس والأتراك والأميركيين والأوروبيين وغيرهم، كلّ يطمح إلى تحقيق مصالحه في بلدٍ يحظى بأهمية استراتيجية، لا تسمح بتركه للآخرين.
بالنتيجة، تجثم على الأرض السورية اليوم خمسة جيوش أجنبية وتوابعها، تهدّد وحدة سورية وكيانها السياسي، مع ظهور توجّه أميركي إلى الاعتراف بالإدارة الكردية في مناطق شرق الفرات، ووجود توجه تركي إلى إقامة كانتون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب البلاد، ومنطقة “آمنة” في مناطق سيطرة فصائل “الجيش الوطني” في الشمال، واستماتة إيرانية للاحتفاظ بالكوريدور الواصل بين البوكمال والحدود اللبنانية، وتوافق روسي – إسرائيلي على منطقة عازلة في الجنوب تمنع الوجود الإيراني على الحدود، وسيطرة روسية على الساحل السوري بموانئه وحصّة سورية فيه من نفط شرق المتوسط وغازه.
لقد صرف السوريون السنوات العشر الأخيرة في الصراع على رؤيتهم سورية ومستقبلها. أما وقد باتت سورية نفسها مهدّدة بوجودها، فقد صار لزامًا الارتقاء إلى مستوى الخطر المحيق بها. ويتحمّل النظام هنا المسؤولية أكثر من غيره، إذ يبقى في موقع أفضل للمبادرة ومد اليد للتوصل إلى حلٍّ يسمح بجمع السوريين حول صيغة إنقاذ، بعيدا عن الأجندات الخارجية والمصالح الضيقة. أما العناد والاستمرار في ادّعاء النصر فلن يؤدّيا إلا إلى انهيار كامل للبلد الذي يصرّ النظام على حكمه، فأيّ نصرٍ هذا ونحو 40% من الأراضي السورية، بما فيها من ثروات، خارج السيطرة؟ وأي نصرٍ ذاك، والنظام عاجز عن إطعام السوريين تحت حكمه، دع جانبا توفير الخدمات لهم؟ وماذا عن المليشيات والمرتزقة التي تعيث في سورية؟ المعارضة مطالبة بأن تتحلّى بالشجاعة، وتبدأ تبنّي خطاب قد لا يروق لجمهورها، فالقيادة الحقيقية لا تكون في إسماع الناس دائما ما يحبون، بل في إسماعهم أحيانا ما لا يحبون. من المهم أن تعلن المعارضة، في هذه المرحلة، رفضها سياسة تجويع السوريين في مناطق النظام، كما رفضت سياسة النظام في تجويع السوريين في مناطقها، ولنستعد فعلًا، لا قولاً، شعار “الشعب السوري واحد” الذي أطلقته الثورة في يومها الأول.
يبقى أن نقرّ بوجود نقاط توافق جوهرية عديدة بين النظام والمعارضة، يمكن أن تشكل أرضية لحوار حقيقي نحو الحل، أهمها الاتفاق على وحدة الأراضي السورية، ورفض أي نزعات انفصالية، والتأكيد على سيادة سورية واستقلالها، وخروج كل القوات الأجنبية من جيوش ومليشيات منها، ورفض تحويل سورية إلى أرض جهاد أو ساحة صراع لأيٍّ كان، ورفض سياسات المحاور والانخراط فيها، واعتبار الجولان أرضا محتلة لا مساومة عليها. إذا لم نستطع أن نبني على هذه النقاط، سوف يتحمّل النظام مسؤوليةً تاريخية عن انهيار البلد وتفكّكها، وإذا لم تتجاوب المعارضة سوف نبكي، كما قالت أم عبد الله الصغير، بحسب الرواية، “كالنساء وطنًا لم نستطع أن نحافظ عليه كالرجال”.
كاتب وباحث سوري
العربي الجديد
====================
تحديث 05 أذار 2021
————————-
عشر سنوات على مأساة الشعب السوري ـ أما من نهاية؟/ عبد الحميد صيام
انشغل العالم قليلا عن المأساة السورية في السنة الأخيرة، خاصة بعد اتفاقية وقف إطلاق النار التي توصل إليها الطرفان الروسي والتركي في منطقة إدلب، منذ 6 مارس 2020. تطورات عديدة أدت إلى تراجع الأضواء عن الوضع المأساوي للشعب السوري، داخل البلاد وخارجها، من بينها انتشار وباء كورونا، ومأساة اليمن الإنسانية، والصراع في ليبيا، واتفاقيات التطبيع الخيانية التي انزلقت إليها دول عربية أربع، وأزمة سد النهضة ومجازر تيغراي، وانقلاب ميانمار، والحرب بين أرمينيا وأذربيجان، والانتخابات الأمريكية التي شغلت العالم لأكثر من شهرين، عندما رفض الرئيس ترامب قبول نتائجها وأصر على أنها مزورة.
لكن الحقيقة أن المأساة السورية ما زالت قائمة وعميقة، وتبدو آفاق الحلول موصودة لغاية الآن. الشعب السوري ما زال يعيش المأساة بتفاصيلها كل يوم. يعيشها في مخيمات اللجوء، وفي مناطق التشرد في جبال سوريا، التي تمرّ في موجة صقيع وثلوج قاسية.. يعيشها في دول الشتات واللجوء الإنساني، حيث التمييز والكراهية التي يرونها في عيون العنصريين.. يعيشها حتى في بعض دول الجوار التي كانت لسوريا أفضال عليها، سواء بحمايتها من هزائم محققة، أو باستقبال مئات الألوف الذي فروا من القصف الصهيوني الشامل. ونود أن نلقي بعض الأضواء على الناحية الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري، استنادا إلى تقارير الأمم المتحدة الموثقة رسميا.
الأوضاع الإنسانية بعد عشر سنوات من الانتفاضة الشعبية
ما زال أكثر من نصف الشعب السوري أي نحو 15 مليونا بين لاجئ ومهجر ومشرد وسجين، أو تحت بند ما يسمى الإخفاء القسري. تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين المسجلين، الذين يصل عددهم إلى 3.3 مليون شخص. أما في لبنان، فيعيش حوالى 70% من اللاجئين تحت خط الفقر، حيث لا توجد مخيمات رسمية، ونتيجة لذلك، يعيش أكثر من مليون سوري مسجل في أكثر من 2100 مجمع وموقع في أنحاء البلاد. لقد أعرب 87% من اللاجئين السوريين عن رغبتهم في العودة إلى بلادهم لكن 83% من الذين يرغبون في العودة قالوا، إن العودة ليست آمنة سواء لأسباب أمنية، أو لأسباب معيشية، أو لعدم توفر السكن المناسب في البلدات التي هجروا منها. ويعاني نحو 12.4 مليون سوري من قلة في الغذاء من بينهم 4.5 مليون شخص إضيفوا إلى هذه الفئة خلال العام الماضي. لقد تعرض الاقتصاد السوري الهش لصدمات متعددة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، كاد ينهار لسببين رئيسيين إضافيين: انتشار وباء كوفيد -19، وتطبيق الولايات المتحدة لقانون قيصر على سوريا، الذي دخل مرحلة النفاذ في 17 يونيو 2020، بهدف معاقبة النظام وتعميق عزلته، لكن الذي تأذى بسبب هذه القانون هو الشعب السوري وليس النظام.
أدى هذا التعثر الاقتصادي إلى انخفاض جوهري في قيمة الليرة السورية، وصل في ذروته إلى نحو 3000 ليرة للدولار الواحد، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمواد الأساسية الأخرى بأكثر من 200%. وقد أقر 70% من السوريين بأنهم اضطروا للاقتراض السنة الماضية، أو أنهم باعوا بعض ممتلكاتهم من جواهر أو مواشٍ. واعترف الآباء بأنهم تعودوا على وجبة أقل كي يوفروا الطعام لأولادهم. لقد انتشرت أعراض فقر التغذية عند الأطفال، حيث يوجد أكثر من نصف مليون طفل مصابين بقصر القامة لقلة الغذاء، وفي المناطق الشمالية والشمالية الشرقية هناك طفل من كل ثلاثة مصاب بقصر القامة.
يبلغ عدد المشردين داخليا في سوريا الآن نحو 6.7 مليون شخص، ثلثهم يفتقر إلى المأوى المناسب. هذا يعني أنهم يعيشون في مبانٍ متضررة أو غير مكتملة، أو في أماكن عامة مثل المدارس، أو في خيام لا توفر حماية كافية من العوامل الجوية، وهو ما شاهدناه أخيرا أثناء موجات البرد والثلج والصقيع. وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من ثلاثة ملايين شخص في جميع أنحاء سوريا، يحتاجون إلى نوع من المساعدة للإيواء الآمن في فصل الشتاء. العائلات النازحة معرضة للخطر بشكل خاص، وكذلك في المجمعات في المناطق المرتفعة، مثل أجزاء من ريف دمشق. وبالفعل، تتسبب الأمطار الغزيرة في حدوث فيضانات في بعض المناطق، أدت إلى تدمير مئات من الخيام في مواقع النزوح في إدلب وغرب حلب. وتشير تقارير مكتب منسق الشؤون الإنسانية، إلى أن سوريا من أكثر الدول المزروعة بالألغام. وقد أدت هذا الألغام في العشر سنوات الأخيرة إلى مقتل ما لا يقل عن 2601 مدني من بينهم 598 طفلاً، و267 امرأة، و8 من الكوادر الطبية، و6 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية. وجاء في آخر تقرير للجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، الصادر بتاريخ 22 فبراير 2021، أن السوريين تعرضوا خلال سنوات النزاع لهجمات بالأسلحة الكيميائية، بلغت 38 حالة، استوفت 32 منها معيار الإثبات ونُسبت إلى القوات الحكومية السورية، وحالة واحدة نُسبت إلى تنظيم الدولة. وفي الحالات الخمس المتبقية، لم تتمكن اللجنة من إسناد المسؤولية. كما عانى السوريون في جميع أنحاء البلاد من انتهاكات الحق في الصحة والغذاء، والحق في مستوى معيشي لائق، بسبب فرض الحصارات، والحرمان من الحصول على المعونة الإنسانية، وتدمير المرافق الطبية، وما نتج عن ذلك من عدم إمكانية الحصول على الرعاية الطبية الأساسية، والحرمان من فرص الحصول على السكن والتعليم، وانهيار الاقتصاد السوري.
أما النساء فكن أكثر المتضررين من الحرب. وقد تعرضن للعنف الجنساني والاغتصاب من الجماعات المتحاربة كافة، بمن فيها قوات النظام والميليشيات التابعة له والجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة، جبهة تحرير الشام لاحقا. وفُرضت أشد القيود على النساء والفتيات في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية، حيث مُنعن إلى حد كبير من الخروج بدون محرم، ومن المشاركة في الحياة العامة. وأخضع تنظيم الدولة الإسلامية فتيات لا تتجاوز أعمارهن 9 سنوات للعبودية الجنسية، وغيرها من أشكال العنف الجنسي، ودأب على تجنيد الأطفال واستخدامهم للمشاركة المباشرة في الأعمال العدائية. أما أعداد القتلى الذين سقطوا في الحرب من جميع الأطراف، وأكثرها على أيدي النظام وحلفائه نتيجة الغارات الجوية والبراميل المتفجرة والصواريخ والقذائف والإعدامات، فتصل إلى نصف مليون ضحية، حسب المركز السوري لبحوث السياسات، ونحو 400 ألف حسب مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية، ونحو 162 ألفا حسب مركز توثيق الانتهاكات و226274 حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، من بينهم 14391 بسبب التعذيب. وهناك 100000 تعرضوا للإخفاء القسري.
هل من بصيص أمل؟
الصورة لغاية الآن تبدو قاتمة، حتى اللجنة الدستورية التي عقدت عدة اجتماعات في جنيف، لم تتفق على شيء. ما زال من يعتقد أنه قادر على فرض الحل العسكري. لكن صاحب القرار في الحسم العسكري هو الاتحاد الروسي، ولا أعتقد أن هذا القرار في مصلحة روسيا حاليا، وهي ترتب أوراقها للتعامل مع إدارة بايدن، الذي طرح منذ حملته الانتخابية فكرة الحلول الدبلوماسية، بعيدا عن استخدام القوة، بل اللجوء إلى القوة الناعمة، كما قال. إضافة إلى أن روسيا لا تريد مواجهة مع تركيا في منطقة الشمال، وهي التي تعمل ببطء لإبعاد تركيا عن حلف الناتو، والاقتراب أكثر من روسيا بعد صفقة صواريخ أس-400. أما إيران فرغم وجودها على الأرض في سوريا فلم تعد ورقتها رابحة، بل إن روسيا تسعى بكل السبل إلى إقصائها عن المشهد السوري، حيث سمحت لإسرائيل أو غضت الطرف، لتقوم باستهداف المواقع الإيرانية، بدون أدنى احتجاج. من جهة أخرى فإن روسيا غير قادرة اقتصاديا على تحمل مسؤولية إعادة اللاجئين والمهجرين من جهة، وإعادة إعمار سوريا من جهة أخرى، التي تقدر بأكثر من 600 مليار دولار. لا بد لإشراك المجتمع الدولي وبعض الدول العربية المستعدة مثل، الإمارات التي تتمتع بعلاقات مميزة مع النظام السوري وروسيا في الوقت نفسه. كل هذا يعيدنا إلى حقيقة أن المسائل متشابكة تماما وأن البداية ستكون بحل الأزمة الإيرانية الأمريكية. فإن عادت الولايات المتحدة للاتفاقية النووية لعام 2015، ورفع الحصار الاقتصادي عن إيران، سنرى أن الملفات العالقة كافة، ستبدأ تتحرك في اتجاه الحلول السياسية، ابتداء من اليمن مرورا بليبيا وصولا إلى سوريا. لكن علينا أن نتذكر أن الكيان الصهيوني، المستفيد الأكبر من كل ما يجري في المنطقة، سيعمل بكل الطرق على منع الولايات المتحدة من العودة للاتفاقية.
الشعب السوري لا يستحق كل هذه العذابات.. إنه أكثر شعوب المنطقة عروبة وحضارة وكرما وتضحية وأخلاقا.. فتح حدوده وبيوته وقلوبه لكل الهاربين من جحيم أوطانهم، وعاملهم معاملة الأخ والابن والبنت والجار والحبيب. اتكأ عليه الفلسطيني واللبناني والعراقي والكردي والأرمني والدرزي واليزيدي والتركماني والشيشاني، فلم يتعب ولم يلن ولم يتأفف ولم يشكُ. فتح بيوته وقلوبه وتقاسم معهم جميعا الخبز والهم والأمل. فهل سنرى خلال عام 2021 نهاية لهذه الحرب القذرة؟
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
القدس العربي
————————-
تحركات دولية لمحاسبة النظام السوري على انتهاكات حقوق الإنسان/ عدنان أحمد
تتزايد المطالب الدولية بضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في سورية، فيما أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية أن لديها ما يكفي من المعلومات الموثوقة عن تورط أكثر من 120 شخصا في سورية بارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، بدأت كندا بالتحرك رسمياً لمحاسبة النظام السوري على ارتكابه انتهاكات وجرائم بحق الشعب السوري منذ عام 2011، وذلك عبر طلبها إجراء مفاوضات رسمية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب لمحاسبة النظام على انتهاكاته التي وصفتها بأنها “لا تحصى”.
وقال وزير الخارجية الكندي مارك غارنو إنه “في بيان له أمس الخميس على مدى العقد الماضي، شن النظام السوري هجمات وحشية ومروعة على شعبه، وأمل كندا أن يخدم عمل اليوم لتقريبنا من الحقيقة والعدالة والمساءلة. شعب سورية لا يستحق أقل من ذلك”، وفق “رويترز”.
وأضاف غارنو أن “كندا دعت مراراً نظام الأسد إلى إنهاء الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان ضد مواطنيه، من خلال قيادة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه تجاهل ذلك”، وهو ما يدفع كندا لـ”طلب التفاوض بشأن نزاعها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب، وضرورة محاسبة النظام في سورية على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي”.
وأكد غارنو أن “موقف كندا الراسخ بأن حقوق الإنسان غير قابلة للتفاوض”، وأن “السوريين عاشوا عقدا من المعاناة التي لا توصف على يد نظام الأسد، وسيكون السلام المستدام ممكناً فقط بعد محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات”.
وكانت هولندا تقدمت بطلب مماثل في سبتمبر/ أيلول العام الماضي، وتم توثيقه من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن سورية.
وكانت اللجنة الدولية المستقلة المعنية بسورية أعلنت أن لديها ما يكفي من المعلومات لإدانة 121 شخصا من جميع أطراف النزاع في البلاد، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، غالبيتهم من النظام السوري.
وقالت اللجنة، في تقرير لها قدمته قبل أيام لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن “لديها ما يكفي من المعلومات الموثوقة عن تورط 121 من هؤلاء الأفراد في ارتكاب جريمة أو انتهاك على نحوٍ يفي بمعيار الإثبات الذي وضعته من جميع الأطراف”، مشيرة، في مقدمة تقريرها، إلى أن معظمهم من قوات النظام السوري، عندما قالت “كانت اللجنة قد وثّقت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها القوات الحكومية، ومجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان ارتكبتها الجماعات المسلحة غير الحكومية”.
وأوضحت اللجنة أنه “منذ بدء عملها بتجميع قوائم سرية بأسماء مرتكبي الانتهاكات والجرائم في سورية من جميع أطراف النزاع، جمعت معلومات أولية عن أكثر من 2003 أشخاص من الجناة المزعومين”.
ولفتت إلى أن ما تملكه من معلومات عن هؤلاء سوف تستخدمه لمساعدة عمليات المساءلة الدولية وتلك التابعة لدول ثالثة، بما في ذلك الآلية الدولية المحايدة، للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة، وفق تصنيف القانون الدولي.
ويقول حقوقيون سوريون إن الأسماء الواردة في التقرير عن النظام السوري تضم، إلى جانب ماهر الأسد شقيق رئيس النظام، 8 أسماء من القوى الجوية التابعة للنظام، والذين أُدينوا سابقا بتنفيذ ثلاث ضربات كيماوية على اللطامنة 2017 بريف حماة، يتصدرهم الطيار محمد الحاصوري، فضلا عن اللواء جميل الحسن، رئيس المخابرات الجوية سابقا، وعلي مملوك رئيس “مكتب الأمن الوطني”، واللواء عبد السلام محمود رئيس فرع التحقيق في المزة.
وكان رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسورية باولو سيرجيو بينيرو أكد، خلال ندوة رفيعة المستوى أقيمت في جنيف الثلاثاء الماضي، أن مطالب الضحايا بتحقيق العدالة والمساءلة “تعد عنصرا جوهريا لإقامة السلام الدائم في سورية”.
وشدد على “ضرورة فعل المزيد لإطلاق سراح المعتقلين تعسفيا، وتحديد أماكن وهويات المفقودين، واستعادة التوثيق المدني وحماية حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمسكن والأرض والممتلكات من بين أمور أخرى”.
وذكر رئيس لجنة التحقيق المستقلة أن “الأطراف المتحاربة في سورية تحاول منذ عقد من الزمن حل الصراع بالسبل العسكرية، مما سمح بانتهاك جميع حقوق الإنسان”. وقال إن “أطراف الصراع ارتكبت تقريبا كل الجرائم ضد الإنسانية المدرجة في ميثاق روما الأساسي للعدالة الجنائية، وجرائم الحرب التي تنطبق على الصراعات المسلحة غير الدولية”.
من جهتها، قالت السفيرة الأميركية المُعينة حديثا لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، خلال الندوة، إن بلادها تقف إلى جانب الشعب والمجتمع المدني السوري، وأكدت أن “مجموعة واسعة من الشركاء الدوليين يطالبون بالمساءلة، ويدعمون الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
وطالبت بالكشف عن وضع عشرات الآلاف من المدنيين المحتجزين في سورية منذ عام 2011، مؤكدةً ضرورة إعادة جثث القتلى إلى ذويهم، وفق وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية.
والاثنين الماضي، نشرت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية” تقريرها حول انتهاكات وتجاوزات وصفتها بـ”التاريخية والمستمرة” خاصة بآلاف المدنيين الذين اعتقلوا تعسفيًا في سورية.
وتحدثت اللجنة، في تقريرها المؤلف مما يزيد على 30 صفحة، عن النطاق الهائل للاعتقال والاختفاء وأنماط الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها حكومة النظام السوري، والفصائل المعارضة المسلحة، و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، بالإضافة إلى انتهاكات من قبل فصائل مسلحة مصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة، مثل “هيئة تحرير الشام” وتنظيم “داعش”.
وقالت المفوضة الأممية كارين كونينج أبو زيد، في سياق التقرير، إن “غزارة الأدلة التي جُمعت على مدى عقد من الزمان مذهلة، ومع ذلك فإن أطراف النزاع قد فشلوا في التحقيق مع قواتهم، باستثناء حالات قليلة جدًا” فيما يخص قضايا الاعتقال التعسفي، لأنه “يبدو أن التركيز ينصب على إخفاء الجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز، وليس التحقيق فيها”، وفق المفوضة.
وأوضح التقرير كيف عمدت حكومة النظام، وبدرجة أقل الأطراف المسلحة الأخرى، إلى إطالة معاناة أفراد أسر المعتقلين وعائلاتهم.
وبحسب الأمم المتحدة، أسفر الصراع السوري عن مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص، وتشريد نصف سكان البلاد، بما في ذلك خمسة ملايين لاجئ في الخارج.
وفي تقرير لها صدر أمس الخميس، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أبرز الانتهاكات في فبراير/ شباط الماضي، مشيرة الى مقتل 138 مدنياً، بينهم 23 طفلاً و11 سيدة، إضافة إلى مقتل 14 شخصاً بسبب التعذيب.
ووفقاً للتقرير، فإن ما لا يقل عن 171 حالة اعتقال تعسفي واحتجاز، بينها 11 طفلاً و7 سيدات، تم تسجيلها في فبراير/شباط على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية، كانت النسبة الأكبر منها على يد “قوات سورية الديمقراطية” في محافظتي الحسكة ودير الزور.
العربي الجديد
———————-
العدالة للضحايا السوريين/ جمانة فرحات
عشر سنوات على اندلاع الثورة السورية كانت خلالها المطالبة بالحرية للشعب تتكرّر على الألسن، تماماً مثل العدالة. ولكن، كما كل شيء في هذا البلد، المنقسم عمودياً وأفقياً، مذهبياً وسياسياً وعسكرياً، تصبح العدالة موضع تساؤل عندما تبدأ بالتحقّق، ولو جزئياً، تحت عناوين من قبيل: لماذا محاسبة الصغار قبل الكبار؟ لماذا محاكمة هذا الشخص وليس ذاك؟ على غرار ما بدأ يتردّد بعد الحكم الصادر أخيرا في ألمانيا بحق أحد العناصر الأمنيين الذي انشقّ في الأشهر الأولى من الثورة.
تغيب عن أصحاب هذه الطروحات حاجة الضحايا السوريين، المواطنين، إلى إنهاء حالة الإفلات من العقاب، سواء أكان مرتكب الجريمة في صف النظام أو المعارضة أو التنظيمات المتطرّفة، وجعل كل من تلوثت يداه بدماء الشعب وانتهاك حقوقه وكراماته، من خلال عمليات القتل والتعذيب والإخفاء القسري، يُفكر بدل المرة ألفاً قبل أن يظنّ نفسه آمناً.
والأهم أن على هؤلاء إدراك أن العدالة تعني حكماً إنصاف جميع من تعرّضوا للانتهاك بالوسائل القانونية. والبداية تكون بمن تتوفر أدلة على تورّطه أولاً، سواء كان مُصدِراً للأوامر من أصحاب المراتب العليا أو مجرد عنصر يطبق ما يطلب منه من خلال قصفه مناطق سكنية، أو اعتقاله مواطنين ثم رميهم في السجون، ليتعرّضوا للتعذيب أو القتل أو الحرمان من الحرية. من ظنوا أن وجودهم في بلدان أوروبية تحت صفة لاجئين سيحميهم اكتشفوا، على مدى السنوات الماضية، عدم صحة هذا الرهان. وجميع الناجين الذين وجدوا أنفسهم في دول أوروبية تعتمد مبدأ الولاية القضائية العالمية عثروا على خيارٍ حقيقيّ لتقديم شكاوى بحق جلاديهم.
الدعاوى القانونية التي ترفع في أكثر من دولة أوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا، هي الخيار المتاح حالياً، لا سيما أن محاكمة كبار المسؤولين/ المجرمين لا تزال بعيدة المنال، في غياب الإرادة السياسية الدولية لمحاسبة النظام، ومع الغطاء الذي يحظى به على وجه الخصوص من روسيا والصين، واستحالة تحويل الفظائع السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، لعدم توفر التوافق المطلوب في مجلس الأمن، ناهيك عن غياب أي فرصةٍ حالياً للملاحقة القضائية المحلية.
ما يتحقق راهناً من تحرّك للقضاء في أكثر من دولة أوروبية، وإنْ بتفاوت، حيث رُدت بعض الدعاوى، وأطلق عدد من المتهمين، ليس ثانوياً، بل خطوة يمكن البناء عليها مستقبلاً، إذ من شأنها تشجيع الضحايا على التبليغ عن الجرائم المرتكبة بحقهم، لأنهم باتوا يدركون أن المحاسبة ممكنة، ولكن من دون آمال زائفة، أو تضخيم لحجم ما قد يتحقق، لأن محاكمة الجميع، وبناء على التجارب العالمية في هذا المجال، تقود إلى خلاصة استحالة تحقّق ذلك.
وذلك كله يتطلب، حكماً، من المنظمات الحقوقية السورية العاملة في هذا المجال، أن تكون على قدر المسؤولية، خصوصاً في ما يتعلق بعمليات الرصد والتوثيق لشهادات ضحايا الانتهاكات، وتنقيتها، لأن من شأن أي خطأ، وهو وارد الحدوث في مثل هذه الحالات، وبسبب نقص الخبرات، أن يلحق أضراراً تصيب الهدف الأساس، أي محاسبة المجرمين الحقيقيين، وعدم السماح بتحويل هذا المسار إلى عملية انتقام عشوائية.
أما مسألة صفح الضحايا أو ذويهم عن أصحاب المراتب الدنيا، أي المنشقّين الأوائل، فيمكن أن تحدث عندما تطبق العدالة الانتقالية وتتقدّم، أي تتوفر إمكانية المصالحة، لا في المرحلة الأولى الحالية التي يمكن وضعها تحت خانة المحاسبة أولاً.
العربي الجديد
————————
واشنطن: موسكو عطلت كل الجهود لتحميل دمشق مسؤولية استخدام أسلحة كيميائية
روسيا تدافع عن حليفها السوري
– أ. ف. ب.
الأمم المتحدة: اتهمت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد خلال مؤتمر عبر الفيديو في مجلس الأمن الدولي، موسكو بـ”تعطيل كل الجهود” لتحميل دمشق مسؤولية استخدام أسلحة كيميائية.
وأضافت “ندرك جميعا أن نظام (الرئيس السوري بشار)الأسد استخدم بشكل متكرر أسلحة كيميائية. فلِمَ لم تحمل الحكومة السورية مسؤولية ذلك؟ لأن دمشق وقفت في وجه ذلك” فيما أن حلفاءها “لا سيما روسيا سعوا إلى تعطيل كل الجهود المبذولة لتحميلها المسؤولية”.
وتابعت “للأسف الجواب بسيط: حاول نظام الأسد تجنّب المحاسبة عبر عرقلة التحقيقات المستقلة وتقويض دور وعمل” منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وأضافت الدبلوماسية الأميركية في أول مشاركة لها في جلسات مجلس الأمن منذ تولي جو بايدن سدة رئاسة الولايات المتحدة أن “حلفاء النظام وخصوصا روسيا سعوا لإعاقة كل الجهود الرامية للمحاسبة”.
وقالت توماس-غرينفيلد إن “روسيا تدافع عن نظام الأسد على الرغم من هجماته الكيميائية، وهي تهاجم العمل المهني الذي تقوم به منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتقوّض جهود محاسبة نظام الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيميائية وغيرها من الفظاعات”.
في المقابل، دافع سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نبينزيا عن دمشق قائلا “بناء على نصيحة روسيا، انضمّت سوريا بحسب نيّة إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتخلّصت من ترسانتها من الأسلحة الكيميائية”، وهو أمر تشكك فيه دول الغرب.
وانتقد السفير الروسي من توماس-غرينفيلد التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن لشهر آذار/مارس، لإطالتها الكلام خلال كلمة كان يفترض ان تكون “مقتضبة”.
وقال نبينزيا “دائما ما نحاول جميعا ان نكون مقتضبين، لكن هذا الأمر ليس دائما ممكنا”، قبل أن ينطلق بما أسماه “لمحة تاريخية موجزة ومفيدة حول مداولات المجلس”، في ما يبدو استهزاء بتوماس-غرينفيلد لكونها حديثة العهد في المجلس.
وبحسب الأمم المتحدة التي تتّهم نظام الأسد بشن هجمات كيميائية ضد شعبه، لم تجب دمشق منذ سنوات على مجموعة من 19 سؤالا حول منشآتها العسكرية، التي يمكن أن تكون قد استخدمت لتخرين الأسلحة الكيميائية أو إنتاجها.
ويتّهم مفتّشو منظّمة حظر الأسلحة الكيميائية نظام الأسد باستخدام غاز السارين والكلورين في هجمات في سوريا في العام 2017.
ورفض سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بسام صباغ الاتهامات الأميركية، مؤكدا أن دمشق ملتزمة تماما القانون الدولي، معتبرا أنها مسيّسة وعدائية.
ايلاف
—————————
عقدٌ من الخراب
غيدا طيارة
بمناسبة الذكرى العاشرة للنزاع السوري، يتحدث خضر خضّور في مقابلة معه عن الخراب الذي لحق بالبلاد.
يستعرض خضر خضّور، في الذكرى العاشرة لاندلاع الانتفاضة السورية، أبرز فصول النزاع المروّع الذي هزّ البلاد، شارحًا تداعياته وآفاقه المستقبلية. خضّور باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، تركّز أبحاثه على الشؤون السورية، وبخاصة على العلاقات المدنية-العسكرية، والهويات المحليّة في بلاد الشام. صدر له عدد من الدراسات المهمة، وشارك في كتابة إحداها مع باحث آخر في كارنيغي هو حارث حسن، وتحمل عنوان: “تحوّل الحدود العراقية-السورية: من حدود وطنية إلى حدود إقليمية”، إضافةً إلى دراسات أخرى من بينها: “العودة إلى أي مستقبل؟ ماذا سيبقى للنازحين في سورية؟”، و”الحروب المحليّة وفرص السلام اللامركزي في سورية”. أجرت “ديوان” مقابلة معه في أواخر شباط/فبراير.
——————————-
كراماتنا المهدورة/ رشا عمران
في مثل هذه الأيام، منذ سنوات عشر، تجرأ سوريون كثر على الخروج من بيت الطاعة الأسدي، ونزلوا إلى شوارع مدن سورية عديدة يهتفون بشعارات ثورتهم المنشودة، محاولين أن يتبعوا نفس الخطوات التي مشاها رفاقهم في دول الربيع العربي، وإن اختلفت الشعارات قليلا، فإن كان في مصر شعار ( عيش حرية عدالة اجتماعية)، حيث ( العيش) هو الخبز، فإن الخبز لم يكن واردا في شعارات الثورة السورية، كانت سوريا فعلا ( أم الفقير) كما سماها أبناؤها دائما، ولهذا ربما اخترع السوريون الثائرون هتاف( يا بثينة ويا شعبان الشعب السوري مو جوعان) إثر خروج نائبة رئيس النظام ذلك الوقت في مؤتمر صحفي للحديث عن زيادة مرتقبة في المرتبات، وكأنها بذلك كانت تقول للسوريين الثائرين: عودوا إلى منازلكم سوف نطعمكم قريبا.
بيد أن مطالب السوريين الثائرين كانت مختلفة عن حلول بثينة شعبان، كانت المطالب تتعلق بالتغيير السياسي، والعدالة الاجتماعية والدولة الديمقراطية المدنية العادلة مع كل أبنائها، كان مطلب ( الحرية ) هو الأول والأعلى في هتافات السوريين، إذ كانت سوريا تعيش في ظل قمع استثنائي، يمنع حرية الرأي منعا باتا، ما دام الرأي لا يتناسب مع خطاب النظام وشعارات النظام وتطلعات النظام، كل رأي مخالف ولو قليلا كان صاحبه معرضا لعواقب وخيمة، أمنية ومعيشية واجتماعية.
من كان النظام غاضبا عليه، كان سيلقى نفس الغضب من المجتمع المحيط به، في تماه مهول مع النظام لا يفسره سوى ( متلازمة استوكهولم)، حيث تتماهى الضحية مع جلادها، وتتعاطف معه، وتتبنى سرديته، سوريون كثر كانوا مصابين بهذه المتلازمة، التي اتضحت ملامحها أكثر بعد انطلاق الثورة، حيث وقف سوريون كثر مع النظام ضد السوريين الخارجين عن طاعته، ولم يتبنوا فقط، سرديته في أن الثائرين منخرطون في مؤامرة أصبحت كونية لاحقا، وإنما كانوا ذراعا ضاربة له، وقمعا مضافا لقمع مؤسسته الأمنية والعسكرية، كانوا بيئة خصبة لرفده بالقتلة والمجرمين والمستعدين لتأليف تواريخ جديدة عن معارضيه، تشوه سمعتهم وتتهمهم بالعمالة والخيانة، ولا تتورع عن وسمهم بكل الألقاب السيئة.
كانت الكرامة وقتها أن تستطيع، كسوري، الشفاء من تلك المتلازمة الماضوية، والانتماء إلى المستقبل الذي كان يفترض بالحاضر الثوري أنه يصنعه، غير أن ( حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر) كما يقول المثل السوري، لم تستطع الثورة أن تصمد أمام آلة القتل والإجرام التي استخدمها النظام السوري، سواء من داخل سوريا أو من خارجها، حيث استقدم كل القوى المؤيدة له لقتل الثورة بأكبر عملية إجرامية يمكن أن تقتل فيها تطلعات شعب ما، وفي الوقت نفسه، استغلت القوى الظلامية، التي ظهرت على شكل كتائب وجيوش مسلحة وتحمل اسم الإسلام تحت كل راياتها، ما يحدث لتفرض وجودها، بتأييد خفي من النظام، وبترحيب من سوريين تعرضوا لكل صنوف القهر والتهميش والتجهيل والقمع ماضيا وحاضرا، حيث لم يبق لهم سوى الدين ملجأ يظنونه آمنا، وسوى أصحاب اللحى الطويلة واللباس الأسود حماة لهم، بيد أنه سرعان ما تم الكشف عن نية الإسلام السياسي وأهدافه المتمثلة في الثورة المضادة، والتمويل المهول الذي وصل إليه ليجند في خدمته مثقفين يروجون له، ويجند أيضا خلايا تهدف إلى تشويه سمعة كل من يعترض على وجود هذه الكتائب والجيوش. وحدث ما يعرفه الجميع لاحقا، من تعاون بين النظام وحلفائه والإسلام السياسي بكل أنواعه على قتل الثورة السورية، وتحويل الحرية إلى قمع مضاعف وقيود جديدة مشددة في المجتمع السوري، أما حرية الرأي تحديدا، فأصبح عقابها القتل الفوري على يد كل الأطراف، لتسفح كرامة السوريين خلال السنوات السابقة في كل مكان، في الداخل السوري تحت سيطرة النظام، وفي الداخل الخارج عن سيطرته، وفي مخيمات اللجوء في دول الجوار، وفي الهجرة غير الشرعية التي باتت الحل الوحيد للسوريين، وفي الدول العربية التي تعامل جواز السفر السوري كما لو أنه قنبلة متفجرة للتو، وفي أخبار الفقر والجوع والتشرد وزواج القاصرات وتسريب ملايين الأطفال من التعليم، وفي جرائم الشرف في كل مكان، وفي تفاصيل أخرى كثيرة يشعرنا مجرد التفكير بوجودها بالغضب السلبي نتيجة العجز عن القيام بأي فعل ينقذ ما يمكن إنقاذه، لعلهم وحدهم السوريون الذين استطاعوا الاستقرار في أوروبا وأميركا يشعرون بكرامتهم المصانة من قبل الحكومات التي استقبلتهم.
المفارقة أن غالبية هؤلاء يقيسون مصطلح الكرامة على قياس حياتهم الحالية، ويعيشون حياة ثورية افتراضية متطهرة، لا يريدون الاعتراف بهزيمة الثورة، ولا بعجزها عن تقديم إجابات شافية عن كل ما حدث، ولا بفشلها الذريع عن تحقيق ولو هدف واحد من أهدافها، بل ما حصل هو العكس، أصبح سيف الثورة مصلتا على كل من ينتقدها لدى هؤلاء، على كل من يكتب رأيا مخالفا لطهرانيتهم الافتراضية، يمعنون فيه الإعدام الافتراضي ولا يتورعون عن تشويه سمعته واتهامه بالعمالة للنظام وبخيانة الثورة، في صورة لا مثيل لها عن تماهي معارضي نظام ما معه في منع حرية الرأي والتعبير، واستعادة رطانة شعارات النظام وشموليتها ومحاولات فرضها على الجميع. بل والإصرار على أن الثورة مستمرة، مطالبين ومتأملين من سوريي الداخل المطحونين بالقهر والذل والجوع والفقر أن يثوروا على النظام، متناسين تماما أن ثمة درجة من الإذلال تمارس على البشر تمنعهم حتى من التفكير بغير تفاصيل يومياتهم، فما بالك بشعب عاش حربا لمدة عشر سنوات متواصلة، خلفت ما خلفته من كوارث مادية ومعنوية ونفسية، سحقت معها الجميع!
الثورة مستمرة؟ لا بأس فليعد الجميع إذاً إلى سوريا متخلين عن أمانهم وكراماتهم التي يحتفون بها، وليقودوا موجة جديدة من موجات الثورة، تعيد الكرامات المهدورة لجميع السوريين، وتفتح السجون والمعتقلات ليخرج منها مئات آلاف السوريين الذين لا يعرف سواهم نوع ( الكرامة) التي عاشوا فيها خلال سنوات اعتقالهم واختفائهم، وليتم البحث عن المقابر الجماعية ليحظى شهداء الثورة بدفن يليق بالكرامة التي نرطن بها في شعارات افتراضية، الثورة تستمر في الداخل فقط، الخارج يبقى خارجا ما لم يعد، وأكاد أجزم أن لا أحد ممن أشهر سلاحه الافتراضي في الشتم والتخوين خلال الأيام الماضية سوف يعود إلى سوريا حتى لو تم ذلك بإشراف وضمانات دولية، لم تأكل الثورة السورية أبناءها، من أكلهم هم حلفاؤهم في نفس الخندق، وقبل أكلهم، مثلوا بجثثهم وسفحوا بكراماتهم الأرض، في عرض شديد البلاغة عن التماهي بين النظام ومعارضيه.
تلفزيون سوريا
————————-
هل سيسقط الأسد ونظامه قريباً؟/ علي الأمين السويد
للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نسأل السؤال الأهم ألا وهو: “مَنْ الذي سَيُسْقطُ الأسد؟”. وللإجابة على “السؤال الأهم” دعونا نستعرض سيناريوهات إسقاط النظام الممكنة التي أشغلت فكر الكثير من السوريين، في محاولاتهم إزالة هذا السرطان الخبيث من الجسد السوري. فمن الطرق التي اُعْتِمَدَت وربما يُفَكُّر في العودة اليها: الأسد
أولاًـ القوة العسكرية
•يتطلب الانتصار العسكري على نظام الأسد وجود قوة عسكرية سورية مناهضة لنظام الأسد لتقاتله وتسقطه. وهذه القوة غير موجودة حالياً. فما هو متوفر عبارة عن ميليشيات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة، وبذات الوقت موالية للنظام الأسدي بالسرّ، مثل جبهة النصرة الإرهابية وباقي التنظيمات الإسلاموية. وهنالك فصائل كانت محسوبة على الجيش الحر إلا أنّها حسمت أمرها واختارت أن تصبح ميليشيات مرتزقة تابعة للحكومة التركية التي تحتلّ أجزاء من سوريا.
•تتطلب هزيمة النظام تشكيل قوة عسكرية جديدة مناوئة للنظام. وفي البحث في إمكانية هذا الأمر، نجد أنّه مجرد التفكير فيه غير وارد، فالشمال السوري يضجّ بالفصائل المرتزقة بقيادة الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية والحكومة المؤقتة، وحكومة الإنقاذ، وجبهة النصرة الإرهابية. وهذه التشكيلات لن تسمح لأي فصيل بالنشوء، متذرعة بملايين الأسباب الموجبة، وذلك بحكم انصياعها الأعمى للدولة التركية، الحليفة لروسيا ولإيران والنظام.
•سيناريو إسقاط النظام الأسدي عبر تحالف عسكري دولي. وهذه قضية صرّحت باستحالة حدوثها جميع الدول المعنية بالشأن السوري، ليس مرة واحدة، بل عشرات المرات وعلى مدى العشر سنوات الفائتة. وقد أعلنت الإدارة الأمريكية الجديدة بالأمس، بأنّ السياسة الأمريكية المتبعة من قبلهم لن تستخدم القوة العسكرية في إسقاط الأنظمة الدكتاتورية. والحقيقة أنّه لا يوجد سبب “مادي” واحد يجعل أي دولة في العالم تخاطر بالتضحية بظفر عسكري واحد من أجل الشعب السوري.
إذاً، ليس هنالك أية فرصة لغزو عسكري دولي على الاطلاق، باستثناء “إمكانية” قيام إسرائيل بغزو سوريا، وهذا “حالياً” مستبعد مع أنّه واردٌ نظرياً. الأسد
ثانياً- الحل السياسي السلمي يفترض به إسقاط النظام
من المؤكد بأنّ التعامل مع القضية السورية ليست أولوية أممية وليست أولوية عند معظم الدول الفاعلة في الملف السوري باستثناء محور أستانا وسوتشي، المؤلف من روسيا وإيران وتركيا، والذي تنصب سياسته حول محاولة إعادة سوريا إلى ما قبل الــ2011، مع بعض التعديلات الديموغرافية وتعديلات أخرى شكلية تطال خطاب النظام السوري للداخل والخارج. وهذه الخطط مازالت تصطدم بجدار الرفض الأوروبي والأمريكي حتى اللحظة.
وتعتقد أمريكا وأوروبا بأنّ الحل في سوريا مبني على قواعد أساسية تتلخص في ثلاث نقاط أساسية:
1.عدم التدخل العسكري من خلال تحالف دولي أو محلي لإسقاط النظام.
2.منع الحسم العسكري من قبل النظام أو المعارضة.
3.الحل عبر تطبيق القرار الأممي 2254.
سنناقش النقطة الثالثة، والتي يخطط المجتمع الدولي فيها “عشوائياً” لدفع النظام إلى تطبيق القرار الأممي 2254، والقرارات الأخرى ذات الصلة. وأقول “عشوائياً” لأنّه لا توجد خطة منظمة ومركزة للعمل من أجل دفع النظام لتطبيق أي قرار أممي، فيعلو صوت الدول لصالح الثورة حين تتضرر مصالحها، وينخفض صوتها حين يتعلق بما يسمى “حقوق الإنسان – السوري”.
أما حال السياسة الأمريكية حول سوريا، فتشبه حالة راعي الغنم، يتجوّل بين القطيع في المزرعة، وهو في هذه الحالة يكون الرئيس الأمريكي الذي لا يسمح للذئب بأكل الأغنام “كلها”، ولا يسمح للأغنام بإيذاء الذئب، ولكنه يطلب من الذئب التحول إلى غنمة طوعياً. ولا يجد راعينا بأساً في أن تدخل حيوانات أخرى تدّعي بأن لديها حلولاً، طالما أنّ الراعي منشغل وبعيد عن التركيز على المزرعة، ولكنه ما إن يصحو حتى يعيد كل شيء إلى ما قبل دخول فرقاء جدد.
كيف سيتم تطبيق القرار 2254؟
يتضمن القرار 2254 تطبيق بنود جنيف واحد، وخصوصاً البند الأول المتعلّق بتشكيل “هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات من المعارضة ومن النظام بالتوافق”. وهذا البند يعني عملياً إقصاء بشار الأسد وإخراجه خارج الحكم، وهو الذي ارتكب كل أنواع الفظائع التي يندى لها جبين البشرية جمعاء من أجل فقط أن يستمر في الحكم. لذلك لن يكون هنالك فرصة لتراجعه عن الاستمرار في القتل سعياً للبقاء في السلطة، وخصوصاً أنّه لن توجد طريقة “لفظية” تقنع الأسد بقبول تطبيق القرار.
إلا أنّ الإدارات الأمريكية، ومن أجل أن يقبل الأسد بتطبيق هذا القرار، عمدت إلى فرض عدة إجراءات ضد نظام الأسد لدفعه للقبول بتنفيذ القرار، فوضعت “لا” لإعادة الإعمار قبل التوصّل لحل سلمي، و”لا” لتعويم نظام الأسد، و”لا” للتعامل معه اقتصادياً من خلال قانون قيصر، ويتم التخطيط الآن لعدم الاعتراف الدولي بالانتخابات الرئاسيّة التي يزمع نظام الأسد أن يجريها، والتي من المؤكد بأنّ النظام الأسدي سيجد ألف طريقة للالتفاف على هذا الاستحقاق الذي يسميه “دستورياً”، وهو في الواقع لا دستوري ولا هم يحزنون. فنظام الأسد انقلابي ومغتصب للسلطة منذ عام 1970. وهذه الانتخابات إنّما هي قناع شفاف لجريمة النظام المستمرة منذ ستينيات القرن الماضي حتى اللحظة.
هل إنشاء مجلس عسكري يساهم في الحل السلمي؟
تنادى بعض الضباط المنشقين لتشكيل مجلس عسكري بقيادة العميد مناف طلاس، ليكون الذراع العسكرية لهيئة الحكم الانتقالية الكاملة الصلاحيات، حسب مقررات جنيف واحد، وتطبيقاً للقرار الأممي 2254. وأكد القائمون الفكرة ومشجعوها بأنّ هذا المجلس لن يكون الحاكم لسوريا، بالرغم من أنّ هنالك بعض الأصوات الزئبقية المعارضة التي تنادي بوجوب تسليم الحكم للمجلس العسكري في سوريا، باعتبار أنّ الأغنام لا يضبطها إلا ذئب “كويس”.
وربما قد غاب عن ذهن أولئك المتفائلين بأنّ المجلس العسكري ينبغي عليه أن يتكوّن من ضباط من المعارضة وضباط من النظام لتنفيذ قرارات هيئة الحكم الانتقالي الرافضة لوجود الأسد. فهل يضم المجلس العسكري ضباطاً من نظام الأسد على رأس عملهم الآن؟ طبعاً لو كان ذلك صحيحاً لعنى وجودهم العلني إلى أنّ انقلاباً عسكرياً حدث، وأنّ الأسد انتهى أمره ولم يعد هنالك حاجة إلى كل تلك التعقيدات الدولية والأممية.
فإن لم يضم المجلس العسكري المقترح الآن ضباطاً من النظام على رأس عملهم، وضم فقط ضباطاً منشقين، فهذا المجلس العسكري أعرج، وإن علمنا بأنّ الضباط المنشقين في المجلس الموعود لا يملكون الصلاحية على إعطاء أمر عسكري واحد لمقاتل واحد على أرض سوريا يقضي بالطلب منه نقل قدمه اليسرى إلى جانب قدمه اليمنى، فيجب أن نعلم بأنّ هذا المجلس ليس أعرجاً فحسب، وإنما أعرج وأعمى أيضاً.
ومما يؤسف حقاً أنّ من دعوا إلى تشكيل المجلس العسكري قاموا، عن غير قصد، بمدِّ حبال نجاة للنظام باقتراح تشكيل المجلس العسكري تماماً، كما فعل المعارضون السياسيون حين قبلوا بمناقشة الدستور السوري مع وفود النظام التي لا تمثّل النظام قبل تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، التي تحتاج بدورها إلى عصى سحرية حتى تنشئها.
وبدلاً من تركيز الجهود على دفع دول العالم لتفرض على الأسد القبول بإنشاء هيئة حكم انتقالي، ذهبت الجهود تتوزع على قضية إنشاء مجلس عسكري تستطيع هيئة الحكم الانتقالي تشكيله خلال اجتماع مدته عشر دقائق بعد إنشائها.
وحتى لا يقال ما هو ليس صحيحاً عني شخصياً، فأنا للأمانة لست ضد وجود العميد مناف طلاس شخصياً في المجلس العسكري أو في هيئة الحكم الانتقالي، ولست ضد تشكيل مجلس عسكري يكون ذراعاً تنفيذية لهيئة الحكم الانتقالي، ولكن لسان حالي ينطبق عليه المثل السوري الدارج: “عندما يولد الصبي، نصلي على النبي”. بكلمات أخرى وأوضح أقول: “شكلوا هيئة الحكم الانتقالي أولاً، وبعد ذلك لكل حادث حديث”.
ثالثاً- هل تسقط الاحتجاجات الشعبية والمظاهرات نظام الأسد؟
تعتبر الاحتجاجات الشعبية في الشمال السوري كله، نظرياً، مظاهرات مُسَيطر عليها ومدفوعة من قبل الإرهابيين أو من الانفصاليين، حسب تعبير النظام، وهي، حقيقة، بعيدة عن التأثير على النظام، ومثلها مثل المظاهرات التي تقام ضد الأسد في مونتريال. إلا أنّ قيام احتجاجات شعبية في مناطق النظام وعودة المظاهرات السلمية في دمشق وحلب وباقي المدن السورية على استحالته النظرية يمكن أن تهزّ أركان النظام كثيراً في ظل الانهيار الاقتصادي المستمر والمتسارع، وربما يدفع تعطل الحياة أوصياء النظام، كروسيا وتركيا وإيران، على إنقاذ ما يمكن إنقاذه بطريقة لا تستبعد الأسد من السلطة.
رابعاً- هل سيبقى الأسد الى الأبد؟
لن يبقى الأسد إلى الأبد، وأؤمن بأنّ هنالك خططاً يجري العمل عليها بهدوء لتحويله إلى قطة منزوعة الأظافر والأنياب.
كلمة أخيرة للمعارضة الشريفة: اتّحدوا حول تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وطالبوا بتطبيقها، وخصوصاً أنّها محط إجماع دولي لافت للنظر، ولا يمكن لأحدٍ من تلك الدول أن يتملّص مما وقع عليه في 30 حزيران 2012. الأسد
ليفانت – علي الأمين السويد
————————-
======================
تحديث 06 اذار 2021
————————
تحركات دولية لمحاسبة النظام السوري على انتهاكات حقوق الإنسان/ عدنان أحمد
تتزايد المطالب الدولية بضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في سورية، فيما أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية أن لديها ما يكفي من المعلومات الموثوقة عن تورط أكثر من 120 شخصا في سورية بارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، بدأت كندا بالتحرك رسمياً لمحاسبة النظام السوري على ارتكابه انتهاكات وجرائم بحق الشعب السوري منذ عام 2011، وذلك عبر طلبها إجراء مفاوضات رسمية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب لمحاسبة النظام على انتهاكاته التي وصفتها بأنها “لا تحصى”.
وقال وزير الخارجية الكندي مارك غارنو إنه “في بيان له أمس الخميس على مدى العقد الماضي، شن النظام السوري هجمات وحشية ومروعة على شعبه، وأمل كندا أن يخدم عمل اليوم لتقريبنا من الحقيقة والعدالة والمساءلة. شعب سورية لا يستحق أقل من ذلك”، وفق “رويترز”.
وأضاف غارنو أن “كندا دعت مراراً نظام الأسد إلى إنهاء الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان ضد مواطنيه، من خلال قيادة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه تجاهل ذلك”، وهو ما يدفع كندا لـ”طلب التفاوض بشأن نزاعها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب، وضرورة محاسبة النظام في سورية على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي”.
وأكد غارنو أن “موقف كندا الراسخ بأن حقوق الإنسان غير قابلة للتفاوض”، وأن “السوريين عاشوا عقدا من المعاناة التي لا توصف على يد نظام الأسد، وسيكون السلام المستدام ممكناً فقط بعد محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات”.
وكانت هولندا تقدمت بطلب مماثل في سبتمبر/ أيلول العام الماضي، وتم توثيقه من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن سورية.
وكانت اللجنة الدولية المستقلة المعنية بسورية أعلنت أن لديها ما يكفي من المعلومات لإدانة 121 شخصا من جميع أطراف النزاع في البلاد، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، غالبيتهم من النظام السوري.
وقالت اللجنة، في تقرير لها قدمته قبل أيام لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن “لديها ما يكفي من المعلومات الموثوقة عن تورط 121 من هؤلاء الأفراد في ارتكاب جريمة أو انتهاك على نحوٍ يفي بمعيار الإثبات الذي وضعته من جميع الأطراف”، مشيرة، في مقدمة تقريرها، إلى أن معظمهم من قوات النظام السوري، عندما قالت “كانت اللجنة قد وثّقت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها القوات الحكومية، ومجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان ارتكبتها الجماعات المسلحة غير الحكومية”.
وأوضحت اللجنة أنه “منذ بدء عملها بتجميع قوائم سرية بأسماء مرتكبي الانتهاكات والجرائم في سورية من جميع أطراف النزاع، جمعت معلومات أولية عن أكثر من 2003 أشخاص من الجناة المزعومين”.
ولفتت إلى أن ما تملكه من معلومات عن هؤلاء سوف تستخدمه لمساعدة عمليات المساءلة الدولية وتلك التابعة لدول ثالثة، بما في ذلك الآلية الدولية المحايدة، للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة، وفق تصنيف القانون الدولي.
ويقول حقوقيون سوريون إن الأسماء الواردة في التقرير عن النظام السوري تضم، إلى جانب ماهر الأسد شقيق رئيس النظام، 8 أسماء من القوى الجوية التابعة للنظام، والذين أُدينوا سابقا بتنفيذ ثلاث ضربات كيماوية على اللطامنة 2017 بريف حماة، يتصدرهم الطيار محمد الحاصوري، فضلا عن اللواء جميل الحسن، رئيس المخابرات الجوية سابقا، وعلي مملوك رئيس “مكتب الأمن الوطني”، واللواء عبد السلام محمود رئيس فرع التحقيق في المزة.
وكان رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسورية باولو سيرجيو بينيرو أكد، خلال ندوة رفيعة المستوى أقيمت في جنيف الثلاثاء الماضي، أن مطالب الضحايا بتحقيق العدالة والمساءلة “تعد عنصرا جوهريا لإقامة السلام الدائم في سورية”.
وشدد على “ضرورة فعل المزيد لإطلاق سراح المعتقلين تعسفيا، وتحديد أماكن وهويات المفقودين، واستعادة التوثيق المدني وحماية حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمسكن والأرض والممتلكات من بين أمور أخرى”.
وذكر رئيس لجنة التحقيق المستقلة أن “الأطراف المتحاربة في سورية تحاول منذ عقد من الزمن حل الصراع بالسبل العسكرية، مما سمح بانتهاك جميع حقوق الإنسان”. وقال إن “أطراف الصراع ارتكبت تقريبا كل الجرائم ضد الإنسانية المدرجة في ميثاق روما الأساسي للعدالة الجنائية، وجرائم الحرب التي تنطبق على الصراعات المسلحة غير الدولية”.
من جهتها، قالت السفيرة الأميركية المُعينة حديثا لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، خلال الندوة، إن بلادها تقف إلى جانب الشعب والمجتمع المدني السوري، وأكدت أن “مجموعة واسعة من الشركاء الدوليين يطالبون بالمساءلة، ويدعمون الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
وطالبت بالكشف عن وضع عشرات الآلاف من المدنيين المحتجزين في سورية منذ عام 2011، مؤكدةً ضرورة إعادة جثث القتلى إلى ذويهم، وفق وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية.
والاثنين الماضي، نشرت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية” تقريرها حول انتهاكات وتجاوزات وصفتها بـ”التاريخية والمستمرة” خاصة بآلاف المدنيين الذين اعتقلوا تعسفيًا في سورية.
وتحدثت اللجنة، في تقريرها المؤلف مما يزيد على 30 صفحة، عن النطاق الهائل للاعتقال والاختفاء وأنماط الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها حكومة النظام السوري، والفصائل المعارضة المسلحة، و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، بالإضافة إلى انتهاكات من قبل فصائل مسلحة مصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة، مثل “هيئة تحرير الشام” وتنظيم “داعش”.
وقالت المفوضة الأممية كارين كونينج أبو زيد، في سياق التقرير، إن “غزارة الأدلة التي جُمعت على مدى عقد من الزمان مذهلة، ومع ذلك فإن أطراف النزاع قد فشلوا في التحقيق مع قواتهم، باستثناء حالات قليلة جدًا” فيما يخص قضايا الاعتقال التعسفي، لأنه “يبدو أن التركيز ينصب على إخفاء الجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز، وليس التحقيق فيها”، وفق المفوضة.
وأوضح التقرير كيف عمدت حكومة النظام، وبدرجة أقل الأطراف المسلحة الأخرى، إلى إطالة معاناة أفراد أسر المعتقلين وعائلاتهم.
وبحسب الأمم المتحدة، أسفر الصراع السوري عن مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص، وتشريد نصف سكان البلاد، بما في ذلك خمسة ملايين لاجئ في الخارج.
وفي تقرير لها صدر أمس الخميس، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أبرز الانتهاكات في فبراير/ شباط الماضي، مشيرة الى مقتل 138 مدنياً، بينهم 23 طفلاً و11 سيدة، إضافة إلى مقتل 14 شخصاً بسبب التعذيب.
ووفقاً للتقرير، فإن ما لا يقل عن 171 حالة اعتقال تعسفي واحتجاز، بينها 11 طفلاً و7 سيدات، تم تسجيلها في فبراير/شباط على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية، كانت النسبة الأكبر منها على يد “قوات سورية الديمقراطية” في محافظتي الحسكة ودير الزور.
العربي الجديد
———————
الكيميائي يحاصر نظام الأسد عشية الانتخابات الرئاسية/ عماد كركص
يلاحق ملف الجرائم الكيميائية النظام السوري مع تحوله إلى ورقة بيد الدول الغربية الفاعلة في الشأن السوري للضغط على رئيس النظام بشار الأسد. وقبل نحو 3 أشهر من الانتخابات الرئاسية التي يعمل النظام على تنظيمها، عادت تلك الدول لتحريك الملف تحت قبة مجلس الأمن، بالمطالبة بالكشف عن الجهات المتورّطة بتنفيذ هجمات كيميائية، ومحاسبة المسؤولين المباشرين. ويبرز هنا الضغط الأميركي الفرنسي البريطاني المتواصل في مجلس الأمن، بالإضافة إلى جهود فرنسية لتقديم مشروع قرار لمنظمة الأسلحة الكيميائية يقضي بتعليق نشاطات وامتيازات النظام في المنظمة، التي انضم إليها النظام مجبراً عام 2013، بعد اتهامه بتنفيذ مجزرة الغوطة الشرقية لدمشق في أغسطس/ آب من العام ذاته، هرباً من العقاب وتوجيه ضربات قاسية لمفاصله العسكرية.
وفي جلسة لمجلس الأمن عقدت عبر تقنية الفيديو، طالبت الأمم المتحدة، يوم الخميس الماضي، بمحاسبة جميع مستخدمي الأسلحة الكيميائية في سورية، والتأكيد على أهمية وحدة الصف الدولي حيال ذلك. وخلال الجلسة، استعرضت ممثلة الأمين العام السامية لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو، تقريراً صدر عن المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية فرناندو آرياس حول برنامج سورية الكيميائي، يغطي الفترة الممتدة من 24 يناير/ كانون الثاني إلى 23 فبراير/ شباط الماضيين. وأكدت ناكاميتسو في معرض استعراضها للتقرير، “ضرورة تحديد هوية جميع مَن استخدموا الأسلحة الكيميائية في سورية ومساءلتِهم”، مشددة على “أهمية وحدة الصف في مجلس الأمن الدولي للوفاء بهذا الالتزام العاجل”. وأبلغت المسؤولة الأممية أعضاء مجلس الأمن بأن إعلان النظام السوري إنهاء برنامجه الكيميائي “غير دقيق وغير كامل، وأن هناك ثغرات وعدم اتساق في المعلومات بما لا يتفق مع مقتضيات قرار المجلس رقم 2118”.
وفي الجلسة ذاتها، اتهمت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس ـ غرينفيلد روسيا بعرقلة كافة الجهود الأممية لمحاسبة النظام السوري بقيادة بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. وقالت توماس ـ غرينفيلد: “نعلم جميعاً أن نظام الأسد استخدم الأسلحة الكيميائية بشكل متكرر، فلماذا لم تتم محاسبته حتى الآن؟”. واعتبرت أن “الإجابة بسيطة للأسف، لقد حاول نظام الأسد تجنب المساءلة من خلال عرقلة التحقيقات المستقلة، وتقويض دور وعمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية”. وأكدت أن “روسيا دافعت عن نظام الأسد على الرغم من هجماته بالأسلحة الكيميائية، وهاجمت العمل الاحترافي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وقوّضت الجهود المبذولة لمحاسبة نظام الأسد على استخدامه للأسلحة الكيميائية والعديد من الفظائع الأخرى”.
هذه الاتهامات دفعت المندوب الروسي في مجلس الأمن فاسيلي نيبيزيا لانتقاد تقرير ناكاميتسو، ووصفه بأنه “مسيس ومنحاز ضد الحكومة السورية ويستند إلى معلومات مغلوطة”. أما الرد الأقوى على الاتهامات الغربية للنظام، فجاء عبر مندوبه في الأمم المتحدة بسام صباغ، الذي دعا “الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى عدم الانجرار وراء ترويج الولايات المتحدة وفرنسا لمشروع قرار مقدم إلى مؤتمر الدول الأطراف في المنظمة، والتصدي له لتجنيب المنظمة تداعيات خطيرة على مستقبل عملها”. وأكد أن “المشروع يهدف إلى إيجاد ذرائع جديدة لارتكاب أعمال عدوانية ضدها وتشجيع التنظيمات الإرهابية على القيام بمسرحيات كيميائية مفبركة خدمة للسياسات العدائية الأميركية الغربية”. وشدّد صباغ خلال الجلسة على رفض بلاده (النظام) “النهج العدائي والمسيس ضدها، وتطالب بالكف عنه، وتدعو في الوقت ذاته الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى استبداله بمقاربة موضوعية، وإجراء مناقشة بناءة تسمح للمنظمة بالعمل وفقاً للطابع الفني الذي أنشئت على أساسه وتمكنها من استعادة سمعتها ومهنية عمل مفتشيها وحيادية ومصداقية تقاريرها”. وأوضح صباغ أن “سورية (النظام) انضمت إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في عام 2013 طوعاً، وأنهت تدمير مخزونات أسلحتها الكيميائية ومرافق إنتاجها بالتعاون الكامل مع منظمة الحظر”.
وبات النظام يستشعر خطر التحرك ضده على المستوى الدولي بضغط من دول غربية، باستخدام ورقة الهجمات الكيميائية التي يُتهم النظام بتنفيذها، وذلك أمام التعنت الروسي بإعادة تعويم النظام عبر الحشد لتأييد ترشيح بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقبل ذلك عرقلة الجهود الدولية الرامية لحل القضية السورية وفق المرجعيات والمسارات الأممية. وفي ظل عدم تعاون النظام وحلفائه مع لجان التحقيق الأممية وتلك التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتحديد هوية منفذي الهجمات الكيميائية في البلاد، قدمت فرنسا في خريف العام الماضي مسودة قرار بالنيابة عن 46 دولة عضو في المنظمة لتعليق حقوق وامتيازات سورية (النظام) في المنظمة، على أن يتم التصويت على هذا المشروع خلال اجتماع كامل أعضاء المنظمة في إبريل/ نيسان المقبل.
وإضافة لملف الهجمات الكيميائية، تثار على المستوى الدولي حالياً العديد من القضايا ضد النظام، منها التقرير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسورية حول قضايا الاعتقال والاختطاف والاختفاء القسري، باتهام النظام بشكل رئيسي باعتقال الآلاف من المدنيين بشكل تعسفي وتعذيبهم، ما أدى لموت الكثير منهم، بالإضافة إلى تقرير أشرفت عليه منظمات دولية يتعلق بالتحديد باتهام النظام والروس بشكل رئيسي باستهداف المنشآت الطبية شمال غربي سورية، ما أخرج الكثير منها من الخدمة، الأمر الذي فاقم مشاكل القطاع الصحي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في إدلب ومحيطها.
وفي الثاني من الشهر الحالي، رفعت مجموعة من الناجين من الهجمات الكيميائية ومنظمات سورية حقوقية شكوى جنائية لقاضي التحقيق في فرنسا، لفتح تحقيق جنائي حول هجمات الأسلحة الكيميائية على مدينة دوما والغوطة الشرقية في أغسطس 2013. وشهد شهر يوليو/ تموز 2019 تشكيل فريق خاص بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة، وعُدّ أول فريق تحقيق لديه سلطة تحديد الجهة المنفذة للهجمات الكيميائية في سورية، بالإضافة إلى سلطات تتيح له توجيه اتهامات لمنفذي الهجمات.
وفي أول تقرير له، مطلع إبريل 2020، حدد الفريق مسؤولية النظام عن الوقوف وراء ثلاث هجمات كيميائية باستخدام غاز السارين وغاز الكلور السامين في بلدة اللطامنة في ريف حماة في مارس/ آذار 2017، ولا تزال تحقيقاته مستمرة بهجمات أخرى. وحددت اللجنة، حينها، مسؤولية النظام عن ثلاث هجمات باستخدام غاز الكلور، كلها في إدلب (سرمين، قيمناس، تلمنس)، من دون أن تتطرق إلى مجزرة الغوطة في 2013 التي استخدم فيها غاز السارين. وسبق ذلك تمكن المجتمع الدولي من التوصل إلى القرار الأممي 2235، الصادر في أغسطس 2018، والقاضي بتشكيل لجنة تحقيق مشتركة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، للتحقيق وتحديد المسؤول عن الهجمات الكيميائية في سورية. وتم تمديد مهمة اللجنة مرتين، وسط عراقيل كثيرة من قبل الروس، قبل أن ينتهي عملها بعدما وجهت الاتهام للنظام بالوقوف وراء هجوم خان شيخون الكيميائي.
وقد رفضت روسيا هذه الاتهامات، واستخدمت موسكو حق النقض (الفيتو) لإفشال عمل اللجنة. ويُتهم النظام السوري بارتكاب عشرات الهجمات باستخدام الأسلحة الكيميائية، أبرزها مجزرة الغوطة عام 2013 والتي ذهب ضحيتها 1400 مدني، ومجزرة خان شيخون في 2017 وقضى فيها حوالي 100 مدني، ومجزرة دوما عام 2017 وقتل فيها أيضاً حوالي 100 مدني. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد كشفت، نهاية العام الماضي، وقبيل انتهاء ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، عن تقرير أرسلته إلى الكونغرس، يؤكد مواصلة نظام الأسد مساعيه للحصول على مكونات لبرامج الأسلحة الكيميائية والصواريخ، حيث يسعى لتطوير إمكانياته وقدراته في إنتاج أسلحة استراتيجية، والتي كانت قد تآكلت خلال الحرب الدائرة منذ سنوات.
العربي الجديد
—————————–
هكذا يوقف الأسد انهيار الليرة/ عدنان عبد الرزاق
هوت الليرة السورية إلى حضيض جديد، بتسجيلها 4000 ليرة للدولار، لتضيف، مؤشرات الانهيار وبطلان قبول التداول، إلى خسائر العام الماضي التي زادت عن 211% وقت هوت من 900 ليرة للدولار مطلع 2020 إلى 2800 نهاية العام وترفد سجل التضخم الحافل بتراجعها 80 ضعفاً منذ بداية الثورة، بينما لم يزد سعر الدولار عن 50 ليرة منتصف عام 2011.
ربما المخاوف من العقوبات الجديدة، أوروبياً وأميركياً، هي المستجدات السياسية والنفسية، ليكون الخلل بالعرض والطلب، هو العنوان الأبرز لعوامل تهاوي سعر صرف الليرة السورية.
فبلد لا ينتج الدولار، بعد توقف السياحة وعرج الميزان التجاري وشلل التحويلات الخارجية، ويستهلك الدولار لشراء المواد الأولية والسلع والمنتجات، وبمقدمتها القمح والمشتقات النفطية، مصير عملته التدهور المستمر.
هذا بالظروف الطبيعية، فماذا إذا أضيف، أن هذا البلد يعيش حرباً منذ 10 سنوات، هربت خلالها الاستثمارات وتهدمت المنشآت وتراجع الإنتاج وتبدد الاحتياطي النقدي، وفرضت عليه عقوبات طاولت المنشآت والمسؤولين وحتى المصرف المركزي، فحينذاك، يبقى استمرار العملة على قيد التداول هو الغريب، وليس من غرابة بأي تدهور وقيعان جديدة، يصل إليها سعر صرف الليرة السورية.
إذاً، بحال كما في سورية، لا أفق أمام نظام الأسد لبيع أو تأجير ما تبقى من ثروات، بعد صدور قانون قيصر وشلل حلم النظام السوري بتبديد مزيد من مقدرات السوريين، أو التطلع إلى طريق إعادة الإعمار، للرشى والاختلاط والاستمرار.
كما، بالوقت ذاته، لا أمل بإحياء الموتى، من استثمارات هاربة أو قطاعات مهدمة، ما يجعل سؤالين إثنين يتوثبان على الشفاه.
الأول، ما هي التوقعات للعملة السورية وأثر استمرار التراجع في حياة السوريين؟
والثاني، كيف يمكن لنظام الأسد أن يتدخل بالسوق النقدية، لمنع الجياع من النزول للشارع، أو تقليل نسبة الجريمة والسرقات والخطيئة، إذا استمر الفقر والحرمان وتهاوي سعر الليرة؟
في محاولة الإجابة عن السؤال الأول، أغلب الظن أن الليرة ستستمر بمشوار تهاويها، وربما ليس من قاع تستقر عليه، بواقع توفر جميع عوامل انهيار العملة، الاقتصادية والنفسية وحتى السياسية المرشحة للتصاعد.
هذا يعني أن نسبة الفقر لن تتوقف عند 83% بعد أن زادت الأسعار أكثر من 30% خلال الشهرين الماضيين وتراجع سعر الصرف بأكثر من 40% ولم يحدث تحسين للدخول التي أكلها التضخم النقدي ولم يعد يزيد متوسط الأجور والرواتب، عن 14 دولاراً، في حين تكاليف المعيشة ووفق مراكز من دمشق، تزيد على 175 دولاراً.
وأما كيف يمكن للنظام السوري التدخل لوقف انهيار الليرة، فثمة طرق تقليدية عدة، بعد تجريب تجريم كل من يتعامل بغير العملة السورية. بيد أن السؤال حول نجاعتها أو قدرة حكومة دمشق على القيام بها.
فمثلاً، يتم رفع سعر الفائدة المصرفية على الإيداع، فيذهب فائض السيولة إلى خزائن المصارف فيعتدل المعروض النقدي وتتحسن الليرة.
لكن هذا الحل مستحيل لأسباب كثيرة، أهمها أن سعر الفائدة مهما ارتفع، لا يمكن أن يوازي نسبة التضخم، ما يعني خسائر محققة لكل مودع، هذا إن فرضنا جدلاً أن نظام الأسد قادر على منح أسعار فائدة مرتفعة، أو لديه خطط لتوظيف إيداعات المصارف بأقنية استثمارية يفوق عائدها سعر الفائدة.
طبعاً إن لم نشر إلى أن نظام الأسد يعتمد عكس هذا التوجه من خلال التمويل بالعجز، عبر طبع عملات جديدة، كانت فئة الخمسة آلاف آخرها قبل شهرين، من دون أي معادل نقدي أو إنتاجي وخدمي.
أو، طريقة أخرى، أن يتدخل المصرف المركزي بالسوق بشكل مباشر، فيبيع الدولار بسعر منافس، عبر شركات الصرافة أو من خلال نوافذ المصارف الحكومية، فيكسر السعر تباعاً ويلحق الخسائر بالمضاربين، إن كان هناك مضاربون كما يبرر مجلس النقد والتسليف.
بيد أن هذا الحل غير ممكن أيضاً، لأن خزائن المصرف المركزي خاوية من القطع الأجنبي، بعد تبديد نظام الأسد نحو 18 مليار دولار، على الحرب والرشى منذ مطلع الثورة عام 2011، إذ ووفق البنك الدولي، لا يزيد الاحتياطي الدولاري بمصرف سورية المركزي، عن 700 مليون منذ عام 2016، وربما بتكليف حكومة الأسد رجال الأعمال استيراد القمح والمشتقات النفطية وانسحابه من التدخل بالسوق النقدية، دليل على إفلاس المصرف المركزي من العملات الأجنبية.
——————–
انتخابات الأسد:الرفض الدولي يتسع.. ولن يترك أثراً/ مصطفى محمد
تتّسع دائرة الرفض الدولي للانتخابات الرئاسية التي سيجريها النظام السوري نهاية أيار/مايو 2021، لدفع الأخير وحليفته روسيا إلى مراجعة حساباتهم.
فبعد أيام من الكشف عن توجه أوروبي، تقوده فرنسا، نحو إعلان موقف رافض لإجراء أي انتخابات رئاسية لا تحصل وفق القرار الأممي 2254، حصلت “المدن” على معلومات تُشير إلى محاولة دول أخرى حذو الموقف المنتظر للاتحاد الأوروبي، والخروج بإعلان رافض للانتخابات.
وبحسب مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني، يُنتظر أن تُنضم بريطانيا وأستراليا إلى قائمة الدول الرافضة لإجراء الانتخابات الرئاسية، استناداً إلى مخالفتها لقرار مجلس الأمن.
وكانت صحيفة “الشرق الأوسط” قد كشفت قبل أيام، عن اجتماعات يجريها ممثلو الدول الأوروبية لإقرار مسودة الورقة الفرنسية، واتخاذ موقف موحد منها، لقطع الطريق على “التطبيع” مع النظام بعد الانتخابات.
وأضافت أن النظام وحلفاءه سيستغلون هذه الانتخابات للإعلان من جانبهم فقط عن انتهاء الأزمة، من دون الالتزام بأي شيء يتفق مع تطلعات السوريين، وأن الانتخابات ستجري بموجب القوانين المعمول بها في الوقت الراهن، تحت مظلة وسيطرة النظام.
وقال فضل عبد الغني ل”المدن”، إن وجود الأجهزة الأمنية “المتوحشة” لا يوفر بيئة آمنة لإجراء الانتخابات، فضلاً عن أن أكثر من نصف الشعب السوري هم بين لاجئ ونازح، وقسم كبير منهم لا يحمل أوراقاً ثبوتية، ما يجعل من مشاركتهم في الاقتراع أمراً بعيداً.
وأضاف أن النظام لا يسيطر على كامل مساحة سوريا، وهذا يعني أن محافظات بأكملها ستكون خارج الانتخابات، وعلى ذلك فإن الانتخابات تعني أجزاء من سوريا، وتساءل: “هل سيكون الأسد رئيساً لمحافظات سورية دون أخرى؟”.
من جانب آخر، أشار عبد الغني إلى تورط بشار الأسد، بصفته قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة، بجرائم حرب ضد الإنسانية، تم توثيقها من قبل تقارير حقوقية دولية، لافتاً إلى وجود آلاف الوثائق التي تُدين جرائم التعذيب والقتل والاختفاء القسري التي نفذها نظام الأسد ضد الشعب السوري.
هل يستجيب النظام للمعايير الأوروبية؟
وتقترح الوثيقة الفرنسية معايير لإجراء انتخابات رئاسية نزيهة في سوريا، وهي ضمانات لمشاركة اللاجئين من الخارج والنازحين في الداخل في عملية الاقتراع، وتنفيذ خطوات بناء الثقة، وإيجاد البيئة الآمنة المحايدة، بالإضافة إلى تهيئة الظروف القانونية والعملية لإجراء الاقتراع التعددي، وإشراف الأمم المتحدة على الانتخابات، وضمان أقصى درجات الحياد.
ويبدو أن النظام ليس بوارد الرجوع خطوة واحدة عن إجراء الانتخابات، إذ توحي الأنباء الواردة من مناطق سيطرته، أن الاستعدادات لها تتم بشكل متسارع، من خلال إجراء الاجتماعات والندوات والفعاليات والنشاطات للخروج بمشاهد تؤكد التأييد الشعبي للأسد.
وضمن رؤيته لاحتمال تجاوب النظام السوري مع هذه المعايير، قال عبد الغني إن النظام غير مهتم بهذه المعايير، ولا بالعملية السياسية، وهو ماضٍ نحو الانتخابات وفرض نتائجها بالقوة، لأنه مدرك تماماً بأن المواقف الرافضة للانتخابات لن تخرج عن دائرة ردود الفعل المعتادة.
وأوضح مدير الشبكة الحقوقية أن المواقف الدولية ضد النظام السوري منذ نحو عقد، لم تكن متناسبة بحال من الأحوال مع مستوى الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها، ولذلك لن نتوقع استجابة من النظام لهذه المعايير، أو غيرها. وهو ما يتفق معه السفير السوري السابق في السويد بسام العمادي الذي استبعد استجابة قبول النظام لإجراء انتخابات نزيهة، لأن من شأنها إنهاء حكمه، وخصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر على السوريين.
واستناداً إلى ذلك، يعتقد العمادي خلال حديثه ل”المدن”، أن كل ما سيصدر عن مواقف أوروبية ودولية رافضة للانتخابات “لا يرقى إلى مستوى العمل الحقيقي الهادف لإنهاء الكارثة التي تسببت بها عصابة الأسد الحاكمة”.
وقال: “لم يستجب النظام لتحركات دولية أكثر أهمية من الورقة الأوروبية، ما يجعلنا نضع كل ذلك في إطار تمضية الوقت من دون التحرك الفعال”.
المدن
————————-
متى يعود حافظ الأسد؟/ عمر قدور
مع هبوط الليرة السورية إلى مستوى مخيف غير مسبوق، سلّمت صفحة موالية بانتهاء حلول الأرض، متوسلةً حلول “السماء” بمخاطبة حافظ الأسد: انهض يا أبا الفقراء، فشعبك أضحى بين أنياب الضباع. صفحة “شبكة أخبار حمص الأسد 24/24” التي نشرت هذا التضرّع لديها حوالى 260 ألف متابع، وهي لم تبخل عليهم بأقوال للإمام علي تبشّرهم بالفرج بعد الصبر، أو تنص على أن الصبر والصمت وانتظارَ الفرج أفضلُ عبادة!
كان موالون وصفحات موالية قد دأبوا في الأشهر الماضية على مناشدة بشار التدخل لوضع حد للتدهور المعيشي، فهو بموجب تلك المناشدات سيلجم الفاسدين من حوله، وسيعرف كيف يتصدى للمؤامرة الكونية المتعينة بالعقوبات الاقتصادية. إخراج بشار من دائرة المسؤولية عما آلت إليه الأمور لا يقف لدى الجميع عند تنزيهه عن الأخطاء، ففي المقابل كان ثمة إصرار على قدرته على معالجة الوضع، إذا قرر وضع ثقله من أجل ذلك. أي أن التبرئة تندرج في عملية مقايضة، أو هي بمثابة رشوة ضرورية لعلها تحفّزه على فعل ما يجب فعله بصفته الدولة ومالكها معاً.
هكذا تأتي مخاطبة حافظ الأسد تعبيراً عن اليأس من وريثه، بل من المرجح أنها ذروة اليأس التي تقتضي عودة ذلك “الرب”، أو عودة الإمام الغائب. ما يحدث في الواقع قياميّ، أو يدنو من تصورات موروثة عمّا قبل القيامة. إنه البؤس الذي لا يُطاق، والذي يجوز اعتباره تمهيداً لقيامة حافظ الأسد العائد لإنقاذ شعبه. وإذا أعطتنا المخاطبة مادة للسخرية، يبقى الأهم فيما تعبّر عنه من عجز لا يرى بصيص أمل سوى في اللامعقول.
خارج معسكر الموالاة، وتعبيراته الإعلامية التي لا ينبغي أخذها غالباً على محمل الصدق، من المحتمل جداً أن يكون كثر من الواقعين تحت سيطرة الأسد يصبّرون أنفسهم بطريقة مشابهة. من المحتمل جداً أن هؤلاء أيضاً ينتظرون معجزة من الغيب، إذ لا يرون خلاصاً بأقل من معجزة، مثلما من المحتمل أن يلجؤوا إلى مقولات دينية تناسب معتقداتهم، وتحثهم بالطريقة ذاتها على الصبر والانتظار. إنهم سيستعينون بالمقولات التي تناسب أوضاعهم، وتشجعهم على فعل ما يفعلونه حقاً أو ما لا يفعلونه، لتقدّم لهم السلوى بأنه الوحيد الذي يمكن فعله.
لاستجداء الغيب هذه المرة وقع مختلف، أقوى مما كان عليه في أي وقت. إننا لا نستطيع دحضه بعقلانية واقعية يمكن صرفها مباشرة، أي يمكن البرهان ولو شكلياً على احتمال تحققها ونجاعتها. ليس لدينا سيناريوهات ممكنة التحقق لنطرحها كبديل، وأقصى ما ينتظره بعض العقلانيين حدوث معجزة من نوع آخر، كأن تتفق الدول المتحكمة بالشأن السوري على دفن الحقبة الأسدية وفتح صفحة جديدة، وهو افتراض في مقام المعجزة حتى الآن.
باستثناء عبارات المواساة والتعاطف، المطعّمة أحياناً بأمل غامض أو مخادع، لا يملك أحد ما يقدّمه للعالقين في الجحيم السوري. لا أحد مثلاً يجرؤ على نصحهم بالثورة، فالسلطة التي لا تكترث بهمومهم المعيشية تحتفظ بما يفيض عن حاجتها من المخابرات والشبيحة الجاهزين لقمع أي احتجاج. لا ثورة جياع، وعندما ينهش الجوع إلى حد لا يُطاق المستويات الدنيا والوسطى من جهاز القمع فسنشهد على الأرجح حالات من الفلتان والفوضى تتجلى بارتكاب الجرائم، ولن تأخذ طابع الانتفاضة ولن تكون موجهة ضد السلطة.
جرّب سوريون قبل عشر سنوات امتلاك قرارهم ومصيرهم، عبّروا عن ذلك بهتاف “الشعب يريد..”، لكنهم سرعان ما اضطروا إلى طلب النجدة من قوى الخارج. لم يأتِ “المنقذ” الخارجي بسبب استغاثاتهم؛ أتى وبقي بموجب مصالحه وبموجب صراعات النفوذ الدولية والإقليمية. بعض الذين هتفوا “الشعب يريد..” انتهى بهم المطاف إلى هتاف “يا الله ما لنا غيرك”، وبعضهم الآخر صمت نهائياً. قلائل فقط بقوا على عادتهم في بيع الوهم “الثوري”، ونراهم يخترعون بين الحين والآخر معجزة سيأتي بها أولئك المنقذون، أو حتى سيأتي بها حلفاء الأسد.
ذلك الدرس الماثل الطازج لن يشجع ضحايا المجاعة على الظن بأنهم قادرون على فعل شيء، وفوق الدرس السوري لدينا الدرس العراقي أيام العقوبات على صدام حسين، حيث بلغ التدهور المعيشي مستويات أقسى مما هو الحال عليه حتى الآن في سوريا، ومع قسوتها أفادت الإحصائيات آنذاك بتزايد عدد الباحثين عن السلوى في الغيبيات. اليوم، هناك إلى الجوار درس لبناني لم يكن متوقعاً، هو أيضاً درس في ترك البلد الذي كان السوريون يرونه محظوظاً بالرعاية والاهتمام الدوليين والإقليميين.
بينما كانت تلك الصفحة الموالية تطالب حافظ الأسد بالنهوض والعودة لإنقاذ شعبه من الضباع، كانوا سوريون آخرون يستذكرون تحرير مدينة الرقة من قوات الأسد قبل ثماني سنوات، ويستذكرون على نحو خاص تحطيم التمثال الضخم لحافظ الأسد وقيام أحد رجال المدينة بالتبول عليها أمام الحشد. في وعي الذين حطموه، لم يكن تمثالاً، كان صنماً وفق التعبير الشعبي الذي يُقصد به “الوثن-الإله”، وهو مطابق من الجهة الأخرى لمفهوم موالين يطالبونه بالقيامة الآن.
نفترض أن الموالي الذي يطالب وثنه بالنهوض والعودة أقل غباء من أن ينتظر تحقق أمنيته، ومن المؤسف أنه لا يستطيع تمثّل المروية القديمة عن أولئك الذين كانوا يأكلون أصنامهم عندما لا تأتي لهم بالرزق، وإلا كانت تماثيل حافظ الأسد الموجودة في كل حيّ وقرية تكفلت بسدّ جزء من المجاعة الحالية. حسبه أن يمضي مع منطقه إلى الآخر، فإذا كان بشار قد امتنع عن تلبية مناشداته، ثم امتنع أبوه عن القيام والعودة، ربما حان الوقت كي يشهر يأسه المدقع الخالي من الأوهام.
قبل عشر سنوات، كان هذا الموالي يفترض أن غيره سيُباد أو يُعتقل أو يُهجَّر، وسيكون هو سيداً في بحبوحة على أنقاض الضحايا. كان الصامت على المقتلة يُمنّي نفسه بالنجاة، وبأنها أيام صعبة وتنقضي ليستتب الهدوء بعدها. ليس من الشماتة تذكير هؤلاء البؤساء بكل ذلك، في الأصل لا ينفع التذكير ما لم يفهموا من تلقاء أنفسهم درس الخسارة المعممة ويقتلوا ذلك الوثن الذي في رؤوسهم.
المدن
————————
===========================
تحديث 08 أذار 2021
——————
أي مستقبل لـ”سورية الأسد”/ مصطفى عبد السلام
في سورية الأسد، من لم يمت بمدافع ونيران نظام بشار وجرائم حرب يخوضها منذ 10 سنوات ضد شعبه بلا هوادة، مات بالجوع والقهر والحرمان والذل والبطالة والفقر المدقع والعشوائيات وتردي البنية التحتية وهدم المنازل والحرق وسلب ومصادرة الأموال.
ومن لم يمت بالمتفجرات وغازي السارين والكلور، مات بالغلاء والتضخم وقفزات الأسعار الجنونية التي لا تتوقف لحظة، ولا ترحم الغالبية العظمى من المواطنين.
ومن لم يمت بالبراميل المتفجرة والاغتصاب والاحتجاز القاسي وتشويه الجثث، مات في طوابير الخبز والدقيق والوقود والمواصلات العامة، أو خلال رحلة بحث المواطن الفقير والمعدم عن السلع الأساسية المختفية من الأسواق، أو البحث عن لتر بنزين أو سولار أو قارورة غاز منزلي.
ومن لم يمت بالطائرات المقاتلة والمروحيات والبراميل المتفجرة، مات بالبرد القارس والجوع في مخيمات اللاجئين التي تمتد عدة كيلومترات على حدود سورية.
ومن لم يمت في مقابر الكيميائي وغياهب السجون، مات بسبب المرض واختفاء الأدوية الضرورية وعدم وجود سرير في مستشفى حكومي وندرة الأطباء الذين يأسوا من المستقبل وفروا خارج البلاد بحثاً عن الأمان أو غد أفضل لأولادهم.
ومن لم يمت من السوريين في معتقل أو حريق أو تحت منزله بعد أن حولته طائرات النظام إلى ركام، مات كمداً على مصادرة أمواله وشقى عمره، أو من رسوم وضرائب لا ترحمه، أو من راتب ضعيف تتآكل قيمته يوما بعد يوم بسبب التضخم وتعويم العملة وخفض قيمتها بشكل سريع يفوق سرعة الصاروخ الذي يوجهه النظام لبيت المواطن وقلبه المعرض للتوقف فجأة بسبب سياسات بشار وقهره وجرائمه وظلمه وجبروته.
ومن لم يمت من الشباب السوري في جيش نظامي يقتل شعبه ليل نهار، مات غرقاً وهو يستقل مركبا غير مرخص في هجرة غير شرعية نحو أوروبا وغيرها من دول العالم.
في سورية الأسد، بات المواطن يشاهد يومياً كيف أن محتلين أجانب يسرقون قوته وطعامه ومستقبله وثروة بلاده وأولاده وأحفاده، وكيف يمنح النظام الحاكم صفقات بمليارات الدولارات للمحتل الإيراني والروسي مقابل الدفاع عنه والحيلولة دون سقوط نظامه، وكيف يحصد هؤلاء المحتلون من حزب الله وغيره من الميلشيات ما تبقى من نقد أجنبي وأموال في البلاد.
في سورية الأسد يتغاضى النظام عن سرقة ونهب تنظيم “داعش” الإرهابي والأميركان وغيرهم لثروة البلاد من النفط والغاز الطبيعي والمعادن، لكنه يبيد آلاف الشباب ويقتلهم في حال الخروج للشارع للمطالبة بحقوقهم في ثروة بلادهم، والتمتع بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والتوزيع العادل للثروة.
في سورية الأسد، بات المواطن خائفا من كل شيء، وعلى أي شيء، خائفا على بلاده ومستقبلها، على مستقبله وأمنه الشخصي الغامض وسط صمت دولي وعربي متواصل على جرائم الأسد التي تفوق جرائم النازية، خائفا من انهيار اقتصادي واقع لا محالة ولا تخطئه عين محايد، على فساد مستشر في كل ركن من أركان الدولة العربية العريقة، حانقا على رموز النظام ووزراء ومسؤولين يتسابقون على سرقة قوت الشعب وثروته وتهريبه إلى الخارج.
وبعد مرور عقد على الثورة السورية، لا يزال المواطن يسأل: أي مستقبل لسورية، ونظام بشار يواصل إبادة شعب بأكمله طول 10 سنوات كاملة.
أي مستقبل لسورية والنظام لا يزال يصر على تهجير ما تبقى من الشعب، ولم يكفه قتل أكثر من 400 ألف مواطن حسب منظمة هيومن رايتس ووتش، وأكثر من 130 ألف معتقل، وتهجير الملايين إلى كل دول العالم؟
أي مستقبل لسورية والدولة تقترب من الإفلاس الاقتصادي والمالي في ظل نفاد احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي، واستمرار تهاوي العملة، وعدم توافر سيولة لتمويل واردات البلاد من القمح والأغذية والأرز والوقود وغيرها من السلع الضرورية؟
أي مستقبل لبلد رهن نظامها الحاكم مستقبلها المالي والاقتصادي لمحتلين همهم الأول السطو على ثروة البلاد؟
أي مستقبل لبلد رهن نظامها الحاكم مستقبلها المالي والاقتصادي، بل والسياسي، لمحتلين أجانب همهم الأول هو السطو على ثروة البلاد؟
أي مستقبل لبلد كانت ديونه الخارجية صفرا، وصادراته تفوق وارداته، ويكتفي ذاتيا من الأغذية خاصة القمح، أما الآن فقد بات غارقا في الديون وأزمات نقص السيولة والسلع الرئيسية وغلاء المعيشة؟
أي مستقبل لبلد يشهد أعلى معدلات التضخم في العالم حيث تجاوزت نسبة زيادة الأسعار 2100% خلال السنوات العشر الأخيرة، وبات ملايين الأسر غير قادرين على توفير وجبة غذاء واحدة لذويهم، فماذا عن وجبات اليوم التالي، وماذا عن المستقبل أيضاً؟
في سورية المأزومة لا يخشى نظام بشار من العقوبات الاقتصادية الغربية، أو قانون “قيصر” الأميركي وغيرها من العقوبات التي حاصرت الاقتصاد السوري وساهمت في تجويع الملايين، لأنه لا تعنيه مشاكل المواطن أصلاً طالما أن قصوره مليئة بالأموال والسلع المستوردة، وأرصدته المالية محفوظة في البنوك الغربية.
في سورية الأسد يتغاضى النظام عن دك قوات الاحتلال الإسرائيلي وغيرها من القوات الأجنبية لمواقع استراتيجية وعسكرية، ولا يتغاضى عن قيام شاب خرج للمطالبة بفرصة عمل وحياة كريمة أو برغيف خبز نظيف وبسعر مناسب للأسعار تناسب دخله أو دخل ذويه.
نظام بشار لا يهمه تهاوي قيمة العملة المحلية، ولا تعنيه قفزة سعر الدولار من 45 ليرة في العام 2010 إلى 3750 ليرة في الوقت الحالي، ولا تعنيه الأزمات المعيشية طالما أن المدافع والطائرات والصواريخ على أهبة الاستعداد، والمعتقلات والسجون مفتوحة.
المهم أن يبقى النظام ويواصل حكمه وجبروته حتى ولو كان يحكم جماجم وهياكل بشرية وشعبا فقيرا معدما وشبابا عاطلا ومحطما اقتصاديا ومعنويا.
لا يهم كل ذلك، المهم أن يظل آل الأسد، الذين حولوا سورية إلى ساحة حرب مفتوحة منذ أكثر من عقد، في هرم السلطة للأبد حتى لو حكموا مساحة 10% فقط من أراضي الدولة السورية.
العربي الجديد
—————————-
موسكو وواشنطن.. ودمشق ثالثتهما/ عريب الرنتاوي
من يقرأ ما كتبه وصرح به، جميس جيفري، آخر موفد أمريكي إلى سوريا (إدارة ترامب)، لن يجد صعوبة في الاستنتاج بأن ما يجمع موسكو بواشنطن، في سوريا وحولها، أكبر بكثير مما يباعدهما!
وأن حواراً صريحاً بين الجانبين، حول الأزمة السورية، لن ينتهي إلى فشل، خصوصاً إن قررا، تحييد هذا الملف، عن بقية قضايا الخلاف بينهما، وألا يجعلا من سوريا، ساحة لتصفية حساباتهما المتبادلة.
أولا: ليست لدى واشنطن «نيَّةَ» تغيير النظام أو إسقاط الأسد، هذا في عهد ترامب، أما في عهد بايدن، فإن واشنطن ستمتنع عن تغيير الأنظمة الاستبدادية في سوريا أو غيرها، كما قال أنطوني بلينكن، المطلوب تغيير سلوك النظام وسياساته…هذه نقطة بداية «جيدة» بين الدولتين العظميين.
ثانياً: لا ترغب واشنطن في الاحتفاظ بوجود عسكري دائم في سوريا، ولا بنشر قوة عسكرية «وازنة» على أرضها، هذه رغبة «ورثتها» إدارة بايدن عن إدارة ترامب.
لكن واشنطن تشترط في المقابل، انسحاب القوات التركية والإيرانية والمليشيات المذهبية، قبل أو بالتزامن مع سحب قواتها، جيفري لم يوضح المسألة…وهذه نقطة بداية «جيدة» ثانية.
ثالثاً: واشنطن لا تمانع «تلزيم» سوريا لروسيا، وإبقاء الأخيرة قوات وقواعد على أرضها وفي مياهها وأجوائها، طالما أن سلوك النظام سيتغير، والقوات الأجنبية ستنسحب.
والأهم، أن روسيا ستتكفل بأمن وسلامة الحدود السورية – الإسرائيلية، وربما تلعب دور الوسيط، بين دمشق وتل أبيب، في إطار عملية السلام، وقبل هذا وذاك، ثمة تنسيق روسي – إسرائيلي فعّال في سوريا وحولها…هذه أيضاً نقطة بداية «جيدة» ثالثة.
رابعاً: أمريكا ما زالت ترى في أكراد سوريا، حليفاً موثوقاً، وهي لا ترغب في تركهم فريسة للأطماع الإسلامية القومية، لأردوغان والائتلاف الحاكم، وكذا بالنسبة لدمشق، فلا عودة للوراء في علاقة الكرد بوطنهم ودولتهم السورية، فقواعد اللعبة تغيرت.
موسكو ليست بعيدة عن هذا الطرح، وهي أول من تقدم بمسودة دستور فيدرالي لسوريا، رفضته المعارضة كما رفضته دمشق، وروسيا دولة صديقة تاريخياً للحركات الكردية في المنطقة، ويمكن لها أن تلتقي مع واشنطن حول «ترتيب» فيدرالي/ لا مركزي موسع»، للأكراد في دولة سورية موحدة…هذه نقطة بداية «جيدة» رابعة يمكن البناء عليها.
خامساً: الدولتان تريان أن لا حل عسكرياً للأزمة السورية، وأن زمن المعارك الكبرى انتهى، وهما توليان اهتماماً بمحاربة داعش، وشق طريق لعملية سياسية ذات مغزى…هنا تبرز خلافات وتباينات وفجوات بين الجانبين، ومن أجل تذليلها وتجسيرها، يتعين للحوار أن يبدأ من دون إبطاء، مستنداً إلى نقاط تقارب صلبة ومتعددة.
سادساً: في الملف الاقتصادي المتشعب: انهيار العملة، تباطؤ النمو، إعادة الأعمار، عودة اللاجئين، جائحة كورونا، تدرك موسكو أن هذه أسلحة قوية، بَيد أنها بِيد واشنطن، لا بِيدها.
وتدرك الأخيرة في المقابل، أنها ما تبقى لها من أوراق القوة والضغط (قانون قيصر)، بعد أن نجح الكرملين في تمكين الأسد من بسط سلطانه على ثلاثة أرباع سوريا.
في الدبلوماسية، يمكن وضع جميع هذه الأوراق على الطاولة، لتبدأ من بعدها، المقايضات والمساوات، وصولاً لـ»نقطة ما» في منتصف المسافة بين الطرفين.
خلاصة القول: إن ما يجمع القوتين العظميين في سوريا يمكن أن يفتح مساراً لحل الأزمة، لكن واشنطن ليست في عجلة من أمرها، وهي ترى أن «مرور الوقت»، لا يصب في صالح موسكو- طهران – دمشق.
وإدارة بايدن، لم تتناول المسألة السورية بعد، أما موسكو فهي الأكثر استعجالاً وقلقاً، فقد تُبدد جائحة سوريا الاقتصادية، مكاسب «بوتين» وانتصاراته العسكرية…هنا مكمن المشكلة، ومن هنا تتناسل المساجلات والاتهامات المتبادلة.
الدستور
———————–
سوريا كمعرض أسلحة روسية/ هشام حاج محمد
نشرت وزارة الدفاع الروسية بتاريخ 25 شباط (فبراير) 2021، لقطات ومقطع فيديو يتضمن إطلاق صواريخ إسكندر-ك في سوريا. جاء ذلك رداً على مزاعم أرمينية جاءت على لسان رئيس الوزراء الأرميني الحالي نيكول باشنيان، بتاريخ 23 شباط 2021، والذي قال إن السلاح الروسي لم يساعد جيشه في حرب كاراباخ الأخيرة، وإن صواريخ إسكندر لم تكن فعالة ولم تنفجر، أو انفجرت بنسبة 10% فقط. تصريحات باشنيان بدورها جاءت في سياق تبريره خسارة جيش بلاده حرب كاراباخ 2020 في مواجهة الجيش الأذربيجاني، ورداً على سؤال صحفي طلب منه تعليقاً على تصريح رئيس الوزراء الأرميني السابق سيرج سركسيان، والذي قال إن الجانب الأرميني كان بإمكانه استخدام صواريخ إسكندر-إي التي يمتلكها منذ الأيام الأولى لبدء المعركة.
الفيديو الذي نشرته وزارة الدفاع الروسية كان مرفقاً بتأكيدٍ مفادُه أن أرمينيا لم تستعمل هذه الصواريخ إطلاقاً، وأنها ما زالت محفوظة في مخازنها، وأن هذه الفئة من الصواريخ استُخدِمت بنجاح في سوريا، وأنها الأفضل في فئتها، الأمر الذي يعترف به الجميع بحسب التأكيد.
خدمة توصيل الصواريخ في حميميم
أظهر الفيديو لقطات إطلاق الصواريخ من قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية، التي تتخذها قوات الاحتلال الروسي قاعدة رئيسية لعملياتها في سوريا، وذلك باتجاه هدفين أحدهما المشفى الوطني في شمال حلب في مدينة إعزاز، والآخر مبنى في مدينة الطبقة في محافظة الرقة على بعد حوالي 1 كم فقط من سد الفرات.
القصف الذي طال المشفى الوطني في إعزاز يعود لتاريخ 15 شباط 2016، وكانت وسائل الإعلام المحلية قد أبلغت عنه على أنه استهداف بصاروخ باليستي دون تحديد نوعه ولا من أطلقه. إلا أن الدقة غير المعهودة في القصف الصاروخي، والقصف الجوي الروسي على إعزاز في الأيام التي سبقت وتلت الاستهداف الصاروخي للمشفى، رَجَّحَا على الفور أن تكون روسيا هي من تقف وراء الاستهداف. كان الصاروخ واحداً من سبعة صواريخ روسية استهدفت مدينة إعزاز حسبما نقلته وكالة رويترز عن مسؤول أمني تركي، أحدها سقط بجانب مشفى آخر هو مشفى التوليد النسائي التابع لجمعية «لأجل سوريا حرة» الإغاثية.
في اليوم التالي للقصف الصاروخي والتصريح الأمني التركي عن مسؤولية روسيا، نفت وزارة الدفاع الروسية مسؤوليتها، وقالت إن مصدر الهجوم من غازي عينتاب في تركيا، لكن محتوى الفيديو الذي نشرته وزارة الدفاع مؤخراً لتأكيد فعالية صاروخها المكسور الخاطر يوضّح بشكل لا لبس فيه أنها هي المسؤولة.
يُظهر الفيديو المنشور لقطات لعملية إطلاق الصواريخ، وأخرى لإصابة الأهداف. تصوير العملية في مرحلتَي الإطلاق والإصابة يرجّح الأغراض دعائية وراءه، حيث سيُستخدم كمادة تسويقية غالباً من قبل لجان مبيعات السلاح التابعة لوزارة الدفاع الروسية. لم تكتفِ الدفاع الروسية بالقول إن الصواريخ لم تُستعمل في حرب كاراباخ، وبالتالي فإن مزاعم باشنيان لا أصل لها، بل نشرت فيديو قصف هدف مدني لتأكيد فعالية سلاحها وإبعاد كل الشبهات عنه.
بالنسبة للأسلحة الروسية الجديدة، فإن استخدامها لأول مرة يحتاج إلى مراجعات ميدانية لتعديل الأسلحة وتلافي أخطاءها. لكن عدا الدعاية التسويقية، ما الذي يستدعي تصوير استخدام سلاح قديم ومُجرَّب ولا يحتاج لمعايرة؟ والأهم، ما الذي يستدعي، عملياتياً، استخدام صاروخ كروز لاستهداف ما يمكن الوصول إليه وتدميره بالطائرات – هي التي تعمل في السماء السورية بكل سلاسة، ولا تواجه أي تحدٍّ حقيقي، الأمر الذي يوفر في الكلفة ويزيد في دقة الإصابة؟
حقل استعراض وتجارب مناخية
استخدام سوريا كحقل لتجريب الأسلحة الروسية أمر لم يتم إخفاؤه ولا تجميله، بل صرَّح به من هو على رأس هرم السلطة في روسيا، فلاديمير بوتين، والذي أشاد بالحملة العسكرية الروسية في سوريا في أكثر من مناسبة، ووصفها بأنها فرصة لا تُقدَّر بثمن لتطوير القدرات القتالية للجيش الروسي واختبار أسلحة جديدة. كما أكد مسؤولون روس أن موسكو اختبرت مختلف أصناف الأسلحة الجديدة في سوريا، وأن هذه الاختبارات، التي وفّرتها «معركة حقيقية»، قد أكسبتهم خبرة وأثبتت فعالية السلاح الروسي.
من الأسلحة التي جربتها روسيا في سوريا مقاتلات السوخوي سو-35 وسو-57، والقاذفة تي يو-160، بالإضافة إلى القنابل الذكية وأنظمة قتال بري وأنظمة دفاع جوي وطائرات بدون طيار ومركبات إزالة ألغام. وإلى جانب استخدام صواريخ إسكندر من قاعدة حميميم داخل سوريا، استخدمت روسيا أيضا صواريخ كروز من نوع كاليبير من قطعها البحرية في بحر قزوين ضد أهداف داخل سوريا، قاطعةً مسافة 1500 كم. ورغم تكلفتها العالية، إلا أن هدف استخدامها كان إظهار امتلاك جيل جديد من الأسلحة الرادعة، على أساس أن روسيا التي بعثت الحياة في قدراتها السياسية والدبلوماسية، أعادت أيضاً بعث مهاراتها العسكرية وعلى مستوى غير مسبوق.
من الأسلحة التي استخدمتها روسيا أيضاً في سوريا القنابل الحرارية، وكان أول استخدام لها في ريف حلب في 21 حزيران (يونيو) 2016، على مناطق قريبة من مدينتي عندان وحريتان. وميض القنبلة الهائل – ربما هذه هي الشمس التي تشرق من موسكو كما وعدنا معاذ الخطيب – استرعى اهتماماً عالمياً، وبعد تفحص الخبراء أكدوا أنها قنبلة حرارية، وهي من النوع الأقوى انفجاراً بعد القنابل النووية، وإن كان بدون تداعيات إشعاعية.
ما أكد عليه العسكريون الروس أيضاً في تصريحاتهم عن العمليات العسكرية الروسية في سوريا، هو أنها تجري في أجواء بيئة مناخية مختلفة وجديدة على القوات الروسية لا تشبه ما اعتادوا عليه، وأن روسيا تفتقر إلى الخبرة في تصميم أسلحة لهذه المناخات. إعداد القوات الروسية للقتال في مناخ صحراوي وشبه صحراوي، وخاصة للطيارين والأطقم الفنية للقوات الجوية، هو هدف روسي طَموح يتجاوز سوريا، ويتعداها إلى الدول الأفريقية التي أظهرت اهتماماً بها مؤخراً.
قد يُقال إن نشر الفيديو تصرّف غبي قام به مُهمِلون في الدفاع الروسية، لأنه اعتراف بما دأبت موسكو على نفيه طيلة سنوات عدوانها على المدن السورية. لكن هناك ما يوحي أنه ليس تصرفاً غبياً، بل على العكس تماماً، هو تصرّف مقصود وذو أغراض تسويقية أيضاً. لكن ما الذي يتم تسويقه هنا؟ ولمن؟
تدرك روسيا أن أحداً لا يستطيع محاسبتها. اللامبالاة الروسية نفسها هي ما يتم تسويقه، وتحديداً للدول التي تواجه مشاكل مع الرقابة المفروضة من قبل مورّدي السلاح الغربيين. ما يتم تسويقه هو سلاح يمكن استخدامه ضد أهداف مدنية، مع صفر مخاوف من رقابة البلد المصنِّع على كيفية استخدامه.
هيبة عسكرية مافيوزية
تعدّ صادرات الأسلحة من أهم الأعمال التجارية الروسية، وكل ما يتعلق بالأسلحة الروسية هو مسألة ذات صلة بالهيبة. لكن هناك ما يسترعي الانتباه في هذا الطراز من الصواريخ الروسية بالذات، وهو ردة الفعل الروسية السريعة على مزاعم عدم فعاليتها، وتَعاطي بعض وسائل الإعلام الروسية مع الأمر بحساسية أكبر بكثير من تلك التي أثارها فشل منظومات الدفاع الجوي الروسي، أو هجمات المسيَّرات التركية في سوريا وليبيا وحتى كاراباخ. وقد تبدّت هذه الحساسية البالغة في تصريحات مختلف المسؤولين الروس، منهم نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما فيكتور زافارزين، الذي وصف تصريح باشنيان بأنه «كذبة مطلقة»، بالإضافة لعناوين بعض الصحف الرسمية الروسية مثل «لا تسخر من إسكندرنا، سيد باشنيان» في صحيفة برافدا.
اللافت أيضاً ما قامت به وزارة الدفاع الروسي من تزوير متعمد، فقد استخدمت طرازاً مختلفاً من الصواريخ لنفي مزاعم باشنيان، فالتي تمتلكها أرمينيا من فئة إي، وهي صواريخ بالستية معدّة للتصدير، أما الذي يظهر في الفيديو فهو من طراز ك، وهي صواريخ كروز مخصصة للجيش الروسي. الباليستي ذو مسار إطلاق ثابت محدَّد مسبقاً، أما كروز فيمكن التحكم بمساره بعد إطلاقه وهو ما يمنحه دقة أعلى في الإصابة.
ربما لو عدنا الى تاريخ هذا الطراز لعرفنا أنه خليفة الصاروخ الروسي الشهير أوكا، الذي تخلّى عنه الاتحاد السوفييتي بعد معاهدة نزع أسلحة مع الولايات المتحدة عام 1987. قد ينكأ فشل هذا الصاروخ جرحاً روسياً قديماً، ويرسم خطاً مستقيماً يربط روسيا اليوم بماضٍ متهالك لا تريد الالتفات إليه.
الأسلحة الجديدة التي يتم تجريبها في سوريا ليست بالضرورة عتاداً جديداً تستخدمه القوات الروسية في سوريا نفسها، بل غالباً ما يتم تجريبها لتسويقها في مكان آخر. مثلاً، عندما تجرب الطائرات قنبلة ذكية وتتأكد فعاليتها ودقتها، قد لا تنتهي التجربة باعتمادها في سوريا، فقد استخدمت القوات الروسية في هجماتها الجوية في سوريا قنابل تقليدية غير موجَّهة مماثلة لما يمتلكه النظام السوري، وذلك بهدف خفض تكلفة عملياتها الجوية. ولعل لدى موسكو غرضاً آخر هو نقل المسؤولية عن جرائم حرب محتملة للنظام السوري، أي تصعيب مهمّة محققي جرائم الحرب الباحثين عن مسؤولين مباشرين عن الهجمات. القنابل غير الموجهة في النهاية أقرب ما يكون للبراميل المتفجرة، وإن كانت أكثر أناقة.
ربما لا شيء من هذا جديد على روسيا، وربما هذه هي بالعموم أحوال أسواق السلاح العالمي: المبيعات بحاجة دائمة إلى مواد تسويقية متجددة، وفقط نحن المُستجِدّون في حقل تجاربها.
—————————-
هكذا تحكم عائلة الأسد/ فاطمة ياسين
عندما تَظهر إشارات لاهتزاز السلطة في أنظمة الحكم العائلية، تُسلَّط الأضواء بقوة على أفراد هذه العائلة، وتجري محاولات لإعادة تحليل علاقاتها الداخلية وآلية إمساكها بالسلطة، ومدى تأثير مؤشرات الاهتزاز الراشحة، على موقع العائلة المسيطرة على البلاد..
في سوريا تحكم عائلة الأسد منذ أكثر من خمسة عقود، وتسيطر على مفاصل السلطة، والسلطة في هذا البلد ذات شقين رئيسيين هما أجهزة الأمن، ومؤسسة الجيش، وتتفرع عنهم آلية تسيير الاقتصاد، ففيما تأخذ دوائر الأمن والجيش شكل المؤسسات، بتقسيمات إدارية منضبطة، قياداتها موزعة بشكل مدروس وعميق لضمان الولاء، فإن الاقتصاد لا يشكل مؤسسة بقدر ما هو مجموعة من التدابير والإجراءات الظرفية، تمليها ظروف النظام المحلية والدولية، ولطالما كان الاقتصاد السوري عبارة عن مجموعة قرارات وإملاءات تفرض على الحكومة التي تذعن للأوامر، وتسيِّر الشؤون اليومية للناس فتبيعهم وتشتري منهم بطرقها البيروقراطية بغض النظر عن موازين الربح والخسارة.
مع انفراط العقد الشيوعي في تسعينيات القرن الماضي وتبخر أفكار اشتراكية الدولة، بدأ النظام السوري بفتح السوق بشكل جزئي، وسمح لمجموعة محددة من الشخصيات التابعة للنظام بممارسة الاقتصاد، وصولًا إلى مرحلة أكثر انفتاحاً قادها بشار الأسد مع قدومه إلى الحكم، وبواجهة ملأها ابن خاله الذي اتخذ دور فتى النظام ووجهه الاقتصادي الأول، مما أبعد عن الأذهان صورة حزب البعث الاشتراكي الذي تحكم عائلة الأسد باسمه طوال العقود الماضية، عانى الاقتصاد خلالها من حالات تموج وتلوٍّ على مقاسات السوق المتاحة ليستقر بين قدمي رامي مخلوف، ليحال أخيراً إلى سطوة أسماء الأسد مع الشخصيات القريبة منها، فيما بقيت مؤسستا الجيش والأمن بذات الهيكلية والقوة والتمكين، ليضاف عليهما بعد الثورة تشكيلات ميليشياوية متطوعة مدفوعة بأسباب منها طائفية ومنها معاشية، أدرجت تحت مسمى الدفاع الوطني، مع محاولات إجرائية مستمرة من قبل النظام لتوفير أكبر قدر من الدعم لها حتى تحقق القمع المطلوب على الجمهور.
تعرضت مؤسسة الجيش في أواسط ثمانينيات القرن الماضي إلى هزة كبيرة هددت بإزاحة حافظ الأسد عن سدة الحكم، من خلال تمردٍ قاده شقيقه رفعت الأسد، وقد كان يتمتع بقوة عسكرية كبيرة تحيط بدمشق، وتسيطر عسكريا على مداخلها، وكانت وسائطه النارية موجهة إلى أبنية القيادة والتحكم في العاصمة كالأركان وقصور الرئاسة ومقرات الأمن الرئيسية، لم يستنفر رئيس النظام قواته العسكرية المضادة لمواجهة هذا التحدي الذي ينذر بإزالة النظام كله، رغم أنه يمتلك ويسيطر على قوات قادرة على المجابهة، لكن ذلك كان سيقود إلى معركة تحتاج لوقت طويل قبل أن ينهيها أحد الطرفين لصالحه، على العكس تصرف رئيس النظام كما يليق برجل “عائلة” وليس برجل دولة، فلم يلجأ إلى مؤسسات الدولة، وفي الواقع لا يوجد فيها إلا الجيش والأمن اللذين كانا موضوع الخلاف الرئيسي بين الرجلين، بل لجأ إلى المؤسسة الحقيقية التي يستند إليها النظام في ممارسة حكمه، وهو العائلة، فاستدعى حافظ الأسد أمه وأشقاءه واصطحب ابنه، وجابه شقيقه، لحل النزاع.. لم يحضر ذلك الاجتماع رئيسَ الوزراء ولا أي عضو في المحكمة الدستورية، ولا حتى عضو في مجلس الشعب، حضرته العائلة، وحلت إشكاليته، وخرج أحد أعضائها بكوتا مالية تكفيه ليعيش أميراً في أوروبا بقية حياته، وعاد كل شيء إلى وضعيته الأصلية، عائلة تحكم بمؤسستي الجيش والأمن والباقي توابع تجري في مدارات محددة سلفاً ومنها الاقتصاد. حدث كل ذلك عندما كان بشار الأسد في التاسعة عشرة من عمره، يتابع خلاف العائلة وطريقة حله، ولا بد أنه حفظ الدرس ووعاه.
قد يكون من المصادفة أن حافظ بشار الأسد الآن بذات عمر والده تقريبا، بينما يشهد، كعضو عائلي، ما يحصل، بين أسرته وبين رامي مخلوف ابن خال والده، وإن كان “الحوار” هذه المرة، حوارًا اقتصاديًا، والاقتصاد لا يخلق مشكلة وجودية للنظام، لذلك لم نرَ تجمعًا مشهودًا لأفراد العائلة كما حدث سابقًا، بل تُرك للأجهزة الإجرائية أن تجهز على هذه العقبة البسيطة، بقرار موقَّع من أعضاء في الحكومة التابعة للنظام.. وفي هذا السلوك درس بليغ وضع فيه رأس النظام حدودًا فاصلة للعائلة، فالعائلة هي المحيط الضيق المرتبط جينيًا بحافظ الأسد وأنيسة مخلوف أيضًا، لكن بشار يقول اليوم ما معناه إن العائلة مقتصرة عليه شخصيًا وعلى أبنائه، بعد أن فقد اثنين من أشقائه سابقًا، باسل الذي توفي بحادث سير أودى بحياته قبل أكثر من خمسة وعشرين عامًا، ومجدْ الذي توفي هو الآخر منذ اثني عشر عامًا، أما فيما يخص العضو الآخر المتبقي من العائلة وهو ماهر الأسد، فهو موجود طالما بقي ملتزمًا بفرقته الرابعة لا يتخطاها، وقد ظهر خلال سني الثورة الطويلة أن ماهر الأسد كان الابن المطيع للنظام بمعناه العائلي ولا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أنه سيخرق هذا النظام.
أما بشأن الاقتصاد فالعقوبات قد أرهقته رغم الثغرات الجديدة التي تحاول الزوجة فتحها، وصحيح أن حاجات المواطن المعيشية ليست من أولويات النظام لكن فقدان أبسط سبل العيش لن تستطيع هذه المنظومة التعامل معها إلى الأبد..
—————————
دور أميركي جديد في سوريا/ مالك الحافظ
تتجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لتأكيد الاستقراءات التي دارت حول سياسة واشنطن في سوريا قبيل تشكيل الفريق الجديد لإدارة السياسة الخارجية الأميركية.
لعل التعيينات في فريق السياسة الخارجية التي ذكرتها مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، يوم السبت، تُبيّن كيف سيدار الملف السوري خلال الفترة المقبلة، والتي تتلاقى مع الملامح التي ذهبت إليها بعض التحليلات كان من بينها ما أشار إليه السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، والذي كان قد توقّع قبيل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ أن تكون إدارة بايدن الحامية لكيان كردي صغير، مستقل اقتصاديا بالمقام الأول، ويكون هذا الدعم عبر تحقيق استقلال اقتصادي ودعم اقتصادي واستقرار أمني، والضغط باتجاه إشراك “الإدارة الذاتية” الكردية هناك في شمال شرقي البلاد في وضع دستور سوريا الجديد.
التعيينات الجديدة التي أعلنت عنها المجلة الأميركية، تؤكد علاقات ثقة أكبر بالأكراد واستثمار نفوذهم المدعوم من واشنطن لمنحهم دوراً أكبر بمقابل تعاطي أميركي أقل ليونة مع الجانبين الروسي والتركي، عن ذلك التعاطي الذي ظهرت به إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
يأتي تعيين زهرة بيل المقربة من أكراد “الإدارة الذاتية” مديرة لملفي سوريا والعراق، ضمن الفريق المسؤول عن سياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي لـ “البيت الأبيض”، ليُشير إلى علاقات تعاون أوثق، وذات تأثير رئيسي على الدور الأميركي في سوريا، فـ بيل التي كانت أشرفت على جولات الحوار الكردي- الكردي بين “المجلس الوطني الكردي” و “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد – الذراع السياسي للإدارة الذاتية)، ستكون “رأس حربة” التحرك الدبلوماسي الأميركي في الخاصرة الشرقية من سوريا.
المسؤولة الجديدة عن الملف السوري سترفع تقاريرها لبريت ماكغورك، منسق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وهو الذي سيدير ملف السياسة الأميركية المتعلق بسوريا بشكل مباشر، وذلك بعكس الطريقة التي تمت بها إدارة الملف السوري، خلال إدارة الرئيس ترامب، والذي تم في فترة حكمه تعيين مبعوث خاص إلى سوريا من الخارجية الأميركية (آخرهم جويل رايبرن، وقبله جيمس جيفري).
إدارة الملف السوري من قبل إدارة بايدن ستكون مختلفة عن الإدارة التي سارت بها إدارة دونالد ترامب، فالأخير تميزت سياسته بممارسة العقوبات المشددة ضد إيران ومواجهة نفوذها في سوريا بنهج “الضغوط الاقتصادية” و”الضوء الأخضر” لضربات إسرائيلية مُركزة على مواقع النفوذ الإيراني في سوريا، إضافة إلى تعامل متوازن مع الوجود الكردي والدور التركي والروسي في سوريا، في حين تتجه إدارة بايدن إلى مغايرة تلك السياسة تماماً، من خلال ممارسة ضغوط على روسيا وتركيا مقابل مفاوضات مع إيران، ومنح دور أكبر لأكراد “الإدارة الذاتية” خاصة أن كلاً من زهرة بيل وبريت ماكغورك، وحتى وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن، يتناغمون مع علاقات أكثر إيجابية مع “الإدارة الذاتية”، والانطلاق من هذا التعاطي لرسم استراتيجية واشنطن في الملف السوري بكليّته.
بلينكن كان قد عَدَّ أن الوجود العسكري الأميركي في شمال شرقي سوريا سيبقى من أجل تقديم المشورة لـ “قسد” في حربها ضد تنظيم “داعش” وتأمين حقول النفط في المنطقة، مشيراً إلى أن تلك القوات يجب أن لا تكون هناك فقط من أجل النفط، كما كان يرى ترامب؛ فمنطقة وجودهم تمثل نقطة نفوذ لأن النظام السوري يريد السيطرة على الموارد النفطية، ومن ثمَّ فإن إدارة بايدن يجب أن لا تتخلى عن ذلك من دون مقابل.
في حين أن ماكغورك الذي سيتلقى التقارير عن سوريا من بيل، كان قد عمل سابقاً في منصب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، في عهد الرئيسين دونالد ترامب وباراك أوباما، واستمر في منصبه إلى أن استقال نهاية عام 2018، محتجاً على قرار الأخير المفاجئ سحب القوات الأميركية من سوريا، ما مهد لعملية عسكرية تركية ضد الأكراد، الذي كان يؤيد دورهم وتحركاتهم في سوريا.
إن السياسة المحتملة لإدارة بايدن في الملف السوري ستؤدي بطبيعة الحال إلى استمرار التفاهمات الروسية التركية في سوريا، وذلك بفعل العُزلة التي قد تفرضها إدارة بايدن على الجانبين.
قد تُمارس واشنطن ضغوطاً على أنقرة في سوريا من خلال زيادة التعاون والاعتراف السياسي بـ “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، وتمثل فيها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عَصَباً رئيساً، وهي القوات التي تعدّها تركيا امتداداً “لحزب العمال الكردستاني” في الداخل السوري، وهو الأمر الذي يمكن أن يثير غضب تركيا ويُقيّد دورها في الشمال السوري.
وعلى صعيد التعامل مع روسيا، فإن الفتور الذي قد يحكم علاقة واشنطن مع موسكو خلال الفترة المقبلة، سيدفع الولايات المتحدة إلى العمل على تقويض نفوذ الروس في الشمال الشرقي من سوريا، ما يعني أن دعم “الإدارة الذاتية” الكردية سيتأثر به كذلك الروس، الذين قد تزداد معاناتهم في شمال غربي سوريا، إذا ما استخدمت إدارة بايدن ورقة مكافحة الجماعات الإرهابية هناك.
—————————
===================
تحديث 09 أذار 2021
———————–
بدائل روسيا في سوريا/ بهاء العوام
في الأزمة السورية، تستغل الإدارة الأميركية الجديدة السياسة التي أرساها الرئيس السابق دونالد ترامب قبل رحيله من خلال فرضه عقوبات قيصر على دمشق وحلفائها. لقد أراد ترامب بهذه العقوبات أن يعلن مرحلة جديدة يتحمّل فيها الروس عبئا كبيرا في وصايتهم على “الرئيس” بشار الأسد، ويجدوا أنفسهم أمام خيارات صعبة إن واصلوا عرقلة حل الأزمة، ولكنه رحل عن البيت الأبيض وجاء خلفه ليقطف ثمار زرعه.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يدرك مأزق المرحلة الجديدة التي يخطط لها ترامب منذ البداية، لذلك أوفد وزير خارجيته المحنك سيرجي لافروف إلى واشنطن ليمنع إقرار عقوبات قيصر نهاية 2019، ولكنه فشل. وعندما انتهت المهلة الزمنية الممتدة بين التوقيع على قرار العقوبات والبدء بتنفيذها في يونيو 2020، وجد بوتين نفسه عاجزا عن فعل أي شيء باستثناء تعطيل عمل اللجنة الدستورية.
حاول الروس العام الماضي تغيير معادلات الميدان، وزعزعة علاقات أميركا مع الكرد شرق الفرات، وتطبيع علاقات دمشق مع العرب، وتغيير أولويات الحل الدولي للأزمة عبر تقديم إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار على وضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتقال سياسي للسلطة، ولكنهم فشلوا في كل شيء ولم يعد أمامهم سوى الانتظار إلى حين اتضاح توجهات إدارة جو بايدن.
الجفاء الذي تواجهه موسكو اليوم في التعامل مع واشنطن على صعيد الأزمة السورية، كان سيكون ذاته لو بقي ترامب داخل البيت الأبيض. ولكن شاءت صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة نهاية العام الماضي أن تحمل المرحلة الجديدة اسم بايدن، وتبدأ برسالتين سياسية وعسكرية إلى الروس، الفحوى الحقيقي لهما يقول باختصار، إن إصرار بوتين على حل هذه الأزمة بالمقاسات الروسية لن يكون مجديا، ولن يحمل نهاية سعيدة لأي طرف.
في البداية جاء تعيين بريت ماكغورك ليدير الملف السوري في إدارة بايدن، ثم جاء قصف الولايات المتحدة للميليشيات الإيرانية شرق سوريا دون التنسيق مع روسيا أو حتى إعلامها بساعات كما جرت العادة. هي مجرد برقية مقتضبة جدا وصلت موسكو لتعلمها بالقصف قبل دقائق فقط من سقوط الصواريخ الأميركية، ولكن الهدف الرئيسي منها كان دفع بوتين إلى التفكير ببدائل لحلمه في استعادة (احتلال) كامل سوريا، والتمتع بنفوذ لا محدود عبرها في عموم منطقة الشرق الأوسط، وامتداد القارتين الآسيوية والأفريقية.
تعيين ماكغورك كشف عمليا خيارات إدارة بايدن في التعامل مع الأزمة أمام اللاعبين الرئيسيين فيها. ولعل أبرز هذه الخيارات هو ترسيخ تقسيم سوريا بين الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران، ثم ترك توقيت وشكل الإعلان عن هذا التقسيم لأعوام لاحقة قد تقصر أو تطول وفقا لمصالح المعنيين بذلك، والحاجة إلى هذا الإعلان.
ماكغورك لم يجد في تقسيم العراق ضررا، وهو من عمل وأدار ملف هذه الدولة لسنوات طويلة ولصالح إدارات مختلفة. كذلك يؤيد ماكغورك دعم الكرد في المنطقة، ويفضل تثبيت مناطق النفوذ بين الدول المحتلة للجغرافية السورية، وبالتالي إن لم يكن بوسع الروس الدفع باتجاه عملية انتقال سياسي حقيقي تزيح بشار الأسد عن السلطة دون أن تهدم ما تبقى من الدولة السورية، فإن عليهم التأقلم مع حضور محدود لهم يمتد على غرب البلاد، شرط أن لا يطال مصالح إسرائيل في الجنوب، ولا مصالح تركيا في الشمال.
مناطق النفوذ ليست النهاية السعيدة التي يحلم بها بوتين، والقبول بها الآن لن يكون مرحليا كما فعل مع مناطق خفض التصعيد التي رسم حدودها مع إيران وتركيا قبل أعوام، ثم عاد والتهمها بقواته الجوية وميليشياته المحلية. إن قسّمت سوريا إلى مناطق نفوذ بخرائط تشبه سايكس بيكو، فلن يكون بمقدور أحد التمرّد عليها والاحتيال على البقية، وخاصة إن بقيت الولايات المتحدة القطب الأوحد، وصاحب الكلمة العليا حول العالم.
ولا شك أن صراع موسكو وواشنطن فوق الأرض السورية مهما بدا متعقّلا، إلا أنه يعكس جانبا من التمرّد الروسي على الهيمنة الأميركية عالميا. هذا التمرّد يؤيده بدرجات مختلفة كل من الصينيين والإيرانيين وحتى الأتراك شركاء الولايات المتحدة في حلف الناتو، وهذا أيضا يعدّ واحدا من محددات العلاقة الجديدة مع البيت الأبيض في عهد إدارة بايدن التي تعتقد أن الروس سجلوا انتصارات حقيقية عليها في سياق هذا التمرّد، سواء في الشرق الأوسط أو حتى في القارة الأوروبية ومناطق نزاع أخرى حول العالم.
إذن هي ثلاثة خيارات أمام الروس للتعامل مع السياسة الأميركية الجديدة في سوريا، وهي سياسة بدأها ترامب وسيكملها بايدن بأسلوب الديمقراطيين الجدد وعرّابهم الرئيس الأسبق باراك أوباما. الخيار الأول هو القبول بالشروط الأميركية في صياغة الحل السياسي للأزمة دون اجتهادات أو محاولات للعرقلة والتسويف والمماطلة. والثاني القبول بمنطقة نفوذ محدودة يؤسسون فيها لتواجد طويل الأجل وفاعل في الشرق الأوسط. أما الخيار الثالث فهو مواجهة القطبية الأميركية بالسياسة والقوة بغض النظر عن العواقب.
هناك من يعوّل على تغيير ما قد تحمله رياح المفاوضات المرتقبة بين الولايات المتحدة وإيران على المشهد السوري، ولكن هذا التغيير مهما كان كبيرا لن يضيف خيارا رابعا أمام الروس، إلا إن انتهت المفاوضات بخروج القوات الأميركية والأوروبية من الشرق الأوسط برمته، تاركة روسيا تتصارع بمفردها مع القوى الإقليمية. ظاهر الأمر يبدو مغريا للرئيس بوتين، ولكن نظرة متعمّقة فيه قد تجعله يقاتل من أجل إبقاء الأميركيين في المنطقة كي لا يغرق في مستنقع يوقظ هزائم أفغانستان في ذاكرته وذاكرة شعبه الثائر ضده.
بصيغة عملية بحتة تعتبر المصالحة مع واشنطن هي أفضل الحلول بالنسبة إلى الروس في كل الخيارات المطروحة. هم مهتمون جدا بفتح قنوات الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة، ولكن بعد الانتخابات الرئاسية في سوريا. ليس لأنهم يريدون فرض الأسد على الأميركيين وحلفائهم، إنما ليستمروا في دعاية يدهم الطولى في الأزمة السورية. المشكلة هنا أن هناك في الولايات المتحدة وأوروبا من يحاول تعطيل المسعى الروسي، والطامة الكبرى ستكون إن قرر بايدن وإدارته دعم المعطلين بأدوات سياسية أو عسكرية.
صحافي سوري
العرب
——————————-
كورونا في القصر الجمهوري: بداية الحملة الانتخابية للأسد؟!/ وليد بركسية
يحدد الإعلان عن إصابة الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء، بفيروس كورونا المستجد، نقطة البداية للحملة الانتخابية الرئاسية، قبيل الانتخابات الحاسمة في البلاد، الصيف المقبل. وفيما كانت تسريبات صحيفة “نيويورك تايمز” ووسائل إعلام عربية عن تلك الحملة، الشهر الماضي، تشير إلى أنها ستنطلق في آذار/مارس، فإن الاعتماد على فيروس كورونا لجذب الانتباه، بدلاً من حلقات الدبكة في الشوارع، لا يشكل مفاجأة كبيرة ربما، لأن النظام غير استراتيجيته الإعلامية في السنوات الماضية، تجاه تفاصيل كالمرض والضعف، وبات يدرك على ما يبدو فعالية هذه التفاصيل في خلق حالة من التعاطف المنشود.
وبغض النظر إن كان مرض بشار وأسماء حقيقة أم مجرد مسرحية دعائية موجهة إلى طبقة الموالين، فإن الضخ الدعائي الساعي لخلق حالة من الشفقة والتعاطف معهما، بوصفهما مواطنين يتعرضان لظروف قاسية مثل كل السوريين، تعاظم في البيانات الرسمية والتغطية الإعلامية وهاشتاغ #ما_ع_قلبكم_شر في “فايسبوك” و”تويتر”، في وقت باتت فيه النقمة الشعبية من النظام شديدة بسبب انعدام لوازم الحياة الأساسية التي يفشل النظام في تأمينها، بداية من الكهرباء والغاز وصولاً إلى الخبز والمواد الغذائية.
وهنا، تراهن صورة بشار وأسماء، وهما في لحظة ضعف، على خلق تورط عاطفي معهما قبيل الانتخابات المقبلة على مستويات عديدة، لأنهما “آثرا على نفسيهما عدم الحصول على لقاح كورونا قبل الشعب السوري”، كما يقال (وهذا موضع شك في ظل أخبار عن لقاحات بكمية محدودة وصلت إلى سوريا)، ولأنها ما زالا يقومان بمهامها الرئاسية حتى خلال مرضهما، ما يشير إلى تفانٍ مزعوم في السهر على راحة المواطنين وحماية أمن البلاد من المؤامرات الخارجية! وهي فكرة كافية للدفع بفكرة موازية مفادها أن بشار وأسماء جديران فعلاً بالتضحية والصمود من أجلهما “بالروح والدم” مثلما يقول الشعار البعثي العتيق، حتى لو كانت الظروف الاقتصادية والمعيشية صعبة ومأزومة وعصية على الحل.
كل الدعاء بالشفاء ، تغلبتما على ما هو اصعب من هذا الوباء ، الملفت في هذا الاعلان ، ان الرئيس #الاسد وعقيلته حتى الان لم يتلقيا اللقاح الخاص بكورونا كان باستطاعت الرئيس ان يحصل على اللقاح له ولاسرته ولكن ايثارا منه لم يفكر بهذا الامر ، هكذا تكون القادة وهكذا يكون قائد الوطن pic.twitter.com/bJJeK9YEKp
— حسين مرتضى (@HoseinMortada) March 8, 2021
وبدأت دمشق نهاية الشهر الماضي تلقيح الطواقم الطبية العاملة على الخطوط الأمامية بمواجهة الوباء بعد تلقيها 5 آلاف جرعة هبةً من “دولة صديقة”، حسبما أعلن وزير الصحة حسن الغباش، حينها، كما وقعت حكومة النظام، مطلع العام، اتفاقاً للانضمام لمبادرة “كوفاكس” عبر منظمة الصحة العالمية، فيما أعلنت السفارة السورية في موسكو الشهر الماضي أن سوريا أجازت استخدام لقاح “سبوتنيك في” الروسي على أراضيها. ولم تعلن أي جهة موعد وصول اللقاحات إلى دمشق بعد، علماً أن منصة “كوفاكس” تسعى لتأمين اللقاحات لما لا يقل عن 20% من السوريين حتى نهاية العام الحالي، في وقت بلغ فيه عدد الإصابات الرسمية المسجلة بالفيروس 15981 وهو رقم يرجح أن يكون أعلى بكثير، بسبب الاستهتار الرسمي وسياسة التعتيم في ما يخص الإحصاءات في البلاد.
وبعكس الحالة السائدة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عندما كان النظام السوري يتستر على أخبار المرض والإعياء ضمن القصر الجمهوري، بما في ذلك إخفاء حقيقة إصابة الرئيس السابق حافظ الأسد بسرطان الدم، لسنوات قبل وفاته العام 2000، يعمد النظام في السنوات الأخيرة إلى التخلي عن تلك السياسة العتيقة، التي سعت إلى خلق هالة أسطورية للأسد الأب أمام السوريين تحت شعار “القائد الخالد” الذي لا يمرض ولا يموت، ويبدو نظرياً في مرتبة أسمى من البشر العاديين الذين يحكمهم.
فمن إصابة أسماء بالسرطان العام 2018، إلى “الدوخة” التي أظهر بشار إصابته بها أمام الكاميرات في خطاب ألقاه أمام مجلس الشعب العام الماضي، تعددت الصور التي “تساوي” العائلة الحاكمة بالشعب، بشكل يظهر محاولة النظام لإعادة تعريف المنظومة الإعلامية الرسمية، بصورتها الكلاسيكية، من دون الانقلاب عليها تماماً. ويعني ذلك أن الصور والأنباء عن أفراد تلك العائلة، مازالت تأتي من مصدر واحد، لكنها باتت مختلفة عن الصور الجامدة التي كانت توزع لتعليقها في الشوارع والمدارس وزجاج السيارات، مع تنويع بين الجانب العسكري ونظيره المدني الذي بات مطلوباً بعد الثورة السورية.
ولعل العاملين الأساسيين في ذلك التغيير الذي يبلغ ذروته اليوم مع الإعلان عن إصابة الثنائي الدموي بفيروس كورونا، أو إصابة الفيروس بهما حسب النكتة السائدة في مواقع التواصل، هما، أولاً، التبدل الطارئ في طبيعة التواصل الإنساني عموماً بفعل انتشار مواقع التواصل وتبدل طبيعة الإعلام. وثانياً، الحاجة إلى خلق إحساس داخلي ضمن البيئة الموالية، بوجود تواصل وتماثل بين القيادة والشعب الذي يعاني على كافة المستويات والمطالب بالتصدي والصمود للمؤامرة الكونية والجوع والفقر والقمع، لتثبيت فكرة أساسية هي وحدة المسار والمصير، بمعنى أن زوال النظام أو تعرضه للخطر، يعني تعرض تلك الفئات الداعمة للخطر أيضاً.
يمكن تلمس التوجه نفسه في الدعاية الرسمية بعيداً من فكرة المرض، بما في ذلك نشر صور بشار أيام الدراسة في حقبة الثمانينيات، ليس لمشاركة ذكرياته الطفولية أو أرشيفه العائلي “اللطيف” مع جمهور الموالين فحسب، بل لاستعراض التواضع وادعاء الانتماء للشعب البسيط، مقدماً نفسه على أنه ليس ابن الديكتاتورية السلطوية التي أوصلته للرئاسة بالوراثة، بل مجرد فرد آخر من ملايين السوريين، الذين درسوا بجد وتقدموا في الحياة بشكل طبيعي نحو المكانة التي يستحقونها بجهودهم. وهو نفس الاتجاه الذي يطغى على صور وأخبار أبناء الأسد الثلاثة، حافظ وزين وكريم، أيضاً.
والحال أن الأسد قبل العام 2011، كان يعتمد على شركات علاقات عامة عالمية ترسم له الصورة الذهنية العامة منها شركة “براون لويد جيمس” الأميركية، فيظهر “فجأة” من دون مرافقة أمنية في دار الأوبرا أو في سوق الحميدية الشهير، وكأنه فرد عادي يمارس نشاطاً يومياً لا أكثر، وليس رئيساً يحكم البلاد بقبضة حديدية. ورغم أن ذلك أعطى الأسد الابن صورة أكثر إنسانية مقارنة بوالده، إلا أنه بقي محافظاً على هالة تضعه فوق بقية السوريين. وبعد الثورة السورية، باتت إطلالات الأسد أكثر ندرة، وانقسمت بين ظهوره كقائد عسكري بين الجنود، أو بين إطلالات “عفوية” تصوره كأب يحمي الدولة والمجتمع.
بالتالي، لا تصبح أزمة كورونا المستجدة في القصر الجمهوري، ضعفاً بل استثماراً لذلك الضعف لأغراض سياسية. والأسوأ ربما، أن ذلك الاستثمار هو استمرار للاستخفاف بعقول السوريين وإنكار حاجاتهم، حيث يصدر النظام نفس الصورة التي تضع الأسد في مرتبة لا يمكن التخلي عنها، رغم أن الشعب طالب بالتغيير في ثورة شعبية العام 2011. وتجسد تلك الصورة، الفوقية والغطرسة الرسمية في أعلى مراتبها، ليس لأن الحياة لا تتوقف عند شخص واحد فقط، على افتراض أن ذلك الشخص مهم فعلاً لشعبه، بل لأن الدعاية الرسمية تقدم تلك الفوقية على أنها تواضع وطيبة بين القيادة الحكيمة وعامة الشعب، أيضاً.
ولعل عقدة الأسد الأبدية حول حب الشعب له، والتي تحدث عنها خبراء عالميون لهم وزنهم، مثل جيرالد بوسس الذي تستعين به وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” في تحليل الشخصيات الدكتاتورية، تشكل مفتاحاً لفهم إصرار الأسد على تقديم نفسه كشخصية محبوبة لا يمكن التخلي عنها، واستثمار المرض نفسه للوصول إلى تلك النتيجة، ومحاولة فرض حب الناس له على الشعارات الرمزية في البلاد من “منحبك” إلى صوره مع قلوب حمراء في الشوارع. وهي كذبة لا يمكن أن يصدقها ربما حتى أكثر الموالين حباً لعائلة الأسد، الذين تخلوا بشكل مثير للاهتمام عن التضرع والتوسل لبشار في الأسابيع الأخيرة، بعد يأسهم منه لحل الأزمة الاقتصادية في البلاد، وعادوا لمناشدة والده حافظ كي ينهض من الموت وينهي المشاكل المتفاقمة في البلاد.
#انهض ياأبا ألفقراء🖤 فشعبك بأت جائعآ 🙏 رحمك الله سيدي🤲
Posted by علي داغر on Friday, March 5, 2021
المدن
—————————
موسكو مستعدة لمعالجة الأسد من كورونا..إذا طلب
أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف الثلاثاء، أنه لا يعلم ما إذا كان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد طلب مساعدة على خلفية إصابته وزوجته بفيروس كورونا، لكنه أعرب عن ثقته في أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سينظر في الأمر على الفور إذا طلب الأسد المساعدة.
وقال بيسكوف للصحفيين: “صراحة ليس لدي معلومات عن كيفية علاج الرئيس وزوجته، أيضاً لا أعلم عما إذا كان قد طلب مساعدة من أي نوع”.
وتابع بيسكوف: “لكني على يقين، كما تعلمون أن المتخصصين الروس لديهم خبرة واسعة، واكتسبوا خبرة كبيرة في علاج فيروس كورونا، وليس لدي أدنى شك في أنه إذا كان هناك أي طلب، فسيقوم الرئيس بوتين، بالطبع، بالنظر فيه على الفور”.
وكانت الرئاسة السورية قد أعلنت الاثنين، إصابة الأسد وزوجته بفيروس كورونا المستجد، موضحة أن حالتهما مستقرة وسيتابعان عملهما خلال فترة الحجر الصحي المنزلي التي سوف تستمر لأسبوعين أو ثلاثة.
وتعليقاً، قال مجلس الشعب السوري إن إعلان الأسد خبر إصابته وعقيلته بفيروس كورونا يؤكد “الشفافية والجرأة الأدبية” تجاه الشعب. وفي رسالة موجهة إلى الأسد قال المجلس إنه “على يقين مطلق” أن هذا الظرف لن يثني الأسد عن القيام بمهامه و”واجباته الوطنية” تجاه سوريا “ليبقى الوطن عزيزاً كريماً شامخاً منتصراً بشعبه وجيشه في ظل قيادتكم الرشيدة والحكيمة والمتبصرة”، على حدّ تعبير الرسالة.
كذلك قال حزب “البعث” في بيان، إن “كورونا لن يكون قادراً على إضعاف متابعتكم (الأسد) لقضايا الوطن وقيادتكم لتصديه صموده”. وأضاف بيان البعث أن “القدر أبى” إلا أن يشارك الأسد وزوجته “شعبكم الأبي في كل شيء، بما في ذلك هذه الجائحة”.
————————–
الامارات تريد العمل مع الاسد ..وإعادته الى الجامعة العربية
قال وزير الخارجية الإماراتية عبد الله بن زايد آل نهيان الثلاثاء، إن “عودة سوريا للعمل الإقليمي مع محيطها العربي أمر لا بد منه”.
وأضاف بن زايد خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في أبو ظبي، أن “قانون قيصر هو التحدي الأكبر الذي يواجه العمل المشترك مع سوريا”، مؤكدا أن “إبقاء القانون كما هو اليوم يجعل الأمر صعباً”.
وحول عودة سوريا إلى الجامعة العربية، قال وزير الخارجية الإماراتية: “هناك منغصات بين مختلف الأطراف، ولا يمكن إلا العمل على عودة سوريا لمحيطها الإقليمي، وأحد الأدوار المهمة التي يجب أن تعود إليها سوريا دورها في الجامعة الجامعة العربية، ولا شك أن ذلك يتطلب جهداً أيضاً من الجانب السوري وجهداً من زملائنا في الجامعة العربية”.
وشدد على “ضرورة التعاون والعمل الإقليمي لبدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها، وهذا الأمر لا يتعلق بمن يريد أو لا يريد، المسألة هي مسألة المصلحة العامة مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة”.
في حزيران/يونيو 2020، حذرت الولايات المتحدة، الإمارات، من عدم تطبيق قانون قيصر على جهات إماراتية في أعقاب إحياء العلاقات الدبلوماسية بين أبوظبي ودمشق.
وحينها، قال الممثل الأميركي الخاص المعني بشؤون سوريا في عهد الإدارة السابقة جيمس جيفري إن “الإمارات العربية المتحدة تعلم أننا نعارض بشكل مطلق اتخاذ دول خطوات دبلوماسية تجاه سوريا وأوضحنا لهم أنها فكرة سيئة ولن تساهم في تطبيق القرار 2254 وإنهاء النزاع”.
——————–
مسؤول إيراني يطالب بإسترجاع الأموال التي دُفعت لسوريا
أحرج أمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، المقرب من المرشد علي خامنئي، الخارجية الإيرانية، عندما صرّح لصحيفة “فيننشال تايمز” البريطانية إن بلاده لن تدفع ريالاً إيرانياً واحداً لدول المنطقة من دون أن تتأكّد من استلامه لاحقاً.
وأضاف “من غير المعقول أن تقدّم إيران الدعم لسوريا (نظام الأسد) والعراق لتوفير الأمن ثم تكتشف أن باقي البلدان هي المستفيدة من الفوائد الاقتصادية نتيجة تحقق هذا الأمن”، معتبراً أنه لا بد أن توجد السلع الإيرانية وبقوة في الأسواق الإقليمية.
وطالب رضائي بإعادة الأموال الإيرانية التي أنفقتها على الحرب في سوريا والعراق، ما دفع الخارجية إلى الرد قائلة إن ما قاله القيادي السابق في الحرس الثوري “بعيد كل البعد عن الجمهورية الإسلامية”.
وقالت الخارجية الإيرانية في بيان، إن ما ورد على لسان رضائي “وجهة نظر شخصية، وبعيد كل البعد عن وجهة نظر الجمهورية الإسلامية في إيران”. وأضافت أن الجمهورية الإيرانية سارعت إلى مساعدة نظام الأسد والعراق على أساس مبدأ الأخوة، الذي تجلى في مكافحة تنظيم “داعش”.
من جهته، قال نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري إن وزير الخارجية محمد جواد ظريف هو الشخص الوحيد الذي يتحدث باسم النظام أمام الأطراف الأجنبية ويجب عدم المساس بمواقفه.
وهذه المرة الثانية التي تعلق فيها الخارجية الإيرانية، خلال يومين. وكانت الخارجية الإيرانية أعلنت، الجمعة، النأي بنفسها عن قول رضائي إن بلاده مستعدة لاستئناف المحادثات النووية إذا رفعت العقوبات الأميركية في غضون عام.
وتعرّض رضائي لانتقادات حادة من المسؤولين الإيرانيين، واعتبر بعضهم بأن تصريحاته تأتي في سياق نوايا للترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في حزيران/يوليو.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها قيادي إيراني عن استرجاع الأموال التي أنفقتها إيران في سوريا، خلال الحرب التي تشنها ضد قطاعات واسعة من المدنيين في مناطق البلاد.
وكان القائد السابق للحرس الثوري رحيم صفوي قال في أيلول/سبتمبر 2021، إن إيران ستستعيد كل ما أنفقناه في العراق وسوريا، مضيفاً أن “أي مساعدة قدمناها للعراقيين، حصلنا على دولارات نقداً، ووقعنا عقوداً مع السوريين إزاء الأشياء التي نحصل عليها، لكن الروس يستفيدون منّا أكثر في سوريا”.
————————-
عودة اللاجئين في ظل الأسد سير بالطريق الخطأ
أحدثت الأزمة السورية بعض التغييرات في التركيبة الديمغرافية للبلاد بشكل جوهري بعد أن لجأ الملايين من السوريين إلى العديد من الدول هربا من قسوة الحرب، وهي حقيقة يجب الأخذ بها عند الحديث عن حل شامل للصراع الذي يقترب من دخول العشرية الثانية.
ومع ذلك يعتبر الكثير من اللاجئين السوريين، حيث وضع بعضهم سيء للغاية والبعض الآخر أفضل حالا، مسألة العودة إلى بلدهم سيرا في الطريق الخطأ ما لم يتنحّ بشار الأسد من السلطة، وهو أمر يبدو مستبعدا على الأقل في الوقت الحالي بالنظر إلى تشعب حلول هذا الملف كونه محل خلافات عميقة بين القوى العظمى.
وتقارب السلطات في كل من لبنان وتركيا والأردن والعراق، البلدان التي تستضيف 5.2 مليون لاجئ سوري، ملف اللاجئين بوصفه عبئا ثقيلا من دون أي بوادر لحل سياسي قريب، فيما لا يزال نحو 6.7 مليون نازح داخل سوريا.
ومن أصل حوالي سبعة ملايين سوري، بينهم 5.58 مليون مسجلين لدى قوائم الأمم المتحدة منذ 2011 سلكوا طريق الهجرة منذ بدء النزاع الذي يدخل عامه الحادي عشر في الخامس عشر من مارس الجاري، لجأ أكثر من 3.6 مليون إلى تركيا المجاورة، والذين أصبحوا ضيوفا غير مرحب بهم رغم أنهم أحدثوا تغييراً ديمغرافيا عميقا في المحافظات الحدودية على غرار غازي عنتاب وهاتاي.
وبحسب الأرقام الرسمية، تحتضن غازي عنتاب حوالي 450 ألف لاجئ سوري، أي شخصا واحدا من كل خمسة مقيمين. ويتحدّر معظم السوريين فيها من مدينة حلب التي تبعد 110 كيلومترات من الجانب الآخر من الحدود ومنطقتها.
ويقول إسماعيل عبطيني الذي يملك مع عائلته مطعماً في جادة إينونو، أحد الشوارع التجارية الرئيسية في مدينة غازي عنتاب “أتمنى العودة إلى سوريا، لكنني أحاول في الوقت نفسه الحصول على الجنسية التركية، لأنه طالما أن الأسد في الحكم، من المستحيل بالنسبة إلينا العودة”.
وغادر إسماعيل حلب عام 2013 مع أهله وأشقائه وشقيقاته وزوجته وأبنائهما “هرباً من البراميل المتفجرة التي كان يلقيها النظام على حيّنا”. وقُتل أحد أشقائه في عملية قصف. وهو يعترف أن العمل مزدهر، إلا أنه لن يتردد في العودة إلى سوريا في حال سقط النظام. وقال “تركنا خلفنا متاجر ومنازل ومزرعة كبيرة”.
وفي هذا الجزء من جادة إينونو المعروفة أكثر باسم البازار الإيراني، يستثمر سوريون معظم المحلات، حتى لو أن الأسماء على الواجهات مكتوبة بالأحرف التركية كما يفرض القانون.
ويقول زكريا الصباغ وهو بائع فواكه مجففة “غادرنا هرباً من نظام الأسد، إن قيل لنا الآن إن نظام الأسد سقط، لن ترى أحدا منّا هنا في تركيا”، مضيفاً “هل رأيت كل هذه المحال التجارية التابعة لسوريين في هذا الشارع؟ الجميع سيتركونها وسيذهبون فوراً إلى سوريا”.
اللاجئون والنازحون في سوريا
ويرى خضر الحسين وهو تاجر يبلغ 41 عاماً أنه في حال بقي الأسد في الحكم “ما من أمل في العودة، أولادي أعزاء على قلبي، من المستحيل أن أختبر مجدداً ما سبق أن عشناه”.
وفي صالونه لتصفيف الشعر يعرض محمد أبوالنار وزبائنه السيناريوهات المحتملة لعودتهم إلى سوريا والمخارج المحتملة للنزاع. ويقول “في حال العودة إلى سوريا، في البداية سنُسجن، ولن يعرف أحد أي شيء عن مصيرنا، فأنا عسكري منشق، وثمة كثر مثلي”. ويضيف “من المستحيل أن يعود أحد طالما أن النظام باقٍ”.
وفي حين تمكن تجار جادة إينونو من إعادة بناء حياة جديدة في غازي عنتاب، يحاول سوريون آخرون العيش بموارد بسيطة، مثل زينة علوي التي فقدت زوجها في قصف عام 2014 وتعيش اليوم مع بناتها الأربع وابنيها في شقة فقيرة في حيّ بائس على مقربة من وسط المدينة.
وحرمتها أزمة الوباء من ممارسة أعمال صغيرة وباتت الآن تعتمد على فاعلي الخير لإطعام عائلتها ودفع ما يعادل 60 دولارا بدل إيجار منزلها.
وتتحدث زينة عن بلدها بحنين، لكن من دون أن تذكر احتمال عودة قريبة. وتقول “أقول لأطفالي إن سوريا بلد جميل والحياة فيه مميزة، وإننا كنا نعيش في منزلنا سعداء من دون أن نضطر للقيام بنوع العمل الذي نقوم به هنا، لكن هذه مشيئة رب العالمين”.
وغادرت عهد الوالي من جهتها حلب مع ابنها الوحيد عام 2014 بعد عام من مقتل زوجها الذي كان يقاتل ضد قوات النظام. وهي صاحبة محل بقالة اليوم ومقرّبة من الكثير من العائلات السورية التي تقطن الحيّ. وتقول “الطاغية (بشار الأسد) ما زال موجوداً، من قتلنا وشرّدنا ما زال موجوداً، فكيف سنعود لنعيش في ظل حكمه؟”.
وتضيف “هل أمشي في الشارع لأرى صورته معلقة في مقابل الدمار الذي قتل ويتّم أطفالاً وقتل نساء؟ كيف سأعود؟ لن أعود بالتأكيد”.
وعلى جدار قرب البقالة كُتب شعار باللغة الإنجليزية يبدو وكأنه يلخّص مشاعر السوريين في المنطقة حيال احتمال عودتهم إلى بلدهم “ربّما يوماً ما”.
———————————
الإمارات تهاجم قانون “قيصر” الذي يعاقب الأسد على انتهاكاته: يمثل التحدي الأكبر للتعامل مع دمشق
انتقد وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، الثلاثاء 9 مارس/آذار 2021، “قانون قيصر” الأمريكي، الذي يفرض عقوبات على شخصيات وكيانات مرتبطة بنظام بشار الأسد، بسبب الانتهاكات التي ارتكبها ضد السوريين الذين ثاروا على حكمه.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي يُجري زيارة رسمية (غير محددة المدة) إلى أبوظبي لتعزيز التعاون المشترك.
بن زايد قال عقب مباحثات مع لافروف، إن “عودة سوريا إلى محيطها أمر لابد منه، وهو من مصلحة سوريا والمنطقة ككل (…) التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر”.
كذلك اعتبر بن زايد أنه “لا بد من وجود مجالات تفتح سبل العمل المشترك مع سوريا (…) قانون قيصر يعقد عودة سوريا لمحيطها العربي وعودتها إلى الجامعة العربية”.
قانون قيصر في وجه الإمارات
تُعد الإمارات إحدى أبرز الدول العربية التي تعلن دعمها للنظام في سوريا، وكانت قد أعادت فتح سفارتها لدى النظام في دمشق في العام 2018، بعد سبع سنوات على إقفالها، في محاولة لفك عزلة الأسد الدبلوماسية على الصعيدين العربي والدولي.
كما استقبلت الإمارات على مدار أعوام رجال أعمالٍ مرتبطين بنظام الأسد وربما كانوا مُستهدَفين بالعقوبات الأمريكية، خاصةً أن النظام السوري يعتمد على مثل هؤلاء الأشخاص من أجل تشغيل مصادر تمويله في الخارج.
لكن قانون قيصر أبطأ مساعي الإمارات الداعمة للنظام، وكشف موقع منظمة Middle East Monitor البريطانية، في يونيو/حزيران 2020، أن الولايات المتحدة هدَّدَت الإمارات بفرض عقوباتٍ عليها بموجب قانون قيصر.
كذلك أكدت واشنطن أنها تعارض الخطوات التي اتَّخَذتها أبو ظبي تجاه نظام الأسد، مشيرةً إلى أن عقوباتها ضد نظام بشَّار الأسد قد تستهدف أطرافاً إماراتية.
وفي يونيو/حزيران 2020، دخل “قانون قيصر” حيز التنفيذ؛ حيث فرضت واشنطن حتى الآن عقوبات على 58 شخصاً وكياناً مرتبطين بنظام بشار الأسد، بينها شركات في قطاع النفط.
عقوبات على الأسد
وبموجب عقوبات “قانون قيصر”، بات أي شخص يتعامل مع نظام الأسد معرضاً للقيود على السفر أو العقوبات المالية بغض النظر عن مكانه في العالم.
اشتق اسم قانون “قيصر” من عسكري سابق في جيش النظام كانت قد أوكلت إليه مهمة تصوير المعتقلين السوريين الذين قتلوا جراء التعذيب في سجون الأسد.
تمكَّن قيصر من تسريب نحو 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل في سجون الأسد، وكان قد غادر سوريا في العام 2013، وقدّم شهادته أمام الكونغرس في العام 2014.
وعلى إثر الفظائع التي كشفها قيصر، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي في ديسمبر/كانون الأول 2019، على قانون قيصر، ووقع عليه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وكان هذا القانون ثمرة جهود كبيرة من معارضي الأسد لمعاقبته على الجرائم في المعتقلات.
كان قيصر قد تحدث الشهر الماضي في حديث لشبكة CBS على الصور التي التقطها، وقال: “حين كنت ألتقط الصور، كنت أفكر كيف لهذه الحكومة فعل ذلك في شعبها، وانتابني الحزن والغضب لما أشاهده، وفي نفس الوقت الخوف من أنه في أية لحظة، ليس هناك ما يمنع من لقائي المصير ذاته وتعرضي للتعذيب وتُلتَقط صوري لاحقاً”.
———————–
================
تحديث 10 أذار 2021
——————–
كيف تستفيد روسيا من “خنق” سوريا… اقتصاديا/ سحر حويجة
برر السفير الروسي في دمشق الكسندر يفيموف سبب عدم تقديم بلاده الدعم المالي للنظام السوري، وصرح أن الوضع صعب للغاية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، ووصف حال الاقتصاد السوري بالاستنزاف العام، وأضاف أنه رغم أهمية الدعم متعدد الأوجه، إلا أن روسيا تعمل على تعزيز جهودها العسكرية لمحاربة الإرهاب. ونوه أن روسيا نفسها تحت تأثير العقوبات، وتعاني ركوداً اقتصادياً بسبب جائحة كورونا، على الرغم من إعلان روسيا عن مشاريع استثمارية كبيرة في سوريا والتي لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
ليس خافياً على أحد، أن سلسلة الأهداف التي تسعى لها روسيا من تواجدها في سوريا، تذهب أبعد من النظام واستمراره. ففي الوقت الذي يشكل لها النظام ضمان استمرار المصالح الروسية وتمددها، تشير الوقائع، على أنه كلما ضعف النظام واستنزف قدراته كلما قويت شوكة روسيا وازدادت مكاسبها العسكرية والاقتصادية والسياسية، حيث لا انفكاك ولا بديل للنظام السوري عن الدعم الروسي، خاصة مع زيادة الخناق على الدعم الإيراني للنظام، سواء بسبب العقوبات والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران، أم بسبب الاتفاق على تحجيم الوجود الإيراني بالاتفاق بين أمريكا وإسرائيل وروسيا، عبر مسلسل طويل من الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية. هذا الواقع المعقد يجعل من حلم تمدد إيران وتوسعها في سوريا كابوساً؛ فالتواطؤ الروسي مع هذه الضربات يسعى لإضعاف وتحجيم إيران، وإعادة اقتسام الغنائم لصالح روسيا.
في الوقت ذاته تعمل روسيا على احتواء إيران، ووضعها تحت جناحيها لتدور بفلكها، بعد أن سدت جميع المنافذ بوجهها، و أضعفت هامش مناوراتها. فروسيا التي تسيطر على الأرض بقواعدها العسكرية، وتتدخل على الصعيد العسكري لخلق معادلات جديدة تزيد من نفوذها وتوغلها في مفاصل الحياة السورية وتدخلها في هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية بما يضمن ويعزز سيطرتها.
سلم تطور العلاقات الاقتصادية الروسية مع سوريا
منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 1915عملت روسيا إلى جانب الدعم العسكري على تمتين العلاقات الاقتصادية التي كانت متواضعة بين الجانبين، وعملت على تأسيس علاقات اقتصادية طويلة الأمد. من المعروف أن دمشق احتفظت دوماً بعلاقات سياسية جيدة مع موسكو، لكن علاقاتهما الاقتصادية اكتسبت أهمية أكبر بعد اندلاع الاحتجاجات في 2011 ؛ فوفقاً لبيانات رسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وسوريا في العام 2010 نحو مليار دولار أمريكي، لكنه ارتفع بعد اندلاع الاحتجاجات في عام 2011 إلى نحو 2 مليار دولار.
في عام 2013 وقعت الحكومة السورية اتفاقاً مع شركة “سيوزنفتاغاز” (Soyuzneftegaz) الروسية من أجل الحفر والتنقيب عن النفط والغاز، قبالة الساحل السوري، وفقاً لعقد يستمر لمدة 25 عاماً.
هذه الاتفاقية تحقق أحد أهداف روسيا للاستثمار في قطاع الطاقة السوري، حتى يكون لها حصة فيه بدلاً من التنافس معه، باعتبار أن سوريا مكان محتمل، لمرور شبكة أنابيب النفط والغاز إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، وهو ما يهدد هيمنتها على تصدير الغاز للقارة الأوروبية.
بعد أن تمكن النظام بمساعدة حليفيه روسيا وإيران، من استعادة سيطرته على نسبة 70 بالمائة من أراضي سوريا، وفي سياق عملية التفاوض المتعثرة، دخلت روسيا في سباق التنافس مع إيران، على اقتسام الكعكة السورية، وكان واضحاً أن روسيا تقبض ثمن كل خطوة تدعم بها النظام، واتجهت بقوة نحو الاقتصاد حيث استطاعت روسيا، استمالة حيتان المال، وصبت سيولتهم المالية في بنوكها، وعقدت ما شاءت من صفقات وعقود، ترهن فيها البلد لمصالحها.
أخذت تطالب النظام بمستحقاتها من الديون قبل أن يدخل قانون قيصر حيز التطبيق، وروسيا عالمة بحجم الخلاف بين حيتان المال ورامي مخلوف في الصراع على الحصص، والتنافس على النفوذ الاقتصادي. وتبين مع الوقت كيف أن روسيا أخذت تلعب على التناقضات القائمة بين مخلوف والسلطة، لتصل الى مبتغاها ليس المالي فحسب، بل السياسي أيضاً في سوريا.
واستغلت روسيا فترة السبات الانتخابي في أمريكا التي امتدت لمدة ستة أشهر، وأصابت السياسة الأمريكية الخارجية بالشلل، لتعزيز مكانتها واستثمار نفوذها وفرض وقائع جديدة، حيث زار لافروف على رأس وفد روسي دمشق وشدد حينها على أن إعادة الإعمار في سوريا لها أولوية، بعد أن انتصرت على الإرهاب بدعم روسيا.
وبالفعل، وقعت روسيا مع النظام عدة اتفاقيات استراتيجية، في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية في البحر المتوسط، واستخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر، كما وقعت “ترانس غاز” مع حكومة النظام اتفاقية لاستئجار مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً.
ولم تقتصر الاتفاقيات بين الطرفين على البترول والغاز والطاقة وحسب، بل شملت جوانب أخرى، منها الحبوب والأغذية، حيث بموجب هذه الاتفاقيات، أصبحت روسيا الدولة الأولى في تصدير مادة القمح لسوريا، إضافة إلى الاتفاق على بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص بكلفة 70 مليون يورو، ما يعني أن القمح الذي يشكل المادة الأساسية في قوت السوريين، بات بيد روسيا بشكل شبه تام.
إضافة لذلك حازت على اهتمام القيادة الروسية عقود إعادة الإعمار، وكشفت مؤسسة الإسكان على لسان مديرها “أيمن مطلق” على أنها توصلت مع شركات روسية إلى مراحل متقدمة من النقاش حول المشاريع الإسكانية. وأعلن في وقت لاحق ممثل مركز المصالحة الروسي، على أن بلاده تقوم بدراسة مشاريع، تتعلق بإعادة الإعمار، بهدف عودة اللاجئين. وهكذا استطاعت روسيا أن تعقد من الاتفاقات ما تريد، وترهن سوريا مقابل تعهدها بدعم وجود النظام، لكن لو فرضنا أنها تخلت عن النظام، ونكصت بوعدها هل بإمكان النظام أن يفعل شيئاً! إلى أين المفر! ما يراهن عليه النظام هو أن روسيا لن تجد بديلاً أفضل منه، ولن تتخلى عنه! إلا أن روسيا التي أبرمت هذه الاتفاقيات لتصبح أوراقا إضافية بيدها، فعلت ذلك لتثبت قدرتها على التحكم بالنظام والضغط عليه لتساوم المجتمع الدولي على مستقبل سوريا، بانتظار معرفة وجلاء الموقف الأمريكي الجديد، بقيادة الرئيس بايدن. نعم أبرمت روسيا هذه الاتفاقيات مع وقف التنفيذ، بحجة قانون قيصر الذي يسلط سيف العقوبات على الدول والشركات التي تدعم النظام السوري، فهي لن تستطيع إدخال المواد والأجهزة التي تمكنها من تنفيذ هذه المشاريع! أما النظام فما دفعه إلى إبرام هذه الاتفاقيات هو الأزمة السياسية والعسكرية والاقتصادية وضرورة تحقيق الاستقرار للبدء بإعادة الإعمار، خشية من تجدد اندلاع النزاعات المسلحة خاصة مع أمريكا.
استثمار روسيا للواقع الاقتصادي المزري لخدمة أهدافها
عمل النظام السوري بشكل مستمر على نقل عبء الأزمة الاقتصادية الخانقة، والعقوبات المفروضة عليه إلى عاتق الشعب السوري، حتى أصبح أكثر من 80 بالمائة منه مهدداً بالجوع، وصارت سوريا بأسفل قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم. حاول النظام الاستثمار بوضع الشعب المزري، ودعا إلى زيادة الدعم والمعونات سواء من الدول على شكل مساعدات أو من اللاجئين بضخ العملة الصعبة إلى أهاليهم في سوريا لإنقاذهم من الموت جوعاً، حتى أن النظام استخدم وباء الكورونا من أجل الضغط على الخارج لدعمه ورفع العقوبات عنه. إضافة لذلك استغل النظام الوضع المعيشي الصعب وانهيار الاقتصاد وتفشي البطالة، لعسكرة الشارع والتجنيد في صفوف الجيش.
أيضاً عملت روسيا على استغلال الوضع الاقتصادي المذري، لتحقيق أهدافها في التغول أكثر في المجتمع السوري، وتعزيز نفوذها العسكري والأمني. فمنذ أن بدأت روسيا تدخّلها العسكري المباشر في سوريا عام 2015 عملت على خضوع النظام السوري عسكرياً وأمنياً لقراراتها، لكن ذلك لم يمنعها من المضي في مسار موازٍ لتشكيل كيانات عسكرية تابعة لها، بصورة مباشرة، لضمان الولاء العسكري لها على المدى الطويل.
وتحقيقاً لهذه الاستراتيجية، شكلت روسيا فرقة النمر بقيادة الضابط البارز في قوات النظام سهيل الحسن، وأغدقت عليه العتاد والدعم. كما أنشأت الفيلق الخامس، الذي فتح أبوابه للمتطوعين والمنشقين سابقاً، وحتى للمقاتلين السابقين في صفوف الجيش الحر، ممن انخرطوا في التسويات والمصالحات في المناطق التي كانت يُهجَّر سكانها، وذلك كملجأ لهم يعيدهم إلى النظام، ولكنه يحميهم من انتقامه في الوقت نفسه. وبناء على ذلك يعد الفيلق الخامس تشكيلاً عسكرياً كبيراً، تابعاً للنظام السوري رسمياً، ويأتمر بأوامر قاعدة حميميم الروسية عملياً، ويتلقى من روسيا دعماً مادياً ولوجستياً وعسكرياً، ويوجد في عدة محافظات سورية.
تجنيد الشباب السوري كمرتزفة
إن البطالة والفقر المدقع والوضع الاقتصادي المزري، كانت من أهم العوامل لنجاح روسيا في تجنيد آلاف المرتزقة وإرسالهم إلى الجهة التي تريدها، بما يخدم مصالحها وسياستها التوسعية عبر العالم، حيث كشف تقرير مفصّل صادر عن منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، عن قيام شركات أمنية روسية بتواطؤ مع النظام السوري بتجنيد ما لا يقل عن 3 آلاف مقاتل سوري، لغرض القتال في ليبيا، دعماً لقوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ضد قوات “حكومة الوفاق”.
انتشرت عمليات التجنيد في كافة المحافظات السورية، ولاقت رواجاً كبيراً بدءاً من مدينة السويداء وانتقالاً فيما بعد إلى القنيطرة ودرعا ودمشق وريفها (جنوباً)، وحمص وحماة (وسط)، والحسكة والرقة ودير الزور (شمال شرق البلاد)
ورغم المصير الأسود الذي ينتظر هؤلاء المرتزقة، والنيل من سمعتهم وانتمائهم الوطني إلا أن الظروف الاقتصادية المزرية، والرواتب المغرية التي قدمتها روسيا لهم، كانت كفيلة بجذبهم وتجنيدهم ليشكلوا ظهيراً عسكرياً لدعم روسيا ليس في الداخل السوري فحسب، بل خارج الحدود.
الخلاصة
استنزفت روسيا النظام رغم الأزمة الخانقة التي يعيشها، حين طالبت بديونها ثمناً للسلاح الذي استخدم لاستعادة المناطق وحماية النظام. ورهنت سوريا عبر الاتفاقات والعقود والقواعد العسكرية، بالمقابل كان دعمها المالي والاقتصادي محصوراً بالقوى الموالية لها التي تأتمر بأمرها كقوات نمر والفيلق الخامس والمرتزقة. وبعد كل ما حصلت عليه وكل الوعود التي قدمتها لدعم النظام، أخذت تُحمل النظام مسؤولية الوضع الاقتصادي القائم، وتتخلى عن التزاماتها اتجاهه، لتترك الباب مفتوحاً على المساومات والضغوط بما يناسب مصالحها.
About the Author: Sahar Hawija
سحر حويجة محامية وكاتبة وسجينة سياسية سابقة بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي. نشرت العديد من اﻷبحاث القانونية والسياسية وعشرات المقالات، وصدر لها كتاب المرأة السورية في ظل النزاع (٢٠١٦) عن دار الرحبة
صالون سوريا
————————
النظام السوري إذ ينقل المقصلة إلى رقاب مؤيّديه/ كارمن كريم
اعتقال النظام السوري الجرف يعني عدم توانيه عن إقصاء وإخفاء حتى مؤيديه، فبطشه لا يستهدف معارضيه وحسب، وسيبدأ بالصحافيين…
من المثير للسخرية اليوم أن تكون سوريا من أولى الدول العربية التي نشرت جريدة مطبوعة عام 1851 وكان اسمها “مجمع الفوائد“، كما أصدرت أول مجلة تهتم بحقوق النساء في الشرق الأوسط على يد ماري العجمي 1990، فيما احتلت سوريا عام 2020 المركز 174 من أصل 180 دولة في حريّة الصحافة، إذ يسقط عشرات الصحافيين ضحايا مهنتهم وإيمانهم بالحريّة. وبحسب تقريرٍ صدر عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” قتل 707 صحافيين منذ بداية الثورة السوريّة، كما اعتقل واختطف ما لا يقل عن 1169 من الصحافيين من بينهم نساء وأجانب.
الجدير بالذكر اليوم هو اعتقال النظام السوري صحافيين وإعلاميين مؤيدين له، في خطوة جديدة لقمع حريّة الإعلام والصحافة، فلماذا يقدم على ذلك؟ أوليست هذه خطوة في توسيع دائرة معارضيه؟
حتى ضغطة الإعجاب أو التعليق سيحاسب عليها السوريّ!
لماذا يعتقل النظام السوري صحافيين مؤيدين له؟
في حين بدت مواقع التواصل الاجتماعي كمتنفس وحيد للشعب الذي يعاني من الفقر والوضع الاقتصادي السيئ، يشكو من خلالها همومه والمصاعب اليومية، جاء النظام ليحرمهم هذا المتنفس، إذ أصدرت وزارة الداخلية بداية العام تعميماً بمكافحة نشر ونقل الأنباء الكاذبة والإشاعات المغرضة، أو التعامل مع مواقع إلكترونية مشبوهة. هذا القانون ليس جديداً في سوريا إنما يعاد إحياؤه الآن، وهذا يعني تكثيف العمل على كمّ الأفواه، فالإشاعات المغرضة قد تعني أي عبارة تكتب أو أي شكوى على الوضع الاقتصادي، وهو مصطلح فضفاض للغاية ولا حدود قانونية واضحة له وهو ما سيوقع أي شخص في الحيرة والخوف من التعبير عن رأيه بأيّ شكل. لا يتوقف الأمر هنا، فمجرد التفاعل والتواصل مع مواقع معارضة للنظام السوريّ أو لا تتوافق مع مبادئه يعني التعامل المشبوه بحسب وزارة الداخلية، إذاً حتى ضغطة الإعجاب أو التعليق سيحاسب عليها السوريّ!
وليُظهر النظام جديّة قراراته بدأ اعتقال إعلاميين وصحافيين مقربين منه، ليُفاجأ المؤيدون باعتقال المذيعة السوريّة هالة الجرف التي أظهرت على الدوام دعمها النظام. بالنظر إلى صفحة الجرف على “فايسبوك” يبدو جلياً سبب الاعتقال، من خلال منشورات تنتقد فيها الأوضاع المعيشية في سوريا، ليؤكد لاحقاً رئيس “اتحاد الصحافيين السوريين”، موسى عبد النور، لموقع “هاشتاغ سوريا” الموالي للنظام، خبر توقيف الجرف، لدى فرع مكافحة الجرائم الإلكترونية التابع للأمن الجنائي بدمشق، بتهمة تجاوز محظورات النشر وارتكابها مخالفة في ما يتعلق بالنشر الإعلامي على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي العام الماضي، تم اعتقال الصحافي كنان وقاف، إثر شكوى قدمها بحقهِ رجل الأعمال مازن حماد، بعد نشره تحقيقاً صحافياً عن كهرباء محافظة طرطوس يظهر فيه الفساد الحاصل في عقود توليد الكهرباء وورد فيه اسم حماد، ونشر في جريدة “الوحدة السورية”. ليخرج بعدها وزير الإعلام مؤكداً أنه لن يتم اعتقال أي صحافي أو إعلامي من دون إخبار الوزارة عن الأسباب والتهم، لكن ما يحدث اليوم يدل على أن وزارة الإعلام خارج حسابات الأمن السوري تماماً والاعتقال سيتم في أيّ حال، السؤال هنا ما هي الحدود الذي يفترضها النظام السوريّ لحرية الصحافة والإعلام؟ وهل هناك حريّة صحافة في الأصل؟ وماذا تعني الجريمة الإلكترونية بشكل دقيق أو وهن عزيمة الأمة التي باتت التهمة الأكثر شهرة في سوريا؟
تعميق خوف السوريين من التعبير
تكمن خطورة ما يحصل في تعميق مخاوف السوريين، فتهمة “إضعاف الشعور القومي” أو “وهن عزيمة الأمة”، قد تُلصق بأي شخص قد يفكر بوصف الحياة القاسية التي يعيشها السوريون، أو يكتب منشوراً على “فايسبوك”، يعرب فيه عن الوضع الاقتصادي المتدهور، إذاً يُمنع الحديث عن الجوع حتى. عن ماذا يمكن أن يتحدث السوريون إذاً؟ لا شيء على الإطلاق، إنها الطريق المثلى ليمشي شعب مكتفياً بالنظر إلى الأسفل من دون أن يجرؤ على النظر إلى الإمام، خطوة تأتي في سياق تزايدِ الأصوات المعارضة للنظام في الداخل، نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية والتضييق المتزايد على حريات التعبير، وهو ما يريد النظام على ما يبدو الحد منه بشكل سريع.
اعتقال النظام السوري الجرف يعني عدم توانيه عن إقصاء وإخفاء حتى مؤيديه، فبطشه لا يستهدف معارضيه وحسب، وسيبدأ بالصحافيين في رسالة واضحة يقول فيها إن السلطة المسؤولة عن نقل الواقع ستكون أول من يعمل على إسكاته وتخويفه. إنها طريقة مثالية لإغلاق هذا المكان الذي يدعى سوريا على من بقي فيه. ليتعامل النظام بحزم بخاصة مع أصحاب التأثير كالإعلاميين والمذيعين، فأي انتقاد صادر عنهم سيلاقي صداه لدى شريحة واسعة ممن يتابعون هذه الشخصيات وهي شرائح تُساق بطبيعة الحال وتصدق كلّ ما يقولوه إعلام النظام، فلا بدّ أن يلتزم هذا الإعلام بحدوده التي تشمل التطبيل والتزمير لنظام الأسد وتبرير الوضع الاقتصادي المتردي بالمؤامرة الخارجية.
ما رأي الدستور السوري
يبدو اليوم أن تهمة “النيل من هيبة الدولة” هي مرادفٌ للاعتقال التعسفي والتنكيل بمعتقلي الرأي، فعبارات من قبيل “المس بهيبة الدولة”، “إضعاف الشعور القومي”، “وهن عزيمة الأمّة” هي تهم تتعلق بمشاعر الدولة الذاتية التي يفترضُ نظام الأسد وجودها، كيف يمكن تحديد مشاعر نفسية تتعلق بدولة كاملة! يقول معلقون: “ما هذه الدولة التي يمكن المسّ بهيبتها!”.
يُعرّف النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي في الدستور السوري بالدعوات التي تهدف إلى إثارة أجواء من القلقلة والرعب والإحباط في نفوس أبناء الأمة عن طريق نشر الأكاذيب والإشاعات المغرضة التي تخيف الناس وتدفعهم للتقاعس عن أداء واجبهم في الدفاع عن الوطن والاستسلام للعدو وللأخطار المحيطة به وتكمن المشكلة هنا بربط أمن الدولة الخارجي بالمجاعة والفقر، فما علاقة جوع الناس وتعبيرهم عن ذلك بالدفاع عن الوطن؟ وما علاقة الثورة بالخطر الخارجي أو بتحالفات النظام السريّة؟
وبحسب الدستور السوريّ تتجلى أشكال وهن نفسية الأمة بنقل الأنباء أو روايتها سواء بالكتابة أو الخطابة أو الحديث الشفهي ويعاقب مصدر المعلومات هذه وناقلها أيضاً، وسلطة المحكمة في تقدير صحة الأنباء والأخبار مطلقة لا معقب عليها أبداً!
ولأن مصطلح توهين نفسية الأمة لا حدود له ويصعب تحديد فحواه أو مضمونه وجب على القاضي في هذه الحالة أن يقرّر في طبيعة الأخبار المتناقلة وفحواها وتحديد نية الفاعل وإن كانت حقاً بغرض توهين نفسية الأمة بكامل إرادته، فبحسب القانون إصابة نفسية الأمة هو حدث جلل، ولذلك من يقوم بتوهين نفسية الأمة يستحق الاعتقال الموقت من 3-15 سنة.
بالعودة إلى المرسوم التشريعي رقم 50 لعام 2001 والذي يشكل انتهاكاً صارخاً لحرية الصحافة والنشر، فهو يُحظر كتابة التقارير أو المقالات التي قد تمسُّ بوحدة المجتمع أو الأمن الوطني، كما يمنع على أي مطبوعة دورية غير سياسية نشر أي مقال سياسي كما يعاقب كلّ من تلقى أموالاً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من مؤسسات أو حكومات أجنبية. والنقطة الأخطر التي تتعلق بحرية الصحافة هي وجوب انتساب أي صحافي أو إعلامي إلى “اتحاد الصحافيين السوريين” كي يتمكن من الحصول على بطاقة صحافي لممارسة عمله، وهذا يعني أن كلّ من يمارس الصحافة من دون الانتساب إلى اتحاد الصحافيين للنظام الحق في تجريمه! ويذهب القانون إلى إلزام الصحافي بالكشف عن مصادر معلوماته في حالات معينة أو تسحب منه بطاقته. كلّ ما سبق يشكل انتهاكاً صارخاً لحريّة الصحافة، بالاعتماد على مصطلحات قانونية فضفاضة يستطيع النظام التلاعب فيها في سبيل كبت الحريات.
ليس جديداً اعتقال النظام السوريّ معارضيه، لا حرية للصحافة في سوريا، ولا مكان للآخر المختلف، فمعارضةُ النظام واحدةٌ من الخطايا التي لا تغتفر، الحيطان لها آذان، والمخبرون في كلّ زاوية، وحين حاول السوريون إعلاء أصواتهم في بداية 2011 كان الثمن ملايين الضحايا والنازحين والمفقودين والمعتقلين.
درج
——————————
“الليرة عزتنا”! سيميائيات ودلالات الإفلاس العام بعد عشر سنوات/ جمال الشوفي
قبل عام ونيف من اليوم، خرج طلاب وطالبات الجامعات في مدينة السويداء، من جيل الشباب الباحث عن موقع قدمٍ له على سلّم الحياة والجدارة والاستحقاق لعلمه وحياته ومستقبله، خرجوا في تظاهرات سلمية عُمّمت على كل سورية، كان عنوانها “بدنا نعيش”، مطالبين الحكومة بتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية، على أثر ارتفاع الأسعار غير المسبوق، في ذلك الحين، مع هبوط سعر صرف الليرة أمام الدولار من 500 لعتبة الألف ليرة!
ولغايةٍ في نفس يعقوب، ولدراية خبيثة بالمستوى السيكولوجي العام لدى عموم المجتمع المنهار، اقتصاديًا وقيميًا، تم استثمار حاجات الناس العامة، بالتعاون مع بعض المنتفعين من شريحة “محدثي النعمة” من تجار الأزمات والحروب، وأطلقت حملة إعلامية مضادة ممنهجة ومدروسة، عنوانها “الليرة عزتنا“، بحيث يمكن لأي شخص أن يشتري بليرة واحدة أيّ سلعة معروضة في أماكن معينة، خلال مدة محددة. وكانت النتيجة انزياح أنظار المجموع العام من المجتمع عن مطالب الشباب المتظاهر، حيث دفعت الحملة عموم البسطاء إلى الانفكاك من حول مطالبهم الحقة، والسعي لاقتناص فرصة شراء أي سلعة (أدوات كهربائية أو “بنطال جينز”..) بليرة واحدة فقط! من عند التجار المتفقين سلفًا على موعد إطلاق الحملة ونهايتها، للدلالة على قيمة الليرة “معنويًا” خلاف قيمتها السوقية! وكانت نهاية الحملة، كما هو متوقع، بانفكاك حملة “بدنا نعيش” ومطالب الشباب الحقة في تظاهرتهم السلمية التي تحمل في طياتها أبعاد التغيير السياسي، وما ينتج عنه من تحسين في الوضع المعاشي العام، وشعورهم بعدم جدواها!
الدلالة الأوضح، من تباين الحملتين ومستوى العمل الإعلامي عليهما، تبدّت اليوم، فعلى الرغم من الوضع المعيشي في الداخل السوري الكارثي، فإن عنوان الوضع العريض البحث عن حلول فردية للاستمرار على قيد الحياة فقط، بعد أن فقد المجموع العام الثقة في إمكانية التغيير على المستوى السياسي والاقتصادي بالضرورة. وهذه مفارقة ذات دلالات اجتماعية ونفسية عامة، تشير إلى مستوى الإرهاق النفسي والوهن العام المصحوب بالعجز والاستسلام الشعبي وانتظار الحلول السحرية، خاصة أن المجموع العام بات يعتقد قطعيًا أن الحل لم يعد بيد السوريين، بقدر ما هو بيد الدول الكبرى، هذا في مقابل تحمّل واقع معيشي بات كارثيًا، بحمله وتركته، نتيجة استمرار آلة الحرب والقتل والتهجير والدمار في عموم الأرض السورية منذ سنوات دون حلّ لها.
فقبل عام، كان الدولار بألف ليرة، وسعر كيلو السكر والرز وسطيًا 250 ليرة، والبرغل والفواكه والخضار الكيلو نحو 300 ليرة… وكان مايك فغالي، عرّاب تصدير وجبات الوهم للشعوب المقهورة، يتنبأ بعودة الليرة لعزها لما قبل 2011، وبأن اقتصاد سورية سيصبح من أقوى اقتصادات المنطقة، والأخبار تتحدث عن حجم الاستثمار الروسي في غاز البحر المتوسط السوري، وعن عائدات إعادة الإعمار القادمة إلى سورية! ولكن اليوم، واليوم بات مهزلة سياسية وإعلامية معًا، قد قارب سعر صرف الدولار 4000 ليرة، وتضاعفت أسعار السلع ثماني مرات عن العام السابق، وبات ما يزيد عن 85% من سكان سورية دون خط الفقر، والوقود من محروقات وغاز وبنزين، ومثلها مواد التموين الأساسية كالسكر والرز والخبز ونادرًا الزيت، تُصرف على بطاقة تسمى “ذكية”، تحدد للأسرة -بحسب عدد أفرادها- كمية احتياجاتهم اليومية والشهرية بطريقة متذاكية تسمى “القطّارة التموينية”. فمتوسط الراتب الشهري 60000 ليرة (15 دولار) لا يكفي لتأمين أبسط حاجيات الكفاف الأسرية لأيام معدودة! وما زال البعض يخاتل بمقولة “الليرة عزتنا”، ويبيع الوهم النفسي خلاف الواقع المعاشي السائد، والأهم من هذا كله الاستمرار في تخدير المجتمع، وكسر إرادة الشباب المعنوية أمام صخرة الواقع المعيشي!
السؤال المطروح اليوم: هل يمكن للإرادة وحدها أن تحقق إجماعًا شعبيًا قادرًا على إحداث مفارقة مجتمعية كما في العام 2011؟ وهل يمكن لإرادة الشباب منفردة أن تعيد الروح السورية للانتفاض من خدرها، إذا ما فكّروا في تنظيم حملات مدنية سلمية لرفض الواقع الحياتي المدقع والمطالبة بتغييره اليوم، دون أن يكون هناك جدول عمل سياسي مرافق لقواه السياسية والمجتمعية بالضغط بذات الاتجاه؟
كمقدمة للإجابة على هذه الأسئلة، من الضروري العودة للمفارقة المحدثة بين حملة “بدنا نعيش”، والحملة الإعلامية المضادة “الليرة عزتنا”؛ فثمة دلالات دقيقة تشير كلّ منها إلى اتجاه سلوكي ونفسي، يمكن أن يؤخذ منهجيًا بعين الاعتبار في أي عمل شعبي تغيري. فقيمة الليرة تعني قيمة الدخل الوطني، و”الليرة عزتنا” دلالة أولى على ارتباط كرامة المواطن بقيمة دخله العملي والإنتاجي المعبّر عنه بسعر قيمة عملته المحلية، وهذا بالمبدأ أمرٌ جوهري مهمّ وضروري، لكن تحوّله إلى بيع الوهم وتخدير الشعوب، واستثمار وجدانهم البسيط وحاجتهم الطبيعية، ليصبحوا أفرادًا يبحثون عن حلول فردية فقط بلا إرادة جمعية، هو الدلالة الإعلامية! وهذا يعني -وفقًا لمعطيات الواقع الراهن وهبوط قيمة الليرة لهذا المستوى المتدني اليوم-أنها ليست سوى شعار بلا مضمون، كما شعار الوحدة والحرية والاشتراكية. فالواقع السياسي السوري قد عرف طوال عقود بأن كل من يحاول الخروج عن منظومة الاستبداد هذه وزيف شعاراتها، ولو كان ذلك برأي مختلف، يٌتّهم بالعمالة والخيانة الوطنية ووهن نفسية الأمية والعمل ضد الاشتراكية، ويكون مصيره المعتقلات! ويصبح عبرة لغيره من بقية شرائح المجتمع حتى لا تجرؤ على الخروج عن سياسة الخوف التي حكمت المجتمع بالحديد والنار عقودًا! فكيف الحال اليوم وتُهمة الإرهاب سهلة التداول، وتكفير وتهجير جيل الشباب هو العمل المنهجي المعمول به سلطويًا، بعد أن حطم السوريون حاجز الخوف هذا العام 2011، فكان مصيرهم التهجير والموت في المعتقلات والدمار العام، ليصبح من تبقى في سورية بين خيارين ليس إلا: إما أن يجد المصير الذي أحاق ببقية السوريين، وإما أن يكتفي بحدود ما تقدمه له الحكومة ونظامها من فتات قوته اليومي دون التفكير بأي تغيير ممكن!
في مقابل هذا، كانت حملة “بدنا نعيش” دلالة على استمرار إرادة الحياة والحقوق الشبابية، ورفض الشباب الاستسلام لمصيرهم الذي رسمته لهم سلطة وحكومة الأمر الواقع، وعلى ارتباط المعنى الحقوقي والحياتي بأبسط أشكاله المطلبية الجمعية كحلٍّ للمعضلة السورية الداخلية، بعد طول استعصائها السياسي. ولكن أتت النتائج خلاف ما هو متوقع، حيث كان الأثر الإعلامي لحملة “الليرة عزتنا” الواهية قادرًا على إيقاف المعنى الحقوقي والسياسي لإرادة الشباب! وهذا دلالة على المستوى النفسي المجتمعي العام الذي بات بأدنى مستوياته الإرادية، إضافة إلى استمرار تكريس الحالة السورية على وضعها الراهن لمصلحة قلة من المنتفعين، من متنفذي السلطة والحكومة وأجهزتها التابعة لها والتجار المرتبطين بفلكهم، لتبقى الأزمات تغذي جيوبهم، وليذهب الشباب إلى الجحيم من خلال تحويلهم إلى مرتزقة في ليبيا وغيرها، و/أو عمّال في تجارة الممنوعات والمخدرات!
المفارقة الأشد وضوحًا هي استمرار المنهجية السلطوية التي عملت على تزيف مقولات الحرية والإرادة الشعبية وإفراغها من مضمونها تاريخيًا، وإفلاس الاقتصاد والليرة حاليًا بحلولها الممارسة للعام العاشر على التوالي، بينما لم تزل إرادة الشباب التواقة للحرية والحياة الكريمة تحاول استعادة معناها وفكرها وثقافتها الدالة على استحقاق الحياة بجدارة، مصرة على التواصلية الحوارية واللغوية، من دون تراجع أو استسلام مع المحيط المجتمعي العام على أرضية أحقية تأمين الحاجات الأولى في الحياة الكريمة والآمنة! وأيضًا ممارسة وجدانها الوطني بالتمسك بحقهم بالتجمع السلمي المطلبي، بالرغم من خطر الاعتقال والملاحقة الأمنية، والإشهار برفضهم لممارسات السلطة وعدم انصياعها لأي حل مقترح للمعضلة السورية! فإن كانت عين السلطة ما زالت ترقب بحذر أي حراك في الشارع، وتعمل على تفنيده بألف طريقة وطريقة، فإن أطيافًا سياسية سورية معارضة عريضة ما زالت غارقة في خلافاتها المكررة إلى اليوم، مكتفية بوهم حلولها ومسلماتها الأيديولوجية المفترضة، دون النظر إلى متغيرات الواقع الحالي ومراجعة سياساتها وخطط عملها، وهذا افتراق ومغايرة!
إذا كانت السيميائية (السيمولوجيا) تعدّ دراسات حديثة وعصرية تدرس في أحد أوجهها دلالة ترابط اللغة، ومنها الإعلام، مع الحدث والمجريات الواقعية، لتقيم الرابطة الفعلية بين معطيات الواقع بشموله السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي، وبين اللغة منطوقًا وكتابة وإعلامًا، فهل يمكن أن نتساءل عن دور الإعلام السوري وكتله السياسية المعارضة وعن خططها ومنهجيتها في كيفية تعاملها مع الداخل السوري، في مقابل وموازاة إعلام السلطة؟ وهل يحق لنا أن نحمّل المتبقي في الداخل، وخاصة الشباب، تركة وعبء قساوة المرحلة الحالية، دون مشاركة مسؤولة من خبراء السياسة عن حلّ سياسي يُفضي إلى إمكانية استعادة الروح السورية تضامنها وقواها الذاتية، بدلًا من ارتهانها للسكون النفسي الجمعي هذا، أو للمشاريع الخارجية المشبوهة، أو لسياسة الإفلاس المحلي للسلطات بمقولات بلا مضمون، كالمقاومة والممانعة و”الليرة عزتنا”؟ وهل يحقّ لنا اليوم، بعد هذا الانهيار العام، أن نكرر خلف “الماغوط”، على لسان أحد أبطال قصصه، الذي يبيع الجرائد المحلية مناديًا: “الوطن بليرة”، كدلالة لا على قيمة الوطن المتخم بالكوارث بذاته، بقدر الإشارة إلى قيمة المواطن فيه؟ والوطن برمته مرتهن لمن يريده مفلسًا وطنيًا من قبل صنّاع السياسة وتجار الأزمات والمتحكمين في وجدان الناس إلى اليوم؟ والسؤال الأوضح: هل واقعٌ، بهذه المعطيات، يحتاج إلى علوم حديثة كالسيميائية لدراسته واستخلاص نتائجه الممكنة للعمل؟ أم يحتاج إلى قليل من المسؤولية الوطنية، معارضة و/أو سلطة!
عجبي! … فالإفلاس لا دلالة عليه سوى الإفلاس بذاته.
مركز حرمون
—————————–
روسيا عاجزة عن إنقاذ الأسد..حتى لو أرادت/ طه عبد الواحد
تباينت تقديرات الخبراء والمحللين السياسيين الروس بشأن قدرة موسكو على تقديم دعم لنظام الأسد يساعده على الخروج من الأزمة الاقتصادية التي يواجهها حالياً. وبرزت وجهة نظر، عبّرت عنها غالبية من الخبراء والمراقبين، تقول إن الأزمة السورية بشكل عام، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً باتت عبئاً على روسيا، في ظل تعثر العملية السياسية، وانعدام مصادر تمويل الاقتصاد، ورفض المجتمع الدولي تلبية الرغبة الروسية بتمويل إعادة الإعمار.
بالمقابل عبّرت قلة عن وجهة نظر مغايرة، بالقول إن سوريا لا تشكل من الناحية الاقتصادية عبئاً على روسيا. ومؤخراً نشر موقع “روسيا اليوم، مقال رأي للمحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف، يتحدث فيه عن أزمات الاقتصاد العالمي، التي ستؤدي إلى “تفكك دول وفوضى” في جمهوريات سوفياتية سابقة. ويرى أن روسيا مستعدة لتقليص علاقتها مع تلك الدول، حتى لا تتحمل بسببها المزيد من الأعباء المرهقة، لكن بالنسبة للوضع السوري يعتقد أن الأمر مختلف وأن “المساعدة الاقتصادية الروسية لسوريا محدودة وليست مرهقة، كما أن التعاون الاقتصادي مفيد للطرفين”. ويعبّر عن قناعته بأنه “إذا كانت حمى التفكك في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي لا زالت تسري بالقصور الذاتي، ففي العلاقات الروسية-السورية هناك مسار للتقارب على الجانبين”.
لمعرفة حدود القدرة الروسية، ومدى استعداد موسكو لتقديم دعم لنظام الأسد يساعده على الخروج من أزمته الاقتصادية الحالية على وجه الخصوص، لا بد من مرور سريع على مواقف ومحطات رئيسية ستساعد على توضيح الأمر، ومنها الحملة في الإعلام الروسي ضد النظام السوري، وتشديد موسكو على “جني الثمار الاقتصادية للعملية العسكرية في سوريا”، و أخيراً اقتراب انتخابات مجلس الدوما، وحاجة السلطات للتمويل الاجتماعي، من اقتصاد لم يتعافَ حتى الآن بعد أزمة “هبوط النفط وقيود كورونا”.
في ربيع 2020، أحدثت وسائل إعلام ومواقع إلكترونية، محسوبة على رجل الأعمال يفغيني بريغوجين، المعروف بلقب “طباخ الكرملين”، صدمة كبيرة في سوريا عبر سلسلة مقالات وتقارير شنت فيها هجوماً لاذعاً على رأس النظام السوري، واتهمته بأنه يخادع مواطنيه في أسباب انقطاع التيار الكهربائي، وأزمة المحروقات، وقالت إنه فقد شعبيته وأن 31 في المئة فقط من المواطنين السوريين قالوا إنهم سيصوتون له، وانتقدت هدره الأموال لشراء لوحة بعشرات ملايين الدولارات بينما يعاني الشعب من نقص المواد الأساسية.
وفي الوقت ذاته نشرت صحف ووسائل إعلام، ومراكز دراسات رصينة، مقالات مشابهة تنتقد نظام الأسد. ورأى مراقبون في تلك الحملة مؤشراً على تململ روسي من النظام السوري، بينما ذهب آخرون إلى القول إن تلك الحملة جاءت على خلفية استياء موسكو من عدم وفاء الأسد بالتزامته الاقتصادية أمام الشركات الروسية. وأياً كانت الأسباب فإن تلك الحملة الإعلامية توضح بما لا يدع مجالاً للشك أن موسكو لن ترحم حتى حليفاً مثل الأسد حين يتعلق الأمر بمصالحها.
الأهداف الاقتصادية للسياسة الروسية في سوريا، محطة أخرى لا بد من الوقوف عندها. التعبير الأكثر وضوحاً عن تلك المصالح جاء على لسان دميتري روغوزين، حين كان يشغل منصب نائب رئيس الحكومة الروسية المشرف على ملفات حساسة. وخلال زيارة أجراها إلى دمشق نهاية عام 2017، وفي أعقاب محادثات وصفها بال”مطولة جداً مع الرئيس السوري”، قال روغوزين إن روسيا لن تدخل الاقتصاد السوري بصفة “فاعل خير أو دولة مانحة”، وهي لا تنوي التساهل في ما يخص مصالحها وأرباحها حتى إن كان الأمر مع سوريا”، وشدد على أنه “يجب علينا أن نفكر كيف نجني الأموال لميزانيتنا ، لمواطنينا، لقاء العمل الكبير الذي قامت به روسيا الاتحادية على الأراضي السورية”. كانت روسيا تراهن حينها على “إعادة الإعمار” والاتفاق مع الأسد على “العمل بصورة استئنائية مع روسيا في هذا المجال”.
وإذ لا يمكن تجاهل حقيقة أن روسيا أنشأت على الأراضي السورية، بنىً تحتية ذات طابع استراتيجي-اقتصادي، ستجعل منها، إن توفرت لها الظروف لاستخدامها، قوة مهيمنة على مجالات حساسة من الاقتصاد السوري، ولاعباً مهماً في النشاط التجاري والاقتصادي إقليمياً، إلا أنه ورغم ذلك كله، لم تتمكن روسيا حتى الآن، من الحصول على ما تريده من نظام الأسد لشركاتها، ولم تحصد الثمار الاقتصادية لتدخلها العسكري في الأزمة السورية، نظراً لفشل مساعيها في إقناع الغرب ودول عربية بتمويل إعادة الإعمار، قبل التسوية السياسية، بالشكل الذي يرضى به المجتمع الدولي.
وفي الأثناء تواجه روسيا داخلياً تحديات جدية، إذ لم يتعافَ اقتصادها بعد، ولم يعوض خسائر الأزمة المزدوجة الناجمة عن هبوط أسعار النفط، وانتشار كورونا. وفي الأثناء تعمل على تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، الذين تشير التقارير إلى تراجع دخولهم وفقدان عدد كبير منهم العمل بسبب قيود جائحة كورونا.
يصبح الانفاق الاجتماعي مهماً بصورة خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة خريف 2021، حيث يسعى الكرملين إلى تدابير دعم تسهم في ضمان حصول “حزب روسيا الموحدة”، أو حزب السلطة، على أكبر عدد من الأصوات في انتخابات الدوما. في هذه الظروف، وحتى لو كانت روسيا مستعدة وراغبة في تقديم الدعم لنظام الأسد، فإنها غير قادرة على توفير دعم ينقذ الاقتصاد السوري من أزمته، هذا فضلاً عن أنها حتى في الظروف الجيدة لاقتصادها، لا تملك موارد كافية تنفقها لتمويل استمرار واستقرار النظام السوري.
أصاب نازاروف حين قال إن “المساعدة الاقتصادية الروسية لسوريا محدودة وليست مرهقة”، إلا أنه يصعب حتى الآن الحديث عن تعاون اقتصادي مفيد بين الطرفين، وما يجري هو محاولات روسية لإبقاء نظام الأسد “عائماً”، ولو عبر دعم محدود جداً هو عبارة عن “طوافات” تمنحه تنفساً اصطناعياً. لكن إذا استمر وضع الاقتصاد السوري على حاله، وفي حال لم يكفّ النظام عن وضع العراقيل أمام العملية السياسية، ولم تمارس موسكو الضغط المطلوب وكما يجب عليه في هذا المجال، فإن الوضع يتجه نحو مزيد من التعقيد.
سينعكس هذا الأمر بصورة مباشرة على التواجد الروسي في سوريا، الذي بدأ يتلمس غضباً شعبياً في الأفق، قد يتفجر في أي لحظة، مع استمرار تدهور الوضع المعيشي. وبهذا المعنى تصبح سوريا مصدر عبء على روسيا، بما في ذلك من الناحية الاقتصادية، ناهيك عن مسؤوليتها السياسية من وجهة نظر المجتمع الدولي، عن بقاء نظام حكم لم يُبقِ شيئاً لم يدمره.
المدن
—————————-
لجنة مشتركة في الكونغرس:ملتزمون بمحاسبة الاسد على الفظائع
أدانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في قرار مشترك من الحزبين، “الفظائع” التي يرتكبها النظام السوري، وانتقد داعميه في روسيا وإيران. وتقدم بمشروع القرار رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس، السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، والعضو المنتدب باللجنة الجمهوري جيم ريتش، وتسعة أعضاء جمهوريين وديمقراطيين، بالتزامن مع الذكرى العاشرة للانتفاضة السورية.
وجاء في البيان: “بالإضافة إلى دعوة الولايات المتحدة لدعم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، ندين بشدة الفظائع التي يرتكبها نظام الأسد ضد مواطنيه، ونؤكد مجدداً التزام الولايات المتحدة بمحاسبة النظام وداعميه على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ونؤكد على أهمية الجهود الشجاعة التي يبذلها المدافعون السوريون عن حقوق الإنسان لتوثيق وكشف عنف نظام الأسد الذي لا هوادة فيه”.
وتضمن مشروع القرار ثماني نقاط رئيسة، تنص الأولى على “الاحتفال رسميًا بالذكرى السنوية العاشرة للانتفاضة السورية”. ويحدد مشروع القرار سياسة الولايات المتحدة في سوريا، والتي تؤكد “السعي لحل سياسي للصراع السوري”.
كما يؤكد أن سياسة الولايات المتحدة تشجع على “الالتزام بقوانين الحرب من قبل جميع الأطراف المشاركة في الأعمال العدائية في سوريا، ودعم الجهود الإنسانية الدولية لمساعدة المدنيين الأبرياء، بما في ذلك من خلال دعم السكان النازحين وتعزيز محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان”.
ويشدد على التزام واشنطن ب”مواصلة الجهود لمحاسبة نظام الأسد وداعميه الروس والإيرانيين على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك من خلال تنفيذ قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019″.
وقال مينينديز: “على مدى عقد من الزمان، شهد العالم استعداد الأسد الوقح للقتل والتعذيب واستخدام الغاز ضد مواطنيه وتجويع شعبه من أجل الحفاظ على قبضته على السلطة”.
وأضاف مينينديز “لقد عانى الشعب السوري لفترة طويلة جداً على يد جزّار لا يزال رعاياه في طهران وموسكو يرعون حكمه الإرهابي الذي لا يهدأ. وبينما نحتفل بهذه الذكرى الجليلة ونفكر في صمود الشعب السوري، يجب أن نستغل هذه اللحظة لإعادة التفكير في الانخراط الدبلوماسي للولايات المتحدة للبحث عن تدابير ملموسة تخدم العدالة وتساعد على تزويد السوريين بمسار نحو المصالحة والاستقرار والحرية”.
وقال العضو الجمهوري رفيع المستوى في اللجنة، جيم ريتش: “على مدى العقد الماضي، تسبب بشار الأسد وداعموه الروس والإيرانيون في معاناة هائلة للشعب السوري في حملة مطولة من التعذيب والتجويع والأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة”.
وتابع: “مع اقترابنا من الذكرى العاشرة للصراع السوري، أنا فخور بتقديم هذا القرار مع السيناتور مينينديز الذي يؤكد دعم الولايات المتحدة للشعب السوري، والحل السياسي للصراع، والمساءلة عن فظائع النظام”.
من جهة ثانية، علّق متحدث باسم الخارجية الأميركية على تصريحات وزير الخارجية الإماراتية عبدالله بن زايد، التي انتقد فيها “قانون قيصر” الأميركي، مشدداً على أهمية لجوء نظام بشار الأسد وداعميه للحوار السياسي وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية.
وقال المتحدث ل”الحرة”: “أعتقد أن الاستقرار في سوريا والمنطقة بشكل أوسع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان إبقاء الحل السياسي في متناول اليد”. وأضاف أن “الأزمة الإنسانية شديدة الخطورة في سوريا هي نتيجة مباشرة لعرقلة نظام الأسد للمساعدات المنقذة للحياة والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية”.
وكان وزير الخارجية الإماراتية قد أكد الثلاثاء، أن “عودة سوريا إلى محيطها أمر لا بد منه، وهو من مصلحة سوريا والمنطقة ككل، والتحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر”.
——————————
النظام السوري سلم إسرائيل غرضاً شخصياً يعود لكوهين
قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الثلاثاء، إن عمليات البحث عن رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي أُعدم في دمشق عام 1965، جارية بالفعل في سوريا.
جاءت تصريحات نتنياهو في مقابلة أجراها مع قناة “I24 news” الإسرائيلية باللغة الإنكليزية، تُنشر كاملة في وقت لاحق مساء الثلاثاء، في ما يعتبر أول تصريح رسمي إسرائيلي في هذا الشأن.
ويأتي ذلك في ظل التقارير عن عودة القوات الروسية لنبش مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق، بحثاً عن رفاته. وقالت القناة إن النظام السوري سلّم “غرضاً شخصيا” تعود ملكيته للجاسوس الإسرائيلي كوهين، إلى السلطات الروسية.
وادعت القناة نقلاً عن مسؤول في حكومة النظام السوري، أن الروس، بدورهم، سلموا هذا الغرض إلى السلطات الإسرائيلية لفحصه. وأشارت إلى أن “الغرض الشخصي” قد يكون بقايا من ملابس الجاسوس الإسرائيلي أو قصاصات من الوثائق التي تخصّه”.
وأضافت القناة، نقلا عن مصدرها، أن “سوريا وروسيا على خلاف حول الثمن الذي ستدفعه إسرائيل مقابل كل معلومة إضافية تتعلق بالجاسوس الإسرائيلي”.
وقال مصدر روسي مقرب من المخابرات الروسية التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، إن “السوريين قدموا للجنود الروس خرائط تفصيلية للمنطقة المحيطة بمخيم اليرموك للاجئين، بؤرة البحث عن الرفات”.
وفي الأيام الماضية، تواترت التقارير عن إعادة القوات الروسية نبش مقبرة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بضواحي العاصمة السورية دمشق، للبحث عن رفات جنديين إسرائيليين قتلا في معركة “السلطان يعقوب” أمام الجيش السوري خلال الحرب على لبنان عام 1982.
وأشارت التقارير التي يعود مصدرها إلى مواقع سورية إلى أن قوات في الجيش الروسي، حاصرت المقبرة في مخيم اليرموك، في شباط/فبراير، للبحث عن جنديين إسرائيليين يدعيان تسيفي فلدمان ويهودا كاتس قتلا في معركة السلطان يعقوب، ضد الجيش السوري إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
يذكر أن موسكو كانت قد أهدت نتنياهو، في نيسان/أبريل 2019 رفات الجندي الإسرائيلي زخريا باومل، الذي قُتل في معركة السلطان يعقوب كذلك، وهو من الأوراق التي وظفها نتنياهو في حملته الانتخابية في أيلول/ سبتمبر 2019.
ومع رفات باومل سلّمت روسيا إسرائيل ما لا يقل عن 10 أشخاص مجهولي الهوية، وخلص أطباء الطب الشرعي في معهد “أبو كبير” أن أيا منهم لم يكن فلدمان أو كاتس.
———————-
السوريون العلويون وعنقُ الزجاجة/ عبير نصر
عبر التاريخ، لم يقدّمِ العلوّيون أنفسهم تقديماً كافياً، للتعرّف عليهم من مصادرهم، أو كما يعرّفون أنفسهم، كما فعلتِ المذاهبُ الشيعيّةُ الأخرى، ويُرجّحُ السبب العزلة، والتهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي رزحوا تحته قروناً طويلة. وعندما تأسستِ الدولةُ السوريّةُ الحديثة، كانت النخبةُ العلويّة علمانيةً غير متدينة، ولا ترى نفسها مشغولةً بخدمةِ المذهب العلوي ونشره، وإنما كانت منخرطةً في التياراتِ السياسية والفكرية السائدة في المشهد العربي، آنذاك. لذا كان من الطبيعي أن تنشأ في أجواءِ السريّةِ والكتمانِ حالاتٌ كثيرةٌ من الأوهامِ وسوءِ الفهم عن الطائفة (الغامضة)، خصوصا أنّ أوّلَ تعدادٍ فرنسي أثبت أنّ العلويين لم يشاركوا السنّةَ العيشَ في بلدةٍ يتجاوز عدد سكانها مائتي نسمة، على الرغم من تشاركهم مع طوائف أخرى. وعند وصولِ حافظ الأسد إلى السلطة، قدّم تنازلاتٍ جمّة للسنّة، من أجل حدّ نفوذِ رجال الدين في المجال السياسي، بينما حيّدَ العلويين، من خلال منحهم سلطة متزايدة في المجال الاجتماعي. وفي المقابل، أجبر المشايخ على التوافقِ مع الفكرةِ الإسلامية السنيّة عن “الإسلام الصحيح”، بدلاً من بناءِ مجتمعٍ علمانيّ حقيقيّ، ففي حين كان نظامُ الأسد يقرع طبولَ سياسةِ الاندماج ظاهرياً، كان، في الوقت نفسه، يؤسسُ لثقافةِ الانفصالِ، والتفرقةِ بين مكوناتِ المجتمع السوري كافة.
وعلى الرغم من وصول العلويين إلى أعلى مناصب الدولة، إلا أن خوفهم (الأقلويُّ) ظلَّ على حاله، فقد بقيتْ ذاكرتُهم الجمعيّةُ تحملُ المجازرَ التي تعرّضوا لها على يد العثمانيّين. وقد عملتِ السلطةُ على رفع منسوبِ الإحساس بهذا الخطر عند كلّ منعطف، ومنعتْ حدوثَ الاندماج الاجتماعيّ لإبقاءِ الأمر في إطار حسن جوارٍ طائفيٍّ، ولم يتطرّقِ النظامُ أبداً لحلّ مشكلة “الفوبيا السنيّة”، فقوّته كانت تنبع من عدم قيامِ تفاهماتٍ اجتماعيةٍ، بأيّ شكلٍ بمعزلٍ عنه. لذا لم يسمح بتشكيلِ أيّ تمثيلٍ أهلي للطائفة، كمجلسٍ علويّ أعلى، أسوةً بغيره، ولم يكن هذا بسببِ علمانية النظام التي يدّعيها دائماً، بل من أجلِ ربط ِالطائفة بمصيرِ العائلة الحاكمة، ووطّد هذا الارتباط عندما سمح بظهورِ الولاءاتِ العشائرية الضيّقة ضمن الطائفة الواحدة، إلى جانب عمله الدؤوب لزيادةِ تفقيرها، وسلخِ أبنائها عن بيئاتهم الأصيلة، عبر الهجرةِ من قراهم إلى المدن، ليعيشوا براتبٍ محدودٍ، كوظيفةٍ مدنيةٍ أو عسكرية، بينما لم يتطوّر الساحلُ السوري، وبقيتْ مظاهرُ الغنى مرتبطةً بالضبّاط الكبار، والفاسدين المعروفين بالاسم. وفي الحقيقة، كانت علاقةُ العلويين بالمسؤولين شخصيةً بحتة، تتبع أشكالاً مختلفةً نابعةً من المصالحِ المتبادلة، والولاءاتِ العائلية، أو العشائرية الضيقة، على عكس التصوّر السائد أنّ كلَّ العلويين ضباطٌ أثرياء أو “شبّيحة” يسكنون القصورَ الملأى بالخدمِ والسياراتِ الفارهة.
واستطاع النظامُ استثمارَ خوف الطائفة (المنغلقة) بشكلٍ ممنهج، كأيديولوجيةٍ مقدّسةٍ لبقائه، معتمداً على التلاعب بذاكرةِ الخوف الجمعية، والتي لا تحوي فترةَ عزّ على الإطلاق، عن طريق الدعايةِ الطائفيةِ الرخيصة، والألعاب الأمنية، ففي عام 1980، اختار حافظ الأسد الاحتفالَ برمضان في القرداحة، مسقط رأسه، بدلاً من الجامع الأموي في دمشق، كما كان يجري التقليدُ. وجمع إليه، بهذه المناسبة، أهمَّ زعماء الطائفة العلويّة الدينيّين، وأوصاهم برصِّ الصفوف لمواجهةِ الأزمة مع الإخوان المسلمين، وهي أول واقعةٍ تاريخيّةٍ تثبت توجّهَ الأسد إلى طائفته بشكلٍ رسميٍّ وعلني، لأجلِ حماية حكمه. ومنذ تسعينيّات القرن الماضي، ستشهد الطائفةُ تحوّلَ الضبّاط والمساعدين في الجيشِ إلى الدين، سيّما بعد انتهاءِ خدمتهم، كما سيؤدي ضبّاطٌ، على رأس عملهم، زياراتٍ إلى مشايخَ مقرّبين من السلطة، وربّما صنيعة السلطة ذاتها، ضدَّ مشايخَ آخرين لم تتمكّنِ السلطةُ من تدجينهم، ولكنّها قطعتْ جذورَهم الاجتماعيّة. وقد طاولتْ حملتُه كلَّ معارضي النظام العلويّين، وهذا يعني خلوّ الساحة من أيّ نشاطٍ سياسيّ يمكن أن يجمعَ الطائفةَ بعيدًا عن السلطة الحاكمة.
وبعد اندلاعِ الثورة السورية، تبيّن وجودُ فوبيا حقيقية عند علويين كثيرين من السنّة (كهويّة)، وفوبيا من المساجد ومن كلّ ما يخرج منها. لذا أظهروا فشلاً واضحاً في التعاطف، الأخلاقي والإنساني، مع ضحايا قمع النظام الانتفاضةِ الشعبية، بل وتورّطوا فيها من دون رجعة، كما حدث في الثمانينيات حين زجَّ رفعت الأسد سرايا الدفاع في حماة في البداية، لتدخلَ لاحقاً الوحدات الخاصة، بقيادة علي حيدر، وتحسم الأمر نهائياً. على الرغم من هذا، معظم العلويين الذين سكنوا مدناً قريبة من حرب الإبادة تلك، عادوا ليستقروا في الساحل، بسببِ مشاعر مختلطةٍ من الشعورِ بالذنب، وعدمِ الأمان من المستقبل، وتكرّر مسلسل الرّعب نفسه عام 2000، عند وفاة حافظ الأسد، حيث تركتْ عائلاتٌ علويةٌ كثيرةٌ دمشقَ، وعادتْ إلى قراها، ولم ترجعِ َإلا بعد ثبيتِ حكمِ الأسد الابن.
ومعزّزين بخطابِ سلطةٍ متفقّهةٍ بعلمِ تحريك المخاوف الطائفية، شعر العلويون أنّ خطرَ العودةِ إلى لعبِ شخصية “المرابع” باتتْ قريبةً، بعد عام 2011، خصوصا أنّ هناك فهماً جمعياً داخل الطائفة يذهب إلى أنّ بدايةَ الخلاصِ من حقبةِ الانسحاق الطويلة كانتْ مع وصولِ حافظ الأسد إلى سدّة الحكم، وبالثورة ِعليه، وتهديمِ أركان سلطته، ستذهبُ طائفتُه إلى الجحيمِ، كعمليةٍ ثأريةٍ، قديمة حديثة، وأنّ ما يحدثُ إعادةَ تدويرٍ للتاريخ، بشخصياتٍ مختلفةٍ وفكرٍ واحد. وما عزّز قراءتهم هذه أنّ المسجدَ هو القاسم المشترك بين الثوراتِ على نظامِ الأسد، فكيف يرُاد لابن الطائفة العلوية أنْ يصدّقَ أنّ السنيَّ الخارجَ من المسجدِ بلحيةٍ متروكةٍ، وشاربٍ مجتثّ، طالبٌ للحريةِ والعدالة الاجتماعية، ولا يريدُ الثأرَ لما فعله الأسدان الأب والابن، عبر خمسين سنة؟ فبدا شارع الأقليّة العلوية مرتاباً من أنْ تكونَ مخادَعةً يجيدها الفصيلُ السنّي المتطرّف. وهذا صاحب حقدٍ ثأري ومطمعٍ سلطوي، لا يموتان، ولعلّه أجرى تحالفاً مع المثّقفين لكسبِ التأييدِ والتعاطف، وتحديثِ خطابه العنيف، بعد فشل ثوراته السابقة، على اعتبار أنهم “عثمانيّو القرن الجديد”. وما زاد الطين بلّة أنّ الشخصياتِ العلويةَ التي وقفتْ صراحةً مع الثورة، تمَّ اغتيالُ سمعتها، وتصفيتها، بتلفيقاتٍ رخيصة.
والسؤالُ الواجب طرحه هنا: هل سينتخبُ العلويون مجدّداً بشار الأسد؟ هم الذين ساهموا في صناعةِ استقلالِ سورية، وشاركوا في كلِّ تفاصيلِ الحياةِ السياسيّة منذ الاستقلال وحتى بداية السبعينيّات، وحضنوا أهمّ الحركات اليساريّة، والعلمانيّة التقدّميّة، بين الخمسينيّات وبداية الثمانينيّات. (بالتأكيد سيفعلون). هم المحبوسون في عنقِ الزجاجةِ يعيشون سرّاً خوفَهم الأعظم، ليس من الآخر، فقط، إنّما من السلطةِ، لأنهم الأعرفُ ببطشها وفاشيّتها، لكون أغلبِهم يخدمون في أجهزتها الأمنيّة، وينقلون إلى بيئتهم الاجتماعيّة ما يجري في الفروع الأمنيّة من تعذيبٍ وقتلٍ، خصوصا العلويين منهم، ليكونوا عبرةً للطائفةِ، وللسوريّين في آن .. (بالتأكيد سيفعلون)، بعدما أثبتتِ المعارضةُ، بأطيافها كافّةً، جهلَها المخزي بطبيعةِ النظام السوري، إضافةً إلى البياناتِ الخبيثة التي أصدرتها الدولُ الكبرى، عازفةً على نغمة “حماية الأقليّات”. ومع أنّ النظام هو المسؤول الأوّل عن دفعِ التخوّفاتِ الطائفية إلى العتبةِ الحاليّة، إلا أنّ قوى دوليّة كثيرة شاركت في تعزيزها، لكن أفظع ما حدث أنّ قوى معارضة “معتدلة” استسهلتْ هذه النغمة، واستخدمتْها بمنطقٍ كيديٍّ للنيٍل من القوى المنافسة الأكبر عبرَ اتّهامها بالطائفيّة، لا يوازي هذا الرخصَ في الأداء سوى أداءِ بعض المتطرّفين (حقّاً) الذين هدّدوا بالانتقامِ من العلويّين، واسترجعوا بتشفٍّ مرويّاتِ الطائفةِ ذاتها عن مرحلةِ الاضطهاد، مهدّدين بإعادتها إليها.
العربي الجديد
—————————-
====================
تحديث 11 أذار 2021
—————————–
النظام السوري لا يخشى ثورة جياع/ إياد الجعفري
ارتفعت الأسعار في أسواق المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، خلال ستة أسابيع فقط، بنسب تتراوح ما بين 35 إلى 50%، وتراجعت قيمة الليرة السورية بنسبة 25%، وتفاقمت طوابير المحروقات مجدداً مع خفض مخصصات المحافظات من البنزين بنسبة 15%، ومن المازوت بنسبة 20%، بالتزامن مع استمرار طوابير الخبز بمعدل وقوف يتراوح ما بين 5 إلى 7 ساعات يومياً، للحصول على ربطة بالسعر الرسمي المدعوم. وفي خضم كل ما سبق، قررت سلطات النظام اعتماد البلطجة للسطو على السيولة المتاحة من الدولار في السوق، بذريعة “ضبط الكاش”، وذلك عبر حملات أمنية واسعة على شركات ومكاتب الصرافة والحوالات في حلب، بصورة أساسية، وفي مدن سورية أخرى، منها العاصمة دمشق.
وتُقدَّم حملات البلطجة تلك، تحت عنوان مواجهة أزمة انهيار سعر صرف الليرة. فسحب السيولة المتداولة في السوق، ستسمح لمصرف سورية المركزي بضبط سعر الصرف، حسبما تُخبرنا صفحات “فيسبوكية” مؤيدة. بطبيعة الحال، السيولة المالية المُصادرة، تأتي من حوالات المغتربين والمهجّرين إلى أهاليهم في الداخل، والتي تشكّل اليوم العون الرئيس المتبقي لشريحة كبرى من سوريي الداخل، والتي تسمح لهم بالصمود في مواجهة الجوع الذي تنذرهم به أسعار السلع الأساسية المتاحة في الأسواق. أما كيف ستكون نتائج هذا الإجراء الأمني على سعر الصرف؟ الجواب نجده في حصيلة التجارب السابقة التي لا تُعد. فالنظام سبق أن اعتمد إجراء كهذا مراراً خلال السنوات القليلة الفائتة، آخرها كان في حملتين كبيرتين خلال عام 2020، إحداهما كانت بالتزامن مع صدور مرسوميَ تجريم كل من يروّج لأسعار صرف غير رسمية، وتشديد عقوبات التعامل بغير الليرة السورية، في مطلع العام 2020. والحملة الأخرى كانت خلال حزيران/يونيو الفائت. وفي التجربتين، كان سعر صرف الليرة السورية يتحسن أو يستقر بشكل مؤقت فقط، قبل أن يواصل مساره نحو المزيد من الهبوط. أي أن هذا الإجراء الأمني لم يُمثّل طوال السنوات الفائتة، حلاً مُستداماً لأزمة تدهور سعر صرف العملة المحلية. لكنه في الوقت نفسه، تسبب بأضرار للشريحة المستفيدة من حوالات أقاربهم في الخارج، والتي أخذت بالاتساع، حتى باتت تشكل اليوم، غالبية سوريي الداخل. وتلك التقديرات يمكن سماعها من أي مصدر محلي رسمي أو مستقل، رغم غياب أي إحصاءات رسمية أو موثوقة بخصوص نسبة المستفيدين من الحوالات الخارجية.
ويكفي أن نعلم أن قيمة الحوالات الخارجية كانت تشكل 2% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، قبل عام 2011، والذي كان يُقدّر حينها بنحو 60 مليار دولار. لكن هذا الرقم هبط حتى العام 2017 إلى 17 مليار دولار، مما يعني نظرياً على الأقل، أن مساهمة الحوالات الخارجية في الناتج المحلي قفزت إلى 8%. وإن كان من الصعب اليوم تحديد كم أصبحت النسبة الأخيرة، إلا إنه يمكن الجزم بأنها باتت أعلى بكثير. يكفي التذكير بتقديرات خبراء اقتصاديين، مؤيدين للنظام، تحدثوا مراراً عبر وسائل إعلام داعمة له، تذهب إلى أن حصيلة الحوالات الخارجية سنوياً، تصل إلى ما بين 1,5 و2 مليار دولار، بوسطي 5 مليون دولار يومياً.
وبناء على الأرقام الأخيرة، يمكن أن نتصور كم كانت قيمة السيولة المالية من الدولار، ومن عملات أخرى، التي استولى عليها النظام، خلال أسبوع فقط، من حملاته الأمنية على تجار العملة والحوالات في مختلف المدن السورية. هذه القيمة بالضبط، هي بيت القصيد، من هذا الإجراء الأمني، الذي لا يحمل أثراً مفيداً بصورة حقيقية للمواطن السوري، بل يضرّ بغالبية السوريين، وبشكل مباشر، إذ أنه يدفع سماسرة السوق السوداء للحوالات إلى رفع عمولاتهم، وتخفيض أسعار صرفهم للدولار القادم من الخارج، بذريعة تعويض المخاطر الأمنية المتزايدة. وهذا ما تم رصده مؤخراً في ريف دمشق على الأقل، إذ رفع بعض السماسرة عمولاتهم على الحوالات إلى أكثر من 8%، وفق مصادر محلية.
الإجراء الأمني الذي اعتمده النظام، كما سبق وأشرنا، يدفع في كل مرة تجار السوق السوداء إلى تخفيض أسعار صرفهم لـ “دولار الحوالات الخارجية” وهو ما ينعكس انخفاضاً بالفعل على سعر صرف الدولار في السوق. وهنا يقدم النظام ذلك بوصفه إنجازاً، متجاهلاً جانبين، الأول أن هذا الانخفاض في سعر صرف الدولار يكون قصير الأمد، أما الثاني، وهو الأهم، أن مُتلقي الحوالات الخارجية يدفعون الثمن، حينما ينخفض سعر صرف دولاراتهم المحولة، من دون أن ينعكس ذلك، على أسعار السلع في الأسواق، التي ترتفع مع ارتفاع الدولار، لكنها لا تنخفض مع انخفاضه. أي أن النظام يخفّض القوة الشرائية المتاحة لهذه الفئة الكبيرة من السوريين، كمحصلة أخيرة لإجرائه الأمني.
وفيما تقف الحوالات كحاجزٍ أخيرٍ بين سوريين كُثر، وبين خطر الجوع، بكل ما تعنيه الكلمة الأخيرة من معنى، يراهن النظام على جمع ما يستطيع من سيولة، تسمح له بترميم خزينة المركزي من جانب، وتمويل جيوب عناصره في الأجهزة الأمنية المرافقة لتلك الحملات، من جانب آخر. أما بالنسبة لخطر اندلاع ثورة جياع في سوريا، فذلك آخر ما يخشاه النظام، ما دام يملك القدرة على إشباع مرتزقته داخل الأجهزة الأمنية والميليشيات المسلحة الموالية، وفرق النخبة الطائفية في الجيش. فهو لا يخشى انفراط عقد هذا الحِصن بعدما خَبِر كيف يبيح له كل موبقات “التعفيش” و”الترفيق” و”السطو” على ممتلكات السوريين، على مدار سنوات الصراع المسلح، بصورة تسمح بتمويل ولائه المطلق له.
المدن
—————————–
انتخابات الرئاسة السورية.. ماذا بقي من معنى لرحيل الأسد أو استمراره؟/ ابراهيم الجبين
من المتوقّع أن تنظّم في سوريا، خلال شهر أبريل القادم، انتخابات رئاسية دار جدل حاد حول شرعيتها والمشاركة فيها، وأعلنت دول عظمى وهيئات معارضة سورية مختلفة، عدم اعترافها بنتائجها. بينما هاجم الروس على لسان نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، مطلع هذا العام، الدعوات لعدم الاعتراف بها معتبراً أن هذا “يعني عملياً حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم”.
أما الرئيس السوري بشار الأسد، والذي كان مفتي جمهوريته أحمد حسّون قد صرّح لمجلة “دير شبيغل” الألمانية في العام 2011 أنه وبعد أن ينهي سلسلة إصلاحاته، سوف ينسحب من المشهد السياسي كلّه ويكتفي بفتح عيادته في دمشق، فيبدو مصرّاً على تنظيم تلك الانتخابات والاستعداد لها وخوضها.
ولعل التبني الرسمي لخبر إصابته وزوجته بفايروس كورونا، مؤخراً، يأتي في سياق حصد التعاطف من أجل حملته الانتخابية، إذ عادة ما تكون أخبار صحة الرئيس السوري سريّة ومحظورة كما كان الحال أيام أبيه.
لكن وضع بشار الأسد يختلف عن وضع أبيه اختلافاً جوهرياً. الأسد الأب قدِم إلى السلطة من بوابتين كبيرتين كانتا في زمنهما قادرتين على تأمين ما كان يطيب له أن يسميها “الشرعية الثورية”، بوابة حزب البعث العربي الاشتراكي، وبوابة الجيش.
وكان الانقلاب الذي جرى في مثل هذه الأيام من شهر مارس عام 1963 هو المسار الذي أفضى إلى تلك “الشرعية الثورية” التي بقي الأسد الأب يحدّث ضيوفه الأجانب والعرب عنها في جميع مراحل حكمه، وهي ذاتها أيضاً التي ستُطالب ابنه بشار منذ العام 2011 بالتنحي عن الحكم، بعد اتهامات محلية ودولية قالت إنه “فقد شرعيته” التي لطالما كانت صُداعَه المزمن؛ شرعية تكون الانتخابات في الغالب مصدرها الأوحد في الجمهورية الطبيعية.
في سوريا الوضع مختلف. منذ البداية لم يكن زعماء البعث وقادة الجيش السوري مقتنعين بأحقية الحزب بالانقضاض على السلطة، باستثناء مؤسس البعث ميشيل عفلق الذي أدرك أنه لا يمكن تغيير الأوضاع في دمشق، دون أن يقع تغيير كبير في مركز الثقل العربي الرئيسي الآخر في المشرق، عنيتُ بغداد. فعمل على التخطيط للوصول إلى الحكم مع تلميذه الراحل علي صالح السعدي، أمين سر قطر العراق وقتها، دون أن يُطلع قيادة البعث السورية على ما يجري في البلد الجار. السعدي ذاته الذي قاد ثورة البعث الأولى في فبراير 1963 سيقول لاحقاً “جئنا بقطار أميركي”.
حدث ما أراده عفلق، واستولى البعث بعد شهر واحد على السلطة في دمشق، وتوالدت في سوريا سلسلة من الشرعيات، واحدة تأكل سابقتها، حتى وصل الحكم إلى الأسد الأب الذي أصرّ على تعزيز شرعيته بتصحيحات وانتخابات واستفتاءات استمرّت حتى لحظة وفاته في العام 2000، حين عاد القطار الأميركي مجدّداً ليمرّ من دمشق، عبر زيارة “الواجب” التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت، خلال جنازة حافظ الأسد.
لا ينتمي بشار الأسد في الواقع لا إلى المؤسسة العسكرية، فقد انخرط فيها بعد مقتل أخيه الأكبر باسل، ولا إلى الهيكل الفكري أو التنظيمي لحزب البعث، ولم يفلح دهاء والده في العثور على فتوى سياسية تجعل من ابنه وريثاً شرعياً للحكم في بلد جمهوري. وبقيت تلك المعضلة عصيّة عليه، قبل أن يقرّر ترك عناء حلّها لغيره من بعده.
ترفيع بشار الأسد من رتبة عقيد إلى رتبة فريق، ومن ثم تعيينه قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة، وترقيته ليصبح أميناً قطرياً لحزب البعث، وتعديل الدستور ليتواءم مع عمره آنذاك، كل تلك الإجراءات كانت محاولات لتعويض الثغرة التي سيبقى الأسد يبحث عن رتقها، منذ تلك اللحظة، وصولاً إلى الانتخابات المزمع إجراؤها قريباً.
وحدها أولبرايت نجحت. أشارت، بعد اجتماعها القصير مع بشار الأشد في جنازة والده، إلى أنها لمست بوادر مشجّعة جدا إزاء رغبة الأسد الابن في إتباع نهج والده. وقالت “يبدو أن بشار مستعدٌّ لإتمام واجبه”. ومما قالته حينها إنه “من الضروري أن تكون سوريا جزءاً من حلٍّ إقليمي في الشرق الأوسط نبحث عنه جميعا. طريق تحقّق فيه المنطقة كلها الرخاء وتكون إسرائيل جزءا لا يتجزأ منه”. فهل ما زالت كلماتها صالحة لدعم حملة الأسد الانتخابية القادمة؟
اليوم، ومع فارق الشبه، من أين يأتي العالم لبشار الأسد بسوريا يحكمها كتلك التي حكمها والده، فضلاً عن فتح عيادته فيها ذات يوم
لم ينس الأسد تلك الشيفرة التي حدّدتها أولبرايت. لكنْ بالمقلوب، فطالما أن بلاده، كما يفهم الأميركيون، جزءٌ من الحلّ في الشرق الأوسط، إذاً فسبيل البقاء الوحيد هو فعل العكس، وإخراج سوريا من التأثير الاستراتيجي على مستقبل المنطقة، وتعهيدها إلى لاعبين أوضاعهم الداخلية مستقرة، عندها لن يكون هناك أي مشكلة في من يحكم دمشق. هذا هو الدور المطلوب إذاً، ولم يتبق عليه سوى “إتمام واجبه”.
أول عشر سنين من حكمه اتسمت بتخريب تدريجي متعمّد لما تبقى من الإمكانات الاقتصادية لسوريا التي عُرفتْ بـ”ألمانيا الشرق” نتيجة قدراتها الصناعية والزراعية، تلتها عشرُ سنين من الحرب والتدمير المنهجي للمدن والأرياف السورية، وتهجير للملايين وخلخلة المجتمع، وما يزال الأسد يراهن على تلك المعادلة، ولا وزنَ عنده لأي معارضة أو مفاوضات أو لجان دستورية أو قرارات أممية حول الانتقال السياسي وتشكيل هيئة حكم، ما دام القطار الأميركي مرحّباً، بشكل مباشر أو غير مباشر.
من المرجّح أن شطراً من السوريين لم يعد يكترث كثيراً إن رحل الأسد أو بقي، فما قيمة رحيله بعد أن رحل المطالبون بذلك عن سوريا واستقروا في المنافي وبلاد اللجوء؟ وما جدوى رحيل الأسد بعد رحيل سوريا ذاتها التي كانوا يعرفونها واختفائها عن الوجود؟
يتوجب أن يكون السؤال هكذا؛ بل ما قيمة بقاء الأسد بعد هذا كلّه؟ بعد تفكيكه للجيش السوري بالحرب التي أمره بشنها ضد المدنيين، وبعد استعانته بالروس والإيرانيين، وبعد تقزيمه لحجم حزب البعث وتحويله إلى فصيل عقائدي من فصائل الولي الفقيه، وبعد إقامة جدار من الدم يطوّق طائفته العلوية ويعزلها عن مجتمعها السوري، وأخيراً وهو الأهم، بعد إفقاده لسوريا أهميتها ودورها في اللعبة الإقليمية والعالم العربي؟
كانت لحافظ الأسد تعبيرات متهكّمة يبسّط بها المشكلات التي تواجهه، كما حين علّق مرّة على شكوى رفيقه البعثي منصور الأطرش ابن سلطان باشا قائد الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي، من تجاهل رفاقه البعثيين له، ومن عدم منحه المكانة اللائقة به في سوريا حافظ الأسد الذي قال وقتها “من أين نأتي لمنصور بفرنسيين يحاربهم كما حاربهم والده في الماضي”؟
واليوم، ومع فارق الشبه، من أين يأتي العالم لبشار الأسد بسوريا يحكمها كتلك التي حكمها والده، فضلاً عن فتح عيادته فيها ذات يوم؟
العربي
—————————–
بين الأسد وإسرائيل.. انتخابات و”تخريجة” الجولان قبل التطبيع/ منير الربيع
قبل أشهر، كتبنا في هذه الزواية أنه لم يعد لبشار الأسد غير إسرائيل. تثبت الأيام والتجربة مدى رهان رئيس النظام السوري على تحقيق أي تقدم في المفاوضات الإسرائيلية السورية لينقذ نفسه ولو بالحدّ الأدنى. كل المعلومات تؤكد أن المفاوضات مستمرة، بشكل مباشر وغير مباشر. حصلت ثلاثة لقاءات سورية إسرائيلية برعاية روسيا، واحد في قبرص وواحد في موسكو، وثالث في باريس. أما المفاوضات غير المباشرة فتتولاها جهات كثيرة بينها روسيا ودول عربية.
في بداية المفاوضات، قدّم الأسد عرضاً يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من الجولان السوري، مقابل الإعلان عن الدخول في اتفاق سلام. هو يعتبر أن المنطقة دخلت في عصر التطبيع، ولا خلاص لنظامه إلا بخطوة من هذا النوع، تعيد تعويمه سياسياً، وتوفر له بعض الموارد المالية للحد من الخسائر الهائلة.
وصل النقاش إلى مرحلة متقدمة في فترات سابقة، من دون أن تقدم تل أبيب أي استعداد لأي تنازل عن الجولان، خاصة أنه استفاد من موقف أميركي واضح أيام إدارة دونالد ترامب اعترف لإسرائيل بخطة ضم الجولان، كما أن الخريطة التي نشرت عن صفقة القرن تتضمن الجولان.
حاول الأسد العودة إلى مفاوضات السلام السابقة أيام والده التي تولاها فاروق الشرع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إيهود باراك. ولكن في تلك الفترة كانت القاعدة السائدة هي مبدأ الأرض مقابل السلام، أما اليوم فإن ما تغير على نحو جيوستراتيجي، يطرح معادلة جديدة هي “الغذاء مقابل السلام”. وهذه قاعدة تنطبق على سوريا وعلى لبنان كذلك، نظراً للشروط الإصلاحية سياسياً واقتصادياً المفروضة على أي حكومة لبنانية ستتشكل اتخاذها، وهذه الشروط غير تقنية إنما لها أبعاد سياسية كثيرة، تتعلق بسلاح حزب الله وترسيم الحدود وضبط المعابر ووقف تدفق الأسلحة، ما يعني أن ارتباطها الأساسي يتعلق بأمن إسرائيل.
تستمر المفاوضات غير المباشرة، يفتقد الأسد لأي مقوم من مقومات التفاوض، حتى أن الجانب الإسرائيلي استغل مسألة ضعف الأسد ووهنه وانتهاءه، لعدم تقديم أي تنازل. توقفت المفاوضات المباشرة بعد تدخل إيراني مباشر مع الأسد وحاولوا تعطيل أو إعاقة حصول أي تقدم على طريق الاتفاق. حصلت لقاءات كثيرة بين الأسد والمسؤولين الإيرانيين ومسؤولين في حزب الله لقطع الطريق في هذه المرحلة على استمرار المفاوضات، بينما الأسد يصرّ على إنجاز مثل هذا الاتفاق ولو بشكل غير علني قبل الانتخابات الرئاسية السورية، والتي سيتم فيها انتخابه مجدداً، في ظل انعدام أي أفق للحل السياسي أو لإحراز تقدم في عمل اللجنة الدستورية.
يستمر الروس في تولي إدارة المفاوضات غير المباشرة، بينما يعتبر الأسد أنه قادر على المناورة أكثر في هذه المرحلة، بعد مواقف أطلقت من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تتنافى مع مواقف وتوجهات ترامب الخارجية، وخاصة في ملف الجولان. هو يراهن على أي ليونة في الموقف الأميركي هذا ليحسن شروطه في مسألة الجولان، حتماً إسرائيل لن تكون مستعدة لذلك، فيما سيحاول الأسد حفاظاً على ماء الوجه الحصول ولو على مساحة دنيا من الهضبة. بعد الدخول الإيراني القوي على خطّ الأسد، وفي ظل رفع الشروط الإسرائيلية ضد إيران، كل الأنظار تتجه إلى مسار التفاوض الإيراني الأميركي، وهذا يفتح الآفاق على التسابق الذي ستشهده المنطقة على من يذهب باتجاه إرساء التفاهمات أكثر مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. لعبة الأسد ستكون بالرهان على تحقيق تقدم إيراني أميركي.
كل هذه المسارات، لن تقود إلى حلول نهائية في المنطقة، الأزمة ستكون مستمرة كما في سوريا كذلك في لبنان، وحتى لو وصل الأسد إلى اتفاق، لن يكون قادراً على استعادة سوريا أو نفوذه عليها كاملة، وجوده مرتبط بإبقائها ضعيفة وجزراً متشظية ومتناحرة، في ظل وجود قوى دولية وإقليمية تتقاسم مناطق النفوذ فيها، فيكون الأسد، عنواناً لاستمرار الأزمة، ومدخلاً للتقسيم، وهو ما تريده إسرائيل تاريخياً.
تلفزيون سوريا
——————————–
سوريا في العلاقات الروسية والإسرائيلية: تناقضات ومصالح مشتركة/ بشار أحمد نرش
تتناول الورقة مستجدات التفاعلات الروسية-الإسرائيلية في سوريا، وما يتصل بها من تداعيات، بهدف تحليل وتوضيح أهم السيناريوهات المتوقعة للعلاقة بين البلدين، وما يتعلَّق بها من مسارات التسوية في سوريا.
التعاون الروسي/الإسرائيلي في سوريا تكتيكي والعلاقة بينهما فيها تناقض، وتقوم على سياسة واقعية ليحقق كل طرف أقصى مصالحه (الأناضول).
بعد أكثر من خمس سنوات على التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، وما شكَّله من فرص وتحديات لـ”إسرائيل”، يبدو أن التفاهمات الروسية-الإسرائيلية في سوريا ذاهبة باتجاه رسم معالم جديدة لها على ضوء التطورات التي يشهدها الملف السوري بشكلٍ عام، وموضوع العلاقات الروسية-الإسرائيلية بشكلٍ خاص، والتي دلَّل عليها مجموعة من الإجراءات منها تقارير عن اتصالات إسرائيلية-سورية بوساطة روسية عنوانها العريض “السلام أو التطبيع”(1)، وعمليات نبش روسية لمقابر في دمشق بحثًا عن رفات جنود إسرائيليين(2)، وعملية تبادل أسرى سوريين مع فتاة إسرائيلية(3)، إلى جانب تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، التي طالب من خلالها “إسرائيل” بإبلاغها بالتهديدات الأمنية المفترضة الصادرة عن أراض سورية لتتكفل بمعالجتها(4). كل هذه التطورات تلقي الضوء على دينامية العلاقة الروسية-الإسرائيلية في سوريا وتدفع لطرح تساؤل مهم حول الحسابات الروسية لمستقبل التسوية في سوريا ومكانة “إسرائيل” في هذه الحسابات.
تتناول الورقة مستجدات التفاعلات الروسية-الإسرائيلية في سوريا، وما يتصل بها من تداعيات، بهدف تحليل وتوضيح أهم السيناريوهات المتوقعة للعلاقة بين البلدين، وما يتعلق بها من مسارات التسوية في سوريا ككل.
معادلة العلاقة الروسية-الإسرائيلية في سوريا
اعتمدت المنطلقات السياسية لعلاقة الطرفين في سوريا على سياسة واقعية غير أيديولوجية متحررة من المخاوف القائمة على القيم، ومعتمدة في نفس الوقت على القوة الهادفة إلى تعزيز الأمن وتحقيق المصلحة(5). فروسيا، ومن خلال السياسة الواقعية الهادفة إلى تقوية الوضع السياسي والعسكري في منطقة “الشرق الأوسط” والعالم، ترى أن التعاون مع “إسرائيل” يشكِّل فرصة مهمة على هذا الصعيد، فهي ومن موقعها في الغرب تلعب دورًا كبيرًا في تخفيف درجة عزلة روسيا وتُحسِّن صورتها دوليًّا، كما يمكن أن تستفيد من تطورها التقني في ظل النقص في التقنية المتطورة بسبب العقوبات الغربية على خلفية الهجوم الروسي على جورجيا، 2008، وضم شبه جزيرة القرم، 2014(6)، وغيرها من الأسباب.
أما “إسرائيل” فترى أن التعاون مع روسيا يشكِّل ضمانة لتحقيق أهدافها في سوريا، ويساعدها على صيانة خطوطها الحمراء التي حددتها بمجموعة من النقاط تطورت مع تطور الأحداث لتشمل:
رفض الانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة.
منع التمركز العسكري لإيران و”ميليشياتها” في الأراضي السورية.
منع استحواذ فصائل المعارضة و”الميليشيات” على أنظمة أسلحة متطورة أو دمار شامل (كيميائية أو بيولوجية).
منع إقامة مصانع أسلحة لقوى “المقاومة” سواء أكانت محسوبة على الثورة السورية أم على إيران و”حزب الله”(7).
يُضاف إلى هذا أمر مهم تعمل عليه “إسرائيل” منذ بداية الثورة السورية، وهو عرقلة انتصار طرف على حساب طرف آخر بالصراع الدائر في سوريا، طالما لم ينعكس هذا الانتصار ميدانيًّا على أمنها.
وبالتالي، وفي إطار هذه الواقعية غير الأيديولوجية، شكَّلت المصالح المشتركة العامل الأساسي والحاسم في المعادلة التي جمعت الطرفين، والتي يمكن حصرها بثلاث نقاط أساسية، وهي:
الحفاظ على النظام السوري ولو إلى حين: منذ تدخلها العسكري المباشر في سوريا في سبتمبر/أيلول 2015، قامت المقاربة الروسية تجاه الملف السوري على ضرورة الحفاظ على النظام السوري الذي تنظر له روسيا على أنه ركيزة أساسية لنفوذها الاستراتيجي في “الشرق الأوسط”(8)؛ حيث رأت روسيا أن سقوط هذا النظام سوف يؤدي إلى الإضرار بمصالحها ليس في سوريا فحسب، وإنما في منطقة “الشرق الأوسط” ككل، في حين رأت “إسرائيل” أن سقوط النظام السوري وتغييره بنظام آخر محفوف بمخاطر عديدة أهمها احتمالية صعود مجموعات معادية لـ”إسرائيل” لا يمكن التنبؤ بعلاقتها معها(9)، لذا، استبعدت منذ البداية خيار التدخل في الأزمة السورية لتغيير مسار الأحداث فيها، وأعلنت أكثر من مرة أن هدفها مواجهة الوجود الإيراني لا إسقاط النظام(10). وبالتالي، شكَّل الحفاظ على النظام السوري أحد المصالح المشتركة التي جمعت الطرفين، ومع ذلك قد يكون خيار الاستغناء عنه مطروحًا في مراحل متقدمة من مسار التسوية السياسية للأزمة، في حال اقتضت مصالحهما هذا الاستغناء.
تقليص الدور الإيراني في سوريا: ينظر كل طرف من الطرفين لهذه المصلحة من زاوية مختلفة، فروسيا على الرغم من المصالح المشتركة التي تجمعها بإيران، إلا أنها أصبحت ترى فيها شريكًا مضاربًا في وجه مساعيها في سوريا، ومع ذلك تقتضي مصلحتها عدم إنهاء دور هذا الشريك بالكامل، في ضوء حاجتها لقوات هذا الشريك، لموازنة قوى الخصوم من جهة، ولاستثمار عملية إضعاف دوره وإخراجه من سوريا في المساومة مع خصومه، وقبض ثمنٍ مناسبٍ لذلك من جهة أخرى(11)، ومن هذا تتعاون روسيا مع إيران في سوريا من جهة، ومن جهة أخرى تتغاضى عن القصف الإسرائيلي المتكرر لمواقعها في سوريا.
أما بالنسبة لـ “إسرائيل”، فقد سعت منذ اندلاع الثورة السورية إلى محاولة احتواء النفوذ الإيراني، قبل أن تتبنَّى إخراجها من سوريا، وفي سبيل تحقيق ذلك نفَّذ الطيران الحربي الإسرائيلي آلاف الطلعات الجوية بموافقة روسية ضمنية(12)؛ حيث بلغ عدد هذه الطلعات، عام 2020 وحده، 1400 طلعة جوية، قصف خلالها 50 هدفًا إيرانيًّا، إلى جانب 20 عملية نوعية وخاصة عند الحدود السورية-اللبنانية(13)، وتتلاقى هذه المصلحة من المصلحة الأميركية أيضًا التي تحاول ضبط النفوذ الإيراني في سوريا إلى جانب إدارة مصالحها مع روسيا من جهة، وموازنة المصالح الإسرائيلية من جهة أخرى(14).
محاربة الحركات الإسلامية “الإسلام الراديكالي”: يرتبط هذا الأمر بالنسبة لروسيا بالأمن القومي الناتج عن قلقها جرَّاء زيادة عدد الروس ومواطني دول آسيا الوسطى المنضمين إلى “الفصائل الجهادية” و”داعش” في سوريا(15)، في حين شكَّلت التجربة المصرية بعد تولِّي الإخوان المسلمين الحكم في مصر مصدر هاجس كبير لـ”إسرائيل”، لذا قدمت كل ما بوسعها هي وروسيا من أجل نجاح “الانقلاب العسكري” ودعمه وتسويقه، ولا يرغبان في تكرار ذات التجربة في سوريا(16).
وعلى الرغم من المصالح المشتركة، يعتري هذه العلاقة مجموعة من المخاوف المشتركة التي يمكن تلمُّسها في ضوء الحقيقة التالية، وهي: إدراك كل طرف لأولويات الطرف الثاني في المعادلة التي تجمع بينهما، فروسيا تدرك أن أولوية “إسرائيل” هي التحالف مع الغرب، وتحديدًا مع الولايات المتحدة باعتبارها الحليف الدائم والموثوق، كما أن “إسرائيل” تدرك أن علاقة روسيا معها تعتبر عنصرًا من معادلة مركبة تقوم عليها سياستها في “الشرق الأوسط”(17). لذلك، نرى أن روسيا على الرغم من علاقتها الجيدة مع “إسرائيل”، تحارب إلى جانب إيران التي تعتبر المستهدف الأول لإسرائيل في سوريا، وهنا تدخل الولايات المتحدة الأميركية أيضًا كطرف ثالث يقلقها الترتيبات الإقليمية التي تعمل عليها روسيا في إطار العلاقة الروسية-الإسرائيلية، والتي خلقت تحديًا أمام “إسرائيل” حول كيفية الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والرغبة في تحقيق مصالح إقليمية من خلال علاقات أوثق مع روسيا التي تعتبرها واشنطن خصمًا لدودًا(18).
وفي ضوء الحقيقة السابقة، ينتاب كل طرف مخاوف من الطرف الآخر، فـ”إسرائيل” لديها مخاوف من روسيا تجعلها لا تثق بالنظام الروسي إلى الدرجة التي تغض فيها الطرف عن العديد من الخلافات في وجهات النظر التي قد تتحول يومًا إلى خلافات عميقة(19)، كالعلاقة الروسية-الإيرانية والوجود الإيراني في سوريا، كما يقلقها التركيز الروسي على إعادة هيكلة مؤسسة الجيش في سوريا وتزويدها بسلاح روسي مُتقدِّم قد يشكِّل خطرًا على أمنها في المستقبل(20). أما على الطرف الآخر، تبذل روسيا جهودًا كبيرة لمنع “إسرائيل” من تجاهل مصالحها التي يتقدمها بناء شرعية للهيمنة في سوريا كقاعدة لتقوية نفوذها الإقليمي وحماية قواتها الموجودة هناك، ولهذا السبب نشهد انتقادًا روسيًّا بين الحين والآخر لتحركات “إسرائيل” العسكرية في سوريا، وذلك في إطار الخطوط الحمراء التي رسمتها، والتي تشمل:
منع استهداف أي مناطق لتمركز عناصر من القوات الروسية، أو الأسلحة الحديثة التي تزود بها قوات النظام السوري.
تقويض ما تقوم به روسيا لتعزيز وضع النظام السوري على الأرض(21).
الابتعاد عن أي نشاط عسكري ضد المواقع التي يشغلها الجيش السوري، أو البنى التحتية للدولة السورية، أو المواقع التابعة للإدارة والقيادة، ورفض استهداف قوات النظام.
التدخل في جهود النظام السوري لإعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرته(22).
بالمحصلة، يمكن القول: إن التقارب والتعاون الروسي/الإسرائيلي في سوريا هو تقارب تكتيكي يقوم على أهداف مشتركة ومؤقتة ورؤية براغماتية متبادلة، ولا يُشكِّل تحالفًا راسخًا يستند إلى رؤية ثابتة بعيدة المدى، فكل طرف لا يثق بالطرف الآخر كونه يعرف أن سلَّم الأولويات عنده مغاير لسلم أولويات الطرف الآخر.
تداعيات المعادلة الروسية-الإسرائيلية على مسار الأزمة وأطرافها
لعبت المعادلة الروسية-الإسرائيلية في سوريا دورًا حاسمًا في تغيير مسار الأزمة السورية ككل، فبمجرد التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، في خريف 2015، والذي جاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”، استطاعت روسيا قلب الموازين العسكرية على الأرض، لتبدأ قوات النظام السوري بمساعدة القوات الجوية الروسية باستعادة الأراضي الخارجة عن سيطرتها، حتى وصلت نسبة هذه السيطرة 63.38% من مساحة سوريا، بعد أن كانت حصة النظام من هذه السيطرة لا تتجاوز 10% من مساحة البلاد قبل التدخل الروسي(23).
وعلى الرغم من وجود تفاوت في النظرتين، الروسية والإسرائيلية، لمسار الأزمة في سوريا وأطرافها، إلا أنه يمكن القول هنا: إن النظام السوري كان أحد أهم المستفيدين من المعادلة الروسية-الإسرائيلية في سوريا؛ حيث شكَّلت التفاهمات بين الطرفين دورًا أساسيًّا في الحفاظ على النظام السوري ومنع سقوطه -إلى الآن- هذا عدا عن دور التفاهمات بين الطرفين في إعادة سيطرة النظام على مساحات واسعة من سوريا، وخصوصًا في الجنوب (درعا والقنيطرة) اللتين تم إرجاعهما إلى سيطرة النظام بموجب تفاهمات روسية-أميركية هَدَفَت بالمقام الأول إلى إبعاد الخطر عن الحدود الإسرائيلية(24)، ليكون بذلك النظام السوري أكبر المستفيدين ولتكون المعارضة السورية من الخاسرين جرَّاء هذه المعادلة وهذه التفاهمات، التي عملت بشكلٍ أساسي على إنهاء وجود هذه القوى لصالح النظام السوري بالشكل الذي يُمكِّن من التوصل إلى تسوية مستقبلية في البلد، لا تتجاوز الخطوط الحمراء للطرفين، الإسرائيلي والروسي.
من جهة أخرى، تعد إيران من الأطراف المتضررة من المعادلة الروسية-الإسرائيلية، بسبب تلاقي مصلحة الطرفين على هدف إضعاف النفوذ الإيراني وتقليصه في سوريا. وفي هذا السياق، جاءت الضربات الجوية الإسرائيلية التي جرت “بتواطؤ من روسيا” بحسب وصف بعض التصريحات الإيرانية(25)، لتكون سببًا في دفع طهران -في محاولة منها لتجاوز هذه المعادلة- إلى بعض الإجراءات الميدانية، فلجأت إلى إخفاء قواتها في مواقع تابعة لقوات النظام وحتى ارتداء اللباس العسكري المخصص لتلك القوات، هذا عدا عن تنفيذ عمليات إعادة انتشار لقواتها بشكل متكرر في الأراضي السورية، والبحث عن خيارات أخرى تمثَّلت في التوجه نحو المناطق القريبة من الحدود العراقية؛ الأمر الذي دفع “إسرائيل” إلى تكثيف قصفها لهذه المواقع(26).
يُضاف إلى كل ذلك، استفادة روسيا من المعادلة التي تربطها بـ “إسرائيل” في سوريا، وذلك باستخدام ورقة إيران للتقارب والتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من أن بوادر هذا التعاون بدأت منذ عهد الرئيس أوباما، وفق شهادة آندرو أكسوم الذي كان يشغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط في إدارة أوباما، فإن هذا التعاون تم تعزيزه في عهد الرئيس ترامب؛ حيث شكَّل الملف السوري منصة لتعزيز العلاقات بين الأطراف الثلاثة على حساب إيران ووجودها في سوريا(27).
أما بالنسبة للطرف التركي فيعد أيضًا أحد المتضررين من المعادلة الروسية-الإسرائيلية، لكن ليس بدرجة الضرر الإيراني؛ حيث حملت هذه المعادلة تداعيات على تركيا تمثَّلت بتحمُّل تركيا أعباء الكثير من السوريين الذين تم نقلهم بموجب المصالحات والتسويات إلى مناطق الشمال السوري، ودخول عدد كبير منهم إلى الأراضي التركية كلاجئين، وما سبَّبه ذلك من مشاكل داخلية لها.
وهنا، يمكن القول أيضًا: إنه بالرغم من المصلحة المشتركة التي تجمع “إسرائيل” وتركيا فيما يتعلق بهدف الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، إلا أن هذه المصلحة لم تتطور إلى مساحة للتعاون في سوريا، لكنها في نفس الوقت لم تتحول إلى مجال للتنافس، وسبب هذا هو الأولويات المباشرة المختلفة لكل طرف. “فإسرائيل” تهتم بمحفزات الصراع في الجنوب السوري المرتبط بالوجود الإيراني، في حين تهتم تركيا بمستقبل شمال سوريا المرتبط بالمقام الأول بالوجود الكردي(28)، على عكس الدور الروسي الفاعل في مختلف الجغرافية السورية. لذا، كانت التفاهمات الروسية-التركية في سوريا أقوى، وعبَّر عنها العديد من الاتفاقيات والمسارات السياسية بين الطرفين (مسار آستانا وسوتشي) وغيرها من التفاهمات التي تم بموجبها تحجيم قوى المعارضة السورية وحصرها في منطقة جغرافية ضيقة في الشمال السوري؛ الأمر الذي سيترك تأثيره أيضًا على مسار التسوية في سوريا.
تداعيات المعادلة الروسية-الإسرائيلية على مسار التسوية
إن تطور العلاقات الروسية-الإسرائيلية والمعادلة التي تقوم عليها في سوريا، شكَّل عاملًا مهمًّا أثَّر على سلوك الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، واستطاع ضبط تحركها وانتشارها، ومن المتوقع أن تؤثر على مسار التسوية السياسية المحتملة في سوريا.
بالنسبة للجانب الروسي، يعتبر تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من أهمها، وهو الذي طالب فيه “إسرائيل” بإبلاغها بالتهديدات الأمنية المفترضة الصادرة عن أراض سورية لتتكفل بمعالجتها، كون روسيا لا تريد أن تستخدم الأراضي السورية ضد “إسرائيل”(29).
تشير هذه التصريحات، التي أعقبت قدوم إدارة الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، إلى بعض ملامح التغيير في الموقف الروسي وحدوده تجاه القضية السورية ومسار التسوية فيها، بحيث يمكن التعاطي مع المشهد السوري بشكل أكثر واقعية؛ الأمر الذي يستتبع رسم ملامح لتفاهمات جديدة في سوريا تواكب الإدارة الأميركية الجديدة، وتكسر حلقة الجمود التي أصابت دبلوماسيتها في سوريا، وفشلها في لجم التوتر الإسرائيلي-الإيراني المتصاعد(30). من المتوقع أن يكون الروس خلال الفترة القادمة أكثر استعدادًا للتعاون الأمني والمعلوماتي مع الأميركيين والإسرائيليين، وربما يقومون بفتح خطوط أكثر مع المعارضة السورية، مع استمرار روسيا في غضِّ الطرف عن القصف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية، وربما التعاون مع “إسرائيل” في هذا الاستهداف، مع إحكام السيطرة أكثر على المؤسسات الرئيسية والحيوية في سوريا من أجل إرغام الأسد على الدخول الفعلي في العملية السياسية(31)، وفق مسار آستانا الذي تدفع روسيا نحو اعتماده كخيار بديل لجنيف.
ومما يعزز من هذا القول هو الإدراك الروسي لاستحالة أية تسوية نهائية في سوريا من دون التعاون الأميركي والغربي بشكل عام؛ حيث يسود اعتقاد لدى الكثير من الروس بأن لـ”إسرائيل” تأثيرًا واضحًا على استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا، لذا يسعون للحصول على مساعدتها في تطوير الترتيبات السياسية مع الولايات المتحدة لدفعهم لسحب قواتهم بالكامل من سوريا، ومناقشة وضع استمرار بقاء بشار الأسد بالسلطة وبدء عملية إعادة الإعمار، مقابل تقديم الروس ضمانات أمنية للأكراد، وإخراج الإيرانيين بشكلٍ متدرج(32).
طبعًا، حزمة الحل السياسي هذه يعتريها صعوبات أساسية يُشكِّل الفاعل الإيراني أهمَّها، في ظل اتساع الفجوة بين طهران وموسكو فيما يتعلق برسم مستقبل سوريا، وخصوصًا فيما يتعلق بمصير رئيس النظام السوري الذي ترى إيران في بقائه مصلحة لها أكثر إلحاحًا من روسيا التي تبدي استعدادًا للتخلي عنه في حال كانت مصالحها تقتضي ذلك، والتغيير الديمغرافي الذي تعمل عليه إيران في سوريا لتصدير مشروعها الديني والسياسي والذي يثير قلق روسيا، وما يرتبط به من مستقبل “الميليشيات” الموالية لإيران(33)؛ الأمر الذي يعني وصول العلاقة بين الطرفين إلى لحظة المكاشفة، وربَّما الصدام العلني، إذ لن يكون من الممكن -نظريًّا على الأقل- توقُّع صيغة يتوافق فيها الروس والإيرانيون، وتحظى بذات الوقت بالموافقة الأميركية والإسرائيلية والتركية(34).
يُضاف إلى ذلك أن الجهود الروسية هذه، قد لا تصل إلى تحقيق غاياتها في حال توجُّه الإدارة الأميركية الجديدة إلى تفعيل دورها في سوريا لمنع الروس من جني ثمار تدخلهم العسكري والسياسي، وهنا يمكن وضع الرفض الأميركي لحضور اجتماع آستانا الأخير 16-17 فبراير/شباط 2021، في إطار الهدف السابق، إلى جانب التمسك باتفاق جنيف الذي تقوده الأمم المتحدة كحل سياسي للأزمة السورية، وليس مسار آستانا الذي تشارك فيه روسيا وإيران وتركيا فقط.
أما على الجانب الإسرائيلي، وبالنظر إلى النهج الذي اتبعته “إسرائيل” فيما يخص مسار وعملية حل النزاع في سوريا، فقد عَدَّ صناع القرار هذه العملية إطارًا زمنيًّا مهمًّا لتحقيق الأمن والمصالح الإسرائيلية، لكن النتائج التي تمخضت، سواءً عن محادثات جنيف برعاية الأمم المتحدة، أو عن محادثات آستانا وسوتشي برعاية كل من روسيا وتركيا وإيران، تركت الجانب الإسرائيلي إلى حدٍّ بعيدٍ خارج عملية حل النزاع، بسبب سياسة التدخل المحدودة التي انتهجتها. ومن هنا، يمكن الاستنتاج أنه ليس لدى “إسرائيل”، من أجل حماية مصالحها، الرغبة في المشاركة في المسارات المذكورة(35)، لذا من المتوقع أن تعمل على تبني سياسات أخرى خارجها، والتي ستشمل:
على المستوى العسكري والأمني: التوسع في الضربات الجوية على الأهداف الإيرانية في سوريا، وقد تتوسع هذه الضربات لتشمل عناصر داخل قوات النظام السوري أو في أروقة السلطة في دمشق تم تحديدها بأنها تدين بالولاء أولًا وأخيرًا لإيران، ومن المرجح أن تعمل “إسرائيل” على تطوير خطوطها الحمراء تماشيًا مع دور إيران في الساحة السورية.
على المستوى السياسي: السعي لإبعاد النظام السوري عن النظام الإيراني، على اعتبار أنه كلما زاد ارتباط سوريا بإيران، زاد التهديد الذي يمكن أن تتعرض له “إسرائيل” انطلاقًا من سوريا.
على المستوى الاقتصادي: دعم بعض الإجراءات الاقتصادية التي تهدف إلى تقليص اعتماد النظام السوري على إيران، من خلال السماح للنظام بإعادة الوصول إلى مصادر الطاقة شرق الفرات، أو من خلال دعم عملية إعادة فتح المعابر الحدودية الجنوبية أمام البضائع، تحت الإشراف الروسي(36).
لذا، من المتوقع أن تبقى احتمالات تدخل “إسرائيل” في الأزمة السورية وفي مسار التسوية فيها مفتوحة على العديد من الخيارات طالما استمرت الأزمة، صعودًا أو هبوطًا، لأن الهدف الإسرائيلي الأساسي لم يتحقق بعد في منع التموضع الإيراني في سوريا رغم كثافة الضربات.
سيناريوهات
في ضوء ما تقدم، وفي ظل الصعوبة بالوصول إلى استنتاجات حاسمة فيما يتعلَّق بالأزمة السورية ومسار الحل النهائي لها، يمكن رسم خطوط عريضة لسيناريوهات محتملة بالنسبة للأزمة السورية تتراوح بين ثلاثة سيناريوهات:
الأول: الجمود والمراوحة واستمرار الوضع القائم، هذا السيناريو يبقى لمصلحة “إسرائيل” كونه يسهم باستنزاف قوة إيران ووكلائها، ويُضعف النظام وكذلك قوى المعارضة، على مبدأ أن لا مصلحة لـ”إسرائيل” بانتصار طرف على حساب طرف آخر ما لم ينعكس الأمر ميدانيًّا لصالح أمنها. في حين يُعتبر هذا السيناريو سيئًا بالنسبة لروسيا، التي تركز جهودها على عودة الاستقرار السياسي وطرد القوى الأجنبية، لإعادة ترسيخ سيطرة قوات النظام تمهيدًا لبدء عملية الإعمار، وبالتالي استثمار الانتصار العسكري وتحويله إلى انتصار سياسي واقتصادي.
الثاني: الحسم العسكري لصالح النظام، وهذا السيناريو قد يكون مرفوضًا لـ”إسرائيل”، لأنها لن تقبل بعودة سيطرة النظام السوري على كامل الجغرافية السورية إذا لم يغير النظام سلوكه الخاص المتعلق بعلاقته مع إيران و”حزب الله”، في حين يعتبر السيناريو المفضَّل بالنسبة لروسيا التي تعمل على محاولة إعادة سيطرة النظام على كامل الجغرافية السورية. في حال تحقق هذا السيناريو ستظهر خلافات روسية-إيرانية قد تصل إلى حدِّ الاشتباكات على اعتبار أن إيران تشكِّل شريكًا مضاربًا لروسيا في سوريا.
الثالث: الحل السياسي، وهو سيناريو مقبول لـ”إسرائيل” في حال نتج عنه حكومة مركزية “معتدلة” لا تشكل تهديدًا لأمن “إسرائيل”، وغير مرتبطة بالمحور الإيراني، أو أن تكون ضعيفة كأن تصبح سوريا دولة مجزأة وعاجزة عن أداء وظائفها وبالتالي خروجها من معادلة الصراع العربي-الإسرائيلي. أما بالنسبة لروسيا، فيعتبر هذا السيناريو مقبولًا في حال تم أخذ مصالحها في سوريا والمنطقة بعين الاعتبار، والتي يدخل فيها الحفاظ على قواعدها ووجودها العسكري في سوريا.
نبذة عن الكاتب
بشار أحمد نرش
باحث وأكاديمي سوري، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة دمشق. يعمل حاليًّا باحثًا في مركز ماري للأبحاث والدراسات في تركيا، له إسهامات بحثية مع العديد من المراكز البحثية، وشارك في كتابين مع مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، كما نشر بحوثًا محكَّمة في مجلة “لباب” الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، ومجلة “دراسات الشرق الأوسط” الصادرة عن مركز “أورسام” إلى جانب عشرات المقالات المنشورة في صحيفة العربي الجديد.
مراجع
يؤكد المدير العام لمركز جسور للدراسات، أحمد سرميني، حصول لقاء سوري-إسرائيلي-روسي في قاعدة حميميم في مدينة اللاذقية، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، حضره عن الجانب السوري، بشار الأسد، إلى جانب علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، واللواء بسام حسن، المستشار الخاص لبشار الأسد للشؤون الأمنية والاستراتيجية، في حين حضره عن الجانب الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت من رئاسة هيئة الأركان، والجنرال السابق في الموساد، آري بن ميناشي، وعن الجانب الروسي أليكساندر تشايكوف، قائد القوات الروسية في سوريا، للمزيد، انظر: محمد سرميني، “الأسد يُفاوض تل أبيب على شروط تعويمه”، جسور للدراسات، 18 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/L7VEn
أشار موقع صوت العاصمة، وهو موقع إخباري سوري، إلى أن القوات الروسية بعد أن أعادت، في مارس/آذار 2018، رفات جنديين إسرائيليين كانا مدفونين في مقبرة مخيم اليرموك جنوب العاصمة، دمشق، إحداهما تعود لـ”زكريا باومل” الذي قُتل في معركة السلطان يعقوب في لبنان، عام 1982، بدأت القوات الروسية، في فبراير/شباط 2021، بإخراج العديد من الجثامين من داخل المقبرة نفسها وأجرت تحليل DNA لها قبل إعادتها للقبور بحثًا عن رفات جنود قتلى طلبت “إسرائيل” من روسيا البحث عنهم وتسليمهم لها. ينظر: “روسيا تواصل البحث عن رفات آخر جندي إسرائيلي في مقبرة مخيم اليرموك”، صوت العاصمة، 4 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/d28TZ
تم من خلال هذه العملية، التي جرت بتاريخ 17 فبراير/شباط عام 2021، تسليم فتاة إسرائيلية دخلت الأراضي السورية بطريق الخطأ من القنيطرة، مقابل إطلاق اثنين من رعاة الغنم السوريين، كانت “إسرائيل” قد ألقت القبض عليهما خلال الأسابيع الأخيرة الماضية. للمزيد، انظر: “إتمام عملية تبادل للأسرى بين سوريا وإسرائيل بوساطة روسية”، الجزيرة نت، 19 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/aXBZd
“لافروف يكشف مطالب روسيا للولايات المتحدة وإسرائيل بشأن سوريا”، روسيا اليوم، 18 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/6gymi
علي العبد الله، “روسيا وإسرائيل.. تبادل خدمات”، العربي الجديد 29 مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2021): https://cutt.us/xvWsJ
المرجع السابق نفسه.
نظير مجلي، “إسرائيل تريد ضمانًا لسيطرتها على الجولان في أي تسوية”، الشرق الأوسط، 19 مارس/آذار 2016، (تاريخ الدخول: 19 فبراير/شباط 2021): https://cutt.us/yMebu
Matthew chance, “what does Russia want in Syria? 5 reasons Putin backs Assad”, CNN, Febrauary 8, 2016 (accessed March 9,2021): https://cutt.us/NjxcJ
Alexey Malashenko, A new stage in Russian-Israeli relations?, DOC research institute, April 2, 2019 (accessed February 21, 2021): https://cutt.us/wye9v
خالد خليل، “إسرائيل في سوريا.. كيف أثرت تل أبيب وتأثرت بالحدث السوري؟ 2″، تليفزيون سوريا، 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 23 فبراير/شباط 2021): https://cutt.us/IMN0l
عبد الجبار العكيدي، “ماذا بعد أوسع ضربة إسرائيلية لإيران في سوريا؟”، المدن 19 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 24 فبراير/شباط 2021): https://cutt.us/Pkciq
إسرائيل نبهت روسيا إلى مخاطر جديدة في سوريا، روسيا اليوم، 27 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/6qPZQ/
“الجيش الإسرائيلي يحصي عدد غاراته على سوريا عام 2020″، روسيا اليوم 13 ديسمبر/كانون الأول (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/KTV2L
عبيدة فارس، “الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة إيران”، جسور للدراسات، 9 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/DZtfD
مي حمام، “العلاقات الروسية الإسرائيلية في عهد بوتين في الفترة من 2000-2016″، المركز الديمقراطي العربي، 2 أغسطس/آب 2017، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/qoIq7
حمزة أبو شنب، “إسرائيل وروسيا.. تقاطع انتهازي في سوريا”، موقع الجزيرة، 1 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/dpkvF
علي العبد الله، “روسيا وإسرائيل.. تبادل خدمات”، مرجع سابق.
Daniel Rakov,” Truly a Paper Tiger? Russia as a Challenge to Israeli National Security”, The Institute for National Security Studies, July 3, 2020(accessed: March 3,2021): https://cutt.us/zv59R
صبحي فرنجية، “روسيا وإسرائيل: بين الشراكة التكتيكية والاستراتيجية”، جيرون، 17 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2021): https://cutt.us/zjGC5
مي حمام، مرجع سابق.
رائد جبر، “الخطوط الحمراء لبوتين: حماية الأسد وضمان أمن إسرائيل”، الشرق الأوسط، 15 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2021): https://cutt.us/jgLl4
“ماذا تريد إسرائيل من سوريا؟”، تلفزيون سوريا، 12 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 24 فبراير/شباط 2021): https://cutt.us/C9o1l
“خريطة النفوذ العسكري في سورية 1/1/2021″، جسور للدراسات، 1 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 6 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/w3kxf
خالد خليل، “إسرائيل في سوريا.. كيف أثرت تل أبيب وتأثرت بالحدث السوري؟ 2″، مرجع سابق.
اتهم رئیس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، حشمت بيشه، روسيا بالتنسيق مع “إسرائيل” عند تنفيذ أي ضربة داخل الأراضي السورية، للمزيد، انظر: https://cutt.us/JJtkB
خالد خليل، “إسرائيل في سوريا.. كيف أثرت تل أبيب وتأثرت بالحدث السوري؟ 1″، تليفزيون سوريا، 6 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2021): https://cutt.us/bUiSF
“اللقاء الثلاثي الإسرائيلي الروسي الأمريكي في القدس”، TRT عربي، 19 يونيو/حزيران 2019، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/P6BLs
Burcu Ozcelik, ” The Syrian Civil War is Changing the Turkish-Israeli Relationship”,The National Interest، June 6 ,2019(accessed Marsh 2,2021): https://cutt.us/fS3xd
“لافروف يكشف مطالب روسيا للولايات المتحدة وإسرائيل بشأن سوريا”، مرجع سابق.
سام منسي، “ثقوب دبلوماسية موسكو بين السرعة والتسرع”، الشرق الأوسط، 1 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2021): https://cutt.us/BGouE
محمد عثمان، “البوصلة الروسية في سوريا إلى أين تتجه؟”، وكالة الأناضول، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 23 فبراير/شباط 2021): https://cutt.us/sYlx6
Daniel Rakov, Ibid.
Zvi Magen, The Trilateral Israel-US-Russia Meeting: Motives and Ramifications, June 23, 2019 (accessed Marsh 6, 2021): https://cutt.us/wnZKg.
“خمس سنوات على التدخل الروسي في سوريا”، جسور للدراسات، 30 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 3 مارس/آذار 2021): https://cutt.us/IXTV3
Seher BULUT, “İSRAİL’İN SURİYE KRİZİ POLİTİKASI: BEKLE- GÖR YAKLAŞIMINDAN NOKTASAL SALDIRI POLİTİKASINA”, ORSAM, Agustos 21, 2020 , https://cutt.us/gCK51
Aiman Mansour,” Time to Update Israeli Policy Toward Syria”, the Jerusalem institute for strategy and security February 15 ,2021(accessed February 26, 2021): https://cutt.us/G2b5q
————————-
السعودية كانت الأكثر رفضاً للأسد.. فما سر دعوتها المفاجئة لعودة سوريا للجامعة العربية؟
عربي بوست
جاءت دعوة المملكة العربية السعودية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية لتمثل مفاجأة من العيار الثقيل، وتؤشر إلى أن المنطقة قد تكون مقبلة على تغييرات كبيرة.
وأول عناصر المفاجأة أن السعودية كانت السبب الرئيسي لعدم عودة سوريا للجامعة العربية، بعد أن تعرضت دمشق لتجميد أنشطتها بالجامعة العربية في عام 2011، إثر عمليات قمع النظام بوحشية للثورة السورية في بدايتها.
فأغلب الدول العربية ليس لديها اعتراض على عودة سوريا للجامعة العربية.
وسبق أن طالبت مصر بعودة سوريا للجامعة العربية، والإمارات لديها علاقة وثيقة مع النظام، وأغلب دول المغرب العربي ليس لديها مشكلة في عودته، وخاصة الجزائر، التي كان لها دوماً مواقف أقل حدة تجاه النظام السوري عن باقي الدول العربية، فيما يعد العراق من أقرب الدول العربية للنظام السوري، خاصة أن كلاهما يعتبر تحت مظلة النفوذ الإيراني، إضافة إلى التقارب المذهبي بين الأقلية العلوية التي تحكم سوريا والنخب الشيعية التي تحكم العراق.
ومن بين باقي الدول العربية، فإن قطر تعتبر أبرز الداعمين للثورة السورية، وإذا رفعت الرياض تحفظها على عودة سوريا فإن موقف الدوحة سيلعب دوراً في هذه المسألة.
لماذا كانت تتحفظ السعودية على عودة سوريا للجامعة العربية؟
السعودية كان لديها التحفظ الأكبر على عودة سوريا للجامعة العربية، وهو تحفظ لا يرتبط في الأغلب بممارسات النظام تجاه شعبه خلال قمعه للثورة فقط، بل هو سابق على ذلك، وقد يكون هذا هو الذي دفع الرياض لانتهاز فرصة الثورة السورية للدفع بعزل النظام عربياً، رغم معارضتها للثورة في مصر مثلاً.
فتاريخياً، كان هناك عدم ارتياح بين النخب البعثية التي تحكم سوريا والسعودية، وزاد الأمر بسيطرة العلويين على البلاد، ولكن تقاربت المصالح في قضايا عدة منها لبنان، الذي تم إنهاء حربه الأهلية في نهاية الثمانينات بتوافق سعودي سوري.
ولكن لبنان نفسه كان سبباً رئيسياً للتوتر بين البلدين، وزاد التوتر تقارب سوريا مع إيران، ودعمها لحزب الله، ووصل الأمر إلى ذروته عندما وصف الرئيس السوري بشار الأسد الحكام العرب الذين انتقدوا إشعال حزب الله لحرب 2006 مع إسرائيل بأنهم أنصاف رجال.
ولذا كان طابع التوتر والجفاء يسيطر على العلاقة بين البلدين في السنوات السابقة على الثورة السورية، وبعد أن هُزمت الثورة وتخلت الرياض عن دعمها ظلت متحفظة على عودة دمشق للجامعة العربية، وألمح مسؤولو الجامعة العربية من قبل إلى أن هناك حاجة لوجود توافق عربي لعودة سوريا، لافتين إلى أن هذا التوافق غير موجود.
فما الذي غيّر الموقف السعودي بهذا الشكل المفاجئ، والذي تمثل في إعلان وزير الخارجية السعودي رغبة بلاده في عودة سوريا للحاضنة العربية، مع التأكيد أن ذلك يجب أن يتم عبر تسوية سياسية تشمل الحوار مع المعارضين.
ماذا نفهم من التصريحات السعودية الإمارتية عن سوريا؟
يمكن رصد عدة ملاحظات مهمة في هذا التصريح.
– التصريح جاء بعد دعوة مصرية مماثلة لعودة سوريا للجامعة العربية خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير، مع الربط بين ذلك والحوار مع المعارضين، وأن ذلك مهم للأمن القومي العربي.
– التصريح السعودي جاء بعد يوم واحد من تصريح مماثل لوزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، انتقد فيه أيضاً قانون قيصر الأمريكي، واعتبره عاملاً معرقلاً لعودة سوريا للجامعة العربية، وأيضاً لعمل القطاع الخاص هناك.
– تصريحا وزيري خارجية السعودية والإمارات جاءا خلال مؤتمرين صحفيين منفصلين مع نظيرهما الروسي سيرغي لافروف، وتصريح الوزير السعودي وكان لافتاً فيه قوله: “نحن متفقون مع أصدقائنا الروس على أهمية إيجاد مسار سياسي يؤدي إلى تسوية واستقرار الوضع في سوريا، لأنه لا وجود لحل للأزمة السورية إلا من خلال المسار السياسي”.
ويمكن استنتاج عدة أشياء من الملاحظات السابقة
– يبدو أن هناك تنسيقاً مصرياً إماراتياً سعودياً في هذه الدعوة، ولكن من الصعب معرفة من هي القوة الدافعة وراءها من بين الدول الثلاث.
– هناك تكرار للحديث عن تسوية سياسة وتفاوض النظام مع معارضين دون تحديد هوية المعارضين.
– الدعوة تعطي مساحة كبيرة للروس باعتبارهم رعاة الأسد، كوسيط على ما يبدو في عملية التطبيع مع النظام.
– الدعوة إما لا تتطرق للدور الأمريكي كما حدث مع السعودية ومصر، أو تتناوله بشكل سلبي كما فعل الوزير الإماراتي.
– من الصعب معرفة هل الموقفين الإماراتي والسعودي من سوريا هدفهما بالأساس التطبيع مع النظام السوري، أم التقارب مع روسيا عبر هذا الملف، في إطار ردودهما على مواقف إدارة بايدن السلبية، في إطار ملفات حرب اليمن وصفقات السلاح وتقرير خاشقجي.
فالدولتان تتحسسان طريقهما في الرد على سياسات بايدن، فهما لا تريدان رداً فجاً يمكن أن يثير انتقام واشنطن، خاصة إذا أبرمتا صفقات السلاح مع روسيا، بعد أن عاقبت واشنطن حليفتها أنقرة بالفعل على شرائها صفقة أس 400، وفي الوقت ذاته فإن الرياض وأبوظبي تحاولان إرسال رسائل إلى واشنطن بإمكانية تقاربهما مع بكين وموسكو، وقد يكون الملف السوري ممراً مناسباً لذلك.
ماذا سيقدم الأسد في المقابل؟
رغم أن الشروط السعودية لعودة سوريا للجامعة العربية وتطبيع العلاقات تغيرت، وأصبحت مبهمة مع تخلي الرياض عن المعارضة السورية، بل مناصبتها العداء للربيع العربي، فإنه يمكن تصور أن محور هذه الشروط مرتبط بعلاقة الأسد بإيران وحزب الله، خاصة أن عداء الرياض لإيران قد ازداد في عهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان.
فهل يقدم بشار الأسد تنازلات للسعودية مقابل تطبيع العلاقات وعودة سوريا للجامعة في هذه الملفات، وهل يقدم تنازلات مماثلة للأمريكيين لإطلاق مرحلة تمهد الخروج من قانون قيصر.
سوريا
يمكن القول إن النظام في أحلك أيامه لم يقدم تنازلات تذكر، وافتراض أنه يمكن أن يخرج من المظلة الإيرانية أمر يصعب تصوره، لأنه لا يرغب ولا يستطيع في ظل الدور الإيراني إنقاذه وحمايته وتمويله إلى الآن، وهو دور تختلط فيه الجوانب المذهبية مع الاختراق الواسع للدولة والمجتمع السوريين.
كل ما يستطيع أن يفعله النظام هو محاولة تقليل الهيمنة الإيرانية دون استفزاز لطهران، كما فعل عبر محاولة الموازنة بين النفوذين الروسي والإيراني.
كما أنه يمكن أن ينأى النظام السوري بنفسه عن الخطاب التصعيدي لإيران وحلفائها تجاه السعودية، ولكن لا يمكن افتراض أن النظام يمكن أن يقوم بأي خطوات جدية تؤثر على إيران، مثل عرقلة توصيل الإمدادات لحزب الله اللبناني على أراضيه، أو محاولة تقليل وجود الميليشيات الشيعية في سوريا.
ماذا يريد الأمريكيون؟
لم يكن هناك رد فعل أمريكي على التصريح السعودي، ولكن كان هناك رد فعل أمريكي على التصريح الإماراتي الذي سبقه بيوم وانتقد قانون قيصر.
واللافت أن الرد الأمريكي على التصريح الإماراتي جاء أقل حدة من تصريحات صدرت عن إدارة ترامب قبل 8 أشهر، تحذر الإمارات من انتهاك قانون قيصر.
فبينما حذر الممثل الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا في عهد الإدارة السابقة، جيمس جيفري في يونيو/حزيران 2020، الإمارات من التقارب مع بشار الأسد أو اختراق قانون قيصر، فإن رد فعل الإدارة الحالية بدا أقل حدة (حتى الآن)، وخلا من أي عبارة تحذير للإمارات من مغبة إقامة علاقة اقتصادية مع نظام الأسد، ولم يلوح بتطبيق قانون قيصر على شركاتها.
فلقد بدا من الرد على التصريح الإماراتي الأخير أن الإدارة الأمريكية تحاول إرساء معادلة لربط أو مقايضة قانون قيصر، بفتح الأسد حواراً سياسياً مع المعارضة السورية، وتخفيف ممارساته القمعية.
إذ علق متحدث باسم الخارجية الأمريكية في تصريح لموقع قناة الحرة الأمريكية، أمس الأول الثلاثاء، على تصريحات وزير الخارجية الإماراتي، قائلاً “يتحتم على النظام وداعميه الانخراط بجدية في الحوار السياسي، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المجتمعات المحتاجة من أجل تحقيق نهاية مستدامة لمعاناة الشعب السوري”.
رد الفعل الأمريكي قد يؤشر إلى تقبل أمريكي لفكرة عودة سوريا للجامعة العربية وتخفيف قانون قيصر، مع وضع شروط لها، وقد يكون أيضاً مؤشراً على إمكانية أن تكون سوريا هي الملف الذي يمكن البدء في إجراء تسوية به ضمن الملفات الخلافية بين إيران من جانب وأمريكا والسعودية من جانب آخر.
ولكن اللافت أن الأمريكيين مثل السعوديين والمصريين تحدثوا عن حل للأزمة السورية عبر تسوية تشمل حواراً مع معارضين (في الأغلب توارى الحديث عن وضع دستور جديد وانتخابات رئاسية).
ولكن السؤال: هل تستطيع أمريكا الضغط على نظام الأسد وداعميه لفتح حوار حقيقي مع المعارضة، وألا يمكن للأسد أن يفتح حواراً مع المعارضة المستأنسة والمقربة من روسيا، والتي يسمح لها الأسد بالاجتماع في دمشق، بحيث يصبح ذلك مبرراً لتخفيف العقوبات التي تسببت في ضغوط مالية كبيرة على النظام، ثم العودة مجدداً للمستوى السابق من القمع.
ومن المعروف أن المعارضة السورية أصبحت منقسمة بشدة، والأهم أن هناك معارضات محسوبة على النظام وأخرى على الروس، ومعارضة محسوبة على السعودية والإمارات، (وأغلب هذه المعارضات لم تعد لها قوة فعلية)، فهل يشمل الحوار المفترض المعارضة السورية الموجودة على الأرض وتدير مناطق في شمال سوريا؟.
وهل يكون هدف هذه الدعوة هو إعلاء شأن المعارضة الشكلية أو المقربة لروسيا والسعودية والإمارات، وإقصاء المعارضة المقربة لتركيا وقطر؟.
ففي ضوء العلاقة الوثيقة بين الإمارات والأسد، وتركز هذه العلاقة على العداء للأجندة الديمقراطية في المنطقة، وبالتالي العداء لأغلب مكونات المعارضة السورية، ألا يمكن أن يكون التصريح الإماراتي مجرد تمهيد لتحقيق هذا الهدف.
الأهم أنه حتى لو كان الأمريكيون لديهم نية لتخفيف قانون قيصر الذي يعاقب المتعاملين مع النظام السوري مقابل فتحه حواراً مع المعارضة، فإن تجربة الأسد تكشف أنه لا يقبل شريكاً، وأنه يستغل كل حوار لإضعاف المعارضة، وتعزيز القمع.
————————
جولة لافروف… محاولة روسية لإزالة العقوبات عن النظام السوري وترويج الانتخابات/ جلال بكور
لم يغب الملف السوري عن الجولة التي يجريها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الخليج العربي، إذ وصل، اليوم الأربعاء، إلى الرياض للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد زيارة الإمارات.
والتقى لافروف مع رئيس الحكومة اللبناني المكلف سعد الحريري ومسؤولين في الإمارات، حيث تناولت اللقاءات الملف السوري، وخاصة العقوبات المفروضة على النظام من واشنطن وحلفائها.
وفي المؤتمر الختامي لزيارة لافروف، أطلق وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد دعوة لـ”إعادة سورية إلى محيطها الإقليمي”، والجامعة العربية.
وأضاف عبد الله بن زايد أن “التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سورية هو قانون قيصر”، وأشار إلى أن “إبقاء القانون كما هو اليوم يجعل هذا المسار والأمر في غاية الصعوبة”.
وأكد وزير الخارجية الإماراتي، في حديثه، ضرورة فتح حوار مع الإدارة الأميركية، التي فرضت في وقت سابق “قانون قيصر” ضد النظام السوري، بهدف الضغط على بشار الأسد ونظامه لوقف الانتهاكات في سورية، وإجبار النظام على الدخول في الحل السياسي.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الروسي للسعودية للقاء ولي العهد محمد بن سلمان، ووزير الخارجية فيصل بن فرحان، بعد يوم من لقاء جمع بن سلمان مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتيف، وجرى خلاله استعراض الأوضاع المستجدة على الساحة السورية.
ويرى الباحث في “مركز جسور للدراسات” وائل علوان أن “روسيا تحاول إيجاد خرق في القطيعة الإقليمية والدولية التي يعيشها نظام الأسد، لا سيما مع اشتداد آثار العقوبات والحصار السياسي والاقتصادي الغربي على النظام وداعميه”.
وتأتي هذه المحاولة الروسية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي يجريها النظام السوري بدعم روسي كامل.
وأوضح علوان، في حديثه مع “العربي الجديد”، أن التصريحات الإماراتية التي صدرت أمس “هي رسالة روسية إلى الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية”.
وأضاف الباحث السوري: “تحاول روسيا مجدداً الالتفات إلى الدول العربية ذات الثقل والتأثير الكبير بالتزامن مع الموعد المفترض لتحديد لقاء جامعة الدول العربية، إذ لا تستطيع روسيا كسر عزلة النظام فقط بموقف العراق ولبنان، وهي بحاجة إلى دعم من دول الخليج العربي، التي ما زالت إلى حد كبير تحسب حساباً للموقف الأميركي الرافض لعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، والمحذر من تطبيع العلاقات السياسية أو التعامل الاقتصادي مع نظام السوري”.
واستبعد علوان أن تُحدث هذه المحالة خرقاً في الموقف العربي من الانتخابات الرئاسية القادمة في سورية، مضيفاً: “من المستبعد بناء على السياسية الأميركية وموقفها من إيران سماح الولايات المتحدة بمتنفس واسع لنظام الأسد يخفف عنه كارثة العقوبات التي تزداد آثارها المعيشية والاقتصادية على النظام وأدائه الحكومي، والمجموعات التي تقاتل معه، فضلاً عن الشريحة الواسعة من مؤيديه والمدافعين عنه”.
وأشار علوان إلى أن جولة لافروف إلى دول الخليج العربي كانت قد سبقتها مساعٍ روسية عبر الجزائر لـ”إقناع الدول العربية بضرورة إعادة النظر في العلاقات مع نظام الأسد، لكن الجهود الجزائرية التي كانت تعتمد عليها موسكو لم تنجح مع استمرار التردد المصري الذي لا يريد مخالفة الموقف العام العربي والغربي”.
ومن المتوقع أن يستأنف وزير الخارجية الروسي جولته بزيارة إلى العاصمة القطرية الدوحة. ومن أبرز الملفات التي من المتوقع مناقشتها الملف السوري وقرارات مجلس الأمن المتعلقة به، والعقوبات المفروضة على النظام والحل السياسي.
القدس العربي
—————————-
الأمم المتحدة: الوضع في سورية كابوس/ ابتسام عازم
وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الوضع في سورية بالكابوس. وقال: “بعد مرور عشر سنوات على الصراع في سورية، وفي خضم جائحة كورونا، لم تعد أخبار سورية تتصدر الصفحات الرئيسية على الرغم من أن الوضع المعيشي في سورية كابوس”. وجاءت تصريحات غوتيريس خلال مؤتمر صحافي مقتضب عقده في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بمناسبة مرور عشر سنوات على انطلاق الاحتجاجات فيها.
وقال غوتيريس: “لقد أدى القمع العنيف للمظاهرات الشعبية السلمية، التي شهدتها سورية، إلى انزلاق البلاد في طريق حرب مروعة”. وأضاف: “توفي مئات الآلاف وتشرد الملايين. ولا يزال عدد لا يُحصى من السوريين محتجزين بشكل غير قانوني، وغالباً ما يتعرضون للتعذيب، ناهيك عن الاختفاء القسري. كما يعيش الكثيرون في حال من القلق والحرمان”.
وأضاف: “رأى العالم، وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة، سورية تنزلق في دمار وسفك للدماء. هذا في الوقت الذي تعرض فيه السوريون لانتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع ومنهجي. كما انتهكت أطراف النزاع القانون الإنساني مراراً وتكراراً مع استمرار الإفلات من العقاب”.
وتحدث غوتيريس عن معاناة السوريين بما في ذلك استهداف المدنيين بالقنابل والأسلحة الكيميائية ناهيك عن استخدام الحصار والتجويع كأسلحة حرب ضدهم. وقال إن جميع أطراف النزاع فرضت كذلك قيوداً على وصول المساعدات الإنسانية. وأضاف: “بقيت ولفترة طويلة من الحرب مناطق واسعة في البلاد تحت سيطرة الجماعات المصنفة كإرهابية، من قبل مجلس الأمن الدولي، والتي عرضت العديد من السوريين لقمع وعنف يصعب تصوره”.
وأشار غوتيريس إلى أنه من المستحيل في الوقت الحالي فهم مدى الدمار الذي لحق بسورية، مؤكداً في الوقت ذاته على أن شعبها تعرض لبعض أكبر الجرائم التي شهدها العالم هذا القرن. وقال: “إن حجم الجرائم المرتكبة يصدم الضمير. كما يجب محاسبة مرتكبيها إذا أردنا التوصل لسلام دائم في سورية”.
وقال غوتيريس إن أهوال الحرب السورية طاولت كل عائلة ولم يسلم منها أحد. وأشار إلى معاناة أطفال سورية حيث “لا يعرف قرابة نصفهم حياة بدون حرب”. وتوقف عند عدد من العوامل التي ضاعفت من معاناة السوريين بما فيها الانهيار الاقتصادي والفقر الذي تفاقم بسبب الصراع والفساد والعقوبات وجائحة كورونا”. ولفت الانتباه إلى أن حوالي 60 بالمئة من السوريين معرضون لخطر الجوع هذا العام حيث يعانون من نقص في الأمن الغذائي. وشدد على ضرورة الوصول وتقديم المساعدات الإنسانية لجميع السوريين في جميع أنحاء البلاد. وأكد في هذا السياق على ضرورة استمرار تقديم المساعدات الإنسانية عبر النقاط العابرة للحدود وطرق أخرى. وحث مجلس الأمن الدولي على التوصل لاتفاق بهذا الشأن.
البنك المركزي السوري/ ملحق الاقتصاد الجديد
وشدد غوتيريس على أن الأمم المتحدة ستستمر في سعيها للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة عن طريق المفاوضات بما ينص عليه القرار 2254. مؤكداً في الوقت ذاته أن الخطوة الأولى على هذا الطريق هي إحراز تقدم ملموس في مباحثات اللجنة الدستورية. وقال غوتيريس: “على أطراف النزاع أن تظهر استعدادها من أجل إيجاد أرضية مشتركة والاعتراف بحاجة جميع السوريين، الذين يمثلونهم، إلى تجاوز حال الصراع الدائمة. هذا هو الطريق الذي سيؤدي إلى حل يلبي التطلعات المشروعة لجميع السوريين، ويهيئ الظروف اللازمة لعودة اللاجئين بأمان وكرامة، ويحترم سيادة سورية وسلامة أراضيها واستقلالها”.
————————
النقمة والعزلة لم تردعا بشار الأسد عن تكريس بقائه
رئيس النظام السوري يتحول من شخصية “منبوذة” طيلة عقد من الزمن إلى جزء من حل الأزمة.
من المبكر الحديث عن سيناريوهات بخصوص انتهاء الحرب والبدء بالعملية الديمقراطية في سوريا، لكن مجمل المعطيات تشير إلى حدوث تطورات كبيرة جعلت النظام يمضي في التمسك بالسلطة، كما لا توجد دلائل على أن الضغوط الخارجية ستمنع بشار الأسد من خوض الانتخابات الرئاسية المزمعة بعد أشهر. فبعد أن تحوّل إلى رئيس “منبوذ” طيلة عشر سنوات من الأزمة، استطاع بناء تحالفات خارجية قوية جعلت المجتمع الدولي يربط أي تسوية محتملة بالمفاوضات معه.
دمشق – صمد الرئيس السوري بشار الأسد في وجه الثورة والعزلة والحرب والنقمة رغم الدمار والموت والتشرّد، الذي ضرب بلده ولا يزال. وبعد عقد من الزمن عن اندلاع تحركات شعبية ضده يستعد مجددا لخوض غمار انتخابات رئاسية بعد أشهر تبدو نتائجها محسومة لصالحه.
وقبل عقد من الزمن، انطلقت ثورات شعبية في عدد من الدول العربية ضد التسلط والقمع والفقر. وأطاح الغضب برؤساء وأنظمة دكتاتورية حكمت بلدانها بقبضة من حديد لعقود، وإن لم تأت دائما بالحرية والرخاء المنشودين.
ووحده الأسد، الذي تنبأ كثيرون بأنه سيسقط تحت ضغط الشارع بعد أسابيع من بدء الانتفاضة الشعبية ضده منتصف مارس 2011، احتفظ بمنصبه. وسيكون الأسد المرشّح الوحيد عمليا في الانتخابات القادمة بموجب دستور 2012.
اللعب على عامل الوقت
يقول خبراء وسياسيون إن بشار الأسد استفاد من تقاطع عوامل داخلية أبرزها تحكّمه بالقوات الأمنية والعسكرية، وخارجية على رأسها تلكؤ الغرب في استخدام القوة ضده، مقابل دعم عسكري حاسم من إيران ثم روسيا، ليبقى. وينضاف إلى ذلك الصبر واستثمار لعامل الوقت مشهود لهما في عائلة الأسد، التي تحكم سوريا منذ بداية سبعينات القرن الماضي.
وعند انطلاق الاحتجاجات السلمية، اختار الأسد قمعها بالقوة وسرعان ما تحوّلت نزاعا مدمرا فاقمه تصاعد نفوذ التنظيمات الجهادية وتدخل أطراف خارجية عدّة ساهمت في تعقيد المشهد. وصنّف كلّ من حمل السلاح ضدّه بـ”الإرهابي”.
ويرى محللون أن الأسد، الذي خلف والده الراحل حافظ الأسد عام 2000، ورث عنه الطباع الباردة والشخصية الغامضة، وتتلمذ على يده في الصبر، ولعب ذلك دورا أساسيا في “صموده”.
ويقول السياسي اللبناني المخضرم كريم بقرادوني لوكالة الصحافة الفرنسية “بعدما طالب العالم كله برحيله قبل سنوات وظنّ أنه سيسقط، يريد اليوم أن يجد الحلّ معه. لقد عرف الأسد كيف يستثمر عامل الوقت”.
فمنذ اندلاع النزاع، لم يتوان الأسد في أي تصريح عن إبداء ثقته الكبيرة بالقدرة على الانتصار حتى في أكثر لحظاته ضعفا.
ويؤكد بقرادوني، الذي لعب لوقت طويل دور الوسيط بين النظام السوري وأطراف لبنانية خلال الأزمات التي شهدها البلدان، “لم يتراجع الأسد أي خطوة إلى الوراء. تمسّك بكل مواقفه من دون أي تعديل. وتمكّن من أن يسترجع بالقوة العسكرية معظم الأراضي السورية”.
وأثبت الجيش السوري، وفق بقرادوني، “أنه جيش عقائدي ونظامي تمكن من الاستمرار وحماية النظام في أسوأ الأوضاع ولم ينقلب عليه كما في دول أخرى، وهذا ما جعل الأسد نموذجا استثنائيا في ما يُعرف بثورات الربيع العربي”.
وبقي الجيش، الذي يشكل أبرز أسلحة الأنظمة الدكتاتورية، متماسكا ومواليا لنظام الأسد، رغم انشقاق عشرات الآلاف من العسكريين عنه في بداية النزاع، ما منح رئيس النظام السوري فرصة ذهبية للصمود، بخلاف رؤساء عرب آخرين استقال بعضهم أو فرّ أو قتل تحت ضغط الشارع.
ويرى الباحث في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي توما بييريه، أنّه يمكن اختصار العوامل الداخلية التي ساهمت في بقاء الأسد في السلطة بعنوان واحد “استمرار ولاء قيادة الجيش التي تعززت خلال عقود بأقارب الأسد وأتباعه” من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها.
واعتبر أن هؤلاء شكلوا على الأرجح أكثر من 80 في المئة من الضباط في العام 2011، وشغلوا كل منصب مؤثر عمليا داخل الجيش.
ويقول باحث سوري في دمشق تحفّظ عن كشف اسمه، “لا يمكن إنكار دور شخصية الأسد في بقائه، وما يعرف عنه من إصرار وصرامة. فهو تمكّن من حصر القرارات كافة بيده وجعل الجيش معه بشكل كامل”.
في أثناء ذلك، لم تفرز بنية النظام شخصيات قيادية يمكنها أن تلعب دورا بارزا في مواجهته، لا بل “قطعت الطريق على أي شخصية حاولت أن تبني حيّزا لها” في مستقبل البلاد.
راهن الأسد على تركيبة المجتمع المعقدة مع وجود انقسام عرقي بين عرب وأكراد، وطائفي بين سنّة وعلويين وأقليات، أبرزها المسيحية، رأت فيه حاميا لها خصوصا مع تصاعد دور التنظيمات الإسلامية والجهادية.
ويعتبر الباحث السوري أن الأسد “استفاد من خوف الناس من الفوضى ومن خوف بيئته (العلوية) على وجودها في حال سقوطه، ما جعلها تستميت في الدفاع عنه دفاعا عن وجودها. كما استفاد من غياب قوى سياسية فاعلة وفقدان الأمل من دور المعارضة”.
وفي فبراير 2012، وبينما كانت قوات الأسد تخسر على الأرض، تشكلت مجموعة “أصدقاء سوريا” التي ضمّت دولا غربية وعربية داعمة للمعارضة السورية. ثمّ اعترفت أكثر من مئة دولة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كممثل شرعي وحيد للشعب السوري.
دا الأسد في تلك الفترة رئيسا معزولا مع تصاعد المطالبات بتنحيه، في وقت جمّدت جامعة الدول العربية عضوية سوريا فيها، وفرضت دول غربية عقوبات على النظام بسبب ممارسات القمع. بدا الأسد حينها على وشك السقوط. إلا أن خصومه لم يتمكنوا من تشكيل جبهة موحدة، لا في الداخل ولا في الخارج.
مع عسكرة النزاع، تعدّدت الفصائل المقاتلة التي كانت تتلقى دعما من جهات ودول مختلفة لها أجندات خاصة. ومع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وتحكمه بمساحات واسعة من البلاد، تبدّد مطلب الحرية والديمقراطية وراء الرعب. وبشكل غير مباشر، ساعد الأسد على تقديم نفسه بأنّه يخوض حربا ضد “الإرهاب”.
وفيما كانت الفصائل المعارضة تطالب حلفاءها بسلاح ودعم عسكري، على غرار تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) الجوي الذي ساعد المعارضة المسلحة الليبية على النيل من نظام القذافي، كان الغرب مرعوبا من تكرار تجربة ليبيا، حيث بدأت الفوضى تتمدد.
ومع استقطاب داعش الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق المجاور بدءا من العام 2014، وتنفيذه هجمات دامية في دول عدة، انصبّ تركيز المجتمع الدولي بقيادة واشنطن على دعم الفصائل الكردية وحلفائها في مواجهة الجهاديين، عوضا عن دعم خصوم الأسد.
وبات الأسد أكثر تيقنا من أن الطائرات الأميركية لن تحلّق في سماء دمشق بعد تراجع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عن تنفيذ ضربات عقابية، إثر مقتل نحو 1400 شخص قرب دمشق في صيف 2013 جراء هجوم بغاز السارين اتهمت دمشق بتنفيذه. وانتهى الأمر باتفاق أميركي روسي على تفكيك الترسانة الكيمياوية السورية.
ويوضح بييريه أنّ أوباما “انتخب على أساس وعد بالانسحاب من العراق، ولذلك تردّدت إدارته في العودة إلى الشرق الأوسط” من بوابة سوريا.
وأشار إلى أن الإدارة الأميركية حدّدت مصالحها في المنطقة على نطاق ضيق وبطريقة انعزالية، أي مكافحة الإرهاب، ومن هنا تدخلها ضد داعش وأسلحة الدمار الشامل.
معادلة مستحيلة
في المقابل، تلقى الأسد دعما حاسما من إيران، التي درّبت واستقدمت مجموعات مسلحة دافعت بشراسة عن النظام بينها حزب الله اللبناني، وكذلك فعلت روسيا، التي دافعت عن النظام في مجلس الأمن ودعمته اقتصاديا ثم عسكريا، لاسيما بالقصف الجوي.
ووفق بييريه، انتهزت روسيا تحديدا فرصة تاريخية لاستعادة موقعها، الذي فقدته كقوة عظمى عبر ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلّفه فكّ أوباما ارتباطه جزئيا عن المنطقة.
وبعدما كانت الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن تشدّد في كل مناسبة على ضرورة تنحي الأسد، انصبّ اهتمام المجتمع الدولي على التوصل إلى تسوية سياسية من بوابة اللجنة الدستورية، التي تضم ممثلين عن الحكومة والمعارضة وتعقد اجتماعات منذ 18 شهرا في جنيف.
وأملت الأمم المتحدة أن تمهد نتائج عمل اللجنة لوضع دستور جديد تُجرى الانتخابات الرئاسية المرتقبة منتصف العام الحالي على أساسه وبإشرافها. إلا أن موفدها إلى دمشق غير بيدرسن قال لصحافيين الشهر الجاري إنّ الاجتماع الأخير كان “فرصة ضائعة” وشكّل “خيبة أمل”. وأقرّ أمام مجلس الأمن “بفشل المسار السياسي”.
وتعمّدت دمشق “تقطيع الوقت” خلال اجتماعات اللجنة الدستورية، التي يصفها مصدر دبلوماسي غربي لوكالة الصحافة الفرنسية بأنها أشبه بـ”دعابة”.
ويقول بيدرسن “سنرى الأسد ينظم انتخابات هذا الصيف بموجب الدستور الحالي. يريد النظام وعرابوه (روسيا وإيران) أن يشرحوا للعالم: حسنا جرت الانتخابات وانتهت اللعبة. هل بإمكانكم رجاء فتح دفاتر الشيكات وتمويل البنى التحتية التي قصفناها خلال السنوات العشر الأخيرة؟”.
ولدى الكثير من المتابعين قناعة بأنه من المستحيل اليوم أن يكون النظام السوري مقبولا من النظام الدولي، ومن المستحيل كذلك أن يبقى خارجه. ويقول الباحث السوري “هذه المعادلة المستحيلة ستبقينا لسنوات طويلة في مرحلة اللا خيار، واللا حل واللا استقرار مع استمرار الاستنزاف البطيء الذي يدفع ثمنه الشعب السوري”.
وفي هذا الوقت، لا شيء يمنع الأسد من البقاء في مكانه والفوز بولاية رئاسية رابعة، فيما كل الناشطين الذين تجرأوا يوما على الخروج إلى الشارع للمطالبة بسقوط النظام قتلوا أو فروا من البلاد أو تشردوا داخلها، وفيما عشرات الآلاف غيرهم في السجون والمعتقلات.
——————————–
اجتماع قطري روسي تركي بشأن سورية في الدوحة:مبادرة لإيصال المساعدات الإنسانية ودعم الحل السياسي/ أنور الخطيب
ذكر وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اليوم الخميس، أنه بحث مع نظيريه الروسي، سيرغي لافروف، والتركي، مولود جاووش أوغلو، في الدوحة آليات إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية، معلنا عن إطلاق مسار سياسي جديد ترعاه البلدان الثلاثة للدفع لايجاد حل سياسي للأزمة .
وقال وزير الخارجية القطري عقب اجتماع ثلاثي مع لافروف وجاووش أوغلو لمناقشة الأزمة السورية إنه “سيكون هناك مبادرة لإيصال المساعدات الإنسانية”، موضحا أن “القضية السورية مرتبطة بعقول وقلوب الشعب القطري”.
وأضاف “صيغتنا التشاورية الجديدة موازية لمسار أستانة وتخص المسائل الإنسانية”، مؤكدا دعم الدوحة وحدة الأراضي السورية ومفاوضات اللجنة الدستورية السورية والعودة الآمنة والطوعية للاجئين.
وقال “إنه بحث مع نظيريه الروسي والتركي، تطورات الملف السوري، مؤكداً أنه لا حل عسكرياً للأزمة” .
وفيما أشار لافروف إلى أن العمل على الصيغة الجديدة انطلق قبل نحو عام، رحب بالدور الذي تسعى الدوحة الى القيام به.
وأوضح أن هذا أول لقاء على هذا المستوى الوزاري بين الدول الثلاث بشأن سورية، مشدداً على أن “تحركات اللاعبين الدوليين يجب أن تحترم وحدة أراضي وسيادة سورية”. لكنه اعتبر “أن العقوبات الغربية غير القانونية موجهة ضد الشعب السوري بأكمله وتمنع حل المشاكل الإنسانية”.
اجتماع الدوحة حول سورية/ معتصم الناصر
وبينما اعتبر وزير الخارجية الروسي أن هناك حتمية لعودة سورية إلى الجامعة العربية وأن ذلك سيؤدي إلى تحقيق الاستقرار بالمنطقة كلها، قال وزير الخارجية القطري، إن “أسباب تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية لا زالت قائمة”.
وتابع قائلا “نتمنى حدوث تقدم سياسي في سورية لأنه السبيل لعودتها للجامعة العربية”، مؤكداً أن قطر مستمرة في دعم الشعب السوري والوصول لتسوية سياسية تعيد العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين.
وخلال المؤتمر الصحفي المشترك، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إن بلاده تواصل الدفاع عن وحدة الأراضي السورية وحماية المدنيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، مشيراً أن بلاده قررت مواصلة الاجتماعات المشتركة مع قطر وروسيا لبحث الملف السوري.
وفيما أوضح أن الاجتماع المقبل سيعقد بتركيا، أضاف جاووش أوغلو: “أكدنا ضرورة زيادة الجهود لمضاعفة المساعدات الإنسانية لسورية لاسيما لمواجهة فيروس كورونا”.
وأوضح الوزير التركي أن أنقرة تواصل التعاون مع قطر لتخفيف الأزمة الإنسانية في سورية والوصول إلى حل سياسي، داعياً إلى “الضغط على النظام السوري لكسر الجمود في الوضع الراهن”.
وجاء في بيان مشترك عقب الاجتماع أن وزراء خارجية قطر وروسيا وتركيا جددوا التزامهم بحماية سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، معبرين عن اقتناعهم بأنه لا يوجد أي حل عسكري للنزاع السوري.
كما جددوا التزامهم بدعم الخطوات التي ترعاها الأمم المتحدة لدعم الأطراف السورية في الوصول إلى حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254، وبيان جنيف 2012.
وذكر البيان المشترك كذلك أن وزراء أكدوا على تشبثهم بمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله وتمظهراته، والتصدي للأجندات الانفصالية التي تهدد وحدة وسيادة الأراضي السورية، وتشكل تهديداً كذلك للأمن القومي لبلدان الجوار.
كما شددوا على أهمية دور اللجنة الدستورية وأهمية ضمان احترام مبادئها الأساسية من قبل الأطراف السورية، مبدين دعمهم للانخراط البناء بدون أي تدخل أجنبي في عمل اللجنة الدستورية.
من جانب آخر، عبر الوزراء عن قلقهم العميق بخصوص الوضع الإنساني بسورية، وتداعيات جائحة كوفيد – 19، وما تشكله من تحديات عميقة للمنظومة الصحية بسورية، والأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والإنسانية. ودعوا كذلك إلى زيادة المساعدات المخصصة للسوريين، وتسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين بالداخل.
وعلى صعيد محادثات السلام التي تحتضنها الدوحة بين حركة “طالبان” والحكومة الأفغانية، قال وزير الخارجية القطري إن “هناك اهتماما دوليا بالمفاوضات التي تجري بين الأطراف في أفغانستان”، لافتا إلى وجود “عدة مبادرات لتعزيز هذا المسار” وتنسيق مع موسكو بهذا الشأن.
وفيما شدد وزير الخارجية القطري على أن “السلام لن يتحقق إلا باتفاق الأطراف الأفغانية”، تابع قائلا: “نحن على تواصل مع روسيا في الموضوع الأفغاني وهناك علاقة مبنية على الثقة بينا ونثمن الدعم الروسي لمسار الدوحة وهم قدموا دعوة للمثل قطري لحضور اجتماع موسكو”.
وأكد الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن قطر تلقت دعوة للمشاركة في المؤتمر الذي سيعقد هذا الشهر في موسكو بشأن أفغانستان.
في المقابل قال لافروف “لا نتنافس مع قطر أو أي دولة أخرى فيما يخص المفاوضات الأفغانية”، مشيراً إلى أنه قبل محادثات الدوحة جرت محادثات بإسطنبول وموسكو.
كما أقر بوجود بعض القضايا العالقة، معربا عن أمله في تحريك عملية السلام الأفغانية.
من جانب آخر أشاد وزير الخارجية القطري بالعلاقات بين الدوحة وموسكو، قائلا: “تربط قطر بروسيا علاقات قوية، وهناك استثمارات كبرى في روسيا، ونثمن الشراكة مع روسيا”.
——————————
الضرر البيئي في سوريا أخطر من أضرار الحرب!/ هدى الحسيني
بقي بشار الأسد الرئيس السوري أو غادر، أصيب بوباء «كورونا» أو لم يُصب، استعادت إيران وروسيا ما استثمرتاه من أموال على مدى 11 عاماً للحفاظ على حكم الأسد أم لا، يمكن التأكيد أنه مع قرب مرور 10 سنوات على بدء الحرب الأهلية في 15 مارس (آذار) 2011 فإن سوريا سيكون من المستحيل العيش فيها، فكيف إذن بالتعويض عما استثمره كل من ساهم في تلك الحرب؟! ستبقى أرضاً قاحلةً تضم رفات من قيل لهم إنهم يقاتلون من أجل الحفاظ على نظام لم يتحمل مظاهرة شبان عليه فحولها إلى حرب عبثية أكلت كل أخضر في سوريا.
إن الخراب البيئي الذي لحق بالبيئة السورية بدأ يظهر كمأساة مدمرة أخرى، وإن كانت لا تزال أقل وضوحاً الآن، بسبب الحرب الأهلية، وليس كما يدعي الأسد ومؤيدوه أنها حرب كونية شُنت على بلاده. تؤدي التربة الملوثة والمياه الآسنة إلى تفاقم المعاناة الشديدة للمدنيين السوريين، كما تقوض قدرتهم على تلبية حاجاتهم الأساسية وتهدد مستقبل البلاد بعد الحرب. وفي حين أن الحرب في سوريا لم تنتهِ بعدُ، فإن الخسائر البيئية الشديدة سوف تُشكل تحديات كبيرة أمام تعافي البلاد عندما يتوقف القتال في نهاية المطاف.
يحذر خبراء سوريون ودوليون من ضرورة معالجة الآثار البيئية للحرب على وجه السرعة، وإلا ستصبح الأضرار والعواقب الإنسانية المترتبة على ذلك أكثر خطورة. يقول أحدهم، من المهم تحديد تأثير الضرر البيئي، حيث لا يدرك الناس دائماً أنه يستمر بعد توقف النزاع المسلح.
عملياً لم يبق أي جانب من جوانب البيئة السورية من دون أن يتأثر بالحرب التي بدأت كانتفاضة ضد الحكم الاستبدادي البشاري. كانت كل المجموعات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية المتورطة في القتال، بما في ذلك قوات الأسد، والجيش السوري الحر المعارض وفروعه، والميليشيات الكردية والجماعات الإرهابية مثل «داعش»، متواطئة في مستويات متفاوتة في التسبب في الضرر البيئي، فقد أدت الهجمات على آبار النفط والمصافي والمنشآت الصناعية إلى تلويث تربة البلاد وهوائها ومياهها. وفي غياب الإدارة البيئية الفعالة بسبب القتال، غالباً ما يتم إلقاء المواد الكيميائية والنفايات السامة في البحيرات والأنهار، وفي وقت تسارعت فيه إزالة الغابات بالفعل، انكمش القطاع الزراعي – وهو أحد أعمدة الاقتصاد السوري قبل الحرب – بأكثر من 40 في المائة من حيث القيمة الحقيقية.
سوف يتردد صدى الإرث السام للحرب، من الذخائر والذخائر غير المنفجرة وكميات هائلة من الأنقاض الخطرة، بعد فترة طويلة من انتهاء القتال، مع تداعيات خطيرة على رفاهية السوريين وسبل عيشهم.
ينبع أحد الآثار البيئية المدمرة بشكل خاص من «تسليح المياه»، فطوال فترة الصراع، حاولت جهات حكومية وغير حكومية على حد سواء اكتساب ميزة عسكرية من خلال استهداف الخزانات ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، أو عن طريق تحويل موارد المياه أو تكديسها. ونتيجة جزئية لهذه التكتيكات فإن ما يقدر بنحو 15.5 مليون سوري – أكثر من 90 في المائة من عدد السكان – يفتقدون مصادر المياه المأمونة وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، مما يزيد من مخاطر الأمراض المنقولة بالمياه والأمراض المعدية.
يواجه السوريون عدداً لا يحصى من المخاطر الصحية البيئية الحادة والطويلة الأجل، من مصادر المياه الملوثة ومن التلوث والمواد الكيميائية السامة.
هناك آثار أخرى طويلة الأمد، ولكنها أقل أذى على الصحة العامة، بسبب فقدان التنوع البيولوجي والتربة المتدهورة. ويقول خبير بيئي، إن الآثار البيئية للحرب يمكن أن يكون لها أيضاً عواقب ضارة على قدرة الدولة على مواجهة تغير المناخ؛ إذ على سبيل المثال، يُقدر بعض المراقبين أن 25 في المائة من الغطاء الذي توفره الأشجار قد اختفى في سوريا خلال الحرب، ومعه، مصارف الكربون الضرورية. تؤدي هذه الخسارة أيضاً إلى اضطراب النظم البيئية المحلية مع جعلها أقل تنوعاً وقدرة على الصمود، ونتيجة لذلك تكون المجتمعات المحلية أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، بما في ذلك تآكل التربة والجفاف وأنماط الطقس المتطرفة. كل هذا له تداعيات خطيرة على نوع الدولة التي ستكونه سوريا عندما تنتهي الحرب.
تُعد البيئة الصحية أمراً بالغ الأهمية لدعم أولويات إعادة الإعمار والتعافي؛ من الاحتياجات البشرية الأساسية مثل الأمن الغذائي إلى الرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية. ستكون إعادة البناء واستعادة البنية التحتية للمياه أمراً حيوياً بشكل خاص؛ نظرا لدورها الحاسم في دعم الحياة. وكما هو معروف في السياسة البيئية، فإنه في نهاية الحرب، يصبح توفير المياه والخدمات الأساسية من أهم الأولويات الإنسانية، وإذا لم يتم معالجة ذلك، فمن الصعب حقاً البدء في أعمال إعادة البناء. وتكشف الأبحاث أن استهداف البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والنفايات والطاقة هو سلاح حرب منتشر بشكل متزايد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع تداعيات طويلة المدى على حل النزاعات والتعافي منها.
لا يوجد نقاش حول أهمية الحصول على المياه النظيفة للرفاهية الاجتماعية والاستقرار، ولكن نظراً لأنها منفعة عامة لا تدر إيرادات. يقول محدثي: «لا توجد إرادة للاستثمار في استعادة أنظمة المياه من قبل المجتمع الدولي، وبالتالي في العديد من الدول المتأثرة بالصراعات هناك ميل إلى الاعتماد على الصناعات المستخرجة مثل النفط والغاز والمعادن والاخشاب لأنها تولد إيرادات بسهولة أكبر». يضيف «أن موارد سبل العيش كالمياه، والأراضي، والقطاع الزراعي على وجه الخصوص لا يتم التفكير فيها بالطريقة نفسها، وتلك هي في الواقع الأكثر أهمية للأمن البشري. ونظراً لأن الحرب الأهلية منعت إجراء أي قياسات ميدانية منهجية للبيئة السورية فإن المدى الكامل للضرر البيئي لا يزال غير معروف، ولا يزال الحصول على بيانات موثوقة يمثل تحدياً كبيراً. لذلك فإن المطلوب أولاً هو تحسين الرصد والتقييم للتأثيرات البيئية التي يمكن أن تساعد على تحديد أولويات الاستجابات للضرر البيئي، والبحث في نوع المساعدة المطلوبة».
رغم التكاليف الباهظة لهذا الضرر البيئي، يحذر العلماء من أنه سيتعين التنافس مع مجموعة من أولويات التعافي الأخرى في سوريا لكسب الاهتمام والتمويل. بشكل عام هناك حاجة إلى المزيد من الوعي بين السوريين والمنظمات الأجنبية غير الحكومية والجهات المانحة للمساعدات، لما سيعنيه التدمير البيئي في سوريا للبلاد الآن وللأجيال القادمة. وكما في كل الدول التي تحتاج إلى مساعدات يمكن للمانحين المساهمة من خلال التمويل المشروط الذي يضمن إعطاء الأولوية للبيئة بطريقة تدعم الأمن البشري. قبل كل شيء من الضروري أن يضمن المانحون الدوليون أن تعزز الإغاثة والموارد التي يقدمونها صمود المجتمعات السورية، وليس نظام الأسد. وبالنظر إلى أن جذور الصراع لها علاقة كبيرة بتوازن القوى والموارد غير المتكافئة للغاية في المجتمع السوري، فإن التعافي النهائي بعد الحرب يجب أن يعالج هذه التفاوتات، وإلا فلن يكون هناك سلام طويل الأمد في سوريا.
يوضح محدثي، أنه إذا لم تعالج القضايا الهيكلية فلا توجد مساءلة. ولن يكون الأمر إلا بمثابة وضع ضمادة طبية في موقف يغلي ويشكل إشكالية حقاً، ولن يكون مستداماً. لذلك على الذين يتهافتون من الآن على إجراء حسابات الربح والربح من خلال إعادة إعمار سوريا، أولاً أن ينتظروا، وأن يأخذوا في عين الاعتبار مصلحة الإنسان السوري، بمعنى أن التهافت على كسب رضا النظام القائم لن يكون طريقهم إلى الثراء الذي ينتظرونه بأحلامهم، وما على محسن رضائي أمين عام تشخيص مصلحة النظام الإيراني إلا نسيان ما قدمته إيران للنظام السوري، وأن صرخته الآن جاءت متأخرة من أن بلاده الآن لن تدفع ريالاً إيرانياً واحداً إلى دول المنطقة، من دون أن تتأكد من استعادته لاحقاً. هو يتهم روسيا بأن إيران تدفع في سوريا والأولى تستفيد. ليت الاثنتين ما دفعتا، لأن ما ارتكبته أيديهما وأيادي غيرهما، حوّل سوريا إلى أرض محروقة، وحوّل شعبها إلى لاجئ يرمي بمشاكله على أعتاب دول أخرى هي بدورها عندها ما تعاني منه.
الشرق الأوسط
—————————–
الدولار يقترب من 4 آلاف ليرة.. كيف يعيش السوريون بمناطق النظام؟
يحاول موسى العبد الله تنظيم مشترياته وفق راتبه الشهري الذي استلمه من معتمد الرواتب في مدينة حلب شمالي سوريا بداية مارس/آذار الجاري، لكنه يكتشف أن راتبه البالغ 60 ألف ليرة سورية (ما يعادل 15 دولارا أميركيا) لا يكفيه سوى 5 أيام.
ويعود العبد الله (اسم مستعار) بعد جولة في أسواق المدينة بأكياس تحمل بعض الخضار والفواكه، ويؤكد -خلال حديث للجزيرة نت- أنه دفع 15 ألف ليرة ثمنا لها، وهو ربع راتبه بالضبط.
والعبد الله موظف حكومي في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ويمتلك قدما وظيفيا يمتد إلى 15 عاما قضاها في سلك التربية والتعليم، أما اليوم فهو بحاجة إلى 5 أضعاف راتبه لتأمين مصاريفه اليومية من الطعام والشراب وفواتير الماء والكهرباء، بعيدا عن أي رفاهية.
وحالة العبد الله في مناطق سيطرة النظام بسوريا هي حالة عامة لمعظم أفراد ما يمكن أن تسمى الطبقة الوسطى في المجتمع السوري التي تعتمد على مردود مادي من أجور الوظائف الحكومية أو القطاع الخاص، وأصبحت تواجه غلاء الأسعار وفقدان القدرة الشرائية بعد انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي واقترابه من حاجز 4 آلاف ليرة سورية للدولار الواحد.
أسعار السوق
وبحسب جولة على أسعار سوق المواد الغذائية من اللحوم والخضار بتاريخ (5 مارس/آذار) في مدينة حلب، فقد بلغ سعر كيلو لحم الغنم 21 ألف ليرة سورية، وسعر طبق البيض 6 آلاف ليرة، بينما بلغ سعر كيلو البندورة (الطماطم) 1200 ليرة، وكيلو البطاطا 750 ليرة، وكيلو التفاح ألف ليرة، وهذه الأسعار لا تتناسب مع ذوي الدخل المتوسط أمثال الموظفين الحكوميين.
لكن أسواق المدينة -ورغم توافر معظم السلع- تشهد ركودا كبيرا، وقلة في حركة البيع والشراء يعزوها التجار إلى الانهيار المتسارع في قيمة الليرة السورية، ولا سيما بعد طرح مصرف سوريا المركزي ورقة نقدية جديدة من فئة 5 آلاف ليرة.
هذه الأسعار التي جعلت المدنيين يحجمون عن الشراء تضاعفت 2000% منذ نحو 10 سنوات، وفق ما أعلن المكتب المركزي للإحصاء في سوريا، وهو تاريخ بداية الثورة السورية التي يصفها إعلام النظام بالأزمة.
ونقلت صحيفة “الوطن” السورية الموالية للنظام، عن مدير إحصاءات التجارة الخارجية والأسعار في المكتب بشار القاسم، أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك وصل إلى 2107.8% حتى أغسطس/آب 2020، وذلك مقارنة بعام الأساس 2010.
سعر صرف الدولار الواحد اقترب من حاجز 4 آلاف ليرة سورية مع توقع استمرار انهيار قيمة الليرة (الفرنسية)
التضخم الجامح
ومن المرجح أن تستمر حالة انهيار قيمة الليرة السورية، مما يعمّق من أزمات المدنيين الذين يسكنون في مناطق سيطرة النظام السوري، يعزز ذلك الحالة الضبابية للحل السياسي في سوريا والعقوبات الأميركية والأوروبية على حكومة النظام والشركات الاقتصادية الداعمة له.
ويرى المحلل الاقتصادي الدكتور أسامة قاضي أن مشوار التضخم الاقتصادي في سوريا بدأ منذ تأخر النظام السوري في الاستجابة لمطالبة الثورة، واستخدام الآلة العسكرية والاستعانة بجيوش الدول لإنهاك الجسد الاقتصادي السوري المتعب أصلا قبل عام 2011، وهو ما استدعى انفلات الأسعار من عقالها وهبوط المستوى المعيشي للمواطن السوري، والدخول في مرحلة مخيفة من الجوع والفقر لم يسبق لها مثيل في تاريخ سوريا المعاصر.
ويصف قاضي البنك المركزي السوري بأنه تحوّل إلى فرع أمن يملك محل صرافة كبير يحتكر سوق الصرافة، ويفرض أسعاره بقوة الأمن والبطش وإغلاق محال الصرافة، ويزج بالصرافين في السجون بحجة ضبط سعر الصرف، كما أن من مهامه طباعة عملة لا قيمة لها بفئات 5 آلاف و10 آلاف، مرجحا أن يطبع السنة القادمة ورقة 20 ألف استجابة للتضخم السوري الجامح.
وبحسب قاضي، فإن استمرار التضخم بمعدل 50% كل عام يعني أن سعر الليرة السورية عام 2025 سيصل إلى 14 ألفا و500 ليرة للدولار الواحد، وعندها سيصل التضخم ما بين 2011 و2025 إلى 29 ألف بالمئة.
المصدر : الجزيرة
—————————-
الاتحاد الأوروبي: لا تطبيع مع النظام السوري ولا رفع للعقوبات عنه لحين انتقال سياسي وفق قرارات مجلس الأمن
قال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنه لا يمكن التطبيع مع النظام السوري أو رفع للعقوبات عنه أو دعم جهود إعادة الإعمار ما لم يوضع جدول انتقال سياسي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي.
وأكد بوريل أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل أمس الثلاثاء -بمناسبة دخول الحرب السورية عامهما العاشر- أن هذا الجدول يجب أن يستكمل بصياغة دستور للبلاد وتنظيم انتخابات حرة.
ولفت بوريل إلى تعرض السوريين للقتل والتعذيب والتجويع والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية على مدار 10 أعوام.
وأضاف أن رئيس النظام السوري بشار الأسد لن يستطيع كسب هذه الحرب رغم الدعم الذي يتلقاه من روسيا وإيران، مؤكدا أن الحل السياسي هو الطريق المستدام الوحيد.
وأشار بوريل إلى انسداد مسار الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، وعرقلة نظام الأسد لعمل اللجنة الدستورية المكلفة بصياغة دستور جديد للبلاد.
واعتبر المسؤول الأوروبي أن الأسد لا يرغب بإجراء انتخابات حرة وعادلة، بل انتخابات يكون هو الرابح فيها على حد تعبيره.
وشدد بوريل على أن الاتحاد الأوروبي غير قادر بمفرده على حل الأزمة السورية، وأنه يتعين ممارسة ضغوط من الأطراف المعنية لتحقيق انتقال سياسي في سوريا.
وبحسب المسؤول الأوروبي فإنه سيرأس في 29 مارس/آذار الجاري إلى جانب مبعوث الأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن الدورة الخامسة لمؤتمر أصدقاء سوريا، معتبرا أنها مناسبة للتعبير عن دعم الاتحاد الأوروبي لتسوية سياسية للأزمة وفقا لقرارات مجلس الأمن.
المصدر : الجزيرة + الأناضول
—————————-
بيان لروسيا وقطر وتركيا يشدد على محاربة الإرهاب والمخططات التي تهدد وحدة سورية نورث برس
شدد وزراء خارجية قطر وتركيا وروسيا،، الخميس، في بيان مشترك في العاصمة القطرية الدوحة، على محاربة الإرهاب ومواجهة المخططات التي تهدد وحدة سورية.
وزار لافروف، خلال الأيام الماضية، الإمارات والسعودية وقطر، وكانت الحرب السورية من أهم المسائل التي تم مناقشتها.
واتفق وزراء خارجية قطر وتركيا وروسيا، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وتشاووش أوغلو وسيرغي لافروف، الخميس، على التنسيق فيما بينهم لإيصال المساعدات للشعب السوري.
وقال وزير الخارجية القطري، في مؤتمر صحفي مشترك للوزراء الثلاثة عقد في الدوحة اليوم” ناقشنا تقديم دعم للمبادرات الإنسانية لإيصال المساعدات لكافة الأراضي السورية.”
وأضاف آل ثاني، أن “هناك حاجة ماسة لتخفيف الظروف المعيشية السيئة التي يمر بها السوريون بسبب الأزمة.”
وأشار إلى أنه “اتفقنا على دعم مفاوضات اللجنة الدستورية السورية والعودة الآمنة والطوعية للاجئين، وأضاف :”لابد أن يكون الحل في سورية سياسياً وليس عسكرياً.”
وقال أوغلو، أنه “لا يمكن إنهاء الصراع في سوريا إلا من خلال إيجاد حل سياسي.”
وأضاف أنه “من الضروري الضغط على الحكومة السورية لكسر الجمود في الوضع الراهن، ومواصلة التعاون مع قطر لتخفيف الأزمة الإنسانية في سورية والوصول إلى حل سياسي.”
وقال لافروف، إن “البيان المشترك يؤكد الحرص على محاربة الإرهاب ومواجهة المخططات التي تهدد وحدة سورية.”
وفي وقتٍ سابق، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي، إن “التسوية السورية تتطلب حلاً سياسياً شاملاً، مجدداً رغبة بلاده في إنهاء هذه الأزمة.”
وأضاف: “حريصون على التنسيق مع جميع الأطراف بمن فيهم روسيا لإيجاد حل للأزمة السورية.”
والثلاثاء الماضي، كان وزير الخارجية الإماراتي، قد قال في حضور نظيره الروسي، أن “عودة سوريا إلى محيطها أمر لا بد منه، وهو من مصلحة سوريا والمنطقة ككل، والتحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر.”
وردّت وزارة الخارجية الأميركية، على تصريحات الخارجية الإماراتية، بشأن تأثيرات “قانون قيصر” الأميركي على حياة السوريين، معتبرةً أنه “لا علاقة لهذا القانون بالأزمة الإنسانية في سوريا محملة حكومة بشار الأسد مسؤولية ذلك.”
وقال متحدث باسم الوزارة، إن “الأزمة الإنسانية شديدة الخطورة في سوريا هي نتيجة مباشرة لعرقلة الأسد للمساعدات المنقذة للحياة والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية.”
وأضاف: “أعتقد أن الاستقرار في سوريا والمنطقة بشكل أوسع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة، لضمان إبقاء الحل السياسي في متناول اليد.”
————————-
بالتزامن مع الذكرى العاشرة للثورة السورية… مشروع قرار أمريكي جديد ضد النظام
أنطاكيا – «القدس العربي» – وكالات: رجح الباحث في جامعة «جورج واشنطن» رضوان زيادة، أن يحظى مشروع القرار الجديد الذي طرحه عدد من النواب الأمريكيين في مجلس الشيوخ، حول تحديد سياسة الولايات المتحدة في الملف السوري، بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وعزا زيادة تقديره هذا، خلال اتصال مع «القدس العربي» إلى أن مشروع القرار لا ينص على تدخل عسكري ضد النظام السوري، أو وجود قوات أمريكية على الأرض السورية. يجري ذلك وسط تأكيد استمرار عقوبات أوروبا على النظام… وجولات روسية في الخليج لإعادة تعويم الأسد
وكانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، قد قدمت مشروع قرار بالتزامن مع الذكرى العاشرة للثورة السورية، لتحديد سياسة الولايات المتحدة في سوريا، ينص على إدانة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري، ويدعو إلى مواصلة الجهود لمحاسبته وداعميه، روسيا وإيران. وقد قام رئيس لجنة الشؤون الخارجية الديمقراطي في مجلس الشيوخ السيناتور بوب مينيندز بتقديم مشروع القرار الجديد، بعد تعديل أجزاء منه وتوقيع نواب من الحزب الجمهوري.
وينص مشروع القرار، الذي نشره أيضا الصحافي السوري أيمن عبد النور، على الاحتفال رسمياً بالذكرى السنوية العاشرة للانتفاضة السورية، والعمل على تحميل نظام الاسد ومساعديه الدوليين مسؤولية الفظائع التي ارتكبوها بحق الشعب السوري ومحاسبتهم عليها، وتأمين المساعدات الإنسانية للشعب السوري، ومنع وصول نظام الاسد للموارد التي تساعد في دعم آلته الحربية العسكرية. كذلك، يشيد بالمدافعين عن حقوق الانسان وجهودهم لتوثيق جرائم الاسد والكشف عنها، ويرسل رسالة واضحة للمجتمع الدولي ضد تطبيع العلاقات أو تطويرها أو قوننتها مع نظام الأسد والدول المتحالفة معه. وإلى جانب ذلك، يدعو مشروع القرار حكومة الولايات المتحدة إلى تنشيط الجهود الدبلوماسية لحل النزاع على النحو المبين في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية للشعب السوري، حتى تكون سوريا خالية من العنف سواء من الدولة أو الجماعات المسلحة الأخرى.
موقف أمريكي جديد
وفي تعليقه على مشروع القرار، قال رضوان زيادة، إن أهمية مشروع القرار تأتي من كونه يدفع بسوريا كأولوية لإدارة جو بايدن، التي يبدو أنها لا زالت تتجاهل الملف السوري، أو على الأقل لا تضعه ضمن أولوياتها كما الوضع في اليمن.
وبسؤاله عن وجود صلة بين مشروع القرار الأمريكي الجديد، والتحركات الروسية الساعية إلى تعويم النظام السوري وحشد الدعم السياسي والاقتصادي له، أجاب زيادة: «سوريا منطقة صراع دولي بين روسيا وأمريكا، وبالتالي كل تحرك روسي فيها، سيكون محط اهتمام امريكي، ويكون الرد ليس بالقوة العسكرية وانما افشال انتصار الاسد الوهمي سياسياً واقتصادياً».
من جانبه، قال مدير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» فضل عبد الغني، إن مشروع القرار يؤكد من جديد على قوة الموقف الأمريكي وحضوره في الملف السوري.
وأضاف لـ»القدس العربي» أن من الواضح من توقيته، أنه يأتي في إطار عرقلة الجهود الروسية الهادفة إلى إعادة تأهيل بشار الأسد، مستدركاً بالقول: «الواضح أن الدور الأمريكي لا زال يراوح مكانه، إذ يمكن اختصاره منذ اندلاع الثورة السورية بأنه يأتي في إطار تحفيز روسيا على البدء بعملية سياسية».
وأوضح عبد الغني، أن الولايات المتحدة تحجم عن بذل مجهود أكبر لإطلاق المسار السياسي، وقال: «لا زالت تحركات واشنطن تأتي لعرقلة المشروع الروسي».
وتابع مدير الشبكة الحقوقية، بأن كل ذلك لا يعني التقليل من أهمية الموقف الأمريكي، لأنه يعرقل ما تريده روسيا، أي إبقاء الأسد على رأس السلطة، وإجراء بعض الإصلاحات الشكلية، حيث تعطي التحركات الأمريكية شيئاً من التوازن في الملف السوري.
وطبقاً لعبد الغني، فإن مشروع القرار الأمريكي يتقاطع مع التحركات الأوروبية والدولية الرافضة لأي انتخابات يجريها النظام السوري في مناطق سيطرته، بعيداً عن المعايير التي يحددها القرار الأممي 2254.
الموقف الأوروبي
وكان الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قال إن العقوبات الأوروبية ستتواصل بحق نظام الأسد، لغاية تحقيق انتقال سياسي في سوريا. جاء ذلك في كلمة خلال جلسة للبرلمان الأوروبي، الثلاثاء، بمناسبة دخول الحرب السورية عامها العاشر. ولفت بوريل إلى تعرض السوريين للقتل والتعذيب والتجويع والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية على مدار 10 أعوام. وأضاف: «لن يستطيع (بشار) الأسد كسب هذه الحرب رغم الدعم الذي يلقاه من روسيا وإيران. والحل السياسي هو الطريق المستدام الوحيد».
وأشار بوريل إلى انسداد مسار الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، وعرقلة النظام لعمل اللجنة الدستورية المكلفة بصياغة دستور جديد للبلاد. وأضاف: «الأسد لا يرغب بإجراء انتخابات حرة وعادلة، بل انتخابات يكون هو الرابح فيها». وتابع: «لن يتم إنهاء العقوبات ولن يكون هناك تطبيع ولن يتم دعم جهود إعادة الإعمار حتى يكون هناك انتقال سياسي في سوريا». وشدد على أن الاتحاد الأوروبي غير قادر بمفرده على حل الأزمة السورية، وأنه يتعين ممارسة ضغوط (من الأطراف المعنية) لتحقيق انتقال سياسي في سوريا حسب وكالة الاناضول.
يجري ذلك فيما تواصل روسيا ديبلوماسيتها عبر وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي يجول على دول الخليج لكسب الدعم وإعادة تأهيل بشار الأسد والنظام السوريا دولياً وإقليمياً فبعد جولته على الامارات التي أعلنت تأييدها لعودة الأسد ومقعد سويا الى الجامعة العربية، ذكرت وكالة الأنباء السعودية على تويتر أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التقي بالمبعوث الروسي الخاص لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتييف. وقالت الوكالة إنهما استعرضا «العلاقات الثنائية بين البلدين ومستجدات الأوضاع على الساحة السورية». ونقل عن وزير الخارجية السعودية تأييد بلاده للحل السياسي في سوريا.
———————–
=========================
تحديث 12 أذار 2021
————————-
كورونا الأسد والحل الإلهي/ بشير البكر
بشار الأسد وزوجته أسماء مصابان بفيروس كورونا، وقرّرا أن يحجرا نفسيهما أسبوعين. ووسط تضارب ردود الفعل، جاء بيان من الرئاسة الروسية يأمل “أن لا يشتد مرض كورونا على الرئيس الأسد وزوجته”، بينما غلب على الأوساط السورية، في الموقع الآخر، التشكيك في النبأ والتعامل معه باستخفاف شديد، وجرى النظر إلى قضية المرض على أنها لعبة سياسية تهدف إلى تقطيع الوقت، قبل أن يتقدّم الأسد للانتخابات الرئاسية المزمع أن تجري في يونيو/ حزيران المقبل. ويرى أصحاب هذا الرأي أن النقمة تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة بقوة، بسبب تدهور الوضع المعيشي في مناطق سيطرة النظام، والذي بلغ مستوياتٍ عاليةً في الرداءة، حتى أن الأسد ذاته طلب أن تتوقف القنوات التلفزية عن بث برامج الطبخ “لكي لا تزعج السوريين بصور طعام بعيدة المنال”. واستدعى رد الفعل هذا من صحيفة نيويورك تايمز وصف الرئيس السوري بالقائد “المنفصل عن شعبه”، قائلة إنه ظل متمسكا “بالتفاهات التي يتميز بها خطابه”.
استطاع بشار الأسد أن يصمد عشر سنوات في وجه ثورة شعبية عارمة، كادت أن تطيح حكمه في عام 2015، لكن روسيا تدخلت عسكريا لإنقاذه. وقبل ذلك، لم يكن في وسعه مواجهة الحراك السلمي الذي بدأ في منتصف مارس/ آذار 2011 من دمشق، لو لم تقف إيران بكل ثقلها إلى جانبه، وكاد أن يُسقط حكمه أكثر من مرّة، إلا أن طهران كانت في نجدته، وهي التي وضعت له خريطة الطريق منذ الأيام الأولى للثورة، بما في ذلك خيار اللجوء إلى القوة لمواجهة المظاهرات السلمية، وهناك أكثر من شهادةٍ تؤكد أن إيران جرّبت في سورية الأساليب التي اعتمدتها في قمع الثورة الخضراء عام 2009. ومن ثم تولى الحرس الثوري، بإشراف قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، مهمات القتال داخل سورية، عن طريق حزب الله ومليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية.
وكلما تقدم الزمن، يبدو بقاء الأسد ضرورة لكل من روسيا وإيران. والمسألة تتعلق بالاستثمار الكبير الذي وظّفه البلدان من أجل استمراره في الحكم، وليست هناك مؤشّرات إلى أنهما سوف يتخليان عن النظام قبل استرداد ما صرفاه، وأكد ذلك الأسبوع الماضي أمين عام مجمع تشخيص النظام في إيران، محسن رضائي، الذي قال، في حديث مع صحيفة فايننشال تايمز “سوف نستعيد كل دولار أنفقناه في سورية والعراق”. وهذا ما يفسّر عدم اكتراث موسكو وطهران بغير ما يحفظ لنظام الأسد الاستمرارية، ولا تبدوان معنيتين بتدهور الأوضاع المعيشية للشعب السوري تحت سلطة النظام ولا بالانهيار الاقتصادي، ومن ذلك قيمة الليرة أمام الدولار، والتي تجاوزت أربعة آلاف للدولار الواحد، وبات مرتب الموظف الحكومي قرابة 20 دولارا، وموظف القطاع الخاص نحو 50 دولارا. وأفادت أرقام الأمم المتحدة بأن أكثر من 13 مليون سوري بحاجةٍ إلى مساعدات إنسانية، وأكثر من 12 مليون شخص داخل سورية يكافحون لإيجاد طعامٍ يسدّ رمقهم كل يوم، وفق برنامج الأغذية العالمي، و60% من الأطفال يواجهون الجوع، بحسب منظمة “أنقذوا الأطفال”.
من دون شك، هناك من يأمل بنهاية إلهية للأسد، وأن يقبض كورونا روحه، عسى أن يفتح ذلك بابا لنهاية المأساة السورية بعد عشر سنوات، تبدو فيها الحصيلة فادحةً على جميع السوريين، باستثناء فئة محدودة من الذين يعيشون على الحرب والخراب. وربما يفتح رحيل الأسد طريق الحل، ولكن الفاتورة كبيرة، وتؤكد كل التقديرات على أن عودة سورية إلى وضع الدولة المستقلة ليس في المدى المنظور، فهي مثقلة بالديون الروسية والإيرانية، ومقسّمة إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها جيوش أجنبية.
العربي الجديد
——————–
هل يدعم ماهر الأسد طموح أسماء للرئاسة؟
خصصت مجلة “إيكونوميست” البريطانية ملفاً مطولاً عن أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد، مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية التي غيرت المصرفية السابقة في بنك “جي بي مورغان” إلى شريكة في سفك دماء الشعب السوري مع تعطش واضح للسلطة.
وحمل الملف الذي تجاوز 7 آلاف كلمة، عنوان: “المصرفية، الأميرة، أميرة الحرب: الحياة المختلفة لأسماء الأسد”، حاملاً تساؤلات عن الطريقة التي أصبحت فيها فتاة نشأت في الغرب، الرابحة غير المتوقعة للحرب في سوريا.
وأشارت المجلة إلى صورة انتشرت الصيف الماضي لأسماء وزوجها وأولادهما الثلاثة وهم يقفون على تلة يحيط بهم الجنود بالزي العسكري. وبدا الأسد في خلفية الصورة حيث كانت أسماء في مركزها بنظارتها الشمسية التي يفضلها حكام الشرق الأوسط الأقوياء، لكن الفضاء الهادئ خلف أسماء كان خادعاً. فبعد عشرة أعوام على الربيع العربي، الذي انتفض فيها عشرات الملايين من العرب ضد حكامهم المستبدين، مازالت عائلة الأسد متربعة على الحكم في سوريا ولكن بثمن باهظ. حيث قتل مئات الآلاف وتشرد الملايين وسجن عشرات الآلاف، وعذب نظام الأسد أكثر من 14 ألف معتقل حتى الموت، وصارت سوريا مركزاً لحروب الوكالة التي شاركت فيها إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة.
وكانت أسماء في كل هذه الملحمة الدموية، الرابح الأكبر، ولم تكن رحلتها إلى العظمة في بلدها المدمر سهلة، بل ظهرت في طريقها صورتها القديمة كموظفة سابقة في مصرف “جي بي مورغان” حيث كانت تعقد الصفقات في اللحظات الأخيرة من الليل، كما أنها السيدة الأولى الجميلة التي شعرت أن الإصلاح الاجتماعي والتحديث قد يخرج البلد من حالة العزلة التي يعيشها، ثم تحولت إلى ماري أنطوانيت دمشق التي كانت تتسوق في وقت كان بلدها يحترق، وأم الشعب التي تعاني من مرض السرطان في وقت سحق زوجها المتمردين ضد نظامه.
وتساءلت المجلة “أين ستنتهي هذه الرحلة؟”، فصعود أسماء في بلاط الأسد لم يعد مجرد شائعات. وفي العام الماضي وصفت الحكومة الأميركية أسماء بأنها “الرابحة الأكبر من الحرب” في سوريا. وهناك شائعات تتحدث عن إمكانية توليها السلطة في سوريا بعد زوجها، علماً أن أسماء سارت في طريق طويل من بيت شبه منفصل في لندن حيث نشأت فيه لتصبح مؤثرة في سوريا. فقد ولدت ونشأت في عائلة سنية سورية العام 1975 حيث وصل والداها إلى لندن في بداية سبعينيات القرن الماضي، بعد سيطرة مجموعة هامشية على الحكم في سوريا، ونشأت في غرب لندن بحي قريب من المناطق الراقية.
وكان والدها يصلي الجمعة وخلعت والدتها الحجاب بعد زواج أسماء. ووُصفت العائلة بالمحافظة، ولكن الحريصة على اندماج أولادها في الحياة الانجليزية. وكانت تُعرف في المدرسة التابعة لكنيسة إنجلترا باسم “إيما”. وقال جار للعائلة: “كان من الصعب معرفة أنها سورية”. ويبدو أن قدر أسماء هو العيش بين أصحاب المال في لندن، فقد درست في مدرسة راقية للبنات وهي “كوينز كوليج” التي لا تبعد إلا قليلاً عن عيادة والدها في هارلي ستريت. ثم درست في “كينغز كوليج” حيث تخرجت بشهادة في علوم الكومبيوتر.
وبحسب المجلة، يرى أعداء أسماء وأصدقاؤها أنها ذكية ومجتهدة. ولم تكن مهتمة بالشرق الأوسط، ففي رحلة إلى دمشق مع عائلتها، قضت وقتها قرب المسبح في فندق شيراتون، و”لم تكن راغبة بأن تكون لها علاقة مع سوريا بأي شكل”، كما تقول صديقة لها. ولم يستغرب أحد حصولها على وظيفة في بنك “جي بي مورغان” حيث كان يُتوقع من الموظفين العمل 48 ساعة متتالية والنوم في مكتبهم. وتذكرها عاملون معها بأنها “رزينة ومهذبة ومطيعة” وكانت ترتدي بذلة سوداء، وعملت في مجال الإندماج والتملك، وهي وظيفة أفادتها كثيراً في سوريا. وخرجت في مواعيد مع موظف وتلقت عروضاً بالزواج، وظلت تعيش مع عائلتها رغم راتبها الكبير.
وكان لدى والدتها سحر، خطة طموحة، فقد ساعد عمها حافظ الأسد للوصول إلى السلطة، واستخدمت العلاقة للحصول على وظيفة في السفارة السورية في لندن. وكانت راغبة بتعريف ابنتها على بشار.
وبحسب سام داغر مؤلف كتاب “الأسد أو نحرق البلد”، التقى بشار وأسماء مرات عديدة عندما كان الأول طالباً في مجال طب العيون في تسعينيات القرن الماضي. وكان بشار الوحيد من بين أشقائه الستة يدرس في الخارج. ونظراً لعدم حبه للدم، قرر التخصص في مجال العيون، وهو تخصص لا يُقبل عليه طلاب الطب كثيراً، لكنه كان ماهراً في تجفيف الخراجات في العيون. وعلى خلاف شقيقه الأكبر باسل الذي كان يحب السيارات السريعة ودخل الجيش، كان بشار طالباً مجداً في دراسته، وواظب على حضور محاضراته في الجامعة، ولم يتأخر عنها وتجنب حياة اللهو كما يقول وفيق سعيد، الثري السوري الذي يعيش في بريطانيا.
وعلى خلاف والده الذي كان يتحدث بلهجة بلدته الفلاحية، كان بشار يتحدث بلهجة أبناء النخبة في دمشق. وواعد الفتيات، لكن قرار الزواج لم يكن بيده. وعندما توفي باسل في حادث سيارة العام 1994، أصبح مصير عائلة الأسد في يد بشار. ولم يكن بشار متزوجاً عندما توفي والده العام 2000، وأصبح رئيساً لسوريا بعد شهرين. وفي هذه الفترة كانت أسماء أسيرة مكتبها في “جي بي مورغان”. وغابت فجأة لمدة أسبوعين من دون إذن، وعندما عادت استقالت من منصبها، وقررت عدم الذهاب لجامعة لمدرسة الأعمال في جامعة “هارفرد” التي حصلت فيها على مقعد للدراسة. وفي مقابلة لاحقة سألتها صحافية إن كانت تشعر بالندم لتخليها عن مقعدها فقالت: “من يفضل هارفرد على الحب”.
وخارج فندق “شيراتون” تصبح سوريا أكثر تعقيداً، فهي عبارة عن جبال وطوائف وأديان، سيطرت عليها فرنسا من العثمانيين وظلت تواجه انقلابات بعد الاستقلال حتى 1970، حيث توقفت الانقلابات بوصول حافظ الأسد الذي حكم بالقوة وعبر شبكة من المخبرين الذين تنصتوا على الهواتف واضطهدوا المعارضين بلا رحمة. فعندما انتفض الإسلاميون في مدينة حماة العام 1982 قام النظام بتدمير أجزاء كاملة من المدينة. وعندما وصلت أسماء إلى سوريا العام 2000، كان حافظ الأسد قد مات، لكن إرثه كان واضحاً من المعمار على الطريقة السوفييتية وصوره التي تنتشر في كل مكان.
والحال أنه كانت هناك فرصة لإعادة ضبط العلاقة من جديد مع الغرب. وفي خطاب توليه الحكم، تعهد بشار بالإصلاح ومكافحة الفساد والسماح بالتعددية الحزبية. وبدأ الناس يناقشون وإن بحذر السياسة في دمشق. وكانت أسماء وجهاً جديداً لسوريا، مثل الملكة رانيا والأميرة ديانا. حيث ظهرت النساء الجميلات والباهرات كقوة للإصلاح.
وفي سوريا كان ظهورها مقبولاً أكثر من أي دولة عربية. وقال وفيق سعيد: “كنت أعتقد أن الجمع بين الإثنين سيجعل سوريا جنة”. لكن كان على أسماء التعامل مع عائلة زوجها، وبالتحديد والدة بشار، أنيسة، التي كانت راغبة بزواجه في داخل العائلة لتقويتها مثل العائلة السعودية. واقترح البعض زواجه من سنية لتقوية رئاسته. وعندما فشلت بمنع الزواج، حاولت أنيسة إخفاءه، ولم يتم الإعلان في الجريدة الرسمية، وكانت حفلة الزواج متواضعة من دون صور في الأخبار، وتمسكت والدته بلقب السيدة الأولى وأصرت على وصف أسماء بـ”عقيلة الرئيس: وطلب منها التركيز على إنجاب الأطفال وعدم الظهور.
وكانت السنوات الأولى بائسة في حياة أسماء، حيث ظلت في البيت، ولأن لغتها العربية لم تكن جيدة، كانت عائلة زوجها تتحدث بلهجة العلويين الصعبة عليها. ونقلت المجلة عن مستشار سابق للأسد قوله: “لقد كرهوها”. ولم يكن أحد من النخبة يرحب بها، في وقت تعثرت فيه وعود بشار الإصلاحية، وتحديداً من حلفاء والده السابقين.
إلى ذلك، قال رجل أعمال يعمل مع النظام: “كان حافظ الأسد مثل الأخطبوط يسيطر على كل المخالب”، لكن “بشار بدأ مثل الأخطبوط وتمت السيطرة على مخالبه”. وبدا من الواضح أن كل وعود بشار الإصلاحية كانت واهية من أجل تعزيز الدعم لرئاسته.
وأكمل سعيد بأن “بشار كان يقول لك ما تريد سماعه لكنه لا يفعل شيئاً”. وتراجع عن وعوده الإصلاحية، وسجن الأكاديميين ومنع التجمع، وعُلقت صوره في كل مكان، وأصبحت أكبر من صور والده. وتعاون الأسد بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر مع الولايات المتحدة، وفتح المجال أمامها لكي ترسل المشتبه بهم للتحقيق في السجون السورية. لكن إدارة جورج دبليو بوش شعرت أنها قادرة على “نشر الديموقراطية” وأن سوريا قد تكون التالية بعد العراق. ورد الأسد بإرسال الجهاديين لدعم المقاومة ضد الغزو الأميركي.
وفي الوقت الذي عزز فيه بشار سلطته، لعبت أسماء دور الزوجة المطيعة وأنجبت ثلاثة أولاد، وأشارت المجلة إلى اغتيال رفيق الحريري العام 2005 وانسحاب القوات السورية من لبنان، واستبدل الأسد حلفاءه في لبنان بدور في المسرح الدولي، وهنا جاء دور الزوجة الجميلة أسماء التي وعدها بأن تصبح السيدة الأولى، رغم أن الإعلام السوري لم يستخدم اللقب إلا بعد وفاة أنيسة والدة بشار العام 2016.
وبعد شهرين من مقتل الحريري، شاركت أسماء وزوجها في جنازة البابا جون بول الثاني. وتبع ذلك زيارات واهتمام إعلامي بالسيدة الأولى. وفي الداخل ساهمت أسماء في تقديم صورة لطيفة عنها وعن بشار. فقد حاولا الظهور بمظهر العائلة المتواضعة، وتركا القصر الذي بناه السعوديون لعائلة الأسد بمليار دولار، وعاشا في بيت من ثلاث طبقات. وبمساعدة من مصففة شعرها الجديدة، غيرت أسماء شكلها وبدأت بارتداء أحدث الأزياء، ويتذكر العاملون في الخطوط الجوية السورية صناديق الملابس الراقبة من محلات الأزياء في لندن. وبدأ الدبلوماسيون السوريون يتحدثون عنها كأنها “إيميلدا ماركوس” سوريا. ونجحت الجهود بتحسين صورة النظام، فبعد أشهر تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” إن كانا يمثّلان “مزيجا من العلمانية الغربية – العربية”.
وقال سوري يعيش في المنفى: “لقد سُحرت” بها “كانت محبوبة ومن اللحظة الأولى التي التقينا بها، وكان مختلفاً عن بقية الديكتاتوريين في الشرق الأوسط، وكان مقنعاً وهو ما جعله خطيراً”. وبعد تأكيد صورة النظام وقبوله في المسرح الدولي، أعمت أسماء زوجَها بلغتها التجارية. وكانت تريد أن تنعش سوريا والسماح بفتح شركات أجنبية وبنوك. وقال اقتصادي سوري له صلات قوية أن “أسماء كانت تريد تحويل دمشق إلى دبي وإلى ملجأ ضريبي متحرر من القيود المالية”. إلا أن الإصلاح الإقتصادي هدد النخبة التجارية والطريقة التي تدار فيها الأمور. وكان هذا يعني مواجهة أسماء لرامي مخلوف الذي كان حسب التقديرات يسيطر على نصف اقتصاد سوريا. وحاولت أسماء تحدي مخلوف عندما أنشأت شركتها القابضة، لكنها لم تجذب إليها رجال الأعمال الأقوياء الذين ظلوا مع مخلوف. وكان على خططها لاقتصاد سوريا الانتظار.
في السياق، حاولت أسماء البحث عن طرق لتوسيع تأثيرها، وجاء هذا عبر العمل الخيري. وبدأت محاولات توحيد عملها الذي فكرت به منذ زواجها في مؤسسة واحدة وهي “الأمانة السورية للتنمية”. وحاولت جعلها الوسيلة لمواجهة سوريا العالم، واستعانت بالسوريين من أصحاب الثقافة الغربية ومسؤولين سابقين في الأمم المتحدة وشركة علاقات عامة في بوسطن، واستراتيجيين من مجموعة “مونيتور”، بل وابنة دبلوماسي ألماني. وقال دبلوماسي في دمشق: “كانت رخصتها للتواصل مع الأجانب في وقت لم يسمح فيه للآخرين” بعمل هذا.
وكانت أسماء راغبة بتحويل سوريا إلى وجهة سياحية، واستعانت بخبراء من متحف اللوفر والمتحف البريطاني لإعادة تصميم دمشق. وجرى التخطيط لتحويل مصنع سابق للإسمنت إلى دار عرض فني على غرار “تيت مودرن” في لندن. وتحويل الضفاف القذرة للنهر الذي يمر عبر دمشق إلى متنزهات ثقافية. وخطط لبناء سكة حديد جديدة تربط دمشق مع المدن الآشورية في شمال- شرق البلاد. ودعم الدبلوماسيون بفرح رؤية أسماء، واستطاعت الحصول على دعم الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وقطر، ما أدى لوصول ملايين الدولارات لدعم ما قالت عنه “النهضة الثقافية”، ووصفها بشار: “بهذه الطريقة نقاتل التطرف عبر الفن”.
وكشف التغير في صورتها عن تناقض لاحظته صديقاتها السابقات، ففي أحيان تبدو ودية ومتفهمة بشكل مذهل وأحياناً تتصرف كأميرة، تصرخ وتنفث غضباً، كما أنها كانت فعالة “فمن المثير أنها عندما كانت تقول إنها تريد عمل شيء ويحدث”.
وهنا، استعانت أسماء بشركات علاقات عامة في بريطانيا وأمريكا، ونظمت وفوداً برلمانية للاطلاع على عملها الجيد. وجاء النجوم إلى دمشق بمن فيهم أنجلينا جولي وبراد بيت وستينغ وديمون البران، ودعا المفتي العام لسوريا اليهود السوريين، وقامت شركة “براون لويد” للعلاقات العامة بترتيب لقاء مع أسماء الأسد نشر في عدد آذار/مارس 2011 من مجلة “فوغ” مع صورة أسماء على الغلاف مع وصفها بـ”وردة الصحراء” المصممة على تحويل سوريا إلى ماركة معروفة. وكان عمل الأمانة محدوداً لا يتدخل في المساجد أو الشؤون الدينية.
لكن بعض الموظفين تساءل إن كانت الأمانة هي مجرد وسيلة لتعزيز موقف أسماء. وكان على العاملين معها مخطابتها بـ”صاحبة السعادة”. ويرى بعضهم أنها كانت صادقة في نواياها لخدمة سوريا، بينما شكك آخرون. وقال دبلوماسي غربي عمل في دمشق: “هل كانت حقيقة؟ سؤال طرحته على نفسي أكثر من مرة”. وأشارت المجلة إلى أن فواز الأخرس، والد السيدة الأولى استفاد وأنشأ “الجمعية السورية البريطانية”، ونسق جهود الجمعية مع الأمانة ما جذب إليها عدداً من الأثرياء السوريين.
لكن نجم أسماء كان صاعداً في الخارج، وبدأ المسؤولون الأميركيون بزيارة دمشق، خصوصاً بعد انتخاب باراك أوباما العام 2008، وتعاطف معها الفرنسيون ولاحقها المصورون عندما زارت باريس ووصفتها “باري ماتش” بـ”النور في بلد مليء بالظلال”. وفي كانون الأول/ديسمبر 2010، ألقت أسماء خطاباً أمام الأكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس، حيث تحدثت من دون نص عن التغيرات الجارية في سوريا. وبعد أيام حرق بائع فواكه نفسه في تونس، ما يعني أن القوة الناعمة والكعب العالي لن يكون كافيين لإنقاذ النظام.
وفي الأشهر الأولى من العام 2011 كان المزاج في الشرق الأوسط مكهرباً وبعد سنوات من الاضطهاد والأنظمة القمعية اندلعت التظاهرات في الجزائر واليمن ومصر وتونس وليبيا والبحرين والأردن. وأدت التظاهرات في القاهرة للإطاحة بحسني مبارك وبدا وكأن تيار الثورة لا يمكن وقفه. وشعر الناس في سوريا بحالة من النشوة لكن الخوف بقي ساكناً في الشوارع.
وفي ليلة من ليالي شباط/فبراير قامت مجموعة من الأطفال في مدينة درعا الجنوبية بخربشة على الجدران “أجاك الدور يا دكتور”. وكان مسؤول الأمن قريباً بعيداً للأسد لكنه كان بلطجياً أعلى مما هو معروف عن قوات الأمن وقام بحملة اعتقال للأطفال وعذبهم. وعندما ناشد أباؤهم الأمن بالإفراج عنهم قال لهم متهكماً أنهم مستعدون لمنحهم أولاداً كثرا لو أرسلوا إليهم زوجاتهم.
وتجمع الناس أمام المسجد وطالبوا بالحرية والكرامة وردت قوات الأمن بفتح النيران عليهم. ولم يكن من الواضح كما بدا لأسماء، كيف سيرد الأسد، ونصحه أحد جنرالاته بسجن مدير الأمن والاعتذار. وكانت المدن الكبرى حينها هادئة والدعوات المتجددة للإصلاح ربما أسهمت في الحفاظ على الهدوء. ومن هنا قام السفير السوري في واشنطن بمساعدة الأسد في كتابة مسودة خطاب يعلن فيه عن إصلاحات جديدة. وتم إخبار أصدقاء الأسد في واشنطن، وكانت أسماء تتوقع على ما يبدو ترضية للجماهير. ومع توسع الربيع العربي قالت أن النظام كان يعرف أن عليه التغير وإنها حاولت الوصول إلى المعارضة كما قال أحد المقربين منها.
وفي 30 آذار/مارس ألقى الأسد خطاباً أمام البرلمان. وتحدث فيه عن مواجهة سوريا مؤامرة أجنبية ووصف لقطات الفيديو عن إطلاق الجيش النار على المتظاهرين بالأخبار الكاذبة واستبعد إصلاحات لأنها غطاء لمؤامرات خارجية. وقال أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية أسماء: “كان النظام القديم يتحدث” وغادر سوريا مباشرة بعد الخطاب و”لم تكن هناك حتى كلمة مصالحة أو اعتراف بأن الأمور يمكن عملها بطريقة مختلفة. وعندما قابلت بشار كان يتحدث عن الإصلاح، وكان مدمراً اكتشاف أن كل هذا مهزلة”.
بعد الخطاب زادت التظاهرات اتساعاً. وعادة ما كانت تعقد يوم الجمعة حول جنازات القتلى. ومع زيادة التظاهرات في المدن تصاعدت شراسة النظام: في البداية الشبيحة ثم القناصة وبعد ذلك الدبابات. ولأن تأثير الجنرالات وقادة الأجهزة الأمنية وحزب البعث تراجع في السنوات الماضية، كانت التظاهرات فرصة لهم للعودة وبانتقام. وطالبت والدة الأسد، أنيسة، بالرد وقالت ساخرة منه: “ماذا كان والدك سيفعل؟” عندما واجه تحديا كهذا، مذكرة برده على حماة.
وقال السفير الفرنسي السابق أن بشار سمع في تلك الفترة وهو يقول: “كان والدي على حق، ألاف القتلى في حماة جلبت علينا ثلاثة عقود من الهدوء”. ومع انزلاق سوريا نحو الفوضى انهارت معها قلعة أسماء التي أقامتها في الهواء، جيث ألغيت حفلة لافتتاح المتحف الوطني ولم تتحقق مشاريع إعادة تجميل دمشق وظل متحف الاكتشاف الذي صمم على شكل متحف العلوم في لندن مجرد هيكل اسمنتي. وغادر المستشارون وشركات العلاقات العامة دمشق وشطبوا الأمانة السورية من سيرهم الذاتية. وقال وفيق سعيد أنه ناشد بشار اتباع طريق معتدل: “إنهم يحبونك وزوجتك، فأنت لست مثل مبارك” و”لا تضيع الفرصة لأن تصبح أعظم زعيم للعالم العربي. أعطهم بعض الحقوق وبعضاً من الكرامة وسيحبونك للأبد”. إلا أن طريق الأسد كان محدداً. وفي خطاب ألقاه في حزيران/يونيو شبه المتظاهرين بـ”الجراثيم” ما فتح الباب أمام فصل مظلم سيخيم على سوريا.
وفي الوقت الذي دخلت فيه الدبابات بلدة عائلتها، كتبت أسماء رسالة إلكترونية لصديقة لها تسألها “هل رأيت شيئاً أعجبك؟” وأرسلت لها معلومات عن مجموعة حصرية لأحذية “كريستيان لوبوتان”. ولم تظهر أسماء في العلن ما قاد لشائعات حول سجن الظروف لها أم أنها وقفت إلى جانب زوجها. ومن تحدث إليها في الأيام الأولى للثورة قالوا أنها التزمت بالخط الرسمي بأنها مؤامرة أجنبية.
ومن الناحية النظرية كان يمكن لأسماء السفر إلى لندن، فهو مواطنة بريطانية. وكانت هناك عروض بالممر الآمن ومكافأة مجزية من دول في الخليج. وظلت الحكومة البريطانية تردد أنها لن تمنعها من العودة فهو مواطنة، ما فسر على أنها ستقدم الحماية لها. لكن الجو في لندن لم يكن مرحباً، حيث تجمع المتظاهرون أمام بيت عائلتها ولطخوا بابه بالأحمر، وشطبت “كوينز كوليج” اسمها من قائمة المتخرجين.
في تلك الفترة، انتشرت شائعات بأنها خرجت من البلاد، وتذكر مسؤول عمل في السفارة السورية في لندن أن الأمن كان يحضر لاستقبال إرسالية (ربما لم تكن أسماء). وقال آخرون أنه جرى توقيفها من شلة النظام الذين خطفوا أولادها في المطار ولهذا ترددت بالسفر من دونهم. وتوقفت أسماء لأشهر عن تقديم لقاءات صحافية وركزت في العام الأول من الإنتفاضة جهودها على إعادة تأثيث البيت وأنفقت 250 ألف دولار وأرسلت مصففة شعرها إلى دبي لشراء ما تريده، فيما ساعدها شخص في لندن لتأمين شراء الثريات من “هارودز”، واستخدمت اسماء مستعارة وأطلقت مازحة على نفسها لقب “الديكتاتور الحقيقي في بيت الأسد”. وتم الكشف عن لائحة مشتريات أسماء ورسائلها في 2012، حيث زودت المعارضة صحيفة “غارديان” بها ونشر بعضها موقع “ويكيليكس”.
وفي أول تصريح رسمي لها العام 2012 أكدت أسماء أن “الرئيس هو رئيس كل السوريين وليس رئيس فصيل سوري وأن السيدة الأولى تدعمه في هذا الدور”. ولو اعتقدت المعارضة أن هذا جزء من المصالحة مع الأسد إلا ان عودتها للحياة العامة تمت بمساعدة والدها، وبالتالي ستكون مشاركة وعلى قدم وساق في الرئاسة.
وفي صيف العام 2012 فرت بشرى، شقيقة الأسد، إلى دبي بعد مقتل زوجها آصف شوكت في انفجار. وأعلنت المعارضة مسؤوليتها لكن انفجاراً كهذا يظل خارج قدرة المعارضة. وكانت بشرى وزوجها يمثلان مصدراً من المصادر المعادية لأسماء في داخل الحلقة المقربة للأسد. وأكد الكثيرون أن القتل كان عملية من الداخل. وعلى مدى السنوات حسّن الأسد من موقعه وأوقف تقدم المعارضة التي ظلت ترسل الصواريخ من ضواحي دمشق القريبة لكنها لم تستطع الإطاحة به. وتم القتال على كل بوصة في سوريا. وفي العام 2016 سيطر الأسد على حلب، كبرى المدن السورية، وواصل الطيران التابع له بقصف المدن التي تحولت إلى أنقاض. وتوقفت الأمم المتحدة في نفس العام عن احصاء القتلى.
وأصبح هذا الدمار لا يناسب أحذية “شانيل” ولا البدلات أو المجوهرات الراقية، ولهذا استبدلت أسماء الكعب العالي بالحذاء العادي والقمصان التي كشفت عن ذراعيها الهزيلين والبنطال. وعندما ماتت والدة الأسد العام 2016 خسرت أسماء أكبر المعارضين لها، لكن العذاب الأكبر كان شخصيا، ففي 2018 تم اكتشاف أنها مصابة بسرطان الثدي. لكن المرض لم يمنعها من إعادة رسم صورتها العامة والتأكد من معرفة الجميع أنها باقية في سوريا للعلاج. وتم تصوير معاناتها وبشكل يومي في التقارير اليومية للصحافة وعبر منصات التواصل الإجتماعي ونشر فيديو لها وهي على الكرسي المتحرك باتجاه غرفة العمليات.
وعندما بدأ شعرها بالتساقط لبست مناديل جميلة لتظهر ضعفها وقوتها وكمجاز لا يمكن تجاهله عن كفاح زوجها ضد المتمردين. وبدأت مقدمة برامج على التلفزيون مقابلتها: “تهانينا على انتصارك على السرطان” وأجابت “شكراً” و”آمل ان نحتفل بانتصار سوريا”. وحتى قبل تعافيها شوهدت وهي تدق على أبواب الفلاحين وهي تعانق الأمهات اللواتي فوجئن بالسيدة الأولى التي رافقتها عدسات التلفزيون المؤيدة للنظام. وعملت أسماء جهدها لإخفاء “بريطانيتها” واجتهدت في تحسين لغتها العربية لدرجة لم يعد هناك لهجة أو نبرة تشير إلى أثر اللغة الإنجليزية في كلامها.
ورغم إدارة أسماء ظهرها للمؤسسات الدولية التي أثرت على مالية جمعيتها إلا أن علاقتها مع المانحين الدوليين استمرت، فتدفق الدعم الإنساني على سوريا عنى أن كل هذا الدعم سيمر عبر منظمتها. وبالنسبة للمنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة التي تبحث عن طرق لإيصال الدعم إلى المناطق الخاضعة للنظام، مثلت جمعية أسماء المحاور المناسب، ففريقها المتحدث بالإنجليزية يعرف التنظيمات الدولية، ويمكن لأسماء فتح الأبواب للشيكات. وفي العام 2017 مر دعم إغاثي عبر الأمانة أكثر من أي جمعية أخرى في سوريا. وعادة ما تتعامل الأمم المتحدة مع الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة لكن عدداً من الموظفين فيها عبروا عن دهشتهم من استعدادها للتعامل مع الحكومة السورية.
وبين العامين 2016 و2019 حصلت “الأمانة الوطنية السورية” على كميات كبيرة من المال تبرعت فيها وكالات الأمم المتحدة كل عام. وتبرعت مفوضية اللاجئين 6.5 مليون دولار في الخمس أشهر الأولى من 2018. ولدى الأمانة 1500 موظف بحلول 2020 و5 آلاف متطوع وهي زيادة بعشرة أضعاف أثناء سنوات الحرب. وكرئيسة للجمعية، لم تقدم لأسماء مجرد الثروة، بل الحماية من أمراء الحرب الذين طورت علاقات معهم، وهو ما أشعر السكان بالامتننان لها والإحسان الذي جاء على شكل حقائب مالية نقلت إلى المنظمات التي ترتبط بها.
واستفادت أسماء مباشرة من اقتصاد الحرب، حيث حصلت على عقود في مجال بطاقات الدفع الذكية. وأطلقت شركة توزيع الهواتف النقالة اسمها “إيماتيل” على اسمها وهي في المدرسة. وسجلت الشركة باسم خضر علي طاهر الذي يشار إليه بأنه “واجهة أسماء في كل شيء”. وأثرت عائلتها أيضاً حيث أصبح أفرادها مؤثرين. ويدير شقيقها فراس وقريبها مهند الدباغ شركة الهواتف. ووصف تقرير لموظف سابق في السفارة السورية بواشنطن طريف الأخرس، ابن عم أسماء، بأنه “واحد من الرموز المهمة للنظام”. ويقول مقربون أن الأسد سعيد بنجاح زوجته وهو متعب بعد سنوات الحرب والاقتصاد ليس مجاله القوي. وأصبحت أسماء “كبير مستشاري الرئيس الاقتصاديين”.
وبحلول العام 2019 كان الروس يضايقون الأسد لدفع الديون فيما زاد الأميركيون من العقوبات. ومن هنا بحثت عائلة الأسد عن هدف. وكان رامي مخلوف، ابن خال الرئيس الذي استخدم علاقاته مع النظام لبناء مملكة تجارية متنوعةـ شركات اتصالات ومحلات في الأسواق الحرة واستيراد وتصدير. وعلى الورق كان رجل أعمال ناجح لكنه كان عملياُ مديراُ تنفيذياُ لسوريا. وقيل أنه كان يستطيع التخلص من وزير بمكالمة واحدة. وخسر مخلوف بوفاة أنيسة حاميه، وتمت السيطرة على الجمعية التي استخدمها لبناء تأثير بين الطائفة العلوية، وسيطرت عليها أسماء وتم تجميد حساباته. ورد مخلوف في أشرطة فيديو حاول فيها تدمير أسماء، قائلاً أن “أشخاصاً من فوق هم من يدفعون للتخلص منه”.
في نفس الفترة، ظهرت تقارير في الصحف الروسية عن شراء الأسد لوحة لديفيد هوكني بمبلغ 30 مليون دولار هدية لزوجته. ولم ينجح مخلوف في مساعيه لتحدي الأسد ومازال تحت الإقامة الجبرية، وتقول الشائعات أنه ظل على قيد الحياة لأنه يعرف المفاتيح والكلمات السرية لحساباته في الخارج وهي 10 مليارات دولار بالمجمل. فيما واصلت أسماء الحصول على أرصدة جديدة، وسيطرت جماعتها على ثاني شركة اتصالات في سوريا. وتوسعت شركتها “إيماتيل” في كل أنحاء سوريا حتى ضمن المناطق غير الخاضعة للنظام.
وكان نجاح أسماء التجاري والمالي سبباً في تراجع صورتها التي حاولت تنشئتها بين السكان. وقال رجل أعمال أن البعض مازال يحبها ويضع صورتها على حسابه في “انستغرام” لكن الآخرين ينظرون إليها كامرأة جشعة. وفي هذه الأيام لا أحد يتهم أسماء بأنها لا تفهم كيف تعمل سوريا. ومع تحييد مخلوف وموت والدة الأسد ورحيل شقيقته لم يعد لدى أسماء منافسون مهمون داخل الدائرة المغلقة، فيما تم تعيين عدد من مستشاريها في المراكز المهمة بمكتب الرئيس و”هي تسيطر على المعنين في القصر” كما يقول رجل أعمال في دمشق و”يمكنها ترشيح من تريد”.
إلى ذلك، تتحدث شائعات في دمشق والعواصم الأجنبية عن تفكير أسماء وطموحها بتولي الرئاسة في حال أصبح موقع بشار ضعيفاً ولا يمكن الدفاع عنه. والسؤال هنا هو هل يمكن للرئيسة أسماء إعطاء قيمة مهمة للغالبية السنية واستمرارية للحكم، خصوصاً أن هنالك تقارير متكررة عن لقاء أقارب أسماء مع مسؤولين أميركيين لجس النبض ودعم الفكرة. وقال دبلوماسي سوري سابق: “تفكر أسماء والأسد في الشيء نفسه” و”تحب أن تكون رئيسة وكلاهما يفكر بهذا كفكرة ثورية لحماية النظام”.
وربما دعمت بريطانيا طموحات أسماء في السابق، وهي سعيدة بأن تضيفها إلى قائمة حكام الشرق الأوسط ممن لهم روابط معها. ورغم شجبها إلا أنها لم تجردها من جنسيتها كما فعلت مع شميما بيغوم، البنت من شرق لندن التي سافرت إلى سوريا وانضمت إلى تنظيم “داعش”.
ولن يدعم المتشددون العلويون محاولاتها للرئاسة، خصوصاً ماهر الأسد الذي مازال يقود الفرقة الرابعة القوية. وقال تاجر سوري مقيم في دبي: “سيتآمر الجيش والطائفة لمنع وصولها إلى الرئاسة”. وهي قوية أكثر من أي وقت لكنها عرضة للخطر. والحديث عن طموحات رئاسية يجعلها في وضع خطر، ورغم أن الكثير من أصدقائها وصديقاتها تخلوا عنها ولكنهم حريصون عليها وعلى حياتها. وقال وفيق سعيد: “أنا قلق عليها”، لكن أسماء اكتشفت منذ وقت طويل انه لم يعد هناك رجعة.
————————-
روسيا تخشى الانهيار الاقتصادي بلبنان وسوريا.. والحل ليس بيدها/ منير الربيع
توسع روسيا مروحة حركتها في منطقة الشرق الأوسط. فوزير الخارجية سيرغي لافروف يجري جولة في دول الخليج. وقبلها كانت اللقاءات الروسية – السورية متواصلة. وغني عن القول إن روسيا حاضرة بقوة في سوريا. والتواصل الروسي – الإسرائيلي لا ينقطع. وكذلك العلاقة الروسية – الإيرانية.
روسيا بين سوريا ولبنان
لكن موسكو تخشى تداعيات السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط. وهي متضررة كبعض دول الخليج، المملكة العربية السعودية خصوصاً. وتعمل على توسيع حركتها، محاولةً تعزيز موقفها حيال واشنطن.
وتعلم موسكو أن نفوذها قوي في سوريا. لكنها تواجه أزمة حقيقية في إعادة تعويم النظام وإنتاجه. فما لم يخسره نظام الأسد في الحرب، يمكن أن يخسره في الاقتصاد.
ومن الواضح أن أشرس المعارك التي تخوضها موسكو، لتجميع أكبر كم من المواقف والقوى إلى جانبها، هي لمجابهة قانون قيصر الأميركي. فأي دولة أو شركة تحاول الدخول والعمل في مشروع على الأراضي السورية، تتعرض للعقوبات.
وهاجس روسيا الاقتصادي في سوريا، لديها مثله في لبنان أيضاً. هي تحاول ترتيب مفاوضات غير مباشرة بين النظام السوري وإسرائيل – تارة بمفاوضات حول الجولان، أو لضبط الوضع الأمني والعسكري، وطوراً لتبادل أسرى أو بحثاً عن جثة إيلي كوهين – كمدخل روسي وسوري لاستعادة بعض العلاقات أو الدور. ولكن الانهيار الاقتصادي والمالي السوري هو ما يهدد المشروع الروسي. وهذا قابل لأن ينعكس ويتكرر في لبنان أيضاً.
اللاجئون هاجس روسيا
وحسب المعلومات، يشكل الوضع اللبناني أولوية روسية في هذه المرحلة. فاللقاءات التي عقدها مسؤولون روس مع مسؤولين لبنانيين، عبّر الروس فيها عن خشيتهم من تطورات أمنية أو عسكرية على الساحة اللبنانية، بفعل الانهيار المالي والاقتصادي. وهو انهيار قابل لأن ينعكس سلباً على الوضع السوري، والعكس صحيح أيضاً. فموسكو تعلم أن لبنان هو حديقة سوريا الخلفية، مهما تغيرت الظروف والأحوال. وما يجري فيه ينعكس على سوريا والعكس صحيح.
وتحرص روسيا على علاقة ممتازة مع كل القوى اللبنانية. وكان مدخلها إلى لبنان واضحاً: اللاجئون السوريون، وعقد مؤتمر في سوريا يشارك فيه لبنان للبحث في عودتهم. وهي كانت تحضِّر لعقد مؤتمر على الأراضي اللبنانية يناقش إعادة اللاجئين، ولكنه أُجِّل لأسباب كثيرة، أهمها دولية: عدم توفر التوافق الدولي على عودة اللاجئين، في ظل عدم الاتفاق على الحل السياسي في سوريا.
على خط مبادرة فرنسا
وحالياً، توسع موسكو علاقاتها بالقوى اللبنانية. وهي تحاول أن تكون فاعلة في معضلات لبنان الداخلية، عبر مساندتها المبادرة الفرنسية، وتكاملها معها على خطّ تشكيل الحكومة، للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في لبنان.
وهذا ما تبحثه روسيا مع رئيس الجمهورية وممثلين عنه، ومع الرئيس سعد الحريري، بينما تواصلها مستمر مع الرئيس نبيه برّي ووليد جنبلاط. ويوم الإثنين المقبل يتوجه وفد من حزب الله إلى موسكو. وحسب المعلومات، بدأ التحضير لهذا اللقاء قبل حوالى الشهر. وتحديداً لدى زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى موسكو. فخلال تلك الزيارة أثير الملف اللبناني مع ظريف، فنصح الروس بالتواصل مع حزب الله.
ومنذ ذلك الحين نشطت اتصالات روسية مع القوى اللبنانية المختلفة، للدفع في إزالة العقبات أمام تشكيل الحكومة. وروسيا تؤيد سعد الحريري منذ اليوم الأول لتكليفه. ولكن على أساس حفاظه على علاقته بحزب الله، وعدم دخوله في مواجهة معه، قد تؤدي إلى توتير الأجواء السياسية. فموسكو تريد الاستقرار في لبنان.
نظرتان إلى روسيا
وللتحرك الروسي قراءتان مختلفتان، ولكنهما تلتقيان في نقطة أساسية: لا تمتلك روسيا قدرة على إحداث تغيير في المعضلة اللبنانية، بلا توافقها مع الأميركيين والسعوديين. وكان ذلك مقتل المبادرة الفرنسية. وروسيا لا تريد تكرار الفشل الفرنسي.
أما تباين القراءتين فيتجلى في أن جهات تراهن على تنمية العلاقات الروسية – الخليجية، وانعكاسها على لبنان لصالح خصوم حزب الله بشكل أو بآخر. سواء أتعلق الأمر بأمن إسرائيل، أو بمحاولات إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي بعيداً عن إيران. وهذه النظرة ترى تضارباً بين المصالح الإيرانية والروسية في لبنان كما في سوريا. وهذا مرتبط بملف أساسي تُستحضر روسيا إليه دوماً: ترسيم الحدود اللبنانية – السورية، وضبط المعابر التي يستخدمها حزب الله، ويرى أصحاب هذه النظرة أنها تستنزف سوريا ولبنان.
أما النظرة الثانية فتعود إلى الطرف الذي يراهن على استمرار التفاهم الاستراتيجي بين روسيا وإيران والنظام السوري. وهي نظرة ترى أن هذه العلاقة لا يمكن لها أن تصاب بتعارض كبير، مهما بلغت الخلافات.
لكن الأرجح أن الحركة الروسية لن تؤدي إلى تحقيق تقدم على خطّ الأزمة اللبنانية، المالية والاقتصادية والسياسية. فمثل هذه الأزمات تعني روسيا، لكنها لا تقوى على حلها. ولذا هي مرشحة للاستمرار. وآفاق تشكيل الحكومة مسدودة، وكذلك الحصول على مساعدات.
الانهيار فصوله مستمرة، إذاً. وسيكون لبنان مرتبطاً أكثر بالإيقاع السوري في المرحلة المقبلة.
المدن
———————
إيكونوميست: الثورة السورية غيرت أسماء الأسد وجعلتها قوية وطموحة وأنهت منافسيها
إبراهيم درويش
في الأشهر الأولى من عام 2011 كان المزاج في الشرق الأوسط مكهربا وبعد سنوات من الاضطهاد والأنظمة القمعية اندلعت التظاهرات في الجزائر واليمن ومصر وتونس وليبيا والبحرين والأردن. وأدت التظاهرات في القاهرة للإطاحة بحسني مبارك وبدا وكأن تيار الثورة لا يمكن وقفه. وشعر الناس في سوريا بحالة من النشوة لكن الخوف لا يزال ساكنا في الشوارع.
وفي ليلة من ليالي شباط/فبراير قامت مجموعة من الأطفال في مدينة درعا الجنوبية بخربشة على الجدران “أجاك الدور يا دكتور”. وكان مسؤول الأمن قريبا بعيدا للأسد ولكنه كان بلطجيا أعلى مما هو معروف عن قوات الأمن وقام بحملة اعتقال للأطفال وعذبهم. وعندما ناشد أباؤهم الأمن بالإفراج عنهم قال لهم متهكما إنهم مستعدون لمنحهم أولادا كثرا لو أرسلوا إليهم زوجاتهم. وتجمع الناس أمام المسجد وطالبوا بالحرية والكرامة وردت قوات الأمن بفتح النيران عليهم. ولم يكن من الواضح- كما بدا لأسماء- كيف سيرد الأسد، ونصحه أحد جنرالاته بسجن مدير الأمن والاعتذار. وكانت المدن الكبرى لا تزال هادئة والدعوات المتجددة للإصلاح ربما أسهمت في الحفاظ على الهدوء. ومن هنا قام السفير السوري في واشنطن بمساعدة الأسد في كتابة مسودة خطاب يعلن فيه عن إصلاحات جديدة. وتم إخبار أصدقاء الأسد في واشنطن، وكانت أسماء تتوقع على ما يبدو ترضية للجماهير. ومع توسع الربيع العربي قالت إن النظام كان يعرف أن عليه التغير وإنها حاولت الوصول إلى المعارضة كما قال أحد المقربين منها.
وفي 30 آذار/مارس ألقى الأسد خطابا أمام البرلمان. وتحدث فيه عن مواجهة سوريا مؤامرة أجنبية ووصف لقطات الفيديو عن إطلاق الجيش النار على المتظاهرين بالأخبار الكاذبة واستبعد إصلاحات لأنها غطاء لمؤامرات خارجية. وقال أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية أسماء “كان النظام القديم يتحدث” وغادر سوريا مباشرة بعد الخطاب و”لم تكن هناك حتى كلمة مصالحة أو اعتراف بأن الأمور يمكن عملها بطريقة مختلفة. وعندما قابلت بشار كان يتحدث عن الإصلاح، وكان مدمرا اكتشاف أن كل هذا مهزلة”.
وبعد الخطاب زادت التظاهرات اتساعا. وعادة ما كانت تعقد يوم الجمعة حول جنازات القتلى. ومع زيادة التظاهرات في المدن تصاعدت شراسة النظام: في البداية الشبيحة ثم القناصة وبعد ذلك الدبابات. ولأن تأثير الجنرالات وقادة الأجهزة الأمنية وحزب البعث قد تراجع في السنوات الماضية فقد كانت التظاهرات فرصة لهم للعودة وبانتقام. وطالبت والدة الأسد، أنيسة، بالرد وقالت ساخرة منه “ماذا كان والدك سيفعل؟” عندما واجه تحديا كهذا، ومذكرة برده على حماة. وقال السفير الفرنسي السابق إن بشار سمع في تلك الفترة وهو يقول “كان والدي على حق، ألاف القتلى في حماة جلبت علينا ثلاثة عقود من الهدوء”. ومع انزلاق سوريا نحو الفوضى انهارت معها قلعة أسماء التي أقامتها في الهواء، فقد ألغيت حفلة لافتتاح المتحف الوطني ولم تتحقق مشاريع إعادة تجميل دمشق وظل متحف الاكتشاف الذي صمم على شكل متحف العلوم في لندن مجرد هيكل اسمنتي. وغادر المستشارون وشركات العلاقات العامة دمشق وشطبوا الأمانة السورية من سيرهم الذاتية. وقال وفيق سعيد إنه ناشد بشار اتباع طريق معتدل “إنهم يحبونك وزوجتك، فأنت لست مثل مبارك” و”لا تضيع الفرصة لأن تصبح أعظم زعيم للعالم العربي. أعطهم بعض الحقوق وبعضا من الكرامة وسيحبونك للأبد”. إلا أن طريق الأسد كان محددا. وفي خطاب ألقاه في حزيران/يونيو شبه المتظاهرين بـ “الجراثيم” مما فتح الباب أمام فصل مظلم سيخيم على سوريا.
وفي الوقت الذي دخلت فيه الدبابات بلدة عائلتها، كتبت أسماء رسالة إلكترونية لصديقة لها تسألها “هل رأيت شيئا أعجبك؟” وأرسلت لها معلومات عن مجموعة حصرية لأحذية كريستيان لوبوتين. ولم تظهر أسماء في العلن مما قاد لشائعات حول سجن الظروف لها أم أنها وقفت إلى جانب زوجها. ومن تحدث إليها في الأيام الأولى للثورة قالوا إنها التزمت بالخط الرسمي بأنها مؤامرة أجنبية.
ومن الناحية النظرية كان يمكن لأسماء السفر إلى لندن، فهو مواطنة بريطانية. وكانت هناك عروضا بالممر الآمن ومكافأة مجزية من دول في الخليج. وظلت الحكومة البريطانية تردد أنها لن تمنعها من العودة فهو مواطنة وهو ما فسر على أنها ستقدم الحماية لها. ولكن الجو في لندن لم يكن مرحبا، فقد تجمع المتظاهرون أمام بيت عائلتها ولطخوا بابه بالأحمر، وشطبت كوينز كوليج اسمها من قائمة المتخرجين. وانتشرت شائعات بأنها خرجت، وتذكر مسؤول عمل في السفارة السورية في لندن أن الأمن كان يحضر لاستقبال إرسالية (ربما لم تكن أسماء). وقال آخرون إنه جرى توقيفها من شلة النظام الذين خطفوا أولادها في المطار ولهذا ترددت بالسفر دونهم. وتوقفت ولعدة أشهر عن تقديم لقاءات صحافية وركزت في العام الأول من الإنتفاضة جهودها على إعادة تأثيث البيت وأنفقت 250 ألف دولار وأرسلت مصففة شعرها إلى دبي لشراء ما تريده، فيما ساعدها شخص في لندن لتأمين شراء الثريات من هارودز، واستخدمت اسماء مستعارة وأطلقت مازحة على نفسها “الديكتاتور الحقيقي في بيت الأسد”. وتم الكشف عن قائمة مشتريات أسماء ورسائلها في 2012، حيث زودت المعارضة صحيفة “الغارديان” بها ونشر بعضها موقع “ويكيليكس”.
وفي أول تصريح رسمي لها في عام 2012 أكدت أسماء أن “الرئيس هو رئيس كل السوريين وليس رئيس فصيل سوري وأن السيدة الأولى تدعمه في هذا الدور”. لو اعتقدت المعارضة أن هذا جزء من المصالحة مع الأسد إلا ان عودتها للحياة العامة تمت بمساعدة والدها، وبالتالي ستكون مشاركة وعلى قدم وساق في الرئاسة.
وفي صيف 2012 فرت بشرى، شقيقة الأسد، إلى دبي بعد مقتل زوجها في انفجار. وأعلنت المعارضة مسؤوليتها لكن انفجارا كهذا يظل خارج قدرة المعارضة. وكانت بشرى وزوجها يمثلان مصدرا من المصادر المعادية لأسماء في داخل الحلقة المقربة للأسد. وأكد الكثيرون أن القتل كان عملية من الداخل. وعلى مدى السنوات حسن الأسد من موقعه وأوقف تقدم المعارضة التي ظلت ترسل الصواريخ من ضواحي دمشق القريبة لكنها لم تستطع الإطاحة به. وتم القتال على كل بوصة في سوريا. وفي 2016 سيطر الأسد على حلب، كبرى المدن السورية، وواصل الطيران التابع له بقصف المدن التي تحولت إلى أنقاض. وتوقفت الأمم المتحدة في نفس العام عن احصاء القتلى.
وأصبح هذا الدمار لا يناسب أحذية شانيل ولا البدلات أو المجوهرات الراقية، ولهذا استبدلت أسماء الكعب العالي بالحذاء العادي والقمصان التي كشفت عن ذراعيها الهزيلين والبنطال. وعندما ماتت والدة الأسد في 2016 خسرت أسماء أكبر المعارضين لها، لكن العذاب الأكبر كان شخصيا، ففي 2018 تم اكتشاف أنها مصابة بسرطان الثدي. لكن المرض لم يمنعها من إعادة رسم صورتها العامة والتأكد من معرفة الجميع أنها باقية في سوريا للعلاج. وتم تصوير معاناتها وبشكل يومي في التقارير اليومية للصحافة وعبر منصات التواصل الإجتماعي بل ونشر فيديو لها وهي على الكرسي المتحرك باتجاه غرفة العمليات. وعندما بدأ شعرها بالتساقط لبست مناديل جميلة لتظهر ضعفها وقوتها وكمجاز لا يمكن تجاهله عن كفاح زوجها ضد المتمردين. وبدأت مقدمة برامج على التلفزيون مقابلته “تهانينا على انتصارك على السرطان” وأجابت “شكرا” و”آمل ان نحتفل بانتصار سوريا”. وحتى قبل تعافيها شوهدت وهي تدق على أبواب الفلاحين وهي تعانق الأمهات اللاتي فوجئن بالسيدة الأولى التي رافقتها عدسات التلفزة المؤيدة للنظام. وعملت أسماء جهدها لإخفاء “بريطانيتها” واجتهدت في تحسين لغتها العربية لدرجة لم يعد هناك لهجة أو نبرة تشير إلى أثر اللغة الإنكليزية في كلامها.
ورغم إدارة أسماء ظهرها للمؤسسات الدولية التي أثرت على مالية جمعيتها إلا أن علاقتها مع المانحين الدوليين استمرت، فتدفق الدعم الإنساني على سوريا عنى أن كل هذا الدعم سيمر عبر منظمتها. وبالنسبة للمنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة التي تبحث عن طرق لإيصال الدعم إلى المناطق الخاضعة للنظام، مثلت جمعية أسماء المحاور المناسب، ففريقها المتحدث بالإنكليزية يعرف التنظيمات الدولية، ويمكن لأسماء فتح- الأبواب للشيكات. وفي عام 2017 مر دعم إغاثي عبر الأمانة أكثر من أي جمعية أخرى في سوريا. وعادة ما تتعامل الأمم المتحدة مع الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة لكن عددا من الموظفين فيها عبروا عن دهشتهم من استعدادها للتعامل مع الحكومة السورية. وفي الفترة ما بين 2016- 2019 حصلت الأمانة الوطنية السورية على كميات كبيرة من المال تبرعت فيها وكالات الأمم المتحدة كل عام. وتبرعت مفوضية اللاجئين 6.5 مليون دولار في الخمس أشهر الأولى من 2018. ولدى الأمانة 1.500 موظف بحلول 2020 و5 آلاف متطوع وهي زيادة بعشرة أضعاف أثناء سنوات الحرب. وكرئيسة للجمعية فقد قدمت لأسماء أكثر من مجرد الثروة بل والحماية من أمراء الحرب الذين طورت علاقات معهم، وهو ما أشعر السكان بالامتننان لها والإحسان الذي جاء على شكل حقائب مالية نقلت إلى المنظمات التي ترتبط بها.
واستفادت أسماء مباشرة من اقتصاد الحرب، حيث حصلت على عقود في مجال بطاقات الدفع الذكية. وأطلقت شركة توزيع الهواتف النقالة اسمها “إيماتيل” على اسمها وهي في المدرسة.
وسجلت باسم خضر علي طاهر الذي يشار إليه بأنه “واجهة أسماء في كل شيء”. وأثرت عائلتها أيضا فقد أصبح أفرادها مؤثرين. ويدير شقيقها فراس وقريبها مهند الدباغ شركة الهواتف. ووصف تقرير لموظف سابق في السفارة السورية بواشنطن طريف الأخرس، ابن عم أسماء، بأنه “واحد من الرموز المهمة للنظام”. ويقول مقربون إن الأسد سعيد بنجاح زوجته وهو متعب بعد سنوات الحرب والاقتصاد ليس مجاله القوي. وأصبحت أسماء “كبير مستشاري الرئيس الاقتصاديين”.
وبحلول 2019 كان الروس يضايقون الأسد لدفع الديون فيما زاد الأمريكيون من العقوبات. ومن هنا بحثت عائلة الأسد عن هدف. وكان رامي مخلوف، ابن خال الرئيس الذي استخدم علاقاته مع النظام لبناء مملكة تجارية متنوعةـ شركات اتصالات ومحلات في الأسواق الحرة واستيراد وتصدير. وعلى الورق كان رجل أعمال ناجح لكنه كان عمليا مديرا تنفيذيا لسوريا. وقيل إنه كان يستطيع التخلص من وزير بمكالمة واحدة. وخسر مخلوف بوفاة أنيسة حاميه، وتمت السيطرة على الجمعية التي استخدمها لبناء تأثير بين الطائفة العلوية، وسيطرت عليها أسماء وتم تجميد حساباته. ورد مخلوف في أشرطة فيديو حاول فيها تدمير أسماء، قائلا إن “أشخاصا من فوق” هم من يدفعون للتخلص منه.
وظهرت تقارير في الصحف الروسية عن شراء الأسد لوحة لديفيد هوكني بمبلغ 30 مليون دولار هدية لزوجته. ولم ينجح مخلوف ولا يزال تحت الإقامة الجبرية، إذ تقول شائعات إنه ظل على قيد الحياة لأنه يعرف المفاتيح والكلمات السرية لحساباته في الخارج وهي 10 مليارات دولار بالمجمل. وواصلت أسماء الحصول على أرصدة جديدة، وسيطرت جماعتها على ثاني شركة اتصالات في سوريا. وتوسعت شركتها إيماتيل في كل أنحاء سوريا حتى بالمناطق غير الخاضعة للنظام. وكان نجاح أسماء التجاري والمالي سببا في تراجع صورتها التي حاولت تنشئتها بين السكان. ويقول رجل أعمال إن البعض لا يزال يحبها ويضع صورتها على حسابه في انستغرام لكن الآخرين ينظرون إليها كشجعة. وفي هذه الأيام لا أحد يتهم أسماء بأنها لا تفهم كيف تعمل سوريا. ومع تحييد مخلوف وموت والدة الأسد ورحيل شقيقته لم يعد لدى أسماء منافسين مهمين داخل الدائرة المغلقة، وعين عدد من مستشاريها في المراكز المهمة بمكتب الرئيس و “هي تسيطر على المعنين في القصر” كما يقول رجل أعمال في دمشق و “يمكنها ترشيح من تريد”.
وهناك شائعات في دمشق والعواصم الأجنبية عن تفكير أسماء وطموحها بتولي الرئاسة حالة أصبح موقع بشار ضعيفا ولا يمكن الدفاع عنها. فهل يمكن للرئيسة أسماء قيمة مهمة للغالبية السنية واستمرارية للحكم. وهناك تقارير عن لقاء أقارب أسماء مع مسؤولين أمريكيين لجس النبض ودعم الفكرة. وقال دبلوماسي سوري سابق “تفكر أسماء والأسد في نفس الشيء” و”تحب أن تكون رئيسة وكلاهما يفكر بهذا كفكرة ثورية لحماية النظام”. وربما دعمت بريطانيا طموحات أسماء في السابق، وهي سعيدة بأن تضيفها إلى قائمة حكام الشرق الأوسط ممن لهم روابط معها. ورغم شجبها إلا أنها لم تجردها من جنسيتها كما فعلت مع شميما بيغوم، البنت من شرق لندن التي سافرت إلى سوريا وانضمت إلى تنظيم “الدولة”.
ولن يدعم المتشددون العلويون محاولاتها للرئاسة، وبخاصة ماهر الذي لا يزال يقود الفرقة الرابعة القوية. وقال تاجر سوري مقيم في دبي “سيتآمر الجيش والطائفة لمنع وصولها إلى الرئاسة”. وهي قوية أكثر من أي وقت ولكنها عرضة للخطر. والحديث عن طموحات رئاسية يجعلها في وضع خطر، ومع أن الكثير من أصدقائها وصديقاتها تخلوا عنها ولكنهم حريصون عليها وعلى حياتها. وقال وفيق سعيد “أنا قلق عليها”، لكن أسماء اكتشفت منذ وقت طويل انه لم يعد هناك رجعة.
القدس العربي
———————–
أميرة الحرب.. إيكونوميست تروي تفاصيل غير مسبوقة عن أسماء الأسد
إيكونوميست- ترجمة: ربى خدام الجامع
انتشرت خلال الصيف الماضي صورة للسيدة الأولى في سوريا على وسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي كانت فيه قوات النظام الأسدي في شمال غربي سوريا تدك ما تبقى من جيوب للثوار المناهضين للنظام، وتظهر تلك الصورة أسماء الأسد برفقة زوجها بشار وأولادها الثلاثة وهم يقفون على قمة تلة جرداء يحيط بهم الجنود بلباسهم المموه. كان بشار يرتدي معطفاً مضاداً للمطر له قبعة، وحذاء رياضياً، وقميصاً قطنياً تركه طليقاً خارج بنطاله، فبدا بهيئته تلك كمن يقود الأطفال في نزهة سيراً على الأقدام خلال عطلة نهاية الأسبوع، لا ديكتاتوراً يصدر أوامر تقضي بتعذيب معارضيه. أما أسماء فقد وقفت وقفة صلابة أكثر من زوجها، واضعة يديها على جنبيها، وهي ترتدي بنطال جينز أبيض، وحذاء رياضياً، وقد وضعت فوق عينيها نظارة شمسية داكنة كتلك التي يرتديها الطيارون ويعشقها المستبدون في الشرق الأوسط. كانت أسماء تتوسط تلك الصورة، أما زوجها الذي يعتبر رأس النظام، فقد وقف إلى جانبها بشكل أخرق.
كان الهدوء والطمأنينة التي يبثها المنظر الطبيعي خلف أسماء مجرد مظهر زائف. إذ بعد مرور عشر سنوات على بداية الربيع العربي، الذي هب فيه ملايين المواطنين في الشرق الأوسط ضد الأنظمة القمعية، تمكنت الأسرة الحاكمة في سوريا من الاحتفاظ بالسلطة، إلا أن الثمن كان باهظاً بحق.
فقد قتلت قوات النظام الآلاف من السوريين، وعذبت أكثر من 14 ألف مواطن حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة، كما هرب نصف السكان من بيوتهم، ما أدى إلى ظهور أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية. وعندئذ دخلت إيران وتركيا وأميركا وروسيا في حروب بالوكالة من أجل بسط نفوذها على التراب السوري. وهكذا وفي مختلف أنحاء العالم العربي، منيت الأحلام الواعدة التي سعت إليها الشعوب قبل عقد من الزمان بالسحق، إلا أن كل تلك الدول لم تشهد حرباً دموية كتلك التي عاشتها سوريا.
بيد أن أسماء أصبحت اليوم أقوى وأكثر نفوذاً من أي وقت مضى، بعدما مضت برحلتها في طرق متعرجة وملتوية حتى تحقق السيادة والتفوق على هذه الأرض المدمرة، وذلك لأن دربها فرش بحالاتها وأدوارها المتعددة وهي: عملها كموظفة لدى بنك جي بي مورغان عندما كانت تبرم صفقات في ساعات متأخرة من الليل، وصورتها كسيدة أولى متألقة اعتقدت بأن الإصلاحات الاجتماعية التي تفصل بشكل دقيق على مقاس البلاد يمكن أن تدخل التحديث على دولة منبوذة، ودورها كماري أنطوانيت دمشق، حيث كانت تتسوق وبلادها تحترق، ودورها كأم لهذا الشعب، ومحاربتها للسرطان في الوقت الذي كانت فيه قوات زوجها تسحق الثوار.
كانت إنجليزية جداً وبدت وكأنها لا تريد لشيء أن يربطها بسوريا
متى ستنتهي رحلتها؟ إن صعودها وظهورها في بلاط عائلة الأسد لم يعد محور الحديث والثرثرة بين من يراقبون الوضع في سوريا. إذ خلال العام الفائت، وصفت الحكومة الأميركية أسماء بأنها شخصية من بين “أسوأ المتربحين من الحرب السورية صيتاً”. وهنالك أحاديث تدور في السر حول إمكان خلافتها لزوجها ووصولها إلى منصب الرئاسة في يوم من الأيام. بيد أن الشيء المؤكد هو أن أسماء قطعت شوطاً طويلاً بعدما غادرت بيتها شبه المنعزل في لندن حيث كبرت وترعرعت.
كانت تلك بداية لم يتوقعها أحد لزوجة ديكتاتور، فقد ولدت أسماء الأخرس عام 1975 بآكتون في غربي لندن القريبة من أكثر الأحياء ترفاً وغنى في تلك المدينة. وكان أهلها مسلمين يتبعون المذهب السني، مثلهم مثل غالبية السوريين، إذ يعتبر هذا المذهب هو الأكثر شيوعاً في سوريا حتى ستينيات القرن الماضي، بعد ذلك قامت طائفة صغيرة ومهمشة وهي الطائفة العلوية بتدبير انقلاب في البلاد، وكان حافظ الأسد، والد بشار، جزءاً من ذلك المخطط، ثم أعلن نفسه قائداً لتلك الدولة في عام 1970.
سافر والدا أسماء إلى لندن في سبعينيات القرن المنصرم بحثاً عن فرص حياة أفضل، وبقيت الأسرة على دينها في المغترب، إذ ظل والدها يحضر صلاة الجمعة، ولم تخلع الأم حجابها إلا بعد زواج أسماء. ويصف الأصدقاء تلك الأسرة بأنها محافظة من الناحية الثقافية، لكنها حريصة على اندماج الأبناء واستيعابهم ضمن ذلك المجتمع. ففي المدرسة الابتدائية التابعة للكنيسة المحلية، كانت أسماء تعرف باسم إيما، حيث يتذكر أحد الجيران ذلك فيقول: “لا بد أن تتوه قبل أن تدرك أنها سورية”.
ويبدو أن قدرها أن تعيش بين النخب الثرية في لندن، إذ عندما بلغت أسماء سن المراهقة، أخذت ترتاد إحدى أعرق المدارس الخاصة للبنات في بريطانيا، ألا وهي كوينز كوليدج، القريبة من عيادة والدها الخاصة في هارلي ستريت. ثم حصلت على شهادة في علوم الحاسوب من جامعة كينغز كوليدج بلندن، حيث يتذكرها كل أصدقائها ومنتقديها بأنها كانت ذكية ومجتهدة.
بيد أن أحداً لا يتذكر أنها أبدت أي اهتمام بالشرق الأوسط، ففي زياراتها لدمشق برفقة أهلها، كانت تمضي وقتها بالقرب من مسبح فندق شيراتون، وعن ذلك يقول أحد أصدقاء أسرتها: “كانت إنجليزية جداً وبدت وكأنها لا تريد لشيء أن يربطها بسوريا”.
لم يندهش أحد عندما حصلت أسماء على وظيفة في مصرف جي بي مورغان الاستثماري، حيث يجب على الموظفين أن يعملوا لمدة تصل إلى 48 ساعة بوتيرة سريعة، وقد يتعين عليهم أن يناموا في مكاتبهم أيضاً. كان بعض المتدربين لدى هذا المصرف يبدون جرأة وهشاشة وطموحاً بشكل واضح، بيد أن مدير أسماء واسمه بول جيبيس يتذكرها بأنها كانت: “رشيقة ومهذبة وخانعة” وترتدي بزات سوداء أنيقة، وقد تخصصت أسماء في عمليات الدمج والاستحواذ (تلك الخبرة التي استفادت منها في سوريا لاحقاً). وهناك أخذت تواعد أحد الزملاء الغرباء، كما قدمت لها عروض زواج حينذاك. وبالرغم من أن راتبها كان كبيراً وقتها، فإنها بقيت تعيش مع والديها خلال فترة عملها بلندن.
نفور بشار من الدم دفعه إلى التخصص في طب العيون
كانت لدى سحر، والدة أسماء، مخططات طموحة بالنسبة لابنتها، فقد ساعد عمها حافظ الأسد بالاستيلاء على السلطة، وقد استعانت سحر بصلة الوصل تلك لتؤمن وظيفة في السفارة السورية بلندن. كما سعت أيضاً لترتيب أمور زواج ابنتها من بشار، الابن الثاني لحافظ، بحسب ما ذكره سام داغر في كتابه: (الأسد أو نحرق البلد). وهكذا التقى الشابان مرات عديدة عندما كان بشار طالب طب لم يحقق أي نجاح يذكر في لندن خلال تسعينيات القرن الماضي.
ترعرع بشار في ظل والده القائد، وكان الابن الوحيد الذي درس في الخارج من بين أبناء حافظ الستة. إلا أن نفور بشار من الدم دفعه للتخصص في طب العيون، ذلك التخصص الذي لا يحظى بكبير احترام بين التخصصات الطبية الأخرى. ويخبرنا عنه معلمه إدموند شولنبيرغ بأنه كان بارعاً في تجفيف الكيسات والخراجات.
كان شقيق بشار الأكبر، باسل، يخدم في الجيش ويقود السيارات بسرعة، ويطارد النساء، أما بشار فقد كان مجتهداً ودقيقاً ويداوم في الكلية بشكل يومي ويبتعد عن الحياة الصاخبة بحسب ما يخبرنا وفيق سعيد، وهو مغترب سوري ثري، كما كان يستمع لفيل كولينز ولأوركسترا إلكتريك لايت، ويشرب الشاي الأخضر ويتجول بدراجته في أرجاء المدينة. وبخلاف والده الذي حافظ على لكنته الفلاحية، يتحدث بشار بلهجة النخبة الدمشقية المهذبة والخفيفة.
إلا أن بشاراً أخذ يلاحق النساء أيضاً، وصار يواعد في كثير من الأحيان الفتيات الجميلات اللواتي يتخلى عنهن شقيقه باسل. غير أنه لم يختر زوجته بمفرده، إذ عندما توفي شقيقه باسل بحادث سيارة عام 1994 (ورد أنه كان يقود سيارته المرسيدس بسرعة جنونية على الطريق الدولي المؤدي إلى مطار دمشق) تعلق مصير سلالة الأسد فجأة برقبة بشار.
لم يكن بشار قد تزوج عندما توفي والده في عام 2000، ثم أصبح رئيساً بعد ذلك بشهرين، عقب انتخابات مزيفة. في تلك الأثناء، كانت أسماء تعمل في مكتبها لدى بنك جي بي مورغان بعدما تم تعيينها قبل عامين على ذلك. لكنها اختفت فجأة مدة ثلاثة أسابيع من دون أن تعلم أحداً بذلك، وعند عودتها أخبرت رب عملها بأنها أغرمت بسوري جذاب حملها معه إلى ليبيا حيث عقد عليها في خيمة وسط الصحراء، ثم استقالت على الفور، كما تخلت عن مقعدها الذي حصلت عليه حديثاً في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، وعندما سألتها صحفية لاحقاً إن كانت قد ندمت على ذلك، ردت بالقول: “من ذا الذي يفضل هارفارد على الحب؟”
تتحول سوريا إلى جغرافيا معقدة بعد مغادرتك لفندق شيراتون، حيث تؤوي جبالها والبادية فيها فسيفساء تضم خليطاً من المجموعات العرقية والدينية، معظمها تعرض للاضطهاد من قبل المجموعات الأخرى في وقت من الأوقات. وقد احتلت فرنسا هذه البلاد بعد خروج العثمانيين منها، وكان احتلالها بين الحربين العالميتين قصيراً وأثار الكثير من الاستياء والنقمة. أما السنوات الأولى بعد استقلال سوريا فقد شابتها فتنة داخلية قاسية، وقيام انقلاب تلو انقلاب.
انتهت مرحلة الاضطرابات تلك في عام 1970، مع صعود حافظ الأسد، ذلك الضابط العنيد في القوات الجوية الذي ينتمي إلى حزب البعث الحاكم. وخلال سنوات حكمه التي سادها الخوف، كانت أفرع الأمن تدير شبكة من الجواسيس والمخبرين، وتتنصت للمكالمات الهاتفية، وتمارس التعذيب بحق المواطنين من دون تمييز. وعندما ثار المعارضون المسلمون الذين ينتمون إلى المذهب السني ضد حكم البعث في حماة عام 1982، سوّى حافظ أجزاء كاملة من تلك المدينة بالأرض.
كان حافظ قد توفي عندما انتقلت أسماء إلى دمشق بنهاية عام 2000، بيد أن إرثه توزع في كل مكان، ذلك الإرث الذي تمثل بفن العمارة وفقاً للطراز السوفياتي، فضلاً عن تلك اللوحات الإعلانية التي تحمل وجهه مع عبارات متزلفة، كما أن دعمه للتنظيمات الإرهابية في عموم المنطقة قد عزل سوريا عن الغرب، ولهذا أصبح صعود بشار فرصة لإعادة ضبط تلك العلاقات.
عقيلة الرئيس لا السيدة الأولى
وهكذا، وفي خطاب القسم، تعهد بشار بمحاربة الفساد وإجراء انتخابات حقيقية تتميز بالتعددية الحزبية، ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى أغلق أحد أكبر السجون في سوريا. ثم أصبح الناس يتناقشون بالقضايا السياسية بشكل حذر في مقاهي دمشق.
بدت أسماء قرينة واعدة لقائد سوريا الجديد، فقد كانت الملكة رانيا في الأردن، بل حتى الأميرة ديانا في بريطانيا نماذج تعبر عن تميز وألق السيدة الأولى التي يمكن أن تصبح قوة تدفع نحو الإصلاح. وقد بدا حزب البعث العلماني في سوريا أكثر تقبلاً لشغل المرأة لأدوار تتصل بالشأن العام مقارنة بمعظم الدول العربية، وحول ذلك يقول وفيق سعيد، ذلك المغترب السوري الثري الذي كان صديقاً للزوجين: “خلت أن تركيبة هذين الشخصين لا بد أن تحول سوريا إلى جنة”.
ولكن كغيرها من النساء اللواتي سبقنها، كان على أسماء أن تحسب ألف حساب لأهل زوجها، فقد كانت أنيسة والدة بشار تريد لابنها أن يتزوج من طائفته، وذلك ليستمر حكم تلك السلالة تماماً كما حدث مع آل سعود في السعودية، بل إن بعض أفراد عائلته ارتأوا أنه يتعين على بشار التنازل عن الرئاسة بسبب زواجه من امرأة سنية المذهب.
وبعد فشلها في إحباط ذلك الزفاف، قررت والدة بشار أن تخفي الأمر برمته، ولهذا لم تصدر أي نشرة إخبارية بشأن ذلك الحدث الذي تم من دون ضوضاء، كما لم تنشر أي صورة رسمية لذلك العرس. وكانت أسماء تسمع دوماً أن دورها ينحصر في إنجاب الورثة والابتعاد عن الصحافة. كما أصرت والدة بشار على الاحتفاظ بلقب السيدة الأولى، في الوقت الذي أخذ فيه الإعلام الرسمي يشير إلى أسماء بلقب عقيلة الرئيس، وهكذا لم يكن بوسع أحد أن يتعرف إليها عندما تمشي في الشارع.
حبسوها في البيت لسنوات
كانت الحياة المنزلية تعيسة، إذ يقول أيمن عبد النور مستشار بشار في ذلك الحين عنها: “كانوا يكرهونها.. فقد حبسوها في البيت لسنوات”، كما لم تكن أسماء تتحدث العربية بطلاقة بعد، لذلك عندما كانت العائلة تجتمع لتناول أي وجبة، كانوا يتبادلون الأحاديث بلهجتهم الساحلية العصية على الفهم.
كما أن بقية النخبة الحاكمة لم تبد لها أي مشاعر ودية، فقد وصلت إصلاحات بشار إلى طريق مسدود، بسبب الحرس القديم لوالده على وجه الخصوص، وبشأن ذلك يعلق رجل أعمال سبق له التعامل مع النظام فيقول: “كان حافظ الأسد كالأخطبوط الذي يسيطر على أذرعه كافة، ولهذا ظهر بشار في بداية الأمر وكأنه أخطبوط سيطرت عليه تلك الأذرع”.
وفي غضون أشهر اتضح بأن الوعود الإصلاحية لبشار كانت واهية، وبأن الغرض منها حشد الدعم بشأن خلافته لأبيه، وعن ذلك يقول وفيق سعيد: “بشار يقول لك ما تريد أن تسمعه منه بالضبط، ثم لا يفعل شيئاً على الإطلاق”. وسرعان ما تراجع بشار عن وعوده، فاعتقل المثقفين وحبسهم، كما انتشرت صور لبشار ضاهت بكبر حجمها تلك الصور المنتشرة لأبيه. كما شدد القيود على حق التجمع للعامة أكثر فأكثر، حتى أنه بات يتعين على من يعقدان قرانهما الحصول على موافقة أمنية من قبل الدولة حتى يقيما حفل عرس في فندق.
وبذلك تلاشت الآمال لتغيير سوريا على مراحل، إذ عقب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، قدم بشار للأميركيين تسهيلات حتى يقوموا بالتحقيق مع من يشتبه بتورطهم بالإرهاب، بيد أن إدارة بوش كانت ميالة “لنشر الديمقراطية”، ولهذا فإن مجرد اقتراح سوريا على أنها الهدف التالي بعد العراق دفع النظام في سوريا إلى تغيير مساره، فقد أرسل بشار جهاديين من أبناء البلد لدعم الثورة التي قامت في العراق ضد الأميركيين.
ومع تعزيز بشار لسلطته، كانت أسماء تؤدي دورها كزوجة ولود بكل أمانة وإخلاص، حيث أنجبت ثلاثة أولاد في تتابع سريع، كان بينهما صبيان، كما بقيت ترتدي ثيابها كموظفة بنك رزينة، وكانت المرات الوحيدة التي تصدرت فيها عناوين الصحف عندما أخذت تسافر خارج البلاد، ومع ذلك ظل أهل زوجها حاقدين عليها.
انعكست القسوة داخل تلك العائلة على خبث أفرادها وشرورهم خارجها، ففي يوم عيد الحب من عام 2005، أدى تفجير سيارة إلى مقتل أحد أبرز السياسيين في لبنان، وهو رفيق الحريري. كانت سوريا قد أبقت تلك الدولة الجارة الصغيرة المعطلة، تحت قبضتها المحكمة، ولهذا خمن كثيرون بأن الأسد هو من أصدر أوامر باستهداف ذلك الرجل. ولكن عندما تعرض بشار لخطر العقوبات الدولية، وجوبه بمظاهرات عارمة في لبنان، تراجع عن ذلك كله، فسحب جنوده من لبنان بعد مرور 30 عاماً على احتلالها، الأمر الذي أغضب المتعصبين في سوريا.
لم يعد بشار بحاجة إلى حلفائه، بعدما أصبح بمقدور زوجته البريطانية استرضاء الحكومات الغربية، كما وعد أسماء بإسكات أهله بعدما وافق على منحها لقب السيدة الأولى، (إلا أن وسائل الإعلام الرسمية السورية لم تبدأ باستخدام هذا اللقب للإشارة إلى أسماء إلا بعد وفاة أنيسة في عام 2016). وأخيراً، أصبح لأسماء مقعد على طاولة العائلة.
وبعد شهرين على اغتيال الحريري، وتحديداً في نيسان من عام 2005، وقفت أسماء بجانب زوجها في جنازة البابا يوحنا بولس الثاني، حيث لم يبادر إلا القليل من الحضور لمصافحة بشار، إلا أن أسماء التي تعمدت أن تظهر بمظهر آسر بعدما غطت وجهها بغلالة من الدانتيل الأسود، لفتت الأنظار أكثر من زوجها، وهكذا انتشرت صورها وهي تتعامل بأريحية ومودة مع قادة العالم.
كانت تلك لحظة مفصلية لهذين الزوجين، إذ حتى ذلك الحين كانت أسماء تتعرض للإقصاء والتهميش كونها زوجة أجنبية، ولكنها ظهرت في ذلك اليوم لتلعب دوراً أساسياً في إعادة تأهيل بشار على المستوى الدولي، وعنها يقول عبد النور المستشار السابق لبشار: “كانت سفيرته لجميع الدول، إذ من دونها لم يكن بوسعه أن يختلط مع الآخرين”.
وفي مقابلاتها مع الإعلام الغربي، لم تستطع أسماء إلا أن تبز بشار (ففي محاولة للفت نظر الجمهور المسيحي وإعجابه، أخذ بشار يصف اليهود بقتلة المسيح). وفي الداخل أيضاً، أضفت أسماء على صورة الزوجين لمسة لطيفة، حيث أخذت أسرة الأسد تستعرض تواضعها، فابتعدت عن الظهور في القصر العملاق المكسو بالرخام الذي بناه السعوديون لأسرة الأسد وكلفهم مليار دولار، وأخذت تلك الأسرة الصغيرة تقيم في بيت متواضع قريب مؤلف من ثلاثة طوابق. كما أخذت أسماء تعيد أطفالها إلى البيت من مدرسة مونتيسوري القريبة كل يوم. وعندما دعي وفيق سعيد لتناول طعام العشاء في بيتهم، دهش لعدم وجود مظاهر الأبهة والفخامة فيه، وعن ذلك يقول: “لم نر أي خدم، بل قدم لنا هو وزوجته طعام العشاء”.
أطلق دبلوماسيون سوريون عليها اسم إميلدا ماركوس
وبمساعدة مصفف شعر جديد، زادت إطلالات أسماء، كما زاد علو كعب حذائها وطول أقراطها، وأصبحت أظافرها تطلى وتشذب، وبالرغم من عدم ارتدائها هي وبشار لخاتم الزواج، فإنها أخذت تتقلد العقيق الملكي في رقبتها. إذ يتذكر العاملون في العمليات الأرضية لدى الخطوط الجوية السورية في لندن رتل الصناديق الذي لم ينته والذي يضم ثيابها التي جلبتها من أرقى المتاجر بلندن، ولهذا أصبح الدبلوماسيون السوريون يطلقون عليها اسم إميلدا ماركوس تيمناً بسيدة الفلبين الأولى التي أدمنت شراء الأحذية.
وهكذا نجح أسلوب الهجوم الآسر، إذ بعد مرور أشهر فقط على اغتيال الحريري، سألت صحيفة نيويورك تايمز ما إذا كان هذا الثنائي يمثل: “جوهر الانصهار العلماني بين العالم الغربي والعربي”، وعن ذلك يقول أحد الدبلوماسيين السوريين الذي نظم جولة أوروبية لهذين الزوجين ويعيش حالياً في المنفى: “لقد انبهرت بها إذ تبدو لك لطيفة عندما تقابلها، أما هو فيختلف عن غيره من الديكتاتوريين في الشرق الأوسط، لأنه يبدو متحضراً ومتطوراً، وهذا ما يجعل منه شخصية خطرة جداً”.
الصدام مع رامي مخلوف
كان المشروع التالي لأسماء هو سوريا بحد ذاتها، إذ بعد عقود من التخطيط المركزي والقيود المفروضة على عمليات الاستيراد، رغبت أسماء بتحديث سوريا، فأبهرت زوجها بالمصطلحات المالية ودفعت نحو انفتاح القطاع المصرفي على الشركات الخاصة والأجنبية، وعن ذلك يخبرنا أحد خبراء الاقتصاد السوريين الذي يتمتع بصلات جيدة معها فيقول: “كانت تريد أن تحول دمشق إلى دبي في هذه المنطقة، وإلى ملاذ للتهرب الضريبي بعيداً عن القيود المالية”.
لسوء الحظ، هددت الإصلاحات الاقتصادية مصالح بعض كبار المتنفذين في سوريا، ولتغيير طريقة تنفيذ تلك المشاريع والأعمال، بات لزاماً على أسماء أن تقف ضد رامي مخلوف، ابن خال بشار الأرستقراطي. إذ بعد إجراء بعض التقديرات يمكن القول إن شركات مخلوف تتحكم بأكثر من نصف الاقتصاد السوري، ولهذا حاولت أسماء أن تتحدى نفوذه في عام 2007 عبر إنشاء شركتها القابضة الخاصة، إلا أنها لم تتمكن من اجتذاب كم كبير من الشركات التجارية التي لها وزنها في البلد، وذلك لأن تلك الشركات بقيت تدور في فلك رامي، ولهذا كان على مخططاتها بالنسبة للاقتصاد السوري أن تتروى وتتنظر.
وسرعان ما اكتشفت أسماء طريقة جديدة لبسط نفوذها، إذ سبق لها أن دخلت عالم الأعمال الخيرية في بداية زواجها، فأصبحت تسعى لجمع مشاريعها ضمن منظمة واحدة، وهي الأمانة السورية للتنمية، وصارت تعمل على جعل هذه الأمانة نقطة الوصل الأساسية لسوريا مع العالم، وهكذا أخذت توظف سوريين يتحدثون اللغة الإنجليزية ويعيشون في الخارج، إلى جانب توظيفها لموظفين سابقين لدى الأمم المتحدة، ومخططين استراتيجيين من مونيتور غروب وهي شركة استشارات إدارية مقرها بوسطن، بل وصلت بها الأمور لتوظيف ابنة دبلوماسي ألماني، وعن ذلك يخبرنا دبلوماسي عايش تلك الأحداث في دمشق وقتها، فيقول: “لقد تم ترخيص الأمانة لتتعامل مع الأجانب في الوقت الذي لم تمنح فيه هيئات أخرى ذلك الامتياز”.
ارتأت أسماء لسوريا أنه لا بد لها أن تتحول إلى وجهة سياحية مرغوبة بفضل طبيعتها المتنوعة وغناها بالآثار، ولهذا قامت بتوظيف قيمين على المتاحف من اللوفر والمتحف البريطاني ليقوموا بإعادة تصميم مركز مدينة دمشق. إذ كان من المقرر تحويل مصنع إسمنت إلى معرض على غرار معرض تات مودرن بلندن، إلى جانب إعادة تأهيل الضفتين اللتين يمر عبرهما نهر مملوء بالقذارة يخترق وسط المدينة وتحويل تلك الضفاف إلى متنزه حضاري. وقد تم التخطيط لمد سكة حديد جديدة تربط مدينة دمشق القديمة بمدينة حلب القديمة الواقعة في شمال شرقي البلاد، أي تلك المنطقة التي تعاني من التخلف وضعف التنمية فيها.
ولهذا أخذ معظم الدبلوماسيين الغربيين في دمشق يدعمون الأمانة السورية التي أنشأتها أسماء بكل سرور، بعدما أبهرت الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والبنك الدولي، فقدموا لها ملايين الدولارات لتمويل رؤيتها. كما احتفت مجموعة من المقالات الصحفية بالنهضة الثقافية لدمشق على حد تعبير أسماء، وعن ذلك يقول زوجها بشار: “هكذا تحارب التطرف، من خلال الفن”.
بيد أن زملاءها في العمل رأوا الجانب الآخر من كل هذا، فعندما تكون الأمور بخير تبدي أسماء حب اطلاع واسع وتبدو قادرة على التكيف بشكل مذهل، بحسب ما ذكر أحد موظفيها السابقين، غير أن أحد الاستشاريين لديها يتذكر مزاجها الذي يشبه مزاج أميرة، فقد “كانت تصرخ وتنفس عن غضبها، كما كانت مهووسة بحب السيطرة، ولهذا أجدها شخصية مخيفة” (وقد استقال هذا الاستشاري بعد ثمانية أشهر من العمل معها).
لكنها كانت ناجحة ومؤثرة أيضاً، إذ يخبرنا أحد من عملوا معها في دمشق مدة ست سنوات: “كنا نستغرب عندما تقول: أريد أن يحدث كذا وكذا، ثم يحدث كل ذلك وقد تكرر هذا عدة مرات”. بيد أن العاملين لديها كانوا يعملون ساعات عمل مضنية كتلك التي اعتادت عليها في بنك جي بي مورغان، إذ كان دوام المكاتب يبدأ في الساعة السادسة فجراً، ولا ينتهي إلا بعد حلول المساء. وكان الموظفون لديها يدركون أن عليهم استشارتها هي لا وزير الثقافة حول أهم القضايا.
هذا وقد تعاملت أسماء مع شركات علاقات عامة في بريطانيا وأميركا لتلمع صورتها، فأخذت تلك الشركات ترسل إليها نواباً في البرلمان من مختلف دول العالم ليثنوا على ما تقوم به من عمل. كما أصبح المشاهير يزورون دمشق، وعلى رأسهم أنجيلينا جولي وبراد بيت، وستينغ ودامون آلبارن. ثم قام مفتي سوريا بتوجيه دعوة ليهود سوريين هربوا من القمع والاضطهاد قبل عقود. بعد ذلك رتبت شركة براون لويد جيمس للعلاقات العامة، وهي شركة أميركية، أمر ظهورها على غلاف مجلة فوغ في شهر آذار من عام 2011، حيث بدت أسماء “كوردة في الصحراء” مصيرها أن تحول سوريا إلى علامة فارقة.
إلا أن اختصاصات وصلاحيات الأمانة بقيت محدودة، وعنها يقول أحد الموظفين: “لم نتدخل بأي شيء يتصل بالمساجد أو الدين أو السياسة”، إذ كان من الصعب ضبط تلك الحدود، فقد قام معلمون بجولة في سوريا حاملين معهم كوخ أسكيمو كبيراً قابلاً للنفخ صمم ليكون مساحة لسرد القصص، وقد تم نصبه بمساعدة أحد المديرين التنفيذيين السابقين لدى متحف العلوم بلندن، وكان يتعين على المعلمين أن يركزوا في قضايا لا تثير أية إشكاليات، مثل حق الطفل بالحصول على هواء نظيف، إلا أن الحوار انتقل إلى انتهاكات النظام، حيث يحكي لنا أحد المنظمين ما جرى فيقول: “قال أحد الأطفال لدي قصة حول حقوق الإنسان، وأخذ يحكي كيف جرى اعتقاله، وتجريده من ثيابه ثم كيف أرغموه على الجلوس فوق قارورة. وكان يتعين علينا أن ننقل ما جرى للسيدة الأولى، بعد ذلك علمنا بأن أحدهم طرد من عمله في أحد فروع الأمن”.
كان الاستشاريون الأجانب لدى الأمانة السورية يعيشون في فقاعة ذهبية بدمشق، إذ كانوا يطلبون وجبات السوتشي من قسم خدمة الغرف، ويحصلون على رواتب كبيرة لقاء ثرثرتهم وهذرهم بشأن بناء المقدرات. وعن ذلك يخبرنا سمير العيطة الذي عمل مستشاراً لدى وزارة المالية فيقول: “كانت الكثير من القرى تفتقر إلى شبكة صرف صحي ملائمة وإلى الكهرباء، ثم أتت هي ومستشاروها وأخذوا يتحدثون عن الريادة والمجتمع المدني، والتنمية المستدامة، والتدريب على صناعة الأجبان.. إذ اعتقدت أسماء بأن الأمانة السورية بوسعها أن تنقذ كل شيء، إلا أنها لم تكن سوى مجموعة تضم أغبياء يتحدثون الإنجليزية وتعود أصولهم إلى فلاحين فقراء”.
بل إن بعض الموظفين شكوا في أن تكون هذه الأمانة مجرد وسيلة اتخذتها أسماء لتعظيم نفسها، إذ كان يتعين على المستشارين أن ينادوها بلقب: “سعادتكم” وأن ينتصبوا واقفين عند دخولها إلى القاعة. ويرى أحد من عملوا لديها في السابق بأن أسماء التزمت حقاً بتحرير سوريا، إلا أن البقية لم يقتنعوا بذلك، إذ يقول سفير دولة غربية شغل منصبه في دمشق في ذلك الحين: “هل كان ذلك حقيقياً؟ هذا هو السؤال الذي سألته لنفسي”.
ومن بين من استفادوا كثيراً من صعود أسماء والدها فواز الأخرس، إذ بعد زواج ابنته من بشار بفترة قصيرة، أسس فواز الجمعية البريطانية السورية، وهي منظمة مقرها في لندن أخذت تحشد الدعم السياسي والمالي لسوريا. وأخذ هذا الرجل ينسق أنشطة تلك الجمعية مع منظمة أسماء، بهدف استقطاب جمهور الأثرياء السوريين.
لم يخف فواز الأخرس قربه من السلطة، فقد كان من عادته أن يفتتح أي خطاب يلقيه بالقول: “بوصفي عم الرئيس…”، وعن ذلك يخبرنا مدير الاتصالات لدى الحكومة السورية في لندن يحيى العريضي فيقول: “كان السفير السوري يبدو مجرد عامل أو مساعد نادل مقارنة بوالد أسماء”. ويقال إنه حتى رئيس الوزراء السوري كان يطلب من والد أسماء أن ينقل رسائل إلى بشار.
وعندما بدأ نجم أسماء بالصعود، أخذت صورة سوريا على الساحة الدولية تتحسن هي أيضاً، حيث بدأ المسؤولون الأميركيون بزيارة دمشق من جديد، خاصة بعد انتخاب باراك أوباما رئيساً في عام 2008. كما انتشرت شائعات عن دعوة إلى واشنطن بقيت معلقة، في حين أبدى الفرنسيون تعاطفاً أكبر، ولهذا أخذ المصورون المتطفلون يطاردون أسرة الأسد عند زيارتها لباريس، كما أثنى الرئيس الفرنسي وعقيلته على أسماء ووصفاها بأنها: “النور المشرق في بلد تخيم عليه الظلال”.
وفي العاشر من كانون الأول لعام 2010، ألقت أسماء كلمة أمام النخبة الفرنسية التي اجتمعت في الأكاديمية الدبلوماسية الدولية بباريس، تحدثت فيها من دون أن تنظر إلى أي ورقة عن: “التغيير الذي يحدث في بلدي”. وبعد أيام قليلة على ذلك، أضرم بائع خضراوات تونسي النار بنفسه، ما أشعل فتيل الثورات في عموم شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وتحول ذلك إلى الربيع العربي. وهكذا لم تف القوة الناعمة والكعوب العالية بالغرض لبقاء عائلة الأسد.
وبعد أول شهرين من عام 2011، أصبح المزاج العام في الشرق الأوسط متوتراً جداً، إذ بعد عقود من الجمود والقمع، اندلعت المظاهرات من تونس إلى ليبيا، ومن الجزائر إلى البحرين، ومن الأردن إلى اليمن. وتمكنت الاحتجاجات العارمة في مصر من إسقاط حسني مبارك، ذلك الديكتاتور الذي حكم البلاد قرابة 30 سنة، وبدا أنه لم يعد بوسع أحد إيقاف هذا المد الثوري.
إن وقع تلك الأحداث أطرب الكثير من السوريين، إلا أن الخوف منع كثيرين من النزول إلى الشوارع. ولكن في إحدى ليالي شهر شباط، وفي مدينة زراعية منهكة اسمها درعا تقع جنوب دمشق، قام مجموعة من التلاميذ في المدراس بكتابة عبارة: “جاك الدور يا دكتور” على أحد الجدران.
كان رئيس شعبة الأمن في تلك المدينة من أقرباء بشار، وهو بلطجي حتى بمعايير المخابرات السورية، ولهذا قام رجاله بالقبض على هؤلاء الأطفال وتعذيبهم. وعندما طالب آباؤهم بإطلاق سراحهم، عرض عليهم رئيس شعبة الأمن إنجاب المزيد من الأولاد إذا قاموا بإرسال زوجاتهم إليه، عندها تجمعت الحشود خارج مساجد درعا، وأخذت تهتف للكرامة والحرية، فما كان من قوات الأمن إلا أن فتحت النار عليهم.
لم يتضح في بداية الأمر حتى لأسماء كيف سيرد بشار على ذلك، إذ نصحه أحد الضباط القادة لديه بأن يقوم بحبس رئيس شعبة الأمن وأن يعتذر عما أريق من دماء في درعا، فقد كانت المدن الكبرى في سوريا ما تزال هادئة، لذا فإن تقديم الاعتذار على الملأ مع تجديد الوعود بالتغيير قد يبقي كل شيء على حاله.
ومن واشنطن ساعد السفير السوري بشار على إعداد مسودة الخطاب الذي سيعلن فيه عن إصلاحات جديدة، وقد بلغ أصدقاء عائلة الأسد في الغرب نبأ ذلك الخطاب. كما بدت أسماء وكأنها تتوقع إعجاب الجماهير بهذا الخطاب، ومع تسارع وتيرة الربيع العربي، أعلنت أسماء أن النظام يدرك بأن عليه أن يتغير، وذكر أحد من عملوا لديها في السابق بأنها حاولت أن تتحدث إلى المعارضة. وفي الثلاثين من شهر آذار، ألقى بشار خطابه أمام مجلس الشعب السوري الذي لم يعدُ كونه مجرد واجهة رسمية.
وهكذا، وبخلاف التوقعات، أعلن بشار بأن: “سوريا تتعرض لمؤامرة كبيرة”، ووصف مقطع الفيديو الذي ظهرت فيه قوات الأمن وهي تفتح النار على المتظاهرين بـ”التضليل الإعلامي”، ورفض الدعوات المطالبة بالإصلاح، ووصفها بأنها مجرد ستار يخفي خلفه مخططاً أجنبياً لم تحدد أبعاده. وعن ذلك الخطاب يخبرنا أحد أعضاء مجلس الإدارة لدى أسماء (غادر البلد بعد الخطاب مباشرة) فيقول: “بدا وكأن النظام القديم هو الذي يتحدث، إذ لم ترد فيه أي كلمة عن المصالحة أو الإقرار بأن الأمور يمكن أن تتم بصورة مختلفة. إذ عندما التقيت ببشار كان يحدثنا عن الإصلاحات، بيد أنه لإحساس مدمر أن تكتشف أن كل ذلك كان مجرد خدعة”.
وبعد هذا الخطاب، زاد عدد المظاهرات وحجمها أسبوعاً بعد أسبوع، حيث أخذ المتظاهرون يجتمعون بعد أداء صلاة الجمعة. ومن ثم بدأت دورة التصعيد التي تمثلت بخروج مواكب التشييع، ثم المظاهرات، ثم العنف. وبعد مرور شهر كامل أصبح رد النظام أكثر وحشية، إذ نشر في البداية المطبلين الأغبياء، ثم القناصة، ثم المدفعية الثقيلة.
لقد ضعف نفوذ القادة من الضباط في الجيش السوري وكذلك نفوذ رؤساء الشعب الأمنية والمخابراتية وحزب البعث خلال السنوات العشر الأولى من حكم بشار. والآن عاد الجميع لينتقم، كما أن والدة بشار، أنيسة، ضغطت عليه هي أيضاً ليرد بحزم، فقد أخذت تسخر من بشار وتقول: ماذا عسى لوالدك أن يفعل في هذا الموقف؟ إذ عندما قامت انتفاضة ضد حكمه في عام 1982 قمعها حافظ بوحشية. ويخبرنا سفير فرنسي سابق كان في دمشق خلال تلك الفترة بأن هنالك من سمع بشار وهو يقول: “كان والدي على حق، فآلاف الأرواح في حماة أنعمت علينا بثلاثة عقود من الاستقرار”.
ومع وصول سوريا إلى مرحلة الفوضى انهارت القلاع التي بنتها أسماء في الهواء، فقد تم إلغاء حفل خصص لإعادة افتتاح المتحف الوطني، ولم يعد بوسع مشاريع التأهيل والتجديد الثقافية التي أطلقتها أسماء أن تبصر النور. وبعد سبع سنوات من التخطيط، بقي متحف الاكتشافات الذي كان سيقام على غرار متحف العلوم بلندن مجرد هيكل خرساني. كما انقطع التمويل، وغادر المستشارون البلد، وحذفوا الأمانة السورية من سيرتهم الذاتية، ولم يعد أحد يزور سوريا سوى المنبوذين من أمثال نيك غريفين الذي رأس حينذاك الحزب الوطني البريطاني اليميني المتطرف.
إحدى الصديقات السابقات تركت قهوة الصباح معها وهي تمسح دموعها وتقول: “كانت تلك كذبة على الدوام.. لقد تعرضت للاستغلال”.
يروي وفيق سعيد أنه توسل لبشار حتى يتابع نهجه المعتدل، حيث قال له: “إنهم يحبونك ويحبون زوجتك، فأنت لست كمبارك، لذا لا تضيعوا هذه الفرصة التي ستجعل منكم أعظم قائد في العالم العربي. امنحهم فقط بعض الحقوق، وشيئاً من الكرامة، وعندها سيحبونك للأبد”. غير أن نهج بشار كان مرسوماً من قبل، ففي خطابه الثاني الذي ألقاه في شهر حزيران، شبه المتظاهرين بالجراثيم، ليبدأ بذلك فصل قاتم جديد من تاريخ سوريا.
في شباط من عام 2012، بعد مرور عام على بداية الربيع العربي، أخذت الفرقة الرابعة مدرعات، بقيادة ماهر شقيق بشار، بتجريب مدفعيتها على حمص، تلك المدينة التي تقع في المنطقة الغربية بسوريا والتي كبر والدا أسماء فيها وترعرعا. في تلك الأثناء، كانت الاحتجاجات قد تصاعدت وتحولت إلى عصيان مسلح، كما أخذ الجنود ينشقون عن الجيش وينضمون إلى الثوار، بعد مقتل نحو سبعة آلاف مدني في عموم البلاد.
ومع هدير الدبابات التي توجهت نحو مدينتها الأم، أرسلت أسماء رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى إحدى صديقاتها سألتها فيها: “هل لفت نظرك أي شيء؟” إذ كانت تلك الصديقة توافيها بمعلومات بشأن مجموعة حصرية تضم أحذية ذات كعب عال من ماركة كريستيان لوبوتان. أصبح ظهور أسماء في الإعلام نادراً منذ أن بدأت الاحتجاجات، وهذا ما أثار الكثير من التكهنات: فهل كانت حبيسة ظروفها، أو أنها تدعم زوجها فيما يفعله، أو لعلها هربت خارج البلاد؟.
يخبرنا من تحدثوا إليها بشكل خاص خلال الأيام الأولى للثورة بأنها التزمت بالرسمية بشكل صارم، إذ كانت تصف الثورة بأنها مؤامرة خارجية. إحدى الصديقات السابقات تركت قهوة الصباح معها وهي تمسح دموعها وتقول: “كانت تلك كذبة على الدوام.. لقد تعرضت للاستغلال”. بالرغم من أن آخرين يصرون على أن أسماء خافت كثيراً عندما زادت وحشية بشار، إذ من الذي لم يرتجف خوفاً وهو يرى مصير معمر القذافي الذي شوه جسده وسحل في الشوارع بليبيا في تشرين الأول من عام 2011؟
نظرياً، كان بوسع أسماء أن تمضي إلى لندن، حيث قدمت لها عروض لتصل إلى هناك بشكل آمن، مصحوبة على ما يبدو بهدايا راقية قدمتها دول خليجية. كما أعلنت الحكومة البريطانية مراراً وتكراراً أنها لن تمنع أسماء من دخول البلاد لكونها مواطنة بريطانية، ضمن ما اعتبره بعض المراقبين بأنه دعوة حذرة لتأمين الحماية لها. بيد أن الأجواء في لندن لم تكن ترحب بها، فقد احتشد المتظاهرون أمام بيت عائلتها في آكتون ولطخوا بابه بطلاء أحمر، كما حذفت كوينز كوليدج اسمها من لوحة الشرف الخاصة بخريجاتها.
انتشرت شائعات حول مضي أسماء إلى بريطانيا فعلاً، إذ يتذكر أحد الموظفين الذين عملوا في السفارة السورية في ذلك الحين كيف أخذ المسؤولون الأمنيون يستعدون لاستقبال أو رحيل شخصية مهمة بنهاية عام 2011 (بالرغم من أن تلك الشخصية لم تكن أسماء)، في حين ذكر آخرون بأنه جرى إيقافها على يد أتباع زوجها وهي في طريقها إلى مطار دمشق، وبأنهم أخذوا منها أطفالها، ولهذا تخلت عن فكرة السفر من دونهم.
أرسلت مصفف شعرها للتسوق في دبي
وهكذا امتنعت أسماء عن إجراء مقابلات شهوراً طويلة، فقد وصفتها صديقات سابقات لها بأنها بدت هزيلة في ظهورها النادر على الملأ ضمن مسيرة موالية للحكومة في شهر كانون الثاني من عام 2012. وفي مرحلة من المراحل انتقلت هي وأولادها للسكن في قصر العائلة الصيفي بالقرب من الساحل، بعيداً عن أصوات القصف والغازات المسيلة للدموع.
وبعد ابتعادها عن دورها ضمن الإطار العام، ركزت أسماء على ترميم وتجديد بيتها عوضاً عن ذلك، إذ خلال السنة الأولى للثورة قامت بنشر إعلان لوظيفة بستاني وأنفقت 250 ألف جنيه إسترليني على الأثاث. وللالتفاف على العقوبات، أرسلت مصفف الشعر الذي يعمل لديها ليتسوق لها من دبي، وأخذت تستخدم اسماً مستعاراً عندما تطلب أي شيء من متاجر هارودز. ولقد قام وكيل عائلة الأسد في لندن بإعداد طلبات قدمتها له أسماء لشراء ثريات، إذ كانت أسماء تشير إلى نفسها مازحة بأنها: “الديكتاتور الحقيقي” في بيت الأسد.
بيد أن إسراف أسماء في التسوق انكشف عبر مجموعة ضمت الآلاف من الرسائل الإلكترونية التي أرسلتها الدائرة المقربة من الأسد، وتحولت إلى تسريبات في عام 2012 نقلها ناشطون في المعارضة السورية لصحيفة الغارديان، بالإضافة إلى رسائل أخرى نشرتها ويكيليكس.
وقد سلطت تلك الرسائل الإلكترونية الضوء على الزواج في عائلة الأسد، إذ يرى كثيرون بأن الهدف الأول من هذا الارتباط هو تأمين مصالح كلتا العائلتين. وقد كان من المعروف عن بشار مغازلته للنساء، وتأكد ذلك الانطباع بعد تسريب عدد من رسائل العشق الإلكترونية التي وصلته من موظفات شابات لديه. بيد أن بشار وأسماء كانا يتراسلان بكل مودة. ففي الثامن والعشرين من كانون الأول لعام 2011، عندما أخذت الدبابات تدك مدينة حمص، مسقط رأس والدي أسماء، كتبت أسماء لبشار: “إذا كنا قويين معاً، فسنتغلب على هذا معاً… أحبك”، ولم يتضح في هذه الرسالة ما إذا كانت العقبات التي يتعين عليهما التغلب عليها تتمثل في سوريا أو تمثل زواجهما.
وبعد مرور بضعة أيام على ذلك، أرسلت لحبيبها البطة، وهو اسم الدلع الخاص بزوجها، فرد عليها بقلب، فما كان منها إلا أن ردت عليه بالقول: “أحياناً في الليل، عندما أنظر إلى السماء، وأبدأ بالتفكير بك، أسأل نفسي: لماذا؟ لماذا أحبك؟ أفكر في سري وأبتسم، لأني أعرف أن القائمة ستمتد لأميال وأميال”. وفي شباط من عام 2012، بدا بشار كمن يقدم اعتذاراً مبطناً عن العبث الذي مارسه مع غيرها من النساء، وذلك عندما أرسل إليها أغنية شعبية غربية مع كلماتها التي تقول: “حولت حياتي إلى فوضى/ فالشخص الذي آلت إليه حالي أخيراً/ ليس بالشخص الذي أطمح أن أكونه”.
بعد هذا بفترة قصيرة، قامت أسماء بأول تصريح رسمي لها منذ بداية الثورة، ذكرت فيه بأن: “الرئيس هو رئيس سوريا بأكملها، وليس رئيس فرقة من السوريين، والسيدة الأولى تدعمه في هذا الدور الذي اضطلع به” أي أنها تقف بجانب زوجها.
وإذا صدقت مقولة المعارضين، فإن أسماء تفاوضت مع زوجها في أمر عودتها إلى الحياة العامة بمساعدة أبيها، وذلك ضمن عملية المصالحة معه. ومنذ ذلك الحين أصبحت شريكته في الرئاسة، ففي صيف عام 2012، هربت بشرى، شقيقة بشار، إلى دبي بعد مقتل زوجها في تفجير، أعلن الثوار مسؤوليتهم عنه، إلا أنه كان أبعد من القدرات والإمكانات التي أبدوها بكثير. فقد كانت بشرى وزوجها يمثلان أكبر مصدرين للمشاعر المعادية لأسماء ضمن الدائرة المقربة، ولهذا يعتقد كثيرون بأن عملية الاغتيال تمت على يد أحد من داخل النظام.
وخلال السنة التالية، تحسنت حظوظ بشار، حيث منع الثوار من التقدم، وأخرجهم من معقلهم في حمص. إلا أن بعض القوات المناهضة للنظام ظلت تسيطر على جزء من ريف دمشق، وأخذوا يمطرون مركز المدينة بالقذائف، لكنهم لم يتمكنوا من الإطاحة بالأسد.
ومع استمرار الحرب، أصبح بشار أشد قسوة، إذ يتذكر أحد الدبلوماسيين الغربيين التصعيد البطيء للعنف، ويشمل ذلك الاستعانة بالمدفعية لاستهداف المدنيين، ثم الغارات الجوية، ثم البراميل المتفجرة، فيقول: “سيستخدمونها مرة… وسيقوم ضدهم احتجاج عارم، لكنه لن يصل إلى درجة التدخل الدولي… ولهذا سيتخلون عنها، وسيعود الوضع إلى طبيعته من جديد”. وهكذا زاد استنكار الدول وشجبها لجرائم بشار، إلا أن خنق سوريا بالتدريج، بدلاً من شن هجوم شامل عليها، ساعد في إحباط التدخل الدولي.
ففي 21 آب من عام 2013، ظهرت مقاطع فيديو جديدة لأشخاص بريف دمشق حيث يسيطر الثوار وقد ظهرت فقاقيع الزبد على أنوفهم وأفواههم، كما أخذت أطرافهم تهتز بتشنجات، وهكذا قتل المئات في تلك الهجمة. ثم ظهر تحقيق أممي ليؤكد فيما بعد بأن هؤلاء قتلوا بغاز السارين وهو غاز أعصاب سام. وبأن تلك كانت أسوأ هجمة بالأسلحة الكيمياوية منذ أن قام صدام حسين بتسميم الكرد بالغاز في حلبجة عام 1988.
وفي اليوم التالي، بعدما استوعب العالم ما جرى من خلال تلك الصور، نشرت صور على فيس بوك لتسرد ضمن تسلسل زمني الأنشطة الرسمية للسيدة الأولى بتفاصيلها الدقيقة، حيث ظهرت في إحدى الصور هي وزوجها جالسين في شرفة محاطة بالزهور كتب تحتها: “الحب هو بلد يقوده أسد داس المؤامرات تحت قدميه، وسيدة أولى كرست نفسها لبلدها”، فعلق أحد المستخدمين على تلك الصورة بالقول: “ألا تخجلون من أنفسكم؟ لقد ذبح شعبكم وأنت تراقبون ما يجري فقط، والأنكى من كل هذا أنكم تطلبون الأحذية عبر الشابكة”.
من الصعب حساب درجة الدمار الذي حل بسوريا على مدار السنوات اللاحقة. ففي عام 2014، استغل تنظيم الدولة الإسلامية، وهي مجموعة سنية متطرفة، حالة الفوضى ليؤسس ما عرف باسم دولة الخلافة التي امتدت من سوريا إلى العراق، وبذلك شكلت شراسة هذا التنظيم على المستوى الطائفي تهديداً كبيراً لقوات بشار، كما أضعفت في الوقت ذاته الدعم المقدم لمعارضيه، وبرر ظهور هذا التنظيم دعم كل من إيران وروسيا لبشار.
التخلي عن فساتين شانيل والأحذية ذات الكعب العالي
وصلت الحرب إلى كل بقعة في سوريا، وبالرغم من استرجاع بشار لحلب في عام 2016، والتي تعد آخر مدينة كبيرة بقيت خارج سيطرته، استمر في رمي القنابل على شعبه، وهكذا تحولت نصف مدن سوريا وقراها إلى ركام. كما كفت الأمم المتحدة عن عد الموتى في تلك الحرب في عام 2016، وذلك عندما وصل العدد تقريباً إلى نصف مليون ضحية، فضلاً عن 10 ملايين سوري تحولوا إلى لاجئين ونازحين.
عندئذ لم تعد فساتين شانيل والأحذية ذات الكعب العالي مناسبة للسير فوق الدمار والركام الذي خلفته الحرب في سوريا، لذا أصبح واقع سوريا الجديد يتطلب وجود أسماء أخرى. ولهذا تم التخلي عن جميع تلك الأحذية ذات الكعب العالي، وجميع أنواع طلاء الأظافر، وجميع تلك السترات، وجميع تلك المجوهرات، لتحل محلها أحذية بلا كعب، وقمصان وسراويل عادية تكشف عن ذراعي أسماء الهزيلتين، وبنيتها الضئيلة. وعندما توفيت أنيسة والدة بشار في شباط عام 2016، تخلصت أسماء من ألد أعدائها، إلا أن التغير الأكبر بالنسبة لها تحول إلى محنة متعبة على المستوى الشخصي.
ففي عام 2018 شخص مرض سرطان الثدي لدى أسماء، إلا أن المرض لم يقعدها عن إدارة أمورها بعناية وتلميع صورتها أمام العامة، إلى جانب التأكيد لكل الناس بأنها بقيت في سوريا وتلقت فيها العلاج. وقد قام الإعلام الرسمي وكذلك حسابات رئاسة الجمهورية على وسائل التواصل الاجتماعي بتوثيق تفاصيل صراعها مع المرض، كما تم تصويرها وهي جالسة على كرسي متحرك عند دخولها إلى غرفة العمليات.
وعندما تساقط شعرها، انتشرت لها صور وهي ترتدي أغطية رأس أنيقة وعصرية، لتستعرض بها ضعفها وقوتها في آن معاً، ضمن صورة لا يمكن لأحد أن يدحضها حول نضال زوجها ضد التمرد في بلاده. وفي إحدى المقابلات بدأت محاورتها الحديث بالقول: “مبروك انتصارك على السرطان”، لترد أسماء: “شكراً، وآمل أن نحتفل قريباً بانتصار سوريا”.
وحتى قبل أن تستعيد عافيتها بشكل كامل، قام إعلام النظام بتصوير أسماء على أنها تشاطر سوريا أحزانها، إذ ظهرت وهي تطرق على أبواب الناس في القرى النائية الفقيرة وتعانق أمهات القتلىاللواتي فوجئن بقدومها لتقدم لهن الصدقات تصحبها طواقم التصوير والكاميرات.
يذكر أن أسماء بذلت جهداً كبيراً لتخفي جنسيتها البريطانية، فقد سعت لتطوير لغتها العربية إلى درجة لم يعد بوسع أي سوري أن يميز أي لكنة إنجليزية فيها. كما تجاهلت دعوة الإعلام الغربي لإجراء مقابلات معها، فلم تعد تقبل بالظهور إلا لدى المحطات الروسية أو المحلية. وبالرغم من أن أسماء أدارت ظهرها للغرب، فإنها استمرت بالتواصل مع الجهات المانحة الدولية. فقد انقطع مورد دخل منظمتها الخيرية، أي الأمانة السورية، بعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على سوريا في عام 2012. واليوم، أصبحت المساعدات الإنسانية الدولية تتدفق على سوريا لدعم السوريين الذين دمرتهم الحرب، والكثير من تلك الأموال أصبحت تصل عبر أسماء.
إذ بالنسبة لوكالات الأمم المتحدة التي تسعى لتقديم المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها النظام، أصبحت الأمانة طرفاً محاوراً لا يقدر بثمن، وذلك بفضل كادرها الذي يتحدث الإنجليزية والمطلع على القوانين الدولية. فضلاً عن قدرة أسماء على فتح الأبواب المغلقة ونقاط التفتيش أيضاً. وبحلول عام 2017، أصبح المزيد من الأموال التي ترسلها الأمم المتحدة تمر عبر الأمانة التي فاقت في ذلك أي منظمة سورية أخرى.
فمن عادة الأمم المتحدة أن تتعامل مع نظراء فاسدين ومتوحشين، إذ تلك هي الطريقة الوحيدة لتسليم المساعدات في كثير من البلدان. بيد أن الموظفين القدامى لدى الأمم المتحدة صعقهم مدى تعاون منظمتهم مع المنظمات السورية التابعة للنظام. إذ بين عامي 2016-2019 وصلت إلى الأمانة السورية المزيد من الأموال التي ترسلها وكالات الأمم المتحدة كل عام (تبرعت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وحدها بمبلغ 6.5 مليون دولار أميركي خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2018). وكان لدى هذه الأمانة نحو 1500 موظف حتى عام 2020، وقد تضاعف هذا العدد عشرة أضعاف خلال السنوات العشر، بالإضافة إلى وجود خمسة آلاف متطوع تابعين لهذه الأمانة.
وبوصفها رئيسة الأمانة السورية، فقد جنت أسماء ما هو أكثر من مجرد ثروة، إذ عبر استقطابها للمساعدات الأممية، طورت أسماء شبكة محسوبيات واسعة شملت أمراء حرب سوريين. فقد وردت أنباء بشأن الأشخاص الذين أعربوا عن امتنانهم لحمايتها لهم ولإحسانها عليهم والذي أتى على شكل حقائب مملوءة بالنقود تم تسليمها للمنظمات المرتبطة بها.
تربحت أسماء من اقتصاد الحرب واستفادت منها بشكل مباشر، فقد حصل مشروع مرتبط بها على عقد مع الحكومة لإدارة دفعات البطاقات الذكية. كما أطلقت شبكة مشغلة للهواتف النقالة حملت اسم إيماتيل، تيمناً باسمها عندما كانت طفلة، إلا أن هذه الشركة سجلت باسم خضر علي طاهر، الذي يصفه أحد رجال الأعمال بأنه: “واجهة أسماء في كل شيء”.
ولقد تعاظم نفوذ عائلة أسماء في الاقتصاد السوري، إذ ذكرت مواقع إخبارية سورية (بعضها مرتبط بالمعارضة) بأن شقيقها فراس وابن خالتها مهند دباغ، يديران بشكل فعلي شركة البطاقات الذكية لصالحها. ووصف تقرير نشر أخيراً لموظف سابق في السفارة الأميركية بدمشق طريف الأخرس، وهو أحد أبناء عمومة أسماء، بأنه أحد: “أبرز الشخصيات الاقتصادية لدى النظام”. وفي شهر كانون الأول، استهدفت الحكومة الأميركية عائلة الأخرس بعقوباتها.
هذا ويروي متعاونون سابقون مع النظام بأن بشار سعيد لنجاح زوجته على المستوى المالي، وممتن لها لما قدمته من مساعدة، فقد أنهكه التعب بعد عقد كامل من الحرب، كما أنه ضعيف بمادة الاقتصاد، ولهذا تحولت أسماء إلى كبيرة مستشاريه الاقتصاديين، بحسب أحد أعضاء مجموعة ضغط لصالح الأسد في أوروبا.
وبحلول عام 2019، أصبح الروس يضايقون بشار ويطالبونه بتسديد ديون سوريا، كما شددت أميركا عقوباتها عليه. وأصبحت الحكومة في سوريا بحاجة ماسة إلى المال، ولهذا بحثت عائلة الأسد عن هدف يؤمن لها كل ذلك. على مدار عقود من الزمان، ظل رامي مخلوف ابن خال بشار يستعين بعلاقاته وما يربطه بالعائلة الحاكمة لإقامة إمبراطورية من الشركات مترامية الأطراف، وليحتكر عمليات الاستيراد، ويسيطر على طرق التهريب. فكانت شركة سيريتل من بين الأصول التي حصل عليها كجائزة، وهي الشركة المشغلة الرئيسية للهواتف الخلوية في سوريا. وعلى الورق كان مخلوف مجرد رجل أعمال ناجح، أما عملياً فقد كان يتصرف كالمدير التنفيذي لسوريا، إذ ورد بأن بوسعه طرد وزير من منصبه بمكالمة هاتفية واحدة.
ولكن بوفاة أنيسة، خسر رامي من كان يحميه، فاستولت الأمانة السورية على الجمعية الخيرية التي استعان بها رامي لكسب تأييد العلويين وتعاطفهم في معاقلهم. بيد أن الحكومة وضعت سيريتل تحت الحراسة القضائية، كما تم تجميد حسابات رامي المصرفية، وتم تعيين أشخاص تابعين لأسماء في مجالس الإدارة ضمن مشاريعه وشركاته.
ورداً على كل هذا، حاول رامي تحطيم أسماء، فقد نشر في أيار من عام 2020 فيديو له عبر فيس بوك اتهم فيه: “جماعة من فوق” بالتآمر ضده. وفي الوقت ذاته، نشر الإعلام الروسي تقارير استشهد فيها بما أوردته بعض المصادر العربية بشأن قيام بشار بإنفاق مبلغ 30 مليون دولار أميركي على لوحة زيتية للفنان ديفيد هوكني اشتراها من أجل زوجته (لكن القصة لم تكن صحيحة)، ولم يجد كل ذلك أي نفع. وهكذا ظل رامي قيد الإقامة الجبرية الجزئية في بيته، وانتشرت الأقاويل والشائعات حول إبقائه على قيد الحياة فقط لأن لديه كلمات السر وسندات الأصول الخارجية التي تعادل قيمتها عشرة مليارات دولار أميركي.
تابعت أسماء عمليات الدمج والاستحواذ على عجل، فوضعت ثاني أكبر شركة للهواتف النقالة تحت الحراسة القضائية هي أيضاً، وخلال الشهر الماضي تم تعيين أعوان لأسماء في مجلس إدارة تلك الشركة. كما أصبح لشركة إيماتيل للهواتف الخلوية التي تحمل اسمها فروعاً الآن في مختلف أرجاء سوريا (حتى في المناطق التي لا يسيطر عليها زوجها).
بيد أن نجاح أسماء على الصعيد المالي والدسائس والمؤامرات التي حاكتها بلا أي رحمة أو شفقة قد حطما صورتها التي رسمتها وهذبتها بعناية، وحول ذلك يقول أحد رجال الأعمال السوريين: “البعض لا يزال يحبها، ويضعون صورتها على صفحاتهم في إنستغرام، إلا أن الغالبية أصبحت اليوم تنظر إليها على أنها شخصية جشعة ذات وجهين”. إلا أن أحداً لم يعد يتهم أسماء اليوم بعدم تمكنها من فهم الطريقة التي تدار بها سوريا.
في أواخر العام المنصرم، لاحظ أهالي الحي الدمشقي الذي تقطن فيه أسماء تغيراً غريباً في المشهد. إذ أضيف إلى التمثال القديم الذي يمجد أحد أرفع الضباط السوريين تمثال جديد، وهو عبارة عن شكل منحوت لرأس حصان، وذلك بتوجيه من شركاء أسماء في أعمالها والعاملين لديها، وهذا ما دفع الأهالي للشكوى من الإسراف والتبذير، وبحسب تقارير نشرت في صحف خليجية، فإن السلطات قامت بإزالة رأس الحصان، وبعد مرور ساعات على ذلك، عاد الرأس إلى الموقع ذاته، في رسالة واضحة مفادها أن أسماء هي من يتخذ القرارات المهمة في سوريا بعد الحرب.
أصبح الإعلام الرسمي يخصص ساعات أطول لسيدة الياسمين، كما أخذت ملصقات تحمل صورتها تنتشر في مدينتها حمص لتغطي أبنية سكنية بأكملها. وبدأ الوزراء بعرض صورتها في مكاتبهم إلى جانب صورة بشار، في التفاتة غريبة لسيدة أولى في سوريا.
إذ بعد كف يد رامي مخلوف، ورحيل شقيقة بشار ووفاة أمه، لم يعد أمام أسماء سوى القليل من المنافسين الكبار ضمن الدائرة المقربة. كما أصبح أقرب مستشاريها يشغلون أرفع المناصب في مكتب الرئيس، وعنها يخبرنا رجل أعمال يسافر بين دمشق وأوروبا، فيقول: “إنها تسيطر على كل من يتم تعيينهم في القصر. كما بوسعها أن ترشح من تريد لأي منصب”.
تتمنى أن تصبح الرئيسة
في دمشق كما في العواصم الأجنبية، يطلق السوريون وبكل صراحة تكهناتهم حول الطموحات السياسية التي تضمرها أسماء ورغبتها في الصعود إلى القمة. لذا في حال أصبح بشار في موقف لا يمكن الدفاع عنه من خلاله، فهل يمكن لأسماء إذا شغلت منصب الرئاسة أن تداهن الغالبية السنية في سوريا مع الحفاظ على الاستمرارية؟ وقد انتشرت شائعات أيضاً بشأن قيام أحد أفراد تلك العائلة بالاجتماع بمسؤولين أميركيين سعياً لدعم هذا المخطط، وتعقيباً على ذلك يقول دبلوماسي سوري سابق: “يفكر كل من بشار وأسماء بهذا، فهي تتمنى أن تصبح رئيسة وكلاهما يدرس تلك الفكرة بوصفها حلاً ثورياً لإنقاذ النظام”.
هذا وقد تقوم بريطانيا بدعم طموحات أسماء والتعبير عن سعادتها لإضافة همزة وصل بريطانية لتشكيلة حكام الشرق الأوسط، إذ بالرغم من التنديد الصارخ ضد عائلة الأسد، لم تقم الحكومة البريطانية بتجريد أسماء من جنسيتها، كما فعلت مع شاميما بيغوم، تلك الفتاة التي كانت تعيش شرقي لندن ثم سافرت إلى سوريا لتنضم إلى تنظيم الدولة في عام 2015، وهي ما تزال مراهقة.
كما أن المتشددين من العلويين لن يدعموا على الأرجح أي محاولة تقوم بها أسماء للوصول إلى منصب الرئاسة، ولعل أشد منافسيها المحتملين لشغل هذا المنصب سيكون ماهر، الشقيق الأصغر لبشار، الذي ما يزال يقود الفرقة الرابعة مدرعات في الجيش التي يهابها الجميع. وعن ذلك يقول تاجر سوري في دبي تربطه صلات جيدة بالنظام: “لابد أن يتآمر الجيش مع الطائفة لمنع أسماء من ترشيح نفسها لمنصب الرئاسة”.
بيد أنها أصبحت تتمتع بنفوذ أكبر من أي وقت مضى، لكنها في الوقت نفسه ما تزال أكثر ضعفاً، إذ مجرد الحديث عن طموحها بالوصول إلى سدة الرئاسة قد يعرضها للخطر. وبالرغم من أن الكثير من أصدقاء أسماء وصديقاتها قد نأوا بأنفسهم عنها خلال السنوات الماضية، فإنهم ما يزالون يعبرون عن قلقهم حيال سلامتها وصحتها. فخلال سعيها للحصول على الجائزة الكبرى، يمكن لتلك الفتاة التي أتت من غربي لندن أن تتجاوز جميع الحدود التي رسمت لها في نهاية الأمر، ولذلك يقول رفيق سعيد: “إنني قلق عليها”، إلا أنه لا رجوع بعد اليوم، وقد أدركت أسماء ذلك منذ أمد بعيد.
المصدر: إيكونوميست
تلفزيون سوريا
———————–
“أسد سورية” المريض بكوهين/ ناصر السهلي
بين مكذّب ومصدق لها، انشغلت الساحة السورية أخيراً برواية وصول فيروس كورونا إلى رأس النظام، بشار الأسد وزوجته أسماء. في مقابل ذلك، وعلى الأرض، مع انهيار الأوضاع وتوسّع قهر الجوع والقمع، ثمة ثابت منذ مدة، يشير إليه المعلن وغير المعلن، وبمعية الجيش الروسي، وهو تقليب رفات الضحايا في “مقبرة الشهداء” بمخيم اليرموك، الذي هُجّر سكانه السوريون والفلسطينيون منذ 2012 تحت قصف طائرات “ميغ” الروسية.
من خُدع برواية “المؤامرة الكونية على النظام”، له أن يستغرب البحث عن رفات عميل الموساد إيلي كوهين (أُعدم صيف 1965) قرب تجمعات مليشيات و”جيش مستشاري” إيران، في منطقتي السيدة زينب وطريق المطار بدمشق. والحدث يؤكده من دمشق مصدر فلسطيني مطلع على ما يجري، وهو ليس خبراً من اختراع “المتآمرين”، أو لـ”صفقة تبادل” بمقابر الأرقام لدى الاحتلال (مقابر تحفظ فيها جثامين فلسطينية وعربية ويُشار لهذه الجثامين بالأرقام وليس بالأسماء)، بل جزء من حقيقة تطبيق إعلان ابن خال الأسد، رامي مخلوف، قبل 10 سنوات، عن “القتال حتى النهاية” و”تبادلية” استقرار النظام والاحتلال.
ما هو مؤكد، من أهل اليرموك، ومن بعض كوادر الفصائل الفلسطينية، أن العبث والنبش في “مقبرة الشهداء القديمة”، التي يرقد فيها خليل الوزير “أبو جهاد” وعشرات القيادات الفلسطينية، مستمر منذ العام الماضي.
فمنذ هلل البعض، من بيروت إلى إربد ورام الله، وخصوصاً المحسوبين على “تيار الممانعة” و”القومية اليسارية”، لـ”عاصفة السوخوي” الروسية في 2015، لم يخف الكرملين جهوده في التنسيق مع دولة الاحتلال، وحرصه على أمنها، وعلى قلق قادتها من سقوط “نظام الممانعة”، واستحضار فزاعة “الإسلاميين”، منذ الأيام الأولى للتظاهرات السورية في مارس/آذار 2011. ولم يأبه هؤلاء لتهاوي الخطاب، فأمعنوا في تحقير طلب الحرية والديمقراطية في العالم العربي. كما لم يأبهوا لما أنتجه شعار “الأسد أو نحرق البلد”، في وطن “مليشيات الارتزاق والتعفيش”، منزوع السيادة والقيمة والوزن.
والبحث عن رفات كوهين، وتسليم رفات (جندي الاحتلال) زخاريا باومل في 2019، أيضاً بمعية الكرملين، يعيد الصورة لدى الشارعين السوري والعربي إلى حقيقتها، في سؤال مكرر: ما هي “المؤامرة الكونية” إذا كان الإسرائيلي والروسي والإيراني والأميركي والبعض العربي متفقين على أنّ الأسد قاسم مشترك لتقاسم السيادة على سورية، ولتحقيق المصالح الحيوية للأطراف؟
ولعل من أغرب مسارات انفصام الشعارات القومية لـ”نظام الممانعة”، تزامن اللهث خلف رفات كوهين، مع بحث بنيامين نتنياهو عن رصيد انتخابي مشترك في دمشق وفي لقاءات أبوظبي، إذ تتحمس الأخيرة لاستعادة “ذراع إيران” إلى “الجامعة” الرسمية العربية بحجة الدفاع عن “الأمن القومي العربي”. ولكن بمواجهة من؟ طالما أنّ اللاعبين “المتناقضين” يلتقون على المصالح، إلا إذا كان الإنسان العربي هو المقصود بعدو “الأمن القومي”.
العربي الجديد
———————
رسائل الدم الروسية/ العقيد عبد الجبار العكيدي
في ظل صمت مطبق من جميع الأطراف عن القصف المتكرر لصهاريج نقل الوقود ومحطات تكرير النفط البدائية في مدينتي الباب وجرابلس في الريف الشمالي والشرقي لحلب الواقعتان في مناطق النفوذ التركي، وعدم صدور أي تصريحات من قبل الروس او النظام وعدم صدور أي ردة فعل او تصريح من الجانب التركي والغموض الذي اكتنف عمليات القصف للافتقار للمعلومات والأدوات التي يستطيع بها الجيش الوطني تحديد مصادر القصف والتعامل معه، كانت المعلومات شحيحة ومتضاربة عن نوعية الصواريخ ومصادر إطلاقها.
المعلومات العسكرية المتوفرة تشير الى إطلاق عدة صواريخ بالستية نوع “كليبر” من الفرقاطة الروسية في البحر المتوسط، وإطلاق صواريخ “توشكا” من النسخة الاولى مداها 70 كم وتعمل بنظام القصور الذاتي أو التوجيه الداخلي، وهي من النوع المنفلق (العنقودي) الذي ينفجر فوق الهدف على ارتفاع 16 متراً حتى ينشر أكبر عدد من الشظايا. هذا النوع من الصواريخ عادة ما يُستخدم ضد عناصر المشاة المكشوفة لتحقيق اكبر عدد من الإصابات، ومن المحتمل أنها أُطلقت من مطار كويرس العسكري باتجاه معبر الحمران الواصل بين مناطق قسد ومناطق المعارضة بالقرب من مدينة جرابلس الحدودية أو من كتيبة الصواريخ في جبل عزان في ريف حلب الجنوبي.
ولمعرفة حقيقة ما يجري ومحاولة الوقوف على الأسباب الحقيقية لهذه الهجمات المتكررة ودوافعها وما يترتب عليها من نتائج لا بد أولاً من معرفة الأهمية الاستراتيجية لمدينتي الباب وجرابلس.
مدينة الباب التي كانت تعتبر من أهم معاقل تنظيم “داعش”، لم يكن تحريرها في شباط/فبراير 2017 عادياً كباقي المدن والبلدات التي تحررت في عملية درع الفرات التي قادها الجيش الحر بتنسيق ودعم الجيش التركي الذي شارك فيها بالإضافة الى سلاح الطيران والمدفعية بقواته الخاصة. استبسل التنظيم الإرهابي لمنع وصول الجيش الحر إليها في الوقت الذي كان ينسحب أمام النظام وقسد دون أدنى مقاومة حيث حصل سباق محموم بين النظام وحلفائه وبين قسد والجيش الحر وحليفه التركي للسيطرة على المدينة الاستراتيجية، انتهت بسيطرة الآخير بعد تقديم تضحيات جسام ارتقى فيها الكثير من الشهداء بينهم أكثر من ثلاثين جندياً تركياً، جرت بعدها تفاهمات روسية تركية ورسمت خطوط التماس عند حدود مدينة تادف على بعد كيلومتر واحد عن الطريق الدولي إم-4.
اكتسبت مدينة الباب أهمية خاصة كونها المدينة الأكبر في منطقة درع الفرات وفيها أكبر قاعدة تركية في جبل الشيخ عقيل بالإضافة إلى البنية التحتية الكبيرة التي أقامها الجانب التركي من مشافي ومدارس ومرافق عامة، وتقع على الطريق الدولي إم-4 الذي يصل مدينة الحسكة بشواطئ المتوسط مروراً بحلب، ويقع جزء من هذا الطريق الحيوي يُقدر بحوالي 18 كم تحت سيطرة الجيش الوطني.
أما مدينة جرابلس فهي الحاضرة الحدودية الأهم وتحظى بأهمية استراتيجية وأمنية بالنسبة للأمن القومي التركي، والتي وضعت قوات سورية الديمقراطية كل ثقلها العسكري للوصول إليها والسيطرة عليها، ووصلت إلى حدودها وسيطرت على القرى التابعة لها، الواقعة على الضفة الشرقية من نهر الفرات.
تكمن أهمية هاتين المدينتين جغرافياً وعسكرياً وأمنيا في كونهما البوابتين الاقتصاديتين بين المناطق المحررة وبين النظام وقسد. ومن هنا يمكننا الدخول في صلب الموضوع لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء تركيز القصف على تلك المناطق بالتحديد؟
النظام وحلفاؤه لم يتوقفوا طيلة السنوات الماضية عن زعزعة الاستقرار والأمن من خلال التفجيرات والاغتيالات والسيارات المفخخة عبر عملائهم من تنظيمي قسد و”داعش” وبعض العملاء المحليين، ألا إن القصف الصاروخي المباشر على تجمعات الصهاريج المخصصة لنقل الوقود في ترحين بالقرب من الباب والمصافي البدائية لتكرير النفط بالقرب من معبر الحمران مع قسد القريب من جرابلس يضعنا أمام احتمالات وتفسيرات متعددة.
أولاً، أن السبب الرئيسي للضربات الروسية على حراقات النفط في المناطق المحررة، اقتصادي بحت ناتج عن توقف قسد عن إمداد مناطق النظام بالنفط، فقد أوقفت الإدارة الذاتية بيع النفط إلى مناطق النظام السوري بشكل غير معلن منذ كانون الثاني/يناير بعد حدوث توتر بين الطرفين في الحسكة والقامشلي، على خلفية ضغوط النظام وروسيا على قسد في عين عيسى.
ثانيا، من الاحتمالات الأهم ـن المسالة مرتبطة بالطريق الدولي إم-4. فالطريق الدولي من مدينة منبج حتى قرية العريمة يقع تحت سيطرة قسد، ومن قرية أم شكيف الواقعة بين العريمة والباب وحتى مقابل تلة الشعالة التي توجد فيها قاعدة عسكرية للروس والنظام، هذه المسافة من الطريق التي تقدر ب18 كم تقع تحت سيطرة الجيش الوطني، وبالتالي تقطيع أوصال هذا الشريان الحيوي بالنسبة للنظام الذي يسعى وبدعم روسي للسيطرة على كامل الطريق للاستفادة منه في عمليات التبادل التجاري والاقتصادي بين مناطقه التي تئنّ تحت وطأة الجوع والفقر ونقص الوقود والحبوب والمواد الغذائية، وفتحه سيؤدي الى التخفيف من حدة الضائقة الاقتصادية والمعيشية في مناطقه، وهذا ما لا تعارضه تركيا وربما تغضّ الطرف عنه لولا أن ذلك سينعش اقتصاد قسد، وهذا ما يجعلنا نفهم لماذا عملت تركيا على ترك تلك القطعة من الطريق تحت سيطرة الجيش الحر عندما رسمت خطوط التماس في تلك المنطقة.
وبالتالي ما يحصل هو حرب مصالح اقتصادية ترمي روسيا من ورائها إلى تعطيل التجارة بين الإدارة الذاتية والمناطق المحررة والضغط على المعارضة لفتح الطرقات الدولية إم-4 وإم-5 لإنعاش الاقتصاد السوري المنهار والتي أصبحت روسيا عاجزة عن مساعدته، والتخفيف من أعباء الأزمة الخانقة التي يعاني منها وافتقاره الموارد المالية، فأصبح يشكل عبئاً كبيراً عليها بعد ان فشلت باستجرار الدعم الدولي لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
الولايات المتحدة التي زادت ضغوطها على النظام والروس وإيران وحزب الله اقتصادياً ومنعت بواخر النفط القادمة من إيران من الوصول الى موانئ النظام، وقصفت قافلات النفط التابعة للقاطرجي التي تنقل النفط من مناطق قسد الى مناطق النظام، جعلت خيارات الروس محدودة وعاجزة عن الرد على الأميركي شرق الفرات، فردت على السوريين في المناطق المحررة. هذا دليل على إفلاس روسيا التي أصبحت تستخدم السوريين كصندوق بريد لتوجيه رسائل للأخرين بأنها لن تسمح بالاستقرار وعودة دورة الحياة الاقتصادية في الشمال المحرر طالما لم يحصل ذلك في مناطق سيطرة النظام.
روسيا التي راهنت على إعادة الاعمار لحصاد ثمار عملياتها العسكرية سياسياً واقتصادياً تخشى انعكاسات الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه المواطن السوري، وبدأت تتلمس غضباً شعبياً قد ينفجر في أي لحظة وبالتالي الخشية على وجودها وعلى قواعدها العسكرية غيرالمحمية بالقدر الكافي.
وما جولة لافروف إلى دول الخليج العربي إلا محاولة بائسة لإعادة النظام الى الجامعة العربية والمجتمع الدولي، والتخفيف من عزلته، والتقليل من آثار العقوبات والحصار السياسي والاقتصادي بعد عقوبات قيصر التي زادت الأزمات المعيشية والاقتصادية على نظام يعيش وضعاً اقتصادياً هو الأصعب منذ نشو الدولة السورية.
بالرغم من قراءة كل الاحتمالات الداخلية من وراء هذا التصعيد، لكننا لا يمكن أن نتجاهل أو نغفل العامل الخارجي وتشابك المصالح بين الدول الفاعلة في الملف السوري وفي مناطق أخرى، فالتفاهمات التي حصلت في ليبيا وحققت توازنات بين تركيا وقطر من جهة ومحور السعودية الإمارات مصر من جهة آخرى أخذةً بعين الاعتبار المصالح الغربية، لم تكن مرضيةً لروسيا.
السؤال الأهم الذي يُطرح هو: هل هذا التصعيد الذي جاء بعد أيام على انتهاء جولة أستانة هو ضمن تفاهمات غير معلنة بين الدول المعنية والتي لها مصلحة بإضعاف جميع الأطراف المتنازعة وتهيئتها لحل قد ينضج قريباً في المطابخ الدولية، أم خلافات بدأت تظهر على السطح؟ وهل ستسمح أميركا بخرق العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام من قبل حليفتها قوات سورية الديمقراطية التي عادت لتوريد النفط إلى النظام من خلال الاتفاق الذي رعته روسيا مؤخراً بين الطرفين؟
————————–
واشنطن بوست: إدارة بايدن لا يمكنها تجاهل الحرب في سوريا وإلا فإنها لن تتوقف
إبراهيم درويش
قال المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” جوش روغين، إن الحرب السورية مضى عليها عشرة أعوام لكنها لم تنته بعد.
وذكّر في بداية مقاله بخطاب ألقاه نائب الرئيس الأمريكي في حينه جوزيف بايدن في شباط/ فبراير 2011 بالمتحف التذكاري للهولوكوست في واشنطن، وتعهد فيه بدعم الشعوب في كل أنحاء العالم والتي تعرضت للذبح على يد حكوماتها لمجرد مطالبتها بالحريات الأساسية والكرامة. وقال: “عندما تشارك حكومة بمجزرة فإنها تتخلى عن سيادتها”. وبعد شهر خرج السوريون للشوارع مطالبين حكومتهم بمعاملتهم كبشر، ورد نظام بشار الأسد بإطلاق العنان لأسوأ المجازر المنظمة منذ النازيين.
وبعد عشرة أعوام، عاد بايدن إلى البيت الأبيض وهذه المرة كرئيس. و”رغم ما تسمعه، فالثورة السورية مستمرة، والحكمة التقليدية في واشنطن هي أن الأسد ربح الحرب ولا شيء تستطيع الولايات المتحدة عمله، وبالتالي علينا ألا نعمل شيئا”. و”في الحقيقة لم يتوقف الشعب السوري عن القتال ولم تتوقف معاناته”.
ويسيطر الأسد وشركاؤه الإيرانيون والروس على ثلثي البلاد تقريبا، ويحكم بقايا دولته بالقوة الغاشمة، ويواصل تجويع أو قصف الجزء المتبقي من سوريا من أجل تركيعه. وفي داخل المناطق الخاضعة للنظام هناك مئات الآلاف من الناس الأبرياء الذين تُركوا يموتون في أقبية سجونه ويعذبون ويقتلون بدون سبب.
ويقول السوريون الذين يبدون وكأنهم فقدوا الأمل لكنهم يواصلون القتال، إن هناك الكثير مما يمكن للمجتمع الدولي تقديمه. ويقول قتيبة الإدلبي، ممثل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في أمريكا، إن “الشعب السوري صدق بايدن وغيره ممن وعدوا بالوقوف مع أي شخص يعبر عن شجاعة كافية ويطالب بحقوقه”.
وقال: “نحن هنا اليوم لأن ذلك الوعد الذي قطعه المجتمع الدولي لم يتم الوفاء به”. وقال في متحف الهولوكوست بمناسبة نظمتها قوة المهام الطارئة السورية ومؤسسة “أم نايت شاياملان”: ” نريد من الولايات المتحدة أن تستعيد دورها القيادي العالمي”.
والجهد الأهم هو دعم السوريين الذين لا يريدون العيش في ظل الأسد. ومن هؤلاء ستة ملايين نازح توزعوا على شمال- غرب وشمال- شرق سوريا، بالإضافة إلى 5.6 مليون لاجئ سوري فروا إلى دول أخرى.
ويقول روغين: “تخيل لو قادت الولايات المتحدة الجهود الدولية وساعدت هؤلاء السوريين الذين لا يحكمهم الأسد ووفّرت لهم الإمدادات والمساعدات لمواجهة وباء كورونا ودعمتهم اقتصاديا. وفي الوقت نفسه استخدمت العقوبات بشكل ذكي لحرمان الأسد من الاستفادة من جرائمه أو تجديد آلته الحربية، فسيزيد هذا من ورقة نفوذ السوريين على النظام ويجبره على التفاوض من أجل سلام عادل، ويزيد من ورقة نفوذ الولايات المتحدة على موسكو وطهران”.
ويقول الإدلبي إن هؤلاء السوريين رفضوا العيش في ظل النظام، ولهذا السبب يستحقون كل الدعم الذي يمكن للولايات المتحدة تقديمه لهم. ويمكن لواشنطن زيادة دعمها الكبير للجهود الدولية الساعية لمحاسبة الأسد وشركائه المسؤولين عن جرائم الحرب. وبسبب إساءة استخدام روسيا لحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، فإنها جعلت من عمل المحكمة الجنائية الدولية مسدودا.
ولكن هناك عددا كبيرا من القضايا المدنية والجنائية في دول أخرى حكى من خلالها الناجون قصص التعذيب والانتهاك التي تعرضوا لها في سجون النظام. وكرئيس، لم يقل بايدن كثيرا عن سوريا، وكل ما فعله هو ضرب مخازن تستخدمها ميليشيات موالية لإيران في سوريا، واتهمتها الولايات المتحدة بضرب قواتها في العراق.
ويجب أن تكون أولوية بايدن هي التأكيد بوضوح أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بعملية نقل السلطة في سوريا، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ارتكاب الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين جرائم ضد الإنسانية.
ولا يمكن للولايات المتحدة القيادة من الخلف، وعلى إدارة بايدن وضع سوريا على رأس أولوياتها. وقال السفير السابق فردريك هوف الذي استشارته إدارة باراك أوباما حول سوريا: ” من المفهوم أن الإدارة تحاول البحث عن طريق لتجنب هذه المشكلة قدر الإمكان، ولكن هذا غير ممكن”. وأضاف: “لو لم تفعل إدارة بايدن شيئا، فسيتعزز وضع سوريا ككوريا الشمالية في الشرق الأوسط، وستكون سوريا تهديدا عميقا للسلام في المنطقة وأبعد منها”.
وأسهل طريق هي تجاهل أي تحرك في سوريا وتقديمه على أنه خيار بين غزو شامل كما في العراق أو تجاهل المشكلة. ولكن هذا قياس زائف، ومحاولة لتبرير استراتيجية تقلل من شأن القضية. وبدون توقف للجرائم الوحشية، فلن تتوقف الحرب. وبدون عدالة ومحاسبة، لن يكون هناك سلام دائم.
———————–
البرلمان الأوروبي: لا تطبيع مع النظام السوري بدون تقدم المسار السياسي/ سليمان حاج إبراهيم وهبة محمد
اعتمد البرلمان الأوروبي، أمس الخميس، مشروع قرار يعارض التطبيع مع النظام السوري قبل إحراز تقدم في مسار الحل السياسي.
ويعرب القرار عن القلق إزاء عدم إحراز أي تقدم في جهود الحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بسبب موقف النظام السوري.
ويؤكد القرار عدم وجود مصداقية للانتخابات الرئاسية للنظام، ويدعم المطالب الديمقراطية للشعب السوري ووحدة بلاده وسيادتها ووحدة أراضيها.ويدعو القرار إلى توسيع العقوبات على النظام السوري ليشمل المسؤولين الروس والإيرانيين. ويدين القرار انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان والقانون الدولي، ويقول إن روسيا وإيران وتركيا أيضا لديها انتهاكات في سوريا. ويدعو القرار روسيا وإيران وحزب الله إلى سحب قواتها من سوريا، ويعرب عن أسفه لتقديم روسيا وإيران الدعم للنظام السوري في قمع الشعب المدني.
كما يدعو تركيا لسحب جنودها من شمال سوريا، ويزعم أنها احتلته، وعرّضت السلام في الشرق الأوسط وشرق المتوسط للخطر.
ويشير القرار إلى أن روسيا مهدت الطريق لمقتل 6 آلاف و900 شخص بينهم ألفا طفل، ويدين بشدة الهجمات الجوية.
ويطالب القرار النظام السوري بإطلاق سراح نحو 130 ألف معتقل سياسي والسماح بعبور المساعدات الإنسانية. هذا واختتمت في العاصمة الدوحة قمة ثلاثية جمعت قطر وتركيا وروسيا ناقشت حلولاً دائمة للأزمة السورية، وشددت على ضرورة تنسيق الجهود لتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للاجئين، وتسريع وتيرتها، كما ناقشت مدى عودة النظام للجامعة العربية.
ويمكن تلخيص المشهد في الدوحة أمس بقمة قطرية – تركية – روسية تطلق منصة جديدة للحل الدائم في سوريا وتسهيل تقديم المساعداتـ حيث كثرت أسئلة المحللين حول مصير اتفاق “أستانة” الروسي ـ الإيراني التركي، والسؤال لماذا إيران تبدو مهمشة؟
وكشف الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، أن الاجتماع بحث تطورات الملف السوري، وإيجاد حل نهائي للأزمة، وإمكانية السماح بوصول المساعدات الإنسانية للاجئين، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية وعدم وجود حل عسكري للأزمة. وقال الشيخ محمد إن الاجتماع أكد على دعم مفاوضات اللجنة الدستورية السورية، والعودة الآمنة والطوعية للاجئين. وشدد على وجود حاجة ملحة للتحرك السريع من أجل الفئات المحتاجة للمساعدة، خصوصاً مع أوضاع الجائحة التي تشهدها مختلف دول العالم.
وقال إن ما تمت مناقشته في الاجتماع نص على متابعة تنفيذ الآليات المتفق عليها لإيصال المساعدات لكافة الأراضي السورية. وأضاف أنه كانت هناك نقاشات حول تسوية سياسية للملف السوري، وسيستمر التشاور بين الدول المهتمة بالشأن السوري حتى التوصل لحل الأزمة بشكل نهائي.
وحول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، كشف الشيخ محمد بن عبد الرحمن أن موقف قطر هو أن الأسباب التي أدت إلى تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة، وقال: “نتمنى حدوث تقدم سياسي في سوريا لأنه السبيل الأسلم لعودتها إلى الجامعة العربية”. واستطرد أن الدوحة مستمرة في دعم الشعب السوري والوصول لتسوية سياسية تعيد العلاقات لطبيعتها.
من جانبه كشف مولود تشاويش أوغلو وزير الخارجية التركي، أنه تقرر مواصلة الاجتماعات المشتركة مع قطر وروسيا لبحث الملف السوري، والاجتماع المقبل سيعقد في تركيا، مشيراً أنه تم بحث قضية محاربة المنظمات الإرهابية في سوريا، وزيادة الجهود لمضاعفة المساعدات الإنسانية. وأضاف أن أنقرة تواصل التعاون مع الدوحة لتخفيف الأزمة الإنسانية في سوريا والوصول إلى حل سياسي، مشدداً أنه لا يمكن إنهاء الصراع إلا من خلال حل سياسي.
وكشف سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، أن هذا اللقاء هو الأول على المستوى الوزاري بين العواصم الثلاث بشأن سوريا. وأكد على المشاركة في الجهود الدولية لتأمين العودة الطوعية والآمنة للاجئين إلى سوريا.
وشدد لافروف أن البيان المشترك يؤكد الحرص على محاربة الإرهاب ومواجهة المخططات التي تهدد وحدة أراضي سوريا، مستطرداً أن تحركات كل اللاعبين الدوليين يجب أن تحترم وحدة أراضي البلاد وسيادتها.
المعارض السوري عمر إدلبي اعتبر في اتصال مع “القدس العربي” أن التحرك الثلاثي تقف وراءه قناعة روسية بأن الحل في سوريا لن يكون بدون حوار ودعم حلفاء المعارضة، حتى لو توصلت موسكو إلى تفاهمات مع واشنطن.
واعتبر إدلبي أن لافروف سمع في الدوحة كلاماً واضحاً عن الاستعداد للمساهمة بوقف انهيار الدولة السورية (الوشيك) وفق خطة عملية تنفيذية واضحة تفضي إلى تنفيذ كامل متدرج للقرار 2254، وبمرجعية أممية لا علاقة لمسار أستانة بها.
وأبدى المعارض السوري اعتقاده أن التنسيق الثلاثي الجديد فرصة ليخرج الروس من أزمة قد تورطهم أكثر في سوريا، ويدعموا حلاً سياسياً يقود للانتقال السياسي، ويخرج الأسد من السلطة، ويفتح أفقاً لإنهاء معاناة السوريين.
من جهة أخرى حثت ميشيل باشليت مقررة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أمس الخميس، دول العالم على تصعيد وتيرة محاكمات من يشتبه بارتكابهم جرائم حرب في سوريا في محاكمها الوطنية، وذلك مع حلول الذكرى العاشرة لاندلاع الصراع. وقالت باشليت إن محاولات إحالة فظائع ارتكبت في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي من أجل محاكمة مرتكبيها قد باءت بالفشل.
————————
سورية: التسوية طريق العودة للجامعة العربية/ أنور الخطيب و عماد كركص
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي حدد النظام السوري موعداً لها في مايو/أيار المقبل، بدا أن روسيا سرعت الخطى في محاولة لتعويم نظام بشار الأسد عربياً، انطلاقاً من إعادة سورية إلى محيطها العربي، وتحديداً إلى الجامعة العربية، وذلك المطلب حمله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في جولته الخليجية، التي زار خلالها أبوظبي والرياض والدوحة، غير أنه سمع في العاصمة القطرية التي عقد فيها أمس الخميس لقاء مع نظيريه، القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والتركي مولود جاووش أوغلو، موقفاً واضحاً بأن عودة سورية إلى الجامعة العربية مشروطة بحدوث تقدم نحو الحل السياسي. وكان طرح عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، أثار مخاوف المعارضة السورية، التي شددت على رفض أي محاولة لتعويم النظام.
وكان الوضع السوري من أبرز الملفات التي حضرت في اللقاء الثلاثي الذي جمع أمس الخميس وزراء خارجية قطر وروسيا وتركيا في الدوحة، إضافة إلى مفاوضات السلام في أفغانستان والأوضاع في الخليج وليبيا، والملف النووي الإيراني. وكان وزير الخارجية القطري قد عقد صباح أمس لقاءين مع نظيريه، كل على حدة، فيما بحث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مع جاووش أوغلو، ولافروف، المستجدات الإقليمية والدولية.
وفيما اتفق الوزراء الثلاثة، بعد لقائهم، على أن لا حل عسكرياً في سورية، أكد وزير الخارجية القطري أن الأسباب التي أدت إلى خروج سورية من الجامعة العربية ما زالت قائمة، متمنياً حدوث تقدم سياسي في سورية لأنه السبيل الأسلم لعودتها إلى الجامعة. وشدد على أهمية وحدة الأراضي السورية، والتوافق على رفض الحل العسكري للأزمة. وقال إن “كافة فرص التعاون بين الدول يجب استغلالها وسنكون مكملين للجهود الدولية للوصول إلى تسوية في الأزمة السورية”. وعن المسار السياسي الجديد بين قطر وتركيا وروسيا، للدفع لايجاد حل سياسي للأزمة في سورية، قال الوزير القطري إن “صيغتنا التشاورية الجديدة موازية لمسار أستانة وتخص المسائل الإنسانية”، مؤكدا دعم الدوحة وحدة الأراضي السورية ومفاوضات اللجنة الدستورية السورية والعودة الآمنة والطوعية للاجئين.
من جهته، قال جاووش أوغلو، في المؤتمر الصحافي المشترك، إن التعامل مع النظام في الوقت الراهن يشجعه على انتهاج سياسات سلبية ويزيد من عدوانه، وهذا سبب موقفه غير البنّاء في موضوع اللجنة الدستورية، وهو يصر على الحل العسكري. وأشار إلى أن النظام لا يميل إلى الحل السياسي على الرغم من جميع الجهود المبذولة، وكلما اكتسب شرعية دولية سيبتعد أكثر وهذا الأمر لن يجلب السلام والحل الدائم إلى سورية. وأضاف: “يجب الضغط على النظام لكسر الجمود في الوضع الراهن”. وأكد ضرورة أن يبدي النظام السوري موقفاً بناءً كي تكون اجتماعات اللجنة الدستورية المقبلة مثمرة. وذكر أنه قرر مع نظيريه القطري والروسي مواصلة الاجتماعات الثلاثية بشكل منتظم، وأن الاجتماع التالي سيعقد في تركيا.
أما لافروف، فاعتبر أن هناك حتمية لعودة سورية إلى الجامعة العربية وأن ذلك سيصب في تحقيق الاستقرار بالمنطقة كلها. وقال إن بلاده تتفق مع تركيا وقطر على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. وأوضح أن البلدان الثلاثة تتخذ موقفا مشترك إزاء وحدة الأراضي السورية وسيادتها، مؤكدا أهمية إيصال المساعدات الإنسانية للسوريين المحتاجين.
اجتماع الدوحة حول سورية/ معتصم الناصر
وأفاد بيان مشترك، عقب الاجتماع الثلاثي، أن وزراء الخارجية شددوا على الالتزام بحماية سيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، والاتفاق على عدم وجود حل عسكري للصراع. وأكد الوزراء عزمهم على محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، ومواجهة مساعي الانفصاليين التي تضر بسيادة سورية ووحدة أراضيها والأمن القومي لدول الجوار. وأشار البيان إلى أهمية دور اللجنة الدستورية وضرورة الالتزام بالنظام الداخلي ومبادئ عملها الأساسية من قبل الأطراف السورية.
وجاءت زيارة لافروف إلى الدوحة بعد زيارته الرياض الأربعاء، وقبلها أبوظبي، وكان قد سبقه مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف إلى العاصمة السعودية، قبل يوم واحد، حيث التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. أكثر المواقف قرباً من الطرح الروسي، جاء على لسان وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، الذي قال في مؤتمر صحافي مع لافروف، إن “عودة سورية إلى محيطها أمر لا بد منه، وهو من مصلحة سورية والمنطقة ككل”، مشيراً إلى أن “التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سورية هو قانون قيصر”. أما في السعودية، فقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إن الأزمة السورية تتطلب حلاً سياسياً، رابطاً عودة سورية إلى محطيها العربي بإيجاد مسار سياسي يؤدي إلى التسوية.
وفي ظل هذه التطورات، أشار الائتلاف الوطني السوري المعارض، في تصريح صحافي أمس الخميس، إلى أن “سجل النظام المليء بالمجازر وجرائم التهجير والتعذيب واستخدام غاز السارين لخنق الأطفال والنساء والشيوخ، هو ما يحول دون عودة سورية إلى محيطها العربي والإقليمي والدولي، ويمنع أي تعاون أو تنسيق أو عمل مشترك”. وشدد على أنه “لا يمكن القبول بأي محاولة لتعويم هذا النظام أو البحث عن غطاء للقيام بذلك”. ونوّه إلى أن “الإجراء الدولي المطلوب لعودة سورية إلى محيطها العربي والدولي وعودة التنسيق والعمل المشترك مع سورية، يبدأ بتنفيذ القرارات الدولية، ومحاسبة مجرمي الحرب، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، بالتوازي مع العمل من أجل انتقال سورية إلى نظام سياسي مدني جديد وفق مقتضيات بيان جنيف والقرار 2254”.
من جهته، قال المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية يحيى العريضي، لـ”العربي الجديد”، إن “السعي من قبل البعض لم يتوقف لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، وهذه الجهود تتجاهل كل ما حدث في سورية من جرائم وتدمير”. ونوه العريضي إلى أنه “حتى الآن ليست هناك مؤشرات حقيقية على العودة في ظل عدم التوافق، فبعض الدول تشير إلى أن عودة سورية إلى المحيط العربي وحتى الجامعة العربية مشروط بالحل، وهذا طبعاً في ظل التحذير الأميركي من أي تواصل مع النظام”. وانتقد العريضي ما وصفه “الحماس الشديد لدى البعض، لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام منذ أكثر من عام”، معتبراً أن “روسيا تريد تعويم النظام بأي شكل”، مؤكداً أن ذلك “لا يلقى توافقاً إلى حد الآن من قبل الدول العربية”.
العربي الجديد
—————————–
الاسد في الحضن الذي لم يغادره/ ساطع نور الدين
الحُضن حيزٌ عاطفيٌ حميمٌ، يتوسطه القلب، لا يفتح إلا للحب أو الجنس. ولا يجوز أن يشرّع في السياسة أو أن يباح للسياسيين، مهما كانت نوازعهم ورغباتهم، أو أن تتحول مفردات مثل إحتضان أو حاضنة.. الى مصطلحات سياسية رائجة، لا تثير سوى الشكوك في الهوية الجنسية لمستخدميها.
الحُضن العربي مفتوحٌ هذه الايام على وسعه. والنظام السوري ينتظر اللحظة التي يرتمي فيها مجدداً في ذلك المكان الدافىء، الذي أخرج منه طوال عشر سنوات كاملة من البرودة والجفاء، تخللتها بين الحين والآخر، فترات حميمة جرى التعبير خلالها عن العشق السياسي المتبادل في السر..
في الايام القليلة الماضية عبرت دولة الامارات والسعودية وقبلهما مصر والعراق.. علناً، عن التعب من تلك العلاقة العاطفية المحرمة، وطلبت فتح الحُضن العربي لعودة سوريا ونظامها، بعد طول إنتظار. كانت دمشق ولا تزال جاهزة، لكي تصفح، ولكي تنسى كل الاتهامات القاسية التي وجهتها الى تلك الاحضان الخليجية والعربية بأنها شاركت يوماً في المؤامرة الكونية إياها.
تجديد تلك العلاقة ونقلها من السر الى العلن، بات كما يبدو قريباً. في الاصل لم تكن الطلاق بائناً بين تلك الانظمة الشقيقة. ولقاء العواطف والاهواء والمصالح يمكن ان يتخطى بسهولة آخر العقبات الموضوعة على طريق دمشق. قانون قيصر، الذي يتحدث عنه الاماراتيون والسعوديون وسواهم للنظام السوري، ليس بذي بال. والادارة الاميركية الجديدة يمكن ان تعيد النظر به، أو تجمد مفاعليه، على غرار ما يحصل مع إيران.
بناء على سوابق السنوات الماضية، لا يمكن ان تندرج الحملة “العاطفية”الخليجية الراهنة في سياق الهزيمة أمام النظام السوري، أو أمام إيران وروسيا في ساحة الصراع على سوريا. هي أقرب ما تكون الى المجاهرة بما هو قائم فعلاً بين الحاضن، وبين المحضون، الذي لن يتورع عن طلب الاعتذار المسبق والتعويض عما فات من تلك اللقاءات السرية الحميمة.
ولكي لا يخطىء أحد في الظن او في قراءة التاريخ، لم يكن أي من الذين يفتحون أحضانهم اليوم للنظام السوري، مع الثورة السورية ولا مع غالبية الشعب السوري الذي أطلقها قبل عشر سنوات. جميعهم عملوا ضدها على الدوام. جميعهم أخطأوا في خياراتهم السورية، قبل أن يكتشفوا سريعاً أن سوريا، كانت بحاجة الى بعض الاصلاحات للنظام، لا أكثر.
ولكي لا يسيء أحد التقدير، فإن فتح الاحضان للنظام السوري لا ينم عن رؤية سياسية عميقة، تسعى الى إستعادة بلد عربي وشعب عربي شقيق، بل يمكن ان يضاف الى الاخطاء السياسية الفادحة التي إرتكبتها تلك “الاحضان”، سواء في اليمن او العراق أو حتى لبنان.. وغيره من “دول غرب آسيا” حسب التوصيف الرسمي الايراني لبلدان المشرق العربي، وحسب التوصيف الاكاديمي الروسي لتلك البلدان.
لا حاجة للبحث عن ذرائع لفتح تلك الاحضان. العاطفة تغلب السياسة وحساباتها البسيطة. لمّ شمل الانظمة العربية، يزداد إلحاحاً على الجميع، من دون أدنى إعتبار لما يمكن ان يكون الصدى في كل من طهران وموسكو وواشنطن. والنظام السوري ليس لقيطاً، (كالنظام اللبناني الهجين مثلا)، ومكانه الطبيعي محفوظ بين أشقائه، حتى ولو إقتصر دوره على مواجهة “الفتح العثماني” المزعوم.
لا حاجة أيضا للسؤال عن موعد ذلك الاحتضان المرتجى: سوريا تسقط في المجاعة فعلا، ونظامها معتل، ورئيسها مصاب بكورونا: هل من حجة أهم لإعادة سوريا؟ هل تكون العودة الى الحُضن العربي قبل الانتخابات الرئاسية السورية المقررة بعد شهرين، ام يكون اللقاء العاطفي فور اعلان فوز الرئيس بشار الاسد بولاية رابعة، في لحظة درامية عربية لا تنسى؟
المدن
————————–
محاكمة صغار الفاسدين..مسرحية الأسد لتهدئة السوريين
ساهمت الفوضى التي خلفتها الحرب السورية في توسع ظاهرة الفساد المالي والإداري وخصوصاً في دمشق والساحل، إذ تُشير مصادر إلى تسبب الفساد الوظيفي بزيادة هدر الأموال المخصصة للمواد المدعومة، ما ينعكس صعوداً في أسعار عدد كبيرة من السلع.
وطبقاً لمعلومات استقتها “المدن” من مصدر خاص، فإن النظام اضطر تحت ارتفاع حدة المطالب بضرورة تفعيل مبدأ المحاسبة، إلى اتخاذ خطوات شكلية لمكافحة الفساد، من بينها إحالة عدد من المسؤولين والموظفين إلى القضاء، بتهم هدر الأموال والاختلاس.
لكن المصدر شكك بجدية هذه التحركات، لأن الفساد ينخر مفاصل النظام، قائلاً: “النظام يدير البلد والمجتمع بالفساد وآلياته، ومن غير الوارد أن تؤتي هذه التحركات أي ثمرة”.
وكانت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، قد كشفت عن قيام محكمة الجنايات الثالثة التابعة لنظام الأسد المختصة بالقضايا المالية والاقتصادية في دمشق بالبدء بمحاكمة مسؤولين ومديرين عامين وهيئات في قضايا فساد منها الغش بالتعاقد، والاختلاس، وهدر المال العام.
وقال رئيس المحكمة نظام دحداح إن المحكمة أصدرت حكماً قضائياً باسترداد 1.8 مليار ليرة سورية، وتغريم المسؤولين بالمبلغ ذاته الذي تم اختلاسه بالتواطؤ مع التجار. وأشار إلى أن هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رفعت دعوى بعدما أقدم المختلسون على تبييض الأموال المختلسة بتأسيس شركات منها حقيقية وأخرى وهمية.
وما يستدعي التشكيك بإجراءات النظام، من وجهة نظر المصدر، هو عدم ذكر الصحيفة أو رئيس المحكمة لأسماء المحكومين، وقال: “صار الكشف عن السرقات أمراً اعتيادياً”، مرجحاً أن تكون المحاكمات الأخيرة “الشكلية” قد طاولت بعض المسؤولين الصغار في حكومة عماد خميس.
وأكد المصدر أنه “قبل أيام دعا محافظ اللاذقية إبراهيم السالم، مدراء مؤسسة الأعلاف إلى اجتماع، ومن ثم أمر باعتقال عدد منهم، وإحالتهم إلى القضاء بتهم بيع الأعلاف المدعومة للتجار، علماً أنها مخصصة للتسليم لمربي الأبقار”.
وتابع المصدر أن الأنباء الأولية، تُشير إلى إطلاق سراح عدد منهم، وغالباً تم ذلك بفعل المحسوبية أو بعد استرداد قسم زهيد من الأموال المختلسة، قائلاً إن “المحاكمات تتم وفق إجراءات بعيدة عن العُرف القانوني، أي عمليات ابتزاز لا تتطابق مع الإجراءات الحكومية التي يجب أن تكون رصينة”.
أمام تفاقم الامتعاض الشعبي من الوضع الاقتصادي، يجد النظام ومؤسساته المهترئة بالفساد المالي والإداري، نفسه مضطراً إلى أن يظهر أنه يحارب على أكثر من جهة، والفساد في مقدمتها، لمقاصد تبدو على صلة بالتحضير للانتخابات الرئاسية التي يستعد لها.
وفي العام 2020، حافظت سوريا على تصنيفها في المرتبة الأخيرة في قائمة مؤشر الفساد العالمي مع كل من الصومال وجنوب السودان، وذلك في التقرير السنوي الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية”.
——————————
وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر يؤكدون تمسكهم بوحدة الأراضي السورية
القوات التركية تقصف مطار منغ العسكري… وتحذيرات من كارثة إنسانية بسبب نقص مياه الفرات
أنقرة: سعيد عبد الرازق
أكد وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا وقطر، تمسك بلادهم بوحدة الأراضي السورية، وبضرورة التوصل إلى حل سياسي لأزمتها، خلال اجتماعهم أمس في الدوحة.
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن روسيا وتركيا وقطر اتفقت على التصدي للمحاولات الانفصالية في سوريا التي تعرض أمن الدول المجاورة للخطر. وأضاف، في مؤتمر صحافي مشترك عقب اجتماع ثلاثي لبحث القضايا الإقليمية وفي مقدمتها الأزمة السورية مع نظيريه التركي مولود جاويش أوغلو والقطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني «اتفقنا على أن ممثلينا الخاصين سيشتركون في التنسيق المباشر لجهودنا الإضافية لتحقيق الأهداف المشتركة، وسنعقد اجتماعات أخرى على المستوى الوزاري بشكل دوري».
وتابع: «هذا أول لقاء على المستوى الوزاري بين الدول الثلاث بشأن سوريا، وسيعقد الاجتماع المقبل في تركيا والذي يليه في روسيا»، مؤكدا مشاركة بلاده في الجهود الدولية لتأمين عودة اللاجئين السوريين الطوعية والآمنة إلى بلادهم سوريا.
واعتبر وزير الخارجية الروسي أن هذه المحادثات الثلاثية تعد منصة جديدة على المستوى الإقليمي للمساعدة في حل قضايا المنطقة.
بدوره أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو دعم بلاده لجميع المبادرات لحل الأزمة السورية، التي تهدف إلى حل سياسي وفقا للشرعية الدولية، قائلا إنه يجب الضغط على النظام السوري لكسر الجمود في الوضع الحالي.
وأضاف جاويش أوغلو أن بلاده تواصل الدفاع عن وحدة الأراضي السورية وحماية المدنيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، لافتا إلى أن الاجتماع الثلاثي بحث الوضع في سوريا، ومسألة مكافحة التنظيمات الإرهابية. وذكر أن أكثر من 25 سوريا بريئا فقدوا حياتهم خلال الشهرين الأخيرين فقط جراء الهجمات الإرهابية.
وأكد أنه لا يمكن إنهاء الصراع في سوريا إلا من خلال إيجاد حل سياسي، لذا يجب الضغط على النظام السوري لكسر الجمود في الوضع الراهن، مشيرا إلى مواصلة التعاون مع قطر لتخفيف الأزمة الإنسانية في سوريا. وأكد ضرورة زيادة الجهود لمضاعفة المساعدات الإنسانية لسوريا، لا سيما لمواجهة وباء كورونا.
من جانبه، قال وزير الخارجية القطري محمد عبد الرحمن آل ثاني إن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي وعلينا دعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة.
وأكد الوزير القطري ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واستبعاد الحل العسكري للأزمة، وأن بلاده تدعم مفاوضات اللجنة الدستورية السورية والعودة الآمنة والطوعية للاجئين، مشيرا إلى أن أسباب تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية ما زالت قائمة، وذلك ردا على سؤال صحافي بشأن عودة افتتاح سفارة النظام السوري في الدوحة.
وأضاف أن الاجتماع الثلاثي بحث تطورات الملف السوري وإمكانية السماح بوصول المساعدات الإنسانية لسوريا.
وناقش الاجتماع بين وزراء خارجية قطر وروسيا وتركيا الأزمة السورية ومفاوضات السلام في أفغانستان والأوضاع في الخليج وليبيا، إضافة إلى الملف النووي الإيراني.
وسبق الاجتماع لقاءات ثنائية منفصلة بين الوزير القطري ووزيري الخارجية التركي والروسي، كما التقى جاويش أوغلو لافروف، وعقد جاويش أوغلو أيضا لقاء مع رئيس الحكومة السورية المؤقتة السابق رياض حجاب لبحث التطورات في سوريا.
وبحث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مع وزيري الخارجية التركي والروسي، في لقاءين منفصلين، المستجدات الإقليمية والدولية.
في سياق متصل، قصفت القوات التركية والفصائل السورية المسلحة الموالية لها محيط مطار منغ العسكري، ومنطقة تل رفعت ومحور مرعناز والشيخ عيسى في مناطق القوات الكردية بريف حلب الشمالي.
وجاء القصف بعد استهداف القوات التركية والفصائل الموالية لها، أول من أمس، محيط بلدة تل رفعت وقرية شيخ عيسى وبيلونية وعلقمية، في مناطق سيطرة تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في ريف حلب الشمالي، بعد مقتل عنصر من الفصائل الموالية لتركيا، في قصف متبادل مع القوات الكردية .
في الوقت ذاته، حذر مسؤولون في شمال سوريا من «كارثة إنسانية» جراء زيادة التراجع في منسوب المياه في سد الفرات في سوريا، مع استمرار تركيا في خفض كميات المياه المتدفقة إلى النهر.
وقال رئيس اتحاد الفلاحين في الرقة، محمد السالم، إن المنطقة ستواجه «كارثة إنسانية حقيقية» إذا استمرت تركيا بحرب المياه، وتكرار حسرها لمياه نهر الفرات، الذي يروي مئات آلاف الهكتارات فيها، وخاصة هذا العام الذي يُعد عام جفاف بسبب قلة الأمطار الموسمية التي هطلت على المنطقة، وأثرت بشكل كبير على الزراعة.
وحذر السالم من تردي الوضع الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، في المنطقة التي يعتمد فيها أكثر من 85 في المائة من سكانها على الزراعة بسبب عدم قدرة الفلاحين على زراعة أراضيهم بالمحاصيل الصيفية الاستراتيجية، وبخاصة القطن، الذي يحتاج إلى الري بكميات كبيرة ومتواصلة من المياه.
وترك انخفاض منسوب مياه نهر الفرات آثاراً على جميع نواحي الحياة، فعدا تأثر الزراعة والثروة الحيوانية إلى حد كبير، تشهد المنطقة حالياً أزمة كهربائية، نتيجة توقف مجموعات التوليد الكهرومائية في سد الفرات التي تغذي سوريا بشكل عام بالكهرباء، ما أجبر مديرية الكهرباء في منطقة الطبقة على إيقاف مجموعات التوليد، وقطع الكهرباء حوالي 12 ساعة يومياً.
الشرق الأوسط
———————————
مبادرات واشنطن الساخنة في سوريا/ محمد السعيد إدريس
كان لافتاً أن الإدارة الأمريكية الجديدة اختارت أن ترد في سوريا على الهجمات الصاروخية التي تعرضت لها السفارة الأمريكية في بغداد، وقبلها على قواعد عسكرية أمريكية في مطار أربيل بشمالي العراق.
جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) أفاد في بيان له بأن «القوات الأمريكية نفذت ضربات جوية بتوجيهات من الرئيس بايدن، استهدفت بنية تحتية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران في شرقي سوريا».
وزاد توضيحاً أن «الضربات دمرت عدة منشآت في نقطة سيطرة حدودية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران ومنها كتائب «حزب الله» و«كتائب سيد الشهداء»».
إذا كانت التنظيمات المستهدفة التي تنتمي إلى مكونات «الحشد الشعبي العراقي» وإذا كانت الاعتداءات وقعت على منشآت عسكرية أمريكية في العراق، فلماذا جاء الرد الأمريكي على سوريا وليس على العراق، حتى وإن كانت الضربات قد استهدفت التنظيمين العراقيين؟ الإجابة التي جرى تداولها تركزت حول أمرين:
أولهما أن الرئيس بايدن كان وما زال حريصاً على عدم الإساءة لعلاقة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بالتيارات والأحزاب العراقية المناوئة، وعدم توتير العلاقة بينه وبين إيران في محاولة لتمكينه من تحقيق إنجازات في بنود أجندته السياسية، وهذه أمور تخدم مصالح واشنطن مع الكاظمي.
أما الأمر الثاني فهو عدم تعكير صفو أجواء استضافة العراق لبابا الفاتيكان، وتأكد هذا الحرص في التزام واشنطن ضبط النفس على الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له قاعدة «عين الأسد» الأمريكية في العراق بعد أيام قليلة من الهجوم الأمريكي على مواقع التنظيمين العراقيين على الأراضي السورية.
غابت سوريا عن مجال الاجتهاد والتأويل لخلفيات الهجوم الأمريكي، الأمر الذي فرض التساؤل المهم: هل فعلاً كانت سوريا غائبة كهدف عن ذلك الهجوم؟
السؤال ضروري لأن هذا الهجوم جاء باعتباره أول مؤشر أمريكي للتعامل مع سوريا في ظل إدارة جو بايدن. هل يستهين بايدن بسوريا إلى هذا الحد، أم أن هذا الهجوم يمكن اعتباره إشارة إلى توجه سياسي أمريكي جديد نحو سوريا؟
ربما يأتي مغايراً عن نهج الإدارة السابقة للرئيس دونالد ترامب، في ظل حرص إدارة بايدن على «التسخين» في العلاقة مع روسيا في كثير من الملفات ربما تكون سوريا هي أحداها؟
ما يزيد خلفيات هذا الهجوم الأمريكي على سوريا أيضاً أنه تم دون إعلام روسيا به على خلاف من هجمات أخرى شنها الأمريكيون عامي 2017 و2018 كان يتم فيها التنسيق مع العسكريين الروس قبل وقت مسبق مناسب لتفادي حدوث أية احتكاكات ضمن حرص «شكلي» لاحترام مناطق نفوذ كل من الطرفين الأمريكي والروسي في سوريا.
هذه المرة، وباعتراف وزير الخارجية الروسي سيرغيه لافروف في مؤتمره الصحفي مع نظيره الأفغاني، تحدث بضجر قائلاً: «تم تحذير جيشنا قبل أربع أو خمس دقائق.. ولو تحدثنا عن مسألة ما يعرف بعدم التضارب (أو عدم الاحتكاك) كما هو معتاد بين العسكريين الروس والأمريكيين، فإن هذا النوع من الإخطار (الذي حدث هذه المرة قبل دقائق معدودة من الهجوم) لا يعطى شيئاً، عندما وجهت الضربة بالفعل».
هذا يعنى أن الهجوم العسكري الأمريكي على مواقع التنظيمين العراقيين على الأراضي السورية كانت له خلفياته التي تخص سوريا سواء ما يخص مستقبل الموقف الأمريكي من الوجود العسكري الروسي، أو ما يخص الموقف من مستقبل التسوية السياسية المحتملة للأزمة السورية، وشروط واشنطن الجديدة للإبقاء على نظام الرئيس بشار الأسد.
هناك دليل إضافي يؤكد ويدعم هذا الفهم هو تزامن ذلك الهجوم مع تصعيد أمريكي ضد الرئيس بشار الأسد تولت مسؤوليته هذه المرة المندوبة الأمريكية الجديدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد.
فأمام مجلس الأمن الدولي شنت هجوماً حاداً على كل من نظام الرئيس بشار الأسد وروسيا وتجديد الاتهامات الأمريكية للجيش السوري باستخدام أسلحة كيميائية ضد مواقع مدنية واتهام روسيا بالدفاع عن النظام والتستر عليه.
وبعد يوم من هذا الهجوم تحدثت أمام جلسة عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة خصصت لمناقشة حقوق الإنسان في سوريا وهاجمت النظام السوري على ممارساته ضد المعتقلين وشروطه المجحفة لعودة اللاجئين.
كان لافتاً أيضاً في كلمة غرينفيلد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قولها: «حان الوقت لكي نتوصل إلى حل سياسي فعلى للأزمة السورية»، لكنها لم تشأ أن تقدم أية معالم لذلك الحل الذي تراه الإدارة الأمريكية الجديدة.
ولم تشر إلى ما يمكن اعتباره استمرارية أو تغير في السياسة الأمريكية الجديدة في سوريا عن سياسة إدارة دونالد ترامب التي كان قد أجملها المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جيمس جيفري عقب إعلانه انتهاء مهمته في سوريا (نوفمبر 2020) بتوريط روسيا في سوريا وجعلها «مستنقعاً» يحول بين موسكو وبين جني ثمار وجودها في سوريا.
لكن يبقى السؤال: ما هي جدية هذا الترجيح، وما هي مضامين السياسة الأمريكية الجديدة في سوريا، في ظل ما حدث من مبادرات ساخنة حتى الآن بهذا الخصوص؟
* د. محمد السعيد إدريس باحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.
المصدر | الخليج
—————————
تحركات في البرلمان الأوروبي ضد نظام الأسد ودعوة أممية لدول العالم لتكثيف محاكمات المشتبه بارتكابهم جرائم حرب بسوريا
اعتمد البرلمان الأوروبي الخميس مشروع قرار يعارض التطبيع مع النظام السوري قبل إحراز تقدم في مسار الحل السياسي، فيما حثت مقررة حقوق الإنسان في سوريا دول العالم على تصعيد وتيرة محاكمات من يشتبه بارتكابهم جرائم حرب بسوريا في محاكمها الوطنية مع حلول الذكرى العاشرة لاندلاع الصراع.
ويعرب قرار البرلمان الأوروبي عن القلق إزاء عدم إحراز أي تقدم في جهود الحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بسبب موقف النظام السوري.
كما يؤكد عدم وجود مصداقية للانتخابات الرئاسية للنظام، ويدعم المطالب الديمقراطية للشعب السوري ووحدة بلاده وسيادتها ووحدة أراضيها.
ويدعو القرار إلى توسيع العقوبات على النظام السوري ليشمل المسؤولين الروس والإيرانيين.
ويدين قرار البرلمان الأوروبي انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان والقانون الدولي، ويقول إن روسيا وإيران وتركيا أيضا لديها انتهاكات في سوريا.
ويدعو القرار روسيا وإيران وحزب الله إلى سحب قواتها من سوريا، ويعرب عن أسفه لتقديم روسيا وإيران الدعم للنظام السوري في قمع الشعب المدني.
وأشار إلى أن روسيا مهدت الطريق لمقتل 6900 شخص، بينهم ألفا طفل، وأدان بشدة الهجمات الجوية.
ويطالب القرار النظام السوري بإطلاق سراح نحو 130 ألف معتقل سياسي، والسماح بعبور المساعدات الإنسانية.
كما يدعو تركيا لسحب جنودها من شمال سوريا، ويزعم أنها احتلته، وعرضت السلام في الشرق الأوسط وشرق المتوسط للخطر.
وأشار النواب الأوروبيون إلى أن عودة السوريين يجب أن تكون طوعية لأن بلادهم ليست آمنة، ويجب ألا تتغير وضعية الحماية الممنوحة للسوريين، كما يجب إعادة أطفال المواطنين الأوروبيين في سوريا.
محاكمات جرائم الحرب
وفي تطور متصل بالأوضاع في سوريا مع حلول الذكرى العاشرة للحرب، حثت مقررة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه الخميس دول العالم على تكثيف محاكمات من يشتبه بارتكابهم جرائم الحرب السورية.
وقالت باشليه إن محاولات إحالة فظائع ارتكبت في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي من أجل محاكمة مرتكبيها قد باءت بالفشل.
ودعت المسؤولة الأممية كذلك إلى زيادة الجهود من أجل اقتفاء أثر عشرات الآلاف من المفقودين الذين قالت إن من بينهم محتجزين في سجون تديرها قوات النظام السوري في أنحاء البلاد.
وقالت باشليه في بيان “نحن مدينون لهؤلاء الضحايا بضمان أن يكون العقد التالي عقد المحاسبة والتعويض، مع معالجة حقوقهم واحتياجاتهم كي يتسنى لهم إعادة بناء حياتهم”.
ومن المعتقد أن كثيرين من المشتبه بارتكابهم جرائم حرب غادروا سوريا.
والشهر الماضي، أصدرت محكمة ألمانية حكما بالسجن 4 سنوات ونصف السنة على عضو سابق في أجهزة الأمن السورية بتهمة التحريض على تعذيب المدنيين، وذلك في أول حكم قضائي من نوعه في العالم فيما يتعلق بجرائم ضد الإنسانية في الحرب السورية.
وفي هذا السياق، قالت باشليه إنه “لا يزال من الضروري أن تواصل المحاكم الوطنية إجراء محاكمات عادلة وعلنية وشفافة، وتقليص هوة المحاسبة على مثل هذه الجرائم الخطيرة”، ووصفت الحكم الألماني بأنه “خطوة مهمة للأمام على طريق تحقيق العدل”.
من جانبه، ندد باولو بينيرو -الذي يرأس فريقا للأمم المتحدة للتحقيق في جرائم الحرب- باستمرار الإفلات من العقاب.
وقال بينيرو أمام مجلس حقوق الإنسان الخميس “نشيد بالشجاعة الكبيرة لدى الضحايا والنشطاء السوريين، وبعزم بعض الدول الأعضاء على النظر في القضايا”.
وفي الإطار نفسه، قال هاني مجلي عضو لجنة دولية تابعة للأمم المتحدة إن 60 نظاما قضائيا تواصلت مع اللجنة طلبا لمعلومات، وإنها قدمت معلومات في حوالي 300 قضية قيد النظر.
واندلعت الاحتجاجات المطالبة بالحرية والديمقراطية على نظام بشار الأسد في مارس/آذار 2011 في جنوب سوريا، قبل أن تقابلها السلطات بحملة أمنية صارمة، لكن سرعان ما انتشرت في أنحاء البلاد وتطورت إلى حرب متعددة الأطراف تسببت كذلك في تشريد أكثر من 11 مليونا يمثلون نصف السكان قبل بدء الحرب.
المصدر : الجزيرة + وكالات
——————————-
اجتماع الدوحة.. هل يفتح آفاق الحل السياسي في سوريا؟/ هشام منوّر
لم تكن جولة وزير الخارجية، و”كاهن” الدبلوماسية الروسية، سيرغي لافروف، في منطقة الخليج العربي لتمر مرور الكرام، لولا الملفات التي تأبّطها وجال فيها على عدد من العواصم الخليجية العربية، باحثا في أروقتها عن تفاهمات بينية مع بعض دول الخليج العربي حول ملفات عربية (سوريا وليبيا واليمن) وغيرها.
فالرجل الذي يحاول إدارة ملفات عدة، منها الملف السوري، وهو ما يهمنا في هذا السياق، يروم البحث عن مخرج لحليفه في دمشق، بشار الأسد، بعد أنهكت العقوبات الدولية وتداعيات قانون قيصر والعقوبات الأميركية الدولية على إيران بسبب ملفها النووي، كلاً من الأسد وحلفائه، وأوصلت المواطن السوري المقيم في مناطق سيطرة النظام إلى حافة المجاعة، بحسب تصريحات أممية متوالية، آخرها ما كشف عنه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، من أن “60 في المئة من السوريين معرضون لخطر الجوع هذا العام”. وهي التصريحات التي أدلى بها للصحفيين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك تزامنا مع اقتراب الذكرى العاشرة للثورة السورية.
ما من شك أن هناك حاجة لوصول مزيد من المساعدات الإنسانية العابرة للحدود للوصول إلى جميع المحتاجين في سوريا، بحسب المسؤول الأممي، لكن عقدة التحالفات والأقطاب المتصارعة على الأرض السورية، جعلت الملف الإنساني واحدا من أبرز أوراق الضغط الممارس على السوريين على مختلف انتماءاتهم.
إعلان وزراء الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والقطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والتركي مولود جاويش أوغلو، عن إطلاق عملية تشاورية جديدة بشأن سوريا بين دولهم، بهدف الوصول إلى حل سياسي دائم في سوريا، شكل “مفاجأة” ربما تكون سارة مع اقتراب ذكرى عشرية الثورة السورية، لما للدول الثلاث من تأثير ونفوذ واضح على الملف السوري المتنازع عليه من قبل الفرقاء الدوليين. وإشارة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى عدم منافسة المسار الجديد لمسارات أخرى (جنيف، سوتشي، أستانا..) قد يكون المراد منها محاولة امتصاص ردود الفعل الدولية والإقليمية حول التطور الجديد في الملف السوري، وتأمين نجاحه واستمراره بمعزل عن محاولات الإفشال التي قد تضطلع بها دول وجدت نفسها شيئا فشيئا خارج خريطة الجغرافية السورية سياسيا.
التعويل على المسارات المتناسلة لإيجاد حل سلمي أو سياسي في سوريا لا يمكن التعويل أو المراهنة عليه بطبيعة الحال، لكن ما يختلف في قمة الدوحة حول سوريا، هو جمعها لثلاث دول بإمكانها إمساك الخيوط السياسية والإنسانية/ المعيشية في الملف السوري، في ظل رعاية روسيا لنظام الأسد من جهة، ووقوف كل من تركيا وقطر إلى جانب خيارات الشعب السوري في مواجهة جلاده، من جهة أخرى. ما يجعل باب التفاؤل بخصوص الملف السوري مواربا، بالتزامن مع الذكرى العاشرة لانطلاق ثورة شعبها ضد مستبدها، ويفتح آفاقا جديدة يمكن البناء عليها، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار انخراط الدول الثلاث بشكل مباشر في الملف السوري، وقدرتها على اجتراح مخرج للانسداد السياسي في سوريا، واستبعاد “العنصر المعطل” والمتفق على مشاغبته سياسيا وعسكريا، والمعني هنا إيران تحديدا، وخروجها من دائرة القوى الفاعلة في الملف السوري بسبب انشغالها بمفاوضات عودتها إلى الاتفاق النووي، واحتمال فقدانها للعديد من الأوراق الإقليمية في سياق مفاوضاتها.
قد يكون الترقب والانتظار لما ستؤول إليه الاجتماعات المقبلة للدول الثلاث والتي تم الاتفاق على عقد الاجتماعين المقبلين في تركيا وروسيا، على التوالي، خيارا متعقلا ومتفهما في الوقت ذاته، بانتظار تكشف الحقائق وتوضح الصورة الكلية، لكن مقدمات الانفراج السياسي تلوح في الأفق، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إمكانية ربط السلال التفاوضية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي يخشى الأسد أن يفقد ما تبقى من نفوذه لدى ما تبقى من الموالين له بحكم ضغوط الحياة المعيشية على السوريين في مناطق سيطرة نظامه، وربما تشهد الأيام المقبلة اجتماعات مفاجئة أخرى للكشف عن نتائج القمة الثلاثية، و”مواجهات” متصاعدة بين موسكو وطهران تحديدا، التي سوف تجد نفسها للمرة الأولى.. وربما الأخيرة، خارج الفضاء السوري!.
تلفزيون سوريا
—————————–
المعارضة السورية ونظرية التعويم الزيتي/ محمد برو
وعلى هذه الأولوية تمركزت الإرادات بشكلٍ عفوي، وكانت المؤسسة الأولى للمعارضة “المجلس الوطني” والتي حازت في الأشهر الأولى على دعم الشارع الثوري، وقبوله لها كممثل وحيد للثورة، وهذا لأن المجلس الوطني كان بالفعل ممثلاً لصوت الجماهير الثائرة، وخطابه متطابق إلى حد كبير مع خطابها، وأحياناً بشكلٍ حرفي، فعلى سبيل المثال الشعار الشعبي البسيط والذي أراد أن يقطع الطريق على أولى محاولات التفتيت كان “واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد” كرره بحرفيته وعبر كبرى المنصات الإعلامية المتحدثون الرسميون للمجلس الوطني وغيرهم، وحظي يومها بقبول واسع وأصبح شعارنا الجامع.
في تلك الأيام العزيزة علينا كسوريين معارضين ننشد الحرية ونراها مرتبطة بشكلٍ حتمي بسقوط الديكتاتورية وأعوانها، لم نكن نجد فرقاً إن تولى رئاسة المجلس سني أو علوي أو إسلامي أو علماني.
لم يكن أحد ليتجرأ في تلك البدايات لينافح أو يجادل على حصته أو عدد الأفراد الذين يمثلون تياره السياسي في هذه المجموعة أو تلك.
ويومها سارت الوقائع بذلك الزخم الشعبي وحده، فترنح النظام وتراجعت سيطرته على الأرض السورية وانحسر إلى ثلث الأراضي السورية التي أصبح يروج لها فيما بعد باسم سوريا المفيدة، وما ذلك إلا ليبرر هزيمته ويعلل من يواليه بأنه استطاع الحفاظ على الشطر الأهم من سوريا.
عام “1967” إبان حرب حزيران التي خرجت منها إسرائيل منتصرة وقد قضمت سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، كانت السياسة الاستراتيجية السورية قد خرجت بفكرة ألمعية سمَّوها يومئذٍ “التعويم الزيتي” ومفادها أن يترك المجال لإسرائيل فتتوغل في الأراضي السورية إلى عمقٍ متقدم، لا تستطيع معه السيطرة على مكتسباتها، فيسهل تمييعها والقضاء عليها، وتضيع في المحيط العربي كما تضيع قطرة الزيت، لو نشرناها على مسطحٍ مائيٍّ متسع.
غاب عن هذا التفكير الاستراتيجي أن إسرائيل كدولةٍ معتديةٍ، تحارب في محيطٍ عربيٍ واسع، ملزمةٌ بحكم الضرورة، بالتدقيق في حساباتها وخياراتها، وبدراسة خطواتها بشكلٍ تفصيلي، لم يعتد الساسة العرب المرتجلون الإتيان بمثله، فتقدمت قواتها في الحيز المفتوح، بالقدر المناسب لموازين القوة التي تعرفها، وتوقفت عند هذا الحد، وما إن تحطمت النظرية على صخرة الواقع، حتى سارعت القيادة البعثية إلى ابتكار نظرية أكثر جدة، وهي أن إسرائيل خاضت تلك الحرب لهدفٍ وحيد، وهو إجهاض الثورة، وطالما أن الثورة باقية فقد خسرت إسرائيل رهانها الوحيد، وعادت تجر أذيال خيبتها ومعها آلاف الكيلومترات من الأراضي العربية التي استولت عليها في لحظة غضبها.
أتى هذا بالضبط مشابهاً للفشل الذريع، الذي منيت به قطاعات واسعة من المعارضة السورية، وفي مقدمتها الهيئات التمثيلية الكبرى، فبعد أن باتت المعارضة بمجملها تسيطر على ثلثي الأرض السورية، بالرغم من كل القوى “الروسية والإيرانية وحزب الله” التي كانت تحارب بالنيابة عن نظام الأسد المتمزق، والذي لم يعد يملك موارد ولا كوادر، يدير بها ما تبقى له من الأرض السورية المفيدة كما دعاها، توزعت قوى المعارضة السورية بطريقة التعويم الزيتي ذاتها، ولم تعد قادرة على إدارة المساحات التي حررتها من نظام الأسد، لتهيمن عليها فصائل مسلحة لا تملك حرفاً واحداً من أبجدية الإدارة، وبتعبير أكثر دقة لا تصلح لإدارة مؤسسة إغاثية توزع الخبز والطحين وحسب، فما بالنا بإدارة المعابر ونظام الرسوم الجمركية، وضبط الأمن والقضاء بين الناس، وغيره كثير كثير مما هو مطلوب، ممن سيطر على مدن أو بلدات ورفع فوقها علم الثورة، ويبدو أن النظرية البعثية البائسة “نظرية التعويم الزيتي” التي فشلت في الحرب مع إسرائيل، نجحت في الحرب مع المعارضة السورية.
والواقع أنَّ ما جرى، هو تحرير مدن سورية من بقايا نظام الأسد الفاسدة، والسيطرة عليها من قبل مجموعات كانت بفعل جهلها وعدم تأهيلها، تنافس الأسد على إدارة الفساد.
لسوء التدبير وفقر الحال، لم يكن هناك بديل عن النظام في المناطق التي خرجت عن سيطرته، سوى مجموعات لا حصر لها مثَّل كثيرا منها نمطاً من أنماط إدارة الفساد والتجارب الفاشلة، كان من نتائجها تصريح كثيرين ممن ناصروا الثورة في البدء، برغبتهم في العودة إلى حكم نظام الأسد، رغم معرفتهم التامة بمدى فساده وضلوعه في الإجرام.
واليوم وبعد عشر سنوات من انطلاقة الثورة، لم يبق المشهد على ما هو عليه وحسب، بل انحط إلى ما هو دون ذلك، فأصبح ذلك الفساد وغياب الكفاءات أو تنحيتها عمداً، والذي سمحت الفوضى بولادته يومها، أكثر تنظيما وأشد تمكناً، وصار السؤال الصعب والشديد الإيلام هل تستحق هذه الثورة وما بذل فيها من دماء وتضحيات هذه القيادات الفاشلة والبائسة؟ وهل سيتسع الوقت للتخلص من هذه النماذج الثورية التي أصبحت عبئاً على الثورة ذاتها، وعقبة في طريق تقدمها أو تصحيح مسارها، أم أننا مقبلون على أشكال جديدة من الثورات الداخلية والخارجية معاً؟
————————–
مسار الدوحة: روسيا تقدم تنازلات غير كافية/ عقيل حسين
في مقال سابق أشرت إلى أن الاجتماع الأخير للدول الراعية لمسار أستانا الذي انتهى في السادس عشر من الشهر الماضي كان بمثابة الإعلان عن وفاة هذا المسار، وأن البحث جار عن مسار جديد للحل السياسي في سوريا.
لم تكن تلك الإشارة مبنية فقط على أن مسار أستانا قد استنفد الأغراض التي وجد من أجلها على الصعيد الميداني، مقابل الفشل الذريع الذي مني به سياسياً، وبالتالي لا بد من العمل على مسار بديل كانت كل من روسيا وتركيا، بالإضافة إلى إيران أيضاً، قد بدأت السعي لإنتاجه منذ لحظة الإعلان عن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية مطلع هذا العام.
نحو ستين يوماً من الاتصالات والنقاشات بين أنقرة وموسكو أفضت إلى التوافق على إنتاج مسار جديد، سيحمل ابتداء من الخميس 11 آذار 2021 اسم مسار الدوحة، على اعتبار أن الإعلان عنه كان من العاصمة القطرية، عقب الاجتماع الذي ضم وزراء خارجية الدول الثلاث، بينما غابت إيران في الشكل على أن تبقى حاضرة على صعيد المضمون والتفاصيل مؤكداً.
من الواضح أن روسيا وتركيا أرادتا إبعاد إيران عن المسار الجديد على أن يكون ذلك مقابل قصر الحضور الخليجي فيه على قطر، ورغم الزيارتين اللتين أجراهما سيرغي لافروف إلى كل من السعودية والإمارات، إلا أن التحاق هاتين الدولتين بشكل رسمي به لم يكن مطروحاً، لكن من الواضح أيضاً أن الأفكار التي كانت بجعبة وزير الخارجية الروسي كانت مقبولة من الرياض وأبو ظبي، حيث عبر المسؤولون في الدولتين عن تأييد مبدئي لعودة سوريا إلى الجامعة العربية مقابل الابتعاد عن إيران.
الجامعة العربية مقابل إيران إذاً.. هذا هو الثمن الذي تطلبه هذه الدول من النظام، لكن هل الأخير مستعد لمقايضة من هذا النوع، أو هل يرغب بها حقاً؟
بالتأكيد لا تعني جامعة الدول العربية بالنسبة للنظام شيئاً، بل لا يختلف اثنان على أنه يعتبرها من أعدائه الذين وقفوا ضده، مقابل الدعم غير المشروط أو المحدود الذي حظي به من إيران، لكن هذه العودة تعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لروسيا التي تدرك أن إعادة إنتاج النظام سياسياً ودولياً إنما يبدأ من بوابة الجامعة العربية.
فجهود روسيا على هذا الصعيد، والتي تصطدم حتى الآن بموقف أميركي وأوروبي صلب يرفض أي تطبيع مع النظام قبل التوصل إلى حل سياسي على أساس القرارات الدولية، سيشكل قبول الدول العربية بإعادة العلاقات مع النظام فرصة استثنائية لكسر هذا التصلب، والتوجه إلى الغرب بأنهم لا يمكن أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، وسيرفع الإحراج عن كاهل الدول الأخرى الراغبة بتجديد الصلات مع دمشق.
لكن موسكو التي تدرك صعوبة تحقيق اختراقة في هذ الجدار، على الرغم من عدم مبالاة السعودية، وحماس أبو ظبي، وفي ظل موقف تركي قطري رافض لمناقشة هذه العودة في الظروف الحالية، عبر عنه بوضوح وزير خارجية قطر في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الروسي، ومع الإصرار الأميركي الأوروبي على التمسك بهذا الموقف، تدرك أيضاً أن عليها تقديم تنازلات أكثر أهمية من أجل تحقيق تقدم في العملية السياسية تسمح بخلق أفق لتدفق أموال المساعدات وإعادة الإعمار إلى سوريا.
المعلومات المتوفرة حتى الآن تفيد بعرض روسيا الموافقة على دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة مع التنازل عن شرط مرورها من خلال المعابر التي تخضع للنظام، مقابل تعهد دول الخليج بالمساهمة بشكل أكبر في برامج الأمم المتحدة للمساعدات المخصصة للمناطق التي يسيطر عليها النظام، وهو أمر لا يمكن أن يشكل نقطة خلاف بطبيعة الحال.
كما عرضت روسيا وللمرة الأولى، حسب المصادر، أن يتم البحث في قضية المعتقلين كبادرة لبناء الثقة بين المعارضة والنظام، ووعدت بأنها ستضغط على الأسد بشكل حقيقي من أجل فتح هذا الملف الذي يصر النظام وبقوة على إبقائه مغلقاً.
أما العرض السياسي والتنازل الجوهري الذي تقول هذه المصادر إن موسكو طرحته، فهو إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية القادمة التي ينوي النظام إجراءها، مقابل الحفاظ على مسار اللجنة الدستورية حياً، وكذلك البدء بمناقشة تشكيل هيئة حكم انتقالي دون اشتراط عدم مشاركة بشار الأسد فيها، وقد طلبت روسيا من قطر وتركيا طرحه على المعارضة الرسمية والشخصيات البارزة فيها من خارج الائتلاف وهيئة التفاوض لجس النبض حوله، وهذا ما يفسر غالباً سبب لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع رياض حجاب.
على أية حال، نحن أمام حراك ديبلوماسي غير مسبوق فيما يتعلق بالملف السوري، وهو حراك أول خطواته تبدأ من ملفات إنسانية لا خلاف حولها، على أمل أن تشكل أرضية قبل الانتقال لمناقشة ملفات حساسة تعتبر العقبات الحقيقية أمام فتح الطريق إلى الحل الشامل، وأهم هذه العقبات مصير بشار الأسد والوجود الإيراني في سوريا، وبالطبع لم تكن روسيا لتقبل بالحديث حول هذه النقاط لولا الضغط الاقتصادي الكبير الذي تعاني منه ويجعلها عاجزة هي وإيران عن تقديم مساعدات تسعف النظام الذي يعيش أوضاعاً متدهورة على هذا الصعيد.
تلفزيون سوريا
—————————–
محطة قطرية – تركية في جولة لافروف العرب اللندنية
الدوحة – سجلت تركيا حضورها في الشأن الخليجي بقوة عندما شملت محطة الدوحة في جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اجتماعا ثلاثيا جمعه بنظيريه التركي مولود جاويش أوغلو، والقطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.
ورغم أن الشأن السوري هو الموضوع الذي أطّر زيارة لافروف، إلا أنّ روسيا لا تحتاج إلى المحطة القطرية للنقاش مع تركيا في ترتيبات الوضع السوري وكان واضحا أن الأتراك أرادوا أن يقولوا إننا موجودون في الخليج الآن.
وقال مراقبون إنّ أنقرة تريد أن تحوز المقاربة التركية – الروسية بشأن التسوية في سوريا على دعم خليجي بهدف إظهار وزنها الإقليمي في أيّ حوار مستقبلي مع الولايات المتحدة، وخاصة مع الإدارة الجديدة التي لا تظهر أيّ حماس لبناء علاقات مع أنقرة دون حلّ نقاط الخلاف الخاصة بحقوق الإنسان والتدخل في سوريا لفرض منطقة عازلة وتهديد الأكراد.
وأشار المراقبون إلى أن الاجتماع الثلاثي في الدوحة، ومشاركة جاويش أوغلو فيه كان الهدف التركي منه هو الاستثمار السياسي والإعلامي، مشيرين إلى أنّ تزامن وجود الوزير التركي في الدوحة لم يكن مبرمجا مسبقا ضمن أجندة لافروف، وأن جولة وزير الخارجية الروسي كان عنوانها خليجيا، ولو أراد الحوار مع تركيا لاتّجه إليها خاصة أن لقاءاته مع نظيره التركي شبه مستمرة سواء في أنقرة أو موسكو.
ويعتقد هؤلاء أن وجود الوزير التركي في لقاء الدوحة كان هدفه استثمار المناسبة لإظهار أن أنقرة شريك في مختلف تفاصيل الحل السوري، وأنها باتت حلقة وصل بين الروس والخليجيين، فضلا عن محاولة جذب قطر للتسوية وتبديد الصورة القديمة عن دورها الداعم لمجموعات إسلامية متشددة.
لكن الأمر يبدو صعبا بسبب سجل قطر في دعم المتشددين من ناحية، ومن ناحية أخرى، معاداة الرئيس السوري بشار الأسد الذي هو الحليف الرئيسي لموسكو، وقد تدخلت عسكريا في 2015 لتثبيته في الحكم.
ولم يخف الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري، معارضته لعودة سوريا إلى الجامعة العربية في تناقض مع توجّه عربي جماعي لحلّ الأزمة في الفضاء العربي.
محمد بن عبدالرحمن آل ثاني: أسباب تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية لا تزال قائمة
وقال إن “أسباب تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في 2011 لا تزال قائمة”، في حين قال جاويش أوغلو إن التواصل الدولي مع حكومة الأسد في الآونة الأخيرة أعاق الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي.
لكنّ وزير الخارجية الروسي سعى لإظهار أن اللقاء الثلاثي لا يتحمل أيّ تأويلات، وأن قطر لا يمكن بأيّ حال أن تكون شريكا رئيسيا في مستقبل الحل السوري، وأنها لا يمكن أن تحل محل إيران الضلع الثالث لمسار أستانة.
وقال لافروف إن الدول الثلاث لا تسعى لطرح بديل للجهود التي تبذلها تركيا وروسيا وإيران منذ عام 2017 للحد من القتال في سوريا ومناقشة حل سياسي.
وأضاف “لا يسعني إلا أن أرحّب برغبة قطر في الإسهام في تهيئة الظروف للتغلب على الوضع المأساوي الحالي في سوريا”.
ويسعى المسؤولون الأتراك، في كل مناسبة، لإظهار أفضالهم على نظرائهم، والهدف من وراء ذلك هو دفع الدوحة إلى ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد التركي الذي يعيش وضعا صعبا بسبب الأجندات العدائية للرئيس رجب طيب أردوغان تجاه محيطه العربي والأوروبي.
وأشار محللون إلى أن جولة لافروف في الخليج، كان الهدف منها حشد الدعم الإقليمي لحل سريع في سوريا بعد مضي عشر سنوات على الحرب، وإظهار أن عرقلة هذا الحل جاءت من الولايات المتحدة، وخاصة في فترة الرئيس المتخلي دونالد ترامب الذي خلط الأوراق بمواقف متناقضة فيما يتعلق بالانسحاب من عدمه، والتدخل المباشر لحماية مواقع النفط بشكل غير دبلوماسي.
وشدّدوا على أنّ موسكو لن تسمح بأيّ أدوار جديدة يمكن أن تغطي على أهدافها سواء في توجيه رسالة قوية للإدارة الأميركية الجديدة بشأن الجهة التي تمسك بمفاتيح الحل، أو إلى الخليجيين كون روسيا حليفا موضوعيا لهم في مواجهة الضغوط الأميركية، متسائلين كيف يمكن أن يتخلّى الكرملين عن هذا ويسمح لأجندات صغيرة (تركية – قطرية) للتغطية عليه.
وقال وزير الخارجية التركي إن بلاده وروسيا وقطر تبذل محاولة مشتركة للدعوة إلى حل سياسي للصراع السوري المستمر منذ عشر سنوات.
وأعلن عن إطلاق “عملية تشاور ثلاثية جديدة… هدفنا هو مناقشة كيف يمكننا المساهمة في الجهود الرامية إلى حل سياسي دائم في سوريا”.
وأضاف أن الوزراء الثلاثة أكدوا في اجتماعهم أن الحل الوحيد للصراع الذي راح ضحيته مئات الآلاف وتشرد بسببه الملايين هو تسوية سياسية تتماشى مع قرارات الأمم المتحدة.
وذكر أنه قرر مع نظيريه القطري والروسي مواصلة الاجتماعات الثلاثية بشكل منتظم، وأن الاجتماع التالي سيعقد في تركيا.
مراقبون: وجود الوزير التركي في لقاء الدوحة كان هدفه استثمار المناسبة لإظهار أن أنقرة شريك في مختلف تفاصيل الحل السوري
وأشار إلى أن الاجتماع الوزاري الثالث ستستضيفه روسيا، وسيكون ذلك ضمن فترات معينة بغية تأسيس السلام والاستقرار الدائم في سوريا.
من جهته، قال الوزير القطري إن الوزراء بحثوا كذلك آليات إيصال المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا، مضيفا أن هناك حاجة ماسة لتخفيف معاناة السوريين.
وفي بيان مشترك صدر عقب المحادثات، حث الوزراء الوكالات التابعة للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية على إعطاء أولوية لتطعيمات كوفيد – 19 داخل سوريا وتعزيز الجهود الرامية لتوصيل المساعدات الإنسانية.
كما شدد الوزراء على التزامهم بالحفاظ على استقلال سوريا وسلامة أراضيها.
———————-
بايدن يدعم فريق “الشرق الأوسط” بخبراء جدد قال مراقبون إن الرئيس الأميركي يحاول تحقيق الاستقرار في المنطقة وإعادة التفاوض مع إيران واستمرار مكافحة الإرهاب/ إنجي مجدي
iفي الوقت الذي تتطلع فيه الإدارة الأميركية لمواجهة الصين وروسيا كأولوية في أجندتها الخارجية، زود الرئيس الأميركي جو بايدن البيت الأبيض بخبراء للتعامل مع التقلبات المتجددة في الشرق الأوسط، والسعي لإخراج الولايات المتحدة من الحروب المستمرة المكلفة التي هيمنت عقوداً على الأمن القومي الأميركي.
وكشف مسؤولون مطلعون لمجلة “فورين بوليسي”، الأميركية، أن سبعة مسؤولين جدد انضموا إلى فريق الشرق الأوسط التابع لمجلس الأمن القومي في الإدارة الأميركية، وسيقدمون تقاريرهم إلى بريت ماكغورك، “قيصر” بايدن للشرق الأوسط، الذي عمل سابقاً منسقاً للتحالف الدولي لمكافحة “داعش” في عهد الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترمب.
وسيدير المسؤولون الجدد، بمن فيهم بعض الذين خدموا تحت قيادة ماكغورك في منصبه الأخير، السياسة الأميركية في بعض من أصعب الأزمات حول العالم، حتى في الوقت الذي تتطلع فيه إدارة بايدن إلى تحويل تركيز واشنطن إلى عصر ما يسمى “منافسة القوى العظمى” بعد ما يقرب من عقدين من المشاركة في الشرق الأوسط.
لكن، من المرجح أن تستمر المنطقة في امتصاص الأكسجين، خصوصاً أن فريق بايدن يسعى لإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات النووية.
تعيينات رفيعة المستوى
وسينضم إلى مجلس الأمن القومي مسؤولون مخضرمون في الخارجية الأميركية، إذ ستتولى إيفينيا سيديريس، الدبلوماسية المخضرمة التي تتحدث العربية، منصب مديرة شبه الجزيرة العربية، وك. سي إيفانز مديراً جديداً لمجلس الأمن القومي للشؤون السياسية والعسكرية واليمن.
وبحسب “فورين بوليسي”، سيلعبان أدواراً مهمة وراء الكواليس في الجهود الأميركية للتوسط في محادثات السلام باليمن بين الحكومة والحوثيين المدعومين من إيران، بقيادة المبعوث الأميركي تيم ليندركينغ.
وتشمل التعيينات دبلوماسيين أميركيين ذوي أصول عربية، حيث جرى تعيين الدبلوماسية من أصل سوري زهرا بيل مديرة لشؤون العراق وسوريا. وشغلت بيل، أخيراً، منصب الرئيس السياسي لـ”فريق الاستجابة للمساعدة بالتحول في سوريا” التابع للحكومة الأميركية ومقره إسطنبول.
كما انضم اللبناني الأصل هادي عمرو، وهو مسؤول سابق في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وعمل في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، لمكتب شؤون الشرق الأدنى نائباً لمساعد وزير الخارجية. ويتولى سام باركر، منصب مدير شؤون إيران، وماكس مارتن في لبنان والأردن.
كما سيعمل جوش هاريس، المسؤول في وزارة الخارجية الذي شغل منصب نائب رئيس بعثة الولايات المتحدة في ليبيا، في مجلس الأمن القومي للتعامل مع قضايا شمال أفريقيا. وخدم هاريس وسيديرياس في أدوار رئيسة في شمال أفريقيا خلال إدارة ترمب، حيث عمل هاريس كأكبر دبلوماسي لليبيا قبل أن يختار ترمب ريتشارد نورلاند سفيراً للبلاد في عام 2019.
وخدم باركر وبيل تحت قيادة ماكغورك خلال الفترة التي قضاها مبعوثاً رئاسياً خاصاً للتحالف الدولي لهزيمة “داعش” في الإدارتين السابقتين، وهي الوظيفة التي استقال منها في عام 2018، بعد أن أعلن ترمب فجأة انسحاب القوات الأميركية من سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وعندما نفذ الرئيس السابق قراره، أعقب ذلك غزو عسكري تركي للمنطقة لتطهيرها من وحدات حماية الشعب الكردية التي يعتبرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدواً لبلاده، وانتقد ماكغورك القرار الأميركي. وغرد ماكغورك وقتها عبر “تويتر” قائلاً “إن تعامل ترمب مع الأكراد يظهر جهلاً بالقيم الأميركية واللياقة الإنسانية والكرامة”، واتهمه بـ”الدعوة لنزوح جماعي للأكراد إلى الصحراء”.
ويتحدث كل من بيل وباركر – والأخير عمل سابقاً مديراً لمجلس الأمن القومي لسوريا والعراق في عهد أوباما – اللغة العربية بطلاقة، وعملا في الشرق الأوسط سنوات. بينما كان مارتن مستشاراً للمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا مايكل راتني، الذي عمل فريقه بشكل وثيق مع ماكغورك.
وبينما تأمل إدارة بايدن إعادة بناء العلاقات مع السلطة الفلسطينية وإحياء الجهود بشأن حل الدولتين، بعد خطة إدارة الرئيس السابق ترمب للسلام في الشرق الأوسط، أسند الملف الإسرائيلي الفلسطيني في مجلس الأمن القومي إلى جولي سوير، المساعدة السابقة لمبعوث أوباما الخاص لمفاوضات السلام.
وقالت إدارة بايدن إنها ستعمل على “استئناف المساعدات الأميركية” للأراضي الفلسطينية التي قطعت في عهد ترمب، والمساعدة في إعادة الاتصال بالبعثة الدبلوماسية للفلسطينيين في واشنطن التي أغلقها ترمب في 2018.
أولويات بايدن
وعلق مراقبون أن التعيينات تعكس أولويات بايدن في محاولة تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وإعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، مع استمرار سياسات مكافحة الإرهاب الأميركية التي ساعد ماكغورك في قيادتها خلال الإدارة السابقة.
وينعكس التركيز الأميركي المتزايد على الأنشطة الإيرانية في الاختيارات الجديدة، فقبلاً عين ويندي شيرمان، التي كانت مفاوضاً رئيساً خلال الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية خلال إدارة أوباما، في منصب نائب وزير الخارجية.
وقال نيكولاس هيراس، كبير المحللين في معهد نيولاينز في واشنطن، “يوجد نمط واضح هنا، وهو تعيين الأشخاص الذين اختبرت قدراتهم خلال إدارة أوباما، وتمكنوا من البقاء في مناصبهم مع ترمب”. مضيفاً “يخبرني حدسي أن ماكغورك يجمع فرقة يمكن أن تلعب لحناً متسقاً عندما يتعلق الأمر بالسياسة”.
وفي حديث سابق لـ”اندبندنت عربية” قال مستشار شؤون الأمن القومي السابق لديك تشيني نائب الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، جون هانا، “إن الجهد المبذول للتعامل مع التهديد الإيراني للمنطقة، لا سيما فيما يتعلق ببرنامجها النووي الآخذ في التوسع، أصبح مصدر قلق أكثر إلحاحاً من مكافحة الإرهاب لدى صانعي السياسة الأميركية”.
وبحسب هانا، فإنه لا شك أن الحاجة إلى منع ظهور “داعش” ستظل مصدر اهتمام كبير لإدارة بايدن وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. مردفاً “لقد كرس بريت ماكغورك سنوات عدة من حياته لهذه المهمة، وله علاقات عميقة مع جميع الأطراف المعنية، خصوصاً في العراق وبين أكراد سوريا”. لافتاً إلى أنه “بالنظر إلى هذا التاريخ، ليس لدى ماكغورك أي نية في أن يكون المسؤول الذي سمح بعودة داعش، لذا فإن القتال للقضاء على التنظيم الإرهابي سيظل بلا شك مجالاً للتركيز من قبله وفريق بايدن”.
وانضمت باربرا ليف، دبلوماسية بارزة سابقة أخرى، أيضاً إلى الرتب العليا في مجلس الأمن القومي في إدارة بايدن جنباً إلى جنب مع ماكغورك. لكن من المتوقع أن تستمر ليف فترة وجيزة في مجلس الأمن القومي، حيث يفكر بايدن بشدة في ترشيحها لتكون المبعوث الأعلى القادم للشرق الأوسط في وزارة الخارجية، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، بحسب ما أفاد به أشخاص مطلعون للصحافة الأميركية.
وفي توجيه استراتيجي مؤقت صدر الأسبوع الماضي، قالت إدارة بايدن، إن الولايات المتحدة “لا ينبغي لها ولن” تخوض “حروباً إلى الأبد”، وستقلل من وجود القوات الأميركية في الشرق الأوسط. لكن بينما يعد بايدن بأن يكون الرئيس الثالث على التوالي الذي يحاول تحويل تركيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة خارج المنطقة، فإن خبراء الشرق الأوسط يشقون طريقهم أيضاً إلى أجزاء أخرى من الإدارة.
وبدأت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد أيضاً الاستعانة بخبراء الشرق الأوسط للعمل في فريقها، بما في ذلك جيفري بريسكوت، المدير السابق لمجلس الأمن القومي خلال إدارة أوباما، وأندرو ميلر، المدير السابق لمجلس الأمن القومي للشؤون العسكرية في مصر وإسرائيل.
اندبندنت عربية
——————-
الانتخابات الرئاسيّة السوريّة.. واقع الجوع والخوف/ عبدالعزيز مطر
تقترب سوريا اليوم أكثر من أيّ وقت مضى من أبشع كارثة بشرية يمكن أن تصيب بلداً ما أو شعباً، كارثة على كافة الأصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والوطنيّة والسياديّة، هذه الكارثة تهدّد وحدة سوريا وتهدّد نسيجها الاجتماعي وتهدّد وجودها كدولة. وأبرز سمات هذه الكارثة، الواقع الاقتصادي الذي يمرّ به الشعب السوري، بكل فئاته وشرائحه، وسبب ذلك اللامبالاة والعبثيّة والتجاهل المفرط الذي تتعامل به سلطة الأمر الواقع مع هذه الكارثة، وتسخيف هذه الكارثة، وردّ أسبابها دوماً إلى مفهوم المؤامرة على هذا النظام وما يدّعيه من شعارات.
هذا المصطلح الذي صدع رؤوس السوريين منذ زمن طويل فصادر حريتهم لعقود، واليوم يصادر قوتهم ومستقبلهم وحاضرهم. منذ خمسة عقود مرّت، ما زالت نفس العبارات التي تردّدها السلطة للنأي بنفسها عن أي مسؤولية اتجاه أيّ مشكلة يمرّ بها البلد والوطن، وهي عبارات المؤامرة على هذا النظام وعلى هذا الشعب، ولم نعلم كسوريين من أطراف هذه المؤامرة وما الهدف منها، ولم يشرح أحد للسوريين إلى ماذا وصلنا في تحدّينا لهذه المؤامرة غير الموجودة أصلاً، وما هي الحلول التي قدمتها السلطة للتخلص منها، وتعمد سلطة الأمر الواقع وشخوصها دوماً للتهرّب من التزاماتها اتجاه هذا الشعب باستخدام مفردات ومصطلحات عفى عليها الزمن وعرف القاصي والداني أنّها مجرد أكاذيب وشعارات لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به.
وفي ظلّ هذا الواقع المظلم، وبينما يقبع ملايين السوريين تحت خط الفقر يبحثون عما يسدّ رمقهم ورمق أطفالهم ويسكّن صيحات البطون الجائعة والأطراف المتجمدة من البرد.. تقوم السلطة الحاكمة وعبر إعلامها ومؤسساتها بالترويج للانتخابات الرئاسيّة المزمع عقدها في وقت قريب.
وبمشهد أشبه بالكوميديا السوداء، فبينما الشعب منشغل تماماً بتأمين ضروريات الحياة المفقودة، تقوم السلطة الحاكمة بالإعداد لانتخابات يشارك فيها الجميع، ويتفاعل معها الجميع، باستثناء الشعب السوري المعني بها، كون مايمرّ به هذا الشعب من كارثة اقتصادية تشغله عن أي تفاعل مع أي تطورات سياسية في سوريا أو أي استحقاقات، فما يهم المواطن السوري لا يعني كثيراً تلك السلطة ولا يشغل أيّ حيّز من اهتمامها واهتمام هذه القيادة، فهي مشغولة بكيفية شرعنة هذه الانتخابات، بغضّ النظر إن كان هناك من ينتخب أو لا، وبغضّ النظر إن كانت لها مقوّمات شرعيّة أم لا، أما الشعب السوري فآخر ما يعنيه حالياً هذا التزييف وهذا المشهد.
ومن المثير جداً للاهتمام هذه اللامبالاة التي يتعامل بها رأس السلطة الحاكمة مع هذا الواقع في ظلّ تدنّي مستوى المعيشة لمستويات قياسية وانخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، الأمر الذي انعكس بصورة مأساوية على الواقع المعيشي للمواطن السوري، وهذه اللامبالة وهذا التصرّف يدلّ على العجز الذي يعتري أوساط السلطة الحاكمة، وانعدام أي حلول للخروج من هذه الكارثة، ولم يشاهد المواطن السوري في خضم هذا الواقع أية حلول يطرحها رئيس النظام، أو أي اهتمام أو جهد يبديه لتغيير هذا الواقع، فرئيس السلطة الحاكمة لا يعتبر من مهامه معالجة هذا الوضع، وأنّ هناك أمور أهم من المواطن السوري ومعيشته، وهي كيفية الحفاظ على هذا النظام والبقاء في رأس السلطة.
هذا الواقع الذي أظهر النظام عاجزاً عن المواجهة، الأمر الذي دعاه ودعا رأس السلطة فيها إلى إنكار هذه الكارثة، وخصوصاً بعد إحجام حليفيه الروسي والإيراني عن تقديم أي مساعدة تخرج الشعب السوري من محنته الاقتصادية أو تقدّم لهذا النظام أي مساعدات تخفي هذا العجز الذي يظهر في كل مؤسساته.
المأساة تكبر يومياً وتتدحرج ككرة الثلج، فارتفاع سعر صرف الدولار وملامسته الـ٤٠٠٠ ليرة سورية للدولار الواحد، أفقد السوريين مقدرتهم لتأمين احتياجاتهم الضرورة، والواقع يقول إنّ الليرة السورية في طريقها للانهيار الكامل إن لم تكن قد انهارت بالكامل فعلاً. الشعب السوري لا يعنيه حالياً ما تقوم به السلطة السورية وغير معني بالوقوف إلى جانب هذه السلطة في تحقيق شعاراتها العبثية، كالممانعة والمقاومة والحروب التي يقوم بها النظام لتدمير ما تبقى، وما يبقي الشعب حالياً في ذلك القمقم الرهيب، هو تعاظم الخوف في نفسه من وحشية هذه السلطة، وتعاظم مظاهر الجوع التي تتفشّى في شوارع وأحياء وأزقة المدن السورية، وبالتأكيد في نهاية المطاف سيتلاشى خوف الجميع وسيتغلّب صوت الجوع على الخوف مع ظهور بوادر الانهيار الكبير في كل شيء.
فالكارثه الاقتصادية التي أتت نتيجة كوارث سابقة، من تدمير لهذا الوطن وانعدام الأمن والتفسّخ المؤسساتي وترهل جميع أجهزة الدولة السورية وتفكك النسيج المجتعي الذي لعب النظام دوراً كبيراً في هذه الجريمة الكبرى بحق الشعب والوطن، وما خلّفته هذه الكارثة من أمراض خطيرة تعتري المجتمع السوري من انتشار للجريمة والمخدرات، وبدأت مظاهر تلاشي هذا الخوف بظهور النخب الاجتماعية في سوريا التي كانت تخشى سابقاً نقد السلطة خوفاً من إجرامها بالتحدّث عبر وسائل الإعلام عمّا يجري في سوريا وعن هذا الواقع. فيما يفضل النظام دفن رأسه في الرمال، كالنعام، ضارباً بعرض الحائط كل ما يحدث في هذا الوطن، ولسان حاله يقول لانملك أي شيء ولا أي حلّ لما يحدث.
الشعب السوري بمجمله يدرك أنّ ما يمرّ به حالياً يمكن أن يتم تداركه والتخفيف من تأثيراته في حال استجاب هذا النظام لنداء الشعب السوري وقيامه بالتخلّي عن السلطة وإفساح المجال لمن يمكنه إنقاذ البلاد، من خلال التعاطي الإيجابي مع المجتمع الدولي، وتطبيق قراراته، وخصوصاً الـقرار ٢٢٥٤، الذي يعتبر هو الطريق الوحيد للخروج من هذا الواقع المأساوي، وماخلاف ذلك، فالمجتمع الدولي لن يقدّم أي شيء يساعد السوريين للخروج من هذه المحنة المتفاقمة.
ومما سبق، لا بدّ للسوريين جميعاً من توحيد صفوفهم وتوحيد الخطاب الموجّه لرأس هذا النظام بضرورة التخلّي عن السلطة والدفع باتجاه عملية سياسية مدعومة من المجتمع الدولي لإنقاذ سوريا وإنقاذ شعبها، فالمستقبل قاتم لجميع أبناء هذا الوطن ببقاء هذه السلطة وتمترسها خلف شعارات ومحاور المقاومة، والمجتمع الدولي لن يقدم أي شيء للسوريين ما لم يتّخذ السوريون خطوات فعالة ومتضامنة وتشاركيّة تساعد المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في الملف السوري على المضي قدماً في تحقيق السلام على ربوع سوريا وتجاوز هذه الكارثة.
ليفانت – عبد العزيز مطر
———————
رياض حجاب: مرتاحون للمسار الثلاثي الجديد ولا مستقبل للأسد في سورية
قال رئيس الوزراء السوري الأسبق، رياض حجاب، إن بقاء بشار الأسد في السلطة يشكل عبئاً على استقرار سورية مستقبلاً، مبدياً تفائله في “المسار الثلاثي” التشاوري حول سورية، والذي أعلن عنه في الدوحة اليوم الخميس، ويضم قطر وروسيا وتركيا.
“التغيير قادم وحقيقي”
وقال حجاب الذي شغل قبل سنوات، منصب رئيس “هيئة التفاوض العليا”، التي مثّلت المعارضة السورية في مسار جنيف، إن “الشعب السوري خُذل من المجتمع الدولي”.
واعتبر خلال مقابلة له على قناة “الجزيرة”، بثت مساء اليوم الخميس، أن “إسرائيل هي صاحبة المصلحة الأولى في بقاء بشار الأسد والحفاظ عليه، وكذلك إيران صاحبة مصلحة كبيرة في بقاء النظام، إضافة لروسيا”.
ولكنه رغم ذلك قال بأن “التغيير قادم وحقيقي” في سورية، لأن “الأسد مجرم فقد شرعيته ولا مصلحة للمجتمع الدولي بتعويمه”.
مرتاحون للمسار الثلاثي
وحول اجتماع وزراء خارجية قطر وروسيا وتركيا في الدوحة، اليوم الخميس، قال:”مرتاحون بالمسار الجديد الذي فيه بصمات عربية. تابعنا باهتمام هذا اللقاء الثلاثي والبيان الختامي”.
وأعرب حجاب الذي التقى اليوم وزير الخارجية التركي مولود جاوويش أوغلو، عن أمله في “أن يُحدث هذا المسار فارقاً في المستقبل، ويكون داعماً للمسار الأممي خاصة في تنفيذ القرار الدولي 2254”.
ترهل المعارضة
وقال حجاب الذي أعلن انشقاقه عن نظام الأسد منتصف سنة 2012 عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، إن “هناك ترهل عام في المعارضة السورية ويجب إعادة هيكلتها مجدداً”، مشيراً إلى أنها عجزت عن “تشكيل بديلٍ مناسب عن النظام”، وهو شكل قلقاً إضافياً للمجتمع الدولي حول تغيير النظام حسب قوله.
لكنه رغم ذلك اعتبر أن من “جلد الذات الزائد تحميل المعارضة كل أسباب الفشل”، محملاً المسؤولية للمجتمع الدولي و”المسؤولية بالدرجة الأولى على الأمم المتحدة، وخاصة ديسمتورا الذي اشتغل على التماهي مع الموقف الروسي، وذهب للعمل في مساري آستانة وسوتشي وهو ما أضعف المبادرة الأممية، وادى لمزيد من تعنت للنظام وروسيا”.
الإدارة الجديدة في واشنطن
وحول رؤيته لتعاطي إدارة الرئيس الجديد للبيت الأبيض، جو بايدن، مع الملف السوري، قال بأن هذه الإدارة “مازالت تضع استراتيجيتها لمعالجة الملف السوري، وتحدثوا عن تعاون مع الحلفاء الغربيين والعرب في سورية”.
وتمنى حجاب أن “تعود مجموعة أصدقاء سورية للتشكل، وأن تعود القضية السورية إلى الواجهة بعد أن تراجعت عن أولويات المجتمع الدولي بعد انفجار أزمات جديدة في دول أخرى مثل ليبيا واليمن وشرق المتوسط وغيرها”.
وقال إن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، أخطأت في تعاطيها مع حراك الشعب السوري و”قرأنا في مذكرات أوباما انه يلوم نفسه على ذلك”.
وأشار في نفس الوقت، إلى أن هناك “تحركات إيجابية من الجالية السورية في الولايات المتحدة، والكونغرس الأمريكي أصدر قانون قيصر، والآن هناك مشاريع أخرى في الكونغرس تدفع باتجاه عدم التخلي عن الضغط على نظام الأسد. نتمنى نجاح هذه الجهود لإبقاء الضغوط على النظام”.
مشهد محزن في كل مناطق النفوذ
وحول الأوضاع داخل سورية، قال إن “المشهد العام في كل مناطق النفوذ، هو فوضى عارمة، و فلتان أمني، في ظل وضع اقتصادي متدهور، وللأسف المواطن السوري هو الذي يدفع الثمن الأكبر”.
وتابع أن “المشهد مزعج جداً، هناك تنافس روسي –إيراني وتنافس بين الميليشيات التي تتنافس على المنافع. نفس الأمر في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية هناك اغتيالات وفوضى. وكذلك في مناطق سيطرة المعارضة التي ما زالت تشهد تفجيرات مستمرة، والتنسيق بين الفصائل الكثيرة المسيطرة ضعيف والوضع غير مستقر في كل سورية”.
وحمّل نظام الأسد مسؤولية كل ما آلت إليه الأوضاع، معتبراً أن “سياسة النظام في تطبيق شعار الأسد او نحرق البلد، هي من أوصلت السوريين إلى هذا الوضع المأساوي والبلد إلى حافة الانهيار”.
لا شرعية للانتخابات
وتسائل حجاب:”ما هو البرنامج الانتخابي لبشار الأسد، هل مزيد من الفقر والجوع؟ ماذا سيقدم بشار الأسد للسوريين؟”، قائلاً إن الأسد “يريد من الانتخابات، أن يعزز موقفه التفاوضي، ويُفشل المحاولات الأممية لحصول أي اصلاح دستوري حقيقي، وأن يقطع أي محاولة دولية من أجل الحديث عن مصيره”.
واعتبر أن “روسيا وايران تدعم وتعمل بكل السبل من أجل شرعنة هذه الانتخابات، ولكنها لن تكون شرعية مهما حصل”، مشيراً إلى أن “بشار الأسد أمام مأزق كبير، فطهران غير قادرة على الدعم المادي بسبب العقوبات المفروضة عليها، وروسيا قالت أيضاً إنها غير قادرة على تقديم دعم مادي”.
وبينما تحدث عن “تفكك الدائرة الضيقة لبشار الأسد، وظهور خلافاته” مع رامي مخلوف وغيرها إلى العلن، فإنه رأى بأن “بشار الأسد لن يكون رجل المرحلة المقبلة لأنه اصبح عبئاً على سورية والسوريين. ذهاب الأسد لن يخلق فوضى، بل بقائه هو الذي يسبب الفوضى”.
———————-
حجاب: بشار الأسد انتهى والأيام القادمة تحمل الانفراج للسوريين
أكد رئيس الوزراء السوري المنشق عن نظام الأسد “رياض حجاب” أنه لن يفرط بثوابت الثورة السورية، كاشفا أن “الأيام القادمة تحمل الانفراج للسوريين وأن التغيير قادم وحتمي لن يكون فيه بشار الأسد رئيساً”.
وشدد “حجاب” في مقابلة مع قناة “الجزيرة” مساء الخميس، على أنه لا يمكن إعادة تعويم بشار الأسد دولياً، كما أن الانتخابات الرئاسية التي يزمع النظام إقامتها غير شرعية، معتبرا أن بشار الأسد انتهى وليس هو رجل المرحلة القادمة.
وأوضح “حجاب” الذي شغل منصب “رئيس هيئة التفاوض العليا”، أن محاولات روسيا في إعادة تعويم النظام لن تنجح، كما أن إيران غير قادرة على إنقاذه اليوم، مشيرا إلى أن سياسة “الأسد أو نحرق البلد” هي من أوصلت سوريا إلى هذا الحال.
وقال: “ما هو البرنامج الانتخابي لبشار الأسد، هل هو مزيد من الفقر والجوع؟ ماذا سيقدم بشار الأسد للسوريين؟”، مبينا أن “الأسد يريد من الانتخابات، تعزيز موقفه التفاوضي، وإفشال المحاولات الأممية تجاه أي إصلاح دستوري حقيقي”.
وأضاف أن بقاء بشار الأسد في السلطة يشكل عبئاً على استقرار سوريا، لأنه مجرم وفقد شرعيته ولا مصلحة للمجتمع الدولي بتعويمه من جديد، ولذلك فإن التغيير قادم وحقيقي في سوريا.
وحمل نظام الأسد مسؤولية كل ما آلت إليه الأوضاع، معبرا عن حزنه لما آلت إليه أحوال السوريين في مناطق سيطرة نظام الأسد، حيث يكثر مشهد الفوضى العارمة، والفلتان الأمني، والوضع الاقتصادي المتدهور، والتنافس الروسي والإيراني على المنافع وهذا ما ينطبق على الميليشيات الموالية لهما.
وقال “حجاب” إن وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” أجرى جولة خليجية لعودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية لكنه تلقى رفضا واضحاً، مضيفا في الوقت ذاته أن إسرائيل صاحبة المصلحة الأولى في بقاء بشار الأسد في السلطة تليها إيران.
وتابع: “إن الشعب السوري نزع الشرعية عن بشار الأسد.. وهو الشعب السوري ذاته الذي خذل من قبل المجتمع الدولي”، محملا المسؤولية أيضا للمجتمع الدولي والأمم المتحدة، والمبعوث الأممي “ديسمتورا”، الذي عمل على التماهي مع الموقف الروسي، وذهب للعمل في مساري “آستانة وسوتشي”، وهو ما أضعف المبادرة الأممية، وبالتالي المزيد من تعنت النظام وروسيا.
وفيما يتعلق بالمسار الثلاثي القطري التركي الروسي، أبدى حجاب تفاؤله قائلا: “مرتاحون بالمسار الجديد الذي فيه بصمات عربية. تابعنا باهتمام هذا اللقاء الثلاثي والبيان الختامي، معربا عن أمله في أن يُحدث هذا المسار فارقاً في المستقبل، ويكون داعماً للمسار الأممي خاصة في تنفيذ القرار الدولي 2254.
وعن أداء المعارضة السورية قال: “هناك ترهل عام في المعارضة السورية ويجب إعادة هيكلتها مجدداً، فهي عجزت عن تشكيل بديلٍ مناسب عن النظام، وهو ما شكل قلقاً إضافياً للمجتمع الدولي حول تغيير النظام”.
وتطرق “حجاب” إلى الموقف الأمريكي تجاه سوريا، مشيرا إلى أن إدارة “بايدن” مازالت تضع استراتيجيتها، فيما أخطأت سياسة الرئيس الأسبق “باراك أوباما” في تعاطيها مع الملف وهذا ما ظهر واضحا في مذكرات الأخير.
——————————–
ما إمكانية تشكل كتلة وطنية عريضة في المرحلة القادمة | حوارية مشتركة لنخبة من المثقفين
———————-
================
تحديث 13 أذار 2021
———————–
هلمّوا لإنقاذ بشار!/ عمر قدور
هناك، في القصر المطل على جبل قاسيون، قائد لقسم من العسكر والمخابرات والشبيحة بمرتبة رئيس. هو الآن “على الأرجح” متمارض بزعم إصابته بكورونا، لعل الزعم يعفيه مؤقتاً من مسؤولياته إزاء المجاعة التي تنهش محكوميه، بعدما لم تأتِ نصيحته بإلغاء برامج الطبخ من التلفزيون بالنتيجة المرجوة لوقف الجوع. هو لا يكترث بتصديق السوريين قصة مرضه، المهم أن يتظاهر عدد منهم بذلك لعل عدوى التصديق تصيب آخرين، والأهم أن تصل رسالة تمارضه إلى الجهات الخارجية المعنية فتبادر إلى إنقاذه من دائه الحقيقي.
في موازاة التسول العاطفي المبتذل داخل سوريا، قام وزير الخارجية الروسي بجولة خليجية شملت الإمارات والسعودية وقطر، بذل خلالها جهداً واضحاً لتسول الدعم الخليجي المالي لمريضه في دمشق. الاستعداد الإماراتي “غير المشروط” للمساعدة سبق لواشنطن لجمه، والعائق الوحيد أمامه بحسب وزير الخارجية الإماراتي هو قانون قيصر. الرياض جددت موقفها المعروف منذ استقبالها علي مملوك في صيف 2015، عندما اختصرت هاجسها السوري بوجود الميليشيات الإيرانية، ليُضاف إليه لاحقاً هاجس إخراج تركيا. ما بدا أنه تجاوب قطري في الشق الإنساني، بالتعاون مع أنقرة، سيبقى محكوماً بموقف واشنطن إذ يستحيل المضي في برنامج ضخم من المساعدات من دون موافقتها.
مع التحرك الروسي، ازدهر من جديد سوق التكهنات حول الصفقة الممكنة، بما فيها وضع سيناريوهات متفائلة بقرب تنحية بشار وعدم السماح له بتجديد ولايته. لكن، كما نعلم، التمهيد لمثل هذه الصفقة لا يمر عبر العواصم الثلاث، ولا يكون بغياب واشنطن، وفي مناخ من البرود الذي يحكم علاقتها حالياً بموسكو. هذا إذا وافقنا على الافتراض بأن واشنطن وتل أبيب ترغبان في تنحية بشار الآن، وإذا افترضنا وجود رغبة خليجية مشتركة في ذلك.
على العكس من الافتراض السابق، تمدّنا وقائع السنوات العشر الماضية بالنقيض تماماً. أي أنه كلما وصل بشار إلى حالة من الضعف تهدد بسقوطه فُتحت لها منافذ النجاة، بل ظهر كأن أكبر تهديد يوجهه بشار لقوى تناصبه العداء ظاهراً هو الإعلان عن ضعفه وعدم قدرته على الصمود. رأينا ذلك في خريف 2012، عندما أوشكت فصائل معارضة على محاصرة دمشق، لتتدفق الميليشيات الشيعية والحرس الثوري على نحو لا يمكن حدوثه بلا موافقة من تل أبيب وواشنطن. رأيناه لاحقاً، بعد فشل الميليشيات الشيعية وفقدانه ثلثي الأراضي السورية، عندما خرج بشار في خطابه الشهير ليعلن عدم قدرته على السيطرة سوى على قليل من الأراضي، لتأتي ماكينة الإبادة الروسية بموافقة ضمنية من الغرب كله، وبموافقة من بعض دول الخليج، إذا لم نصدق رواية الدعم المالي الذي نالته من إحدى دوله.
بين التاريخين السابقين، تابع العالم كله مسرحية التنصل من معاقبة بشار على استخدام السلاح الكيماوي صيف 2013. كان صريحاً آنذاك تلكؤ أوباما في انتظار مخرج من اعتباره استخدام الكيماوي خطاً أحمر، ومن المرجح أنه فعل ذلك على سبيل اللغو في أحسن الأحوال، أو لإعطاء رخصة للقاتل باستخدام ترسانته التقليدية بلا حدود وفق تأويل أكثر واقعية. ثبت فيما قبل الكيماوي وما بعده أن الخط الأحمر الوحيد الحقيقي هو بشار نفسه، وهو استنتاج لا يبقى صالحاً إلى الأبد، بل أكثر ما يصلح له إبقاؤه كوصفة للاستعصاء السوري.
للتذكير، في مناسبتين أو ثلاث رداً على اتهامات غربية بحماية بشار، لمّح مسؤولون روس إلى قدرة الغرب على إسقاطه لو أراد ذلك، فتكون موسكو قد لعبت دور إبليس بتنفيذ المشيئة إذا استلهمنا تعبيراً من اللاهوت. لكن يبقى من مصلحة موسكو مجاراة العالم بالتركيز على أنها حامية بشار الأولى، فهذا ما يمكن تصريفه داخلياً كنجاح للتدخل العسكري في سوريا، وما يمكن تصريفه خارجياً للمطالبة بالثمن متى حانت لحظة المساومة والتسوية.
منذ أُنقِذ بشار عسكرياً تراجع الحديث الأممي عن الحل السياسي، وتُرجم ذلك بعدم الاكتراث بانهيار مسار جنيف، وبعدم تدخل واشنطن في مسار أستانة أو المسار الدستوري المنبثق عن سوتشي. بالطبع، كانت واشنطن تتوقع صدور الاستغاثات من بشار جراء الانهيار المحتم للاقتصاد، أو جراء ما دمّره هو وحلفاؤه من بنية تحتية. قانون قيصر أتى بمثابة تسريع لعملية الانهيار المحتمة، ومن ضمن التسريع عدم السماح بجرعات تسكين قد تأتي من هنا أو هناك.
نظرياً، ليس من خطر مباشر على بشار جراء المجاعة التي أوصل البلاد إليها. مع آلة القمع التي يسيطر عليها، ومع الميليشيات الإيرانية وقوة الإبادة الروسية، من المستحيل بروز مخاطر عسكرية بالمعنى التقليدي. هذا لا يمنع بشكل قاطع حدوث ما لا يمكن توقعه، بأسلوب يصعب توقعه أو التعامل معه، كأن يحدث انفجار لفوضى لا تنجح معها الأساليب المخابراتية والعسكرية المعتادة، وقد يكون هذا هو التحذير الذي حمله لافروف في جولته الخليجية.
على نحو أو آخر، لسان حال لافروف تحت عنوان التحذير من الفوضى والمجهول: هلمّوا لإنقاذ بشار. عسى أن تكون دول الخليج وسيطاً لدى واشنطن المطالَبة بالتراخي في تطبيق عقوباتها، أو الشروع بمنح استثناءات تفرغها من مضمونها. موسكو غير قادرة على إنقاذ بشار اقتصادياً، وهذه الخلاصة تعني فشل تدخلها في تحقيق الاستقرار، لذا تسعى إلى وضع الآخرين أمام “مسؤولياتهم”، أو إلى التذكير بأن المسؤولية عن الوضع السوري الحالي هي مسؤولية مشتركة.
في الأيام الأخيرة نقل إعلام الأسد تظاهرات مواليه الذين شكّلوا بأجسادهم الدعوة له “بالشفاء العاجل”، الأيام المقبلة ستكشف لنا ما إذا كان السعي الروسي سيُقابل بنوايا طيبة تشبه تلك الدعوات لا أكثر، أم أن صدى الاستغاثة سيلقى اهتمام واشنطن. بشار بحاجة حقاً إلى ذلك الترياق الذي ينقذه، لكن لا كما يوحي إعلانه عن المرض، إذ ربما كانت معالجته من كورونا تقتضي أولاً إرغامه على استنشاق الفيروس.
المدن
—————————
“لا تندهوا، ما فيه حدا”/ ميشيل كيلو
ها هو بشار الأسد يعالج اليوم مجاعة الموالين له بالأسلوب الذي تصدّت مخابراتُه به لمن طالبوه بالحرية عام 2011 من معارضي نظامه، وشمل أنماطا متنوعةً من التخويف والاعتقال والتعذيب، ناهيك عن القتل داخل معتقلاته وسجونه وخارجها. يلجأ النظام الأسدي إلى العنف في أيامنا لمعالجة مشكلة تحل بتوفير الطعام للجياع، ولا تحل بالعصا الكهربائية والدولاب والشبح، على يد أجهزة سرية تعد نفقاتها ومخصصاتها، التي تبلغ نيّفا وربع الدخل الوطني السوري، أحد الأسباب الرئيسة لإفقارهم وتجويعهم، سواء بمدّ أيديها إلى جيوبهم وأرزاقهم، أم بدورها في حماية نظامٍ أدمن على نهب البلاد والعباد، ورئيسٍ أحاط نفسه بعصابات لصوص وسرّاق، صاروا بالمئات والآلاف مليونيرية ومليارديرية خلال الحرب التي قتلت السوريين جوعا، حتى أخذ الآباء يبيعون أطفالهم، والشباب ينتحرون، بعد أن يئسوا من الاستغاثة بالرئيس ومناشدته أن يردّ عنهم غائلة جوعٍ أخذوا يكتشفون، بعد أن زالت غشاوة التضليل عن أعينهم، أنه المنتفع الأكبر منه، بصفته رئيس أخوية لصوص تحيط به وتحتضنها زوجته، يلعب فسادُها غير المسبوق الدور الرئيس في تجويع وتركيع من يستغيثون بـ”سيادته” ويناشدونه أن يرأف بحالهم، ويتذكّر أنهم هم من نصره ومات دفاعا عنه، فلا أقلّ من أن يردّ الجوع القاتل عنهم. .. وتتجاهل استغاثات السوريين أمرين:
أولهما، أن الأسد لا يدين لشعب سورية بشيء، وأنه بقي رئيسا بفضل أغراب وأجانب استدعاهم لإنقاذه واحتلال سورية. أما الموالون الذين هلك خلق كثير منهم دفاعا عنه، فلم يعد أمرُهم يعنيه بعد “النصر”، ولو ملأوا الكون “نقّا” لما اهتم بهم، لأنه يفضل ألف مرّة أن يموتوا على أن يحرم المخابرات والجيش من المال الذي سيكرّسه لإطعامهم، ويرفض مدّ يده إلى الثروة التي يمتلكها، وتلك التي ورثها عن أبيه. وإذا كان قد أطعمهم “حبة بطاطا” في اليوم إبّان الحرب، فإن هذه صارت من الماضي، وذهب معها نصيبهم من الطعام، بعد أن أخذوا يخاطبونه باللغة التي استخدمتها الثورة من قبل، وردّ عليهم بالمخابرات، ومن قاتل معها من شبّيحة ومليشيات وإيرانيين وروس، ولن يتردّد في الرد عليهم بالطريقة ذاتها، لمجرّد أنهم جياع.
وثانيهما: أن المخابرات ليست مؤسسة خيرية، بل هي أجهزة قمع وقتل وإزهاق أرواح، ورئيسها ليس رجل برّ وإحسان، فيمدّ يده إلى جيبه، لينفق من حرّ ماله على جياعٍ يستطيع سحقَهم تحت أحذية مخابراته، ويزعم بعضهم أن استجابته لمطلب الإصلاح الذي لطالما وعد بإنجازه، كانت ستصون سورية من الاحتلالات الخمسة التي استقدمها لحمايته، ومن تدميرها بسلاح جيشه ومخابراته، وحرس إيران الثوري ومرتزقته، وطيران بوتين في الجو وجماعة فاغنر في البر، فضلا عن تهجير نصف شعبها، وقتل مئات آلافٍ منه في أقبية التعذيب. يدّعي هؤلاء إنه ما كان أحدٌ ليجوع، لو أنه أصلح نظامه وأحوال الذين توهموا أن دفاعهم عنه هو دفاع عن أنفسهم، وها هو يتركهم للموت بسلاحي الجوع وكورونا، ويقبل ما يرفضُه كل شريفٍ يدّعي تعرّضه لمؤامرة إمبريالية/ صهيونية، وهو شراء إسرائيل عددا مهينا من اللقاحات لتحصينه ضد الفيروس و”مؤامرتها”، ولحماية قادة مخابراته وشبّيحته الذين لم يقلعوا يوما عن قتل السوريين بتهمة العمالة للعدو الصهيوني، وأبادوا مئات الآلاف منهم في الأعوام العشرة المنصرمة، بتهمة التآمر معه!
أيها الذين تستجيرون ببشار الأسد: لا تندهوا، ما فيه حدا. إنه لا يردّ عليكم، بالمناسبة، لأنه ربما كان يستحي أن يخبركم أنه لا يتناول، هو نفسه، صحن فول، من دون موافقة الروس و/ أو الإيرانيين. وهو “مطنشكم”، لأن كرسيه الذي يحميه الغزاة وقتلة المخابرات، منكم، يكفيه، ولم يعد بحاجةٍ إليكم.
العربي الجديد
—————————
لماذا أسست روسيا «منصة ثلاثية» جديدة لسوريا؟/ إبراهيم حميدي
الاختبار الأول لـ«المنصة الثلاثية» حول سوريا، التي أطلقتها روسيا مع تركيا وقطر بغياب إيران، سيكون النجاح بعقد اجتماع الجلسة السادسة للجنة الدستورية قبل حلول شهر رمضان في منتصف الشهر المقبل، كما وعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في ختام اجتماع «المنصة» في الدوحة أول من أمس.
– الموقف الأميركي
بداية، جاء تأسيس «المنصة الثلاثية» الجديدة في لحظة هجوم دبلوماسي روسي خلال المرحلة الانتقالية الأميركية. الواضح، أن سوريا ليست أولوية لإدارة الرئيس جو بايدن، إذ تجري حالياً عملية مراجعة للسياسة الأميركية تجاه سوريا بقيادة مسؤول الشرق الأوسط الجديد في مجلس الأمن القومي بريت ماغورك. وكل المؤشرات، تدل على أن الأميركيين قرروا البقاء في شمال شرقي سوريا، وأن هذا الوجود لن يكون عرضة لتغريدات مفاجئة من بايدن، كما كان يحصل مع سلفه الرئيس دونالد ترمب. ستبقى أميركا تعبر عن «الموقف الأخلاقي» ذاته من الأزمة السورية، لكنها «لن تجد نفسها مكلفة بالقيام بأي شيء ملموس» باعتبار أنها «لا تريد أن تكون شرطي العالم».
الشيء الثابت هو العودة إلى المصلحة المباشرة المتمثلة بقتال «داعش» والاكتفاء بدعم سياسي لتنفيذ القرار 2254 وتقديم مساعدات إنسانية، وحديث خطابي عن موضوع المساءلة والمحاسبة. ومن المؤشرات الأخيرة إلى ذلك، أن وزير الخارجية طوني بلنكين قرر إلغاء تقديم خطاب تلفزيوني إلى مؤتمر بروكسل للمانحين في 30 الشهر الجاري. ستقدم واشنطن وعوداً مالية في المؤتمر، لكن الوفد سيقوده السفير الأميركي وليس وزير الخارجية. بدلاً من ذلك، قرر بلنكين الدعوة مع بلجيكا إلى مؤتمر للتحالف الدولي ضد «داعش» في 30 الشهر الجاري، يوم انعقاد مؤتمر بروكسل.
– الأولويات واضحة
يضاف إلى ذلك، أن المؤسسات الأميركية تجري مراجعة لآثار العقوبات بما فيها «قانون قيصر» على مواجهة «كورونا» والوضع الإنساني. ويعتقد أن هذا سيكون له أثر في سرعة إصدار قوائم جديدة من العقوبات، من دون أن يعني ذلك تغيير «قانون قيصر» المقر من الكونغرس الذي يسعى بعض أعضائه لفرض عقوبات إضافية.
لكن الجانب الأميركي وافق مبدئياً على إصدار بيان رباعي مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا غداً، يتضمن مبادئ الموقف السياسي في مناسبة الذكرى العاشرة للأزمة السورية في 15 الشهر الجاري، الأمر الذي سيقوم به الاتحاد الأوروبي أيضاً بإصدار بيان باسم الدول جميعاً، تضمنت مسودته عناصر، بينها أنه لا مشاركة في إعمار سوريا «قبل تقدم جوهري في العملية السياسية»، وأن «أي انتخابات سورية لا تجري وفق القرار 2254، لن تكون سبباً لتطبيع العلاقات مع دمشق»، إضافة إلى القول إن «جذور الأزمة» التي كانت سبباً للشرارة في 2011 لا تزال قائمة.
– الهجوم الروسي
أمام هذه الصورة والتوتر الأوسع بين واشنطن وموسكو، قررت روسيا القيام بـ«غزل» جديد لدول عربية أساسية. الهدف، محاولة جديدة لإقناعها بالتطبيع مع دمشق وإعادتها إلى الجامعة العربية، إضافة إلى المساهمة في إعمار سوريا وتقديم مساعدات إنسانية. البعض يرى أن «أسباب تجميد عضوية دمشق لا تزال قائمة»، وأنه «لا بد من حل سياسي يرضي الأطراف السورية»، وأن «الميليشيات الطائفية تعرقل الحل ولا بد من خروجها من سوريا»، فيما يرى آخرون أن «قانون قيصر» يحد من إمكانات التطبيع سواء من الدول أو القطاع الخاص. وقال لافروف في مؤتمر صحافي مع نظيريه القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والتركي مولود تشاووش أوغلو: «ليس بوسعي إلا أن أرحب ببلورة موقف جماعي لدى الدول العربية بشأن ضرورة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وأعتقد أن هذا سيكون قراراً موحداً سيلعب دوراً إيجابياً في استقرار الأوضاع في هذه المنطقة الكبيرة برمتها».
لكن الواضح أن «الموقف الموحد» لم يتبلور بعد، فكان الاهتمام حالياً بإطلاق «منصة ثلاثية» جديدة تضم تركيا وقطر. وإذا كانت «منصة آستانة» بمشاركة روسيا وتركيا وإيران أطلقت في مايو (أيار) 2017، للتركيز على البعد العسكري والتوصل إلى اتفاقات «خفض التصعيد» قبل أن تتحول إلى البعد السياسي بعقد «مؤتمر الحوار الوطني» في سوتشي بداية 2018، ثم التركيز على المسار الدستوري باجتماع ثلاثي لـ«الضامنين» بداية العام، فإن الواضح أن «المنصة» الجديدة تركز في شكل مباشر على بعدين: إنساني ودستوري… وفي شكل غير مباشر على بعد سياسي – عسكري: مواجهة الأكراد، خلفاء واشنطن.
– اتفاق خطي
إذا كانت «منصة آستانة» سحبت تركيا من «مجموعة لندن 11» التي كانت تقودها أميركا لدول تدعم المعارضة، فإن «المنصة» الجديدة وضعت قطر أيضاً في مجموعة جديدة شكلتها روسيا. وكان لافتاً أن البيان الثلاثي، يشبه إلى حد كبير بيانات «مجموعة آستانة»، خصوصاً الأخير الخاص بـ«الدستورية».
لكن الأبرز، هو ثلاث نقاط: الأولى، «التأكيد على مكافحة الإرهاب في جميع صوره وأشكاله والوقوف في وجه الأجندات الانفصالية». المقصود هنا، «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من أميركا. اللافت، أن يأتي هذا بعدما تأكد أن الوجود الأميركي شرق الفرات بات ثابتاً مع إدارة بايدن، حيث يقود الملف السوري ماغورك الذي تعده أنقرة «متعاطفاً» مع الأكراد إلى حد أن مسؤولين أتراكاً سموه «لورانس الأكراد» تشبيهاً بـ«لورانس العرب» في بدايات القرن الماضي. ولم تكن صدفة، حملة التصعيد السياسية والعسكرية من موسكو وأنقرة ودمشق ضد «الإدارة الكردية» في القامشلي أمس.
الثانية، التأكيد على «الحاجة لزيادة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى جميع السوريين بمختلف أرجاء البلاد». بالنسبة إلى أنقرة، تفسر هذه العبارة بأنها مقدمة لتمديد روسيا لقرار إيصال المساعدات «عبر الحدود» لدى انتهاء ولاية القرار الحالي في منتصف يوليو (تموز) المقبل. لكن بالنسبة إلى موسكو، فإن هذا قد يكون منصة لمساهمة قطر وتركيا في إعمار سوريا بطريقة ما من البوابة الإنسانية، أمام معارضة أوروبا وأميركا.
الثالثة، دعم المسار الدستوري عبر «التأكيد على الدور المهم للجنة الدستورية وضمان احترام الأطراف السورية معايير العمل». خطة الوزراء الثلاثة، هي عقد اجتماع الجلسة السادسة قبل شهر رمضان. قبل الاجتماع الثلاثي كان رئيس «الوفد المدعوم من الحكومة» أحمد الكزبري قدم ورقة للاتفاق مع رئيس وفد «هيئة التفاوض» المعارض هادي البحرة على آلية صوغ الدستور. مساء أول من أمس، أرسل البحرة ورقة مضادة إلى المبعوث الأممي غير بيدرسن الذي سيرسلها إلى الكزبري.
عليه، فإن الاختبار هو إمكانية التوصل إلى اتفاق خطي كما يريد بيدرسن حول آلية عمل «الدستورية» وعقد جلسة جديدة خلال أسابيع. موسكو تضغط بهذا الاتجاه، لكن الأيام ستكشف موقف طهران التي لم تحضر اجتماع الدوحة وموقف دمشق من مخرجات هذه «المنصة» الجديدة التي تحولت إلى مسار دائم. عقد ممثلو الدول الثلاث ثلاثة اجتماعات غير معلنة وسيعقدون اجتماعهم المقبل في تركيا ثم روسيا.
الشرق ا|لأوسط
—————————
واشنطن تحرّك ملف التسوية السورية و«لن تطبع» مع الأسد الأمم المتحدة تدعو الدول لتكثيف محاكمة المشتبه بتورطهم في جرائم حرب/ علي بردى
أكدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أنها «لن تطبع العلاقات» مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، في وقت كشف دبلوماسيون في الأمم المتحدة، عن أن اتصالات تجري بين أعضاء مجلس الأمن، بما في ذلك روسيا، من أجل إعطاء «دفعة جديدة» لإيجاد حلّ سياسي للحرب المتواصلة منذ عشر سنين على أساس القرار 2254 الذي صدر عام 2015 بإجماع الدول الـ15 الأعضاء في المجلس.
وقال دبلوماسي غربي في نيويورك لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتصالات الأميركية ركزت على جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن، الذي سيقدم إحاطة جديدة إلى أعضاء المجلس في مطلع الأسبوع المقبل؛ لإطلاعهم على أسباب عدم إحراز أي تقدم في الجولات الأخيرة من اجتماعات اللجنة الدستورية، متوقعاً أن «يطلب بيدرسن دعم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن»، أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، التي «كررت في أكثر من مناسبة أنها «تؤيد جهوده».
وفي موازاة ذلك، يترقب الأعضاء الغربيون الكلمة التي ستلقيها رئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس – غرينفيلد خلال هذا الإجماع، التي يتوقع أن «تشمل تركيزاً على الملفات الثلاثة للأزمة السورية، وهي العملية السياسية التي تتوسط فيها الأمم المتحدة، والمساعدات الإنسانية التي تزداد إلحاحاً، وترسانة الحكومة السورية من الأسلحة الكيماوية واستخدامها في سياق الحرب»، في ظلّ إصرار أميركي على «محاسبة نظام الأسد» الذي «تسبب بمعاناة رهيبة طويلة للشعب السوري».
وعكس الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس هذه الأجواء بقوله، إن إدارة الرئيس بايدن «تواصل الترويج لتسوية سياسية تنهي النزاع» في سوريا، مضيفاً أن ذلك يحصل بـ«التشاور الوثيق مع حلفائنا وشركائنا وبيدرسن». وإذ أكد أن التسوية السياسية «يجب أن تعالج العوامل التي تدفع إلى العنف وتؤدي إلى عدم الاستقرار» في سوريا، قال «سنستخدم مجموعة متنوعة من الأدوات المتاحة لنا للدفع من أجل إنهاء مستدام لمعاناة الشعب السوري»، موضحاً أن واشنطن «ستستمر في دعم دور الأمم المتحدة في التفاوض على تسوية سياسية بما يتمشى وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن الرقم 2254».
وأكد برايس أيضاً، أن إدارة بايدن «تسعى إلى استعادة القيادة الأميركية فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية»، مقراً بأن سوريا «كارثة إنسانية»، وأن الشعب السوري «عانى لفترة طويلة جداً (…) تحت الحكم الوحشي لبشار الأسد» الذي «لا يزال في السلطة على رغم السنين العشر من الحرب الأهلية». وقال «يجب علينا أن نقوم بالمزيد لمساعدة السوريين المستضعفين، وبينهم كثيرون من النازحين داخل سوريا وكذلك اللاجئين الذين اضطروا إلى الفرار من ديارهم».
ورأى برايس، أن «النهاية المستدامة» للحرب «توجب على الحكومة السورية تغيير سلوكها»، كاشفاً عن أن «هناك مراجعة لما يمكن أن نفعله لتعزيز آفاق التسوية السياسية» المنشودة. وعندما قيل له أن ذلك يعني «تغير السلوك وليس القائد»، أجاب أن «الأسد لم يفعل أي شيء» من شأنه أن يعيد له «الشرعية التي فقدها بالمعاملة الوحشية لشعبه»، علماً بأن الأسد «في صلب معاناة الشعب السوري والكارثة الإنسانية» التي حلت بسوريا. مؤكداً أن الولايات المتحدة لن تطبع العلاقات مع حكومته في أي وقت قريب».
إلى ذلك، حثت ميشيل باشليت، مقررة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، الخميس، دول العالم على تصعيد وتيرة محاكمات من يشتبه بارتكابهم جرائم حرب بسوريا في محاكمها الوطنية، وذلك مع حلول الذكرى العاشرة لاندلاع الصراع. وقالت باشليت، إن محاولات إحالة فظائع ارتكبت في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي من أجل محاكمة مرتكبيها قد باءت بالفشل.
وأدين شخص واحد على الأقل في محكمة أجنبية في جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب في الصراع الذي أودى بحياة مئات الآلاف، كثيرون منهم مدنيون.
ودعت باشليت كذلك إلى زيادة الجهود من أجل اقتفاء أثر عشرات الآلاف من المفقودين، الذين قالت إن من بينهم محتجزين في سجون تديرها القوات الحكومية في أنحاء سوريا.
وقالت باشليت في بيان «نحن مدينون لهؤلاء الضحايا بضمان أن يكون العقد التالي عقد المحاسبة والتعويض، مع معالجة حقوقهم واحتياجاتهم كي يتسنى لهم إعادة بناء حياتهم». ومن المعتقد أن كثيرين من المشتبه بارتكابهم جرائم حرب غادروا سوريا.
وفي الشهر الماضي أصدرت محكمة ألمانية حكماً بالسجن أربع سنوات ونصف السنة على عضو سابق بأجهزة الأمن السورية بتهمة التحريض على تعذيب المدنيين وذلك في أول حكم قضائي من نوعه في جرائم ضد الإنسانية في الحرب السورية.
وقالت باشليت «لا يزال من الضروري أن تواصل المحاكم الوطنية إجراء محاكمات عادلة وعلنية وشفافة وتقليص هوة المحاسبة على مثل هذه الجرائم الخطيرة». ووصفت الحكم الألماني بأنه «خطوة مهمة للأمام على طريق تحقيق العدل».
وقد نفت حكومة الأسد العديد من الاتهامات السابقة التي صدرت عن الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب، وتقول إنها لا تعذب المسجونين.
وندد باولو بينيرو الذي يرأس فريقاً للأمم المتحدة للتحقيق في جرائم الحرب باستمرار الإفلات من العقاب. وقال بينيرو لمجلس حقوق الإنسان، الخميس «نشيد بالشجاعة الكبيرة… لدى الضحايا والنشطاء السوريين وبعزم بعض الدول الأعضاء على النظر في القضايا».
وقال هاني مجلي، عضو لجنة دولية تابعة للأمم المتحدة، إن 60 نظاماً قضائياً تواصلت مع اللجنة طلبا لمعلومات وإنها قدمت معلومات في نحو 300 قضية قيد النظر.
ويقوم مندوبون من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المسجونين في السجون المركزية بسوريا، لكن ليس باستطاعتهم زيارة المواقع غير الرسمية. ويظل ما تتوصل إليه اللجنة من نتائج طي الكتمان.
وقال فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي باللجنة في الشرق الأوسط لـ«رويترز»، الثلاثاء «من الواضح أن الاعتقال واحد من هذه القضايا المحورية، وكل يوم نحاول العمل أولاً على تحسين ظروف الاعتقال، وثانياً توسيع نطاق المواقع التي يمكن دخولها».
الشرق الأوسط
————————–
روسيا تتمسك برواية الأسد للثورة السورية غداة جولة لافروف الخليجية/ سامر إلياس
قبل أيام من الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع الثورة السورية، أعادت وزارة الخارجية الروسية تمسكها برواية النظام السوري حول “التدخل الأجنبي والتصدي للإرهاب الدولي”، ونددت بمحاولات “خنق النظام اقتصادياً”، مجددة مطالبتها بتقديم المساعدات الاقتصادية من دون ربطها بالتسوية.
وفي حين عقد مجلس الأمن الروسي، بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، اجتماعاً لمناقشة الأوضاع في الشرق الأوسط غداة جولة وزير الخارجية سيرغي لافروف الخليجية، وقبل أيام من زيارة مقررة لوزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي إلى موسكو في 17 من الشهر الحالي، أكد أكاديمي بارز مقرب من الكرملين والخارجية أن روسيا سوف تعترف بنتائج الانتخابات في سورية في حال نظمت هذا العام، معربا عن ثقته بأنها ستنظم وفقاً للدستور القديم.
وقالت الخارجية الروسية، في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، اليوم الجمعة، إن “الاضطرابات الجماهيرية تحولت بسرعة بسبب التدخل الخارجي إلى نزاع مسلح، برزت فيه التشكيلات العسكرية غير الشرعية”، معتبرة أن سورية “تعرضت لاعتداء غير مسبوق من قبل الإرهاب الدولي”.
وأضافت: “بفضل المساهمة الروسية الحاسمة تمت هزيمة تنظيم (داعش)، وتوجيه أضرار لا يمكن إصلاحها لبنية تنظيمات الإرهاب الدولي الأخرى”.
وأشادت بتعاون روسيا مع تركيا وإيران ضمن صيغة مسار أستانة، وقالت إنه نتيجة للجهود المشتركة للدول الثلاث “يسود وقف ثابت لإطلاق النار”. لكن البيان أشار إلى استمرار وجود “بؤر توتر منفصلة في إدلب، حيث يحتلها إرهابيو جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، والعصابات المتحالفة معها، وكذلك في مناطق الوجود غير الشرعي للولايات المتحدة في شرق الفرات والتنف”.
ومع إشارة الخارجية إلى أن روسيا خاضت حرباً “لا هوادة فيها” مع “الإرهاب الدولي بجميع أشكاله، وقدمت مساعدات عسكرية من أجل تدميره على الأراضي السورية”، شددت على أن موسكو “تنطلق من ضرورة التوصل إلى حل سياسي لتسوية الصراع الداخلي”، وأعربت عن قناعتها بأن الحل لن يكون عسكرياً، مشيرة إلى أن “الحل يجب أن يكون سورياً على أساس القرار 2254”.
وأكدت أنها تتواصل مع المعارضة والنظام من أجل الدفع بمسار اللجنة الدستورية في جنيف المبثق عن مؤتمر سوتشي في 2018. وأعادت التشديد على “رفض وضع أي سقوف زمنية لعمل اللجنة، ورفض أي إملاءات خارجية على جدول عملها”.
ورأت الخارجية الروسية، في بيانها، أن “العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين تعد إحدى أهم الخطوات في إطار استعادة الوحدة الوطنية”، وطالبت بـ”مشاركة نشطة من كل المجتمع الدولي من أجل توفير شروط حياة لائقة لملايين السوريين الذي يعانون في الخارج”.
وأعربت عن أسفها لأن “المؤشرات الإيجابية في سورية لا تسعد الجميع”، مشيرة إلى أنه “بعد فشل محاولات الأطراف المعادية لسورية في إسقاط الحكومة الشرعية لعدة سنوات عبر القوة باستخدام قطاع الطرق والإرهابيين، تحوّلت إلى طرق الخنق الاقتصادي والمالي باستخدام العقوبات والتقييدات الأحادية، وسد الطريق أمام تقديم المساعدات الخارجية، ووضع عقبات أمام عودة اللاجئين والنازحين الداخليين”، محذرة من أن “الدعم الانتقائي الذي تقدمه البلدان الغربية لعملائها في سورية يمكن أن تتسبب فقط في زيادة حدة الانقسام في المجتمع السوري، وتشجع المزاج الانفصالي في المناطق التي يسيطرون عليها والمعزولة بشكل اصطناعي”.
وانتقدت الخارجية الروسية “ازدواجية المعايير” من قبل من “شارك مباشرة في إشعال النار في سورية، ومن يتحملون المسؤولية عن المأساة المستمرة عبر دعم الإرهابيين والمناوئين للحكومة السورية”، وجعل سورية “رهينة لمصالحهم الجيوسياسية الضيقة”.
وانتقدت “مقاربات أولئك الذين يطرحون مطالب سياسية من أجل تقديم المساعدة الإنسانية للسوريين بطريقة غير إنسانية وغير بناءة، خصوصاً في ظل جائحة فيروس كورونا”، ورأت أن “السوريين يعاقبون عمليا لعدم رغبتهم في العيش وفق الأنماط المفروضة عليهم من الخارج”. ودعت في نهاية بيانها “كل من هو مهتم حقا بالتوصل إلى تسوية سريعة للأزمة في سورية إلى التخلي عن المقاربات المسيسة والقيام بدور فعال في تقديم المساعدة الدولية للشعب السوري ، خصوصاً في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الحادة والتحديات الإنسانية”.
وغداة انتهاء جولة خارجية لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ذكر الكرملين أن بوتين بحث مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، وأكد، في بداية الجلسة، أهمية المنطقة بالنسبة للمصالح الروسية، وكشف عن أن الاجتماع سيتضمن تقريرين، الأول لرئيس الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين، والثاني لوزير الدفاع سيرغي شويغو.
وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في إحاطة إعلامية، أن وزير خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي غابي أشكنازي سيزور موسكو في السابع عشر من مارس/آذار، ويعقد جلسة مباحثات مع لافروف.
وأوضحت زاخاروفا أن الاجتماع سيتضمن “تبادلا لوجهات النظر حول القضايا الدولية والإقليمية، مع التركيز على أوضاع التسوية في الشرق الأوسط”.
اللقاء الثلاثي في الدوحة
وفي ظل الجدل حول الانتخابات الرئاسية في سورية، أكد فيتالي ناعومكين، رئيس معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية، والخبير المقرب من الكرملين والخارجية، أن “روسيا سوف تدعم إجراء الانتخابات الرئاسية في سورية وتعترف بشرعيتها”، معربا عن ثقته بأن “الأسد سوف يفوز في حال تنظيم الانتخابات، وأنه لا توجد معارضة حقيقية قادرة على منافسته”.
وقال ناعومكين، لوكالة “نوفوستي”، على هامش مؤتمر لجامعة موسكو للعلاقات الدولية، إن “الأسد سيفوز بطبيعة الحال، وسيحصل على فترة لمدة 7 سنوات”، مرجحا تنظيم الانتخابات في الموعد الذي حدده النظام في مايو/أيار المقبل، لكنه زاد بأنه من “الصعب تحديد ما سيحدث خلال هذه السنوات السبع، وما إذا كان سيغير شيئا بطريقة ما، أو سيجري إصلاحات سياسية في البلاد”.
وأعرب ناعومكين عن اعتقاده بأن الأميركيين لن يعترفوا بنتائج الانتخابات، لكنهم لن يغلقوا باب الحوار مع الأسد. ورأى أن “الأسد لا يمكنه إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، لأن العديد من الفاعلين الإقليميين والعالميين ينكرون شرعيته، وإذا لم تكن هناك انتخابات سيفقد شرعيته رسميا”.
وفي تبرير لموقف بلاده الداعم للأسد في حال تنظيم الانتخابات، قال ناعومكين إنه “لا يوجد شيء نستطيع عمله، وإلا ستفقد سورية شرعيتها، وستكون بلا سلطة”.
واستبعد الخبير الروسي حصول تقدم كبير يؤدي إلى الانتهاء من صياغة الدستور الجديد قبل الانتخابات المقبلة، ما يعني أن الانتخابات ستنظم وفقا للدستور القديم الذي أقر في 2012.
العربي الجديد
————————-
4 كتاب روس ل”المدن”:سوريا مسلسل لا ينتهي/ بسام مقداد
عشية السنوية الحادية عشرة للأزمة السورية ، تواصلت “المدن” مع عدد من الكتاب الروس المتابعين لشؤون سوريا والمنطقة ، وطرحت عليهم ثلاثة أسئلة : كيف ترى تطور الأزمة السورية ؛ ما رأيك بالإنتخابات الرئاسية القادمة في سوريا ؛ ما هو مستقبل مشاركة روسيا في الحرب السورية . وحرصت “المدن” على تنوع الأراء بشأن سوريا ، وتنوع الاهتمامات المهنية للكتاب ، بين المؤرخ ونائب رئيس حزب “الحرية الشعبية” الليبرالي (بارناس) المعارض أندريه زوبوف ، ومدير قسم الأبحاث في مركز “حوار الحضارات” ألكسي مالاشنكو ، والمعلق في وكالة نوفوستي الرسمية بيتر أكوبوف ، الذي كان إلى وقت غير بعيد نائب رئيس تحرير صحيفة الكرملين “”vz (الرأي Vizglyad) ، والمعلق في صحيفة “NG” شبه المحايدة (الصحيفة المستقلة Nezavisimaya Gazeta) إيغور سوبوتين ، الذي سبق للسفير السوري في موسكو رياض حداد أن إعترض على أكثر من مقالة له وعلى صحيفته ، بما فيها تلك ، التي إستشهد فيها سوبوتين ب “المدن” وبموقع إعلامي آخر .
المؤرخ أندريه زوبوف ، الذي كانت له غير إطلالة في”المدن” ، لم يأتي على ذكر الإنتخابات الرئاسية في سوريا ، لكنه تحدث في نصه عن روسيا الأخرى ، روسيا ما بعد بوتين ، التي تقف إلى جانب الشعب السوري وتدين له بالإعتذار عن ما إرتكبته سلطة بوتين بحقه . ولذا عنون نصه بالقول “روسيا في النضال من أجل حرية شعب سوريا” ، وقال ، بأنه استبشر خيراً بإنطلاقة الربيع العربي خاصة في سوريا ، حيث “بدا واعداً للغاية الطموح للتحرر من النظام الأسدي الإستبدادي” .
يقول المؤرخ ، أن المساعدة الروسية”الهائلة لنظام الأسد وإيران” ، هي التي حولت مجرى الحرب وجعلت الأسد ينتصر ويستعيد معظم سوريا . لكن ثمن هذا الإنتصار “كان فظيعاً”وموت مئات آلاف السوريين ، وتهجير الملايين ، والتدمير الكامل لبلد كان غنياً يوماً من الأيام ، “يرزح ، إلى حد كبير، على ضمير بوتين وروسيا ، التي يعمل نيابة عنها” .
يؤكد زوبوف ، أن المعارضة الروسية “لنظام بوتين” ، بما فيها حزبه بارناس، لم تتوقف عن إدانة التدخل الروسي في الحرب السورية منذ البداية . ويقول ، بأن حزبه يطالب بالإنسحاب الكامل للقوات الروسية ، بما فيها التشكيلات العسكرية الخاصة ، من سوريا وإخلاء القواعد العسكرية . ويعتقد ، أن على روسيا (بعد بوتين)مع الدول الديموقراطية الأخرى ، أن تضمن ، بالوسائل الدبلوماسية ، إستعادة السلام والأمن للشعب السوري . ويرى ، أنه إذا كان من الضروري لهذه الغاية تشكيل وحدة عسكرية لحفظ السلام من الأمم المتحدة وأوروبا ، فلن تشارك فيها روسيا “لأسباب أخلاقية”، وعليها توفير “ما أمكنها من موارد” لإستعادة الإقتصاد الوطني السوري بعد الحرب .
يرى المؤرخ ، أن المسؤولين عن إرتكاب حرائم في سوريا ، بما فيها الجرائم العسكرية ، يجب أن يمثلوا أمام المحاكم الروسية ، إذا كانوا مواطنين روس . بل يجب تقديم المواطنين الروس المشتبه في ارتكابهم جرائم ضد المواطنين السوريين إلى المحاكم الدولية ، إذا ما طلبت ذلك الحكومة الديموقراطية الجديدة في “الجمهورية السورية”.
ألكسي مالاشنكو مدير قسم الأبحاث في المركز المذكور والعضو السابق في مجلس خبراء نوفوستي ، والذي كانت له أكثر من إطلالة أيضاً في “المدن” ، قال في إتصال هاتفي معه ، بأن الصراع في سوريا سيستمر ، ولا يتصور كيف يمكن أن يجد حلاً له، “لأن البلد مجزأ ومنقسم على نفسه سياسياً وإجتماعياً ودينيا”ً ، ولا يعتقد أن سوريا ستتوحد ، “سواء جرت إنتخابات رئاسية أم لم تجر” . ويعتبر ، أن الصراع السوري هو الصراع الثاني في الشرق الأوسط بعد الصراع العربي الإسرائيلي المستمر منذ العام 1947 ، وذلك لتأثير الوضع في سوريا على المنطقة . ويقول ، بان البلد ، الذي شهد حرباً أهلية مستمرة منذ عشر سنوات ، من الصعب إيجاد حل لأزمته “يناسب جميع الأطراف” . ثمة آمال معقودة على الإنتخابات التي ستجري، لكنه يتساءل مشككاً بمشاركة الأسد فيها ، لكن إن شارك فيها واستخدم موارد الدولة وانتصر ، كما في روسيا وبيلوروسيا ، “فسوف تبقى جميع التناقضات موجودة” .
أما كيف سيتطور الوضع بعد ذلك ، فهو لا يعرف ، “ولا أحد يعرف” ، برأيه . والمطلوب توفر “توافق ما على هيئة إنتقالية ما لقيادة البلاد” تضم مختلف القوى السياسية السورية، وهذا ما لايمكن تصوره ، و”تلك هي مأساة سوريا” . ووضع سوريا ، برأيه ، لن يكون أفضل من دون بشار، وإن كان سيئاً بوجوده . وإضافة إلى إستعصاء مسألة قيادة سوريا ، يتطرق مالاشنكو إلى قضية ملايين السوريين النازحين والمهجرين ، الذين لا بد من توفير إمكانية عودتهم إلى حيث غادروا ، وتلك مسألة في غاية الصعوبة على ما يعرفه من تاريخ الحرب الأهلية الروسية .
تتواجد في سوريا روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران وسواها ، ولكل دولة مصلحتها الخاصة بالبقاء في سوريا . لكن بالنسبة لروسيا ، فإن وجود بشار الأسد هو “المسألة الرئيسية الأهم” ، لأن وجوده يعني وجود روسيا في سوريا ، ووجودها في سوريا يعني وجودها في الشرق الأوسط ، وبالتالي وجودها كدولة عظمى . لكنه يرى ، بأنه من الخطورة بمكان ، أن تتمحور السياسة في بلد أو منطقة ما حول شخص واحد ، وذكّر بالإتحاد السوفياتي ورهانه في مصر والمنطقة على عبد الناصر وحده ، و”كيف إنهار كل ما قدمه السوفيات في لحظة” . ويؤكد بأن روسيا في كل الأحوال لن تفقد سوريا تحت اي ظرف من الظروف ، لأن ذلك سوف يعني ضربة للسياسة الروسية في الشرق الأوسط ، وضربة قاتلة للهيبة الروسية ولبوتين شخصياً ، لأن سوريا هي رمز نفوذ روسيا ، إن فقدتها لن تبقى دولة عظمى.
ويتساءل مالاشنكو ماذا سيحل بحرس الثورة الإيراني في سوريا إذا ترك بشار الأسد السلطة ، وسقوطه هو ضربة لإيران , و”للتوجه الروسي في السياسة الإيرانية” ، ويعتبر إيران “دولة ضعيفة” لا تستطيع إمساك الوضع في سوريا دون روسيا .
بيتر أكوبوف المعلق في وكالة نوفوستي يقول في النص ، الذي أرسله ، بأن الوضع في سوريا ، على الرغم من أنه يبدو معلقاً ، إلا أن “آفاق تحسنه لا تزال متوفرة” ، وبالتأكيد ليس من آفاق لتجدد حرب واسعة النطاق ، وذلك لوجود “سلطة قوبة موحدة” .
ويرى ، أن الإنتخابات الرئاسية في هذه السنة لن تؤدي إلى إعتراف المعارضة بشرعية الأسد ، لكنها سوف تؤكد ما أصبح مؤكداً منذ زمن بعيد ، بأن الأسد سوف يبقى في مكانه ، وسيواصل (بمساعدة إيران وروسيا) إستعادة السيطرة تدريجياً على البلاد ، ويمسك بالبلاد نفسها.
ويؤكد أكوبوف ، أن الغرب وبلدان الخليج ، سوف تتوقف عن وضع شروط غير قابلة للتنفيذ من أجل تمويل إعادة البناء . ويرى ، أن تقارب روسيا والسعودية والإمارات قادر أيضاً على المساعدة في فك الحصار المالي عن برامج إعادة إعمار سوريا.
ويرى ، أن آفاق إتفاق سلام مع المعارضة “تبدو بعيدة” ، إلا أن تأثير المعارضة على الوضع في سوريا سوف يستمر في الإنخفاض ، وروسيا وإيران لن تتخليا عن دعم الأسد تحت أي ظرف من الظروف.
ويقول ، بأن ما سيساعد سوريا بصورة غير مباشرة ، “هو تدهور الوضع في لبنان ، الذي يهدد بالإنهيار الكامل للبنى الوطنية اللبنانية” . لكنه يؤكد ، بأن إعادة إعمار سوريا سوف تكون عبر المصارف اللبنانية إذا ما وجد المجتمع الدولي نفسه ملزماً بإيلاء لبنان إهتماماً جدياً ، وحينها ستنطلق أخيراً عملية التمويل الخارجي لإعادة الإعمار السورية .
ويؤكد أكوبوف ، أن روسيا لم تلعب بعد “الورقة السورية”، وهي تسعي في سوريا لتحقيق أهداف إستراتيجية ، وليس فقط على مستوى سوريا ، وحتى ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط ، وهي “لن تخرج من سوريا إلى اي مكان” .
إيغور سوبوتين يرى ، أن الإنتخابات الرئاسية في سوريا هذه السنة ، قد تكون مناسبة تستفيد منها دمشق للإعلان ، على خلفية نتائجها المشكوك فيها ، عن حل المشكلات ، التي أدت إلى إندلاع الحرب الأهلية ، ولا ينتظر منهاً جديداً ، “غير محاولة أخرى لتزيين عوارض الأزمة” . ويقول ، بأن المؤشر على الوضع الراهن في سوريا ، يبقى الوضع في المحافظات الجنوبية ، الذي يشير ، ليس فقط إلى إستمرار وجود إمكانات جدية للإستياء الشعبي ، بل وإلى عجز النظام البعثي الإلتزام بالإلتزامات ، التي تعهد بها .
ويقول ، بأن روسيا تدرك الطبيعة الإشكالية لشخصية الأسد ، إلا أنها ليست مستعدة للعمل جذرياً ضده . كما أنها لا تستطيع أيضاً العمل جذرياً ضد شريكها التكتيكي طهران ، “التي ضربت جذوراً في الكثير من مجالات الحياة السورية” . ويرى ، أن محفز التغيير الوحيد ، قد يكون تنامي الصراعات داخل النخبة السورية ، التي تثبت ، أن قدرة الأسد على تقديم شيئ ما مقابل الولاء له ، أخذت تتراجع . وربما سيؤدي هذا ، جزئياً ، إلى تشجيع منتقديه . ومع ذلك ، لا يستحق الأمر المراهنة على النهاية الوشيكة لمستقبل الأسد السياسي. فهذا مسلسل بعدد لانهائي من المواسم .
المدن
—————————-
متى تطيح روسيا بإيران؟/ مهند الحاج علي
تشهد الساحة الدبلوماسية نشاطاً روسياً غير عادي، وتحديداً على خط تطبيع العلاقات السورية مع المحيط العربي، وما يتصل بهذا الملف، كالعلاقة مع ايران و”حزب الله” ودورهما في المرحلة المقبلة. ذاك أن علامات قلق ترتسم على وجوه المسؤولين الإيرانيين، وبخاصة المرشد علي خامنئي حيال الجهود الروسية الجارية، وعدم أخذ الدور الإيراني في الاعتبار، كما حصل في صفقة التبادل الأخيرة. آخر هذه المؤشرات على أزمة الثقة، رسالة خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر الماضي، والتي وصفها الدبلوماسي الإيراني السابق أمير موسوي في تصريحات إعلامية بأنها “مهمة جداً وتاريخية وتتضمن مواقف صعبة جداً”، إذ “تُحذر القيادة الروسية من التباطؤ في تنفيذ التزاماتها وبخاصة في العلاقات مع إيران”.
الواضح أن طهران مزجت في الرسالة بين تحذيرها إلى الجانب الروسي، وبين ضمانة شفوية بصون العلاقة الإيرانية -الروسية من أي اتفاق مع الولايات المتحدة. الدبلوماسي الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي وصف الرسالة بالاستراتيجية في مقال على الموقع الرسمي للمرشد، تحدث عن ظروف دولية جديدة “في ظل التطورات الجارية في البيت الأبيض”، في إشارة إلى أن أي اتفاق لن يكون على حساب هذه العلاقات. رسالة خامنئي، وفقاً لعبد اللهيان، “تؤكد لحلفاء إيران الإقليميين، أن أي قرار سوف يصدر عن البيت الأبيض لن يغير شيئاً في توجه الجمهورية الإسلامية في ما يخص تعزيز وتطوير العلاقات الاستراتيجية بين طهران وموسكو وبكين”.
بغض النظر عن الكلام الدبلوماسي المنمّق، من الواضح أن هناك توتراً بين الجانبين، وأزمة ثقة، سيما مع الدفع باتجاه إعادة سوريا الى جامعة الدول العربية وتعميق علاقاتها مع خصوم لطهران في المنطقة. نتيجة هذه التوترات، يأتي اعلان النائب الايراني مجتبى توانكر عن إلغاء الجانب الروسي اجتماعاً بين بوتين ورئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف بعد رفض الأخير بروتوكولات خاصة بالجائحة من دون الإفصاح عنها. واللافت هنا أن بوتين استلم الرسالة ليس عبر قاليباف، ولكن عبر ممثل خاص عيّنه لهذه المهمة.
الجانب الروسي بات مصراً على استثناء ايران من استراتيجيته السورية، لكن ذلك لا يعني على الإطلاق تخلياً كاملاً عن طهران وجنودها هناك. بيد أن الوجود الإيراني ورقة دائمة الفائدة في أي مفاوضات بين موسكو من جهة، وبين واشنطن واسرائيل، من جهة ثانية. موسكو لا تريد رمي هذا الدور في سلة القمامة، بل تُفضل بقاء ايران بشكل محدود وعدم زوال هذا الوجود نهائياً كورقة. والنظام أيضاً لاعب في هذا المجال، ويرى مصلحة في المقاربة الروسية، رغم القلق حيال انعدام التوازن بين الطرفين الروسي والإيراني.
لم تخل أي محادثات سورية-إسرائيلية منذ مؤتمر مدريد حتى اليوم، من الحديث إما عن قدرة النظام السوري على التخلص من “حزب الله”، أو عن الثمن المطلوب اقليمياً لقاء ذلك. حتى إن مذبحتين وقعتا ابان العهد السوري في لبنان، وهما “فتح الله” (1987) و” 13أيلول” (1993)، مثلتا عن قصد أو دونه، رسالتين الى الولايات المتحدة وإسرائيل في خصوص قدرة النظام السوري في إدارة “حزب الله”.
بالتأكيد، أي محادثات مع الجانب العربي، أو مع إسرائيل نفسها، ستتضمن وعوداً في هذا الشأن، في مقابل بعض المساعدات أو الاستثمارات المالية. المفارقة أن إيران التي تُطمئن الجانب الروسي حيال أي اتفاق مرتقب مع الولايات المتحدة، قد تجد نفسها قريباً بلا واشنطن وبلا موسكو، ذاك أن المنطقة تضيق باللاعبين، وباتت هناك حاجة لتحديد مساحات النفوذ.
المدن
—————————–
بشار الأسد ومواصفات قياسية للرئاسة/ د. محمد حاج بكري
لكل رئيس مواصفات قياسية يتمتع بها لإقناع الشعب بانتخابه أو تمديد فترة رئاسته ويقدم صورة عن البرامج والأهداف بالإضافة إلى المناظرات التي تسبق موعد الانتخاب واليوم ونحن على أعتاب انتخابات جديدة في سوريا قررها الأسد لا بد من تقديم لمحة عما يتمتع به شخصه من مزايا لحكم سوريا وشعبها.
يطلق عليه في الولايات المتحدة الأمريكية لقلب الحيوان وفي روسيا ذيل الكلب.
لكثرة هذيانه وتكراره لشخصه وجمود عقله وموت الإنسان في داخله أصبح مجرد آلة قديمة مستهلكة من بقايا صناعات الشيوعية مثل الخردوات التي استوردها من روسيا ليخوض بها حرب الهزيمة والعار.
تعود على التصفيق والهتاف من المنافقين وتتطاول رقبته عند سماع مديحهم.
خائن لوطنه وأمانته لا الليل يخفي عورته ولا التاريخ ولا ذاكرة الشعب.
حصد الشعب السوري على أفضل الخبرات والجوائز في الكتابة ضده وسبه.
زيف قناعاته ومبادئه ومواقفه يتراوح صعودا وهبوطا كسوق الأوراق المالية.
كذاب وخائن وفاسد ولا يتبعه إلا أصناف معينة وهم الحمير ومن أعمى الله بصيرته ومن ورطهم في جرائمه.
الجهل فقئ عينيه وألتهم شحمة اذنيه توج وراثيا بوظيفة سامية فأصبح طاووس يختال في سراديب القتل والدمار.
قدم الكثير من التنازلات المهينة والإنبطاحات المشينة ومرغ بالسيادة الأرض.
أصبحت البلد في حكمه كتائب وعصابات وميليشيات طائفية.
يشبه ب جيمس بوند والفارق بينهما أن أفلامه حقيقة والدماء التي تسكب حقيقية وأشلاء الأطفال والشيوخ والنساء حقيقية.
يعيش أزمة حقيقية من إفلاس للهيبة وتآكل لأقنعته الزائفة.
اجتمع الشعب بكافة أطيافه على كرهه وبغضه.
متسرطن ومسرطن سرى في جميع مفاصل وأعضاء الدولة السورية وأصبح جسدا هزيلا فارغا تدور أعينه كالمغشي عليه من الموت مثال للجريمة واللئم والخسة.
قتل شعبه بقوات فارسية وروسية وهجره بالرصاص والمدافع والطيران والأسلحة الكيمياوية ومطلوب للعدالة الدولية.
إحساسه بكرسي الرئاسة يعتبره جزء من الطبيعة كسطوع الشمس وتدفق الهواء والماء.
حاقد بدائي أساس شخصيته غريزة متوحشة ومزاج دموي ويتعب كثيرا لإظهار سحنته في هيئة بشرية وبالكاد يقاوم الظهور كحيوان مفترس.
عيناه تخفيان بريق متوحش يخرج منهما مشوبا بطاقة هائلة من الحقد والكراهية.
أطرش لا يسمع أصوات الملايين المطالبة برحيله إلا كما يسمع الفيل طنين البعوض.
كل من يقف ضده هو جزء من مؤامرة خارجية.
الرؤية المستقبلية له سيلطم في شوارع دمشق تأكيدا لولائه المجوسي وسيشرع زواج المتعة.
يملك اضغاث أحلام افرزتها عقلية شاذة ونفسية مختلة وأثقل الجميع بنظريات عجيبة غريبة.
أصله غير معروف.
يكره سوريا كره شديد ويبغض شعبها ويحتقر فقرائها.
يتلذذ وبقمة المتعة بتعذيب شبابها ومثقفيها وأصحاب الرأي في سجونه دون محاكمة.
هو القائد الأوحد وكل القيادات ليس لها إلا السمع والطاعة.
يتحالف مع من يدفع أكثر أو يؤمن له البقاء على كرسي الحكم.
يتبنى أحط وأقذر إعلام للدفاع عنه.
صنع رجال دين جهلاء متملقين فاسدين ووضعهم في الخطوط الأولى.
أعطى الأمن والمخابرات أكبر الضمانات والصلاحيات لإضطهاد الشعب وتطويعيه.
فاسد ومفسد يتبنى خرافة اسمها القضاء على الفساد ويسن القوانين التي تحافظ على الرشوة والاستغلال.
يبيع ويشتري في ممتلكات الوطن باعتباره مزرعته.
هدية الشيطان لكل طامع في سوريا.
مقتنع أنه كل ما أذل الشعب وأهانه التف الناس حوله من الخوف والرعب.
أقنع مواليه أنهم مجموعة من الأصفار.
اعتبر النفط والغاز ملكية خاصة.
معتقلاته أصبحت أكثر شهرة من معتقلات هتلر وموسوليني.
أقنع السوري بأنه في حال اختفاء ابنه أو والده أو أخوه فليس له إلا الدعاء.
أقنع مجلس نوابه أن مكانهم الطبيعي حديقة الحيوانات
مقتنع أن 24 مليون سوري يعادلون فردة حذاء في قدمه حتى لو سمعوا هذا الكلام.
مقتنع أن الوشاية دين الشعب ومصدر تقربه من السلطة.
مقتنع أن سخرية الدنيا كلها لن تزحزحه عن كرسي الحكم.
عبارة عن مستنفع لكل الأمراض المستعصية.
يمارس الموت في صورة الحياة وصانع للقبور ومتسلل إلى عالم البشر من عوالم الشيطان.
صنع ثقافة التسول واختار أجهل السوريين لقيادة مؤسسات الدولة.
حقيقية مواصفات كثيرة لما يتمتع به من مزايا وأكتفي بهذا تجنبا للإطالة وأقدر لكم كم تستطيعون الإضافة.
—————————–
الائتلاف السوري يرحّب بمخرجات اللقاء الثلاثي في الدوحة.. وتظاهرات ضد النظام بإدلب وحلب/ عدنان أحمد
رحّب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، اليوم الجمعة، بمخرجات قمة الدوحة التي جمعت وزراء خارجية قطر وتركيا وروسيا، فيما خرج آلاف الأشخاص في تظاهرات شمالي سورية، بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة.
وذكر الائتلاف المعارض، في تصريح صحافي، أن “جميع السوريين يشعرون بالاطمئنان حين تكون دول شقيقة وصديقة مشاركة في أي مبادرة من شأنها تخفيف معاناتهم وتقديم الإغاثة لملايين المهجرين والنازحين من أبنائهم”، في إشارة إلى مشاركة قطر وتركيا في القمة التي شهدتها العاصمة القطرية الدوحة يوم أمس الخميس.
وأضاف أنه “بالرغم من إدراكنا لطبيعة الدور الروسي الهدّام والمعطل لكل مسارات الحل، وبالرغم إصرار الكرملين على دعم النظام ومشاركته القتل والتهجير، فإننا على ثقة بالأشقاء في تركيا وقطر وقدرتهم على تنسيق جهودهم والمساهمة في هذا الملف بطريقة تلتقي مع المصالح الحقيقية للشعب السوري، وبما يحول دون استغلاله من قبل النظام وحلفائه أو توظيفه للإضرار بالمدنيين”.
وأكّد الائتلاف، في التصريح، أن “رؤيته للحل كانت ولا تزال وستظل مرتكزة إلى الشرعية الدولية، وعلى أي مبادرة دولية أو مسعى لإنقاذ الشعب السوري ينطلق من تنفيذ القرارات الدولية، ومحاسبة مجرمي الحرب، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، بالتوازي مع العمل من أجل الانتقال إلى نظام سياسي مدني وفق مقتضيات بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254”.
وكان وزراء خارجية قطر وتركيا وروسيا أصدروا، أمس، بياناً مشتركاً أكّدوا فيه على الحفاظ على استقلال وسيادة سورية، وأنه لا حل عسكرياً للأزمة.
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، إنهم بدأوا عملية تشاورية جديدة في الشأن السوري مع وزيري خارجية قطر وروسيا تهدف للتوصل إلى حل سياسي دائم في سورية.
وأكد على أنه “لا يمكن إنهاء الصراع في سورية إلا من خلال إيجاد حل سياسي، لذا يجب الضغط على النظام السوري لكسر الجمود في الوضع الراهن”.
في سياق متصل، خرج آلاف المتظاهرين في إدلب وحلب، وبخاصة في المخيمات الحدودية، في تظاهرات تحت اسم “في تمام العقد نجدد العهد” وذلك بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة التي اندلعت في مارس/ آذار عام 2011.
وأكّد المتظاهرون، الذين تجمّعوا في ساحات مدن إدلب وسلقين وحارم وإبلين، ومدينة الباب شرقي حلب، على الاستمرار بالمشاركة بالثورة حتى إسقاط النظام وكافة رموزه، كما طالبوا بالإفراج عن المعتقلين، والسماح للمهجّرين بالعودة إلى مدنهم وبلداتهم، التي تسيطر عليها قوات النظام وميليشياتها.
مع بدء فعاليات ذكرى الثورة.
الآن: مظاهرة شمال إدلب، في الذكرى العاشرة لانطلاق #الثورة_السورية pic.twitter.com/rxSVbnVu1D
— د.عبد المنعم زين الدين (@DrZaineddin) March 12, 2021
روسيا تسيطر على حقل غاز
ميدانيّاً، نقلت القوات الروسية الموجودة في سورية، اليوم الجمعة، راداراً لكشف الأنفاق إلى قاعدة حميميم الموجودة في ريف مدينة اللاذقية غربي البلاد، فيما سيطرت مجموعات تتبع لها على حقل توينان للغاز الواقع في البادية بين محافظتي الرقة وحمص.
وبحسب ما ترجم موقع “روسيا اليوم”، نقلاً عن وكالة “تاس الروسية”، فإنه يمكن استخدام الرادار للبحث عن أنفاق تحت الأرض. وقال نائب قائد قوات الهندسة العسكرية الروسية التابعة لمجموعة القوات الروسية في سورية بافيل ريوتسكي إن رادار ” أوكو-3″ رادار جيولوجي مخصص للبحث عن أماكن جوفاء ليس في الأرض فقط فحسب بل وفي بيئات أخرى مثل الخرسانة، كما يمكن استخدامه لأغراض مدنية في التنقيب الجيولوجي.
وفي سياق منفصل، وصلت مجموعات من “الفيلق الخامس” الذي تدعمه روسيا إلى حقل توينان للغاز شرقي سورية، بعد انسحاب الميليشيات الإيرانية التي كانت تسيطر عليه لأسباب مجهولة.
وذكر موقع “عين الفرات” المحلي أن سبع آليات عسكرية روسية محملة بالجنود إضافة لثلاث حافلات على متنها عناصر من الفيلق الخامس، وصلت إلى حقل توينان للغاز، وتمركزت فيه.
ولفت إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن التفاهمات التي يجريها الطرفان في المنطقة، والتي لم تتضح كامل معالمها بعد، وأشار إلى أنَّ القوات الروسية والميليشيات الإيرانية تعملان على تقاسم مناطق النفوذ وإعادة رسم خارطة السيطرة بمناطق البادية التابعة لريفي الرقة وحمص، حيث أخلت القوات الروسية مطار التيفور في ريف حمص لصالح الميليشيات الإيرانية، وخرجت الأخيرة من مطار تدمر العسكري لتبسط القوات الروسية سيطرتها المطلقة عليه.
وكانت مصادر كشفت لـ”العربي الجديد” أن القوات الروسية زادت في الآونة الأخيرة من حملات التجنيد للشبان في مناطق النظام، بعد تكثيف تنظيم “داعش” هجماته على قوافل نفطية ونقاط عسكرية للمليشيات المرتبطة بروسيا ضمن البادية الممتدة من محافظة دير الزور شرق البلاد، وصولاً إلى مدينتي تدمر والسخنة شرق حمص.
—————————
سورية: فشل جهود أميركية لإعادة إطلاق الحوار الكردي/ عدنان أحمد و سلام حسن
لم تنجح اللقاءات التي أجرتها البعثة الأميركية في الأيام الأخيرة مع طرفي الحوار الكردي في شرق سورية؛ “أحزاب الوحدة الوطنية الكردية” (الاتحاد الديمقراطي وشركاؤه) و”المجلس الوطني الكردي” (المنضوي ضمن الائتلاف السوري المعارض)، في دفع الطرفين لتجاوز خلافاتهما وإعادة إطلاق الحوار بينهما، على الرغم من إعلان الطرفين دعمهما العلني للحوار.
ويرى مراقبون أنّ عودة الوفد الأميركي إلى شمال شرقي سورية تعكس رغبة واشنطن في إنجاح هذا الحوار، في ظلّ فشل مسار اللجنة الدستورية، وما قد يفرضه هذا الواقع من ضرورة تفعيل مسارات أو خطط أخرى لدفع النظام السوري وروسيا للتعامل بجدية مع مشروع التغيير السياسي في سورية، وهنا تبرز أهمية نجاح العملية التفاوضية شرقي الفرات، بشقيها الكردي-الكردي في الوقت الحاضر، والكردي مع بقية المكونات في مرحلة لاحقة. وبينما يشير مراقبون إلى وجود بصيص أمل بنجاح هذا المسار بعد التغييرات التي حدثت في الولايات المتحدة وبعض الدول الإقليمية، يستبعد آخرون ذلك طالما يواصل حزب “الاتحاد الديمقراطي” محاولاته للتوصل إلى اتفاق لا يغيّر من الوقائع على الأرض.
والتقت البعثة الأميركية الخاصة لشمال وشرق سورية، والتي ترعى الحوار الكردي ـ الكردي، في الأيام الأخيرة، مع طرفي الحوار كل على حدة، للتمهيد لبدء جلسة جديدة من المباحثات الكردية. وأوضح مصدر مطلع من “المجلس الكردي” أنّ المبعوث الأميركي الخاص إلى شمال وشرق سورية، ديفيد براونستين، أكد لوفد المجلس، خلال اجتماع الإثنين الماضي، جدية وإصرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإنجاح الحوار الكردي. وأضاف المصدر أنّ وفد “المجلس الكردي” طرح من جديد شروطه على الراعي الأميركي لاستئناف الحوار بين الطرفين، ومنها ضرورة تقديم الاعتذار عن التصريحات التي صدرت من بعض قيادات أحزاب “الوحدة الوطنية”، وأيضاً الكف عن الاعتقالات التي حدثت لبعض المدرسين وحرق المكاتب، في إشارة إلى ممارسات “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في المناطق الخاضعة لسيطرتها، شرق سورية. ولفت المصدر إلى أنّ وفد “المجلس الكردي” طالب براونستين بوضع جدول زمني للحوار. كذلك أكّد مصدر آخر من أحزاب “الوحدة الوطنية” أنهم عقدوا لقاء مع نائب المبعوث الأميركي، وأكدوا له استعدادهم في أي وقت لاستئناف الحوار من النقطة التي توقفت.
اللقاء الثلاثي في الدوحة
وفي هذا الإطار، قال شلال كدو، عضو “الائتلاف الوطني السوري” عن “المجلس الوطني الكردي”، إنّ المنطقة تشهد حوارات ماراثونية بين البعثة الأميركية والطرفين الكرديين كل على حدة، بهدف استئناف الحوار الذي توقف بعيد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وأضاف كدو، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنّ “المجلس الوطني” يرى أنّ “أجواء الحوارات قد تم تسميمها من قبل الحزب الديمقراطي الذي شن حرباً إعلامية شعواء ضد المجلس في الفترات الأخيرة بلا مبرر، ويرى أنه لا بد من تهيئة الأجواء مرة أخرى لإنجاح أي مفاوضات مقبلة”. وشدد على ضرورة أن “يكون لعملية الحوار سقف زمني محدد، لأنّ جميع مكونات المنطقة بحاجة لإنجاح هذه العملية التي لا يمكن أن تستمر إلى الأبد”، مؤكداً جاهزية حزبه لـ”حوار جدي وحقيقي”.
ولم يستبعد كدو استئناف الحوار في الفترة المقبلة، لكن الرهان كما قال “على مدى شفافية الحوار والنيات الصادقة، وكذلك تصميم الراعي والطرفين المتفاوضين على إنجاح هذه الحوارات”. وأكد “ضرورة إيقاف الحملات الإعلامية الظالمة، ومختلف الممارسات المنافية للحوار، خصوصاً ما يتصل بالمسائل التي كنا تفاهمنا عليها سابقاً، مثل حرق المكاتب، واعتقال المدرسين، ومحاولة فرض المناهج الأيديولوجية وغير ذلك”.
على الجهة المقابلة، قال صالح كدو، أحد أبرز المفاوضين في وفد “أحزاب الوحدة الوطنية”، إنّ “لا جديد حتى الآن في ما يخصّ استئناف الحوار، وليس هناك أي اجتماع محدد بيننا وبين المجلس الوطني الكردي”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد” أنّ “موقف أحزاب الوحدة الوطنية واضح وتم إبلاغه للوفد الأميركي، إذ أكدنا جاهزيتنا لاستمرار الحوار”. وحول ما إذا كان الأميركيون قد مارسوا أي ضغط على الطرفين لاستئناف الحوار بينهما، قال صالح كدو إن “الأميركيين يرعون الحوار ولم يتحدثوا عن أي مطالب، وليست وظيفتهم تحقيق مطالب أحد الطرفين، بل تشجيع المفاوضات بينهما وإزالة العوائق أمام استمرارها”.
وعلّق صالح كدو على زيارة وفد “الائتلاف الوطني السوري” إلى إقليم كردستان العراق، والتصريحات التي أدلى بها رئيس الائتلاف نصر الحريري هناك، وهاجم فيها قوات “قسد” و”وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة”، قائلاً “طلبنا من المجلس الوطني الكردي أن يبدي موقفه من هذا التصريح ويوضح أنه ليس معه، وفي حال كان متفقاً مع رأي الحريري، ستكون هناك مشكلة كبيرة”.
وفي تقييمه هذه الحوارات المديدة، والخلاف بين المكونين الكرديين الرئيسيين، قال الناشط السياسي علي محمد رضوان، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنّ “الحوار الكردي ليس وليد اليوم أو هذه المرحلة، بل بدأ منذ بداية الثورة السورية وخصوصاً منذ اتفاقية هولير في يوليو/ تموز 2012، التي اعتبرت مرجعية للحوار إلى الآن، واتفق بموجبها المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي على معظم النقاط الخلافية، ولكن لم يتم التوصل إلى نتائج بسبب تمسك الطرفين بمواقفهما، وتحديداً الخلاف بشأن القوة العسكرية والأمنية لإدارة المنطقة، وكيفية الإدارة المدنية وهيئات ومؤسسات الإدارة الذاتية، وتدخلات الأطراف الخارجية”.
وأضاف رضوان، المقيم في مدينة القامشلي شرق سورية، أنه في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي “بدأت مبادرة ثانية من قبل بعض المستقلين والمثقفين الأكراد تحت إشراف قائد قسد مظلوم عبدي، إلا أنها لم تصل إلى نتيجة أيضاً، خصوصاً بعد تدخل الروس وفتح حوار بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري، وبالتزامن مع تغيّر الإدارة الأميركية وتغيّر أسلوب واشنطن في التعامل مع الملف السوري”.
ورأى أنّ الطرفين؛ “المجلس الوطني” و”الاتحاد الديمقراطي”، “يحملان إيديولوجيات مختلفة، ولا قواسم مشتركة بينهما، فالمجلس الوطني يحمل صفة حركة تحرر وطني ذات ميول قومية بأهداف واضحة للقضية الكردية في سورية، فيما الطرف الثاني يحمل إيديولوجية حزب العمال الكردستاني، المتمثلة بالماركسية الثورية والتي تنادي بشعارات شعبوية أممية تحت غطاء الديمقراطية بعيدة عن تطلعات الشعبين الكردي والعربي”. وأشار إلى أنّ “كلا الطرفين عرقلا ظهور طرف ثالث مستقل سياسياً مثل المثقفين والمفكرين والحقوقيين والسياسيين الأكراد، ليقوموا بدور مقرّب للرؤى الواقعية والموضوعية للحل الأنسب”.
واعتبر رضوان أنّ “الطرفين لهما مرجعية خارجية، إذ يعود كل منهما إلى أربيل أو قنديل حين تكون هناك حاجة لاتخاذ قرارات مهمة، إضافة إلى أنّ الطرفين ليست لديهما رؤى مشتركة في الجانبين العسكري والأمني، فضلاً عن عدم تمثّل الإدارة الذاتية في مفاوضات اللجنة الدستورية السورية، واعتماد تلك الإدارة على منصات لا يتقبّلها الشارع الكردي، مثل منصة موسكو ومنصة القاهرة. هذا بالإضافة إلى تدخل النظام في بداية كل حوار كردي بفتح الحوار مع الإدارة الذاتية والضغط عليها، مما يساهم في عرقلة الحوار”.
————————–
قصة النووي السوري..والمسؤول الإيراني الذي فضحه
كشفت مجلة “ناشونال انترست” الأميركية في تقرير بعنوان: “كوريا الشمالية حاولت مساعدة سوريا لتصبح منتجاً نووياً”، أن مسؤولاً إيرانياً كبيراً سابقاً هو من فضح البرنامج النووي السوري، والذي قصفته إسرائيل عام 2007، ما أدى إلى تعطيله.
وترى الصحيفة أن إحباط المشروع النووي السوري كان “من حسن الحظ”، مشيرة في هذا الصدد، إلى أن رئيس النظام السوري بشار الأسد لم يتردد في قصف شعبه بالأسلحة الكيماوية، متسائلة: “كيف كانت الحرب ستكون لو كان يمتلك التقنية النووية؟”.
وقالت الصحيفة في تقريرها: لا ينبغي تحت أي ظرف السماح لدولة معادية بامتلاك أسلحة نووية. هذه عقيدة أساسية لسياسة أمن إسرائيلي التي صاغها رئيس الوزراء مناحيم بيغن في نهاية السبعينيات.
وحتى يومنا هذا، حاولت تل أبيب أن تتصرف وفقاً لذلك – خاصة في ما يتعلق بإيران. لسنوات عديدة، تكهن محللون عسكريون حول العالم بضربة جوية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
لكن هل سيكون سلاح الجو الإسرائيلي قادراً على تنفيذ مثل هذه العملية؟ حتى الآن، نجحت القوات الجوية الإسرائيلية مرتين في توجيه ضربات حاسمة ضد البرامج النووية، في العراق عام 1981، وفي سوريا عام 2007.
في نهاية عام 2006، كشفت المخابرات الإسرائيلية عن موقع بناء مشبوه في منطقة نائية في شمال شرق سوريا، بالقرب من نهر الفرات، على بعد 30 كيلومتراً من دير الزور. كانت منطقة البناء مغطاة بسقف ضخم حجب الرؤية من الأعلى. من الواضح أن السوريين حاولوا جاهدين إخفاء شيء ما هناك. اشتبهت وكالة المخابرات الإسرائيلية في وجود برنامج نووي سري في الموقع.
سرعان ما تم تأكيد هذا الشك من قبل مصدر إيراني رفيع المستوى غير متوقع: كان الجنرال علي رضا عسكري المستشار الأمني للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ونائب وزير الدفاع لسنوات. بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد في عام 2005، الذي انشق إلى الولايات المتحدة في شباط/فبراير 2007.
قدم عسكري معلومات قيمة للغاية. من بين أمور أخرى، ذكر تفاصيل حول البرنامج النووي السوري الذي تمّ تمويله من قبل إيران وبناؤه من قبل الكوريين الشماليين. كانوا يبنون مفاعلاً يُدعى “الكبر”، من المفترض أن ينتج بلوتونيوم يُستخدم في صنع الأسلحة النووية. قامت الولايات المتحدة بمشاركة هذه المعلومات مع إسرائيل.
في الواقع، كان بشار الأسد قد أقام اتصالات مع كوريا الشمالية في وقت مبكر من حزيران/يونيو 2000 في ما يتعلق ببناء مفاعل. التعاون في مجال الأسلحة بين بيونغ يانغ ودمشق وثيق بشكل تقليدي – فالنظام الشيوعي المستبد ساعد سوريا بالفعل في تطوير أسلحة كيماوية في الماضي. في عام 2002، وصلت أولى المكونات إضافة إلى فنيين وعلماء كوريين شماليين إلى سوريا. ومع ذلك، تم إخفاء أعمال البناء بشكل جيد – تم حظر أي اتصال بالخارج بشكل صارم.
في محاولة لتأكيد هذه التقارير المقلقة، قام الموساد الإسرائيلي بتفتيش غرفة فندقية نزل فيها إبراهيم عثمان في فيينا في آذار/مارس 2007. كان عثمان مديراً لهيئة الطاقة النووية السورية. ترك عثمان جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به في غرفته بلا مبالاة، وكان فريسة سهلة لعملاء إسرائيل الذين نسخوا قرصه الصلب.
البيانات التي حصلوا عليها فاقت كل التوقعات. وأظهرت عشرات الصور الملونة داخل المبنى. لم يعد هناك شك. كان السوريون يبنون مفاعلاً نووياً بمساعدة كوريا الشمالية. حتى أن إحدى الصور أظهرت الخبير النووي الكوري الشمالي البارز، تشون تشيبو.
كان الموساد مقتنعاً بأن الهدف الوحيد للبرنامج النووي السوري هو تطوير أسلحة نووية. كما أظهرت الصور أن المفاعل كان على بعد بضعة أشهر فقط من الاستعداد التشغيلي. بمجرد أن يتم تشغيله، ستكون الضربة الجوية صعبة بسبب التداعيات النووية. كان على إسرائيل أن تتحرك بسرعة.
عملية البستان
بمجرد أن تأكدت تل أبيب إلى حد ما، من أن سوريا كانت على وشك تشغيل مفاعل نووي، ناقشت الخطوات التالية مع واشنطن. أطلع وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيريتس نظيره الأميركي روبرت غيتس في 18 نيسان/أبريل على اكتشاف الموساد.
لكن الرئيس جورج دبليو بوش كان حذراً. بعد الكارثة الإعلامية في العراق وأسلحة الدمار الشامل المزعومة التي لم يتم العثور عليها في أي مكان، أرادت إدارة بوش تجنب وقوع حادث مؤسف آخر بأي وسيلة.
على الرغم من ذلك، فحصت وكالة المخابرات المركزية النتائج الإسرائيلية ووافقت على تفسير تل أبيب. مع ذلك، كان بعض كبار المسؤولين في إدارة بوش متشككين، خائفين من تصعيد آخر لا يمكن السيطرة عليه في الشرق الأوسط. كانت الحروب في العراق وأفغانستان كافية بالفعل بالنسبة للولايات المتحدة.
في حزيران/يونيو 2007، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت البيت الأبيض. أخبر الرئيس بصراحة أن إسرائيل قد تتصرف بشكل أحادي الجانب ضد المشروع النووي السوري، إذا رفضت الولايات المتحدة أي عملية. بعد أن ألمح بوش إلى أنه لن يعيق عملية إسرائيلية منفردة، بدأ الجيش الإسرائيلي بالتخطيط التشغيلي لضربة جوية محدودة ضد المنشأة السورية.
تسلل عضو “كوماندوز” من القوات الخاصة الإسرائيلية من وحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي، إلى سوريا وجمع معلومات استخبارية في موقع البناء النووي.
في 5 أيلول/سبتمبر، بعد أسابيع من المناقشات السياسية السرية في مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، حصل الجيش الإسرائيلي على الضوء الأخضر لعملية البستان. في الليلة نفسها، أقلعت 10 طائرات مقاتلة من طراز “إف-15″ و”إف-16” من قاعدة رامات ديفيد الجوية الإسرائيلية.
بداية، حلقت الطائرات شمالاً على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ثم فجأة، اتجهت شرقاً على طول الحدود السورية التركية. قامت الطائرات بتعمية أنظمة الدفاع الجوي السورية بإجراءات مضادة إلكترونية وتدمير محطة رادار، قبل أن تدخل المجال الجوي السوري.
في حوالي الساعة 12:45 صباحاً، أبلغ الطيارون عن التنفيذ الناجح للعملية. تم تدمير المفاعل النووي السوري قبل أن يتم تشغيله. وعادت الطائرات الحربية الإسرائيلية. في اليوم التالي، ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية أن مقاتلات إسرائيلية دخلت المجال الجوي السوري. بعد أن اكتشفتها أنظمة الدفاع السورية، ألقوا ذخيرتهم في الصحراء وابتعدوا دون إلحاق أي ضرر. في الواقع، لم يطلق الدفاع الجوي السوري حتى صاروخاً واحداً.
وضعت إسرائيل في اعتبارها أن الصواريخ السورية استهدفت مواقع حساسة في إسرائيل. لذلك، خطط الجيش الإسرائيلي للعملية بأقل قدر ممكن من التدخل الجراحي، من أجل عدم إعطاء الأسد ذريعة كافية للرد.
بعد الضربة، التزمت إسرائيل الصمت. سار كل شيء حسب الخطة. يمكن للأسد أن ينقذ وجهه بإنكار وجود برنامج نووي وبالتالي كان قادراً على تجنب الضربة المضادة. في غضون ذلك، كان بقية العالم في حيرة من أمره لفترة طويلة بشأن ما حدث بالفعل في تلك الليلة من عام 2007.
استكمالاً للمهمة، قامت وحدة “Flotilla 13” الإسرائيلية، المكافئة لقوات البحرية الأميركية، باغتيال الجنرال محمد سليمان في 1 آب/أغسطس 2008. أطلق قناص النار عليه خلال عشاء في فيلته قرب البحر. كان سليمان يُعتبر وسيط القوة في البرنامج النووي السوري ومسؤول الاتصال مع الكوريين الشماليين.
من وجهة نظر إسرائيلية، كانت عملية البستان ناجحة بالكامل. تم التأكيد على عقيدة بيغن بشكل مؤثر. وفي الإدراك المتأخر، ربما كانت الضربة الجوية الإسرائيلية قد أفادت منطقة الشرق الأوسط، وربما حتى العالم بأسره. فقط تخيل كيف كان يمكن أن تسير الحرب الأهلية السورية لو كان الأسد لديه أسلحة نووية. بعد كل شيء، لقد أثبت بالفعل أنه لا يتردد في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. والأسوأ من ذلك هو فكرة أن “داعش” ربما تضع يدها على أسلحة نووية أو مواد مشعة.
مخطط لإيران؟
لا تزال إسرائيل تتبع عقيدة بيغن. في هذا الصدد، تمثل إيران بالتأكيد التهديد الأكثر إلحاحاً. في الواقع، إن وجود إيران بقدرات عسكرية نووية سيكون تهديداً متعدد الأبعاد.
بادئ ذي بدء، هناك إمكانية لهجوم إيراني مباشر. بالإضافة إلى ذلك، قد تنتهي أنظمة الأسلحة النووية في أيدي وكلاء إيران المحليين – وعلى الأخص “حزب الله”. من منظور إقليمي، من المحتمل أن تؤدي قدرات طهران النووية إلى سباق تسلح في الشرق الأوسط من شأنه زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.
عند التفكير في توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، يتعين على المرء أن يأخذ بالاعتبار أن العملية العسكرية في سوريا كانت أبسط بكثير مما هو عليه الحال الآن في إيران. في سوريا، كان لا بد من تدمير موقع واحد فقط، بينما في إيران، يجب ضرب العديد من المنشآت – كل منها يخضع لحراسة مشددة من قبل الدفاع الجوي وتنتشر في جميع أنحاء البلاد.
حتى أن بعض المواقع تقع تحت الأرض وتتطلب قنابل خاصة تخترق الأرض. علاوة على ذلك، فإن المسافة بين إسرائيل وإيران تتطلب إعادة التزود بالوقود في الجو. إلى جانب ذلك، فإن المنشآت النووية الإيرانية تعمل بالفعل. تدميرها سيؤدي إلى تلوث خطير. إن مخاطر الأضرار الجانبية ستكون هائلة.
في النهاية، ستواجه إسرائيل بالتأكيد ضربات مضادة شديدة من قبل حلفاء إيران المحليين – أي حزب الله. بعد كل شيء، فإن العملية العسكرية -حتى لو كانت ناجحة- لن تؤدي إلا إلى تأخير البرنامج النووي لأنها بالتأكيد لن تغير نوايا النظام في طهران.
————————
لقاء الدوحة الثلاثي حول سوريا:ماذا تريد روسيا؟/ عقيل حسين
كشفت مصادر سورية معارضة عن جهود حثيثة بُذلت خلال الأشهر الثلاثة الماضية تمهيداً لعقد لقاء الدوحة الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية قطر وتركيا وروسيا الخميس، وخُصص لبحث إطلاق مسار تفاوضي جديد لحل القضية السورية.
ورغم الحديث عن خيبة أمل جراء تراجع روسيا عن وعود كانت قد قدمتها بشكل غير رسمي قبل الاجتماع واعتُبرت مشجعة، إلا أن هذه المصادر رأت ان ما حدث في هذا اللقاء يعتبر خطوة مهمة قد تفتح الطريق أمام مفاوضات جدية للوصول إلى حل في سوريا.
وكان وزراء خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وروسيا سيرغي لافروف، وتركيا مولود تشاووش أوغلو، أعلنوا عن إطلاق عملية تشاورية جديدة بين دولهم بشأن التسوية السورية، معربين في بيان ختامي، عن اقتناعهم بغياب أي حل عسكري للنزاع السوري، كما أكدوا عزمهم على المساعدة في تقديم عملية سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة من أجل مساعدة أطراف الأزمة في التوصل إلى حل سياسي وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وسبق الاجتماع مشاورات مطولة بين الأطراف الثلاثة بدأت مطلع العام 2021 من أجل التوصل إلى صيغة جدية تساعد على الخروج من الدائرة المفرغة التي راوح فيها مسار أستانة، ينطلق من خطورة الوضع الانساني المتدهور في سوريا.
وكشف مدير مكتب الدوحة في مركز حرمون للدراسات عمر إدلبي ل”المدن”، أن المسار التشاوري الثلاثين القطري-الروسي-التركي، الذي أُعلن عنه الخميس، جاء نتيجة جهود مطولة بُذلت خلال الأشهر الثلاثة الماضية من قبل شخصيات وناشطين في المعارضة طالبت الحكومتين في قطر وتركيا بالعمل لتحريك عملية الحل السياسي في سوريا، من خلال استثمار علاقاتهما للضغط على روسيا.
وأضاف أنه “بمقابل الخشية الروسية من انهيار مؤسسات الدولة السورية جراء معاناة النظام الاقتصادية، بسبب العقوبات المفروضة عليه وتدميره البنى التحتية ومقدرات البلاد، ما أدى إلى تفاقم التذمر الشعبي حتى في المناطق التي تعتبر مؤيدة له، ومع إبداء موسكو المتكررعدم رغبتها في تقديم المزيد من الدعم الاقتصادي لدمشق، فقد كان هناك شعور بأن هذا الموقف المعقد ربما يساعد على قبول موسكو بالتلاقي مجدداً مع رغبة المعارضة والدول الداعمة لها، بإعادة الفاعلية للحل السياسي، على أن يتم الأخذ بالاعتبار مصالح وشروط كل طرف”.
مصادر معارضة أخرى أبلغت “المدن”، أن الروس وعدوا خلال التحضيرات للقاء الدوحة بتقديم مقترحات تتعلق بالسير قدماً في تطبيق هذا القرار، وفي مقدمتها العمل على إنشاء هيئة حكم انتقالي، بالتوازي مع استمرار عمل اللجنة الدستورية، وكذلك اقناع النظام بتأجيل الانتخابات الرئاسية، والسماح بدخول مساعدات إنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة من خلال المعابر التركية، وكذلك البحث في ملف المعتقلين كإجراءات لبناء الثقة بين المعارضة والنظام، مقابل مساعدة الدول الداعمة للمعارضة بتخفيف العقوبات المفروضة على دمشق، والمساهمة في المساعدات الانسانية المخصصة لمناطق سيطرة النظام ، والعمل على إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
لكن المصادر كشفت أن لافروف ركز خلال اللقاء الثلاثي على ملف المساعدات الانسانية والتحذير من انهيار مؤسسات الدولة وخطورة ذلك على الأمن الاقليمي والدولي، وبينما اعتُبر ذلك تراجعاً روسياً عن الوعود التي قدمتها خلال الفترة التحضيرية لاجتماع الدوحة، لم تستبعد المصادر أن يكون النظام قد رفض التعاطي مع أي مطلب من أجل تطبيق القرارات الدولية حتى من الجانب الروسي.
وعليه، فقد استبق لافروف لقاء الدوحة بالتوجه إلى السعودية والإمارات على أمل الحصول على دعم مالي لسوريا، وتعهد بتأييد مساعي إعادة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، إلا أنه وعلى الرغم من الموقف المرن الذي عبرت عنه كل من الرياض وأبو ظبي بهذا الخصوص، إلا أن الجميع كان مقتنعاً أنه لا يمكن تجاوز الموقف الأميركي والأوروبي المتشدد حيال تطبيع العلاقات مع النظام قبل تحقيق تقدم فعلي بالعملية السياسية.
وكان الموقف القطري حاسماً على هذا الصعيد، حيث أكد وزير الخارجية في المؤتمر الصحافي المشترك عقب اللقاء الثلاثي، أن “الأسباب التي أدت إلى خروج سوريا من الجامعة العربية لا تزال قائمة”، الأمر الذي رأت فيه المعارضة رفضاً تركياً-قطرياً واضحاً لتقديم أي تنازلات مجانية على هذا الصعيد قبل أن يبادر الطرف الآخر إلى تقديم تنازلات حقيقية.
ومن المتوقع أن يعقد مسؤولون في الإئتلاف وهيئة التفاوض لقاءات مع ممثلين عن قطر وتركيا للاطلاع على ما تم بحثه في لقاء الدوحة الثلاثي، وما تم الاتفاق عليه، خاصة مع الكشف عن تحديد موعد مبدئي لاستئناف أعمال اللجنة الدستورية قبل شهر رمضان المقبل، كما تم الاتفاق على عقد الاجتماع الثاني لدول المسار الجديد في أنقرة منتصف نيسان/أبريل 2021.
وبهذا الصدد، التقى وزير خارجية تركيا، رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، في الدوحة الخميس، وحسب عمر إدلبي، فقد تم خلال اللقاء بحث نتائج اجتماع الدوحة وسبل تطوير عمل مؤسسات المعارضة السياسية، وكذلك إصلاح الوضع الأمني والخدمي في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني شمال غرب البلاد.
والجمعة، أصدر الائتلاف الوطني السوري المعارض بياناً رحب فيه “بجميع الجهود الرامية إلى دعم الشعب السوري ومساعدته في مواجهة الكارثة التي جرّها عليه نظام الأسد”، مشيراً إلى أنه “رغم إدراك طبيعة الدور الروسي الهدّام والمعطل على كل مسارات الحل، ورغم إصرار الكرملين على دعم النظام ومشاركته القتل والتهجير؛ فإننا على ثقة بالأشقاء في تركيا وقطر وقدرتهم على تنسيق جهودهم والمساهمة في هذا الملف بطريقة تلتقي مع المصالح الحقيقية للشعب السوري، وبما يحول دون استغلاله من قبل النظام وحلفائه أو توظيفه للإضرار بالمدنيين”.
وأضاف البيان أن “رؤيتنا للحل كانت وما تزال مرتكزة إلى الشرعية الدولية، وعلى أي مبادرة دولية أو مسعى لإنقاذ الشعب السوري أن ينطلق من تنفيذ القرارات الدولية، بالتوازي مع العمل من أجل الانتقال إلى نظام سياسي مدني وفق مقتضيات بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254”.
المدن
————————
لا شرعية أوروبية وأميركية لإنتخابات الأسد
أعرب أعضاء البرلمان الأوروبي عن قلقهم إزاء استمرار “المأزق السياسي” في سوريا، وعدم إحراز تقدم في إيجاد حل سياسي، معتبرين في الوقت ذاته أن الانتخابات الرئاسية المقبلة “تفتقر للمصداقية في نظر المجتمع الدولي”.
وأكد الأعضاء في قرار نشر على موقع البرلمان الأوروبي الخميس وصوت لصالحه 568 نائباً، بينما عارضه 79، وامتنع 37 عن التصويت، أن “الحل الدائم للنزاع السوري لا يمكن تحقيقه بالطرق العسكرية”، منتقدين مماطلة النظام السوري في التفاوض حول صياغة مسودة الدستور، رغم استعداد المعارضة السورية للتعاون.
وأوضح الأعضاء في قرارهم، أن العلاقات الدبلوماسية الطبيعية لا يمكن استئنافها، إلا بعد تغيرات جوهرية في سوريا، مشددين على رفضهم أي تطبيع للعلاقات مع النظام السوري، في ظل عدم حدوث تقدم جذري على الأرض مع الانخراط الثابت والموثوق به في العملية السياسية الشاملة.
وأدان البرلمان الأوروبي جميع المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في سوريا، داعياً لإطلاق سراح 130 ألف معتقل سياسي.
ودعا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى الإبقاء على العقوبات ضد سوريا، مطالبين بزيادة استجابته المالية والسياسية للسوريين، حيث يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر.
كما دعوا المفوضية الأوروبية إلى تقديم خطة عمل للاتحاد الأوروبي بشأن الإفلات من العقاب، مع فصل خاص عن سوريا، بهدف مقاضاة مجرمي الحرب في الاتحاد الأوروبي، مؤكدين أن سوريا ليست بلداً آمناً للعودة إليه، وأن أي عودة يجب أن تكون آمنة وطوعية وكريمة، بما يتماشى مع الموقف المعلن للاتحاد الأوروبي.
وتتوالى المواقف الدولية التي تنزع الشرعية عن رئيس النظام السوري بشار الأسد. وحمّل المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الأسد مسؤولية معاناة السوريين.
وقال برايس خلال إحاطة صحافية، إن الولايات المتحدة تواصل دعم تسوية سياسية للوصول إلى حل في سوريا، بالتشاور مع الحلفاء والمبعوث الخاص للأمم المتحدة، معرباً عن اعتقاده أن “التسوية السياسية يجب أن تعالج العوامل المتسببة بتغذية العنف، التي تؤدي إلى عدم الاستقرار في سوريا”.
وأشار إلى أن بلاده ستستخدم مجموعة متنوعة من الأدوات المتاحة، للضغط من أجل حل مستدام ينهي معاناة الشعب السوري، موضحاً أن الولايات المتحدة تسعى لاستعادة القيادة بملف المساعدات الإنسانية.
وقال برايس: “الشعب السوري عانى لفترة طويلة جداً، تحت حكم بشار الأسد الوحشي، ويجب أن نفعل المزيد، لمساعدة السوريين المستضعفين، بمن في ذلك النازحون داخل سوريا وكذلك اللاجئون الذين اضطروا إلى الفرار من ديارهم”.
ورأى أن “الأسد لم يفعل أي شيء ليعيد شرعيته، وهو المسؤول عن معاناة الشعب السوري، وهذا ما أفقده الشرعية”، مؤكداً أن “واشنطن لن تطبع العلاقات مع النظام في أي وقت”.
——————-
هل يثبت تورّط “رجل موسكو في دمشق” بتفجير مرفأ بيروت؟/ هلا نصرالدين
يعدّ حسواني رجل موسكو في دمشق وذلك لخبرته وتاريخه الكبير في لعب دور الوساطة بين روسيا والنظام السوري، إضافة إلى دوره الكبير في الوساطة مع الجماعات المتطرّفة وتلك التابعة للنظام السوري.
على رغم ارتباط اسم جورج حسواني، رجل الأعمال السوري- الروسي الملقّب بـ”رجل موسكو في دمشق”، بشحنة نيترات الأمونيوم التي وصلت إلى مرفأ بيروت في 2013، وانفجرت في 4 آب/ أغسطس 2020، لم يتحرّك القضاء اللبناني حتى الآن، بشكل جدّي لطلب التحقيق معه. فعلى رغم أنّ القاضي فادي صوّان أصدر استنابات قضائيّة بخصوص رجال الأعمال السوريين الذي ذُكرت أسماؤهم في قضيّة انفجار المرفأ، ولكن غابت الجديّة في التعامل مع الموضوع. ألم يأخذ القضاء اللبناني احتمال ارتباط رجل الأعمال بالانفجار على محمل الجدّ؟ أم أنّ الضغوط السياسيّة حالت دون تمكّن القضاء من اتّخاذ خطوة في هذا الاتجاه؟
المحامية ديالا شحادة تقول: “الخطوة الأولى التي ستثبت مدى جديّة المحقّق العدلي الجديد القاضي طارق البيطار هي استدعاء حسواني بشكلٍ عاجل للاستماع إلى إفادته كشاهد في البداية وعدم السماح بالمماطلة… خصوصاً أنّ حسواني ليس متوارياً عن الأنظار، لا بل تحدّث في الإعلام علناً، وبالتالي “يجب أن تبلّغ وزارة العدل اللبنانيّة وزارة العدل السوريّة بموجب اتفاقيّات ثنائيّة قضائيّة موجودة وما زالت سارية المفعول من أجل استدعائه”.
قضيّة جورج حسواني وهويّته فتحتا النقاش على مصراعيه ليس فقط على تفاصيل وصول الشحنة وتفريغها في المرفأ، ولاحقاً ملابسات انفجارها، بل أيضاً على علاقة الشحنة بالنظام السوري والهدف الحقيقي وراء تخزينها في قلب العاصمة اللبنانيّة. وأعاد الحديث عن حسواني الذاكرة إلى علاقة نظام بشار الأسد مع تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش” من جهة، وعلاقته مع روسيا من جهة أخرى، فلعب فيهما حسواني دوراً أساسيّاً واستراتيجيّاً دفع الولايات المتّحدة الأميركيّة والاتحاد الأوروبي إلى فرض العقوبات عليه عام 2015.
ما علاقة حسواني بشحنة الأمونيوم؟
كشف الصحافي اللبناني فراس حاطوم في تحقيقه “بابور الموت” عن احتمال ارتباط الرجل الروسي- السوري جورج حسواني بشحنة نيترات الأمونيوم التي وصلت إلى مرفأ بيروت وفجّرت بيروت، وأودت بحياة حوالى 200 شخص، إضافة إلى 6000 جريح و300 ألف نازح وكبّدت لبنان خسائر وأضرار ماديّة مباشرة بين 3.8 – 4.6 مليار دولار أميركي، إضافة إلى خسائر في التدفقات الاقتصادية بلغت 2.9-3.5 مليار دولار أميركي، في حين قيّمت المصادر إجمالي الأضرار بأكثر من 20 مليار دولار أميركي.
دُفع لمصنع المواد الكيماوية Rustavi Azot في جورجيا، مبلغاً ماليّاً مقابل 2750 طناً من المتفجرات، لكن Fábrica de Explosivos Moçambique (FEM)، الشركة التي قامت بطلبها ظاهرياً من خلال شركة Savaro Limited، لم تستلمها مطلقاً. ولكن تبيّن لاحقاً أنّ المشتري ليس FEM، بل شركة Savaro نفسها المسجّلة في لندن. ويُظهر عقد البيع تاريخ الشراء في 10 تموز/ يوليو 2013، عندما كانت الحرب السورية في ذروتها، وفقاً للـForeign Policy.
وتبيّن من خلال سجل الشركات في المملكة المتحدة أن عناوينSavaro Limited، متطابقة مع العقارات التي كان يملكها أو يديرها رجل الأعمال السوري والأخوان مدلّل وعماد خوري، وجميعهم يحملون الجنسيتين السورية والروسية ويخضعون للعقوبات الأميركيّة والأوروبيّة.
فعماد خوري كان رئيس شركة .IK Petroleum Industrial Co، حتى استقالته عام 2016. وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، حاول مدلّل خوري تزويد نظام بشار الأسد بنيترات الأمونيوم عام 2013، وهو العام الذي وصلت خلاله شحنة نيترات الأمونيوم إلى لبنان، وهذا ما يفترض سيناريو واقعيّاً ومنطقيّاً لوجهة شحنة الأمونيوم التي وصلت “من طريق المصادفة” إلى مرفأ بيروت.
وفي وقت لاحق، عوقب عماد خوري أيضاً لمساعدته في الأنشطة التجارية لأخيه. كما يتطابق عنوان IK Petroleum Industrial مع أحد عناوين Savaro Limited.
والجدير ذكره أنّ مارينا سيلو، المديرة الحالية والوحيدة لـSavaro، بحسب البيانات، نفت أنّها المديرة الحقيقيّة للشركة وامتنعت عن ذكر المدير الحقيقي. وهي مُدرجة كمستشارة أو اقتصادية لأكثر من 150 شركة أخرى بحسب قاعدة بيانات الشركات OpenCorporates، بحسب مجلّة Foreign Policy.
في مقابلة لحسواني مع وكالة “رويترز” عقب نشر تحقيق حاطوم، نفى حسواني أي علاقة له ولشركته Hesco Engineering and Construction بشركة Savaro Limited، التي قال إنّه لم يسمع بها سابقاً وأنّه يعيش حياته بشكل طبيعي، لأنّ لا علاقة له بالقضيّة التي أُثيرت بما سمّاه “زوبعة إعلاميّة”. ورجّح حسواني أن يكون أصل اللغط في شركة Interstatus القبرصية التي لجأ إليها لتسجيل شركته، فهي الوكيل نفسه الذي سجّل شركة Savaro، ووفقاً له، Interstatus هي التي قامت بنقل موقع تسجيل الشركتين إلى العنوان نفسه في اليوم نفسه، وبالتالي “إن أي صلات بينها وبين شركته ليست سوى محض مصادفة بسبب لجوء الشركتين إلى الوكيل نفسه”.
وبما أنّ المقابلة أجريت في بيته في دمشق، تعتبر المحامية ديالا شحادة أنّه إذا مضى نحو أسبوعين، بعد أن يستدعيه القضاء اللبناني للاستماع لإفادته، من دون الحصول على جواب، “على القضاء اللبناني أن يتّخذ إجراءً أشدّ يقضي بالجلب لأنّ الشاهد بالقانون اللبناني يُجلب جلباً… وأحياناً يلاحق بجرم الامتناع عن تلبية دعوة القضاء”. إلا أنّ شحادة غير متفائلة بمجرى التحقيقات اللبنانيّة، بما أنّ قرار محكمة التمييز بكفّ يد صوّان “مضحك”، على حدّ قولها، وأنّ ذلك “ناتج عن قرار سياسي” و”إذا صدر اليوم قرار سياسيّ بتطيير البيطار فسيخترعون له قصّة أو يدفعونه للاستقالة”. لذلك تتطلّب هذه القضيّة الشفافيّة والعلنيّة “خلافاً لمعايير سريّة المحاكم المعمول بها في قوانين المحاكم الجزائيّة في لبنان”. ووفقاً لشحادة فإن استدعاء حسواني للاستماع إليه هي “آخر ورقة توت تغطّي عورة القضاء اللبناني”. وترى أنّه من الضروري أيضاً معرفة “مدى استعداد النظام السوري ومؤسساته للتعاون في هذه الكارثة الإنسانيّة، لا بل الجريمة الدوليّة التاريخيّة” في ظل كل ما تسرب عن تورطه المحتمل.
شحادة استغربت “السرعة المدهشة” التي استلم فيها القاضي بيطار مهامه، وتتسائل “أين هي هذه السرعة اليوم؟”. واستغربت أيضاً أنّ أمين عام “حزب الله”، حسن نصرالله، كان أعلن، قبل كفّ يد القاضي صوّان، أنّ التحقيق انتهى علماً أنّ صوان لم يختم التحقيق، “فكيف علم السيّد نصرالله أنّ التحقيق انتهى؟” وما مدى اطّلاعه على مجريات التحقيق؟
في 19 كانون الثاني/ يناير 2021، تعرّض باسل، ابن جورج حسواني، لمحاولة اغتيال في سوريا في ريف دمشق بعد أيّام من ذكر اسم والده في تحقيق انفجار مرفأ بيروت ولم تُكشف بعد ملابسات محاولة الاغتيال. فباسل حسواني هو أيضاً صاحب شركة ماسة للخدمات النفطية في سوريا والتي تأسست في أيلول/ سبتمبر 2019 وحصلت على ترخيصها عام 2020 من وزارة التجارة الداخلية في سوريا. وحاول “درج” التواصل مع جورج حسواني وابنه باسل حسواني ولكن من دون جدوى.
وتجدر الإشارة إلى أنّ شركة Savaro Limited، كانت تقدّمت في 12 كانون الثاني 2021 بطلب لشطب اسمها من السجل التجاري البريطاني، إلّا أنّ محامي الدّاعاء، بوكالتهم عن ضحايا تفجير المرفأ، مازن حطيط وفاروق المغربي وطارق الحجّار وحسام الحاج، تقدّموا باعتراض على شطب الشركة ووصلهم ردّ في 6 شباط/ فبراير 2021 من مكتب السجل التجاري البريطاني بقبول الاعتراض، “ووقف كامل أعمال الشطب في ضوء المعلومات والأدلّة المُقدّمة، لغاية 6 آب من العام مع إمكانية تقديم اعتراض جديد إذا اقتضى الأمر بعد 6 آب 2021”.
كما أرسلت نقابة المحامين في لبنان رسالة إلى السلطات البريطانيّة في 25 كانون الثاني 2021 طالبة وقف عمليّة تصفية الشركة وبالتالي ساهمت في تجميد تصفية شركة Savaro البريطانيّة.
وترى شحادة، أنّه وبما أنّ “هذه القضية تجاوزت حدود لبنان وصارت لها طبيعة دوليّة لوجود فاعلين خارج لبنان ومن جنسيّات أخرى”، يمكن أن يطلب القاضي بيطار من أمين عام الأمم المتّحدة تقديم لجنة استقصاء دوليّة للمساعدة في التحقيق، بما أنّ ضرراً أُلحق بمصلحة الأمم المتّحدة (من مبان أو موظّفين) فهذا يوفّر السياق القانوني للأمين العام للقيام بهذه الخطوة.
من هو جورج حسواني؟
وُلد جورج حسواني (أيلول 1946 -)، 74 سنة، في مدينة يبرود السوريّة شمال دمشق. وحصل على درجة الدكتوراه عام 1979 في الاتحاد السوفياتي في معهد البوليتكنيك من خلال منحة دراسية مقدّمة من وزارة التعليم العالي السورية، كما درس الهندسة الكهربائية في كالينينغراد في السبعينات وحصل على الجنسية الروسية. بعد تخرجه عمل أستاذاً في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية.
أسّس حسواني في بداية التسعينات عدداً من الشركات منها شركة حسواني إخوان، التي تشارك في عمليات ثلاث منشآت روسية، اثنتان منها لخياطة الملابس، والثالثة لتصنيع الدراجات. وبنى حسواني منشأة الغاز في توينان (في منطقة تدمر)، بالشراكة مع شركة يملكها جينادي تيمشينكو، رجل أعمال روسي مقرّب من الرئيس الحالي فلاديمير بوتين. ومن هنا، اعتبر مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أنّ تحالف موسكو العسكري والاقتصادي مع دمشق يوضح أن روسيا على علم بالتعامل بين نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية، وفقاً لـWall Street Journal.
كما شارك حسواني في ملكية شركةHesco Engineering and Construction Co، التي كانت لها مكاتب في دمشق وموسكو ولندن وتمّت تصفيتها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وهي تحمل عنوان شركة Savaro ذاته.
يعدّ حسواني رجل موسكو في دمشق وذلك لخبرته وتاريخه الكبير في لعب دور الوساطة بين روسيا والنظام السوري، إضافة إلى دوره الكبير في الوساطة مع الجماعات المتطرّفة وتلك التابعة للنظام السوري.
عقوبات “بالجملة”!
أدرج الاتحاد الأوروبي حسواني وشركته في لائحة عقوباته في 7 آذار/ مارس 2015 بسبب تقديمه الدعم والاستفادة من النظام السوري من خلال دوره كوسيط في صفقات شراء النفط للنظام من “داعش”. كما أنه يستفيد من النظام من خلال المعاملة التفضيلية التي حصل عليها وأبرزها إبرام عقد مع شركة Stroytransgaz، وهي شركة نفط روسية كبرى.
وفي هذا السياق، تحدّث يوسف ميخائيل عربش، مدير مكتب شركة حسواني في موسكو، في مقابلة له عام 2013، عن شركة Stroytransgaz وهي “الشركة الروسية والأوروبية الوحيدة التي لا تزال تعمل على الأراضي السورية، بغض النظر عن الشركات التي تعمل بالتجار بالبيع والشراء”، وذلك بسبب علاقتها الوطيدة مع Hesco Engineering، إضافة إلى ذلك، فازت الشركة بمناقصة على محطّة ضخ مياه الشرب من نهر دجلة، والتي دخل فيها الإيطاليّون والإيرانيون والروس، ولكن الايطاليّين اعتذروا بعد فرض العقوبات على سوريا، وبقي الإيرانيون والروس في المناقصة وفازت بها الشركة الروسيّة.
وتجدر الإشارة أنّ يوسف ميخائيل عربش هو زوج ابنة جورج حسواني من زوجته الأولى وهي روسيّة الجنسيّة وهو أيضاً مدير ومالك شركة “أف. أي. تي.” في سوريا بنسبة 100 في المئة من أسهمها. وطلّق حسواني زوجته الأولى وتزوّج لاحقاً من امرأة سوريّة الجنسيّة ولها صلة قرابة من الأسد. أمّا الولايات المتّحدة الأميركيّة ففرضت عقوبات على حسواني وشركته في 25 تشرين الثاني 2015 وذلك بتهمة شراء النفط للنظام السوري من الدولة الإسلامية. وإضافة إلى حسواني وشركته، أدرجت إدارة أوباما في التاريخ نفسه مواطنين وشركات روسية، لقيامهم بأعمال تجارية نيابة عن الحكومة السورية أبرزها مدلّل وعماد خوري.
وجمّدت هذه العقوبات الأصول التي يملكها حسواني في كلّ من الولايات المتّحدة الأميركيّة والاتحاد الأوروبي.
من هو مدلّل خوري؟
رجل أعمال سوري له علاقة قديمة ووطيدة بنظام الأسد ويمثل مصالح النظام التجارية والمالية في روسيا. يرتبط خوري بالمعاملات المالية التي كانت للحكومة السورية مصلحة فيها منذ عام 1994. كما عمل وسيطاً في محاولة لشراء نيترات الأمونيوم للنظام السوري في أواخر عام 2013، ولذلك أدرجته الولايات المتّحدة الأميركيّة في لائحة العقوبات.
فضلاً عن ذلك، يمتلك خوري، أو يتحكّم بخمسة من الكيانات التي فرضت الولايات المتّحدة الأميركيّة عليها عقوبات في 25 تشرين الثاني 2015.
ويمتلك أو يتحكم خوري ببنك الاتحاد المالي الروسيRussian Financial Alliance Bank، مع رجل أعمال روسي ثري، والرئيس السابق لجمهورية كالميكيا الروسية، كيرسان إليومينغينوف. بحيث يشغل خوري منصب رئيس مجلس إدارة المصرف. ويملك خوري أيضاً شركة Kremsont Commercial Inc، التي تخضع للعقوبات الأميركيّة.
ولعب حسواني دور الوسيط بين تنظيم الدولة الإسلاميّة وأكبر زبون لها في مجال الطاقة، الحكومة السورية، بحسب Wall Street Journal، التي كتبت أنّ “الدور الذي لعبه رجال مثل حسواني هو أحد الأسباب التي جعلت تنظيم الدولة الإسلامية قادراً على دعم نفسه مالياً على رغم الضربات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة وانخفاض أسعار النفط”، كما تذكر مصادر أنّ شركة حسواني دفعت 50 ألف دولار شهريّاً لـ”داعش”، مقابل حماية معدّات مشروع توينان.
رفع حسواني دعوى قضائيّة ضدّ الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات المفروضة عليه، إذ سعى إلى إلقاء اللوم على تهريب نفط تنظيم الدولة الإسلامية إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي نفى هذه الاتهامات، وفقاً لـWall Street Journal.
ورفضت المحكمة العامة في الاتحاد الأوروبي الاستئناف الذي قدّمه حسواني في كانون الأول/ ديسمبر 2020.
وبحسب الـ Financial Times، العقوبات المفروضة على حسواني هي واحدة من أولى الاعترافات الرسمية من الحكومات الغربية بأن “داعش” ودمشق يعملان معاً بشكل وثيق في مجالات رئيسة في علاقة سرية تدعم الجهاديين بدخل كبير.
“البطل” المطلوب في قضيّة التعامل مع “داعش”!
“في سوريا يرى جورج حسواني نفسه رجلاً وطنيّاً. أمّا في الغرب، فهو رجل مطلوب”. ~ Wall Street Journal عام 2015.
تفاوض حسواني، عام 2014، بالنيابة عن نظام الأسد، على إطلاق سراح أكثر من 12 راهبة أرثوذكسية اختطفتهنّ جبهة “النصرة”، التابعة لتنظيم “القاعدة”، والتي اندمجت منذ ذلك الحين في “هيئة تحرير الشام”. وقالت الأم أغنيس مريم، رئيسة دير للروم الأرثوذوكس في سوريا: “لقد قدم جورج حسواني كل شيء للجميع”.
فبالفعل، بينما تراه الراهبات السوريّات البطل الذي أطلق سراحهنّ، تثبت الوقائع أنّه واحد من الذين أطلقوا العنان لتنظيم الدولة الإسلاميّة وأبقوه على قيد الحياة، هذا فضلاً عن تعاونه مع نظام الأسد “السفّاح” وبالتالي فهو ساهم في مقتل الآلاف. أمّا في لبنان، فإذا ثبت تورّطه بشحنة الأمونيوم “المشؤومة” التي أودت بحياة كثيرين، فيكون قد أضاف على سجلّه المشبوه أرواحاً جديدة، بينما يعيش حياته طبيعيّاً “وهو يضحك” على حدّ قوله، غير آبهٍ بالدماء التي قد يكون سفكها، وبوجع أهالي الضحايا الذين لا يكلّون عن المطالبة بكشف ملابسات “جريمة” انفجار مرفأ.
درج
—————————
سقط الأسد.. لن يسقط/ عبد السلام حاج بكري
ما نزال –نحن السوريين- منذ عشر سنوات نقع في المطبّ ذاته، الركون للإشاعات وتصديقها والتعامل معها كأنّها واقع معاش، كم مرّة شهدنا انشقاق فاروق الشرع، وكم انتظرنا ساعة الصفر الخلّبيّة، وما عدد المضادات الجوّية التي وصلت الجيش الحر، هل تذكرون بتر قدمي ماهر الأسد، والتدخل العسكري الغربي لإسقاط الأسد و… الأسد
عشر مرات أو مائة وربما ألف مرّة، توافق الغرب وروسيا على استبدال الأسد، وخلال ساعة ستدكّ البوارج الأمريكية بالتوماهوك معاقل بشار، وتقصف طائرات ستيلث مقرّات قيادات جيشه وأمنه، إنّها مصادر معارضتنا التافهة وإعلامنا المعارض الهزيل، نعم نحن شركاء في تأليف القصة وترويجها، ألم يخترع غوار الطوشة أزمة السكر ويسابق الآخرين لشرائه وتموينه.
في الصيف، بعد شهرين، خلال ساعات أو أيام، إنّها نهاية الطاغية، والطاغية يسخر في سرّه من جهالة الأخصام، وهو الذي يدرك يقيناً أنّه مستمر في حكمه بدعم ممن يظنّون بأنّهم يسعون لإسقاطه.
أُدين نفسي أولاً، فقد كنتُ أحد المروّجين لمثل هذه الإشاعات، وقعت في الفخّ كما وقع فيه غيري، في مطلع العام الماضي، أكّد لي برلماني أوروبي أنّ نهاية بشار ستكون في الصيف، نقلت ما قاله لي إلى وسائل الإعلام، دون تعليق موافق أو معترض، تاركاً للقارئ حق الاستشفاف والتمحيص، ولم تسنح الظروف لمحادثته مجدداً وسؤاله عن سبب تسريب تلك المعلومة وحقيقتها وفق معطيات العام الماضي، وما الذي تغيّر فألغاها.
واقع الأمر، نحن غرقى نتعلّق بقشّة، ولكن لا قشّة نتعلق بها، فنرسمها ونمدّ أيدينا لتنقذنا، ظننا بالعرب خيراً، فكانوا شرّاً مستطيراً زاد فرقة المفرّق، ودفعوا للاقتتال البيني بعيداً عن الهدف الأهم، تحوّلت أقلامنا لرسم حلم جديد فكتبت قرارات أممية، ونشرتها قبل اجتماع مجلس الأمن والأمم الكبيرة.
وقبل هذا وذاك، صرخت حناجرنا “يا الله مالنا غيرك يا الله” وما نزال صامدين عليها، نستيقظ صباحاً مسارعين للفيس بوك على أمل قراءة خبر الصاعقة تضرب بشار وأعوانه، أو ذلك الزلزال الذي يتحدّث عنه الجيولوجيون منذ خمسين عاماً. الأسد
قبل أمس، وأمس، واليوم، وغداً، قرأنا ونقرأ وسنقرأ، استمعنا ونستمع وسنستمع، لأخبار الانتصار العظيم سياسياً وعسكرياً، الانتصار الذي يسحق بشار ومنظومته الإجرامية، ويعيد لسوريا مجدها التليد، موحّدة حرّة ديموقراطية، نعم هذا حدث ويحدث وسيحدث، اضحكوا كما يجب، هكذا نحن، نصدّق كل ما نسمع، نرشّ عليه من أطايب البهارات، ونضعه في فرن الترويج، نستلب عقول البسطاء، وندفعهم لرفع أياديهم إلى السماء الخاوية من الغيوم مبتهلة المطر.
نجرم بحق أنفسنا أولاً، وحقّ بقية السورييّن ثانياً، وندعو من غير قصد لتكاسل لا يحتاج غالباً دعوى، وقد آن للثورة المكنونة في الصدور أن تنفجر في وجهنا، فترمينا على المزابل التي نستحق، على الأقل لأننا قدّمنا وجبات لا تسمن ولا تغني من جوع، فلا أكلوا وما تركناهم يبحثون عن طعام.
كل العالم يبيعنا الأمل من أمريكا إلى الأمم المتحدة والدول الغربية المتحضّرة التي تدّعي زيفاً إنسانية هي أول من يسفحها، إلى عسكر روسيا وميليشيات إيران، والأمل الحقيقي هو فقط في ما نعمل، نعم فقط في العمل الذي تؤديه أيدينا وعقولنا. الأسد
تأخرنا كثيراً لنتيقّن أننا وحدنا من يؤازرنا، ولعلّ البعض لم يتقيّن بعد، لكنها الحقيقة التي تأخر العمل بمقتضاها عشر سنوات، ماذا لو بدأنا اليوم، وتعالوا لا ننتظر حلول مناسبة كذكرى الثورة الوشيكة، بل على الفور، نعمل على أنّنا وحدنا في هذا العالم، وعلينا مواجهة الطاغية والعالم معا للوصول إلى ما نريد.
نتوقف الآن عن الاستماع للمنظّرين والأخبار، نغلق هواتفنا، نفكّر في الحلّ، نعمل له، عسكرة وسياسة وأحزاب، صدق وإخلاص ومؤازرة، لا نترك لحظة تمرّ دون استثمارها في طريق سوريا الجديدة، الآن الآن، فقد لا يكفي ما تبقى في أيام كثيرين منّا لمعايشتها حرّة، كفى بالمعتقلين عذاباً وقهراً، وبالنازحين تشرّداً، وبذوي الشهداء حزناً.
لن يسقط الأسد ما لم نسقطه نحن، ولن يقوم بناء سوريا، إلا إذا بنيناه نحن، كلّهم يريدونه، ولا يريدون سوريا، يلهثون خلف ما يريدون وليس ما نريد نحن. ال
——————-
======================
تحديث 15 أذار 2021
——————–
الخيط الروسي والسجادة السورية/ غسان شربل
لم تكن زيارة «الربيع العربي» لربوعنا موفقة. نتحدث عنها كأننا نقرأ في رواية قديمة مؤلمة. يخالجنا شعور أن تلك الأحداث وقعت في زمن بعيد. وأن طبقات من التراب والنسيان غطت بقع الدم التي توزعت في العواصم والساحات. ومن حق المرء أن يتساءل ما إذا كان ذلك الربيع بكر أم تأخر. وما إذا كانت مجتمعاتنا ملقحة ضد الربيع والتغيير. الأكيد أن الربيع وجد مجتمعاً دولياً مستعداً للتصفيق وتحريض الثوار على مزيد من الأحلام، لكن من دون توفير التضامن السياسي والقانوني والإنساني في ساعة الامتحان. والحقيقة أنه يمكن معاقبة الربيع بوسائل عدة، خصوصاً حين يستولي المتشددون على المنابر والساحات، فيهجم الخوف على المجتمع، وتتحرك قوات الأمن لتبديد الخوف والربيع معاً. يمكن معاقبة الربيع بأساليب كثيرة في الشرق الأوسط الرهيب، لكن العقاب في سوريا كان الأشد، وكانت الحصيلة نظاماً منتصراً في بلاد مدمرة. فبعد عقد على الشرارة الأولى، تبدو سوريا حائرة وسط التدخلات والأعلام والخسائر والأرقام.
يمكن القول إن النظام السوري كان محظوظاً. إيران التي تعتمد لغة الدفاع عن المقهورين والمظلومين اختارت منذ اللحظة الأولى منع الربيع السوري من إنجاز أي تغيير في وضع النظام وتموضعه الإقليمي. كان تغيير النظام في سوريا يعني ببساطة قطع خط الاتصال بـ«حزب الله» في لبنان، وهو أكبر استثمار إقليمي لإيران، والدليل الدور الذي يضطلع به الحزب في حروب المنطقة.
تكاثرت التدخلات على أرض سوريا. وتدفقت الأسلحة وقوافل المقاتلين في مواجهة تميزت بوحشيتها، خصوصاً بعدما صار أسلوبها الوحيد هو أسلوب «الأرض المحروقة». لكن التجربة أظهرت أن الميليشيات الموالية لإيران ليست قادرة وحدها على منع سقوط النظام، بعدما اقتربت هجمات المعارضين من قلب دمشق. كان لا بد من البحث عن مظلة تنقذ النظام من السقوط، وتعطيه لاحقاً فرصة ترميم قدراته لاسترجاع المناطق الحيوية. وإذا كانت طهران كرهت الربيع حين اقترب من دمشق، فإن سيد الكرملين لا يحبه أصلاً. أسباب كثيرة شجعت فلاديمير بوتين على توجيه ضربة قاضية للربيع السوري. لا يحب بوتين الثورات الملونة، وبيانات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية، ويعتبرها مجرد أقنعة لرغبة غربية لانتهاك سيادة الدول. سبب آخر أشد وجاهة. تعسكرت الثورة السورية واستولى على صفوفها الأمامية المقاتلون الجوالون الذين سهّلت تركيا تسللهم إلى الأراضي السورية، فرفعوا شعارات «داعش» و«القاعدة». وكان بين هؤلاء عدد كبير من الوافدين من البلدان الخارجة من الركام السوفياتي، فرأى بوتين فرصة في أن يطاردهم على أرض سوريا، بدلاً من أن يطاردهم على أطراف روسيا أو داخلها.
قلب التدخل الروسي الموازين، وها هو الربيع السوري مجرد ذكريات. لم يعد إسقاط النظام مطروحاً، وأكثر ما تحلم به الدول الغربية هو أن يوافق الرئيس بشار الأسد الذي يقترب من الفوز بولاية رئاسية جديدة على إبداء مرونة باتجاه الحل السياسي، ولو أقل مما يطالب به قرار مجلس الأمن الدولي 2254. وعندما اعتبرت سوريا ساحة مفتوحة للتدخلات، تقدمت تركيا بدورها لتقويض الشريط الكردي قرب حدودها ولتحجز، على غرار إيران، موقعاً في أي مفاوضات مقبلة.
الخريطة شديدة التعقيد. الانتصار الروسي واضح لكنه ناقص. الإيراني شريك صعب، وهو تسرب إلى الأجهزة العسكرية والأمنية السورية، وإلى بعض المجتمع. وإسرائيل تشن حرباً لا هوادة فيها على التموضع الإيراني في سوريا، وبوتين يعطي نتنياهو صفة الشريك والصديق. وتركيا شريك معترف به منذ انطلاق مسار آستانة مع روسيا وإيران. أما الوجود العسكري الأميركي على الأرض السورية فهو وجود يرفع راية التصدي لـ«داعش»، لكنه يأمل في قطع طريق طهران – بيروت، أو مراقبتها على الأقل. الانتصار الروسي ناقص لأن موسكو ليست قادرة على قيادة عملية لإعادة الإعمار في سوريا، ولا قادرة على إعادة تأهيل النظام، وإعادة دمجه في المجموعتين العربية والدولية. وانتصار النظام ناقص أيضاً. لم يعد مهدداً بالسقوط عسكرياً، لكن التدهور الاقتصادي المريع عدو لا يقل خطورة. ثم إن القدرة على الإقامة الطويلة وسط الركام والأرقام المذهلة لعدد القتلى والجرحى واللاجئين والنازحين محفوفة بالعزلة والتآكل.
في ضوء هذه المعطيات، ومع وجود إدارة أميركية تتلمس طريقها في الشرق الأوسط، جاءت جولة سيرغي لافروف الخليجية التي شملت السعودية والإمارات وقطر. وكان لافتاً أن لقاء الدوحة الروسي – القطري – التركي أسفر عن إطلاق «مسار سياسي مواز لمسار آستانة». واضح أن روسيا الحاضرة حالياً في الملفات الليبية والأفغانية والسورية لا تملك وحدها القدرة على صناعة الحلول. تحتاج إلى تفاهم مع أميركا، وتحتاج أيضاً إلى دعم الدول الخليجية. ويعرف النظام السوري أنه غير قادر على تغيير واقعه الحالي من دون اتخاذه خطوات تشجع العرب على إعادته إلى الجامعة العربية، وتشجع الغرب على تليين العوائق التي تحول دون مساعدته على التقاط أنفاسه.
روسيا هي اللاعب الأول في سوريا الحالية، لكنها ليست اللاعب الوحيد. الخيوط الروسية لا بد منها لحياكة سجادة الحل في سوريا لإخراجها من الركام والتدهور الاقتصادي، وفتح الباب لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين. يحتاج الحائك الروسي أيضاً إلى الخيوط الأميركية والأوروبية والخليجية والتركية والإيرانية. سجادة الحل في سوريا ليست بسيطة، وتعرف روسيا وسوريا أن إدارة بايدن المهتمة بالاتفاق النووي مع إيران، واحتواء «الصعود الصيني»، قد لا تكون مهتمة بتمكين بوتين من تحقيق مثل هذا النجاح في سوريا من دون ثمن مقابل. هل يستطيع الأسد تسهيل مهمة الحائك الروسي؟
———————
دلالات “المثلث الرومانسي” بين الأسد ونتنياهو وبوتين/ عدنان أبو عامر
يتساءل الإسرائيليون عن خلفيات الحديث عن تقارب بوساطة روسية بين نظام الأسد والحكومة الإسرائيلية، بينما يواصل الاحتلال غاراته على دمشق وغيرها في العمق السوري، مع العلم أن قصف إسرائيل لسوريا يتم وقتما شاءت، في حين يتم إبرام صفقة تبادل الأسرى معها، وفي الوقت ذاته، يتم تقديم لقاحات لها، رغم أنها ما زالت مصنفة دولة معادية، ما يدفع إلى طرح السؤال عما يحصل بين تل أبيب ودمشق.
تتزامن عمليات القصف الإسرائيلية لأهداف مختلفة في سوريا، مع مبادرة إسرائيل لتقديمها مساعدات للنظام السوري باللقاحات لمواجهة وباء كورونا، وكل ذلك يشير إلى أنَّ شيئاً ما يحدث بين إسرائيل وسوريا، لكنه في الوقت ذاته مناسبة لطرح سؤال عن كيفية حدوث ذلك تحت القنابل، وما دور روسيا في هذه القصة، وهل هناك احتمال أن يقرر الأسد إلقاء أغنية من أجل السلام مع إسرائيل.
قبل عقد من الزمن، كادت إسرائيل وسوريا أن توقع على اتفاق سلام بوساطة أميركية، ولم يكن حينها سرا، فقد كانت الصفقة آنذاك هي الجولان مقابل إيران، حيث تتنازل إسرائيل عن الجولان، أو جزء منه، وفي المقابل سينفصل الأسد عن إيران وحزب الله، لكن اتفاق السلام هذا عرف طريقه إلى حاويات التاريخ.
في المقابل، شهدنا في السنوات الأخيرة مثلثا رومانسيا ينجح رغم كل الصعاب: “إسرائيل وروسيا وسوريا”، وفق الزعم الإسرائيلي، لأنه قبل عامين فقط، وقبل فترة وجيزة من الانتخابات الإسرائيلية الأولى في 2019، فوجئنا جميعا عندما ساعدت روسيا في إعادة رفات الجندي الإسرائيلي القتيل زخاريا باومل من سوريا، وفي الآونة الأخيرة، حصل مزيد من الدفء في العلاقة، وبدأت التقارير تتحدث عن جهود روسية لترميم عظام الجاسوس إيلي كوهين، ووصلت الذروة بإبرام صفقة تبادل أسرى اشترت فيها إسرائيل لقاحات روسية للأسد.
في الوقت ذاته، نلاحظ ما يحدث على حدود إسرائيل الشمالية في السنوات الأخيرة، فطوال الحرب السورية، تدخلت إسرائيل فقط للإضرار بأهداف إيران وحزب الله، ولم تحاول فعلا إيذاء نظام الأسد، رغم أن استمرار هجماتها في سوريا لا يشكل للأسد أخبارا جيدة، لأنه يضر بصورته، ورغم كل شيء، ينتهي الرد السوري عادة بإطلاق سلاح مضاد جوي أقرب ما يكون للألعاب النارية، لا يضر بالطيران الإسرائيلي بشيء.
الإيرانيون يريدون قاعدة أمامية ضد إسرائيل، وبدؤوا بالتعامل مع سوريا على أنها ساحتهم الخلفية، والأسد مدين بالكثير لإيران
من المرجح أن طهران والضاحية الجنوبية ترغبان في رؤية شيء أكثر أهمية بعد مساعدة الأسد من بوتين على البقاء في القصر الرئاسي، لكن ذلك مدعاة لطرح السؤال: لماذا لا يرد الأسد كما يجب رغم أنه يتعرض للهجوم الإسرائيلي شهريا، وهو الذي سئم من الوجود الأجنبي في سوريا، لكن كل من ساعده في البقاء في السلطة يتوقع منه الحصول على حصة مثيرة؟
فالإيرانيون يريدون قاعدة أمامية ضد إسرائيل، وبدؤوا بالتعامل مع سوريا على أنها ساحتهم الخلفية، والأسد مدين بالكثير لإيران، لدرجة أنه لا خيار أمامه، وهنا يأتي المثلث في الرومانسية الجديدة حيز التنفيذ، لأن فلاديمير بوتين، الداعم القوي لنظام الأسد، يتوسط بينه وبين إسرائيل.
تبدو الأطراف الثلاثة سعيدة بهذا المثلث الرومانسي: الروس يتمتعون بمكانة القوة التي تحكم الشرق الأوسط، وإسرائيل تحصل على الضوء الأخضر لقصف الأهداف الإيرانية على الأراضي السورية، والأسد يراقب المؤسسة الإيرانية في سوريا التي تتلقى ضربات من السماء بشكل متكرر، كما يمكن لدول الخليج أن تظهر في الصورة، ورغم أنها مولت من ثاروا ضد الأسد، فإنها تصدر أصواتا متتالية لتمويل إعادة تأهيل سوريا.
يعتقد الإسرائيليون أن كل ذلك يتم من أجل تضييق خطوات إيران في سوريا، وكأن لعبة البوكر الشرق أوسطية هذه تمكن اللاعب صاحب اليد الأضعف من التلاعب بالجميع، فاليوم لا أحد يجرؤ على المراهنة ضد بشار، لكن الاهتمام بتفضيله واضح.
في الوقت ذاته، تظهر سوريا منخرطة في قلب الاستهدافات العسكرية الإسرائيلية للناقلات الإيرانية في الخليج العربي، التي باتت ظاهرة لافتة، لأن إسرائيل اكتشفت أنها محور التهريب وغسيل الأموال بمئات ملايين الدولارات التي تمر عبر سوريا إلى حزب الله في لبنان، وهكذا تجري “حرب النفط”.
يدرك الإيرانيون أن هذا الطريق مرئي لأجهزة المخابرات الغربية، بما في ذلك إسرائيل، لذلك فقد حاولوا في 2019 إرسال السفن على طريق طويل لتجنب الإبحار في البحر الأحمر، وعبر قناة السويس إلى البحر المتوسط، متجاوزين القارة الأفريقية بأكملها، حيث تدخل مضيق جبل طارق ثم تبحر باتجاه سوريا، مع العلم أن الأضرار الإسرائيلية بالسفن الإيرانية التي تهرب النفط إلى سوريا مرتبطة بالرغبة المشتركة لجميع الدول الغربية بوقف تمويل حزب الله، ولذلك فإنه إذا أصابت إسرائيل بالفعل هذه الناقلات، فمن المحتمل أن ذراع البحر والوحدات الخاصة، فوق وتحت سطح الماء، عملت لوقت إضافي، لكنها لم تغرق أي سفينة إيرانية، أو تشتعل فيها النيران.
لم يقل الإيرانيون شيئا، ولم يعترفوا بأن سفينتهم قد أصيبت، فيما لم تنشر إسرائيل ولا الأميركيون أي شيء، وكأن الصمت خيم على كل الأطراف: “لم يرَ أحد، لم يسمع أحد”، ورغم أن الحديث يدور عن سرب الكوماندوز الإسرائيلي 13، الذي ينفذ هذه العمليات، فإن لدى إسرائيل طرقا قليلة ومتنوعة ومبتكرة للإضرار بتهريب النفط الإيراني إلى سوريا دون إحداث ضجيج أو اضطراب.
يمكن الافتراض أن قطع التمويل عن حزب الله، وخاصة في ما يتعلق بدقة صواريخه جزء من أهداف استراتيجية “المعركة بين الحروب”، أصبح بعضها معروفا للإعلام، والبعض الآخر ما زال سرياً، ومن المعروف أيضا أن عدد عمليات “MBM” في 2020 ارتفع بشكل حاد، وأن الذراع البحرية كانت عنصرًا مهما فيها، وربما من الناحية الكمية عملت البحرية أقل من القوات الجوية، لكن مساهمتها المادية لم تكن أقل أهمية.
إن أي سفينة من هذا القبيل لا تصل إلى وجهتها في الوقت المحدد، أو لا تصل إطلاقاً، تشكل ضرراً كبيراً للنظام السوري والتنظيم اللبناني تحت قيادة رعاته الإيرانيين، والسؤال الذي يطرح نفسه بطبيعة الحال هو عن ما إذا كان تلوث القطران الصلب على شواطئ إسرائيل، الذي ربما نشأ من سفينة تهريب النفط الإيرانية لسوريا، عملاً انتقامياً إيرانياً على الأضرار التي لحقت بسفنها من الهجمات الإسرائيلية.
وفق كل المؤشرات، فقد انسكب النفط الذي وصل إلى شواطئ إسرائيل في البحر نتيجة عطل، ويبدو أن المهرب الإيراني حاول نقله إلى سفينة سورية يمكنها الدخول بشكل شرعي إلى ميناء طرطوس أو اللاذقية، ومن الصعب الافتراض أن بقعة النفط كانت عملاً انتقاميًا إيرانيًا، لكن ربما كان الضرر الذي لحق بالسفينة التي ترفع علم جزر الباهاما وتخص رجل الأعمال الإسرائيلي رامي أونغر، جزءا من القصة.
وهكذا يمكن القول إن هناك الآن حربا نفطية في المنطقة من جميع الجهات، وقبل أيام قصفت بوارج حربية تابعة للنظام السوري وروسيا منشآت لتكرير النفط تديرها فصائل معارضة سورية تنشط برعاية تركية في شمال سوريا في محيط حلب.
الخلاصة أن قيمة أي سفينة إيرانية تستهدفها القوات الإسرائيلية تحمل مئات الآلاف من براميل النفط تبلغ عشرات ملايين الدولارات، ولذلك فإن تأخير مثل هذه السفينة لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر هو ضربة قاسية لحزب الله، خاصة في الفترة الحالية، حيث ينهار النظام المصرفي اللبناني، واقتصاد البلاد بشكل عام، فيما يحتاج الحزب اليوم لكل سنت يتلقاه من الإيرانيين عبر نظام الأسد.
——————————————-
10 سنوات ثورة.. أحلام كبيرة لم يسعها العالم/ عبدالناصر القادري
تعود الأيام الأولى للثورة السورية اليوم كطيف بدأ للتو، لا قبل عشر سنوات مضت، كانت سنوات غزيرة الدم، كثيفة المشاهد، صوفية وفلسفية، مفصلية وراهنة، عبثية البدايات ومجنونة، مليئة بالحقائق، وتحاول المتناقضات أن تدخل في ثنايا روحها؛ لكن يمنعها الإصرار، وتنافح عنها العزيمة، ويشدها الدافع الداخلي لتكون أقوى، وبذلك تجاوزت زمانها ومكانها.
أعود في المخيلة إلى تفاصيل 10 أعوام، فأجدها أكثر بكثير مما يمكن عده، وأوسع مما تحصره كلمات أو حتى كتب، فلكلٍ منا قصته مع الثورة وأيامها الطويلة، وهي من جعلتنا منذ لحظاتها الأولى عرايا أمام الحقيقة والخيار؛ خيار الحرية أو الموت!
كانت الثورة السورية لحظتنا الفارقة، ولدنا معها كالأطفال الذين أصبحت أعمارهم 10 سنوات اليوم، وإن اتسعت مداركنا، وبتنا ننظر للعمر بمقياس المظاهرات والمعارك، بمقياس الفرح الذي تتسلله أغنياتها وأهازيجها إلى نفوسنا، وبمقدار الألم الذي مس كل أبنائها.
بعد عقد مضى نلتفت للوراء، وننظر إلى صور من مضوا، فلا نجد إلا ذكراهم، نعدد محاسنهم، ثم نعود إلى حياتنا الأخرى التي ولدت على هامش الثورة، حيث صرنا نركض ليلاً ونهاراً لأجلها، غافلين عن حقيقة واحدة، أن قتل الثورات يبدأ في تركها بالمنتصف، ثم بدأ الابتعاد عنها رويداً رويداً لتصبح وكأنها هامشية في حياتنا الجديدة، رغم ضجيجها المستمر.
وبعد أن دمر النظام المجنون معظم البلد وأحدث شروخاً لا يمكن نسيانها، ووزع الشعب على المقابر الجماعية، والسجون والمخيمات والمنافي، يحاول جاهداً أن يعود إلى عتبة البداية وكأن شيئاً لم يكن، في ظل اقتصاد منهار، وأزمات نفسية أكلت أعمار الشعب، ولكن ما مدى إمكانية نجاحه في ذلك.
لماذا هُزمنا عسكرياً؟
هُزمت الثورة عسكرياً هذا صحيح، للكثير من العوامل التي لا يمكن إغفال بعضها دون الآخر، فقد انعدمت أي نية لتغيير النظام دولياً منذ الأيام الأولى، مع السماح لبشار الأسد باستخدام كل أنواع الأسلحة ضد الشعب بما فيها الكيماوي، واكتفاء المجتمع الدولي بالإدانات والشجب وفرض العقوبات.
وجود قوى كبرى مثل روسيا والصين وإقليمية كإيران والميليشيات الطائفية الداعمة للنظام في مقابل دعم عسكري محدود للثوار وفيتو أميركي ضد تقديم أي أسلحة نوعية، من أجل التمكن من تطويل أمد الصراع على حساب عدم الحسم لطرف دون آخر.
ظهور “داعش” والقاعدة والنصرة وقسد وقضم ما حرره الثوار والجيش الحر، وإعلان العالم الحرب على خطر الإرهاب، جعل النظام خلال الحرب الطويلة وإسناد جوي روسي تدميري يستعيد الأرض دون سيادة سياسية، فكان تقدماً عسكرياً أكثر منه نصراً سياسياً.
بدأت الثورة بالتآكل داخلياً منذ عدة سنوات مع عدم وجود قيادة موحدة مؤقتة وانتقالية متفق عليها
في المقابل، خسر الثوار السوريون الأرض التي امتدت على مساحة سوريا مبكراً، وبقيت الفصائل العسكرية المحسوبة على خط الثورة مع الأجسام السياسية السورية في الخارج تسيطر على أجزاء لا تحمل استراتيجية، فلا نحن في مناطق النفط، ولا في دمشق العاصمة، ولا في حلب الاقتصادية، وفي منطقة الجزيرة، ولا نطل على البحر، ما جعلنا محصورين في إدلب وأجزاء من ريف حلب حيث القرار والمتنفس بيد الجارة الشمالية تركيا.
نتحملُ المسؤولية في وصولنا إلى ما نحن عليه اليوم، فقد بدأت الثورة بالتآكل داخلياً منذ عدة سنوات مع عدم وجود قيادة موحدة مؤقتة وانتقالية متفق عليها، وتفكك في الأجسام العديدة، واختلاف الأجندات، وتصويب البندقية نحو بعضنا البعض باقتتال انتهى بتساقط المدن، وفساد عريض وسرقات، ونسيان الأولويات على حساب همّ الحكم والسيطرة.
وكان “بازار” المزاودات وسقف الشعارات مرتفعاً مع بدء عسكرة الثورة وسبباً يضاف إلى أسباب الهزيمة العسكرية، فلم يبقَ نوع من التكفير إلا سلكته بعض الفصائل تجاه فصائل الجيش الحر لسرقة أسلحتها ونهب مقراتها وقتل قياداتها، وها هي اليوم تخضع لشروط أكبر بكثير مما مضى، فآمنت بالديمقراطية والتعددية بعد أن كانت تتعبد بقتال وتكفير ونفي من يؤمن بها.
ومهما حاولنا أن نستدرك الحالة العسكرية اليوم فقد فاتت الفرصة، ولم يعد بالإمكان أكثر مما كان، فمن لم يترك الاقتتال والفرقة في أكثر الأوقات إلحاحاً لذلك، لن يفعل في ظل وضعنا الحالي.
هُزمنا لكن لم ننكسر
قبل عشرات سنوات ولدنا مع الثورة وأصبح لوجودنا معنى بها، اليوم تبدو كل السبل قد انقطعت أمامنا، متروكون ومشتتون نسير وكأننا الفراغ، ولا نعرف عن الغد سوى اسمه وتاريخه، بتسارع اللحظات تجري أيامنا.
جيلنا لا هو خانع منكسر ولا هو منتصر فائز، بدأنا كلمتنا بصوت مرتفع وأسكتوها بالرصاص الحي والصواريخ والبراميل المتفجرة، وأطبقوا علينا السماء كي نموت، إلا أننا نبتنا كم ينبت الزهر من عدم الأرض، لأننا على حق.
ورغم كل ما حصل، هزمنا لكن لم نخسر المعركة كلها بعد، والأنبياء من قبل هُزموا في حروبهم، لكن بقيت فكرة إيمانهم ثابتة، وعلينا أن تبقى أفكار الثورة السورية حاضرة في نفوسنا، فهي لم تكن للحظة واحدة خاطئة، إنما العار لمن تركها دون أن يكسب منها مسيراً في مظاهرة أو هروباً من اعتقال.
والمجد لمن اعتقل واستشهد وتهجر ونزح وبذل الغالي والنفيس لأجل أن تستمر هذه الثورة في وجه طاغية وطغاة، في شرق؛ أُريد له أن يحارب العالم حتى يتحرر من جديد.
ما الحل؟
الواقعية تقول إن الحل بيد دول العالم، ولو أرادت أميركا أن تنهي أزمة السوريين لفعلت، فهي ما زالت قادرة على إزاحة الأسد من السلطة أو قتله وتعيين مجلس يحكم باسمها ويخدم مصالحها، لكن يبدو أن الفوضى الخلاقة التي فرضتها أكثر استراتيجية ونفعاً لمصالحها.
ربما لن نحقق ما حلمنا به أول أيام الثورة، من بلد كامل يحكمه شعبه، ويتداولون السلطة، ويتنافسون عبر الصناديق لتأمين حياة مستقرة للسوريين، بات هذا وكأنه مستحيلاً اليوم أو السنوات القليلة القادمة على الأقل.
الثورة تحتاج من شبابها المخلص الذي آمن بها، أن يلتقوا عبر مؤتمر وطني جامع، يضم كل التيارات والأحزاب والأطراف والفصائل، ليجلسوا ويتحاوروا حتى يخرجوا بمقترحات أكثر جدية، لا ليخرجوا بكيان جديد إنما ليتفاهموا على مستقبل هذه البلد، دستور جديد وآليات انتقالية ومفاهيم حكم، لكن هل نتمكن من ذلك؟
كان بإمكان السلاح أن يحقق الكثير على طاولة المفاوضات، خصوصاً أيام كنا نملك ثلثي الأرض، إلا أنه ضخم لمصالح الحلفاء، فانحرفت البوصلة وخدمت كل صديق وعدو إلا السوريين، وبدل أن تحمي البندقية الثورة تسببت في جراح امتدت لعشر سنوات، فيما أحلم وأتمنى أن أكتب عن الجدل داخل البرلمان السوري والانتخابات وتجاوزات الحكومة الجديدة بعد 10 سنوات أخرى، فهل يكون الحلم صغيراً ويسع العالم؟
———————————
إعادة بناء الحياة السياسية في سورية المستقبلية
قسم الدراسات
الفهرس:
أولًا: منهج الدراسة وصفي- تحليلي واستشرافي
ثانيًا: هدف الدراسة
ثالثًا: ملخص تنفيذي
رابعًا: مقدمة
خامسًا: المحور الأول – عن الحياة السياسية في سورية ما بعد الاستقلال
1- في مرحلة ما قبل البعث
2- النهج السياسي لسلطة البعث وآثاره في حاضر سورية ومستقبلها
سادسًا: المحور الثاني – الثورة السورية ومحاولة طي صفحة حكم البعث
سابعًا: المحور الثالث – تحديات إعادة البناء السياسي وآفاقه
1- تحدي طبيعة الحل السياسي وتفاعل الدول الراعية له
2- تحدي الاستقرار وعودة الحياة المدنية
3- تحدي التغلب على الاستقطاب المجتمعي ومحاصرة الرغبة في الانتقام
4- النخب السورية وتحدي تحديث العقل السياسي السوري
5- تحدي بناء حياة ديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة
6- تحدي التغلب على الجريمة المنظمة والجريمة عمومًا
7- تحدي تأثير الدول الإقليمية في طبيعة النظام المقبل
ثامنًا: المحور الرابع – رؤية سياسية وإدارية لسورية المستقبل
1- الحياة السياسية المنتظرة في سورية المستقبل
2- خيارات شكل النظام السياسي
3- التنظيم الإداري للنظام السياسي الجديد
4- هيكلة السلطة في المرحلة الانتقالية ومهماتها
5- أدوار الدولة السورية في المستقبل
6- تنشيط الحياة العامة
7- كيف تكون الدولة محايدة
8- ضمان الحريات الفردية والعامة
9- سياسة خارجية فاعلة
تاسعًا: خاتمة
أولًا: منهج الدراسة وصفي- تحليلي واستشرافي
ثانيًا: هدف الدراسة
وضع تصور افتراضي بشأن كيفية إعادة بناء الحياة السياسية في سورية المستقبلية في ضوء التحديات القائمة في الواقع وآليات تذليلها.
ثالثًا: ملخص تنفيذي
– يمثل النشاط السياسي تكثيفًا لمجمل النشاط الإنساني من حيث المجالات التي يعمل عليها، وعليه تعد إعادة بناء الحياة السياسية في سورية المستقبلية ركيزة مهمة وضرورية، في سياق إعادة البناء الشامل بعد الدمار الذي ألحقته حرب النظام على الشعب السوري.
– ظهرت الأحزاب السياسية الحديثة في مطلع العقد الثاني من عهد الانتداب الفرنسي.
– إنّ المدة الزمنية القصيرة وضعف الاستقرار السياسي -لأسباب عدة منها الانقلابات العسكرية- لم تساعد النخبة الليبرالية من رجالات الاستقلال في ترسيخ التجربة الديمقراطية الوليدة.
– مع انقلاب آذار/ مارس 1963، استطاع عسكريو البعث، بعد حملة التصفيات المتتابعة لخصومهم وفي ما بينهم، أن يُحكموا قبضتهم على السلطة والمجتمع عبر أجهزة الضبط المتعددة، ومحاصرة النشاط السياسي بالقوانين الاستثنائية والملاحقات الأمنية والسجون؛ ما أدى إلى تصحر الحياة السياسية وانتشار ثقافة الخوف والعزوف السياسي. لكن عوامل الاحتقان الذي فجر الثورة السورية كانت تتراكم تحت رماد الاستبداد. وقد بيّنت التجربة المريرة مع نظام البعث أنّ الشعب لم يستكن لحكم البعث، ولم يمنحه الشرعية التي سعى إليها بالبطش والقهر، فكانت هناك على الدوام أحداث وأزمات وسجون وتصفيات.
– أدى تعقيد الصراع من حيث النتيجة -بحكم التدويل الذي دفع إليه النظام، إضافة إلى التدخل متعدد الأطراف- إلى خسارة النظام والمعارضة أدوارهما في تقرير مصير القضية السورية الذي باتت تتحكم فيه الدول المتدخلة.
– قدمت الثورة السورية -على الرغم مما شابها من انحرافات- تجربة رائعة وبنّاءة من خلال ما قام به ناشطوها من عمليات توثيق لجرائم النظام وبطولات ومعاناة الشعب السوري، ونقل هذه التجربة بالاستفادة من وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة إلى شعوب العالم، عبر الأعمال الفنية والكتابات وغيرها، لشرح قضيتهم بوصفها ثورة شعب في مواجهة نظام مستبد، لا حربًا أهلية أو حركة مذهبية، على الرغم من محاولات النظام وبعض القوى الجهادية المتطرفة وسمَها بهذا الطابع من دون أن يفلحوا.
– حوّلت السلطة السورية الدولةَ، منذ انقلاب البعث في 8 آذار/ مارس 1963، من فضاء عام لكل المواطنين، إلى فضاء خاص لأهل الولاء للسلطة الأمنية. ومن هنا، تعد أسئلة السياسة الرئيسة بخصوص الدولة والمواطنة والحريات العامة والفردية من أهمّ مشكلات سورية المستقبل.
– بعد التغيير، لا بدَّ من إعادة تنظيم الإدارة والحياة السياسية، بما يمكّن من توليد مجتمع مدني فاعل وأحزاب سياسية مؤثرة تنال قدرًا كافيًا من ثقة المجتمع، بهدف استعادة ثقة المواطن في الدولة، الأمر الذي يتطلب التوافق بين السوريين لإنشاء قواعد جديدة، وصولًا إلى عقد اجتماعي جديد.
– بما أنّ سورية تتميز بتعدد الهويات الثقافية لمكوناتها المجتمعية، وبما أنّ تجربة المركزية الشديدة التي مورست في المراحل السابقة غابت عنها العدالة في تنمية كافة المناطق، يبدو أنّ التنظيم الإداري الذي يمكن أن يحتضن هذا التعدد ويوظفه، بافتراضه غنًى للجمهورية السورية الثالثة، يتمثّل في اللامركزية الإدارية الموسعة على أساس جغرافي، لا على أسس قومية أو طائفية. وعن طريق هيكلة الإدارات المحلية وتزويدها بصلاحيات واسعة في مستوى المحافظات والمناطق والنواحي، تستطيع كافة شرائح المجتمع أن تضمن تمثيلها في مناطقها، بحيث تنتخب ممثليها وفق المصلحة العامة والكفاءة والفاعلية.
– يناط بالمرحلة الانتقالية، استنادًا إلى الإعلان الدستوري المتوافق عليه الذي يحدد مسارات عملية الانتقال السياسي، البدء بإعادة بناء الدولة لأداء الوظائف المنوطة بها بكفاءة، في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
– مما لا شك فيه أنّ الحل السياسي المنتظر سوف يواجه مجموعة من التحديات التي لن يكون من السهل تجاوزها، تتعلق بطبيعة الحل السياسي ومدى تفاعل الدول المتوافقة معه، أو معارضة الدول التي قد تتضرر مصالحها في محاولة عرقلته، وأيضًا تحديات داخلية على أكثر من صعيد.
رابعًا: مقدمة
بما أنّ النشاط السياسي يمثل تكثيفًا أعلى لمجمل النشاط الإنساني، من حيث المجالات التي يعمل عليها، وفي مقدمتها من نظام الحكم عندما يتاح ذلك، كما يجري في الدول الديمقراطية، فإنّ إعادة بناء الحياة السياسية في سورية المستقبل تعد ركيزة مهمة وضرورية في سياق عملية إعادة البناء الشامل، بعد الدمار الذي ألحقته بها حرب النظام وحلفائه على الشعب السوري الذي خرج طلبًا للحرية والكرامة، ومحاولته الخلاص من حالة الاستبداد التي كبلت حراكه وعوقت تطوره على مدى خمسة عقود. مرحلة طويلة ألقت بظلالها الكثيفة على مجمل حياة السوريين، ومن الطبيعي أنها ستحتاج إلى جهد كبير واستثنائي كي يتمكن هذا الشعب وقواه السياسية الناشطة من الولوج إلى حياة سياسية جديدة في دولة ديمقراطية، الأساس فيها المواطنة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، ونمو حركية التنظيم الاجتماعي وتنظيمات المجتمع المدني وتشجيع الإبداع والمبادرة الفردية، وكلما كان العمل على هذه الأهداف شاملًا وتراكميًا وملبيًا احتياجات الناس وتطلعاتهم بعد هذه المأساة الفظيعة، رُسخت الثقة في أن يتمكن السوريون من القبض على مستقبلهم، وأن تنفتح أمامهم الآفاق أسوة ببقية شعوب الأرض التي ناضلت طويلًا وتمكنت من بناء دول ديمقراطية، وتحصلت على عدالة معقولة.
سيطرت على الحياة السياسية في سورية بعد الاستقلال تدريجيًا وبصورة متنامية ثلاثة تيارات رئيسة: الإسلامية والقومية واليسارية، بثلاث أيديولوجيات شمولية متضاربة فيما بينها، وكل منها عابر للوطنية، وهذه ما زالت واحدة من المشكلات العصية التي شتت الحقل السياسي وشوشت الرؤى السياسية، عندما ذهبت بها بعيدًا من الواقع العياني. وإذا كانت الحركة الإسلامية بفكرها بنت البيئة التي تعمل فيها، فإنّ مشكلتها الأساس تتمثل في أنّ عقلها وهدفها يتجهان صوب الماضي وليس المستقبل، إذ إن فكر التيارين اليساري والقومي كانا من إنتاج بيئات مغايرة، وإذا كان صحيحًا أنّ التجربة الإنسانية ملك لعموم البشرية لا يمكن احتكارها، فإنّ التيارين أعلاه ظلا عمومًا، أو إلى زمن قريب، يقرأان الواقع بعين البيئات الأصلية لفكرهما، وعجزا عن الفكاك الفكري والوجداني منها وقراءته بعين الواقع الذي عملا فيه، وعجزا عن تبييئه، أو ربما لم يرغبا في ذلك.
حتى انقلاب البعث كان الحراك السياسي السوري حراكًا نشطًا، على الرغم من اشتغاله في بيئة غير مستقرة سياسيًا لأسباب عدة، ويدير خلافاته سلميًا ضمن الحالة الديمقراطية والبرلمانية التي ورثها من دولة الانتداب، ما خلا مرحلة الوحدة التي حظرت الحراك السياسي المنظم والحزبي، لكن تجربة البعث في السلطة التي ما زالت مستمرة، عملت ببطشها الأمني وقوانينها الاستثنائية ونشر ثقافة الخوف والتحاجز المجتمعي على تجفيف الحقل السياسي. ومع ذلك فقد قدمت الأحزاب السياسية السورية -المعارضة منها على وجه الخصوص، وعلى تنوعها- تجربة كفاحية عالية، وقدمت تضحيات أسطورية، لكن بحكم الواقع الاستبدادي الذي فرضه نظام البعث، كانت النتائج التي تحصلت عليها لا تتناسب مطلقًا مع التضحيات المقدمة. من غير المنطقي بالطبع تحميل نظام الاستبداد المسؤولية الكاملة عن ضحالة الحصاد السياسي، فهناك عيوب بنيوية في نظرية تلك الأحزاب وتنظيمها وممارستها، جعلت الخلاف بينها وبين النظام، بصفته حزبًا حاكمًا، يتكثف في البعد الأخلاقي إلى حد كبير، فالطرفان كلاهما يتوسلان المشروعية من القضايا ذاتها، ويتشابهان في الخطاب السياسي والأهداف المعلنة، ولديهما الهيكلية التنظيمية ذاتها المستمدة من بنية الحزب اللينيني بالنسبة إلى الأحزاب اليسارية والقومية القائمة على المركزية الديمقراطية والديمقراطية الشعبية، وانعدمت في داخلها الديمقراطية، وغابت المؤتمرات والانتخابات وتبديل القيادات، كما أنّ التيارات الثلاثة توصف أنها من أحزاب الجماهير التي تسعى إلى التوسع الأفقي والتحشيد بوصفه أداة للتغيير، لأنّ أغلب أحزابها أحزاب انقلابية هدفها السلطة في الدرجة الأولى.
كانت الثورة السورية التي انطلقت في سياق ثورات الربيع العربي والموجة الثالثة من محاولات تطبيق الديمقراطية في العالم، ثورة كاشفة، عرت خطاب النظام المتناقض مع كل أهدافه المعلنة، وأثبتت أن جل ما يهمه ويعمل عليه هو ضمان استمراره على حساب دم السوريين ومستقبلهم، وبالقدر ذاته بينت ضعف الأحزاب المعارضة وضآلة جسمها التنظيمي وتشتتها وعجزها عن العمل وفق مشتركات، كي تتمكن من وضع جهودها في خدمة الثورة؛ الأمر الذي اضطرها للسير خلف الثورة. صحيح أنّ الاستبداد استنزفها على مدى عقود، وصحيح أيضًا أنّ هذه الثورة كانت ثورة عفوية وغير نمطية لم يطلقها حزب أو تحالف سياسي، وبطبيعة الحال لم تدّع أي جهة هذا الشرف، إلا أنّ هذا كله لا يشكل مبررًا لتغطية العجز البنيوي الذي تعانيه، الذي ستكون له تداعيات على مستقبل هذه الأحزاب حين يتوقف الصراع، وسوف يفسح الطريق أمام ظهور أحزاب جديدة ببرامج وخطابات سياسية مختلفة، وبنى تنظيمية مختلفة تتلاءم مع حاجات العمل السياسي في مناخ ديمقراطي، إضافة إلى قدرتها على استقطاب الشباب والنساء ودفعهم إلى الانخراط في الشأن العام.
قد لا يكون من الإنصاف تحميل المعارضة السورية إخفاق تمثيلاتها السياسية التي تشكلت في الخارج كامل المسؤولية عن الفشل في إدارة الصراع السياسي مع النظام، ذلك أنّ الصراع تدوّل من بدايته بفعل النظام، وتدخلت الدول في عمل المعارضة وخططها بما يخدم أجندات تلك الدول، فضلًا عن طول زمن الصراع الذي تجاوز الزمن الذي استغرقته حربان عالميتان، وقبل كل هذا كم المشكلات والأمراض التي رافقت بعض من شاركوا في هذه التمثيلات مثل الشخصنة أو الحزبية والمناطقية أو حتى الانتهازية. حاول النظام منذ الأيام الأولى استيعاب القوى المعارضة على تنوعها بغية ضبط الشارع أو التشويش على حراكه، وعقد لهذه الغاية مؤتمرين للحوار، الأول في فندق (سميراميس) والثاني في نادي (صحارى) برئاسة فاروق الشرع، لكن النتائج كانت متواضعة، اللهم سوى أنه تمكن من تحييد أو لجم اندفاع بعض القوى التي رفعت شعار المعارضة من الداخل.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل
مركز حرمون
———————-
40 رسالة سورية ـ روسية توثق أصعب مراحل الأزمة/ رائد جبر
مع حلول الذكرى العاشرة للأزمة السورية، لا تزال تداعياتها مستمرة. حتى الروس حلفاء النظام، الذين عملوا طويلا على تعزيز قدراته، والدفاع عنه دوليا، وساهموا في إنقاذه، باتوا يطرحون كثيرا من الأسئلة التي تتعلق بأداء النظام وأركان الحكومة خلال السنوات الصعبة.
واحدة من قنوات الاتصال الثنائية النشطة التي هدفت إلى حشد تأييد لدمشق داخل الأوساط الروسية فتحها مكتب الرئيس بشار الأسد مع الدبلوماسي السابق رامي الشاعر الذي عرف منذ البداية بمواقفه المؤيدة لدمشق، وهو أحد المقربين من دوائر الخارجية الروسية. وعن تلك المرحلة، يقول الشاعر لـ«الشرق الأوسط» إنه مع احتدام الوضع في 2013 تلقى اتصالا من مسؤول في مكتب الرئاسة، عرف نفسه بأنه «مكلف من الرئيس الأسد للتواصل»، وشدد على أهمية فتح قنوات اتصال وتعاون بسبب تفاقم الظروف الصعبة، وأهمية حشد التأييد في الأوساط الروسية.
هذا الشخص الذي لم يكشف الشاعر عن اسمه كان صلة الوصل المباشرة بالأسد، وتبادل الطرفان عبر هذه القناة أكثر من أربعين رسالة، أوضح مضمونها كثيرا من التطورات الجارية على الأرض، كما أنه «زار موسكو نحو عشرين مرة لاحقا لمواصلة تبادل الرسائل والأفكار».
الجزء الأكبر من الرسائل التي اطلعت «الشرق الأوسط» على بعضها تمحور حول تطورات الوضع الميداني، وخطط دمشق لاسترداد المناطق، وجزء منها حمل «نداءات استغاثة مباشرة». ومن الجانب الروسي ركز جزء كبير من الرسائل على «نصائح» مرتبطة بطلبات لإبداء مرونة في تسهيل عمليات الحوار مع المعارضة في لقاءات جنيف وموسكو وسوتشي لاحقا، بهدف دعم الجهد الروسي في المسار السياسي. وهنا إحدى الرسائل القادمة من دمشق في 6 يوليو (تموز) 2013: «نضعكم في صورة الوضع الميداني، نحن نواصل سياسة الحصار والقضم والعزل. من خلال عزل شرق سوريا عن غربها بالكامل، وتم قطع الإمدادات والرواتب عن المناطق الشرقية لتحريك الحاضنة الشعبية ضد جبهة النصرة، ما يساعد على تأمين الأوتسترادات الدولية، في المحور الحيوي من حلب إلى درعا، ويقلص مساحة تحرك المسلحين ويضعف استخدامهم للصحراء. نعمل على عزل مدينة حلب عن ريفها تمهيدا لتحريرها مثل القصير (في ريف حمص في 2013) لذلك نعتمد على العمليات الخاصة لتسهيل اجتياح المدينة تحضيرا للعملية الواسعة الشاملة التي يسبقها قطع كل الإمدادات. في حمص تتواصل عملية قضم ما تبقى من المدينة خاصة بعد تجفيف إمدادها من القصير. وهي مسألة أيام. أما دمشق وهي أم المعارك فتقوم بعمليات واسعة ونوعية جدا في الغوطة الشرقية ونحضر ما يلزم من جمع المعلومات عن الوضع في الغوطة الغربية، والتي سيبدأ تحريرها من جوبر بعد النجاح النسبي في قطع الإمدادات بين الغوطتين. والنصر حليفنا (…) لكن يبقى الشغل الشاغل الانهيار الاقتصادي وقيمة الليرة التي إن لم تعالج سريعا فمن الممكن أن تسقط كل الإنجازات العسكرية».
يقول الشاعر إن أهمية الرسالة في ذلك التوقيت كانت أن النظام يعي جيدا أن «الوضع الاقتصادي يتدهور بسرعة ورغم ذلك لم يستجب لكل الجهود التي بذلها الأصدقاء للعب دور أساسي في السير بعملية الانتقال السياسي».
مع حلول نهاية العام، كان اتضح أن النظام لا يزال غير قادر على حسم المعارك، ووجه في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) رسالة الاستغاثة الأبرز التي جاء فيها أن «المسلحين باتوا على بعد 3 كيلومترات من مطار دمشق، ولا بد من تدخل عسكري روسي سريع».
وفقا للمصدر الروسي فقد كانت موسكو تعي خطورة المشكلات التي يواجهها النظام، ليس فقط بسبب تشديد عمليات المعارضة المسلحة، لكن بسبب أدائه وأخطائه، فضلا عن تركيبة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الطائفية، وهو أمر خطير بسبب المخاوف الجدية من عمليات تطهير وانتقام واسعين. يعد هذا أحد أسباب التريث الروسي وإصرار موسكو على توجيه رسائل تحث دمشق على الانخراط في إصلاحية واسعة.
وفي رسالة وجهت من موسكو عبر هذه القناة في تاريخ 5 ديسمبر (كانون الأول) 2014: «نرجو أن تتجاوبوا مع الجهود التي تبذلها روسيا بخصوص إنعاش الحوار السوري – السوري بينكم وبين جميع مكونات المعارضة، والمبادرة من قبلكم لتشكيل الوفد الذي يمثلكم في جلسات الحوار مع وفود المعارضة وهذا مهم جدا جدا، وأي مماطلة فسيكون لها تداعيات صعبة بل كارثية على مستقبل سوريا ونأمل أن تتخذوا خطوة عملية محددة بهذا الخصوص خلال أسبوع».
الرد الرسمي على هذه الرسالة جاء في الأسبوع الأخير من الشهر، عندما أعلنت دمشق استعدادها للمشاركة في لقاء يضم المعارضة تعمل موسكو على تنظيمه، لكن كما حدث مع «نصائح» روسية كثيرة أخرى، برز تعنت من جانب النظام الذي ترك لنفسه تحديد طبيعة وهدف لقاء موسكو، إذ قال مصدر رسمي في 27 ديسمبر (كانون الأول) إن «دمشق مستعدة للمشاركة في لقاء تمهيدي تشاوري» في موسكو.
ولفت الشاعر إلى تطورين مهمين شكلا أبرز مفاصل التدخل الروسي: الأول، قناعة موسكو بضرورة تدمير السلاح الكيماوي السوري في 2013 ليس فقط بسبب التهديد بعملية عسكرية غربية، بل بسبب ظهور مخاوف جدية من خروج هذا السلاح عن السيطرة واستخدامه على نطاق واسع على خلفية تأجيج الحالة الطائفية ومشاعر الانتقام، ما يعني أن وقوع بعض مكوناته في أيدي إرهابيين كان سيشكل كارثة. وكانت موسكو تخشى من خطر استيلاء المجموعات المسلحة على الجزء الاعظم من أسلحة الجيش السوري و«هذا كان سيشكل خطرا استراتيجيا ليس في سوريا وحدها بل وعلى الأردن ولبنان».
التطور الثاني، ترسخ القناعة الروسية في خريف 2015 أن ما يفصل دمشق عن السقوط هو «أيام أو أسابيع على أبعد تقدير». ورغم الخيبة الروسية بسبب «عدم تجاوب القيادة السورية مع غالبية النصائح الموجهة إليها في الفترة السابقة، فلم يكن من الممكن تجاهل مخاطر انهيار الدولة السورية في تلك اللحظة».
—————————————
ضمنهم مستشارته ووزير الخارجية.. بريطانيا تفرض عقوبات تستهدف مقربين من الأسد
لندن: أعلنت بريطانيا اليوم الاثنين فرض عقوبات على ستة حلفاء للرئيس السوري بشار الأسد بينهم وزير الخارجية ومستشارون مقربون.
واندلعت الحرب الأهلية في سوريا قبل عشر سنوات ففي منتصف مارس آذار 2011 تحولت احتجاجات سلمية تنادي بالديمقراطية إلى صراع متعدد الأطراف جذب إليه قوى عالمية وأسفر عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.
وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب “يبطش نظام الأسد بالشعب السوري منذ عقد لأنه تجرأ على المطالبة بالإصلاح السلمي”.
وأضاف “نحاسب ستة أفراد آخرين من النظام على هجومهم الشامل على المواطنين الذين يتعين عليهم حمايتهم”.
وتشمل قائمة العقوبات وزير الخارجية فيصل المقداد، ولونا الشبل مستشارة الأسد ورجلي الأعمال يسار إبراهيم ومحمد براء قاطرجي وقائد الحرس الجمهوري مالك عليا والرائد بالجيش زيد صلاح.
وأوضح راب أن العقوبات تشمل حظر السفر وتجميد الأصول.
Syrians have suffered horrific violence and conflict for 10 years.
The UK has provided vital aid to those in need from the start.
Today we have announced new sanctions against members of the Assad regime
We continue to push for an end to the conflict.https://t.co/vFeNkAF8G5 pic.twitter.com/vVLkOsbwFe
— Foreign, Commonwealth & Development Office (@FCDOGovUK) March 15, 2021
وكانت الشرطة البريطانية فتحت تحقيقا ضد أسماء الأسد زوجة رئيس السوري، بتهمة دعم الإرهاب، قد يجردها من جنسيتها، بحسب إعلام محلي.
وذكرت صحيفة “التايمز” البريطانية أن “شرطة العاصمة لندن فتحت تحقيقا أوليا بحق أسماء الأسد بتهمة تحريضها وتشجعيها على أعمال إرهابية خلال الحرب في سوريا”.
وأوضحت الصحيفة أنه من المحتمل أن تواجه الأسد، الحاملة للجنسية البريطانية، محاكمة وتفقد جنسيتها بعد أن فتحت الشرطة تحقيقا بحقها.
القدس العربي
————————-
صحيفة عبرية: كيف يشفى الأسد من “السلالة الإيرانية” المسيطرة على سوريا؟
هذا الأسبوع، وبعد مرور عشر سنوات على نشوب الربيع العربي في سوريا، أصيب بشار الأسد وعقيلته أسماء بكورونا مع أعراض نشطة. ويدعي الأطباء بأن احتمالات شفاء الزوجين الرئاسيين طيبة، وإن لم يتمكنا بعد من تلقي لقاء سبوتنيك الروسي الذي مولته إسرائيل لهم مقابل إعادة الشابة التي اجتازت الحدود. كما أن الإحصاءات الإقليمية تمنح الحاكم السوري معدلات بقاء عالية. فبعد كل شيء، يكاد الأسد يكون الوحيد من بين الزعماء العرب الذي خرج دون خدش من العاصفة التي أسقطت طغاة قدامى كمبارك، والقذافي، وبن علي التونسي، وعلي عبد الله صالح اليمني. ولكن هذا البقاء جبى ثمناً رهيباً من سكان سوريا. فقد قتل مئات الآلاف وشرد أكثر من عشرة ملايين من ديارهم. نصفهم على الأقل أصبحوا لاجئين خارج بلدهم. والأسد نفسه، الذي ذبح مواطنيه بلا رحمة، اضطر أن يعرض نفسه لـ السلالة الإيرانية، التي هي معدية وخطيرة أكثر بأضعاف من كورونا، كي ينجو في قصره. فقد بدأت الأحداث قبل عشر سنوات. بإلهام من التطورات في تونس ومصر، خرجت جماعات من المواطنين في آذار 2011 إلى شوارع المدن السورية، دون هوية محددة وزعامة موحدة، مطالبة بإسقاط النظام ومنح مزيد من الحرية والحقوق للفرد. وقمع النظام هذه المظاهرات بعنف شديد.
عناق طهران لسوريا
ولكن بعد سنتين – ثلاث سنوات، كانت سيطرت على حركة الاحتجاج منظمات ثوار سنية، معتدلة أكثر ومعتدلة أقل، وبدعم مصادر من الخارج، ممن شخصوا الفرصة لإسقاط الأسد ابن الطائفة العلوية من الحكم، وهي التي يبلغ عددها بالإجمال نحو 12 في المئة فقط من سكان سوريا، وبدأوا يشعلون النار في أرجاء الدولة. ومقابل إيران، التي لاحظت خطر سقوط حليفها في دمشق وانهيار الجسر البري الذي يربطها عبر العراق وسوريا لحزب الله في لبنان، أمرت آلاف مقاتلي حزب الله بالدخول لمساعدة الأسد.
تحولت المظاهرات المحلية إلى حرب أهلية مضرجة بالدماء. داعش – تنظيم الدولة الإسلامية، الأكثر تطرفاً وإجرامية من بين تنظيمات الثوار – نجح في السيطرة على أجزاء واسعة من أراضي سوريا. وحياله سارع لنجدة الجيش السوري نشطاء حزب الله والحرس الثوري الإيراني. وأصبحت سوريا ساحة قتال متعددة المشاركين، وانضمت إليها محافل محلية كالأكراد ومحافل خارجية كتركيا أردوغان، أو السعودية التي ضخت الأموال للثوار.
في 2015، حين لاحظ بوتين انعدام رغبة التدخل الغربي في ما يجري في سوريا ورداً فاتراً من أوباما على استخدام الأسد للسلاح الكيميائي ضد أبناء شعبه، انغرس وتداً في سوريا وبنى لنفسه هناك معقلاً استراتيجياً لسنوات طويلة. وقلب دخول سلاح الجو الروسي والقوات الخاصة الروسية إلى سوريا إلى جانب إيران و”حزب الله” والميليشيات المؤيدة لإيران الجرة رأساً على عقب. هزمت الدولة الإسلامية، وبدأ الإيرانيون يملأون الفراغ الذي نشأ في سوريا بالسيطرة على مجالات عمل مختلفة وبالحضور في الميدان. وللمفارقة، كان تجند التحالف الغربي لهزيمة الدولة الإسلامية قد ساعد النظام الإيراني في تعميق عناقه لسوريا.
منذ بداية الأحداث في سوريا قبل عشر سنوات، قررت إسرائيل عدم التدخل في الحرب الأهلية، إلا في الحالات التي ينشأ فيها تهديد على أمنها – مثل تموضع مجال معاد على الحدود في هضبة الجولان. وبهذه الروح نشأت علاقات دعم ومساعدة مختلفة للثوار المعتدلين الذين سيطروا على منطقة الحدود.
تداخل المصالح
رغم الهجمات الإسرائيلية في سوريا، تواصل إيران تعميق سيطرتها في سوريا ولا تبدي نية للانسحاب من هناك. وكان نشطاء “حزب الله” قد دخلوا كمستشارين في كل صفوف الجيش السوري. ويواصل السلاح التدفق من مخازن الجيش السوري إلى “حزب الله” مقابل إرساليات نفط توفرها إيران لسوريا والتي تعمل إسرائيل، وفقاً للمنشورات، على منعها في المسار البحري أيضاً.
إن طرد الوجود الإيراني في سوريا، وقطع العلاقة بين طهران ودمشق، يبدو في هذه اللحظة كمهمة صعبة للغاية، ربما متعذرة، ولا سيما عند الحديث عن الوسائل العسكرية فقط. ولكن ينبغي أن نتذكر بأن الروس غير متحمسين، على أقل تقدير، من التواجد الإيراني، وكذا النظام السوري، الذي يدين ببقائه لطهران، غير سعيد من تحوله إلى رهينة لدى خامينئي. باتت سوريا، التي لم تنتعش بعد من الحرب الأهلية، بحاجة ماسة إلى إعادة البناء بالمليارات، ووحده استعداد الغرب لمساعدتها مقابل إبعاد الإيرانيين، إلى جانب استمرار العقوبات الدولية المفروضة على إيران، كفيل بأن يشفي الأسد من السلالة الأخطر التي أصيب بها.
بقلم: عوديد غرانوت
إسرائيل اليوم 14/3/2021
القدس العربي
————————
حاخام إسرائيلي يربك علاقة النظام السوري بروسيا
لطالما كان النظام السوري قادراً، بلا حرج، على الرد على المنشور في الصحف، عن لقاءات جمعت شخصيات منه بشخصيات اسرائيلية. استخدم لغته الاعلامية المكررة في الرد على “الصحف المعادية” و”وسائل الاعلام “المأجورة” قبل شهرين، من دون أن تترتب على ذلك أي تبعات.
لكن التطور الذي حدث قبل يومين، أن وسيلة اعلام حليفة هي “روسيا اليوم”، لطالما حاذر الاشتباك معها، تتحدث عن معلومات مشابهة. لم يجد بديلاً للرد عليها، حتى لو كان ذلك سيؤدي الى اشتباك اعلامي معها. فالحسابات الداخلية أقوى من رسائل الحلفاء الخارجية، ما دفع “روسيا اليوم” لاستيعاب الهجوم.
Video Player
وقال الحاخام إيدي عبادي، إن توقيع الدول العربية ومن بينها سوريا، اتفاقيات التطبيع و”السلام” مع إسرائيل هي “مسألة وقت” لا أكثر. وتحدث في تصريح لبرنامج “قصارى القول” على قناة “روسيا اليوم”، إن محادثات سرية وشخصية تجري منذ سنوات بين”الحكومة السورية”وحكومة إسرائيل بخصوص عقد اتفاقية سلام بين الطرفين.
هذا التصريح اثار ارتباكاً في مركز القرار السوري، كما أربك العلاقة الاعلامية بين النظام وقناة “روسيا اليوم”. لم يكن أمام النظام الا الرد. فمن غير نفي، سيثبت الواقعة. وتنتهي إثرها سردياته عن الجبهة المقاومة ضد التطبيع. سيخسر خطابه الذي أبقى العائلة في الحكم لخمسين عاماً. وسيخسر الشعب، ذلك الذي يقف الى جانبه، كما يقول النظام، بسبب ممانعته التطبيع مع اسرائيل.
وطوقت موسكو الاشتباك الاعلامي بتهدئته. عملت فوراً على نشر الرد الذي أوردته وكالة “سانا” الرسمية السورية للأنباء مساء السبت. نشرت القناة الرد من دون تعليق عليه. لكنها أبقت مقابلة الحاخام إيدي عبادي على موقعها.
والحاخام، هو رئيس “رابطة المجتمعات اليهودية الخليجية”، قال إن رئيس النظام بشار الأسد، دعاه لزيارة سوريا برفقة جالية يهودية “منذ نحو 11 سنة، بهدف زيارة حلب ودمشق وأماكن وجود اليهود هناك ومقابرهم وكنائسهم، إلا أن الحرب اندلعت قبل نحو شهر من توجهنا إلى سوريا” على حد قوله.
وفي المقابل، نقلت وكالة “سانا” عن مصدر إعلامي سوري أن “موقف سوريا كان على الدوام واضحا وشفافا في التعاطي مع هذه القضية، وأن سوريا لم تنتهج يوما نهج المفاوضات السرية مع الكيان الصهيوني انطلاقا من قناعتها بأن أي مفاوضات يجب أن تصب بمصلحة سوريا وشعبها”.
وأشار المصدر إلى أن “ما تم الحديث عنه في برنامج “قصارى القول” على قناة “روسيا اليوم” مؤخرا حول دعوة الحاخام إيدي عبادي إلى سوريا، والكلام عن مباحثات سرية وشخصية تجري بين الطرفين لعقد اتفاقية للسلام، هو كلام عارٍ تماما عن الصحة”.
وأضاف المصدر أن “كل ما قامت به سوريا سابقاً كان علنياً، ولن يكون حاضراً ومستقبلاً إلا علنياً أيضا وبالتالي فإن أي حديث عن مفاوضات أو مباحثات سرية بين سوريا والكيان الصهيوني ماهو إلا فبركات إعلامية وسياسية لا أكثر.
وأكد المصدر أنه “لم يحصل أبدا أن دعت سوريا أي شخصية إسرائيلية إلى أراضيها بل كانت دائما طلبات الزيارة إلى سوريا تأتي من طرف شخصيات إسرائيلية”.
وكانت الخارجية السورية ردت في يناير / كانون الثاني الماضي على المعلومات عن لقاءات في حميميم. وقالت الخارجية في بيان إن دمشق تنفي “بشكل قاطع الأنباء الكاذبة التي تروج لها بعض وسائل الإعلام المأجورة حول حصول لقاءات سورية إسرائيلية في أي مكان”.
وأضاف مصدر رسمي في الخارجية أن نشر مثل هذه الأنباء “هو محاولة فاشلة من ممولي هذه الصحف للتشكيك بمواقف سورية المبدئية والثابتة إزاء الاحتلال الإسرائيلي”.
———————–
================
تحديث 16 أذار 2021
————————–
متى تخرج “أسماء الأسد” من المشهد السوري؟/ إياد الجعفري
أحد العوامل التي تفيد بشكل جيد في فهم الميكانيزمات الحاكمة لعمل نظام الأسد المُؤسَّس منذ أكثر من نصف قرن، هو في تحديد مصدر القوة الحاسم في فرض موازين القوى بين أركانه. ولتحديد مصدر القوة هذا، دعنا نعود إلى لحظة مفصلية في تاريخ هذا النظام، في خريف العام 1983، حينما ألمت بـ حافظ الأسد وعكة صحية شديدة. ودعنا نتساءل: ماذا لو أن “القدر” غيّر مساره في تلك اللحظة، وقضى الأسد الأب في تلك الوعكة، من كان سيتولى قيادة هذا النظام حينذاك؟ أعتقد أن كثيراً من المطلعين على تفاصيل ذلك المنعطف، عبر الوثائق والشهادات المتوافرة لدينا، سيتفقون مع كاتب هذه السطور، بأن قيادة نظام الأسد، حينئذ، كانت ستؤول، دون وجود منافسة جدّية، إلى رفعت الأسد، الشقيق القويّ لـ حافظ الأسد. ولو حدث ذلك حينذاك، كان أولاد حافظ الأسد، الثلاثة (باسل وبشار وماهر) سيخرجون من الدائرة الضيقة لقيادة النظام، ومعهم أمهم “العتيدة” أنيسة مخلوف. وما كنا شاهدنا أي نفوذ لاحق، كالذي شاهدناه منذ نهاية عقد التسعينات، لـ آل مخلوف. باختصار، كان رفعت الأسد وسلالته من بعده، سيحتلون المشهد القيادي في قمة هرم النظام.
يفيدنا هذا النقاش في التذكير مجدداً بمصدر القوة الرئيس داخل نظام الأسد، الذي أسسه الأسد الأب، بدعم من شقيقه، وبعض الضباط المقربين. وهو النفوذ داخل جهازَي الجيش والمخابرات. وهذا النفوذ يتطلب جملة صفات مجتمعة تجعل من شخص محدد، الأقدر على قيادة هذا النظام دون أن ينفرط عقده، أبرزها الانتماء للحاضنة الشعبية التي تشكل النواة الصلبة لجهازَي الجيش والمخابرات، والخبرة الجيدة بتركيبة هذين الجهازين تحديداً، وكذلك الانتساب لـ آل الأسد، بصورة خاصة. وهو ما يفسر الانتقال السلس للسلطة لاحقاً، عام 2000، بعد رحيل الأسد الأب، رغم الشكوك التي اعترت كثيراً من المراقبين المحليين والخارجيين، في ذلك التاريخ، من احتمال انفراط عقد النظام الحاكم.
أسماء الأسد “ضعيفة” داخل هرمية النظام
تفيدنا القراءة أعلاه، في رسم سيناريوهات مرجحة لمستقبل الخلافة في قمة هرم النظام، في حين لو خرج الأخير، سالماً من اللحظة المفصلية الراهنة التي يعيشها اليوم. وإن كنا نعتقد أن هذا النظام يعيش تحدياً وجودياً جديداً، لا يقل خطورة عن ذاك الذي واجهه بعيد اندلاع ثورة عام 2011، إلا أننا نعتقد في الوقت نفسه، أن الجزم في إمكانية تغيير تركيبته، بسلاسة، من جانب القوى الخارجية المؤثرة داخل المشهد السوري، ليس بالأمر الهين، كما يصوّره البعض. بل على العكس، يعتقد كاتب هذه السطور، أن الضغط لإزاحة “آل الأسد” تماماً من تركيبة النظام، قد تهدد بانهيار النظام برمته، وهو ما لا تريده جُلّ القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المشهد السوري، رغم اختلاف وتناقض مصالحها، خشية انفلات حالة فوضى لا يمكن ضبطها.
مناسبة هذا الحديث، هو ذلك التقرير المطوّل، واللافت للغاية، الذي خصّته مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية العريقة، لرصد مسار تطور نفوذ أسماء الأسد، داخل قمة هرم النظام، منذ اقترانها بـ بشار، وحتى اليوم. كان التقرير متقناً لجهة طريقة عرض مسار التطور هذا. وكان متقناً أيضاً، لجهة الخاتمة التي انتهى إليها، وهي الإشارة إلى أنه رغم تراكم النفوذ والسلطة الذي تحقق لصالح أسماء الأسد، والذي ظهر مفاجئاً للبعض، بوصفه ظهر إلى السطح خلال السنتين الأخيرتين فقط، إلا أنها ما تزال أكثر ضعفاً من أن تلعب دوراً حاسماً في خلافة زوجها، على رأس هرم النظام. خصوصاً، مع وجود منافس يحمل المواصفات المطلوبة بدقة، لاحتلال دفة القيادة على رأس هرم النظام، في وقت لو شَغِر بشكل مفاجئ. وهو ماهر الأسد، الشقيق الأصغر لـ بشار، والرجل الذي نجح في تحقيق معادلة فشل عمّه، رفعت، في إنجازها، وهي امتلاك نفوذ صارخ داخل أقوى فرقة نخبوية في الجيش –الفرقة الرابعة- مع عدم إبداء أي طموح سياسي مكشوف، يشكل استفزازاً لشقيقه الأكبر، بصورة تسمح باندلاع صراع سابق لأوانه، داخل قمة هرم النظام، بصورة قد تهدد بانفراط عقده، نظراً للتهديدات الوجودية التي تواجهه منذ العام 2011.
الخشية من أن يؤدي صراع كهذا إلى انفراط عقد النظام، هي التي دفعت رفعت الأسد في مطلع العام 1984، إلى الانكفاء لصالح شقيقه الأكبر. فرفعت، رغم ما عُرف عنه من تهور وطموح عارم، إلا أنه لم يكن من السذاجة إلى درجة تصوّر له بأن العائلة الكبيرة “آل الأسد” ستخرج سالمة من صراع مباشر بين الشقيقين على الحكم. فذلك كان يعني تهديد إحدى أبرز ميكانيزمات ضبط العمل داخل هذا النظام، والتي تشكل العائلة – آل الأسد- وحدته الجوهرية. فالنظام السوري، وفق توصيف قديم لخبيرة العلوم السياسية، المصرية القديرة، نيفين مسعد، يتشكل من هرمية، تتربع على رأسها، العائلة، تتلوها العائلات المتصاهرة معها –القبيلة-، ومن ثم “الطائفة”. وفي كتابها الذي تعود الطبعة الأولى منه إلى تاريخ عام 1988، والذي حمل عنوان “الأقليات والاستقرار السياسي في الوطن العربي”، تشير نيفين مسعد إلى تلك الهرمية بوصفها سرّ استقرار نظام الأسد. بمعنى آخر، فإن خروج هذه العائلة من قمّة الهرم، يهدد استقرار النظام، بشكل كبير.
الضجيح حول “أسماء الأسد” أنسى مراقبين ميكانيزمات عمل النظام
وبالعودة إلى ماهر الأسد، فالأخير تعلّم من تجربة عمّه، أن يمتلك نفوذاً كبيراً داخل الجيش، في الوقت نفسه، الذي يعمل فيه بهدوء لتعزيز عوامل قوته بصورة تسمح له بالانقضاض على كرسي الحكم، في التوقيت المناسب فقط. وهو ما يقوم به ماهر الآن، عبر ما يُعرف بـ “اقتصاد الفرقة الرابعة”، الذي تحدث عنه باقتدار، الباحث السوري، أيمن الدسوقي، في دراسته الصادرة قبل حوالي العام، “شبكة اقتصاد الفرقة الرابعة خلال الصراع السوري” عبر برنامج “مسارات الشرق الأوسط”. وهي دراسة عرّت بعض الخفايا بخصوص كيف يصوغ ماهر الأسد نفوذه داخل مؤسسات الدولة والاقتصاد السوري. وإن كانت الدراسة حينئذ، رهنت تطور هذا النفوذ بالعلاقة مع الروس، والعلاقة مع “القصر الجمهوري”، في إشارة إلى بشار الأسد، إلا أنها في الوقت نفسه، كشفت عن أن الشقيق الأصغر لرأس النظام، لا يدير فقط أقوى فرقة نخبوية في الجيش، بل أيضاً، يتوغل داخل الجهاز البيروقراطي لمؤسسات الدولة، وداخل مفاصل الاقتصاد السوري، بهدوء شديد، بعيداً عن الضجيج الذي يحيط بتصاعد نفوذ أسماء الأسد. هذا الضجيج الذي جعلها محط أنظار الداخل والخارج، بصورة منحتها أكثر من وزنها، وأغرت مراقبين بالذهاب بعيداً في تحليلاتهم، وصولاً إلى التساؤل عن مصدر قوة ظاهرة “أسماء الأسد”. ذلك أن هذا الضجيج المحيط بـ “سيدة الجحيم” أنسى كثيراً من المراقبين الميكانيزمات الحاكمة لموازين القوى داخل بنية نظام الأسد. وهي ذات الميكانيزمات الحاكمة له منذ تأسيسه على يدِ الأب. حيث تكون الخلفية العسكرية والانتماء للحاضنة الشعبية الموالية التي تشكل النواة الصلبة داخل الجهازين العسكري والأمني، هي جوهر القوة القادرة على فرض شخص محدد ليكون على رأس هرم النظام. أما مصدر قوة “أسماء الأسد”، فهو ذاته مصدر قوة “حماتها” الراحلة، أنيسة مخلوف، قبل انتقال السلطة إلى ابنها عام 2000. كان حينذاك، حافظ الأسد هو مصدر القوة. وهو اليوم، بشار الأسد، الذي يعمل بتسارع على تعزيز نفوذ زوجته، خشية أن يخرج من المشهد، بطريقة ما، تقطع الطريق على توريث الحكم لأولاده. وبشار هنا، لا يُبدع شيئاً جديداً في تاريخ النظام الذي أسسه والده، بل يستنسخ استراتيجية الأب، التي مهدت لتوريثه الحكم، كما استنسخ استراتيجيته أيضاً، في قمع الحراك المعارض، دون أن يمتلك حنكة الأب في التكتيكات المرافقة لتلك الاستراتيجيات.
فرغم حجم ما تمتلكه “أسماء الأسد” اليوم من النفوذ الظاهر للعيان، في الاقتصاد والجهاز البيروقراطي للدولة، إلا أن جبل الجليد المخفي من نفوذ ماهر الأسد، يفوقها بمرات. وهو ما أشار إليه، تقرير “ذي إيكونوميست”، في خاتمته. وهي إشارة يجب أن نتذكرها دوماً، حينما نحاول قراءة موازين القوى داخل نظام الأسد، كي لا نخطئ في فهم كيف يعمل هذا النظام.
مستقبل خلافة رأس هرم النظام قد تتوقف على “القدر”
فلو كُتب لنظام الأسد أن ينجو من التهديد الوجودي الذي يواجهه اليوم، والمتمثل في إصرار قوى دولية وإقليمية فاعلة على إجراء تغييرات في ميكانيزمات عمله، تسمح بتغيير موازين القوى داخله، كشرط لإعادة تأهيله.. لو خرج نظام الأسد من هذا التهديد، سالماً، فهذا يعني أن السيناريو المرجح لخلافة رأس النظام، سيتوقف على “القدر”. هل سيُمهل بشار الأسد الهامش الكافي من الوقت لترتيب توريث الحكم لابنه، كما أمهل والده؟ إذ لو خرج بشار الأسد من المشهد، قبل الوصول إلى مرحلة التوريث، حينئذ قد تكون “أسماء الأسد” أمام احتمال خسارة كل شيء، مع أولادها، لصالح “ماهر الأسد”. أو في سيناريو آخر، أكثر تفاؤلاً، أن تبقى “أسماء الأسد” رأس جبل الجليد الظاهر، عساها تحظى بقبول خارجي ومحلي أفضل، في وقت تبقى القوة الصلبة في قبضة “ماهر الأسد” تحديداً.
فشل روسي داخل جيش النظام
لكن، هل يستطيع الضغط الإقليمي والدولي – الأميركي تحديداً- أن يُخضع بشار الأسد للقبول بتغيير ميكانيزمات العمل داخل النظام؟ الإجابة تبدو سلبية حتى الآن، رغم كل المحاولات الروسية المبذولة منذ سنتين، وحتى اليوم، لمأسسة الجيش السوري، بحيث يصبح جهازاً يعمل وفق تراتبية القيادة الرسمية. وهو ما قاومه بشار الأسد بنجاح، حتى الآن، بمساعدة شقيقه الأصغر، بحيث تبقى الشبكات غير الرسمية التي تخترق الجيش من أعلى إلى أسفل، والتي تعمل لصالح الشقيقين، هي التي تمسك بالجيش، كي لا ينقلب الأخير إلى أداة ضغط ضد بشار وماهر. تلك الحيثية أشار إليها بشكل لافت، الباحث يزيد صايغ، في تقرير نُشر في آذار/مارس 2020، تحت عنوان “الاعتبارات السياسية السورية تغلب على الإصلاحات العسكرية الروسية”، ونشره موقع مركز “مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط” في بيروت.
الفشل الروسي في تحقيق الوصول إلى العتبة الكافية من الاختراق، التي تتيح لموسكو التحكم بالجيش السوري، هي التي تفسر عجز الروس عن إزاحة رأس النظام عن موقعه، والوصول إلى تسوية مع الغرب، تتيح إعادة إعمار البلاد، وتحويل الاستثمار العسكري الذي دفعه الروس في سوريا، إلى مرابح اقتصادية وسياسية مُستدامة لصالحهم.
هدوء “ماهر الأسد” سيزول حالما يزول التهديد الوجودي للنظام
ومن غير المتوقع، أن تتوقف محاولات الروس لتحقيق القدر المطلوب من الاختراق داخل الجيش. لكن في الوقت نفسه، فإن للإيرانيين دورا بارزا في دعم “بشار وماهر”، لإفشال المسعى الروسي، الذي يهدد مصالح الطرفين معاً، “الإيراني والأسدي”. لذلك إن استمرت حالة الفشل الروسي تلك، بصورة تضطر القوى الفاعلة إقليمياً ودولياً فيها إلى القبول بإعادة تأهيل النظام، بحالته الراهنة، فإن ذلك يعني حينذاك، زوال التهديد الوجودي لقمة هرم النظام، بصورة ستتيح المجال لتعزيز المنافسة على ترتيبات خلافة بشار.
فالأخير، سيعمل بشكل مكثف أكثر لترتيب توريث الحكم لابنه، باستخدام الاستراتيجية التي اعتمدها والده، وهي تعزيز نفوذ زوجته –أسماء الأسد- كي تكون قادرة على دعم الابن، حال توليه السلطة، حينما يغيب “بشار”. في الوقت نفسه، سيزول الهدوء الذي يعمل بموجبه، ماهر الأسد، اليوم، لتحل مكانه استراتيجية “حميمية”، لتعزيز قدرته على أن يحل مكان شقيقه، حالما يغيب الأخير. أو حتى ربما، الانقلاب عليه، قبل أن يتمكن من إنجاز ترتيبات توريث الحكم لابنه. وكما أشرنا، آنفاً، حينئذ ستخرج “أسماء الأسد”، وأولادها، تماماً من المعادلة. أو ستبقى –في سيناريو أقل احتمالية- كواجهة لـ “ماهر الأسد”، وتحت رحمة هذا الأخير.
“رفعت آخر” ما يزال داخل الصورة
“سيدة الياسمين” التي حولتها حرب زوجها على السوريين، إلى “سيدة جحيم”، ليست ظاهرة فريدة لامرأة قوية، قادرة على الإمساك بزمام إحدى بلدان العالم الثالث، كما يتصورها البعض. هي استنساخ لتجربة “أنيسة مخلوف”، برعاية زوجها، وفق نفس الآليات التي اتبعها الأب. مع فارق واحد فقط، أن “رفعت آخر”، ما يزال داخل الصورة، بخلاف ما حدث نهاية التسعينيات، حينما كان حافظ الأسد يسارع الخطى لترتيب توريث الحكم لابنه بشار.
تلفزيون سوريا
———————————
بيان أميركي أوروبي مشترك: انتخابات سورية لن تكون نزيهة وندعم الحل السلمي
أكد وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، الإثنين، أن الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام الحالي في سورية لن تكون حرّة ونزيهة، ولن تلبي تطلعات المجتمع الدولي.
وقال الوزراء، في بيان مشترك، بمناسبة مرور 10 أعوام على الثورة في سورية، إن الشعب خرج قبل 10 أعوام إلى الشوارع من أجل مطالب مشروعة، قابلها نظام بشار الأسد بعنف، مشددين على أن نظام الأسد وداعميه مسؤولون عن الآلام التي وقعت في الحرب المستمرة منذ 10 أعوام.
وأعرب البيان عن شكره لكل من وثق الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي في سورية، مؤكداً حاجة قرابة 13 مليون شخص في سورية إلى المساعدات الإنسانية. وأضاف: “هناك ملايين السوريين الذين تستضيفهم تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر أو من اللاجئين فيها، لا يستطيعون العودة إلى منازلهم خشية العنف والاعتقال التعسفي والتعذيب”.
وأكد البيان ضرورة عودة نظام الأسد وداعميه إلى مفاوضات الحلّ السياسي في أقرب وقت. وقال: “الانتخابات الرئاسية السورية المقترحة هذا العام لن تكون حرة ولا نزيهة، ولن تؤدي إلى أي خطوة نحو تطبيع النظام السوري دولياً، وتتطلب أي عملية سياسية مشاركة جميع السوريين، بمن فيهم الذين في الخارج واللاجئون”.
وشدد البيان على أن الدول الأربع لن تترك السوريين لوحدهم، وتدعم الحلّ السلمي تحت مظلة الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أنه من غير المقبول بقاء نظام الأسد من دون محاسبة.
وأكدت الدول الأربع في البيان أنها ستواصل الضغط من أجل محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية، داعية إلى وقف إطلاق نار شامل في البلاد، لافتة إلى دعمها لكافة جهود مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية غير بيدرسن، بما فيها المتعلقة بالمساعدات الإنسانية.
من جهتها، أعربت دولة قطر عن اعتقادها أن الوقت قد حان لإيجاد طرق ومسارات جديدة نحو حلّ وانتقال سياسي حقيقي وشامل في سورية على أساس بيان “جنيف 1” وقرار مجلس الأمن “2254”، مؤكدة في الوقت ذاته ضرورة أن يتحد المجتمع الدولي لدعم الشعب السوري في مواجهة جائحة كورونا.
وقالت مساعدة وزير الخارجية والمتحدثة الرسمية باسم الوزارة لولوة الخاطر، خلال حدث افتراضي رفيع المستوى أقيم الإثنين تحت عنوان “سورية ـ المحاسبة بعد 10 أعوام” على هامش الجلسة 46 لمجلس حقوق الإنسان، أنه مضى ما يقرب من عقد منذ اندلاع الأزمة السورية، ولا تزال الأزمة الإنسانية ومعاناة الشعب السوري مستمرة، معربة عن الأسف لفشل جهود المجتمع الدولي في التوصل إلى إيجاد حلول ودية.
وذكرت الخاطر أنه بعد عقد من الاضطرابات، أدركت جميع الأطراف واتفقت على أن الحل في سورية ليس عسكرياً، بل حل سياسي. وأشارت في هذا الخصوص إلى أن الحرص على تحقيق استقرار سورية ووحدتها واستقلالها، وجعله فوق المصالح السياسية الضيقة يجب أن يكون الركيزة الأساسية لأي حل مستقبلي بين مختلف الأطراف. وأضافت: “علاوة على ذلك، يجب أيضاً بذل جهود متسقة لمكافحة الإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره. ولكن الأهم من ذلك، يجب أن نضمن أن المسار نحو حل حقيقي يشمل العدالة الانتقالية والالتزام بحماية حقوق الإنسان وحقوق المدنيين”.
وقالت مساعد وزير الخارجية، إن جهود الأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الخاص لسورية في دعم المسار السياسي للتوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية موضع تقدير كبير، وعلينا كمجتمع دولي أن ندعم هذه الجهود وأن نعمل على دعم جهود اللجنة الدستورية وتنفيذ جميع عناصر قرار مجلس الأمن 2254.
(الأناضول، قنا)
————————-
روسيا ترد على الادانات الدولية:الاسد رئيس شرعي
قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف الثلاثاء، أن الكرملين يعتبر بشار الأسد رئيسا شرعياً لسوريا.
وقال بيسكوف في تصريحات صحافية: “اعتقادنا أن الأسد رئيس شرعي للدولة السورية ونعمل جاهدين لتحفيز العمل على وضع الدستور (السوري) ودفع التسوية السورية في مسارها السياسي بشكل عام”.
وكان مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نبينزيا قد قال إن الشعب السوري بحاجة ماسة لمساعدة دولية جماعية.
وأضاف في جلسة لمجلس الأمن حول سوريا، أن “قوات أجنبية استغلت الاضطرابات التي وقعت آذار/مارس 2011 في سوريا لتأجيج الأوضاع في البلاد. كان هدف (هذه القوات) إطاحة السلطات السورية الشرعية وإعادة تكوين نموذج البلاد على هواها”.
وشدد على أن “مجموعات مسلحة غير شرعية، بعضها دولية، استفادت من ذلك للتوسع”، مجدداً مطالبة بلاده بخروج كل القوات الأجنبية غير المرحّب بها من قبل دمشق، من سوريا.
وتأتي جرعة الدعم من التصريحات الروسية للنظام السوري في وقت انهالت البيانات المستنكرة في ذكرى الثورة السورية. وأكد وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، الاثنين، أن الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام الحالي في سوريا لن تكون حرّة ونزيهة، ولن تلبي تطلعات المجتمع الدولي.
وقال الوزراء في بيان مشترك بمناسبة مرور 10 أعوام على الثورة في سوريا، إن الشعب خرج قبل 10 أعوام إلى الشوارع من أجل مطالب مشروعة، قابلها نظام بشار الأسد بعنف، مشددين على أن نظام الأسد وداعميه مسؤولون عن الآلام التي وقعت في الحرب.
وأعرب البيان عن شكره لكل من وثق الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي في سوريا، مؤكداً حاجة قرابة 13 مليون شخص في سوريا إلى المساعدات الإنسانية. وأضاف “هناك ملايين السوريين الذين تستضيفهم تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر أو من اللاجئين فيها، لا يستطيعون العودة إلى منازلهم خشية العنف والاعتقال التعسفي والتعذيب”.
وتعهد الوزراء “مواصلة الدعوة بقوة إلى وقف إطلاق النار، ووصول المساعدات دون عوائق عبر كل الطرق المتاحة إلى المحتاجين، وبينها عبر تجديد قرار مجلس الأمن رقم 2533 وآلية مجلس الأمن عبور الحدود، وكذلك المطالبة بإطلاق المعتقلين تعسفياً، وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة جميع السوريين، وبينهم سوريو الشتات”.
وفي بيان منفصل، أكدت وزارة الخارجية الأميركية التزام واشنطن دعم الشعب السوري الذي “لا يزال يعاني احدى أكبر حالات الطوارئ الإنسانية وأكثرها تعقيداً في عصرنا، وهو اليوم أكثر عرضة للخطر من أي وقت، إذ يحتاج حوالى 13.4 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، ويعاني 12.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، فيما نزح 5.6 ملايين إلى بلدان مجاورة”.
وتابع البيان الأميركي: “ما زلنا نشعر بقلق بالغ من التدهور السريع لأزمة الأمن الغذائي في سوريا، والتي تفاقمت بسبب جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، ما يجعل المساعدة التي تقدمها الأمم المتحدة عبر الحدود أكثر أهمية للمدنيين في محاولتهم البقاء على قيد الحياة”.
وذكر البيان ان “الولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات الإنسانية استجابة لهذه الأزمة بقيمة أكثر من 12.2 مليار دولار، والتي تصل الى ملايين الأشخاص شهرياً في المحافظات السورية الأربعة عشر”.
——————————-
الأمم المتحدة: ساعدنا 12 سلطة قضائية على إعداد دعاوى جرائم الحرب في سورية
كشفت كاثرين مارشي-أوهل، رئيسة الآلية التي أسستها الأمم المتحدة لضمان تحقيق العدالة في ما يتعلق بجرائم الحرب في سورية، الاثنين، أنّ تلك الآلية قدمت معلومات وأدلة إلى 12 سلطة قضائية وطنية.
ويأتي ذلك بالتزامن مع مرور عشر سنوات على الثورة السورية.
وقالت مارشي-أوهل إنّ ما قدمته الآلية يتضمن لقطات مصورة وصوراً فوتوغرافية وعبر الأقمار الصناعية و”وثائق مسربة” وروايات شهود وعينات أدلة جنائية، وإنه يمثل “أفضل موقف جرى توثيقه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.
وترأس مارشي-أوهل آلية دولية محايدة مستقلة تحقق في الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سورية.
وأضافت، وهي قاضية فرنسية سابقة، أمام منتدى استضافته بريطانيا: “لا يجعل ذلك من طريق تحقيق العدالة سهلاً، لكن يجعله ممكناً”. وذكرت أنّ فريقها الصغير في جنيف يؤسس لمقر لتخزين الكميات الكبيرة من الأدلة والمعلومات وعززها بما يتسق مع معايير القانون الجنائي الدولي.
وتابعت قائلة: “نتعاون مع 12 سلطة قضائية مختلفة، وندعم التحقيقات والملاحقة القضائية معها. تلقينا مائة طلب للمساعدة في ما يتعلق بإجراء 84 تحقيقاً وملاحقة قضائية”، مشيرة إلى أن الآلية تبادلت المعلومات والأدلة مع 39 تحقيقاً من أصل مئة.
وأوضحت مارشي-أوهل، فيما بعد، لـ”رويترز”، أنّ من الاثنتي عشرة سلطة قضائية “قسماً كبيراً في أوروبا”.
وأصدرت محكمة ألمانية في مدينة كوبلنتس، الشهر الماضي، حكماً بسجن عضو سابق في الأجهزة الأمنية الموالية لرئيس النظام السوري بشار الأسد لمدة أربع سنوات ونصف سنة بتهمة تسهيل تعذيب مدنيين، وذلك في أول إدانة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في الحرب الأهلية السورية.
وقال باولو بينيرو، رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سورية، وهي لجنة منفصلة مؤلفة من محققين في جرائم الحرب تابعين للمنظمة الدولية وتحتفظ بقائمة سرية للمشتبه فيهم، للمنتدى، الاثنين: “حتى الآن جمعت لجنة التحقيق معلومات مبدئية عن 3200 فرد من الجناة المشتبه فيهم”.
وأضاف: “هذا يشمل أفراداً من كل أطراف الصراع، بما يضم الحكومة والقوات الموالية للحكومة والجماعات المسلحة المناهضة للحكومة ومنظمات تدرجها الأمم المتحدة في قائمة الإرهاب، ومنها هيئة تحرير الشام وداعش”.
(رويترز)
—————————
ّ”بوليتيكن” الدنماركية: 10 سنوات على حمام الدم السوري وأوهام الجلاد بشار الأسد/ ناصر السهلي
خصصت “بوليتيكن” الدنماركية مساحة واسعة، في عددها الصادر اليوم الأحد، لتغطية موسعة لذكرى الثورة السورية، وخصصت غلافها للملف الذي تناولته على عدد من صفحاتها.
وتحت عنوان: “الجلاد يقطر دما”، كان كاريكاتير الرسام رولد ألس يختصر الكثير، ففيه يظهر فيه رأس النظام في دمشق، بشار الأسد، ببذلة رسمية وكفيه ممدودان أمامه بدم يقطر حتى قدميه، وعلى كتفه اليمنى ينتصب نسر الجيف برأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
باشرت الصحيفة في رسم تسلسل للأحداث (كرونولوجيا الثورة السورية)، قائلة إنه “في مثل هذه الأيام (مارس/ آذار) من 2011 كانت استجابة الديكتاتورية لمطالب شعبية بالحرية بمواجهة وحشية وشراسة، نتيجتها خراب أجزاء كبيرة من البلاد، واقتصاد في حالة فوضى، وتهجير 12 مليوناً، وقتل 500 ألف، وسجن أو إخفاء النظام لنحو 150 ألفاً”.
وأوضحت أن كل ذلك “حدث بسبب أطفال رسموا على جدران درعا السورية مقولة (حان دورك الآن يا دكتور)، وهي رسالة واضحة، واستفزت رئيس أمن المدينة عاطف نجيب، ابن عمة الديكتاتور. وقبل ذلك أجبرت الحشود الغاضبة في تونس الديكتاتور زين العابدين بن علي على الهرب إلى المنفى، وطردت حشود القاهرة ديكتاتور مصر حسني مبارك من السلطة. والأطفال الذين كتبوا (يسقط النظام) عُذبوا وكسرت أصابعهم واقتلعت أظافرهم”.
وزادت “بوليتيكن” أن أهالي الأطفال “ذهبوا إلى نجيب مطالبين بإطلاقهم، وكان رده فجّاً بقوله: انسوا أطفالكم. إذا كنتم تريدون غيرهم أنجبوا، وإذا لم تعرفوا أجلبوا نساءكم، فنحن ننجبهم لكم”.
واستعرضت كيف جابه التظاهرات التي اندلعت في حوران، وأن الأسد أرسل جيشه “ليقوم بوحشية ودموية بقمع محتجين مدنيين”، وأشارت إلى أنه “لم تكن هذه المواجهة الأولى بين الديكتاتورية ومدنيي المجتمع السوري، فقد بدأت مبكراً وقبل غرافيتي أطفال درعا، فمنذ انقلاب الأب حافظ الأسد في عام 1970، وبعد وراثة ابنه بشار للسلطة، واجه النظام المدنيين دوماً بالتعذيب والرقابة ومنع الحريات السياسية”.
خداع شاركت فيه صحافة الغرب
وعددت الصحيفة في تغطيتها ما أسمته مسيرة “السلالة الأسدية الحاكمة، فهي استمرت بعد أن قُتل ابن الديكتاتور حافظ الأسد، باسل، في حادث سيارة عام 1994، استعيد طبيب العيون بشار من بريطانيا، وبعد وفاة الأب كان لا يزال في الـ34 عاماً، فاجتمع البرلمان ليعدّل الدستور عام 2000، بما يتوافق مع سنّه”.
وأوضحت في السياق كيف أن “الوريث بشار ظل في مقابلات صحافية غربية يحاول الظهور بمظهر عصري خداع، وأنه اختار طب العيون لأنه ليس فيه دماء كثيرة، فيما هو في الواقع غارق في دماء السوريين”.
وعن أساليب الخداع، عددت “بوليتيكن” كيف أسهمت صحف ومجلات أوروبية وأميركية في تلميع صور الحكم في سورية، بما فيه إطلاق لقب “زهرة الصحراء” على زوجته أسماء (الأسد)، وأن “”الغارديان” أسهمت في وصف الديكتاتور عام 2008 بأنه (متواضع وحكيم وحساس ويتحدث بجاذبية). وعلى غير تعاطي صحف الغرب مع الطغاة الآخرين حول العالم، بقيت الصحافة الغربية تضفي صورة إيجابية على الرجل، حتى عام 2013″ (لقاء مع “دير شبيغل”).
واستحضرت “بوليتيكن” بعضاً من خدع الحكم، “ففي عام 2000 أوحى أنه عصري، فكان يشجع الكومبيوتر، أغلق سجن المزة المرعب، وترك ما سمي (ربيع دمشق) ومنتديات الحوار يمضيان حتى انقض عليهما وعلى كل ما أشيع عن أنه سيجلب الديمقراطية، وتحول الربيع إلى خريف في 2001 عندما شدد قبضته الأمنية، وزجّ في السجون الصحافيين وأصحاب الرأي النقديين، وأغلق كل المنتديات، ورغم ذلك حافظ على تقديم نفسه للغرب، على خلاف الطغاة، بعبارات إيجابية، حتى صارت دمشق محجاً للدبلوماسيين، بمن فيهم وزير خارجيتنا الأسبق، بيير ستي مولر، والأميركي جون كيري، والعين على سلام مع إسرائيل”.
وفي السياق ذاته، استرجعت الصحيفة “الدور الذي لعبته زوجته أسماء الأسد في خلق أوهام عن القائد العصري والحداثي، حتى ذهبت “نيويورك تايمز” في 2005 إلى إطلاق اسم (الأميرة ديانا السورية) على أسماء، بعد افتتاح أوبرا جديدة في دمشق”.
أمير حرب متعطش للدماء
تحت عنوان فرعي “أمير حرب متعطش للدماء”، خاضت “بوليتيكن” في تفاصيل القمع الذي جوبه به الشعب السوري منذ 2011. واعتبرت أن “بشار الذي قدم نفسه بصورة الخجول، وطبيب العيون الذي لا يحب الدماء، سرعان ما انكشفت حقيقته الدموية، وأزال الشكوك حول أنه لن يستطيع إلا أن يكون مثل أبيه الذي دمر مدينة حماة، وقتل نحو 20 ألف إنسان في 1982، ليثبت خطأ من راهن على تحول سورية نحو الديمقراطية، وثبت أنه ورث ظل أبيه وسمعته الديكتاتورية حول العالم، رغم جهود تلميعه”.
وأشارت الصحيفة إلى كل أساليب القمع، مع تقديم وصف دقيق، مرفق بغرافيك وصور، من إطلاق النار على الاحتجاجات السلمية، إلى حشو البراميل المتفجرة وضرب المدن عشوائياً، “حيث أثبت الأسد استعداده لاستخدام كل الوسائل، كلها حرفياً، من التعذيب إلى التجويع والتهجير تحت البراميل المتفجرة، والقصف بالأسلحة الكيماوية، حفاظاً على السلطة”.
واعتبرت الصحيفة أن “المفارقة بقاء الديكتاتور، كبقية الطغاة، يردد أن شعبه يحبه كثيراً، وأنه هو بنفسه يحب شعبه وبلده، كما قال لـ”دير شبيغل” (الألمانية في 2013)، لكنه أظهر حبه لشعبه بتلك القسوة والدموية التي حوّل فيها البلد إلى مذبحة فوضوية في مواجهة انتفاضة سلمية”.
إطلالة من القصر على بلد دمره برعاية خارجية
وبالنسبة إلى النتيجة، بحسب الصحيفة في نسختيها الورقية والإلكترونية، رأت أن “ذلك القمع لم يكن كافياً، فجيشه لم يكن قوياً كفاية، فراح يعتمد على تحالفات مع إيران وروسيا، بعد أن استدعى قوات قمع من مرتزقة خارجيين، و”حزب الله” اللبناني، وبعد أن فقد السيطرة على البلاد استعاد حوالى الثلثين بفضل روسيا وإيران”.
ورغم ذلك، رأت “بوليتيكن” أن القمع أدى إلى حرب أهلية، “حيث سُحقت سورية السابقة، وانهار اقتصادها، ولا يستطيع 60 في المائة من السكان تحمّل تكاليف الطعام، وانهارت العملة، وأصبح لبنان المجاور، الذي كان عادة نوعاً من العازل الاقتصادي، على وشك الإفلاس، وخزائن الدولة فارغة، ويعمل الموظفون كسائقي سيارات أجرة، وتبيع النساء شعرهن. فالنقص في كل شيء، وهذا كله لأنه وزوجته، كما ذكر في “دير شبيغل” في 2013، متسائلاً بتهكم: “من هم السوريون الذين يريدون إبعادي عن الحكم؟ لا يزالان يعيشان في أرض الأحلام الغريبة”.
ومضت في الختام توضح أن “سورية القديمة خسرت، بفضل القمع ومواجهة الثورة الشعبية وتمسكه بالكرسي، كل مكانتها الإقليمية، وتحولت من لاعب كان يحتل لبنان ويملك نفوذاً إقليمياً، إلى ساحة يلعب فيها الغير، وارتهن الأسد لمن حمى سلطته، ويعيش رغم ذلك أوهاماً في قصره الفاره الذي يطل من الجبل، وقد عمل على تحويل بلده إلى أنقاض”.
وأضافت: “قبل إعلان أنه أصيب وزوجته بكورونا، التقى صحافييه الموالين في عزلته الحقيقية عن العالم وبلاده ليقول لهم: “أوقفوا برامج الطبخ حتى لا يشعر الجمهور بالإحباط”. وراح يتحدث عن وعود بعدم تقنين المثلية الجنسية في سورية”.
وواصلت الصحيفة تستعرض نتائج حالة الانفصام بالقول إن “الرجل يعيش وهمه مع زوجته، حيث وجدت أسماء الأسد الحل أخيراً: التعليم عبر الإنترنت.. بيد أن الحقيقة أن غالبية السكان لا يملكون ثمن الطعام، ولا تياراً كهربائياً في البلاد، رغم أن الكهرباء لا تنقطع عن القصر، ويتوافر الطعام الفاخر لهم، فأهم شيء بقاء سلالة الأسد في السلطة، وهو بقاء محكوم بحماية خارجية، ويخيم على رأسه خطر الملاحقة الدولية”.
وأشارت الصحيفة في الاتجاه ذاته إلى محاكمات جلادي الأسد في الخارج، ودراسة فتح تحقيق في محاكم باريس بحق الأسد لارتكابه هجمات بالسلاح الكيماوي، واعتبرت أن “المكان الوحيد الذي يشعر فيه الأسد بأمان هو في سورية مع أقرب الحلفاء، ولا يعرف إلى متى سيظل الروس والإيرانيون ممسكين بيده، وما إذا كان، مثل العديد من الطغاة، ينهي أيامه الأخيرة غارقاً بمزيد من الدماء أو في زنزانة أحد السجون”.
———————-
الائتلاف السوري يختتم اجتماعاته.. وعقوبات بريطانية على نظام الأسد/ محمد الأحمد
اختتمت الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاتها، اليوم الإثنين، بدورتها العادية رقم 55، والتي انطلقت أمس الأحد في مقر الائتلاف الوطني في مدينة أعزاز شمال مدينة حلب.
وناقش أعضاء الهيئة، خلال الاجتماعات، مستجدات الأوضاع الميدانية والسياسية، بالتزامن مع الذكرى السنوية العاشرة لانطلاق الثورة السورية.
وقدم رئيس هيئة التفاوض أنس العبدة، عرضاً عن تطورات العملية السياسية التي تستند للقرار الأممي 2254، والذي يتضمن ثلاثة أجزاء؛ إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المختفين قسرياً، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب بحق المدنيين، والمسار التفاوضي.
وأكد العبدة أن الجزأين الأول والثاني هما من الأمور فوق تفاوضية، وفق ما نقلت الدائرة الإعلامية للائتلاف الوطني السوري، مشيراً إلى أن “العملية السياسية تمر بمرحلة حرجة بسبب تعنت النظام ورفضه الانخراط فيها لتطبيق كامل القرار 2254″، مشدداً على أن إنقاذ القرار 2254 هو أولوية لدى هيئة التفاوض السورية في المرحلة الحالية.
وحول مستجدات العملية الدستورية، أوضح الرئيس المشترك للجنة الدستورية السورية عن المعارضة، هادي البحرة، أن أهم ما تحقق في الجولة الخامسة من اللجنة الدستورية، هو أن المعارضة بقيت ملتزمة باستحقاقاتها.
ولفت البحرة إلى أن “المبعوث الأممي غير بيدرسون حمل نظام الأسد مسؤولية تعطيل الوصول إلى حل سياسي”، مضيفاً أن المبعوث الأممي طالب النظام بوضع منهجية للعمل في الجولة السادسة.
وكان وفد النظام قدم مقترحاً رفضه وفد هيئة التفاوض السورية، الذي قدم بدوره مقترحاً آخر للجولة السادسة من اللجنة الدستورية، مؤكداً على أنهم يعملون من أجل وضع جدول زمني لعمل اللجنة الدستورية.
وتحدث رئيس الائتلاف الوطني نصر الحريري عن الأعمال والأنشطة واللقاءات التي أجراها خلال الفترة الماضية، مؤكداً على أهمية الاستمرار في العمل الدؤوب لمواجهة التحديات القادمة، وإكمال مسيرة الشعب السوري ونضاله من أجل تحقيق الحرية والكرامة والديمقراطية.
كما قدم نواب الرئيس تقارير عن أعمالهم أمام الهيئة العامة، تحدثوا فيها عن عمل الدوائر والمكاتب واللجان، واستعرضوا أهم القرارات التي تم اتخاذها خلال الفترة الماضية.
واستعرض الأمين العام للائتلاف الوطني عبد الباسط عبد اللطيف، عمل الأمانة العامة، والأعمال والأنشطة التي قامت بها لدعم عمل الدوائر والمكاتب واللجان والمؤسسات التنفيذية في المناطق المحررة.
وعرض رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى والوزراء، تقريراً عن أعمال الحكومة، وركزوا خلال اجتماعاتهم على “عمل الحكومة في ضمان عودة الأمن والاستقرار إلى المناطق المحررة، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وتقديم نموذج إداري متميز”، كما شهدت الدورة الـ 55 أيضاً، قيام الهيئة السياسية والدوائر والمكاتب واللجان، بعرض تقارير أعمالها وأنشطتهم.
وبحثت الهيئة العامة التحضيرات المكثفة لإقامة احتفالية الذكرى العاشرة للثورة في ريف حلب، بما فيها إقامة نصب تذكاري يخلد شهداء الثورة السورية.
كما أشارت الهيئة العامة إلى المشاركة في الاحتفالية التي ستقام في مدينة عفرين بتاريخ 21 مارس/ آذار بمناسبة عيد النيروز (رأس السنة الكردية)، وبمشاركة عدد من الأحزاب السياسية والقوى الثورية والفعاليات المجتمعية والمدنية تعبيراً عن التلاحم بين أبناء الشعب الواحد، الذي مارس عليه نظام الأسد الكثير من الاضطهاد والحرمان من حقوقه الثقافية، والذي عانت منه أيضاً جميع شرائح الشعب السوري، بحسب بيان الائتلاف.
وناقش أعضاء الهيئة العامة الأوضاع الميدانية وتغيير مرجعية تمثيل الحراك العسكري في الائتلاف الوطني، وقبول الترشيحات الجديدة من الجيش الوطني السوري المعارض، وبحث الحضور تطورات العملية السياسية، وعقدوا اجتماعاً افتراضياً مع سفراء الدول الصديقة والشقيقة للشعب السوري، وناقشوا معهم معظم الملفات الهامة المتعلقة بالملف السوري.
من جهة أخرى، رحب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في بيانٍ له مساء اليوم الإثنين، بالعقوبات البريطانية الجديدة التي فرضتها اليوم والتي طاولت ست شخصيات في نظام بشار الأسد، معبراً في بيانه عن ثقته بالتزام المملكة المتحدة البريطانية بمساعدة الشعب السوري على المستوى الدبلوماسي والسياسي والإنساني.
وطالب البيان بالمزيد من الخطوات البريطانية الفعالة بالتعاون مع أميركا والاتحاد الأوروبي، كما يرى الائتلاف أن المملكة المتحدة مؤهلة للعب دور محوري تجاه فرض الحل السياسي على النظام، وضمان انتقال السلطة لهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، حسب قرارات مجلس الأمن الدولي وعلى رأسها القراران 2118 و2254.
وأشار الائتلاف إلى أن “حزمة العقوبات البريطانية اختارت شخصيات محددة مقربة من رأس النظام، وسيكون لها أثر مباشر على هؤلاء الأشخاص”، متمنياً “قيام باقي الأطراف الدولية بفرض عقوبات اقتصادية شديدة وعلى أعلى المستويات ضد المصالح الروسية والإيرانية، والشخصيات المتورطة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي طاولت الشعب السوري”.
وأوضح البيان أن “سجل النظام الإرهابي يحفل بقائمة طويلة من الجرائم والأعمال الإرهابية، وله سوابق في تهديد بريطانيا التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام لأول مرة عام 1986 على خلفية رعايته للإرهاب”.
وأكد الائتلاف الوطني أنه “يتابع ملف العقوبات المفروضة على النظام عبر دائرة متخصصة، ويتطلع إلى تعزيز تعاونه مع الحكومة البريطانية بما يضمن فعالية العقوبات، وملاحقة محاولات الالتفاف عليها من خلال واجهات أو شركات وهمية هنا وهناك”، مشدداً على تركيز العقوبات ضد النظام وأركانه، وألا تمس المدنيين من أبناء الشعب السوري بأي شكل من الأشكال.
ولفت الائتلاف إلى أن “الخطوات المطلوبة من المجتمع الدولي تستند إلى أسس قانونية وشرعية صادرة عن مجلس الأمن وعلى رأسها القرار 2254 بما يضمن انتقال سورية إلى نظام ديمقراطي مدني يضمن الحريات والحقوق لجميع أبناء سورية في ظل حقوق مواطنة مضمونة”، وشدد على ضرورة ربط العقوبات الدولية بشكل مباشر بخطوات جادة من قبل النظام وحلفائه باتجاه الحل السياسي بما في ذلك أي خطوات عملية نحو إطلاق سراح المعتقلين.
واعتبر الائتلاف أن النظام هو العقبة الرئيسية في طريق الحل، مشيراً إلى أن النظام قادر من خلال خطوات محددة على تحريك العملية السياسية وفتح الباب أمام تحسين الأوضاع وتخفيف الضغوط على الشعب السوري.
وكانت بريطانيا قد أعلنت الاثنين، في الذكرى العاشرة للثورة عن فرض عقوبات جديدة، طاولت ستة حلفاء لرئيس النظام السوري بشار الأسد، وهم: وزير الخارجية فيصل المقداد، ومستشارة الرئيس الإعلامية لونا الشبل، ورجلا الأعمال يسار إبراهيم ومحمد براء القاطرجي، وقائد الحرس الجمهوري مالك عليا، والضابط برتبة رائد في قوات النظام زيد صالح.
وأوضح وزير الخارجية دومينيك راب أن المملكة المتحدة ستفرض حظر سفر وتجميد أصول على ستةٍ من أركان النظام، بمن فيهم وزير الخارجية، لضمان عدم استفادتهم من المملكة المتحدة بأي شكل من الأشكال.
وتعتبر العقوبات الجديدة الأولى ضد القيادة السورية بموجب نظام العقوبات المستقل في المملكة المتحدة، والذي بُدئ العمل به بعد نهاية الفترة الانتقالية لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ويأتي بعد 353 من العقوبات المستهدفة بشأن سورية، وهي عقوبات مطبقة أصلاً.
وأضاف وزير الخارجية البريطاني “لقد عرّض نظام الأسد الشعب السوري لعقد من الوحشية لتجرؤهم بالمطالبة بالإصلاح السلمي، واليوم، نحاسب ستةً آخرين من أفراد النظام على اعتداءاتهم واسعة النطاق على عامّة المواطنين الذين كان من واجبهم توفير الحماية لهم”.
ويأتي الإعلان عن العقوبات البريطانية في الذكرى العاشرة للانتفاضة السورية، حيث يواصل نظام الأسد معاملة السوريين بوحشية وعنف، بما في ذلك الاستخدام المروع للأسلحة الكيماوية.
وقد عرقل النظام وداعموه التقدم في العملية السياسية، بينما تفاقمت انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات القمع وحالات الفساد التي أشعلت الاحتجاجات في عام 2011، والوضع الإنساني مستمر في التدهور.
——————–
النظام السوري يهادن هولندا..لعرقلة مسار المحكمة الدولية/ مصطفى محمد
أثبتت التجارب طوال عقد من الثورة، أن تجاوب النظام مع الاستحقاقات الدولية لم يكن الغرض منه إلا اللعب على عامل الوقت. ويميل طيف واسع من أوساط المعارضة السورية، إلى وضع موافقة النظام على التفاوض مع هولندا بشأن محاسبته على انتهاكات حقوق الإنسان، في الإطار ذاته.
وكانت مصادر حكومية هولندية أكدت أن النظام السوري أبدى استعداده للدخول في حوار حول قرارها الأخير محاسبة سوريا على الانتهاكات لحقوق الإنسان، موضحة أنه بعد موافقة النظام السوري على الدخول في محادثات حول المساءلة، سيتم تحديد تفاصيل كيف وأين ومتى ستُعقد هذه المحادثات، حيث ترغب الحكومة الهولندية أن تتولى كندا هذه المهمة.
يأتي ذلك على خلفية إبلاغ الحكومة الهولندية في أيلول/سبتمبر2020، النظام السوري عبر مذكرة دبلوماسية، بنيتها معاقبته على ارتكابه مخالفات جماعية جسيمة لحقوق الإنسان ضد السوريين.
وبخصوص موقف النظام، يرى مدير “تجمع المحاميين السوريين الأحرار في تركيا” غزوان قرنفل أن النظام يتطلع إلى تخفيف الضغوط الدولية عليه المتعلقة بالمحاسبة على الانتهاكات والجرائم. ويوضح ل”المدن”، أنه من المُنتظر أن يدخل النظام في مفاوضات مع هولندا، وفي حال لم يتوصل إلى نتيجة، يتم تحويل القضية إلى محكمة العدل الدولية.
وأقلقت مواقف النظام طيفاً من المعارضة أبدت خشيتها من أن يشكّل دخول النظام في مفاوضات مع طرف أوروبي بوابة لفتح القنوات الدبلوماسية مع الأسد، لكن قرنفل يؤكد أن المفاوضات هي قضائية فقط، ولا علاقة لها بالمسارات السياسية والدبلوماسية، مشيراً إلى الموقف الأوروبي الموحد الرافض لتطبيع العلاقات مع النظام قبل الانخراط الجاد في العملية السياسية.
حتى إجراء الانتخابات الرئاسية
واللافت أن موقف النظام الأخير أتى بعد هجوم سابق شنه النظام على الحكومة الهولندية في أيلول/سبتمبر، عقب كشفها عن نيتها تقديم مذكرة قضائية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، واتهامات لها باستخدام المحكمة الواقعة ضمن أراضيها، لخدمة أجنداتها السياسية، واستعمالها منصة للقفز فوق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
وفي تفسيره لأسباب تغيّر موقف النظام، يرى الكاتب أيمن عبد النور أن موافقة النظام على الدخول بالمفاوضات مع هولندا، هي أفضل الخيارات بالنسبة له، لأن عدم الموافقة يعني لجوء هولندا بشكل مباشر إلى محكمة العدل، ومجلس الأمن، واستصدار عقوبات جديدة ضده.
ويضيف ل”المدن”، أن عملية التفاوض تستغرق عاماً كاملاً على أقل تقدير، وهذا يعني تأجيل هذا الاستحقاق وكسب الوقت، كما هو حال استحقاق الدستور، حيث يماطل وفد النظام في “اللجنة الدستورية” ويعرقل أي تقدم حقيقي، كسباً للوقت.
وثمة حساب مهم يتطلع النظام إلى تحقيقه، يشرحه عبد النور قائلاً: “المهم الآن لدى النظام إجراء الانتخابات الرئاسية التي يستعد لها، إذ لا يريد النظام أن تقوم محكمة العدل الدولية بمحاكمته قبل الانتخابات، وبعدها لن يهتم الأسد للمحاكمة ولا للقرارات التي ستصدر عنها، لأنه صار رئيساً لولاية دستورية جديدة”.
ويؤكد عبد النور امتلاك هولندا القرائن والأدلة الملموسة الكافية لإدانة النظام السوري في محكمة العدل الدولية قائلاً: “يدرك النظام ذلك تماماً، ولذلك قرر الموافقة على الدخول في مفاوضات لكسب الوقت، علماً أن قرار الإدانة قادم بكل تأكيد”.
في السياق، أشاد عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، والمسؤول عن ملفات حقوق الإنسان والمعتقلين ياسر الفرحان بالتحرك الهولندي الكندي، واضعاً إياه في خانة الحضور الأوروبي الداعم سياسياً للمعارضة السورية. وقال ل”المدن”: “تشكل الملاحقات القانونية التي تقوم بها دول غربية صديقة للشعب السوري نقطة فارقة في تاريخ الثورة السورية”.
وقبل أيام، استقبل الائتلاف السوري بمقره في إسطنبول المبعوث الكندي غريغوري غالغان لمناقشة إجراءات الحكومة الهولندية والكندية لمساءلة النظام السوري بخصوص انتهاك حكومة النظام لاتفاقية مناهضة التعذيب، وإخلاله بالالتزامات الدولية بموجب هذه الاتفاقية.
————————
لم نفهم سوريا على الوجه الصحيح/ روبرت فورد
روبرت فورد
عندما كنت سفيراً للولايات المتحدة لدى سوريا، منذ عشر سنوات، غالباً ما كنت أتوجه بعد العمل سيراً على الأقدام، إلى متجر محلي يبيع اللحم بالعجين، كي أشتري منه وجبة العشاء، وأحملها معي إلى مقر إقامتي. وفي سيري، كنت أمر بمقاهٍ ومحال تجارية كان الناس يتابعون فيها، عبر شاشات التلفزيون، الأحداث الجارية في مصر، وفيما بعد الأحداث في ليبيا واليمن.
وعلمنا مساء 17 فبراير (شباط) بالمظاهرة السلمية التي خرجت، ذلك اليوم، في سوق الحريقة في قلب دمشق، على بعد ثلاثة كيلومترات من مقر سفارتنا. وأرشدني أحد السوريين إلى كيفية العثور على معلومات عن هذه المظاهرة على شبكات التواصل الاجتماعي. كذلك، علمنا بالأحداث التي وقعت في درعا من أصدقاء سوريين، أخبرونا عن كيفية الوصول إلى المعلومات عبر «فيسبوك»، وتابعنا الشبكات الإخبارية خلال تلك الأيام الأولى مثل باقي السوريين.
وعندما أستعيد اليوم ما جرى، أجد أننا كنا نلهث باستمرار لمحاولة اللحاق بتطورات الأحداث في سوريا. والأهم من ذلك، أننا لم ندرك أنه بحلول عام 2012 تحول الأمر إلى حرب حقيقية. أما السوريون على الأرض، الذين عاشوا تحت وطأة البراميل الحارقة والهجمات بالأسلحة الكيماوية، فقد أدركوا هذا الأمر. في المقابل، أصر مسؤولون أميركيون يعيشون بعيداً في واشنطن، على الحديث عن «عدم وجود حل عسكري». وكررنا هذا الأمر آلاف المرات منذ عام 2011 حتى يومنا هذا، إلى درجة أن هذه العبارة تحولت إلى عقيدة راسخة في أذهاننا.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة أنه في الحروب، يظل التوازن العسكري الأمر الأكثر أهمية.
جدير بالتذكير في هذا الصدد، أن ستالين، عندما حذره مستشاروه من أن بابا الفاتيكان سيغضب إزاء تصرفات السوفيات داخل بولندا، الدولة الكاثوليكية، كان تعليقه «كم عدد الكتائب التي يملكها البابا؟». وبالفعل، ظل الجيش السوفياتي داخل بولندا طوال 49 عاماً.
من ناحيتهم، لم يستجب الأميركيون بعدما تدخل الطيران الروسي على نحو مباشر في الحرب السورية في سبتمبر (أيلول) 2015، وتوقع الرئيس باراك أوباما أن الروس بذلك سيسقطون في مستنقع شبيه بما واجهه الأميركيون في فيتنام. لكن ما ينبغي الانتباه إليه هنا، أنه في فيتنام، كان الاتحاد السوفياتي والصين يبعثان بمزيد من الإمدادات والأسلحة إلى فيتنام الشمالية مع كل تصعيد أميركي.
ولم تدرك واشنطن، من ناحيتها، أنه من دون التصعيد من جانب المعارضة السورية، لن يكون هناك مستنقع في انتظار روسيا. ولا أزال أسمع البعض في واشنطن يعربون عن أملهم في أن تواجه روسيا مستنقعاً سورياً. لكن الواضح أن التوازن العسكري يميل لصالح موسكو ودمشق، وأن بمقدور موسكو تحمّل تكلفة الحرب في سوريا بسهولة.
وبالمثل، لدى الأميركيين كثير من الأمل في قوة العقوبات الاقتصادية للحصول على تنازلات من بشار الأسد، الذي من الواضح أنه سيبقى على عرشه رغم العقوبات.
علاوة على ذلك، وقع الأميركيون في خطأ الظن بأن الاتفاق بين وزراء الخارجية، أثناء اجتماعات «مجموعة أصدقاء سوريا»، يوازي الاتفاق حول الاستراتيجية والتكتيكات العسكرية في الحرب. وقد أخفقنا من جانبنا في حل مشكلة تعارض المصالح والأجندات الوطنية، والأفعال المتضاربة لأجهزة استخبارات الدول «الصديقة لسوريا»، التي أضرت بـ«الجيش السوري الحر»، وشكلت عوناً عسكرياً للأسد.
أما الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الأميركيون، فهو عجزهم عن استيعاب كيف يفكر السوريون.
شخصياً، زرت حماة في يوليو (تموز) 2011 لبعث رسالة إلى حكومة الأسد، مفادها أنه حال ارتكابها مذبحة فإننا سنراقب الوضع بدقة، على خلاف ما حدث عام 1982. وذكرت هذا بالفعل خلال لقائي بوزير الخارجية وليد المعلم، الاثنين التالي لزيارتي للمدينة.
بيد أنه للأسف، تركت زيارتي انطباعاً لدى الكثير من المتظاهرين السوريين بأن واشنطن تدعم «تغيير النظام»، وجاء التصريح الصادر عن أوباما في أغسطس (آب) 2011، حول ضرورة تنحي الأسد، ليعزز هذا الانطباع الخاطئ.
إلا أنه في واقع الأمر، وبعدما حصل في بغداد عام 2003، رغبت واشنطن في تشكيل حكومة وحدة وطنية من أجل إدارة شؤون البلاد خلال فترة انتقالية، يُتفق عليها في مفاوضات بين السوريين أنفسهم. ومع هذا، فإن أفعال وتصريحات الأميركيين خلال الفترة بين عامي 2011 و2019 نقلت نقطة التركيز بعيدا عن المفاوضات السورية، باتجاه تدخلات دول أجنبية.
والآن، يأمل الأميركيون في أن يُجبرَ نموذج الإدارة المتمتعة بالحكم الذاتي، الأسد على تقديم تنازلات. إلا أنه مع تركّز الحكم في أيدي مجموعة عرقية منفصلة وميليشيا مستقلة وإدارة مستقلة، لا يعي كثير من السوريين معنى اللامركزية أو الفيدرالية، لكنهم يخشون من أن تسفر هذه التحركات إلى تقسيم بلدهم.
ولا يعي غالبية المؤيدين الأميركيين لإدارة الحكم الذاتي، كيف يستغل الأسد هذه المخاوف. وربما يرغب السوريون المحليون الذين يتولون إدارة إدلب وعفرين والحسكة ودير الزور في وجود سوريا موحدة، لكنهم لا يوضحون كيف السبيل إلى تحقيق ذلك.
وبطبيعة الحال، سيستغرق بناء هذه الرؤية والخطة بعض الوقت، لكنه سيتطلب تنازلات كبرى لن تبقى سراً. وسيكون من الضروري أن تكون هذه التنازلات مؤلمة، خصوصاً من منظور التوازن العسكري. وربما من الضروري أن تبدأ المناقشات المتعلقة بهذا الأمر بمجموعات صغيرة، ثم تتسع تدريجياً، مع ضرورة أن تأتي الأفكار وجهود التنظيم من جانب السوريين، وليس من الأميركيين.
تجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن الألمان استعادوا وحدتهم عام 1990 بعد مفاوضات بين الشطرين الشرقي والغربي لألمانيا، جرت على مسار، في حين انهمكت دول الاحتلال الأربع في مناقشة الأمن الإقليمي الأوروبي على مسار مختلف. ولم يكن ممكناً التوصل إلى اتفاق، لو أن الألمان لم يتوصلوا فيما بينهم لاتفاقٍ في المقام الأول.
الشرق الأوسط
————————
بيدرسن: أخجل من فشلنا بوقف مأساة سوريا… وعوامل جديدة تدفع للحل
قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن لا علاقة له بالانتخابات الرئاسية المقبلة
لندن: إبراهيم حميدي
قال المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أمس، إن السوريين وقعوا في «فخ الحرب اللامنتهية»، وإن على الجميع أن «يشعر بالخجل» بسبب الفشل في وقف «المأساة السورية».
وقال بيدرسن في حديث تزامن مع الذكرى العاشرة لبدء الاحتجاجات السورية في 15 مارس (آذار) 2011، إن هناك «عوامل جديدة» تدعو إلى الاعتقاد بإمكانية التحرك نحو حل في سوريا، بينها: «الهدوء النسبي على الأرض، والأزمة الاقتصادية التي تضرب سوريا في جميع مناطقها»، والقناعة أن أياً من «الحكومة السورية أو المعارضة أو مجموعة آستانة أو أميركا، ليست قادرة لوحدها على احتكار الحل، وأنه لا بد من نهاية متفاوض عليها (تسوية)». وزاد: «إنني على تواصل مستمر مع المحاورين الأساسيين في واشنطن وموسكو والعواصم العربية والأوروبية وطهران وأنقرة. شعوري أن جميعهم يفهمون أنه ليس هناك طرف واحد قادر على احتكار الحل».
واستبعد حصول حوار قريب بين أميركا وروسيا حول سوريا بسبب «الوضع القائم» بينهما، لكنه أشار إلى وجود «مصالح مشتركة بين البلدين في سوريا تشمل الحرب ضد الإرهاب، الحاجة للاستقرار وإيجاد حل لأزمة اللاجئين». وقال إنه يعمل بـ«دبلوماسية هادئة» لعقد مؤتمر حول سوريا، وإنه «لا بد لأميركا أن تكون جزءاً منه».
وأوضح بيدرسن رداً على سؤال، أن الانتخابات الرئاسية السورية المقررة منتصف العام الحالي «ليست جزءاً» من مهمته بموجب القرار الدولي 2254 الذي «يتحدث عن انتخابات بموجب دستور جديد. هذه الانتخابات يجب أن تجري وفق أعلى المعايير الدولية بمشاركة من السوريين في الشتات». وهنا نص الحديث:
> يوم أمس، الذكرى العاشرة للاحتجاجات السورية، كيف العقد الأخير، وما هي رسالتك للسوريين؟
– أولا، كما قلت لمجلس الأمن، المأساة استمرت طويلاً، مدة تقارب الحربيين العالميتين. لقد وقع السوريون في فخ حرب لا تنتهي. هذه مأساة. ورسالتي، أن هذه المأساة أحد أكثر الفصول قتامة في العصر الحديث. يجب علينا جميعاً أن نشعر بالخجل. إن الشعب السوري، هو أكثر ضحايا القرن الأخير. كلنا فشلنا. وأعبر عن أسفي العميق لأننا لم نستطع المساهمة في إنهاء هذا الصراع. نعرف أن المسؤولية الأكبر تقع على الأطراف السورية واللاعبين الدوليين. لا أعرف إذا ما كنت قرأت بيان الأمين العام للأمم المتحدة؟
> تقصد بيان أنطونيو غوتيريش في الذكرى العاشرة؟
– نعم. قال إن عدم المساهمة في حل الصراع السوري، يعني أن النظام العالمي ليس فاعلاً.
> تحدثت عن مسؤولية الأطراف السورية، من هو برأيك المسؤول الأكبر عن المأساة؟
– الأمر المهم بالنسبة لي هو التركيز، حيث إنني شرحت بدقة ما حصل للشعب السوري، وأكدت على ضرورة استمرار الهدوء. هناك مخاطر إذا لم تتغير الأمور. بعد سنة أو سنتين أو خمس سنوات عدة، قد يكون هناك استمرار للوضع الحالي. لذلك رسالتي الأساسية اليوم للأطراف السورية والمجتمع الدولي هي: هناك فرصة وإمكانية ما.
> لماذا؟ أين الفرصة؟
– في السنة الأخيرة كان هناك هدوء نسبي بعد وقف العمليات في إدلب. هذا هدوء لا يزال هشاً، رغم أنه ليست هناك قتلى أو خروقات.
> ماذا تقول لأسر الضحايا والنازحين واللاجئين، ولكل السوريين، بعد عقد من المعاناة؟ هل تعتقد أن سوريا أقرب إلى تسوية أم لا؟
– أستطيع أن أقول لهم: إننا لا نستسلم. أتفهم أن هناك بعض الشكوك من السوريين عندما يسمعون مثل هذا الكلام. لكن هناك عوامل جديدة للمضي قدماً.
> ما هي؟
– الهدوء النسبي على الأرض. نحن في وضع من الأزمة الاقتصادية التي تضرب سوريا في جميع مناطقها. وهذا يجعلنا نعتقد أنه لا الحكومة السورية، ولا المعارضة، ولا مجموعة آستانة أو أميركا، قادرة على احتكار الحل. لا بد من نهاية متفاوض عليها (تسوية). هذا شيء جديد يمكن البناء عليه. هذا يتطلب مستوى جديداً من الانتباه والإرادة السياسية من جميع الأطراف. هذا ممكن، ويمكن تنفيذه.
> تقول هذا بناءً على أمل أم على معطيات من تواصلك مع اللاعبين؟
– هذا اعتقاد مبني على مناقشات قمت بها مع المحاورين الأساسيين. كما تعرف، أنا على تواصل مستمر مع المحاورين الأساسيين في واشنطن وموسكو والعواصم العربية والأوروبية وطهران وأنقرة. شعوري هو أنهم جميعاً يفهمون أن ليس هناك طرف واحد قادر على احتكار الحل.
> لو كان ممكناً أن تصمم التسوية، كيف ستكون؟ ما هي ملامحها؟
– كي أجيب على هذا السؤال، يجب أن نمضي بالعملية السياسية قدماً. الشيء المهم هو أن جميع الأطراف عليهم أن يحددوا ما يعتقدون أنه واقعي للتحقق، وما يجب وضعه على الطاولة للتفاوض. نعرف أن بعض القضايا يجب أن تحل. مثلاً، ملف المفقودين والسجناء، هذا ملف أعمل عليه، ويجب أن يتم حله بطريقة جدية. أيضاً، القضايا المتعلقة بالنازحين واللاجئين يجب أن تكون على الطاولة. موضوع العقوبات كذلك ينبغي أن يكون على الطاولة، وكذلك موضوع إعادة الإعمار. هناك قضايا كثيرة يجب أن تكون على الطاولة. فقط عملية تفاوضية ستكون قادرة على تحديد كيف تبدو هذه الأمور في النهاية.
> لا أحد يتحدث عن «الانتقال السياسي»، بل إن الحديث يجري عن عملية سياسية وتنفيذ القرار الدولي 2254؟
– عادة أقول: كل العناصر الضرورية التي تحدد حل الصراع السوري موجودة في القرار 2254. كما تعرف، منذ صدور القرار في ديسمبر (كانون الأول) 2015، حصلت تغييرات جوهرية في الوضع على الأرض. لكن، بالنسبة لي، نحن لسنا أقرب إلى الحل مما كنا عليه في 2015، مع أنه وقتذاك تم تحديد كيف نمضي قدماً. الحقيقة، أن الوضع على الأرض هو الذي جعلنا أقرب باتجاه المضي نحو الحل.
> هل تقصد أن الوقائع على الأرض يجب ألا تحدد شكل التسوية؟
– ما أقوله، أن التسوية السياسية يجب أن تكون مبنية على عملية الأخذ والعطاء، في عملية تفاوضية، عندما تعرف الأطراف المختلفة ما هو المهم الذي يتم وضعه على الطاولة. أيضاً، يجب أن يكون هناك فهم عميق بأن لا أحد قادر على احتكار الحل النهائي، ولا بد من تسوية تنقل الشعب السوري إلى وضع جديد بطريقة سلمية.
> دائماً تتحدث عن خمسة جيوش موجودة في سوريا. هل أنت قلق من تصعيد مفاجئ؟ ما هي رسالتك لها؟
– إننا قلقون من أن حضور جيوش في سوريا، يعني احتمال حصول حوادث وخروج الأمور عن السيطرة. أيضاً، تحدثت عن الهدنة الهشة شمال غربي سوريا، والترتيبات القائمة شمال شرقي سوريا هي هشة أيضاً. هذا أحد العوامل يمكن أن تستعمل كحوافز للاعبين الدوليين كي تجلس إلى الطاولة لبدء مناقشات جوهرية حول كيفية المضي قدماً.
> إذن، تريد تأسيس مظلة دولية تدعم المسار السوري وصولاً إلى الحل؟
– إنني حالياً أناقش مع محاورين دوليين رئيسيين. نحن في الأيام الأولى لإدارة جو بايدن، ونريدهم أن يكونوا جزءاً من أي شيء يدفع العملية قدماً. ما أقوم به حالياً هو ما أسميه «دبلوماسية هادئة» لمناقشة هذه القضايا. آمل أنه خلال بضعة أشهر، سأكون قادراً على تحديد كيفية المضي قدماً في هذه العملية.
> هل ترمي إلى ترتيب عقد «برلين سوريا» كما حصل حول ليبيا؟
– نحن ننتظر القيام بالعمل الجدي قبل وصف كيف سنكون قادرين على المضي قدماً.
> كان هناك مسار «خطوة مقابل خطوة» بين روسيا وأميركا. اجتمع الطرفان مرات عدة في فيينا، وأنت تطالب بمقاربة «خطوة مقابل خطوة». هل الوضع مناسب لحوار بين واشنطن وموسكو بناء على هذه المقاربة؟
– جميعنا نعرف أن هذا سيكون صعباً، ليس فقط بسبب فقدان الثقة. في الوقت نفسه، أعتقد أن هناك مساحات للمصالح المشتركة بينهما في سوريا: الحرب ضد الإرهاب، الحاجة للاستقرار، الحاجة لإيجاد حل لأزمة اللاجئين. هذه القضايا، إضافة إلى القناعة بأن لا أحد قادر على التحكم بالحل ولا بد من التعاون بين الجميع، تدعم إمكانية التعاون بين روسيا وأميركا حول سوريا.
> بعض القضايا الخلافية بينهما يتمثل في الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا. كيف تنظر إلى هذه الانتخابات؟
– هذه الانتخابات تجري وفق ترتيبات الدستور الحالي للعام 2012، وليست جزءاً من مهمتي. مهمتي حددت في القرار 2254 الذي يتحدث عن انتخابات بموجب دستور جديد. هذه الانتخابات يجب أن تجري حسب القرار الدولي 2254، يجب أن تعقد بأعلى المعايير الدولية بمشاركة من سوريي الشتات. الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا ليس لي أي دور فيها.
> دول غربية والاتحاد الأوروبي أصدرت بيانات قالت فيها إن الانتخابات لن تكون سبباً لـ«التطبيع» مع دمشق، فيما تعتبرها روسيا شرعية؟
– كما قلت، بالنسبة لي، الشيء المهم هو التركيز على ما يمكن القيام به لبدء العملية السياسية. الانتخابات المقبلة، آمل ألا يكون لها تأثير سلبي على العمل الذي نقوم به. كما قلت، هي ليست جزءاً من مهمتي التي أعمل عليها.
> هل أنت قريب من توقيع اتفاق خطي بين وفدي الحكومة والمعارضة حول عمل اللجنة الدستورية وعقد الجولة السادسة؟
– ناقشت خلال الأيام المقبلة مع رئيسي الوفدين كيفية المضي قدماً. كما تعرف، نقوم بتسهيل تبادل الأوراق بينهما. ما أسمعه منهما هو أمر إيجابي. هم مستعدون للانخراط في مناقشة المقترحات. كلاهما يعرف ضرورة تحقيق اتفاق ثابت للمضي قدماً (في عمل اللجنة الدستورية). أمل، وسنصل إلى تفاهم كهذا في وقت ليس بعيداً.
> وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قال بعد الاجتماع الثلاثي مع نظيريه التركي والقطري، إنه يأمل بعقد الجلسة السادسة من «الدستورية» قبل شهر رمضان؟
– لا أعتقد أن هذا ممكن. ما قلته إنه بمجرد توصلنا إلى تفاهم بين رئيسي الوفدين، فإن الأمم المتحدة ستعقد جلسة للجنة فوراً.
> يبدو أنه لا علاقة بين المسار الدستوري والانتخابات الرئاسية.
– القرار 2254 يتحدث عن دستور جديد، وبناءً عليه تنظم انتخابات حرة ونزيهة. هذا ما أركز عليه، وآمل أن يكون أعضاء اللجنة الدستورية يركزون عليه أيضاً.
> بعض الدول الغربية تحدثت قبل أيام عن المساءلة والمحاسبة في سوريا، ما رأيك؟
– دعني أقتبس ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة في بيانه قبل أيام من أنه قد تكون هناك عقبات وصعوبات أمام المحاسبة. لكنه قال إنه عندما يكون هناك حل سياسي، فإن السوريين يحققون العدالة والمصالحة. بالنسبة لي، أؤكد على هذا.
> ماذا عن العقوبات؟ بريطانيا أعلنت أمس قائمة جديدة من العقوبات ضد مسؤولين في دمشق. كيف تنظر إلى العقوبات كلها؟
– هذه العقوبات ليست جزءاً من العقوبات الأممية. أظن أن الأمر المهم بالنسبة لي هو أن أكرر ما قلته مرات عدة، وهو أنه في ضوء المشاكل الاقتصادية في سوريا حالياً، فإن أي عقوبات يجب ألا تؤثر على المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء سوريا، وإننا بحاجة لتجنب أي آثار للعقوبات على إمكانيات وصول السوريين للغذاء والدعم الصحي في ظل انتشار وباء «كورونا». يجب أن أؤكد على ضرورة وصول المساعدات إلى كل سوريا.
> لدينا إدارة أميركية جديدة. هل تواصل مسؤولون أميركيون معك؟ ماذا سمعت منهم؟
– حصل أول اتصال مع الإدارة الجديدة، وسنواصل مناقشتنا مع واشنطن في المستقبل القريب. جميعنا يعرف أن سوريا ليست في رأس أولويات الإدارة الجديدة، ونفهم أن هناك تحديات يريدون العمل عليها، مثل الصين وروسيا وإيران. رسالتي كانت أن من المهم، كما قلت في إيجازي في مجلس الأمن ومناقشاتي، أن تكون أميركا جزءاً من جهود الوصول إلى حل للنزاع، وهذا يتطلب اهتماماً من أعلى المستويات في واشنطن.
> السؤال الأخير: بعد سنة، وفي 15 مارس 2022، أين ترى جهودك؟ هل ترى تحقق عملية السلام؟
– أهم شيء هو أنني أريد أن أرى أننا حققنا استمرار الهدوء، وأن نكون قد طورناه إلى وقف إطلاق نار على المستوى الوطني، وأطلقنا العملية السياسية بطريقة جدية. ولدينا تعاون من الدول المفتاحية في العالم لهذا الغرض، وأن نكون قد بدأنا بتحقيق مسار «خطوة مقابل خطوة» الذي يبدأ بجلب الاستقرار إلى سوريا. دعنا نكون صريحين: سيأخذ هذا وقتاً بعد أن نبدأ. الأمور تتغير بين ليلة وضحاها. لكن الأمر المهم هو أن نكون قد بدأنا العملية خلال سنة، وقلبنا المسار بحيث يشعر السوريون بالتحسن.
الشرق الأوسط
——————————-
أوجاع سوريا/ حسن مدن
مؤخراً شاهدت، عبر «واتس أب»، فيديو قصيراً صوّره اثنان، شاب وفتاة، كانا يسيران في يوم غائم، وسط خراب البيوت والمنشآت والمرافق، في مخيم اليرموك، ليس بعيداً عن العاصمة السورية، دمشق.
لا بشر بقوا، هناك ولا حياة، ليس سوى ركام المباني، والوحشة الحاضرة في المكان الذي كان يعج بالحياة.
ولأن الشاب والفتاة اللذين صورا الفيلم، بكاميرا هاتف نقال فيما يبدو، عاشا في المخيم، بل على الأرجح أنهما ولدا فيه وكبرا، فإنهما، وبكلماتهما التي كنا نسمعها، وهما يجوبان طرقات المخيم، يشيران إلى أسماء الشوارع التي يعبرانها، والمحال التي يمران أمامها، والمدارس التي درسا فيها، أو درس فيها أحدهما، الواقعة في شارع المدارس بالمخيم.
«هاي بيوتنا.. هون ربينا»، كانت الفتاة تقول، ولكن ما نراه مجرد ركام. بقايا مبانٍ هدّتها القنابل والصواريخ، والله وحده يعلم أعداد من ماتوا بسببها، أو تحت ركام بيوتهم التي هدّت بفعلها.
ومثل هذين الشابين هناك اليوم ملايين العرب من مختلف البلدان، من فلسطين وسوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا، ممن يمكن أن يقولوا الشيء نفسه لو مرّوا بشوارع مدنهم التي مزقتها حروب الداخل والخارج، ويرون كيف أصبحت مرابع طفولتهم، وفتوّتهم، لا بل حيواتهم كاملة، مجرد ركام.
محنة مخيم اليرموك بالذات مزدوجة. إنها مأساة بعنوانين، أو عنوان لمأساتين:
– المحنة الفلسطينية؛ لكونه حوى في جنباته، وعلى مدار عقود اللاجئين الفلسطينيين الذين أتى الجزء الأكبر منهم إليه بعد نكبة 1948، بل إنهم من عمّروه؛
– والمحنة السورية لأن ما حلّ به من دمار على النحو الموجع الذي صوّره الفيديو، هو حصة أهله مما أحاق بسوريا كلها من خراب خلال عقدٍ من الدم والموت، من دون أن تلوح في الأفق بعد هذه السنوات العشر بسوادها الذي غطى سماوات سوريا الصافية، بادرة أمل بقرب نهاية المأساة.
ووفق دراسة قامت بها شركة أبحاث بتكليف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن ثمانية من كل عشرة شباب في سوريا عانى من فترات وصول محدود للغاية إلى الضروريات الأساسية أو انعدامها، واضطر ثلثاهم إلى مغادرة ديارهم، وأكثر من نصفهم، لقطع دراستهم، وبين الشباب واحد من كل سبعة تعرض للإصابة بجروح.
ومن بين أولئك الذين ما زالوا يعيشون في سوريا، واجه النصف تقريباً وفاة أحد أفراد الأسرة، أو الأصدقاء المقربين. وأُجبر ثلاثة من كل خمسة شبان سوريين على مغادرة ديارهم، وأدى ذلك إلى قطع الروابط الأسرية، فيما تحولت مدن وبلدات عريقة إلى مدن أموات.
* حسن مدن كاتب صحفي من البحرين
المصدر | الخليج
————————
البلدان ذات النفوذ “تدير ظهرها” لسوريا
الليرة السورية انهارت هذا الأسبوع إلى أدنى مستوى على الإطلاق
بيل ترو مراسلة شؤون الشرق الأوسط @Beltrew
اأحمد*، الذي كان مراهقاً عندما اندلعت الانتفاضة السورية قبل 10 سنوات، لم يخض حرباً تخص آخرين في ليبيا عام 2020 بسبب معتقداته أو نزعاته السياسية. ويعترف الشاب السوري بأنه لم يفهم حقاً من كان يقاتل.
فقد التحق بألوية مدعومة من تركيا، نُشِرت في طرابلس للدفاع عن الحكومة الليبية المعترف بها، لأنه كان معدماً وتصور أنه من هناك يستطيع بسهولة أكبر أن يصعد على متن قارب مهاجر إلى أوروبا.
وكنا نتحدث مع أحمد منذ ما يقرب من سنة. وهو واحد من آلاف المرتزقة السوريين الذين ذكرت التقارير أن تركيا دفعت لهم في مقابل الدفاع عن حكومة الوفاق الوطني الليبية ضد القائد المنشق خليفة حفتر. وتعقبنا قصته منذ بداية الانتفاضة عام 2011.
في الأيام الأولى من الربيع العربي، انضم أحمد، الذي كان في الـ16 من عمره، إلى الاحتجاجات في سوريا. ومع دخول البلاد في الحرب، التحق بجماعة متمردة، “الجيش السوري الحر”، معتقداً بأن هذه هي الوسيلة المثلى للقتال من أجل مستقبل أفضل.
تقدموا بسرعة بعد 10 سنوات. بعدما هُجِّر أحمد مرات، ولم تكن لديه مؤهلات أو أموال، قرر أن أفضل رهان لديه هو أن يكسب بعض المال كمرتزق ثم يركب قارباً مهاجراً من ليبيا. ولم يصل قط إلى أوروبا، وهو الآن عاد إلى سوريا. لكن قصته تسلط الضوء على الفصل الأخير من الأزمة الجارية في سوريا.
فالملايين من السوريين الفقراء يكافحون من أجل البقاء، ليس فحسب بسبب الصراع بل أيضاً بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعصف بالبلاد بعد عقد من الزمن من الحرب. وفي الواقع، وبينما لا زال القتال هو السبب الأول للتهجير، يذكر المجلس النرويجي للاجئين، وهو جمعية خيرية دولية، أن الفقر الاقتصادي المدقع أصبح على نحو متزايد عاملاً رئيسياً يجبر الناس على الفرار، سواء داخل البلاد أو خارجها.
فقد فر ستة ملايين شخص على الأقل من سوريا؛ وهذه واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في عصرنا. وهناك نحو 6.5 مليون نازح داخل البلاد، ونحو ربعهم هُجِّروا أربع مرات على الأقل. لكن تقريراً جديداً صادراً عن المجلس النرويجي للاجئين يشير إلى أن من بين المهجرين حديثاً في يناير (كانون الثاني)، البالغ عددهم 23 ألفاً و100 شخص، قال ثلثهم إن وراء نزوحهم الافتقار إلى القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية، و28 في المئة بسبب التدهور الاقتصادي.
وعلى هذا يتوقع المجلس النرويجي للاجئين اضطرار عدد متزايد من السوريين إلى الانتقال بسبب انهيار البنية التحتية والمالية – لا سيما أن المساعدات الدولية المقدمة إلى سوريا قد تواجه مزيداً من التخفيضات على الرغم الاحتياجات الإنسانية المتزايدة للبلاد. ويحذر من احتمال تهجير ستة ملايين شخص آخر على مدى عقد آخر من الصراع، مع استمرار غياب الأمن والتدهور الاقتصادي.
وقال الأمين العام للمجلس يان إيغلاند: “كلما طال أمد بقاء هذه الأزمة من دون حل، نتوقع أن يصبح الفقر المدقع الاقتصادي العامل الرئيسي وراء مزيد من التهجير”.
“على الرغم من هذا نعلم أن مزيداً من البلدان التي تتمتع بنفوذ، تدير ظهرها إلى سوريا. وعليها أن تخرج من مماشاة الوضع الحالي [الوقوف موقف المتفرج] إلى خطوة بناءة لدعم الملايين من السوريين الذين يعتمدون على المساعدات الحيوية ويصرخون من أجل إنهاء النزاع”.
وهذا الأسبوع، انهارت الليرة السورية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، إذ تجاوزت أربعة آلاف للدولار، ما يعني هبوطاً بنسبة 40 في المئة مقارنة بالعام الماضي وحده. وفي لبنان المجاور، حيث يرتبط الاقتصاد ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد السوري، هبطت العملة المحلية إلى 12 ألف ليرة لبنانية للدولار (عند كتابة المقالة).
وكما توضح الخبيرة في الشؤون السورية إليزابيث تسوروكوف، فإن هذا الوضع يعد كارثة لأن كلا البلدين يعتمد في شكل كبير على الواردات، إذ دُمِّرت الصناعات المحلية أثناء الحروب الأهلية في البلاد. وقالت في تغريدة على موقع “تويتر”: “المجاعة تلوح في الأفق”. وفي مقالة متعمقة في فبراير (شباط)، تشرح أن الدولة لم تعد قادرة على توفير حتى الخبز المدعوم الذي كان السوريون يعتمدون عليه أكثر فأكثر.
وحذر برنامج الغذاء العالمي مراراً وتكراراً من وقوع مجاعة جماعية ونزوح آخر إذا لم يجرِ توفير مزيد من أموال المساعدات إلى سوريا.
والأسبوع الماضي، قال رئيس برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي إن 12.4 مليون شخص في سوريا يعانون أزمة حادة على صعيد غياب الأمن الغذائي أو ما هو أسوأ من ذلك [المجاعة]، إنه أعلى مستوى على الإطلاق بزيادة بلغت 4.5 مليون شخص عن العام الماضي، وهو رقم قياسي بالفعل.
لكن نقص التمويل، لا سيما أثناء الركود العالمي الناجم عن الجائحة، يعني الاضطرر إلى تخفيض البرنامج.
ومع استمرار اقتصاد البلاد في الانهيار، يتوقع أن تزداد أعداد الجوعى.
لذلك وفي حين أن من المحتم أن تكون الذكرى السنوية العاشرة للانتفاضة لحظة لتقييم الدمار الذي خلفته أحداث العقد الماضي، لا بد من إجراء دراسة عاجلة تعد لمستقبل البلاد.
وليست التفجيرات وإراقة الدماء وحدها وراء الأزمة الإنسانية في سوريا، فالخراب الاقتصادي يلحق الضرر بالسكان، وسيواصل تدميرهم. ويتعين على العالم أن يمد يد المساعدة قبل فوات الأوان.
*غُير الاسم لحماية الهوية
© The Independent
———————-
من شهرزاد السوري إلى شهريار الأوروبي/ أحمد جاسم الحسين
يقصد بسرديات التهريب تلك الحكايات التي قدمها اللاجئون السوريون ما بعد ثورة عام 2011، والقدرة على صياغة عالم متخيل متماسك عن صورة الذات عن ماضيها، حيث تتقاطع فيه حقائق وأهواء ووقائع تشكل حالة من الاندماج مع الذات، يسهم في صياغتها الواقع والماضي معاً، إذ تتسلل لتصبح أقرب إلى المعرفة القبْلية التي يشترك فيها اللاجئ مع من يستقبله.
وقد تمّت، على سبيل المثال، في هذا السياق: صناعة داعش وجبهة النصرة من قبل مخيلة الشباب اللاجئين السوريين، قبل وجودهما على الأرض.
وقد استثمر اللاجئون الاستعداد النفسي عند الأوروبي في الخوف من الجماعات السلفية. فيما اعتمد قسم من اللاجئين على سردية واقعية هي سردية القمع الذي عاناه من النظام السوري.
وتعاضدت السرديتان في مخيلة اللاجئ (شهرزاد) لحماية مستقبله، كي يقتنع المحقق الأوروبي (شهريار) أنه في حال سقوط النظام في سوريا مثلاً؛ فإن اللاجئ لا يمكن أن يعود كونه سيكون مهدداً من جهات أخرى في بلده، وكذلك كي يحصل على أوراق ثبوتية بسرعة.
فيما اختار قسم آخر من اللاجئين الانتساب إلى مظلوميّات، عليها ما عليها من ملاحظات اجتماعية مثل: حالات “المثلية الجنسية” أو “الزواج من أديان أو طوائف أخرى”، أو “الانتماء للأقليات”؛ تماشياً مع التعاطف الأوروبي مع تلك الحالات.
وقد لعب التغير الاجتماعي دوراً كبيراً في تغيير العادات السلوكية، إذ قد يصبح السرد أحد ألوان التغيَر، انطلاقاً من أن كل تغير اجتماعي لا بد أن ينتج أنماطاً جديدة في التفكير والسلوك، نتيجة تغير المنظومة الموجهة للفعل السلوكي الإنساني، وليس بالضرورة أن تكون عملية التغير الاجتماعي مخططة مسبقاً فقد تأتي على شكل استجابة للفعل.
وفي محاولة لإعادة تلك السرديات إلى الواقع يمكن القول: يشكل الخروج على القوانين الحجَر الأساس لرحلة اللجوء السورية، التي نشهد موجتها في السنوات الماضية (2015-2016)، ذلك أن العملية تتضمن دخولاً “غير مشروع” إلى تركيا أولاً، أو عبر البحر الأبيض المتوسط، ثم إلى البلاد الأوروبية ثانياً ، لأن اللاجئ لا يدخل تلك البلدان من البوابات القانونية للدخول، كونها تمنعه من ذلك، فيضطر لطرق أبواب التهريب بعد أن أصبح الدمار والحرب في بلده أكبر من القدرة البشرية على الاحتمال، فيرحل مع عائلته بحثاً عن مكان آمن مستقر، وقد يتضمن ذلك لاحقاً فرصة لتحسين الوضع الحياتي للاجئ، أو البحث عن فرصة عمل.
غير أن تجربة اللجوء، قبل أن تتجاوز أهوال حدود ومخاطر البحر، تتزوّد بـ “عدة” سردية مسبقة تشكل مدخلاً لتحويل الدخول الـ لا قانوني إلى دخول مُشرْعن، لتصبح السرديات أحد عناصرها الرئيسية، فيكشف الواقع لاحقاً أن سرديات اللاجئ تقابلها سردية الحكومات الأوروبية لشعوبها عنهم، فتتواجه سرديتان لكل منهما واقعها ومتخيلها ودوافعها وأسبابها من القانوني إلى الاقتصادي والاجتماعي والإعلامي.
وعلى الرغم من أن هذه الرحلة الواقعية السردية تتمّ أمام أعين السفن الحربية، أو حرس الحدود غالباً إلا أنهم يفضلون الاختفاء لكي تكتمل الحكاية، وقد يكون هناك أكثر من سبب: فهي نافذة للبلاد التي فيها حروب، وفي الوقت نفسه طريقة للهروب من مسؤولية الحكومات الغربية أمام شعوبها.
وقد سهَّل وجود شبكة الإنترنت تبادل المعلومات بين اللاجئين الجدد لبناء سردياتهم، وصار كل تفصيل في رحلتهم يتضمن مئات الحكايات، الأمر الذي جعل شعراء وقاصين وفنانين يخوضون تجربة اللجوء ليُغنوا نصوصهم ويعيشوا التجربة، بل كي يصنعوا فيلماً أحياناً.
تبدو سرديات اللجوء قريبة من عالم “ألف ليلة وليلة”، حيث إن شيوعها وتواترها وكمّ المغامرة فيها، يجعل نسبتها إلى سارد بعينه أمراً صعباً جداً، وهكذا بدا أن ثمة حكاية مركزية في سرديات اللجوء يمكن لكل لاجئ أن يضيف إليها ما يشاء من تفاصيل تخصه، ولئن كان اللاجئ في هذا السياق هو “شهرزاد” فإن المحقق الأوروبي هو “شهريار”، كلاهما يعي أن “الحكي” مادة وجودهما معاً.
وبدا أن أحد ألوان انتقام اللاجئين على ما حدث لهم في بلدانهم، يكمن في الإمعان في التحايل/التجاوز على القوانين والأنظمة في دولة ما، أو البحث عن ثغرات قانونية، متسلحين بالسرد، ونظراً لأن القوانين الأوروبية، تمنع قدوم اللاجئين إليها إلا ضمن ظروف محددة ومحدودة، فإن رحلة اللجوء تبدأ بأمر غير قانوني، حيث يتم الاتفاق مع مهرب خبير يمكنه أن يقدم خدمة التوصيل، ويستتبع هذا الظرف الصعب عند كثير من اللاجئين سلسلة من حالات السرد، التي يسميها القانون “التزوير والكذب والاحتيال” الذي يمليه واقع اللجوء بهدف تحصيل مكاسب إضافية، أو الهروب من مستحقات قانونية، فيما يقف الكثير من اللاجئين موقفاً صارماً ضد مخالفة القانون، بعد تجاوز مرحلة عبور الحدود.
يعرف الاحتيال قانونياً بأنه: كذب تدعمه وقائع أو أفعال مما يسهم في توليد الاعتقاد لدى المجني عليه (ها هنا الحكومات) بصدق هذا “الكذب”. أما التزوير فيعرّف بكونه تحريفاً مقصوداً للحقيقة في الوقائع والبيانات، قد يؤدي إلى ضرر للآخر، وقد يترافق بتحقيق مصالح للذات. وفي سياق اللجوء تنتفي نية الإضرار بالآخر لتحضر بدلاً منها الرغبة بتحقيق مصلحة للذات.
يعرّف إدوارد سعيد السرديات بالقول: “إنها تشكيل عالم متماسك متخيل، تحاك ضمنه صور الذات عن ماضيها، وتندغم فيه أهواء، وتحيزات، وافتراضات تكتسب طبيعة البديهيات، ونزعات، وتكوينات عقائدية يصوغها الحاضر بتعقيداته، بقدر ما يصوغها الماضي بتجلياته وخفاياه. كما يصوغها، بقوة وفعالية خاصّتين: فهمُ الحاضر للماضي وتأويله. ومن هذا الخليط العجيب، تُنسج حكاية هي تاريخ الذات لنفسها وللعالم وتدخل في هذه السردية، مكوّنات الدين، واللغة، والعرق، والأساطير، والخبرة الشعبية، وكل ما تهتزّ له جوانب النفس المتخيلة”.
وقد قامت بهذا الفعل السردي الاضطراري معظم فئات اللاجئين، فاكتسبوا الخبرة الأولية من تدريبات المهربين في البلدان، التي تعدّ معبراً رئيسياً للاجئين مثل تركيا، غير أن تلك “الدورات الشفوية السريعة المقترنة بالخوف” تقتصر معلوماتها على الطريقة الأفضل للحصول على الإقامة لمدة خمس سنوات أو أكثر أو أقل في أوروبا، ومع أن المعطيات تكشف أن من لم يبصم بأصابعه العشرة في دولة أوروبية أخرى ممن وقع على اتفاقية “شنغن” أو “دبلن” يحصل على الإقامة، دون الحاجة إلى تلك السردية الدرامية التي صار لدى كل دولة أوروبية منها مثلاً آلاف السرديات، إلا أن فقدان الثقة بين أطراف عالم السرد يجعلها تلجأ إليه بصفته حلاً أمثل للجميع.
لا يختلف الشباب اللاجئون في هذا السياق كثيراً عن الفئات العمرية الأخرى سوى ببعض العناصر من مثل: المغامرة، ومحاولة تأمين مستقبلهم، والرغبة بالبحث عن الثغرات القانونية، بل يفترقون بأن الدافعية للقيام بفعل السرد مركزة أكثر، ومختلفة، كونهم في مقتبل العمر وينظرون إلى ما يمكن أن تقدمه السردية من خدمات، وفي الوقت الذي يتشارك فيه الكثير من اللاجئين بالاستراتيجيات الرئيسية للسردية، يفترق كل واحد منهم عن الآخر في الحكاية وعناصرها الدرامية.
وترتكز السردية السورية على عناصر رئيسية من مثل: تعاطف المتلقي، وفجائعية الرسالة، وقدرة السارد على إقناع متلقيه، ولعل مأساوية تلك السردية، وكون جوانب منها قد تم تصويره عالمياً، لذلك صار لهذه السردية صيت عالمي، حيث كشفت تحقيقات المحققين وتحليلات الصوت أن أبناء عدد من البلدان تلبسوا “السردية السورية” لتكون مركب لجوئهم من جنسيات إيران والعراق وأفغانستان، وأرمينيا وسواها، ومن ناحية أخرى فإن عدداً من أبناء المدن السورية، التي لم تصب بأذى، ركبوا موجة المدن المنكوبة عبر تغيير اللهجة أو سواها ليفيدوا من مأساوية تلك السردية.
تحتاج الكثير من “السرديات الشهرزادية” التي قدمها اللاجئون السوريون إلى أدلة كي تصدقها الحكومات الأوروبية، لكن التغاضي “الشهرياري” هو سيد الموقف، وبدا أن تحول الثورة السورية من المطالبة بالحرية والعدالة إلى حرب عالمية وإقليمية على أرض سوريا إعلان عن مرحلة جديدة.
وقد انتشرت في كل من لبنان وتركيا وسوريا “مخابر” صناعة الأدلة لتعضيد السردية وتحويلها من حالة درامية إنسانية إلى حالة مثبتة، فصار اللاجئ، إذا أراد، قادراً على أن يحضر ما يشاء من أوراق وثبوتيات ابتداء بجواز السفر وصولاً إلى الشهادات الجامعية، بل بالغ بعضهم في ذلك حتى وصل الأمر إلى صنع جواز سفر سوري باسم “رئيس الوزراء الهولندي مثلاً”.
ومثل هذا الفعل له دلالة رمزية لافتة، ففي الوقت الذي تنمو فيه هذه السرديات وتتراكم؛ تضيع الحقيقة ويغدو من لديه أوراقه الثبوتية وبذل الجهد الكبير في تحصيله العلمي ضحية لهذه السرديات المختلقة، التي تخلق صورة أخرى للاجئ السوري وصلت في بعض الحالات إلى صنع تصورات جديدة عن اللاجئ السوري حول وضعه الاقتصادي تتسبب بتشويه الجانب الإنساني في عملية اللجوء، إضافة إلى النظر بعين الشك نحو ما يحمله اللاجئون من شهادات أو وثائق.
وتثار أسئلة عدة حول عوامل ازدهار السرد، والبحث في كيفية نموه، والمناخات الملائمة له بين كل من السارد والمسرود له، وكمّ المغامرة الكامن في تلك الحكايات، حيث يستفيد الساردون الأحياء من الساردين الذين ابتلعهم البحر.
وثمة حاجة إلى المنهج الوصفي التحليلي القائم على الملاحظة والمتابعة، إضافة إلى الاستفادة من طروحات علم الإناسة وعلم النفس والمنهج الاجتماعي والسيميائي في قراءة تلك الظواهر، كون اللجوء إلى السرد المتخيل أحد أنماط السلوك الجديد، الذي تغيرت مرجعيته، فبات يبحث عن مرجعيات جديدة؛ ويتخيل حكايات سابقة تضفي على وجوده الحالي المزيد من الشرعية الاجتماعية أو القانونية.
لا يوجد الكثير من الدراسات التي تعنى بسرديات اللجوء ليس بصفتها حالة تخييلية فحسب، بل بصفتها أحد عوامل وجود الشخصيات الساردة، التي تجد في سردها الجديد طريقة حياة، نظراً لمركزية السرد في المجتمعات المهاجرة.
وتثار أسئلة عدة حول سرديات التهريب من مثل: محورية السرديات في الحياة المعاصرة ودورها في رحلة اللجوء، وأسباب لجوء الشباب للسرد هل هو دفع الأذى أم تحقيق المصالح؟ أم الاحتيال على القانون؟ ومن أين يكتسب اللاجئ حكايته؟ وما مصادر السرديات وأبطالها ومحاورها. وكيفية النظر إلى السرديات من وجهة قانونية، وكذلك بصفتها ظاهرة اجتماعية منتشرة عند اللاجئين لحاجتهم إليها، وسيكولوجية السارد، وقدراته التخييلية، ومرحلية السرد وأدواته، وكيفية تحويل النص المسرود إلى حقيقة عبر صناعة الأدلة، وما هي خصوصية سرديات اللاجئين: هل هي مدخل للاندماج أم الانصهار أم الانكفاء السرد فحسب؟ وكيف يتحول جزء كبير من ثورة جبّارة إلى حالة سردية عالمية، بحيث يغدو سرد القمع وسرد المظلومية حالة عالمية؟
\نلفزيون سوريا
—————————–
سوريا النّظام والمعارضة تحت الاحتلالات/ عبد الوهاب بدرخان
عشرة أعوام رهيبة شهد العالم خلالها حمّام الدم السوري. أكثر من مليون قتيل ومعوّق ومصاب، بلا أي مبالغة… وكارثة إنسانية مراوحة بين مجازر سجون النظام (صور “قيصر” ليست سوى عيّنة) ومآسي عائلات المفقودين، وبين ستة ملايين ونصف مليون مهجّر ولاجئ وغارق في مياه المتوسط… ودمار عمراني هائل نال من الحواضر التاريخية وتراثها مع ما رافقه من نهب منظّم للآثار وتشويه لمعالم، بعضٌ منها عمّر أكثر من ألفي عام… وتمزيق لنسيج اجتماعي عريق صهر التعددية في تعايش مشهودٍ له بسلميّته… وتهديد لوحدة الشعب والأرض والدولة يتأكّد أكثر فأكثر، بفعل تعدّد القوى الخارجية التي بدا النظام نفسه، في نظر شعبه، واحداً منها.
أهم الدروس أن العالم تفرّج وهُلع وذُهل وتألم، وعجز عن إنهاء سريع للمأساة، وأن الدول “المعنية” ربما بدأت معنيةً بإيجاد حلول، أو هكذا تظاهرت، لكنها انتهت الى اتخاذ سوريا برمّتها، شعباً ودولةً، نظاماً ومعارضةً، وقوداً لموائد مصالحها. فلا “أصدقاء” سوريا أو الشعب السوري برهنوا صدقية هذه الصداقة، ولا “حلفاء” النظام برهنوا أنهم مهتمّون بسوريا، إنْ هي إلا أرضٌ مشاعٌ انفتحت لهم فيها أبواب استغلال الموقع الاستراتيجي وفرص النفوذ ونهب أرزاق السوريين وتبديد روح البلد بإعادة هندسة ديموغرافيته.
ولعلّهم “معذورون” (!) فالبلد سقط عملياً في أيديهم يوم انطلقت الصرخة الشعبية الأولى وواجهها النظام بالعنف الدموي، فسقط، وصار دوره مذّاك أن يحافظ على بقائه بأي وسيلة، باستجلاب الاحتلالات لحمايته ومساعدته على هزم شعبه الموالي والمعارض، فـ”انتصر” ساقطاً، وأسقط سوريا معه. كان تعامله مع الأزمة سلسلةً من الأخطاء “الوطنية” المميتة، وكان “الحليف” الإيراني الى جانبه ليدفعه منذ اللحظة الأولى الى مزيد من الخطأ، ما قاده الى إحباط كل محاولات سياسية، عربية أولاً ثم أممية مستمرّة، وإلى تعطيل أي حلّ أو تسوية لا يعيدان حكمه وسيطرته الى ما كانا عليه قبل عشرة أعوام، لكنه وحلفاءه يعرفون أن هذا لم يعد ممكناً ولا واقعياً. أصبح أسير مآرب حلفائه وأعدائه، ولم يعد قادراً على التأثير في هدف واحد يريده الشعب: إنقاذ سوريا.
وقد يكون أعداء النظام “معذورين” أيضاً في عجزهم، لأن السوريين الثائرين (أو المعارضة) لم يقدّموا لهم “البديل” القادر والصالح. أراد “الأصدقاء” للثورة أن تبقى سلميّة لكنهم رأوا بالعين المجرّدة أن العسكَرَة فرضتها الضرورة وانسداد الأفق سياسياً، مقدار ما استدرجها النظام نفسه ليواجهها بترسانته ويكسرها. شجّعوا العسكريين على الانشقاق ولم يهتمّوا بتوحيدهم، فأوكلوا أمرهم الى دول وجهات مختلفة ما لبث تنافسها أن فرّخ فصائل متنازعة توالي من يموّلها. ثم ضغطوا لتوحيد صفوف المعارضة السياسية وتحالفها مع “الجيش الحرّ” وفصائل معينة، فدبّت الخلافات داخلها وبين “رعاتها”، وزاد التباعد بينها وبين الثورة في الداخل، ولم تتمكّن المعارضة من بناء مؤسسة يُعتدّ بها فبقيت أفراداً موزّعين بين الدول المتقاربة أو المتنافرة.
لا شك بأن هناك أفراداً معارضين يتمتّعون بحسٍّ وطني ونزاهة عاليين، لكن كثيرين حملوا أجندات “إسلامية” واهتمّوا بركوب الثورة للاستيلاء على السلطة متى سنحت الظروف، أو بعد “إسقاط النظام” الذي غدا شعاراً بلا برنامج عمل تراكمي لتحقيقه. وفي أي حال، عانت المعارضة من الأمراض التي زرعها النظام في كياناتها طوال أربعة عقود، فلم تقم تحالفات صلبة ولم تطوّر ممارساتها السياسية، إذ خاض معظم أحزابها تجاربه السابقة سرّاً وتحت ضغوط أمنية، لكن الأهم والأخطر أنها لم تتعلّم سريعاً من المحنة السورية القاسية، وبرغم مرور عشرة أعوام لم يتبلور جسم معارض موحّد الأهداف وواسع التمثيل يعي المصلحة الوطنية ويمكن التعويل عليه.
ولا تُستكمل معالم العُشرية السورية الكارثية إلا بتسليط الضوء على الوضع الحالي لسوريا، مع خمسة جيوش لخمس دول، مع تكرار التذكير بأن أيّاً منها لا يبالي بسوريا ولا بالشعب السوري، بل بالقطعة التي انتزعها من الخريطة ويريد الاحتفاظ بها:
* روسيا وسّعت رقعة سيطرة النظام عسكرياً وتعتبرها حصّتها، ولا تروم من أي “حلّ سياسي” سوى الإبقاء على نظام تنحصر خياراته في تلبية مطالبها و”شرعنة” مكاسبها. لكنها تبحث عن أموال للإعمار وعودة اللاجئين كتمويل لبقائها في سوريا.
* الولايات المتحدة متمسكة بمنطقة الشمال الشرقي الغنية وقد تعترف بها “كياناً خاصاً” للأكراد، فيكون بدوره حصّتها السياسية الدائمة ومنصّتها لمراقبة “كوريدور” إيران وميليشياتها عبر الحدود مع العراق، وتُضاف أيضاً إليه قاعدة التّنْف جنوب شرقي سوريا.
* أما الجنوب الغربي فتسعى إسرائيل، بالتنسيق مع روسيا، الى جعله منطقة عازلة خالية من الوجود الإيراني، لكن الإيرانيين وأتباعهم متخالطون مع قوات النظام. وبالتنسيق نفسه توجّه إسرائيل ضربات جوية وصاروخية للمواقع الإيرانية في مختلف الأنحاء.
* لإيران وجود في كل مناطق النظام جنوباً وشرقاً ووسطاً، وعدا قواعدها العسكرية وميليشياتها المحلية والمستوردة تركّز منذ 2016 على توسيع نشاطها المدني، سواء لنشر التشيّع أو لربط العديد من السوريين بأنشطتها التعليمية والاقتصادية.
* تركيا باتت مستأثرة بالشمال الغربي ولا تبدو مكتفية برقعة نفوذها الحالي، وتحاول توسيعها أو تدعيمها، سواء بالتوافق أم بصراع المصالح مع روسيا، كما أنها توسّع عملها المدني تمهيداً لإقامة طويلة.
هذه الاحتلالات لا تبحث عن حلول، فمَن يحرّر سوريا منها؟ بالتأكيد ليس هذا النظام، أو على الأقل ليس بصيغته الحالية، فهو مَن استدعى بعضها واستدرج بعضاً آخر، فقط من أجل بقائه… في البداية كانت تلك الصرخة “الشعب السوري ما بينذل”، وفي العامين الأخيرين زحف الفقر والجوع والعوز الى كل المناطق، ولم يعد النظام أو المعارضة مبعث أي آمال للشعب الذي يجد نفسه متروكاً، بلا دولة. أصبحت سوريا عبئاً على محتلّيها. روسيا لا تزال تتخبّط بين المخارج العسكرية والسياسية، والنظام يساهم في عُقم “حلولها”، وكلاهما يبحث عن تمويل عربي لكن العقوبات الأميركية والأوروبية بالمرصاد، في انتظار تحريك اللجنة الدستورية، المجلس العسكري، الانتقال السياسي، تحريك أي شيء. غير أن كل هذه المسارات باتت مرتبطة بإرادة الاحتلالات، لا بإرادة النظام أو الشعب السوري.
التهار العربي
————————–
موسكو … رسائلها تمنح الأمل وأفعالها تحمل الموت/ العميد الركن أحمد رحال
شخصيات سياسية روسية ومسؤولون رسميون وكتّاب روس حملوا في تصريحاتهم مؤخراً الكثير من الأمل للسوريين، بأن نهاية التغريبة السورية اقتربت وأن هناك تفكيراً جدياً لدى موسكو بالخروج من هذا المستنقع النازف بحل قريب ينعش قلوب السوريين المتعبة.
الكاتب السياسي رامي الشاعر المحسوب على الخارجية الروسية ووزارة الدفاع قال: “ننتظر مبادرة جديدة وجديّة من القيادة في دمشق لتسهيل مهمة المبعوث الشخصي لهيئة الأمم المتحدة، للبدء في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، وفك الحصار عن سوريا، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية”. وهي رسالة تحمل في طياتها جرعة من الأمل لواقع سوري توصيفه بالكارثي لم يعد ينصف بشاعته.
بلقاء جمع منصتي القاهرة وموسكو طُرحت مع الوزير لافروف نقطتان غاية بالأهمية هما عبثية مسرحية الانتخابات التي تمهد للتقسيم ربما، وعبثية الاستمرار بمفاوضات لا نهاية لها، عدا عن خروجها بدون أي نتائج، ومدى انعكاسها سوءاً على الراعي والرعية، وبالرغم من عدم وجود رد واضح من الوزير الروسي على تلك الطروحات لقناعة المجتمعين بارتباط القضية السورية بملفات أخرى لكنهم أدركوا أنه ليس رفضاً لما قالوه، وتلك فسحة أمل يُبنى عليها لاحقاً.
وباجتماع آخر استغل السيد جمال سليمان عضو منصة مؤتمر القاهرة (المعتكف) وجود الجنرال “زورين” المستشار العسكري للرئيس “بوتين” وقدّم بصفته الشخصية وبعيداً عن منصة القاهرة ومنصة موسكو مقترحاً لتشكيل مجلس عسكري، بعد فشل كل خيارات التفاوض بين السوريين من جنيف إلى سوتشي إلى أستانا إلى جولات اللجنة الدستورية.
طرح فكرة المجلس العسكري كان كخيار وبديل عن الجمود والتعطيل وليس بديلاً أو التفافاً على قرار مجلس الأمن 2254، والفكرة وفق رؤية صاحبها قد تفتح ثغرة بالحائط المسدود الذي عمل ويعمل بشار الأسد على ترسيخه بدعم إيراني وبتنفيذ من بشار الجعفري وأحمد الكزبري، و كان على الروس تلقف تلك الفكرة لأنها تستجيب لتحفظاتهم حول المعارضة السورية بأنها غير موحدة وغير منسجمة وأنها تخضع لتأثيرات الدول المختلفة، والمجلس العسكري يحقق للروس أيضاً أهم مطالبهم الرافضة لخروج المعارضة منتصرة لأنه يكرس معادلة أن الجميع خرج ليس منتصراً لكنه أيضاً ليس مهزوماً.
ومع ذلك وجدنا تجاوباً واهتماماً شعبياً بتلك المبادرة (المجلس العسكري) كونها أوقدت لهم شمعة بنفق مظلم وفتحت باباً من الأمل أمام السوريين.
وعندما تقوم موسكو بتسريب ونشر رسائل مذلة لنظام الأسد ورئيسه بالتحديد، وتظهر حالة الارتباك، وتصور حالة الاستجداء الأسدي لروسيا للتدخل وإنقاذه من السقوط المحتم (كان سيسقط خلال أسبوع كما قال الرئيس بوتين ووزير خارجيته)، فـمن الطبيعي أن يشعر المواطن السوري بالارتياح من أن هناك انعطافة وهناك تغيراً في طريقة التعاطي الروسي مع بشار الأسد بالتحديد، ومع القضية السورية بشكل عام، يُضاف لذلك المقالات الخمسة الأخيرة للكاتب رامي الشاعر والتي حملت في طياتها توجيه النقد اللاذع للقيادة السورية، وتحميلها مسؤولية معظم نكبات السوريين، ومسؤولية فشل المفاوضات وخاصة في جولات اللجنة الدستورية، أيضاً تلك المقالات وبالموقع السياسي الذي يمثله الكاتب، حملت انتعاشة أمل للسوريين من أن هناك تغيرات قادمة قد تكون قبل “مسرحية الانتخابات” التي يطمح من خلالها بشار الأسد لترسيخ وجوده قسراً على جماجم السوريين لسنوات سبع قادمة.
عندما حاولنا ربط “نفحات الأمل” تلك مع الواقع والأفعال الروسية على الساحة السورية وجدنا أنفسنا وكأننا نتعامل بالملف السياسي والعسكري مع دولتين ومع قرارين منفصلين ومتعاكسين تماماً، ويستحيل التصديق أنهما صادران عن قيادة سياسية واحدة.
وإلا ما معنى أن تقوم قاعدة “حميميم” الروسية بقصف صاروخي مركز وعبر صواريخ “توتشكا” الروسية وصواريخ أخرى من إحدى سفنها البحرية الحربية لمناطق مدنيّة في شمال سوريا قرب مدينة “جرابلس” السورية، تتجمع فيها بعض الصهاريج وتقوم بنقل الوقود الخام القادم من مناطق “قسد” إلى الشمال المحرر بعد معالجته بمصافٍ بدائية محلية، وهي مناطق يسيطر عليها قادة فصائل يجتمعون مع الروس وشركاء لهم في اجتماعات “الأستانا”، وبعيدة عشرات الكيلومترات عن مواقع “هيئة تحرير الشام” التي تصفها موسكو بالإرهابية، والتي تنعم بأمان من ناحية الضربات الروسية (وتلك ليست دعوة لقصفهم) لدرجةٍ يحسدهم عليها المدنيون ببقية المناطق التي تتعرض للقصف؟؟
ما معنى القصف الجوي وبطائرات روسية للمدنيين في أرياف إدلب الأسبوع الفائت، وكذلك غض نظرهم عن الخروقات اليومية لميليشيات أسد، وبيوم واحد (الثلاثاء 10 آذار) كانت هناك أكثر من 250 قذيفة صاروخية ومدفعية انهالت على رؤوس المدنيين بقرى جبل الزاوية، وتحت أعين كاميرات المراقبة لأكثر من 12 طائرة استطلاع روسية مسيرة كانت تجوب سماء المنطقة وكانت تصحح لهم الرمايات، وواضح أنها تجمع المعلومات تحضيراً لعدوان آخر لاحق، وهذا ما أدى لحركة نزوح أخرى وخلق الرعب بنفوس المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، رغم أن التأكيد على اتفاق وقف إطلاق النار المعلن بالجولة 15 من أستانا لم يجف حبره بعد؟؟
ثم تخرج علينا قاعدة “حميميم” ببيانات وشهادات زور تحمّل الفصائل مسؤولية الخرق؟؟
كيف لشركاء داعش أن يكونوا حلفاء للروس بالحرب على الإرهاب؟؟
ما معنى أن تعلن روسيا وتروّج للعالم أنها تقوم بحملة ضد “الإرهاب الداعشي” في البادية السورية، وتقوم بتقديم مساندة ودعم جوي لتشكيلات وميليشيات تتبع للأسد وإيران وحزب الله في الحرب ضد خلايا داعش، وروسيا أكثر من غيرها تعلم أن جناحي داعش الإيراني وداعش الأسدي هما من أهم أجنحة داعش في سوريا، وأنهما يتلقيان الدعم المادي والعسكري والاستخباراتي بشكل مباشر من أجهزة نظام الأسد، ومن غرف عمليات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في سوريا؟؟
ما معنى الموقف الروسي الرافض لإدخال الإغاثة الأممية للشعب السوري المنهك والمجوّع واستخدام الروس للـ “فيتو” في مجلس الأمن ضد إدخال الإغاثة من الأمم المتحدة للنازحين في مخيم “الركبان” على الحدود السورية_العراقية ومن أي معابر أخرى بالشمال السوري خارجة عن إدارة النظام باستثناء معبر واحد (باب الهوى) الرازح تحت سيطرة وهيمنة “هيئة تحرير الشام” التي تتفرد بنهب وسرقة معظم تلك الإغاثة دون حسيب أو رقيب، وروسيا تعلم أن إدخال الإغاثة الأممية من معابر النظام يعني سرقتها وتحويلها لشبيحة إيران وحزب الله وفاطميون وزينبيون، وأنه حتى موالو الأسد المدنيون لن ينالوا حصة من تلك الإغاثة؟؟
ما معنى أن تتعهد موسكو للغرب بتحجيم الدور الإيراني ووقف تغولها في مفاصل الدولة السورية، والتعهد بإبعادها عن الجنوب السوري، لكن على أرض الواقع أصبحت إيران وبعد هذا الوعد الروسي أكثر تغولاً وأكثر تمدداً في الجغرافية السورية، وأصبحت ميليشياتها وحرسها الثوري يسيطرون بشكل منفرد على معظم القواعد الجوية العسكرية السورية وعلى مقرات الفرق البرية، وعلى مراكز البحوث والتصنيع العسكري بعد أن نقلت وسائط إنتاج الصواريخ ومعدات تصنيع وتشغيل طائرات “الدرون” من إيران إلى سوريا، بل زادت عليها إيران بطرد الروس من أكبر قاعدة جوية في “التيفور”، وأن ميليشيات إيران وحزب الله باتت تتمدد نحو مدينة “تدمر” التي كانت تسيطر عليها روسيا بشكل منفرد، وقامت تلك الميليشيات مؤخراً بافتتاح مكاتب تطويع ومقرات وحسينيات فيها، ومعلومات متداولة عن نقل إيران وبموافقة روسية وعبر شاحنات ضخمة الفوسفات السوري من موقع “خنيفيس” براً إلى طهران عبر الأراضي العراقية؟؟
ما معنى أن تقول موسكو أنها مع السيادة السورية ويهدد مندوبها بمجلس الأمن بتفعيل منظومة “إس_300” السورية (المعطلة روسيا) في حال استمرار القصف الإسرائيلي والأمريكي ضد ميليشيات إيران وحزب الله، بل زادت عليها موسكو عندما أعلنت مؤخراً عن اشتراك منظومات دفاعها الجوي (بانتثر، بوك إم2) بالتصدي للطيران الإسرائيلي الذي هاجم مستودعات صواريخ إيرانية في محيط “السيدة زينب”، وروسيا تعلم أن كل الأجندة الإيرانية في سوريا ليست لمصلحة الشعب السوري وضد السيادة السورية، والاحتلال الإيراني غايته خلق ساحة إيرانية إضافية لساحات صراعها المنفعية مع أمريكا وإسرائيل، ولتمرير مشروعها الفارسي والمشروع النووي الهادف للهيمنة على المنطقة والتفاخر باحتلالها لأربع عواصم عربية وتحقيق الهلال الشيعي؟؟
منذ سنوات خمس مرت ونحن نقول للروس أن لديكم أخطاء استراتيجية في طريقة تعاطيكم مع الملف السوري أهمها:
_خطأ قاتل للروس أن يظنوا ومهما قدّموا من دعم عسكري (جوي وبري وبحري) لنظام الأسد، ومن دعم سياسي إن كان عبر “فيتو” مجلس الأمن أو سواه، أن يظن الروس للحظة أن بشار الأسد سيكون أقرب لموسكو من الحضن الإيراني، وزيارة وزير خارجية الأسد الجديد “المقداد” لطهران عبّرت عن عمق تفكير دمشق بترتيب تعاطيها مع حلفائها، ومن قبلها الرسالة “المذلة” للروس التي كتبت بمكتب بشار الأسد بأقلام مخابراتية وذيلت بتوقيع عضو مجلس الشعب خالد العبود والتي تطاول فيها على الرئيس “بوتين” وهدد بطرد الروس من سوريا، رسالة تعطي صورة واضحة عن تنمر بشار الأسد ومكان تموضعه النهائي.
_ خطا قاتل للروس أن يظنوا أن الورقة السورية هي ورقة مهمة للغرب وللأمريكان، وأن استحواذ الروس عليها سيقوي أوراقهم الضاغطة على طاولة التشابكات السياسية مع العواصم الأوروبية وواشنطن، وأن بمقدور موسكو مقايضتها مع الملفات العالقة الأخرى، إن كان بملف شبه جزيرة القرم، أو ملف أوكرانيا، أو ملف الدرع الصاروخي، أو ملف العقويات الاقتصادية الغربية على موسكو، وكان على موسكو أن تعلم أن جل ما تريده واشنطن من سوريا هو ما حصلت عليه من السيطرة على مقومات الاقتصاد السوري بالجزيرة السورية عبر دعمها لحليفها “قسد” (نفط، غاز، قمح، قطن، ماء، كهرباء) وذلك لمنع إعمار سوريا بأموال السوريين، وأن الهدف الأمريكي الواضح هو تشكيل حالة اقتصادية ضاغطة على نظام الأسد وموسكو وطهران لتكون شريكاً فقط بأي حل قادم في سوريا.
_خطأ قاتل للروس وبعد علاقات قوية بين الشعبين الروسي والسوري، عسكرياً وسياسياً وحتى اجتماعياً (آلاف الضباط والمهندسين السوريين والخريجين من روسيا زوجاتهم من الجنسية الروسية)، من أن تضحي موسكو بعلاقتها مع 24 مليون سوري خدمة لمصالح وبقاء أقل من 200 شخصية سياسية وعسكرية من بينها بشار الأسد.
ما ينطبق على الروس اليوم المثل المصري القائل: أسمع كلامك أتبسط، أشوف أفعالك أستعجب!!!
وهناك أسئلة تدور في أذهان السوريين:
متى تخرج القيادة الروسية من عنادها وإصرارها على البقاء في المستنقع الذي وضعهم فيه الأمريكان، وقد قالها المبعوث الأمريكي “جيمس جيفري” منذ أسابيع: (لقد ورطنا الروس بالمستنقع السوري وهم يزدادون انغماساً واستنزافاً هناك)؟؟
متى تدرك موسكو أن هناك خيارات أخرى يمكن من خلالها الحفاظ على مصالحها وعدم التضحية بإرث علاقاتها مع الشعب السوري، وتتيقن أن العلاقات المتينة والقوية هي علاقات تُبنى مع الشعوب وليس مع ديكتاتوريات وحكام ساقطين مهما طال الزمن؟؟
متى تدرك موسكو أن النصر ليس هدفاً وحيداً حتمياً في كل المعارك، بل إن تقليل الخسائر ووقف الاستنزاف قد يكون هدفاً سياسياً وعسكرياً ملحاً في بعض الأوقات؟؟
العميد الركن أحمد رحال
——————–
====================
تحديث 17 أذار 2021
————————
الأسد ليس إلى الأبد/ محمد كريشان
«ملك على كومة من الأنقاض».. هكذا وصفت جريدة «لوموند» الفرنسية الرئيس السوري بشار الأسد بعد عشر سنوات من اندلاع الثورة ضد نظامه. وإذا ما بحثنا عن مثل شعبي عربي مرادف لهذا التشبيه فلن نجد أفضل من «خربها وقعد على تلتها».
المصيبة لا تقف عند هذا الحد ذلك أن الرجل مقر العزم تماما على الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في يونيو / حزيران المقبل والتي لن تجري طبعا سوى في مناطق سيطرة النظام ودون منافسة وبعيدا عن أي إشراف دولي ولا وفق دستور جديد للبلاد.
ومثلما تساءل الدكتور رياض حجاب رئيس الوزراء السوري الأسبق في لقائه التلفزيوني الأخير عما يمكن أن يتضمنه البرنامج الانتخابي للأسد، فإن ما هو متاح حاليا فعلا ليعرضه الرئيس السوري على شعبه ليس سوى خراب البلد وتمزيقه وجعلهم ساحة مستباحة للقاصي والداني وتشتيت شمل شعبه في الداخل والخارج، وأيضا القول لمناصريه في الداخل الذين ظلوا معه حتى وصل البلد إلى ما وصل إليه، إنه لا يملك لهم إلا مزيدا من التفقير والتجويع. لقد وصلت الأوضاع المعيشية، في حاضنة النظام نفسه، إلى درك لم تبلغه من قبل بعد اشتعال أسعار المواد الغذائية وفقدان الليرة السورية كل قيمة أمام الدولار في وقت يزداد فيه فساد ونهم الدائرة المحيطة بالأسد ولاسيما زوجته التي ازداد نفوذها بشكل ملحوظ ومستفز.
ورغم كل ذلك، ها هي القوى السياسية الكبرى في العالم تعترف بعد عشر سنوات من المأساة السورية بأنها عاجزة عمليا عن فعل أي شيء فمجلس الأمن الدولي لم يأت في اجتماعه الأخير أمس الأول بأي جديد ولم تجد المندوبة الأمريكية ما تقوله سوى الدعوة إلى عدم الانخداع بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا لأنها «لن تكون لا حرة ولا نزيهة. ولن تُكسب النظام أي شرعية ولن تؤدي إلى أي تطبيع دولي معه».
ليس مهما أن يدعو البيان المشترك الصادر عن وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة إلى مقاطعة هذه الانتخابات وإنما أن يشرح معنى ما أورده من أن هذه الدول «لن تتخلى عن الشعب السوري» لأن هذا الكلام قيل من قبل عشرات المرات دون ترجمة فعلية على الأرض حتى فقد كل قيمة.
هذا العجز وقلة الحيلة امتد كذلك إلى المنظمات الدولية من ذلك ما قالته اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن مسار التسوية السياسية الذي يمهّد للسلام في سوريا «معطّل» ووصل إلى «طريق مسدود».
من ناحية أخرى، لا أحد يدري بالضبط ماهي هذه «الصيغة الدولية الجديدة» التي دعا إليها موفد الأمم المتّحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون لإحياء فرص الحل السياسي في سوريا، وماذا يمكن أن يقدمه «اللاعبون السياسيون الأساسيون» الذين قال إنه يجب ان يشاركوا في هذه الصيغة لا سيما الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا والاتحاد الأوروبي ودول عربية.
لا أحد يدري كذلك ما إذا كان الاجتماع الثلاثي الأخير في الدوحة بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر يمكن أن يمثل أي نوع من البداية لمثل هذه الصيغة الجديدة، لا سيما وأن سيرغي لافروف الذي قيل إن جولته الأخيرة تهدف إلى تعويم نظام الأسد والدفع بعودته إلى جامعة الدول العربية لم يجد في الدوحة ولدى الأتراك ولدى الدول الكبرى أي تجاوب لمثل هذا التمشي، عدا التفهم الإماراتي المعزول.
في المؤتمر الصحافي في الدوحة لهذا الثلاثي الجديد، والذي ستتواصل اجتماعاته في تركيا وروسيا، لفت انتباه بعض المتابعين الجيدين للملف السوري أمران أساسيان: الأول التراجع النسبي لروسيا في إظهار الدعم الكامل وغير المشروط لبشار الأسد، على الأقل مقارنة بما كانت تفعله طوال السنوات الماضية، أما الثاني فكان عدم الإشارة إلى إيران وهي التي كانت لها من قبل مع موسكو وأنقرة مشاركة أساسية في كثير من الاجتمــاعات المخصصة لسوريا.
ما فهم من الأمرين، وفق نفس المتابعين، أن موسكو قد تكون شرعت رويدا رويدا في استدارة هامة في تعاطيها مع الملف السوري حتى لا تحرق مراكبها بالكامل مع المعارضة السورية ولا تلعن المستقبل الذي لن يبقى فيه الأسد إلى الأبد، كما أن إيران الغارقة في أزمتها الاقتصادية الحادة والمنغمسة في البحث عن مخرج مع واشنطن لعودتها إلى الاتفاق النووي لم تعد في وضع يسمح لها بإبداء نفس القدر من التصلب في الدفاع عن النظام السوري.
بالتأكيد، لا بد من النظر إلى ما سبق بكثير من الحذر وعدم تحميله أكثر مما يحتمل، لكن الأكيد هو أن التغيير قادم في سوريا وأن أي دولة لا بد أن تعيد حساباتها بما لا يدمّر أي علاقات مستقبلية لها مع سوريا فالدولة هي التي ستبقى، ولو بجروح غائرة، لكن بشار سيرحل يوما كما رحل غيره من قبل.
الكل يعيد ترتيب أوراقه وحساباته إلا ذاك الجالس في دمشق على كومة الخراب!!
كاتب وإعلامي تونسي
القدس العربية
———————–
اجتماع الدوحة: عمودياً على طريق إيران/ موفق نيربية
صدر في ختام اجتماع الدوحة الثلاثي منذ أيام، بيان مشترك مهم في مضمونه المباشر، تصدّرت نقاطه مسألة «الحفاظ على سيادة سوريا، واستقلالها ووحدة أراضيها، وفق ميثاق الأمم المتحدة»، ثم المرور على نقطتين عمليتين لازمتين، تؤكّد أولاهما على عدم وجود حل عسكري للصراع، وتعرب ثانيتهما على موقف إيجابي من عمل اللجنة الدستورية، وضرورة التفاعل المستمر مع الأطراف السورية، من أجل استدامة عملها الفعّال، من خلال دعم جهود غير بيدرسون ممثل الأمين العام للأمم المتحدة.
ذلك مهم ويمكن العودة إليه بعد قليل، ولكن الأهم منه هو انعقاد ذلك الاجتماع وتوقيته وتركيبته. فانعقاده بالذات تغيير مهم على المحاور والتوجّهات. ويثير الانتباه بقوة تحوّل الروس من تركيز آمالهم على السعوديين والإماراتيين لتحقيق اختراق في عملية إعادة لصق فتات بشار الأسد وشظاياه، إلى الذهاب إلى الدوحة التي تؤكد – مثل تركيا – على أولوية التسليم بالانتقال السياسي. يلفت أيضاً هذا الاستبدال «القاسي» لإيران بقطر، بعد مسار ثلاثي آخر طويل، ابتدأ في آستانة، وكاد ينهي مسار جنيف أحياناً لمصلحته.
لا بدّ أيضاً من الإشارة إلى تواقت الاجتماع مع ذكرى مرور عشر سنوات على الثورة والحرب والأزمة في سوريا. وقد اهتمّت أطراف رئيسة في العالم بهذه المناسبة، وأصدرت بيانات وعقدت اجتماعات وجدّدت مطالب، في حين لم يكن ذلك على طاولة الدوحة، ولم يجر التطرّق إليه في البيان الختامي، ولا حتى من ناحية الشكليات والبلاغة في البلاغ. على الرغم من كلّ ذلك، للاجتماع أهمية ودلالات، لابدّ من ملاحقتها، ربّما لفترة طويلة. أوّل ذلك، كما أسلفنا، هو غياب إيران والانعطاف إلى قطر، من دون أن نغرق في ذلك عميقاً، قبل التثبّت من صموده في ما بعد. وفي ذلك تنعكس سمات عديدة، منها عروبة قطر، على سبيل المثال، وأهميتها في توجّهات مقبلة تعود فيها بعض جسور العلاقة بين تركيا والعرب. وكان من الطبيعي أكثر المرور على طريق دول الخليج الأخرى الأقرب إلى مصر من الناحية السياسية، كما فعل لافروف بالفعل. لكن الطريق القطري أكثر موثوقية كما يبدو، في سياسة تعتمد على تأسيس عوامل الضغط قبل عوامل المرونة والنوايا الحسنة، وذلك ليس غريباً في السياسة الدولية، والإقليمية خصوصاً. وهنا تلتقي المبادرة كذلك مع استعادة قطرية تقوى بالتدريج للاستراتيجية المستندة إلى قوة وإمكانية «الوساطة»، بدلاً من بعض ما ساد بها سابقاً من المظاهر الأكثر عنفاً، كما حدث في سوريا وليبيا. انعكست دبلوماسية الوساطة مؤخّراً بنجاح في القضية الأفغانية، ويمكن أن تكون لها قريباً مساحة للتحرّك باتّجاه إيران، مع كلّ خصومها، ومع احتدام سجالات الاتفاق النووي، حتى قول نتنياهو إنه «لن يسمح بامتلاك سلاح نووي، مع اتفاق أو بدونه».
الأكثر غرابة في توجهات أطراف الاجتماع، كان الموقف الروسي، الذي هجر- من حيث الشكل على الأقل- مثلثاً عاش طويلاً بوجود إيران والاعتراف بدورها في المسار السوري، على الرغم من كون الطرفين الروسي والتركي هما الفاعلان المباشران في المسار المذكور، كون أحدهما في العديد من الحسابات متعهداً للنظام، والآخر متعهّداً للمعارضة. وسوف تتمّ إضافة ذلك المعنى إلى مؤشّرات معروفة يتزاحم فيها النفوذ الروسي مع الإيراني على جسد النظام السوري، ويصل ذلك أحياناً إلى حدّ الصدام هنا وهناك على الأرض.
تحتاج السياسة الروسية إلى مدخل قطري في المسألة الأفغانية، يُضاف إلى مدخل تركي على المسألة ذاتها من خلال المؤتمر المزمع عقده قريباً في إسطنبول. وقد طال بالفعل ابتعاد الروس عن أفغانستان، في حين أنّ لهم جذوراً قوية هناك، دفعوا من أجلها هزيمة وخسائر وضحايا كبرى في السابق، بذلك يمكن لروسيا أن تستملك ورقة جديدة – زائفة في جوهرها- تلعب مع الأمريكيين والغرب عموماً بوجودها وعلى هوامشها. لا يستطيع الإنكار الروسي لتلك المعاني لاجتماع الدوحة أن ينفيها عملياً، بل هو يؤكّدها بشكل غير مباشر، حين يتمّ ربطها بوجود استراتيجية جديدة في واشنطن، وسياسة محتملة لها أكثر نشاطاً. ذلك مهم جداً للروس، الذين يرغبون بربط الملفات المختلفة، التي تجمّعت في علاقتهم مع الولايات المتحدة وأوروبا، بعد أن حققوا ما أرادوه شرق المتوسّط، وبقيت إشكالات أخرى ينبغي عقد «البازار» عليها الآن، وأهمها إنهاء العقوبات الغربية.
تحتاج تركيا بدورها إلى تعزيز مكاسبها، واستعادة بعض أوراقها التي خسرتها في العاصفة، وتطوير إمكانية دعم الاقتصاد الوطني، وتجميع آثار التشدّد في سياساتها شرق المتوسط، خصوصاً بعد انخراطها في مسار التسوية الليبية وتصفية عوالقها هناك، مع جباية الأرباح والفوائد الممكنة، لذلك لا بدّ من إعادة بناء سياستها العربية، وتحسين علاقاتها مع مصر والسعودية والإمارات، كما ابتدأ يلوح بالفعل في الأفق.
ولكن ما يحتاجه الأتراك أكثر من أيّ شيء آخر، هو ما عبّر عنه بيان الدوحة في نقطته الأولى، من دعم لوحدة أراضي سوريا، ومواجهة التوجّهات الانفصالية، وبالتالي تحقيق دعم روسي وقطري للاستراتيجية التركية الأكثر مركزية وحساسية في وجه حزب العمال، وأخطار وجود قوة كردية مستقرة مدعومة على الحدود، تراها قابلةً للتحوّل إلى كيان يصعب اجتثاثه إذا قام وتأسس على الأرض. هنا يرغب الأتراك – ويدعمهم الطرفان الآخران بشكل غير مباشر على الأقل – في مواجهة السياسة الأمريكية الجديدة، استناداً إلى وضعية أكثر قوة، تضرب كلّ الاحتمالات الضارة التي يمكن أن تتفرّع عن الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، انطلاقاً من دورها المطلوب في مواجهة «داعش»، التي ينبغي ألّا تنساها أي محاولة لرؤية سياسية جديدة. ولا يحقق مسار آستانة ووجود إيران ما يمكن لمسار الدوحة الواعد أن يحققه.
وهنالك مثلث آخر يجري تمويهه أحياناً، له علاقة ما بما جرى في الدوحة، هو الأمريكي- الروسي- الإسرائيلي. وتجتمع أطراف الدوحة كلها على قلب واحد، في ما يخصّ ذلك الاتجاه. فالروس يريدون التأكيد على ثبات مركزهم هناك، ليس من خلال دور في استعادة جثمان جاسوس، أو التزامات متحركة بالحفاظ على مسافة تواجد الإيرانيين وجماعاتهم على الحدود مع سوريا، بل في الضغط على إيران أكثر فأكثر من أجل التخلي عن سياساتها النووية والصاروخية، وطموحاتها الإقليمية التي نمت بشكل خطير حتى الآن.. تحتاج تركيا لاحقاً إلى تموضع أفضل مع إسرائيل في ما يخص شرق المتوسط وصفقاته المقبلة، وتحتاج روسيا إلى تكريس موقع لها أكثر استراتيجية في السياسة الإسرائيلية. وتحتاج قطر إلى الالتفاف على ما تشكّله اتفاقات إبراهام من خطر عليها، مباشر أو غير مباشر.
وملاحظة هامشيّة: ربّما شكّل انتهاء الحقبة الترامبية، وابتداء حقبة أخرى تبدو مختلفة أكثر من المعتاد، فرصةً لاسترداد الأنفاس للعديد من الأطراف، لتستعيد البراغماتية مركزها ودورها في استراتيجياتها، بعد أن كان الارتجال والعصبية أهمّ ردود الفعل أمام الخوف والقلق حتى الآن.. يظهر مثل هذا التحوّل في سياسات أطراف مثلث الدوحة الجديد بأشكالٍ مختلفة.
أما سوريا الحقيقية نفسها، فربما ينعكس عليها نشاط هذا المحور الجديد آمالاً بمقاربة عملية لمشكلتها، تكون الأكثر قوة منذ عام 2012 ومؤتمر جنيف وبيانه… سوريا التي فقدت مئات الآلاف من مواطنيها، وربما الملايين من الضحايا، وتشرّد نصفهم في الأرض، وابتعدت آمالهم في بناء وطن حرّ ديمقراطي يؤمن لهم الكرامة والمواطنة المتساوية. إنّها «تحتفل» بالذكرى العاشرة لثورتها، ولا يبدو على وجهها الفرح بذلك أبداً، كما ينبغي، مع انسداد الآفاق أكثر وأكثر في الأعوام الأخيرة. لأهل تلك البلاد، ربّما يكون احتمال تفتيت ما بقي من شرعية للطاغية بتطوير حملات المحاسبة والتجريم، وإجباره على الدخول في عملية تفاوض حقيقية من أجل الانتقال السياسي، وزيادة عزلة وضعف النظام الإيراني، بكلّ ما يشكّله من أخطار داهمة؛ مكسباً مؤكّداً قد يكون هنالك دور لاجتماع الدوحة فيه.. وقد لا يكون.
كاتب سوري
القدس العربي
———————
ترسانة التشريعات الداعمة لحكم النظام السوري قبل عام 2011 وبعده/ نائل جرجس
حُكمَت سورية في ظلّ حالة الطوارئ 48 عامًا، ولم تُرفع تلك الحالة إلا في العام 2011، على إثر انتفاضة السوريين ضدّ نظام البعث الذي وصل إلى السلطة عقب انقلاب الثامن من آذار لعام 1963. وقد شاركَ في هذا الانقلاب حافظ الأسد، بصفته عضوًا في اللجنة العسكرية للفرع الإقليمي السوري لحزب البعث العربي الاشتراكي. وفي 16 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1970، استأثرَ الأسد، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الدفاع، بالسلطة عقب انقلاب عسكري على رفاقه، عُرف بـ “الحركة التصحيحية”، ليطيح برئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي، وليستمر في حكم سورية حتى وفاته في العام 2000.
تزامنَ انقلاب الثامن من آذار مع إصدار أمرين عسكريين استمرَّ العمل بهما بضعة عقود، ينصّ أولهما على صلاحية النظام الحاكم، ممثلًا بـ “المجلس الوطني لقيادة الثورة”، بممارسة السلطتين التشريعية والتنفيذية، بينما يفرض الثاني حالة الطوارئ في البلاد. وهكذا تأسّست في سورية، في ظلّ حكم الأسد الأب، دولة دكتاتورية قائمة على الأحكام العرفية، وعلى حكم الحزب الواحد أو الفرد ذي السلطات المطلقة واللامحدودة، في ظلّ قمع واسع ومنهجي لحريات المواطنين ولحقوقهم.
في ظلّ حكم حافظ الأسد، صدرَت ترسانة من المراسيم المكرّسة لسلطة النظام الدكتاتوري، ممثلًا بكلٍّ من مؤسسة رئاسة الجمهورية والأجهزة الأمنية وحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم؛ فجاءَ دستور عام 1973 لينصّ في مادته الثامنة على أنّ “حزب البعث هو القائد في المجتمع والدولة”، وأعطى لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، على صعيد كل من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ حيث تخوّل المادة 111 من هذا الدستور رئيس الجمهورية الحق بالتشريع، سواء أكان أثناء انعقاد دورات مجلس الشعب أو خارجها أو حتى في المدة الفاصلة بين ولايتي مجلسين، وتُتيح له المادة 107 حلّ مجلس الشعب، وتخوّله المادة 98 الحق بالاعتراض على القوانين التي يقرّها هذا المجلس. وعلى صعيد السلطة القضائية، نصّت المادة 132 من هذا الدستور على أنّ “يرأس رئيس الجمهورية مجلس القضاء الأعلى”، ونصت المادة 139 على أن “تؤلف المحكمة الدستورية العليا من خمسة أعضاء يكون أحدهم رئيسًا يسميهم رئيس الجمهورية بنفسه”. وهكذا تعرّض كلٌّ من مبدأ فصل السلطات وحصانة القضاة واستقلالهم للانتهاك المستمر، في ظلّ حكم الأسد. وقد نصّ القانون الخاص بأمن حزب البعث العربي الاشتراكي رقم 52 لعام 1979 على عقوبات قاسية على كلِّ فعل يُقصد منه منع حزب البعث من ممارسة مهامه، تصل إلى الإعدام في بعض الحالات (المادة 9).
أنشأ نظام الأسد المحاكم الاستثنائية لتطبيق ترسانته التشريعية على معارضي النظام وأيديولوجيته في الحكم. وقد امتازت هذه المحاكم بطابعها العسكري، وافتقار أحكامها إلى أدنى شروط المحاكمة العادلة، ولا سيما استقلالية القضاة وحقوق الدفاع والطعن بالقرارات. وكان من أبرز هذه الأجهزة القضائية كل من “محكمة أمن الدولة العليا” المنشأة بموجب المرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1968، ومحكمة الميدان العسكرية المشكّلة بموجب المرسوم رقم 109 لعام 1968. ولم تكن هذه المحاكم إلا ذراعًا لأجهزة الأمن السورية المتشعبة والمتعددة والمنشأة بشكل أساسي لبسط هيمنة النظام الحاكم وترهيب معارضيه. فقد لعبت هذه الأجهزة دورًا أساسيًا في قمع أي مظهر للعمل الحقوقي والسياسي والمدني، في ظلّ تمتعها بحصانة واسعة عن انتهاكاتها، وقد نصّ على ذلك صراحة كلٌّ من المرسوم التشريعي رقم 14 الصادر بتاريخ 15 كانون الثاني/ يناير 1969، ولاحقًا المرسوم رقم 64 لعام 2008.
تسلّم بشار الأسد منصب رئاسة الجمهورية في العام 2000، وذلك في ظلّ إجراء تعديل للمادة 83 من دستور عام 1973 التي كانت تشترط في من يرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون متمًا الأربعين عامًا من عمره، حيث خُفّضَ هذا السنّ إلى الأربعة والثلاثين لينطبق عليه آنذاك، وذلك بمقتضى القانون رقم 9 تاريخ 11 تموز/ يونيو 2000. وقد شهدت أولى سنوات حكم وريث السلطة فترةً من الانفتاح، تخللها نشاط لبعض منظمات المجتمع المدني وللمنتديات الفكرية ولمطالبات وبيانات للتأسيس لحكم ديمقراطي، ولا سيّما رفع حالة الطوارئ وإغلاق ملف الاعتقال السياسي وتعديل المادة الثامنة من دستور عام 1973 المذكورة أعلاه. لم يستجب بشار الأسد لهذه المطالب، وعاد نظامه إلى تنفيذ الاعتقالات السياسية، وخنق أي مظهر للعمل السياسي والمدني. وقد استمرَّ الوضع على هذه الحال في ظلّ ارتفاع معدلات الفساد وغياب تداول السلطة، حتى اندلاع انتفاضة الشعب السوري في آذار/ مارس من العام 2011، متزامنةً مع ثورات عمّت كثيرًا من بلدان المنطقة للمطالبة بإنهاء حكم الأنظمة المستبّدة.
ادّعى النظام السوري أنه أصدر حزمةً من الإصلاحات القانونية لتحقيق تغيير سياسي، غير أنّ ذلك لم يكن أكثر من إعادة صياغة للمنظومة التشريعية القمعية للمواطنين السوريين والمكرّسة للاستمرار في السلطة. فقد أُنهيَ العمل بحالة الطوارئ بمقتضى المرسوم رقم 161 الذي ترافقَ مع إصدار المرسوم التشريعي رقم 53 المتعلّق بإلغاء محكمة أمن الدولة العليا. فضلًا عن ذلك، اعتمدَ نظام الأسد دستور عام 2012 الذي استبدلَ المادة الثامنة الخاصة بقيادة حزب البعث، بمادة أخرى جاءَ في فقرتها الأولى أن “يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطيًا عبر الاقتراع”. غير أنّ العام 2012 شهدَ استصدار القانون رقم 19 لعام 2012 الخاص بـ “مكافحة الإرهاب”، الذي مهّد لاستصدار المرسوم رقم 22 لعام 2012 الخاص بإنشاء محكمة تختصّ بالنظر في قضايا الإرهاب. وقد تشكّلت هذه المحكمة الجديدة لتقوم بالمهام المنوطة سابقًا بمحكمة أمن الدولة العليا، وهو ما يتبين من التشابه الكبير بين القوانين الناظمة لعمل كلتا المحكمتين. ويفرض القانون الجديد الخاص بـ “مكافحة الإرهاب”، في مواده الخمسة عشر، قيودًا شديدةً على الحق في حرية التعبير والتجمع، بما يؤدّي إلى التنكيل بمعارضي النظام تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”؛ حيث نصّت مادته الثامنة على معاقبة “كل من قام بتوزيع المطبوعات أو المعلومات المخزنة، مهما كان شكلها، بقصد الترويج لوسائل الإرهاب أو الأعمال الإرهابية، وتنزل العقوبة نفسها بكل من أدار أو استعمل موقعًا إلكترونيًا لهذا الغرض”.
شهدَ أيضًا العام 2011 إصدار مجموعة من القوانين ذات الصلة بالتعددية السياسية والديمقراطية التي يدّعيها النظام، مثل المرسوم رقم 100 الخاص بالأحزاب، والمرسوم رقم 108 الخاص بالإعلام، وكلاهما لا يتفق ودولة القانون، لكونهما يكرّسان سيطرة النظام على مقاليد الحكم. ولم يحقق المرسوم التشريعي رقم 54، الصادر بتاريخ 21 نيسان/ أبريل 2011 والخاص بتنظيم التظاهر السلمي، أدنى المعايير الحقوقية، فلم يتم -حتى يومنا هذا- الاستفادة من أحكامه التي جاءت بشكل أساسي لتقييد الحق بالتظاهر وفرض العقوبات الشديدة على المخالفين. أمّا دستور عام 2012، فقد أعادَ تكريس الصلاحيات المطلقة لرئيس الجمهورية وسيطرته على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، كما يتبين من بابه الثالث الخاص بسلطات الدولة. واستمرّ العمل بالعديد من القوانين القمعية السابقة، ولا سيما المراسيم الخاصة بحصانة أجهزة الأمن التي تجاوزت انتهاكاتها حتى ما تُتيحه لها التشريعات النافذة.
ترافقت هذه “الإصلاحات” التي ادّعاها النظام السوري بحملات شرسة ضدّ معارضي النظام، تخللها ارتكاب جرائم ضدّ الانسانية وجرائم حرب بحق المواطنين السوريين، بدءًا من قتل المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي، ومرورًا بممارسة عمليات الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء، فضلًا عن القصف العشوائي بالأسلحة المحظورة دوليًا للمناطق المدنية، واتباع سياسة حصار وتهجير المواطنين. وهكذا لم تظهر ملامح لتحقيق تغيير بنيوي في الهيكلية السياسية والتشريعية خلال العقد الماضي، واتضحت أيضًا الطبيعة الطائفية والإجرامية للنظام السوري الذي ينبغي استئصاله، لتحقيق سلام مستدام وعدالة انتقالية في سورية.
مركز حرمون
———————————-
حسن عبدالعظيم: الحل معطل وندعو لمقاطعة الانتخابات
حوار طارق صبح ومحمد حاج بكري
قومي ويساري، آمن بالحركة الناصرية منذ بداياتها، ونشط في أوساط الحركات اليسارية القومية، عارض الانفصال بين سوريا ومصر في العام 1961، وانضم على “حركة الوحدويين الاشتراكيين”، ثم تركها وانضم إلى “الاتحاد الاشتراكي العربي” الذي أسسه الدكتور جمال الأتاسي من عدة أحزاب ناصرية في العام 1964.
ولد حسن عبد العظيم في العام 1932 في قرية حلبون التابعة لمنطقة التل في ريف دمشق الشمالي، حصل على إجازة في الحقوق والمحاماة من جامعة دمشق في العام 1957، وعمل في بداية حياته كمدرس، ثم مارس مهنة المحاماة بعد تخرجه من كلية الحقوق.
يعتبر أحد أبرز أعضاء حزب “الاتحاد الاشتراكي العربي” بعد مؤسسه الدكتور جمال الأتاسي، شغل منصب نائب الأمين العام في العام 1985، ثم أميناً مساعداً في العام 2000، ليتم انتخابه أميناً عاماً بعد وفاة الأتاسي في نيسان من العام 2000.
نشط حسن عبد العظيم ضمن صفوف “التجمع الوطني الديمقراطي”، الذي تألف من عدة أحزاب معارضة، وأصبح الناطق الرسمي باسمه في أيار من العام 2000، وواصل نشاطه السياسي، فكان أحد الموقعين على “إعلان دمشق”، وأحد أبرز الوجوه السياسية المعارضة فيما عُرف باسم “ربيع دمشق”، عقب وفاة حافظ الأسد.
بعد اندلاع الثورة السورية في آذار من العام 2011، ساند الثورة السورية، وشغل منصب المنسق العام لـ “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي”، التي ضمت بين صفوفها معارضين بارزين، جزء كبير منهم معتقلون ومغيبون قسرياً حتى الآن.
تنبأ حسن عبد العظيم منذ بدايات الثورة أن تفاقم عنف النظام وتسلح الثورة سيؤديان إلى حرب أهلية أو صراع طائفي، وشدد على أهمية الحفاظ على الطابع السلمي للاحتجاجات، إلا أنه اعتبر أن من حق العسكريين في جيش النظام الانشقاق عنه والقتال ضده، لكنه عارض تطوع المدنيين وحملهم للسلاح.
لم يعارض بداية الحوار مع النظام على أساس التغيير الديمقراطي، إلا أنه ومنذ تموز من العام 2011 رفض أي حوار أو لقاء سياسي أو أي من أشكال المشاركة في الحكم في ظل تصاعد العنف واستمرار قتل المدنيين.
لطالما شدد حسن عبد العظيم على أن المعارضة السياسية لا تقتصر على فئات دون غيرها، بل هي متعددة الأطراف، ولابد من توحيد الجهود، وانتقد محاولات تفضيل الدول الغربية لبعض التيارات السياسية على غيرها، معتبراً أن ذلك يعني “استبدال الاستبداد باستبداد آخر”.
من العاصمة دمشق، حيث يقيم المحامي والمعارض السياسي حسن عبد العظيم، كان لنا معه هذا الحوار:
ماذا يعني أن تكون معارضاً وضمن تيار سياسي وتقيم في دمشق اليوم؟
يمكن القول إن هذا تأكيد على القدرة على الصمود ومشاركة من بقي من السوريين المعاناة والحصار والاعتقال والتعذيب وانقطاع الكهرباء وفقدان موارد التدفئة والغلاء والبلاء والوباء وفقدان المواد الغذائية وكل احتياجات العيش الكريم الأساسية، وهذا واقع يعيشه المعارضون والموالون على حد سواء.
هيئة التنسيق تدعو لمقاطعة الانتخابات ترشيحاً وانتخاباً
ما موقف هيئة التنسيق اليوم من الانتخابات الرئاسية التي سيجريها بشار الأسد قريباً؟
“هيئة التنسيق الوطنية” تعتبر هذه الانتخابات شكلية، وموقفنا منها هو المقاطعة، ودعوة الشعب لرفض المشاركة ترشيحاً وانتخاباً، وذلك لأنها تقطع الطريق على الحل السياسي التفاوضي وفقا لبيان جنيف 1 في حزيران من العام 2012، وللقرارات الدولية ذات الصلة، وأهمها القراران 2118 في العام 2013، و2254 في العام 2015.
هل يمكن اعتبار إجراء تلك الانتخابات موقفا من النظام وروسيا لعرقلة الحل السياسي في سوريا؟
طبعاً، إجراء الانتخابات الرئاسية من قبل النظام تعني رفض الحل السياسي التفاوضي، وتجاهل القرارات الدولية، وفي مقدمتها القرار 2254، ويشمل ذلك بالضرورة الموقف الروسي، إذا كان موافقاً على إجرائها ونتائجها.
الحل السياسي التفاوضي من خلال اللجنة الدستورية معلق ومعطل
هل ترى انفراجاً قريباً في مسار اللجنة الدستورية، أم أنها باتت كمن “يطهو الحصى” كما يقول البعض؟
حتى اليوم لم يحدث أي انفراج في اللجنة الدستورية التي اقترحتها موسكو على مدى فترة لا تقل عن عام ونصف، لأن الضغط الروسي على النظام غير كافٍ، وسيتضح الموقف الروسي أكثر بعد جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على الدول الخليجية.
هل تقتصر العقبات أمام اللجنة تعطيل النظام لها، أم هناك عقبات أخرى؟
تعطيل النظام لعمل اللجنة الدستورية هو العقبة الرئيسية، ولكن في الوقت ذاته ثمة أسباب أخرى؛ منها تراخي المجموعة الدولية تجاه القضية السورية، والموقف الأميركي والروسي والمجتمع الدولي وتغاضيه عن جرائم النظام وانتهاكاته لحقوق الإنسان.
هل هناك عدم توافق دولي حتى اللحظة على الرؤية الأخيرة لمشروع الحل السوري؟
عندما تم التوافق الأميركي الروسي على إلزام النظام بتسليم السلاح الكيماوي قبل نحو ثمانية سنوات، اضطر النظام إلى تسليمه خلال أيام، غير أن التوافق الدولي، وبخاصة الأميركي الروسي لم يتحقق حتى اليوم بشكل جدي، ويبقى الحل السياسي التفاوضي من خلال اللجنة الدستورية معلقاً ومعطلاً.
إلى أين وصلت الأزمة الداخلية في “هيئة التفاوض السورية”؟
لا تزال “هيئة التفاوض السورية” معطلة بسبب عدم حل مشكلة المستقلين، وعدم حدوث اختراق يعيد لها وحدتها ودورها، كما تلعب الخلافات الإقليمية دوراً يمنع أطراف الهيئة من الاتفاق والتوافق.
من هي الأطراف التي تتدخل في خلق الأزمة داخل الهيئة؟
تركيا طرف أساسي في عدم إمكانية تحقيق الحل، من خلال الضغط الذي تمارسه على الائتلاف للتمسك بالأكثرية التي تفوضه لاتخاذ القرارات والتوجيهات في هيئة التفاوض مع المستقلين السابقين وممثلي الفصائل المقيمين في تركيا، في مقابل التنافس مع وزارة الشؤون الخارجية للسعودية ومصر العربية والإمارات العربية المتحدة والأردن في قضايا المنطقة العربية في العراق ولبنان وسوريا وليبيا.
غير أن تطوراً إيجابياً جديداً في الموقف التركي حصل في لقاء الدوحة، خلال زيارة وزير الخارجية الروسي الأخيرة بالتنسيق مع المجموعة العربية يتعلق بالحل في سوريا، وقد يكون مفتاحاً لحل الأزمة، ويضع نهاية سعيدة لها في الذكرى العاشرة للثورة.
ما السبيل لحل الأزمة داخل الهيئة؟
توفر استقلالية القرار الوطني، والنأي عن الخلافات السياسية في “هيئة التفاوض السورية” ككيان تفاوضي، يهتم بإعداد الإصلاح الدستوري وإعداد مشروع الدستور، وتشكيل هيئة الحكم غير الطائفي، وتوفير البيئة الآمنة والمحايدة للاستفتاء على الدستور، والانتخابات الرئاسية والتشريعية، وقضايا الأمن والإرهاب، لا أن تكون كياناً سياسياً له اصطفافات سياسية مع هذه الدولة أو تلك.
هل ترى أن مشروع الهيئة بات يشكل عبئاً حقيقياً على الدول التي سعت لتشكيله؟
تحرص المجموعة الدولية على “هيئة التفاوض السورية” التي شكلتها، وعلى وحدتها ككيان تفاوضي، وعلى مكوناتها أن تنجز حلاً لمشكلة المستقلين، يعيد التوازن للهيئة بين الدور الإقليمي التركي الإيراني والدور العربي ودور الأمم المتحدة والمبعوث الدولي والمفوضية الأوروبية، والحرص على مبدأ التوافق في الإجراءات والقرارات، وحل الخلافات والإشكالات عبر السلة الواحدة المتكاملة ورفع نسبة التصويت إلى 60 %.
الموقف الأميركي صار أكثر توازناً وتوزيع مناطق النفوذ سيؤدي للتقسيم
كيف تقرأ موقف الإدارة الأميركية الجديدة من الملف السوري؟
موقف السياسة الأميركية تجاه الملف السوري صار أكثر توازناً، والتزاماً بالعمل المؤسسي والقرارات الدولية، بدلاً من التغريدات والقرارات المفاجئة، والتخبط العشوائي للرئيس السابق دونالد ترامب.
نحن أمام ثلاثة تقسيمات حالية للأرض السورية، (مناطق سيطرة النظام، مناطق سيطرة المعارضة، مناطق سيطرة قسد)، هل تعتقد أننا سنشهد تغييراً في معادلة تلك القوى قريباً؟
أستطيع القول إنه يضاف إلى المناطق الثلاث منطقة الوجود الأميركي ومنطقة الوجود التركي ومنطقة إيران وميليشياتها المذهبية، ومنطقة الغارات العدوانية الإسرائيلية على الأراضي السورية، ويشكل استمرار السيطرة الخارجية على هذه المناطق لفترة طويلة الوطن السوري للتجزئة والتقسيم، خاصة أنه يترافق مع تعثر الحل السياسي.
هل ينبئ تدهور الوضع الاقتصادي داخل سوريا بحراك مستقبلي من أي نوع؟
مما لا شك فيه أن تدهور الوضع الاقتصادي والمالي، وانخفاض سعر العملة السورية، وارتفاع الأسعار بشكل متواصل يخرج عن طاقة احتمال الناس وإمكاناتهم المادية، بدأ يثير عوامل الغضب والتحدي ويحرك عوامل التمرد حتى لدى الموالين.
أين المعتقلون اليوم في مفاوضاتكم السياسة؟
قضية المعتقلين وسجناء الرأي ماثلة في مطالبنا باستمرار، في جميع لقاءاتنا وزياراتنا، وفي مقدمتهم معتقلو قياديي الهيئة عبد العزيز الخير وإياس عياش ورجاء الناصر وماهر طحان وخليل معتوق وغيرهم، إلا أن النظام لم يستجب لهذه المطالب، ولا يزال يرفض الإفراج عنهم تنفيذاً للقرار 2254، الذي يلزمه بذلك دون تفاوض.
من وجهة نظرك، هل باتت المعارضة مسؤولة، كما النظام، عن تأخر الحل في سوريا؟
المعارضة ليست مسؤولة عن تأخر الحل في سوريا، ولا تتحمل مسؤولية تعطيله، المسؤول الأول هو نظام الأسد، وكذلك عدم جدية حلفاء النظام والإدارة الأميركية.
وندعو، بعد عشر سنوات من الحرب والتدمير والقتال، إلى أن تتخذ القوى الإقليمية والدولية موقفاً جدياً من الدفع بالحل السياسي.
تلفزيون سوريا
————————–
سوريا: رفع سعر البنزين بأكثر من 50%
دمشق – أ ف ب: رفعت الحكومة السورية سعر البنزين بأكثر من 50 في المئة، وسط تفاقم أزمة شحّ المحروقات وانهيار اقتصادي متسارع يضرب البلاد، التي اعتادت خلال الأسابيع الماضية على مشهد الطوابير أمام محطات الوقود.
وهذه ليست المرة الأولى التي ترفع فيها الحكومة السورية سعر البنزين، في وقت تسجل الليرة السورية انهياراً متسارعاً.
وقد تخطى سعر الصرف في الفترة الأخيرة عتبة 4200 ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء، بينما سعر الصرف الرسمي المعتمد من المصرف المركزي يعادل 1256 ليرة في مقابل الدولار.
وتشهد سوريا، التي دخل النزاع فيها الأسبوع الحالي عامه الحادي عشر، أزمة اقتصادية خانقة فاقمتها مؤخراً تدابير التصدي لوباء كوفيد-19. كذلك زاد الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور، حيث يودع سوريون كثر، بينهم رجال اعمال أموالهم، الوضع سوءاً في سوريا.
وأعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مساء الإثنين على صفحتها على «فيسبوك» أنها عدلت سعر ليتر البنزين الممتاز أوكتان 90 للكميات المخصصة على البطاقة الإلكترونية، المدعوم وغير المدعوم، إلى 750 ليرة سورية لليتر الواحد بعدما كان 475، أي بزيادة قدرها نحو 58 في المئة.
كذلك زادت سعر البنزين غير المدعوم إلى ألفي ليرة لليتر الواحد بعدما كان 1300 ليرة، أي بزيادة نحو 54 في المئة تقريباً.
وقررت الوزارة أيضاً تحديد سعر أسطوانة الغاز المنزلي بـ3850 ليرة سورية، مقارنة مع 2700 ليرة في السابق.
ومنذ بدء النزاع العام 2011، مُني قطاع النفط والغاز في سوريا بخسائر كبرى تقدّر بـ91.5 مليار دولار جراء المعارك الدائرة في البلاد منذ عشر سنوات، وتراجع الإنتاج مع فقدان الحكومة السيطرة على حقول كبرى، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، وآخرها العقوبات التي أعلنت عنها بريطانيا أمس الأول وطالت ستة مسؤولين سوريين.
وأعلنت وزارة النفط السورية الأسبوع الماضي أنه «نتيجة تأخر وصول توريدات المشتقات النفطية المتعاقد عليها بسبب العقوبات والحصار الأمريكي، عمدت الوزارة إلى تخفيض كميات البنزين الموزعة على المحافظات بنسبة 15 في المئة وكميات المازوت بنسبة 20 في المئة لحين وصول التوريدات الجديدة».
ويفاقم رفع الأسعار معاناة السوريين الذين ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على البنزين المدعوم ويشكون من الغلاء وارتفاع الأسعار المتواصل.
ويعيش غالبية السوريين حالياً تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما تضاعفت أسعار السلع في أنحاء البلاد خلال العام الأخير. ويعاني 12.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق «برنامج الغذاء العالمي».
وقال راني (37 عاماً) الذي يشتري مواد غذائية من المعامل ليوزعها على المحلات الصغيرة «أمس بكل تأكيد سوف نضطر لزيادة أسعار منتجاتنا لتغطية زيادة سعر البنزين (…) هذا الأمر سوف ينسحب على كل شيء».
واضطرّ راني الأسبوع الماضي لشراء البنزين من السوق السوداء بسعر ألف ليرة لليتر الواحد، وقال «لا نستطيع الوقوف لساعات طويلة (أمام المحطات) لذلك أفضل شراء البنزين على الانتظار».
وأضاف «لكن هنالك من لا يستطيع تحمل ثمنه (في السوق السوداء) فيضطر للانتظار ساعات طويلة»
————————————
ممثلو الدول الصديقة للشعب السوري يؤكدون دعمهم للانتقال السياسي/ جلال بكور
أكد الممثلون للدول الصديقة للشعب السوري دعمهم للانتقال السياسي في سورية وفق بيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة، واستمرارهم في دعم الشعب السوري بعد عشر سنوات على انطلاق ثورته ضد النظام.
وجاء ذلك في لقاء افتراضي مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بمناسبة مرور الذكرى العاشرة على انطلاق الثورة السورية ضد النظام. وعُقد اللقاء من مدينة إعزاز بريف حلب شماليّ سورية.
وقالت “الدائرة الإعلامية للائتلاف الوطني السوري”، اليوم الأربعاء، إنّ اجتماعاً افتراضياً عُقد بين سفراء وممثلي الدول الصديقة للشعب السوري بمشاركة أعضاء من الائتلاف بقيادة نصر الحريري ورئيس الحكومة السورية الموقتة عبد الرحمن مصطفى، ومجموعة من الوزراء.
وحضر الاجتماع الافتراضي ممثلون وسفراء عن كل من دول الولايات المتحدة الأميركية، كندا، اليابان، الدنمارك، المملكة المتحدة، فرنسا، أستراليا، بلجيكا، وإسبانيا.
وقدّم رئيس الائتلاف الوطني نصر الحريري إحاطة حول الذكرى العاشرة للثورة السورية، وتطورات العملية السياسية واللجنة الدستورية السورية. كذلك جرت مناقشة العديد من الملفات، من بينها “قانون قيصر” والأوضاع الإنسانية في مخيمات النازحين شماليّ سورية.
وقالت الدائرة الإعلامية للائتلاف إنّ المبعوثين الدوليين أكدوا “دعم الشعب السوري في مطالبه بالحرية والديمقراطية، والمضيّ في سبيل فرض العقوبات على رأس النظام ومجرمي نظامه كجزء من مسار المحاسبة”، وأكدوا “دعم الانتقال السياسي في سورية وفق بيان جنيف والقرارات الدولية”.
وعبّر السفراء والممثلون عن “أمانيهم بنهاية معاناة الشعب السوري وأوجاعه، وتحقيق طموحاته وأحلامه بعد عشر سنوات من التضحيات بالحرية والكرامة والديمقراطية”.
ويذكر أن مجموعة الدول أصدقاء الشعب السوري هي مجموعة اتصال تتكون من دول غربية وعربية إضافة إلى هيئات ومنظمات أُنشئت في فبراير/ شباط 2012 بهدف العمل على إيجاد حلّ للصراع السوري خارج إطار مجلس الأمن، وذلك بعد عرقلة كل من روسيا والصين للقرارات المتعلقة بسورية.
وانعقد مؤتمر “أصدقاء سورية” الأول في فبراير 2012 في تونس، وختم بإعلان يدعو حكومة النظام السوري إلى إنهاء العنف ووقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية لأكثر المناطق تضرراً.
————————–
بقايا الطبقة الوسطى السورية تسقط في هوّة الفقر/ إليزابيث تسوركوف *
كانت مروة، وهي أم معيلة في الأربعينات من عمرها، مستيقظة في وقت متأخر من الليل، في شقتها التي تستأجرها في جرمانا. وكانت معتادة على متابعة الإخطارات الواردة على هاتفها المحمول من تطبيق «سوريا للتجارة»، وهي مؤسسة مملوكة للحكومة، تبيع سلعاً بأسعار مدعومة، لتعرف موعد تسلمها البضائع الخاصة بها.
كانت مروة قد تمكنت من شراء 4 كلغ من الأرز و3 كلغ من السكر، بأسعار مدعومة من أجل أسرتها، لتوفر بذلك نحو 3 دولارات تقريباً، مقارنةً بأسعار السوق. لكنّ تطبيق الهاتف لم يعد يبعث لها إخطارات كالمعتاد. قالت في نفسها: «في الشهرين الماضيين، لم أتلقَّ الرسالة في الوقت المناسب، أما هذا الشهر فقد حالفني الحظ».
تقضي مروة ساعات عدة كل يوم في طوابير طويلة لشراء الخبز المدعوم، لتعود بعدها إلى منزلها وتجلس في الظلام والبرد بسبب انقطاع الكهرباء والارتفاع الشديد في أسعار وقود التدفئة. واضطرت منذ وقت قريب إلى بيع الهاتف المحمول الخاص بابنتها كي تتمكن من سداد نفقات طبية.
مروة، وهي موظفة سابقة في الحكومة، فقدت شقيقها وابنتها في هجمات «داعش» وهجمات أخرى شنتها قوات النظام. وتبدو قصتها شبيهة بقصص كثير من أبناء الطبقة الوسطى الآخذة في التلاشي داخل سوريا، والتي سقطت اليوم في هوة الفقر.
قبل عام 2011، كانت سوريا بين الدول منخفضة الدخل، وبلغ إجمالي الناتج المحلي بالنسبة للفرد عام 2010 ما يقدر بـ2806 دولارات، تبعاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وكان هذا المستوى معادلاً لنظيره في سريلانكا، ويقل قليلاً فقط عما هو عليه في المغرب ومصر. اليوم، يعيش قرابة 90% من المقيمين داخل سوريا تحت خط الفقر، في وقت تتفشى مشكلة الجوع يوماً بعد آخر.
منذ عشر سنوات، لم تكن غالبية السوريين من الأثرياء، لكن البلاد اتسمت بوجود طبقة وسطى واسعة، تتمتع بمستوى معيشة مريح نسبياً. ومع هذا، تسببت إجراءات تحرير الاقتصاد، التي بدأت في تسعينات القرن الماضي، في اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء. وتراجعت الخدمات، وكذلك الدعم الذي تقدمه الدولة لأسعار المواد الأساسية، لا سيما أسعار الوقود، كما تقلصت أموال الدعم الموجهة للمزارعين، الذين شكّلوا في وقت مضى فئة موالية للنظام يمكن الوثوق بها، أو على الأقل أكثر فئات المجتمع هدوءاً.
وباشتعال الانتفاضات العربية، أواخر عام 2010، ساد شعور في أوساط قطاعات كبيرة من الطبقة الدنيا، التي كانت تقيم في المناطق الريفية وداخل الأزقة على أطراف المدن الكبرى، بأنه ليس هناك ما يمكن خسارته، وثارت هي الأخرى.
ومع ذلك، ظلت الطبقة الوسطى الحضرية السورية، وكذلك الأقليات الدينية، هادئة في معظمها، أو داعمة للنظام.
اليوم، تشعر هذه القطاعات من المجتمع بأن العقد الاجتماعي المسكوت عنه بينها وبين النظام، والذي بمقتضاه تبقى هذه القطاعات على هدوئها، مقابل الحصول على خدمات ووظائف من الدولة، قد جرى خرقه.
شفيق، المقيم في ريف اللاذقية، والذي تم تسريحه من الجيش منذ عام، قال لـ«الشرق الأوسط»: «خدمت في الجيش لثماني سنوات في ظروف يسودها الإذلال والمهانة والظلم. اليوم، لا عمل لديّ ولا مستقبل. أضعت تلك السنوات مقابل لا شيء، وليس بإمكاني تحقيق أي شيء لنفسي».
مكابدة يومية للنجاة من الجوع والبرد… والظلام
يواجه السوريون أزمات عدة، تتسبب كل واحدة منها في تفاقم الأخرى، ما أدى إلى تحويل الحياة إلى صراع متواصل لتأمين الضرورات الأساسية للعيش، للبقاء بمنأى عن الجوع والبرد. وجاء التأثير الأكبر للعقوبات المفروضة ضد النظام، متمثلاً في انخفاض إمدادات المنتجات النفطية من إيران، في أعقاب تشديد العقوبات الأميركية ضد النظام الإيراني والشبكات التي تتولى على نحو غير قانوني توفير النفط منذ أواخر عام 2018. وأسفر نقص الوقود والغاز الطبيعي عن تداعيات واسعة النطاق على مختلف جوانب الاقتصاد السوري.
ويقضي السوريون، في مختلف أرجاء البلاد، الجزء الأكبر من أيامهم في الظلام، مع انقطاع الكهرباء على نطاق واسع، حتى داخل الأماكن التي يوليها النظام أولوية، مثل مدينة اللاذقية وريفها، أو الضواحي التي تقطنها الطبقات الغنية في دمشق، مثل ضواحي «المهاجرين» و«أبو رمانة» و«مشروع دمَّر».
من جهتها، أقرت الحكومة السورية سياسة تقنين الكهرباء. لكن، حتى خلال الساعات التي يفترض أن الكهرباء ستتوافر فيها، والتي يضع السوريون خططهم اليومية بناءً عليها، لشحن هواتفهم المحمولة وأجهزة تخزين الطاقة، غالباً ما يكون التيار الكهربائي متقطعاً فيها.
وعن هذا الأمر، قال وائل، المقيم في ضاحية جنوب دمشق: «عادةً، تتوافر الكهرباء لدينا لساعتين في اليوم. ومنذ وقت قريب، جاء محافظ ريف دمشق لزيارة المنطقة، لذلك كنسوا الشوارع قبل مجيئه، وأبقوا على الكهرباء لمدة ساعة ونصف الساعة. وبعد رحيله، انقطعت الكهرباء عن المنطقة من جديد».
من ناحية أخرى، فإن لتر المازوت قفزت تكلفته من 207 ليرات قبل عام 2011، إلى قرابة 1400 ليرة، اليوم، في السوق السوداء. ومن المفترض أن يتوافر المازوت الخاص بالتدفئة مقابل سعر مدعوم يبلغ 180 ليرة للتر، لكنه، في الواقع، غير متوافر بهذا السعر، في معظم المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، إلا لأفراد ينتمون لشبكات الفساد وأمراء الحرب.
ويحتاج كل منزل بين 60 و150 لتراً من الوقود، شهرياً، من أجل التدفئة في فصل الشتاء، حسب درجة الحرارة في الخارج، أي ما تبلغ تكلفته 84000 ليرة في أدنى تقدير، ما يعادل قرابة ضعف متوسط الراتب الشهري. ولهذا، يستحيل على غالبية السوريين تدفئة منازلهم، علماً بأن درجات الحرارة تنخفض إلى ما دون الصفر في المناطق المرتفعة من البلاد، مثل اللاذقية والجبال المحيطة بدمشق.
عن هذا الأمر، قالت جميلة، وهي جدة تبلغ 65 عاماً، وتعيش في منطقة جبلية قرب دمشق: «يجلس غالبية الناس تحت الأغطية، لكن من الصعب إبقاء الأطفال تحتها. لذلك، يمرض الأطفال باستمرار، ويتعين عليك حينها توفير الدواء لهم، وتوفير ملابس ثقيلة تجعلهم يشبهون دببة الباندا».
من ناحية أخرى، توقفت منظومة النقل العام داخل سوريا، في الجزء الأكبر منها. ونظراً لارتفاع أسعار المازوت في السوق السوداء، وانخفاض الأجرة التي يتقاضاها سائقو سيارات الأجرة الجماعية (السرفيس) من الركاب، يشعر هؤلاء السائقون أن من حقهم الحصول على المازوت بأسعار مدعومة، لكونهم يقودون سيارات أجرة تنتمي للمواصلات العامة، لكنهم يبيعون الوقود المدعوم الذي يتسلمونه، في السوق السوداء، ويبقون في منازلهم، بدلاً من الخروج بسياراتهم لتوصيل المواطنين إلى وجهاتهم.
ويعني هذا الأمر بدوره، اضطرار السوريين إلى الانتظار ساعات طويلة، في بداية ونهاية كل يوم عمل، من أجل إيجاد مقعد داخل وسيلة مواصلات. وإضافة إلى تأخرهم عن أعمالهم، ارتفعت أسعار المواصلات بدرجة هائلة، إلى حدٍ أجبر بعض الموظفين على التغيب عن أعمالهم لأيام عدة من الأسبوع.
ومن بين هؤلاء منى، المدرِّسة في ريف اللاذقية، والتي وصفت صعوبة هذا الوضع على المدرِّسين. وقالت: «بدلاً من الذهاب إلى العمل في جميع أيام الأسبوع، يذهب المعلمون للمدرسة مرة كل يومين، ويحرص الناظر على إبقاء سير جدول الحصص منتظماً. أما من يملكون واسطة، فقد توقفوا تماماً عن الذهاب إلى العمل، ومع ذلك فهم مستمرون في تلقي رواتبهم. أما من ليس لديهم واسطة، فيضطرون إلى الحضور إلى العمل، ما يجبرهم على إهدار كامل رواتبهم على المواصلات، فقط من أجل الحفاظ على وظيفة حكومية، لما تحمله من مميزات أخرى».
وأضافت منى: «بطبيعة الحال، يؤثر هذا الأمر على مستوى التعليم. وفي الواقع، الجيل القادم يتعرض للتدمير».
في الوقت ذاته، أصبح الآباء والأمهات يعتمدون على نحو متزايد على التعليم في المنزل، وعلى مدرسين خصوصيين، يُقدم كثيرون منهم على هذا العمل لضمان الحصول على راتبٍ ثانٍ.
فقدت العملة السورية ما يزيد على 98.5% من قيمتها على مدار السنوات العشر الماضية. وفي مطلع 2011، كان الدولار الأميركي الواحد يساوي 47 ليرة سورية. وبدأت العملة السورية تفقد قيمتها مع بداية الانتفاضة، ومع توقف مصادر العملة الصعبة، مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، والصادرات. وبدأ التراجع السريع في قيمة العملة في أعقاب الأزمة المصرفية اللبنانية عام 2019 والتي أدت إلى تجميد حسابات بالدولار في البنوك اللبنانية، مملوكة لسوريين من أبناء الطبقتين المتوسطة والعليا، وكذلك لشركات سورية. ووصل سعر الصرف أمس إلى اكثر من 450 ليرة ليرة للدولار.
وتراجعت العملتان اللبنانية والسورية على نحو حاد لتصلا إلى أدنى مستوى لهما على الإطلاق. وبالنسبة إلى دولة تعتمد على نحو متزايد على الواردات، يعد هذا الانهيار في العملة كارثة. وكان من شأن سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها النظام، وفقدان السيطرة على المناطق الغنية بالموارد، وفرار رجال الصناعة السوريين إلى خارج البلاد، ونهب المصانع من جميع أطراف الصراع، والعقوبات الغربية، أن تؤدي إلى تقليص القدرة الإنتاجية لسوريا.
جدير بالذكر في هذا الصدد، أن سوريا كانت قد حققت الاكتفاء الذاتي، أو كانت على وشك تحقيقه، في مجالات إنتاج الشعير والقمح والبيض والدواء والزيوت. أما اليوم، فإنها أصبحت مضطرة إلى استيراد معظم استهلاكها من هذه السلع الأساسية. وحتى القطاعات الإنتاجية التي تمكنت من البقاء على قيد الحياة خلال سنوات الحرب، مثل القطاع الزراعي والدواجن ومصانع معينة، تضررت هي الأخرى بسبب اضطرارها إلى شراء مواد أساسية، مثل الديزل وعلف الماشية والبذور والأسمدة، بأسعار مرتبطة بسعر صرف الدولار.
ونتيجة انهيار العملة، شهدت أسعار السلع الأساسية ارتفاعاً صاروخياً. وتبعاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإنه خلال الفترة بين ديسمبر (كانون الأول) 2019 وديسمبر 2020 ارتفعت أسعار السلة الأساسية من السلع بنسبة 236%. وبحلول نهاية عام 2020، وقبل حدوث ارتفاعات أخرى في الأسعار، قدرت الأمم المتحدة أن 60% من السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ما يعني أنهم لا يعلمون ما إذا كانوا سيتمكنون من تأمين الوجبة التالية.
وتحفل شبكة «فيسبوك» بصفحات أنشأتها مجموعات من المقيمين داخل مناطق يسيطر عليها النظام، تحوي الكثير من المنشورات التي تتضمن نصائح بخصوص أرخص الوجبات التي يمكن طهوها. وغالباً ما تدور النصائح حول البرغل والأرز والبطاطا المطهوة (وليست المقلية، نظراً لارتفاع أسعار الزيت) والمعكرونة. وفي مطلع عام 2020، كان كثيرون لا يزالون يقترحون وجبة «جظ مظ» (الشكشوكة السورية)، لكن البيض آنذاك كان أرخص مصدر للبروتين. أما اليوم، فقد ارتفع سعره على نحو هائل، ما اضطر السوريين إلى تناسيه، كما تناسوا اللحم والفاكهة ومنتجات الألبان، بل حتى الخضراوات، وأصبحوا يعتمدون على نحو متزايد على نظام غذائي غير صحي، قوامه الكربوهيدرات.
وتشير محادثات مع مقيمين عبر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، إلى أن الجوع أصبح أكثر تفشياً بكثير، مع بدء ظهور نقصٍ في الخبز المدعوم في فبراير (شباط) 2020، وأصبح أشد حدة في أغسطس (آب) 2020، ونتيجة سيطرة قوى أخرى، غير قوات النظام، على المناطق المنتجة للقمح داخل سوريا، إضافة إلى ارتفاع أسعار القمح الذي يبيعه المزارعون للسلطات المحلية في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام، لم يتمكن النظام من شراء سوى أقل من 20% من المحصول السوري لعام 2020.
وبسبب الأزمة المصرفية اللبنانية، وتراجع احتياطات العملات الأجنبية لدى النظام، وارتفاع أسعار القمح عالمياً، واجهت الحكومة السورية صعوبة في إنجاز صفقات لاستيراد القمح.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الخبز لطالما شكل عنصراً رئيسياً في النظام الغذائي في منطقة الهلال الخصيب، لكن الفقر المتفاقم الذي عاناه السوريون على مدار سنوات الحرب دفعهم نحو الاعتماد على الخبز بدرجة أكبر. وقبل اشتعال الانتفاضة، بلغ السعر الرسمي للخبز المدعوم 15 ليرة مقابل 8 أرغفة، لكن أزمات نقص القمح والوقود والفساد الحكومي، تسببت في ظهور سوق سوداء، حيث يجري بيع الخبز ذاته، والذي أصبح اليوم يتسم بجودة أقل، مقابل ما يتراوح بين 3 و12 ضعف السعر الرسمي، حسب المنطقة.
ودفعت الزيادة الحادة في أسعار المنتجات الغذائية الأساسية السكان إلى الاعتماد بشكل متزايد على السلع المدعومة، التي يجري بيعها تبعاً لأسعار محددة عبر منافذ تتبع مؤسسة «سوريا للتجارة» الحكومية. ووجد سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، الذين سبق أن وصفوا السكر والأرز اللذين يجري بيعهما في هذه المنافذ بأنهما لا يصلحان للأكل، وانتقدوا أولئك الذين يتكدسون في صفوف أمام هذه المنافذ، بسبب عدم التزامهم بالتدابير الاحترازية ضد فيروس «كوفيد – 19»، وجدوا أنفسهم مضطرين للتزاحم في الصفوف نفسها بعد أشهر قليلة فقط.
أما النظام، فقد قلص من جانبه كميات السلع المدعومة، إلى درجة أنها لم تعد كافية لتغطية ولو نسبة ضئيلة من احتياجات الأسر السورية، مع حصول أسر على ما لا يزيد على 3 كيلوغرامات من الأرز، و4 كيلوغرامات من السكر في الشهر، وذك للأسر الأكثر عدداً. كما زادت الحكومة أيضاً أسعار السلع المدعومة، ولا تزال عاجزة على نحو متزايد عن توزيع حتى هذه الكميات الصغيرة على السكان.
انكماش الرواتب الهزيلة… واتساع الانتقادات للنظام
قبل عام 2011، ورغم تفاقم الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء، ضمّت سوريا طبقة وسطى ضخمة، تتألف في معظمها من موظفين حكوميين، وذلك في إطار ميثاق اجتماعي ظهر عبر أرجاء المنطقة، يقضي بأن توفر الأنظمة الوظائف داخل هيكل خدمة مدنية منتفخ، مقابل الحصول على هدوء سياسي. في ذلك الوقت، بلغ متوسط راتب الموظف الحكومي 20000 ليرة سورية، أي نحو 400 دولار تقريباً. ورغم الزيادات المتكررة للرواتب، فإنها عجزت عن مضاهاة التضخم، وأصبحت قيمة متوسط الرواتب حالياً، البالغ 55000 ليرة سورية، لا تزيد على 15 دولاراً في مارس (آذار) 2021.
وبالنظر إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لا يكفي هذا الراتب لتوفير احتياجات ثلاثة أيام من السلع الأساسية لأسرة متوسطة تتكون من خمسة أفراد. وعليه، ليس من المثير للدهشة أن يحاول موظفو الحكومة السورية زيادة مداخيلهم بالحصول على وظائف إضافية.
ومع ذلك، ورغم الرواتب الهزيلة، لا يزال التوظيف في الدولة نعمة يقاتل من أجلها كثيرون، وذلك بسبب عدم توافر البدائل، إلا فيما ندر، إلى جانب الشعور بالاستقرار الذي توفره هذه الوظائف، وما تحمله من ميزات مادية إضافية، قانونية وغير قانونية، مثل الرشى، وكذلك القروض المصرفية بأسعار فائدة منخفضة.
ونظراً للتنافس الشديد على الوظائف الحكومية، فإنه لا ينالها سوى أصحاب المستوى الأعلى من الواسطة، ومن ينظر إليهم بوصفهم مخلصين للنظام.
رسمياً، تولي الحكومة معاملة تفضيلية لأقارب الدرجة الأولى للجنود القتلى، وكذلك الجنود الذين أنجزوا فترة التجنيد التي عادةً ما تمتد لثماني سنوات. لكن، حتى داخل صفوف من يحظون بمثل هذه المعاملة المميزة، تبقى معدلات البطالة عالية.
تجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن 28000 جندي جرى تعيينهم في القطاع العام في الفترة الأخيرة، ممن جرى تسريحهم من الجيش منذ أكثر من عام.
– «مناطق التسويات» المهملة
يعاني سكان المناطق التي كانت خاضعة في السابق للمعارضة، والتي تمكن النظام وحلفاؤه من إعادة السيطرة على الجزء الأكبر منها عام 2018، من ظروف معيشية شديدة القساوة. كانت هذه المناطق، مثل الغوطة الشرقية والغربية قرب دمشق، والقلمون، وريف حمص الشمالي، قد خاضت سنوات من الحصار والتفجيرات والقصف، أنهكت أجساد سكانها، ودمرت كثيراً من البنى التحتية والمنازل فيها.
كذلك عانت درعا، ومدينة حلب الشرقية، ومدينة حمص الغربية، من أضرار واسعة جراء سنوات من القصف.
واليوم، يمتنع النظام الذي يعاني من الإفلاس وتملأه الرغبة في الانتقام، عن إعادة بناء هذه المناطق، وكذلك الحال مع الوكالات التابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية غير حكومية، والتي يبدو أن أولوياتها تتبع إرشادات النظام.
يُذكر أن سكان المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة من قبل، والذين ظلوا في هذه المناطق، بدلاً من الفرار للعيش تحت سيطرة النظام، غالباً ما كان يجري فصلهم من وظائفهم الحكومية ولا يعودون إليها. وبسبب المظاهرات الضخمة التي اشتعلت في هذه المناطق، والضربات الجوية التي لم تتوقف، تعرض كثير من رجال هذه المناطق للاعتقال أو القتل أو التهجير القسري، مخلّفين وراءهم أسراً دون معيل.
عن ذلك، قال منير، المقيم في مدينة دوما بالقرب من دمشق، والتي تعرضت لخمس سنوات من الحصار الخانق من جانب نظام الأسد، إن الجوع يبدو ظاهراً بين سكان المدينة. وأضاف: «وصلت القدرة الشرائية لسكان دوما إلى مستوى شديد الضآلة. ويتكون كثير من الأسر من يتامى وأرامل فحسب. وتبدو آثار الفقر واضحة على الناس والشوارع. أما المتاجر، فمعظمها خاوية، ولا يستطيع سوى قليل من الأفراد شراء الحلوى أو الأطعمة الجاهزة. في المقابل، تعتمد الغالبية على الاستدانة، وبيع ممتلكات من منازلها، وعلى المساعدات الإنسانية، لكن كل هذا لا يكاد يكفي».
من ناحية أخرى، من الواضح أن نظام المساعدات الذي تقوده الأمم المتحدة، والموجود حالياً في دمشق، غير مجهّز للحيلولة دون حدوث مشكلة جوع على نطاق واسع. وقد وثّق باحثون وصحافيون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، قيام النظام بتحويل المساعدات إلى من يعدهم موالين له، بما في ذلك أعضاء ميليشيات، وحرمان أولئك الذين يعدهم النظام غير موالين.
ولا يزال هذا النمط مستمراً حتى اليوم، ذلك أن المناطق والمدن والأقاليم التي تعد موالية للنظام أو مقرّبة من مسؤولين في النظام، مرشحة أكثر من غيرها للحصول على مساعدات والاستفادة من مشروعات تديرها الأمم المتحدة أو منظمات دولية غير حكومية، تتخذ من دمشق مقراً لها.
واعترف موظفون في منظمات غير حكومية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بأنه لا يُسمح لهم باتخاذ قرارات نهائية بخصوص اختيار المستفيدين، وليس بإمكانهم منع مسؤولي الاستخبارات السورية أو مسؤولين محليين أو أعضاء في «حزب البعث» من استبعاد من يرونهم غير موالين للنظام، من قوائم المستفيدين من المساعدات، أو إضافة قوائم بأسماء مقربين منهم. وبالنظر إلى أن الغالبية الكاسحة من الشعب السوري تعيش اليوم تحت خط الفقر، فمن المنطقي ألا تكون الأمم المتحدة قادرة على تلبية احتياجاتهم جميعاً.
وبدلاً من تقديم المساعدة إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها، والذين يعيش كثيرون منهم في مناطق كانت تخضع من قبل لسيطرة المعارضة، غالباً ما تكون المعايير الأساسية لتوزيع المساعدات ذات طابع سياسي. ويتوافد أفراد في سيارات فارهة للحصول على سلال مساعدات تخص الهلال الأحمر السوري، حسبما ذكرت إحدى المقيمات في قرية قرب القرداحة، التي تنتمي إليها عائلة الأسد. وأضافت: «لقد خرج الفساد عن السيطرة».
من جهتها، بررت عضوة في حزب «البعث» في حرستا، تدخل الحزب الحاكم في اختيار المستفيدين من المساعدات، وتوفير سلال مساعدات غذائية لموظفي الحكومة الذين بقوا في وظائفهم، لأنه جرى اعتبارهم موالين للنظام، بقولها: «البعض يعارض اختيار المستفيدين بقوله: لماذا يحصل موظفون حكوميون على مساعدات؟ وإنه يجب توجيه جميع المساعدات لمن ليست لديهم وظيفة. أود أن يعلم من يعارضون هذا الأمر أن موظفي الدولة يكافحون هم أيضاً من أجل سداد الفواتير المستحقة عليهم».
– اتساع الفساد
الواضح أن الفساد هو الآخر يتفاقم. والمعروف أن الفساد شكّل عنصراً أساسياً في الحكم داخل سوريا لعقود، مع سماح النظام لموظفي القطاع العام باستغلال مناصبهم داخل الدولة والمؤسسات التابعة للنظام، لابتزاز المواطنين، والتربح من التهريب والنشاطات غير القانونية الأخرى، مقابل ضمان ولائهم. وكان سوء استغلال السلطة من جانب السلطات السورية واحداً من المحفزات الرئيسية للانتفاضة التي اشتعلت عام 2011 وكان من شأن الغياب المتزايد للقانون عن سوريا خلال سنوات الحرب، وازدهار اقتصاد الحرب، وتراجع قيمة رواتب موظفي الدولة السورية، أن يؤدي إلى تشجيع الفساد وفتح المجال واسعاً لازدهاره.
وشكّلت أزمات نقص السلع المختلفة والمتفاقمة أرضاً خصبة للفساد. ففي سوريا، يمكن شراء جميع السلع المدعومة غير الموجودة في المتاجر والمخابز من السوق السوداء، والتي تأتي إمداداتها من مسؤولين كبار في النظام يسرقون السلع، كما تأتي هذه السلع من مؤسسات حكومية.
على سبيل المثال، لم يحصل المزارعون في شرق حماة على حصة فبراير من المازوت، التي تعد ضرورية لرعاية محاصيل القمح الخاصة بهم. وعن هذا، قال أحد المزارعين: «حرصت على الذهاب إلى محطة الوقود يومياً، لكنها كانت مغلقة. وعدت إلى اتحاد المزارعين فأخبروني بأن مالك المحطة تلقى المازوت ولا يرغب في توزيعه، ولا يمكن لأحد الاعتراض عليه لأنه أحد المقربين من المسؤولين».
يُذكر أن مالك محطة البنزين تلك، الواقعة في قرية «تل جديد»، يعمل في تهريب الوقود، ويتولى تمويل ميليشيات موالية للنظام، إضافةً إلى كونه عضواً في مجلس الشعب السوري. وفي الوقت الذي من المفترض أن يتمكن المزارعون من شراء المازوت مقابل 180 ليرة للتر، يُضطر القادرون منهم إلى شرائه من السوق السوداء مقابل 8 أضعاف هذا السعر.
وفي سياق متصل، فإن الخبز المدعوم منخفض الجودة، والذي من المفترض بيعه مقابل 100 ليرة في المخابز التابعة للدولة، يُباع مقابل 300 ليرة على الأقل في السوق السوداء، وقد يصل سعره أحياناً إلى 1200 ليرة، بعد سرقته من جانب موظفي المخابز ومسؤولي الاستخبارات والجنود، بل ومفتشي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الذين يفترض أن مهمتهم الحيلولة دون وقوع هذه التجاوزات.
ومع استمرار معاناة الاقتصاد السوري طوال سنوات الحرب، زاد جنود النظام وعناصر الميليشيات والمخابرات من نهبهم للمواطنين. تجدر الإشارة إلى أن الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق بشار الأسد، ماهر، تتولى الإشراف على شبكة منتشرة في مختلف أرجاء البلاد، تُدعى «الترفيق»، بمعنى توفير مرافقة مسلحة توفر الحماية للقوافل التجارية من الحواجز العسكرية التي تنتمي لـ«الفرقة الرابعة» ذاتها، وكذلك نقاط التفتيش التي تجمع إتاوات غير رسمية، لا ينتهي بها الحال في خزائن الدولة.
وتبعاً لما ذكره مزارعون من اللاذقية وحماة، زادت أعداد نقاط التفتيش على مدار العام الماضي، الأمر الذي ربما يعكس الحاجة المتزايدة لدى المسلحين لتعويض مداخيلهم المنكمشة.
أيضاً، تتورط «الفرقة الرابعة»، وميليشيات مدعومة من إيران، في عمليات تهريب عبر الحدود إلى لبنان والأردن والعراق. وتتيح شبكات التهريب تلك للتجار بيع منتجاتهم الزراعية وسلع صناعية في دول مجاورة مقابل أسعار أعلى، ما يقلص بدوره المعروض من السلع داخل سوريا، ويرفع الأسعار في الداخل.
وبسبب الفساد المستشري في المؤسسات السورية، تتعرض أي جهود رامية لمكافحة الفساد للفشل، أو ربما تسهم في الفساد وتفاقمه. على سبيل المثال، يسهم مفتشو وزارة التجارة الداخلية، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية منع التلاعب بالأسعار، في ارتفاع الأسعار، من خلال حصولهم على رشى من التجار الراغبين في بيع السلع بأسعار أعلى مما يسمح بها القانون.
كذلك، نجد أن حرس الحدود المكلفين بمهمة منع التهريب، يتولون هم أنفسهم، تيسير عمليات التهريب تلك، بعد حصولهم على رشى. كما أن القضاة الذين جرى تعيينهم لسجن الفاسدين يحصلون هم أيضاً على رشى للسماح بفرار الفاسدين من قبضة العدالة.
ونظراً لاعتماده المستمر على جهازه القمعي، لجأ النظام إلى المخابرات، في محاولة لاحتواء انهيار الليرة السورية، من خلال محاولة فرض إرسال حوالات إلى سوريا من خلال القنوات المعترف بها رسمياً فقط، مع فرض سعر تصريف أقل بكثير مما هو موجود في السوق السوداء. وتعوق هذه السياسة قدرة السوريين على معاونة بعضهم بعضاً. وأدت حملة إجراءات لإلقاء القبض على أصحاب مكاتب الحوالات غير الرسمية إلى ارتفاع رسوم التحويل، بسبب الرشى التي يجري دفعها مقابل إطلاق سراح موظفي مكاتب الحوالات، والتي يجري تحميلها في نهاية الأمر على عاتق الزبائن.
وبسبب الحظر المفروض على استخدام الدولار، وعمليات الاعتقال سالفة الذكر، والمراقبة الشديدة، خصوصاً داخل المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، أصبحت مسألة تلقي أي من المقيمين في هذه المناطق حوالةً من الخارج أمراً ينطوي على مخاطرة هائلة.
من جانبه، شرح منير، المقيم في دوما، أنه رغم الفقر الطاحن، قليلون فقط من يتجرأون على تلقي أموال محوّلة من الخارج. وأضاف: «يلجأ الناس إلى الحوالات في الظروف الاستثنائية فحسب، ويعتمدون على الأقارب الذين يحملون الأموال النقدية إلى داخل سوريا، الأمر الذي يثير شكوكاً أقل».
واليوم، بعد عشر سنوات من خروج ملايين السوريين ثائرين ضد نظام وحشي وفاسد، واحتجاجاً على توزيع غير عادل للثروة، تبدو سوريا أكثر فساداً من أي وقت مضى، بينما تبدو الطبيعة الوحشية لأعمال العنف فيها واضحة للعيان. كانت السنوات العشر الأخيرة قد جرّدت النظام السوري من كثير من المظاهر المدنية السطحية التي كان يختفي خلفها. وسمحت هذه المظاهر لبعض السوريين بالتظاهر، أو ربما بالاعتقاد عن حق بأنهم يعيشون في ظل دولة مؤسسات تشكل الضامن الوحيد للاستقرار المالي والأمني.
اليوم، أصبحت الطبيعة الفاسدة والعنيفة للنظام، التي تشبه ما يسود داخل عصابات المافيا، واضحة للعيان. والآن، أصبحت النقاشات الخاصة الدائرة في أوساط السوريين الذين لم يثوروا ضد النظام منذ عشر سنوات، إما بسبب الخوف وإما لرغبتهم في الحفاظ على الاستقرار، تشبه على نحو متزايد نبرة حديث الثوار الذين خرجوا ضد النظام عام 2011. ومع ذلك، فإنه بخلاف الثوار، لا يزال هؤلاء السوريون أسرى حالة من الخوف الشديد والانهزام، تَحول دون خروجهم في وجه النظام.
* باحثة في جامعة برنستون
الشرق الأزسط
————————–
سوريا… أسئلة بلا حلول/ طارق الحميد
عاد الحديث مجدداً عن الأزمة السورية، وعلى أصعدة مختلفة، منها ما هو معلن، ومنها ما هو مجرد تسريبات وتكهنات، لكن المتأمل لتلك التصريحات يجد أنها مثيرة للأسئلة أكثر من كونها تقدم حلولاً.
مثلاً تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، في حديثه لصحيفتنا هذه قبل يومين، بأن السوريين وقعوا في «فخ الحرب اللا منتهية»، وإنَّ على الجميع أن «يشعر بالخجل» بسبب الفشل في وقف «المأساة السورية»، وقوله، أي بيدرسن، إن الانتخابات الرئاسية السورية المقررة منتصف العام الحالي «ليست جزءاً» من مهمته بموجب القرار الدولي 2254 الذي «يتحدث عن انتخابات بموجب دستور جديد. هذه الانتخابات يجب أن تُجرى وفق أعلى المعايير الدولية بمشاركة من السوريين في الشتات».
وعليه، هل هذا الأمر ممكن، أي دستور جديد، وانتخابات نزيهة؟ وهل يمكن إعادة التطبيع مع الأسد وسط عقوبات بريطانية جديدة، وعقوبات أميركية سابقة، أهمها قانون قيصر، وعقوبات أخرى؟ ورفض أوروبي أخير للتطبيع مع الأسد؟
وهل يمكن أن تقبل إيران، رغم المحاولات الروسية، بتقديم حلول واقعية في دمشق، أهمها الحل السياسي، والانتقال السلمي للسلطة؟ وإذا لم يحدث ذلك الانتقال السلمي، فمن قادر على تذليل أكبر عائق في سوريا وهو إعادة الإعمار؟
وهل يمكن أن يكون هناك حل جاد في سوريا والمبعوث الأممي نفسه يقول في مقابلة صحيفتنا إن سوريا ليست على سلّم أولويات الولايات المتحدة الآن؟ كيف يمكن تقديم حلول أو إنجاحها من دون وجود الطرف الأميركي؟
ومَن سيفصل بين الجيوش والميليشيات في سوريا، سواء الجيش الروسي، أو القوات والميليشيات الإيرانية، أو التركية، والأميركية، ناهيك بالعمليات الإسرائيلية المفتوحة في أجواء وأرض دمشق؟
وهل يمكن تطبيق أي حل في سوريا من دون الأميركيين، أو من دون مراعاة ما يريدونه، وما لا يريدونه؟ هل يمكن أن يكون الموقف الأميركي في سوريا منصبّاً أكثر على الصورة الكبيرة وهي مفاوضات الملف النووي الإيراني؟ ماذا عن القتلى والمساجين؟
وكيف يمكن أن يتم ذلك من دون مراعاة المحاذير الإسرائيلية في سوريا، خصوصاً أن إسرائيل باتت طرفاً مؤثراً هناك عملياً، ومن خلال العمليات العسكرية المستمرة، والجراحية ضد المصالح الإيرانية في سوريا؟
وأضف إلى كل تلك الأسئلة السؤال الأهم، خصوصاً مع الحديث عن احتمالية مفاوضات بين النظام الأسدي وإسرائيل، وهو: ما الذي سيكون عليه الموقف الإيراني حينها في سوريا وحولها، أي لبنان، مثلاً؟
هل تقبل طهران بعلاقات سورية – إسرائيلية تعني إنهاء الحلم الإيراني بالمتمدد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا وبذلك تخسر طهران أهم ورقة بيدها، وإن كانت قد ضعفت الآن، وهي الورقة السورية؟
هل تقبل إيران خسارة سياسية ليست بالسهلة بعلاقة سورية – إسرائيلية، وتعرّض مصالحها في لبنان، وبالتالي على الحدود العراقية السورية، للخطر بوجود إسرائيلي نتيجة علاقات مع نظام الأسد؟
وعليه، صحيح أن الموضوع السوري يعود للساحة الآن، ولو إعلامياً، لكنه يطرح كثيراً من الأسئلة من دون إجابات واضحة ومحددة، ومن دون خلق تصور لما يمكن أن تؤول إليه الأمور.
الشرق الأوسط»
———————-
خبراء بريطانيون يجيبون.. هل تسحب بريطانيا الجنسية من أسماء الأسد أو تحاكمها جنائيا؟
أيوب الريمي – لندن
أدى فتح الشرطة البريطانية تحقيقا أوليا بحق أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد بتهمة التحريض على الإرهاب وقمع المتظاهرين، إلى فتح باب التكهنات حول المسار القانوني الذي سوف تأخذه القضية، والتي تعتبر أول تحرك من الشرطة البريطانية في حق أحد رموز النظام.
وتتوقف طريقة تعامل الشرطة البريطانية -وبعدها القضاء- مع هذه القضية على الكثير من العوامل المتشابكة والمعقدة التي قد تفضي في النهاية إلى محاكمة أسماء الأسد، أو سحب الجنسية منها، أو حفظ القضية دون متابعة.
الجزيرة نت تستعرض -من خلال آراء خبراء قانونيين ومحامين في بريطانيا- السيناريوهات المحتملة للطرق التي قد يسلكها التحقيق الأمني في هذه القضية.
أدلة قوية
وتتعامل الشرطة البريطانية مع هذا الملف باعتبار أسماء مواطنة بريطانية، حيث يفرض القانون البريطاني متابعة أي شخص متورط في أي أفعال تؤدي لدعم قتل المدنيين ولو عن طريق الدعم المعنوي، حسبما يؤكد أستاذ القانون الدولي في لندن الدكتور ممتاز سليمان.
ويقول سليمان إن الأدلة التي تَقدّم بها مكتب المحاماة للشرطة البريطانية، هي أدلة قوية تؤكد دعم أسماء الأسد لجيش النظام ونزولها من أجل الحديث مع الجنود للتحريض على قتل المدنيين، وخصوصا في غوطة دمشق وإدلب.
ويشير الدكتور سليمان في حديث للجزيرة نت إلى أن القانون البريطاني يُعرّف التحريض على الإرهاب على أنه “كل ما من شأنه القيام بأي خطاب أو سلوك يدعم أي تحرك عنيف أو ترهيب للمدنيين الآمنين بسبب خلاف سياسي أو ديني أو عقدي”، مضيفا أن هذا السلوك مثبت في حق أسماء الأسد.
وعن الأدلة التي دفعت الشرطة البريطانية إلى بدء التحقيق، كشف الدكتور ممتاز سليمان -الذي اطلع على بعض تفاصيل الملف المقدّم للشرطة- عن وجود أدلة منذ سنة 2014 وتقارير من لجنة حقوق الإنسان، وتقارير لجان تقصي حقائق من البرلمان البريطاني ومن الكونغرس الأميركي.
وفي حال اقتنعت الشرطة البريطانية بقوة الأدلة المقدمة، فسوف تقدِّم الملف للمدعي العام البريطاني الذي بدوره سيدرسه، وهو من يقرر إحالته إلى محكمة الجنايات أو عدم إحالته، ولكن المرور عبر كل هذه المراحل يحتاج الكثير من الوقت.
زوبعة في فنجان
في المقابل يرى رئيس جمعية المحامين العرب صباح المختار، أن قضية أسماء الأسد مع القضاء البريطاني قضية “معقدة ومتشابكة”، على اعتبار أن تهمة الإرهاب تأخذ أشكالا متعددة، وليس هناك تعريف دولي متفق عليه حول الإرهاب.
ويضيف الدكتور صباح المختار في حديث للجزيرة نت، أن التقارير الحقوقية التي قد تستند عليها الدعوى القضائية تبقى مجرد تقارير، وقد لا ترقى لمرتبة الدليل القانوني، والصور وخطابات أسماء الأسد مع جيش النظام بحاجة إلى تحليل، للتأكد من أنها اشتملت بالفعل على تحريض بقتل المدنيين.
وهناك اتجاه آخر قد يذهب إليه التحقيق، وهو الاتهام العام، والقصد منه أن أسماء الأسد باعتبارها زوجة بشار الأسد -المتهم بجرائم حرب- هي بالتبعية متورطة وإن بشكل غير مباشر في هذه الجرائم، لأنها صرحت علانية دعمها لزوجها.
ويتوقع صباح المختار أن تجد الشرطة البريطانية صعوبة في إيجاد أدلة تثبت تورط أسماء الأسد في التحريض على الإرهاب، مضيفا أنه في حال وجود أدلة سوف تسعى الشرطة للاستماع إليها باعتبارها مواطنة بريطانية، وهي قطعا سوف ترفض التعاون، وفي بريطانيا ليس هناك محاكمات غيابية.
ويميز صباح المختار بين مسارين: الأول سحب الجنسية الذي قد يتم عبر طلب من وزارة الداخلية مباشرة، وبعدها يمكن لأسماء الأسد أن تعترض عن طريق القضاء على سحب جنسيتها.
أما المسار الآخر فهو المسار الجنائي لمحاكمة أسماء الأسد، ويتطلب قرارا من النائب العام، ثم نقل الملف إلى المحكمة الجنائية لمحاكمتها، وهذا سوف يفرض على أسماء الأسد طوقا قانونيا ويقيد حركتها، وفق صباح المختار الذي يقدر أن هذه القضية مجرد زوبعة في فنجان وسوف يغلق الأمن البريطاني هذا الملف دون الإعلان عن أي شيء.
تحقيق شامل
بدورها رحبت الخبيرة في القانون الدولي بهية مارديني -وهي من جامعة “نورثامبتون” (University of Northampton) البريطانية- بقرار الشرطة البريطانية فتح تحقيق مبدئي على خلفية احتمال تورط أسماء الأسد في القيام بنشاطات تدعم جرائم ضد الإنسانية، وتحريضها على القيام بأعمال إرهابية ضد المدنيين السوريين.
وترى الخبيرة القانونية في حديث للجزيرة نت أن هذا التحقيق سوف يفضي إلى تحقيق شامل، وقد يصل لأدلة أقوى تدين أسماء الأسد إن ارتأت التحقيقات أنه لا بد من مثولها أمام القضاء البريطاني بوصفها “مجرمة حرب” ومتورطة بدعم نشاطات إرهابية.
وتستبعد بهية مارديني وجود أبعاد سياسي في هذا الملف، قائلة إن “الملف قانوني أولا وأخيرا، قدمه المحامي البريطاني توبي كادمان، ومن شأنه التوسع بالتحقيق في نشاطات مشبوهة تقوم بها أسماء بسبب دعمها لزوجها بشار الأسد ونظامه في الحرب ضد السوريين العزل”.
وترى الخبيرة القانونية أن الادعاء ضد أسماء لم يأت إلا بناء على دلائل وعلى مقابلات مع سوريين، إضافة إلى دراسة خطابات أدلت بها أسماء الأسد لقوات النظام السوري وحرضت فيها بعبارات واضحة ضد السوريين.
وتوقعت مارديني أن يكون التوسع في التحقيقات قريبا، وهذا ما سيعني مطالبتها بالمثول أمام المحاكم البريطانية في مرحلة متقدمة في حال اكتملت عناصر للمحاكمة.
المصدر : الجزيرة
———————————-
=====================
تحديث 18 أذار 2021
————————
اصطفافات جديدة في الصراع على سوريا/ بكر صدقي
ترافق مرور عشر سنوات على بداية الثورة السورية مع حراك سياسي ودبلوماسي متعدد بشأن الصراع في سوريا وعليها، لعل أبرزها اجتماع الدوحة الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية كل من قطر وتركيا وروسيا، وأعلن عن تشكيل «آلية ثلاثية» ستكون لها اجتماعات لاحقة، في مواعيد قريبة، في كل من أنقرة وموسكو، موضوعها «البحث عن حل سياسي في سوريا». وهو ما يوحي، ضمناً، بأن الآلية الجديدة مصممة لتكون بديلاً عن آلية آستانا ـ سوتشي، وإن كان الروس قد أنكروا ذلك.
ما الذي يعنيه هذا التشكيل الدبلوماسي الجديد؟
يعني قبل كل شيء اعترافاً، ضمنياً، بوصول «الآلية» السابقة إلى طريق مسدود، وهي الحقيقة التي باتت معروفة قبل زمن. ويعني تشكيل الثالوث الجديد، ثانياً، إخراج إيران وإدخال قطر بدلاً منها في المساعي السياسية بشأن سوريا، الأمر الذي يمكن فهمه على أنه ملاقاة للاستراتيجية الأمريكية بشأن عزل إيران، مقابل استدراج الإدارة الأمريكية الجديدة للمساهمة بصورة إيجابية في البحث عن حل للمشكلة السورية، في وقت لم يتضح بعد ما الذي قد تريده واشنطن في سوريا باستثناء مواصلة العقوبات المفروضة على النظام الكيماوي، ومواصلة دعم «قوات سوريا الديمقراطية» في الشمال الشرقي.
كذلك تعني عودة قطر للانخراط في الملف السوري نوعاً من التفاهم على ذلك مع السعودية، بعد إنجاز المصالحة الخليجية، وقد تجلت هذه العودة بأوضح صورها في عودة رئيس الوزراء السابق المنشق رياض حجاب إلى صدارة المشهد المعارض، بعد سنوات من تهميشه من قبل المحور السعودي ـ الإماراتي. في المقابلة التي أجرتها قناة الجزيرة الإخبارية مع حجاب، لاحظنا حرصاً على إظهار التفارق مع الإسلام السياسي «الذي حرف الثورة السورية عن أهدافها» كما قال المحاور محمد كريشان، في حين دعا حجاب إلى «إعادة هيكلة المعارضة بصورة شاملة».
بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى، يمكن القول إن انهاء الخلاف الخليجي قد انعكس إيجاباً على القضية السورية، على الأقل من حيث انهاء الوضع المشلول لمؤسسات المعارضة الرسمية بسبب التجاذبات الإقليمية في داخلها. كذلك يمكن اعتبار استبدال «آلية الدوحة» بآلية آستانة، تطوراً إيجابياً بسبب استبعاد إيران منها. يبقى أن انعكاس هذه الإيجابيات النسبية على القضية السورية ستظل مرهونة بعوامل أخرى لعل أهمها الموقف الغربي. كذلك ينبغي توخي الحذر من التفاؤل لأن روسيا بوتين تبقى هي الشريك الأقوى في الآلية الجديدة، كما كانت في القديمة، ودورها حاسم في رسم ملامح الفترة القادمة، لكونها مسيطرة عسكرياً على الوضع في سوريا، إضافة إلى امتلاكها سلاح حق النقض في مجلس الأمن.
ولم تبدر من روسيا أي إشارة إلى التخلي عن حماية النظام الأسدي، بل على العكس من ذلك، رأينا وزير خارجيتها سيرغي لافروف يستبق اجتماع الدوحة الثلاثي بزيارتين لكل من السعودية والإمارات، تقول التقارير الإعلامية إن موضوع مباحثاته مع قادة البلدين ركزت على إخراج النظام الكيماوي من عزلته ومده بالمساعدات ليتمكن من الخروج من أزمته الخانقة. هذا ما يجعلنا، كسوريين، أقل تفاؤلاً بشأن الفترة المقبلة وما يمكن للآلية الثلاثية أن تنجزه في ظل التعنت الروسي في التمسك بالنظام وفي الدفاع عن حقه في إجراء الانتخابات الرئاسية بعد أشهر قليلة.
من جهة أخرى جاءت التصريحات الأوروبية والأمريكية بشأن رفض منح الشرعية للانتخابات المذكورة، استمراراً لمواقف تلك الدول الداعمة لـ«العملية السياسية» في إطار «اللجنة الدستورية» المعطلة، وقد كانت في الأصل هروباً من استحقاقات الانتقال السياسي وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ويتضح من المقالة التي نشرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شبكة بلومبرغ، ووجه فيها نداءً إلى الدول الغربية لدعم الموقف التركي في سوريا بصورة فعالة بدلاً من «مراقبة الصراع من المدرجات» على حد تعبيره… يتضح أن تركيا نفسها لا تعول كثيراً على الآلية الثلاثية الجديدة ما لم تدعم بجهود الدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة التي خاطب أردوغان رئيسها جو بايدن مطالباً إياه بالوفاء لوعوده في الحملة الانتخابية بشأن سوريا. فالآلية الثلاثية ملغومة سلفاً بسيرغي لافروف الذي لا يفوت فرصة إلا ويكرر فيها أن بشار الأسد هو رئيس شرعي منتخب لسوريا المنكوبة به.
ثمة دعوات في الكونغرس الأمريكي لتشديد العقوبات على النظام الكيماوي وحلفائه، ومحاسبته على استخدامه المتكرر للسلاح الكيماوي، قبل صفقة أوباما بشأنه وبعدها، وثمة تشدد أوروبي تجاه النظام ما زال في إطار البيانات والتصريحات. من المحتمل أن روسيا تستأنف مساعيها المتجددة لفتح قناة دبلوماسية مع الإدارة الأمريكية، على أمل منها لإيجاد توافقات بشأن سوريا وموضوعات الخلاف الأخرى، ويمكن اعتبار استبعاد إيران من الآلية الثلاثية بشأن سوريا نوعاً من «رشوة» للولايات المتحدة بهذا الخصوص.
هل تتحول دعوة رياض حجاب إلى إعادة هيكلة المعارضة إلى موضوع جديد للتجاذبات المؤذية داخل مؤسسات المعارضة تشغل الرأي العام بدلاً من إنجاز أي شيء ذي قيمة؟
كاتب سوري
القدس العربي
—————————–
لو غاب الأسد/ غازي دحمان
يطرح خبر إصابة رأس النظام السوري، بشار الأسد، بكورونا، على معارضيه ومؤيديه، في الآن نفسه، السؤال عن تأثيرات رحيله عن المشهد السوري على مسار الأزمة، وإمكانية حصول تغييرات معينة في هذا المسار، وكيف سيكون شكل المخرج من هذا الوضع.
الأكيد أنّ الأسد أحد أكثر الفاعلين أهمية في هذه الأزمة، وبعيداً عن التأثيرات الإيرانية والروسية، فهو حجر الأساس في النظام السوري القائم، بل هو صانعه إلى حد بعيد، فعلى الرغم من وراثته هذا النظام الذي يعود الفضل في هندسته إلى والده حافظ الأسد، إلاّ أنّه أجرى تغييرات كثيرة في النظام الحالي، وفي بناه الإدارية والأمنية والعسكرية، وفي سلوكه الاقتصادي وعلاقاته الاجتماعية، بعضها كان شكلياً، الغرض منه إمساك الوريث بالحكم، وقد تجلت بتغيير وجوه أمنية وعسكرية، والمحافظة على الهياكل، وبعضها الآخر كان عميقاً، مثل علاقاته بالطبقات والفئات والنخب الاجتماعية، والتي وصلت إلى ذروتها في الحرب، عبر هندسة اجتماعية جديدة، وصولاً إلى المجتمع المتجانس الذي يعتبره الأسد شبكة الأمان لنظامه.
ولكنّ جملة هذه التغييرات التي أوجدها الأسد أفرزت واقعاً متناقضاً، فالأسد، باعتباره رأساً للنظام، بدا قوياً إلى درجة يصعب، إن لم يكن مستحيلاً، إيجاد رأس آخر غيره يستطيع إدارة الأمور في سورية، وقد ظهرت هذه المعادلة في مرحلة الحرب بشكل جلي، إذ أعاد الأسد تصميم النظام قطاعياً وبشكل مؤقت، ووزّع قوّة النظام، بشكل متساو، على مساحة واسعة من المهمات، وبأوزان منخفضة لا تصل إلى حد القدرة على الإدارة العامة للبلاد. وهكذا ظهرت شخصيات مؤثرة في مرحلة الحرب، أمثال سهيل الحسن وغياث دلة وحتى علي مملوك، لكنّ تأثيرها ظلّ ضمن حدودٍ معينة، كما أنّها لا تملك توافقاً عليها داخل النظام، ولا حتى ضمن البيئة المؤيدة للأسد.
في الوقت نفسه، وبمقدار ما كان الأسد قوياً، كان النظام ضعيفاً، نتيجة هندسة الأسد، إذ لا يمكن مقارنة النظام في سورية بالأنظمة الديكتاتورية العسكرية الشبيهة له في العالم، والقادرة على تجديد نفسها في حال غياب الرأس، وهو نظامٌ ضعيفٌ إلى حد التهلهل لعدم قدرته على مواجهة الأزمات التي مرّت عليه في السنوات الأخيرة، نتيجة اشتغال أجزائه بشكل منفصل، وهذا ما يفسّر، إلى حد بعيد، تقاسم روسيا وإيران تلك الأجزاء وتشغيلها لترسيخ هيمنة البلدين في سورية.
وعلى مدار الأعوام السابقة، استهلكت قضية رحيل بشار الأسد أو بقائه في السلطة الجزء الأكبر من جهود المعارضة والمؤيدين، كما انصبّت فاعلية اللاعبين الخارجيين حول هذا الهدف، سواء ضد أو مع. وعلى الرغم من أنّ الأزمة السورية أفرزت أزمات كثيرة، بقي مصير الأسد محور اهتمام جميع الأطراف، والمحرّك الأساسي لنشاط اللاعبين وتشكيل توجهاتهم نحو الأزمة، ما يعني أن غياب الأسد عن المشهد السياسي في سورية سيكون متغيّراً ذا أهمية كبيرة لجميع اللاعبين.
بالنسبة للمعارضة، سيؤدي رحيل الأسد إلى تغيير التركيبة الحالية كلياً، إذ ستذهب أجزاء من المعارضة إلى تغيير شروط الحل، وستعتبر أن رحيل الأسد فرصةٌ يجب اغتنامها، وستطالب بتعديل الموقف من النظام، وستجد تشجيعاً إقليمياً ودولياً في هذا المنحى، ما يعني أنّنا سنكون إزاء معارضةٍ مختلفةٍ، وسينصبّ اهتمامها حول قضايا من نوع إعادة إعمار البلد وترميم النسيج الوطني والحفاظ على الوحدة الجغرافية لسورية.
وبالنسبة للأطراف الخارجية، الداعمة لبشار الأسد، وتحديداً روسيا وإيران، ستجدان نفسيهما في مأزق إيجاد بديلٍ مناسب، يستطيع تحقيق القبول من الأجزاء غير المتماسكة في النظام، وإقناع البيئة المؤيدة بقدرته على الحكم والإدارة في سورية. وهي مهمة صعبة ومستحيلة، إذا تم إجراؤها خارج تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يحدّد شكّل الحكم وطريقة انتقال السلطة وكيفية بناء نظام سياسي جديد يتوافق مع المتغيرات، في حين أنّ روسيا وإيران لا ترغبان بهذا الحل، وتحاولان سحبه إلى حلولٍ من صناعتهما، مثل سوتشي وأستانة. ثم ما مدى إمكانية التوافق بينهما على بديل للأسد، ذلك أيضاً أمرٌ مشكوكٌ به، فطريقة تقاسمهما مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية لا توحي باحتمالية حصول توافق حول رأس جديد للنظام في حال غياب الأسد.
ولعلّ الموقف الأكثر أهمية يتمثل بمواقف الأطراف الإقليمية والدولية من الأزمة السورية في حال رحيل الأسد، خصوصاً الولايات المتحدة والغرب ودول الخليج، وهي أطرافٌ كان، وما زال لبعضها، تأثيرات معينة في مسارات الأزمة، كما أنّها الأطراف التي يتم الرهان عليها لإخراج سورية من الأزمة، عبر مساهماتها المالية في إعمار سورية وإنعاش اقتصادها المحطّم الذي فاقت خسائره، حسب أحدث التقديرات، التريليون دولار، الأرجح أن هذه الأطراف، وخصوصا الغرب منها، لم يعد متحمساً للحلّ السوري، إلاّ بمقدار ما يجنّبها تداعيات الأزمة، سيما على صعيد الهجرة واللجوء. وبالتالي من غير المتوقع انخراطها بشكل جدي في الحل، في ظل الأزمات المالية التي تمر بها هذه الأطراف، نتيجة وباء كورونا وتعطّل الاقتصاد العالمي. وينطبق الأمر نفسه على دول الخليج التي لن تستطيع تحمّل فاتورة الإعمار وحدها. وسواء دول الغرب أو الخليج، لن تقدم على ما تعتقده هذه الأطراف إلقاء طوق نجاة لروسيا وإيران من المستنقع السوري.
وربما لهذه الأسباب، يشكل بقاء بشار الأسد مصلحةً لأطراف كثيرة في اللعبة السورية، بعيداً عن تصريحات مسؤوليها وبيانات وزارات خارجيتها، ذلك أنّ بقاءه أقلّ تكلفة من رحيله، ما دام الشعب السوري هو من يدفع أثمان بقاء الأسد حاكماً على خراب سورية، ومشرفاً على ضياع أعمار أبنائها.
العربي الجديد،
———————-
أقوى أمراء الحرب في سوريا/ إياد الجعفري
قبل أيام وصفت “ذي إيكونوميست” البريطانية، أسماء الأسد، عقيلة رأس النظام، بـ “أميرة الحرب”. قد تكون “أسماء” مظلومة نسبياً بهذا التوصيف، الذي يمكن أن يكون أدق لو نُعت به زوجها، أو شقيق زوجها – ماهر الأسد- أو حتى “خضر علي طاهر” المقرّب بشدة من “أسماء” و”ماهر” معاً. لكن بالمقارنة مع كل هؤلاء، يبدو حسام قاطرجي، وشقيقاه، أكثر الشخصيات التي يليق بها هذا التوصيف.
ففيما تلتهب جيوب السوريين الخاضعين لسيطرة النظام، جراء ارتفاع الأسعار الرسمية للمحروقات، والذي أصبح روتيناً يتكرر كل شهرين أو ثلاثة أشهر، تزدهر أعمال “آل قاطرجي” ليتحولوا من مليشيا محلية على علاقة وطيدة بالنظام، إلى أبرز اللاعبين المحليين الذين يتمتعون بصلة مباشرة مع قوى خارجية.
هذا ما تفيد به الصفقة التي أُبرمت قبل حوالي الشهر، بين “مجموعة قاطرجي الدولية” وبين ضباط روس، في مطار دير الزور العسكري. فعضو مجلس الشعب، حسام قاطرجي، لم يعد شخصية تطير فرحاً بمصافحة بشار الأسد. وفيما يمرّ الأخير بمرحلة نقاهة جراء الإصابة بـ “كورونا”، حسب الإعلام الرسمي، ويتلقى الشتائم والسخرية على “السوشيال ميديا” جراء منحته المالية التافهة المخصصة للموظفين، يتابع الأشقاء “قاطرجي” مسيرتهم نحو الاستحواذ على مفاصل تجارة وصناعة النفط في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. ويغسلون أموالهم القذرة جراء الوساطة بين “داعش” والنظام سابقاً، وبين “قسد” والنظام حالياً، عبر استثمارات في العاصمة الاقتصادية السابقة لسوريا قبل 2011 – مدينة حلب-. فهم يستثمرون في الفنادق والعقارات، ومشاريع تعدين. وينشطون بقوة كي يصبحوا القوة الأولى في هذه المدينة. وينازعون ميليشيا آل بري، على سمعتهم في ترهيب سكان المدينة.
قبل أيام، تحدثت صحيفة “لوموند” الفرنسية باستفاضة عن هذه العائلة التي لم تكن معروفة قبل 2011. والتي تحولت اليوم إلى مصدر إمداد رئيس لحكومة الأسد، بالنفط والقمح، بوصفهم وسطاء مع “قسد”، في منطقة يملكون فيها خبرة عشائرية كبيرة.
ولإتمام نجاح الصفقة مع “آل قاطرجي”، وجهت روسيا ضربتين متتاليتين لسوق محروقات في ريف حلب الشمالي، بهدف إجبار مناطق المعارضة المدعومة تركياً على وقف استيراد النفط الرخيص من شمال شرق سوريا، وإجبار “قسد” على حصر تصديره بالنظام، عبر قوافل صهاريج “آل قاطرجي”. وبذلك تُبقي روسيا نظام الأسد على قيد الحياة – نفطياً-، فيما يحقق “الأشقاء قاطرجي” المزيد من الثراء.
ومقارنة بأمراء حرب آخرين، يتبعون لنظام الأسد، يتمتع “آل قاطرجي” اليوم بهامش أكبر من حرية الحركة، بحيث كان نقل تحالفهم من الضفة الإيرانية إلى الضفة الروسية، أمراً سلساً، اختفت بالتزامن معه، كل أشكال الاستهداف التي طالت قوافل صهاريجهم، من جانب خلايا “داعش” المتخفية في البادية، والتي أرهقت حركة نقل الوقود، قبل شهرين من الآن، بعد أن شنت الطائرات الروسية سلسلة غارات على مواقع للتنظيم في البادية، خلال الأسابيع القليلة الفائتة.
في هذه الأثناء، تلتزم واشنطن الصمت حيال عودة الحياة لتجارة النفط بين “قسد” و”آل قاطرجي”، بصورة تُفسّر على أحد وجهين، أو كليهما معاً: الأول، رغبة أمريكية بتخفيف التوتر مع الروس، الذين لا يريدون أن ينهار نظام الأسد تحت وطأة العجز عن الحصول على المحروقات. والثاني: تقليص أي التزامات مالية حيال “قسد”، والسماح لها بتمويل نشاطاتها، بنفسها، حتى لو كان ذلك يعني التبادل التجاري مع نظام الأسد، بصورة تخرق العقوبات الأمريكية.
وفيما تركّز النقاشات في الشأن السوري، على معضلة بقاء بشار الأسد، أو رحيله، تتفاقم قوة أمراء حرب، أبرزهم “آل قاطرجي”، بوصفهم أمراً واقعاً، لا يستمد وجوده من العلاقة بنظام الأسد، بل على العكس. وهو الأمر الأكثر خطورة.
في العام 2014، أشرف الأكاديمي السوري الراحل، د. حسان عباس، على إصدارٍ ثالثٍ من سلسلة “التربية المدنية”، أعده الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، د.عمر ضاحي، المتخصص في التنمية الاقتصادية والتجارة الدولية. تضمن الإصدار المعنون بـ “التنمية بعد الأزمات”، معطيات مخيفة حول صعوبات التنمية بعد النزاعات المحلية، أبرزها ما يتعلق بصعود أمراء الحرب، وأدوارهم بعد انتهاء النزاع المسلح.
فأولئك الأمراء يحققون أرباحهم من استمرار النزاع، لا من إيقافه. ويراهنون على دولة مركزية ضعيفة، بمؤسسات محدودة التأثير. فالنزاع المسلح المحلي، ينتج مجموعة من المقاولين والمهربين والمرتزقة، يستفيدون من وجود الفوضى، ويراهنون على صلات دينية أو عشائرية.
ويضيف البحث المشار إليه، أنه غالباً ما يلجأ المجتمع الدولي أو السلطة الحاكمة لبلدٍ خارج من حرب أهلية إلى التعامل مع هذه النخب، بذريعة أن استتباب الأمن هو الأولوية. وهنا، يتم إضفاء الطابع المؤسساتي على تلك النخب، وتتحول إلى عبءٍ خطيرٍ على الدولة. وعادةً ما يؤدي هذا السيناريو إلى استمرار النزاع في وقت لاحق.
تنطبق كل السمات والمعطيات آنفة الذكر، على المشهد السوري الراهن. فروسيا، بوصفها سلطة حاكمة إلى حدٍ ما في سوريا، تتعامل بشكل مباشر، مع أمير حرب. ويحظى هذا الرجل –حسام قاطرجي-، بموقع في المؤسسة التشريعية، فيما يحظى شقيقه الآخر –محمد براء قاطرجي- بمقعد في اللجنة الدستورية السورية، في الوقت الذي يحتل فيه قريب لهما، موقعاً ضمن غرفة تجارة حلب.
وقد يكون أخطر ما يميز هذه العائلة، عن باقي أمراء الحرب في مناطق سيطرة النظام -الذين يستندون بشكل مباشر على دعم النظام، أو يشكلون واجهات مالية واستثمارية له، على غرار “خضر علي طاهر”- أن “آل قاطرجي” يستندون إلى قوة ذاتية، مستمدة من شبكة علاقات أخطبوطية مع عشائر وقوى محلية ضمن المنطقة الشرقية، ومنطقة حلب، سمحت لهم بأن يكونوا الوسيط الأمثل، لتجارة النفط والقمح بين شطرَي سوريا، الشرقي والغربي، باعتراف وتعميد روسي.
المدن
———————-
انتصار الأسد!/ فايز سارة
حملت نهاية العام العاشر لثورة السوريين على نظام بشار الأسد، مزيداً من الإعلانات عن انتصار بشار الأسد في الحرب على السوريين وثورتهم، ولم تكن الإعلانات مقتصرة على نظام الأسد وبعض حلفائه من دول ومؤسسات، بل إن أطرافاً أخرى، وفيها أطراف مصنفة في قائمة «أصدقاء الشعب السوري»، انضمت إلى جوقة أصحاب الإعلانات، واعتبرت أن الأسد انتصر في حرب السنوات العشر.
فكرة انتصار الأسد في معناها، ليست واحدة عند القائلين بها ومروجيها. الأكثرية منهم ترى أن بقاء بشار في منصبه واستمرار وجود نظامه، هو النصر بعينه، وبعض هؤلاء يزيدون في تأكيد النصر، بالإشارة إلى أن نظام الأسد يستعد لإجراء انتخابات رئاسية قبل منتصف عام 2021، ستؤدي إلى فوز بشار بصورة مؤكدة، وتوليه فترة رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات، وبعض القائلين بانتصار بشار، يرون أن النصر إنما يعني استعادة سيطرة الأسد على القسم الرئيسي من الأراضي السورية، التي خرج أكثرها عن سيطرته في السنوات الأولى من الثورة، ولا يرى هؤلاء في المناطق التي يسيطر عليها الأتراك ومجموعات متحالفة معهم بمن فيهم «هيئة تحرير الشام» في شمال غربي سوريا، و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تسيطر على شرق الفرات بدعم من الولايات المتحدة، إلا حالتين مؤقتين، سوف تتم استعادتهما في وقت قريب.
وبخلاف كل من سبق من القائلين بـ«انتصار الأسد»، فإن حلفاء الأسد الأساسيين، وخاصة روسيا وإيران، يرون انتصار الأسد من خلال وجودهما في سوريا؛ لأنهما موجودان برغبة منه، وإذا كان الأمر عند الإيرانيين في إطار المسلّمات والبديهيات، فإنه عند الروس مؤكد وحتمي وسيكون لاحقاً، وهذا ما كرره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مرات. وثمة نوع آخر من القائلين بـ«انتصار الأسد»، لا تستند رؤيتهم في ذلك إلا إلى تقديرات وأوهام ورغبات في «انتصار الأسد»؛ الأمر الذي يمكن أن يعطيهم دوراً ومكانة سياسية في سياسات شرق المتوسط وفي مستقبل سوريا، وبعضهم يتصور أن ذلك سيعطيهم فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال مشاركتهم في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب.
غير أن مقولة «انتصار الأسد» على تعدد وتنوع خلفيات رؤى ومواقف القائلين بها، لا تجد ما يسندها في الوقائع السورية. فأي «انتصار» هذا بعد كل ما فعله الأسد ونظامه بالدولة والمجتمع في سوريا من تدمير وقتل وتهجير طوال عشر سنوات مضت، كان الأهم في نتائجها ابتلاع السلطة للدولة، ومع الفشل الذريع الذي أصاب الأولى، فقد تحولت الثانية إلى دولة فاشلة، وصارت مؤسساتها وأجهزتها مجرد أدوات لعصابات إجرامية مغرضة، تسيطر بالقوة والإرهاب ليس أكثر، وحيث عجزت عن تأمين سيطرتها، فإنها استدعت دولاً وميليشيات وعصابات مسلحة أغلبها موصوف بـ«الإرهاب» من جانب المجتمع الدولي من أجل إحكام سيطرتها وتكريسها، حيث حوّلت المجتمع إلى كيان مدمر من الناحيتين البشرية والمؤسساتية، ومن الناحية البشرية صار نصف السوريين لاجئين في عشرات من دول العالم، كما صار ربعهم قتلى ومعتقلين ومختفين وجرحى معاقين، وتحول ما تبقى من السوريين إلى أدنى درجات الفقر، وتدهور مستوى حياتهم الإنسانية إلى حدود غير مسبوقة، وخاصة في مناطق سيطرة النظام.
وبدا من الطبيعي، أن ينعكس تدمير البنية البشرية للمجتمع السوري على واقع مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فتم تدمير أغلبها، وتهميش وإلحاق ما لم يدمر. وعلى سبيل المثال، فإن جميع المؤسسات السياسية والمنظمات الاجتماعية، إما جرى فرط عقدها بحجة مكافحة «الإرهاب» أو أصبحت ملحقة بفروع المخابرات وخاضعة للسيطرة الأمنية، أو تم إضعافها بحيث لا تستطيع أن تفعل شيئاً، وهكذا لم يعد للنظام وليس لرئيسه فقط أي قدرة على الفعل والتأثير خارج الخط الأمني، بل إنه في هذا ليس أكثر من واجهة، تختفي وتتصرف من ورائها قوى الأمر الواقع، وخاصة تلك المحسوبة في عداد حلفاء نظام الأسد روسيا وإيران وميليشياتها، وكلها غير معنية بأي مسؤولية أو عمل حيال السوريين أو أي تقدمات لهم، ما عدا تكريس وجودها وسيطرتها من أجل مصالحها الحصرية.
ولأن الأسد ونظامه وصلا إلى هذه الحدود، فلم يعد بإمكانهما القيام بأي دور في معالجة الأوضاع القائمة ومواجهة تداعياتها، أو السعي للخروج منها سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي، وبالتالي فالأمور جميعها إلى تفاقم على كل المستويات، ولعل الأبرز على الصعيد الداخلي، تزايد التفسخ في البنية الاجتماعية الداعمة للنظام، وكان بين تجليات التفسخ في المستوى الأعلى صراع داخل الحوزة الصلبة للنظام بين آل الأسد وآل مخلوف، وانتهى بتدمير رامي مخلوف والاستيلاء على مؤسساته واستثماراته لصالح بشار الأسد وزوجته، ومن تجليات التفسخ على صعيد مؤيدي النظام وبطانته وداخل أجهزته حالات الموت الغامض لضباط وشخصيات محسوبة على نظام الأسد، وما يحصل في الجهاز الإعلامي – الدعائي للنظام الذي شهد اعتقال واختفاء عشرات المؤيدين العاملين فيه في الآونة الأخيرة.
ومما لا شك فيه، أن تدهور سياسات النظام وأوضاعه على الصعيد الداخلي، تتماثل مع خط موازٍ للسياسات على الصعيد الخارجي، وهو ما يظهر في تعامله مع خصومه الذين صنفهم في مقدمة الفاعلين في المؤامرة الدولية على الأسد ونظامه؛ إذ يتابع مهاجمتهم من جهة، وتمرير رسائل التودد لقبوله كما هو، وكأنه لا يدرك حجم ما ارتكبه من جرائم، تتجاوز في نتائجها وتداعياتها الواقع السوري إلى المحيطين الإقليمي والدولي، ومن الصعب أن يتوافق الاثنان في مسامحة النظام على جرائمه وارتكاباته… ويتابع الأسد سياساته وجرائمه بدلاً من أن يذهب إلى ملاقاة المساعي الدولية نحو حل سياسي على أساس القرار الدولي 2254 مقابل استعداد الفاعلين للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، وتشجيع الدول الأخرى على ذلك، ويمتد هذا السلوك بصورة ما إلى علاقاته مع حلفائه الذين كان لهم الفضل الرئيسي في بقائه واستمرار نظامه، أعني الروس والإيرانيين، ليس فقط في سياسة التلاعب والتذاكي والكذب معهما، أو تشجيع التنافس بينهما، والاستيلاء على بعض مساعدات يقدمها الطرفان، يستولي عليها رأس النظام أو بعض بطانته، وقد تسربت في العام الماضي من المصادر الروسية، وأقل من المصادر الإيرانية عن خلافات الاثنين مع نظام الأسد بسبب تلك الحالات.
وسط تلك المحصلة من تردي نظام الأسد وتدهور سياسات رئيسه، تتوالى إعلانات «انتصار الأسد». وإذا كان ذلك من السهل قوله من جانب النظام ورئيسه الذين أعلنوا انتصارهم منذ الأيام الأولى للثورة، ورددوا مئات المرات كلمة «خلصت» تعبيراً عن انتصارهم، فإن من الغريب صدور تلك الإعلانات عن آخرين في وقت يعرفون ويعرف العالم كله وقائع ومعطيات وحقائق، تؤكد استحالة انتصار الأسد في الصراع السوري.
الشرق الأوسط
————————
هجوم روسي على «سوريا المنسية» من أميركا/ لندن: إبراهيم حميدي
موسكو ودمشق، انتقلتا إلى الهجوم، على أكثر من جبهة. الهدنة العسكرية صامدة رغم هشاشتها. وزير الخارجية سيرغي لافروف قال، العام الماضي، إن العمليات العسكرية الشاملة انتهت. إذن، الساحة الجديدة للمواجهة الروسية – الغربية هي البيانات السياسية، و«ساعة الصفر»، كانت ذكرى بدء الاحتجاجات في 15 مارس (آذار) الحالي.
في كل سنة، تصدر أميركا وحلفاؤها، خلال العقد الأخير، بيانات. اختلف مضمونها عبر السنوات، بل انخفض سقفها وتماشى مع «الوقائع الجديدة» في «سوريا المنسية» بواشنطن. لكن الجديد هو إصدار الحكومتين الروسية والسورية بيانين عن الذكرى في هجوم لـ«تقديم الحقائق».
– رواية موسكو ودمشق
أقرت الخارجية الروسية، حسب البيان، على موقع «روسيا اليوم»، بأن الأزمة بدأت بـ«مظاهرات مناهضة للحكومة، ثم أصبحت بداية للأزمة». اللوم يقع على «التدخل الخارجي» الذي حول «عملية سياسية داخلية إلى نزاع مسلح وصلت، إلى المقام الأول فيه، تنظيمات مسلحة غير قانونية»، إلى أن باتت سوريا تتعرض لـ«هجوم غير مسبوق من الإرهاب الدولي».
لم يتطرق إلى التدخل الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015، والقصف والقضم، بل ركز على «الدور الحاسم» لموسكو في محاربة «داعش»، التنظيم الذي بات أولوية للعمليات الروسية فقط بالأشهر الأخيرة بغارات تُشن على البادية.
بعدما، «أسهمت» روسيا في دحر «داعش» وإلحاق الخسائر بالإرهاب الدولي. انطلقت جهود منسقة من «الدول الضامنة» (روسيا وتركيا وإيران) في مسار آستانة بهدف «وقف الأعمال القتالية»، عدا «بؤرتي توتر» في إدلب بسبب «جبهة النصرة» و«مناطق الوجود العسكري الأميركي غير المشروع شرقي الفرات والتنف»، من دون تطرق للغارات الإسرائيلية أو الوجود العسكري التركي أو الإيراني في سوريا.
عندما فشلت «القوى المناهضة» عبر «تأجيج الحريق»، بـ«الإطاحة بحكومة البلاد»، لجأت إلى «الخنق الاقتصادي والعقوبات الأحادية ومنع المساعدات وعرقلة عودة اللاجئين» أو تقديم «مساعدات انتقائية» تساهم في «ترسيخ الانقسام».
طبعاً، لا حل عسكرياً للأزمة، بل هو عبر تنفيذ 2254 لإطلاق «عملية سياسية يقودها السوريون» للوصول إلى «رؤية مشتركة لمستقبل البلاد دون ضغوط ومواعيد مصطنعة»، وإلى «مصالحة وطنية» وعودة اللاجئين، وهي عناوين ومبادئ لم تكن حاضرة في البيان الذي وزعته «الوكالة السورية للأنباء الرسمية» (سانا)، الذي استعرض ذكرى «عشرة أعوام مرت على أشرس حرب إرهابية تعرض لها السوريون»، حيث اندلعت «حرب استخدمت فيها دول العدوان مختلف أنواع الأسلحة، بدءاً باستقدام آلاف المرتزقة لمحاربة الجيش وصولاً إلى التدخل المباشر». وزاد: «عندما فشلوا في الميدان نقلوا الحرب إلى الاقتصاد لتجويع السوريين، عبر حصار خانق تقوده أميركا وتنفذه أدواتها»، مع الإشارة إلى «حرب السياسة والإعلام لتشويه صورة الدولة وجيشها وتلميع الإرهابيين».
– موقف «أميركا الجديدة» وحلفائها
لدى أميركا وحلفاؤها رواية شبه عكسية لما حصل وكيفية الحل والمستقبل في «سوريا المنسية». كان هذا واضح في بيانات ذكرى 15 مارس. غاب عنها عبارات، مثل «الانتقال السياسي» و«تنحي الأسد» أو تشكيل «هيئة حكم انتقالية»، وحصلت مكانها عبارات تخص شروط أعمار سوريا والموقف من الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا بعد أشهر وآلية دعم الإصلاح الدستوري.
مرور «عقد على الانتفاضة»، شكل مناسبة لإعلان أول موقف لوزير الخارجية الجديد طوني بلنكين، وإدارة جو بايدن، من الملف السوري. وفي بيان مع نظرائه البريطاني والإيطالي والفرنسي والألماني، قال الوزير الأميركي إن الأزمة بدأت بـ«ردّ نظام الأسد بعنف مروّع» على المتظاهرين، ما يعني أن «الرئيس الأسد وداعميه يتحملون مسؤولية سنوات الحرب والمعاناة».
وكان لافتاً القول إن «استمرار الصراع تسبب أيضاً في توفير مساحة للإرهابيين لاستغلالها، وخصوصاً (داعش)، الذي يبقى منع عودته من الأولويات». وعزز هذا الاعتقاد بأن منع ظهور «داعش» والبقاء العسكري شرق سوريا أولوية لإدارة بادين، وسط غياب سوريا سياسياً عن رأس الأولويات، خصوصاً أن الإدارة لا تزال تراجع سياستها، ولم تعين مبعوثاً خاصاً لها إلى سوريا.
ماذا عن الانتخابات الرئاسية السورية؟ قال البيان الأميركي – الأوروبي إنها «لن تكون حرّة ولا نزيهة، وينبغي ألا تؤدّي إلى أي تطبيع دولي مع النظام، لأن أي عملية سياسية لا بدّ لها من أن تتيح الفرصة لمشاركة جميع السوريين، بمن فيهم سوريو الشتات والنازحون». وكان مفوض الشؤون الأمنية والسياسية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، قال في بيانه إن هذه «الانتخابات لا تفي بهذه معايير (قرار 2254)، ولا يمكن أن تسهم في تسوية الصراع، ولا تؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام».
وأعلنت الخارجية الفرنسية أنها «ستواصل مع شركائها جعل إعمار سوريا وتطبيع العلاقات مع دمشق مشروطا بتنفيذ حل سياسي دائم حسب 2254».
لاشك أن الانتخابات هي «الساحة المقبلة» للمواجهة بين موسكو واشنطن، قبل إجرائها قبل شهرين من انتهاء ولاية الأسد في منتصف يوليو (تموز) بالتزامن مع صدام آخر في مجلس الأمن سيحصل لدى بحث تمديد قرار دولي للمساعدات الإنسانية، عبر الحدود في منتصف يوليو أيضاً. الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف قال إن الكرملين «يعتبر الأسد رئيساً شرعياً لسوريا». كما أن لافروف قام بجولة خليجية بهدف حث دول عربية على إعادة دمشق إلى الجامعة العربية وتمويل إعمار سوريا واعتبار الانتخابات الرئاسية «نقطة تحول».
من الأمور اللافتة الأخرى في «بيانات الذكرى»، أن وثيقة الخارجية التركية لم تتطرق إلى الانتخابات الرئاسية السورية، بل إن أنقرة التي تقيم قواتها العسكرية في أكثر من 10 في المائة من سوريا، وتنشر نحو 15 ألف جندي شمال البلاد، ركزت على أنها ملتزمة «حماية وحدة الكيان السياسي لسوريا وسلامة أراضيها» و«ستواصل مكافحة التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها (داعش) وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية»، وأن أنقرة التي كانت حليفة واشنطن في دعم المعارضة قبل عشر سنوات، «لن تتسامح مع المساعي الرامية لإضفاء الشرعية على الأجندات الانفصالية للمنظمات الإرهابية» في إشارة إلى الدعم الأميركي لـ«الوحدات» شرق سوريا.
الشرق الأوسط
—————————
روسيا والمنتج السوري… والكابوس الإيراني/ خيرالله خيرالله
هناك منتج تعتقد روسيا أن في استطاعتها تسويقه وجني أرباح منه وتعزيز وضعها على خارطة العالم في الوقت ذاته. لم تنجح، أقلّه إلى الآن، في ذلك. اسم هذا المنتج هو المنتج السوري. لم تتمكّن روسيا إلى اليوم من تسويق منتجها السوري تمهيدا لبيعه لزبون مهتمّ به. ليس هناك من يريد هذا النوع من البضاعة لأسباب عدّة. في مقدّم هذه الأسباب أن المنتج نفسه غير قابل للتسويق، ثمّ لأن روسيا لم تستفد من تجارب الماضي ومن الواقع الذي تعيش في ظلّه وبقيت تدعم نظاما منتهي الصلاحيّة منذ فترة طويلة.
يبدو أنّ روسيا لم تستطع في أي وقت أخذ العلم بأنّ الحرب الباردة انتهت مع انهيار جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989. لم تدرك أن النظام السوري الذي أسّسه حافظ الأسد في العام 1970 يمكن أن يبقى نصف قرن وأكثر، لكنّه لا يصلح في النهاية لأيّ مقايضة مع هذه القوة أو تلك، خصوصا مع الولايات المتحدة التي لا يهمّها ما الذي يحلّ بسوريا. كلّ ما يهمّ أميركا، بغض النظر عن الإدارة فيها، هو ألا يكون هناك خطر على إسرائيل مصدره سوريا. تعرف واشنطن جيّدا أنّ النظام السوري ينتمي إلى أيّام الحرب الباردة، أي أنّه جزء من ماضٍ عفا عنه الزمن.
متى راجعنا التاريخ الحديث، نكتشف أوّل ما نكتشف أن أميركا تحصل من سوريا على ما تشاء ساعة تشاء. من كان وراء اتفاق فك الاشتباك السوري – الإسرائيلي في الجولان في العام 1974؟
الجواب أن هنري كيسنجر ولا أحد غيره، كان وراء الاتفاق الذي شكّل نقطة تحوّل على الصعيد الإقليمي بإغلاقه جبهة الجولان نهائيا وفتحه المجال للدخول العسكري السوري إلى لبنان لاحقا. أكثر من ذلك، لم يكن الدخول العسكري السوري إلى لبنان في العام 1976 و1977، سوى بضوء أخضر أميركي – إسرائيلي وبفضل وساطة أردنية.
في سوق السياسة الدولية، كان الاستثمار الروسي في سوريا استثمارا فاشلا في كلّ وقت. قد يعود ذلك أساسا إلى أن روسيا ليست تاجرا ناجحا، تماما كما كانت حال الاتحاد السوفياتي الذي استثمر في مناطق كثيرة من العالم كي يكتشف أنّ كلّ استثماراته هذه لا تفيده في شيء. كان المثل الأبرز على ذلك الاستثمار السوفياتي في اليمن الجنوبي. أقام الاتحاد السوفياتي في ما كان يسمّى، قبل الوحدة اليمنية في العام 1990، “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” نظاما غير قابل للحياة. انفجر هذا النظام من داخل في 13 كانون الثاني – يناير 1986 بعدما تبيّن أن النظام الماركسي، نظام الحزب الواحد الحاكم، في بلد لا تزال تسيطر عليه العشائرية والمناطقيّة ولا يمتلك أي مقومات تسمح له بالاستمرار من دون المساعدات السوفياتية المباشرة. لم يجد الاتحاد السوفياتي من يخلي له مواطنيه من عدن إثر “أحداث 13 يناير” ذات الطابع الدموي غير يخت ملكة بريطانيا وقتذاك، أي يخت القوة التي استعمرت اليمن الجنوبي في الماضي.
نعم، لم تكن روسيا، وقبلها الاتحاد السوفياتي، يوما تاجرا ناجحا. لم تستطع، بالتالي، بيع أي بضاعة تنتجها… باستثناء النفط والسلاح. كلفة استخراج برميل النفط الروسي، لسوء الحظ مرتفعة. هذا يعني تأثر روسيا بأي خفض لأسعار النفط في ظلّ غياب ما يعوّض أي خسائر تنجم عن هبوط سعر الذهب الأسود.
أمّا السلاح الروسي (السوفياتي سابقا)، فلم يثبت بشكل عام أي نجاح في أي معركة شارك فيها باستثناء الحروب على شعوب لا تمتلك سلاحا. شكا من ذلك زبائن السلاح الروسي الذين دخلوا في مواجهات مع سلاح آخر غربي. في السنوات الخمس الأخيرة حاول الروسي استغلال المأساة السورية كي يحقق نجاحا ما لسلاحه. من هذا المنطلق، عمل على تسويق سلاحه الجوّي عبر إظهار تطوّر طائراته وتفوّقها من خلال قصف المدن والبلدات السورية، فكانت النتيجة صفرا لأنه لم يدخل معارك جوية فعلية. في الواقع، قصف بلدات ومدن وقرى مليئة بالمدنيين شبه عزل.
أما الدفاعات الجوية الروسيّة التي باعها للجيش السوري فهي مازالت ومنذ ثلاث سنوات تتلقى النكسة تلو الأخرى من خلال المحاولات اليائسة لاعتراض الطيران والصواريخ الإسرائيلية التي تستهدف الأهداف الإيرانية الموجودة في سوريا.
إلى اليوم، لم يتجرأ الجانب الروسي على استخدام صواريخه، كذلك لم يسمح للنظام في سوريا باستخدام منظومة صواريخ أس – 300 أو أس – 400. قد يكون ذلك عائدا إلى خوف من انكشاف فشل المنظومة الصاروخية التي يحاول الروسي تسويقها عالميا كمنتج حربي فعال.
فشلت روسيا في تسويق سلاحها مثلما فشلت في تسويق منتجها السوري. ليس استقبال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي وعقده مؤتمرا صحافيا مشتركا معه بعد يوم واحد من استقباله وفدا من “حزب الله”، من دون دلالات. بين هذه الدلالات أنّ موسكو باتت تعرف أن هناك إطارا محددا لمهمتها السورية. يفرض هذا الإطار الاعتراف بأنّ وضع نفسها في خدمة إيران في سوريا لا يفيد في شيء. هناك مدخل وحيد لإعادة الحياة إلى دور روسي ما في سوريا. هذا المدخل يتمثل في خروج الإيراني. هل هذا ممكن أو وارد؟
في ظلّ وجود الإيراني في سوريا، لا أمل بتسويق المنتج السوري الذي ظن الرئيس فلاديمير بوتين أنّه الطريق الأقصر لجعله في موقع القيصر في الساحة الدبلوماسية الدولية.
في غياب القدرة على إخراج الإيراني من سوريا، ستكون روسيا كمن يضع يده على منتج لا يشبه سوى قالب ثلج كبير في الصحراء يذوب ذوبانا سريعا. سوريا كلّها تتحلل مع الوقت، سوريا تموت اقتصاديا واجتماعيا… فيما حلم مشاركة روسيا في إعادة إعمار سوريا بأموال أميركية وأوروبية وعربيّة صار أقرب إلى وهم من شيء آخر. هل يمكن لروسيا أن تقدم في يوم من الأيّام على خطوة مفيدة في سوريا تخدم من خلالها سوريا نفسها وشعبها والمنطقة؟ هذا ممكن عبر إزاحة الكابوس الإيراني بدل عمل كلّ شيء كما حصل في العام 2015 كي يبقى ركيزة لنظام لا مستقبل من أي نوع له.
إعلامي لبناني
العرب
—————————–
سوريا على مسار العراق ولافروف يستبق رافعة سعودية-تركية/ منير الربيع
بين إخراج القوات العراقية من الكويت بعد اجتياحها في حرب الخليج الثانية والاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003، 12 سنة، عاش خلالها العراق أسوأ الأزمات الاقتصادية والسياسية والمالية، وكان في عزلة لم يخرج منها. لا بد من التأمل جيداً والعودة بالذاكرة للمراجعة، على الأرجح أن ذلك هو الذي سيكون في سوريا إلى أمد طويل بكل أسف. وآثاره المدمرة ستكون على سوريا وشعبها في الداخل والخارج. كل الحركة الدولية التي تجري في المنطقة، وخصوصاً من قبل روسيا باتجاه دول الخليج لن تكون قادرة على إعادة إنتاج بشار الأسد، ولا قدرة لأحد على إعادة تعويمه. على الرغم من أن الأسد في كل مرة يشارف فيها على السقوط أو الانهيار، تأتي قوة خارجية لإنقاذه.
نتيجة زيارة سيرغي لافروف إلى دول الخليج واضحة، لا تقدم في المسار السياسي في سوريا ولا في المسار المالي، طالما أن لا اتفاق على برنامج للمرحلة الانتقالية. الموقف القطري والتركي لم يتغير، ولا الموقف السعودي تغير بخلاف كثير من التفسيرات التي اعتبرت أن الرياض مستعدة للتقارب مع النظام، وهذا تفسير خاطئ، فحتى الموقف الإماراتي الذي جاء على لسان وزير الخارجية عبد الله بن زايد حول قانون قيصر، كان واضحاً أنه لا يمكن لأحد إحداث أي تغيير في سوريا من دون قرار أميركي، قانون قيصر صادر عن الكونغرس ولا يمكن لأي إدارة أميركية أن تتلاعب به أو معه، وهو يرتبط بشكل رئيسي في المرحلة المستقبلية والتي تتعلق بإعادة الإعمار، ولا يمكن لأي طرف الإقدام على أي خطوة إلا وسيكون عرضة للعقوبات.
يؤشر المسار إلى استعصاء لن يكون متاحاً الخروج منه قريباً، وفي ظل إصرار موسكو والأسد، على إجراء الانتخابات وإعادة انتخابه، ما لن يقدم أو يؤخر في الوضع القائم، إنما سيزيد من مآسي الشعب السوري، وسيرتفع منسوب صرخات الموالين قبل المعارضين، إلى أن يصل الأمر إلى نقطة لا رجعة عنها، فينتهي الأسد. قبل ذلك لن يكون في سوريا أي جديد سوى ارتفاع أعداد الضحايا والأسرى، ومراكمة الخسائر والانهيارات بكل صنوفها. وعلى الرغم من غياب مباشر للأثر العربي في سوريا، لكن في النهاية، ستبقى الكلمة الأساسية لهذه الدول خصوصاً من بوابة إعادة الإعمار. والأكيد أن أي طرف غير مستعد لإعادة إعمار سوريا وإعادة تسليمها للأسد.
لا يمكن تقديم أي مساعدات مالية جدية إلا من دول الخليج، وهذه الدول تضع شروطها الواضحة، بأن أي مساعدات ترتبط بتحقيق شروط واضحة. تنقسم الشروط العربية إلى قسمين، قسم لا يمانع بقاء الأسد، ولكن بشرط تغيير تحالفاته وسياسته وأن يذهب إلى منهج جديد يختلف عن منهجه السابق المنضوي كاملاً في العباءة الإيرانية. بين العامين 2011 و2014 كانت إيران صاحبة القوة والنفوذ الأبرز في سوريا، أما اليوم فإن المعادلة تغيرت بشكل كامل، ففي سوريا قوى كثيرة ومتعددة، روسيا، تركيا، أميركا، إسرائيل، ويبقى الملف المستقبلي في إعادة الإعمار والاستنهاض الاقتصادي بيد دول الخليج. وبذلك تكون إيران أكثر الأطراف التي دفعت أثماناً مالية وعسكرية وبشرية، ستكون صاحبة المكاسب الأقل وفق التقديرات.
وقوف لافروف بين وزيري خارجية تركيا وقطر فيه الكثير من المعاني، وهي الحاجة الروسية الماسة للأموال، لكن الموقف القطري كان واضحاً بأنه لا يزال من المبكر البحث في الملف السوري. ولا يمكن لروسيا أن تستمر في سوريا على هذا الشكل، هي بحاجة لروافد مالية غير قادرة على توفيرها أبداً. ولذلك هي ستكون مضطرة لتقديم تنازلات سياسية لصالح الدول العربية أو الخليجية بالتحديد وهي بالأساس المخولة بالقيام بعملية إنقاذ الإقتصاد السوري، ووقف الاستنزاف الروسي.
تواجه إيران أيضاً تقارباً سنياً سنياً، بخلاف ما كان عليه الوضع سابقاً خلال إدارة ترامب، وكنا قد أشرنا في مقالات سابقة في هذه الزاوية، حول تطويق إيران سنياً من قبل تركيا وعبر إجراء مصالحات مع الدول العربية والخليجية، عبر طوق يمتد من أفغانستان وباكستان إلى أذربيجان، وصولاً إلى العراق وسوريا ولبنان، وحتى في اليمن، إذ إن المرحلة المقبلة ستشهد تقارباً تركياً سعودياً سيكون له انعكاس سياسي في المستقبل.
كان ترامب غير مهتم بسوريا، بينما هذه الإدارة تبدو مهتمة إلى حدّ بعيد بالملف السوري، سواء من خلال دعم الأكراد وعدم الاتفاق بينهم وبين النظام، بخلاف الرغبة الروسية، أو من خلال إصدار البيت الأبيض تقرير الإرشاد الاستراتيجي، والذي يتضمن فقرة واحدة عن الشرق الأوسط، تتعلق بدعم حلفاء واشنطن التقليديين وعلى رأسها إسرائيل، بالإضافة إلى مواجهة الصين وروسيا، وهذا يعني أنه لن يكون بإمكان واشنطن قطع العلاقات مع تركيا، إنما لا بد من تحسينها، بالإضافة إلى تأكيد الثبات على قانون قيصر وعدم الخروج منه، وهناك التقاء أوروبي أميركي على ضرورة تشديد الضغوط على النظام، وينعكس ذلك في المحادثات الأميركية الفرنسية، وما يشير إليه تقرير الإرشاد الاستراتيجي حول التعاون الأميركي الأوروبي أيضاً في الملف السوري.
لا يمكن لكل هذه الضغوط أن تتحول إلى هباء، إنما سينجم عنها برامج سياسية متكررة، عنوانها أساسي إما أن يرحل الأسد أو أن ينسحب حزب الله والقوات الإيرانية من سوريا. وهذه مسؤولية ملقاة على عاتق الروس، الذين يعرفون أنه ليس من السهل إخراج إيران من سوريا، لا بل من المستحيل، ولكن الميليشيات التابعة لإيران هي التي ستخرج، بينما تحتفظ طهران بنفوذها السياسي كدولة إيرانية بعد كل ما حققته على طول مساحة الجغرافيا السورية وعرضها. جانب من هذه الملفات كلها كان حاضراً على طاولة التفاوض بين وفد حزب الله والمسؤولين الروس خلال الزيارة التي أجريت إلى موسكو.
تلفزيون سوريا
——————–
ليس لدى بوتين من يكاتبه/ حسان الأسود
تبحث روسيا عن استثمار نتائج تدخلها العسكري في سوريا بأوجه مختلفة، وتحاول ترجمة ذلك على أرض الواقع من خلال ترميم المشهد السوري ببعض المساحيق التجميلية. إذا صحّت الأخبار القائلة بأنّ بعض دول الخليج كانت مساهمة في إقناع الروس بالتدخّل عسكرياً بعد الحصول على الموافقة الأميركية، فإنّ من شأن ذلك أن يوضّح جزءاً من التركيبة المعقّدة للوضع الراهن في هذا المشرق المضطرب. يأتي استشعار الروس لخطر الانزلاق في المستنقع السوري كما كان وضع السوفييت في أفغانستان، نتيجة بدهيّة لعدم قدرتهم على حسم المعركة واستعادة كامل الأراضي التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد من جهة أولى، ولعدم قدرتهم على تشغيل مؤسسات الدولة السورية، التي كان منع انهيارها هو العنوان الأبرز لتدخّلهم الدموي من جهة ثانية، ولعدم قدرتهم على إعادة إعمار ما ساهموا بتدميرهم بهمجيّتهم المعهودة من جهة ثالثة. وفق هذه الخلفية يمكن قراءة المنصّة الثلاثية الجديدة التي توافق الروس والأتراك على إطلاقها مع مضيفيهم من العاصمة القطرية الدوحة، وهي بوّابة صريحة لمغازلة السعوديين بقضايا تهمّهم جداً هذه الأيام.
تحاول روسيا استثمار حالة الضغط الأميركي على دول الخليج لإنهاء الحرب اليمنية، وتحاول أن تلعب دور الحليف الممكن الاعتماد عليه والذي لا يتخلى عن حلفائه كما الأميركيين. هناك فراغٌ تكتيكي في العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية، يتسبب به تغيّر الإدارات بين الجمهوريين والديمقراطيين، ويظنّ الروس أنّهم قادرون على ملئه جزئياً ومن ثمّ البناء عليه لعقد شراكات وتحالفات استراتيجية بعيدة المدى.
تحاول روسيا استثمار حالة الضغط الأميركي على دول الخليج لإنهاء الحرب اليمنية، وتحاول أن تلعب دور الحليف الممكن الاعتماد عليه والذي لا يتخلى عن حلفائه كما الأميركيين. هناك فراغٌ تكتيكي في العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية، يتسبب به تغيّر الإدارات بين الجمهوريين والديمقراطيين، ويظنّ الروس أنّهم قادرون على ملئه جزئياً ومن ثمّ البناء عليه لعقد شراكات وتحالفات استراتيجية بعيدة المدى.
ستعرض روسيا خدماتها الاستخباراتية وإمداداتها للملكة العربية السعودية بالأسلحة لمواجهة خطر التمدد الإيراني عبر مسيّرات الحوثيين. يدرك الروس مدى امتعاض الأتراك من سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الملف الكردي والدعم الكبير الذي تقدّمه لخصومها أو أعدائها اللدودين هناك، لهذا سيعملون على رفع مستوى التحالف مع الأتراك من جهة، وعلى مدّه باتجاه شمال شرق سوريا لممارسة مزيد من الضغط على الإدارة الذاتية هناك.
يدرك القطريّون أنّ حلفاءهم الأتراك قد هزموا الروس مرتين في معركة المسيّرات، واحدة في إدلب والثانية في أذربيجان، لذلك كان الحليف التركي حاضراً على الطاولة وبثقلٍ كبير، مما سيشكّل منقذاً للسعودية من خطر ما زال يتفاقم يوماً بعد يوم. يسعى القطريّون بدورهم أيضاً إلى ترميم العلاقة بين السعوديين والأتراك، وهم ذوو باع طويل في ممارسة دور الوساطة الحميدة بين الأطراف المتنازعة. لقد حافظت الدوحة على علاقات متوازنة مع جميع الفاعلين الدوليين والإقليميين في الشأن السوري، كما في غيره من الشؤون العالقة الأخرى، فرغم الحصار الذي تعرّضت له من دول الجوار القريب إضافة لمصر، إلا أنها استطاعت أن تكون حاضرة على الساحة الدولية، بل إنّ الحصار أفادها كثيراً في خلق بدائل قويّة للعلاقة مع دول الجوار العربي، وأبرز هذه البدائل كان الحلف الاستراتيجي مع الدولة التركية. احتفظت قطر بملفات معقدة وشائكة في نفس الوقت ونجحت في إدارتها، بدءاً من ملف حماس والجهاد وانتقالاً للعلاقة مع إيران وتوابعها مثل حزب الله، وصولاً إلى ملف المفاوضات مع طالبان الذي يعتبر من أهمّ الملفات الدولية التي ترعاها. أثبتت قطر خلال أزمة الحصار أنها قادرة على البقاء والتأقلم، وهذا جعلها لاعباً هامّاً لا يمكن تجاهله.
على الضفّة التركية نجد أنّ الشهية لتوسعة المجال الحيوي للأمن القومي مفتوحة، وهي تتقاطع جزئياً مع الأمن القومي العربي خاصّة لناحية العدوّ / المنافس الإيراني. من هنا نجد التقارب التركي المصري ضرورة للجانبين. سيجعل هذا الأمر مصر أكثر قوّة في مواجهة الضغوط الغربية بملف حقوق الإنسان، وسيجعل تركيا أكثر قرباً من منابع الطاقة والغاز في البحر الأبيض المتوسط. تدرك تركيا أنّ صراع الحدود البحرية كبيرٌ جداً مع الأوروبيين، وأنها بتنازلها في معاهدة لوزان قبل قرن من الآن، عن أية مطالبات في ليبيا ومصر قد خسرت ورقة هامّة في مجال ترسيم الحدود، فالجزر التي أخذتها منها إيطاليا ثمّ تنازلت عنها لليونان حرمت تركيا من الحيد البحري الذي يتناسب مع حجمها ومكانتها وحتى مع تاريخها الإمبراطوري أمام السلطنة العثمانية. لذلك سيكون من المفيد لها إعادة بناء العلاقة مع النظام المصري ولو على مضض، كما سيكون من مصلحة المصريين التعاون مع الأتراك لاقتسام الكعكة بدل الخصام وذهابها كاملة للأوروبيين.
لا يمكن تجاهل إسرائيل وعلاقتها الشائكة مع هذه الأطراف جميعها، فهي بلا شك ستدخل من باب المساعدة في مواجهة إيران واستفزازات الحوثي والميليشيات العراقية، كذلك ستقدّم أوراق اعتمادها عبر الإمارات لمحاربة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية، وهي بذلك تقدّم نفسها ومصالحها في تقاطع مع المصالح السعودية والإماراتية والمصرية بشكل كبير. هنا لا بدّ من الإشارة إلى التوتر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، وحاجة الأول لانتصارات من أي نوع لاستثمارها في انتخاباته البرلمانية القادمة، وإلا واجه السجن هو وعائلته، بينما يرى الثاني أنّ إدارته هي من يرسم شكل العلاقة الثنائية لا حكومة إسرائيل ولا رئيسها المثقل بالمشاكل. قد يجد الروس لهذا الأمر منفذاً من خلال علاقة ثلاثية تجمعهم بالإماراتيين والإسرائيليين في قادم الأيام أيضاً.
يسعى الروس إلى حلّ المعضلة السورية بما يضمن مصالحهم الاستراتيجية التي تدخّلوا من أجلها. إنّ أي حرب لا تنتهي بمكاسب سياسية وبالتالي اقتصادية هي حرب خاسرة. لكنّ الثمن الذي تطلبه السعودية مقابل الدعم المالي للروس هو إخراج إيران من سوريا بشكل فعلي ونهائي، وأغلب الظنّ أنّ الروس وحدهم غير قادرين على القيام بذلك. وبالنسبة لقطر يجب أن يكون ثمن الدعم تطبيع العلاقات مع دول الخليج بشكل كامل، وهذا أيضاً ليس بمقدور الروس تقديم شيء ذي قيمة فيه. أمّا الإمارات التي حاولت أن تخرق الحصار المفروض على نظام الأسد مراراً، فوجدت نفسها في مواجهة موقف حاسم من قبل الإدارة الأميركية فيما يخصّ العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، وهنا لا يمكن للروس أن يقدّموا لها شيئاً، فهم ذاتهم موضوعون على قائمة العقوبات الأميركية.
لا تعتبر النجاحات التي تحققها روسيا في ملفات صغيرة مثل إعادة رفاة جنود إسرائيليين، أو ساعة الجاسوس كوهين، أو تقديم لقاحات كورونا لنظام المقاومة من عدوّه المُعلن، سوى انتصارات هزيلة لا قيمة لها في اعتبارات الدول والمصالح المتضاربة. ليس من شأن هذه الحركات البهلوانية سوى تأكيد تبعيّة الأسد ونظامه لحاكم الكرملين، لكنّها مسائل لا تُسمن ولا تغني من جوع.
سيحاول الروس خلق منصّات كثيرة للقفز على الاستحقاقات الكبيرة التي يتعامون عنها، فهم لا يريدون رؤية الفيل القابع في الغرفة، وبدون انتقال سياسي حقيقي لن يكون هناك أي دعم أميركي أو أوروبي، ولن يكون بمقدور العرب – ولو رغبوا بذلك – أن يقدّموا أي شيء بهذا الخصوص.
تكمن معضلة الروس في إدراكهم أنّ أيّ انتقال سياسي حقيقي قد يورّطهم بالتعامل مستقبلاً مع إرادة شعبية حقيقية لم تنسَ ولن تنسى جرائمهم. سيبقى الروس على حالهم هذا، وسيبقى الجنرال بوتين في عزلته يبحث عمّن يكاتبه، ولن يجد إلى ذلك سبيلاً ما لم يغيّر من عقليته المتخشّبة عند حدود إمبراطوريّة أفلت ولن تعود.
تكمن معضلة الروس في إدراكهم أنّ أيّ انتقال سياسي حقيقي قد يورّطهم بالتعامل مستقبلاً مع إرادة شعبية حقيقية لم تنسَ ولن تنسى جرائمهم. سيبقى الروس على حالهم هذا، وسيبقى الجنرال بوتين في عزلته يبحث عمّن يكاتبه، ولن يجد إلى ذلك سبيلاً ما لم يغيّر من عقليته المتخشّبة عند حدود إمبراطوريّة أفلت ولن تعود.
تلفزيون سوريا
——————————–
آلية الدوحة بشأن سوريا/ عدلي صادق
بدا واضحا أن هناك تدبيرا استراتيجيا جديدا بالنسبة إلى سوريا، نشأ في محاذاة التحولات الجديدة في شكل أو خارطة العلاقات في الإقليم. ويتبدّى العامل التركي، أكثر الأطراف الضالعة في هذه الاستراتيجية ميلا إلى التحول عكسا، في العديد من السياسات التي اتبعتها أنقرة خلال السنوات العشر الماضية، ومعها الدوحة التي تقتفي أثرها. كما بدا أن هذه الأخيرة باستضافتها اللقاء الثلاثي القطري والتركي والروسي، ومشاركتها فيه، واعتماد مأسسة هذا اللقاء لكي يواظب على اجتماعات دورية؛ قد أعطت الإشارة العملية الأهم للتقارب مع السعودية، علما وأن الرياض أظهرت بعض التخفّف من مواقفها السابقة حيال نظام الحكم في سوريا.
ولكي يُصار إلى اجتذاب واشنطن إلى الآلية الجديدة حرصت الأطراف الثلاثة المشاركة في اجتماع الدوحة، على استبعاد الإيرانيين، ولم يقلق هذا الأمر طهران على اعتبار أن الضامن الروسي لبقاء حكم الأسد، موجود بقوة ويؤدي الغرض مستأنسا بوزنه العسكري في البلاد وبـ”أفضاله” على النظام. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: ماذا يريد التركي من وراء هذه التحولات التي لم تقم على مراجعات موضوعية، وإنما على نوايا مضمرة، ورغبة في الاندفاع إلى مطارح عمل جديدة. فالعلاقات بين مصر وتركيا، شهدت في الأسابيع الأخيرة بوادر انفراج، في موازاة اجتماعات قطرية مصرية، تمثل أولى الخطوات في اتجاه تصفير الخلاف. فما هو الطرف الذي يتراجع عن منهجيته، في هذا السياق كله؟ وما الذي يمكن أن تقرأه جماعة “الإخوان” من التحول في السياسة التركية؟
معنى أن يتغيّر موقف أنقرة من القاهرة؛ أن الأولى لم تعد ترى الحكم فيها انقلابيا مثلما دأبت على وصفه منذ العام 2013. ومعنى أن تشكل أنقرة ـ والدوحة في إثرها ـ إطارا للعمل في الإقليم بالتشارك مع موسكو، لن يكون إلا تراجعا عن موقف رجب طيب أردوغان من النظام السوري. فلا مجال للقول إن التناغم بين العواصم الثلاث، والتوافق على “آلية جديدة” قد جرى على أساس إطاحة الأسد. فكل ما قيل عن هدف هذه الآلية، هو أنها معنية بالبحث عن حل سياسي في سوريا، وذاك هدف عبرت عنه مصر وجامعة الدول العربية والعديد من الدول الأعضاء، ومن بينها السعودية. وعلى الرغم من وجاهة هذا المسعى السلمي، الذي يطوي صفحة الحرب، فإنه يُعدّ بالنسبة إلى تركيا نكوصا عن سياسة اتبعتها خلال سنوات الصراع في سوريا، وإعلانا صريحا بالفشل، ما يؤشر إلى أن أنقرة أخفقت في جعل سوريا منطقة نفوذ لها، وخسرت مسعاها لإضعاف النظام في مصر، ونكثت بتعهداتها لجماعة “الإخوان” وهو ما كان متوقعا.
آلية الأطراف الثلاثة، التركي والقطري والروسي، جاءت كبديل لمسار أو آلية أستانة العاصمة الكازاخية، التي تحولت إلى منصة تتعاطى مفردات الحل السياسي، وإحدى ثلاث منصات تنتسب إلى موسكو والقاهرة وجنيف. وكانت هذه الأخيرة موصولة بالأمم المتحدة ويرعاها السويدي ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي إلى سوريا. وكان ذلك المبعوث، قد استبعد من منصته في اجتماع جنيف 4 في مارس 2017 الطرفين المتشددين ضد بقاء الأسد، وهما الفرنسي والقطري، ودعا وفود منصتي أستانة والقاهرة للمشاركة، وتركزت معظم المباحثات على مسائل الدستور في سوريا المستقبلية، وشكل النظام السياسي والتوزيع الصحيح والعادل لصلاحيات الرئاسة والبرلمان والجيش في سوريا.
الآلية الجديدة التي انبثقت عن اجتماع الدوحة، جاءت كرجع الصدى للتحولات التركية. وليست هناك أي أهمية للقطريين في هذه الآلية تزيد عن كونهم ماضين في أثر الأتراك، يمينا ويسارا، وهؤلاء يتجهون إلى تغيير في السياسات، تحت ثقل الكثير من المصاعب التي يواجهها الحكم في الداخل وفي الخارج. ففي المحصّلة، لا يريد النظام التركي أن يخسر كل شيء من جراء مساندة جماعة لا يقبل ولا يستطيع أن يستنسخها في بلاده، ولا أن يرتضي أن تتسلم الحكم النسخة التركية. فقد استُخدمت النسخة الأصلية، لتأدية دور مساند للطموحات الأردوغانية في المنطقة، وانحصرت مهمة الجماعة في تأثيم الأنظمة الحاكمة على افتراض أن تأثيمها يُسقطها ويفتح الطريق واسعا أمام عثمانية جديدة.
السعوديون بدورهم تصرفوا بمنطق القائل “أطلقني وخذ عباءتي” فيمّموا وجوههم شطر أنقرة التي وجدت فرصتها سانحة للعودة إلى سياسة تصفير المشكلات التي اخترعها خبير العلاقات الدولية أحمد داود أوغلو، الذي جرى إقصاؤه بعد أن كان الرجل الثاني في النظام التركي بسبب توتر علاقته مع أردوغان.
آلية الدوحة الجديدة جاءت بمثابة إعلان وفاة آلية أستانة ـ سوتشي السابقة. ولا تجد موسكو غضاضة في فشل تلك الآلية، على الرغم من إنكار كونها فشلت. فمجرد الإعلان عن الآلية الثلاثية الجديدة تأكّد الفشل موضوعيا وجرى تغيير العناوين والأدوار.
ولم يكن استبعاد إيران إلا لعدم إزعاج واشنطن التي يُرجى منها العون على الرغم من تصاعد التوتر بين موسكو وإدارة بايدن. إن مصلحة الأميركيين في سوريا، تقتصر على دعم قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي من البلاد، وبخلاف ذلك تكتفي بمواصلة العقوبات المفروضة على النظام السوري. ويبدو أن التغييرات في المشهد كلّه، قد شملت المعارضة السورية نفسها. فقد كانت الرياض تصرّ على استبعاد رياض حجاب رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشق، لكن الرجل عاد مؤخرا إلى واجهة المعارضة بفضل التقارب السعودي القطري واستضافته قناة “الجزيرة” لكي يقول كلاما لم يكن يُرضي القطريين، وتطوّع مقدم برنامج الاستضافة بشرح المراد قوله، وهو أن “الإسلام السياسي حرف الثورة السورية عن أهدافها”، وفي المقابلة أكد حجاب على “ضرورة إعادة هيكلة المعارضة السورية بصورة شاملة!”
في هذه الأثناء، وتأكيدا على خيبة أمل أنقرة، كان وزير الخارجية الروسي في السعودية وفي الإمارات. هناك لم يَطرح شيئا سوى رغبة موسكو في إخراج النظام السوري من عزلته. ولا تزال موسكو ضعيفة الاستجابة لأي مطمح شعبي سوري في تغيير بُنية النظام، لكن ذلك لم يعد سببا خلافيا من جانب أنقرة، وهذا يؤكد بجلاء عدم اكتراث النظام التركي لمصير سوريا والسوريين أو الإخوان والإخوانيين.
كاتب وسياسي فلسطيني
العرب
———————–
مؤيدو الأسد ومعارضوه يتجاهلون واقعهم المرير/ إبراهيم الجبين
بين زمن كتابة هذه السطور ونشرها سيكون الوضع الاقتصادي لسوريا قد تغيّر، وسط انهيار غير مسبوق لليرة السورية، تزامنا مع الذكرى العاشرة لانطلاق الانتفاضة الشعبية في العام 2011 التي تشهد المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد احتفالات ومسيرات عارمة بمناسبتها، ترفع شعار “مليونيات من أجل الحرية”. وقد يقول قائل كيف يعيش السوريون أيامهم هذه؟ وبينما يلفظ المواطن السوري أنفاسه الأخيرة بسبب الجوع، حسب صحيفة “تشرين” الرسمية، تنظّم في دمشق حملة شعبية برعاية رئيس الاتحاد الرياضي فراس معلا، المقرّب من رأس النظام، تحت عنوان “أطول رسالة حب ووفاء في العالم لرجل السلام الأول”، لجمع توقيعات تؤيد رئيس النظام بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية القادمة، متجاهلة المطالب الدولية التي اعتبرت أن الانتخابات غير شرعية، وأنها لا تلتزم بقرار مجلس الأمن 2254 وتقفز فوق شرط الوصول إلى تسوية سياسية. ويصف المروّجون لهذه الحملة مسيرتهم بالقول إنها “انطلقت إلى محافظة القنيطرة ومن ثم إلى درعا، فالسويداء ثم ريف دمشق وحمص وحماة وإدلب والرقة وحلب واللاذقية وطرطوس، ومن ثم العودة إلى دمشق في السابع من أبريل تزامنا مع الاحتفال بعيد ميلاد حزب البعث، بعد أن تكون حملت تواقيع مليونين ونصف مليون مواطن سوري في المحافظات، وأنه سيتم العمل على دخول الفعالية موسوعة غينيس”.
في أي سوريا يعيش هؤلاء وأولئك؟ ليست هذه هي المرة الأولى التي يتجاهل فيها مؤيدو الأسد ومعارضوه واقعهم المرير، فقد أوصل الأسد عهده إلى مرحلة من الهشاشة لا يحسده عليها أحد. كما أوصل الكثير من معارضيه بفضل سياسات ابتعدت عن الحنكة، أوضاع الثورة الشعبية إلى انسداد في الأفق وضياع للبوصلة. وعلى الضفتين، الحال يشبه الاحتضار الجماعي غير الواعي، فمن المستفيد من سوريا منهارة؟
سؤال سيبقى يلاحق الجميع، بعد أن يروا بأعينهم نتائج السياسات التي تم اختيارها للمضيّ بسوريا خارج سياقها، وخارج دورها الاستراتيجي، وبعيدا عن كيانها كوعاء وطني حاضن للملايين من المنتمين إلى هذه التابعية. وحين نقول الجميع، فإننا نشير أيضا إلى مجمل الأدوار السلبية التي لعبها الإقليم وبعض دول العالم العربي، أما ما يسمّى بالمجتمع الدولي، فلا ضرورة لبذل الكثير من العناء لاستحضار ما قاله وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الأول بتونس في فبراير 2012 قبل أن ينسحب من الجلسة “مؤتمركم هذا إن لم يعمل على إزاحة بشار الأسد، فإنكم ستكونون كمن يسمّن الذبيحة قبل نحرها، أنتم تشاركون في قتل الشعب السوري”.
كانت تلك مرحلة تسمين بالفعل وإغداق بالمساعدات والإغاثة، تلتها مرحلة تجويع تعرضت لها المناطق السورية المتمرّدة، حتى أكل الناس ورق الشجر في غوطة دمشق وحلب وحمص وغيرها، تحت حصار قوات الأسد وميليشيات إيران وحزب الله اللبناني التي طوّقت كل تلك المناطق. وحصار داخلي فرضته جبهة النصرة الإرهابية ونظرائها، قبل أن يشنّ الروس من السماء حصارا ناريا على الشمال والجنوب، مرادفا لحصار داعش وحزب العمال الكردستاني لعرب المحافظات الثلاث في الشرق دير الزور والرقة والحسكة، لتدور دائرة الجوع وتحيط بسكّان المناطق التي يسيطر عليها الأسد اليوم، لكن هل تغيّر شيء في مواقف السوريين؟ لم يتغيّر أي شيء.
يعتقد البعض أن السبب وراء إصرار معارضي الأسد على إزاحته بعد كل ما تعرّض له المدنيون في سوريا على يديه وبسبب خياراته المدمّرة لمعالجة الأوضاع، هو التزام منهم بموقف مبدئي. وقد يكون هذا صحيحا لدى الكثيرين منهم. لكن القلّة الفاعلة في المشهد لا تنطلق من هذا التوجّه. ومع الوقت أصبح رفض استمرار الأسد منهجا وقالبا ونمطا، وبات الخروج عن ذلك النمط يعني فقدان كل ما ترتّب عليه. والوقوف أمام الكاميرات بلا أي مشروع. لكن هل كان المشروع أساسا إزاحة الأسد وحسب، أم أن هناك برامج مستقبلية كان يجب أن ترسم دون انتظار إسقاط النظام؟ بالمقابل فإن رافضي التمرّد والثورة من السوريين الذين التصقوا بالأسد، لم يكن في تصوّرهم أن مهمتهم ستكون محصورة بالدفاع عن بقاء فرد واحد، بل كانت لديهم مخاوف من التغيير، وغلاف حيويّ آخر اعتادوا عليه بدورهم، وكان صعبا عليهم أن يخلعوه عنهم إلى المجهول.
هذا ما يجري على خشبة المسرح. لكن خلف ذلك، يبحث السوريون، في الكواليس وعلى الجانبين، عن مخرج من هذه الطريق المسدودة. الأسد يرفض قرارات مجلس الأمن وبيان جنيف الذي وقّعه حلفاؤه الروس مع الجانب الأميركي الذي يعاقب الأسد ويطالب بالحوار معه في الوقت ذاته. الروس الذين يبحثون عن مخرج هم أيضا يبتعدون عن داعمي الأسد الإيرانيين، وإيران تعرقل بدورها تطبيق القرارات الأممية التي تتمسك بها المعارضة السورية، كما تمسك الفلسطينيون بالقرار 242 ورفضوا تقسيم فلسطين، فصارت إسرائيل أكبر وأكثر قوة ونفوذا.
تطرح جهات مختلفة مشاريع مثل المجلس العسكري الذي يتوهّم البعض بأنه قادر على حكم سوريا. مجلس مشكل من قيادات عسكرية من الأطراف كافة بما فيها كبار ضباط النظام والعميد المنشق مناف طلاس وغيره. ويعود السوريون مرة جديدة إلى استنساخ التجارب التي شاهدوها في ليبيا ومصر خلال السنوات العشر الماضية، ولكن ليس تونس مع الأسف، فالمجلس العسكري المصري لم تؤسسه قوى خارجية، بل هو من عزل حسني مبارك ومن بعده محمد مرسي، والمجلس العسكري السوداني الذي لم تشكّله قوى غير سودانية هو من عزل عمر البشير، لكن تلك القوى راقبت الحدث المحلّي ولم تقف في وجه التغيير، ومن لا يعلم أن القوى الدولية القادرة على تشكيل مجلس عسكري سوري بديل لنظام الأسد، وبديل لقرار مجلس الأمن، تملك القدرة ذاتها على تأسيس هيئة حكم انتقالي مدنية وفق القرار ذاته؟
الصراع السوري، بفعل عدم إدراك السياسيين السوريين لقوة المبادرة الذاتية، خرج من كونه شأنا محليا منذ سنوات، وتحوّل إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وللمقايضة السياسية على ملفات أخرى. ولذلك من المستبعد أن يتمكن السوريون من العثور على مفتاح الصندوق الذي أغلقوه على أنفسهم إن لم يبحثوا عنه أولا.
كاتب سوري
العرب
————————-
الأسد “يهب” مزيداً من نفط الساحل السوري لروسيا
قالت وسائل إعلام موالية للنظام السوري، إن وزارة النفط والثروة المعدنية وقعت مع شركة “كابيتال” الروسية، عقداً مدته 32 عاماً قابلة للتمديد، بغرض التنقيب عن النفط في الشواطئ البحرية السورية.
وأوردت أن “عمليات التنقيب ستشمل المنطقة الاقتصادية لسوريا في البحر الأبيض المتوسط، مقابل ساحل طرطوس، حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية اللبنانية، بمساحة 2250 كيلومتراً مربعاً”، موضحة أن العقد يمنح للشركة الروسية الحق الحصري في التنقيب، وينقسم إلى فترتين، الأولى الاستكشاف لمدة 7 سنوات تبدأ من توقيع العقد، والثانية التنمية ومدتها 25 عاماً قابلة للتمديد 5 سنوات إضافية.
وكانت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية قدّرت عام 2010 احتمال وجود نحو 122 تريليون متر مكعب من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط قبالة سواحل سوريا ولبنان وإسرائيل وغزة وقبرص، إضافة إلى نحو 107 مليارات برميل من النفط القابل للإستخراج. وتشير تقارير إلى أن منطقة الشرق الأوسط تضم حوالي 47 في المئة من احتياط النفط و41 في المئة من احتياط الغاز في العالم.
واللافت في مشاريع نظام الأسد النفطية الجديدة مع روسيا، عدم مبالاتها بمحاولة الأخيرة سحب البساط من تحت إيران، وتقليص دورها العسكري وتوسعها الاقتصادي أيضاً، إذ طردت قوات من “الفيلق الخامس” الروسي قبل أيام ميليشيات “فاطميون” التابعة للحرس الثوري الإيراني من حقل “الثورة” النفطي جنوب غربي الرقة، وكذلك من حقل “توينان” للغاز في منطقة الطبقة بريف الرقة عند الحدود الإدارية لبادية حمص الشمالية الشرقية.
ويُنتج حقل “الثورة” نحو ألفي برميل نفط يومياً، بعدما كان 6 آلاف برميل قبل عام 2010. أما حقل “توينان” فيُنتج نحو 3 ملايين متر مكعب من الغاز النظيف يومياً و60 طناً من الغاز المنزلي، وألفي برميل من المكثفات.
ولا يزال حقلا “الحسيان” و”الحمّار” بريف منطقة البوكمال المحاذية للحدود مع العراق تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني الذي رفض تسليمهما لروسيا بحجة توقيع عقود استثمار مع النظام السوري مدتها 10 سنوات.
————————
النظام السوري يخترع: “هنريك بانتينوي..الصحافي في واشنطن بوست“
هنريك بانتينوي هو اسم لشخص لا وجود له، اخترعته دعاية النظام السوري قبل سنوات، على أنه كاتب صحافي مرموق في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، وتنتشر له من حين إلى آخر نصوص تدعي وسائل الإعلام الموالية للنظام والصفحات التابعة له في مواقع التواصل، أنها نشرت في كبرى وسائل الإعلام الغربية دعماً لرئيس النظام بشار الأسد.
ويظهر أول ذِكر لبانتينوي العام 2012 ضمن منتديات خاصة بالشأن السوري. ويمكن رصد مقالات مزعومة له في وسائل إعلام رسمية وشبه رسمية، من بينها قناة “العالم” الإيرانية العام 2017. كما عاد اسمه للظهور اليوم في “فايسبوك” بعد نشر مقال له يتحدث عن ذكاء الأسد وعظمة الجيش السوري وغير ذلك من العبارات المشابهة.
صحيفة #واشنطن_بوست الأمريكية عنونت : #الأسد ذكي جداً … والجيش السوري عظيم …والشعب السوري لاينطبق عليه تصنيف ” شعوب…
Posted by سورية الاسد on Tuesday, March 16, 2021
وفيما يمكن رصد العديد من المقالات المختلفة لهذه الشخصية، فإن النص المتعلق بذكاء الأسد تحديداً، يعاد تدويره كل عام، وظهر العام الماضي في الموقع الرسمي لحزب “البعث” الحاكم في البلاد.
وبحسب منصة “مسبار” المتخصصة في كشف الأخبار الكاذبة، يتشارك المستخدمون اليوم الخبر الزائف الذي يحمل عنوان: “الأسد ذكي جداً.. والجيش السوري عظيم.. والشعب السوري لا ينطبق عليه تصنيف العالم الثالث”. وادعى ناشرو الخبر، أنّ المقال وصف ذكاء رئيس النظام السوري بأنه فاق حد المعقول، وأنّه بات قاب قوسين أو أدنى من إعلان انتصاره الكبير على العالم، وأنّ ما من جيش في العالم يمكنه تحمّل ما تحمّله الجيش السوري، لذا فهو جيش عظيم يستحق الاحترام.
والحال أن آخر مقال لـ”واشنطن بوست” عن الشأن السوري، نشر الأربعاء، وتناول موضوع الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية. كما أن “الكاتب” نفسه غير موجود حيث لا يتضمن أرشيف الصحيفة العريقة أي ذكر له.
لا يعتبر ذلك مفاجئاً بالطبع، فالنظام السوري طوال السنوات العشر الماضية، حاول الاستناد إلى تقارير كاذبة وشهادات مزورة لترويج أفكاره حول الصراع في البلاد. وتبرز حادثة اختلاق شهادات مفبركة لمنظمة “أطباء سويديون بلا حدود” حول فريق الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” ومجزرة الكيماوي في خان شيخون العام 2017، والتي حاكتها وكالة “سبوتنيك” الروسية للأنباء حينها، ما استدعى إصدار المنظمة بياناً صححت فيه المعلومات المضللة.
صحيفة #واشنطن_بوست الأمريكية عنونت : #الأسد ذكي جداً … والجيش السوري عظيم …والشعب السوري لاينطبق عليه تصنيف ” شعوب…
Posted by ذكريات وأحداث سورية الحبيبة on Sunday, March 14, 2021
وتكررت الشهادات نفسها، وشهادات مماثلة، ضمن الإعلام الرسمي، بما في ذلك قناة “الإخبارية السورية”، وقناة “المنار” التابعة لحزب الله وحتى “روسيا اليوم”. حيث تحاول تلك الوسائل الإعلامية تأكيد “مصداقيتها” عبر الاستعانة بمصادر غربية، رغم العداء المعلن للغرب بوصفه المشرف على المؤامرة الكونية، علماً أن هذا التناقض في شتم الغرب من جهة والاستماتة في الاعتماد عليه من جهة ثانية ليس عشوائياً، لأن النظام يدرك أنه فاقد للمصداقية ويحتاج بالتالي إلى “جهات محايدة” تتبنى موقفه، بغض النظر عن دقة المعلومات التي يتم بثها.
————————
“لافروف”: روسيا مستعدة للعمل ضمن صيغة موسعة حول سوريا بشرط؟!
قال وزير الخارجية الروسية “سيرغي لافروف”، إنّ روسيا على استعداد للعمل ضمن صيغة موسعة لحل النزاع في سوريا، شريطة أنْ تتمسك جميع الأطراف بقرار مجلس الأمن الدولي 2254، جاء ذلك خلال مؤتمرٍ صحفي يوم أمس الأربعاء عقده “لافروف” في ختام مباحثات أجراها مع نظيره “الإسرائيلي”.
وفي تعليقه على اقتراح مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا “غير بيدرسون” الذي دعا من خلاله إلى إشراك أطرافٍ أخرى بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، في عملية التسوية المتعلقة بسوريا قال لافروف: “المراد من اقتراحات بيدرسن هو جمع أطراف “مسار أستانا” و”المجموعة المصغرة” حول سوريا، والتي تشارك فيها أبرز الدول الغربية وثلاث دول عربية”.
وأضاف الوزير الروسي، أنّ روسيا مستعدة “للبحث ضمن أي صيغة عن سبل تهيئة الظروف الخارجية الكفيلة التي ستسمح للسوريين أنفسهم بتقرير مصيرهم بناء على قرار مجلس الأمن 2254.
وأكد “لافروف” تمسك أطراف “أستانا” بمبادئ قرار مجلس الأمن 2254، بما فيها حتمية منح السوريين إمكانية التوصل إلى اتفاق فيما بينهم، بعيدا عن أي تدخل خارجي في شؤونهم، وضرورة منع أي محاولات لوضع سلامة سوريا الإقليمية موضع الخطر والتساهل مع النزعات الانفصالية، وذلك وفقاً لموقع “روسيا اليوم”.
وأشار الوزير الروسي إلى أنّه “لا يملك أدلة على أن أطراف “المجموعة المصغرة” التي يريد بيدرسن إشراكها في عملية التسوية متمسكة بالمبادئ نفسها، مشيراً إلى أن خطوات الدول الغربية، وتحديدا الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تظهر أنها لا تعتبر المبادئ المذكورة مناسبة لها، ويبدو أنه ينبغي هنا توضيح ما هو الأساس الذي يريد السيد بيدرسن أن يختبر عليه فعالية هذه الصيغة الجديدة”.
الجدير بالذكر، أنّ المبعوث الأممي إلى سوريا “غير بيدرسون” كان قد دعا في وقتٍ سابق لإيجاد صيغة جديدة للتعامل مع القضية السورية، وإشراك أطراف أخرى في عملية التسوية المتعلقة بها.
—————————-
=====================
تحديث 19 أذار 2021
—————————–
حرقوا سورية ولكن أي أسد بقي؟/ أسامة أبو ارشيد
عندما انطلقت الثورة السورية، علا صراخ شبيحة النظام: “الأسد أو نحرق البلد”. اليوم، وبعد عقد، لا بقيت سورية، كما كنا نعرفها، ولا بقي بشار الأسد حاكماً مطلقاً فيها. هي عشرية سوداء دمرت البلاد، وجعلتها تحت وصاية دول عالمية وإقليمية، دع عنك المليشيات الطائفية الأجنبية، والطائفية والإثنية والإجرامية المحلية. لقد تمزّقت سورية وانفرط عقدها الوطني الجامع، وتشتت شعبها بين المقابر والمعتقلات والإخفاء القسري ومخيمات النزوح واللجوء، وعزّز جيشها وأمنها واستخباراتها دورهم المافيويِّ. وهكذا، تحقّق لشبّيحة الأسد بعض ما أرادوه، فهم حرقوا البلد فعلاً، وبقي الأسد، ولكن تحت نعال الروس والإيرانيين والمليشيات الطائفية والإثنية والمافيات.
قد يتساءل بعضهم: ألم يكن من الأشرف للأسد لو أنه تنازل لشعبه قليلاً، بدل هذا الحال البائس الذي انتهى إليه وانتهت إليه بلاده؟ من أسفٍ، يفضّل الأسد، وغيره من طغاة العرب، أن يكونوا بيادق وضيعة في أيدي قوى أجنبية على أن يعطوا اعتباراً لشعوبهم. إنهم لا يرون فينا إلا متاعاً حقيراً لا يستحق الاحترام ولا المبالاة. ولكن، ينسى هؤلاء أن من احتقر ذاته وأهله وقومه، وما بين يديه وما عنده، لن يحترمه الخصوم، وسيعاملونه بما يستحق وما هو له أهل. هذا ما يلقاه الأسد اليوم، إذ يخوض المتنافسون المتصارعون على أرض سورية المفاوضات لتقاسم تركتها في جنيف وأستانة وسوتشي وجنيف وإسطنبول وطهران ونيويورك، لا يأبهون له، ولا يلقون بالاً لتصريحات مسؤولي نظامه.
في الذكرى العاشرة للثورة السورية، يتضح حجم المأساة البشرية الهائلة لإجرام النظام وخبثه ونذالته. حسب تقرير للمنظمة الأممية “يونيسف”، صادر عام 2019، فإن 12 مليون سوري من أصل 19 مليون مواطن بحاجة إلى مساعدات. بين هؤلاء خمسة ملايين طفل. ويبلغ عدد النازحين داخل سورية أكثر من ستة ملايين إنسان، أما اللاجئون خارجها فيقاربون سبعة ملايين شخص. وفي تقرير آخر للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصل عدد اللاجئين السوريين، حتى يونيو/ حزيران 2020، إلى 6.6 ملايين شخص. أما النازحون داخلياً، فقد وصل عددهم إلى 6.1 ملايين شخص. وفي تقرير ثالث لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، كان 13.4 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية عام 2020، في حين تصل أعداد ذوي الإعاقة إلى 3.34 ملايين شخص. أما أعداد ضحايا الصراع في سورية، فإن بعض المصادر تقدرّها بحوالي 400 ألف قتيل، في حين أن أعداد المصابين تجاوزت المليونين. الكارثة، أن هناك من يعتبر الأرقام الأخيرة ضئيلة جداً أمام الأرقام الحقيقية.
كل ما سبق، وعلى الرغم من مأساويته، عاجز عن اختزال الوضع الكارثي في سورية. هناك القطاع الصحي المنهار تماماً، والنظام التعليمي المتهالك، وهناك تمزّق في النسيج الوطني، وتفسّخ اجتماعي وطائفي وإثني، وهناك قرابة 130 ألف معتقل في سجون النظام، منهم 85% قيد الإخفاء القسري، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وفوق هذا وذاك، استغلت إسرائيل انشغال سورية بثكل أبنائها ووأد نفسها، فضمّت إليها الجولان، بمباركة أميركية عام 2018، وهي تشن ضربات جوية وصاروخية بشكل متواصل داخل أراضيها، من دون أن تخشى ردّاً من النظام، ولا من إيران وحزب الله المُسْتَهْدَفَيْنِ، غالباً، في تلك الغارات. أما ثالثة الأثافي، فوقوف روسيا على الحياد متفرّجة وإسرائيل تصول وتجول في الأجواء السورية، على الرغم من أن قواتها هناك تملك منظومات الدفاع الجوي أس – 300 وأس – 400 القادرة على ردع المقاتلات الإسرائيلية لو أرادت. المفارقة في كل ما سبق أن ثمَّة من لا يزال يتحدث عن أضلاع حلف الممانعة، وهم يتلقون الصفعات واحدة تلو الأخرى، في حين يتواطأ من يزعمون أنه ظهيره، أي روسيا، في ذلك، على الأقل بدورها السلبي.
سورية الممزّقة أصبحت مطية و”ملطشة” حتى لمن يصفهم النظام بالحلفاء. نحن نعلم أن “الظهير” الروسي يتفنّن في إذلال الأسد، ويكفي أن نذكر هنا كيف يتحدّث المسؤولون الروس عنه باستخفاف، وكيف يعاملونه باحتقار، بل وكيف أنهم استمالوا وحداتٍ عسكرية سورية وأمنية تعمل بإمرتهم لا بإمرته. الشيء نفسه يفعله الإيرانيون، وحتى حزب الله الذي كان يوماً يدين ببعض الولاء للنظام السوري، واليوم أصبح الأخير مرتهنا له إلى حد كبير.
كل هذه الإهانات يتجرّعها الأسد ونظامه وشبيحته يومياً، لأنهم لم يستسيغوا تقديم تنازلاتٍ مشروعةٍ لشعبهم ولمصلحة بلادهم، فكان أن ضاعت سورية، وتحوّل نظام الأسد إلى وكيل تافه لشركاء متشاكسين، وخصوم متنافسين. الأدهى أن السيناريو السوري قابل للتكرار في غير بلد عربي، وبعد ذلك يأتيك من يشكّك في شرعية الثورات، وكأن قدر شعوبنا أن تبقى رهائن للتخلف والفشل والقمع والفقر والفساد والقهر والذل، وفوق ذلك لأنظمةٍ مستعدّة لبيع كل شيء من أجل بقائها، ولو كوكلاء وضيعين عند الأعداء! لو لم تكن هذه هي طبيعة هذه الأنظمة المجرمة لما وصلنا إلى هنا، ولما كنَّا نسير في طريق ثوراتٍ قادمة، عاجلاً أم آجلاً، فبقاء الحال من المُحال.
العربي الجديد
——————————-
روسيا والنظام: نكاية بالغرب أم حباً بالأسد؟/ عقيل حسين
تتركز معظم تحليلات السوريين لطبيعة العلاقة بين النظام وروسيا على محاولة تحديد إلى أي مدى تستطيع روسيا التأثير على النظام، حيث يعتقد الكثيرون أن لدى موسكو القدرة المطلقة على التحكم بقرار دمشق.
يعتمد هؤلاء على الصورة الذهنية المشكلة لدينا عن هذا النظام باعتباره مستعداً لفعل أي شيء والتنازل عن كل شيء مقابل تحقيق هدفه في البقاء والاستمرار، وهذا صحيح، ويعزوزن هذه القناعة بالمشاهد المذلة التي ظهر عليه مسؤولو النظام، وعلى رأسهم بشار الأسد أمام المسؤولين الروس، ومن ينسى كيف منع ضابط روسي الأسد من التحرك في حضرة بوتين خلال زيارته الأخيرة لقاعدة حميميم الجوية؟!
لكن ما سبق لا يشكل معطيات صلبة يمكن أن تبنى عليها الأحكام والسياسيات، بل أفضل ما تستطيع أن تقدمه مؤشرات مساعدة، أما الحقيقة فتتطلب تفحص كل التفاصيل والتوقف عند جميع الوقائع على هذا الصعيد منذ بداية الثورة عام 2011 إلى اليوم.
قبل عدة أسابيع نشرت صحيفة الشرق الأوسط تقريراً أشارت فيه للرسائل التي وجهها النظام إلى روسيا لإنقاذه من السقوط، وقالت إن هذا النوع من التواصل بدأ منتصف عام 2013، ولأن هذا التقرير أوحى أنه قبل ذلك التاريخ لم يكن هناك تواصل بين الجانبين فيما يتعلق بالتدخل الروسي المباشر، فقد استخف كثيرون بالتقرير، دون تقديم أدلة مادية يثبتون بها رأيهم، معتمدين مرة أخرى على قناعات مسبقة كل ما يؤكدها استخدام موسكو (والصين بمعية روسيا) حق النقض في مجلس الأمن ثلاث عشرة مرة لحماية النظام، كان أولها في تشرين الثاني 2011، وبالتالي، حسب هذا الرأي، فإنه لا يمكن تصور أن هذه الحماية الروسية للنظام في المحافل الدولية كانت بدون تنسيق عالي المستوى.
لكن المعطيات المتوفرة تشير بالفعل إلى أن كل ما سبق حصل بدون تنسيق بين النظام والروس، الذي استماتوا منذ اللحظة الأولى لحماية النظام بالقدر الذي تسمح به ظروف كل مرحلة، ليس حباً ببشار الأسد بقدر ما هو نكاية بالغرب.
قبل سنوات أخبرنا أحد مسؤولي المجلس الوطني السوري الذين زاروا روسيا كأول وفد معارض يذهب إلى هناك، في أيلول 2011، أن وزير الخارجية سيرغي لافروف ركز كل نقده على المعارضة لعلاقتها بالغرب، وكان حانقاً جداً بسبب ذلك، إلى درجة أكد فيها للوفد أن بشار الأسد نفسه باع روسيا سابقاً وهرول نحو أوربا، ولذلك فإنها لا تهتم كثيراً به بل تريد أن لا يستولى الغرب على سوريا، ولا ننسى أنه في ذلك العام حذر الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيدف بشار الأسد من مصير مؤسف، بينما أكد لافروف وقتها أن على النظام تقديم تنازلات للمعارضة إذا ما أراد إنقاذ نفسه.
وللعلم، كانت الزيارة الأولى للافروف إلى سوريا بعد الثورة في شباط 2012، أما زيارته الثانية فكانت بعد أكثر من ثماني سنوات، وتحديداً في أيلول 2020.
المؤشر الثاني الهام على عدم الحماس الروسي لتقديم دعم مباشر للنظام يتجاوز الغطاء السياسي في مجلس الأمن والأمم المتحدة، كان عدم تنفيذ صفقات سلاح هامة معه على الرغم من تزايد حاجته إليها طيلة السنوات الماضية، وكانت أول صفقة معتبرة بين الطرفين قد وقعت في العام 2017 وقدمت بموجبها روسيا طائرات جديدة للنظام لم يتم تسليمها بالكامل حتى اليوم، بينما كانت الصفقة الأهم على الإطلاق هي منظومة الدفاع الجوي إس-300 التي تم نصبها في سوريا عام 2018 دون أن تفعل، علماً أن التدخل العسكري الروسي المباشر بدأ في أيلول 2015.
في الخامس عشر من آذار الجاري نشرت الشرق الأوسط تقريراً جديداً كشف عن عدد الرسائل التي وجهها النظام إلى روسيا لطلب التدخل وتاريخ وعبر من تم إرسالها.
نحو أربعين رسالة بعث بها النظام إلى موسكو ابتداء من عام 2013 يستجدي فيها هذا التدخل، والمفاجأة أنها أرسلت من خلال صحفي من أصول فلسطينية على علاقة وثيقة بالنظام الروسي، وهو مؤشر مهم يكشف حقيقة مستويات العلاقة والتواصل بين دمشق وموسكو في تلك الفترة، على الرغم من استمرار الموقف الروسي الداعم للنظام في المحافل الدولية.
لن يقتنع الكثيرون طبعاً بفكرة أن كل ما سبق عام 2015 بما في ذلك استخدام روسيا ثقلها الدولي وتنسيقها مع الصين لمؤازرتها في حماية النظام دون طلب مباشر أو تعاون منه، لكن الواقع يقول إن هذا ما حصل، مع الإشارة إلى أن إيران كانت تقوم بمحاولة ملء هذا الفراغ، وحقيقة أن الروس لم يتدخلوا إلا بعد زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري السابق قاسم سليماني يجب أن تعطي إضاءة أوضح على هذه النقطة.
في دراسة مطولة لمركز الأبحاث الدولي (RAND) نشرت عام 2019، قدم الباحثون كثيراً من المعطيات التي تثبت عدم وجود دافع كبير يجعل روسيا تغامر في الذهاب بعيداً عن حدود محيطها لو أنها توقعت أنه سيكون عليها دفع فاتورة باهظة، كما أشارت الدراسة إلى أنه من غير الواضح أن موسكو مستعدة لدفع تكاليف الحفاظ على النفوذ في منطقة تعتبر ذات مكانة ثانوية بالنسبة لها.
والواقع أن مكاسب روسيا من الانخراط في الحرب بسوريا كانت أكبر بما لا يقارن من الخسائر التي ترتبت على ذلك، حيث كشف مسؤول في وزارة الدفاع يوم الاثنين الماضي أن عدد العسكريين الروس الذين قتلوا في سوريا منذ عام 2015 مئة وثلاثون فقط، بينما تشير كل التقديرات أن التكاليف المالية لعملياتها العسكرية كانت محدودة جداً وقد جدولت ضمن ميزانية وزارة دفاعها الكبيرة، إذ لم تحتج روسيا إلى استخدام الكثير من الأسلحة والذخائر، حيث حسم التفوق النوعي لسلاحها المعارك ضد فصائل المعارضة بسهولة، بل إن مكاسبها كانت كبيرة من خلال استخدامها الأرض السورية ساحة لتجريب أكثر من مئتي نوع من الأسلحة التي أنتجتها حديثاً.
ما سبق يؤكد أن موسكو لم تكن لتصبح متحكمة بالملف السوري على هذا النحو الذي باتت عليه اليوم لولا الاستكانة الغربية، وخاصة من قبل إدارتي الرئيسين الأمريكيين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب، وهو أمر يقول خلفهما جو بايدن إنه سيضع حداً لها من خلال عدم السماح لروسيا بتحقيق المزيد من التفوق في أي مكان، لكن هل ما زال الوقت سانحاً لفعل ذلك بالسهولة حتى مع التوتر الكبير الذي تفجر بين الدولتين يوم الأربعاء؟
تلفزيون سوريا
——————————–
القصف الإسرائيلي كشرط لبقاء الأسد/ حازم الأمين
لم يعد القصف الإسرائيلي لمواقع إيرانية في سوريا خبرا. وهو لم يعد خبراً ليس لأنه غير مهم ولا يؤشر إلى احتقان أو توتر، بل لأنه صار ضمنياً وعميقاً ولا يمت للوقائع السياسية وللعلاقات بين الدول المتجاورة بأي صلة. صار جزءاً من طبيعة الأشياء في مشرقنا. المواظبة الإسرائيلية اليومية على القصف، في مقابل مواظبة النظام السوري وراعيه الإيراني على الصمت والقبول. حتى العبارة الهزلية التي كان يسوقها النظام بعد كل غارة، أي “سنرد بالمكان والزمان المناسبين” لم تعد تثير الضحك، والنظام كف عن سوقها أصلاً. ضجر من تكرارها الممل.
لكن أن يصبح فعل يومي ومؤثر وموَظَفٌ في استراتيجية عسكرية فعلاً عادياً وروتينياً وغير ذي صلة بالسياسة، فهذا أمر يستدعي التأمل! من أراد لهذا الفعل أن يكون عدماً؟ وهو إذ صار عدماً، لماذا هذه المواظبة عليه، وهذا الإصرار على مواصلته؟ القول بأنه يهدف إلى تثبيت شكل الانتشار الإيراني في سوريا، وللحد من احتمال محاذاته الحدود مع إسرائيل، لا يكفي لتفسيره. للصمت وظيفة أخرى، أو أنه جزء من قبول ومن اعترافٍ بحق المعتدي.
والحال أن موسكو، وهي راعية هذا “الحق” الإسرائيلي بالقصف اليومي على مواقع في سوريا هي من رسم هذه المعادلة الغرائبية. لإسرائيل “الحق” بالقصف، ولإيران والنظام الحق بالصمت. فعلان سالبان يفضيان إلى قبول متبادل. والقبول في جوهره فعل إيجابي. وهنا ترتسم معادلة رياضية صحيحة! احتكاك سالبين يفضي إلى نتيجة إيجابية. في الرياضيات هذه معادلة صحيحة، أما في السياسة فهي مأساة، ذاك أن القصف كفعل عنيف ودموي يصبح أمراً عادياً ومن طبيعة الأشياء، وهو موظف في سياق تثبيت مواقع شَرَين، أي شر المعتدي المواظب على القصف، وشر القابل بالقصف بوصفه شرطاً لمعادلة ثباته في السلطة وعلى الخريطة.
لكن الأمر لا يقتصر على هذا السوء وعلى هذا المشهد البائس، فخلف الطائرة الإسرائيلية المغيرة على مواقع في سوريا يرتسم مشهد يُظهر حالاً قاتمة لمجتمعات هذا المشرق البائس. إسرائيل تتولى عبر مواظبتها على القصف تثبيت معادلة صمود النظام. ومع اقتراب موعد “الانتخابات” في سوريا، يقترع نتانياهو لبشار الأسد عبر سلاح الجو الإسرائيلي. القصف، الذي لا وظيفة له، هو جزء من ستاتيكو وجد فيه النظام ورعاته في طهران ضالتهم. لا يمكن لهذا الستاتيكو أن يصمد إذا لم تتولَ موسكو حماية بشار الأسد، وموسكو لكي تقبل بالمهمة يجب أن تكون راعٍيا لعلاقة موازية مع إسرائيل. إذاً، ووفق هذه المعادلة، لا بأس بقصف يومي تتنازل فيه الممانعة عن جزء من كرامتها، وأن تبذل ماء وجهها، ودماء بعض الجنود وبعض المرتزقة، والنتيجة هي النجاة من مواجهة أشد خطورة عليها، وكادت قبل الحماية العسكرية الروسية أن تفضي إلى هزيمتها.
يبقى من هذه المعادلة للنقاش بعدها الأخلاقي، الذي تتقاسم السوء فيه العواصم الأربع، أي دمشق وتل أبيب وطهران وموسكو. وطبعاً فإن استحضار البعد الأخلاقي في نقاش مع هذه العواصم أمر مضحك، لكنه ضروري لجلاء هذه الحرب الغامضة. فالأنظمة الأربعة تتغذى من دماء السوريين، وهنا لا تقتصر الإشارة إلى الجنود الذين تودي الغارات بهم، بل إلى الدم السوري المراق يومياً في ذلك البلد. ذاك أن وظيفة معادلة القصف هي تثبيت القاتل في موقعه. فلولا هذا القصف لما تمكنت موسكو من رعاية المعادلة، ولولا تمكن موسكو من ذلك، لما قبلت بحماية النظام، والأخير كان ليترنح في انهياره المتواصل منذ نحو عشر سنوات.
لكن الإمعان في تخيل المعادلة يفضي إلى مزيد من الاستنتاجات المأساوية. فالقصف الإسرائيلي شبه اليومي على سوريا لا وظيفة تغيرية له. صار جزءاً طبيعياً من المشهد في هذا البلد. وبهذا المعنى، فإن هذا الفعل صار حدثاً ضرورياً لكي تستمر الأشياء بالاشتغال. صار يشبه توجه التلامذة إلى مدارسهم والموظفين إلى مكاتبهم. هذه الوقائع يجب أن تحصل لكي يكون للنظام هياكله. القصف صار جزءاً من هياكل النظام، ومن قواعد اشتغاله. نحن لا نكتب خبراً عن فتح المدارس أبوابها أمام التلامذة، بل عن إقفالها أبوابها بوجههم. وقريباً سيكون الخبر على النحو التالي: “إسرائيل لم تنفذ غارة على مواقع في سوريا هذا الأسبوع”. سيكون لهذا الحدث قدرة على تفسير ما قبله وما بعده، وربما على النظام أن يخاف عندما يستشعر انكفاء إسرائيل عن وفائها بالتزامها حماية الستاتيكو الذي اعترف له بحقه في قتل السوريين.
قناة الحرة
——————————-
معضلة الحل السياسي في سورية/ نجيب الغضبان
مع تزايد الحديث عن انسداد الأفق السياسي للتوصل إلى حل للصراع المزمن في سورية، مقابل الخطوات الإيجابية التي تم إحرازها في ليبيا، واهتمام الإدارة الأميركية الحالية بإنهاء الحرب في اليمن، ومرور عقد على انطلاق الثورة/ المأساة السورية، يكتسب نقاش هذا الموضوع أهمية فائقة. ستركز هذه المقالة على المعضلة الأساسية التي غالباً ما يتم القفز فوقها، أو تحويرها، أو تأجيلها باسم البراغماتية السياسية، ألا وهي التوصل إلى تسويةٍ حول مصير رأس النظام بشار الأسد. إن تجاهل هذه المعضلة على مدى السنوات الماضية، وفي أغلب الجهود الدبلوماسية الدولية، هو السبب الرئيس لفشل تلك الجهود.
في تجارب أغلب الدول التي انتقلت من الحكم السلطوي، فإن البداية الحقيقية لعملية التحوّل تكمن في لحظة رحيل الحاكم الدكتاتور. ومع تسليمنا بأن رحيل رأس النظام السلطوي لا يعني، بالضرورة، التحول إلى نظام ديمقراطي، فمن الدول العربية التي رحل رأس النظام فيها عن الحكم، لم تبلغ إلا واحدة منها، وهي تونس، مرحلة التحول إلى الحكم الديمقراطي، على الرغم من التحدّيات الكبيرة التي تواجهها. الدولة الوحيدة التي لم تبلغ غاية رحيل رأس نظامها هي سورية. ولعل هذا ما يفسّر، جزئياً، أن هذه الدولة شهدت أقسى حالات الصراع، ودفع أهلها أثماناً إنسانية ومادية باهظة، وطالت فيها الحرب إلى ما يزيد عن السنوات العشر. فكما هو معلوم، للثورة السورية أسبابها الموضوعية المتجذّرة في استبداد نظام الأقلية القمعي وفساده. ومع أن إرهاصات الثورة السورية بدأت بمطالب إصلاحية محدودة، إلا أنها لم تلبث أن تحوّلت إلى ثورةٍ بالمعنى الشامل، تبنت الشعار الشائع “الشعب يريد إسقاط النظام”. وللإنصاف، كانت قطاعات واسعة من المهتمين بالشأن العام قد ناشدت بشار الأسد أن يقود عملية إصلاحية يكون جزءاً منها، وهكذا فعلت حكومات منها قطر والسعودية وتركيا. التحوّل إلى المطالبة بتغيير النظام، المتضمنة رحيل بشار الأسد، بدأ بشكل مبكر في عمر الثورة السورية، بسبب رد الفعل العنيف الذي أظهرته الأجهزة القمعية في تصدّيها للتظاهر السلمي. ويعتبر الخطاب الأول الذي ألقاه الأسد في مجلس الشعب، في نهاية شهر مارس/ آذار 2011، نقطة تحول بالنسبة لسوريين كثيرين كانوا ينتظرون من الأسد خطواتٍ إصلاحيةً لاحتواء الغضب الناجم عن قمع قواته للتظاهرات السلمية. كما كان للنجاحات الأولى التي حققتها حركات الاحتجاج في باقي دول الربيع العربي دور في إقناع أغلبية الشعب السوري بضرورة رحيل النظام ورأسه. واحتل شعار “إرحل إرحل يا بشار” مكانته المحورية بين الشعارات الثورية الأخرى، باعتبار هذا المطلب هو البداية المنطقية للتغيير المنشود.
بالنسبة إلى الغالبية من الشعب السوري القابع تحت ثنائية القمع والفساد، فإن رحيل بشار الأسد أمر منطقي، فقد أتم “الولد” ما يزيد عن عقد، لم يحقق فيه وعوده المتواضعة بالإصلاح والتطوير. ومع انحيازه لخيار القمع والقتل بحق المتظاهرين السلميين فقد بدّد كل ادّعاء بالشرعية. لكن وللحقيقة، ارتأى مؤيدو النظام أن بقاء بشار الأسد في السلطة يتجاوز رمزية الإقرار بأن لدى الحركة المناهضة للنظام مطالب مشروعة إلى أن استئثاره بالحكم هو الضمانة في وجه التهديد الوجودي، خصوصا بالنسبة للطائفة العلوية. أما المستفيدون من النظام من باقي مكونات الشعب السوري، فإن رحيل الأسد يعني فقدان الامتيازات الاستثنائية التي يتمتعون بها بغير وجه حق. ولذا استثمر النظام في سردية مفادها بأنه الحصن العلماني المدافع عن الأقليات في وجه التطرّف الإسلامي القادم. وطرح هذا المعسكر، خصوصا في جناحه المتطرّف “الشبيحة”، شعاراً مقابلاً للشعار المطالب برحيل بشار، وهو: “الأسد أو نحرق البلد”.
وعلى صعيد الجهود الدبلوماسية، طُرح موضوع ضرورة تنحّي الأسد مدخلا لأي حل سياسي، في مطالبات قادة غربيين بذلك. وكان أهم تلك المناشدات ما صرح به الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في أغسطس/ آب من عام 2011، إن على الأسد تقديم إصلاحات حقيقية أو التنحّي. وتضمنت المبادرة الثانية لجامعة الدول العربية في أوائل عام 2012 خطواتٍ تقود إلى رحيل الأسد، فكانت الصيغة التي طرحتها الجامعة مماثلة للمبادرة الخليجية بشأن اليمن، بحيث يتنازل الرئيس عن صلاحياته لنائبه الذي يقود مرحلة انتقالية، تنتهي بإصلاحات حقيقية. وبالطبع، كان رفض النظام قاطعاً لهذه المبادرة، واختفى من وقتها النائب الأول لرئيس الجمهورية، فاروق الشرع، من المشهد السياسي.
ومع أن مبادرة مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية كوفي عنان لم تشر صراحة إلى رحيل الأسد، فإنها شملت نقطة التوصل إلى حل سياسي يلبي طموحات الشعب السوري، وهي ترجمة لتغيير جذري في طبيعة النظام، لا يتسق معها استمرار الأسد في السلطة. ثم جاءت وثيقة جنيف الشهيرة التي أصبحت مرجعية الحل السياسي في سورية، وتبنّتها قراراتٌ دوليةٌ، أهمها قرار مجلس الأمن رقم 2254. ومع أن الوثيقة لم تنص بشكل صريح على ضرورة رحيل الأسد، لكنها قدّمت تسوية مقبولة للدول التي وافقت على الوثيقة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا. تحدّثت الوثيقة عن ضرورة تشكيل “هيئة حكم انتقالي”، من النظام والمعارضة وأطراف ثالثة، كالمجتمع المدني، بصلاحيات تنفيذية كاملة، تقود مرحلةً انتقاليةً تنتهي بحكم ديمقراطي. كما نصّت الوثيقة على أن يكون تشكيل هيئة الحكم الانتقالي بالتوافق، وهو ما اعتبر نوعا من الغموض “الإيجابي”. وكانت نقطة التوافق هذه تعني إعطاء نوع من “الفيتو” لكل من المعارضة والنظام، برفض أي شخصٍ غير مقبول منهما. وبحلول صيف عام 2012، وقت إقرار الوثيقة، كان هناك إجماع بين القوى الثورية والمعارضة على ضرورة رحيل الأسد مدخلا لأي حل سياسي، باعتباره مسؤولاً مباشراً عن كل أشكال القتل والقمع والدمار التي حلّت بالبلاد. وتتفق أغلب الجهات الدولية على أن تشكيل الهيئة بالتوافق يعني استثناء الشخصيات المرفوضة من كلا الطرفين. ولم تشذ عن هذا التفسير إلا روسيا التي تمسّكت بحق الأسد في أن يكون جزءاً من المرحلة الانتقالية، كما أن لديه الحق في الترشح للرئاسة مستقبلاً.
كانت الجهود الدبلوماسية التي جرت على أساس الوثيقة تتأثر بالوقائع على الأرض، وقناعة كثيرين من السوريين والمجتمع الدولي بأن نظام الأسد ساقط لا محالة. من هنا، اتخذت المعارضة موقفاً مفاده أن رحيل الأسد شرط للدخول في المرحلة الانتقالية. لكن ومع تأخر هذا التوقع، بفعل القمع الوحشي للنظام، وتدخل حليفه الإيراني الحاسم بأذرعه المختلفة، مقابل تقاعس داعمي المعارضة عن مجاراة حلفاء النظام، بدأت قوى غربية ووسطاء أمميين تنصح المعارضة بضرورة إبداء بعض المرونة تجاه هذا المطلب. وبالفعل، استجابت المعارضة على أن يكون أمر رحيل الأسد نتيجة العملية الانتقالية، وضمن جدول زمني واضح. وتمسّكت المعارضة السياسية بهذا الموقف في أثناء الجولات الأولى من مفاوضات جنيف، بينما كانت استراتيجية النظام الدخول في نقاشاتٍ عبثيةٍ لكسب الوقت، أملاً في تغيير الحقائق على الأرض لصالحه.
ومع تدخلها العسكري الحاسم في سبتمبر/ أيلول 2015، أعقب ظهور ما سميت الدولة الإسلامية (داعش)، انتهجت القيادة الروسية منحىً جديداً في تحوير العملية السياسية، ومحاولة تغيير مرجعيتها من وثيقة جنيف إلى ما سمي مسار أستانة وسوتشي لاحقاً. وترافق مع هذه التطورات تزايد الخلافات بين داعمي المعارضة، بينما استطاع الروس استعادة المبادرة على الأرض، والنجاح باستمالة تركيا إلى مسار أستانة. ونجحت روسيا بتقزيم العملية السياسية، وذلك بتقسيمها إلى جزئين: أولهما، التركيز على ما سميت عملية تثبيت وقف إطلاق النار المحلية التي عنت تدمير مناطق المعارضة وترحيل مقاتليها إلى الشمال الغربي. وتمثل القسم الثاني في إعطاء الأولوية لتشكيل لجنة دستورية، تنظر في تعديل دستور الأسد لعام 2012، أو صياغة دستور جديد. وقد جاء هذا التحوير للعملية السياسية مناقضاً للقرار الأممي 2254 الذي نص صراحة على تسلسل منطقي، يبدأ بتشكيل “حكم انتقالي”، تتبعه عملية دستورية، ومن ثم انتخابات برلمانية ورئاسية. ولم تتخذ الأطراف الدولية الداعمة للمعارضة موقفاً تجاه هذا الانحراف، بل نصح بعضها المعارضة بأن تشارك في هذه المسارات، باعتبارها الجهود الوحيدة المتاحة.
ومع النجاحات العسكرية للنظام، بفعل الدور المحوري الروسي – الإيراني وتراجع الدول الداعمة للمعارضة، تراجع موضوع رحيل الأسد من أولويات الجهود الدبلوماسية. وغدا السقف السياسي للروس (أهل الحل والعقد في سورية) هو إقناع بعض الشخصيات “المعارضة” بالدخول في حكومة برئاسة الأسد إلى حين الانتخابات التي تعطي الأسد الحق في الترشح والنجاح سبع سنوات أخرى، استناداً إلى دستوره الذي أقرّه عام 2012. لكن لحظة إعلان انتصار النظام على شعبه لم تكن لتدوم طويلاً، لأنه أصبح مسؤولاً عن المناطق التي أعاد السيطرة عليها، وعن إعادة إعمارها، وهو أمر أكبر من قدرته، ومن إمكانات داعميه الروس والإيرانيين.
وأخيراً، حمل عام 2020 تطورين هامين في غير صالح النظام: الدور التركي العسكري في إيقاف تقدم النظام باتجاه إدلب؛ الموقف التركي الحاسم كان مدفوعاً بفعل التخوّف من احتمال نزوح ملايين السوريين المقيمين في تلك المناطق تجاه أراضيه، وإقرار الولايات المتحدة قانون قيصر، ودخوله حيز التنفيذ. وقد حرم تطبيق العقوبات المتضمنة في قانون قيصر على النظام السوري وداعميه نظام الأسد من تحويل “نصره” العسكري إلى نصر سياسي، وعقّد إمكانية إعادة تأهيله إقليمياً ودولياً عندما ربط عملية إعادة الإعمار بالحل السياسي. ومع أن النظام حاول تحميل فشله في إدارة الأزمة الاقتصادية القاتلة التي تعصف بالبلاد (بينما تعاني أغلب الدول بما فيها داعمو النظام من أزمة كورونا)، فإن الأكيد أن النظام قد وصل إلى طريق مسدود في كسب معركة السلام.
لم يكن بشار الأسد رئيساً لكل السوريين في أي وقت، وأصبح عدواً للملايين المشرّدة وغريماً لأهالي الضحايا الذين تجاوزا المليون بين قتيل وجريح ومعتقل، وأثبت فشله الذريع في تقديم أي من عوائد الانتصار لسورية “المتجانسة”. الخلاصة المهمة لأنصار النظام أن معاناتهم مرتبطة ببقاء الأسد في الحكم، كما أن الإصرار على بقائه لن يزيدهم إلا خيبة وأسىً. المخرج الوحيد من هذه الأزمة المزمنة يكمن في قبول تسويةٍ على أساس مرجعية وثيقة جنيف، تضع المؤيديين والمعارضين والرماديين في صفوف متكافئة لإعادة إنتاج عقد سياسي جديد، أساسه المواطنة المتساوية تحت سقف دولة القانون. الشرط الأساسي لنجاح مثل هذه الصيغة رحيل الأسد.
هنا تقع المسؤولية على الأطراف الدولية الأساسية، وخصوصا الولايات المتحدة وحلفائها، وروسيا الداعم الرئيسي للأسد. وتستوجب هذه المسؤولية تدخلاً عاجلاً وحاسماً لوقف التدهور واحتمالات الانفجار في النصف الثاني من سورية، وذلك بإعادة العملية السياسية إلى مرجعيتها المنطقية، من خلال وثيقة جنيف، والبدء بالمفاوضة حول شروط رحيل الأسد. قد يطول الوقت اللازم لحل هذه المعادلة الصعبة أو يقصر، لكنه يضع الشعب السوري المنهك من هذا الصراع أمام تحدّي البحث عن حلول خلاقة لبناء إطار سياسي يتسع لكل أبنائه، متجاوزاً تجربة مأساة حكم الأسد.
العربي الجديد
—————————-
تقرير”فرانس برس”عن الحرمان التكنولوجي السوري: الحق على أميركا!/ وليد بركسية
خلا تقرير كامل لوكالة “فرانس برس” عن الحرمان التكنولوجي الذي يعيشه السوريون، من أي إشارة للسياسات الرسمية التي جعلت البلاد طوال عقود، متأخرة تكنولوجياً عن بقية العالم.
وفي لقاءات شملت مدونين وصحافيين موالين للنظام السوري، في التقرير الذي نشرته الوكالة، الجمعة، بعنوان “السوريون محرومون من نتفليكس وزوم في زمن كورونا”، كانت العقوبات الأميركية الظالمة على البلاد، هي السبب الوحيد لوجود فجوة تكنولوجية خلقت جيلاً كاملاً متأخراً تقنياً عن أقرانه حسب وصف المدوّن التقني محمد حبش.
ولم يكن ينقص التقرير، كي يصبح مناسباً للنشر في وكالة “سانا” وغيرها من وسائل الإعلام الرسمية، سوى ذِكرِ المؤامرة الكونية.
وذكرت “فرانس برس” أنه “لم يكن بإمكان عمالقة الانترنت كأمازون وآبل وغوغل، حتى قبل اندلاع النزاع العام 2011، العمل بحرية في دمشق بسبب عقوبات أميركية حظرت تصدير أو بيع أو توريد السلع والبرامج والتكنولوجيا والخدمات دون موافقة الحكومة الأميركية”. لكن التقرير تجاهل تماماً حجب نظام الأسد للمواقع الإلكترونية وخدمات مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى، قبل العام 2011، بما في ذلك “فايسبوك” و”ووردبرس”، والرقابة المفروضة على تلك المنصات بعد فك الحجب عنها، والقيود التي تكبل السوريين هناك أيضاً.
وأكملت الوكالة أنه “خلال سنوات الحرب، زادت وتيرة العقوبات وبالتالي المواقع المحظورة. ويطال التقييد التقني حالياً مواقع عدة بينها كورسيرا المتخصص في التعليم ونتفليكس أشهر منصة للأفلام والمسلسلات ومواقع أمازون وأبل ستور وغوغل ستور وتطبيق تيك توك وسواها”. وقال حبش: “لا يستطيع السوريون التعامل مع أي خدمة أجنبية عبر الانترنت، سواء في مجال التعليم أو التجارة الالكترونية أو الترفيه”.
ورغم أن ذلك صحيح تقنياً، إلا أن وجود تلك الخدمات لم يكن ليغير من الواقع شيئاً، وهو ما تجاهلته الوكالة تماماً، ويعني ذلك أن النظام بدأ منذ العام 2020، بالتزامن مع أزمة كورونا التي دفعت العالم كله نحو العالم الافتراضي أكثر من أي وقت مضى، أصدر قراراً عبر وزارة الاتصالات، يقضي بإقرار العمل بنظام باقات الإنترنت حسب الاستهلاك، في بلد يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر.
ولم يخفِ النظام يوماً رغبته في تطبيق أكبر تحكم ممكن بالمعلومات في البلاد، للعودة بالزمن إلى حقبة الثمانينات “الذهبية”، عندما كان الحجب والتعتيم من الأمور البسيطة والمستطاعة في ظل تقنيات ذلك الزمن. ومع صعوبة عزل البلاد بالكامل عن الشبكة العالمية، أو فرض حجب تقليدي على المحتوى الإلكتروني غير المرغوب، يبدو حل الباقات مثالياً بالنسبة للنظام، خصوصاً أنه يستفيد بدوره من الإنترنت ومواقع التواصل، لبث دعايته وممارسة نوع من الرقابة المباشرة والسهلة على الشعب السوري.
والحال أن المخاوف من هذا النظام لا تأتي من عبث، بل تنبع من قدرته على فرض رقابة غير مباشرة على الإنترنت، ويعني ذلك أن المستخدم سيتمكن من الحصول على إنترنت يكفيه لتصفح بعض المواقع الأساسية والسوشيال ميديا، لكنه سيكون في خوف دائم من تجاوز حد الاستهلاك بسبب العامل الاقتصادي والفاتورة التي ستنتظره. وبالتالي سيفرض رقابة ذاتية على نفسه عن مشاهدة مقاطع الفيديو مثلاً، أو تصفح مواقع “غير مرغوبة من قبل النظام”، والتي قد تُفرض عليها بعض القيود التقنية التي تجعل تصفحها ثقيلاً وبطيئاً ما يزيد في الاستهلاك بالضرورة، من دون أن تضطر سلطات النظام لاستعمال الحجب بمعناه التقليدي المعروف قبل العام 2011.
ويتوازى ذلك مع الحديث الدائم عن العقوبات الغربية ضد النظام، بما في ذلك القطاع التكنولوجي، والترويج الدائم لمبادرات التطبيع التقني مع النظام كبوابة للتعاون في مجالات أوسع تدريجياً، وهو ما يروج له النظام إعلامياً ودبلوماسياً منذ سنوات بالتوازي مع حديثه عن النصر في البلاد وانتهاء الحرب فيها. ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في حملة أطلقت العام الماضي بعنوان #الترند_السوري_حق للمطالبة بتوفير خدمات “تويتر” في البلاد.
وتجب الإشارة هنا إلى أن النظام فرض خلال العامين الماضيين قيوداً على المكالمات الصوتية ومكالمات الفيديو عبر تطبيقات المراسلة الفورية ومواقع التواصل الاجتماعي، ورغم عدم حجب التطبيقات الأساسية، إلا أنه بات من الصعب إجراء مكالمات عبر “واتس آب” أو حتى “ماسنجر” التابع لشركة “فايسبوك” من دون استخدام برامج “بروكسي” وخدمات الشبكات الافتراضية البديلة “VPN”.
وبالطبع فإن تقرير “فرانس برس” ليس مزوراً ولا مختلقاً، لكنه يبدو مجتزاً من سياق أوسع، ما يرسم أشارات استفهام حول عمل وكالات الأنباء الكبرى في سوريا، وتحديداً الخدمة العربية منها. وأثارت تقارير سابقة لـ”فرانس برس” و”رويترز” استياء كبيراً بين السوريين في مواقع التواصل بسبب تلك النقطة. ويبرز هنا تقرير لـ”رويترز” العام الماضي عن “عودة السالسا إلى دمشق”.
وحافظت وكالات الأنباء على تواجد محدود في سوريا، بما في ذلك “رويترز” و”فرانس برس”، عبر مراسلين محليين وموفدين يزورون البلاد من حين إلى آخر، علماً أنه بعد انطلاقة الثورة السورية العام 2011، اعتبر النظام، الثورة، “فبركة إعلامية”، وطرد مراسلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية تباعاً بتهمة “التحريض”، واعتمد على “الإعلام المقاوم” لإيصال وجهة نظره عن الأحداث في البلاد.
وبحسب “فرانس برس”، تعتبر سوريا واحدة من أربع دول في العالم لا تتوفر فيها خدمات “نتفليكس”، وواحدة من خمس دول فقط لا يتوفر فيها تطبيق “زوم”، الذي تحوّل خلال العام الماضي مع التزام الحجر المنزلي من مجرد خدمة لندوات الفيديو الى أداة محورية في الحياة المهنية والمدرسية والاجتماعية. ومن المذهل أن التقرير تحدث عن استخدام السوريين لـ”البروكسي” من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية، فقط، وليس الحجب الذي يطال عشرات المواقع الإعلامية التي تعتبر “مسيئة ومعادية”.
ويعاني الإنترنت في سوريا من ضعف ملحوظ منذ بداية تشغيل المخدمات، ويضطر المستخدمون للانتظار فترات طويلة لتحميل مقطع فيديو صغير مثلاً. ويعزو مسؤولو النظام سوء الخدمة في البلاد، أحياناً لقصص خيالية، كأسماك القرش في البحر المتوسط، التي تتسبب بالانقطاعات المستمرة في الخدمة. ويعود ضعف الانترنت فعلياً لأسباب تقنية متعلقة بسوء البنية التحتية الخاصة بالشبكة، وأخرى سياسية عندما يرى النظام حاجة في خنق المساحة الضئيلة للتعبير التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن المثير للاهتمام أن عداء النظام السوري للإنترنت قديم، فرغم أن الإنترنت دخل البلاد في أواخر التسعينيات إلا أن الوصول إليه كان مقتصراً على الهيئات الحكومية، وحتى العام 1999 لم يكن يسمح للمواطنين السوريين الاشتراك بالإنترنت، وهو ما ذكرته منظمة “هيومان رايتس ووتش” حينها في تقرير خاص بالإنترنت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتقدر وزارة الاتصالات السورية عدد مستخدمي الإنترنت في سوريا بنحو من 8 ملايين مستخدم فقط من خلال بوابات “ADSL” ولا يشمل هذا الرقم مستخدمي الإنترنت عن طريق الخطوط الخليوية باهظة التكلفة.
وتبدأ سرعة خطوط الإنترنت في سوريا من رقم محرج، هو 512 ك بت/ثا، وصولاً إلى 24 ميغا بت/ثا. لكن أقصى سرعة فعلية متوفرة حالياً في سوريا تقف عند حاجز 18 ميغا بت/ثا، حسب مواقع متخصصة في مراقبة الإنترنت. لكن متوسط سرعة الإنترنت في المجمل يبلغ 768 ك بت/ثا وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يبلغ 4.6 ميغا بت/ثا، كما لا تتوافر خدمات الإنترنت في كافة المناطق السورية، وهو أمر لا علاقة بالثورة والحرب في البلاد به، بل هي خاصية قديمة، وبحسب تصريحات عضو مجلس إدارة “الشركة السورية للاتصالات” زياد عربش، لوسائل إعلام رسمية العام 2019، يتقاسم كل 5 مشتركين بالإنترنت بوابة “ADSL” واحدة.
وتشير معطيات وزارة الاتصالات إلى أن تطبيق “واتس اب” وموقع “فايسبوك” هما الأكثر استخداماً لتبادل المعلومات في سوريا، مقارنة مع التطبيقات الأخرى كـ”يوتيوب” و”تويتر”، كما يكشف تحليل الحزمة الدولية لمستخدمي الإنترنت أن 70 في المائة من المستخدمين يعتمدون على تطبيقات التواصل الاجتماعي، علماً أن النظام حجب المواقع الإباحية في البلاد العام 2018 بحجة “حماية المجتمع”.
المدن
—————————-
فرنسا لا تنخرط في جهود إعادة تدوير الأسد/ حسن مراد
منذ العام 2011 واظب الإعلام الفرنسي على تغطية الحدث السوري باهتمام بالغ. وخلال السنوات الماضية، ساهم صحافيون فرنسيون في الكشف عن عدد من جرائم نظام الأسد من خلال تحقيقات خلّفت أصداء تعدت حدود فرنسا: كالتحقيق الذي حمل عنوان “بيروقراطية الموت” وكشفت من خلاله صحيفة Libération عمليات التعذيب والتصفية الجسدية التي تجري داخل سجون النظام، أو وثائقي قناة France2، “سوريا، الصرخة المكتومة”، الذي تناول ملف اغتصاب المعتقلات.
مواكبة الاعلام الفرنسي للوضع السوري، طوال السنوات العشر الماضية، يمكن تفسيره بتفاعل الرأي العام الفرنسي مع تطور الأحداث، خصوصاً أن نظام الأسد اتبع، منذ البداية، سياسة القمع لوأد الثورة بأي ثمن. فانتشار المواد المصورة المُوَثِّقة لبطش النظام، شكّل صدمة للمجتمع الفرنسي الذي يرفع لواء القيم الإنسانية. وعليه كان الموقف من الثورة السورية بمثابة اختبار داخلي لفرنسا.
من خلال تنظيم التظاهرات ومختلف الأنشطة، دأبت الشخصيات العامة والأحزاب السياسية والمنظمات حقوقية، جنباً إلى جنب مع الجالية السورية، على قرع جرس الإنذار لتنبيه الشارع الفرنسي على ضرورة التحرك لوقف حمام الدم.
لكن الثورة لم تكن محط إجماع، بل تسببت في شرخ داخل المجتمع الفرنسي بعدما تعالت أصوات تنادي بالواقعية السياسية وأخرى تفاضل بين “علمانية الأسد” والتطرف الاسلامي. وتعمق الشرخ على وقع أزمة المهاجرين وصعود تنظيم “داعش” كما العمليات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا.
هو تفاعل فرنسي حتّم على السلطة الرابعة الإحاطة بهذا الملف المتشعب لا سيما بعدما تحولت سوريا إلى ساحة مواجهة بين مختلف اللاعبين الاقليمين والدوليين. بالتالي، كان متوقعاً أن تحظى الذكرى العاشرة لانطلاقة الثورة السورية بتغطية إعلامية، فلم تنتظر وسائل الاعلام الفرنسية حلول تاريخ 15 آذار، بل بدأت بتناول تلك الذكرى قبلها بأسابيع لتبيان حصيلة عقد من الثورة.
تنوعت المواضيع المطروحة شكلاً ومضموناً: مجمل الخسائر البشرية والمادية، المعتقلون، الوضع الدولي، إعادة الإعمار، تحقيقات ميدانية داخل سوريا ، استعادة أرشيف السنوات العشر، بورتريه أسماء الأسد ، وثائقي عن سلالة الأسد … لكن غاية مشتركة جمعت في ما بينها، الإشارة إلى الثمن الباهظ الذي تكبده السوريون والسوريات حتى يحافظ بشار الأسد على كرسيه.
صحيفة Le Figaro لخصت الواقع المذكور في أحد عناوينها: “بشار الأسد أنقذ سلطته لكنه يتربع على خراب”. كذلك فعلت Le Monde مشبهةً بشار الأسد بـ”ملك الخراب” بعدما استعرضت ما آلت إليه أحوال البلاد على الصعد كافة.
من جهتها، وصفت هالة قضماني استمرار الأسد في الحكم بـ”الظاهرة” نظراً إلى حجم التحولات التي عرفتها سوريا في السنوات الماضية. وتوسعت في مقالتها المعنونة “بشار الأسد، آخر الطغاة” والمنشورة في Libération لتعيد التذكير بتركيبة النظام السياسية والأمنية والاقتصادية، معتبرة أن الأسد كسب رهانه حين قدم نفسه بديلاً عن الإرهاب.
في هذا الاطار استعادت قضماني تصريحاً سابقاً لماكرون اعتبر فيه أن “عدونا هي داعش وليس الأسد”. ويبدو أن الرئيس الفرنسي ما زال ثابتاً على هذا الموقف بعدما توجه إلى السوريين في ذكرى الثورة بتغريدة لم يتناول فيها معاقبة أركان النظام السوري على جرائمهم، بل اكتفى بعبارات مبهمة أشار فيها إلى “النضال ضد الافلات من العقاب” والسعي إلى حل سياسي.
أما بانجمان بارت، مراسل Le Monde من بيروت، فاعتبر أن الحدث السوري تحول إلى “رمز لعودة البربرية في القرن الحادي والعشرين”.
قضية اللاجئين نالت مساحة خاصة من التغطية، واعتُبرت ثمناً من الأثمان التي تكبدها السوريون لقاء بقاء الأسد في الحكم. صحف عديدة أجرت مقابلات مع سوريين وسوريات اضطروا إلى مغادرة بلدهم. بعض هذه المقابلات كان بغرض التذكير ببداية الثورة حيث شرح الناشطون كيف كانوا يحتالون على الأجهزة الأمنية لتنظيم التظاهرات.
فيما اختار صحافيون آخرون مقاربة هذا الملف من زاويته الإنسانية عبر استعراض الظروف الاجتماعية للاجئين في تركيا وفرنسا. لاجئون لم يقطعوا صلتهم ببلدهم بل يحرصون على غرس الانتماء إلى سوريا في نفوس أولادهم، مؤكدين توقهم للعودة إلى بلدهم، عودة مشروطة برحيل الأسد.
كما خُصص حيّز واسع، من المقابلة التي أجرتها Le Monde مع الكاتب ياسين الحاج صالح، لملف اللجوء، لا سيما معضلة الاندماج في أوروبا. وأوضح الحاج صالح، أن أول سؤال يطرح على طالبي اللجوء في فرنسا هي طائفتهم، أمر مستغرب في دولة علمانية، مضيفاً أن أبناء الأقليات يحظون بفرص أكبر للحصول على صفة لاجئ في هذا البلد.
وقد حملت أجوبة الكاتب السوري، تشاؤماً ملحوظاً، خصوصاً عندما وصف سوريا بمملكة المستحيلات ومن ضمنها استحالة قيامة سوريا جديدة. وفقاً للحاج صالح، بات العالم يميل لمكافحة الإرهاب عبر دعم نظام همجي، غير عابئ بوضع حد للإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري. وختم المقابلة قائلاً إن المصالحة بين التوجهين (مكافحة الإرهاب وإيقاف الإبادة) من شأنها إحداث ثورة في المقاربة السياسية الدولية.
حصيلة السنوات العشر، بدت جلية في عيون السلطة الرابعة الفرنسية: الثورة حملت أملاً للشعب السوري، أمل سرعان ما تبدد، وهو ما أشارت إليه الصحف حين شددت أنه لا حلّ يلوح في الأفق.
بالرغم من ذلك، ما زال البعض يرفض التسليم بالأمر الواقع: مجموعة من الكتاب والصحافيين والأكاديميين الفرنسيين نشرت بياناً في صحيفة Libération حمل عنوان “لا تسمحوا لبشار الأسد بتأريخ الحرب”. واعتبر الموقعون أن النظام السوري جهد، طوال السنوات الماضية، “لتكريس رواية مليئة بالمعلومات المضللة للتستر على جرائمه”. وتابع البيان أن انتشار رواية النظام سيؤدي إلى الخلط بين من تسبب بالأزمة من جهة، وصاحب الحل الفعلي من جهة أخرى، كما يشكل تنكراً لقيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان. فعلى اعتبار أن “المنتصر هو من يكتب التاريخ” رفض الموقعون على البيان الاعتراف بـ”انتصار الأسد” خشية تكريس روايته.
رغم ضبابية وسوداوية المشهد السوري، حاضراً ومستقبلاً، إلا أن بعضاً من الأمل ما زال ممكناً. صحيفة L’Express انطلقت من الحكم الصادر عن محكمة ألمانية، في 24 فبراير/شباط الفائت، بحق اياد الغريب، لتطرح السؤال التالي: هل سيتمكن بشار الأسد بعد اليوم من النوم مطمئن البال؟
فاستناداً إلى تصريحات ستيفان راب، رئيس اللجنة المستقلة من أجل العدالة الدولية والمحاسبة، أكدت L’Express أن محاكمة الرئيس السوري، لو تمّت، ستكون”أسهل قضية في تاريخ العدالة الدولية”، فالأدلة متوافرة، بل إن بعضها تم توثيقه من جانب جيش الأسد.
فعلى سبيل المثال، تمكنت العدالة من إدانة كبار القادة النازيين، رغم عدم تركهم أدلة بديهية، كما فعل النظام السوري، والكلام دائماً لراب.
بدورها تطرقت قناة M6 لملف ملاحقة مجرمي الحرب في سوريا وذلك في إطار تحقيق استقصائي حمل عنوان “صيادو داعش: المطاردة الكبرى”. لكن التحقيق شابه قصورٌ فاضح بعدما اكتفى بتسليط الضوء على مطاردة منظمات غير حكومية وعدد من المتطوعين الأوروبيين والسوريين لعناصر سابقة في تنظيم “داعش” استقروا في أوروبا كلاجئين. الملفت هو عدم تناول التحقيق الاستقصائي لملف مطاردة ومحاكمة الضباط والعناصر السابقين في الأجهزة الأمنية السورية الذين استقروا، بدورهم، في أوروبا.
طبعاً لا يجوز الاستخفاف أو التقليل من أهمية مطاردة “الدواعش”، لكن المثير للاستغراب هو إهمال التحقيق التلفزيوني لهذا الجانب رغم التماهي بين عناصر داعش والمنشقين عن النظام لناحية أسلوب المطاردة وطبيعة التهم الموجهة إليهم. يضاف إلى ذلك العرض الخجول جداً والسريع، لجرائم النظام والتظاهرات السلمية، ما يوحي بأن ما جرى في سوريا كان منذ البداية مواجهة بين الدولة والجهاديين.
بصورة عامة، لم يستغل الإعلام الفرنسي ذكرى الثورة لإعادة تدوير بشار الأسد، بل أعاد التذكير بجرائم النظام السوري على سبيل تنشيط الذاكرة حتى لا ينسى القارئ والمشاهد جذور المأساة السورية.
————————————
هل تحقق محاسبة مجرمي الحرب في سوريا العدالة والإنصاف للضحايا؟/ طارق صبح
بسام، رب أسرة يبلغ من العمر الآن 70 عاماً، يعمل في مجال الخياطة في أحد معامل ريف دمشق، ويسكن في حيٍّ شهد كثيرا من التظاهرات وعدة أشكال من الاحتجاج السلمي، إلا أنه أدرك منذ البداية أن النظام سيستخدم كل ما يستطيع من الوسائل، بما فيها الاعتقال والقتل، لوقف هذا الحراك، لذلك منع بسام أبناءه من المشاركة في أي نشاط ثوري مهما كان بسيطاً، واكتفى بمساعدة النازحين إلى دمشق من مناطق حمص الثائرة في ذلك الوقت، معتبراً أن هذه المساعدة هي مشاركته الفعلية والحقيقية في دعم الثورة، مفضلاً ذلك على احتمال أن يعتقل أحد أبنائه إذا ما شاركوا في التظاهرات.
لكن يوم 7 من تموز من العام 2012، حمل لبسام أسوأ ما كان يخاف منه، ففي ذلك اليوم شهد الحي تظاهرة تشييع لشبان قتلوا خلال المظاهرات، وأثناء التشييع لاحق عناصر أمن النظام المتظاهرين، اعتقلوا وقتلوا العديد منهم، بعد ذلك اقتحم الشبيحة منازل الحي بحثاً عمن استطاع الاختباء من المتظاهرين.
في صباح ذلك اليوم أكد بسام على نجله الأكبر موسى، 16 عاماً، ألا يذهب إلى المدرسة ويبقى في المنزل حرصاً على سلامته، لكن بعد ما حصل في مظاهرة التشييع، لم يستطع موسى رؤية رفاقه جرحى دون أن يساعدهم، فاستطاع سحب أحدهم كان ملقى في الشارع، وأدخله إلى المنزل وضمد جراحه معتقداً أنه أنقذه، إلا أن عناصر الشبيحة دهموا المنزل وألقوا القبض على الجريح وسلموه للأمن، بينما قيّدوا موسى على كرسي في إحدى الغرف وأشعلوا النار به ليقضي حرقاً مع كامل محتويات المنزل.
يقول بسام إنه في البداية كان يريد إمساك القاتل والثأر لولده بمثل ما فعل القاتل وفق مبدأ القصاص، لكن بعد مرور الوقت ورؤيته لمختلف أشكال الانتهاكات التي وقعت على السوريين، يؤكد أن ما يريده الآن هو محاسبة قاتل ولده مع من حرّضه ومن أطلق يده ومن زوّده بالسلطة لفعل ذلك أمام المحكمة، وعند ذلك يعتبر بسام أنه حصل على العدالة والقصاص لولده.
يشير بسام إلى أن التعويض المالي لا يعنيه، وإن كان هناك ما يجبر الضرر عما حصل له فإن ذلك سيكون في مثول مرتكبي هذه الجريمة أمام قضاء نزيه يكون هو نفسه شاهدا ومدّعيا عليهم، مشدداً على أن “المحاسبة هي العدالة، ولا شيء سواها”.
ماذا تعني المحاسبة في السياق السوري؟
خلال عشر سنوات أمعن نظام الأسد في انتهاكاته لحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب العلنية التي ارتكبها بحق السوريين العزّل، وتعدّت الانتهاكات جميع المواثيق والأعراف والقوانين الدولية ذات الشأن، حتى إنها أثارت بوحشيتها الضمير العالمي والإنساني حول العالم.
إلا أن فشلاً واضحاً اتّسمت به الجهود الدولية لاتخاذ خطوات جدية في إطار وقف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها، حيث قيّدت روسيا مجلس الأمن الدولي بحق “الفيتو”، وعرقلت اتخاذ القرارات اللازمة للمحاسبة وضمان عدم الإفلات من العقاب، مثل إحالة ملف الانتهاكات في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما جعل النظام بمنأى عن المحاسبة، ما عدا عقاب صوري بعد أن استخدم النظام السلاح الكيماوي، وكان سقف هذا العقاب اتفاقا روسيا أميركيا نصَّ على تجريد النظام من ترسانته الكيماوية، دون أي محاسبة أو ملاحقة لرموزه.
ومع تواصل العجز الدولي، بدأت في الأشهر الأخيرة تبرز دعوات رسمية صادرة عن حكومات وهيئات دولية، وغير رسمية دعت إليها منظمات حقوقية ومدنية غير حكومية، تطالب بمحاسبة مجرمي الحرب والمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وسائر الجرائم والانتهاكات في سوريا منذ العام 2011.
فما هي المحاسبة التي يطلبها ضحايا الانتهاكات في سوريا؟ وهل يمكن اعتبار المحاسبة هي العدالة التي ينشدونها؟ وما دور العقوبات الغربية، بما فيها “قانون قيصر”، في تعزيز عدم الإفلات من العقاب؟
في هذا الملف، يتحدث، لموقع “تلفزيون سوريا”، حقوقيون وقانونيون وموثقو انتهاكات عن المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب في سوريا، وعن المحاكم القضائية والآليات اللازمة لذلك، ومن يجب أن يخضع لها، بالإضافة إلى الجهود الدولية ودور العقوبات في ضمان عدم إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب.
إنصاف وجبر للضرر وردع للمجرمين
يرى الحقوقي والمتخصص بقضايا حقوق الإنسان والناطق السابق باسم “هيومن رايتس ووتش” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فادي القاضي، أن المحاسبة في السياق السوري هي “إطار للمصلحة والمنفعة، وتوضع في سياق هدفين، الأول قريب المدى ويتمثّل في الإنصاف وجبر الضرر وإعادة الاعتبار لمن تضرر وتأذى وقضى بسبب السلوك الإجرامي أو السلوك الذي ينطوي على جرائم ضد أفراد أو جماعات، وهو هدف ضروري لأي مجموعة بشرية تريد العيش في ظل نظام يقوم على المسائلة والمعاقبة على السلوك الذي يعادي القيم البشرية”.
ويضيف القاضي أن “الهدف الثاني وهو بعيد المدى مؤلف من شقين، يقوم أولهما على فكرة الردع، فإن قمنا بمحاسبة ومساءلة الأفراد أو التجمعات التي ارتكبت سلوكاً جرمياً في سياق الحرب، فنحن بالضرورة نقوم بالتأسيس لفكرة أن ارتكاب مزيد من هذه الجرائم في المستقبل سيكون صعباً وشاقاً، أو أنه على الأقل لن يقابل بالسكوت والموافقة والتساهل، وما يسمى بالإفلات من العقاب، والذي هو اصطلاح عميق يقوم على أن التساهل مع من ارتكبوا جرائم سيؤدي حتماً إلى فتح الباب أمام ارتكاب مزيد من الجرائم”.
أما المحامي السوري البريطاني والمتخصص بالقانون الدولي، بسام طبلية، يعتبر أن “العدالة الانتقالية بمفهومها الضيق تعني المحاسبة من أجل عدم الإفلات من العقاب، لكنها بمفهومها الواسع تشمل جبر الضرر والإصلاح المؤسسي ومعرفة الأسباب التي أدت إلى الانتهاكات، بالإضافة لتعويض المتضررين”، مؤكداً أن “محاسبة نظام الأسد عما اقترفه من جرائم، مع ترك الضحية تعاني من خسائرها الروحية والمعنوية والمادية، لا يمكن أن يحقق العدالة الانتقالية”.
ويعتبر البعض أن محاسبة رموز نظام الأسد وأركانه وإنهاء عدم إفلاتهم من العقاب من الأهمية بمكان أنه وسيلة للخروج من الأزمة في سوريا، حيث يقول مدير الحملات في منظمة العفو الدولية “امنستي”، كريستيان بينديكت، إن “إنهاء الإفلات المزمن من العقاب الذي يتمتع به أولئك الذين أمروا بارتكاب الفظائع في سوريا، هو طريق رئيسي للخروج من الأزمة، ويعتمد على التعافي وإعادة الإعمار والعدالة في سوريا”.
ويشدد بينديكت على أنه “إذا استمر المجرمون الرئيسون في التحرر من العقاب الفعال، ولم يتم منعهم من ارتكاب مزيد من الجرائم، فلا نهاية للأزمة السورية، تلك حقيقة لا مفر منها”.
هل تحقق المحاسبة الإنصاف للضحايا؟
تشير المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب إلى مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان، وتتضمن الملاحقات القضائية ولجان التحقيق والحقيقة، وبرامج جبر الضرر وإصلاح المؤسسات، وصولاً إلى العدالة الانتقالية والاعتراف بحقوق الضحايا وتعويضهم وسيادة القانون وتحقيق السلام المجتمعي.
يقول مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، إن “جهود المحاسبة تؤدي إلى استقرار المجتمع، وهدأة الثأر عند الضحايا عندما يرون مرتكبي الانتهاكات تمت محاكمتهم وتجريدهم من مناصبهم وامتيازاتهم واسترجاع الأموال التي نهبوها، ومن دون المحاسبة لن يكون هناك استقرار، بل سنبقى في حالة من دورات العنف اللامتناهية، فالمحاسبة ركن أساسي في تحقيق العدالة”.
ويوضح أن “المحاسبة هي جزء من العدالة للضحايا، لكنها ليست كل العدالة، وفي الحالة السورية، مهما بلغت هذه المحاسبة فهي لن تطول جميع مرتكبي الانتهاكات، ولا حتى الغالبية منهم، فتجارب النزاعات السابقة علمتنا ذلك”.
ويرى عبد الغني أن المحاسبة لن تطول جميع مرتكبي الانتهاكات، لكنها ترمز لملاحقتهم، وهي مطلوبة لتحقيق الاستقرار في المجتمع، لكنها يجب أن تكون بحق الصفوف الأولى من مرتكبي الانتهاكات.
ويصنّف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان مرتكبي الانتهاكات في سوريا وفق سلّم من 100 درجة، تضم الدرجة الأولى منه رئيس النظام ودائرته القريبة ورؤساء فروعه الأمنية، بينما تضم الثانية قادة فرق الجيش التي تتلقى الأوامر، وصولاً إلى الدرجات الأخيرة التي تضم أصغر مرتكبي الانتهاكات.
ويشير إلى أن المحاكم الأوروبية تلاحق مرتكبي الانتهاكات من الدرجة 97 أو ما بعد، ولكن بالرغم من ذلك يؤكد عبد الغني أن “هذا هو الخيار الوحيد المتاح حالياً، ويجب عند محاسبته أن نقول إننا نحاسب هذه الدرجة، لا أن نهوّل ونبالغ في ذلك”.
يوافق الحقوقي والمتخصص بقضايا حقوق الإنسان، فادي القاضي، فضل عبد الغني فيما يقوله، ويضيف أن “العدالة فكرة طويلة الأمد، أركانها متعددة، لكن المحاسبة خطوة أولى وكبيرة وضرورية، تؤسس لمسار يعود بجبر الضرر، ويعيد وضع الضحايا أو مكانتهم الاعتبارية إلى ما كانت عليه قبل ارتكاب الجرم”.
ووفق القاضي، فإن تحقيق ذلك مسار طويل وصعب ويحتاج إلى جهود مؤسسية في المجتمع والحكم، بالإضافة لإطار من العون الاقتصادي والنفسي والصحي، وتأمين الممارسة الحرة والمشروعة للأعمال والأفكار والتعبير عنها.
من جانبه، يقارب السياسي والبرلماني الألماني من أصل سوري، جمال قارصلي، الانتهاكات التي حصلت في سوريا بتجارب أخرى حول العالم، ويشير إلى أن “محاكمات نورمبرغ”، التي تناولت مرتكبي الانتهاكات ومجرمي الحرب خلال الحقبة النازية بعد سقوط الرايخ الثالث، بين عامي 1945 و1946، وحاكمت 24 شخصية من قادة ورموز ألمانيا النازية، بينما خضع الآلاف من أعضاء الحزب النازي وجنود الجيش لبرنامج من المصالحة المجتمعية، وصممت برامج حكومية لتعويض الضحايا.
يضيف قارصلي أن “المحاسبة ستكون لكبار المجرمين بحق الشعب السوري، وقسم من صغار مرتكبي الانتهاكات لا يمكن محاسبتهم، فمن الصعب محاسبة كل من أجرم، فذلك يحتاج إلى جهود طويلة ووقت أطول”.
ويتوقع قارصلي أن تُبنى في سوريا مستقبلاً دولة مؤسسات، تعمل على جبر الضرر للضحايا، والتخفيف من آثار الانتهاكات التي لا تصل إلى حد وصفها بجرائم حرب، ويتم حلّها وفق برامج تصالحية وتسامح مجتمعي.
محاكم الولاية القضائية الدولية أم المحاكم المحلية؟
خلال الأشهر الأخيرة، بدأ المسار القانوني في بعض الدول الأوروبية يتخذ خطوات مهمة باتجاه اتخاذ إجراءات محاسبة مجرمي الحرب والمتورطين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا، وكان ذلك نتاج جهود مؤسسات حقوقية جمعت أدلة ووثقت انتهاكات ورفعت دعاوي أمام عدة محاكم في السويد وألمانيا وفرنسا وهولندا وغيرها، فضلاً عن دعوات عديدة لإحالة ملف الانتهاكات في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية.
واستندت الدول الأوروبية إلى مبدأ في قوانينها يدعى “الولاية القضائية الدولية”، الذي يخوّلها بالتحقيق في جرائم ارتكبت خارج أراضيها، حتى لو كان المجرم أو الضحية من جنسية دول أخرى، وبناء عليه أقرّت فرق عمل ولجان تحقيق حول الجرائم في سوريا، استعداداً للدعاوى القانونية.
إلا أن ذلك طرح عدة تساؤلات حول مدى صلاحية قضاء تلك الدول في محاسبة أشخاص غير أوروبيين، وعن مدى حيادية واستقلال هذا القضاء في الملاحقة وإصدار الأحكام، وماذا عن المحاكم المحلية، وكيف تقوم بدورها في المحاسبة والمساءلة؟
في هذا الإطار، يرى جمال قارصلي أن المحاكمات ستجري في كل دولة وفق قوانينها ومحاكمها، لكن المحاكمات الأبرز يجب أن تتم عبر المحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة لاهاي، مثل ما حصل مع المجرم اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش، الذي خضع لمحكمة الجنائية الدولية.
بينما يقول المتحدث السابق باسم منظمة “هيومن رايتس ووتش”، فادي القاضي، إنه “كي نتحدث عن إمكانية إجراء محاكمات أو محاسبة أو فتح دعاوى تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا، هناك العديد من الشروط غير المنطبقة”، ويوضح أنه ليس هناك في الوقت الراهن على الصعيد الدولي فضاءات قانونية مؤهلة للمحاسبة أو الشروع في محاسبة نظام الأسد، وأقرب فكرة لذلك هي المحكمة الجنائية الدولية، وهي كيان مستقل ومنفصل عن الأمم المتحدة وخارج إطارها، كما أن سوريا ليست عضواً فيها.
ويضيف القاضي “حتى لو توفرّت النية لدى بعض الدول لمحاسبة نظام الأسد، فإن مجلس الأمن فشل وأخفق في التوافق والتصويت إيجاباً على إرسال ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
من جانب آخر، يؤكد القاضي أن المحاكم المحلية في معظم أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وضمن شكلها الحالي بحسب البنية والقدرات، ليست مؤهلة ولا تملك القدرات الفنية والبنية القضائية والخبرة المختصة في التقاضي في مجال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي حصلت في سوريا.
ويؤكد القاضي أنه نظراً للوضع الراهن للمحاكم الوطنية في سوريا فإنها ليست مؤهلة على الإطلاق ولا يجوز النظر إليها باعتبارها قادرة على التقاضي في مثل هذه القضايا والمواضيع العميقة، مشيراً إلى أنه “حتى لو افترضنا زوال نظام الأسد، سيلزم النظم القضائية في ظل النظام الجديد فترة طويلة من الوقت لتكتسب الخبرة والحكمة والبنية التحتية الفنية للتقاضي في مجال جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
أما المحامي السوري البريطاني، بسام طبلية، فيرى أنه “من الممكن طلب تشكيل لجان قضائية ولجان تقصي حقائق دولية، على غرار لجنة تقصي الحقائق الدولية فيما يتعلق باستخدام السلاح الكيماوي، واللجنة المعنية بمعرفة مصير المعتقلين، أو يمكن طلب إنشاء آليات في هذا الصدد”.
ويشير طبلية أن “المصلحة السورية تقضي بتدريب كوادر قضائية وقانونية متخصصة، وأن تكون الملاحقة القضائية وإصدار الأحكام أمام محاكم سورية، تراعى فيها المعاهدات والإجراءات الدولية، وتكون تحت رقابة أممية”، مضيفاً أنه “لا يوجد ما يمنع من تبنّي قواعد في أصول المحاكمات وقواعد قانونية للتجريم متفق عليها بشكل عام، فالعبرة هي لآلية التطبيق والشفافية والنزاهة والحيادية في تطبيق القانون”.
هل تسير دعوات المحاسبة في الاتجاه الصحيح؟
بالرغم من الثغرات القانونية، التي يمكن وصفها بالهائلة، في مسألة توثيق جرائم الحرب التي ارتكبت في سوريا، إلا أن الزخم الدولي بشأن دعوات محاسبة نظام الأسد يتصاعد ويتطور بشكل متسارع خلال الأشهر القليلة الماضية، ويعتبر بعض المراقبين أن هذا الزخم يمكن أن يؤسس لتقديم المجرمين للمحاكمات أمام العدالة.
يقول المدير في منظمة العفو الدولية “أمنستي”، كريستيان بينديكت، إن “التقدم في تحقيق العدالة للسوريين كان بطيئاً للغاية، لكن الزخم الآن يتزايد في الاتجاه الصحيح”، معتبراً أن ذلك تجلى في إدانة الضابط السابق في استخبارات نظام الأسد إياد الغريب في محكمة كوبلنز بألمانيا.
ويصف بينديكت قرار إدانة الغريب بأنه “حكم تاريخي، والأول من نوعه على جرائم خاضعة للقانون الدولي ارتكبها مسؤول في نظام الأسد، كما أنه انتصار ساحق لعشرات الآلاف من السوريين الناجين من التعذيب وضحايا الاختفاء القسري، وكذلك للمنظمات الحقوقية التي ناضلت لسنوات من أجل الحقيقة والعدالة”، مؤكداً أن هذه الإدانة هي الأولى، ولكنها لن تكون الأخيرة.
وعن التنسيق المشترك بين الدول لدعوات محاسبة نظام الأسد وضمان عدم إفلات رموزه من العقاب، يقول بينديكت إن هذا “أمرا إيجابيا، لأنه يظهر نية العمل من أجل تحقيق عدالة ومساءلة ذات مصداقية”.
وأضاف أن منظمة العفو الدولية تفضل أن ترى تنسيقاً عالمياً في هذا الإطار، على غرار إعلان كندا وهولندا الأسبوع الماضي عن خطواتهما المشتركة لمحاسبة نظام الأسد، وتأكيد التزامهما بدعم المجتمع الدولي لوضع نظام الأسد تحت المحاسبة، مشيراً إلى أن ذلك يؤدي إلى قيام مجلس الأمن بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، لضمان أن الجناة من جميع أطراف النزاع، بما في ذلك الأكثر مسؤولية من كبار مسؤولي وقادة النظام، يواجهون العدالة.
ولفت بينديكت إلى “الجهود الطيبة التي نراها في ألمانيا”، مؤكداً أن منظمة العفو الدولية تريد أن ترى مزيدا من الدول تحذو حذو ألمانيا من خلال التحقيق مع الأفراد المشتبه بارتكابهم جرائم حرب أو جرائم أخرى بموجب القانون الدولي في سوريا، ومحاكمتهم من خلال محاكمها الوطنية بموجب مبدأ “الولاية القضائية الدولية”.
كما يؤكد على ذلك جمال قارصلي، معتبراً أن “الدعوات الرسمية بدأت تبدو أكثر جدية، خاصة بعد أن أصبحت تصدر عن مسؤولين كبار ورؤساء دول، ما يعني أنها ستؤخذ على محمل الجد، وستؤدي لاتخاذ خطوات ناجعة من أجل تحقيق العدالة الانتقالية”.
ويشير إلى أن “هناك عوائق بالتأكيد، مثل أن لكل دولة قوانينها، وبعض الدول ترفض تسليم المجرمين لدول أخرى، أو بعض الدول ذات أنظمة ديكتاتورية تحمي المجرمين، وبالرغم من ذلك فإن الدعوات بدأت تذهب في الاتجاه الصحيح”، مطالباً المنظمات الحقوقية ومؤسسات المعارضة السورية والضحايا والمتضررين العمل على جمع الأدلة والإثباتات الدقيقة والدامغة حول المجرمين وانتهاكاتهم، استعداداً لما هو قادم.
أما مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، فيعتبر أن هذه الجهود هي المتاحة في الوقت الراهن، لكنها لا تسير بشكل كافٍ في الاتجاه الصحيح، فالاتجاه الصحيح هو مسار كامل من العدالة الانتقالية، يفضي إلى محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات، وخاصة من الصفوف الأولى بشكل أساسي، في المحكمة الجنائية الدولية، وهذا ما تعرقله روسيا في مجلس الأمن الدولي.
وفي مقابل هذه الآراء، يعتقد الحقوقي والمتخصص بقضايا حقوق الإنسان، فادي القاضي، أن الدعوات الرسمية التي تطلقها الحكومات، أو تدعو إليها أجسام أو وكالات دولية الطابع، “تحمل قدراً كبيراً من التسيس والفراغ، لأنها تفتقر إلى الإرادة السياسية، والتي يجب تفسيرها في إطار مفهوم يتجاوز النوايا الحسنة وحب الثورة أو كره النظام، إلى التزام منصوص عليه في الخطاب السياسي والقانوني لدولة أو حكومة معينة يتبعه، كما تفتقر لاتخاذ ما يكفي من الإجراءات التي تكفل أو تسهّل أو تضمن أو تشق طريقاً نحو تحقيق خطوة أولى نحو العدالة بالشروع في مجرى المحاسبة”.
أما الدعوات التي تتبناها المنظمات غير الحكومية والجماعات المدنية الضاغطة في المنطقة وخارجها، فيرى القاضي أنها “دعوات جادة”، لكنه يشير إلى أنها “تنطلق من أجسام وبنىً لا تمتلك القرار السياسي، ولا يمكنها أن تفعل ما يتجاوز الضغط”.
ويضيف أن “بعض هذه الجهود أثمرت نجاحات يمكن اعتبارها محدودة، لكنها تؤسس لسوابق، مثل اللجوء لاستخدام ما يسمى بالولاية القضائية الدولية للتقاضي أمام محاكم في دول يسمح نظامها القضائي بمحاكمة مجرمي الحرب ومن ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في بلدان أخرى على هذه الجرائم حتى في هذه الدول”.
محكمة كوبلنز: هل تشمل كبار المسؤولين عن الانتهاكات؟
شهدت مدينة كوبلنز الألمانية، صباح 24 من شباط الماضي، إدانة المحكمة الألمانية العليا للضابط السابق في مخابرات نظام الأسد إياد الغريب، بعد اتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتعذيب معتقلين في فروع النظام الأمنية، وأصدرت عليه حكماً بالسجن لأربع سنوات ونصف، استناداً إلى القانون الجنائي وقانون العقوبات الألمانيين.
وتعتبر محاكمة كوبلنز أولى المحاكمات في العالم بشأن التعذيب وجرائم الحرب في سوريا، في سابقة عدَّتْها شخصيات ومنظمات حقوقية “علامة فارقة في النضال ضد الإفلات من العقاب”، كونه يؤكد أنه في سوريا ترتكب جرائم ضد الإنسانية، وليس كما يرد في التقارير أنها “ربما ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية”.
من الجانب الآخر، رافق هذه المحاكمة جدل كبير بين السوريين، حول محاكمة الأعضاء السابقين في قوات الأمن الذين انشقوا عن نظام الأسد كمتهمين، أم معاملتهم كشهود في مسعى لتقديم كبار المسؤولين في النظام للعدالة.
وأثار هذا السؤال انقساماً كبيراً بين السوريين اللاجئين ومن يعيشون في المنفى، حيث اعتبر بعضهم أن هذه المحاكمة “خطأ استراتيجيا وأخلاقيا”، حيث خاطر المنشقون بحياتهم للانضمام إلى المعارضة وتقديم أدلة انتهاكات النظام لحقوق الإنسان.
ورأى البعض الآخر أن بدء المحكمة الألمانية ذات الولاية الدولية بمحاكمة عنصر أمن سابق برتبة صف ضابط، فيه إيهام كبير حول إحقاق العدالة بين صغار المسؤولين وإفلات كبارهم من العقاب.
اسم “بشار الأسد” ورد خمس مرات في قرار محكمة كوبلنز
حول ذلك، يقول المحامي والحقوقي السوري ومدير “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، أنور البني، إن “قرار محكمة كوبلنز صدر على إياد الغريب ليس باعتباره عنصرا قام بارتكاب جريمة، وإنما باعتباره جزءا من حالة ممنهجة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، وهذا يعني أن هذه الجرائم ارتكبتها دولة، وكل المسؤولين في هذه الدولة، بداية من رأسها، مسؤولون عن هذه الجرائم”.
وأوضح أن اسم “بشار الأسد” ورد خمس مرات في القرار، ليؤكد أن هذه الجرائم الممنهجة صادرة من أعلى مستوى في الدولة، وبالتالي يشتمل القرار على إدانة كاملة لكل النظام، بما فيهم رأسه، كما أن أي مسؤول في هذا النظام هو متهم الآن، ومُدان بارتكاب هذه الجرائم، ومحاكمة هؤلاء المجرمين تأتي تباعاً عندما يتم إلقاء القبض عليهم.
ويؤكد المحامي أنور البني أن إياد الغريب تعاون مع المحكمة، وقدّم كل الأدلة التي لديه، لكن القضاء لا يستطيع، ولا يتوجب عليه، غض النظر عن ارتكابه ومشاركته بجرائم ضد الإنسانية في سوريا، مشدداً على أن “الموقف السياسي لأي متهم لا يمكن أن يمنع محاكمته في حال ارتكب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب”.
وأشار إلى أن المحكمة وجدت أن إياد الغريب كان يمكنه التملص من تنفيذ الجرائم، وكان أمامه أكثر من فرصة متاحة لعدم تنفيذ الأوامر والابتعاد جانباً، لكنه لم يقم بذلك، ما دفعها لاتخاذ القرار بأنه شارك في هذه الجرائم في حين كان يمكنه أن يبتعد عن ذلك.
ووفق البني، فإن محكمة كوبلنز قدّرت أن إياد الغريب انشق عن النظام، وساعد القضاء الألماني بمعلومات كثيرة عن المجرمين في سوريا، ولأجل ذلك خفّضت له الحكم إلى أقل من الحد الأدنى، معتبراً أن هذا “بادرة مهمة جداً، تشير إلى أن القضاء يتعامل مع كل شخص بشكل مستقل، ويناقش وضعه وانشقاقه ومساعدته للقضاء وأخذ ذلك في عين الاعتبار”.
ويشدد المحامي والحقوقي السوري على أن “المسألة ليست محاسبة عنصر من النظام، بل هي محاكمة للنظام كاملاً، وهذا ما حصل في محاكمة كوبلنز وسيحصل في محاكمات أخرى”، مضيفاً “نحن نريد محاسبة النظام كله، من أصدر الأوامر، ومن نفذها، ومن كان يعلم بها ولم يقم بأي إجراء لوقفها”.
هل تحتمل العدالة نظرة معيارية؟
من الجهة المقابلة، يرى العقيد المنشق عن جيش النظام، عبد الجبار العكيدي، أن “المنشق الذي تجرأ على هذه المخاطرة ووضع نصب عينيه الموت أو الاعتقال والتنكيل بجميع أفراد أسرته، ويعلم تماماً أنه سيحكم عليه بالإعدام، وتُصادر جميع أملاكه، لم يخطر على باله أبداً أنه سيوضع في قفص الاتهام كما هو حال رسلان والغريب”.
ويضيف أنه “مما لا يعرفه البعض أن كثيراً من المنشقين، ودون أن يعلم بهم أحد، قدموا خدمات ومساعدات للثورة والثوار وهم على رأس عملهم، أكبر بكثير من مرحلة ما بعد انشقاقهم، ولمن لا يعلم فإن فصائل الجيش الحر لولا التنسيق والتعاون مع الشرفاء من الضباط والعناصر داخل القطعات العسكرية لما استطاعت تحرير أي منها، فعملية الانشقاق هي سلوك وموقف سابق يبدأ عند صاحبه منذ أول صرخة حرية في درعا وينتهي بعملية الانشقاق، ومن غير المعقول أن تجد جلاداً أو ظالما ويستفيق فجأة وينشق.
ويتساءل العكيدي حول “ازدواجية المعايير” في المحاكم الأوروبية، حيث يوجد اليوم آلاف الشبيحة والعناصر والقادة من تنظيم “بي كي كي”، المصنّف على لوائح الإرهاب في دول أوروبا، وبموجب الولاية القضائية الدولية، التي تعتمدها العديد من هذه الدول، لم نسمع أنه تم فتح ملفات بحق هؤلاء، رغم تقديم كثير من اللاجئين السوريين في هذه الدول والمنظمات الحقوقية السورية المعلومات والأدلة على تورطهم بارتكاب انتهاكات وجرائم مخالفة للقانون الدولي.
ويشير إلى أنه بعد صدور الحكم بحق إياد الغريب “نظر المنشقون بعين الشك والريبة تجاه هذا الحكم، الذي رؤوا فيه توجهاً انتقامياً في تطبيق العدالة، وينقل رسالة سلبية للمنشقين عن النظام، بأنهم جميعاً قد يتعرضون لمثل ما تعرض له الغريب، ما زاد من شكوكهم ومخاوفهم من تسييس مسارات العدالة، لتكون ذريعة لتعرضهم في المستقبل للمساءلة والمحاسبة بسبب وقوفهم إلى جانب الثورة”.
ويؤكد العقيد المنشق أنه “من المهم التذكير بأن العدالة التي يسعى إليها السوريون هي التي تتحقق ضمن إطار مسار وطني شامل، ومحاكمة كل من ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية عبر محاكم وطنية وفقاً لمعايير دولية، علماً أنني شخصياً وكثيرين من زملائي المنشقين لسنا ضد تطبيق العدالة مستقبلاً، ولكن أن تكون بمعايير واحدة وبوقت وظروف ومكان واحد، وتشمل كل من كان موجوداً منذ بداية الثورة في مؤسسات الدولة السورية، لا أن تكون عدالة منقوصة وانتقائية تخضع لأهواء وسياسات كل دولة وكل جهة، فالعدالة والحقوق لا تتجزأ، والثورة التي قامت ضد الظلم والاستبداد لا تحتمل نظرة معيارية للعدالة”.
العقوبات وقانون قيصر والمأمول من المجتمع الدولي
دخل قانون “حماية المدنيين في سوريا” الذي يعرف اختصاراً باسم “قانون قيصر” حيز التنفيذ في 17 من حزيران الماضي، وفرض معادلة جديدة على مسار الأزمة السورية، تهدف إلى زيادة عزلة نظام الأسد السياسية، وفرض نمط جديد شديد يحكم الحصار المالي والاقتصادي ضده، ومعاقبة حلفائه، بغية إجباره على القبول بالحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254.
كما يمنح “قانون قيصر” الإدارة الأميركية مزيداً من الأدوات لفرض عقوبات على شخصيات نظام الأسد المسؤولة عن الجرائم المرتكبة بحق السوريين، وملاحقتها ومحاسبتها على هذه الجرائم.
وفي الاتحاد الأوروبي، تحاول منظمات حقوقية سورية جمع شهادات المعتقلين والمنشقين عن النظام، بالإضافة إلى أدلة تورط النظام ورموزه في مجازر الإبادة الجماعية، وعمليات القتل، والتعذيب بحق الأفراد في السجون والمعتقلات وغيرها، ليكون لديهم ملف كامل لدعم إصدار قانون عقوبات أوروبي، على غرار “قانون قيصر”، يفرضه الاتحاد الأوروبي على نظام الأسد.
فهل تساعد العقوبات الغربية في تقدّم إجراءات المحاسبة وتحقيق العدالة للضحايا؟ وما المأمول من المجتمع الدولي من أجل تعزيز عمليات المحاسبة وإنهاء الإفلات من العقاب في سوريا؟
بحسب المحامي والمعارض السياسي السوري، حسن عبد العظيم، فإن أخطر ما يواجه رموز النظام المدنية والعسكرية والأمنية بعد “قانون قيصر” هو المحاكم الجنائية الدولية، التي باشرت بمحاكمة بعض عناصره بجرائم حرب لم يعد إخفاؤها ممكناً.
ويؤكد عبد العظيم أن “قانون قيصر” يأتي أولاً من حيث الخطورة لأنه “يحاصر النظام ورموزه وداعميه والمتعاونين معه، حتى لو كانوا من أصدقاء أميركا”.
أما المحامي أنور البني فيرى أن “قانون قيصر” يؤكد على أن “مسألة محاسبة وملاحقة مجرمي الحرب في سوريا لن تكون على الصعيد القضائي فحسب، بل على الصعيد السياسي أيضاً، والقرارات القضائية تجبر السياسيين على اتخاذ قرارات متوافقة مع القرارات القضائية باعتبارها ملاحقة المجرمين”.
يوافق السياسي والبرلماني الألماني من أصل سوري، جمال قارصلي، المحامي البني في رأيه، ويضيف “يجب على المجتمع الدولي أن يسخّر كل إمكانياته وقوانينه لجلب المجرمين أمام القضاء، ودعم المعارضة والمتضررين والوصول إلى حقوقهم، وأن يعطي المثال والرسالة لدكتاتوريات في دول أخرى تفيد بأن العقاب آت لكل من أجرم في حق شعبه، أو في حق الإنسانية”.
من جانبه، وصف مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، “قانون قيصر” بأنه “قانون فيروسي متعدٍ، يفرض عقوبات على من يرتكب انتهاكا ومن يخرق القانون ومن يتعاون معه”، مشيراً إلى أن القانون ساهم بشكل من أشكال المحاسبة ضد نظام الأسد.
ويضيف أن “التقارير والوثائق الحقوقية هي أيضاً شكل من أشكال الإدانة والمحاسبة وفضح ممارسات النظام، وإن كان قانون قيصر وحده لا يكفي والإدانات وحدها لا تكفي، ويجب أن تترافق هذه الجهود وتصب في إطار دفع أكبر لعملية سياسية، وتضييق الخناق على نظام الأسد، وتحقيق الانتقال السياسي، الذي يمكن اعتباره أيضاً من أشكال محاسبة النظام”.
ويطالب عبد الغني المجتمع الدولي ببذل مزيد من الجهود لمحاسبة النظام، وبحسب قوله فإن “المحاسبة ليست فقط قضائية، بل مقاطعة سياسية واقتصادية وفضح مرتكبي الجرائم والاستمرار بعزلهم، ومن ثم الحشد باتجاه انتقال سياسي يُفقد النظام السلطة”.
أما المحامي المتخصص بالقانون الدولي، بسام طبلية، فيعتبر أن “العقوبات الغربية في إجراءات المحاسبة ما زالت غير ناجعة في الوقت الحالي، لعدم وحدة الموقف السياسي والدولي، ولذلك لا نجد نتائج ملموسة على الأرض يمكن أن ترضي الشعب السوري، وبالتالي، ما زال الجور والظلم قائماً في سوريا”.
ويرى طبلية أن على المجتمع الدولي تدريب وتأهيل الكوادر القانونية القضائية، من أجل البدء بعملية العدالة الانتقالية والإصلاح للمؤسسات في سوريا.
تلفزيون سوريا
—————————–
=====================
تحديث 20 أذار 2021
————————–
واشنطن: لن نعترف بنتائج انتخابات الأسد/ عدنان أحمد
أطلقت الإدارة الأميركية المزيد من التوضيحات بشأن مواقفها من “الملف السوري”، إذ أعلن مسؤول أميركي أن دارة الرئيس جو بايدن لن تعترف بنتائج الانتخابات في سورية إذا لم يتم “تصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، يراعي وجهة نظر المجتمع السوري بأسره”.
وقال نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة جيفري ديلورنتس، يوم أمس الجمعة، إن نظام الأسد ينوي استغلال الانتخابات المقرر إجراؤها في مايو/ أيار المقبل من أجل “تأكيد شرعية رأس النظام بشار الأسد”، مؤكداً أن “الإدارة الأميركية الحالية تعارض إجراء انتخابات غير حرة لا تخضع لإشراف الأمم المتحدة”.
وأضاف: “نواصل التأكيد بحزم على أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو دفع العملية السياسية التي تفي بالشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254”.
من جهته، أكّد الرئيس الأميركي جو بايدن ضرورة تحرك مجلس الأمن الدولي بشأن مجموعة من الأزمات الإقليمية، بما في ذلك الأزمات في سورية وليبيا واليمن وبورما وإثيوبيا.
وجاء في بيان وزعته البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة على الصحافيين أن بايدن استضاف، الخميس الماضي، الممثلين الدائمين بمجلس الأمن الدولي، وأعاد تأكيد التزام الولايات المتحدة بالقيادة العالمية القائمة على القيم وإعادة التعامل مع المؤسسات الدولية، ولا سيما الأمم المتحدة.
إلى ذلك، بحث المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، مع سفير نظام السوري في موسكو، رياض حداد، عمل اللجنة الدستورية السورية المشتركة في جنيف.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان لها الجمعة، أنه جرى خلال الحديث “تبادل معمّق لوجهات النظر حول الوضع في سورية وما حولها، مع التركيز على مشكلات عمل لجنة صياغة الدستور السورية في جنيف، وكذلك القضايا الراهنة للتعاون الروسي السوري من أجل إعادة إعمار سورية بعد الصراع”.
وجدّد بوغدانوف التأكيد على: “الدعم الثابت لسيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها، والاستعداد لمواصلة مساعدة الشعب السوري في محاربة الإرهاب الدولي”. وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قد أعلن أن بلاده تعمل مع روسيا على انعقاد الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية خلال مدة أقصاها شهر.
كذلك أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأربعاء الماضي، استعداد بلاده للعمل ضمن صيغة موسعة حول التسوية في سورية بشرط تمسك كل أطرافها بقرار 2254 لمجلس الأمن الدولي. وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي عقد في موسكو في ختام محادثات أجراها مع وزير خارجية إسرائيل غابي أشكنازي، إن بلاده مستعدة لإشراك أطراف أخرى، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في عملية التسوية السورية بحسب رؤية المبعوث الدولي غير بيدرسون.
إلى ذلك، طلب مجموعة أعضاء من مجلس النواب الأميركي وزير الخارجية أنتوني بلينكن للاستجواب في ما يتعلق بارتكاب إيران جرائم حرب في سورية، وذلك في إطار إعداد مشروع قانون جديد وشامل لمحاسبتها على انتهاكات حقوق الإنسان.
وقال بسام برابندي، الدبلوماسي المنشق عن سفارة النظام السوري في واشنطن، أمس الجمعة، في منشور له على صفحته في “فيسبوك”، إن أعضاء من مجلس النواب طالبوا وزير الخارجية بلينكن بتقديم إجابات رسمية عما إذا قامت إيران بجرائم حرب ضد السوريين، وخصوصاً في منطقة دمشق وإذا ما كانت هذه الجرائم على أساس طائفي.
وأضاف أن طلب استجواب وزير الخارجية يأتي ضمن مشروع قانوني جديد يتعلق بضرورة معاقبة إيران لقيامها بانتهاكات حقوق الإنسان داخلها وفي كل من سورية والعراق. ولم تتضح حتى الآن تفاصيل مشروع القانون، غير أن ناشطين سوريين يؤكدون ارتكاب إيران ومليشياتها جرائم قتل وتهجير وحصار طائفي موثقة في مناطق مختلفة من سورية، وخاصة دمشق وريفها.
———————–
فراس طلاس في صحيفة المستوطنين الصهاينة/ بشير البكر
لا يهدأ أولاد وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس، رجل الأعمال فراس، وشقيقه الضابط السابق في الحرس الجمهوري مناف، فهما حاضران بقوة في الإعلام، وما إن يختفي أحدهما عن مسرح الأحداث حتى يظهر الآخر. وفي كل مرة يتحفنا أحد الشقيقين بمبادرة أو اختراع تحت عنوان إنقاذ أهل سوريا من حكم آل الأسد الذين صاروا خصومهم في السنوات الأخيرة، بعد أن عاشوا كعائلة واحدة لزمن طويل في كنف العلاقة التاريخية بين الأسد الأب وصديقه التاريخي مصطفى طلاس الذي كان الأمين على عملية توريث بشار في عام 2000، والوحيد الذي بقي إلى جانبه من بين الحرس القديم حتى أعفاه من المنصب عام 2004.
وقبل أن تهدأ عاصفة المجلس العسكري التي أثارها مناف طلاس في الشهرين الماضيين بالتفاهم مع الروس لتصفية الثورة السورية، طلع علينا فراس طلاس أمس بحديث مع صحيفة “ماكور ريشون” الإسرائيلية الناطقة بلسان تيار المستوطنين أجرته معه عبر الهاتف. وترجح أوساط صحفية فلسطينية في الداخل الفلسطيني أن طلاس هو الذي طلب الحديث، كي يوصل عدة رسائل الغاية منها التموضع داخل الحلف الجديد بين إسرائيل وأبوظبي. واعتبر طلاس الذي يقيم في العاصمة الإماراتية” أن إسرائيل أخطأت بعدم تدخلها في الحرب الأهلية في سوريا”. وقال “أفهم الموقف الإسرائيلي الذي رأى بالنظام والشعب السوري أعداء، ولذلك امتنعت عن التدخل في الحرب. لكن الواقع في سوريا اليوم سيئ بالنسبة لإسرائيل ويسبب مشكلات كثيرة عند الحدود. وعلى إسرائيل أن تدرك أنه يوجد ثمن لعدم العمل”. وبحسب طلاس، فإنه “في السنوات 2013 – 2015 نظر كثير من السوريين بشكل إيجابي إلى إسرائيل، وكانت فرصة حقيقية للتغيير ولمستقبل جديد. واليوم عاد الشعب السوري إلى النظر بصورة سلبية لإسرائيل، لأنها أيدت الروس وبقاء الأسد رئيسا. والآن يتعين على إسرائيل أن تفعل كثيرا من أجل تغيير هذه الفكرة السلبية”.
يمتلك فراس طلاس جرأة استثنائية حين يجزم بأن كثيرا من السوريين نظروا بإيجابية إلى إسرائيل. وأي شخص آخر يمتلك قليلا من الاحترام للذات كان سيراجع نفسه طويلا، قبل أن يطلق مثل هذا الحكم الخطير في الذكرى العاشرة للثورة السورية. ولا أدري من أين جاء طلاس بهذا الاستنتاج، فلم يسبق لأحد من السوريين، باستثناء شخصيات ساقطة أخلاقيا وسياسيا، ولا تاريخ لها أو دور في الحراك السوري، أن رحبت بدور لإسرائيل في حل المسألة السورية، فالشعب السوري ونخبه الوطنية لم يخرجوا عن الخط الوطني الذي يعتبر إسرائيل عدوا. وأي تعويل على دور إسرائيلي في القضية السورية، فإنما كان من طرف النظام، والدليل على ذلك تصريح رامي مخلوف الشهير لصحيفة “نيويورك تايمز” “إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا، فلن يكون هناك استقرار في إسرائيل”.
وإذ ينصح فراس طلاس إسرائيل بالعمل من أجل “تغيير الأفكار السلبية عنها لدى السوريين”، فإن الذي بات واضحا هو أن آل طلاس يبحثون عن دور سياسي سواء عن طريق الروس أو إسرائيل، كما هو حال مناف، وشقيقه فراس الذي يغازل الإسرائيليين، ولا شك أن الأخير يصوب من خلال حديثه نحو أهداف أخرى، منها وعود البزنس في الجو الجديد الذي ينشأ في الانفتاح الإسرائيلي الإماراتي، وتقديم عربون ولاء للعراب الإماراتي الذي يشكل رأس القاطرة لتمهيد طريق علاقات إسرائيل الجديدة مع المنطقة.
ويدين آل طلاس بكل ما نعموا به لآل الأسد، فلولا حافظ الأسد لما وصل مصطفى طلاس إلى الموقع الذي شغله كوزير دفاع، وكان سيكون مثل بقية الضباط الآخرين وأقل. وتعود الصداقة بين الأسد وطلاس حسب كتاب باتريك سيل “الصراع على الشرق الأوسط” إلى أن الأسد حين أعاد زوجته إلى سوريا من مصر في فترة الوحدة، وعن طريق البحر باتجاه اللاذقية، وبرفقتها نجله الكبير باسل، كلف طلاس بمرافقتها. وأجاد طلاس دور الوفي للأسد في كل الأوقات، وهذا ما سمح لأولاده بأن يحتلوا مواقع متقدمة في العسكرية والأعمال، وكان فراس إلى حين قيام الثورة ثاني أغنى شخصية في سوريا بعد رامي مخلوف حسب تقديرات قطاع الأعمال.
وكما أشرت فإن صحيفة “ماكور ريشون” محسوبة على التيار الصهيوني المتدين، ويرأس تحريرها حجاي سيغل عضو التنظيم السري اليهودي في ثمانينات القرن الماضي، والذي قام بأعمال إرهابية ضد شخصيات وطنية فلسطينية مثل بسام الشكعة وكريم خلف وإبراهيم الطويل، وحاول تفجير حافلة للكلية الإسلامية، كما خطط لتفجير المسجد الأقصى، الأمر الذي يعني أن التعاطي مع هذا الأوساط، يعبر عن تهافت بأي ثمن على إسرائيل ولو من بوابة الاستيطان، وهذا نموذج سيئ ومسيء للغاية للسوريين.
تلفزيون سوريا
————————–
هل باتت أيام الأسد معدودة؟/ غازي دحمان
منذ عام 2016 خرج هذا المصطلح من التداول، بعد أن كان العنوان الرئيس لسنوات الثورة الأولى. فقد أدت سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها القوات الروسية، والجرائم المرعبة التي ارتكبتها مليشيات إيران وعصابات الأسد، إلى تفكيك أطواق الحصار التي ضربها الثوار على قصر الأسد، ونجاته تالياً من مصير يشابه مصائر الطغاة في ليبيا واليمن وتونس.
نجا الأسد من السقوط على يد الثوار، ولكن بأثمان باهظة كانت حصيلتها استحالة نهوض سوريا من ركامها ومن تمزق أنسجتها الوطنية، مع بقائه في السلطة، رغم مطالبة روسيا وإيران المجتمع الدولي بالتحلي بالواقعية والنظر للحدث السوري من زاوية انتصار الأسد؛ وطي صفحة الماضي والهروع لمده بالمساعدات الاقتصادية والدعم السياسي.
لكن من المفارقة أن دمار سوريا ومواتها، الوسيلة التي تم بها إنقاذ الأسد من السقوط، هي ذاتها التي ستقتلعه من السلطة، وقد تكون السبب في مقتله، في حال لم يجد الروس طريقة مناسبة لإخراجه، في محاولتهم للهروب من شبح الغرق في مستنقع سوريا الذي بدأ يلوح في الأفق.
تثبت جولة وزير الخارجية سيرغي لافروف أن روسيا استنفذت كل محاولاتها لتعويم الأسد، وربما وصلت لقناعة باستحالة تحقيق هذا الأمر، لذا بدأت في البحث عن مخارج تجنبها التورط في سوريا، التي يبدو أنها مقبلة على أيام صعبة، ما يؤشر إلى وجود تقديرات روسية باحتمال حصول ثورة جياع في بلد لم يعد قادراً على تأمين وجبات الطعام لأبنائه.
تدرك روسيا أن أي استجابة إقليمية أو دولية لطلباتها بتقديم المساعدة لنظام الأسد، ومهما كانت الأطراف متحمسة لفعل ذلك، إلا أن الأمر لن يحصل إلا بعد وقت طويل، نتيجة تشابكات وتعقيدات الملف السوري، في حين أن الوضع في سوريا بات بحاجة لإسعافات عاجلة جداً، كما تدرك استحالة إمكانية إعادة تأهيل الأسد، الذي بات يواجه آلاف التهم، والدعاوى التي تقوم بها دول ومنظمات دولية وحقوقية تملك مئات الآلاف من الوثائق التي تثبت إجرامه، ما يعني احتراق محاولة روسيا لإعادة تأهيله، وتحوّلها إلى عملية عبثية وغير منطقية.
وتدرك روسيا أنها تلعب في فضاء سياسي معقّد، تقابلها أطراف لديها استراتيجياتها، وتملك خبرات واسعة في إدارة الألعاب السياسية، وخاصة في إيصال الخصم إلى حائط مسدود واستنزاف قدراته وإضعافه. إذ يكشف لجوء روسيا إلى اتهام الغرب بالتآمر عليها بشكل دائم؛ إحساسا روسيا بالضعف تجاه تفوق الغرب في التخطيط السياسي والاستراتيجي عليها. وتعرف روسيا أكثر من غيرها محدودية إمكانياتها وضعف خياراتها في مواجهة تكتل يضم أمريكا وأوروبا، لذلك تعيش بشكل دائم، على المستويات الدبلوماسية والأمنية، حالة من اليقظة والحذر، وتحديث تقديراتها الخاصة بسياساتها واستراتيجياتها.
المؤكد أن روسيا التي تطرح نفسها لاعباً دولياً مؤثراً؛ يهمها بدرجة كبيرة تسويق هذه الصورة، في مناخ دولي شديد التنافسية والاستقطاب، وتجهيز الأدوات اللازمة لإنجاح ذلك، مع ما يعنيه من إزاحة لكل أسباب الفشل واحتمالاته. وعلى رأس تلك الأسباب بناء السياسة على أسس عاطفية واتخاذ القرارات المصيرية تحت تأثير عاطفي، والركون بدل ذلك إلى مراعاة الأولويات لتحقيق المصالح الاستراتيجية.
لم تكن روسيا، منذ البداية، في وارد المفاضلة بين بقاء الأسد وإنجاز أهدافها الاستراتيجية، بل حاولت دمج هذا البقاء في صلب مصالحها الاستراتيجية باعتباره عاملاً مساعداً على تحقيق هذه الأهداف. وذهبت التقديرات الروسية إلى وجود احتمالية بجعل العالم المتعب من الأزمة في سوريا يقبل ما تطرحه روسيا، كما (وذلك واضح من خلال إسلوب إدارتها للازمة في المرحلة الماضية) أنها تملك هامشا من الوقت يتيح لها فرض رؤاها وتصوراتها للحل السياسي في سوريا.
اليوم تقف سوريا على عتبة انفجار، فمصادر المخاطر على نظام الأسد باتت عديدة، وقد تأخذ شكل أكثر من سيناريو، كثورة جياع مثلاً، أو انقلاب عسكري، او حصول فوضى عارمة وفقدان السيطرة على الأمن. ورغم القبضة الأمنية الحديدية وهندسة الجيش بحيث يستحيل حصول عملية انقلاب، إلا أن الواقع وتسارع الانهيار يدفعان روسيا إلى إعادة حساباتها والبحث عن مخارج من ورطة باتت تقف على أعتابها في سوريا.
مصادر مواكبة لزيارة وفد “حزب الله” إلى موسكو أكدت أن لافروف قال للوفد، الذي ذهب للاطمئنان على مصير الأسد أن ترشح الأسد لولاية جديدة غير مضمون. وقبل أيام نشر رامي الشاعر، الدبلوماسي المقرب من الكرملين، رسائل بين الأسد والقيادة الروسية، وكان فحوى هذه الرسائل أن القيادة الروسية كانت تطلب على الدوام من الأسد أن يكون مرناً ويتعامل بسياسة واقعية مع تطورات الأحداث السورية، في حين أنه كان يصر على اتباع النهج العسكري في التعامل مع الحدث، وكأن روسيا تريد القول للأسد: يداك أوكتا وفوك نفخ، وأنه آن الأوان للتركيز على مصالحنا التي أصبحتَ عبئاً عليها.
كاتب سوري
عربي 21
———————————-
مستقبل سوريا لم يُكتب بعد..الصراع بلا منتصر
قالت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية إن العنف الذي بدأه الرئيس السوري بشار الأسد لم ينتهِ بعد، ولن ينتهي خلال عقود قادمة، وأنه أصبح من المستحيل عد ضحايا هذا العنف. وذكر المقال الذي كتبه الصحافي أوز قطرجي تحت عنوان: “عنف الأسد بدأ صراعاً سيُحرق لعقود قادمة”، أن العنف الذي بدأه الأسد شكل أكبر كارثة بشرية من صنع الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية.
يصادف هذا الأسبوع الذكرى السنوية العاشرة لأول احتجاجات مناهضة للحكومة اندلعت في دمشق وحلب في آذار/مارس 2011. لكن هذا التاريخ الرسمي لا يمثل سوى بداية الثورة السورية، وليس اللقطة الافتتاحية للحرب الأهلية السورية، التي لم تبدأ إلا بعد شهور من حملة القمع الوحشية التي خلفت بالفعل آلاف القتلى على أيدي قوات الأمن التابعة للنظام.
بدأ هذا العنف، الذي افتتحه رئيس النظام بشار الأسد، بأكبر كارثة بشرية من صنع الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية، لدرجة أن الأمم المتحدة تخلت رسمياً عن محاولة إحصاء عدد القتلى في كانون الأول/يناير 2014. إنه صراع لم ينتهِ- وهذا لم يحدث أبداً.
كانت آخر محاولة للأمم المتحدة لإجراء إحصاء بيّنت مقتل 400 ألف شخص، وصدر عن المبعوث الأممي إلى سوريا آنذاك ستيفان دي ميستورا في عام 2016. وحتى في ذلك الوقت، فإن هذا الإحصاء بالكاد يعكس التكلفة البشرية الفعلية.
أصبح من المستحيل إحصاء عدد القتلى من القصف اليومي، بل والأكثر استحالة تحديد رقم لأولئك الذين ماتوا في وقت لاحق متأثرين بجراحهم، أو ماتوا من أمراض يمكن الوقاية منها، أو جاعوا حتى الموت نتيجة الحصار الهمجي – أو مئات من آلاف السوريين الذين اختفوا أو أعدموا أو تعرضوا للتعذيب حتى الموت في معسكرات الموت التابعة لنظام الأسد. دائرة المعاناة تتجاوز الموتى: ضحايا الاغتصاب، ضحايا التعذيب، الأطفال المصابون بصدمات نفسية، الأرامل، النازحون. إنها قائمة بلا نهاية.
لم يعد العالم مهتماً بالعد بعد الآن. لكن أقل ما يمكن للغرباء فعله هو التحدث عن بدء العنف بدقة وتسمية مرتكبيه.
يجب ألا يتم تعريف الحرب الأهلية السورية من خلال تحدي وشجاعة أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع في عام 2011 ولكن بدلاً من ذلك من خلال الشعار الذي استخدمته ميليشيات الأسد الشخصية لإثارة الخوف في قلوب الشعب السوري: “الأسد أو لا أحد. الأسد أو نحرق البلد “. هذا هو الوعد الوحيد الذي التزم به النظام. لهذا السبب من الخطأ تحديد هذا التاريخ على أنه بداية الحرب الأهلية السورية: لم يختَر السوريون أن يصبحوا ضحايا لحملة عسكرية عنيفة بسبب رغبة رجل واحد في السلطة. كانت جريمة ارتُكبت ضدهم.
لم تبدأ الحرب عندما بدأت المسيرات، ولم تنتهِ حتى مع انهيار أو سحق الكثير من المعارضة. تقع سوريا في أنقاض محترقة، حيث يجلس الأسد على رأس معظم الأراضي التي يسيطر عليها النظام، لكن في الواقع، أجزاء من البلاد تحكمها فعلياً ميليشيات مدعومة من روسيا وإيران. وبعيداً عن “الأسد أو لا أحد”، فإن الشعب السوري الآن لديه حزب الله وحسن نصر الله وآية الله علي خامنئي والروسي فلاديمير بوتين لإضافتهم إلى تلك القائمة. هذا ليس سلاماً. إنها مجموعة من أمراء الحرب المتشابكين الذين يعتمدون على العنف اليومي للحفاظ على قوتهم سليمة.
انهار الاقتصاد السوري إلى عمق غير مسبوق حتى في ذروة العنف، مع انخفاض قيمة الليرة السورية بوتيرة يومية. تجاوز سعر الليرة السورية ال4500 للدولار الواحد. كانت قيمة العملة قبل الحرب قرابة 50 ليرة للدولار. نسبياً، تم تداول الليرة السورية عند حوالي 600 مقابل الدولار في عام 2016. ولكن حتى قبل الانزلاق اللولبي الأخير، لم يفعل النظام شيئاً تقريباً في طريق إعادة الإعمار، حيث لا تزال المناطق التي استولى عليها منذ سنوات في حالة خراب.
لن يمول حلفاء النظام في إيران وروسيا إعادة الإعمار، وبدلاً من ذلك يتطلعون إلى الاتحاد الأوروبي وآخرين لدفع فاتورة تدمير البنية التحتية لسوريا. لن يفتح الغرب الخزائن ولن يسقط العقوبات دون إحراز تقدم نحو الانتقال السياسي الذي أحرق نظام الأسد البلاد لتجنب متابعته.
حتى إذا كان من الممكن التفاوض على – أو تجاهل “الرعب الأخلاقي” لإعادة تطبيع نظام الأسد، فإن النظام، كما تشير جميع الأدلة المتاحة من سلوكه، لن يستخدم التمويل الإضافي سوى لإعادة بناء حالته الأمنية والاستمرار في استخدام المساعدة كسلاح حرب، الأمر الذي سمحت به الأمم المتحدة بشكل مخزٍ من مكتبها في دمشق منذ اليوم الأول.
الوضع قاتم بالقدر نفسه في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. إدلب هي آخر جيب للمعارضة في سوريا، وهي محمية تركية بحكم الأمر الواقع. فهي موطن لأكثر من 3 ملايين شخص، والغالبية العظمى هم من النازحين قسراً من المناطق المحاصرة والقصف بوحشية لا هوادة فيها.
يعيش السكان هناك تحت رحمة إما قوات المعارضة المدعومة من تركيا، والمذنبين بانتهاكات حقوق الإنسان وعمليات الإعدام، والذين تم تجنيدهم مؤخراً من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصفه المقال ب”المستبد”، في توغلاته العسكرية الأجنبية في أذربيجان وليبيا، أو الأصوليين. هيئة تحرير الشام، الفرع السابق للقاعدة، مذنبة مرة أخرى بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق.
أهالي إدلب محاصرون من جميع الجهات، في مواجهة حدود تركية مغلقة من جهة وقوات النظام من جهة أخرى. على الرغم من وقف إطلاق النار التركي-الروسي الصامد إلى حد كبير في الجيب، لا تزال الأجزاء السكنية من محافظة إدلب تتعرض لقصف مدفعي من قبل نظام لم يتخلّ عن وعده باستعادة “كل شبر” من سوريا. تواجه إدلب اليوم مستقبلاً غير مستقر. هي قطاع غزة السوري المحاصر والفقير والخالي من القانون، الذي يعيش فقط تحت رحمة أمراء الحرب والقوى الدولية غير المبالية أو التي تسمح بمحنتهم.
يقتصر التأثير الضئيل للقوى الغربية على الأرض في سوريا على الجيوب الصغيرة المحيطة بالقوات الأميركية، مثل معبر التنف الحدودي مع الأردن، وفي شمال شرق سوريا إلى جانب حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي في الأساس تابعة للولايات المتحدة.
سوريا اليوم دولة فاشلة، مقسمة فعلياً إلى مناطق نفوذ متنافسة. إنها تتأرجح على شفا المجاعة، حيث يعيش 90 في المئة من السكان تحت خط الفقر، وفقًا للجنة الدولية للصليب الأحمر. حتى مع هذه الأرقام الصادمة، يواصل النظام وروسيا إعاقة جهود المساعدات الدولية عن عمد، حيث تعمل الوحشية كعنصر حاسم في تمكين قبضة النظام الكاملة على السلطة.
في حين أن مستقبل سوريا لا يزال غير مكتوب، يبدو أن السنوات العشر القادمة ستكون على الأقل مؤلمة مثل الماضي. ليست الخريطة الإقليمية لسوريا وحدها التي أصبحت عالقة في طريق مسدود. العملية السياسية والدبلوماسية شبه معدومة. لم تنتهِ الحرب، هي فقط في حالة ركود، وتستمر المعاناة في مشهد محطم وفوضوي لدرجة أنه حتى أعلى السلطات على هذا الكوكب لا تستطيع تحديد عدد القتلى بشكل دقيق.
المعاناة هي اليقين الوحيد المتبقي في سوريا. الأسد لم يفز بأي شيء. لا يوجد منتصر في مستقبل البلاد، فقط ضحايا ومرتكبون، ومجتمع دولي يقف جانباً ويتفرج على ملايين البشر يُذبحون ويُشردون.
عندما نحتفل بالذكرى السنوية لاحتجاجات 2011، علينا أن نتذكر ذكرى أولئك الذين ساروا بأذرعهم حاملين الورود ويغنون أغاني السلام، وليس أولئك الذين أحرقوا البلاد لوقفها. هذه الكرامة هي أقل ما يمكننا تقديمه.
المدن
—————————-
الأزمة الاقتصادية تخنق السوريين: هل تدفع النظام لطاولة المفاوضات؟/ أمين العاصي
يزداد التململ والاستياء في المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد في سورية بسبب تردي الحالة المعيشية وانسداد الآفاق أمام أي حلّ سياسي، في ظل العقوبات الدولية المفروضة على النظام. ويُترجم ذلك في طوابير طويلة للمواطنين أمام الأفران ومراكز توزيع الغاز ومحطات الوقود، مع انقطاع الكهرباء، واستمرار انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي. هذه الأوضاع تطرح تساؤلات عمّا إذا كانت ستدفع النظام ورئيسه لتسهيل مهام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإيجاد حلّ لإنقاذ البلاد من التشظي والانهيار، لكن مختلف الترجيحات تشير إلى عدم اكتراث النظام بالسوريين ومعاناتهم.
“لم تعد هناك مقومات حياة في مناطق سيطرة النظام”، وفق ما أكده كاتب مقيم في العاصمة دمشق، التي تشهد أزمة معيشية خانقة بعد تراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار، وما يتبع ذلك من ارتفاع يُوصف بـ”الجنوني” بأسعار المواد الأساسية. وأضاف الكاتب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لـ”العربي الجديد”: “هناك انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي في بعض أحياء العاصمة وفي الريف، فضلاً عن ارتفاع أسعار الغذاء والدواء، وتعطل الحياة العامة بسبب ندرة المحروقات التي زاد النظام أسعارها منذ أيام”. ولفت إلى أن “الحال تعد أفضل قليلاً في العاصمة، لكن المحافظات السورية الأخرى تشهد أوضاعاً كارثية في مختلف نواحي الحياة”.
ويسيطر النظام السوري إدارياً على الأقل على محافظات: دمشق، ريف دمشق، السويداء، اللاذقية، طرطوس، حماة، حمص، وحلب، والقنيطرة، وأجزاء من محافظة درعا، ودير الزور والرقة. ومنذ خروج منطقة شرقي نهر الفرات التي تضمّ كامل محافظة الحسكة وأجزاء واسعة من محافظتي الرقة ودير الزور، عن سيطرته، تعمّقت أكثر أزمات النظام، إذ تعد هذه المنطقة الأغنى بالثروات الزراعية والبترولية والحيوانية.
ومع دخول الثورة السورية عامها الحادي عشر، لامس الدولار الأميركي الواحد سقف الـ4700 ليرة سورية، في ظلّ مؤشرات على أن تدهور قيمة العملة الوطنية لن يتوقف عند هذا الحد، مع استمرار العقوبات الأميركية المفروضة على النظام بموجب قانون “قيصر”، الذي فُعّل في منتصف العام الماضي رداً على الجرائم التي يرتكبها هذا النظام بحقّ السوريين.
ومنذ سريان مفعول قانون “قيصر”، بدأت الأزمات تتوالى على النظام الذي لا يزال حتى اللحظة يعطل الحلّ السياسي، بل إنه يصر على إجراء انتخابات رئاسية بموجب دستور العام 2012 في منتصف العام الحالي، في تحدٍ واضح للمجتمع الدولي الذي فشلت جهوده في دفع النظام إلى طاولة مفاوضات جدية لكتابة دستور جديد تجري على أساسه الانتخابات.
وأكدت مصادر محلية في دمشق لـ”العربي الجديد”، أن هناك تململاً واستياء شعبياً كبيرين بسبب تردي الحالة المعيشية وانسداد الآفاق أمام أي حلّ سياسي، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنه “من الصعوبة بمكان خروج تظاهرات غاضبة، كي لا يتعرض من بقي تحت سيطرة النظام لبطش من الأجهزة الأمنية، من شأنه أن يعمّق المأساة أكثر”. وأضافت المصادر: “لم تعد خافية الطوابير الطويلة أمام الأفران ومراكز توزيع الغاز، ومحطات الوقود. هناك من ينتظر في الشوارع لساعات، كي يتنسى له الصعود في حافلة عامة للوصول إلى منزله في ضواحي دمشق”. وبيّنت المصادر أن الراتب الشهري للعاملين في الدولة لا يكاد يصل اليوم إلى 20 دولاراً أميركياً. وتتصدر سورية البلدان الأكثر فقراً في العالم، وفق معطيات مراكز ومنظمات متخصصة، منها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، والذي كان قد أكد في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن تسعة ملايين و300 ألف شخص في سورية يفتقرون إلى الغذاء الكافي.
ويأمل سوريون في الشارعين الموالي والمعارض بأن تدفع الضغوط الاقتصادية وتردي الحالة المعيشية النظام ورئيسه بشار الأسد إلى تسهيل مهام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي ناجز، يمكن أن يكون مقدمة لإنقاذ البلاد من التشظي، لكن متابعين وباحثين سياسيين لا يرجحون ذلك. وفي هذا الإطار، استبعد الباحث السياسي رضوان زيادة انصياع النظام للقرارات الدولية ذات الصلة، خصوصاً بيان جنيف 1 والقرار 2254 اللذين حدّدا خريطة طريق للحلّ في سورية. وقال زيادة في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه “في الواقع، لقد خبرنا النظام وبشار الأسد بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية، فهو لا يكترث لمعاناة الناس أو آلامهم. الحل بالنسبة له التجاهل، ورمي الاتهامات بالفشل على الآخرين ونظرية المؤامرة، وهو ما سيعقد مأساة الشعب السوري، من دون أن تكون هناك أي استجابة”. وأشار الباحث إلى أن النظام “دأب طيلة عشر سنوات على ترديد مقولة إن سورية مرّت بظروف أصعب وتجاوزناها، وبالنسبة له فهذه أزمة أخرى ستمر، وسيبقى هو في الحكم”. ولهذه الأسباب، اعتبر زيادة أنه “يجب ألا نتوقع أي تغيير في سياسة النظام تجاه الحلّ في سورية مهما اشتدت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها”.
ودفعت الحالة الاقتصادية الصعبة التي تضغط على عموم السوريين القاطنين تحت سيطرة النظام أهالي محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب البلاد، للنزول مجدداً إلى الشارع استمراراً لحملة “بدنا نعيش”، التي ظهرت أوائل العام الماضي. وأكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أنه “كان من المقرر تنظيم تظاهرات في مدينة السويداء، أمس الخميس، احتجاجاً على الحالة المعيشية، لكنها أُجّلت لأسباب تنظيمية”. ورجّحت المصادر حدوث حراك شعبي خلال الأيام القليلة المقبلة، شبيه بذاك الذي حدث في العام الماضي واستطاع النظام محاصرته، مؤكدة أن “الاستياء يعمّ المؤيدين والمعارضين للنظام في محافظة السويداء”. ورأت أن “تردي الأحوال لم يعد يُحتمل، ولا بد من الاحتجاج لإيصال رسالة واضحة للنظام”.
وتمتلك محافظة السويداء هامشاً أكبر للتحرك الشعبي بسبب حرص النظام على إبقائها في حالة من الحياد تجاه ما يجري في سورية، لذا لا تعمد أجهزة أمنه للفتك بالمتظاهرين. ومنذ بداية الثورة السورية في ربيع العام 2011، يحاول النظام تصدير صورة للمجتمع الدولي باعتباره الحامي للأقليات المذهبية والدينية والعرقية في سورية. وكانت تظاهرات قد عمّت مدينة السويداء في يناير/ كانون الثاني 2020، استمرت أياماً عدة، بسبب انهيار الليرة السورية وانتشار الفساد في دوائر النظام الحكومية، مستحضرة بعض شعارات الثورة.
بدوره، استبعد المعارض السوري عيسى إبراهيم، في حديث لـ”العربي الجديد”، خروج احتجاجات في الشارع السوري الموالي للنظام. وبحسب قوله، فإن “الجوع دائماً يُمارس كأحد أنماط الإدارة لمزيد من السيطرة، ولا يمكنه مطلقاً أن يؤدي إلى ثورة، خصوصاً في المجتمعات التي هي فقيرة في الأصل”. ورأى إبراهيم أن “لا ضغوط على النظام، بل هي عقوبات قائمة على مظلومية مُحقة للسوريين والسوريات، ولكنها تستخدم لمصلحة الدول على حسابهم”. وأشار إلى أن نظام الأسد “يستخدم هذه العقوبات لمصلحته، ويبرر من خلالها كل فساده العابر وتقاعسه عن معالجة الوضع وتبرير سرقات المال العام، بل يستخدمها لزيادة ثرواته الخاصة”. ولفت المعارض السوري إلى أن التحضيرات لتنظيم انتخابات رئاسية خلال مدة 90 يوماً جارية، مضيفاً أن “الأسد سيترشح مع آخرين سيقومون بالتضحية بسمعتهم مقابل مزايا مالية وغيرها، حتى يُظهر فوزه بشكل ديمقراطي، فيما الدول ليست معنية بحقوق الإنسان، بل تستخدمها في تحقيق مصالحها”.
العربي الجديد
————————-
السويداء قنبلة موقوتة تحت وطأة الضغوط المعيشية وعبث رجالات النظام
تعيش محافظة السويداء، جنوبي سورية، هذه الأيام، مخاضا مريرا يهدد بانفجار لا تعرف نتائجه، جراء إمعان النظام السوري في استفزاز شريحة واسعة من المجتمع ذي الغالبية من “الموحدين الدروز”. ففي حين تزداد الضغوط الأمنية والمعيشية غير المسبوقة، يواصل النظام، عبر أعضاء حزب “البعث العربي الاشتراكي” الحاكم، مدعوما من الأجهزة الأمنية، بنشاطات تسوق وجود توجه شعبي مطالب بترشح رئيس النظام بشار الأسد للاستحقاق الرئاسي المقبل.
وقد عاشت السويداء حالة من الترقب الحذر، في ظل دعوة عدد من الناشطين إلى خروج مظاهرة في مركز المدينة صباح أمس الخميس، مناهضة للنظام واحتجاجا على تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية، إلا أنه عقب تحديد الموعد والمكان، مساء الأول من أمس الأربعاء، تم الإعلان عن تأجيل الدعوة صباح أمس إلى موعد يحدد لاحقا، من دون تحديد الأسباب.
وبدت الحركة في شوارع مركز المدينة يوم أمس غير طبيعة، حيث شهدت انتشارا كثيفا لعناصر مرتبطة بالأجهزة الأمنية ترقبا لأي تجمع للمشاركين في المظاهرة، بالمقابل، تسهل ملاحظة حركة مجموعات أخرى تنتمي لفصائل محلية سبق أن تحدثت عن تبنيها حماية أي شخص يخرج في مظاهرة وعدم السماح لأحد بالاعتداء أو اعتقال أي من المتظاهرين، كما حدث في مظاهرات يونيو/حزيران من العام الفائت، حيث تم اعتقال نحو 10 متظاهرين، قبل أن يتم إطلاق سراحهم بعد أقل من شهر بضغوط من “حركة رجال الكرامة”.
وقالت مصادر محلية مطلعة في السويداء، طلبت عدم الكشف عن هويتها، لـ”العربي الجديد”، “كان الوضع خلال الساعات الفائتة خطيرا جدا على السويداء، وأحد أوجه التهديد وقوع اقتتال داخل المحافظة، بعدما نجحت الأجهزة الأمنية بتجنيد مجموعات من أبناء المحافظة وورطتهم بالاتجار بالمخدرات والخطف والقتل، وأعطتهم في المقابل بطاقات ومهمات أمنية، ومنحتهم غطاء لأعمالهم غير المشروعة، وشريحة أخرى من الحزبيين الموالين للسلطة بقيادة عضو قيادة فرع الحزب حسن الأطرش، ما حولهم إلى أدوات قد تستخدم ضد أبناء بلدهم، فإن أي تغيير إيجابي أصبح يهدد مصالحهم”.
وأضاف “المجتمع في السويداء له خصوصية طائفية وعائلية، فهو مترابط بشكل عميق بعلاقات القربة والنسب، وفي ذات الوقت هو يعاني كباقي المكونات السورية من أمراض المناطقية والعائلية، التي قام النظام عبر عقود بتغذيتها، ما يشكل تهديدا يدركه عقلاء وقيادات الجبل المحليون، إذ إن أي اقتتال داخلي سيكون ذريعة للنظام وحلفائه بإنهاء حالة العصيان المدني في السويداء، والذي بدأ في عام 2014، عبر استنكاف عشرات آلاف الشباب عن الخدمة العسكرية في القوات النظامية، ووضع حد لسطوة الأجهزة الأمنية، وخاصة في ما يتعلق بالاعتقال التعسفي للمستنكفين عن الخدمة والناشطين المدنيين والسياسيين”.
من جانبه، قال الناشط “أبو جمال معروف” (اسم مستعار لأسباب أمنية)، لـ”العربي الجديد”، “في ظل السياسات الاقتصادية للنظام وحالة العجز التامة عن وقف ارتفاع الأسعار الجنونية ووقف انهيار القيمة الشرائية لليرة السورية، وانتشار البطالة وضعف الدخول، في وقت تزداد به نسب الجريمة من قتل وسلب وخطف وانتشار للمخدرات، وإصرار النظام على تعطيل المؤسسات المختصة بحماية المواطنين، القضاء والرقابة التموينية، الوضع في السويداء ذاهب للانفجار مع حدوث أول شرارة”.
وتابع “لكن من الصعب اليوم معرفة ما قد تكون عليه نتائج هذا الانفجار، فهناك بكل تأكيد احتقان كبير في الشارع وسخط على النظام وأدواته في المحافظة، وهناك دعوات مختلفة من قوى محلية، تبدأ من العمل على الحماية الذاتية وتصل إلى ما يعرف بالإدارة الذاتية، لكن من سيتصدر هذا المشهد إلى اليوم غير واضح، فالنظام على ما يبدو يدرك أن الوضع بالسويداء ذاهب إلى هذا المشهد، لكنه بدل أن يعمل على إيجاد حلول، راح يدعم أزلامه ليتصدروا العمل، وقد يكونون هم من في الواجهة بلحظة ما لامتلاكهم الدعم المالي والسلاح، فيتخلص النظام من أعباء محافظة كاملة من خدمات وكهرباء وخبز وغيرها، وبالمقابل تكون لديه أدواته في الشأن الأمني”.
وأضاف “قد يسأل البعض وهل يعقل أن يتنازل النظام عن السويداء؟ وهناك معلومات مؤكدة أن ممثلي النظام في المحافظة، سبق وقالوا في أزمات سابقة أنهم على استعداد أن ينسحبوا من المحافظة ولتتحمل القيادات المجتمعية والدينية المسؤولية، وكان الجواب أن أهل السويداء متمسكون بمؤسسات الدولة، ولكن عمل الأجهزة الأمنية غير مقبول”.
ورأى أن “النظام يدفع بالوضع في السويداء إلى الانفجار، حيث إنه يزيد من الضغوط المعيشية اليومية على الأهالي، في حين يدفع بقيادات البعث إلى مواصلة مسرحية أن الشعب يريد الأسد، عبر بعض النشاطات التي يتم إجبار الموظفين على المشاركة فيها تحت التهديد بالفصل واتخاذ إجراءات أمنية بحقهم، وبالرغم من ذلك، لم يستطيعوا أن يلزموا الناس بالبقاء في تلك النشاطات أكثر من نصف ساعة”.
ولفت إلى أن “هناك أشخاصا موتورين داخل الأجهزة الأمنية يحاولون الدفع بالنظام إلى استخدام القوة لإعادة السيطرة على السويداء، وهم من دفعوا إلى القيام بعملية عسكرية في صلخد العام الماضي للتخلص من مجموعة مسلحة محلية، كانت تقف ضد مرور طريق تهريب المخدرات من منطقتهم، والذي يتم برعاية حزب الله اللبناني، مستخدمة أدوات محلية، أبرزها مجموعة مهران عبيد ومجموعة راجي فلحوط، بدعم من القوات النظامية، وقبل أسابيع، كان هناك محاولة للنيل من مجموعة مسلحة في الريف الغربي متورطة بقضايا خطف، لتكون هذه العملية ذريعة للبدء بقضم بلدات السويداء والسيطرة عليها بلدة بعد الأخرى، بحجج مثل انتشار المخدرات والخطف، والكل يعلم أن أبرز المتهمين بهذه الجرائم هم مرتبطون بهذه الأجهزة ويعملون بالتنسيق معها، وفي الأمس هناك معلومات عن وجود تعليمات باستخدام الرصاص الحي لمحاولة توجيه ضربة قوية للقوى في السويداء، وخاصة أنه جرى خلال الأشهر الماضية تعزيز مواقع النظام في المحافظة”.
—————————-
الأسد بين حزب الله وموسكو/ بسام مقداد
مواقف الأمين العام لحزب الله من تشكيل الحكومة ، ومن عون والحريري ، التي أعلنها في كلمته الخميس المنصرم ، لا تتفق مع المواقف الروسية المعلنة بشأن هذه المسائل . وعلى الرغم من أن الدعوة الروسية لزيارة وفد من الحزب الى موسكو، قد تم توجيهها في شباط/فبراير المنصرم ، من المشكوك فيه أن كانت لتتم لو كانت مقتصرة فقط على بحث الأزمة اللبنانية في ظل إختلاف المواقف هذا ، بل لا بد أن الوضع السوري وفي المنطقة ككل ، كان الدافع الرئيسي للزيارة . وكما في الزيارة الأولى لوفد من حزب الله إلى موسكو العام 2011 “لفها الكتمان ، حسب BBC يومها ، بقيت طي الكتمان من قبل الطرفين تفاصيل الموضوعات ، التي تناولتها المحادثات ، وتُركت للتخمينات الإعلامية والشائعات حولها. لكن المواقع الإعلامية الروسية القليلة ، التي علقت على الزيارة ، والخبراء الروس ، الذين تناولوها ، يجمعون على أن الأزمة السورية الأم في المنطقة خلال السنوات العشر الماضية ، كانت محور الزيارة ، وأن وفد الحزب إهتم بمعرفة مدى إستعداد روسيا للمضي في دعم الأسد.
صحيفة “NG” الروسية نشرت نصاً حول الزيارة في 15 من الجاري بعنوان ” حزب الله “يسأل موسكو عن مصير الأسد” ، وعنوان ثانوي “وفد حزب الله وصل إلى عاصمة روسيا بعد فاصل زمني طويل”. قالت الصحيفة ، بأن وفد منظمة حزب الله العسكرية السياسية برئاسة النائب محمد رعد ، قام بزيارة موسكو في السنوية العاشرة للأزمة السورية . وعلى الرغم من أن أحد الأهداف المعلنة للزيارة كان مناقشة المأزق السياسي اللبناني ، إلا أن الخبراء يعتقدون ، أنه كان من المهم للغاية لممثلي حزب الله سؤال موسكو ، ما إن كانت قد طرأت تغيرات على موقفها من الرئيس السوري بشار الأسد.
وتنقل عن وكالة مهر الإيرانية قولها ، بأنها قامت عشية زيارة الوفد بالتحدث إلى بعض الساسة اللبنانيين ، الذين أكدوا ، أن وفد حزب الله مهتم بالموضوعات التي جرى تناولها في اللقاء ، الذي تم في الإمارات العربية المتحدة بين لافروف والحريري.
ومن اللافت ، حسب الصحيفة ، أن زيارة وفد حزب الله قد تزامنت تقريباً مع زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي ، الذي وصل الى موسكو في 17 من الجاري بمناسبة السنوية 30 لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وإسرائيل. ونقلت الصحيفة عن الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها، بأن أشكنازي يبحث في موسكو العلاقات الإقتصادية الإسرائيلية الروسية ( قطعها الإتحاد السوفياتي في حزيران/يونيو العام 1967 ، واستعادتها روسيا العام 1991).
لكن الزيارة لا شك بأنها لم تتمحور حول المفاوضات الإقتصادية، بل تأتي في سياق الجهود الدبلوماسية الروسية مع الأطراف الإقليميين المعنيين بالأزمة السورية والنزاع الإيراني الخليجي، والتي بدأت مع زيارة وزير الخارجية السعودي إلى موسكو في كانون الثاني/يناير المنصرم ، وتبعتها بعد أيام زيارة وزير الخارجية الإيراني ، وتكثفت مع جولة لافروف الخليجية وزيارة وفد حزب الله ، ومن ثم أشكنازي.
ينقل الكاتب عن الباحث في معهد واشنطن للشرق الأوسط “MEI” وخبير المجلس الروسي للعلاقات الدولة أنطون مرداسوف ، قوله ، بأن المحادثات مع حزب الله ضرورية لروسيا في الوضع المأزوم الناشئ ، كما كان في الأعوام 2011 ــــــــ2012 ، حين لم تكن روسيا واثقة من مستقبل بشار الأسد . بعد فشل الجولة الأخيرة لمنصة أستانة وإستحالة تصوير اللجنة الدستورية كهيكل إصلاحي جدي ، تبدو زيارة وفد حزب الله ، وكذلك تنشيط منصة “روسيا ، تركيا ، قطر” ، بأنها ليست صدفة . والملف السوري بحاجة إلى “التدقيق والحسم على خلفية الإنتخابات الرئاسية القادمة والحملة الإعلامية حول “إحياء الجنرال طلاس” ، قال مرداسوف في إشارة منه إلى النقاش بشأن ضرورة تشكيل مجلس عسكري في سوريا . وقال، بأن هذه الزيارة تذكره بسابقتها في العام 2011 ، حين جاء وفد حزب الله إلى موسكو (برئاسة محمد رعد أيضاً) ، وكان جلياً ، أنه مهتم بالدرجة الأولى بموقف روسيا من الأسد.
مدير قسم الأبحاث في مركز “حوار الحضارات” ألكسي مالاشنكو، قال في إتصال هاتفي ل”المدن” معه ، بأنه من الطبيعي ، أن يزور حزب الله موسكو لتبادل الآراء ، وهذه ليست المرة الأولى ، بل يتم تبادل الآراء بشكل مستمر بين الطرفين ، وهذا أمر جيد . من حيث الشكل ، الوضع في لبنان كان الدافع للزيارة ، لكن في الواقع ، تناولت المفاوضات ما سيكون عليه موقف روسيا من مصير الأسد ، وما إن كانت ستواصل دعمه. وقال ، بأنه من الطبيعي أن يُطرح هذا الأمر في المحادثات بين الطرفين ، فهما يتعاونان في سوريا ، ومواقع حزب الله موجودة في سوريا ، وهو ما يقلق إسرائيل المستاءة جداً من المفاوضات . وتساءل عما ستكون عليه ردة فعل حزب الله ، إذا ما انفجر الوضع في لبنان ، وهذا متوقع ، وكيف سيكون موقفه من ذلك ومن الكثير من المشاكل ، التي لم تجد حلولاً لها حتى الآن.
صحيفة “Novaia” الليبرالية المعارضة قالت في نص حول الزيارة عنونته بالقول “هل سيتحملون المسؤولية عن سوق الشرق” ، وعنوان ثانوي “حزب الله الشيعي يقبل دعوة موسكو” ، قالت فيه ، بأن حزب الله قبل الدعوة بكل سرور ، إذ حلت بالنسبة له أوقات عصيبة” ، “وليس دون مساهمة روسيا” في هذه الأوقات.
وقالت ، بأنه من الواضح ، أن الزيارة التي تستمر 4 أيام ، سوف تُكرس لمناقشة الوضع الناشئ في سوريا . روسيا “تعبت بشكل ملحوظ” من الحرب السورية، وكان ممثلوها في لقاء منصة أستانة الأخير في سوتشي الشهر المنصرم ، يكررون كالتعويذة القول بوقف الحرب في سوريا وبدء عملية التسوية السياسية السلمية . والخطة المقترحة من روسيا لهذه التسوية ، لا تنال رضى إيران وحزب الله ، فالمصالح الإيرانية في سوريا أصبحت مهددة منذ أن دخلت روسيا بقواتها العسكرية في سوريا. من وجهة نظر تكتيكية، تدعم روسيا وإيران وحزب الله نظام الأسد ، لكن أهدافهم الإستراتيجية تفترق في ما بينها.
تسترسل الصحيفة في وصف”الظروف العصيبة” ، التي يمر بها حزب الله ، خاصة بعد تفجير مرفأ بيروت الصيف الماضي وما يتعرض له من ضغوط داخلية إثر التفجير ، وازدياد منتقديه وتحميله الجزء الأساسي من المسؤولية عن إنهيار الوضع الإقتصادي والمالي والمعيشي في لبنان ، مضافاً إليها ضغوط الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً ، التي يعتبرها معظمها منظمة إرهابية . وتعتبر الصحيفة ، أن حزب الله ، وفي ظل كل هذه الظروف مجتمعة مع تزايد حدة التوتر الكلامي بين إيران والولايات المتحدة ، في التمهيد للمفاوضات المقبلة بينهما بشأن إتفاقية الصفقة النووية ، يجد نفسه مجبراً على أن “يحني راسه ويصغي إلى الإشارات الدبلوماسية ، التي ترسلها روسيا”.
المدن
————————
روسيا العظمى تنبش مقبرة “اليرموك” بحثاً عن رفات جنود إسرائيليين!/ ماجد كيالي
القصة المثيرة والمكشوفة هنا فتتعلق بتصرف روسيا “العظمى” إزاء دولة ليست عظمى بحجم إسرائيل، فهي لا تغضّ الطرف عن ضربات إسرائيل المتواصلة في الأراضي السورية، وحسب، إنما تبدي استعداداً للعب دور نابشي القبور…
كان أمراً مثيراً، ولافتاً، أن جنوداً من القوات الروسية في سوريا ضربوا طوقاً حول مقبرة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين (جنوب مدينة دمشق)، مانعين أياً من المدنيين من الاقتراب منها، وحتى الفصائل الفلسطينية المقربة من النظام لم يسمح لها بإجراء الطقوس المعتادة في الأعياد، عبر الزيارة وموسيقى الكثافة ووضع أكاليل الورود، تكريماً للضحايا، باعتبارها تضم مئات منهم، ضمنهم بعض قادتهم مثل أبو جهاد وأبو الوليد، والشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)!
المهم أن ذلك الطوق اتضحت مهمته في ما بعد، إذ إن تلك القوات، التي تتبع روسيا “العظمى”، إنما تقوم بمهمة خاصة، وفريدة من نوعها، تتعلق بالبحث عن رفات جثث لثلاثة جنود إسرائيليين، كانوا قتلوا إبان الغزو الإسرائيلي للبنان، في معركة السلطان يعقوب (حزيران/ يونيو 1982)، وهم زخريا باومل ويهودا كاتز والرقيب زفيكا فيلدمان.
كان ذلك حدثاً غريباً ويبعث على الدهشة، فتلك القصة مضى عليها نحو أربعة عقود، ثم إن سوريا باتت بلداً يموت فيه عشرات السوريين يومياً تحت الأنقاض، في بلد تستخدم فيه البراميل المتفجرة والصواريخ الارتجاجية والفراغية، في قصف النظام والطائرات الروسية للمناطق المعتبرة خارجة عن سيطرة النظام، من دون أدنى مبالاة. والغريب والمدهش في ذلك الحدث، أيضاً، أن روسيا “العظمى” منهمكة بكل مستوياتها، من الرئيس بوتين إلى أصغر جندي في تلك المسألة، بيد أن تلك الغرابة، أو الدهشة، سرعان ما تتبدد مع معرفتنا أن الجنود هم إسرائيليون، ونقطة، وأن إسرائيل تتصرف هنا كأنها هي الدولة العظمى!
“عندما أبلغوني بأن الساعة استعيدت، جف لعابي وأحسست بالبرودة… وقتها شعرت أنني أحس بيده، وأن جزءاً منه معنا”.
وكانت المعلومات حول عملية البحث تلك بدأت صيف 2018، أي بعد سقوط ذلك المخيم بأيدي النظام المدعوم من القوات الروسية، على رغم تغطية تلك العملية، آنذاك، بأخبار متضاربة عن قيام مسلحين بنبش تلك المقبرة، ربما للتغطية عما سيأتي.
لكن القصة اتضحت أكثر مع شيوع خبرين، أولهما، وصول ساعة إيلي كوهين، الجاسوس في جهاز الموساد الإسرائيلي في سوريا، واسمه الحركي كمال أمين ثابت، طورا بدعوى أنه تم شراؤها في مزاد علني، وطورا باعتبارها نتاج عملية للموساد، وطورا أخر كتقدمة من النظام، مكافأة لروسيا، في محاولة للمساومة على تسليم رفاته هو الأخر. وقد سلمت الساعة إلى زوجته ناديا (صيف 2018) في احتفال رسمي. وحينها أثنى نتانياهو “على مقاتلي الموساد لتصميمهم وشجاعتهم في العملية التي كان هدفها الوحيد أن يعيد إلى إسرائيل تذكاراً لمقاتل عظيم ساهم بدرجة كبيرة في أمن الدولة”. أما ناديا كوهين زوجة الجاسوس ايلي فقالت للتلفزيون الإسرائيلي: “عندما أبلغوني بأن الساعة استعيدت، جف لعابي وأحسست بالبرودة… وقتها شعرت أنني أحس بيده، وأن جزءاً منه معنا”. (BBC 6/7/2018) وقد عرف كوهين كأشهر شخصية إسرائيلية في عالم التجسس، وتم الحكم عليه بالإعدام في سوريا (نفذ في 1965)، علماً أنه كان يمكن أن يصل إلى أعلى المستويات فيها، بفضل ديناميته وعلاقاته. وكما نشهد هذه الأيام، فثمة تسريبات تفيد باهتمام روسيا، بالترتيب مع النظام السوري، بإعادة رفات الجاسوس كوهين، بل وثمة حديث الآن، عن قيام النظام السوري بتسليم غرض شخصي (لم يتم التعريف به) إلى السلطات الروسية، وأن تلك السلطات سلمته بدورها إلى إسرائيل لفحصه، وهذا الغرض ربما يكون قلماً أو مشطاً أو ماكينة حلاقة أو ربطة عنق أو قميصاً!
أما الخبر الثاني، في القصة المتعلقة بنبش مقبرة مخيم اليرموك، فتمثل بعثور القوات الروسية (نيسان/ أبريل 2019) على رفات الجندي الإسرائيلي زخريا باومل، بعد بحث مضنٍ، وتقديمها من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدية لنتانياهو، في احتفاء رسمي صمم لهذا الغرض في موسكو، في مبنى وزارة الدفاع الروسية، بحضور بنيامين نتانياهو ورئيس هيئة أركان الجيش الروسي! وقد نشر الخبر في “روسيا اليوم في 4 نيسان 2019. وفي حينه تم أخذ رفات جثث لفلسطينيين معه، ظناً أنها للجنديين الإسرائيليين الآخرين، إلا أن ذلك لم يثبت، الأمر الذي استدعى مواصلة القوات الروسية البحث حتى الآن، في تلك المقبرة. وطبعاً روسيا لم تبالِ بمصير الجثث الأخرى، أو إعادتها من حيث أخذتها، في حين أعلنت إسرائيل بأنها ستقوم بدفن تلك الجثث في مقبرة “الإرهابيين”، ضمن قبور مجهولة وفي موقع لن يتم الكشف عنه، بحسب تصريح لناطق باسم الجيش الإسرائيلي وقتها.
وفي الواقع فإن الاهتمام باستعادة رفات الجنود، ورفات الجاسوس كوهين ومقتنياته الشخصية، ظلت تحظى باهتمام على أعلى المستويات في إسرائيل، حتى أن بنيامين نتانياهو، رئيس حكومتها، يحاول توظيف ذلك كمكسب له في معركته الانتخابية، كما فعل في حملته الانتخابية (أيلول/ سبتمبر 2019)، بالنظر إلى القيمة الرمزية لهاتين المسألتين، لجهة تصميم إسرائيل على احترام مواطنيها اليهود، في حياتهم ومماتهم، واستثمارها في أسطورة كوهين كعميل للموساد وكبطل “قومي”.
طبعاً لا حاجة هنا للحديث عن انتهاك حرمة الموتى، أو كرامة ذويهم من الأحياء، فكل ذلك ليس له معنى، عند النظام وحليفيه الروسي والإيراني، في بلد ينزف دماء شبابه منذ عشرة أعوام، مع مئات آلاف الضحايا، وملايين اللاجئين والمشردين، كما لا حاجة هنا للحديث عن السيادة الوطنية، التي يتشدق بها النظام، الذي فتح البلد على مصراعيه للتدخلات الخارجية، بطريقة مباشرة أو مداورة، بخاصة مع توجيه إسرائيل ضربات عسكرية في عمق أراضيه بين فترة وأخرى، مع معرفتنا أن روسيا تتصرف في البلد (كما إيران) كأنها صاحبة السيادة أو صاحبة الأمر والنهي.
وبشكل أكثر تحديداً، فإن القصة المخفية هنا تتعلق، على الأرجح، بطموح روسيا للعب دور أكبر في تمرير صفقة ما بين النظام وإسرائيل، مهما كان مستواها، أو عنوانها، باعتبار إسرائيل، بمثابة المقرر الأساسي في تقرير السياسة الأميركية إزاء سوريا، أو باعتبارها بوابة المرور لتعويم النظام عند الولايات المتحدة الأميركية. أما القصة المثيرة والمكشوفة هنا فتتعلق بتصرف روسيا “العظمى” إزاء دولة ليست عظمى بحجم إسرائيل، فهي لا تغضّ الطرف عن ضربات إسرائيل المتواصلة في الأراضي السورية، وحسب، إنما تبدي استعداداً للعب دور نابشي القبور، واستحضار أشباح الماضي وأشيائهم وكل ذلك كرمى لعيون إسرائيل!
درج
———————
أهالي القصير يشكون من انقلاب «حزب الله» على «رفاق السلاح»
أشاروا إلى ضغوط لبيع أراضيهم غرب نهر العاصي
القصير – بيروت: «الشرق الأوسط»
«إما نبيع أرضنا بتراب المصاري أو نتحمل مضايقاتهم التي لا تنتهي». هكذا تحدث أحد سكان منطقة القصير في ريف حمص وسط سوريا وقرب حدود لبنان. ويقول إنه طلب من صديق لبناني من أبناء الهرمل، التوسط لدى معارفه من «حزب الله» للكف عن مضايقته.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك شكاوى من ملاك الأراضي الزراعية غرب نهر العاصي في القصير من مضايقات أنصار «حزب الله»، للضغط عليهم لبيع أراضيهم بأبخس الأثمان. وأضافت «أحد المزارعين من عائلة مسيحية عرفت بولائها للنظام، وقتل عدد من أبنائها في معارك القصير، يتعرض اليوم لمضايقات من مناصري (حزب الله)، لرفضه بيع أرضه غرب العاصي التي يكسب من زراعتها. تارة يستوقفه مسلحون وأخرى يداهمون مزرعته ويرهبون عائلته وينتقدون تصرفاته». وقالت المصادر «إن الموالين للنظام الذين قاتلوا إلى جانب النظام ولم يغادروا خلال الحرب، لا سيما المسيحيين يشعرون بأن (حزب الله) انقلب عليهم». ونقلت عن أحد الأهالي «عندما يجتمعون بقياديين من (حزب الله) في القصير لحل مشكلة، يؤكدون لهم أن الحزب عمم على عناصره وأنصاره بعدم المساس بمسحيي القصير، لكن على الأرض نرى العكس تماماً، فهم يطلقون يد أنصارهم للاستيلاء على أراضينا وأرزاقنا».
– النظام غير راضٍ
وأشارت المصادر إلى أن «جماعة النظام الأجهزة الأمنية وحزب البعث في المنطقة لا يزعجون (حزب الله) بشكل واضح، ولكنهم غير راضين عن استيلائه على منطقة غرب العاصي». وأفادت المصادر بوجود تعميم داخلي للبلديات في محافظات حمص تحذّر من عمليات بيع وشراء مناطق غرب العاصي؛ لأنه «ثمة خشية واضحة من تحويل تلك المناطق إلى مناطق موالية لـ(حزب الله)». وأشارت إلى «تدخل الأمن العسكري بطريقة خفية لمنع محاولة (حزب الله) وإيران توطين أهالي بلدتي كفريا والفوعة (من إدلب) في القصير لدى إنجاز اتفاق المدن الأربع عام 2017 الذي نصّ على خروج آمن لكل من أهالي ومسلّحي بلدتي كفريا والفوعة بمحافظة إدلب والزبداني ومضايا بمحافظة ريف دمشق». وقالت «رغم تحضير أماكن للتوطين في غرب وشرق مدينة القصير وبعض القرى، فإن المشروع لم يتم، حيث أوعزت الأجهزة الأمنية للأهالي داخل المدينة بشغل المنازل الفارغة، ليقتصر التوطين على أعداد قليلة في أماكن متفرقة».
بعد استعادة النظام بدعم من «حزب الله» السيطرة على منطقة القصير في 2013، جرى تهجير من تبقى وكان عددهم بإحصاء عام 2011 نحو 111969 نسمة. وكادت تخلو المنطقة من الأهالي، حيث نزح بين عامي 2011 و2012، الموالون للنظام. وفي عام 2013، ضمت القصير نحو عشرة آلاف نسمة، وبعد سحق المعارضة المسلحة لجأ معظم هؤلاء إلى منطقة عرسال الجبلية في لبنان، وبعض قرى البقاع المحاذية للحدود وأقاموا في مخيمات غير شرعية هناك، وقدر عددهم عام 2021 بخمسة عشر ألف لاجئ، يعيشون أوضاعاً إنسانية هي الأصعب مع أنهم يشكلون ما نسبته 30 في المائة من اللاجئين السوريين في مناطق شمال لبنان. وفي عام 2013 وفور استعادة السيطرة على منطقة القصير، سمح بعودة النازحين، وهم نحو ثمانية آلاف نازح رجعوا بين 2013 و2019.
وباتت منطقة القصير تحت سيطرة مشتركة لقوات النظام و«حزب الله»، مع سيطرة أوسع وأقوى للحزب على الأحياء والقرى والأراضي الزراعية الغربية المحاذية للحدود، فبالإضافة إلى وجوده المسلح هناك سمح لأنصاره من أهالي القرى الموالية باستيطان القرى المدمرة والمهجرة، واستثمار الأراضي الزراعية التي باتت محظورة على أصحابها من أهالي القصير، باستثناء قلة لم تغادر خلال الحرب.
– عودة مشروطة
بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015، وطرح الروس مبادرات لإعادة اللاجئين السوريين، تم فتح ملف عودة اللاجئين من أهالي القصير في مخيم عرسال، حيث وجّه أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله صيف 2019 دعوة إلى أهالي القصير للعودة إلى مناطقهم، لكن الأهالي في مخيم عرسال ومعظم من انخرطوا في مناهضة النظام أبدوا تخوفاً من تلك الدعوة، وطالبوا بضمانات دولية لحمايتهم من عمليات انتقامية، ليظل ملف عودتهم معلقاً، لكن مطالبهم قوبلت بتمنع، ترافق مع تجميد المبادرة الروسية التي أثمرت عن عودة نحو 170 ألف لاجئ سوري من لبنان إلى مناطق سورية عدة، ليس بينهم لاجئون من القصير.
في المقابل، عاد النازحون داخل البلاد، وتحديداً الموظفين في الدولة، بعد الحصول على موافقات أمنية وتسوية أوضاعهم، وذلك وفق خطة تدريجية بدئ في تطبيقها في يوليو (تموز) 2019، سمحت بدخول ألف نازح كأول دفعة إلى قرية البويضة، تبعها 3700 نازح في سبتمبر (أيلول) 2019 عادوا على ثلاث دفعات إلى مدينة القصير. وحسب مصادر محلية، فإن معظم نازحي القصير في الداخل عادوا إلى منازلهم بين عامي 2019 و2020، ولا تزال أعداد من العائدين تتوافد مع عودة النشاط إلى المدينة المدمرة، بعد إعادة الدوائر الحكومية إلى المدينة، مثل البلدية والمصالح العقارية والمحكمة والمالية، وتشغيل مدارس ابتدائية وأخرى إعدادية وثانوية وخط مواصلات عامة القصير – حمص بعد انقطاع سبع سنوات. وأشارت المصادر إلى مساعي النظام الواضحة في إعادة الخدمات إلى معظم الأحياء (الماء والكهرباء والاتصالات ومساعدة الأهالي بإزالة الأنقاض من الشوارع)، وذلك رغم الإمكانات الشحيحة جدا والمحسوبيات والفساد.
– معابر شرعية
ويفرض «حزب الله» سيطرته الكاملة على الأراضي الحدودية السورية في منطقة القصير، ويمسك بالمعابر الشرعية وغير الشرعية في المنطقة التي يقطعها نهر العاصي قادماً من الهرمل اللبنانية على طريق حمص – بعلبك الدولية، التي تربط منطقة البقاع اللبناني بمحافظة حمص عبر معبر جوسية، الذي أنشئ عام 1919، وتعتبر تلك المنطقة تاريخياً من أهم مراكز التبادل التجاري بين محافظة حمص وشمال لبنان، يعززه قربها من القلمون بريف دمشق وارتباطه بوادي ربيعة الذي يبدأ في جبال القلمون لينتهي عند نهر العاصي.
وأتاحت جغرافيا هذه المناطق مجالاً واسعاً لنشاط عمليات التهريب بين سوريا ولبنان «لكن بعد استيلاء (حزب الله) عليها حول التهريب من أعمال ارتزاق فردية غير شرعية إلى عمل منظم مرتبط بشبكات إقليمية يتزعهما موالون للحزب و(الفرقة الرابعة) التابعة لقوات النظام»، حسب قول ناشط معارض من القصير. وأفرز هذا التغير ظهور «أمراء حرب» في القصير على مستوى المنطقة، شكلوا طبقة صغيرة من الأثرياء الجدد بالمعايير الريفية، و«يعدّ هؤلاء أحد أهم أدوات الحزب في المنطقة والذين يتولون عمليات تسهيل شراء ملكيات الأراضي العقارات في المنطقة»، حسب قوله.
الشرق الوسط
————————————
بعد عقد على الثورة.. فاتورة التدخل الروسي والإيراني في سوريا/ منتصر أبو نبوت – غازي عنتاب
شكّل التدخل الروسي والإيراني في الحرب بسوريا نقطة تحول في مسار الثورة، حتى بات النظام السوري وكأنه عاجز عن إخراجهما من سوريا في حال رغب في ذلك، أو وصل إلى ما يريد في البلاد. فلم تكتفِ روسيا وإيران بدعم النظام عسكريا، بل عملتا على ترسيخ وجودهما اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، حتى إنهما في بعض مراحل النظام سابقا بين طهران وموسكو؛ كانتا كأنهما تغنمان أو تتلقيان أجريهما لقاء مساندة النظام السوري.
ومع مرور 10 سنوات على انطلاق الثورة السورية، تبدو المناسبة فرصة للكشف عن فاتورة تدخل إيران وروسيا في البلاد، فدخولهما بثقلهما إلى جانب النظام السوري جعلهما تتمكنان من السيطرة على مفاصل الدولة في جميع المجالات، ولعل أبرزها العسكرية والاقتصادية بالنسبة لروسيا، والعسكرية والاجتماعية أو ما يصفها الشعب السوري “بالطائفية” بالنسبة لإيران.
فقد عملت روسيا في أثناء فترة تدخلها على إنشاء فيلق جديد في جيش النظام يتبع شكليا لقيادة جيشه، لكنه فعليا يُدار من قبل ضباط روس، فضلًا عن أن الأسلحة التي تزود بها موسكو النظام تصل إلى الفيلق الخامس الذي يواليها. أما إيران فقد عززت سيطرتها على الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد، فضلًا عن مليشياتها المنتشرة في كل أرجاء البلاد.
واقتصاديا، مثّل استحواذ روسيا على ميناء طرطوس هدفا إستراتيجيا عسكريا واقتصاديا، فقد ضمنت موسكو مكانها في البحر المتوسط لعشرات السنوات المقبلة، وبدأت بالحصول على موارد المرفأ، إضافة إلى شركات عقارية واتفاقيات مثل اتفاقية الفوسفات السوري الذي سبب صراعا بين إيران وروسيا من أجل الحصول عليه، أما إيران فقد عززت من نشاطاتها التبشيرية في مناطق سورية بعينها، تمهيدا لمحاولات أوسع في جميع المناطق السورية، كما عملت اقتصاديا على إنشاء شركات وشراكات مع النظام السوري ورجال أعماله، أبرزها مشغل اتصالات جديد تعتزم طهران إطلاقه في البلاد.
الفرق بينهما
ويعتقد السوريون المعارضون للنظام أن الأهداف الأساسية والمهمة لروسيا وإيران في سوريا ليست واحدة، فيقول مدير موقع “كلنا شركاء”، السوري أيمن عبد النور، إن الفرق بين التدخلين كبير ويحمل جوانب مختلفة بالنسبة للشعب السوري. فالتدخل الروسي محصور في المجالين العسكري والاقتصادي، أما التدخل الإيراني فيغير ثقافة المجتمع بإرسال أعداد كبيرة من إيران والعراق حتى يحصلوا على الجنسية السورية، إضافة إلى المصالح الاقتصادية بزرع رجال أعمال جدد يعملون لمصلحة طهران.
ويرى عبد النور -في حديثه للجزيرة نت- أن الإيرانيين يسعون إلى زعزعة الدولة كمنظومة بتقوية مليشيات مثل حزب الله وغيره ممن قدموا إلى البلاد، حتى تتحول إلى لبنان ثانية.
ويتفق المحلل السياسي عبد الكريم العمر مع ما ذهب إليه عبد النور، إذ يرى أن التدخل الإيراني أكثر خطورة، خصوصا بعد بدء إيران بنشر المذهب الشيعي في سوريا. ويقول “إن طهران تحاول التوغّل في المجتمع السوري عن طريق نشر الحُسينيات في مناطق نفوذها بسوريا”.
على مدى 10 سنوات رسّخ الروس والإيرانيون نفوذهم في سوريا على كل الصعد (الفرنسية)
نهاية التدخلين
لا يرى المعارضون أن النظام السوري قادر على إيقاف التدخل الإيراني والروسي، إذ تحولت البلاد بنظرهم إلى مناطق نفوذ للدولتين، وهذا ما يؤكده العمر -للجزيرة نت- بقوله “إن تعيين ضباط جيش النظام في مناطق مهمة بسوريا يكون بناء على ولائهم لإحدى الدولتين”، يقصد روسيا وإيران. ويضيف أن وجود إرادة دولية وتطبيق بيان جنيف والقرار 2254 يمكن أن يعيد الأمور في البلاد إلى نصابها كما كانت قبل 2011.
في حين يرى عبد النور أن الظروف الإقليمية والدولية غير متوفرة لتقييد حركة طهران وموسكو، لكنه توقع أن يكون الوجود الروسي في سوريا مقتصرا على قاعدتها العسكرية في البحر المتوسط وبعض النفوذ الاقتصادي، إذا ما توفرت الإرادة الدولية، أما الوجود الإيراني فينظر إليه عبد النور بتعقيد أكثر، لأنه متعدد الجوانب ويعمل على نشر المذهب الشيعي بين السنة وحتى بين العلويين.
ووجود وسيطرة إيران وروسيا في سوريا غيّر ملامح البلاد بشكل كامل، حتى في حال التوصل إلى حل سياسي فالسوريون قلقون مما تسعى إليه الدولتان، خصوصا التحركات الإيرانية التي تفاقمت بعد عقد على انطلاق الثورة، وأصبحت تحتفظ بمناطق نفوذ وقاعدة فكرية جديدة تحديدا في صفوف مؤيدي النظام دون النظر إلى طائفتهم، لكن ما يتفق عليه الجميع أن البلاد لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 2011 على جميع الأصعدة؛ اجتماعيا وعسكريا واقتصاديا ودينيا.
المصدر : الجزيرة
————————–
أسد أم خيال مآته؟/ مشعل العدوي
حالة نادرة الحدوث بل إنها غير مسبوقة في التاريخ فقد وصلت درجة إلى أن يخرج إعلامي على شاشات الطغمة الحاكمة كي يوجه نداء علنيا يناشد من خلاله المسؤولين أن يخرج واحد منهم للناس ويتحدث لهم عن مأساتهم وآفاق الحل.
جميع مسؤولي الطغمة الحاكمة يتهربون اليوم من الظهور العلني على وسائل الإعلام من أصغر مسؤول وحتى رأس الهرم الذي غاب عن المشهد كلياً حتى قبل أن يشيع بأنه مصاب بالوباء، والسبب هو أنهم لايعرفون ماذا يمكن القول للجمهور بعد أن ساهموا بشكل مباشر وغير مباشر بالمقتلة السورية على مدار عشر سنوات وأوصلوا البلاد إلى المجاعة الحقيقية.
منذ أسابيع ثلاثة وعشرات من شاحنات الغذاء واللباس والمستلزمات الضروريه لحياة الناس محجوزه على نقطتي عبور سوريا مع كل من لبنان والأردن وضمن الأرض السورية، أي أنها نظامية ومستوردة أصولاً ودخلت حدود البلد الرسمية ليتم احتجازها من طرف أجهزة النظام ومنع وصولها للأسواق دون أي مسوغ قانوني أو إداري، وهذا يقودنا للسؤال: من الذي أمر باحتجاز الشاحنات؟ ولماذا؟
الذي اتخذ القرار كان تحالف الجهات الأمنية مع تجار الحرب الأثرياء الجدد وذلك من أجل الحفاظ على أسعار مرتفعة في الداخل من خلال تقليل العرض ففي حال أدخلوا الشاحنات يخافون أن تتم حالة إغراق للسوق وتنخفض الأسعار وتالياً الأرباح فالذي يدير اقتصاد سوريا اليوم هم حفنة من تجار قد توازعوا السلع فيما بينهم وكل منهم تقف خلفه جهة أمنية تحميه وحتى دون أن يحميهم أحد لايستطيع رئيس البلاد أن يحاسبهم الآن وهم نافذته الاقتصادية مما حوله لمجرد دمية أو خيال مآته.
الطغمة الحاكمة ومن خلال رفضها لأي شكل من أشكال الحل السياسي وإصرارها على الحل الدموي من خلال جيش النظام والميليشيات الطائفية المتحالفة معه وشركة فاغنر الروسية دمر كل مقومات الدولة السورية الاقتصادية والصحية والتربوية والاجتماعيه ولَم يبق اليوم سوى البنية الأمنية للنظام وأصبحت سوريا إلى حد بعيد مثل هيكل سيارة بلا محرك.
من الغريب أن يغيب رأس السلطة عن المشهد والبلاد تسير بتسارع نحو الهاوية ولاسيما أن غيابه يبدو وكأنه يعطي مساحةً للطرفين الروسي والإيراني للظهور على حساب السيادة الوطنية التي وللأسف يمثلها شخصه، وغيابه ليس على مستوى الوضع الداخلي للبلاد الذي بات يغص بالجرائم والسلب والنهب وانتشار عصابات قطاع الطرق وإنما أيضا غياب عن المشهد بما يخص القصف الإسرائيلي المتكرر والمتواتر للأراضي السورية بصفته قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة بطريقة مذلة ومهينة على النحو الشخصي والوطني.
مما يؤسف السوريين هو أن يتحول رئيس البلاد والحاكم المطلق بصفته زعيماً للحزب الحاكم وقائداً عاماً للجيش ورئيسا لمجلس القضاء الأعلى من رمز كونه أحد رموز السيادة الوطنية إلى مجرد ورقة تفاوضية بين أطراف دولية على قضية لا تخص سوريا، فروسيا تنظر للأسد كورقة تفاوضية مع الطرف الأميركي حول قضايا أوكرانيا والقرم وخطوط إمداد الغاز، أما إيران فجعلته ورقة تفاوضية في أي مفاوضات محتملة مع الطرف الأميركي والأوروبي بما يخص ملفها النووي وقد فعلت هذا وجربته ونجحت مع الإدارة الأميركية الديمقراطية سابقاً إبان فترة الرئيس باراك أوباما حيث كان جزءا من ثمن إطلاق يد إيران في المنطقة.
فترة عصيبة تمر بها سوريا سواء من ناحية الطغمة الحاكمة أو لجهة المعارضة المستمرة بمعارضة بعضها البعض والمواطن السوري وحده من يدفع الثمن سواء كان في الداخل أو الشتات، فترة يشغل فيها مقام الرئاسة خيال مآته
—————————–
الأسد يعود إلى حاضنته الطبيعية… الجامعة العربيّة تفتح أبوابها لسوريا
الآن وقد عادت معظم الدول العربية إلى وضعها الذي كانت عليه قبل الربيع العربي، يجد كثير من الرؤساء العرب أن الوقت قد حان للمّ الشمل.
أعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربيّة، السفير حسام زكي، أخيرًا أنّ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة ستساهم في تطبيع العلاقات السوريّة العربيّة، ورفع المعاناة عن الشعب السوري من خلال التوصّل إلى حلّ سياسي في سوريا. وأضاف في حديث مع قناة “سكاي نيور عربيّة”، في 18 آذار/ مارس الجاري، أنّه يجب أن “تُبنى مقاربة جديدة لإيجاد الترتيب الذي يفتح الطريق أمام فك التجميد الخاص بالمقعد السوري”، كما قال في مؤتمر صحافي عُقد في بيروت على هامش أعمال القمة العربيّة التنمويّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة إنّ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة “حتميّة”.
فيما أكّد الأمين العام لجامعة الدول العربيّة، أحمد أبو الغيط، في وقت سابق من هذا الشهر، أنّ هناك اتجاهًا لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة.
يأتي ذلك بعد سنوات من قرار بالتجميد اتخذ وقت كانت الثورات العربية مشتعلة، والآن وقد عادت معظم الدول العربية إلى وضعها الذي كانت عليه قبل الربيع العربي، يجد كثير من الرؤساء العرب أن الوقت قد حان للمّ الشمل.
مناشدات عربية
ليست هذه التصريحات العربيّة الأولى في هذا الصدد، فقد سبقتها تصريحات عديدة من قادة ومسؤولين عرب يرحبون بعودة سوريا إلى الجامعة. وزير الخارجية المصري، سامح شكري، اعتبر أنّ عودة سوريا إلى الحاضنة العربيّة “أمر حيوي من أجل صيانة الأمن القومي العربي”. فيما طالب وزير الخارجيّة الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيّان بضرورة “التعاون الإقليمي لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها وشغل مقعدها في جامعة الدول العربيّة”.
كذلك فعل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الذي طالب بعودة سوريا إلى الجامعة وقال إنّ سوريا “تستحق العودة لأنّها وفيّة لمبادئها”، وإنّها من مؤسسي الجامعة ومن أعرق الدول العربيّة، وفسّر الرئيس الجزائري “ضعف سوريا على الصعيد الدولي” بأنّها “الدولة الوحيدة التي رفضت التطبيع مع إسرائيل”. وكان وزير الخارجيّة الجزائري، صبري بوقادوم، قد دعا في وقت سابق إلى إنهاء تجميد عضويّة سوريا، وإعادة تمثيلها مجددًا في اجتماعاتها ونشاطاتها.
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس العام الفائت أنّ السلطات الفلسطينيّة تؤيد عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة، وتتطلع إلى الوصول إلى هذا الهدف بالتشاور بين الدول العربيّة.
ولم يوفر وزير الخارجيّة العراقي، فؤاد حسين، الفرصة أثناء لقائه بمجموعة من المسؤولين الخليجيين، وشدّد على ضرورة إعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربيّة، لأنّ ذلك يحقق “مبدأ التكامل في العمل والتنسيق العربي”.
في سياق متصل، كانت تونس قد دعت أثناء انعقاد اجتماعات الجامعة العربيّة على أراضيها في العام 2019، إلى عودة سوريا إلى الجامعة، كما جدّد وزير الخارجيّة التونسي، خميس الجهيناوي، الدعوة أثناء مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف، مؤكدًا ضرورة عودة سوريا إلى داخل جامعة الدول العربيّة.
تحركات دبلوماسيّة
في الوقت الذي تعدّ فيه سوريا صاحبة أعلى معدلات فقر في العالم، ويعيش نحو 82.5% من سكانها تحت خط الفقر، وأزمة الجوع لديها في تفاقم، حسب الأمم المتحدة، أطلق “الاتحاد العربي للأسر المُنتجة والصناعات الحربيّة والتقليديّة” التابع للجامعة العربيّة، خلال شباط/ فبراير الماضي، أعمال رئاسة الاتحاد والمكتب الإقليمي في دمشق، وذلك خلال حفل رسمي عُقد في دار الأوبرا في العاصمة السوريّة، في نشاط يعدّ الأول من نوعه للجامعة العربيّة.
وسبقت الجمهوريّة الإسلاميّة الموريتانيّة إلى إعادة فتح سفارتها في دمشق، بعد إعادة فتح سفارتي الإمارات والبحرين، في الوقت الذي قال فيه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنّ سوريا تعيش في “كابوس”، مشيرًا إلى وضع البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة.
وكان وزير الخارجيّة الروسي، سيرجي لافروف، قد قال خلال مؤتمر صحافي جمعه مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، عُقد في كانون الثاني/ يناير الفائت، إنّ السعوديّة وروسيا تجمع بينهما عدّة نقاط بما يخصّ سوريا، أبرزها عودتها ممثلة في نظام الرئيس بشار الأسد إلى جامعة الدول العربيّة.
وتبذل روسيا جهودًا دبلوماسيّة كبيرة من أجل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة، إذ قال رئيس لجنة الشؤون الدوليّة في مجلس الدوما الروسي (مجلس النواب)، ليونيد سلوتسكي، إنّ “روسيا تساعد في التسويّة السوريّة على جميع المستويات، بما في ذلك بذل جهود سياسيّة ودبلوماسيّة كبيرة لإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربيّة”. ويأتي ذلك في إطار محاولات روسيا لكسب واستعادة الشرعية لنظام الأسد في المحافل الإقليميّة والدوليّة، حيث تعتبر روسيا الداعم الرئيسي، إلى جانب إيران، لبقاء الأسد.
لماذا الجامعة العربية؟
تعدّ الجامعة العربية كيانًا سياسيًا حكوميًا، العضوية فيه على أساس ثقافي من اللغة.
ورغم أنها لم تتمكن من تحقيق معظم أهدافها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية منذ نشأتها، فهي كيان معترف به دولياً كمرجعية دبلوماسية، وذات تمثيل لدى المنظمات الدولية الحكومية الأخرى، وعلى رأسها الامم المتحدة. وهذا ما يجعل من عودة مقعد سوريا فيها ورقة اعتراف بشرعية نظام الحكم، بعد سنوات من التنازع الذي اسقط الشرعية والاعتراف طوال 10 سنوات عن إدارة الرئيس السوري بشار الأسد، الذي اتهم وعناصر من دائرة حكمه بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السوري.
وتسعى الحكومتان السورية، والروسية الداعمة لها، إلى استعادة مقعد سوريا وموقعها في الجامعة العربية، أملاً في عودتها تدريجياً إلى الساحة السياسية والدبلوماسية الدولية لضمان الاعتراف الدولي بشرعية حكم بشار الأسد.
سوريا وجامعة الدول
أُنشئت جامعة الدول العربيّة سنة 1945، قبل أشهر معدودة من إنشاء الأمم المتحدة، لتصبح أول منظمة دوليّة أُنشِئت بعد الحرب العالميّة الثانية، بعضويّة سوريا والعراق ومصر واليمن وشرقي الأردن والمملكة العربيّة السعوديّة ولبنان. وكانت سوريا عضوًا فاعلًا في الجامعة، ومشاركةً في معظم هيئاتها واجتماعاتها، كما احتضنت عددًا من مكاتب الجامعة وعددًا كبيرًا من اجتماعاتها.
لكن، بعد اندلاع الثورة السوريّة في أواسط آذار/ مارس 2011، توصّل وزراء الخارجيّة العرب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، إلى قرار يقضي بسحب السفراء العرب من دمشق، وتعليق مشاركة وفود سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة العربيّة وجميع المنظمات التابعة لها، حتى تقوم الحكومة السوريّة “بتنفيذ كامل تعهداتها وتوفير الحماية للمدنيين السوريين”، كما دعا الوزراء المجتمعون في قرارهم “الجيش السوري إلى عدم التورط في أعمال العنف ضد المدنيين”. صوتت حينذاك 18 دولة عربيّة لصالح القرار فيما امتنع العراق عن التصويت وصوّت لبنان وسوريا واليمن بالرفض.
بقي مقعد سوريا شاغرًا حتى تشكيل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة” وكان آنذاك أكبر تشكيل معارض للأسد، وما زال أحد اللاعبين البارزين على الساحة السوريّة.
قدمت الجامعة العربيّة في مؤتمر أعمال القمة العربيّة المنعقد في الدوحة سنة 2013 كرسي سوريا إلى الائتلاف السوري المعارض برئاسة أحمد معاذ الخطيب، الرئيس الأول للائتلاف، في خطوة اعتبرها الكثيرون أحد أكبر الانتصارات السياسيّة للمعارضة السوريّة.
إلّا أن تفتت المعارضة السوريّة وخلافاتها وشقاقاتها، فضلًا عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة في سوريا، حال دون احتفاظ الائتلاف بمقعد سوريا. وبهذا بقي المقعد شاغرًا حتى اللحظة.
رصيف 22
—————————
=======================
تحديث 21 أذار 2021
—————————-
الانتخابات السورية: فيتو أميركي بمواجهة محاولة تعويم الأسد/ عماد كركص
بدأت الولايات المتحدة الأميركية تكشف تدريجياً عن مزيد من مواقفها اتجاه النظام السوري، عقب وصول إدارة الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، بعد أن ساد ما يشبه الغموض بموقف بايدن من النظام طيلة حملته للانتخابات الرئاسية، وحتى في الفترة الأولى التي تلت تنصيبه. وفيما يقترب موعد الانتخابات الرئاسية في سورية، المقرر إجراؤها بعد نحو ثلاثة أشهر، والتي باتت محط أنظار الفاعلين الدوليين في الشأن السوري، دخلت واشنطن على الخط بالقول إنها لن تعترف بشرعية هذا الاستحقاق، المستنكر أوروبياً، في ظلّ وضوح نوايا النظام وحليفيه الروسي والإيراني، لتوظيفه من أجل إعادة تعويم بشار الأسد، عبر انتخابه لفترة رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات. وتسعى روسيا لتحقيق ذلك من بوابة إعادة سورية إلى محيطها العربي والجامعة العربية، وهذا ما كان واضحاً خلال جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على عدد من العواصم الخليجية قبل أيام. في حين تأتي زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى سلطنة عُمان التي بدأها يوم أمس السبت، كمحطة يمكن التوقف عندها في هذا السياق.
وأعلن نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة بالإنابة، جيفري ديلورنتس، في تصريحات له أول من أمس الجمعة، أنّ إدارة بايدن “لن تعترف بنتائج الانتخابات في سورية، إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، وبشكل يراعي وجهة نظر المجتمع السوري بأسره”. وأكد ديلورنتس أنّ النظام السوري ينوي استغلال الانتخابات لتأكيد شرعية رئيس النظام بشار الأسد. وشدد على أنّ الإدارة الأميركية الحالية تعارض إجراء انتخابات “غير حرة” لا تخضع لإشراف الأمم المتحدة، مضيفاً: “نواصل التأكيد بحزم على أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو دفع العملية السياسية التي تفي بالشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254”. كذلك أشار ديلورنتس إلى أن “المعارضة السورية حاولت القيام بدور نشط في تطوير الدستور الجديد، لكنها قوبلت برفض دمشق التعاون في هذا الشأن”.
وفي الأشهر السابقة، حملت تصريحات غربية وحتى أميركية رفضاً واضحاً للانتخابات الرئاسية في سورية ونتائجها المتوقعة، بيد أنّ تصريحات ديلورنتس الأخيرة تقطع الشك باليقين، حيال نظرة الإدارة الأميركية وبايدن نفسه، إلى هذا الاستحقاق، الذي سيعتبر مفصلياً وحاسماً في طريق الأزمة السورية، التي أنهت قبل أيام عقدها الأول، بمئات الآلاف من الضحايا المدنيين؛ قتلى ومعتقلين، إلى جانب الملايين من النازحين واللاجئين.
ومع الخشية من أن يؤدي قرار بايدن بالعودة إلى التفاوض مع إيران بشأن ملف الأخيرة النووي إلى تراخٍ في الموقف الأميركي حيال النظام السوري، تزداد الضغوط من قبل الكونغرس على إدارة الرئيس الجديد لزيادة التشدّد في التعامل مع النظام وحلفائه، ولا سيما طهران. إذ طالب أعضاء من مجلس النواب الأميركي، أول من أمس الجمعة، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بتقديم إجابات رسمية بشأن تحديد الجرائم ضدّ الإنسانية التي ترتكبها إيران والمليشيات التي ترعاها، في سورية والعراق، وما إذا كانت إيران و”حزب الله” اللبناني والمليشيات المدعومة من طهران قد قامت بحملات تطهير طائفي في ضواحي دمشق، ما يمكن أن يعتبر منهجية واسعة الانتشار، وبالتالي فإنها تشكل جريمة موصوفة بحسب قوانين الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنّ هذه المطالبات هي جزء من مشروع قانون جديد يتعلق بضرورة معاقبة إيران لقيامها بانتهاكات لحقوق الإنسان داخل أراضيها وفي كل من العراق وسورية، إلا أنه ستكون له انعكاساته على تعامل إدارة بايدن مع النظام، الذي سهّل عمل إيران في سورية، وكان سبباً في توغلها بالبلاد، وشريكاً لها بجرائم وعمليات تغيير ديمغرافي على أساس طائفي.
وتأتي هذه التحركات الأميركية، لمواجهة سعي موسكو إلى تعويم الأسد من خلال إعادة نظامه إلى المحيط العربي، عبر تطبيع العلاقات مع الدول العربية، والخليجية تحديداً، لكسب تأييدها ودعمها المالي في عمليات إعادة الإعمار في سورية. وكان ذلك واضحاً من خلال جولة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الخليجية الأخيرة التي توقف خلالها في كل من الرياض وأبو ظبي والدوحة. بيد أنّ لافروف تلقّى إجابات غير مرضية في الرياض والدوحة، إذ تم ربط مسألة عودة سورية إلى الجامعة العربية بإنجاز الحل السياسي الشامل في البلاد، على أن تكون المعارضة جزءاً من هذا الحل. في حين أنّ الموقف الإيجابي اتجاه طرح لافروف والذي أبدته الإمارات، غير كافٍ، نظراً لهشاشة الثقل الإماراتي في الملف السوري، على الرغم من أنّ أبو ظبي سارت في طريق إعادة تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد قبل عامين، بهدف مساندته في مواجهة التمدد التركي في البلاد.
وبناءً على ذلك، يمكن اعتبار زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى العاصمة العمانية مسقط، والتي بدأها أمس السبت، امتداداً لجهود لافروف بتسويق فكرة إعادة النظام لمحيطه العربي من البوابة الخليجية. وتلعب سلطنة عمان، عادةً، دور الوسيط في نزاعات المنطقة، وخصوصاً بالنسبة لإيران التي تربطها بها علاقات جيدة. ويبدو أنّ النظام يحاول تعزيز علاقاته مع مسقط بهدف فكّ العزلة عنه والحصول على شرعية سياسية، خصوصاً في وقت يحضّر فيه لإجراء انتخابات رئاسية، معتمداً على سياسة “الحياد” التي تتبعها السلطنة. مع العلم أنّ سلطنة عُمان هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع النظام السوري، كما فعلت باقي الدول الخليجية، إذ عمدت فقط لتخفيض مستوى تمثيلها في دمشق عام 2012، إثر اندلاع الثورة السورية، وكانت أول دولة عربية وخليجية تعيد سفيرها إلى دمشق في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
وفي السياق، رأى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، عبد الأحد صطيفو، أنّ “المواقف الأميركية واضحة جداً وصارمة فيما يتعلق بانتخابات نظام الأسد الرئاسية المزمع عقدها خلال الأشهر المقبلة”. وأضاف في تصريح لـ”العربي الجديد” أنه “خلال متابعة وقراءة التصريحات الرسمية الأسبوع الماضي فقط، سواء لوزارة الخارجية أو للسفيرة ليندا توماس غرينفيلد، المندوب الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ورئيسة مجلس الأمن لهذا الشهر، إضافة إلى البيان المشترك لوزراء خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا الإثنين الماضي بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة السورية، يتضح لنا ثبات المواقف الرسمية ليس فقط لأميركا، ولكن للدول الأوروبية أيضاً الفاعلة في الملف السوري. إذ تؤكّد هذه المواقف بلغة لا تقبل التأويل أنّ انتخابات النظام المقبلة لن تكون حرة ولا نزيهة، ولا تسهم في تسوية الصراع، ولن تؤدي إلى التطبيع الدولي مع النظام أو تضفي الشرعية عليه، كونها لا تفي بالمعايير المنصوص عليها في القرار الأممي 2254 (لعام 2015). وينصّ هذا الأخير على تشكيل حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية (أي هيئة الحكم الانتقالي) وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقاً لأعلى معايير الشفافية الدولية، عملاً بالدستور الجديد، وتحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة جميع السوريين بمن فيهم الذين يعيشون في المهجر”.
وتابع صطيفو أنّ “المواقف الأميركية هي متناسقة ومتماسكة مع المواقف الأوروبية، كما جاء في عدد من مواقف وزارتي الخارجية الفرنسية والألمانية مثلاً، إضافة لبيانات الاتحاد الأوروبي وتصريحات المبعوث الأممي لسورية غير بيدرسن”. ولفت المتحدث نفسه إلى أنّ “الموقف الأميركي كذلك متوافق مع ما جاء في عقوبات قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران الماضي، ويؤكد استخدام الوسائل الاقتصادية والدبلوماسية والقسرية لإجبار حكومة بشار الأسد على دعم الانتقال السياسي في سورية. ووفقاً للمادة 401 من نص القانون، يتم تعليق العقوبات في حال تطبيق إجراءات بناء الثقة في ما يتعلق بالملفات الإنسانية والمحاسبة والانخراط الجاد في عملية سياسية تؤدي لحل سياسي عادل يحقق تطلعات شعبنا بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية ودولة المواطنة المتساوية”.
من جهته، رأى الباحث السياسي، والمعارض السوري، رضوان زيادة، أنّ موقف الإدارة الأميركية الجديدة “يتماشى مع الموقف الأميركي العام في عدم الاعتراف بنظام الأسد والإصرار على الانتقال السياسي، وربطه برفع العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر وتطبيق بنود القرار 2254”. وأشار زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “المطلوب من الولايات المتحدة الآن موقف أقوى لناحية الجدية في تطبيق قانون قيصر، وفرضه حتى على أصدقاء أميركا الذين يرغبون في إعادة تأهيل نظام الأسد، مثل عُمان والإمارات، كما فعلت الإدارة السابقة، وهذا يشترط وضع سورية كأولوية بالنسبة لواشنطن في السياسة الخارجية، وهو ما لم يحصل للأسف إلى الآن”.
العربي الجديد
——————————
سورية: حاضنة النظام والانتخابات/ عبسي سميسم
دخلت الثورة السورية عامها الحادي عشر، بأرقام مرعبة لأعداد القتلى، والمعتقلين والمغيبين قسرياً، والقتلى تحت التعذيب، والمهجرين، واللاجئين، خلّفها استخدام النظام الحل العسكري.
كما حلّت الذكرى بمؤشرات مخيفة عن مستوى الفقر، وتدمير الاقتصاد والبنى التحتية، وانخفاض قيمة الليرة السورية، فيما لا يزال النظام بدعم من حليفيه الروسي والإيراني مصراً على التمسك بالسلطة على الرغم من كل القرارات الأممية التي تدعو وتحدد طبيعة الحل السياسي في سورية، ولكن دون توافر إرادة دولية كافية لتطبيق تلك القرارات. ومنح هذا الوضع الفرصة للنظام للاستمرار بمسرحية الإعداد لانتخاب بشار الأسد لفترة رئاسية جديدة في 2021، غير مكترث بالنتائج الكارثية التي خلفها على السوريين بمن فيهم مؤيدوه والفئة التي اختارت الصمت مقابل البقاء في بيوتها.
وبدأ الجميع يتلمس نتائج استخدام النظام لكل مقدرات الدولة، من أجل صراع بقائه في السلطة، على حساب قوت يوم السوريين. وتجاوزت نسبة الذين يقبعون تحت خط الفقر ويعانون من أجل الحصول على قوت يومهم التسعين في المئة من السوريين الذين يعيشون في كنف النظام. وبدأت خلال الفترة الماضية تعلو أصوات هؤلاء، والذين يعتمد عليهم النظام كحاضنة شعبية له. وخرجت تظاهرات تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية تعامل معها النظام بداية بالوعود والتسويفات وإلقاء اللوم على المؤامرة الخارجية التي تستهدف سورية، إلا أن هذه المبررات لم تعد تنطلي على هؤلاء المواطنين، الذين ارتفعت حدة لهجتهم إلى دعوات لمقاطعة انتخاب بشار الأسد، وتحميله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.
لكن مع تصاعد حدة الاحتجاجات في بعض المناطق عمد النظام في الآونة الأخيرة إلى الحل الأمني لإسكات أصوات المحتجين، وتفريق المتظاهرين بالرصاص الحي كما حصل في تظاهرة حلب، وقبلها في احتجاجات السويداء، في مشهد يعيد الذاكرة إلى التظاهرات الأولى قبل عقد والتي خرجت تطالب بإجراء إصلاحات سياسية وتحسين أوضاع معيشية يبدو أن النظام لا يزال إلى الآن لا يرغب بإجرائها. وهو الأمر الذي ينذر بتصاعد حدة تلك الاحتجاجات، وفقدان النظام جزءاً كبيراً من حاضنته الشعبية.
لكن بالرغم من الاحتجاجات التي تظهر هنا وهناك ضمن مناطق سيطرة النظام، إلا أنها من غير المرجح أن تؤثر على مخططاته أو تغيّر في سلوكه، لأن طبيعته تقوم على عدم الاكتراث بأوضاع المواطنين، واللجوء إلى الحلول الأمنية واتهام كل من يحتج على وضع داخلي بالتآمر على أمن الوطن. وينتظر أن يستمر النظام بلعبة الانتخابات ما لم تتوفر إرادة دولية تجبره مع حلفائه على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية.
العربي الجديد
———————————
بايدن “يُسقط سلفاً” نتائج انتخابات الرئاسة السورية
أكد نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة جيفري ديلورنتس أن إدارة الرئيس جو بايدن “لن تعترف” بنتائج الانتخابات الرئاسية المقررة في سوريا، “إذا لم تحصل بإشراف الأمم المتحدة، مع مراعاة وجهة نظر المجتمع السوري كله”.
وتابع: “ينوي النظام السوري استغلال الإنتخابات لتأكيد شرعية رئيسه بشار الأسد، والإدارة الأميركية تعارض إجراء انتخابات غير حرة، وتواصل التأكيد بحزم أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو دفع العملية السياسية التي تفي بشروط قرار مجلس الأمن رقم 2254″، علماً أن الرئيس بايدن أكد في بيان وزعته البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة على الصحافيين، ضرورة أن يتحرك مجلس الأمن في شأن أزمات سوريا وليبيا واليمن وبورما وإثيوبيا.
وأورد البيان أن “بايدن استضاف الخميس الماضي الممثلين الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وأعاد تأكيد التزام الولايات المتحدة قيادة العالم استناداً الى قيم المؤسسات الدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، والتمسك بإعادة التعامل مع هذه المؤسسات”.
وقبل أيام تحدثت مصادر أميركية عن ان إدارة بايدن “تريد رحيل الأسد بأي وسيلة، وأنها مستعدة لإطلاق عمل عسكري ضد نظامه وعزله”، علماً ان الرئيس الديموقراطي سمح بتنفيذ ضربة أميركية ضد حلفاء النظام في سوريا نهاية شباط/ فبراير.
وفي السياق، كتب الدبلوماسي المنشق عن سفارة النظام السوري في واشنطن بسام برابندي على صفحته في “فايسبوك”، أن “أعضاءً في مجلس النواب طالبوا وزير الخارجية أنتوني بلينكن بتقديم إجابات رسمية عن ارتكاب إيران جرائم حرب ضد السوريين، خصوصاً في منطقة دمشق، إذا كانت هذه الجرائم نفِذت على أساس طائفي”.
وأشار الى ان طلب استجواب وزير الخارجية جاء ضمن مشروع قانون جديد يتعلق بضرورة معاقبة إيران على ارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان داخل أراضيها، وفي سوريا والعراق، علماً أن ناشطين سوريين يؤكدون تنفيذ إيران وميليشياتها جرائم قتل وتهجير وحصار طائفي موثقة في مناطق مختلفة من سوريا، خصوصاً دمشق وريفها.
——————-
سوريّو الداخل أمام مقصلة الانتخابات الرئاسية/ عبير نصر
بانتظار الاستحقاق الرئاسي السوري القادم، يبدو أن رأس النظام السوري ليس في حاجة لأيّ انتخابات، من أجل شرعنة بقائه في السلطة، لأنه يعلم جيداً بأنّ تلك المسرحية الممجوجة لن تغيّر من واقع الحال شيئاً، ومقاطعتها هي في الأساس جزء من الجانب الذي عمل عليه، مع أبيه، خلال خمسة عقود، وهو إقصاء المجتمع عن الحياةِ السياسية، وبالتأكيد لن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة، نقطة انعطاف حقيقي باتجاه طريق الصواب، وطيّ صفحة العشر العجاف، في وقت لم تفرز المعارضة فيه قيادة بديلة تتمتّع بالشفافية والجديّة، أمام المجتمع الدولي، بل بقيت رهينةَ أجندات دول تدعمها أو تحرّكها.
بشار الأسد ورث حكمَ سوريا من خلال تعديل دستوري حصل في أقلّ من ساعة، حيث أكمل القاصر سنّ الرئيس دستورياً، إثر وفاة حافظ الأسد وإحالة الكرسي لنائب الرئيس، حدث هذا في أول استفتاء رئاسي سوري تمّ في 10 تموز/يوليو عام 2000، وشهد إقبالاً جماهيرياً منقطع النظير، وشارك فيه 94.6 في المئة من الشعب السوري، ليفوز الأسد الابن بمنصب الرئاسة وبنسبة تصويت بلغت آنذاك 99.7 في المئة، وتكرّر السيناريو نفسه بعد سبع سنوات، ليُجرى الاستفتاء الرئاسي الثاني في 27 أيار/مايو من عام 2007، وهو سابع انتخابات رئاسية بعد استلام البعث للسلطة في البلاد، وثاني انتخاباتٍ تسفر عن فوز بشار الأسد بالرئاسة بنسبة تصويت بلغت 97.6 في المئة، وقد شارك فيها، وفق الإحصاءات الرسمية، 95.9 في المئة من الشعب السوري، أما الانتخابات الرئاسية الثالثة، والتي جرت في 3 حزيران/يونيو عام 2014، وهي أول انتخابات متعدّدة المرشحين، فقد فاز بها، وكما هو متوقع، بشار الأسد، المرشح الأول للرئاسة وبنسبة تصويت بلغت 88.7 في المئة، مقابل 4.3 في المئة للمرشح الثاني حسان النوري، أما المرشح الثالث ماهر الحجار فقد حصل على نسبة تصويت تعادل 3.2 في المئة، وكانت المحكمة الدستورية العليا، قد أعلنت أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية قد بلغت 73.42 في المئة.
والحقيقة أن النظام ليس قوياً بما يكفي ليدافعَ عن كرسيّه، لكنه يحظى بحلفاء أقوياء نسبياً، والروس واقعيون بطبيعة الحال، ويعرفون جيداً أن سوريا غير قابلة للإصلاح مع الأسد، لكن من دونه ستحلّ الفوضى، ولإظهار نفسه كفاعل لا غنى عنه، يبدو أن بشار الأسد ما زال يولي أهمية كبيرة لدور الإعلام في تثبيت وترويج السردية الرسمية، فظهر على قناة “روسيا اليوم” أواخر 2020، ليؤكد على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية بموعدها المحدد، وجدّد وزير الخارجية وليد المعلم خلال مقابلته مع القناة نفسها، كلام الأسد حول الانتخابات، لتأتي بعد وفاته تصريحات خلفه فيصل المقداد مؤكدا بدوره أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها المحدّد دون تأجيل، وبمعزل عن نتائج عمل اللجنة الدستورية، لذا من الطبيعي أن تكون الجولة الأخيرة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية مخيبة للآمال، بينما يواصل وفد النظام تجنّب الدخول في مناقشة القضايا الجوهرية. وليس من أمل يُذكر، وسط تخبّط المعارضة السورية وفشلها الذريع، وليس آخر أخطائها القاتلة، إعلان الائتلاف السوري عن تشكيل مفوضيّة عليا للانتخابات، والتي أثارت تساؤلات كثيرة في أوساط السوريين، حول ما إذا كان هذا الإعلان تمهيداً لمشاركة المعارضة السورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أم خطوة للاعتراف بشرعيّة النظام السوري في خوض الانتخابات، وتعويمه عن قصد أو بدون قصد، ولم يطل الأمر للتراجع عن هذا القرار الصادم، بعد أيامٍ قليلة.
ووسط الواقع المعيشي المأساوي، سيتجه السوريون إلى مراكز الاقتراع، لا لشيء، لأنهم يدركون أنهم لا يحلّون ولا يربطون وأن واجب الاقتراع، لم يكن حقاً لهم طيلة خمسة عقود، وسوريّو الداخل بالعموم ينقسمون إلى عدّة فئات: أخطرها الفئة التي ما زال أفرادها يسلّمون بالمقدّسة الشهيرة “الرئيس منيح بس يلّي حواليه فاسدين”، وكل الذين ينتمون إلى هذه الفئة سينتخبون الأسد ب”الروح والدم”. وهناك الفئة التي لا تزال أسيرة ما يُسمّى “ذاكرة الرعب الجمعيّة”، وأفرادها لا يرون أنّ بقاء النظام خيار محمود لبلاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكن لا بديل أفضل، وما بين السيء المعروف والأسوأ المجهول، ستصوّت للأسد مبدية ظاهرياً الولاء والطاعة، إلى جانب الفئة التي تؤمن بالمثل الشعبي “إلي بيتجوّز أمي بقلّو يا عمي”، والتي وقفت منذ البداية على الحياد، ووضعت مصالحها الشخصية فوق كل اعتبار، لذا ستصوّت حكماً، ما دامت تعيشُ داخل مساحة محصّنة من الأمان والرفاهية، أما الفئة التي يتسيّدها زعماء ما يُسمّى “كوابيس الرّعب والإتجار بالبشر”، والتي شبّت فوق جماجم السوريين واغتنت على حساب دمائهم ولقمة عيشهم، فهي أكثر من سيندفع، وبحماس أقرب إلى التوحش، لهذه الانتخابات، وحدها الفئة المثقفة المتوازنة، التي رأت في وحشيّة النظام، ومنذ أول رصاصة، الهوّة التي ستبتلع الجميع دون استثناء، ستنأى بنفسها عن هذا الاستحقاق الذي لا يمثلها، أسوة بالفئة الغاضبة وريثة الأحقاد الطائفية، التي ترفض بشكلٍ قطعيّ بقاء النظام في سدّة الحكم، شأنها أيضاً شأن الفئة التي تعيش تحت خطّ القهر والفقر، والتي ما عاد يعنيها أيّ حال، إن بقي أو تغيّر، لذا ستراقب، وبحيادٍ أقرب إلى الهذيان، كلّ هذا الخراب، الذي كان يُسمى في يوم من الأيام سوريا.
وحتّى اللحظة تكاد تغيب أيّ دعاية انتخابية لافتة للانتباه، تروّج للاستحقاق الرئاسي القادم، ويبدو أن غيابها جاء بأوامر مباشرة من نظام يلتفّ على مشاكله الجوهرية بالصمت، وفي الحقيقة سيكون ضرباً من ضروب الاستفزاز الذي لا يُحمد عقباه، صرف ملايين الليرات على دعاية انتخابية محسومة نتائجها سلفاً، بينما شعب بأكمله ينام على لحم بطنه.
سامر، الطالب الجامعي الذي يتحيّن أول فرصةٍ للهرب من هذه البلاد الخانقة يعلّق ساخراً: “هذا الهدوء يُنذر بعواصف سياسية قادمة، مع هذا سيجروننا كقطعان مطيعة إلى مقصلة الانتخابات، فنحن، ودون منازع، شعب الطوابير المختار، هم في الأساس يتعاملون مع أصواتنا بازدواجية غريبة، فإن ارتفع الصوت مطالباً بأدنى حقّ من حقوقه اتهم بالتخوين، عليه فقط أن يرتفع للحفاظ على سيادة كرسيه عندها يكون وطنياً بامتياز”، في هذا الوقت اكتفت الحكومة بتقديم منحة مادية خجولة لكلّ العاملين في الدوائر الحكومية والرسمية، الذين سيُجَرّون، وبالجملة، لإبداء طقوسِ الولاء والطاعة”.
ويكثر الكلام في بلد يطفو على بحر من الأوهام الديمقراطية، وتبقى الحقيقة الثابتة فيه، أنّ النظام سيبقى بعيداً عن ماراثون المبادرات الإصلاحية، ليبقى المشروع الديمقراطي السوري مجرّد فكرة مشتهاة، فالانتخابات لعبة سياسية مكشوفة، لإعادة تعويم النظام، ومنحه الشرعية التي لم تكن له يوماً، وهي لا تشبه الانتخابات بأي حال من الأحوال، ولا حتّى تلك التي تنظّمها الأنظمة الشمولية الاستبدادية.
المدن
————————
“بوتين قاتل” .. منعطف سياسي آخر/ فاطمة ياسين
استخدم الرئيس الأميركي، جو بايدن، إشارة “المكالمة الهاتفية الأولى” أسلوباً دبلوماسياً مع عدد من قادة الدول، منذ إعلانه رئيساً ودخوله البيت الأبيض، فأخّر اتصاله الأول مع نتنياهو والملك سلمان بن عبد العزيز مفجّراً شلالاً من الأسئلة والاستفسارات بشأن نواياه تجاههما، وقد ضنّ عليهما باتصاله الموعود، ولكنه لم يتعامل بالطريقة نفسها مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، فلم يمضِ أكثر من خمسة أيام على تنصيبه، حتى تلقى منه الأخير تلك المكالمة، لينجزا معاً اتفاقاً مهماً على تمديد معاهدة “ستارت 3” خمسة أعوام أخرى، وهي معاهدةٌ تنصّ على تخفيض عدد الرؤوس النووية وعدد القواعد التي تطلقها، على الرغم من أنه لم يكن اتصالاً ودوداً، بحسب بياناتٍ نشرت بعده. ففي حين أراد بوتين “تطبيع” العلاقة بين البلدين، كان بايدن حذراً. وقد ذكّر، في أثناء كلامه، بحادثة تسميم المعارض الروسي، أليكسي نافالني، لكن اللافت أن بايدن لم يؤجّل المحادثة، ما يعني أنه لا يرغب في قطع الصلات مع موسكو، ويريد إبقاء بعض الحبال موصولة ليتم جذب بعضها عند الحاجة.
ما يجعل اليوم ملف العلاقات بين البلدين مفروداً على طاولة الساسة والصحافيين المهتمين هو المقابلة التي أجراها بايدن قبل أيام، وردّه المثير على سؤال المذيع: هل تعتقد أن بوتين قاتل؟ فيتمتم لحظة قبل أن يجيب: أظن ذلك… يريد بايدن أن يمسح ما علق في أذهان مراقبي السياسة الأميركية من ليونةٍ مفترضةٍ كان يبديها دونالد ترامب تجاه بوتين بالذات. ومن تقاليد السياسة الأميركية أنه عند تبديل الحزب الحاكم، لا بد أن يُظهر الرئيس الجديد تبايناتٍ كثيرةً في سلوكه السياسي، ليبدو مختلفاً عمن سبقه. وهنا يحاول بايدن أن يفعل ذلك بشدة، ولديه سبب إضافي، هو قناعاته بأن بوتين كان يسعى إلى تشويه سمعته ليخسر الانتخابات، وهو ما أكّده تقرير مخابراتي. ينهي تعليق بايدن عن إجرام بوتين شهرين من الترقب الروسي، بعد حذر استمر طوال المدة السابقة، كي يظهر أين سيضع بايدن قدمه في الخطوة التالية تجاه روسيا. ويبدو من رد فعل بوتين المباشر أن هناك تغيراً سيحصل، ولكن ليس إلى الدرجة القصوى التي بدت في إجابة بايدن. ولذلك جاء رد بوتين مزيجاً من التحليل النفسي المموّه بموقف سياسي، والمشحون بالرغبة في رد الشتيمة الشخصية، حين وجه اتهاماً مبطناً لبايدن بالمرض أو الخرف السياسي بقوله: أتمنّى له الصحة. تبدو خيارات بايدن معروفةً ومحدودةً إلى درجة كبيرة، وقد تنحصر ببضع عقوباتٍ ذات شكل اقتصادي ومحتوى سياسي ستطبق على موسكو، تضاف إلى عقوبات كثيرة سابقة، وقد يتّسع طيفها ليشمل الصين أيضاً، حتى يبدو بايدن ذلك الرئيس العالمي المهتم بشؤون الكرة الأرضية كلها.
ويمكن لهذا التجافي الأميركي الروسي الذي تمليه ظروف السياسة الحالية أن يجرّ ركوداً أوروبياً روسياً أيضاً، ويزيد جرعة الانتقادات لروسيا، ولهذه المواقف أن تبقي ملفاتٍ عديدة عالقة، وبعضها في منتهى الخطورة، خصوصاً التي تشترك فيها إيران، كملفات سورية ولبنان واليمن والعراق، وهي بلدانٌ وصل بعضها إلى حافّة المجاعة العامة، من دون أي بادرة انفراج. ويأتي الآن الموقف الذي يعيد التوتر بين أميركا وروسيا اللتين تملكان كثيراً من مفاتيح الحل في تلك الدول، وهذا سيجعل كل شيء يجد طريقه إلى التأجيل. وقد تعقّدت أمور هذه الملفات حتى غدت تراثاً في المنطقة، لا يستطيع طرفٌ أن ينفرد بإيجاد حل لها عن طريق تحالفاتٍ مؤقتة. وضمن هذا الظرف، يمكن اعتبار رحلة سيرغي لافروف إلى منطقة الخليج محكومة بفشل موضوعي، بسبب الغياب الأميركي عنها، وربما على الدول التي ترجو مخرجاً أن تنتظر أربع سنوات أخرى، أو تغييراً جوهرياً في مسار العلاقات بين أميركا وروسيا، وعلى نحو أدق بين بوتين وبايدن بشكل شخصي.
العربي الجديد
——————————-
صراع روسي ـ إيراني على «بقايا» النفط السوري/ إبراهيم حميدي
حلفاء أميركا يسيطرون على 90 % من احتياطي الثروات الاستراتيجية
تفاقم «الصراع الخفي» بين روسيا وإيران على الثروة النفطية في شمال شرقي سوريا، غير الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا.
كان إنتاج سوريا من النفط يبلغ نحو 360 ألف برميل يومياً قبل 2011 وانخفض حالياً إلى حدود 80 ألف برميل. وقال وزير النفط السوري بسام طعمة، الخميس، إن الخسائر الإجمالية لقطاع النفط المباشرة وغير المباشرة تجاوزت 92 مليار دولار، لافتاً إلى أن أكثر 90 في المائة من الاحتياطي النفطي يقع تحت سيطرة الأميركيين وحلفائهم، في شرق الفرات، إلى جانب أهم مصانع الغاز ومعظم الثروات الزراعية والمائية والسدود في مساحة تبلغ حوالي 25 في المائة من سوريا، البالغة 185 ألف كلم مربع.
– حلفاء القامشلي
عادة، يجري الاحتفاظ بقسم من الإنتاج البدائي للنفط من الحقول شرق الفرات، التي لم تتعرض للتدمير لدى مراحل السيطرة العسكرية المختلفة بعد 2011، للاستهلاك المحلي بعد تكريره بمصاف محلية، أو أن يُنقل عبر وسطاء و«أمراء حرب» إلى مناطق سيطرة الحكومة للتكرير في مصفاة حمص أو بانياس لإعادة جزء منه إلى مناطق حلفاء واشنطن، أو استعماله في مناطق الحكومة. وتحصل أحياناً عمليات مقايضة مشتقات نفطية بالحبوب المنتجة شرق الفرات. ويتم تهريب قسم من النفط إلى كردستان العراق ثم إلى تركيا، لتوفير عائدات مالية لدعم «الإدارة الذاتية» شرق الفرات. وهناك اعتقاد أن هذه العمليات توفر بحدود 400 مليون دولار سنوياً، تصرف في الشؤون الإدارية لـ«الإدارة الذاتية» والعسكرية، بينها دعم حوالي مائة ألف مقاتل وعنصر شرطة تابعين لـ«قوات سوريا الديمقراطية».
واُدرجت على قائمة العقوبات الغربية، شخصيات وسيطة بين دمشق والقامشلي بينها «مجموعة قاطرجي»، إضافة إلى كامل قطاع النفط السوري. وجرت محادثات بين «الإدارة الذاتية» وشركات أميركية لاستثمار النفط. وفي أبريل (نيسان) الماضي، حصلت «دلتا كريسنت إينرجي» الأميركية على ترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية للعمل في شمال شرقي سوريا لتجاوز العقوبات.
وتأسست شركة «دلتا كريسنت إينرجي»، في ولاية ديلاوير الأميركية في فبراير (شباط) 2019. وبين الشركاء فيها جيمس كاين السفير الأميركي السابق في الدنمارك، وجيمس ريس الضابط السابق في قوة «دلتا» الخاصة بالجيش، وجون دورير المدير التنفيذي السابق في شركة «غلف ساندز بتروليوم» التي لا تزال تملك إحدى الآبار شرق الفرات وتنتج 20 ألف برميل يومياً، لكن لا علاقة لها بهذا العقد.
وفي يوليو (تموز)، أعلن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، أن قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، أبلغه بتوقيع اتفاق مع الشركة الأميركية، فيما قال وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وقتذاك، إن الاتفاق يرمي إلى «تحديث النفط». لكن العقد قوبل بانتقادات واسعة من دمشق وموسكو وطهران وأنقرة. وقال وزير النفط السوري إن هذه «قرصنة وسرقة لثروات السوريين». من جهتها، قالت واشنطن إن «النفط السوري مِلك للشعب السوري، ونحن لا نزال ملتزمين بوحدة وسلامة أراضي سوريا»، وإن «حكومة الولايات المتحدة لا تملك أو تسيطر أو تدير الموارد النفطية. يتخذ السكان في المناطق المحررة من (داعش) قراراتهم الخاصة بشأن الحكم المحلي». كان الرئيس السابق دونالد ترمب قال إن قواته قررت البقاء شرق سوريا لـ«حماية النفط» ومنع سقوطه بأيدي «داعش». ونأت شركة «غلف ساندز بتروليوم» البريطانية بنفسها عن اتفاق «دلتا كريسنت إينرجي» و«الإدارة الذاتية»، وهي تجري اتصالات لحماية مصالحها في بئر تنتج 20 ألف برميل يومياً.
– حلفاء دمشق
سعت دمشق للتعويض عن خسائرها لـ«سوريا المفيدة» بالحصول على مشتقات النفط من إيران، غير أنه في السنوات الأخيرة قوبلت الشحنات باعتراضات أميركية وإسرائيلية لدى نقلها عبر البحار، كان آخر حادث جرى الأربعاء الماضي لدى منع سفينة تحمل مشتقات من الوصول إلى الموانئ السورية.
وفي ضوء الأزمة الاقتصادية السورية والعقوبات الغربية وتوقف العمليات العسكرية، اتجه في الفترة الأخيرة، التركيز أكثر إلى استثمار ما تبقى من آبار النفط والغاز، حيث تسابقت طهران وموسكو للسيطرة على الثروات الطبيعية السورية التي تشمل الفوسفات أيضاً.
ووقعت دمشق وطهران في 2017 أربعة اتفاقات استراتيجية تتعلق بتشغيل شركة يدعمها «الحرس» الإيراني مشغلاً ثالثاً للهاتف النقال واستثمار الفوسفات لـ99 سنة، والاستحواذ على أراضٍ زراعية وصناعية وإقامة «ميناء نفطي» على المتوسط، إضافة إلى توقيع خط ائتمان لتمويل تصدير نفط خام ومشتقات نفطية إلى سوريا.
في المقابل، وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، عقدت سلسلة اجتماعات سورية – روسية لتطوير العلاقات الاقتصادية، لتكون في موازاة التعاون العسكري ووجود قاعدتي اللاذقية وطرطوس. وكانت الحكومة السورية وقعت بعد التدخل الروسي في نهاية 2015، مع شركة «إيفرو بوليس» التابعة ليفغيني بريغوجين ممول «جيش فاغنر»، اتفاقاً لحماية منشآت النفط والغاز وتحريرها من «داعش» مقابل الحصول على 25 من أرباحها – عائداتها. وكان عناصر «فاغنر» حاولوا الهجوم على مصنع غاز «كونوكو» شرق الفرات، لكنهم قوبلوا بقصف من القوات الأميركية، الأمر الذي أسفر عن مقتل حوالي 200 عنصر.
وتشير تقديرات إلى أنه في 2018 وصل عدد عناصر «فاغنر» إلى نحو 2500 يعملون في سوريا، سواء في أرض المعارك أو معسكرات التدريب الميداني، في وقت تتراوح تقديرات عدد أفراد الميليشيات الإيرانية غير السورية بين 20 و25 ألف عنصر. وأفيد بوجود حوالي 70 شركة أمنية خاصة تابعة لموالين لطهران وموسكو مسجلة رسمياً، بهدف حماية شركات وقوافل وآبار النفط.
ومع جمود العمليات العسكرية منذ مارس (آذار) الماضي وثبات خطوط التماس بين مناطق النفوذ الثلاث (شرق الفرات، إدلب، باقي سوريا)، احتدم التنافس الروسي – الإيراني على السيطرة على حقوق سيادية في مناطق الحكومة. وكان لافتاً أن عناصر ميليشيات إيرانية بينها «حزب الله» العراقي و«فاطميون»، سيطروا على حقول نفط وغاز في ريفي دير الزور والرقة، لكن موالين لروسيا عملوا على إخراجهم منها، وتدخلت الشرطة العسكرية الروسية لصالح «فاغنر» و«الفيلق الخامس» التابعة لقاعدة حميميم الروسية في اللاذقية لطرد الإيرانيين والحلول محلهم. وشملت قائمة السيطرة الروسية، حقول «الثورة» النفطي و«الورد» و«التيم» للنفط و«توينان» للغاز في ريف دير الزور والرقة. وأوكلت دمشق استثمار حقول دير الزور لشركة «أرفادا» التي يملكها «الإخوة قاطرجي»، المدرجون بـ«القائمة السوداء» غربياً.
يضاف إلى ذلك، سعي موسكو للاستحواذ عقود لاستثمار النفط في البحر المتوسط، إذ صادقت دمشق على عقد مع شركة «كابيتال» الروسية للحصول على حق حصري للتنقيب عن البترول وتنميته في بلوك بحري في «المنطقة الاقتصادية الخالصة لسوريا في البحر المتوسط، مقابل ساحل طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية اللبنانية» لمدة 29 سنة. وهذا هو الثاني، بعد توقيع عقد مع شركة «إيست ميد عمريت»، والممتد من شمال طرطوس إلى جنوب بانياس السورية.
ولا تزال طهران تسيطر على آبار في ريف البوكمال، منطقة نفوذها، منذ عام 2017 ومناجم الفوسفات في ريف تدمر، حيث عززت ميليشياتها نقاط الحماية لمناجم خنيفيس بموجب اتفاق مع دمشق في بداية 2017. وإن كانت موسكو حاولت مراراً السيطرة عليها. وتساهم «الشركات الأمنية» في حماية قوافل نقل المنتجات الاستراتيجية من فوسفات ونفط.
وإذ يقول مسؤولون أميركيون إن السيطرة على الثروات الطبيعية شرق الفرات هي إحدى «أدوات الضغط» على دمشق وموسكو وطهران، فإن الجانبين الروسي والإيراني مشغولان في التمكن من ثروات استراتيجية، لتعويض قيمة مساهمتهما في العمليات العسكرية والقبض على ورقة تفاوضية أساسية في مستقبل سوريا.
الشرق الأوسط
————————————
إعادة الإعمار في سوريا لمن الكعكة؟/ إبراهيم نوار
لم تسكت المدافع بعد. وما تزال سوريا مقسمة بين إرادات سياسية متعارضة. لكن الصراع على كعكة إعادة الإعمار لم يتوقف، منذ عام 2012 أي بعد عام واحد من انفجار الصراع الذي أدى إلى حرب أهلية. الكعكة كبيرة قدّرها ممثل الأمم المتحدة السابق في سوريا ستيفان دي ميستورا بما يتراوح بين 250 إلى 400 مليار دولار، بينما تصل الآن إلى ما يقرب من تريليون دولار، وتشمل إعادة بناء كل شيء في سوريا تقريبا، من المرافق الأساسية المادية إلى المساكن إلى رأس المال البشري والزراعة والصناعة والطاقة ومؤسسات الدولة. ومن ثم فهي تستحق العناء والصبر، لأن الفائز سيحصل على مكافأة ضخمة. ويقدر البنك الدولي أن عودة الاقتصاد السوري إلى ما كان عليه قبل عام 2011 سيحتاج إلى 10 سنوات على الأقل، إذا توفرت شروط التمويل والمهارات البشرية والتنظيمية والتكنولوجيا الملائمة لتحقيق نمو في الناتج المحلي بمعدل يزيد عن 5 في المئة سنويا. أما إذا تحقق النمو بنسبة 3 في المئة فإن سوريا ستحتاج إلى 20 عاما لكي تعود إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.
كيف تتم إعادة الإعمار؟
بدأ الإعداد لإعادة بناء سوريا بتشكيل مجموعة دولية تحت اسم «مجموعة أصدقاء سوريا» داخل إطار يضم 60 دولة ومنظمة متعددة الأطراف تشارك فيه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وعقدت مجموعة العمل التي تتولى التنسيق من أجل الإنعاش والتنمية الاقتصادية أول اجتماع لها في أبو ظبي ايار/مايو 2012. وعلى الرغم من التعهدات بالمساعدات والتمويل، فإن سوريا لم تشهد أي خطوات عملية للإعمار بسبب استمرار الحرب. وهكذا فإن دور البنك الدولي والأمم المتحدة ومجموعة أصدقاء سوريا تبخر تماما، باستثناء عدد محدود من المشروعات، معظمها لأغراض إنسانية مثل مشاريع الإغاثة للاجئين والنازحين، ومشروع إعادة تأهيل محطتين لتوليد الكهرباء في طرطوس وحماة، مولته اليابان بقيمة 11.5 مليون دولار، بمقتضى مذكرة تفاهم مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي عام 2016 ونفذته شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.
روسيا والنفط
أحدث دخول روسيا إلى ساحة الحرب السورية عام 2015 تغييرا جوهريا في قواعد لعبة الصراع بين الأسد وخصومه. وبينما كان الرئيس السوري قاب قوسين أو أدنى من السقوط، فإن روسيا مدت له يد العون وساعدته على فرض سيطرته على ما يقرب من 65 في المئة من الأراضي السورية. وبلغت تقديرات تكلفة التدخل الروسي في ذروة الحرب بما يتراوح بين 2.4 مليون إلى 4 ملايين دولار يوميا. وفي مقابل هذا التدخل حصلت روسيا على مكاسب مهمة، منها تصفية عدة آلاف من المتشددين الإسلاميين من بلدان الاتحاد السوفييتي السابقة مثل الشيشان، المنخرطين في الصراع المسلح ضد الحكومة السورية. وتوسيع الوجود العسكري الروسي في شرق البحر المتوسط في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية.
وعلى الصعيد الاقتصادي تعتبر روسيا الرابح الأكبر بين الدول الحليفة لنظام بشار الأسد، خصوصا مع دورها في إعادة تشغيل قطاع النفط والغاز. وفي هذا السياق وقعت الحكومة السورية مع روسيا عددا من الاتفاقيات تمنح شركات روسية صغيرة مملوكة لمقربين من الرئيس الروسي بوتين، عقودا تصل مدتها إلى 50 عاما لإعادة تأهيل وتشغيل حقول النفط والغاز القائمة، والتنقيب عن النفط والمعادن داخل الأراضي السورية وفي المناطق البحرية قبالة شواطئها في شرق البحر المتوسط، على أساس نسب مشاركة تبلغ 70 في المئة للجانب الروسي و30 في المئة للجانب السوري. وتقدر قيمة العقود الروسية في قطاع النفط والغاز السوري منذ عام 2017 حتى الآن بما يقرب من 40 مليار دولار.
ويتم إنتاج النفط والغاز حاليا في محافظات الحسكة ودير الزور وتدمر وبالقرب من دمشق. وتتولى شركات روسية تشغيل الحقول الخاضعة لسيطرة الحكومة، بينما تتولى شركات أمريكية صغيرة، معفاة من العقوبات، تشغيل الحقول في المناطق التي تخضع لسلطة قوات سوريا الديمقراطية. ويتم تصدير كميات قليلة حاليا من النفط السوري مقابل الحصول على الوقود، بعد أن كان أكثر من 95 في المئة منه يذهب إلى أوروبا الغربية. كما تقوم مصافي النفط السورية باستقبال النفط القادم من المنطقة الكردية لتكريره والحصول على نسبة 30 في المئة من المشتقات النفطية مقابل التكرير. وتشير تقارير مراقبة المعابر البرية أيضا إلى أن نسبة من نفط سوريا يتم تصديرها برا إلى الحدود التركية. وفي مجالات التعدين تعمل الشركات الروسية في استخراج الفوسفات وتطوير المناجم في حماة، وإدارة مجمع الفوسفات في حمص. كما تقوم شركات روسية بتطوير ميناء طرطوس.
وفي عام 2018 أتمت الشركات الروسية تطوير حقول للغاز في شمال دمشق بطاقة إنتاجية تبلغ مليون متر مكعب يوميا. ومع أن تلك الشركات حققت نتائج كبيرة في مجالات تشغيل الحقول البرية وتطويرها، فإن الروس يعتقدون أن ثروة سوريا الحقيقية من النفط والغاز تتركز في منطقتي البادية والساحل بنسبة 83 في المئة، مقابل نسبة تبلغ 12 في المئة فقط في منطقة الجزيرة الغنية بالإنتاج حاليا، التي من المتوقع أن يبدأ نضوب آبارها في عام 2023. وتصديقا لهذه التقديرات قال وزير النفط السوري إن احتياطي بلوك رقم 1 في القطاع البحري السوري يعادل كل الاحتياطي المعروف في الحقول البرية. ولم يبدأ حتى الآن إنتاج الغاز من المناطق البحرية، على الرغم من أن سوريا وقعت في عام 2013 اتفاقا مع شركة سويوز الروسية للنفط والغاز للتنقيب في منطقة حقل عمريت البحري. وليس من المتوقع أن تتمكن سوريا من تحقيق اكتشافات في المناطق البحرية ما لم تشارك في عمليات التنقيب شركات روسية ضخمة ذات خبرة مثل روسنفط وغازبروم. لكن المشاركة المباشرة لهذه الشركات سوف تعرضها للعقوبات. وتقدر هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية احتياطي الغاز الطبيعي في القطاع البحري لسوريا في شرق البحر المتوسط بحوالي 700 مليار متر مكعب. وفي حال استغلاله ستصبح سوريا واحدا من أهم البلدان المنتجة للغاز في العالم.
المصالح الإيرانية في السوق
تعتبر القيادة الإيرانية أن سوريا هي مشروعها الثاني الكبير في الشرق الأوسط بعد العراق. ولذلك فإنها تعتبر أن أي مساعدات تقدمها هناك يجب أن تعود بالنفع عليها. وطبقا لتصريحات أدلى بها علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني فإنها قدمت مساعدات لسوريا تبلغ حوالي 8 مليارات دولار سنويا منذ بدء الصراع. وفي مقابل هذه المساعدات الاقتصادية والعسكرية، حصلت الشركات الإيرانية على امتيازات وعقود في كافة المجالات تقريبا، بما في ذلك صيانة محطات الكهرباء والتجارة والمقاولات والنقل والسياحة. وبسبب نقص السيولة المالية المتاحة للحكومة السورية فإن إيران أتاحت خطوطا مممتدة للتسهيلات الائتمانية المخصصة لتمويل صادراتها إلى سوريا. وحتى عام 2019 تم توقيع ثلاثة خطوط ائتمان بقيمة 6.6 مليار دولار، لا تشمل إمدادات السلاح والمعدات العسكرية. ويتم استخدام هذه التسهيلات بواسطة شركات إيرانية تقوم بتنفيذ التعاقدات التجارية مع سوريا، وبهذا تضمن إيران أن تتم المعاملات السلعية والتسويات المالية داخل دائرة إيرانية مغلقة، لا تتسرب منها الأموال أو السلع إلى أياد سورية.
غير أن إيران لم تتمكن من استثمار بعض الفرص التي أتيحت لها في قطاعات الاتصالات والكهرباء واستخراج وتصنيع وتصدير الفوسفات. ففي كانون الثاني/يناير 2017 وقعت الحكومتان السورية والإيرانية مذكرة تفاهم تمنح الشركات الإيرانية حقوق استخراج الفوسفات من مناجم الفوسفات الشرقية في تدمر، لكن تلك الشركات فشلت في بدء الأعمال. وبعد 6 أشهر سحبت سوريا الامتياز ومنحته إلى شركة «ستروي ترانس غاز» الروسية لاستخراج 2.2 مليون طن من الفوسفات سنويا لمدة 50 عاما مع حصول الجانب السوري على نسبة 30 في المئة من الإيرادات.
وتسيطر إيران على عدد مهم من المعابر التجارية التي تتحكم في حركة السلع عبر سوريا أو مع العراق، أهمها معبر البوكمال الذي تستغله لأغراض مدنية-عسكرية تشمل نقل الأسلحة والذخائر والمسلحين القادمين من إيران إلى سوريا عبر العراق. وكانت إيران قد وقعت اتفاقية تجارة حرة مع سوريا عام 2011 كما وضعت تصميما لمشروع خط أنابيب عبر العراق وسوريا إلى ساحل البحر المتوسط، وربط طهران وبغداد ودمشق بشبكة من الطرق لتسهيل حركة الأفراد والتجارة والاستثمارات.
حدود تأثير العقوبات وقانون قيصر
تخضع سوريا لقائمة واسعة من العقوبات الأوروبية والأمريكية تعرقل التنمية في كل القطاعات، لكن بعض جماعات المعارضة والمناطق غير الخاضعة لسلطة الحكومة مثل المناطق التي تديرها القوات الكردية «قوات سوريا الديمقراطية» تتمتع باستثناء من العقوبات، وتحصل الشركات العاملة فيها على تراخيص تسمح لها بالنشاط، مثل الشركات التي تعمل في حقول النفط والغاز.
ويعتبر قانون قيصر صيغة من صيغ العقوبات الثانوية التي تفرضها الولايات المتحدة على أطراف أخرى، بسبب تعاملها مع حكومات أو مؤسسات تخضع لعقوبات أمريكية. وقد أصدره الكونغرس في كانون الأول/ديسمبر 2019 وبدأ سريانه في 17 حزيران/يونيو العام الماضي. ويتضمن القانون فرض عقوبات على الأشخاص والشركات والبنوك التي تقدم مساعدات للحكومة السورية في أي صورة من الصور، مثل تقديم الدعم المالي أو عقد صفقات كبيرة مع النظام أو الكيانات التابعة له، أو إقراض الحكومة السورية أو إمدادها بتسهيلات ائتمانية، أو المساعدة في إنتاج النفط والغاز، أو تقديم قطع غيار للطائرات، أو إمداد القوات السورية بمعدات عسكرية. ويمكن أن تصل هذه العقوبات إلى درجة خطيرة في حال تصنيف البنك المركزي السوري كمؤسسة تستخدم في غسيل الأموال، وهو ما يترتب عليه فرض عقوبات بواسطة الخزانة الأمريكية.
ولا شك أن تطبيق العقوبات الثانوية يمكن أن يسبب ضررا كبيرا للنظام الاقتصادي السوري، حتى في حال رفع العقوبات الأوروبية. لكن هذا الضرر قد يصبح هامشيا وغير ذي أثر يذكر، طالما بقيت المعاملات الخارجية لسوريا محصورة مع دول برعت في تحدي نظم العقوبات الدولية، مثل إيران وروسيا والصين. وبالنظر إلى طبيعة المعاملات الاقتصادية السورية مع العالم الخارجي في السنوات العشر الأخيرة، فإن أشد الأزمات التي تعرضت لها سورية بسبب العقوبات حدثت في قطاعي الوقود والتمويل، مما أدى إلى اتساع نطاق أزمات الوقود والكهرباء وانهيار سعر الليرة.
وإذا أرادت تنفيذ مشروعات إعمار ضخمة بمشاركة مؤسسات دولية، فانها لن تستطيع تحقيق ذلك، بسبب قانون قيصر الأمريكي، حيث ستخضع كل البنوك والشركات التي تتعاون مع سوريا لعقوبات ثانوية، كما هو حادث الآن مع الشركات التي تعمل في تنفيذ خط أنابيب الغاز الشمالي الممتد من سيبيريا حتى المانيا «نورد ستريم -2». كما أن دول الاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية المعنية بالإعمار في سوريا، بما في ذلك الصين، أصدرت إشارات واضحة بعدم استعدادها للمشاركة في مشاريع الإعمار ما لم تتوقف الحرب، ويتم التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة للأوضاع، تنهي الصراع بين الأطراف المختلفة في سوريا. ونتيجة لذلك فإن الدول التي تتمتع بامتيازات اقتصادية في سوريا حاليا ستظل في وضع المستفيد الحصري بمشروعات الإعمار، الممكنة بالتحايل على القوانين الدولية، وهو ما يعني أن عملية إعادة الإعمار ستظل كسيحة ومحدودة لمدة طويلة. ومع بقاء الأسد في السلطة، ووجود مصلحة لأطراف كثيرة في استمراره، بما في ذلك إسرائيل، وضخامة حجم كعكة الإعمار، فربما تتزايد احتمالات المصالحة، وترتيب نوع من الإدارة السياسية يمكن أن يصل إلى حد الاتفاق على إقامة نظام فيدرالي، يسمح بالإدارة الذاتية للمناطق المستقلة نسبيا في شرق وشمال سوريا، وبنفوذ تركي تحكمه ترتيبات إقليمية متفق عليها في منطقة الشريط الحدودي الشمالي الغربي، وهو ما يمكن أن يساعد على تخفيف العقوبات ووقفها تدريجيا. ومن ثم فإن بوابة مشروعات إعادة الإعمار ستصبح مفتوحة على مصراعيها، بعيدا عن العقوبات وعن الحقوق الحصرية التي تتمتع بها حاليا روسيا وإيران في مناطق سيطرة بشار الأسد (حوالي 65 في المئة) وتركيا في الشمال الغربي (حوالي 10 في المئة) والقوى الكردية والولايات المتحدة في الشرق والشمال الشرقي (حوالي 25 في المئة) من سوريا.
القدس العربي
————————-
خيارات إدارة بايدن في سوريا تتقلص وسياسة واشنطن لا تزال غامضة بشأن العملية السياسية/ رائد صالحة
أكدت الولايات المتحدة أنها ملتزمة بتسوية سياسية تتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 لإنهاء الصراع في سوريا، بالتشاور الوثيق مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة، ولكن يبدو أن هذه التسوية، التي أعلنها مرة أخرى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تنطوي على عواقب لرئيس النظام السوري بشار الأسد وحكومته.
وقال المتحدث الأمريكي إن الإدارة «ستستخدم الأدوات المتاحة، بما في ذلك الضغط الاقتصادي، من أجل إصلاح ذا مغزى ومساءلة نظام الأسد» في حين تم إدراج المعركة ضد تنظيم «الدولة» في الوقت الحاضر كأولوية ثالثة.
واستنتج المحللون الأمريكيون أن الأسد غير مستعد للمغادرة في أي وقت، على الرغم من الوضع الكارثي في البلاد، في وقت تحاول فيه روسيا تخفيف الضغط عن النظام السوري، ولكن المتحدث الأمريكي أكد ثانية أن تغيير نهج واشنطن لن يأتي إلا استجابة لتحول في دمشق.
وأقر المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، بأنه لن تكون هناك نهاية مستدامة للصراع السوري قبل أن يغير النظام سلوكه، مؤكداً أن واشنطن بصدد مراجعة ما قد تفعله لتعزيز احتمالات التسوية السياسية.
وأصدر وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في وقت لاحق بياناً مشتركاً إلى جانب نظرائه من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا حول الشأن السوري بعد 10 سنوات من بدء احتجاجات ضد النظام، جاء فيه إن الأسد وكل من دعمه يتحملون المسؤولية عن السنوات الماضية من حرب ومعاناة إنسانية.
وأشار البيان إلى تدهور الوضع الاقتصادي لسوريا وحاجتها المستمرة للمساعدات الإنسانية، كما أكد على رفض الانتخابات السورية المزعومة ووصفها بأنها مشهد «لن يكون حراً ولا نزيهاً ولا يؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام السوري».
وبدت الكرة في ملعب واشنطن بعد حديث عن «هدوء هش مزعوم» في سوريا ودعوات أممية للدفع بعملية دبلوماسية جديدة حول سوريا، في حين حذر العديد من السياسيين من عدم قدرة أي دولة على وضع قواعد اللعبة في سوريا وحدها. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية المتعاقبة لم تكن تشعر بإلحاح للتصدي للحرب الدموية في سوريا، وبالنسبة لإدارة بايدن، لا يزال هناك نوع من الغموض حول سياسة الإدارة الجديدة بشأن سوريا.
وأشار محللون أمريكيون إلى أن روسيا تحاول فتح الباب أمام تعاون محتمل مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشأن السوري، بعد أن وصلت الحرب الدموية في البلاد إلى علامة فارقة قاتمة، هي مرور 10 سنوات على الكارثة.
وأكد ناطق للسفارة الروسية في واشنطن أن هناك مجالاً للتعاون بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا، ولكن للقيام بذلك يجب التغلب على لغة التنافس التي تعود للحرب الباردة، والتي تعتمد على المصالح المتعارضة والاتهامات البارزة.
وأشارت صحف أمريكية إلى أن واشنطن وموسكو وجدتا أرضية مشتركة في سوريا في المعركة متعددة الجنسيات ضد تنظيم «الدولة» ولكن هناك حاجة الآن لتحديد مجالات إضافية للتفاهم المتبادل.
وبالنسبة لموسكو، فإن التعاون المشترك يعني عدم اعتراض الجهود الأمريكية في تقديم المساعدات الإنسانية ومكافحة الإرهاب ودفع العملية السياسية إلى الأمام، وفقاً لرؤية قريبة من نهج روسيا.
وهذا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تعيد النظر في المقاربات والإجراءات المتعلقة بحليفها رئيس النظام السوري بشار الأسد، وإعادة التفكير في الاستراتيجيات الأمريكية في سوريا.
لم تحقق الإدارات الأمريكية السابقة أي تقدم يذكر في الشأن السوري، ولكن العديد من المحللين يتوقعون أن تكون إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر نشاطاً من تلك التي سبقتها.
وقال العديد من المحللين إن الوقت حان إعادة انخراط الولايات المتحدة لتحقيق التوازن بين الأجندات الروسية والإيرانية في سوريا، وأكدوا أن هناك ضرورة لقيام واشنطن بإجراء محادثات مع تركيا وموسكو للتوصل إلى حد وسط بشأن الحد الأدنى من الشروط المقبولة في أي عملية مفاوضات بخصوص سوريا.
حقول النفط
ولا تخطط القوات الأمريكية لمغادرة سوريا قريباً، ولا يبدو أن إدارة بايدن على عجلة من أمرها لسحب 900 جندي أمريكي بقوا في البلاد، وهي قوة صغيرة نسبياً، يرى العديد من مسؤولي البيت الأبيض أنها ضرورية لمنع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» ومنع الأطراف الأخرى، بما في ذلك روسيا وإيران وقوات رئيس النظام السوري من السيطرة على حقول النفط.
ولكن التزام بايدن بالإبقاء على القوات هناك على المدى البعيد غير مؤكد، حيث قال العديد من مسؤولي البيت الأبيض انهم يراجعون وجود القوات في سوريا، وهو أعلان أثار مخاوف من أن يعيد بايدن النظر في الانتشار كجزء من تقليص أكبر للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط والتحول المخطط له نحو آسيا.
وقال الجنرال كينيث ماكنزي جونيور، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، في مقابلة مع الصحافة الأمريكية بعد زيارته لشرق سوريا إن السؤال الأول في المنطقة كان هو ما الذي ستفعله إدارة بايدن في سوريا، مشيراً إلى أنه ينتظر توجيهات من الإدارة بهذا الشأن.
ووصف روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا خلال إدارة أوباما، الاستراتيجية الأمريكية بأنها «معيبة للغاية».
وقد ساعدت الولايات المتحدة القوات الكردية (قوات سوريا الديمقراطية) على ترسيخ سيطرتها في شرق سوريا، وخلقت بديلاً للنظام وورقة مساومة إذا ما مضت الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية للحرب الأهلية إلى الأمام، واستنتج خبراء أن الاحتفاظ بالقوات الأمريكية في شرق سوريا سيساعد على السيطرة على الحدود السورية-العراقية، مما يؤدي إلى تحقيق هدف واشنطن في احتواء نفوذ إيران المتزايد في المنطقة.
ولاحظ محللون أن بايدن قد يجد صعوبة بالفعل في عدم استخدام العامل العسكري في التعامل مع الميليشيات في سوريا، وكان أول عمل عسكري معروف له هو الأمر بشن غارة في شباط/فبراير ضد معسكر في سوريا، بالقرب من الحدود مع العراق، رداً على هجوم ميليشيا مدعومة من إيران على قاعدة أمريكية في العراق.
وقد ركز الرئيس الأسبق، باراك أوباما على تقديم المساعدات الإنسانية والمفاوضات السياسية الهادفة إلى الإطاحة بالأسد، وتقليص الوجود العسكري هناك، ووافق على مساعدة عسكرية سرية لإنشاء قوة معارضة سورية معتدلة، ولكنها ظهرت كجهد فاتر نتجت عنه نتائج هزيلة.
وتعهد ترامب مراراً بالانسحاب من سوريا بعد هزيمة تنظيم «الدولة» ولكنه تراجع بعد استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس احتجاجاً، وفي العام الماضي، أمر ترامب بسحب القوات من الحدود الشمالية بالقرب من الحدود التركية كجزء من تحرك مخطط له لسحب جميع القوات، ولكن تحت ضغط البنتاغون، وافق لاحقاً على إبقاء القوات في الشرق لمواصلة العمل مع القوات الكردية والمساعدة على حماية حقول النفط.
ومع عزم أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على طرح مشروع قانون لإلغاء تراخيص الحرب، فإن خيارات بايدن ستكون محدودة للغاية في الشأن السوري من الناحية العسكرية، حيث قدم مجموعة من النواب مشروع قانون لإلغاء تفويض عام 1991 لاستخدام القوة العسكرية في حرب العراق 2002 وقرار 1957 الذي يجيز العمل العسكري في الشرق الأوسط.
ووصف مقدمو المشروع القانون بأنه خطوة أولى نحو استعادة سلطة الكونغرس الدستورية لإعلان الحرب.
وقد حصل مشروع القانون على زخم جديد بعد استخدام بايدن التفويض لشن غارات جوية على الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا.
—————————-
المخطط بدأ مع وصول بشار الأسد للسلطة وكشفته الثورة السورية التغيير الديموغرافي في سوريا مشروع إيراني عابر للحدود
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أكد أن النظام السوري مارس عدة مخططات في الهندسة السكانية والتغيير الديموغرافي، مستبعدا نجاح بشار الأسد في إحداث تغيير ديموغرافي في البلاد، على اعتبار أن الغالبية السكانية هي من الأكثرية السنية.
وقال لـ «القدس العربي»: النظام السوري غير ديموغرافيا عدة مواقع سورية، لعل أبرزها محافظة حمص- وسط وفي محيط دمشق ودير الزور وريف حلب، وهنا استخدم النظام العديد من الأدوات للتغيير الديموغرافي، منها المجازر الطائفية والعنف الجنسي بهدف إرهاب السكان، والقوانين التي تسمح له بالسطو على أملاك السوريين.
ويرى مدير الشبكة السورية، أن التغيير الديموغرافي مرتبط إلى حد كبير بالتهجير القسري للسوريين، فعدد المهجرين اليوم يقدر بحوالي 13 مليونا بين نازح داخليا ولاجئ خارج الحدود، وهي حرب تهدف إلى التغيير الديموغرافي.
كما أن الأسد يقوم بتجنيس غير السوريين، وهو غير قانوني وغير شرعي، كما اعتبر المصدر أن النظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية بغية الوصول إلى مبتغاه، إضافة إلى استغلال الأسد لفقر السكان المحليين، لتغيير توجههم الديني، في خطوة تتبع لسياسات النظام الإيراني.
مخطط إيراني
يرى خبراء في الشأن السوري، أن ملف التغيير الديموغرافي في سوريا، لم يولد بسبب إنطلاق الاحتجاجات الشعبية في البلاد عام 2011 بل أن الثورة كانت من أهم العوامل الكاشفة لخفايا المشروع الذي تقوده إيران في المنطقة العربية، والذي يشمل عددا من الدول العربية كالعراق ولبنان، سوريا واليمن.
وأن دمشق باتت مهيئة لتنفيذ ذلك المخطط مع سيطرة بشار الأسد على السلطة بعد تعديل الدستور خلال فترة وجيزة للغاية، وهو ما شرع الأبواب على مصراعيها للتغلغل الإيراني وتطبيق التغيير الديموغرافي على عدة مستويات باستخدام أدوات ناعمة بداية لاقتحام المجتمع السوري، واستغلال وجود بعض المواقع المذهبية لطهران في سوريا والتي شكلت معسكرات لإحداث التغيير في النسيج الاجتماعي المحلي.
الخبير في العلاقات الدولية محمد العطار، قال لـ «القدس العربي»: «التغيير الديموغرافي الفعلي بدأ في سوريا منذ عام 2005 جراء تعاون وتماهي بشار الأسد مع الرغبات الإيرانية، واستقبال قوافل الحجيج الإيراني إلى ما يسمى المناطق المقدسة-المراقد الدينية في سوريا».
وهي سياسة ساهمت بمضاعفة أعداد الإيرانيين في البلاد أضعاف ما كانت عليه في عهد والده حافظ الأسد، مضيفا، حتى تلك المرحلة، لم يصل المخطط إلى مرحلة التغيير الديموغرافي في النسيج السوري، بل يمكن وصفه بالتغلغل الديني المذهبي، ثم بدأت مرحلة استغلال الفقر والعجز المالي لبعض السوريين في مواقع مختلفة من العاصمة- دمشق إلى سهول حوران جنوبا، وصولا للشرق السوري ووسط البلاد.
نقطة التحول الكبرى، وفق الخبير العطار، بدأت بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، إذ توجه بشار الأسد آنذاك للاستعانة بالقوة الإيرانية المتنوعة، حتى توغلت طهران في مفاصل الدولة السورية بما فيها مؤسسات مدنية وعسكرية، أما على صعيد المجتمع فتوغلت عبر الجمعيات الخيرية والاعتماد على المشافي والمراكز الطبية.
بعد انطلاق الثورة في عام 2011 ساهمت إيران إلى حد ما في دفع النظام السوري نحو الحل العسكري الشامل لمواجهة السوريين، ثم أوعزت لزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله بعبور الحدود اللبنانية-السورية، ليس لحماية النظام السوري فحسب، بل كبداية لتطبيق التغيير الديموغرافي في الجغرافية السورية، وهو ما حصل فعلا، إذ استولى حزب الله على مدن وبلدات وانتشر في مساحات أكبر بحجة الدفاع عن الأسد ونظامه، فارتكب مجازر مروعة بحق السوريين، أسوة بجيش ومخابرات النظام، وكل ذلك تم برعاية وتأييد إيراني مباشر.
وفي خطوة تالية للمخطط الإيراني، بدأ الحرس الثوري الإيراني بشحن آلاف المقاتلين من عشرات الميليشيات المذهبية الطائفية إلى سوريا، وكذلك الميليشيات القومية الموالية للمخططات والمشاريع الإيرانية، وهو ما ساهم بدوره في تثبيت الأقدام الإيرانية في العديد من المحافظات السورية.
ثم بدأت إيران بإرسال المعممين الشيعة إلى سوريا، بهدف الترويج للتشيع عبر استخدام عدة طرق خدمية ومذهبية، خاصة في المدن والبلدات التي تمركزت فيها الميليشيات الطائفية والتي يبلغ تعدادها أكثر من 65 ميليشيا شيعية.
هنا بدأ النظام السوري بتجنيس عناصر تلك الميليشيات ومنحهم بطاقات الهوية السورية، وهذا ما أكده بشار الأسد في خطاب له، عندما تحدث عن مجتمع متجانس، وأن سوريا لمن يدافع عنها فقط.
مصلحة إيران لم تكن بإنهاء الحرب في سوريا والتي كانت هي أحد أبرز أركانها، إذ كانت طهران بحاجة ماسة لعامل الوقت لتأسيس قاعدة اجتماعية ودينية وعسكرية تؤسس لمرحلة بالغة الحساسية في سوريا، تبدأ معها سياسة إحداث حزام أمني مذهبي حول العاصمة، وهو ما تم فعلا إذ انتشرت الميليشيات الإيرانية والحرس الثوري على طول المناطق المحاذية لدمشق، وشيعت العديد من المناطق وعدد ليس بالقليل من العائلات السورية التي كانت تحمل هوية الأكثرية.
وقال العطار: إيران خططت لمعادلة التغيير الديموغرافي قبل الثورة السورية وكثفت جهودها في ذلك منذ انطلاق الثورة التونسية، فهي كانت تدرك بأن المجتمع الدولي سيرفض تواجدها في سوريا.
لذلك اعتمدت على القوة الناعمة المبنية على حاجة السوريين وتأثرهم بنتائج الحرب لتحقيق ما تصبو إليه، في حال تم إجبارها على الانسحاب العسكري من البلاد، فهي بذلك ستكون قد بنت قاعدة محلية تمهد لإعادتها مستقبلا.
ثلاث فيدراليات عسكرية
أما السياسي السوري درويش خليفة، فيرى أن خطة النظام وحلفائه الطائفيين بعد تهجير أهالي القصير في ريف حمص الغربي من قبل قوات النظام السوري وميليشيا حزب الله اللبناني عام 2013 أنهم ذاهبون بهذا الاتجاه من خلال قتل مناهضي الأسد أو اعتقالهم وتهجير ذويهم وقتلهم في الكثير من الأحيان.
إلى أن تدخلت الحكومة الروسية عسكريا ليصبح قتل سكان المناطق الثائرة جوا من خلال القصف بالطائرات وتهجيرهم برًا.
وكل هذا حدث أمام مرأى الأمم المتحدة والدول الخمس الكبرى دون تحريك ساكن منهم بأستثناء بعض الإدانات والبيانات الصحافية.
خليفة قال لـ «القدس العربي»: ما نسمعه من تصريحات قادة الدبلوماسية الإقليمية والدولية المعنية بالشأن السوري، لا تعكس الواقع بوحدة سوريا واستقلالية قرارها، وهذا ما يتجلى بوجود ثلاث فيدراليات عسكرية مصيرها البقاء عقدا آخر من الزمن على أقل تقدير، من وجهة نظري.
التغيير الديموغرافي أو الهندسة الديموغرافية كما يروجها البعض؛ جريمة عندما تتم بإقتلاع الناس بالقوة من أراضيهم وتهجيرهم بسبب مطالبهم الحقة في التغيير والعيش الكريم.
ويرى السياسي المعارض، أن التهجير الجماعي، يمكن تعريفه بترحيل مجموعة من الأفراد من موقع جغرافي إلى آخر، يكون جريمةً في حال حصل قهراً دون رضى المهجّرين، أو في غياب السند القانوني، أو لم تتوفر شروط السلامة والحماية المطلوبة أثناء التنقل.
ويشمل مفهوم الترحيل إذا ما كان بإشراف قوة عسكرية أو شبه عسكرية من خلال تسيير عملية التنقل، أو من خلال فرض واقع أمني أو اقتصادي أو صحي لا يترك للمدنيين خياراً سوى الهجرة من محل إقامتهم. وبالتالي إعادة توطينهم عبر عملية إسكان واسعة في أرض دون رضى أصحابها، بغرض تغيير التركيبة الديموغرافية للرقعة الجغرافية المستهدفة.
——————–
روسيا تبتلع الاستثمارات السورية..حتى صناعة الإطارات/ مصطفى محمد
أدّى اضمحلال الاستثمارات الخارجية في سوريا، إلى تنامي دور الشركات الروسية، وأنتج هذا المشهد هيمنة روسية على مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية من تنقيب النفط وترميم المنشآت النفطية إلى الموانئ والطاقة، وصولاً إلى القطاعات الأقل أهمية.
وفي ظل امتناع الدول عن الاستثمار في السوق السورية خشية العقوبات الأميركية والأوروبية، تواصل روسيا تمكين شركاتها في سوريا، مستفيدة من ضعف النظام سياسياً واقتصادياً. فبعد العقود الأخيرة التي وقعتها شركات روسية نفطية للتنقيب عن النفط في الساحل السوري، تخطّط شركات روسية للاستحواذ على الشركة العامة لصناعة الإطارات (أفاميا) في مدينة حماة.
وسابقاً، كانت الإطارات التي تنتجها شركة “أفاميا” تحظى بسمعة جيدة في السوق السورية، وتحديداً إطارات الجرارات الزراعية والحصادات والشاحنات، وغيرها من الإطارات كبيرة القياس.
وبحسب مدير عام الشركة العامة لصناعة الإطارات جهاد العلي فإن مفاوضات قريبة ستبدأ مع شركة روسية، لبحث إمكانية التعاقد، لإعادة إحياء الشركة المتوقفة عن العمل منذ نيسان/أبريل 2011، بسبب نقص السيولة المالية وقِدم خطّ الإنتاج. ولم يكشف العلي عن هوية الشركة الروسية.
ويمكن ملاحظة أن دخول روسيا على خط هذا المشروع، جاء بعد عدم تنفيذ مذكرة تفاهم وقّعها النظام مع شركة “كامك” الصينية لإعادة تشغيل الشركة في العام 2014، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تراجعت الشركة الصينية عن تنفيذ المذكرة؟
تعارض مصالح بين روسيا والصين
أسفر التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا عن مشهد اقتصادي يظهر فيه حرص روسيا على زيادة منافعها إلى الحد الأعلى من كل الاستثمارات المتاحة، وهو ما يتعارض مع منح الصين حجماً استثمارياً كبيراً في السوق السورية، كما يؤكد مستشار العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في مركز “جنيف للدراسات” ناصر زهير.
ويوضح زهير ل”المدن”، أن “روسيا لا تسمح للصين بأن تستثمر في سوريا إلا وفق نسب محددة، أقل من حصة روسيا، حتى تبقى الأخيرة متسيدة للمشهد السوري سياسياً وعسكرياً واقتصادياً”. وعلى الرغم من إدراك روسيا لقدرة الصين على مساعدة نظام الأسد اقتصادياً، تخشى موسكو من توسع نفوذ الصين في هذه المنطقة.
وهنا، لا يعني كل ذلك أن روسيا عارضت دخول الشركات الصينية على خط إنتاج الإطارات السورية، وفق زهير، الذي يؤكد أن الصين لم تهتم كثيراً لدخول هذا المشروع، لأنها توجه اهتمامها نحو مشاريع الموانئ، وسكك الحديد، والنقل والطرق. ويقول: “تبحث الصين دائماً عن مشاريع البنى التحتية، لأنها مشاريع مربحة على المدى الطويل، ومن شأنها السيطرة على عصب البلد”.
ويضيف الباحث الاقتصادي في جامعة “يوزنجويل فان” التركية أحمد ناصيف سبباً آخراً لعدم التزام الصين بالمذكرة حول تشغيل معمل الإطارات قائلاً: “لا تريد الصين الدخول في السوق السورية، من مشروع بهذا الحجم، لا تتناسب أرباحه وحصته مع المخاطر المحتملة، بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية”.
ويوضح ل”المدن”، أن “الشركة الصينية (كوميكا) لم تعترض على عدم تفعيل المذكرة الموقعة مع النظام لتشغيل مصنع الإطارات، وهذا ما يعطي تصوراً واضحاً عن فتور رغبة الصين بالدخول إلى السوق السورية في هذا التوقيت على الأقل”.
ويقول إن هذا الوضع يتيح للشركات الروسية التي تبدو أقرب إلى ملء الفراغ الاقتصادي في مؤسسات النظام “جواً مواتياً”، بحيث تكون هي من تفرض شروطها على النظام، في غياب المنافس.
تبدو روسيا أمام معضلة في الاقتصاد السوري، فمن جهة هي غير قادرة على النهوض به لوحدها، ومن جهة أخرى تخشى تحول الصين إلى منافس قوي وخصوصاً في مجال الموانئ، في حال دخلت السوق السورية.
——————————-
الشرق الأوسط على الهاوية : الصراع لن يكون عربياً إيرانياً فماذا يكون ؟
ترجمة – Foreign Policy
يقف الشرق الأوسط على حافة الهاوية، ويتوقف تحقيق السلام في المستقبل على المسار الذي ستتبعه الولايات المتحدة الأميركية.
لفترة تزيد على العقدين، اعتبرت الولايات المتحدة أن السياسة في الشرق الأوسط هي صراع بين الاعتدال والأصولية، أي العرب في مواجهة إيران. إلا أنها لم تنتبه خلال السنوات الأربع التي حكمها فيها دونالد ترامب إلى التصدعات الجلية، والمختلفة التي تتزايد ما بين القوى الثلاثة غير العربية في المنطقة: إيران وإسرائيل وتركيا.
إبان الربع قرن التالي لأزمة قناة السويس عام 1956، تضافرت جهود إسرائيل وتركيا لتحقيق توازن في مواجهة العالم العربي بمساعدة أميركية. لكن الدول العربية غاصت في مستنقع العجز والفوضى شيئاً فشيئاً منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وما تلاه من ثورات الربيع العربي الفاشلة، مما أدى إلى نشأة تصدعات جديدة. فالمنافسة التي من المرجح أن تعيد تشكيل الشرق الأوسط لم تعد الآن بين العرب وإسرائيل أو السنة والشيعة، بل بين المتنافسين الثلاثة من غير العرب.
إذ ازدادت حدة الصراعات الناشئة للاستحواذ على القوة والنفوذ بما يكفي لخلخلة النظام العالمي الناتج عن الحرب العالمية الأولى، الذي أسفر عن تفتت الإمبراطورية العثمانية إلى شظايا التقطتها القوى الأوروبية في سعيها للسيطرة على المنطقة. وعلى الرغم من تفكك العالم العربي ووقوعه تحت طائلة السيطرة الأوربية، فقد مثل القلب السياسي النابض لمنطقة الشرق الأوسط. أجج الحكم الأوروبي الصراعات العرقية والطائفية وشكّل العداوات والصراعات التي استمرت حتى يومنا هذا. تسببت تجربة الكولونيالية كذلك في تغذية النزعة القومية لدى العرب، والتي اكتسحت المنطقة عقب الحرب العالمية الثانية ووضعت العالم العربي في بؤرة الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.
يشهد كل ذلك تغيرات عدة في الوقت الحالي. فقد ولَّى العهد العربي، وتقدمت القوى غير العربية. ومع تصاعد نفوذ القوى غير العربية في المنطقة، تشعر الدول العربية بالتهديد من امتداد النفوذ الإيراني داخل المنطقة، في الوقت الذي تقلص فيه الولايات المتحدة من التزاماتها. في العام الماضي، بعد أن اتضحت مسؤولية إيران عن الهجوم على حاملات بترول ومنشآت بترولية في السعودية والإمارات، تذرعت أبوظبي بالخطر الإيراني لإبرام صفقتها التاريخية للسلام مع إسرائيل.
إلا أن تلك الصفقة للسلام تضع عائقاً في مواجهة تركيا، بقدر ما تضعه في مواجهة إيران. فبدلاً من إعداد المنطقة لمسار جديد نحو السلام، كما زعمت إدارة ترامب، فإن الصفقة تعزز من اشتداد المنافسة بين العرب والإيرانيين والإسرائيليين والأتراك، وهو ما لم تأخذه الإدارة السابقة بعين الاعتبار. كما أنه قد يؤدي في الواقع إلى اشتداد سباقات التسلح والحروب الإقليمية، وازديادها خطورة، وهو ما لا ترغب الولايات المتحدة في التورط فيه، وما لا يمكنها تحمل تبعاته كذلك. لذا، يتعين على السياسة الخارجية للولايات المتحدة أن تحاول إخماد هذا التنافس الإقليمي الجديد على السلطة بدلاً من إشعاله.
أصبح الآن سعي إيران لامتلاك القوة النووية واستخدامها للعملاء والوكلاء بهدف التأثير في العالم العربي ومهاجمة إسرائيل والمصالح الأميركية من الأمور المألوفة. أما الجديد فهو بزوغ نجم تركيا باعتبارها عامل زعزعة غير متوقع للاستقرار في منطقة أكبر كثيراً. تتبنى تركيا الآن ماضيها الإسلامي، متخطية الحدود التي رسمت منذ قرن مضى، بعدما فقدت الأمل في صناعة مستقبل مع الغرب، ولم يعد من الممكن كذلك غض الطرف عن سعيها لاستعادة النفوذ الذي كانت تمتلكه الإمبراطورية العثمانية في يوم من الأيام، أو اعتباره مجرد خطاب حماسي. إذ بات الطموح التركي الآن قوة لا يستهان بها.
على سبيل المثال، تحتل تركيا الآن أجزاء من سوريا، ولها نفوذ في العراق وتواجه النفوذ الإيراني في كل من دمشق وبغداد. وقد زادت تركيا من العمليات العسكرية ضد الأكراد في العراق واتهمت إيران بإيواء أعداء تركيا الأكراد من حزب العمال الكردستاني.
أقحمت تركيا نفسها في الحرب الأهلية في ليبيا وتدخلت مؤخراً في الصراع القوقازي بين أرمينيا وأذربيجان على ناغورنو-كاراباخ، بما أثر على مجريات الأمور. ويتطلع المسؤولون في أنقرة كذلك إلى القيام بدور أوسع في القرن الإفريقي وفي لبنان، بينما يشعر الحكام العرب بالقلق إزاء الدعم التركي للإخوان المسلمين وزعمها بأن لها دوراً في السياسة العربية.
بررت كل من الدول غير العربية الثلاثة تلك الانتهاكات بأنها ضرورات أمنية، ولكن هناك أيضاً دوافع اقتصادية، مثل الوصول إلى السوق العراقية بالنسبة إلى إيران، أو الصدارة لإسرائيل وتركيا في السيطرة على حقول الغاز الغنية في البحر المتوسط.
وكما هو متوقع، فإن التوسعية التركية تصطدم بالمصالح الإقليمية الإيرانية في بلاد ما بين النهرين والقوقاز بطرق تستثير ماضي تركيا الإمبراطوري. خلال زيارته المبتهجة بالنصر لباكو، ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً قصيدة تأسف لتقسيم أذربيجان التاريخية ــ التي يقع الجزء الجنوبي منها الآن داخل إيران ــ، وهو ما أثار انتقادات حادة من قادة إيران. لم يكن هذا خطأ غير مقصود.
يلمح أردوغان منذ فترة إلى أن مصطفى كمال أتاتورك كان مخطئاً حين تخلى عن الأراضي العربية التي كانت تحت السيطرة العثمانية حتى جنوب الموصل. وفي إطار إحياء الاهتمام التركي بتلك الأراضي، ينادي أردوغان بوطنية أعظم من تلك التي تمتع بها مؤسس تركيا الحديثة، موضحاً مخالفته للإرث الكمالي عن طريق سعيه لتأكيد الامتيازات التركية في الشرق الأوسط.
في القوقاز، كما في سوريا، تتشابك المصالح التركية والإيرانية مع المصالح الروسية. ويزداد اهتمام الكرملين بالشرق الأوسط، ليس فقط في الصراعات في ليبيا وسوريا وناغورنو كاراباخ، بل وأيضاً على الساحة الدبلوماسية من أوبك إلى أفغانستان.
تحافظ موسكو على علاقاتها الوثيقة مع جميع الجهات الفاعلة في المنطقة وتميل في بعض الأحيان لصالح إحداها ثم لصالح أخرى، وقد استغلت هذا التوازن لتحقيق القدر الأكبر من مصالحها. وبينما لا تزال غايتها من الشرق الأوسط غير واضحة، يتضح أن شبكة علاقات موسكو المعقدة ستلعب دوراً كبيراً في تشكيل مستقبل المنطقة نظراً لتضاؤل اهتمام الولايات المتحدة الأميركية.
كثفت إسرائيل أيضاً من تواجدها في العالم العربي. ففي عام 2019، اعترف ترامب بمطالبة إسرائيل منذ نصف قرن بمرتفعات الجولان التي احتلتها من سوريا في عام 1967، والآن يخطط القادة الإسرائيليون بشكل علني لتوسيع حدود اسرائيل من خلال ضم أجزاء من الضفة الغربية رسمياً. من ناحية أخرى، تشير اتفاقيات “أبراهام” إلى أن العرب يتطلعون إلى غض الطرف عن كل ذلك مقابل الحصول على دعم لموقفهم. يرغب العرب في تعويض اهتمام أميركا المتضائل بشؤون الشرق الأوسط، من خلال التحالف مع إسرائيل ضد إيران وتركيا، إذ ينظرون إلى إسرائيل على أنها ركيزة بقائهم في المنافسة الكبرى على النفوذ الإقليمي.
تفاقم التوتر بين إيران وإسرائيل بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة مع توغل إيران في العالم العربي. وتخوض الدولتان حالياً حرب استنزاف في سوريا وفي الفضاء السيبراني. استهدفت إسرائيل كذلك برامج إيران النووية والصاروخية بشكل مباشر، كما اتُهمت مؤخراً باغتيال أكبر عالم نووي إيراني.
إيران ليست الجهة الوحيدة المعنية بالصراع في الشرق الأوسط، إذ شهد العقد الماضي تدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. ومثلما قدمت إيران الدعم لحماس في مواجهة إسرائيل، حذت تركيا حذوها مقدمة دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، مثيرة في الوقت نفسه غضب الحكام العرب جراء هذا الدعم. ومن ثم يتعارض الموقف الإقليمي الحالي لتركيا – الممتد إلى العراق ولبنان وسوريا والقرن الإفريقي، بالتوازي مع الدفاع الصلب عن قطر، وحكومة طرابلس في غمار الحرب الأهلية في ليبيا – مع السياسات التي تنتهجها السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.
يشير كل ما سبق إلى أن القوة الدافعة في الشرق الأوسط أصبحت السياسة الواقعية العملية العتيقة، وليس الأيدلوجيات أو الأديان. في حال عززت إسرائيل الموقف السعودي الإماراتي، فمن المتوقع أن تعتمد الدول التي تشعر بالتهديد من هذا التحالف، مثل قطر وعمان، على إيران وتركيا لحمايتها. ومن ناحية أخرى، إذا منح التحالف الإسرائيلي العربي سبباً لإيران وتركيا للعمل على قضية مشتركة، فقد يصبح الموقف العدواني لتركيا في القوقاز والعراق مصدر قلق لإيران. يتماشى الدعم العسكري الذي تقدمه تركيا حالياً لأذربيجان مع دعم إسرائيل لباكو، بينما اتفق كل من إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مخاوفهم بشأن آثار مناورة تركيا الناجحة في ذلك الصراع.
من المرجح أن تصبح المنافسات ونمط التحالفات التكتيكية أكثر غموضاً وأقل توقعاً، بينما تتقاطع تلك الخصومات المتداخلة عبر المنطقة. وهو ما قد يسفر بالتبعية عن تدخل روسيا، التي أثبتت بالفعل براعتها في استغلال انقسامات المنطقة لصالحها. وقد تحذو الصين حذوها، خاصة مع حديثها عن الشراكة الاستراتيجية مع إيران وعقد الاتفاق النووي مع المملكة العربية السعودية، والذي يمكن أن يكون مجرد بداية. تنظر الولايات المتحدة الأميركية إلى الصين عبر المحيط الهادئ، بينما يحاذي الشرق الأوسط الصين من ناحية حدودها الغربية، ومن هنا ستسعى بكين نحو تحقيق رؤيتها لمنطقة نفوذ أوراسية.
يمكن لإدارة بايدن أن تلعب دوراً مهماً في تخفيف التوترات من خلال التشجيع على الحوار الإقليمي واستغلال نفوذها لإنهاء النزاعات وإصلاح العلاقات إن أمكن ذلك. يشير الخصوم المتناحرون إلى استعدادهم لعقد هدنة كاستجابة للتغيير الواقع في واشنطن، وهو ما يمثل فرصة للإدارة الجديدة.
على الرغم من تدهور العلاقات مع تركيا، إلا إنها لا تزال دولة حليفة في الناتو لذا يتوجب على واشنطن التركيز على تعزيز العلاقات لا بين إسرائيل وتركيا فحسب، بل وبين تركيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وهو ما يستلزم دفع الرياض وأبوظبي إلى إصلاح العلاقات مع قطر. أعلن الخصوم الخليجيون عن هدنة، لكن القضايا الأساسية التي أدت إلى اختلافهم وانقسامهم ما زالت قائمة، وقد تتسبب اختلافاتهم وخلافاتهم في خرق الهدنة مرة أخرى، ما لم تُحل بشكل جذري.
تمثل إيران مشكلة أصعب، فسيتعين على المسؤولين الأميركيين التعامل أولاً مع مستقبل الاتفاق النووي. لكن عاجلاً وليس آجلاً، سيتوجب على طهران وواشنطن مناقشة التقدم التوسعي لإيران في المنطقة الأوسع وصواريخها الباليستية. يجب على واشنطن أيضاً أن تشجع حلفائها العرب على تبني هذا النهج وإشراك إيران كذلك. قد يتيح الحد من التسلح الإقليمي وبناء هيكل أمني إقليمي كبح جماح وكلاء إيران والحد من صواريخها في نهاية المطاف، لذا يتعين على الولايات المتحدة الأميركية تيسير تلك العملية ودعمها، كما يجب على الجهات الفاعلة في المنطقة تبنيها كذلك.
يقف الشرق الأوسط على حافة الهاوية، ويتوقف تحقيق السلام في المستقبل على المسار الذي ستتبعه الولايات المتحدة الأميركية. إذا أرادت إدارة بايدن تجنب التدخلات الأميركية التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط، فعليها استثمار المزيد من الوقت والموارد الدبلوماسية في المنطقة الآن، على غير ما قد يُتوقَع. وإذا أرادت واشنطن تقليص مساعيها المستقبلية في الشرق الأوسط، فعليها أولاً بذل المزيد من الجهد لتحقيق قدر من الاستقرار في المنطقة. يتعين أن يبدأ هذا الجهد بتبني رؤية أوسع نطاقاً للديناميكيات الإقليمية وجعل تقليل التنافس والصراعات بين القوى الإقليمية الجديدة على رأس أولوياتها.
هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.
درج
———————————
خطورة سبات إدارة بايدن في سوريا/راغده درغام
الفراغ الذي تتركه إدارة جو بايدن في سوريا ولبنان نتيجة انحدار البلدين في سُلّم أولويّاتها، بات خطيراً على المصالح الأميركية وليس فقط على مصير البلدين المعنيّين وانعكاسه على استقرار المنطقة.
صحيح أن روسيا غير قادرة على ملء الفراغ بمفردها في سوريا، ولذلك تتّجه الى الدول الخليجية العربية للمساعدة في التمويل وإعادة الإعمار من أجل صيانة مصالحها هناك لا سيّما بعد وضوح انحسار الاستعداد الأوروبي للشراكة في انتشال سوريا نتيجة تدهور العلاقة الأوروبية – الروسية في شكل عام. لكن موسكو، من باب عزم الكرملين على تأدية دور الوسيط بين إسرائيل وإيران، وإسرائيل وسوريا، وإسرائيل و”حزب الله”، تصقل لنفسها أدواراً لملء الفراغ الذي يتركه سبات إدارة بايدن التي يبدو وكأنها تتعامل مع سوريا ولبنان كملحقين لتناولها لملف إيران متجاهلة أبعاد وإفرازات الأوضاع المتفجّرة. فلبنان اليوم أصبح مشروع دولة فاشلة يسيطر عليه سلاح “حزب الله” الإيراني الولاء وكذلك فساد الطبقة السياسية المتحكّمة به بلا محاسبة دولية، بل بلا اهتمام.
إسرائيل باتت تلجأ الى روسيا للجم “حزب الله” وكقناة للتفاهم مع إيران وسوريا و”حزب الله” بغض النظر عن تصعيدها عسكرياً داخل سوريا ولفظياً ضد طهران و”حزب الله” في لبنان. موسكو قرّرت تسليم لبنان الى “حزب الله” وطهران باعتبارهما الضامن الوحيد لـ”الاستقرار”، كما تمكّنا من إقناعها. أما واشنطن، فإنها تتغيّب الآن عن التأثير الفعلي لدرجة أن إدارة بايدن تبدو وكأنها هي أيضاً سلّمت مفاتيح لبنان الى طهران في الوقت الذي يتطلّب منها الأمر، منطقياً، أن تعي قيمة هذا البلد تفاوضياً لدى “الحرس الثوري” الإيراني وأن تدرك تداعيات انهياره الى الحضيض على كافة المستويات.
حتى الصين التي لم يكن لبنان أبداً على شاشتها الاستراتيجية باتت اليوم مُستثمِراً في مشروع “الحرس الثوري” الإيراني في لبنان لغايات استراتيجية. انها المموّل الظل غير المباشر عبر صفقات النفط مع طهران بلا سوط العقوبات الأميركية، والمباشر عبر مشاريع هدفها تأمين موقع قدم في المرافئ اللبنانية وغيرها من المواقع الحيوية، فيما إدارة بايدن في سبات. فالصين كانت تخشى عقوبات إدارة دونالد ترامب السابقة لكنها اليوم تُعزّز علاقاتها النفطية مع إيران وتؤمّن لطهران الأموال الطائلة للإنفاق على مشاريع “الحرس الثوري” الإقليمية بالذات في سوريا ولبنان.
أوروبا أيضاً في سبات لأنها بدورها قرّرت الاستغناء عن “التورّط” في سوريا وتركت ملف لبنان لفرنسا التي تُحسن التورّط عشوائياً، وتتّقن فن اكتساب سمعة اللاجدّيّة، وبذلك عمّقت انزلاق لبنان في ورطته المدهشة.
إدارة ترامب كانت جدّية ونشطة في ملف لبنان عبر زيارات متكرّرة للمسؤولين في وزارة الخارجية ومن خلال فرض العقوبات. إدارة بايدن غائبة ونائمة ولربما تكون جاهلة لتداعيات ما يحدث في هذا البلد الصغير باعتباره في رأيها هامشياً في أولوياتها.
على صعيد التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، تبدو إدارة بايدن في حال استرخاء مع أن ما حدث يتنافى مع مزاعمها بأنها لن تتراخى مع مسائل الجريمة ضد الإنسانية أو انتهاك حقوق الإنسان. كلاهما واضح جليّاً في استهتار مُرعب بمطالب أهالي ضحايا الانفجار وبتشريد أهالي بيروت في مؤامرة رهيبة لدفن التحقيق في الانفجار – مؤامرة تتداخل فيها دول وشركات سلاح وشركات تأمين محلية وعالمية.
في وسع إدارة بايدن أن تصدر التعليمات لمكتب التحقيق الفدرالي FBI أن يقدّم الآن نتيجة التحقيق الذي أجراه في انفجار مرفأ بيروت لأن التحقيق بات جاهزاً، ولأن هذا التحقيق هو أحد أهم وسائل تدويل ما يحدث في لبنان. وما يحدث لا يقل عن جريمة ضد الإنسانية تسكت عليها حكومات وشركات – جريمة تخزين المواد المتفجّرة بين المدنيين اللبنانيين واستخدام هذه المواد لصنع البراميل المتفجّرة ضد المدنيين السوريين.
هناك صرخة تتوسّل تدويل المأساة اللبنانية ما زالت تقع على آذان صمّاء لأن إدارة بايدن لم تأخذ المبادرة لسماع تلك الصرخة أو للاستماع الى ما وراءها. فليس مهمّاً، بصراحة، صمت الأوروبيين أو قرار الروس والصينيين أن هذه صرخة سياسية ضد حليفيهما الإيراني والسوري في لبنان. المهم هو موقف واشنطن. إدارة بايدن تعطي الانطباع أنها هي أيضاً غير مهتمة بالتدويل الذي ينقسم حوله اللبنانيون بين موالٍ لحياد لبنان وبين مصرّ على سيطرة إيران عليه.
الحياد، في تعريف “حزب الله” وعلى لسان الأمين العام للحزب حسن نصرالله بات تهمة تخوين جاهزة للتفجير في الشارع التابع له والذي يتأهّب للتعبئة ولمواجهة المتظاهرين لقمعهم وإلغائهم بقرار وبخطة تم اعتمادها. ففي كلمته هذا الأسبوع، استهدف الأمين العام لـ”حزب الله” الصرح البطريركي وخوّن طروحات البطريرك مار بشارة بطرس الراعي التي أطلقت فكرة الحياد، معتبراً أن “المطلوب من الحياد في لبنان هو أن نكون جزءاً من المحور الأميركي – الإسرائيلي”، داعياً الى التصدّي للمؤامرة الأميركية عبر المعونات البترولية من إيران والتوجّه شرقاً الى الصين وروسيا.
لم يخفِ نصرالله أجندة “حزب الله” وإيران إذ أصرّ على إحباط شروط صندوق النقد الدولي IMF لمساعدة لبنان على الخروج من ورطته المصيرية. لوّح بعزمه على إطلاق عنان جمهوره ضد حكومة اختصاصيين في اعترافٍ واضح أن لجم أو إطلاق شارعه هو أداة حادة جاهزة للتفعيل. هدّد الجيش والقوى الأمنية معترضاً على طريقة تعاملهما مع المُحتجّين بتعاطف ومؤكداً أن احتمال فرض “حزب الله” فتح الطرق بالقوة العسكرية في وجه المتظاهرين الذين اتهمهم بدفع الأمور نحو “حرب أهلية لا تحتاج الى صواريخ دقيقة إنما الى مجرد كلاشينكات”. ثم كرّر تهديدات “عزل” حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ما لم يعمل على خفض سعر الدولار.
الأهم أن الأمين العام لـ”حزب الله” كشف عن خطة طوارئ “لا يمكن تنفيذها من داخل مؤسسات الدولة” ما يُنذر بإمكان استيلاء الحزب على كامل مفاصل الدولة والقرار. وهذا ما أبلغه وفد “حزب الله” الى المسؤولين الروس في زيارته إلى موسكو حيث قدّم الوفد الضمانات أن الحزب قادر وجاهز لضبط الأوضاع المتدهورة في لبنان، خارج الدولة. كلام نصرالله عن وجود “خيارات كبيرة ومهمّة لدينا، ولكن تنفيذها عبر الدولة والقانون غير متاح، سنلجأ الى تنفيذها لننقذ بلدنا وشعبنا” كلام خطير للغاية. موسكو هزّت رأسها بإشارة أخذ علم بما سمعت بلا احتجاج عليه، فهي بدورها توافق “حزب الله” وإيران رأيهما أنهما وحدهما قادران على السيطرة وإبقاء لبنان حيّاً، وأنه لا توجد أية قوى سياسية أخرى قادرة على هذه المهمّة.
الفارق بين المواقف الروسية والمواقف الأميركية نحو استيلاء إيران و”حزب الله” كاملاً على لبنان هو أن موسكو تدعم أهداف حليفين لها فيما واشنطن تعتبر أحدهما “إرهابياً” والآخر راعياً ومموّلاً له لكنه مهم لها في إطار المفاوضات النووية والعلاقات الثنائية. كلاهما تهمّه إسرائيل بدرجة كبيرة في المعادلة اللبنانية- واشنطن في إطار علاقة التحالف التقليدية معها، وموسكو لجهة العلاقة المتينة الجديدة لها مع إسرائيل وقيامها بتأدية دور الوسيط مع إيران وأتباعها.
تأزّم العلاقة الشخصية بين الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين في أعقاب تبادل الشتائم ووصف بايدن لبوتين بـ”القاتل” سينعكس على العلاقات الأميركية – الروسية – الأوروبية وكذلك على ملفات السياسات الخارجية الممتدة من القرم الى طهران الى بلدٍ هامشي لهما كلبنان. فموسكو جاهزة للاستثمار في “الحرس الثوري” ومشاريعه الإقليمية وهي تعي تماماً قيمة لبنان في هذه المشاريع. ثم إنها ستلتقي أكثر الآن مع التصعيد الإيراني في الملف النووي القائم على دفع الأمور الى حافة الهاوية مع الولايات المتحدة في لعبة خطرة قوامها دفع إدارة بايدن والقيادات الأوروبية الى التراجع والخضوع أمامهما.
فريق بايدن هو الذي سيقرّر كيف سيتعامل مع الاستفزازات الإيرانية أو الانتقامات الروسية. جو بايدن ليس دونالد ترامب. ترامب تصرّف كما يشاء بحرية وباعتباطية أحياناً، لكن بايدن ليس رجلاً طليقاً كما ترامب. لذلك من الصعب قراءة قرارات فريقٍ أتى الى البيت الأبيض لكنه ليس جاهزاً، عمليّاً وتوظيفياً وسياسياً واستراتيجياً، لتلقّي التحديات الكبرى منها والصغرى.
بحسب المصادر، ينوي “الحرس الثوري” التصعيد ميدانياً في أكثر من مكان وذلك في إطار الدفع نحو فوزه في الانتخابات الإيرانية وتهديد العالم بهذا الفوز الذي سيضع “الحرس الثوري” علناً ورسمياً في سدّة الحكم، وليس من وراء الكواليس كما هو الحال الآن. والسؤال المطروح هو: هل ما هدّد به الأمين العام لـ”حزب الله” لجهة خطة طوارئ خارج الدولة اللبنانية هو مشروع “الحرس الثوري” كجزء من الانتخابات الإيرانية؟
وفد “حزب الله” الى موسكو أكد لوزير الخارجية سيرغي لافروف ولكل من اجتمع به في روسيا الخطوط العريضة التالية: أولاً، إن إيران مستمرة في سياساتها نحو روسيا “وكلاهما يحتاج الآخر” – حسب تعبير أحد المصادر – وأن إيران باقية في سوريا “ولن تغادرها على الإطلاق” بغض النظر إن بقي بشار الأسد رئيساً أم لا. ثانياً، إن على روسيا ألا تُضعِف إيران لأن إيران الضعيفة ليست في المصلحة الروسية أينما كان، وأن “حزب الله” هو شريك لروسيا في سوريا. ثالثاً، إن لدى “حزب الله” “خطة للبنان” تبدأ من إزالة المتظاهرين من الشارع و”تحويل التظاهرات الى الاتجاه الصحيح”، كما نقلت االمصادر المطلعة، وذلك في إطار عزم “حزب الله” على السيطرة على البلد لانتشاله من “أزمة أعمق تؤدي الى ظروف غير مُتوقَّعة وانفجار داخلي”. رابعاً، إن لبنان بات له الأولوية لدى طهران وأن سوريا تحتل الموقع الثاني في الأولويات الإيرانية الآن، وعليه، يجب توقّع تطورات تتماشى مع هذا التغيير. خامساً، إن السيطرة على الأوضاع في لبنان ستتطلب أشهراً وليس شهراً واحداً، مع التأكيد أن “حزب الله” وإيران قادران وعازمان على ضبط كامل للأوضاع وأخذ الأمور في أياديهما بصورة تامة لأنهما في حاجة الى لبنان ولأن لا استغناء عنه في مشاريعهما. وسادساً، اعتزام “حزب الله” زيادة تواجده العسكري في مختلف أنحاء لبنان بما في ذلك في الجنوب وذلك في ضوء توقّع مواجهة عسكرية آتية مع إسرائيل.
ما طلبته الدبلوماسية الروسية من وفد “حزب الله” هو، بحسب المصادر المطلعة، “عدم استفزاز إسرائيل” خوفاً من أن يؤدي ذلك الى مواجهة كبرى في الشرق الأوسط. الرد أتى من طهران بتصريحات عسكرية نارية عالية المستوى حول جاهزية إيران لتدمير “الكيان الصهيوني”. إنما ليس واضحاً بعد إن كانت هذه المواقف من أجل الاستهلاك المحلي الانتخابي الصلة، أو إن كان ضمن “الخطة” التي تحدّث عنها الأمين العام لـ”حزب الله” ولمّح اليها وفد الحزب في محادثاته مع روسيا مما قد ينسف ذلك “الجسر” الذي تريد موسكو أن يشكّل امتدادها بين إسرائيل وإيران ويلقى مباركة أميركية صامتة. فخلاصة رسائل “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” اللبناني هي أنهما في مقعد القيادة لملءٍ مدروسٍ للفراغ كما لإملاء هوية ومستقبل لبنان.
النهار العربي
——————————-
صحيفة: المجتمع الدولي سمح ببقاء دكتاتور سوريا
الحرة – واشنطن
بشار الأسد الرئيس الوحيد الباقي في السلطة بين رؤساء دول “الربيع العربي”
عقد من المجازر في سوريا والعالم يسمح بصمود الأسد
تناولت صحيفة الغارديان في مقالتها الافتتاحية، الأحد، سبب بقاء “دكتاتور” سوريا، بشار الأسد، في السلطة خلال حرب مستمرة تمزق البلاد، وتقتل المدنيين منذ 10 سنوات.
وقالت الصحيفة البريطانية إن “المجتمع الدولي” سمح ببقاء “الدكتاتور بشار الأسد” في الحكم، رغم أن لجنة تحقيق دولية تابعة للأمم المتحدة، رصدت عشرات الجرائم بأدلة وشهادات ووثائق، تتعلق بعشرات الآلاف من المدنيين الذي اختفوا قسرا، أو تم تعذيبهم أو قتلوا.
وتقول الصحيفة إن الأسد حول بلده إلى “مقبرة” كبيرة، تضم مئات الآلاف، ناهيك عن تهجير الملايين من الناس، ما يدعو للتساؤل: لماذا لا يزال بشار الأسد في السلطة؟
واعتبرت الغارديان الإجابة على هذا التساؤل تكمن في “القصور” الذي يعاني منه المجتمع الدولي، وهو ما حول التعامل مع الصراع “انتقائيا، وبإهمال”. والسوريون “دفعوا ثمن خضوعهم لسلطة استبدادية وحشية”، وفق ما قال رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، باولو بينيرو.
وأضاف “أن التمويل الأجنبي” وتوفير “الأسلحة” للأطراف المتحاربة و”صمت المجتمع الدولي، جعل البلاد وكأنها تحترق، فيما يشاهدها العالم عن بعد”.
تقارير الأمم المتحدة، وحتى منظمات دولية أوروبية، لا تزال حبيسة “الرفوف” والأدراج، ويغطيها “الغبار”، فيما لا يزال “طغيان الأسد” من دون أي رادع، بحسب الصحيفة.
وطالبت المقالة الافتتاحية، بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه “المأساة” الرهيبة التي يعيشها السوريون، والتي تضرب بحقوق الإنسان والقيم العالمية عرض الحائط.
وأكدت أن الهدف هو العدالة لجميع “من قتلوا” والأحياء الذين يعيشون “مأساة”، حيث “جرائم الديكتاتور” المروعة تتطلب “تقديمه للمحاكمة”، حتى تنتهي الحرب السورية.
وتتهم تقارير الأمم المتحدة، التي تغطي عقدا من النزاع في سوريا، النظام السوري والفصائل المتحاربة بالتستر على “معاناة لا يمكن تصورها” في مراكز الاحتجاز أكثر من العثور على الجناة.
وذكرت أنه “بعد 10 سنوات من الحرب، اختفى عشرات آلاف المدنيين المعتقلين تعسفيا في سوريا، وتعرض آلاف آخرون للتعذيب والعنف الجنسي أو ماتوا في المعتقل”.
ويضم تقرير، أعد بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الكثير من الشهادات عن الفظائع المرتكبة، ومنها بحق فتى يبلغ من العمر 14 عاما كان مغطى بالكدمات جراء الضرب وينزف من أذنيه وعينيه وأنفه قبل أن يغمى عليه إثر تلقيه ضربة في الرأس بعقب بندقية، وامرأة شابة تم اغتصابها من قبل القوات الحكومية، حيث كان أصعب ما تعرضت له “هو الألم النفسي”.
ويستند التقرير إلى 2500 مقابلة أجريت على مدى 10 سنوات وتحقيقات أجريت في نحو 100 مركز احتجاز وشملت “جميع الأطراف التي تسيطر على الأراضي في سوريا منذ 2011”.
وتشير لجنة التحقيق بشكل خاص إلى أي مدى شكلت “الاعتقالات التعسفية والسجن في آن واحد سببا وحافزا وممارسة متواصلة في النزاع السوري”.
ويخلص التقرير إلى أن كل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان “تمت بمعرفة وبموافقة الحكومات الداعمة لمختلف أطراف النزاع”، داعيا إياها إلى التوقف عن ذلك.
الحرة – واشنطن
————————
“عودة سوريا إلى العرب”.. اصطفاف لمواجهة قوى إقليمية و”نظام الأسد لا يقدم شيئا”/ نهى محمود
في أول زيارة له إلى دولة عربية بعد توليه منصب وزير الخارجية السوري، وصل فيصل المقداد إلى عُمان. ولم يتضح ما إذا كانت جولة المقداد ستتوقف على السلطنة فقط أم ستمدد لتشمل دولا خليجية أخرى كانت تتبنى موقفا مشددا حيال نظام بشار الأسد، لكنها تدعو مؤخرا لضرورة عودة دمشق إلى “الحاضنة العربية”.
ويرى خبراء أن التغير في مواقف بعض الدول العربية من النظام السوري تهدف إلى مزاحمة إيران وتركيا وروسيا في مرحلة ما بعد الحرب. إلا أن المصلحة الأساسية، والمتمثلة في تحقيق شيء من التوازن، مفقودة الآن.
ويقول مهند الحاج علي، الباحث بمعهد كارنيغي الشرق الأوسط لموقع “الحرة”، إن النظام السوري نفسه لا يرغب في إدامة الواقع الحالي، مشيرا إلى اختلال في التوازن لمصلحة إيران وروسيا وتركيا.
وأسفرت عشر سنوات من الحرب في سوريا عن مقتل أكثر من 387 ألف شخص، واعتقال عشرات الآلاف، ودمار البنى التحتية، واستنزاف الاقتصاد، ونزوح وتشريد أكثر من نصف سكان سوريا.
ولم يعكس الموقف العُماني تجاه الأزمة السورية الديناميكيات الإقليمية المتغيرة بنفس القدر الذي عكسه الموقفان السعودي والإماراتي.
فالسعودية التي نددت وزارة خارجيتها في 2014 باستمرار روسيا في دعمها لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، واصفة هذا الدعم بأنه “مثار الاستغراب والدهشة”، وأنه أحد الأسباب التي تشجع نظام دمشق على “التمادي في غيه وطغيانه”، تغير موقفها في 2021.
ومؤخرا، بحث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في الرياض، مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجهود الرامية للتسوية السياسية في سوريا.
وقال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر صحفي، مع لافروف، قبل نحو أسبوعين: “المملكة منذ بداية الأزمة تدعو إلى إيجاد حل لها، وحريصة على التنسيق مع جميع الأطراف بما فيهم الأصدقاء الروس فيما يتعلق بإيجاد سبيل لإيقاف النزيف الحاصل في بلد شقيق علينا ومهم لنا (…) هذا البلد يستحق أن يعود إلى حضنه العربي”.
اتصال هاتفي بين الرئيس #الأسد ومحمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أكد خلاله بن زايد دعم الإمارات للشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية.. مشيرا إلى أن سورية لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة.. pic.twitter.com/ndxVHCFZKw
— Syrian Presidency (@Presidency_Sy) March 27, 2020
أما الإمارات التي دعمت المعارضة السورية خلال السنوات الأولى من الحرب وفي نفس الوقت استضافت بعضا من أفراد عائلة الأسد على أراضيها، فقد أعادت، وإلى جانبها البحرين، فتح سفارتها في العاصمة السورية في ديسمبر 2018.
وفي مارس الماضي، أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد اتصالا هاتفيا، بالأسد، هو الأول منذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011.
رهان خاطئ
وعن هذا التحول في الموقف، تحدث مهند الحاج علي، قائلا إن هناك اهتمام بإعادة تعويم النظام السوري، مرجعا ذلك إلى سببين.
الأول هو الاصطفاف في مواجهة الإخوان المسلمين وتركيا وقطر، “نظرا لتاريخ النظام السوري في مواجهة هذه القوى”، مستشهدا بأن “النظام واجه حركة حماس (التي تتبنى فكر الإخوان)، وما زال يرفض التصالح معها بأي ثمن”، بعدما رفضت دعم الأسد في الحرب الأهلية.
وتحتفظ تركيا بعلاقات طيبة مع قطر في وقت تضررت علاقاتها بدول عربية أخرى بارزة. وقدمت أنقرة والدوحة الدعم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ودعمتا مقاتلين يحاربون للإطاحة بالأسد.
أما السبب الثاني الذي تحدث عنه الحاج علي، يتعلق بإمكانية “لعب النظام دورا في التخفيف من التمدد الإيراني في سوريا”، قائلا إن الوجود العربي يُعيد التوازن إلى دمشق.
لكنه لا يعتقد أن “أحدا يقدر على لعب دور بشكل يسمح للنظام السوري بإيجاد توازن في علاقاته مع إيران (…) الرهان على انحسار كبير لدور إيران في سوريا، خاطئ وغير واقعي خلال المرحلة المقبلة”.
ومؤخرا انتقد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي عبد الله بن زايد العقوبات الأميركية، المعروفة باسم قانون قيصر، قائلا إنها تعرقل عودة سوريا إلى الساحة العربية، والتي يمكن أن تسهم في تسوية الصراع السوري.
وفي يونيو 2020، أعلنت الولايات المتحدة أشد عقوبات أميركية على سوريا، “قانون قيصر”، وهي عقوبات توسع من سلطة مصادرة أرصدة كل من يتعامل مع سوريا بغض النظر عن جنسيته، وتشمل قطاعات من التشييد والبناء إلى الطاقة.
و”قيصر” هو الاسم المستعار لمصور سابق في الجيش السوري خاطر بالفرار عام 2014 من البلاد، وبحوزته 55 ألف صورة لأعمال وحشية ارتكبت في سجون النظام السوري.
“نظام لا يقدم شيئا”
وفي هذا السياق، قال حاج علي: “ثمن إعادة تعويم النظام اقتصاديا أكبر بكثير من طاقة الدول العربية، نظرا للعقوبات الأميركية والأوروبية في هذا المجال”.
وبحسب الباحث بمعهد كارنيغي، فإن العائق الأساسي أمام عودة سوريا للحاضنة العربية، هي “العقوبات واحتمال تأثيرها على من يتعامل مع النظام”.
وأضاف “أي دور عربي، وتحديدا في المجالين السياسي والاقتصادي، قادر على المساعدة. أي دور عربي في إعادة الإعمار أو مساعدة النظام السوري على تخطي أزمة سعر صرف الدولار سيُعيد بعض التوازن إليه، ويُخفف من النفوذ الإيراني”.
وبالتزامن مع هذا التغير الديناميكي، عقد كبار المسؤولون في وزارات الخارجية في أربع دول عربية (السعودية، الإمارات، مصر والأردن) اجتماعا تشاوريا لبحث سبل تسوية الأزمة، “وصون عروبة سوريا، ومقدرات الشعب السوري الشقيق”.
بيان صحفى ——- عقدت مصر والسعودية والإمارات والأردن اجتماعاً تشاورياً اليوم على مستوى كبار المسئولين فى وزارات الخارجية…
Posted by الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية المصرية on Thursday, November 26, 2020
لم تتضح ماهية السبل التي يبحثها العرب لتسوية الأزمة، لكن الخارجية المصرية قالت إن السبل تتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 بما يحفظ وحدة سوريا وسلامة أراضيها.
وينص قرار مجلس الأمن الرقم 2254 الذي أقر في ديسمبر 2015 على مراجعة الدستور، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي سبتمبر 2019، تشكلت اللجنة الدستورية المكلفة بمراجعة دستور عام 2012، وعقدت أول اجتماعاتها بعد شهر من ذلك في جنيف بحضور 150 شخصا، لكنها لم تحقق شيئا حتى الآن.
ويقول جمال عبد الجواد، عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، لموقع “الحرة”: “النظام السوري لم يقترح خطوات على الأطراف الأخرى، رغم أن بعضا من الدول أعادت العلاقات معه وفتح السفارات، واستقبلت مسؤوليه السياسيين”.
ووفقا لعبد الجواد، فإن “النظام السوري لم يقدم شيئا، وأعتقد أن هذا ما تتناوله المفاوضات العربية”.
وفي اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد بداية هذا الشهر، نادى البعض بإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية التي علقت عضويتها في نوفمبر 2011 بينما قطعت عدة دول العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.
ويعتبر عبد الجواد المباحثات العربية بشأن إعادة عضوية سوريا إلى الجامعة “قضية رئيسية جدا”.
وقال إن المباحثات تتطرق إلى النظر في طريقة عودة سوريا، وما إذا كانت ستشمل اتفاقا يضم الفرقاء، ويسفر عن نظام سياسي يختلف قليلا عن الحالي، مما يسمح بعودتها للجامعة.
ووفقا لعبد الجواد، فإن “الجميع يتطلع للفترة المقبلة، بالنظر إلى أعمال اللجنة الدستورية، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية” التي يجب أن تعقد بين 16 أبريل و16 مايو 2021، وفقا لقانون الانتخابات.
ومضى يقول: “الإقليم يتغير الآن في جميع الاتجاهات؛ دول الخليج وتركيا ومصر، للتوائم مع قضايا المنطقة، وفي هذا السياق يتم النظر إلى الأزمة السورية”.
نهى محمود – دبي
الحرة
————————————-
“لغز القمح السوري”.. محصول البلاد يصدَّر للعراق بينما الشعب على شفا الجوع
عربي بوست
أصبح سكان سوريا البلد العربي الأهم في زراعة القمح يجدون صعوبة في شراء الخبز، رغم زيادة إنتاج القمح السوري خلال السنوات الماضية، بل إنه يصدر للخارج، وفقاً لتقارير محلية وأممية.
مع وصول أسعار المواد الغذائية في سوريا إلى أرقام فلكية، يتعرض الكثير من السكَّان للوقوع في براثن الجوع، ويمثل نقص القمح في الأسواق مشكلة كبرى في بلد يعلن أن العام الماضي 2020 هو عام القمح.
لا يبدو أن الأمر له علاقة بالمعارك التي توقفت تقريباً في كل أنحاء البلاد، بقدر ما تعود أزمة القمح السوري إلى استغلال القوى الكردية وميليشيات الأسد لمحصول القمح الذي ينتج في شمال شرق البلاد، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
لغز القمح السوري
تاجر يقع مكتبه في مدينة القامشلي، في الشمال الشرقي من سوريا ، يصف كيف يجعل المسؤولون من الصعب جلب القمح السوري إلى السوق.
إذ يجب أن تعبر شاحنات القمح السوري على العشرات من نقاط التفتيش في طريقها إلى العاصمة دمشق. والقوات الكردية التي تسيطر على المنطقة لا تشحن الحمولات، إلا بعد دفع رسوم، على الحدود المفروضة بحكم الأمر الواقع بين الأراضي التي تسيطر عليها وأراضي الرئيس بشَّار الأسد.
على الجانب الآخر تحصل الفرقة الرابعة المُدرَّعة، التي يسيطر عليها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، على 3 آلاف دولار لكلِّ حمولة من القمح السوري. ويجب على التاجر أيضاً إعطاء رشوة للمسؤولين في دمشق وأن يكون داعماً للحكومة، حتى لا يُعتَقَل كإرهابي. أحياناً تُغلَق المعابر الأمر الذي يوقف شحنات القمح السوري لأن أحد الجانبين يريد الضغط على الآخر.
ويقول التاجر إنه من الأسهل والأكثر ربحية بيع القمح السوري في الخارج، ويضيف أن “السياسيين يجوِّعون الناس”، حسبما نقلت عنه مجلة The Economist.
دويلات لا دولة واحدة
قبل عقدٍ من الزمان، شنَّ الأسد حرباً على شعبه بدلاً من قبول مطالبهم بالإصلاحات الديمقراطية. ولقي مئات الآلاف حتفهم في الصراع الذي اجتذب قوى أجنبية ودمَّر معظم أنحاء البلاد. نَزَحَ نصف سكَّان ما قبل الحرب، والبالغ عددهم 22 مليون نسمة.
واليوم، تحدُّ مجموعةٌ من الاتفاقيات، التي تضمُّ أمريكا وإيران وروسيا وتركيا، من القتال. ويسافر السوريون عبر البلاد من أجل الدراسة والتسوُّق وزيارة الأقارب. لكن البلاد مُقسَّمة إلى جيوب، ولكلٍّ منها حاميةٌ أجنبية، حسب وصف مجلة The Economist.
وأصبحت الإدارات المحلية راسخةً في كلِّ مكان، ولديها ميليشياتها الخاصة، وتدير اقتصاداتها الخاصة، وغالباً ما تفضِّل عرقاً أو طائفةً واحدة. يقول مسؤولٌ في الأمم المتحدة: “إننا نشهد تقسيماً لسوريا مثل البلقان”.
الأسد يحكم 60% من البلاد وإيران وروسيا لا تقدمان سوى قليل من المال
استعاد رجال الأسد معظم المدن الكبرى واستحوذوا على حوالي 60% من الأرض، بعد أن كانت الأراضي التي يسيطرون عليها تبلغ حوالي 30% فقط في عام 2014. حكمت عائلة الأسد سوريا لأكثر من نصف قرن. وستمنح الانتخابات المقبلة في مايو/أيَّار أو يونيو/حزيران- إذا أُجرِيَت من الأصل- الرئيس دون شكٍّ فترة ولاية رابعة مدتها سبع سنوات.
لكن هذه انتصارات باهظة الثمن. يعيش الاقتصاد السوري وضعاً أسوأ من أيِّ وقتٍ مضى على مدار العقد الماضي، والقمح السوري الذي كان يكفي حاجة البلاد ويفيض أصبح سلعة نادرة.
ويجري تداول الليرة السورية بحوالي 1% من قيمتها قبل الحرب بالدولار في السوق السوداء. وتدفع حكومة الأسد 15 دولاراً شهرياً فقط لموظَّفي الخدمة المدنية. ويقضي الناس في أنحاء البلاد ساعاتٍ في الوقوف في طوابير للحصول على البنزين. أسباب الأزمة كثيرة، منها الحرب والفساد والقيود المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المُستجَد والعقوبات الأمريكية وانهيار البنوك اللبنانية، بينما يخبِّئ الأثرياء السوريون أموالهم. ولا يقدِّم الحليفان الرئيسيان للأسد- روسيا وإيران- سوى القليل من المساعدة، ويعود ذلك جزئياً إلى المعاناة التي يعيشانها أيضاً.
من يتحدث عن الجوع يُسجن
وليس لدى الأسد إجابات، وكثيراً ما يتجاهل في خطبه مشاكل سوريا الكبيرة. وأُعلِنَ أنه وزوجته أُصيبا بفيروس كورونا المُستجَد. وكان هناك ارتفاعٌ حادٌّ في الإصابات منذ منتصف فبراير/شباط الماضي. لكن نصف مستشفيات سوريا فقط هي التي تعمل بكامل طاقتها. وحتى خطط التطعيم في البلاد منقسمة، حيث تتفاوض جماعات المعارضة بشكلٍ منفصلٍ مع المانحين من أجل الحصول على اللقاحات. ويبدو أن الأسد أكثر اهتماماً بمراقبة شعبه، وليس مراقبة الفيروس. ويبحث رجاله عن أيِّ تلميحٍ للمعارضة. والصحفي الموالي الذي كَتَبَ عن الجوع على فيسبوك مؤخَّراً زُجَّ به في السجن.
وتعمل القوات الروسية دون رادعٍ، بينما تسيطر الميليشيات الإيرانية على الحدود بين مناطق سيطرة النظام والعراق ولبنان. وتُسقِط إسرائيل قذائفها على الميليشيات. وفي غضون ذلك، تدافع القبائل الدرزية في الجنوب، والقبائل العربية في الشرق، وحتى الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد على الساحل، عن نفسها بشكلٍ متزايد. والاشتباكات بين الجماعات شائعة الحدوث. ويقول شيخٌ عربي من دير الزور في الشرق: “إذا جاء علويٌّ إلى هنا وحيداً وغير مُسلَّح، سيُقتَل”.
الأكراد يحاربون العربية ويلاحقون المعارضين ويبيعون القمح للعراق
وفي المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد من سوريا، في الشمال الشرقي، تخلَّى السكَّان المحليون عن اللغة العربية مقابل الكردية، ويفضِّلون التعامل بالدولار. ويحتاج السوريون من خارج هذا الجيب الذي يهيمن عليه الأكراد الساعون إلى الإقامة إلى كفيلٍ محلي.
ولا تحب السلطات الكردية المعارضة، فتلاحق قواتهم النقَّاد والشباب، بمن فيهم العرب. وتعاني المنطقة مع بقية البلاد، لكنها على الأقل تمتلك النفط وتحظى بحماية الولايات المتحدة، وتبيع النفط والقمح السوري للعراق.
لذلك تستطيع الإدارة الكردية في سوريا دفع رواتب أعلى بكثير من تلك الموجودة في أراضي الأسد. وتصل المواد اللازمة من أجل إعادة البناء من الخارج. وافتُتِحَ مصنعٌ لتكرير الزيوت النباتية الشهر الماضي، مِمَّا وفَّرَ مئات الوظائف الجديدة.
ولطالما خشيت تركيا من أن يشجِّع أكراد سوريا انفصالييها الأكراد. لذلك منذ عام 2016، شنَّت تركيا هجماتٍ داخل سوريا، واستولت على الزاوية الشمالية الغربية وشرائح على طول الحدود. وطُهِّرَت هذه المناطق إلى حدٍّ كبير من الأكراد وسُلِّمَت إلى المعارضين العرب السُّنَّة الذين يشاركون الميول الإسلامية لتركيا. وتدفع تركيا رواتب المسؤولين المحليين، مِمَّا يسهِّل أيضاً إعادة الإعمار. وتستخدم الأراضي الليرة التركية وتم توصيلها بشبكة الكهرباء التي تخدم جنوب تركيا. ويشبِّه مسؤول الأمم المتحدة الوضع بشمال قبرص، التي تدخلت بها تركيا عسكرياً عام 1974 ولا تزال تحت حماية أنقرة.
ربما لو كان لدى سوريا رئيسٌ أكثر براغماتية لحاول عقد صفقاتٍ مع السلطات الإقليمية ونقل السلطة في محاولةٍ لتوحيد البلاد. لكن الأسد يخشى أن يُنظَر إلى التسوية باعتبارها علامة ضعف، لذا فهو في المقابل يهدِّد بمزيدٍ من الحرب. وقد أعاد في خطبه إحياء مجازات والده القديمة عن أمجاد الحضارات العربية والإسلامية لإثارة ذعر الأقليات.
الأسد يحاول تغيير هوية البلاد
ويحاول النظام في الوقت ذاته تقديم نفسه كممثل للأقليات في مواجهة الأغلبية العربية السنية، وهي مقاربة لا يحاول النظام ترويجها في سوريا فقط، بل في لبنان المجاور، وتقبلها تاريخياً زعامات الشيعة وبعض الزعامات المسيحية في لبنان مثل آل فرنجية.
ويدين إعلاميو النظام السوريين خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام على أنهم إرهابيون وطابور خامس. وصادق مجلس النواب في دمشق في 1 مارس/آذار الجاري على قانونٍ يجرِّد من الجنسية كلَّ من لا يجدِّد بطاقة هويته بعد عشر سنوات، وهو قانونٌ يستهدف الذين فروا أو تحرَّروا من حكم الأسد. ويرغب الكثيرون منهم في العودة، لكنهم يرغبون أيضاً في أن يشهدوا شخصاً آخر يحكم سوريا.
ويسعى النظام السوري تدريجياً إلى تبديد فرص عودة اللاجئين إلى بلادهم، وسن عدد من القوانين التي تسهل الاستيلاء على ممتلكاتهم، إضافة إلى خططه الرامية إلى إسقاط الجنسية عن اللاجئين السوريين.
وسبق أن طالب النظام أكثر من 10 ملايين سوري ممن فروا من الحرب المستعرة في البلاد أن يتقدموا بإثبات ملكيتهم لمنازلهم، وإلا فإن الحكومة ستضع يدها عليها.
وأثار قانون الملكية مخاوف واسعة النطاق لدى المواطنين السوريين الذين عارضوا بشار الأسد، من أنهم يواجهون خطر العيش في المنفى الدائم، وأن أشخاصاً آخرين ممن يُعتبرون موالين للنظام قد يُسمح لهم بالتوطين في مجتمعاتهم المحلية، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وبما أن غالبية اللاجئين النازحين داخلياً والمغتربين خارجياً ليسوا قادرين أو راغبين في العودة لإثبات ملكيتهم للممتلكات، فإن المحللين والمنفيين يقولون إن القانون، والمعروف باسم المادة 10، والإطار الزمني الضيق المحيط به، يُمكن أن يستخدم كأداة للتغيير الديموغرافي والأمن الاجتماعي.
ويشبه هذا القانون قانون أملاك الغائبين في إسرائيل، الصادر عام 1950 والذي يُجيز الاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم.
والعرب السنة هم الضحية الأولى للتغير الديموغرافي في سوريا، وفقاً لتقديرات جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، نتيجة خسائرهم البشرية الأكبر من الحرب وأن نسبتهم من عدد اللاجئين أكبر من نسبتهم من إجمالي السكان..
—————————–
“الرقة تنافس دمشق”.. كيف يعزز الغرب الفجوة بين المناطق التي يسيطر عليها الأكراد وباقي سوريا؟
يرسخ الأكراد سيطرتهم على شمال شرق سوريا وخاصة مدينة الرقة، متمتعين بدعم غربي يؤدي إلى تحسن الأوضاع في هذه المناطق، بينما يعاني بقية الشعب السوري من وضع اقتصادي كارثي.
وبينما كانت هذه المنطقة المتاخمة للعراق وتركيا مهمشة تاريخياً نظراً لبعدها عن أكبر مدينتين في سوريا (حلب ودمشق)، فإنها اليوم تبدو في وضع أفضل بالنظر للدعم الغربي، وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على النفط السوري الذي يتركز أغلبه في هذه المنطقة، إضافة إلى كونها سلة قمح سوريا.
لا لغة عربية ولا قمح لسوريا
وفي المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد من سوريا، في الشمال الشرقي، تخلَّى السكَّان المحليون عن اللغة العربية مقابل الكردية، ويفضِّلون التعامل بالدولار. ويحتاج السوريون من خارج هذا الجيب الذي يهيمن عليه الأكراد الساعون إلى الإقامة إلى كفيلٍ محلي.
ولا تحب السلطات الكردية المعارضة، فتلاحق قواتهم النقَّاد والشباب، بمن فيهم العرب، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
وتعاني المنطقة مع بقية البلاد، لكنها على الأقل تمتلك النفط وتحظى بحماية الولايات المتحدة، وتبيع النفط والقمح السوري للعراق.
لذلك تستطيع الإدارة الكردية في سوريا دفع رواتب أعلى بكثير من تلك الموجودة في أراضي الأسد. وتصل المواد اللازمة من أجل إعادة البناء من الخارج. وافتُتِحَ مصنعٌ لتكرير الزيوت النباتية الشهر الماضي، مِمَّا وفَّرَ مئات الوظائف الجديدة.
أفضل مكان للعيش في البلاد
وبعد عقدٍ من الحرب التي مزقت سوريا ودمرت مدنها، لا يزال عمر ساران يعتقد أنَّ مدينته الرقة هي أفضل مكان للعيش في سوريا.
وقال ساران الذي يبدو من اسمه أنه كردي لصحيفة “The Daily Telegraph” البريطانية خلال زيارة مؤخراً إلى المدينة: “هناك نوع من الحرية، وبعض المؤسسات، والأمان، كل شيء متاح، رغم أننا بالطبع متأثرون بالوضع الاقتصادي”.
بعد أكثر من 3 سنوات على معركة طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من الرقة التي أعلنوا أنها عاصمتهم، تبقى آلاف المباني مدمرة والوظائف شحيحة، ولا تزال الجثث تُستخرَج من المقابر الجماعية.
لكن ساران، البالغ من العمر 36 عاماً ومدرس اللغة الإنجليزية، متفائل.
وقال ساران: “الرقة اليوم هي النموذج، أنا جاد. المباني يسهل إعادة بنائها، إنما ما نعمل عليه الآن هو إعادة بناء الناس، فقد دمر داعش أرواحهم”.
محافظة مهمشة تثور على الأسد
وتعكس أوضاع الرقة، التي كانت عاصمة محافظة غير مميزة في السابق، المسار الأوسع للحرب الأهلية السورية، التي سجلت هذا الأسبوع ذكرى مرور 10 أعوام قاتمة. فقد شهدت الرقة كل شيء من التفاؤل الهش للانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد إلى الحرب الأهلية الوحشية التي فرضت تكلفة مروعة على الحياة المدنية والبنية التحتية.
ولم يتوقع أحد أن تكون الرقة، الواقعة في منطقة زراعية على نهر الفرات بعيداً عن المدينتين المركزيتين في سوريا حلب ودمشق، أول عاصمة إقليمية تقع في أيدي الثوار عندما بدأت الاحتجاجات في مارس/آذار 2011.
وقال محمد نور الزيب، وهو أحد شيوخ العشائر ورؤساء مجلس الرقة المدني: “قبل عشر سنوات كانوا يعتقدون أنَّ الرقة ستكون آخر مدينة تنتفض. فلم تكُن الحكومة مهتمة بالرقة من قبل، لقد كانت مكاناً غافلاً، رغم أنَّ المنطقة بها نفط وكانت سلة غذاء سوريا”.
وجسّدت سيطرة “داعش” على الرقة وحشية التنظيم، مع تنفيذ الإعدامات العلنية والاختفاء القسري والتعذيب على نطاق واسع. وقال معلم اللغة الإنجليزية عمر ساران: “أعادت داعش العصور الوسطى، كان الوضع وكأننا نعيش في العصور المظلمة”.
وأشاد ساران بقوات سوريا الديمقراطية التي استعادت المدينة من براثن “داعش” في عام 2017 ووصفها بأنها “المنقذة”، على الرغم من أنَّ المعركة أسفرت عن تدمير شبه كامل للرقة. وأسقط التحالف الدولي نحو عشرة آلاف قنبلة على المدينة التي قتلت 1600 مدني بحسب بعض التقديرات.
الأكراد يؤسسون مجلساً لإدارة المدينة
منذ ذلك الحين أقر الشيخ محمد نور الزيب، أحد رؤساء مجلس الرقة المدني، بأنَّ عملية إعادة البناء كانت بطيئة.
وقال إنَّ مجلس الرقة المدني لديه ميزانية ضئيلة وقليل من الدعم الدولي. وأوضح: “لقد دُمِّرَت البنية التحتية الأساسية للمدينة، ولم نتمكن من إصلاحها ببساطة، كان علينا أن نبدأ من الصفر”.
وأنشأت السلطات الكردية السورية، التي تسيطر الآن على شمال شرق سوريا، مجلس الرقة المدني. ويقول أكراد سوريا، الذين يطلقون على أنفسهم اسم الإدارة الذاتية، إنهم تخلوا عن أحلام الانفصال لصالح الحكم الذاتي عن دمشق.
كما ينفون علاقتهم بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا وأغلب الدول الغربية.
ولكن محاولة الفصل بين حزب العمال الكردستاني وبين الإدارة الكردية في شمال شرق سوريا لا تقف أمام أي محاولة للنقاش العلمي، حتى لو تبناها الإعلام الغربي.
فالعديد من التقارير الميدانية لمراكز بحثية غربية تثبت العلاقة بين القيادات الكردية السورية وحزب العمال الكردستاني.
فحزب الاتحاد الديمقراطي السوري الذي أسس الإدارة الذاتية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، هو حزب كردي سوري نافذ أسّسه في عام 2003 مقاتلون سوريّو الأصل ينتمون إلى “حزب العمال الكردستاني” في جبال قنديل في شمالي العراق، وفقاً لتقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.
بعض القادة الكبار في
بعض القادة الكبار في “حزب الاتحاد الديمقراطي” يتحدّرون من حزب العمّال الكردستاني/رويترز
ويقول التقرير إن “حزب الاتحاد الديمقراطي” ينكر أن يكون له أيّ ارتباط بحزب العمال الكردستاني نظراً إلى الضرر الذي يمكن أن يلحق بصورته جراء الإعلان عن هذه العلاقة.
ويعلق التقرير قائلاً: “حتى لو تجاهلنا أن بعض القادة الكبار في “حزب الاتحاد الديمقراطي” يتحدّرون من “حزب العمّال الكردستاني”، فإن الممارسات السياسية والرموز لدى حزب الاتحاد الديمقراطي مماثلة لتلك التي يستخدمها تقليدياً “حزب العمال الكردستاني”، وأكثرها وضوحاً للعيان صورُ زعيم “حزب العمال” (المسجون عبدالله أوجلان)، والهياكل التنظيمية (ولا سيما وجود نساء مقاتلات في الرتب الدنيا).
فضلاً عن ذلك ليس واضحاً كيف تمكّن الأكراد السوريون من أن ينشئوا بمفردهم الإطار اللوجستي والبنيوي الضروري لتشكيل قوّة عسكرية فعلية من أكثر من 10 آلاف مقاتل بعد اندلاع الثورة السورية مباشرة (أصبحت الآن أكبر بكثير).
وبالتالي مثلما يبدو إنكار حزب الاتحاد الديمقراطي لعلاقته بحزب العمال نوعاً من التقية السياسية، فإن حديث حزب الاتحاد عن تخليه عن الاستقلال، مرتبط بالظروف الراهنة.
والأهم أن الحزب قد يكون قد تخلى أو أرجأ مشروع الدولة الانفصالية، لأنه واقعياً أسس دويلة كبيرة يحكمها الأكراد، على حساب الأغلبية العربية، مستفيداً من موارد المناطق ذات الأغلبية العربية.
إنهم يحكمون ثلث سوريا والعرب ينظرون لهم كاحتلال
منذ البداية رفض حزب الاتحاد الديمقراطي السوري (الذي ينظر له باعتباره الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني) الانضمام للثورة السورية، رغم أن الأكراد كانوا الفئة الأكثر معاناة من النظام الذي حجب عن أعداد كبيرة منهم الجنسية، (لأن جذور كثير منهم تعود لتركيا، حيث هاجروا منها بعد فشل ثورتهم ضد كمال أتاتورك).
ووصل تعاون حزب الاتحاد الديمقراطي السوري مع الأسد إلى درجة أن قوات النظام انسحبت من المناطق ذات الغالبية الكردية الواقعة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد منذ صيف 2012، لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي، مما أتاح الفرصة له لاستغلال انشغال المعارضة السورية في المعارك ضد النظام لتأسيس كيان شبه مستقل في شمال سوريا.
وتجنبت الإدارة الذاتية حرباً مباشرة مع دمشق، التي اعتمدت منذ عام 2015 على الدعمين الروسي والإيراني لقلب دفة الحرب لصالحها.
وأتاح القضاء على تنظيم داعش ككيانٍ جغرافي في مارس/آذار 2019، لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) السيطرة على نحو ثلث سوريا، حيث يُقيم ملايين السوريين ومعظمهم من غير الأكراد، وتنظر لهم الأغلبية العربية كاحتلال، حسب تقرير لمركز كارنيغي.
ويقول السكان المحلّيون في المدن ذات الأكثرية العربية الخاضعة لسيطرة “قسد”: إن تهميش العرب من آلية الحكم في مناطقهم يولّد مشاعر استياء لدى العرب المثقّفين.
ويدير الحزب أوضاع هذه المنطقة الشاسعة، والتي تضم أعداداً كبيرة من العرب السنة، ومجموعات إثنية أخرى عبر استخدام أحزاب تحمل كواجهات سياسية من هذه القوميات والطوائف، مثل “الهيئة الوطنية العربية”، و”حزب الاتحاد السرياني”، وتنظيمات كُردية وعربية وسريانية أخرى، وفقاً للتقرير.
ويقول الصحفي الكردي السوري، فاروق حاجي مصطفى، مؤسس مركز براتشاف للإعلام والحرية في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا: “إن حزب الاتحاد الديمقراطي كان يتمتع بشعبية فعلية لأنه كان يتصدى لمشاكل السكان الأكراد. فأعضاؤه براغماتيون ومنظمون على عكس الأحزاب الكردية الأخرى التي فشلت في مواجهة تلك المشاكل”.
ولكنه استدرك قائلاً: “الحزب بات حزباً شمولياً، ورافضاً لمظاهر معارضة حكمه، وتعامل بعنف ضد البعض في مجتمعه”.
الهيمنة على النفط تغيِّر جغرافية سوريا
تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بقيادة الأكراد حالياً على أكبر حقول النفط في سوريا، والتي سبق أن أرسل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوات أمريكية لحمايتها.
ولكن قسد كانت غير قادرة على بيع النفط بطريقة قانونية، ومن ثم فهي مضطرة إلى التعامل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي تتهمه الولايات المتحدة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد شعبه، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
يذكر أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي فُرضت منذ عام 2011 تحظر القيام باستثمارات في سوريا، كما تحظر استيراد المنتجات النفطية السورية. ولكن العقوبات لا تشمل قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر حالياً على شمال شرق سوريا.
وبينما يتعرض النظام السوري لضغوط اقتصادية كبيرة جراء العقوبات الأمريكية، وقعت الإدارة الكردية، مؤخراً اتفاقاً مع شركة أمريكية لتطوير حقول نفطية، كما تعهدت الولايات المتحدة بتقديم مصفاتين للأكراد.
إذ يحاول أكراد سوريا استغلال الأزمة الناتجة عن العقوبات التي فرضها قانون قيصر الأمريكي على النظام السوري للحصول على حق بيع نفط البلاد (الذي يسيطرون على أغلبيته) في الأسواق الدولية.
ومثلما كانت القيادات الكردية المستفيد الأكبر من الثورة السورية، فإنها تحاول الاستفادة من الصراعات في المنطقة والدعم الغربي لترسيخ هيمنتهم على شمال سوريا، حتى إن البعض يتحدث عن أن الرقة سوف تصبح أفضل من العاصمة السورية دمشق.
الرقة ستصبح أفضل من دمشق
وانعكست هذه الميزات التي تتوفر للأكراد إيجابياً على المناطق التي يسيطرون عليها.
وقال الزيب، الذي يعمل في هذا السياق الغامض، إنَّ أنابيب المياه قد أعيدت الآن إلى 95% من أحياء الرقة، في حين أنَّ الكهرباء متاحة لما يقرب من ثلثي المنازل. وفتحت نحو 50 مدرسة أبوابها مرة أخرى من أصل 400 مدرسة في الرقة، وتعمل في نوبات صباحاً وبعد الظهر لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب.
وقال الزيب: “مع الوقت يمكننا إعادة بناء الرقة من تحت الأنقاض لتكون أفضل من دمشق في الخدمات والأمن”، مضيفاً أنَّ مدينته هي الوحيدة التي ما زالت توفر إمكانية تحقيق تطلعات أولئك الذين انتفضوا ضد الرئيس الأسد قبل عقد من الزمن.
قمع الكرد أقل وطأة من الأسد
وأصبحت شكاوى مواطني الرقة اليوم أخف سوءاً مقارنة بالإرهاب الذي عاشوه في ظل تنظيم “داعش” والقمع السياسي لنظام الأسد. فبدلاً من قطع الرؤوس والجَلْد في الأماكن العامة بسبب التدخين، يشكو الناس من التجنيد الإجباري والفساد وتنامي مشكلة المخدرات ونقص التنمية.
وَلَّدَت العزلة النسبية في الرقة فخراً محلياً وهوية فريدة بأنها مدينة ليبرالية نسبياً في ركن توافقي من سوريا. وتقول ماريا العجيلي إنَّ قدرة المدينة على الصمود أمام الرياح السائدة تشير إلى أنَّ فرصها في التخلص من التطرف أفضل من أي مكان آخر.
وتصر ماريا، الناشطة المحلية التي تنحدر من عائلة قديمة من الكتاب والساسة في الرقة، على أنَّ التطرف دخيلٌ على المدينة، قائلة: “ليست هناك أيديولوجية في الرقة”.
وتقول ماريا، التي لا ترتدي الحجاب، إنها تفضل البقاء في الرقة بالرغم من أنَّ زوجها وأطفالها يعيشون في منطقة خاضعة لسيطرة الحكومة. وأضافت: “في اللاذقية لدي عملي وفيلا وسيارات وحياة فاخرة، لكن لا يمكنني التحدث بحرية”.
وبالنسبة لماريا، الناقدة الصريحة لكل الفصائل السورية، يمثل غياب هذه الحرية أزمة.
وذكرت أنَّه في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام “إذا كتب أحدهم تقريراً عنك، فستختفي من على سطح الأرض”. وتشير التقديرات إلى أنَّ حالات الاختفاء القسري أدت إلى وفاة 12000 شخص في الحجز بسبب التعذيب وسوء المعاملة منذ بدء الحرب.
وقالت عن القوات التي يقودها الأكراد في الرقة: “فيما يتعلق بالحرية والقدرة على الكلام، قوات سوريا الديمقراطية هي الأفضل”.
ولكن حتى لو كان حكم الإدارة الذاتية أقل قسوة من الأسد، فإن هذا لا يمنع من وجود تضييق على العمل المدني واﻹنساني في مناطق سيطرة الأكراد شرق الفرات، حيث شنت اﻷجهزة اﻷمنية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية حملات اعتقالات واسعة طالت العديد من ناشطي المجتمع المدني في محافظة الرقة على سبيل المثال، حسبما أفادت تقارير غربية متعددة.
وفي هذا الإطار، ذكر تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان في أغسطس/آب 2019 أن قرابة 3 آلاف شخص كانوا قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري لدى قوات سوريا الديمقراطية التي باتت تُضيِّق على منظمات المجتمع المدني عبر ممارسات قمعية تشبه ممارسات التنظيمات المتطرفة.
خلايا داعش النائمة
الأمن لا يزال ضعيفاً، مع استمرار خلايا “داعش” النائمة في ابتزاز العائلات الثرية، حسبما تقول ماريا العجيلي.
ويخيم على الجميع الخوف من أنه بالرغم من إمكانية السيطرة على الوضع اليوم، يمكن تدهور الأمور غداً، سواء بعودة النظام السوري، أو عودة “داعش”، أو الإرهاب الجديد غير المتوقع بعد. “لا نعرف ما قد يحدث غداً”.
لكن ماريا لديها نظرة بعيدة. وقالت: “الرقة تعرضت للغزو مرات عديدة منذ إمبراطورية بابل لكن الغزاة دوماً ما يغادرون في نهاية المطاف بينما نبقى نحن”.
وأكدت أنَّ الرقة سيعاد بناؤها من جديد مثلما حدث بعدما دكَّها الفرس في القرن السادس ومرة أخرى بعدما دمرها المغول في القرن الثالث عشر.
وأضافت ماريا: “نحن نمتلك هذه المدينة، وسنبقى هنا. سنحارب من أجلها ونموت في سبيل ذلك. الرقة تستحق منّا ذلك”.
——————————–
دمشق تطرد ناسها: عودوا إلى قراكم… أو إلى الشّارع/ طارق علي
“مليون ومئتا ألف ليرة بات إيجار الاستوديو الذي أقطنه في المزة الشرقية شهرياً، وهو عبارة عن غرفة ومطبخ، صحيح أنّه مفروش، ولكنه قبل مدة قصيرة جداً كان بسبعمئة ألف شهرياً، وقبلها بعام كان بمئتي ألف”، يقول ميلاد عجيب العامل في إحدى المنظمات الدولية في دمشق لـ”النهار العربي”. ويشرح عجيب أنّ التفاوت السعري بين عام وآخر، وشهرٍ وآخر، تجاوز حدود المنطق والعقل والقدرة المادية، “يساعدني في ذلك أنني أقبض مرتّبي بالدولار بحكم عملي مع المنظمة الموجودة بصورة مشروعة في البلاد، راتبي 1300$، ولكن القانون يقتضي أن نستبدل بالدولار الليرة السورية بحسب سعر المصرف المركزي (1250 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد – بينما بلغ سعر الدولار في السوق السوداء 4500 ليرة سورية)”، وبحسبة بسيطة يكاد يكون راتب عجيب بالكاد كافياً لدفع إيجار المكان الذي يقطنه، لذا يحاول البحث عن بدائل، ولكنّ المنطق الاجتماعي يحكم الأمر بحسب ما يقول، فطبيعة عمله تحتم عليه التقيد بمظاهر اجتماعية تمنعه من البحث عن بدائل في العشوائيات.
العشوائيات تتغلب على الفقراء
يتجه الوافدون إلى دمشق للسكن في العشوائيات والأحياء الشعبية، لتبرز منطقة المزة 86 كحل مثالي، بحييها (خزان ومدرسة)، ولطالما كانت هذه المنطقة ملجأً للقادمين إلى دمشق بحثاً عن حياة أفضل.
حتى الأمس القريب كانت هذه المنطقة مستقراً للفقراء وميسوري الحال، أما اليوم فقد تخطت عتبة الإيجار فيها 150 ألف ليرة سورية، وتصل إلى 300 ألف ليرة سورية، بين مفروش وغير مفروش، وبين الاثنين يبقى أنّ المنطقة الجبلية تقع داخل العاصمة، ولكنها منطقة مخالفات بالكامل، وبرغم اتساعها وكبرها إلّا أنها مبنية بكلّها على أراضٍ للدولة بصورة غير مشروعة، وبالتالي ليس فيها أبنية تتمتع بالوصف العقاري (طابو أخضر) أي ملكية مفرزة ومسجلة في الشهر العقاري.
تضيق الشوارع في الحي وتتلاصق المباني ويكاد السير في السيارة نحو الأعلى من الصعوبة، بما يدفع الكثيرين لركن سياراتهم في حي المزة الراقي أسفلها ومن ثم التوجه سيراً على الأقدام، تارةً على الإسفلت، وتارةً عبر أدراج ليس من السهولة صعودها، إلّا أنّه لا خيارات حقيقة أخرى أمام الناس، ذوي الدخل المحدود، وربما ما دون المحدود.
الحل البديل لم يعد بديلاً
تعتبر مدينة جرمانا في ريف دمشق بديلاً من السكن داخل الحدود الإدارية للعاصمة، تبعد نحو 8 كيلومترات عن دمشق، لطالما كانت المدينة مكاناً رخيصاً للسكن، برغم كم المشكلات فيها، مشكلات على شكل جرائم، فالمنطقة لطالما كانت مرتعاً للدعارة والمخدرات والجرائم، وبالضرورة فهذا لا يعني أنّها كلها كذلك، فثمة أحياء داخلها تعتبر راقية في العرف الاجتماعي، الروضة والبلدية والوحدة على سبيل المثال، فيما توصف بقية أحياء المدينة بالشعبية.
“حي القريات واحد من أسوأ الأحياء المتداخلة عمرانياً، مهجرون ولاجئون ونازحون، ليسوا فقط سوريين، بل عراقيون أيضاً، هم كثر هنا، الآن بات إيجار منزلي مئتي ألف ليرة سورية، لم أعد قادراً على الدفع أكثر من ذلك، أبحث عن بدائل بأي طريقة، ولكنني لم أعثر على أي عقار أقل سعراً”، يقول المهندس ملاذ عيسى لـ”النهار العربي”، ويكمل أنّه ما عاد بإمكانه الاستمرار في السكن في ظل هذه المعطيات، لذا يعتقد أنّه سيتجه نحو الأرياف التي انتهت فيها المعارك، “لم يعد المكان مهماً كثيراً، دوما أو حرستا أو عربين وزملكا، المهم أن أجد مكاناً أسكن فيه بسعر يمكنني دفعه”، وينهي حديثه باستغراب كبير لبلدٍ ينهش أولاده ويصادر أبسط حقوقهم في السكن.
تواصل “النهار العربي” مع الكثير من المكاتب العقارية، بصفة مستأجر، سأل أدلاء يعملون في تأمين المنازل، والنتيجة النهائية كانت أنّه لا عقار إيجاره أقل من مئة وخمسين ألف ليرة سورية.
مكتب .س. في جرمانا قدّم عرضاً لاستئجار غرفة مفروشة في حي القريات بمبلغ مئتي ألف ليرة سورية، وقدّم “فيديو” للغرفة يتضح فيه وجود الأدوات الرئيسية في المنزل (شاشة – براد – غسالة – سرير للنوم”، ليطلب المكتب دفع إيجار عام كامل قبل تسلم المنزل، وحقيقة هذه تعتبر أم المشكلات، فجميع الباحثين عن السكن يصطدمون بهذه العقبة، وفي أحسن الأحوال دفع إيجار ستة أشهر مسبقاً، وفوق كل ذلك، تأتي عمولة المكتب التي تعادل أجر شهر إلى شهر ونصف، أي إذا استأجر أحد منزلاً بمبلغ مئتي ألف ليرة سورية، فسيدفع لستة أشهر مبلغ مليون ومئتي ألف ليرة سورية، وعمولة مكتب مئتين إلى ثلاثمئة ألف ليرة سورية، ومعها مبلغ للتأمين يساوي تقريباً مئتي ألف ليرة سورية.
الأمر في العاصمة يبدو أكثر تعقيداً بكثير، فصفحات المكاتب العقارية على موقع “فايسبوك” تضج بعروض الإيجار، راسل “النهار العربي” صفحة متخصصة في بيع العقارات للحصول على عروض أسعار، فكان أول عرض في منطقة المزة – مواساة بمبلغ مقطوع تسعة ملايين ليرة سورية أجرة عام كامل لا يتضمن العمولة والتأمين، أي 750 ألف ليرة سورية شهرياً، والعرض الثاني في المزة 86 بمبلغ مئتي ألف ليرة سورية.
تكاد العروض لا تنتهي، لكنّ القاسم المشترك في فيضانها هو الغلاء، وهذا بالضرورة لا يعني أنّ للمستأجر رفاهية الانتظار والمفاوضة، فالطلب كثيف على قاعدة أنّ الناس لا يمكنها أن تترك عملها في دمشق بين ليلة وضحاها، وحقيقة فإنّ الأسعار ترتفع بين الليل والنهار.
ضاقت دمشق بساكنيها
الناس تؤمّن المال بأي طريقة، بالاستدانة، بالعمل الإضافي، بأي وسيلة، إلّا أن ما يحصل لا ينذر بالخير، فالغلاء اليوم يطغى على المشهد، على مشهد راتب الموظف الحكومي الذي صار يعادل 13$ فقط، وفوقها الحكومة التي لا تدّخر جهداً في الاجتهاد بإصدار قرارات تنال من يوميات شعب ما عاد يحتمل المزيد من المشكلات والقلق، شعب ليس فقط إحصائيات الأمم تقول إنّه جاع، بل واقع الحياة في الطرق، فالعاصمة تلفظ ساكنيها، وقريباً إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فسيصير حال ساكني دمشق، الفقراء منهم، كحال اللاجئين في دول الجوار، قد تصير الشوارع ملجأهم، والعودة إلى المناطق التي قدموا منها حلهم الوحيد، فأكثر ما يمكن رصده في مواقع عرض المنازل، هو منشورات على شاكلة: “أرجوكم نحتاج منزلاً رخيصاً بسرعة، فقد طردنا من منزلنا المستأجر بعد ارتفاع سعره أضعافاً”.
النهار العربي
—————————-
=======================
تحديث 22 أذار 2021
—————————
الانتخابات السورية: فيتو أميركي بمواجهة محاولة تعويم الأسد/ عماد كركص
بدأت الولايات المتحدة الأميركية تكشف تدريجياً عن مزيد من مواقفها اتجاه النظام السوري، عقب وصول إدارة الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، بعد أن ساد ما يشبه الغموض بموقف بايدن من النظام طيلة حملته للانتخابات الرئاسية، وحتى في الفترة الأولى التي تلت تنصيبه. وفيما يقترب موعد الانتخابات الرئاسية في سورية، المقرر إجراؤها بعد نحو ثلاثة أشهر، والتي باتت محط أنظار الفاعلين الدوليين في الشأن السوري، دخلت واشنطن على الخط بالقول إنها لن تعترف بشرعية هذا الاستحقاق، المستنكر أوروبياً، في ظلّ وضوح نوايا النظام وحليفيه الروسي والإيراني، لتوظيفه من أجل إعادة تعويم بشار الأسد، عبر انتخابه لفترة رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات. وتسعى روسيا لتحقيق ذلك من بوابة إعادة سورية إلى محيطها العربي والجامعة العربية، وهذا ما كان واضحاً خلال جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على عدد من العواصم الخليجية قبل أيام. في حين تأتي زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى سلطنة عُمان التي بدأها يوم أمس السبت، كمحطة يمكن التوقف عندها في هذا السياق.
وأعلن نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة بالإنابة، جيفري ديلورنتس، في تصريحات له أول من أمس الجمعة، أنّ إدارة بايدن “لن تعترف بنتائج الانتخابات في سورية، إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، وبشكل يراعي وجهة نظر المجتمع السوري بأسره”. وأكد ديلورنتس أنّ النظام السوري ينوي استغلال الانتخابات لتأكيد شرعية رئيس النظام بشار الأسد. وشدد على أنّ الإدارة الأميركية الحالية تعارض إجراء انتخابات “غير حرة” لا تخضع لإشراف الأمم المتحدة، مضيفاً: “نواصل التأكيد بحزم على أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو دفع العملية السياسية التي تفي بالشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254”. كذلك أشار ديلورنتس إلى أن “المعارضة السورية حاولت القيام بدور نشط في تطوير الدستور الجديد، لكنها قوبلت برفض دمشق التعاون في هذا الشأن”.
وفي الأشهر السابقة، حملت تصريحات غربية وحتى أميركية رفضاً واضحاً للانتخابات الرئاسية في سورية ونتائجها المتوقعة، بيد أنّ تصريحات ديلورنتس الأخيرة تقطع الشك باليقين، حيال نظرة الإدارة الأميركية وبايدن نفسه، إلى هذا الاستحقاق، الذي سيعتبر مفصلياً وحاسماً في طريق الأزمة السورية، التي أنهت قبل أيام عقدها الأول، بمئات الآلاف من الضحايا المدنيين؛ قتلى ومعتقلين، إلى جانب الملايين من النازحين واللاجئين.
ومع الخشية من أن يؤدي قرار بايدن بالعودة إلى التفاوض مع إيران بشأن ملف الأخيرة النووي إلى تراخٍ في الموقف الأميركي حيال النظام السوري، تزداد الضغوط من قبل الكونغرس على إدارة الرئيس الجديد لزيادة التشدّد في التعامل مع النظام وحلفائه، ولا سيما طهران. إذ طالب أعضاء من مجلس النواب الأميركي، أول من أمس الجمعة، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بتقديم إجابات رسمية بشأن تحديد الجرائم ضدّ الإنسانية التي ترتكبها إيران والمليشيات التي ترعاها، في سورية والعراق، وما إذا كانت إيران و”حزب الله” اللبناني والمليشيات المدعومة من طهران قد قامت بحملات تطهير طائفي في ضواحي دمشق، ما يمكن أن يعتبر منهجية واسعة الانتشار، وبالتالي فإنها تشكل جريمة موصوفة بحسب قوانين الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنّ هذه المطالبات هي جزء من مشروع قانون جديد يتعلق بضرورة معاقبة إيران لقيامها بانتهاكات لحقوق الإنسان داخل أراضيها وفي كل من العراق وسورية، إلا أنه ستكون له انعكاساته على تعامل إدارة بايدن مع النظام، الذي سهّل عمل إيران في سورية، وكان سبباً في توغلها بالبلاد، وشريكاً لها بجرائم وعمليات تغيير ديمغرافي على أساس طائفي.
وتأتي هذه التحركات الأميركية، لمواجهة سعي موسكو إلى تعويم الأسد من خلال إعادة نظامه إلى المحيط العربي، عبر تطبيع العلاقات مع الدول العربية، والخليجية تحديداً، لكسب تأييدها ودعمها المالي في عمليات إعادة الإعمار في سورية. وكان ذلك واضحاً من خلال جولة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الخليجية الأخيرة التي توقف خلالها في كل من الرياض وأبو ظبي والدوحة. بيد أنّ لافروف تلقّى إجابات غير مرضية في الرياض والدوحة، إذ تم ربط مسألة عودة سورية إلى الجامعة العربية بإنجاز الحل السياسي الشامل في البلاد، على أن تكون المعارضة جزءاً من هذا الحل. في حين أنّ الموقف الإيجابي اتجاه طرح لافروف والذي أبدته الإمارات، غير كافٍ، نظراً لهشاشة الثقل الإماراتي في الملف السوري، على الرغم من أنّ أبو ظبي سارت في طريق إعادة تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد قبل عامين، بهدف مساندته في مواجهة التمدد التركي في البلاد.
وبناءً على ذلك، يمكن اعتبار زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى العاصمة العمانية مسقط، والتي بدأها أمس السبت، امتداداً لجهود لافروف بتسويق فكرة إعادة النظام لمحيطه العربي من البوابة الخليجية. وتلعب سلطنة عمان، عادةً، دور الوسيط في نزاعات المنطقة، وخصوصاً بالنسبة لإيران التي تربطها بها علاقات جيدة. ويبدو أنّ النظام يحاول تعزيز علاقاته مع مسقط بهدف فكّ العزلة عنه والحصول على شرعية سياسية، خصوصاً في وقت يحضّر فيه لإجراء انتخابات رئاسية، معتمداً على سياسة “الحياد” التي تتبعها السلطنة. مع العلم أنّ سلطنة عُمان هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع النظام السوري، كما فعلت باقي الدول الخليجية، إذ عمدت فقط لتخفيض مستوى تمثيلها في دمشق عام 2012، إثر اندلاع الثورة السورية، وكانت أول دولة عربية وخليجية تعيد سفيرها إلى دمشق في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
وفي السياق، رأى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، عبد الأحد صطيفو، أنّ “المواقف الأميركية واضحة جداً وصارمة فيما يتعلق بانتخابات نظام الأسد الرئاسية المزمع عقدها خلال الأشهر المقبلة”. وأضاف في تصريح لـ”العربي الجديد” أنه “خلال متابعة وقراءة التصريحات الرسمية الأسبوع الماضي فقط، سواء لوزارة الخارجية أو للسفيرة ليندا توماس غرينفيلد، المندوب الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ورئيسة مجلس الأمن لهذا الشهر، إضافة إلى البيان المشترك لوزراء خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا الإثنين الماضي بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة السورية، يتضح لنا ثبات المواقف الرسمية ليس فقط لأميركا، ولكن للدول الأوروبية أيضاً الفاعلة في الملف السوري. إذ تؤكّد هذه المواقف بلغة لا تقبل التأويل أنّ انتخابات النظام المقبلة لن تكون حرة ولا نزيهة، ولا تسهم في تسوية الصراع، ولن تؤدي إلى التطبيع الدولي مع النظام أو تضفي الشرعية عليه، كونها لا تفي بالمعايير المنصوص عليها في القرار الأممي 2254 (لعام 2015). وينصّ هذا الأخير على تشكيل حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية (أي هيئة الحكم الانتقالي) وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقاً لأعلى معايير الشفافية الدولية، عملاً بالدستور الجديد، وتحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة جميع السوريين بمن فيهم الذين يعيشون في المهجر”.
وتابع صطيفو أنّ “المواقف الأميركية هي متناسقة ومتماسكة مع المواقف الأوروبية، كما جاء في عدد من مواقف وزارتي الخارجية الفرنسية والألمانية مثلاً، إضافة لبيانات الاتحاد الأوروبي وتصريحات المبعوث الأممي لسورية غير بيدرسن”. ولفت المتحدث نفسه إلى أنّ “الموقف الأميركي كذلك متوافق مع ما جاء في عقوبات قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران الماضي، ويؤكد استخدام الوسائل الاقتصادية والدبلوماسية والقسرية لإجبار حكومة بشار الأسد على دعم الانتقال السياسي في سورية. ووفقاً للمادة 401 من نص القانون، يتم تعليق العقوبات في حال تطبيق إجراءات بناء الثقة في ما يتعلق بالملفات الإنسانية والمحاسبة والانخراط الجاد في عملية سياسية تؤدي لحل سياسي عادل يحقق تطلعات شعبنا بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية ودولة المواطنة المتساوية”.
من جهته، رأى الباحث السياسي، والمعارض السوري، رضوان زيادة، أنّ موقف الإدارة الأميركية الجديدة “يتماشى مع الموقف الأميركي العام في عدم الاعتراف بنظام الأسد والإصرار على الانتقال السياسي، وربطه برفع العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر وتطبيق بنود القرار 2254”. وأشار زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “المطلوب من الولايات المتحدة الآن موقف أقوى لناحية الجدية في تطبيق قانون قيصر، وفرضه حتى على أصدقاء أميركا الذين يرغبون في إعادة تأهيل نظام الأسد، مثل عُمان والإمارات، كما فعلت الإدارة السابقة، وهذا يشترط وضع سورية كأولوية بالنسبة لواشنطن في السياسة الخارجية، وهو ما لم يحصل للأسف إلى الآن”.
العربي الجديد
—————————–
النظام السوري يروج لانتخاباته بملتقى للعشائر في دير الزور/ جلال بكور
يواصل النظام السوري الترويج عبر وسائل إعلامه للانتخابات الرئاسية التي ينوي إجراءها بعد نحو ثلاثة أشهر. ومن ضمن حملته الترويجية، يحاول عقد مؤتمرات وملتقيات لكسب ود العشائر والقبائل السورية، وخاصة العربية، وآخرها ما يقوم به اليوم في دير الزور.
وقالت صحيفة “الوطن”، التابعة للنظام السوري، إن محافظة دير الزور تشهد اليوم “ملتقى للعشائر والقبائل تشارك فيه حشود عشائرية ضخمة هي الأكبر منذ بداية الحرب على سورية، تحت عنوان الأسد خيارنا”. وبحسب الصحيفة، فإن من أبرز القبائل والعشائر المشاركة في الملتقى: العقيدات والبكارة وشمر والبوليل.
وقالت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، إن الفعالية التي تقام بالصالة الرياضية في دير الزور وبدأت عند الساعة الحادية عشر صباحا بالتوقيت المحلي، جرى التحضير لها من قبل فرع “حزب البعث” الذي دعا الأهالي للحضور إلى الصالة ومحيطها تحت طائلة التهديد والمساءلة، وذلك لإظهار وجود تأييد شعبي للنظام في المدينة.
ووفق المصادر ذاتها، التي فضلت عدم كشف هويتها، فقد جرى أيضا جمع عدد من طلاب المدارس والموظفين في دوائر النظام وإجبارهم على حضور هذه الفعالية.
وقال الناشط وسام العربي، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “لا توجد تجمعات كبيرة أو أعداد كبيرة في مناطق النظام، وما يحصل هو أن النظام يقوم بحشد شبيحته وعناصر من مليشياته خلف شيوخ ووجهاء قام بتنصيبهم”. ويشدد العربي على أن هذه الخطوات تأتي في سياق الحملة الترويجية لانتخابات النظام.
وسعى النظام دائما إلى حشد أبناء العشائر والقبائل في منطقة دير الزور والجزيرة السورية لصالحه، وذلك بمساعدة شيوخ ووجهاء ورجال أعمال موالين له. ويجري اليوم التنافس على حشد العشائر في شمالي وشرقي سورية مع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) والمعارضة السورية، ويبدو أن النظام يسعى لكسبها اليوم من أجل الدعاية لانتخاباته التي يرفضها المجتمع الدولي والمعارضة السورية.
وقال المتحدث الرسمي باسم مجلس القبائل والعشائر السورية المعارض للنظام مضر الأسعد إن ما يقوم به الأخير “دعاية انتخابية زائفة لطالما قام بها منذ وصوله إلى السلطة”، مذكرا بأن “هذا النظام منذ وصوله لحكم سورية بانقلاب عسكري سعى إلى كسب ود وولاء القبائل والعشائر العربية، وهناك الكثير منها التي رفضت النظام، إلا أن الأخير مارس عمليات الترغيب والترهيب على العشائر كما مارسها على مختلف مكونات الشعب السوري”.
ونبه الأسعد، في حديثه مع “العربي الجديد”، إلى أن العشائر والقبائل العربية انقسمت في السنوات الأخيرة بين النظام و”قسد” والمعارضة، أو التزمت الصمت، موضحا أن “الفئة التي والت النظام السوري هي التي توالي إيران وروسيا أيضا، والنظام صنع وجهاء وشيوخا للعشائر منذ زمن وأدخل بعضهم إلى مجلس الشعب”.
ورأى أن “فقدان النظام للحاضنة الشعبية يدفعه للذهاب نحو القبائل والعشائر لأنها تشكل الغالبية في المكون السوري”، مشيراً إلى أنه “يلجأ في الوقت الحالي إلى من بقي متمسكا بأرضه ولم يخرج منها، وبالتالي لجوء النظام للعشائر والقبائل هو بدافع الدعاية للانتخابات وبدافع حماية نفسه أيضا، حيث يقوم بتجنيد أبنائها، فضلا عن أن ولاءها له يعني سيطرته على مساحات واسعة من البلاد، ومن بينها مساحات فيها ثورات”.
وأكد الأسعد أن الكثير من شيوخ قبائل وعشائر البكارة والعقيدات والجبور، وشمر، وبني صقر، والبوخابور، والمشاهد، والهواشم والجغايفة والعبيد والبو بدران والسياد وغيرها من العشائر والقبائل، ترفض رفضا قاطعا التعامل مع النظام وإيران و”قسد” بمختلف المناطق السورية.
وكان النظام السوري قد أقام في يناير/ كانون الثاني الماضي ملتقى مماثلا في حماة، وسط البلاد، للعشائر والقبائل السورية في المنطقة الوسطى، وجرى بتنظيم من قبل محافظ حماة محمد كريشاتي، وبرعاية شيوخ ووجهاء من القبائل والعشائر، على رأسهم نواف طراد الملحم الموالي للنظام.
ويجرى عادة خلال هذه الفعاليات، التي تنظمها فروع “حزب البعث”، إلقاء خطابات رنانة تمدح رئيس النظام بشار الأسد وجيشه، وتدعو إلى ضرورة وقوف أبناء العشائر والقبائل إلى جانب الأسد والالتحاق بقواته.
وكان نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة بالإنابة جيفري ديلورنتس قد أعلن، في تصريحات له يوم الجمعة الماضي، أن إدارة جو بايدن “لن تعترف بنتائج الانتخابات في سورية إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، وبشكل يراعي وجهة نظر المجتمع السوري بأسره”.
العربي الجديد
————————-
حملات التضليل الروسية في سوريا شكّلت العالم وأثّرت على حركات اليمين المتطرف/ إبراهيم درويش
هل هناك إمكانية لرسم خط بين الهجمات الكيماوية في سوريا والرعاع الذين هاجموا مبنى الكابيتول هيل في واشنطن؟ نعم، كما يقول الكاتب في صحيفة “إندبندنت” بورزو دارغاهي، حيث يرى أن الجامع بينهما هو “الأخبار المزيفة” وحملات التضليل الإعلامي.
فقبل عشرة أعوام خرج المتظاهرون السوريون إلى الشوارع في تجمعات سلمية مطالبة بالإصلاح والمعاملة الإنسانية من نظام بشار الأسد. ولكنهم دفعوا ثمنا لا يمكن تخيله، وتم تدمير بلدهم ومحو مجتمعاتهم العزيزة عليهم، وفقدوا أحبابهم بأعداد كبيرة، حوالي 594 ألفاً بمن فيهم الأطفال. وتم تشريد نصف السكان منهم ستة ملايين نزحوا إلى الخارج.
ولكن العالم أيضا دفع ثمن الحرب الأهلية السورية؛ لأنه تركها تتكشف أمام ناظريه. فآلة الأكاذيب التي غذت النزاع والورقة البيضاء التي أعطيت لرعاة الأسد الأجانب ومن ساعدوه في الغرب أعادت تشكيل العالم.
وفي الحقيقة يمكن للواحد أن يربط بين الغارات الكيماوية التي ضربت الغوطة الشرقية قرب دمشق في 2013، والأعداد من الأمريكيين الفاشيين الذين اقتحموا الكونغرس في 6 كانون الثاني/ يناير.
ولا يزال السوريون يحنّون للتغيير الديمقراطي الذي دفع بالانتفاضة ضد الأسد. وفي الأسبوع الماضي قام عدد من أبناء درعا في جنوب سوريا بتنظيم تظاهرة سلمية ضد النظام ورفعوا الشعارات المعادية له. وفي درعا عام 2011 قامت مجموعة من الأطفال بكتابة شعارات معادية للأسد حيث تم اختطافهم وتعذيبهم، وحتى طلب من عائلاتهم نسيانهم والتفكير بإنجاب غيرهم، لكن المعاملة الوحشية كانت وراء الاحتجاجات في درعا والتي انتشرت في معظم أنحاء البلاد.
وكان المتظاهرون من كل طبقات المجتمع، الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة والمتعلمين والطبقة العاملة، المسلمين والمسيحيين وأبناء الطائفة العلوية، وكلهم طالبوا النظام بطريقة سلمية بالإصلاح، لكن النظام رد بعنف وفتح النيران على المتظاهرين واعتقلهم وعذبهم وظهرت صور التعذيب والأجساد المنهكة من الجوع لاحقا وتداولتها منظمات حقوق الإنسان التي قامت بتوثيق أبشع جرائم ارتكبت ضد الإنسانية.
وعلى خلاف الثورات في تونس ومصر والبحرين، لم يتهم الغرب بالثورة السورية، بل نظر إليها دعاة المقاومة في الغرب للإمبريالية الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية نظرة لامبالاة. وتحول هؤلاء إلى حلفاء راضين وقبلوا أكاذيب الأسد حول طبيعة الثورة وردة فعل أجهزته الأمنية. وانضم إليهم في جهودهم حزب الله وإيران اللذين كانا يريدان نظام الأسد كمعبر للأسلحة إلى منطقة المشرق وتقوية موقفهما.
وحملت المعارضة السلاح في النهاية، وانضم إليهم جهاديون أطلق بعضهم الأسد من سجونه. ومن هنا أعطى الغموض حول الخطأ والصواب في سوريا الأسد حساً بأنه فوق المحاسبة. وزاد من عنفه واستهدف المستشفيات والعمارات السكنية والمدارس وأطلق حمم النيران والبراميل المتفجرة. واجتاز الأسد خط باراك أوباما الأحمر في آب/ أغسطس 2013 بشأن استخدام السلاح الكيماوي ولم تتم معاقبته. وكانت بريطانيا وأمريكا تخططان للتدخل، لكن روسيا راعية الأسد استطاعت تأمين مخرج له.
وتم إغراق العالم في حرب تضليل حول أصول الحرب السورية لمدة عامين، وتم قبول الرواية هذه برضا. ووجدت روسيا بابا مفتوحا ودفعته، وقامت بحملة تضليل فاعلة سمحت للنظام وحلفائه بتجاهل قواعد الحرب وأعطت طائرات الميغ الروسية والميليشيات الشيعية الفرصة لسحق المعارضة. لكن الحرب السورية واحتواءها كانت نذيرا لمرحلة ما بعد الحقيقة التي جاءت لاحقا.
وفي 2014 وبعد عام على الهجمات الكيماوية التي قتل فيها 1729 شخصا، استخدم الكرملين نفس التوليفة من العنف وحملات التضليل على منصات التواصل لغزو وتقطيع أوصال أوكرانيا وضم قطع قطعة كبيرة منها. وتم استخدام الحيلة نفسها، حيث أدى تدخل اليمين المتطرف المستلهم من روسيا وسذاجة اليسار إلى إجبار بريطانيا التي صوتت وبهامش ضيق لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
واستخدمت روسيا وجماعات اليمين المتطرف هروب السوريين من الغارات الجوية وفرق الموت والهجمات الروسية نحو أوروبا وتصوير اللاجئين الذين جرحتهم الحرب بأنهم مثل مصاصي الدم الذين يتدفقون على القارة. وأدت الحملة الدعائية التي نشرها الكرملين وقبلها اليمين المتطرف حول العالم إلى زيادة المشاعر المعادية للمهاجرين والمسلمين.
ولم يتوقف أثر الدومينو عند هذا الحد، فقد شجع السم الذي خمرته جماعات اليمين المتطرف التي دعمتها روسيا وما تطلق على نفسها الجماعات اليسارية، الناخب الأمريكي على البقاء في البيوت أو التصويت لمرشحة حزب الخضر جيل ستين مما سمح لدونالد ترامب الفوز بالانتخابات.
ولم تتردد روسيا ومن معها من الداعمين عن المحاولة، فقد قالت إدارة الأمن القومي الأمريكية إن موسكو حاولت التدخل في انتخابات 2020.
وفي الحقيقة لو تتبعت ناشري التضليل الإعلامي، فستجد أن الأصوات التي زعمت أن الأسد لم يستخدم السلاح الكيماوي هي نفسها التي عبّرت عن هوسها برسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية وكمبيوتر هانتر بايدن. ومع فوز بايدن في 2020، فقد أصبح عالم ما بعد الحقيقة الذي شكّلته روسيا قائما بذاته، مما سمح للعصاة المهووسين الذين اعتقدوا أن بايدن سرق أكثر انتخابات شفافية في العالم، وأن ترامب هو بطل يخوض معركة ضد حلقة من أكلة لحوم الأطفال الذين يحبون انتهاكهم للهجوم على الكونغرس.
ومع أنه لا يوجد دليل عن سرقة بايدن الانتخابات، أو أن حركة “كيو أنون” ونظرية المؤامرة الحمقاء التي تنشر عن عالم تديره مجموعة من منتهكي الأطفال، وأنها نتاج لحملة تضليل دعمتها روسيا وسمحت للأسد بالإفلات من العقاب وفوز ترامب بنسبة ضئيلة. لكن ليس هناك شك أن المجانين الذين اقتحموا الكابيتول هيل بداية العام الماضي تشكلوا عبر نفس حملات التضليل التي تجذرت في الحرب السورية.
إندبندنت
القدس العربي”
——————————
سورية .. “الحكمدار” وسياسة الإلهاء/ مهيب الرفاعي
في مسلسل “الخوالي” للمؤلف السوري أحمد حامد، (إنتاج عام 2000) عن حقبة الحكم العثماني دمشق، يزور اليوزباشي (رئيس مخفر الشاغور وتوابعها) مكتب الحكمدار (مندوب الوالي إلى الشام)، ليطلعه على آخر أمور الاحتجاجات ضد الوجود العثماني في البلاد، سيما وأن خطر نصار بن عريبي (العقل المدبّر للعمليات ضد الوالي والحكمدار) تعاظم، وأصبح يهدّد سلطة الدرك العثماني ونفوذه في الشام. ومن جملة الردود التي وجّهها اليوزباشي إلى الحكمدار ما حرفيّته “جنابك سيد العارفين، لما منصعب الأمور على الرعية بأكلهم وشربهم رح يلتهوا بأمور معيشتهم. شفتوا يا مولانا وقت أخّرنا الخبز عليهم كيف ما عاد حدا سأل عن شي غير عن الرغيف؟”. يستشرف المشهد الذي جمع بين كل من علي كريّم والراحل هاني الروماني ما يحدث اليوم من إلهاء للسوريين عما يجري في واقعهم من جهة، وما يدور في أروقة السياسة ودهاليز السلطة والاستئثار بالحكم من جهة، واحتكار موارد البلاد ومقدّراتها من جهة أخرى.
يدرك من بقي من السوريين في بلدهم كل الإدراك أن ما تقوم به الحكومة الحالية لا يخرج عن دائرة سياسة الإلهاء، والتي لا يشمّ السوريون منها رائحة أمل، ولو ضعيفة، بتحسّن الأوضاع وانفراج الأزمة، بل على العكس، تعزّز الإحباط والسلبية تجاه أي حركة للتغيير. محاولات حرف مسار الشعب السوري عن التغيير والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والانتقال الديمقراطي للسلطة واردة يوميًا في أي قرار يصدره أي وزير أو متنفّذ في البلاد، بحيث ينشغل العامّة بالخبز ولقمة العيش، وينفر من التفكير بما دون ذلك. تغيير المسؤولين واستراتيجية استبدال “طربوش” تلك الوزارة بآخر واحدة من الاستراتيجيات التي تستهدف، كل حينٍ، إعطاء الشعب جرعة مخدّر على أساس أن الفساد من الوزير ومدير الإدارة لا غير، وأن الأمور ستجري على ما يرام باستقبال المسؤول الجديد وكأنه “مصباح علاء الدين”. من جانب المواطن، ما عليه فعله أن يرضى بما يقدَّم له، وينصرف إلى تأمين حاجياته اليومية التي تقع ضمن خانة الضروريات القصوى، لا الكماليات، وينشغل بذلك عن التفكير بمشكلات حسّاسة، على الرغم من الحاجة إلى وضع حلول لها.
يرصد الفيلسوف الأميركي، نعوم تشومسكي، استراتيجيات التحكّم بالشعوب، لنجدها تنطبق كلها على ما يحدث في سورية: الإلهاء، التدرّج، ابتكار المشكلة وتقديم الحل، التأجيل، مخاطبة العامّة كأطفال، إعمال العاطفة لا العقل، إغراق الناس بالجهل والتفاهة، دفع الناس إلى استحسان السيئ وتطبيع العيب، إلقاء اللوم على المواطن بحد ذاته لا الحكومة أو الوزير أو الرئيس؛ وهي، في الوقت ذاته، كلها استراتيجيات معتمدة في بلدٍ يُغيّب فيه أي دور لأي فكر وخطط استراتيجية من شأنها تحسين واقع البلاد في ظل أزماتٍ تعصف على جميع الجبهات. الغاز، الكهرباء، البنزين، وقود التدفئة، الخبز .. تشكل كل واحدة منها أزمةً برمّتها، تستفحل يومًا بعد يوم في بلدٍ يعجّ بالطوابير على أبسط الحقوق. يلغي هذا المسار القدرة على التفاعل الإيجابي مع أيٍّ من أحداث المدينة، لتتفشّى عمدًا عقيدة “أنا ومن بعدي الطوفان”، كغاية يعمد الإعلام الرسمي الذي يغطّي الشمس بغربال إلى الوصول إليها عبر طرقٍ تستهدف تشتيت الرأي العام، وجرّ الشعب إلى الاعتقاد أن هذه المشكلات هي الأكبر على الإطلاق، ومصالح الفرد تكمن في التغلب على هذه الأزمات والطوابير، مع عصب عينيه عن المشكلات الأعمق، المتعلقة في أساسها بانهيار الدولة وانعدام القدرة على القيام بأعباء الحياة اليومية، سياسية أو مدنية.
ما يحدث حاليا في دمشق هو صناعة المشكلات (والحلول السطحية المؤقتة في الجيب) لكي تكون غطاءً لمشكلاتٍ أكبر لا يعيها عامة الشعب، ولم يعد في مقدورهم أن يلتفتوا إليها في ظل الغلاء الفاحش، والفقر والبطالة وانعدام أدنى مقوّمات الحياة حرفيًا. هذا هو الحال في مناطق الداخل السوري عمومًا. لكن هذا لا يتفق مع المثل الدمشقي “إذا عمّت خفّت”، إذ إن تعميم حالة الفقر وإغراق البلد في حالة الفوضى ليس لتخفيف المِحنة، بل لتفريق الشمل وإبعاد المواطنين عن الإدراك أن الحلول المقدّمة لا تتناسب مع حجم المشكلة.
تنطبق مقولة الكاتب المصري جلال عامر “إذا أردت أن تضيع شعباً، فاشغله بغياب الأنبوبة وغياب البنزين؛ ثم غيّب عقله، واخلط السياسة بالاقتصاد بالدين بالرياضة”، على ما يجري في سورية، على الأقل منذ 2011، حيث السمة السائدة للتعامل مع الشعب هي التغييب والإقصاء، والتركيز على نقل حياة النخبة على أنهم هم من يمثلون سورية اليوم، وأنّ المجتمع صامد ومتماسك. هذا فقط لأننا نشاهد في قناة “سما” أحياء الطبقة الأولى من كل مدينة سورية (مثل المالكي والمهاجرين والشعلان وحلب الجديدة والفرقان وغيرها) تسير فيها الحياة على ما يرام، بيد أنها لا تنقل، بأي شكل، تهالك المجتمع وهشاشته خارج البرج العاجي الذي تلتقط منه عدسة الإعلام السوري مشاهدها. ودينيًّا، تظهر في سورية فئة المشايخ والقساوسة الذين يُفتون بالصبر والمصابرة والإيثار، و”الأكل من خبز الرب”، ويدركون، في قرارة أنفسهم، أنهم هم أيضًا يعيشون في برجهم العاجي المنفصل عن الجمهور الذي يتحدّثون إليه، هؤلاء أنفسهم من يفتي أن الوقوف في طابور الخبز أو البنزين فيه الأجر الأكبر، وفيه جهاد أعظم، إذ يخرج الناس سعيًا وراء رزقهم وهم صابرون محتسبون، مبتسمون لقضاء الله، ويوزّعون الحلوى على رفاقهم في الطابور، لتتجلى بذلك صور التكافل الاجتماعي.
على الطرف المقابل، غرق المجتمع السوري ببحرٍ من الصفحات والمجموعات الترفيهية على منصّات التواصل الاجتماعي، والتي تقدّم محتوىً سطحيًا من صناع محتوى مأجورين في سبيل جرّ الشعب إلى التفاهة، وصرف نظرهم عن الواقع المُعاش. فصلُ الجيل الناشئ عن المعرفة والعلوم والبحث وإبقاؤه ضمن ملعب التفاهة وصناعة النّكتة وسيلة للتفريغ ما هو إلا وسيلة لتشتيت اهتمام العامة. وبذلك تسهل السيطرة عليهم وجرّهم إلى الفراغ، بعيدًا عن المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحقيقية.
ينقل الإعلام السوري، بحرارة منقطعة النظير، مباريات الدوري السوري “للمحترفين”، مع السماح للجماهير بحضور المباريات من المدرّجات، مع الحفاظ على إحداث مشكلة يومية بين جماهير الأندية المشاركة، والأهم من ذلك إحداث بلبلة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليصبح الخلاف في المدرج محط اهتمام الرأي العام. أما عن الفعاليات الموسيقية والغنائية، فإن مطربي “الصف الأخير”، أي الذين نشأوا في الحانات والنوادي الليلية، هم من يتصدّرون الساحة الفنية، بل ويمكن الاستعانة بمطربين من دول جارة أيضًا على سبيل تغير الذائقة الفنية للسوريين ممن يعيشون في عالمهم الآخر، مع الإبقاء على مستوى الصراع الهوياتي للفن بين سورية ولبنان مثلًا لإيجاد فرصة لإشغال الجمهور بمشكلات الوسط الفني. هذا الصراع مفيد في سياسة الإلهاء، إذ إن ما هو “تريندنغ” على مواقع التواصل الاجتماعي ليس مناقشة تضييق الخناق على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وليس إيجاد حلّ لتقنين الحصص الغذائية وحصرها بقرارات المستفيدين من البطاقة الذكية، وليس الحدّ من تمرير قوانين رفع الأسعار والضرائب لحساب السماح لكبار التجار وحيتان السوق بأكل الأخضر واليابس؛ بل ما هو تافه وسطحي، وفي الوقت ذاته، محدّد ومدروس من النخب السياسية والإعلامية في البلاد، من خلال ترخيص المنصّات الإعلامية الشعبية مركزية الإدارة.
لا ينبئ ما يحصل في سورية إلا بخطر شديد تتعاظم حدّته يومًا بعد يوم، بفعل انهيار الاقتصاد وانهيار المنظومة الاجتماعية التي بقيت صامدة إلى وقتٍ ليس بعيدا، لكنها تقوّضت بفعل عوامل سياسية – اقتصادية وأمنية، لم تبقِ أيًا من مقوماتها قيد العمل. قيمة الليرة السورية في انحدار، إذ اقترب الدولار الواحد ليساوي خمسة آلاف ليرة، في ظل غضّ طرف متعمّد من النخبة المتنفّذة، وتجاهل من حاكم المصرف المركزي، وتخبّط يعيشه السوق الذي يركن، إلى حد كبير، على المنتجات المحلية بفعل العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد. “الأسوأ” أصبح نسبيًا في حالة الداخل السوري، فما هو سيئ اليوم يكون محمودًا غدًا، كون كل يوم يحمل معه سوءًا أشدّ في قسوته على المواطنين العاديين، ويحمي مصالح النخبة.
يضحّي السوريون في هذا كله بحجّة أن ما بعد الانتخابات الرئاسية لن يكون كما قبلها، وأن تأجيل أمور مصيرية، مقابل الرضوخ لقرارات مؤلمة اقتصادياً واجتماعيًا وسياسيًا وأمنيًا، هو ما يمكن التعويل عليه على أساس ضمان مستقبل في مرحلة ما بعد انتخابات 2021.
العربي الجديد
——————————–
عندما ينتهك فراس طلاس المقدّسات/ حسين عبد العزيز
أثار الأخوان طلاس، فراس ومناف، في السنوات العشر الماضية، جدلا واسعا في الساحة السورية، من خلال أنشطتهما السياسية والعسكرية وتصريحاتهما الإعلامية. ويكمن الاهتمام الشعبي والإعلامي بمواقف فراس (رجل الأعمال السابق في قطاعات الإسمنت والألبان والبُن والمعادن والأغذية المعلبة والسكر) ومناف (قاد اللواء 104 في الحرس الجمهوري) بحكم علاقتهما السابقة بأولاد حافظ الأسد، وبأنهما كانا جزءا من منظومة الحكم الضيقة في سورية، فهما نجلا وزير الدفاع الأسبق، العماد مصطفى طلاس، المقرّب جدا من حافظ الأسد، وبقي في منصبه 32 عاما. وكان واضحا منذ سنوات أن الأخوين يبحثان عن أدوار سياسية وعسكرية في المشهد السوري، بعدما فشلا في إقناع المعارضة بأهليتهما في أن يكونا جزءا منها.
حمل العام الجاري تحرّكين بارزين للأخوين: أعلن فراس تأسيس “الحزب الوطني السوري”، فيما بدأ مناف التجهيز لرئاسة “مجلس عسكري”، يهدف إلى قيادة البلاد نحو مرحلة انتقالية. وفي ضوء هذين التطوّرين، يبدو مفهوما وطبيعيا أن يدلو كل منهما بتصريحاتٍ عن مستقبل الوضعين، السياسي والعسكري، السوريين، بغض النظر عن مضمون هذه التصريحات ومدى التزامها بالخط السياسي المعارض.
ولكن، أن يدلي فراس طلاس بتصريحاتٍ لصحيفة إسرائيلية، ويعطي قيمة لإسرائيل، من حيث دور إيجابي كان يمكن أن تلعبه في الساحة السورية، فهذا خروجٌ عن المألوف، وضربٌ لكل التابوهات السياسية والأخلاقية في الوعي والوجدان السوريين. إن مجرد قبوله التحدث إلى صحيفة “ماكور ريشون” الإسرائيلية، المحسوبة على اليمين الصهيوني ـ الديني (الاستيطاني)، فهذا اعتراف منه ليس بإسرائيل فحسب، بل بالاستراتيجية الاستيطانية داخل الأراضي العربية المحتلة. وبمجرّد قبوله بفكرة دور “بناء” لإسرائيل في سورية، فهذا يعني وضعها في مصفوفة الجهات القادرة على لعب دور إيجابي في سورية والبلدان العربية.
لو جاءت تصريحات فراس طلاس قبل خمس سنوات أو أكثر، لقلنا إن رغبة الرجل في إسقاط النظام بأية وسيلة دفعته بالخطأ نحو إسرائيل، وإن كان هذا السلوك مرفوضا بالأساس، ولكن أن تأتي تصريحاته في هذه المرحلة، بعدما انتهت العمليات العسكرية الكبرى في سورية، وثبتت مناطق النفوذ، فإن الأمر لا يتعلق بالوضع السوري، بقدر ما يتعلق بأجندةٍ تخدم إسرائيل في عموم المنطقة.
لم يتحدّث الرجل عن حزبه السياسي، ولا عن الدور المفترض لأخيه العسكري. ولم يتحدّث عن الوضع السياسي المستقبلي في سورية، ولا عن الدور الإيراني أو الضربات العسكرية الإسرائيلية، بل تحدّث عن علاقة بشار الأسد بزوجته وأخوته، وعن تصريحاتٍ للأخير عام 2011، لم يعد لها أية قيمة سياسية، ما يوحي أن المقابلة جاءت خارج السياق السياسي والإعلامي.
أبرز ما قاله إن “إسرائيل أخطأت بعدم تدخلها في الحرب الأهلية في سورية”، وإنه “بين عامي 2013 ـ 2015، نظر سوريون كثيرون بشكل إيجابي إلى إسرائيل، وكانت فرصة حقيقية للتغيير ولمستقبل جديد. واليوم عاد الشعب السوري إلى النظر بصورة سلبية لإسرائيل، لأنها أيّدت الروس وبقاء الأسد رئيسا. والآن على إسرائيل أن تفعل كثيرا من أجل تغيير هذه الفكرة السلبية”. وثمة مغالطتان هنا. الأولى، اعتقاد نجل مصطفى طلاس أن إسرائيل تهتم لما يجري في سورية فيما يتعلق بالصراع بين النظام والمعارضة، وإنها تهتم بالحقوق والحريات والديمقراطية ودولة القانون. وتناسى أن الربيع العربي شكل خطرا استراتيجيا كبيرا على إسرائيل، فنشوء دول عربية ديمقراطية هو التهديد الأكبر لها. لم يدرك أن إسرائيل ليست معنية بما يجري في سورية، إلا من من ناحية حصول تهديد لها. ولهذا السبب مالت نحو النظام أكثر مما مالت نحو المعارضة التي يطغى عليها البعد الإسلامي. المغالطة الثانية، قوله إن سوريين كثيرين نظروا بإعجاب إلى إسرائيل في مرحلة معينة، وهذا كلام مناف للحقّ والحقيقة، فالشعب السوري مفرط في أيديولوجيته القومية. وما زال الصراع مع إسرائيل وسيبقى صراعا وجوديا في الهوية السورية، وأن مسألة التعاطي مع إسرائيل تعتبر انتهاكا للمقدّسات في صفوف المعارضة.
على الرغم من هذه المغالطات، ليست المسألة الجوهرية في منطوق كلام فراس طلاس، وإنما في توقيته وغايته والجهة الموجّه إليها هذا الكلام. وهنا تطرح بعض الأسئلة والاستفسارات: ما الذي يجعل صحيفة إسرائيلية ثانوية تتصل بطلاس، وتجري معه لقاءً عبر الهاتف للحديث عن قضايا أصبحت ميتة سياسيا، ولا تحظى بالاهتمام الإعلامي؟ لماذا تهتم صحيفة إسرائيلية محلية معنية بالاستيطان بوضع سياسي مضى عليه عشر سنوات؟
ثمة ملاحظات لا بد من طرحها: لا تخرج تصريحات طلاس عن محاولة تلطيف صورة إسرائيل من خلال قدرتها على لعب دور في إسقاط النظام السوري، وإنهاء حالة الاستبداد مقدمة لبناء نظام ديمقراطي. ولا تنفصل هذه التصريحات، بطبيعة الحال، عن موجةٍ عربيةٍ متلهفة للتطبيع مع إسرائيل والانفتاح عليها، لعبت الإمارات، حيث يقيم فراس طلاس، فيها دور العرّاب. وهي موجة تعمل، منذ فترة، على تلميع صورة إسرائيل في الوعي العربي، منارة للحرية والسلام. ثانيا، ليس مصادفة أن تأتي تصريحات فراس طلاس في هذا التوقيت، بعدما أصبح له حزب سياسي، وكأنه يبحث عن دور سياسي مستقبلي، يحظى بدعم إماراتي وبرعاية إسرائيلية، وبقبول أميركي. ثالثا، تهدف مثل هذه التصريحات إلى توجيه ضربة سياسية للمعارضة وتشكيكا في أخلاقياتها، في وقت تخدم النظام السوري الذي طالما استغلّ مثل هذه الحالات الفردية، لاتهام المعارضة بالعمالة لإسرائيل والولايات المتحدة، وحالة كمال اللبواني ماثلة في الذاكرة. رابعا، من الواضح أن عقلية طلاس لا تنفصل عن عقلية النظام السوري القائمة على مكيافيلية انتهازية، تساوم على كل شيء من أجل تحقيق مصالحه الضيقة.
هل علينا التذكير بتصريح رامي مخلوف عام 2011 حين قال لصحيفة نيويورك تايمز “إذا لم يكن هناك استقرار في سورية، فلن يكون هناك استقرار في إسرائيل”؟ وهل علينا التذكير أيضا بما جرى في 5 يونيو/ حزيران عام 2011، حين أرسل النظام مئات السوريين والفلسطينيين لاجتياز السياج الحدودي والعبور إلى الجولان المحتلة، في خطوةٍ لم تحدث منذ نهاية حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973؟ .. إنها رسائل سياسية واضحة، مفادها بأن أي تهديدٍ لنظام الحكم في دمشق سينعكس سلبا على إسرائيل، وما المقاومة والممانعة إلا أداتان أيديولوجيتان لخدمة السلطة.
يعيد فراس طلاس اليوم منطق النظام السوري، ولكن هذه المرّة من بوابة الشعب السوري المعارض، البريء منه براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب.
العربي الجديد
—————————
اي النظامين سيسقط أولا: اللبناني ام السوري؟/ ساطع نور الدين
قد لا يكون التزامن بين تداعي النظامين اللبناني والسوري وبلوغهما نهاية الطريق، مجرد صدفة، وإن كانت معالم تلك الخاتمة متشابهة، وتختصر بحقيقة واحدة هي أن النظامين يدفعان اليوم الثمن المتأخر لحربين مدمرتين، مديدتين، لم يتمكن أي منهما من إحتوائها والخروج منها بأقل قدر من الخسائر والاضرار.
النظام اللبناني يتهاوى، ويكتشف اللبنانيون اليوم انهم لم يخرجوا من الحرب الاهلية، التي صاغ العرب والاميركيون هدنتها السياسية في اتفاق الطائف، الذي لم ينفذ حتى اليوم، وإشترى رفيق الحريري بدائلها الاقتصادية بالمال. وها هو النظام اليوم يواجه لحظة النهاية، حيث الافق مسدود أمام أي تغيير او تطوير سلمي، ولا توجد طائفة او قوة سياسية واحدة قادرة على الدفاع عنه وحمايته من السقوط.
لم يذكر الامين العام لحزب الله حسن نصر الله، ذلك النظام بالاسم، ولم يؤشر الى اتفاق الطائف بالتحديد، عندما كشف في كلمته التلفزيونية الاخيرة، ان ثمة أفكاراً تدرس حول تعديل الدستور(من دون أن يستخدم الكلمة بالذات) لتحديد مهل التكليف والتأليف -المفتوحة- لرئيس الحكومة..من دون أن يدرك على الارجح ان تلك المهل هي واحدة من أهم اسباب الحرب الاهلية، ومن دون أن يلاحظ ربما أن أي مس بها يخفض رتبة الشاغل السنّي لمنصب رئاسة الحكومة الى مستوى الموظف عند رئيس الجمهورية الماروني، كما كان الحال قبل الطائف.
لم يستنفر السنّة لهذا “التعدي” الصريح على صلاحيات رئيس الحكومة، لسببين متعارضين، أولهما ان الطائفة رأت في ذلك الاقتراح ترجمة عملية لنوايا مبيتة عند حزب الله وحليفه التيار العوني، لتكريس الهيمنة والغلبة الطائفية، ولنسف اتفاق الطائف، وثانيهما أن الطائفة السنّية تدرك في قرارة نفسها ان ذلك الاتفاق يحتاج بالفعل الى تحديث، وتفكير هادىء وبحث عميق مع قوى سياسية عاقلة ورصينة، لا ترث أحقاد الحرب الاهلية وتتناقلها، في كيفية إجراء هذا التحديث، وفي اعادة بعض صلاحيات رئاسة الجمهورية المسلوبة، الى رئيس مقبل، لم يترشح بعد.
فتح نصرالله البحث، فكان الرد الفوري، ان الوقت لم يحن بعد. لم يبادر أحد الى التحذير من مغبة ذلك المس بواحد من أخطر المحرمات السياسية في مرحلة ما بعد الحرب الاهلية. للمرة الاولى منذ الطائف، بدا النظام اللبناني يتيماً، مأزوماً أكثر من أي وقت. ولم يكن أحد يحتاج الى أدلة على تلك الازمة، التي تحظى بالاجماع، وتهدد الدولة ومؤسساتها كافة.. وتعيد السلطة تدريجيا الى الشارع.
مثل هذا البحث لم يفتح بعد في سوريا، لكن الازمة تكاد تكون واحدة. بدأ نظام آل الاسد مسار الانهيار الحتمي، بعدما بلغ الدعم الروسي والايراني حده الاقصى. وفاقت أكلاف العشرية الاولى من الحرب قدرة النظام وجميع حلفائه على الاحتمال. ولم يعد العثور على مخرج سياسي “دستوري” من الازمة ممكناً. الخيار الوحيد المتبقي لسوريا، وربما للبنان أيضاً، إذا ما ظلت الطبقة السياسية على عنادها وتهورها، هو في المؤسسة العسكرية التي يمكن أن تتقاسم المسؤولية مع صندوق النقد الدولي عن إدارة البلدين، ومنعهما من السقوط تحت وطأة المجاعة والفوضى. وهو بالمناسبة خيار يتهدد معظم الدول العربية التي تواجه منذ مطلع هذا القرن مظاهر غير مألوفة من الفقر والاضطراب الداخلي.
قد يكون الرهان السوري على الخارج، للاسراع في صياغة هذا المخرج، رابحاً أكثر من الرهان اللبناني، فقط لأن دموية الصراع في سوريا وكلفته البشرية والاقتصادية ومخاطره التي تتخطى الحدود السورية، أكبر بكثير من طبيعة وكلفة الصراع في لبنان، الذي يمكن إختزاله بسؤ الطبقة السياسية وفسادها وعدائها المستحكم لغالبية اللبنانيين.
أي النظامين سيسقط أولاً. لا فرق، المهم أنهما باتا على شفير الهاوية، وما من قوة على الارض تستطيع إنقاذ أي منهما. وقد يكون السقوط المتزامن آخر الصدف التي جمعت بينهما يوماً في سبعينات القرن الماضي.
المدنيين؛
———————————–
الأسد في حُلّته العربية الجديدة/ مهند الحاج علي
يرى النظام السوري في زيارة وزير خارجيته فيصل المقداد الى سلطنة عُمان، فوائد على 3 مسارات: أولاً، التفاوض الروسي-الإسرائيلي-العربي حول الوجود الإيراني، وثانياً، اختزال العملية السياسية السورية بانتخابات رئاسية صورية، وثالثاً، تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية وانعكاساتها على الأرض.
في المسار الأول، سياسة التسويق الأسدية لإعادة سوريا الى “الحضن العربي” الدافئ والحنون، مبنية على افتراضات متعددة، على رأسها إعادة التوازن للعلاقات الخارجية لسوريا، بما يُمكنها من إدارة أفضل للدور الإيراني والحد منه. كما أن الدور الإيراني في سوريا مبني ليس فقط على الدعم العسكري، بل أيضاً المالي (قروض محدودة) والاقتصادي (توفير مشتقات نفطية للسوق المحلية). وأي دعم مالي أو اقتصادي عربي سيُخفف بطبيعة الحال من الاعتماد على إيران.
من جهة ثانية، يُعيد النظام السوري انتاج واستهلاك سردية جديدة، وهي أن الحرب الماضية كانت في مواجهة المشروع التركي والإخواني، وبالتالي فهي على تماس مع “تحديات” مماثلة في أنحاء المنطقة. ومثل هذا الاصطفاف يُتيح بعض الازدواجية في المواقف، أي أن يقف الأسد في محورين: عربي معادٍ للإخوان وإيراني مُمانع.
لكن هذا التسويق عربياً، رغم فائدته الأولية لناحية توفير بعض الشرعية للنظام، لم يُثمر، نتيجة العقوبات الأميركية والأوروبية والطوق المفروض ضد أي نشاط اقتصادي أو مالي. لن تكون الدول العربية قادرة على توفير غطاء مالي لتحل محل إيران في هذا المجال.
يبقى الدور الإسرائيلي. وسلطنة عُمان هنا معبر بين محاور المنطقة، وهي موقع عمليات التفاوض في المنطقة بين كافة الأطراف. لهذا، قد تكون هذه الزيارة مُقدمة لصفقة ما على مستوى التخفيف من الوجود الإيراني، مقابل مساعدات سياسية ومالية (إنسانية) محدودة. ومثل هذا الاتفاق يحصل بالتفاهم مع الجانب الإيراني، بما أن طهران ما زال دورها أساسياً في توفير مشاة النظام (حطب الحرب) وأيضاً تعويمه مالياً.
في المسار الثاني، يرغب النظام في تعزيز “شرعيته” العربية لتوفير غطاء إقليمي للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي محطة رمزية لجهة أنها تقتل أي أمل بعملية انتقالية يُعتد بها، بعد حسم مسألة بقاء بشار الأسد في سدة الرئاسة. تزامن هذه العملية الانتخابية مع بعض الانفتاح العربي، يُوفر بعض الشرعية الإقليمية لها، سيما في ظل اتصالات التهنئة المرتقبة. بالعادة، مثل هذه الانتخابات بعد عشر سنوات من الحرب تخللتها جرائم ضد الإنسانية (ارتكبها النظام نفسه)، تتطلب ردود فعل قاسية من الإقليم والمجتمع الدولي على حد سواء. هذه الزيارة إلى سلطنة عُمان خطوة أولية في هذا الاتجاه.
المسار الثالث، وهو الانهيار الاقتصادي والمالي مع وصول سعر صرف الدولار الى مستويات غير مسبوقة، يزيد من حاجة النظام الى تسوية (إقليمية) ولو كانت محدودة الطابع، من أجل التخفيف من وطأة الانهيار والحصول ربما على مساعدات إنسانية تُتيح إدارة أفضل للأزمة.
في نهاية المطاف، للنظام فوائد عديدة في مسار التطبيع مع المنطقة العربية. بإمكان النظام إيجاد بعض التوازن في العلاقة مع إيران، ليس بالضرورة للحد منها، بل لتحسين شروط التفاوض معها والاستفادة أكثر من العلاقة. والأهم بالنسبة للنظام الأسدي، بإمكان المنظومة العربية اسباغه بشرعية مفقودة دولياً، ولا بد أن تشمل نشاطاً اعلامياً لغسل الصورة السابقة للنظام وجرائمه الماثلة في آلاف الضحايا، ملايين اللاجئين، والمدن والمناطق المنكوبة عمرانياً.
—————————–
مستقبل سوريا بين دولة غاربة واللادولة/ سام منسى
مع دخول النزاع السوري عامه الحادي عشر، يدور سؤال ملحّ بشأن مستقبل سوريا، الدولة والشعب، ولعله من المفيد في محاولة التكهن بملامحه التي ستخرج من أتون الحرب الهائلة، إسقاط النموذج اللبناني لأن حال سوريا تحاكي حال لبنان بعد حروبه الطويلة.
سجلت الحرب السورية العدمية أنها من أفظع الحروب الأهلية إنْ لجهة الانتهاكات التي ارتُكبت ضد المدنيين أو لجهة حجم التدخلات الأجنبية فيها وخُبث دوافعها، وسط صمت عالمي يُظهر رياء وهزالة غير مسبوقين وصل إليهما المجتمع الدولي. فرغم كل التدمير الذي طال الحجر والبشر، يبدو الانطباع العام أن الرئيس بشار الأسد قد انتصر مع إصرار روسيا وإيران على تعويمه لتثبيت نفوذهما في المنطقة، ومحاولات بعض العرب احتضانه يأساً من معارضة سورية جدية تشكّل بديلاً لنظامه، ولفشل العقوبات الدولية والأميركية التي أفقرت الشعب من دون أن تصيب النظام.
من البدهيّ القول بدايةً إن مستقبل سوريا مرتبط بعوامل عدة أبرزها الوجود الأجنبي الإيراني والروسي والتركي والأميركي وأدوارها كما التدخل الإسرائيلي، إضافةً إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة ومصير اللاجئين والنازحين وكل التغييرات الديموغرافية التي طالت المجتمعات المحلية.
لا بد من التسليم بأن سوريا الغد لن تشبه بأي شكل من الأشكال سوريا قبل الحرب. من المرجح أن تبقى حدودها الدولية وأن يكون هناك حكومة في دمشق، لكن كلبنان تماماً، ستظل البلاد واهنة بحالة الغروب أو في مساحة رمادية بين الدولة واللادولة، لتستمر التجاذبات وتتواصل جولات التفاوض بين الأطراف المحلية برعاية أجنبية أو عربية.
كما يصعب احتمال عودة الاقتتال كما شهدناه خلال العقد المنصرم مع الإنهاك الحاصل على صعد عدة والمعاناة التي عاشها الشعب السوري، من دون أن نستبعد نزاعات مسلحة بين وقت وآخر مع مجموعات معارضة قديمة أو مستجدة قد تخلّفها الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة.
وكلبنان أيضاً، ستمرّ سوريا تحت وصايات أجنبية، مع رجحان استمرار الوجود العسكري الروسي والإيراني والتركي والأميركي في المستقبل القريب، مع اختلاف في الأحجام والأدوار ومقاربة كل منها للتسوية فيها. وإذا كان مستقبل الوجود الأميركي في سوريا لا يزال ضبابياً مع قدوم إدارة جديدة وتشابك العلاقات الأميركية مع تركيا والأكراد، لن تترك روسيا موطئ القدم الذي كسبته، كما لن تفرط إيران في جهود عقود من التمدد العقائدي والسياسي والعسكري باتجاه المنطقة، وسيكون تالياً دورهما محورياً في رسم مستقبل البلاد.
حتى اليوم، لبس التدخل الروسي في سوريا قبعات عدة، بدءاً بالمقاتل العسكري إلى جانب النظام ضد مَن تعدّهم يعملون على تفكيك الدولة، وقبعة المدافع الشرس ليس عن النظام فقط بل عن رأسه أيضاً، وقبعة الوسيط الدبلوماسي الحيادي الساعي وراء تسوية سياسية للنزاع. ومع تخريبها لمفاوضات جنيف وفشلها في مفاوضات آستانة، يبدو أن موسكو لا تسعى جدياً إلى إرساء إصلاحات سياسية ودستورية في سوريا بل تقتصر رؤيتها لتحقيق تسوية واستقرار سياسي على المحافظة على رأس النظام بشخص الأسد، ويظهر ذلك جلياً بإصرارها على إجراء انتخابات رئاسية في مايو (أيار) المقبل تثبّته في كرسيه، من دون أن تسمح بإشراف الأمم المتحدة عليها، ما قد يحافظ على النظام بدون الأسد. وبتمسك روسيا بالأسد، فهي تغامر أيضاً بالمشاركة الغربية في إعادة إعمار سوريا، ما يؤشر إلى عدم اهتمامها بتحقيق إنعاش اقتصادي عبر إصلاحات بنيوية.
أما الوجود الإيراني فهو أكثر تعقيداً وخطورة لأنه لا يقتصر على الوجود العسكري والسياسي كما الروسي، بل أصبح متجذراً في النسيج الاجتماعي السوري، وهو وليد عقود من الاستثمار الإيراني في المنطقة منذ اندلاع الثورة الإيرانية ولن تتخلى عنه اليوم، لا سيما مع النفوذ الذي حققته في العراق واليمن. فالنظام السوري برأسيه الأسد الأب والابن، شكَّل قاطرة ومنصة انطلاق للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية ومن أكبر تجلياته نشأة «حزب الله» في لبنان، ولعب المذهب دوراً في إرساء التحالف بين النظامين حتى باتا كتوأم سيامي من الصعب التفريق بينهما، وهذا ما يعصى للأسف على الأميركيين والأوروبيين فهمه. لذلك من السذاجة التفكير في أن يتخلى النظام في إيران عن سوريا لأن ذلك يعني تخليه عن لبنان وهذا شبه مستحيل وفق المعطيات السائدة عن الطموحات الاستراتيجية لإيران.
وكما روسيا، لا تهتم إيران بإجراء إصلاحات سياسية ودستورية واقتصادية في سوريا، بل همّها بشار الأسد وما يمثله لتطلعاتها، والإنهاك الذي وصلت إليه البلاد يتناغم مع المجتمعات المقاومة التي تسعى إلى زرعها في المنطقة.
وعلى الرغم من اختلاف دوافع الوجودين الروسي والإيراني في سوريا، فالتحالف بينهما مستمرٌّ كلٌّ وفق أجندة معينة تخدم مصالحه، والرهان على كسره يبقى في خانة التمنيات أكثر منه واقعاً يُبنى عليه. أما إيحاءات موسكو وخصوصاً لإسرائيل بأنها قادرة على لجم الوجود الإيراني في سوريا، فهي خرافة كما محاولتها التسويق أن مصالحة بين سوريا وإسرائيل سوف تمكّن موسكو من إنهاء الدور الإيراني.
أما تركيا فانسحاب قواتها من سوريا غير مرجَّح لأنها تشكّل منطقة عازلة لها ما دام عداؤها للأكراد مستمراً.
أما إسرائيل، فهناك من يعتقد أن الأمر الوحيد الذي يعنيها في سوريا هو إيران، وأن همومها تكمن في مخاطر إطلاق صواريخ إيرانية من سوريا عليها. وإذا حصلت على ضمانات، قد تتغاضى عن الوجود الإيراني، ويعتقد بعض الأوساط الدبلوماسية بإمكانية التوصل لاتفاق بين كل من روسيا وأميركا وإيران وتركيا وإسرائيل على وجود إيراني لا يضر بأمن إسرائيل، بينما يصر رأي آخر على أن الإسرائيليين من غير مناصري رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لا يثقون بأي نوع من الضمانات في هذا الشأن، ولعل نتائج الانتخابات المقبلة أواخر هذا الشهر قد توضح المشهد أكثر.
المحصلة أن الأسد باقٍ تحت مظلة وصاية روسية – إيرانية مشتركة بلا إصلاحات سياسية ودستورية واقتصادية جوهرية، مع تقويض للجيش الوطني كما حصل في لبنان، إنما ليس فقط عبر ميليشيات مسلحة كـ«حزب الله» بل أيضاً شركات أمنية خاصة تابعة للوصيين تنمو كالفِطر وتسمح لهما باعتماد الإنكار المعقول.
المرجح أن المجتمع الدولي، خصوصاً أميركا والدول الأوروبية، لن يعترف بالأسد. لكنّ الحاجة إلى مساعدة الشعب السوري ستفتح الباب لنوع من التعاطي ولو بدرجات مختلفة مع حكومة في دمشق. كل ذلك سيحوّل سوريا كما لبنان إلى بلاد غاربة ورمادية Twilight zone معلّقة بين الدولة واللادولة وإلى ميدان لتصفية الحسابات الإقليمية منها والدولية.
أين الشعب السوري من ذلك؟
المشكلة أن عقوداً من الاستبداد وعُقد من حرب مدمِّرة تعرَّض خلالها لكل أساليب القمع والتعذيب والقتل والإذلال والتهجير، خلقت خواءً سياسياً لديه أصابه بالشلل والعجز حتى بات مغيّباً كما الشعب اللبناني وإن اختلفت الأسباب. أما النخبة السياسية السورية التي حاولت في بدايات الحرب لعب دور تغييري، فقد أثبتت أنها غير فعالة وتشبه النخبة اللبنانية من حيث حجم الخلافات السياسية فيما بينها وعدم امتلاكها رؤية موحدة للحل وغياب التأطير.
الغائب الأكبر في رسم مستقبل سوريا هو الدور العربي بسبب تباين الهموم التي أضحت وطنية أكثر منها إقليمية، وذلك على مستوى كل العالم العربي أو ما تبقى منه.
الشرق الأوسط
—————————–
استخلاصات إسرائيلية في الذكرى العاشرة للثورة السورية/ عدنان أبو عامر
بعد مرور عقد كامل على اندلاع البدايات الأولى للثورة في سوريا، فإن كل النبوءات التي أطلقتها أجهزة المخابرات الغربية، ومنها إسرائيل، لم تجد طريقها للتحقق على الأرض، ما يفسح المجال لاستخلاص جملة من الدروس الإسرائيلية من هذه الأحداث.
أول هذه الدروس أنه بعد فترة وجيزة من اندلاع الانتفاضة في درعا جنوبي سوريا، قبل عشر سنوات، تنبأت المخابرات في الغرب برحيل بشار الأسد عن السلطة خلال فترة وجيزة، حتى إن كبار المسؤولين في إسرائيل أمهلوه بضعة أسابيع على الأكثر لحزم أمتعته، والسفر لطهران ليقضي بقية حياته.
بعد عقد من هذه النبوءات، فلا يزال الأسد موجودا، رغم أنهار الدم التي سكبت في بلاد الشام، والدمار والخراب الذي لحق بها، ولذلك يمكن تعلم العديد من الدروس مما أصبح يعرف بالربيع العربي، وعلى رأسها الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي، الذي لم يقم بتقييم الوضع السوري بشكل صحيح، لأن تحليل الاستخبارات للموقف وفقا للتطورات الميدانية قد يعمد إلى إغفال التقييم الدقيق، وفي المقابل يميل التحليل الاستخباراتي للتطورات السرية إلى فهم الواقع بشكل أفضل.
الدرس الثاني يتمثل بفشل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في إظهار القوة والتصميم في مواجهة استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، شكل نافذة واسعة جدا لدخول روسيا إلى الساحة السورية، وهي التي طالما طمحت بوصول “المياه الدافئة” للبحر المتوسط، ورأت أن الطريق ممهد أمامها، ويبدو أنها لن تغادر في وقت قريب، رغم أن إسرائيل قررت أن تبتعد عما يحدث لجارتها الشمالية، ولكن ليس لفترة طويلة.
الدرس الثالث الذي تستخلصه إسرائيل من الثورة السورية في ذكراها العاشرة هو تقوية حزب الله في لبنان، وتأسيس الوجود الإيراني في سوريا، ما أدى إلى نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين حين وآخر مع سوريا وإيران وحزب الله.
الدرس الإسرائيلي المهم الرابع يشير إلى أن الأسد الآن يسيطر على ثلثي مساحة الدولة السورية، بمساعدة حزب الله وإيران والروس، وبات مدينا لهم، لكنه في الوقت ذاته تخلى فعليا عن السيطرة على حدود سوريا، وأصبحت 20٪ من حدودها البرية والبحرية تخضع لسيطرة جهات أجنبية، ورغم ذلك، فإن سيطرة الأسد على بقية سوريا تسمح له بالبقاء لفترة طويلة، حيث تم إنشاء مناطق نفوذ بحكم الأمر الواقع، مع استقرار نسبي، دون وجود حل للأزمة القائمة.
الدرس الخامس يتمثل في أن إسرائيل على عكس كل اللاعبين الآخرين في سوريا، فلديها اعتبارات خاصة، وباستثناء الوجود الروسي، فإن جميع اللاعبين الآخرين في سوريا معادون لإسرائيل، لذلك ظهر سلوكها مميزا؛ وليس مقتصرا على مجرد هجمات عسكرية فقط، بل الاتصالات الدبلوماسية في القنوات الهادئة أيضا، ولعل موسكو هي الأفضل لذلك.
في النهاية، فإن روسيا لا تريد إيران أو حزب الله أو تركيا في سوريا، بل تسعى لأن تكون حصرية هناك، وهذا أمر مدهش أن نرى مدى تطابق المصالح الروسية مع المصلحة الإسرائيلية، في ظل أن الخط الساخن بين تل أبيب وموسكو موجود، ما يتطلب من إسرائيل التكثيف من استخدامه.
فضلا عن تلك الدروس الإسرائيلية من الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية، فقد اعتبرت محافل عسكرية إسرائيلية، أن مرور هذه السنوات العشر، أثبتت فشلا في التنبؤ الاستخباري فيما يتعلق بسوريا، ما تسببت بحرج شديد داخل إسرائيل، لأن أياً من أجهزة مخابراتها، لم تستطع توقع الأحداث الداخلية والمفاجئة في سوريا، فضلا عن الحرب التي استمرت لسنوات عديدة.
من الناحية العملية، حطمت الانتفاضة الشعبية في سوريا تصور إسرائيل للأمن، ففي البداية، على ما يبدو، كان يأمل الإسرائيليون أن تهدأ الاحتجاجات في سوريا كما بدأت، لكن سرعان ما اتضح أن الواقع أكثر تعقيدًا، وزاد عدد اللاعبين والمصالح في سوريا مع مرور الوقت.
بعد الصدمة الأولية، ساد الرأي في قيادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، في ما عبر عنه وزير الحرب إيهود باراك بأن زمن حكم الرئيس السوري بشار الأسد بات محدودا، وأن سقوطه مسألة وقت فقط، لكن إسرائيل احتاجت إلى وقت طويل لصياغة سياستها تجاه سوريا، وبدا لفترة طويلة أنها لا تجري التعديلات اللازمة.
من الأمثلة البارزة على ذلك، أن قوات الجيش الإسرائيلي واصلت التدرب على غزوات الجيش السوري الذي لم يعد قائما، في حين استمرت الجاهزية الأمنية على طول الحدود، بزعم أنها مهددة بخطر لم يعد موجودا من الناحية العملية، فضلا عن جمع أخبار ومعلومات استخبارية عن تهديدات جديدة على شكل مسلحين مختلفين على حدودها، بما في ذلك داعش وجبهة النصرة.
أجرى القادة الإسرائيليون على الأرض، مباحثات مكثفة للتعرف على واقع الفوضى العارمة في قيادة المنطقة الشمالية العليا، وحاول مسؤولو الجيش الإسرائيلي تنظيم المنطقة، كي يساعد، من بين أمور أخرى، في تدفق المعلومات الاستخباراتية.
لكن ما يثير استياء إسرائيل أن حزب الله يخوض عملية إعادة تأهيل الجيش السوري بشكل أساسي من خلال هيئة تُعرف بـ”القيادة الجنوبية”، تساعد السوريين على التعافي، وجلب مواردها لهذا الغرض، والخوف الإسرائيلي من محاولة حزب الله فتح جبهة أخرى ضد إسرائيل على الحدود السورية، دون إغفال أن هناك توترًا كبيرًا عبر الحدود بين روسيا وإيران، وكل منهما معنية بتعزيز نفوذها وتعزيز مصالحها في سوريا.
الخلاصة الإسرائيلية أن الاستقرار في سوريا غير مضمون لفترة طويلة، وليس هناك شك في أن سوريا بأكملها، والمنطقة القريبة من الحدود خصوصاً، ستظل منطقة غير مستقرة ومنكوبة لسنوات عديدة قادمة، لذلك فإن التنبؤ بالأحداث، القريبة أو البعيدة، يميل في النهاية إلى الصفر بالنسبة للاستخبارات الإسرائيلية.
تأتي هذه الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع الثورة السورية مع ما استمرار الهجمات التي يشنها سلاح الجو الإسرائيلي على الأراضي السورية، دون أن تكترث دولة الاحتلال بـأي ردود قادمة، أو موجة، ولعل الهجوم الأميركي الأخير على الحدود العراقية السورية منح هجماتها “مشروعية” كانت بحاجتها، لا سيما في عهد الإدارة الأميركية الجديدة.
لقد حاز التوتر الأمني والعسكري على الجبهة السورية على تغطية الإعلام الإسرائيلي، مع ارتفاع مستوى الهجمات الإسرائيلية، وانخفاض مستوى الرد الإيراني والسوري عليها، إن حصل فعلًا، ما يؤكد أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على سوريا يمكن عدّها معركة حاسمة، لا سيما أنها ارتفعت في الأسابيع الأخيرة خطوة إضافية في ضوء الهجوم الأميركي على الحدود السورية العراقية، ما يوصل العملية الإسرائيلية المستمرة في سوريا إلى مفرق طرق.
هذا المفرق تنظر إليه إسرائيل على أنه استمرار لهذه الهجمات دون توقف، مع أن هناك ثلاثة أهداف تضعها لهجماتها داخل سوريا، وهي: منع إقامة جبهة عسكرية جديدة على حدود الجولان، والحيلولة دون الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وحرمان حزب الله والقوات الإيرانية في سوريا حيازة أسلحة هجومية بعيدة المدى.
وخشية من التصعيد، ودخول المواجهة في سوريا مرحلة غير مسيطر عليها، أو وجود شكوك بعدم تحقيق هذه الهجمات أهدافها؛ فقد تزايدت الدعوات في إسرائيل للاستمرار في العمليات الهجومية داخل سوريا، استمرارًا لاستراتيجية “المعركة بين الحروب” التي صممها الجنرال غادي آيزنكوت قائد الجيش السابق قبل أربع سنوات.
تذكرنا الضربات الإسرائيلية على سوريا في السنوات الأخيرة بين 2015-2021، بالضربات التي سبقت اندلاع حرب عام 1967، فقد بدأت تل أبيب هجمات مركزة على دمشق منذ عام 1964، وهدفت إلى إحباط خطة تحويل مصادر نهر الأردن، وفرض “السيادة” الإسرائيلية على المناطق المنزوعة السلاح على الحدود مع سوريا، والعمليات ضد المنظمات الفلسطينية، التي أقامت قواعد عسكرية داخل معسكراتها التنظيمية في سوريا.
إن مرور الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية، مع زيادة الهجمات الإسرائيلية على سوريا، يكشف عن تطلعات إسرائيلية لا تخطئها العين، وتتمثل في إضعاف العناصر المعادية، وتحقيق الردع، وإبعاد شبح الحرب القادمة، لكن التساؤلات بدأت تطرح في الأروقة العسكرية الإسرائيلية عن مدى إنجاز الهجمات الأخيرة على سوريا هذه الأهداف، لا سيما الهدف المتعلق بإرجاء موعد المواجهة المستقبلية.
تلفزيون سوريا
————————-
صيغة “غامضة” للحل في سوريا.. هل اقترب موعد استقالة بيدرسن؟/ مالك الحافظ
لعل دعوة المبعوث الأممي لسوريا، غير بيدرسن إلى صيغة دولية جديدة من أجل حل الأزمة السورية، تتمثل بإشراك دول “مسار أستانا” إلى جانب دول “المجموعة المصغرة حول سوريا”، هي إعلان فشل دور المبعوث وكذلك تدهور مسار العملية السياسية ضمن إطار اللجنة الدستورية.
تبدو دعوة بيدرسن، في الخامس عشر من آذار الجاري، لإحداث تقارب في الرؤى بين الدول الضامنة لـ “أستانا” (تركيا، روسيا، إيران) و”المجموعة المصغرة” (الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، السعودية، مصر، الأردن)، أنها محاولة لرأب الصدع في مسار العملية السياسية بعد فشل ذريع للجنة الدستورية التي لا يستقيم مسار العملية السياسية خلال الفترة الحالية دون تحقيقها لخطوات تقدم ملموسة وحقيقية. هذا المسار الذي بات مرشحاً للتدهور أكثر وتعطيل جهود المبعوث الأممي الذي حذر أيضاً مطلع شهر شباط الفائت من فشل العملية السياسية في سوريا إذا لم توجد دبلوماسية دولية بناءة.
يقترب موعد إقامة الانتخابات الرئاسية في سوريا، دون بروز أية بوادر من موسكو أو دمشق توحي بتأجيل لازم لتلك الانتخابات التي ستشوه عملياً اللجنة الدستورية، وتؤكد التقسيم في سوريا، فضلا عن تسببها بإنهاء مهمة المبعوث الدولي الرابع إلى سوريا (بعد استقالة المبعوثين السابقين الثلاثة، كوفي أنان، الأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي ميستورا).
قد يتشابه مصير بيدرسن بالأخضر الإبراهيمي (استقال من منصبه في أيار 2014)، بعد أن تحدث الأخير عن التأثير السلبي لعقد الانتخابات الرئاسية في ذلك الوقت، في حين يرفض بيدرسن التدخل بالانتخابات غير أنه يشير صراحة إلى عدم الاعتراف بها وعدم شرعيتها. كانت دمشق قد دعت بيدرسن إلى أخذ دوره المحايد؛ في اتهام صريح وغير مبرر لمهمة المبعوث الدولي على لسان وزير خارجية النظام فيصل المقداد، ما ينبئ بذهاب المبعوث الرابع إلى الاستقالة في ظل عقد الانتخابات الرئاسية وتعطل مسار اللجنة الدستورية.
يحاول بيدرسن تدوير الزوايا والنظر إلى أن عقدة حل المشكلة القائمة تقتضي بتقريب جناحي المسارات الدولية التشاورية حول سوريا، غير أنه قد لا ينجح في هذه المهمة إذا ما بقي معتمداً خلال الشهرين المقبلين على هذه الرؤية “الطارئة”.
بخلاف تقارب تركي خليجي “خجول” حاصل في الآونة الأخيرة، ومحاولة موسكو تعميق علاقاتها مع دول خليجية، إلا أن أياً من تلك التقاربات لا ترقى إلى مستوى نقل العلاقات المشتركة بين تلك الأطراف إلى مستوى متقدم من التفاهم حول سوريا في مثل هذه المساحة الضيقة من الزمن.
تُشكّل إيران عامل تعطيل رئيسي لمقاربة بيدرسن “الغامضة” و “غير المجدية”، فالجانب الإيراني لا يحوز على انسجام كامل حتى مع دول “أستانا”، فضلا عن وصول إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن وعدم اهتمام سياسته الخارجية بالملف السوري بشكل رئيسي -حتى الآن-، بالإضافة إلى توقعات واستقراءات تقول إن بايدن سينتهج سياسة مغايرة (ذات طابع سلبي) لما كانت عليه إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترامب مع كل من روسيا وتركيا، سواء في سوريا أو باقي ملفات المنطقة.
وفي ظل توتر متصاعد متوقع من قبل واشنطن تجاه موسكو، فلا ترى الأخيرة أن احتمالات التقارب ممكنة في الفترة القصيرة المقبلة على سوريا دون إعلان “تطمينات” أميركية تجنح من خلالها للتهدئة المعلنة والدعوة للحفاظ على مخرجات التفاهمات الروسية التركية في سوريا، والالتفات لتحركات روسيا الد بلوماسية حيال تخفيف أثر العقوبات الأميركية على سوريا، والتقليل من وطأة الخناق على النظام السوري وكذلك روسيا في سوريا.
لا تحركات جدية متوقعة من قبل واشنطن، وبالمقابل أيضاً فإن روسيا المتلهفة لإعادة إعمار قريبة في سوريا لا ترى ضيراً لاستخدام ورقة الانتخابات الرئاسة من أجل الضغط السياسي على واشنطن وبروكسل. مراوحة في المكان محتملة في سوريا، دون تصعيد عسكري في الشمال، بمقابل استمرار التعاون التركي الروسي، وخطر يلوح في الأفق يتهدد سوريا، حيال تقسيم معلن بدرجة أعلى عما سبق من مراحل ماضية في سوريا، ما قد يدفع المبعوث الأممي إلى الاستقالة طالما بقيت الأزمة مستعصية وانعدمت الحلول لديه.
لا ننظر بتشاؤم إذا قلنا إن بيدرسن قد يستقيل، في ظل استمرار الأوضاع على ما هي عليه، وإصرار دمشق على المماطلة في اللجنة الدستورية والتعنت بإقامة انتخابات رئاسية مرشحها الوحيد خارج عن أية شرعية منذ سنوات. يجب على بيدرسن القول بجرأة وصراحة بضرورة التحرك وبالسرعة القصوى تجاه هيئة حكم انتقالي قد تضمن مصالح روسيا في مرحلة إعادة إعمار عاجلة، بغير ذلك فالاستقالة للمبعوث الدولي إلى سوريا باتت قريبة، وفي نفس الشهر الذي استقال فيه الإبراهيمي وبنفس الظروف، بعد أكثر من عامين على تولي الدبلوماسي النرويجي مهمته من أجل الحل “الغائب” حتى اللحظة في سوريا.
تلفزيون سوريا
—————————
=====================
تحديث 23 أذار 2021
————————-
ثلاثون أمّاً لأجل الأسد/ عمر قدور
رغم كل الفظائع التي خبرها السوريون، قبل وبعد انطلاق الثورة، يصعب المرور بحيادية على بعض الأخبار. من ذلك خبرُ تكريم أمهات مئة وخمسة شهداء في نادي الضباط في حمص، لمناسبة عيد الأم. موقع “الثورة أون لاين” يُفرد مساحة خاصة صغيرة للنبأ، فيُخبرنا بأن التكريم خاص بأمهات “ضحّين بثلاثة من أبنائهن في سبيل الدفاع عن الوطن”، بينما موقع جريدة البعث يُلحق الخبر بخبر تكريم عاملات في حمص لمناسبة عيد الأم، إلا أنه في سطرين يفيدنا بأن التكريم كان للأمهات اللواتي قدّمن ثلاثة شهداء “أو أكثر”، ويورد العدد المشار إليه أعلاه.
هذا حدث يستحق مجيء المسؤولين عن موسوعة غينيس للأرقام القياسية من أجل توثيقه، إذ لا يتكرر في التاريخ جمْعُ حوالى ثلاثين أمّاً لثلاثة “أو أكثر من الشهداء” تحت سقف واحد، ومن مدينة صغيرة واحدة. بل، باستنتاج بسيط وسهل، نستطيع الجزم بوجود عدد أضخم، يستحيل تجاوزه إذا سُجّل في الموسوعة، لو احتُسب عدد الأمهات المماثلات في المدن والمناطق التي بقيت تحت سيطرة الأسد خلال السنوات العشر الأخيرة. من المستغرب ألا تبادر سلطة الأسد إلى استثمارهن على هذا النحو، وبوصفهن أمهات لأجل الأسد بدل تلك الإشارة المبتذلة إلى الوطن.
في متاجرة طائفية معكوسة، ينشر موقع “الثورة أون لاين” النبأ مُرفَقاً بصورة لامرأة محجبة تحمل صورة تجمع أبناءها الثلاثة القتلى، ذلك كي لا يذهب الظن بالقارئ إلى أن أولئك الأمهات هنّ علَويات حصراً. تأكيد لا يحتاجه من يلمّ قليلاً بالوضع السوري، ويعرف كيف قاد بشار الأسد قواته إلى المقتلة، فلا يتخيّل عناصر تلك القوات كافةً من المتعطشين مثله إلى دماء سوريين آخرين. في الواقع، بينهم ذلك التوّاق إلى إبادة المعارضين وربما ذهب إلى المعركة تطوعاً، وبينهم من يرى وجوده في خدمته الإلزامية أمراً من طبيعة الحياة، وبينهم أيضاً من لا يريد أن يُقتل أو يَقتل لكنه لم يتمكن من النجاة من هذا المصير لسبب أو لآخر من ضمنها اعتباره قدراً لا يستطيع معاندته.
مع بدء حرب بشار على الثورة، كانت هناك أمّهات شجّعن أبناءهن على القتال، بل في بعض الحالات شجعن الأبناء على القتال ثأراً لأخ قتيل ليُفجعن بأولئك الذاهبين إلى الانتقام. لم يكن البعد الطائفي غائباً كلياً، مثلما تريد صورة الأم المحجبة إفهامنا، ولم يكن هو الوحيد على الإطلاق. بتوالي السنين والتطورات، نستبعد وجود الأمهات اللواتي يشجعن أبناءهن على الانخراط في متوالية لا تنتهي من الثأر، وضمن أفق غير معلوم للحرب وأهدافها. حتى إذا وجدت قلة منهن، لن يكون العدد بالمئات أو الآلاف كما هو متوقع بالقياس إلى هذه الاحتفالية الصغيرة.
نحن لا نعرف عدد الأمهات اللواتي فقدن اثنين من أبنائهن في المدينة نفسها، ولا عدد اللواتي فقدن ابناً واحداً. وفق المعيار الاحتفالي، لا مكان لمن ضحّين بأقل من ثلاثة أبناء. تلك الأمهات اللواتي لم يحالفهن الحظ بمقتل ثلاثة من أبنائهن، ربما لأنهن “قصّرن” أصلاً في إنجاب ثلاثة، لا مكان لهن في صدارة البؤس. ومَن منهن بقي لها ابن حي، مقاتل أو غير مقاتل، عليها التواضع والاكتفاء بتهنئته لها بعيد الأم بدل تلقي التهنئة من ضباط ومسؤولين صغار!
في دلالة على أثر الإرغام، لا نرى في الجهة المقابلة عدداً يُعتد به من أمهات فقدن العديد من الأبناء المقاتلين. هناك ندرة من أمهات فقدن العديد من أبنائهن الذين تطوعوا لقتال الأسد، نفترض هنا توفر حافز القتال ضد قوات الأسد لدى نسبة مماثلة من نظيرتها لدى تلك القوات، ولا نهمل الأثر المتزايد للمال في تطويع مقاتلين لا يرون أمامهم فرصاً للعمل والعيش، وهذا عامل برز بقوة في السنوات الأخيرة، بل ربما لم يعد هناك سواه لدى أولئك المتطوعين الذين صار ذهابهم إلى القتال خارج سوريا أبلغ مؤشر على أحوالهم وأحوال أسرهم. وحتى إذا أخذنا الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن بسبب قصف قوات الأسد وحلفائه، أي من المدنيين، فمن المرجح ألا نصادف عدداً من الأمهات يماثل أولئك اللواتي فقدن ثلاثة أو أكثر ضمن قوات الأسد وشبيحته. هنا، في الجهة الأخرى، قد نعثر على أرقام قياسية أخرى، من قبيل حصة كل مدني من البراميل المتفجرة.
نظرياً، نفترض أن وجود أمّ واحدة فقدت ثلاثة أو أكثر من أبنائها هو بمثابة مأساة فريدة، أو يجب أن تكون فريدة فلا تتكرر. بقاء الأسدية يتحفنا طوال الوقت بما هو شاذّ بكل المقاييس الإنسانية، وبما يعكس شذوذ الأسدية ضمن ما هو مألوف عن أنظمة الاستبداد نفسها. قلّما وُجدت، أو ستوجد، سلطة متوحشة تخدش إنسانيتنا باحتقارها مواليها وسوقهم إلى حتفهم كما تفعل هذه السلطة.
خمسة سطور في جريدة الثورة، وسطران ملحقان بخبر آخر في جريدة البعث، هذه هي قيمة الأمهات المشار إليهن لدى إعلام الأسد. لكن وعد الأسدية لا يتوقف هنا، فهي “تطور” أدواتها لتستثمر تزاوج وتناسل الواقعين تحت سيطرتها على أكمل وجه. بسبب ذلك النقص الفادح في الذكور، النقص الذي يشرحه وجود أمهات فقدن جميع أبنائهن الذكور، تعِد سلطة الأسد بقانون للخدمة الإلزامية للإناث. ورغم أن القانون المذكور يحدد خدمة الإناث في مواقع غير قتالية، فالغاية الأساسية منه هي دفع الذكور الذين يشغلون تلك المواقع إلى ساحات القتال، ولن يكون مستبعداً لاحقاً الزجّ بالفتيات في المعارك، ومن ثم التغني بهن وببطولاتهن واعتبار مشاركتهن في القتال دليلاً على المضي في مشروع التحديث والتطوير الذي يقوده بشار الأسد.
لقد تدرجت هذه السلطة بين تقديم معزاة إلى أهالي شهدائها وتقديم ساعة حائط لهم! لتصل إلى اصطفاء أمهاتهم المكرَّمات على مبدأ الكثرة، وفي حال بقائها قد لا يجد الواقعون تحت سيطرتها مهرباً سوى الإقلاع نهائياً عن فكرة الإنجاب. كل الاحتمالات قابلة للحدوث ضمن الاستثناء الأسدي، بما فيها توقفنا المطوَّل عند مأساة تلك الأمهات اللواتي أتى ذكرهن عابراً في إعلام الأسد.
المدن
———————–
واشنطن قد تنأى بنفسها عن سوريا..وموسكو تملأ الفراغ
في الوقت الذي تدرس فيه إدارة الرئيس جو بايدن دور الولايات المتحدة في الصراع السوري الدائر منذ عشر سنوات، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى النأي بنفسها عن حروب الشرق الأوسط، كان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف مشغولاً بالفعل على الأرض، في محاولة لكسب الدعم لخطة جديدة بشأن سوريا يمكن أن تعزز موقف روسيا كوسيط للأمن والقوة في المنطقة.
لم تحدد الإدارة الأميركية الجديدة بعد كيف تخطط للتعامل مع سوريا، التي باتت مجزأة بين ستة جيوش -بما في ذلك القوات الأميركية- نتيجة الحرب التي أدت إلى مقتل وتشريد الملايين، وصراع تخوضه أطراف متعددة مثل الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش وغيرها من الجماعات المتشددة الراغبة في استخدام سوريا كقاعدة.
التعامل مع الحرب السورية سيشكل اختباراً لرغبة إدارة بايدن في التركيز على آسيا وليس الشرق الأوسط. ففي حال قلصت الولايات المتحدة وجودها، فإن روسيا وخصوم الولايات المتحدة الآخرين يقفون على أهبة الاستعداد للتدخل وتعزيز مكانتهم الإقليمية ومواردهم.
ومن هنا جاءت جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الشرق الأوسط هذا الشهر. كان لافروف واقفاً بجانب وزير خارجية دولة الإمارات، الحليفة لواشنطن، عندما وجّه رسالة تتماشى مع موقف موسكو بأن العقوبات الأميركية على النظام السوري تعيق الجهود الدولية لإعادة إعمار سوريا. وقال الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إن الوقت قد حان لعودة سوريا مجدداً إلى الحظيرة العربية.
ويقول فريدريك هوف، الذي عمل مستشاراً ومبعوثاً أميركياً لسوريا في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما: “بعبارة أخرى، رسالة روسيا هي أن الحرب في سوريا انتهت، الأسد انتصر، الأسد سيبقى في السلطة طالما أنه يتنفس”.
ويشير هوف في حديث لوكالة “أسوشيتد برس”، إلى أن هناك جزءاً غير مذكور من الرسالة، وهو أن روسيا تؤكد على إعادة إعمار سوريا، وتضع نفسها كوسيط لإدارة التهديدات الأمنية التي تشكلها سوريا للمنطقة.
هوف وجيمس جيفري، وهو دبلوماسي محترف عمل في ظل إدارات جمهورية وديمقراطية وعمل مبعوثاً للرئيس دونالد ترامب إلى سوريا، شددا على ضرورة بقاء الولايات المتحدة في البلاد، مستشهدين بطموحات روسيا. ويحذر جيفري في حديث لوكالة “أسوشيتد برس”، من أنه “إذا كان هذا هو مستقبل الأمن في الشرق الأوسط، فنحن جميعًا في ورطة. هذا ما يسعى إليه بوتين ولافروف”.
تقوم إدارة بايدن بمراجعة ما إذا كان ينبغي اعتبار سوريا واحدة من أهم مشاكل الأمن القومي لأميركا. لم تظهر أي علامة على القيام بذلك حتى الآن، على الرغم من إبراز الرئيس جو بايدن بعض مشاكل الشرق الأوسط الأخرى كأولويات -بما في ذلك حرب اليمن والبرنامج النووي الإيراني، الذي عين بايدن مبعوثين لهما- لكن موقفه بشأن سوريا لم يتراوح عتبة التصريحات.
—————————-
هل يمكن أن تتفق أنقرة وواشنطن في سوريا؟/ محمود سمير الرنتيسي
تتعارض المواقف التركية والأميركية في العديد من الملفات من إس 400 إلى الموقف من وحدات حماية الشعب في شمال سوريا إلى العديد من القضايا الإقليمية وحتى القضايا الداخلية في تركيا وحتى حول قضايا تاريخية مثل مزاعم إبادة الأرمن. ولكن مع ذلك هناك من يدعو لفتح صفحة جديدة في بعض القضايا بالتحديد ويرى أن البداية لا بد أن تكون منها ومن هذه الأماكن القضية السورية.
رأينا قبل أيام السفير الأميركي يؤكد أنه لا حل أمام تركيا في مسألة إس 400 سوى التراجع عن امتلاك المنظومة الروسية، كما سمعنا الرئيس أردوغان يدافع عن بوتين ويصف رده على بايدن باللطيف في وجه اتهام بايدن لبوتين بأنه “قاتل بلا قلب” حيث وصف أردوغان عبارات بايدن بأنها لا تليق برئيس دولة، كما سرب بعض المقربين من البيت الأبيض توجه الأخير لإدانة تركيا في مذابح الأرمن. وكل هذه القضايا تظهر حقيقة التدهور الذي وصلت له العلاقات مع بداية إدارة جديدة في البيت الأبيض.
يرى بعض المحللين الأتراك المقربين من الدولة التركية أن إصلاح العلاقات التركية الأميركية لابد أن يبدأ من سوريا، وفي هذا السياق يرى الباحث قدير أوستون أن سياسات تركيا والولايات المتحدة في سوريا لا تختلف من حيث دعم جهات مسلحة محلية تستهدف نظام الأسد ولكن بينما تعمل تركيا مع الجيش الحر فإن واشنطن تعمل مع قسد والتي تضم وحدات “ي ب ك” التي تعد امتدادا لحزب العمال الكردستاني، ويرى أوستون أن واشنطن فشلت في صياغة استراتيجية واضحة تبرر الوجود الأميركي في سوريا وحاولت دون نجاح في تقديم تمييز مصطنع بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني. وقد ألهت واشنطن أنقرة في وقت سيطرة داعش وقدمت دعما لوحدات حماية الشعب وهو الأمر الذي شعرت معه أنقرة بالتهديد فقامت بالتدخل عبر عدة عمليات قضت جزئيا على احتمالات إنشاء كيان كردي شمال سوريا، ولذلك بالنسبة للأتراك لا يوجد داع للاستمرار الأميركي في الوقوف خلف منظمات معادية لتركيا لم يعد هناك احتمالات لنجاحها خاصة في الوقت الذي تتحمل تركيا فيه عبئا كبيرا بسبب الأزمة في سوريا من نواح أمنية وإنسانية ومالية وغير ذلك.
يعتقد الأتراك أن على إدارة بايدن إعادة النظر في سياسة أميركا تجاه سوريا وأن عليها التناغم مع تركيا وتقدير مخاوفها، وإلا فإن العلاقات الثنائية ستتضرر وستترسّخ حالة عدم الاستقرار وستُحدث شقوقا داخل الناتو.
وفي السياق ذاته أكد أكثر من مسؤول تركي هذه المعاني حيث قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في إطار مشاركته بفعالية نظمتها وزارة الدفاع التركية بالعاصمة أنقرة، ضمن مراسم الاحتفالات بالذكرى الـ 106 لانتصار معركة جناق قلعة عام 1915، إن بلاده لا تجد من الصواب أن تدعم الولايات المتحدة تنظيم “ي ب ك” بذريعة مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي، إذ أشار أكار إلى تنفيذ الجيش التركي عمليات عسكرية ناجحة شمالي سوريا والعراق على أساس احترام سيادة ووحدة أراضي دول الجوار.
وفي إشارة إلى ضرورة تخلي واشنطن عن دعم وحدات الحماية قال أكار “لم يبق مكان يفر إليه الإرهابيون سواء في الداخل أو الخارج، فلقد دمرنا مخابئهم حتى تلك التي يعتبرونها أكثر أمنا، وسوف نواصل عملياتنا من مفهوم هجومي حتى تحييد آخر إرهابي”. و”بالتالي، يجب على الولايات المتحدة التعاون مع حليفتها تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي منذ قرابة 70 عاما، بدلا من التعاون مع تنظيم ي ب ك”.
بالإضافة إلى ما سبق ربما قرأ الأتراك تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس -خلال مؤتمره الصحفي اليومي، في ردٍ منه على سؤال حول العلاقات الأميركية التركية في السياق السوري- بطريقة مفرطة في التفاؤل عندما قال “سنواصل العمل بشكل بناءٍ مع تركيا بهدف تنفيذ مصالحنا المشتركة في سوريا”.
حيث قال برايس “لدينا مصالح مشتركة مع تركيا، وسنواصل العمل معها بشكل بنّاء من أجل تحقيق تلك المصالح لا سيما تلك المتعلقة بالسياق السوري”.
من الواضح أن عدم اتصال بايدن مع أردوغان أصبح مؤشرا على اتجاه العلاقات وأن عدم اتصال بايدن يقرأ على أن الاتصال مشروط بتغيير أنقرة لمواقفها في العديد من الملفات على غرار عدد من الدول في المنطقة التي قدمت بعض الخطوات، وفي حين أبدت أنقرة استعدادها لفتح صفحة جديدة وللتفاهم، فإن بايدن ينتظر فيما يبدو من أنقرة خطوات عملية ولكن الحكومة التركية تفعل العكس حاليا على الأقل في القضايا الداخلية مثل دعوى إغلاق حزب الشعوب والخروج من اتفاقية إسطنبول للعنف ضد المرأة والتي انتقدها بايدن. ولذلك فالأمور ليست واعدة بالتحسن على الأقل في الأسابيع المقبلة.
تلفزيون سوريا
————————-
ما الذي يريده بايدن من سوريا؟/ فارس الذهبي
تحاول إدارة الرئيس جو بايدن في المئة يوم الأولى لها في البيت الأبيض، تغيير بوصلة سياسات أميركا تجاه السياسة الدولية بشكل مغاير لما فعلته إدارة الرئيس دونالد ترامب، ابتداء من الإعلان الصريح عن رغبتها في محاسبة روسيا، والمفاوضات القاسية التي تجري حالياً مع الصين حول تقاسم الاقتصاد العالمي، ولعل هذين الملفين هما ما يحكمان عشرات الملفات الفرعية في الشأن الدولي ومنها ما يخصنا في الدول العربية وعلى رأسها المسألة السورية التي باتت تفصيلاً في ميزان المفاوضات العالمية منذ 2013، وما تلاه من تدخل روسي عسكري في سوريا…
تعتبر الولايات المتحدة ومنذ الخمسينيات بعيد حرب 1956 الشرق الأوسط منطقة نفوذ خاصة بها، تمتد من المغرب وحتى إيران وأفغانستان، وكانت المنافسة مع الاتحاد السوفييتي فيه تأخذ شكل المد والجزر فيه تبعاً للأزمات السياسية وعلى الرغم من وقوع عدد من الدول في نطاق التحالف السوفييتي سابقاً مثل مصر عبد الناصر وسوريا حافظ الأسد واليمن الجنوبي، فإن الولايات المتحدة كانت على الدوام صاحبة الكلمة العليا في سياسات تلك الدول الخارجية وعلاقتها مع المحيط وخصوصاً في الملف الإسرائيلي.
ومع احتلال الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، صرحت وزيرة الخارجية الأميركية علانية بنية الولايات المتحدة ببدء التغيير في الشرق الأوسط، عبر سياسة الفوضى الخلاقة التي ستعيد تشكيل المنطقة بكاملها، وبالفعل بدء التعفن السياسي المتحقق في البلاد العربية بالانفجار مع ربيع 2011، ولكن تخاذل فريق باراك أوباما عن إدارة الملف السوري بالذات سبب كثيرا من الأخذ والرد في الشرق الأوسط وكان وصمة عار تداولها الحقوقيون في أروقة المؤسسات الدولية ضد أوباما وفترته… ولكننا اليوم نجد أن نائب أوباما وهو بصدد الشهور الأولى مما سمّوه الولاية الثالثة لأوباما أمام مفترق أساسي في الانفلات الذي أطلقه أوباما في المنطقة، مع بدء أزمة اليمن واستعار التدخل الإقليمي في سوريا، وتفاعل أزمات العراق ولبنان، فجو بايدن أعطى الأولوية المطلقة لإدارته في التحالف مع أوروبا وبالتالي نصب العداء لروسيا وإدارة بوتين، بينما فتح الأبواب للحوار الاستراتيجي مع الصين بموافقة ومباركة أوروبية.. فالأوروبيون لم ينسوا ما فعله بوتين في أوكرانيا وبيلاروسيا وتحالفه مع أردوغان وإيران، وكذلك بايدن الذي أدلى بتصريحه الناري (بوتين قاتل) الذي قلب العلاقات رأساً على عقب، لذلك كان لا بد لبايدن من الانتهاء من الملف الشرق أوسطي المتعب، وتلك الحروب التي لا تنتهي ولا يبدو أن المتورطين فيها قادرون على إنهائها، مثل إيران وتركيا وروسيا والدول العربية، وحتى أوروبا ذاتها، فكانت كلمة السر السحرية، حلا شاملا في المنطقة يناسب الجميع، يتمثل الحل في إيقاف حرب اليمن بما يضمن عودة الحكومة الشرعية إلى اليمن بعد (تكسير الحوثيين) ونزع فكرة انتصارهم من جدول المفاوضات القادمة، وبما يضمن خروج إيران من اليمن ومن الخليج العربي، أما الجزء الثاني من الحل الذي أعطى بنوده الرئيسة وزير الخارجية الأميركي بلينكن، فهو خروج إيران أيضاً من سوريا، وإفساح المجال لحل سياسي يسمح بتغيير رأس النظام السوري، والإبقاء على النظام السوري المتهالك بعيداً عن إيران و قريباً من روسيا ودول عربية تضمنه وتسمح له بالانخراط في سياسات تتحكم هي بها.. ولكن الحل يستمر كذلك للخروج بحكومة لبنانية وعراقية بعيدتين عن النفوذ الإيراني ولكن بموافقة حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق على تلك الحكومات الاختصاصية، كل ذلك سيكون للوصول إلى ذروة الاتفاق المتمثلة في إحياء الاتفاق النووي مع إيران مع ضمان بند يقيد سلاحها الصاروخي، ويكون تورطها في الإقليم قد حقق تلقائياً فسح الحلول المرحلية للدول التي تسيطر عليها إيران بما يشبه التقاسم الذي اقترحه أوباما على مجلة أتلانتيك الأميركية وسمي وقتها بعقيدة أوباما.
جو بايدن يعتقد بأن لا مصلحة لأحد في الحرب، ولا مصلحة لأحد كذلك في استمرار الانهيار الاقتصادي والعقوبات في المنطقة التي إن انهارت ستخلق عشرات الأزمات الجديدة بإشراف إيران التي ستدير الخراب مجدداً، مما قد يؤثر على تركيا وروسيا مستقبلاً إن حصل انفلات (جهادي) ما.. بينما تفضل الصين تاريخياً الاستقرار السياسي ضاربة عرض الحائط بماهية ذلك الاستقرار حتى وإن كان ينطوي على دكتاتورية أو قمع سياسي.
إن تصفير مشكلات الشرق الأوسط سيفتح الباب لإدارة بايدن بالتفرغ لمواجهة روسيا بشكل جيد، أو للتفاوض مع الصين بروح مختلفة، فهل ستعرقل روسيا تلك العملية التي انطلقت من ليبيا وتشهد تسخين المشهد في سوريا واليمن، أم أن قسمتها من المنطقة قد تمت الموافقة عليها، بعد أن سرقت منها منذ مئة عام بالضبط على يد مارك سايكس وجورج بيكو في عام 1916؟ وها هي تتدخل عسكرياً مجدداً للمطالبة بها.
يعتقد بعض المراقبين بأن الجميع قد أنهك من أزمات المنطقة وبأن روسيا تحديداً لا قدرة لديها على الاستفادة من الكنز السوري إلا برفع العقوبات عن النظام الذي تورط في ملفات غير منتهية تتعلق بجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في سنوات الثورة وما تلاها من حرب أهلية وانتهاكات بين الأفرقاء برعاية روسية، لذلك رغم أن روسيا تعلم أن إنهاء الحروب في الشرق الأوسط يتوجه أساساً ضدها، إلا أن خبث لافروف وحنكته جعلاه يفكر في إعادة تشكيل تحالفاته انطلاقاً من عداء عدد من الأنظمة في المنطقة لإدارة بايدن نفسها، وما تشكيل تحالف يجمع تركيا ودولاً عربية وإسرائيل وروسيا وربما الباكستان ومصر والمغرب، إلا هروب إلى الأمام في محاولة تشكيل جبهة ضغط على إدارة بايدن التي بدأت بنكء جراح ملفات حقوق الإنسان وملفات حرجة في تلك الدول ابتداء من المغرب مروراً بمصر والسعودية وإسرائيل واليمن وسوريا والباكستان وصولاً إلى روسيا، إنه تحالف المتضررين من سقوط ترامب، يقابله تحالف الراغبين بصعود بايدن من الأوروبيين والصين وكندا وأستراليا…ستقدم الأيام والشهور القادمة لنا نتائج لذلك الصراع المتشكل القائم.
————————-
القرار اتُخذ.. روسيا وإسرائيل: لا مكان لإيران وللأسد في سوريا الجديدة
تعمل روسيا على تحقيق مصالحها في سوريا، وجني أموالها التي ضختها في استثمار الحـ.ـرب السورية، ولا تعتبر روسيا المكاسب التي حصدتها من الثروات السورية والموانئ البحرية السورية مكسباً جيداً بل طُموح سعت لتحقيقه منذ 100 عام وحصدته الآن.
تريد روسيا من وجودها في سوريا قيادة البلد بوصفه بلد استقرار وقلب، وتعرف جيداً مدى ارتباط هذه المصلحة بالتحديد بمصالح إسرائيل داخل روسيا.
عندما عاملت روسيا إيران كبيدق حـ.ـرب
عملت روسيا منذ بداية تواجدها في سورية على معاملة إيران كبيدق حـ.ـرب لا أكثر، اعتمدت على المليـ.ـشيات الإيرانية البرية للتقدم البري، بينما كانت قواتها تقصـ.ـف من الجو.
لم تخسر روسيا بشرياً كما خسرت إيران، وكذلك مادياً إذا تعتبر الأموال الروسية التي ضخت في الحـ.ـرب السورية مستعاضة بشكل تلقائي.
اعتبرت روسيا الميدان السوري بمن فيه –إيرانيين وسوريين- حقل تجارب لأسـ.ـلحتها الجديدة، إذ اعترف الرئيس الروسي “فلادمير بوتين” بأن وزارة الدفـ.ـاع الروسية جربت في الميدان السوري أكثر من 70% من سـ.ـلاح الجـ.ـيش الروسي في سوريا.
وكان وزير الدفـ.ـاع الروسي ” سيرغي شويغو” قد ألمح خلال جولة له في معرض “المنتدى العسـ.ـكري الفني الدولي 2020″، أن الجيـ.ـش الروسي سيختبر عينات معينة من المعدات والأسلـ.ـحة من المعرض في سوريا.
وقال خلال مروره أمام مجمع “سابسان كونفوي” من إنتاج شركة “أفتوماتيكا” (الأتمتة) “هناك ضرورة لتطوير مثل هذه الوسائل.
إذا كان المجمع جاهزاً للاختبار، فلنختبره خلال تمرينات القيـ.ـادة والأركان الاستراتيجية – قوقاز 2020، وإذا أظهر نتائج إيجابية، فسنرسله إلى سوريا”، وطلب أن يتم تقليص الفترة الزمنية من مرحلة التصميم، كي يدخل السـ.ـلاح الجديد “الخدمة القتـ.ـالية”.
وتعاملت روسيا مع إسرائيل مرات عديدة لضـ.ـرب أهـ.ـداف إيرانية على الأرض، كما سهلت مرور طيرانها في الأجواء السورية لقصـ.ـف الأهـ.ـداف في محيط العاصمة دمشق وشمال شـ.ـرق سورية.
وقبل أقل من شهر انسحبت روسيا من مطار التيفور العسـ.ـكري الذي تسيطر عليه المليـ.ـشيات الإيرانية، مفسحة المجال للطيران الحـ.ـربي الإسرائيلي لقـ.ـصف المكان.
وعـ.ـزلت روسيا رجال الأسد من الصف الأول الذين أظهروا ميلهم ودعهم لإيران، ورفـ.ـضوا سحب المليـ.ـشيات الإيرانية من الحـ.ـدود مع الجولان السوري المحـ.ـتل، مثل “علي مملوك” و”جميل حسن” وغيرهم.
ترتيبات روسية إسرائيلية لسوريا ما بعد الأسد
تحدثت وكالة “نورث برس” في تقرير لها عن ترتيبات روسية جديدة تتعلق بمسار الحل السياسي للملف السوري، مشيرة إلى وجود مساعي تقودها موسكو بالتنسيق مع تل أبيب حول مستقبل سوريا بما يخدم مصالح الطرفين بالدرجة الأولى.
نقلت الوكالة عن مصادرها الخاصة أن القيادة الروسية تسعى عبر الترتيبات الجديدة إلى إبرام تهدئة بين إسرائيل وإيران و”حزب الله” اللبناني.
وأوضحت المصادر أن روسيا تسعى لتطبيق النموذج الموجود في قطاع “غزة” والتوصل إلى تهدئة بين إيران والجماعات التابعة لها على غرار التهدئة بين “حماس” وإسرائيل في القطاع.
وأشارت إلى أن الصفقة المحتملة بين روسيا وإسرائيل تتضمن العمل على إخراج القـ.ـوات الإيرانية والجماعات التابعة لها من الأراضي السورية.
ونوهت المصادر أن زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي “غابي أشكنازي” قبل أيام إلى موسكو مرتبطة بشكل وثيق ببحث الترتيبات الأمنية والسياسية المتعلقة بالملف السوري ومستقبل سوريا في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدها مؤخراً هذا الملف.
ولفتت أن الوزير الإسرائيلي ذهب إلى روسيا لمناقشة تلك الترتيبات والتأكيد على ضرورة أخذ المصالح الأمـ.ـنية الإسرائيلية بعين الاعتبار في أي خطوات مستقبلية متعلقة بالشأن السوري والحل هناك.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن القيـ.ـادة الروسية ترغب بأن تمـ.ـسك بزمام الأمور وأن تكون رائدة هذه الترتيبات من أجل حفظ مصالحها في سوريا بالدرجة الأولى.
واعتبرت المصادر أن جولة وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” إلى دول الخليج، تندرج في إطار الترتيبات الروسية الجديدة التي ناقشت الحل في سوريا ومستقبل رأس النظام السوري “بشار الأسد”.
وكشفت أن روسيا تناقش هذه المسألة مع عدة أطراف عربية من أهمها السعودية ومصر والأردن وقطر والإمارات.
وأشارت مصادر إلى أن الحراك الدبلوماسي الروسي والترتيبات الآنفة الذكر قد جعلت إيران قلـ.ـقة حول مستقبل تواجدها على الأراضي السورية.
وتحدثت عن قـ.ـلق تركيا كذلك الأمر من الجهود الروسية التي تسعى من خلالها إلى إخراجها من سوريا أيضاً إلى جانب خروج إيران.
وبدأت أنقرة مؤخراً بالتقارب من السعودية ومصر عبر فتح قنوات دبلوماسية، وذلك من أجل الحفاظ على موطئ قدم لها في سوريا ضمن الترتيبات الروسية الجديدة.
تجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” كان قد أعرب عن تأييده لموقف إسرائيل ضـ.ـد إيران والجماعات الموالية لها في سوريا.
وقال الوزير الروسي في مؤتمر صحفي جمعه بنظيره الإسرائيلي “غابي أشكنازي” بعد مباحثات مطولة بين الطرفين، “إن تل أبيب تحافظ على حقها في الدفـ.ـاع عن أمـ.ـنها وحمايته”، وذلك خلال رده على سؤال أحد الصحفيين حول موقف روسيا من الغـ.ـارات الإسرائيلية في سوريا.
كما أكد “لافرو”” على وجود توافق بين موسكو وتل أبيب بشأن أهمية التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية وشاملة للأوضاع في سوريا.
إبعاد إيران هو الحل
وقبل 15 يوم جرى اجتماع أمني كبير جرى في مدينة “العـ.ـقـبة” الأردنية جمع كبار المسؤولين في الأجهزة الأمـ.ـنية من روسيا وتركيا ومصر والأردن وسوريا ودول خليجية.
من أجل بحث عدة مسائل متعلقة بالتوصل إلى حل حقيقي وشامل للملف السوري خلال المرحلة المقبلة بتوافق بين الدول المشاركة.
وتوافق المجتمعون على عدة نقاط رئيسية، من أهمها استثناء إيران من هذا المسار الجديد للحل في سوريا.
وقالت صحيفة “إيلاف” عن مصادرها الخاصة المطلعة على تفاصيل الاجتماع أن قادة الأجهزة الامـ.ـنية، قد بحثوا خلال الاجتماع سبل تقديم الدعم للسوريين وإعادة اللاجئين إلى بلادهم بعد إجراء تغييرات جذرية على النظام السياسي في سوريا.
كما تحدثت الصحيفة عن وجود توافق على تشكيل مجلس عسـ.ـكري أعلى يترأسه شخص مقبول من جميع الأطراف لقيادة سوريا في المرحلة المقبلة.
وحول تفاصيل إقامة المجلس العسـ.ـكري، قالت الصحيفة إن المرحلة الأولى سيتم خلالها العمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ومن ثم البدء بعملية إعادة الإعمار في أنحاء البلاد.
وبنفس السياق، صل وفد من حـ.ـزب الله إلى مقر وزارة الخارجية الروسية في موسكو وهذه أول زيارة من نوعها تتم بين الطرفين.
استقبل وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” ممثل عن حـ.ـزب الله اللبناني فيما اعتبر مراقبون أن روسيا تقوم بـ “تدليل” الحـ.ـزب الذي تعتبره منافساً لها في سورية.
ولطالما عملت روسيا على إبعاد قـ.ـادة حـ.ـزب الله من الجنوب السوري، لا بل وساعدت في قـ.ـتل “سمير قنطار” الذي كان يعمل على تأسيس “حـ.ـزب الله السوري” جنوب العاصمة دمشق في غـ.ـارة إسرائيلية.
أبعدت روسيا رجال الصف الأول في نظام الأسد عن مراكز صنع القرار وعـ.ـزلتهم، البعض منهم اخـ.ـتفى أثره نهائياً في الساحة السورية، والسبب أنهم كانوا يميلون لإيران أكثر من ورسيا، وعـ.ـارضوا ضـ.ـرب الوجود الإيراني ووجود حـ.ـزب الله جنوب سوريا، على الحـ.ـدود مع هضبة الجولان السوري المحـ.ـتل.
بخصوص استقبال روسيا لنواب حـ.ـزب الله في العاصمة “موسكو” كشف موقع “Imlebanon” عن قـ.ـيام روسيا بتقديم عرض على ميـ.ـليشيا “حـ.ـزب الله” اللبناني متعلق بسوريا، قبيل انتخابات الأسد المزعومة.
وأضاف المصدر أن الروس عـ.ـرضوا على وفد الحـ.ـزب الذي زار موسكو قبل أيام الانسحـ.ـاب الكامل من سوريا، قبل موعد الانتخـ.ـابات الرئاسية المزعـ.ـومة، التي يعتـ.ـزم الأسد إجراءها.
وأوضح الموقع أن المسؤولين الروس أكدوا للحـ.ـزب أن سبب مطلـ.ـبهم ذاك هو الرغبة بتخفيف نقمة شـ.ـرائح كبيرة من الشعب السوري على تواجد الميلـ.ـيشيا داخل سوريا.
أشارت المصادر إلى أن وفد الحـ.ـزب عارض المطلب الروسي بذريـ.ـعة أن تواجد الميليـ.ـشيا اللبنانية في سوريا ضروري لحماية المراقد الشيـ.ـعية ولمحـ.ـاربة الإرهـ.ـاب، على حد زعـ.ـمه.
أخبار اليوم
—————————–
“آلة أكاذيب” الحرب الروسية في سوريا..تتدحرج في العالم
استنتج مقال نشرته صحيفة “اندبندنت” البريطانية بعنوان: “كيف أعادت حرب المعلومات المضللة في سوريا تشكيل العالم”، أن “السوريين دفعوا ثمناً لا يمكن تخيّله لثورة بلادهم التي اندلعت عام 2011، إذ دُمّر بلدهم ومُحيت مجتمعاتهم العزيزة عليهم وفقدوا أحباءهم، وتشرد نصفهم ونزح 6 ملايين منهم إلى الخارج”.
وأضاف التقرير “لكن العالم أيضاً دفع ثمن الحرب الأهلية السورية، لأنه تركها تتكشف أمام ناظريه، ما جعل آلة الأكاذيب التي غذّت النزاع والورقة البيضاء التي أُعطيت لرعاة الأسد الأجانب ومن ساعدوه في الغرب تتدحرج كالدومينو لإعادة تشكيل العالم”.
وقال كاتب التقرير بورزو دارغاهي إن “آلة الأكاذيب انطلقت بتأمين روسيا، الراعي الأقوى لنظام بشار الأسد، دعاية مضللة لصالح دمشق امتثل لها العالم بعدما غرق خلال العامين الأولين لإندلاع الثورة في الروايات الكثيرة عن طبيعة الصراع في سوريا وأصله”.
وتابع أن “الدعاية الفعالة للنظام وحلفائه سمحت بتجاهل قواعد الحرب، وبسحق طائرات الميغ الروسية والميليشيات الإيرانية الانتفاضة. لكن الحرب الأهلية وحملة التضليل التي رافقتها لم تكن سوى نذرٍ يسيرٍ لتصاعد الأزمة في حقبة ما بعد الحقيقة”.
وأشار الكاتب إلى أنه “في عام 2014، بعد عام من الهجوم بالأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية والذي أسفر عن 1729 قتيلاً حسب مصادر المعارضة، استخدم الكرملين الخليط ذاته من العنف والتضليل على وسائل التواصل الاجتماعي لغزو منطقة القرم الأوكرانية بنجاح، وضمها الى أراضيه”.
واعتبر أن “المزج ذاته بين المعلومات المضللة اليمينية المتطرفة الزائفة التي أشعلتها روسيا والشكوك اليسارية الساذجة المستوحاة من الكرملين، غذّت القوى التي قادت بريطانيا إلى التصويت بفارق ضئيل لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2015”.
كما رأى دارغاهي أن “الأكاذيب المعادية للمهاجرين والمسلمين التي روّجت لها روسيا وجددها حلفاؤها أشعلت حركات اليمين المتطرف في أنحاء العالم”. وأضاف أن “المشروب السام ذاته من المعلومات المضللة اليمينية المدعومة من روسيا والمشاعر الزائفة الحادة من اليسار شجعت عدداً كافياً من الناخبين على البقاء في المنزل، أو التصويت لمرشحة حزب الخضر جيل شتاين في الولايات الأميركية الرئيسية، ما سمح لدونالد ترامب بالفوز في انتخابات 2016”.
أما بحلول وقت فوز جو بايدن بانتخابات 2020 فكانت مساحة ما بعد الحقيقة التي شكلتها روسيا ومخدروها في الغرب قد اتخذت حياة خاصة بها. واعتقد المتمردون المخدوعون بأن بايدن سرق بطريقة ما إحدى أكثر الانتخابات شفافية في العالم.
——————————-
خمسة «جيوب داعشية» وسط سوريا وشرقها
توسيع سجون عناصر التنظيم بدعم أوروبي
الحسكة: «الشرق الأوسط»
إلى جنوب نهر الفرات، تقع 5 جيوب منعزلة، لا تزال خاضعة لسيطرة مسلحي تنظيم «داعش»، أكبرها يقع بالقرب من قرية إثريا التابعة لمحافظة حماة، بينما يقع الجيب الثاني بين منطقتي الرصافة والمنصورة، جنوبي محافظة الرقة، والجيب الثالث شرق بلدة السخنة في ريف تدمر، وتتبع مدينة حمص، في حين يمتد الرابع باتجاه الشرق، بمحاذاة الحدود العراقية، ويقع الجيب الخامس جنوبي مدينة دير الزور، بين بلدتي الميادين والخشام.
وشنّ عناصر التنظيم 66 عملية إرهابية استهدفت نقاطاً وتجمعات عسكرية ومدنية في المناطق الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) منذ بداية العام الحالي، منها 8 عمليات في مدينة الرقة وريفها، و6 عمليات في ريف الحسكة، و52 عملية في ريف دير الزور الشرقي، بحسب حصيلة نشرتها وكالة «نورث برس» المحلية.
وتسببت العمليات في مقتل 50 شخصاً، في حين نجا 16 آخرون من العمليات التي تبناها التنظيم، في الوقت الذي تعرض بعضهم لإصابات سببت لهم إعاقات جسدية، إضافة إلى مقتل 29 شخصاً في مخيم الهول شرقي الحسكة، معظمهم من اللاجئين العراقيين. وتتهم سلطات الإدارة الذاتية خلايا موالية للتنظيم بتنفيذ تلك الجرائم.
وبدأ التحالف الدولي في توسيع «سجن الصناعة» في الحسكة، شمال شرقي سوريا، وهو سجن مخصص لاحتجاز عناصر يشتبه بانتمائها سابقاً إلى تنظيم «داعش». وتضم هذه المنشأة نحو 5 آلاف محتجز من بين قرابة 12 ألفاً يتحدرون من 50 جنسية غربية وعربية، ويشكل العراقيون النسبة الأكبر منهم، بعد رفض جميع الحكومات استعادة رعاياها ومقاضاتهم على أراضيها.
وقال قيادي في «قسد» المدعومة من واشنطن، إن التوسعة ستضاعف مساحة سجن الصناعة المزدحم على أطراف حي غويران جنوبي المدينة، وتحويل البناء الذي كان سابقاً مدرسة تعليمية، إلى سلسلة مبانٍ تتألف من ثلاث كتل منفصلة، لتوزيع آلاف النزلاء من أسرى التنظيم، حتى تتطابق مع معايير اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وأشار القيادي إلى أن الهدف من التوسيع هو تمكين قوى الأمن ومكافحة الإرهاب من التحكم وضبط الأمن، وتفريق السجناء بشكل أكبر، لمنع تأسيس شبكات سرية داخل السجن، بعدما شهد حوادث استعصاء وفرار جماعية. وشدد القيادي على أن «كثافة النزلاء، مقارنة مع عدد حراس السجن، تجعل مثل هذه العمليات محفوفة بالمخاطر، وتبقي الحراسة في حالة استنفار».
وبقيت قضية أسرى «داعش» مشكلة عالقة لدولهم وعائلاتهم. وقال فنر الكعيط، نائب رئيس دائرة العلاقات الخارجية لدى الإدارة الذاتية، إن بريطانيا تشرف على عمليات التوسيع وتقدم الدعم اللوجيستي. وأضاف «نتعاون مع الحكومة البريطانية لإيجاد معتقلات ضمن المواصفات العالمية، فهؤلاء الأسرى يشكلون خطورة كبيرة، والسجون الموجودة ضمن مناطقنا ليست معتقلات في الأساس، ونحن في حاجة إلى دعم دولي لتأمين هذه المعتقلات». وأشار إلى أن السجون الحالية عبارة عن مدارس أو أبنية قديمة، واعتبر عملية تمويل مشروع توسيع سجن الصناعة: «خطوة غير كافية لوضع حل نهائي لملف الأسرى وعائلاتهم، القاطنين في مخيم الهول شرقي الحسكة».
وفي سنة 2019، سلمت دائرة العلاقات الخارجية 170 سيدة و177 طفلاً من أسر «داعش» إلى حكوماتهم. أما في العام الماضي، فقد سلمت 246 طفلاً و36 سيدة، أي ما مجموعه 629، منهم 206 نساء و423 طفلاً. وأوضح الكعيط، أن هذه الأرقام دون المطلوب، حيث «نطالب المجتمع الدولي بوضع حلول جذرية. هناك الكثير من المخيمات، بينها مخيم الهول، الذي ازدادت فيه العمليات الإرهابية وحالات القتل». وحذر من قدرة التنظيم على إعادة توحيد صفوفه، قائلاً «(داعش) بدأ يُعيد تنظيم صفوفه داخل المخيمات وخارجها».
ويشكل ملف المحتجزين الأجانب وعائلاتهم عبئاً كبيراً على الإدارة الذاتية، التي طالبت مراراً بلدانهم باستعادتهم، وقوبلت دعواتها والنداءات الأميركية برفضٍ من قبل غالبية الدول. وطالب فنر الكعيط بضرورة إنشاء محكمة خاصة ذات طابع دولي في هذه المناطق؛ نظراً لوجود كثير من الأدلة والوثائق والشهود التي تدين هؤلاء، وستتم محاكمتهم وفق القوانين والمعايير الدولية. وأضاف، أن الاختصاص القانوني للمحكمة سيكون على أساس مكان وقوع الفعل الإجرامي ومكان الاعتقال.
وكشف الكعيط عن أنهم يدرسون مع حكومات أوروبية تشكيل محكمة دولية خاصة ذات طابع مختلط، لمحاكمة أسرى التنظيم، والنساء المتورطات في عمليات قتالية. وأضاف «نتداول هذا المقترح مع دول الاتحاد الأوروبي؛ حتى تشارك فيها الدول التي لها رعايا معتقلون أو متواجدون في مخيمات شمال وشرق سوريا». وشدد على أن أطفال مسلحي التنظيم «يكبرون، فأطفال (داعش) يكبرون يوماً بعد يوم، والبعض منهم أبرياء مما ارتكبه آباؤهم، ونأمل الإسراع بتشكيل المحكمة».
الشرق الأوسط
———————–
«داعش» بعد سنتين من الهزيمة… خلايا نائمة بلا «ذئاب منفردة»
فروع للتنظيم تتمدد في العالم وأخرى تنحسر
لندن: كميل الطويل
في مثل هذه الأيام قبل عامين، خسر تنظيم «داعش» بلدة الباغوز، معقله الأخير في شرق سوريا. «الدولة» التي أقامها عام 2014 وامتدت على مساحة توازي تقريباً مساحة المملكة المتحدة، كانت قد تقلّصت في مارس (آذار) 2019 إلى بلدة صغيرة واحدة على ضفاف نهر الفرات بريف دير الزور. قاتل «داعش» في الباغوز حتى الموت، لكنه هُزم.
هل هُزم «داعش» حقاً؟ ما هو وضعه اليوم؟ ماذ يفعل زعيمه؟ ما مصير فروعه؟ أين «ذئابه»؟ هذا التقرير يحاول الإجابة عن هذه التساؤلات؟
مع سقوط الباغوز، أعلن الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترمب، الذي قادت بلاده تحالفاً دولياً ضد «داعش»، أن التنظيم «هُزم 100 في المائة». أثار كلام ترمب يومها تكهنات بأنه ربما تسرّع في الحكم على «نهاية داعش»، مثلما تسرّع سلفه جورج دبليو بوش عام 2003 بإعلان أن «المهمة أُنجزت» في العراق بهزيمة صدام حسين. صدّام هُزم حقاً آنذاك، لكن الأميركيين سرعان ما وجدوا أنفسهم غارقين في مستنقع عراقي التهم 4478 قتيلاً و32 ألف جريح من جنودهم. كما سمح ذلك «النصر» على صدام بتحويل العراق إلى معقل لمعارضي الأميركيين، من ميليشيات شيعية مرتبطة بإيران أو جماعات سنية سرعان ما هيمن عليها تنظيم «القاعدة». ومع انسحاب الأميركيين من العراق عام 2011، تمكن تنظيم «القاعدة» من خلال جماعة يهيمن عليها، وتحمل اسم «الدولة الإسلامية في العراق» من استعادة زمام المبادرة، وعاود تمدده في المدن العراقية، بل تمدد أيضاً داخل سوريا المجاورة، مستغلاً الفوضى التي أعقبت بدء الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
وإذا كان بوش قد تسرّع بلا شك في إعلان «إنجاز المهمة» في العراق، فإنه ربما ما زال مبكراً الآن الحكم عما إذا كان ترمب قد تسرّع بدوره في إعلان هزيمة «داعش» 100 في المائة، علماً بأنه كان يقصد آنذاك أن «دولة داعش» قد هُزمت، بحكم أنه لم يعد لها وجود بعد معركة الباغوز، وهو مصيب في ذلك.
– عودة «داعش»؟
توحي عمليات «داعش» حالياً، سواءً في سوريا أو العراق، بأن الوضع يشبه، إلى حد ما، ما حصل مع فرع التنظيم العراقي عام 2011. آنذاك، كانت «الدولة الإسلامية في العراق» مهزومة، فانكفأت إلى عمق الصحراء والمغاور الجبلية وضفاف نهري دجلة والفرات، حيث أعادت تنظيم صفوفها، قبل الانقضاض على المدن العراقية. وتوحي العمليات المتصاعدة التي يقوم بها «داعش» حالياً بأنه يعيد تكرار التجربة العراقية: تنظيم صفوفه في الصحراء والمغاور، لكنه لم يصل بعد إلى مرحلة محاولة الخروج من مخابئه للسيطرة على المدن.
وعلى رغم أن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن عدد عناصر «داعش» حالياً في سوريا والعراق يبلغ قرابة 10 آلاف عنصر، فمن الواضح أن التنظيم لم يقرر بعد الانتقال إلى مرحلة محاولة شن هجمات على المدن والبلدات الكبيرة، مكتفياً بهجمات الكر والفر والتفجيرات والاغتيالات. ولا شك أن «داعش» يعرف أنه بهذا العدد من المقاتلين (الذين يُضاف إليهم آلاف آخرون من خلايا الدعم والمناصرين) يمكنه أن يشنّ هجمات على مدن وبلدات، لكنه يعرف أن مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة عملية انتحارية تقضي على عناصره، بحكم امتلاك السلطات السورية والعراقية، من خلال الروس أو الأميركيين، سلاح جو يمكن أنه يقضي على أي قوة مهاجمة أو منسحبة.
– فروع التنظيم
وفي حين يبدو أن «داعش الأم» في سوريا والعراق ما زال حالياً في طور إعادة بناء صفوفه، تبدو صورة فروع التنظيم حول العالم مشوشة بعض الشيء. فبعضها يحقق نجاحاً ويتوسع، في حين البعض الآخر ينحسر ويتلاشى.
ففي ليبيا، تعرض «داعش» لنكسة قوية في عام 2017، بعدما خسر آلاف المقاتلين الذين جمعهم في مدينة سرت، عاصمته على سواحل البحر المتوسط. قاتل التنظيم على مدى 7 أشهر، لكنه هُزم في نهاية المطاف. ومنذ ذلك الحين، بات وجود «داعش» محصوراً في بؤر صغيرة في عمق الصحراء، جنوب ليبيا. وعلى رغم استمرار هجماته، فإن هذه البؤر تقلصت إلى حد كبير.
وفي تونس المجاورة، ينحصر نشاط «داعش» حالياً في مناطق جبلية على الحدود مع الجزائر، بعد فشله في محاولة إقامة «إمارة» في بن قردان، في جنوب البلاد، في مارس (آذار) 2016.
أما في الجزائر، فقد تمكنت قوات الأمن من القضاء على جماعة «جند الخلافة»، فرع «داعش» المحلي، بعد وقت قصير من بدء عملياته، عام 2014، بخطف سائح فرنسي وقطع رأسه.
وفي شبه جزيرة سيناء، انكفأ فرع «داعش» أيضاً، بعدما شن الجيش المصري عمليات واسعة قضى فيها على مخابئ التنظيم، الذي كان عناصره في مرحلة ما يسرحون ويمرحون بلا رادع في عدد من المدن الكبيرة في سيناء. وعلى رغم التراجع الواضح لفرع «داعش» في سيناء، فإنه ما زال يعلن من فترة لأخرى قتله من يشتبه بتعاونهم مع قوات الأمن.
وفي أفغانستان أيضاً، تراجع نشاط فرع «داعش» المحلي، نتيجة عمليات قامت بها قوات الأمن، بدعم أميركي، إلى معقله في ننغرهار في شرق البلاد، من دون أن يؤدي ذلك إلى تراجع قدرته على إرسال انتحاريين يفجّرون أنفسهم في العاصمة كابل ومدن أفغانية أخرى.
والأمر نفسه ينطبق على الفلبين، التي شهدت توسعاً كبيراً لفرع «داعش»، بعد سيطرته على مدينة مراوي المهمة في جنوب البلاد عام 2017، قاتل «داعش» حتى الموت في هذه المدينة، لكن قوات الأمن الفلبينية استطاعت انتزاعها منه، بعد معارك ضارية أسفرت عن تدمير أجزاء واسعة منها، وقتل قادة التنظيم الأساسيين. ومنذ ذلك الوقت، تراجعت عمليات «داعش» إلى حد كبير، لكنها لم تنته.
في مقابل هذا الانحسار، تمكن «داعش» من التمدد، لا سيما في أفريقيا؛ إذ سجّل توسعاً كبيراً في بلاد الساحل ما وراء الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا، حيث يتنافس على النفوذ مع جماعات موالية لمنافسه تنظيم «القاعدة». كما سجل «داعش» حضوراً قوياً في بلدان لم يكن له وجود فيها من قبل، مثل شمال موزمبيق وجنوب تنزانيا، حيث ينشط من خلال جماعة تُعرف بـ«الشباب» أو «أنصار السنّة»، أو في الكونغو الديمقراطية (من خلال تحالف جماعات محلية).
– أبو إبراهيم ـ أبو بكر
بعد أشهر من هزيمة «داعش» في الباغوز، مُني التنظيم بضربة أخرى لا تقل شدة. ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، نفذت قوات كوماندوس أميركية عملية ضد مخبأ زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، في ريف إدلب، على مسافة قصيرة من الحدود التركية. قُتل البغدادي في العملية، وخسر «داعش» الوجه الذي ارتبط بصورة التنظيم في أوج ذروته.
اختار «داعش» زعيماً جديداً له باسم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي. ورث هذا الرجل «دولة» لا وجود لها سوى على الورق. أما جنوده الذين كانوا يوماً يُعدّون بعشرات الآلاف، فقد تشتتوا بين قتيل ومعطوب وأسير. وبدا تنظيم القرشي هيكلاً عظمياً لتنظيم البغدادي. فمعظم قادته الكبار، الذين صنعوا أسطورة «دولة داعش… الباقية وتتمدد»، قُتلوا في المعارك أو الضربات الجوية. أيضاً، الهزائم التي مُني بها التنظيم على مدى السنوات الماضية، أتاحت لأجهزة الأمن العراقية والسورية بحر معلومات ووثائق واعترافات تشرح تفاصيل عمل التنظيم وهيكليته، وهو ما سمح، كما يبدو، وفي أكثر من مرة، للقوات العراقية باعتقال أو قتل قادة في التنظيم.
وليس واضحاً بعد ما إذا كان انكفاء زعيم «داعش» الجديد، وغياب إصدارته الصوتية أو المرئية، وتركيزه فقط، كما يبدو، على إعادة بناء تنظيمه، سيؤدي إلى وضع مشابه لما حصل مع «القاعدة» وفروعها من قبل. ففي حالة «القاعدة»، أدى اختباء قادة «التنظيم الأم» في وزيرستان، وانقطاع التواصل أحياناً بينهم وبين فروعهم، إلى تضخم دور الفروع على حساب «القيادة العامة»، وهو ما ظهر جلياً من خلال تمرد الفرع العراقي على أوامر القيادة في وزيرستان، على خلفية النزاع في سوريا.
– الذئاب المنفردة
في أوج نفوذ «داعش»، كان هذا التنظيم قادراً على التباهي بأنه لا يحكم فقط «دولة» مساحتها بحجم مساحة بريطانيا العظمى وسكانها أكثر من سبعة ملايين نسمة، بل إن لديه كذلك «جنوداً» حول العالم، يتحولون بكلمة إلى قنابل موقوتة قادرة على قتل وجرح مئات المدنيين في دول الغرب. ضرب «ذئاب داعش» في بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، والنمسا، وكندا، والولايات المتحدة، وأستراليا، وسريلانكا، والكثير من البلدان الأخرى.
وبعد هزيمة «داعش» وانهيار «دولته»، تراجعت هجمات «الذئاب المنفردة»، وأخذت تتناقص يوماً بعد يوم. وكان لافتاً أن بريطانيا، التي عانت من سلسلة طويلة من هجمات «ذئاب داعش»، قررت في فبراير (شباط) الماضي، خفض درجة التأهب الأمني درجة واحدة، من «خطير» إلى «كبير»؛ ما يعني أنهم باتوا مقتنعين بأن خطر هؤلاء بات منخفضاً، من دون أن يعني ذلك تجاهل احتمال تجدده كلياً في أي وقت.
————————-
أميركا باقية في سوريا لمنع عودة «داعش»
مسؤولون عسكريون فيها أكدوا دعم «قسد» شرق الفرات
واشنطن: معاذ العمري
أكد عدد من المسؤولين الأميركيين بقاء القوات العسكرية الأميركية في شمال شرقي سوريا إلى أجل غير مسمى، وذلك لمحاربة «داعش» ودعم القوات المحلية التي تقاتل التنظيم الإرهابي في شرق نهر الفرات.
وقال عدد من المسؤولين العسكريين إن القوات الأميركية باقية ولن تغادر، وليست هناك أي بوادر للمغادرة من البلاد قريباً، الأمر الذي يعده البعض مسانداً للعمليات السياسية التي ترغب الولايات المتحدة في تحقيقها بالملف السوري، ودعم «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شرق سوريا، التي تأخذ الجهد الأكبر ميدانياً في محاربة «داعش»، والإشراف على السجون ومخيمات الإيواء لذوي وأهالي عناصر التنظيم.
وفي تحقيق صحافي نشرته صحيفة «ديفينس ون»، كشفت عن انخفاض التفاعل العسكري والتنسيق الميداني بين القوات الأميركية والروسية في سوريا، وأن بعض المناطق في سوريا ربما تشكل تهديداً لعودة تشكيل تنظيم «داعش» الإرهابي مرة أخرى، ولكن ليس بالقوة نفسها التي كان عليها من قبل عندما كان يسيطر على مناطق وأراضٍ شاسعة في سوريا والعراق. كما يستخدم الجيش الأميركي أيضاً بشكل روتيني القنوات الرسمية لفك تعارض تحركاته مع الجيش الروسي، ليس فقط للحفاظ على سلامة قواته، ولكن لضمان أن مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية الذين يعملون مع الولايات المتحدة قادرون على الحفاظ على تركيزهم في قتال «داعش».
وفي إحدى القرى والبلدات الريفية السورية، يواجه الجيش الأميركي رفضاً واستنكاراً من الأهالي هناك، إذ يتم رشقهم تارة بالحجارة وتارة أخرى بـ«الفواكه»، من قبل أطفال تلك القرى والبلدات، وربما تكون تلك الطرق «رسائل سياسية» ضمنية تطلب تلك القوات مغادرة البلدة والخروج من هناك، ويرى الكثير أن الوجود الأميركي يمثل ثقلاً استراتيجياً موازناً للنفوذين الروسي والإيراني في المنطقة، ومهماً بسبب المناورات الجيوسياسية من قبل القوى الإقليمية الأخرى لتأسيس نفوذها في سوريا.
وعلى الرغم من وجود جيوب من مقاتلي «داعش» لا يزالون نشطين داخل البلاد، لا سيما في المناطق غير الخاضعة للنظام مثل «صحراء البادية»، فإنهم يفتقرون إلى القدرة على استعادة الأراضي. ويصف كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين ما تبقى من المجموعة على أنه تمرد منخفض المستوى، له قواسم مشتركة مع عصابة إجرامية أكثر من أنه تابع لمجموعة إرهابية عابرة للحدود، التي كانت تسيطر في السابق على منطقة بحجم بريطانيا.
ويقول اللفتنانت جنرال بول كالفيرت، قائد مهمة مكافحة «داعش» التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وسوريا، إن «القوات الأميركية لن تعود إلى الوطن في أي وقت قريب»، معللاً ذلك بأن «(داعش) لا يزال قادراً على إنشاء معسكرات تدريب وبنية تحتية أخرى داخل صحراء البادية»، وهي المناطق التي لا توجد بها الولايات المتحدة، ولا يزال التنظيم قادراً على تنفيذ هجوم عرضي رفيع المستوى.
وأضاف: «أعتقد أن قدرة داعش على الظهور منخفضة للغاية في الوقت الحالي، لكن الإمكانات موجودة دائماً، لأنه لا يُمارس كثيراً من الضغط عليهم في صحراء البادية، ومستوى التعقيد في سوريا هائل، وربما يكون إحدى أكثر البيئات تعقيداً التي رأيتها خلال 33 عاماً كنت أخدمها».
ويصر المسؤولون العسكريون على أن مهمتهم الوحيدة في سوريا هي الهزيمة الدائمة لـ«داعش»، في الوقت الذي يقوم فيه المستشارون باستخدام «الأموال الأميركية» بتنفيذ مجموعة من الوظائف الموجهة لتعزيز الاستقرار المحلي ومنع عودة «داعش»، بما في ذلك المساعدة في دعم السجون المؤقتة التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تضم الآلاف من مقاتلي «الدواعش»، كما أنهم يتصارعون مع الأزمة الإنسانية والأمنية داخل مخيم الهول مترامي الأطراف الذي يضم نحو 65 ألف من زوجات وأطفال داعش.
بدوره، أكد الميجر جنرال في الجيش البريطاني كيفين كوبسي، نائب قائد مهمة مكافحة «داعش»، أن جزءاً من مهام قوات التحالف هو دعم قوات «قسد»، قائلاً: «كلما استطعنا دعم قوات سوريا الديمقراطية في ملاحقة داعش، قل شعورهم بالضعف أو تشتت انتباههم بسبب تصرفات النظام أو الروس أو الأتراك في الشمال، ونحن هنا للتأكد من أنهم لا يزالون قادرين على الاستمرار في رعاية المحتجزين بمخيمات الهول، لأن لديهم فقط قوات محدودة للقيام بكل هذا».
وتحدث كثير من وسائل الإعلام الأميركية أن الرئيس جو بايدن يفكر في إلغاء تراخيص حقبة الحرب على الإرهاب، التي من شأنها تمنح الإدارة التنفيذية في البيت الأبيض تفويضاً بشأن استخدام القوة العسكرية.
يأتي ذلك وسط ضغوط على بايدن من المشرّعين في الكونغرس، ما دفع الإدارة إلى مراجعة كل التفويضات الحكومية باستخدام القوة العسكرية بما في ذلك الوجود الأميركي في سوريا.
ويقود مجلس الأمن القومي، المراجعة العسكرية ويدرس الاستراتيجيات السابقة في ضوء التهديدات الإرهابية الجديدة، وذلك للوصول إلى وضع مبادئ توجيهية مؤقتة بشأن استخدام القوة العسكرية، بيد أن المتغيرات والأحداث الميدانية لها كلمة الفصل على تلك التغييرات السياسية التي قد تنتج عن مراجعة الرئيس، وربما يكون للمجلس التشريعي (الكونغرس) دور في اتخاذ القرار أيضاً.
———————————–
عامان على هزيمة داعش في سوريا.. الخطر قائم والتحالف يتوعد “العدو“
في الـ23 من مارس 2019 أعلن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، هزيمة داعش في سوريا، لتطوى بذلك نحو خمس سنوات من سيطرة التنظيم المتشدد على مناطق في سوريا، والتي كان آخرها قرب الضفة الشرقية لنهر الفرات.
وتوجت هزيمة التنظيم بمقتل، أبو بكر البغدادي، في أكتوبر 2019 في عملية عسكرية أميركية في محافظة إدلب السورية.
ورغم إعلان هزيمة داعش، لا يزال خطر التنظيم قائما في خارطة النزاع الذي يدور في سوريا، حيث يسيطر عناصره على بعض المناطق، تشكل منطلقا لهجماته ضد المدنيين.
ويواصل التحالف الدولي لمحاربة التنظيم عملياته للشهر الـ 78 على التوالي، في المناطق التي لا يزال داعش يواصل نشاطاته فيما.
والقضاء على “دولة الخلافة”، التي أعلنها زعيم التنظيم السابق، أبو بكر البغدادي، في العام 2014، بعد سيطرة مقاتليه على مساحات شاسعة في سوريا والعراق المجاور، لا يعني انتهاء خطر الهجمات الدامية التي ينفذها التنظيم خصوصا في مناطق بأقصى شرق سوريا.
قوات التحالف تعزز قواعدها
وأكدت الولايات المتحدة أن تحرير الأراضي في العراق وسوريا كان نقطة تحول مهمة في القتال ضد تنظيم داعش، “إلا أن مهمتنا لم تكتمل بعد”.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان، الثلاثاء، بمناسبة الذكرى الثانية لطرد التنظيم من مناطق سيطرته في العراق وسوريا، إن “التحالف الدولي لا يزال متحدا في تصميمه على تدمير هذا العدو، وسيواصل جهوده ضد التنظيم في العراق وسوريا ودول أخرى”.
وأكد البيان أن الولايات المتحدة “ملتزمة بشدة بالتحالف الدولي، والهزيمة الدائمة لداعش”.
وقال بيان الوزارة إنه “قبل عامين، حرر التحالف العالمي لهزيمة داعش، مع شركائنا المحليين، جميع الأراضي التي يسيطر عليها داعش في العراق وسوريا”، مضيفا أن هذا الانجاز هو “علامة رئيسية في طريق الجهود الرامية إلى ضمان الهزيمة الدائمة لهذه الجماعة الإرهابية”.
وخلال الشهر الماضي، عززت قوات التحالف قواعدها في شمال شرق سوريا، حيث عبرت 165 شاحنة وآلية قادمة من إقليم كردستان، تحمل معدات لوجستية وعسكرية.
ونشرت القوات الأميركية منظومة دفاعية للطيران المسير والصواريخ، وذلك ضمن حدود قاعدة “حقل العمر النفطي” بريف دير الزور.
وبعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001، سمح الكونغرس للسلطة التنفيذية بالقيام بعمليات عسكرية غير محدودة ضد الإرهاب، ويعتمد البنتاغون على هذا التفويض لتبرير السيطرة على حقول النفط في شمال شرق سوريا، والتي تعود إيراداتها إلى قوات سوريا الديمقراطية.
وتشير معلومات المرصد أنه سيتم تركيب أنظمة دفاع جوي في جميع قواعد التحالف المنتشرة في شمال وشرق سوريا، وذلك من أجل تحييد أي محاولات لاستهدافها من قبل الميليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة.
التحالف والمختطفين لدى داعش
وخلال شهر فبراير، شاركت قوات التحالف في ثماني عمليات أمنية مشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية، حيث أجريت عمليات مداهمات وإنزال جوي، حيث ألقي القبض على العشرات من ريف دير الزور والحسكة.
ويشير المرصد إلى أنه رغم مرور 24 شهرا على إعلان هزيمة التنظيم، لا يزال مصير آلاف المختطفين لدى داعش غير معروف.
وقال إن تنظيم داعش ربما هزم من ناحية وجوده كقوة مسيطرة على الأرض، لكنه لا يزال يمارس نشاطات عديدة في شمال وشرق سوريا، وخلال الفترة الماضية تصاعد نشاطه، ومنذ 2018 وحتى الآن، تمكن التنظيم من اغتيال أكثر من 700 شخصا من بين صفوف المقاتلين والمدنيين والعاملين في المجال النفطي هناك.
عائلات داعش تشكل تحديا
وأحيت قوات سوريا الديمقراطية، الثلاثاء، مرور مرور عامين على إعلانها القضاء على “خلافة” تنظيم داعش الذي رغم خسائره، ما زال يشكل مصدر تهديد لخصومه.
وبعد انتهاء آخر المعارك ضد التنظيم في قرية الباغوز في 23 مارس 2019، وجدت قسد، نفسها أمام تحد آخر يتمثل في مصير عشرات الآلاف من مقاتلي التنظيم وأفراد عائلاتهم من جنسيات مختلفة، المحتجزين في سجونها وفي مخيمات مكتظة تشهد حوادث أمنية.
وفي حقل العمر النفطي في صحراء دير الزور، نظمت قوات سوريا الديموقراطية عرضا عسكريا الثلاثاء، بحضور ممثلين عن التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وجددت القوات في بيان تلاه متحدث باسمها التحذير من أن “القضاء على آخر رقعة جغرافية لإرهابيي داعش في شمال وشرق سوريا.. لا يعني زواله بشكل تام”.
ونبهت إلى أن المرحلة الحالية تعد “الأصعب في مواجهة الإرهاب، وأصعب من مرحلة مقارعة داعش وجها لوجه” كما أنها “الأخطر”.
البادية السورية
وبعد انتهاء سيطرة التنظيم جغرافيا، انكفأ مقاتلوه بشكل رئيسي إلى البادية السورية الممتدة بين محافظتي حمص ودير الزور عند الحدود مع العراق.
وتحولت تلك المنطقة مسرح اشتباك بين التنظيم وقوات النظام السوري المدعومة من روسيا.
وقدرت لجنة مجلس الأمن الدولي العاملة بشأن تنظيم داعش ومجموعات متشددة أخرى الشهر الماضي وجود 10 آلاف مقاتل من التنظيم “ناشطين” في سوريا والعراق.
وتوفر البادية السورية في دير الزور، بحسب التقرير، “ملاذا آمنا لمقاتلي” التنظيم الذين أنشأوا “علاقات مع شبكات تهريب تنشط عبر الحدود العراقية”.
الحرة – واشنطن
—————————–
تقرّب رياض حجاب من “إخوان” سوريا والجولاني… هل من مشروع لتقسيم سوريا؟/ عبدالله سليمان علي
ما بين انشقاقٍ ملتبس ما تزال تدور حوله الكثير من الشكوك والتساؤلات، وإعادة تلميع مكثفة أعقبت ثلاث سنوات من الغياب أو التغييب، يبدو أن رحلة رياض حجاب، رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشقّ ومنسق الهيئة العليا للمفاوضات (المعارضة) الأسبق، لم تصل إلى نهايتها بعد، خاصةً بعد تقاربه الأخير مع جماعة “الإخوان المسلمون – فرع سوريا” والحديث عن احتمال تلاقيه مع تطلعات أبي محمد الجولاني زعيم “هيئة تحرير الشام”، مع ما يشير إليه ذلك من وجود مشروع تركي لترسيخ واقع التقسيم في سوريا، في ظل إدارة أميركية لم ترسم بعد سياستها النهائية بخصوص الملف السوري.
وحرصت الدبلوماسية التركية على إخراج رياض حجاب من سبات سياسي طويل استمر نحو ثلاث سنوات بعد استقالته من منصب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، حيث التقاه في الدوحة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم 11 آذار (مارس) في أعقاب القمة التي جمعت الأخير مع وزيري خارجية روسيا وقطر. وبعد ساعات من اللقاء مع الوزير التركي ظهر حجاب على قناة “الجزيرة” في لقاء مطول حرص من خلاله على توجيه رسائل عديدة في اتجاهات مختلفة.
ويبدو أن أنقرة تعمل على إعادة تلميع حجاب ليكون بمثابة واجهة مدنية وسياسية لجماعة “الاخوان المسلمون – فرع سوريا” في ظل عجز الجماعة عن توليد كوادر ذات كفاءة سياسية تكون لديها قدرة على ضمان تحقيق الحد الأدنى من التوافق المحلي والاقليمي حولها. وقد تكون أنقرة ارتأت في ظل الانعطافة السياسية التي تقوم بها لضبط علاقاتها مع بعض الدول وعلى رأسها مصر والسعودية أنه من الأفضل تنفيذ سياساتها المستجدة من خلال شخصيات غير محسوبة على الإخوان تنظيمياً.
ويرى مراقبون أن عملية إعادة تلميع صورة حجاب تؤكد ما جرى تداوله منذ فترة حول وجود تحرك إخواني لطرح مبادرة جديدة تكون كفيلة بتجديد سيطرة التنظيم على هيئات المعارضة السورية وتكريس هيمنتها عليها من وراء الستار.
ورغم بعض الخلافات التي تخللت العلاقة بين رياض حجاب وجماعة “الاخوان” السورية خلال السنوات الماضية، وخاصة في بعض المنعطفات الانتخابية التي شهدها الائتلاف السوري المعارض، فإن هذه العلاقة ظلت محافظة على حد أدنى من التفاهمات الضمنية ولا سيما في ظل الجهود التي بذلتها أنقرة لإبقاء شعرة معاوية بين الطرفين.
وتشير سلسلة مواقف كل من حجاب و”الاخوان” إلى وجود قواسم مشتركة تجمع رؤيتهما حول بعض جوانب الأزمة السورية ومسارات حلها. وقد تبدى ذلك في شكل خاص من خلال موقف الطرفين الرافض لمفاوضات جنيف واللجنة الدستورية. وظهر تأثير الارتباطات الخارجية لحجاب على خياراته السياسية عندما آثر الاستقالة من الهيئة العليا للمفاوضات على أن ينخرط في جهود توحيد المعارضة السورية تطبيقاً للقرار الأممي 2254 والتي قادتها المملكة العربية السعودية.
ونظرت بعض الجهات الاقليمية إلى مقترح تشكيل مجلس عسكري لقيادة المرحلة الانتقالية في سوريا، رغم تبرؤ منصات المعارضة السورية منه، على أنه خطوة باتجاه تلميع شخصية العميد المنشق مناف طلاس وتحضيره للقيام بأدوار سياسية معينة في المرحلة المقبلة. وما رفع من منسوب القلق وجود مؤشرات على أن المقترح قد يكون لاقى دعماً خفياً من قبل بعض الدول الاقليمية، وأنه بات يمثل توجهاً دولياً يجري العمل على تنفيذه من تحت الطاولة. واستجابة لذلك لم يجد “الاخوان المسلمون” – فرع سوريا بدّاً من تجاوز خلافاتهم مع رياض حجاب والعمل على تنسيق المواقف معه تمهيداً لإعادة تصديره كصوت سياسي قادر على منافسة مناف طلاس ومن يقف وراءه.
وجاء تقارب “الإخوان” مع حجاب في ظل سكوت الأخير عن “هيئة تحرير الشام” وأدوارها التخريبية في الساحة السورية خلال مقابلته الأخيرة على قناة “الجزيرة”. وقد أثار هذا السكوت الكثير من الشكوك والتساؤلات حول تطور العلاقة بينه وبين أبي محمد الجولاني، وما إذا كانت ثمة تفاهمات أو محادثات بين الطرفين دفعت حجاب إلى التغاضي عن التهجم على الهيئة، كما فعل عام 2017 عندما دعا إلى محاربتها. وقال حجاب في مقابلة بثت على قناة “الجزيرة” في شهر أيلول (سبتمبر) 2017 أن “الهيئة العليا للمفاوضات تدعم أي عملية عسكرية لتركيا والجيش الحر لاستئصال القاعدة من سوريا”، وكان حجاب اعتبر في حديث سابق أن “هيئة تحرير الشام ليست سوى أقنعة واهية لتنظيم القاعدة في سوريا”.
ولم يستبعد البعض أن تكون علاقة حجاب مع “هيئة تحرير الشام” قد تطورت إيجابياً بفعل الدور التركي المتصاعد في إدلب، حيث يرى بعض المراقبين أن الوجود العسكري التركي، بالإضافة إلى التحولات التي يجريها الجولاني لتلميع صورة جماعته دولياً، قد يكونان أقنعا حجاب بإمكانية استغلال الهيئة وطموحات زعيمها السياسية من أجل تقوية نفوذه في الداخل السوري وتصدير صورة عن نفسه بأنه يمثل جناحاً واسعاً من المعارضة السياسية والعسكرية.
وللمرة الأولى في تاريخها كانت “هيئة تحرير الشام” قد قررت تبني علم الثورة السورية في الذكرى العاشرة لانطلاقتها ورفعه بشكل علني في شوارع مدينة إدلب، وذلك بعد عقد من العداء للعلم ورمزيته. وجاء التبني كأحدث خطوة من خطوات الجولاني في مسار الانحراف عن الجهادية نحو المعارضة السياسية.
وما يعزز من نظرية التقارب، ما جرى تسريبه حول قيام الجولاني بتكليف شخصية مؤثرة في “هيئة تحرير الشام” بهدف فتح باب التفاوض مع “الجيش الوطني السوري” المدعوم من قبل تركيا. وذكرت التسريبات أن الجولاني كلّف أبا ماريا القحطاني، عراقي الجنسية، بهذه المهمة من أجل بناء جسور تواصل وإقامة علاقات على أسس جديدة بين الهيئة وفصائل “الجيش الوطني”.
وقد دفعت هذه التحركات المريبة، الإعلامي المعارض حبيب أرحيّم، الذي يعمل في شبكة الحقيقة المعارضة إلى التحذير من مشروع تركي يقضي بتقسيم سوريا إلى ثلاثة أقاليم: إقليم يحكمه الرئيس السوري بشار الأسد، وإقليم للأكراد، والإقليم الثالث عبارة عن كنتون يحكمه “الاخوان المسلمون” بقيادة تركيا. وأعرب الإعلامي عن أمله في أن يرفض رياض حجاب هذا المقترح، حسب ما كتب على حسابه الشخصي على تويتر في نفس اليوم الذي ظهر به حجاب على قناة “الجزيرة”
النهار العربي
————————–
=====================
تحديث 24 أذار 2021
————————–
فورين بوليسي: إدارة بايدن لا تستطيع عمل شيء لسوريا غير العقوبات والاحتجاج وملاحقة الإرهابيين/ إبراهيم درويش
نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” مقالا لستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، تساءل فيه عن السبب الذي يجعل الولايات المتحدة تناقش ما تفعله مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وبدأ كوك مقالته بالإشارة لحوار سمعه بعد أيام من قرار الرئيس السابق دونالد ترامب في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 سحب القوات الأمريكية من سوريا. وكان هذا عندما خرج من قطار أنفاق نيويورك، حيث استمع لنقاش بين ضابطي شرطة كانا يتحدثان عن مزايا قرار ترامب، وأنه صحيح، لأن الحرب في سوريا لا تعني الأمريكيين في شيء، وأن الحل هو سحب القوات ووقف مشاركة أمريكا في الحروب اللانهائية. وهو ما دفعه للتفكير بفشل مجتمع السياسة الخارجية الأمريكي تقييم ما يجري في سوريا وفهم تأثيرها أو عدم تأثيرها على المصالح الأمريكية وطرح توصيات للتقدم بناء عليها.
ورغم رئاسة ترامب المقيتة، إلا أنه طرح الأسئلة الصحيحة المتعلقة بالشرق الأوسط “لماذا نفعل ما نعمله؟”، ولكنه لم يحصل على إجابة. ولهذا سحب القوات حيث انتهى وكأنه إعادة نشر لها. واليوم في الذكرى العاشرة على الثورة السورية والتحسر على ما جرى فيها، فالبلد يغطيه الظلام، وظل النقاش الأمريكي حول الحرب التي قتلت مئات الآلاف وشردت الملايين غير قاطع. ويدور الآن حول قبول إدارة جوزيف بايدن بانتصار الأسد؟ أم الانتظار حتى تظهر تسوية سلمية ناجحة؟ أو التعويل على العقوبات الاقتصادية والأزمات التي تضرب سوريا مع لبنان، مما سيؤدي إلى تراجع شعبية بشار الأسد بين أنصاره؟
ويرى الكاتب ألا أحد يريد التعامل مع سوريا، مما لا يترك أي خيار جيد لصناع السياسة أو إجابة واضحة. فغياب التحليل أو النقاش العام خلال أيام الحرب الأهلية السورية وعددها 3650 يوما، اختفى منه النظر للرهانات المطروحة أمام الولايات المتحدة وما هي السياسات التي يجب عليها متابعتها.
فمنذ الحرب العالمية الثانية، تابعت الولايات المتحدة سياسات تهدف لتأمين ثلاثة أمور: ضمان تدفق الطاقة من المنطقة، وحماية أمن إسرائيل، والحفاظ على القوة الأمريكية في الشرق الأوسط. وأضاف المحللون إلى هذه الثلاثة هدفين آخرين، وهما منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب.
ولو افترضنا أن هذه هي أهداف السياسة الأمريكية، فماذا يجب على صناع السياسة عمله للتعامل مع سوريا. فالنهج الحالي من النزاع في سوريا والقائم على سياسة رفع اليد قد يكون مزعجا من الناحية الأخلاقية، لكن يمكن الدفاع عنه من الناحية الإستراتيجية. وهذه هي الصلة التي لا تريح في السياسة الخارجية الأمريكية، وهي عدم القدرة على موازنة القيم مع المصالح.
وعندما بدا واضحا أن ترامب لا ينسحب من سوريا، بل ويعيد الانتشار من أجل الحفاظ على النفط، مما دعا إلى التساؤل عن الاحتياطي النفطي الباقي في سوريا والذي لم يستخدمه نظام الأسد أو تنظيم “الدولة”. وحرمان الأطراف المستفيدة من النفط ربما كان صحيحا، لكن الإعلان بطريقة مضرة عن بقاء الأمريكيين في سوريا لحماية النفط، هو تحايل من الرئيس على استمرار دعم أمريكا للقوات الكردية في حربها ضد تنظيم “الدولة” والذي أعلن ترامب عن هزيمته. لكن لم يظهر خلال العقد الماضي أن الحرب في سوريا أثرت على تدفق الطاقة من المنطقة.
وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فقد جاء وقت اعتقد فيه المحللون أن الحرب في سوريا تمثل تهديدا على أمنها. وكان أداء قوات النظام السوري السيئ خلال العقد الماضي مدعاة لتجاهل هذا الخوف. إلا أن التهديد الحقيقي -على الأقل من المنظور السوري- هي إيران والتي يبدو أنها تريد البقاء في سوريا لمدة طويلة، مما سيسمح لها بتوفير السلاح إلى حزب الله بطريقة سهلة، ليواصل بدوره تهديد إسرائيل. ورد الإسرائيليون بغارات جوية على مواقع إيرانية وجماعات وكيلة لها في سوريا والعراق. ولم تكن طهران قادرة على الرد بفعالية على هذه الغارات، وهو ما خلق انطباعا أن إسرائيل تستطيع الدفاع عن نفسها من مخاطر الحرب السورية.
وفيما يتعلق بالحفاظ على القوة الأمريكية في المنطقة، فسوريا هي حالة تعادل، فمن جهة، حصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إعجاب من قادة بالمنطقة لقراره التدخل في سوريا وإنقاذ الأسد، مقارنة مع الموقف الأمريكي الضعيف الذي رفض إنقاذ الرئيس المصري محمد حسني مبارك عام 2011. ولكن الحرب السورية، من ناحية أخرى، لم تؤد إلى تنازل أو ضعف في القوة الأمريكية ولا قدرتها في الدفاع عن مصالحها في المنطقة. ففي موضوع انتشار السلاح النووي، قام الإسرائيليون بالعبء الأكبر، وفجّروا عام 2007 المفاعل النووي السوري. وظلت الأسلحة الكيماوية التي كان من المفترض أن يسلموها بعدما توسط بوتين عام 2013، لكن الأسد لم يكن متعاونا بشكل كامل. وهذا موضوع لم يحظ بانتباه، لأن الأسلحة المتبقية ستستخدم ضد السوريين وليس في أي مكان آخر. وردّ ترامب على استخدام السلاح الكيماوي بعد فترة من توليه السلطة ولكن غاراته لم تؤثر على مسار النزاع.
وما يمكن أن يجعل أمريكا مهتمة بسوريا هي عمليات مكافحة الإرهاب، ذلك أن البلد تحول لبؤرة جماعات إرهابية، بعضها قد انتهى. ولهذا على واشنطن الحفاظ على علاقاتها ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية الكردية، رغم اعتراض عضو الناتو تركيا، التي تراهم جماعة إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي شن حربا ضد مصالح الأتراك. وهذا هو الوضع في سوريا، ومن هنا على صناع السياسة الأمريكيين الالتزام بالحذر ومراقبة المسرح هناك. ومشكلة بايدن أنه تعهد بوضع القيم في مقدمة السياسة الخارجية. ولكن بايدن قد يتوصل إلى نفس النتيجة التي سمعها الكاتب من شرطيين في نيويورك وهي عدم وجود رهانات أخرى للولايات المتحدة فيما يتعلق بمصالحها، سوى مواصلة العقوبات وملاحقة الإرهابيين وشحب عدوانية الأسد ضد مواطنيه، حتى يتغير شيء قد ينهي الكابوس السوري.
القدس العربي”
————————–
كيف ينعكس التوتر بين موسكو وواشنطن سورياً؟/ مروان قبلان
في سابقةٍ غير مألوفة في تاريخ العلاقات الروسية – الأميركية، حتى في عز أيام الحرب الباردة، وصف الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مقابلة تلفزيونية، نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بأنه “قاتل”. وقد ترك هذا التصعيد الأميركي ضد بوتين ارتياحا في أوساط عديدة، خصوصا أن الرئيس بايدن لم يزد عن قول الحق، ذلك أن بوتين قاتل بالفعل، لكن ليس لأنه، كما أشار بايدن، يقوم بتسميم معارضيه، ومنهم ألكسي نافالني، بل الأهم، وهو ما تجاهله بايدن عمدًا، لأنه تسبب، منذ تدخله في سورية عام 2015، في قتل آلاف من النساء والأطفال والشيوخ، كما فعل في الشيشان قبل ذلك بعقدين، وتفاخره بأنه جعل من سورية ميدان رماية جرّب فيه كل أنواع الأسلحة التي طورها المجمع الصناعي العسكري الروسي خلال العقدين الأخيرين، ما زاد من حجم مبيعاته.
يعطي كلام بايدن شحنة عاطفية قصيرة الأمد، لكن عواقبه على القضية السورية، على المدى الأبعد، قد تكون بالغة السوء. إضافة طبعا إلى أن سجل بايدن ليس أفضل كثيرا، فقد قتلت إدارة أوباما (2009 – 2017) حيث شغل بايدن منصب نائب الرئيس، آلاف المدنيين من الأفغان والعراقيين والسوريين واليمنيين وغيرهم في حروب الدرونز ضد تنظيم القاعدة، ثم خلال حربها مع تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق (2014 – 2017). المفاضلة هنا إذا ليست بين من يحتل منطقة أخلاقية أعلى، أو يملك قيما إنسانية أكثر، وهو أمر لا تعنينا مناقشته هنا أصلا، ما يعنينا هنا هو هل سيكون للتصعيد الكبير بين موسكو وواشنطن تأثيرات إيجابية أم سلبية على الوضع في سورية؟
يعتقد بعضهم أن اتخاذ بايدن موقفا متشدّدا من بوتين سوف يسهم في تحجيم الدور الروسي الذي “انفلش” في سورية وعموم المنطقة، بسبب غضّ الطرف الأميركي في عهد إدارة ترامب. ولكن هؤلاء ينسون حقيقة أن الدور الروسي في المنطقة تعاظم، بما في ذلك التدخل في سورية، في عهد أوباما – بايدن، وأن روسيا أحرقت، تحت ناظريهما، مدنا سورية بأكملها (تذكرون مثلا شرق حلب بين يوليو/ تموز وديسمبر/ كانون الأول 2016؟) الأهم الذي يجب ألا يفوتنا أن سورية دفعت الثمن الأكبر للصراع الروسي – الأميركي في أوكرانيا عام 2014.
في ذلك الوقت، قرّرت إدارة أوباما توجيه ضربة قاصمة لمشروع الاتحاد الأوراسي الذي كان يمثل ذروة الطموح الاقتصادي والاستراتيجي الروسي. كان الرئيس بوتين يخطط لإنشاء اتحاد اقتصادي – سياسي، على شاكلة الاتحاد الأوروبي، يضم إليه بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا التي كانت تمثل جوهرة التاج في مشروعه هذا، بدونها لا يعود الاتحاد الأوراسي، أوراسيا، وكان بوتين استعادها من الغرب، بإيصال حلفائه إلى السلطة في انتخابات عام 2010، بعد أن كان قد خسرها في الثورة البرتقالية عام 2004. في أواخر عام 2013 موّلت واشنطن ودعمت احتجاجات أدّت إلى سقوط حليف موسكو، الرئيس فيكتور يانكوفيتش. ردّ بوتين بغزو شرق أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم، ردّت واشنطن بفرض عقوبات على روسيا، لم يحتمل بوتين تعامل واشنطن معه كدولة عالمثالثية، بفرض عقوبات عليه، فقرّر أن يردّ في سورية. وعليه، قام بوتين بتعطيل مفاوضات جنيف 2 التي جرى الاتفاق على إطلاقها بموجب قرار مجلس الأمن 2118، والذي صادق على اتفاق تسليم أسلحة النظام السوري الكيميائية، وتم التوصل إليه بين بوتين وأوباما في سبتمبر/ أيلول 2013 في أثناء قمة سانت بطرسبورغ للاقتصادات العشرين الكبرى. فوق ذلك، قرّر بوتين التخلي عن معارضته إجراء انتخابات رئاسية في سورية، قبل التوصل إلى اتفاق سياسي، ودعم انتخابات 2014. ومع بلوغ العلاقات الروسية الأميركية الحضيض، قرّر بوتين توجيه صفعة كبرى لأوباما بالتدخل عسكريا في سورية.
خلاصة القول، تدل التجارب على أن تدهور العلاقات الأميركية الروسية قد لا يفيد، بالضرورة، في التوصل إلى حل سياسي للقضية السورية. بالعكس، قد يؤدّي ذلك إلى تدهور الأوضاع على الأرض، كما حصل قبل يومين في القصف الروسي على الأتارب، ويعتقد أنه مرتبط بالتوتر المستجد في العلاقة بين بوتين وبايدن. ولما بات دورنا، نحن السوريين، يقتصر على العمل مراقبين ومحللين سياسيين للتحولات المحتملة في علاقات الدول الفاعلة بقضيتنا، فليس أقل، إلى أن يرزقنا الله إرادة الفعل، من أن نحلّل بشكل صحيح ماذا هم فاعلون بنا.
العربي الجديد
—————————–
سوريا مهمّة لواشنطن..فقط لأنها بؤرة للمتطرفين
فنّدت مجلة “فورين بوليسي” الأميركي في تقرير بعنوان: “لا أحد يعرف لماذا سوريا مهمّة”، الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة إلى التدخل في الصراع السوري. ورأت أن أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والمتمثلة بضمان التدفق الحر لموارد الطاقة من المنطقة، والمساعدة في ضمان أمن إسرائيل، والحفاظ على القوة الأميركية في الشرق الأوسط، لا تتأثر بالمسألة السورية.
ورأت المجلة أن السبب الوحيد الذي يمكن أن يبرر لصنّاع القرار أن يبقوا متيقظين في سوريا، هو طبيعة الصراع السوري والعدد الكبير من المتطرفين الذين ينجذبون إلى الصراع.
وقال كاتب التقرير ستيفن كوك: بعد أيام قليلة من إعلان رئيس الولايات المتحدة الرئيس السابق دونالد ترامب في تشرين الأل/أكتوبر 2019، أنه سيسحب القوات الأميركية من سوريا، كنت أنتظر قطاراً في الصباح الباكر إلى مدينة نيويورك. بينما كنت أحوم بالقرب من البوابة، استمعت إلى محادثة بين ضابطي شرطة كانا يناقشان السياسة الخارجية للولايات المتحدة. لقد أيدا تحرك الرئيس في سوريا، واتفقا مع بعضهم البعض على أن الصراع على بعد آلاف من الأميال لا علاقة له بهم أو بالولايات المتحدة، كانوا مع إعادة القوات إلى الوطن؛ إنهاء الحروب التي لا تنتهي.
عزّزت تلك اللحظة بالنسبة لي شيئاً كان يدور في رأسي في الجزء الأكبر من السنوات السبع الماضية: الفشل التام لمجتمع السياسة الخارجية في التقييم الصحيح لما كان يحدث في سوريا، وفهم كيفية تأثير ذلك على المصالح الأميركية، والتوصية بطريقة للمضي قدماً. يبدو أن ترامب -على الرغم من رئاسته البغيضة- سأل سؤالاً جيداً عن سوريا كان وثيق الصلة أيضاً بالشرق الأوسط بشكل عام: “لماذا نفعل ما نفعله؟” يبدو أنه لم يحصل على إجابة كافية، وبالتالي أعلن الانسحاب (الذي انتهى به الأمر إلى إعادة انتشار).
الآن، ضد الرثاء اللاذع للسوريين في الذكرى العاشرة لانغماس بلادهم في الظلام، فإن الجدل -وإن لم يكن بالحدة التي كان عليها قبل عقد من الزمن- حول ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة حيال الصراع، لا يزال غير حاسم كما كان دائماً. لا أحد تقريبًا يريد فعل المزيد في سوريا، ما يترك صانعي السياسة بلا خيارات ملائمة ولا إجابات واضحة.
ربما يرجع ذلك إلى أنه، على الأقل في النقاش العام على مدى الايام ال3650 الماضية، لم يكن هناك تحليل لما هو في الواقع على المحك بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا، إذا كان هناك أي شيء على المحك. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اتبعت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سياسات لها ثلاثة أهداف أساسية: ضمان التدفق الحر لموارد الطاقة من المنطقة، والمساعدة في ضمان أمن إسرائيل، والحفاظ على القوة الأميركية في الشرق الأوسط، لذلك لا دولة أو تحالف دول يمكن أن يتحدى تلك المصالح الأخرى. إضافة إلى ذلك، غالباً ما يضيف المحللون منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب.
بافتراض أن هذه تظل أسس السياسة الأميركية، فما الذي يُخبر به هذا المحللون وصناع القرار حول كيفية تعامل واشنطن مع سوريا؟. النهج الحالي الذي يتسم بعدم التدخل في الصراع السوري قد يكون مزعجاً من الناحية الأخلاقية ولكن يمكن الدفاع عنه من الناحية الاستراتيجية. غالباً ما يكون هذا هو الرابط غير المريح للسياسة الخارجية الأميركية. إنه عبء عدم القدرة على التوفيق بين القيم والمصالح.
عندما اتضح أن ترامب لم يكن بالضبط يسحب القوات الأميركية من سوريا، أعلن أنها ستبقى “من أجل النفط”. كان هذا خدش للرأس. لم تكن سوريا على الإطلاق مُصدِّرة رئيسية للنفط، على الرغم من أن الاحتياطيات الموجودة لديها استخدمها نظام الأسد والمهربون الأتراك وداعش لجني الأموال في العقد الماضي. كان إنكار الأطراف الثلاثة لهذه الفرصة أمراً منطقياً. ومع ذلك، فإن الإعلان عن أن الأميركيين سيظلون في طريق الخطر من أجل النفط قد يكون طريقة ملائمة للتغلب على الحقيقة المحرجة المتمثلة في أنه بينما شهد الرئيس سابقاً على هزيمة تنظيم “داعش”، فإن قوات سوريا الديمقراطية، لا تزال تحارب أتباع أبو بكر البغدادي بمساعدة الجنود الأميركيين. كل هذا يعني أنه لا يوجد شيء حول ما حدث في سوريا على مدى العقد الماضي يهدد التدفق الحر لموارد الطاقة من المنطقة.
عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، كان هناك وقت اعتقد فيه المحللون أن سوريا تشكل تهديداً محتملاً لأمن الدولة العبرية. وقد أدى الأداء الضعيف للقوات المسلحة السورية خلال العقد الماضي إلى تهدئة هذا القلق. التهديد الحقيقي -على الأقل من وجهة نظر إسرائيل- هو إيران، التي يبدو أنها تريد البقاء في سوريا لفترة طويلة، مما يمنح الإيرانيين القدرة على إمداد “حزب الله” بسهولة أكبر وتهديد إسرائيل بشكل مباشر أكثر. الإسرائيليون شنوا حملة جوية ضارية ضد الإيرانيين ووكلائهم في كل من سوريا والعراق. لقد أثبتت طهران أنها غير قادرة على الرد بفعالية، تاركة المرء أمام استنتاج أن الإسرائيليين قادرون على رعاية أنفسهم في الصراع السوري.
في ما يتعلق بالحفاظ على القوة الأميركية، بالتأكيد، أعجب القادة في المنطقة باستعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتدخل وإنقاذ حليف من شبه هزيمة على عكس ما اعتبروه ضعفاً للولايات المتحدة عندما كان الأمر يتعلق بالرئيس المصري السابق حسني مبارك. أعطى هذا دفعة للروس على حساب الولايات المتحدة، لكنهم الآن مثقلون بالأسد وصراع يبدو أن لا نهاية له في الأفق. والأهم من ذلك، أنه لا يوجد شيء في الصراع في سوريا قد أضرّ بقوة الولايات المتحدة وقدرتها على الدفاع عن مصالحها.
في ما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية، قام الإسرائيليون بالمهمة الصعبة في عام 2007 عندما دمروا سراً -للجميع ما عداهم- المنشأة النووية السورية. ومع ذلك، لا تزال مشكلة الأسلحة الكيماوية السورية قائمة. كان من المفترض أن يتخلوا عنها في صفقة توسط فيها بوتين في 2013، لكن الأسد لم يكن متعاوناً بشكل كامل. هذه قضية لا تحظى باهتمام أكبر لأن المواد الكيماوية التي كان من المفترض أن يتخلى عنها الأسد كانت وما زالت تُستخدم على الأرجح ضد السوريين أكثر من أي شخص آخر. ردّ ترامب على هجوم كيماوي للنظام على المدنيين بعد فترة وجيزة من تنصيبه. ومع ذلك، لم يحدث فرقاً في مسار الصراع.
أخيراً، يمكن تقديم حجة للولايات المتحدة لمواصلة متابعة مهمة مكافحة التطرف في سوريا. أصبحت البلاد دوامة من الميليشيات المتنافسة، بمن في ذلك المتطرفون. قد يتضاءل بعضها، لكنها مع ذلك باقية.
هكذا، تحافظ الولايات المتحدة على علاقتها بوحدات حماية الشعب رغم اعتراض تركيا حليفة الناتو، التي تصر على أن المجموعة لا يمكن تمييزها بالكاد عن حزب العمال الكردستاني -وهو منظمة إرهابية شنت حرباً على الأتراك والمصالح التركية. هذه هي طبيعة الصراع في سوريا. رغم كل غضبهم تجاه الولايات المتحدة، ينسق المسؤولون الأتراك مع المنتسبين للقاعدة لدفع أجندتهم المناهضة للأكراد. نظراً لطبيعة الصراع السوري والعدد الكبير من المتطرفين الذين ينجذبون إلى الصراع، فمن المعقول أن يظل صانعو السياسات يقظين بشأن التهديد هناك.
المدن
—————————–
روسيا تستغل الغياب الأميركي لحشد الدعم لنهجها في سوريا
دمشق – تكثف روسيا من تحركاتها الدبلوماسية في مساع لحشد الدعم لنهجها في سوريا، في وقت تدرس الإدارة الأميركية، تخفيف تدخلاتها في صراعات الشرق الأوسط الطويلة.
وليس من الواضح بعد خطط الإدارة الأميركية في التعاطي مع سوريا، التي تحولت أراضيها إلى كانتونات مقسمة بين مختلف الجيوش، بما في ذلك القوات الأميركية.
وينظر كثيرون إلى تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع سوريا على أنه مقياس لمدى تصميمها فعليا على تغيير السياسة الأميركية التي ظلت لعقود تركز على الشرق الأوسط.
وإذا قللت الولايات المتحدة من وجودها في المنطقة، فإن قوى مثل روسيا ستكون موجودة لملء الفراغات وتعزيز وجودها هناك.
وقد أبدت الدبلوماسية الروسية فعلا استعدادا لتكثيف هذا الحضور، وهو ما ترجم في جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الشرق الأوسط الشهر الجاري.
وشملت جولة لافروف الإمارات العربية المتحدة حليفة الولايات المتحدة، التي وجهت رسالة تتماشى مع موقف موسكو مفادها أن العقوبات الأميركية على دمشق تعرقل الجهود الدولية لإعادة بناء سوريا. وقال وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إن الوقت قد حان لعودة دمشق إلى محيطها العربي.
وحسب فريدريك هوف، الذي شغل منصب المستشار الخاص حول الانتقال السياسي في سوريا خلال فترة إدارة الرئيس باراك أوباما، فإن روسيا تريد بعبارة أخرى، من تحركاتها إيصال رسالة مفادها أن الحرب السورية انتهت، وأن الرئيس بشار الأسد قد انتصر، وسيبقى في السلطة طالما أنه يتنفس.
يقول هوف إن هناك جزءا غير معلن من تلك الرسالة وهو أن روسيا تخطط لأن تكون قريبة ومستعدة لمرحلة إعادة إعمار سوريا للاستفادة من أي موارد دولية في هذا السياق، وذلك بطرح نفسها وسيطا لإدارة التهديدات الأمنية التي تشكلها سوريا على المنطقة.
ويرى هوف كما جيمس جيفري، المبعوث الأميركي السابق لسوريا، بوجوب أن يبقى للولايات المتحدة وجود كبير في البلاد، محذرين من طموحات روسيا. ويلفت جيفري إلى أنه “إذا كان هذا هو مستقبل الشرق الأوسط الأمني فنحن جميعا في ورطة”. وأضاف أن “هذا ما يدفع إليه بوتين ولافروف”.
ولم يبد الرئيس الأميركي في معرض تطرقه للأولويات الملحة في الشرق الأوسط على غرار الأزمة اليمنية وملف النووي الإيراني اهتماما بالمسألة السورية، الأمر الذي يثير قلق أوساط عدة.
وفي الكونغرس، يحوم النقاش الذي شمل سوريا حول ما إذا كان ينبغي تقليص أو إنهاء السلطات التي مُنحت للرؤساء، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، لتوجيه ضربات عسكرية. وقال النائب خواكين كاسترو وهو ديمقراطي من تكساس وعضو في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إن الحرب السورية هي التي أشعلت ذلك النقاش، عندما درس الرئيس باراك أوباما لأول مرة توجيه ضربات عسكرية هناك.
وجاءت واحدة من الإشارات العلنية القليلة التي ذكرها بايدن عن سوريا منذ توليه منصبه الأسبوع الماضي، عندما أدرجها ضمن المشاكل الدولية التي ينبغي على مجلس الأمن الدولي بذل المزيد من الجهد بشأنها. وفي الذكرى العاشرة لبدء النزاع السوري الأسبوع الماضي، شدد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في بيان مع نظرائه الأوروبيين على الحاجة إلى تقديم مساعدات إنسانية للمدنيين السوريين ومحاسبة نظام الأسد.
وتساعد القوات الأميركية في حماية جيب للقوات الكردية في شمال شرق سوريا، الغني بالنفط والغاز الطبيعي. وخلال حملة بايدن الانتخابية خلال العام الماضي، حدد بلينكن الدور العسكري على أنه “نقطة للتأثير” في المفاوضات حول التعامل الدولي مع سوريا، بدلا من كونه قوة مستمرة.
ورفض متحدثون باسم مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الإجابة على أسئلة محددة حول سياسة بايدن تجاه سوريا، بما في ذلك ما إذا كانت الإدارة الأميركية تعتبر الصراع السوري تهديدا رئيسيا للأمن القومي أو تخطط لتعيين مبعوث جديد.
ويتبع بايدن أوباما وترامب في سعيهما إلى التقليل من دور الولايات المتحدة العسكري في الشرق الأوسط وتحويل تركيز السياسة الخارجية إلى آسيا، حيث أصبحت الصين عدوانية بشكل متزايد، ولكن صراعات الشرق الأوسط ومخططات الولايات المتحدة الاستراتيجية تسحب الأميركيين إلى الوراء.
وأصبح بايدن في الشهر الماضي سادس رئيس أميركي على التوالي يقصف هدفا في الشرق الأوسط، حيث استهدف الميليشيات المتحالفة مع إيران في سوريا، لكن هذا التحرك لم يكن يستهدف إعادة رسم للسياسة الأميركية في سوريا، وإنما في سياق رد على الهجمات التي تتعرض لها القوات الأميركية في العراق.
وقال بعض الدبلوماسيين الأميركيين الحاليين والسابقين في الشرق الأوسط إن سوريا لا تشكل تهديدا أمنيا كبيرا للولايات المتحدة. وقد خلص روبرت فورد، سفير إدارة أوباما في سوريا الذي يتمتع بسنوات من الخبرة الدبلوماسية في المنطقة، في مقال في مجلة فورين أفيرز العام الماضي إلى أن على واشنطن أن تتحرك نحو سحب قواتها من شمال شرق سوريا، وأن ترتب مع روسيا وغيرها للتعامل مع التنظيمات الجهادية في ذلك البلد.
في المقابل فإن هوف وجيفري، اللذان تعاملا مع سوريا، يرفضان الانسحاب، ويقول هوف “لو كنت أحد قادة تنظيم داعش الذي يحاول الآن العودة في سوريا، لكنت أدعو من أجل اعتماد هذه النصيحة”.
وتشير الخبيرة منى يعقوبيان، وهي مستشارة المعهد الأميركي للسلام في واشنطن، إلى أن اختبارا لنوايا إدارة بايدن يلوح في الأفق، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى استغلال موقعها في مجلس الأمن الدولي لإغلاق طريق المساعدات الإنسانية إلى جزء من سوريا لا يخضع لسيطرة الحكومة التي تدعمها موسكو.
وتقول يعقوبيان إن الحفاظ على الوجود الأميركي في سوريا أو تعزيزه سيكون أمرا مهما كوسيلة ضغط في المفاوضات السياسية، ولتشكيل قواعد لوجود روسيا في الشرق الأوسط، بينما تبقى أهداف المجتمع الدولي الملحة حائمة حول جعل الحياة “أكثر سهولة وأقل بؤسا للسوريين”.
العرب
——————————-
دمشق: تحالف معارض جديد برعاية «هيئة التنسيق الوطنية»… و«الائتلاف» يراه محاولة لنزع الشرعية عن المعارضة في الخارج/ وائل عصام
تضع أحزاب وتيارات وقوى سياسية سورية اللمسات الأخيرة على تحالف سياسي جديد، يحمل اسم «الجبهة الوطنية الديمقراطية – جود».
ومن المُنتظر أن يتم الإعلان عن التحالف الجديد الذي يضم تشكيلات سياسية عربية وكردية وتركمانية معارضة ومن توجهات مختلفة، رسمياً خلال مؤتمر تأسيسي سيعقد في مقر «هيئة التنسيق الوطنية» في دمشق يومي 27-28 آذار /مارس الجاري، وفق ما ذكرت مصادر لـ «القدس العربي».
ويضم التحالف المرتقب (جود) كلاً من: «هيئة التنسيق الوطنية، والمبادرة الوطنية، وكوادر الشيوعيين، وحزب التضامن العربي، وتيار بدنا الوطن، والحزب التقدمي الكردي، وحزب الوحدة الكردية، والحركة التركمانية، ومجموعة الشباب الوطني».
وحول التحالف الجديد، قال عضو المكتب التنفيذي لـ «هيئة التنسيق الوطنية» أحمد العسراوي، إن الهدف هو تجميع القوى الديمقراطية التي تؤمن بالحل السياسي. وأضاف لـ«القدس العربي» أن الجبهة تضم عدداً من القوى السياسية الموجودة داخل سوريا وخارجها، يجمعها الاتفاق على ضرورة التوصل لحل سياسي وفق قاعدة بيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة، الحل الذي من شأنه انهاء مأساة الشعب السوري.
وأضاف أن التحضيرات للمؤتمر التأسيسي، بدأت منذ سنوات، والتأخر مرده إلى التضييق على القوى السياسية التي تنشط من داخل سوريا، مؤكداً أنه «ليس للمؤتمر صلة بالاستحقاقات المقبلة، أي الانتخابات الرئاسية». وبسؤاله حول موقف النظام من عقد المؤتمر في دمشق، وإن كان مستفيداً من ذلك، قال العسراوي: «هو عادة لا يسمح، وكل الخطوات التي نقوم بها تتم دون إذن النظام، ونعمل منذ العام 1997 وفق مبدأ احتلال المواقع» مستدركاً بالقول: «قد يمنعنا من عقد المؤتمر…كل شيء وارد».
وقال الدكتور إبراهيم جباوي، وهو عضو مستقل في التحالف المرتقب، إن هذا الجسم الجديد هو عبارة عن تحالف لقوى سياسية معارضة، تداعت لتشكيل هذا الجسم من أجل الدفع بالعملية السياسية ودعمها وفق القرارات الدولية، بما يكفل إنهاء نظام الاستبداد القائم بكل رموزه. وأضاف في حديث لـ«القدس العربي» أن التجمع يهدف إلى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة دولة المؤسسات والحيادية تجاه الأديان والمذاهب، والتي تكرس مبدأ التساوي في الحقوق والواجبات لكل أفراد الشعب السوري دون تمييز على أسس القومية أو الدين.
وحسب جباوي، فإن المأمول من الجبهة أن تشكل نقطة ارتكاز لتشكيل تحالف قوى ديمقراطية ووطنية واسع، والأمل كذلك أن تنضم القوى والتيارات الأحزاب المعارضة كافة في سوريا.
وعن اختيار دمشق مكاناً لانعقاد المؤتمر التأسيسي، قال جباوي: «دمشق لنا وليست لآل الأسد، ولم يتم أخذ رأي النظام بهذا الصدد» مضيفاً: «لا نأمن غدر النظام فعلاً، ونخشى أن يعمل على عرقلة مجريات فعاليات المؤتمر». وشدد في هذا الصدد، على أن «الجبهة ستكون واضحة في مقاطعتها ودعوتها الشعب السوري إلى مقاطعة الانتخابات، وكذلك ستؤكد في مؤتمرها على هدم الاعتراف بشرعية النظام، وأن هدفها هو تغيير النظام بشكل جذري والانتقال بسوريا إلى مرحلة جديدة».
ووضع عضو في الائتلاف السوري، فضل عدم الكشف عن اسمه، تشكيل التحالف الجديد في إطار الضغوط المتزايدة على «هيئة التفاوض» السورية. وقال لـ«القدس العربي»: «هناك محاولات من قبل هيئة التنسيق ومنصة موسكو ومجموعة من المستقلين، لنقل مكان المفاوضات الدستورية إلى دمشق، ونتيجة لفشل ذلك بسبب رفض الائتلاف وتركيا وحتى الولايات المتحدة، بدأت الجهات ذاتها بمخطط جديد لنزع الشرعية عن المعارضة السياسية». وتشهد الساحة السورية زيادة في تأسيس الكيانات والأجسام السياسية، وهو ما تعزوه مصادر إلى حالة الجمود الحاصل في المسار السياسي السوري.
وفي سياق منفصل، انضمت ألمانيا إلى قائمة الدول التي أعلنت عن موقفها من الانتخابات الرئاسية التي يتحضر لها النظام السوري، وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، «في ظل الواقع الذي تشهده سوريا الآن، من الصعب تصور إجراء انتخابات هناك».
موقف الخارجية الألمانية، جاء بعد تأكيد نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة جيفري ديلورنتس أن إدارة الرئيس جو بايدن «لن تعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية المقررة في سوريا» إذا لم تحصل بإشراف الأمم المتحدة، مع مراعاة وجهة نظر المجتمع السوري كله.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن في وقت سابق عن عدم اعترافه بنتائج الانتخابات في سوريا، مهدداً بإعادة فرض عقوبات اقتصادية على دمشق.
القدس العربي»
———————————–
“فتح المعابر لتمويل النظام”..هدف التصعيد الروسي في شمال سوريا
اقترحت روسيا على تركيا فتح ثلاثة معابر بين مناطق سيطرة النظام السوري وتلك الخاضعة لنفوذ المعارضة في شمال غربي سوريا، وذلك بعد استهداف قوات النظام وسلاح الجو الروسي محيط معبر باب الهوى وشركة “وتد” للمحروقات في إدلب، ومستشفى “الأتارب” وأسواق النفط في ريف حلب.
جاء ذلك بعد ساعات على إبلاغ أنقرة، في اجتماع عُقد في مقر وزارة الخارجية التركية، السفير الروسي أليكسي يرخوف مخاوفها وقلقها من تصاعد التوتر في شمال غربي سوريا. وأوضحت الوزارة أن “الاجتماع شكّل جزءاً من لقاء مخطط مسبقاً”، وأن “السفير الروسي تبلغ بأن الهجوم الذي استهدف مستشفى الأتارب أمر غير مقبول، ويشكل انتهاكاً جديداً لإتفاق خفض التصعيد”.
وشمل الإقتراح الذي قدمه نائب مدير مركز المصالحة الروسي في قاعدة “حميميم” ألكسندر كاربوف، فتح معبرين في منطقتي سراقب وميزنار شرق إدلب، ومعبر أبو الزندين شمال حلب، “لتنظيم دخول المساعدات الإنسانية وخروج اللاجئين بدءاً من الخميس”.
لكن وزارة الدفاع الروسية فتحت بالتعاون مع النظام هذه المعابر لمدة أسبوع في شباط/فبراير، من دون أن يعبرها أي مدني من إدلب إلى داخل مناطق سيطرة النظام، ما حتّم إعادة إغلاقها وسحب عناصر الشرطة العسكرية الروسية التي تمركزت في معبر الترنبة قرب مدينة سراقب شرق محافظة إدلب.
ويربط محللون التصعيد الأخير في شمال غربي سوريا، بمحاولة روسيا الضغط على تركيا للموافقة على إعادة فتح المعابر، في محاولة لفك أزمة النظام الاقتصادية عبر استجرار المساعدات من مناطق المعارضة إلى مناطقه.
وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في مقابلة مع وكالة “تنغرينيوز” الكازاخية، إن “روسيا وتركيا تنجحان في إيجاد حلول وسط حتى حين يبدو ذلك مستحيلاً”. وأضاف ان “أنقرة لا تتهم موسكو مباشرة بأي شيء، لكنها لم تتحدث أيضاً عن أي تعاون مع روسيا في خيارات تخص شمال سوريا، وتشمل إجراءات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية، إضافة الى إستثمارات في المناطق الآمنة”.
————————–
11 دولاراً منحة لمرةٍ واحدةٍ في ذكرى الثورة: النظام إذ يسخر من السوريين/ كارمن كريم
بقي كثر من المتظاهرين داخل سوريا، منهم لا يزال تحت مراقبة الأمن السوري، فيما آخرون ما زالوا معتقلين، أو عادوا إلى منازلهم وحسب بعدما فقدوا أحبة لهم أو اعتقل النظام عائلاتهم وأبناءهم…
عشرُ سنواتٍ مرّت على هُتاف الحريّة الأول، عشرُ سنواتٍ على التظاهرة الأولى، على للمرة الأولى التي رُفِعتْ فيها الأيدي وصرخ الشعب “ارحل يا بشار”، حينها بات الشعب قادراً على قول “حريّة… حريّة”. زعزعت الثورة جذور الحياة السوريّة، غيّرت الجميع ولا يمكن بأيٍّ شكل أن يعود السوريون كما كانوا قبل عشر سنوات، هذا التغيير وإن بدا دموياً إلّا أنه أيضاً غيّر الفكرة المقدسة عن الأسد، النظام الذي لا يمسّ، الرئيس الخالد… باتت كلها مصطلحات قابلة للسخرية، والهتاف ضد قدسيتها. “في الداخل” كما يُطلَقُ على سوريا اليوم، هناك حكايات كثيرة لمتظاهرين عادوا إلى منازلهم أو اعتقلوا، هناك ثورات تتمنى لو أنها تحيا، للناس حكايات مختلفة مع ذكريات عشر سنوات على المرة الأولى التي صرخ فيها السوريون من أجل الحريّة.
لمْ نصدق الثورة في البداية
نظامُ الأسد واحدٌ من أكثر الأنظمة القادرة على تدجين شعبه، كيف؟ يفعل ذلك بطريقة ممنهجة، منذ دخول الطفل إلى المدرسة وإلقاء التحية العسكرية أمام العلم السوريّ مردداً: “قائدنا إلى الأبد، الأمين بشار الأسد”، هل حقاً يعنون بالأبد اللانهاية؟ ارتبط الأسد أباً وابناً بالأبد، بانعدام البديل، الأسد هو الأوحد والوحيد، لذلك لم يتخيل كثر من السوريين قيام الثورة، على رغم شعورهم العميق بالغضب، عاشوا تحت مظلة الأسد مرغمين، أو مقتنعين بألوهيته التي حرص على تحصينها يوماً بعد آخر.
في البداية لم يقتنع كثيرون بمشروعية الثورة، تقول ريم (اسم مستعار): “كنّا خائفين، وجدنا في التظاهرات حينها تهديداً وخطراً محدقاً، لا أستطيع معرفة السبب، كنا خائفين وحسب، ولذلك نعم شتمنا المتظاهرين وقلنا ماذا يريدون حقاً؟”، تعرف اليوم ريم ماذا أراد المتظاهرون. بعد سنوات بدأت الصورة الضبابية تتكشف وما عادت العيون تستطيع تجاهل وحشية النظام، قد يبدو هذا الخوف لريم وغيرها طبيعياً في سياق الديكتاتورية التي مورست عليهم منذ عقود، فارتباط سوريا بالأسد يعني خطورة تغييره التي تُفضي إلى الموت مباشرة، بخاصة بالنسبة إلى الأقليات التي ردد عددٌ منها صراحةً: “لو ذهب الأسد سنُمحى تماماً”، هكذا أقنعهم النظام على مرَّ السنوات. في حصص الدروس الدينية خرجَ الطلاب من الأقليات إلى غرفة أخرى ليأخذوا درسهم، مرة في غرفة المكتبة أو غرفة المعلمين وفي أسوأ الأحوال في غرفة المستخدم، بينما بقي الطلاب الآخرون في غرفة الصف، هذا الشعور حين الخروج ونحن نحملُ الكتب كان يعمّق هذا الانفصال، لنعود إلى الصف ونشعر بالغربة وعدم فهم ما تعلمه رفاقنا، كنا 5 أو 6 طلاب من الأقليات في القرية، أهناك طائفية أكثر من هذه اللحظات؟ كان من المريب أن تظهر فكرة الطائفية مباشرة مع بدء الثورة حتى وإن وجِدَت بين المتطرفين، وهو أمر طبيعي لكن النظام أيضاً حرص على تعزيز هذا الخوف، وهذا ما تطرقت إليه فرح (اسم مستعار): “في أول مسيرة مؤيدة خرجنا فيها لدعم الأسد، كان المؤيدون يرددون: لا للطائفية. ورددت كما الجميع مقتنعة بأنَّ سوريا تتعرض لتهديد الانقسام الطائفي، وبعد مرور السنين حين تحوّلت إلى معارضة للنظام فكرتُ لِماذا جعلونا نردد هذا الشعار، على رغم أن الثورة كانت لا تزال في بدايتها ولم تتعدَّ في حينها متظاهري درعا؟ يبدو أنهم كانوا يؤدلجون أدمغتنا مسبقاً”.
ازدياد عدد معارضي الداخل
دعمت وحشية “داعش” والفصائل المتطرفة نظرية الأسد الطائفية وهذا ما دفع البعض لترديد: “الأسد أحسن من غيرو”، هؤلاء الخائفون من الإبادة الجماعية أو النزوح لم يعرفوا أن النظام كان الطرف الأساسي فيها. لكن المفاجئ اليوم أن الأشخاص الذين كانوا يقولون “لو ذهب الأسد سنُمحى تماماً”، اقتنعوا بأن وجوده يزيد الوضع سوءاً يوماً بعد آخر، وأن “داعش” ليس الخطر الوحيد، فديكتاتورية النظام وعدم منحه مكوناته الاجتماعية الأمان والحقوق ذاتها وفصل الدين عن الدولة أوصل الأقليات إلى هذا الخوف المشروع. يُعتبر هذا الأمر بحد ذاته بداية للتغيير حتى لو جاء بعد سنوات، أي مع ظهور معارضين جدد لهذا النظام، كانوا في يوم ما مؤيدين له وهم في زيادة لا يمكن تجاهلها سواء في الدوائر الضيقة أو حتى في الجمل المبطنة بين الغرباء. في ذكرى الثورة قال لي البقّال “إنّها عشرة أيام أتتخيلين!”. فأجبته وأنا خارجة “وقد تأتي عشرة أيام غيرها!”. يعلم النظام هذا ويدرك أن الناس بدأوا يغلون غضباً لذلك يزداد وحشية، يقول جورج: “بات معارضو الداخل أكثر، إنهم يزدادون يوماً بعد آخر، وعلى رغم ظهور بعض العبارات الطائفية في بعض التظاهرات عرفتُ أنها حالة شاذة وبقيت مؤمناً بأن تغيير النظام هو الحل لنتخلص من هذه العبارة، ليست المشكلة في الذين يرددونها بل بمن جعلنا نخاف ونقتنع بأن الآخر خطير”.
لكن يبدو أن ازدياد عدد المعارضين يدفع هذا النظام ليجاهر أكثر بقمعيته وبقدرته على إذلال الناس وتذكيرهم بأن ذكرى الثورة هي مجرد يوم غدا فيه أكثر وحشية، يقول طبيب أسناني: “أهناك أوقح من هذا النظام؟ أصدر قراراً برفع أسعار المحروقات وأسطوانات الغاز في ذكرى الثورة وكأنّه يسخر من كلّ ثائر وأعلن عن مِنحة لا تتعدى 11 دولاراً لمرةٍ واحدة، إنّه يسخر منا حقاً!”.
“النظام قتل أخي لكنني مؤيدة له”
ماذا عن أولئك الذين خرجوا في التظاهرات وبقوا في الداخل؟ بدا مفاجئاً هذا التحول والتعقيد في ما يخصُّ الثورة السورية، فالبعض كان مؤيداً وغدا معارضاً والعكس حدث كذلك. توفي أخ السيدة فريال (اسم مستعار) منذ 9 سنوات بعدما رمى النظام صاروخاً على المتظاهرين في منطقة الحجر الأسود في ريف دمشق. تقول فريال: “في البداية كنت ضد النظام وهللنا للثورة، لكن بعدما توفي أخي، مات شيء ما داخلنا”، والآن بعد مرور عشر سنوات بات غريباً أن تعود فريال لتقف إلى جانب النظام، مجبرة على الرضوخ للخيار الوحيد، حتى لا تخسر المزيد من أفراد عائلتها، تقول: “جربنا الثورة وتشردنا، يكفينا، نريد بعض الأمان”، هذه النقطة بالتحديد تُظهِر فداحة ما يحصل داخل سوريا واستفحال أزمة الفرد مع الحريّة والنظام.
بقي كثر من المتظاهرين داخل سوريا، منهم لا يزال تحت مراقبة الأمن السوري، فيما آخرون ما زالوا معتقلين، أو عادوا إلى منازلهم وحسب بعدما فقدوا أحبة لهم أو اعتقل النظام عائلاتهم وأبناءهم، عادوا إلى منازلهم بعدما هتفوا للحرية للمرة الأولى. كمَن يرى الشمس لمرة واحدة ثم يعود إلى الظلام، كان هناك أطفال ونساء وعائلات لا يمكن تجاهلهم، هُدد المعتقلون باغتصاب أخواتهم، يقول رامي (اسم مستعار): “في غرفة التعذيب أخبروني أنهم اعتقلوا أخواتي أيضاً وأنهم يغتصبونهن في الغرفة المجاورة، لاحقاً اكتشفتُ أنهم كذبوا عليّ، رددوا مراراً أنهم سيجلبون والدتي من قبرها ويغتصبونها، كان هذا كافياً لأصمت للأبد بعدما أُفرج عني”.
“لو تنازل بشار قليلاً وسمعنا، لما حدث كلّ ما حدث” إنها العبارة التي تتردد على ألسنة كثيرين، يتخيلون سيناريو أقل دموية، كأن يتصوّّرون أن الأسد باشر بإصلاحات حقيقية ومنح مساحة أكبر لحرية الرأي، يقول سمير (اسم مستعار): “لم يكن ضرورياً أن يرحل في حينها، كان يستطيع الاستماع للمحتجين، كان يستطيع تجاوز مجزرة كبيرة، ويبقى على الكرسي لكن الآن بات وجوده مجزرة دائمة”. يقول مجد (اسم مستعار): “حتى اليوم أفكر، لماذا لم يتعامل بحكمة مع التظاهرات في بدايتها؟ أكان صعباً أن يقول أنا معكم وأسمعكم؟ أتتخيلين كل ما كان سيتغير لو تصرف بتفهم أكبر؟ ماذا لو تنازل عن الحكم؟ ما كانت البلاد لتسقط وما كان ليموت أخي خلال خدمته في الجيش”.
يوماً ما سيهاجر كلّ السوريين
يزداد الضغط في الداخل يوماً بعد آخر، تتردد عبارات “نيال الي هاجر” في كلّ زاوية، صلوات وبحث مستميت عن فرصة لقطع هذه الحدود الملعونة كما يطلق عليها السوريون. في كلّ جلسة هناك خطط للهجرة، بحث عن فرصة نجاة واحدة، وقع بسببها كثر ضحيةً لعمليات نصب واحتيال من أشخاص وعدوهم بمغادرة سوريا إلى الأبد، لكنهم اكتفوا بسرقتهم وتركهم في مهب أزمة اقتصادية وإنسانية أكبر. تقول سلمى (اسم مستعار): “تعرفت في إحدى الصفحات إلى مهرّب وعدني بأنه قادر على إخراجي أنا وعائلتي من البلاد، بعنا معظم ممتلكاتنا وأرسلناها له، في المقابل أرسل لي بعض الأوراق التي بدت رسمية في حينها. اكتشفت أنه محتال وأنني خسرت مالي”. مثل هذه الحوادث تكررت مع أشخاص يائسين، يحلمون بعالم لا يخافون فيه الجوع أو انتقاد حكومة البلد، أشخاص وقعوا ضحية جهلهم وعدم درايتهم وتعلقهم المستميت بالهجرة.
حتى المؤيدون يرغبون بالهجرة؟ كان جوابهم واضحاً: “لو أتيحت فرصة لي ولعائلتي لهاجرت”، وكانت هذه النقطة محيرة، لماذا يرغب المؤيدون الذين صفقوا للأسد بالهجرة؟ وكأنَّ فكرة السلطة منفصلة تماماً عن الحياة الكريمة والديموقراطية، الجميع يائس وخائف، عدا أغنياء الحرب أولئك الذين استغلوا الموت بأفضل صورة. أذكرُ صديقة لي كانت هي وعائلتها معارضين بقوة في السنوات الأولى، مع الوقت بدأ كلامها يتغير وطريقة هجومها على الجيش والأمن السوري تبدو أكثر ليناً مرددةً أسباباً تدفع الأمن للتحرك ضد المتظاهرين، ثم فجأة عاد إيمانها ببشار كرئيس مُنقذ. لاحقاً عرفت أن عائلتها كانت إحدى العائلات المستفيدة من الأزمة والتي بنت ثروتها بطرائق غير مشروعة، حينها أدركت أن السيارات الفارهة ومعاطف الفرو باهظة الثمن تعني أن يبقى بشار على كرسيه.
هذه الحكايات جزء صغير من ألم الداخل وتفتته وخساراته المتتالية والتي باتت السيطرة عليها مستحيلة، أحلام السوريين تتجه نحو الهاوية، غول الجوع يكبر، والجميع يغلي غضباً وألماً بانتظار معجزة ما أو ربما ثورة أخرى.
درج
——————————-
قراءة في إحاطة بيدرسون الأخيرة.. مؤتمر دولي وفق “2254”/ أسامة آغي
فشل الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، كان دافعًا للمبعوث الأممي الخاص بالملف السوري، غير بيدرسون، إلى تقديم إحاطة شاملة حول مفاوضات اللجنة الدستورية، هذه الإحاطة لم تكن كسابقاتها، لأنها وضعت القضية السورية برمتها تحت الضوء.
ووفق إحاطة بيدرسون، فإن الحاجة إلى “صيغة جديدة للنقاش الدولي، وشكل جديد وضروري من أشكال الدبلوماسية والتعاون”، تبدو ملحة وأساسية لدفع عربة تنفيذ القرار “2254”.
هذه الصيغة الدبلوماسية يمكن قراءتها بصورة أعمق، فالشكل الجديد من الدبلوماسية، الذي يطالب به بيدرسون، هو شكل محتواه تعاون دولي، عبر أدوات مختلفة عما تم التعامل به حتى نهاية الجولة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية.
هذه الرؤية تطرح فكرة عقد مؤتمر دولي، بإشراف الأمم المتحدة، قاعدة نقاشاته ومخرجاته هي القرار “2254”، هذا المؤتمر، يجب أن تُدعى إليه مجموعة الدول المنخرطة بالصراع السوري، والتي لها قوات على الأرض السورية، وكذلك دول المجموعة العربية، وممثلون للاتحاد الأوروبي، وأعضاء مجلس الأمن الدائمون وغير الدائمين.
عقد مؤتمر دولي يعني بالضرورة تغييرًا بأساليب العمل وقواعده، وما دامت الغاية من عقده هي دفع عملية الحل السياسي، فوجود هذه الدول مع طرفي الصراع السوري في مؤتمر، تضع جدول أعماله الأمم المتحدة، من خلال جوهر القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن السوري، يسهّل اتخاذ قرارات نافذة.
إن عقد مؤتمر دولي حول سوريا لن يسمح للنظام وحلفائه بوضع عراقيل رئيسة، تُفشل الهدف من انعقاده، فهنا تذوب مساحة تعطيل اتخاذ القرارات أو الإجراءات المطلوبة.
بيدرسون الذي تحدث عن صيغة جديدة للنقاش، كان يدرك بعمق أهمية تحقيق اقتران بين عمل اللجنة الدستورية في جنيف ودبلوماسية دولية بنّاءة بشأن سوريا، تكون داعمة لهذا الجهد، والسبب في ذلك، هو أن القضية السورية ليست ملك الطرفين السوريين المتصارعين فحسب، بل هي ملك للدول المنخرطة بالصراع في سوريا، والتي لها جيوش وميليشيات، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وتركيا، وإيران، ولبنان.
بيدرسون الذي يسعى إلى هذا الهدف، يعرف تمامًا أن ظروفًا موضوعية وذاتية يجب أن تسبق عقد المؤتمر الدولي المنشود، مثل مسألة وقف إطلاق نار حقيقي على المستوى الوطني وفقًا للقرار “2254”، وأن يكون هناك نهج متفق عليه بشأن التصدي للتحدي الذي تمثله جماعات مصنفة إرهابية، ومدرجة على القوائم الخاصة بالصراع السوري.
إن تحريك ملف المفقودين، والمغيّبين قسرًا، والمعتقلين لدى كل الأطراف، هو عامل يجب أن يتم العمل عليه دوليًا، لما له من مفاعيل بإيجاد مربعات ثقة بسيطة بين طرفي الصراع السوري.
إن البقاء في مربع التفاوض الحالي، وفق الصيغة التي انبنى عليها القرار الدولي “2254”، هو بقاء غير بنّاء، لأنه لا يلزم الطرفين المتفاوضين (قوى الثورة والمعارضة، والنظام السوري) بآليات عمل محددة وملزمة، وبنفس الوقت، لا يلزمهم بجدول زمني، وهذا معناه أن ما يجري ليس تفاوضًا بل مراوحة في المكان.
بيدرسون أدرك خطر هذه المراوحة، وقال عنها إنها إذا استمرت لفترة طويلة فإنها ستشكل خطرًا حقيقيًا على العملية السياسية برمتها، ولتجنب مثل هذا الخطر، ينبغي التفاوض عبر إرادة سياسية من جميع الأطراف، وهذا لم يكن ممكنًا حتى اللحظة، في ظلّ غياب جدولة للتفاوض ووجود لآليات هذا التفاوض المنتج.
إن عقد مؤتمر دولي بالصورة التي قاربها بيدرسون، هو فعل إيجابي واضح الأهداف والمرامي، ولعل عقده يكون مخرجًا يحفظ ماء وجه الدول المنخرطة بالصراع السوري، وتحديدًا التي دخلت هذا الصراع على قاعدة الاستثمار السياسي والاقتصادي والعسكري.
الروس سيكونون في طليعة من يتخلص من أسر مستنقع الصراع السوري، فهذا الصراع في وضعه الحالي صار مكلفًا، لا بل مرتفع التكلفة، بما لن يستطيعوا دفع فواتيره لزمن أطول، ولهذا يبدو طريق عقد المؤتمر مخرجًا آمنًا لهم، على اعتبار أنه مؤتمر تعقده الأمم المتحدة، وفق قاعدة القرار “2254”.
إن الروس يمكنهم الموافقة على هذه الخطوة، إذا تمّ العمل عليها بالتعاون بينهم وبين الأوروبيين والأمريكيين، فالأخيران مصرّان على تنفيذ القرارات الدولية، وهذا المؤتمر يشكّل مظلة لها، ولذلك تبدو خطوة عقد المؤتمر الدولي أفضل من بالونات الاختبار، المتمثلة بفكرة تشكيل مجلس عسكري انتقالي خارج القرار الدولي.
الإيرانيون سيقبلون بحصة اقتصادية في السوق السورية اللاحقة، وهذا يعني وقف نزيف قواتهم وميليشياتهم على الأرض السورية، التي تتلقى الضربات من إسرائيل أو قوى الثورة والمعارضة، وبنفس الوقت تشكل خطوة حضور إيران المؤتمر الدولي فرصة لها، لمنع حدوث حرب على قواتها في فترة مقبلة على الأرض السورية.
تركيا هي الأخرى لا تمانع من عقد مؤتمر دولي حول سوريا، فمثل هذا المؤتمر، لن يسمح بطرح صيغ سياسية تتناقض واستقلال البلاد، حتى لو أخذت صيغة فيدرالية، أو صيغة حكم ذاتي قرب حدودها.
الأتراك ليسوا متشبثين بالبقاء في مناطق الشريط الحدودي السوري- التركي، ما دام المؤتمر الدولي سيأتي بحكومة انتقالية وطنية تمثّل كل السوريين، وفق دستور يقر بحقوق هذه المكونات بالمشاركة الفعالة سياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا.
الأمريكيون ومعهم الأوروبيون، ليسوا ضد تحقيق انتقال سياسي، عبر مؤتمر دولي جوهر فعاليته يستند إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن. ولهذا سيكون هذا المؤتمر خطوة أولى باتجاه عقد مؤتمر آخر للدول المانحة، التي ستسهم بعملية إعادة الإعمار في سوريا.
هذا المؤتمر لن يعجب النظام السوري، ولن يشكّل له مخرجًا وفق تصوراته المبنية على إعادة تأهيله، ولهذا لن يقبل به إلّا تحت شروط تضمن له بعض ما يريده، مثل عدم محاكمة المتورطين من أركانه، وهذا أمر لا يمكنه الحصول عليه في حين تتكدس وثائق تثبت جرائمه ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبها.
النظام في ظل انعقاد هذا المؤتمر، لن يفعل أكثر من تدبير مكان آمن يقبله ويحميه من تبعات محاكمات دولية.
وفق ما تقدّم، يمكن القول، إن الضرورة التاريخية لتغيير الوضع المأساوي في سوريا صارت ضرورة ملحة لكل اللاعبين بهذا الملف، وإن أي تأخير في دفع عربة السلام في سوريا، سيراكم من قيم الفواتير التي سيدفعها المتورطون بالصراع السوري، كل وفق نسبة تورطه.
فهل يذهب المتورطون الدوليون بالصراع السوري إلى عقد مؤتمر دولي يحفظ ماء وجوههم، أم أن المكابرة قد تفعل العكس؟
عنب بلدي
———————-
ماذا بعد تصريح إسرائيل العلني بحماية النظام؟/ محمد حبش
منذ وصل حزب البعث إلى السلطة، رفع شعار المؤامرة؛ فنحن “دولة مواجهة”، وعلينا أن نحشد الطاقات للمواجهة مع إسرائيل، ولتدمير المشروع الصهيوني وداعميه. وبسرعة، انتقلت المواجهة ضد إسرائيل إلى داعميها أيضًا؛ فصارت أميركا وأوروبا ودول الخليج كلّها دولًا ضالعة في المؤامرة الكونية التي تستهدف “صمودنا وبقاءنا”.
وفي سبيل المؤامرة، علينا أن نوقف كل خطط التنمية والبناء، فلا ضرورة في هذه المرحلة لجامعات حديثة ولا لتكنولوجيا متقدمة ولا لعقود مع الدول القوية في استثمار الغاز والنفط، ولا وقت لدينا، في قطار الصمود، للحريات والديمقراطيات وغيرها من العناوين الباهتة التي توهن نفسية الأمة وتضعف الشعور القومي، ولا وقت في هذه الأيام الثورية الصاخبة إلا للمواجهة والصمود، ولا صوت يعلو على صوت المعركة!!
وكان من المألوف تمامًا أن فلاسفة المقاومة، في التدريب الجامعي وفي حصة القومية، يحذروننا دومًا من الدخول في الأسرة الدولية واحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، وكانوا يستشهدون بمصير اليابان وألمانيا والنمسا، وغيرها من الدول التي استسلمت لاتفاقيات الأمم المتحدة وفقدت استقلالها الحقيقي، حيث كانت توصف اليابان وألمانيا، بأنها “الدول المسكينة البائسة التي فقدت سيادتها الوطنية، وصارت ألعوبة في يد أميركا التي تحقق أطماعها”!!! فيما لا زلنا “نحافظ على كبريائنا وشموخنا”، ونشتم من نريد من دول العالم بكل اعتزاز!!
وكان مطلوبًا أن تخرج من ساعة القومية وأنت تحسبل وتحوقل أسفًا على الشعبَين الياباني والألماني المسكينين، فعلى الرغم من تصدرهما العالم بالصناعات والاقتصاد والحريات، فإنهما لا يستطيعان أن يقولا (لا) لأميركا، في حين أننا نقول (لا) و(كلا) ولعمر الله وايم الله، وغيرها من عبارات الرفض والغباء التي تفوح بها معاجمنا، ونغلق عن عمد كل نوافذ الحرية والديمقراطية، حفاظًا على المناخ الثوري في بلادنا البائسة. وقد احتمل الشعب السوري هذا العناء كله، بعزيمة وصبر، وانتظر الإصلاح عامًا بعد عام، ومارس الأمل والتفاؤل، وانتظر أن تسطع شمس الحرية بلا غضب ولا ثورة.
وبعد نصف قرن من الأوهام والدجل؛ خرج الشعب السوري في ثورته في غمار رياح الربيع العربي، بعد أن فقد كل شيء في غبار معركة فارغة قادتها سياسات التحدي والتناحة والمقاومة، وأخسرتنا العالم كله، ولم تستطع تحرير شبر واحد من الجولان!!
لا أدري لماذا يتآمر العالم على بلدنا التعيس، ولا يتآمر على دولٍ تجري من تحتها أنهار الذهب والفوسفات والنفط، حيث كانت شعوب كثيرة تعيش على الناقة والبعير، ولكنها انفتحت على العالم، فاستثمرت خيراتها مع الشعوب المتحضرة، وربح الجميع ولم يخسر أحد، وتعاونت مع أمم الأرض في استخراج خيراتها واستثمار طاقاتها، وتحقيق نهضتها، فقلبت جهلها عملًا، وتخلفها تقدمًا، وأصبحت تثير إعجاب العالم بنجاحها وتفوقها ودبلوماسيتها المنفتحة المسؤولة!
حدد النظام سياسته الواضحة: الحريات ممنوعة والديمقراطية ممنوعة وتداول السلطة ممنوع، فالمرحلة لا تحتمل الترف الديمقراطي، والمواجهة قادمة، والعدوّ يحيط بنا من كل جانب، ومع أن العدو هو إسرائيل، فقد أضيف إليها كلّ دولة تناشد سورية منح الحرية لشعبها، وصارت في زمرة الأعداء، فأميركا متآمرة، وأوروبا كلّها مشطوبة من الخارطة، وجامعة الدول العربية هي جامعة الغدر والتطبيع والبترودولار والأنظمة الخيانية المتآمرة، والشعب الذي ملأ الساحات هو أيضًا شعبٌ متآمر، والملايين الذين غادروا مهاجرين هم أيضًا متآمرون باعوا وطنهم، واستمر خطاب المقاومة هادرًا، ولا بأس في سبيل المقاومة أن نبيع العرب ونستجلب الفرس، وأن نقاطع الأنظمة الحرّة ونتحالف مع ولاية الفقيه، وأن ندافع عن حرية الشعب الفلسطيني في فلسطين، ونحرق المخيم على رؤوس أهله، إن هم طالبوا بالحرية، في سورية..
وفي غمار انهيار كامل في الدولة واقتصادها وعملتها وسياستها الخارجية، نالت فيه سورية سلسلة ألقاب مخزية: أفقر دولة في العالم، وأحط دخل في العالم، وأقلّ بلاد الدنيا أمنًا وأكثرها رعبًا، وأفشل جواز سفر في العالم، وأغلى جواز سفر في العالم، والبلد الوحيد في العالم الذي يحتاج أهله إلى مئة دولار لكل فرد حتى يدخلوا إليه، وربما إلى مئة ألف حتى يخرجوا منه، ووطن مدمر وخزائن فارغة وسجون ممتلئة؛ ما يزال الخطاب الرسمي للنظام ومواليه: هذه ضرورات المعركة والنصرُ قادم على إسرائيل!!
إسرائيل التي كانت تسرّب منذ عقود إعجابها بهذا النظام، الذي يملأ الدنيا جعجعة ولا يجمع رزًا ولا قمحًا، باتت تصرح اليوم -عبر أعلى مستوياتها- بأن أفضل أحوال إسرائيل أن يبقى هذا الجار العاجز بقيادته الحالية وخطاباته الثورية الفارغة أمينًا موثوقًا به لحماية المصالح الاستراتيجية الأساسية لإسرائيل، حيث مطاراته وقواعده ملطشة مفتوحة للصواريخ الإسرائيلية، وهو لا يزال يحتفظ منذ 48 عامًا بحق الرد، من دون أن يطلق هو أو حليفه الإيراني طلقة رصاص واحدة على الجولان.
لا أدري إلى أين سيذهب فلاسفة المقاومة بالموقف الإسرائيلي الجديد، الذي يصرّح اليوم علنًا بأنه يقوم بما يجب، لإقناع العالم بضرورة بقاء هذا النظام التعيس، فهو أنسب أشكال الأنظمة لاستقرار إسرائيل، ولكنهم على الفور بدؤوا يطلّون من الشاشات الكئيبة، يعيدون أسطوانة التناحة والصمود، وقد صرّح أحد أصواته الهائجة بأنّ “أعظم رد على إسرائيل هو عدم الردّ عليها، ونحن قادرون خمسين عامًا أخرى على أن نتلقى القصف الإسرائيلي من دون أن نرد عليهم بشيء، ومع ذلك، لن نتوقف عن شتمهم وتحديهم”!!
لست أدري أما زال أحدٌ في الوطن يؤمن بأنهم يمارسون المقاومة؟ وأما زال أحد يصدق أن هذا الهوان والذل والقهر الذي يعيشه المواطن السوري هو نتيجة للصمود والتصدي؟
انتهى عقدٌ من عمر الثورة، وسيبدأ عقدٌ جديد، وكلّي أملٌ بأن يستيقظ جيل المسايرة والمداهنة والمداراة، والتبرير لوليّ الأمر، بعد هذه السنين العشرة البائسة، وأن يدركوا أنهم يتحملون جزءًا كبيرًا من المسؤولية في تغوّل الاستبداد ومظالمه؟
إذا لم تكن قادرًا على قول الحق، فلا تصفّق للباطل.
مركز حرمون
———————–
كشّ ملك/ عبير نصر
وسط التوتر المتصاعد بين واشنطن وموسكو، وفي سبيلِ السعي الحثيثِ لتسكينِ الأزمة السورية تمهيداً للانتخابات الرئاسية القادمة، اعتمدتْ روسيا، مؤخراً، استراتيجيةَ الغزلِ الصريح للدولِ العربية، ذاتِ التأثيرِ الكبير في الملفّ السوري، ومثّلتْ إعادةُ سوريا إلى محيطها العربي والإقليمي، وتحديداً إلى الجامعة العربية، المطلبَ الرئيسي الذي حمله وزيرُ الخارجية الروسي، في جولته الخليجية التي زار خلالها أبو ظبي والرياض والدوحة، وفي الرياض سمع لافروف موقفاً متناسباً مع المطلبِ الروسي، لكن ردّ واشنطن سرعان ما أتى في الاتجاه المعاكس، حيث رأى متحدّثٌ باسم وزارة الخارجية الأميركية، أنّ الأزمةَ الإنسانيّة الشديدة الخطورة في سوريا هي نتيجةٌ مباشرةٌ لعرقلةِ الأسد للمساعداتِ المُنقذةِ للحياة، والفسادِ المنهجي، وسوء الإدارة الاقتصادية، وليستْ بسببِ قانون قيصر، كما يحلو للنظام السوري أن يدّعيه.
ويبدو أنّ موسكو تركز على قطر، التي ورغم فقدانها جزءاً كبيراً من دورها خلال الأزمة السورية، إلا أنّها ما تزال تحتفظ بشيء من النفوذِ عبر مساهماتها في الجهودِ التركية، واتصالها بعددٍ كبير من قياديّي المعارضةِ الموجودين على أراضيها، أو حتّى داخل سوريا، ولأجلِ هذا اجتمع وزيرُ الخارجية الروسي مع نظيريه القطري والتركي، في العاصمة الدوحة، وفي المنصةِ الثلاثية التي غاب عنها الإيرانيون، أصدرتِ الدولُ الثلاث بياناً مشتركاً، أكدتْ فيه حرصها على الحفاظِ على سيادةِ واستقلالِ ووحدةِ الأراضي السورية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وأعربتْ عن قناعتها بأنّه لا يوجد حلٌّ عسكري للنزاع السوري، كما شدّدتْ على أهميةِ دورِ اللجنة الدستورية، وعلى احترامها لقواعدها الإجرائية الأساسية، كما وضعتها الأطراف السورية، مؤكدة العزم على المساعدةِ في تقديمِ عمليةٍ سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة، من أجل مساعدةِ أطراف الأزمة في التوصّلِ إلى حلّ سياسيّ، وفقاً للقرار رقم 2254.
ويستهدفُ هذا المسعى الروسي المتجدّد، كسْرَ عزلة دمشق في محيطها، إلا أنّ دولَ ذلك المحيط، وتحديداً الخليجية، ما تزال تتحرّك تحت السقفِ الأميركي الرافضِ لعودةِ سوريا إلى (الجامعة العربية)، والمهدِّد لأيّ دولةٍ تعمل على إعادةِ علاقاتها معها، خصوصاً في الجانب الاقتصادي، في وقتٍ جدّد فيه المتحدّث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، موقفَ بلاده من المأساةِ السورية، مؤكداً (أنَّ الولاياتِ المتحدةَ لن تُطبّعَ العلاقات مع النظام في أيّ وقت، وأنّ واشنطن ستستخدم مجموعةً متنوّعةً من الأدواتِ المتاحة، للضغطِ من أجلِ حلّ مستدامٍ ينهي معاناة السوريين)، في إشارةٍ إلى نيّتها الاستمرار في سياسةِ الخنق ضدّ دمشق.
وروسيا التي أقرّت مسودةَ المشروع الروسي للدستور السوري عام (2017)، والتي سمحتْ للرئيسِ السوري، بتولّي هذا المنصب، نظرياً، حتى عام 2035، أي بمعدّلِ ولايتين أخريين على الأقل، تعود للتأكيدِ على موقفها الداعم لبشار الأسد، رغم تعنّته في إظهارِ المزيد من المرونةِ في المحادثاتِ مع المعارضة السورية، حيث أكدَ النائبُ الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، (ديمتري بوليانسكي)، وخلال مؤتمرٍ صحفي، على دعمه المباشر والصريح للانتخاباتِ الرئاسيةِ السورية، بقوله (علينا جميعاً أن نساعدَ في تنظيمِ هذه الانتخابات، هذا هو موقفنا)، وأشار إلى أنّ سوريا (لديها الحق الكامل) في إجراء الانتخابات، حيث (لا توجد أحكام قد تعرقل ذلك)، وأوضح أنّ الاستحقاقَ الانتخابي ووضعَ الدستور الجديد عمليتان مختلفتان، لذا لا أسباب منطقية لاعتبار الاقتراعِ غير دستوري.
كما وجه (ديمتري سابلين)، بدوره، وهو منسّق المجموعة المعنيّة بالروابط مع سوريا في مجلس الدوما الروسي، وجه انتقاداتٍ شديدةَ اللهجة إلى سلطاتِ المملكة المتحدة على خلفيةِ إطلاق الشرطة البريطانية تحقيقاً أولياً بحقّ السيدة السورية الأولى، والتي وصفها بالمرأةِ الشجاعة التي تؤدي عملاً هائلاً في بلادها، حيث تواجه أسماء الأسد خطرَ المحاكمة في البلدِ الذي تحمل جنسيته، في مزاعم تورّطها في التحريضِ على ارتكابِ أعمالٍ إرهابية في ظلّ النظام الحالي، وكلّ ذلك يقلّل من قدرتها على السعي لتعويمِ نفسها على الواجهةِ ضمن النظام، بعدما حدّتْ من نفوذِ (حيتانٍ) كانوا يشكلون العصبَ الاقتصادي للنظام السوري، وعلى رأسهم رامي مخلوف، فسحبتْ منهم كافّة الامتيازات، وجعلتهم ضمنَ دائرةِ الملاحقةِ القضائيةِ والأمنيةِ الضيّقة، وجاء التحقيقُ بعدما وجهتْ مجموعةٌ من الشخصياتِ السوريةِ المعارضة رسالةً إلى الحكومةِ البريطانية أواخر العام الماضي للمطالبةِ بفرض عقوباتٍ على أسماء وأخويها الذين يحملون الجنسيةَ البريطانية.
وفي أيام العدّ التنازلي للانتخاباتِ الرئاسيةِ السورية، المزمع عقدها بين 16 نيسان/ أبريل -16 أيار/ مايو، تحاول روسيا خلقَ جوٍّ من التهدئةِ بعيداً عن التوتر بين أوساط الحاضنة الشعبية في مناطق سيطرة النظام، لاسيما في مناطق الجنوب السوري، التي ورغم عودتها لسلطة الأسد قبل عامين، إلا أنها ما تزال شوكاً ناعماً تؤرقه باحتجاجاتٍ وتحركاتٍ مسلحة بين الفترة والأخرى، وعلى اعتبار أنّ نتائجَ الانتخابات محسومةٌ مسبقاً لصالح بشار الأسد، كسابقتها في عام 2014، إلا أنّ مراقبين اعتبروا تحركات موسكو الأخيرة تصبُّ في إطار نسجها لصورةٍ عنوانها الاستقرار، ليس فقط من أجل كسبِ الأصوات، بل لإظهارِ مناطق سيطرة النظام بأنها (تؤيد الأسد بشكل خالص)، فتكون رسالةً شديدةَ اللهجة موجهةً للمجتمع الدولي، الذي يرفضُ إجراءَ انتخاباتٍ رئاسية، كون ملايين السوريين يعيشون خارج وطنهم الأم في بلدان اللجوء، ومناطق النزوح الخاضعة للمعارضة السورية، في وقتٍ كانت فيه الولاياتُ المتحدة الأميركية قد جددتْ رفضها المتكرر للانتخابات التي يحضّر لها الأسد والروس معاً، ويتوافق هذا الموقف مع الاتحاد الأوروبي الذي أعلن في ديسمبر الماضي، على لسانِ الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، (أنّ الانتخابات ذات المغزى في سوريا، هي فقط تلك التي تُجرى على أساسِ دستورٍ سوريّ جديد، وبموجبِ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254).
وأكد مراقبون أنّ موسكو التي بذلتْ في الفترةِ الأخيرة جهوداً مكثّفة لإعادةِ اللاجئين، إلى جانب تدابيرَ موازيةٍ لتجميعِ أكبر عددٍ من السوريين في الداخل، كان هدفُها التقرّبَ من المواطنين ضمن وعودٍ (زئبقيةٍ) لتغييرِ مسير السلطة، وليس تغييرها نفسها، في هذا الوقت تبدي المعارضةُ السوريةُ فشلاً ذريعاً في أدائها السياسي، وليس آخرَ أخطائها القاتلة، إعلانُ الائتلافِ السوريّ المعارض عن تشكيلِ مفوضيّةٍ عليا للانتخابات، أثارتْ تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانتْ هذه الخطوة تمهيداً لمشاركةِ المعارضةِ السورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما اعتبرها البعضُ خطوةً للاعترافِ بشرعيةِ النظام السوري في خوضِ الاستحقاق الرئاسي القادم، وتعويمه عن قصدٍ أو بدون قصد، بعد أيامٍ قليلةٍ، يتراجع رئيسُ الائتلاف عن قراره بتشكيلِ مفوضيّةِ الانتخابات، مؤكداً أنّه لن يشاركَ في أيّ عمليةٍ انتخابيةٍ إلى جانب بشار الأسد، وأنّ الحجرَ الأساسَ في بناء العمليةِ السياسية تبدأ من حكمٍ انتقالي، حتّى لو تم َّالتوصلُ إلى مسودةِ دستور، ودون الحكم الانتقالي لا يمكن عودةُ ملايين اللاجئين، ولا يمكن مكافحةُ الإرهاب، ودعا الدولَ الداعمةَ للحلّ السياسي في سوريا إلى عدمِ الاعترافِ بالانتخاباتِ المقبلةِ سياسياً وقانونياً، وفي الحقيقةِ تبدو المناكفات السياسية التي تحتدم في ساحةِ الانتخابات الرئاسية السورية، أشبه بلعبةِ شطرنجٍ حاميةِ الوطيس بين واشنطن وموسكو وحلفائهما، وسقوطُ الملكِ فيها يتطلّبُ التفكيرَ مليّاً خطواتٍ إلى الأمام، ما يضع عشرات الاحتمالاتِ لكلّ حركةٍ غير متوقعة.
ليفانت : عبير نصر
—————————
لا حلّ في سوريا إلا عبر توافق أمريكي روسي/ عبدالعزيز مطر
عشر سنوات مرت منذ اندلاع الانتفاضة السورية التي قام بها شباب سوريون يبحثون عن الحرية، وأحداث كثيره مرّت وتعاقبت شهدتها هذه الانتفاضة، ومراحل متعاقبة مرت بها انتفاضة هذا الشعب التي حولتها من أيقونة ورمز للمطالبة بالحرية إلى مأساة وكارثة ألمّت بالشعب السوري بفعل التأثيرات الخارجيه والداخلية والطريقة التدميرية البشعة التي تعاملت بها سلطة الاستبداد مع مطالب الشعب السوري الذي يبحث عن الكرامة والحرية.
ومنذ إطلاق النظام لقطعان التطرّف والإرهاب، الذين كان يحتجزهم في سجونه، إلى تحول المشهد السوري من مسألة نضال شعب ضد نظام وسلطة مستبدة إلى صراع بين قوى إقليمية ودولية على الأراضي السورية، بعد ارتهان السلطة السورية واستنجادها بأذرع إيران الإرهابيّة لإخماد ثورة الشعب السوري والجرائم الكبيرة الذي نتجت عن هذا التدخل وتدمير البنى التحتية والاقتصادية والمجتمعيه السورية، الأمر الذي انعكس بصورة مأساوية على حياة الشعب والمواطن السوري.
ومما زاد الطين بلة، تحول المجتمع الدولي والقوى الدولية خلال السنين الماضية عن واجبه ومسؤولياته لإنهاء هذه المأساة إلى إدارة هذه النزاع، مما أطال في أمد هذه الكارثة. كل ذلك بفعل تناقض المصالح الإقليمية والدولية على الأرض السورية وارتهان القرار الوطني والسيادي لطرفي الصراع في سوريا لدى قوى إقليمية ودولية، وتماهي الطرفان مع هذه المصالح على حساب مصالح الشعب السوري.. هذا الارتهان جعل من سوريا ومن الشعب السوري وترابه ساحة لتصفية الحسابات بين مختلف القوى، مما جعل السوريون جميعهم تواقين للخلاص من هذه المأساة.
وفي ظل المعاناة الكبيرة التي يعيشها الشعب السوري، فإنّه يتطلع لأي بارقة أمل في إنهاء هذا النزاع، ويرى أي جهد يبذل في هذا الإطار خطوة جيدة لإنهاء مأساته، وحتى لو كانت هذه الخطوات غير فعالة اتجاه إنهاء الأزمة السورية. ويعلم الكثير من الساسة والمراقبين بتمعن للوضع السوري أنّ حلّ هذه المسألة يتم عبر توافق دولي، يرعاه في الدرجة الأولى القرار الأمريكي وتوجهات السياسة الأمريكية الجديدة، وأنّ أي حل فعال وتوجه فعال لإنهاء هذه المأساة لا بد أن يكون مصحوباً بتوجّه فعال للسياسة الأمريكيه وإدارتها الجديدة بالتوافق مع الدور الروسي، الذي بات وجوده في سوريا أمراً واقعياً وتأثيره في الوضع السوري واضح للعيان.
وما شهدناه مؤخراً حول المبادرة الثلاثية، الروسية التركية القطرية، لا تعدو كونها لفت انتباه من جانب قوى دولية وإقليمية لتوجيه اهتمام السياسة الأمريكية للبحث وإيجاد مخرج حقيقي للأزمة السورية، فأيّ جهد أو مبادرة أو توجّه لإنهاء هذه المأساة سيكون قاصراً وضعيفاً بدون وجود المشاركة الفعالة للسياسة الأمريكية، والسنوات الماضية في عمر هذه المأساة تؤكد هذا التوجه، وتؤكد أنّ جميع المبادرات والمسارات لحلّ الأزمة، من أستانا وسوتشي وغيرها، كانت قاصرة وضعيفة، بسبب عدم رضا أو مشاركة أو دعم السياسة الأمريكية لها.
وبالتأكيد هناك مصالح دولية في سوريا ستسعى القوى الدولية لتحقيقها من خلال أي جهد لإنهاء هذه الكارثة، وهذا لا يمكن توفره إلا بتوافق أمريكي روسي على حلّ الأزمة السورية، بغضّ النظر عن مصالح الأطراف الإقليمية الأخرى، كون تلك المصالح مرتبطة إلى حدّ ما بالقرار الأمريكي أو القرار الروسي، وبالتأكيد إنّ أي توافق بين الأمريكي والروسي سينال الدعم المباشر والموافقة من قبل الدول الإقليمية الأخرى.
إنّ التداخلات والمبادرات الإقليمية السابقة أضعفت كثيراً مسارات الحل في المسألة السورية، وتسببت في إطالة أمد آلام السوريين، وعمقت الكثير من جراح الشعب السوري، وابتعدت كثيراً عن مسار الحلّ الأساسي، وهو مسار جنيف، وحاولت قوى إقليمية، بالتعاون مع الروس، لإضعاف مسار جنيف والالتفاف حول القرار ٢٢٥٤، ولكن في النهاية فشلت كل هذه المسارات فشلاً ذريعاً في وضع حدّ لهذا النزاع الذي أرهق الجميع، ووصل الجميع لقناعة أنّه لايمكن تحقيق الاستقرار في سوريا إلا من خلال قرار جنيف ٢٢٥٤، ومن خلال الدور الأمريكي الفعال المدعوم بتفاهم من الروس حول تطبيق هذا القرار وآلياته، وبات من الواضح أنّ الجانب الروسي الذي قدم الدعم الكثير لسلطة الاستبداد في سوريا لن يستطيع الحفاظ على مصالحه وماحققه خلال السنوات الماضية من مكاسب اقتصادية وجيوسياسية في سوريا إلا بتوافق مع السياسة الأمريكية من جهة، ومن خلال التخلي عن العبء الثقيل الذي أصبح يشكله النظام السوري ورأس النظام على السياسة والمصالح الروسية من جهة أخرى.
إنّ التكاليف الباهظة التي يتطلبها دعم نظام تخلّى عنه الجميع وفقد شرعيته، الداخلية والخارجية، وأصبح عاجزاً عن ممارسة دور قيادة الدولة السورية وتحقيق إعادة الاستقرار في سوريا بفعل تفاقم الأزمة الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية في سوريا، جعلت من أوليات السياسة الروسية المضي قدماً لإيجاد مخرج لإنهاء هذه الأزمة والتخلص من هذا العبء، وإنّ امتناع القوى الدولية عن تقديم أي مساعدات أو ضمانات لتقديمها في ظلّ وجود هذا النظام، حتى ولو كان رمزياً، وإصرار جميع القوى الإقليمية والدولية، صاحبة اليد الطولى، اقتصادياً ومالياً، الانخراط في ملف إعادة الإعمار بوجود هذا النظام جعل توجه السياسة الروسية تتجه لمسار أكثر جدية للتوافق مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لحلحلة الوضع والانسداد السياسي في المسألة السورية.
وفي هذا الخضم جميعه، وبانتظار هذا التوافق يتطلع السوريون للتفاعل مع أي جهد أو أي بارقة أمل تنقذهم من هذه الكارثة التي طال أمدها، والتي يتحمّل جزءاً كبيراً منها النظام السوري، وأصبحت تشكل مصدر قلق لدول الجوار والخوف من انزلاق الأمور لمستويات أكثر خطورة، ويتحمل الجزء الآخر المعارضة العقيمة التي أصبحت عاجزة ولم تقدّم نموذجاً يقبل به المجتمع الدولي، على مر السنوات الماضية.
بالتأكيد هناك بوادر أمل تلوح بالأفق ونشاطات سياسية قد تشهدها الساحة الدولية قريباً، على صعيد وضع حدّ للمأساة السورية التي آلمت كل ضمير حي في هذا العالم.
——————————-
======================
تحديث 25 أذار 2021
—————————-
مباحثات أميركية تركية حول سورية ودعوات دولية لمحاسبة النظام/ عدنان أحمد
بحث مسؤولون أميركيون تطورات الملف السوري مع مسؤولين أتراك ومع المعارضة السورية، فيما دعت السفارة الأميركية في دمشق النظام السوري للإفراج عن المعتقلين تعسفياً والكشف عن أماكن وجود المفقودين، وذلك بعد تبني مجلس حقوق الإنسان قراراً يدين انتهاكات النظام ويطالب بالإفراج عن المعتقلين.
وبحث وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس الأربعاء، مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، عدداً من القضايا، بينها الوضع في سورية.
ووفق وكالة “الأناضول”، فقد عقد الوزيران اجتماعاً في مقر “حلف شمال الأطلسي”(الناتو) في العاصمة البلجيكية بروكسل، خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في الحلف، بحثا خلاله العلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى ملفات سورية، والعراق، وليبيا، ومنظومة الصواريخ الروسية لتركيا.
وهذه المحادثات هي الثانية التي يجريها الطرفان حول سورية خلال الساعات الماضية، حيث كان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن بحث في وقت سابق، خلال اتصال هاتفي مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أهمية دعم مساعي الحل السياسي من أجل إحلال السلام والاستقرار الدائم في سورية، وضرورة وقف الهجمات ضد المدنيين، وفق بيان صادر عن مكتب الرئاسة التركية.
وقدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أخيراً، للغرب 3 سيناريوهات للحل في سورية، داعياً إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للعمل مع تركيا من أجل تحقيق الوعود التي أطلقها في الحملة الانتخابية بشأن إنهاء المحنة السورية.
في غضون ذلك، بحث رئيس الائتلاف الوطني السوري نصر الحريري، مع المسؤولين السياسيين في البرنامج الأميركي لدعم سورية في الخارجية الأميركية راندال كائيلو وإيميلي براندت، مستجدات الأوضاع الميدانية والسياسية في سورية.
ونقل موقع “الائتلاف الوطني” عن الحريري تأكيده “أهمية أن يبقى الملف السوري حياً وفعالاً على طاولة اهتمام الدول الصديقة للشعب السوري، وضرورة دعم الاتجاه الدولي لمحاسبة النظام على جرائم الحرب التي يرتكبها، ومنع تعويمه أو السماح بإعادة تدويره”.
وأشار إلى أن “النظام لا يزال يماطل ويعرقل عمل اللجنة الدستورية، ويحاول كسب الوقت من أجل إجراء انتخاباته غير الشرعية”، مشدداً على ضرورة إلزام “العملية الدستورية بجدول زمني وإلزام النظام بالقواعد الإجرائية لعمل اللجنة الدستورية”.
وأوضح الحريري أن “إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المختفين قسرياً هو الشيء الوحيد الذي قد يعتبر خطوة إيجابية ملموسة في مقاييس بناء الثقة، لكن دفع العملية السياسية يعتمد على الخوض في المضامين الدستورية، وكتابة مسودة دستور جديد”.
من جهته، أكد الجانب الأميركي مواصلة الإدارة الأميركية دعم تطلعات الشعب السوري في تحقيق الحرية والديمقراطية، والوصول إلى انتقال سياسي وفق القرار 2254، كما أنها تدعم اتجاه محاسبة النظام على جرائم الحرب التي ارتكبها ضد الشعب السوري.
وفي سياق متصل، دعت السفارة الأميركية في دمشق نظام الأسد للإفراج عن المعتقلين في سجونه تعسفياً والكشف عن أماكن وجود المفقودين.
وطالبت السفارة بمحاسبة نظام الأسد على انتهاكاته الممنهجة لحقوق الإنسان، في بيان بمناسبة اليوم الدولي للحق في معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكرامة الضحايا.
وقالت السفارة: “نحيي ذكرى ضحايا انتهاكات نظام الأسد الوحشية لحقوق الإنسان والعديد من السوريين الشجعان الذين يواصلون اليوم المطالبة بالحرية والكرامة”.
وسبق أن أعلنت هولندا، في وقت سابق، أن نظام بشار الأسد وافق على الدخول في محادثات معها للتحدث بشأن انتهاكاته لحقوق الإنسان في سورية خلال السنوات العشر الماضية.
في المقابل، انتقدت روسيا مشروع القرار البريطاني حول حالة حقوق الإنسان في سورية، واعتبرت أنه “منحاز تماماً”.
ونقلت وكالة “تاس”، عن ممثل الوفد الروسي في مجلس حقوق الإنسان ديميتري فوروبيوف، قوله إن الوثيقة “منحازة بشكل كامل وتستند إلى قصص تفتقد إلى الاثباتات واعتقادات زائفة، وتعمد إلى تشويه الواقع، كما أنها مسيسة بشكل فاضح”.
وكان مندوب النظام لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف حسام الدين آلا، ذكر في بيان، قبيل اعتماد مشروع القرار البريطاني، أن “الدول التي ترعى وتدعم المجموعات الإرهابية وتحتل أجزاء من الأراضي السورية، وتفرض على الشعب السوري تدابير انفرادية قسرية ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، لا تمتلك المشروعية الأخلاقية والسياسية للتقدم بقرارات حول الحالة في سورية”، حسب قوله.
وكان مجلس حقوق الإنسان اعتمد، أمس الأربعاء، قراراً يدين استمرار القمع الوحشي والانتهاكات الجسيمة التي ترقى إلى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في سورية على مدى 10 سنوات، مشدداً على ضرورة محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم.
كما أدان نزوح أكثر من 11,5 مليون سوري، أي ما يعادل أكثر من نصف السكان، مطالباً بالوقف الشامل لإطلاق النار في جميع أنحاء سورية لتوفير بيئة ملائمة للمفاوضات، وتوجيه الجهود لاستقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب.
ورحب القرار بجهود اللجنة الدولية للتحقيق في سورية لدعم جهود المساءلة الجنائية الدولية والإنصاف للضحايا، معرباً عن الأسف تجاه فشل النظام في القيام بمسؤولياته في حماية السكان المدنيين، وحرمانه لهم من كل احتياجاتهم للبقاء على قيد الحياة.
وذكر القرار أن النظام يستهدف عشوائياً المدنيين بالاشتراك مع حلفائه من الدول وغير الدول، بالإضافة إلى استخدامه الأسلحة الكيميائية في 32 هجمة وثقتها لجنة التحقيق الدولية، فضلاً عن استمراره في الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب والإعدام بإجراءات موجزة، وقتل واغتصاب عشرات الآلاف من المحتجزين السوريين في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك الأطفال.
——————————
ضغط روسي لحل أزمة النظام السوري الاقتصادية عبر المعابر/ عماد كركص
يفسّر الطلب الروسي الموجّه إلى تركيا بضرورة فتح معابر إنسانية في إدلب ومحيطها، شمالي غرب سورية، وترويج موسكو أمس الأربعاء لموافقة أنقرة على الرغم من عدم انتهاء المفاوضات حول الملف، خلفية التصعيد الذي لجأت إليه روسيا والنظام قبل أيام، باستهداف مستشفى غربي حلب، ومستودع يحوي مساعدات إنسانية أممية بالقرب من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. والمعبر هو نقطة العبور الوحيدة لإدخال المساعدات الإنسانية (الأممية) للبلاد، بعد أن عطلت روسيا في مجلس الأمن دخول المساعدات عبر باب السلامة شمالي حلب، منتصف العام الماضي.
في ملف فتح المعابر، قدمت وزارة الدفاع الروسية، أول من أمس الثلاثاء، مقترحاً إلى تركيا، لإعادة فتح ثلاثة ممرات ضمن منطقة “خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها)، بالإضافة لمناطق النفوذ التركي شمالي شرق حلب، وذلك “عقب تدهور الأوضاع الإنسانية هناك”. وذكر مدير مركز المصالحة الروسي بقاعدة حميميم الجوية غربي سورية، التابع لوزارة الدفاع الروسية، نائب اللواء البحري ألكسندر كاربوف، إنه “وجّه مقترحاً للجانب التركي على خلفية صعوبة الأوضاع الإنسانية في الأراضي الخاضعة لسيطرة القوات التركية داخل الجمهورية العربية السورية، لاستئناف عمل ممرّي سراقب شرقي إدلب، وميزناز غربي حلب، في منطقة خفض التصعيد الرابعة، وممر أبو الزندين المتاخم لمدينة الباب في منطقة (درع الفرات) شرقي حلب”. ونقلت وكالة “إيتار تاس” الروسية عنه قوله إن الاقتراح يشمل إطلاق عمليتي إيصال الشاحنات الإنسانية وخروج النازحين عبر الممرات الثلاثة اعتباراً من اليوم الخميس. مع العلم أن موسكو حاولت فتح المعابر المذكورة في فبراير/ شباط الماضي من أجل السماح للمدنيين في إدلب بالعبور باتجاه مناطق سيطرة النظام، لكن المدنيين رفضوا هذا التوجه، ما دفع الروس إلى إغلاق المعابر مجدداً.
ويسعى الروس لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام من خلال استجرار المساعدات إلى مناطقه عبر مناطق المعارضة السورية، بالإضافة لفتح المعابر، بهدف استئناف الحركة التجارية بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام. ويحاول الروس الاستفادة من دخول العملة الصعبة نحو مناطق سيطرة النظام للمساهمة بحل جزء كبير من الأزمة المالية هناك، تحديداً بعد تعاظم حدة العقوبات الغربية، لا سيما الأميركية منها بموجب “قانون قيصر”. ويخشى الروس عدم قدرة النظام على تجاوز هذه الأزمة، ما قد يتسبب بفلتان أمني في المناطق الخاضعة لسيطرته. بالتالي يُمكن إدراج القصف الذي تعرضت له مدينة أريحا ومحيطها، جنوبي غرب إدلب، بالتزامن مع قصف المعبر والمستشفى، في سياق الضغط الروسي. وكان مطمح الروس ومعهم النظام الوصول إلى طريق حلب ـ اللاذقية الدولي “أم 4” من خلال العمليات العسكرية السابقة، بيد أن تدخل تركيا إلى جانب المعارضة بشكل مباشر في العمليات حال دون ذلك. وحاول الروس والأتراك التوصل إلى صيغة ما، فاشترطت أنقرة حلّ مسألة السيطرة على طريق حلب – دمشق الدولي “أم 5″، والذي سيطر عليه النظام والروس في المعارك الأخيرة.
ومن المرجح أن يكون التصعيد الروسي في محيط معبر باب الهوى، واستهداف النظام بالصواريخ لمستشفى في ريف حلب، قبل أيام، وقصف حراقات لتكرير المحروقات في محيط مدينتي جرابلس والباب شرقي حلب، قبل فترة قصيرة، بمثابة ضغط روسي على تركيا من أجل الموافقة على إعادة فتح المعابر.
وكانت المباحثات الروسية ـ التركية ـ القطرية، التي شهدتها العاصمة القطرية الدوحة حول سورية على مستوى وزراء خارجية البلدان الثلاثة منتصف الشهر الحالي، تضمنت عرضاً روسياً مرتبط بآلية إدخال المساعدات إلى مناطق سيطرة النظام السوري عبر مناطق سيطرة المعارضة. ووفقاً للمعطيات التي توفرت عن أجواء اللقاء، فإن المقترح الروسي قوبل بشروط تشمل بوادر حسن نية يقدمها النظام مثل إطلاق معتقلين، فضلاً عن اشتراط إيجاد آلية تضمن إدخال المساعدات إلى مناطق النظام من دون أن تمر عبره، لضمان عدم استغلالها من قبله من جهة وتوزيعها على المدنيين من جهة أخرى. بالتالي فإن التطورات الميدانية الأخيرة أظهرت رغبة روسية في توجيه رسائل عدة، متعلقة بإزالة “الشروط” الموضوعة بشأن إدخال المساعدات إلى مناطق سيطرة النظام، وإلا فإن جميع المساعدات الإنسانية قد تصبح مهددة.
وفي السياق، اعتبر مسؤول العلاقات والإعلام في معبر باب الهوى الحدودي، مازن علوش، أن الاستهداف الأخير طاول مستودعاً للمساعدات يتبع لمنظمة “شفق” الفاعلة في الشأن الإنساني والإغاثة في إدلب ومحيطها. وأشار في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن المستودع وشاحنات في محيطه تضررت نتيجة القصف. وأشار علوش إلى أن القصف كان قريباً جداً من حرم المعبر، وطاول طريقاً تعبره شاحنات المساعدات يومياً.
أما الرسالة الثانية، فتبدو مباشرة أكثر باتجاه أنقرة، لا سيما من خلال قصف مستشفى الأتارب بريف حلب الغربي، الذي يبعد بضعة كيلومترات عن منطقة العمليات العسكرية المشمولة باتفاق وقف إطلاق النار، الموقع في مارس/ آذار من العام الماضي. وكان النظام والروس ومعهم الإيرانيون يلمحون للسيطرة على الطريق المؤدي إلى معبر باب الهوى انطلاقاً من الأتارب بريف حلب الغربي. مع العلم أن المسافة الفاصلة بين قوات النظام وحلفائها من مليشيات مدعومة من روسيا وإيران والمعبر، نحو 20 كيلومتراً.
وأمام ذلك، من غير المرجّح أن تُبدي أنقرة ليونة مع التصعيد الروسي، فاستدعت الخارجية التركية مساء الاثنين الماضي، السفير الروسي لدى تركيا، أليكسي يرخوف، لمناقشة مسألة الهجمات الأخيرة في إدلب. وأبلغته عن قلق أنقرة إزاء الهجمات التي تعرضت لها منطقة إدلب، حسبما نقلت وكالة “الأناضول” عن مصادر دبلوماسية تركية. وسبق أن أشارت وزارة الدفاع التركية، يوم الأحد الماضي، إلى أنها أبلغت الجانب الروسي بوقف الهجمات على الفور في منطقة “خفض التصعد الرابعة”، عقب استهداف منطقة باب الهوى، ودفعت قواتها العسكرية المنتشرة في منطقة إدلب إلى رفع درجة استعداداتها ومتابعة التطورات.
العربي الجديد
—————————–
===================
تحديث 27 أذار 2021
———————————
من المعارضة السورية إلى الرئيس بايدن/ وائل السواح
في حوار بيني وبينه، قبل أسابيع، كان السفير الأميركي السابق في دمشق، روبرت فورد، يعيد مرارا إن انخراط الولايات المتحدة في سورية ليس في مصلحتها. كان يدافع عن سياسة أميركية انسحابية في سورية، بينما كنت أدافع عن مزيد من الانخراط الأميركي في الشأن السوري، لأن ذلك سيكون في مصلحة البلدين. وما زلت أعتقد أن هذا من مصلحة الولايات المتحدة. ببساطة، لأن الانسحاب يعني ترك سورية فريسة لروسيا وإيران، الخصمين التاريخيين لأميركا، ومدّ الحبل أمام الإرهاب الذي يمكن أن يضرب في كلّ مكان، واحتمال عودة “داعش”، وإغلاق الباب أمام عودة المهجّرين إلى بيوتهم، لتخفيف العبء عن دول اللجوء والمساهمة في إعادة الإعمار.
كانت سياسة الرئيس السابق، ترامب، في سورية تقوم على الفوضى والارتجال وعدم الاتساق، وبينما كان يوجه ضربة استعراضية إلى مطار فارغ في يوم، كان يأمر قواته بالانسحاب في يوم آخر، ما اضطر قادته إلى الكذب عليه. ومع الرئيس بايدن، ستختلف الأمور إلى حدّ كبير. فالرجل ليس هوائيا ولا هاويا، ولديه في السياسة الخارجية باع طويل، من خلال خبرته في مجلس الشيوخ أو نائبا للرئيس أوباما.
بالطبع ثمّة خوف من أن يكون عهد بايدن النسخة الثانية من عهد أوباما الذي كانت سياسته في سورية، بخطوطه الحمراء وتردده، وبالا على السوريين، بيد أن من يراقب سياسات بايدن الداخلية والخارجية يدرك الفرق بين الرجلين، فهو لم يرتمِ في أحضان الإيرانيين كما كنا نخشى، ولم يمالئ الروس ولم يغمض عيونه عن انتهاكات حقوق الإنسان في كلّ مكان في العالم. ويتمتّع برؤية شاملة، ويبني مواقفه على تبصّر في خطواته وأين ستؤدّي به، فيطلب من مساعديه أن يبيّنوا له مآل قراراته حين يتّخذها. ولكن الرجل كما بدا مولعا بإمساك العصا من المنتصف، كما في سياساته الملحوظة مع إيران والسعودية ومصر وتركيا. وأغلب الظن أنه سيتابع هذه السياسة في ما يتعلّق بالشأن السوري، فلا نتوقع منه أن يقبل حلولا جذرية للمأساة السورية. على أن مشكلة الرئيس بايدن الكبرى هي في المعارضة السورية، فمنذ أعلنت نتائج الانتخابات الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كرّس قادة المعارضة طاقتهم ووقتهم لتوقّع المسار الذي ستسير فيه سياسة بايدن وفريقه، لكي يكيّفوا نفسهم معها. والحال أن ذلك لا يساعد السوريين، ولا بايدن في رسم سياسة سورية صحيحة، فمهما بلغت حنكة الرئيس وخبرته، ومهما بلغت معرفة بريت ماكغورك وإيمي كاترونا في الشؤون السورية، يبقى أهل مكّة أدرى بشعابها، وتبقى المعارضة أدرى بمصلحة السوريين.
من واجب المعارضة السورية، إذن، بدل أن ينتظروا سياسة بايدن، أن يقدّموا النصيحة لإدارته في وضع سياسة سورية جديدة. أن يؤكّدوا أهمية تحقيق خرق دبلوماسي، يؤكد قرار مجلس الأمن 2254، بالحديث مباشرة مع الروس للبحث عن قواسم مشتركة تؤمّن مصلحة السوريين جميعهم أولا، ولا تغفل مصالح الأطراف المعنية الأخرى، وبينها مصالح روسيا. وسيتعين على المعارضة أن تؤكّد للرئيس بايدن أن أي حلّ يقبله السوريون لا بدّ أن يعني رحيل بشار الأسد، وتحقيق مبدأ المساءلة لجميع من ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، سواء أكان من النظام أم من المحسوبين على المعارضة. ويتعيّن على المعارضة أن تتحلّى بالجرأة للقيام بانتقاد ذاتي في هذا المجال، وعدم تقديم الحماية لمن انتهك حقوق الإنسان من المحسوبين عليهم.
ويرتبط بمبدأ المساءلة مبدأ تعزيز الحماية للمدنيين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من شتى الأطراف وفي كلّ المعتقلات، وضمان عودة طوعية كريمة وآمنة لمن يريد العودة من المهجّرين واللاجئين. وبالتالي، أي دعم لإعادة الإعمار لا يمكن أن يتمّ قبل التوصّل إلى حلّ سياسي حقيقي يحقّق سورية مدنية ديمقراطية شاملة لجميع مواطنيها، من دون الأسد وعصابته، وتقوم على أساس تداول السلطة وسيادة القانون وضمان الحقوق الأساسية لجميع المواطنين وللجماعات القومية والدينية في سورية وضمان مساواة المرأة مساواة تامة مع الرجل في كلّ المجالات.
وتمتدّ هذه السياسة أبعد من الحدود السورية، لتحقيق إصلاح للتحالفات الإقليمية، بحيث يتمّ العمل مع الشركاء الإقليميين لتسوية الاختلافات الاستراتيجية، بما في ذلك معالجة التداعيات الإنسانية وردع السلوك الإقليمي الخبيث لإيران، من خلال إشراك الشركاء الإقليميين، للمساعدة في ربط السياسة السورية بالسياسة تجاه الدول المجاورة التي تعاني أيضًا من عدم الاستقرار الشديد، مثل لبنان والعراق. ولا يمكن أن يحدث ذلك من دون البدء بتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، ما يفرض على إدارة بايدن – هاريس مواصلة الضغط الدبلوماسي لضمان استمرار فتح طرق المساعدات عبر الحدود من خلال تجديد قرار مجلس الأمن 2504، وزيادة الدعم للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية العاملة في جميع أنحاء سورية.
كما على المعارضة السورية أن تطالب الرئيس بايدن بطي قرارات ترامب الجائرة، منع اللاجئين السوريين من الوصول إلى الولايات المتحدة. ومع الإقرار بالفضل لبايدن لطيه قرار حظر دخول المسلمين من بعض الدول، فإن هذا القرار وحده غير كاف، ولا بدّ من فتح الحدود أمام نسبة من اللاجئين السوريين، مع دعم إعادة توطين اللاجئين السوريين في بلدان أخرى.
لا يفيد السوريين ولا المعارضة أن تقف موقف المنفعل، وأن تبني مواقفها وسياساتها على أساس التلقّي والاستجابة للمنحى الذي تسير فيه سياسات الحكومات الغربية والإقليمية. ولا يفيد السوريين ولا المعارضة كيلُ الاتهامات للحكومات ورفعُ الشعارات الراديكالية وحملُ المظلومية السورية في وجه الحكومات، فالحكومات الغربية ليست أمهاتنا، وإنما هي هيئات انتخبتها شعوبها لتحقيق مصالح تلك الشعوب بالدرجة الأولى. ومن المهم والذكي أن نبحث لأنفسنا عن التقاطعات الممكنة بين مصالحنا ومصالح تلك الشعوب، لكي نبني وإياها تحالفا يطول زمنه أو يقصر، لكنه قد يؤدّي إلى ما فيه مصلحة السوريين، جميع السوريين، ما عدا القتلة وكبار المجرمين.
العربي الجديد
—————————
لا بد من خطة أميركية شاملة لسوريا/ أيمن عبد النور
دعونا نتخيل سوريا ليس كدولة ممزقة بالحرب، لكن كقطار يتدحرج على مسارات مدمرة باتجاه النيران. وبحسب الأمم المتحدة، فإن سائق هذا القطار المعترف به رسمياً لا يزال بشار الأسد، لكن كل عربة تتأرجح خلفه مليئة بمجموعة كبيرة من المشاكل الخاصة بها. وعلى مدى العقد الماضي من الصراع، زادت العربات التي يجرها باطراد مع تقدم عمر الصراع، وكل عربة لها خصوصيتها من قبل الفاعلين والمؤثرين المحليين والإقليميين والدوليين، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية والحساسيات الدينية.
لا يمكن النظر إلى سوريا بعين واحدة واختزالها بأنها فوضى واحدة ضخمة، فكل عربة من هذه العربات تتطلب رؤية خاصة بها لحلها، وبالتالي فالحل الكلي هو مجموعة متعددة من حلول مختلفة كلياً؛ إذ إن الوضع في سوريا شديد العمق. فهي ليست فقط حرباً بالوكالة بين قوى خارجية تتنافس على أجنداتها، بل هي حرب لاعبين محليين وإقليميين يتنافسون على السلطة والمكاسب. ويمكننا أيضاً إضافة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة ووباء «كوفيد – 19» كعربة أخرى يجب مواجهة تحدياتها.
كما هو واضح تتطلب كل عربة – نظراً لاختلاف الظروف التي مرت بها واختلاف المحن والفاعلين – نهجاً مختلفاً واستراتيجية مختلفة وفريقاً منفصلاً لحل المشكلات مرتبطاً بجدول زمني خاص لكل عربة. علاوة على ذلك، تحتاج كل عربة لاعبين وممثلين مختلفين من دول أجنبية للجلوس على طاولة القرار الخاصة بها.
باختصار، لن تؤدي استراتيجية شاملة واحدة لسوريا إلى حل كل مشاكلها. لكن ربما ما لا يخبره المستشارون وصناع السياسة للرئيس جو بايدن بأن هناك عدداً كبيراً من الحراك الشعبي يدعم مشاركة الولايات المتحدة بطريقة إيجابية في كل من المجالات الرئيسية. هؤلاء هم مجموعات من المدنيين لا يحملون السلاح. هم مستقلون في تفكيرهم وليسوا مقتنعين بسردية النظام أو «هيئة تحرير الشام» أو الأكراد أو أي خط متسلط آخر.
كل يوم، أتواصل مع مئات الأفراد في هذه المناطق من المستعدين والراغبين في التعاون مع واشنطن لتقوم باتخاذ خطوات للحل؛ مما سيسهل هذه المهمة إلى حد كبير، ومن أهم ما يريده هؤلاء الأشخاص هو مستقبل مستقر وتعليم أفضل – فهم يريدون مدارس ومعاهد وفق أساليب التدريس الأميركية، وذلك في سعيهم لضمان مستقبل أكثر إشراقاً للأجيال القادمة.
ما هي الخطوة الأولى؟
سيستمر القطار في الانزلاق إلى الهاوية إذا لم نغير السائق (بشار الأسد) فكل تلك العربات لن تصل إلى المحطة الصحيحة أبداً. يمكن أن يحدث هذا بسهولة، إذا وافقت عليه الولايات المتحدة وروسيا. إذ يمكن للبلدين التعاون للمساعدة في تشكيل إدارة وهيئة حكم انتقالي، كالنموذج الذي حصل في السودان. طبعاً هذا القرار، لن يغير هذا الاضطراب داخل العربات، لكنه سيقلل السرعة ويضبط المسارات.
ثانياً، تحتاج واشنطن إلى تعيين مبعوث خاص لسوريا كما فعلت مع إيران واليمن. ولديّ ثقة كاملة بالوزير أنتوني بلينكن في قلبه وعقله للقيام بالشيء الصحيح باتجاه سوريا. سيشكل المبعوث فرقاً للتعامل الجزئي مع المناطق المختلفة في سوريا، بموظفين وميزانيات وأهداف مختلفة، ويجب أن تشمل تلك الفرق ممثلين من الحراك الشعبي على الأرض؛ إذ يجب ألا ننسى أصواتهم.
سيعمل فريق آخر على المستوى الكلي لدفع الحكومة الانتقالية في سوريا للإعداد لانتخابات حرة ونزيهة، بالإضافة إلى المهمة الضخمة لإعادة الإعمار – والتي يمكن وينبغي أن تعود بالفائدة على الشركات الأميركية. كما يجب إلغاء التقييد والعقوبات المتعلقة بقطاع (الطاقة – إعادة الإعمار). ومن أجل تسريع رفعها والالتزام بتصريحات المسؤولين الأميركيين بأن سوريا يجب ألا تتصرف بعدائية تجاه جيرانها، ويجب تسوية المناطق الجنوبية الغربية بمشاركة إسرائيل.
نريد الاستفادة من المشروع الكبير لإعادة الإعمار في سوريا، وحل الصراع السوري – الإسرائيلي بسرعة بإنهاء الاحتلال وتوقيع اتفاق سلام؛ حتى نتمكن من تضمين مرتفعات الجولان في هذا المشروع الضخم لتكون واحة تكنولوجية وخدماتية لجميع دول المنطقة.
ومن الضروري أيضاً تغيير نموذج المحافظات المعتمد حالياً إلى «ولايات»؛ مما يتيح لحكام تلك الولايات المنتخبين صلاحيات كبيرة للعمل على خطط التنمية الاستراتيجية مع أي دولة ستمول وتنفذ الكثير من المشاريع بتلك الولاية، سواء كانت من دول الخليج أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو اليابان أو تركيا. لإيران فرصة للعب دور اقتصادي وليس عسكرياً أو سياسياً بعد إخراج ميليشياتها. كما لروسيا دور إذا دعمت الحل.
هذا النهج المتعدد الأوجه سيمهد الطريق للسوريين من العمالة الماهرة للعودة إلى وطنهم بأمان وضمان تلبية احتياجاتهم للاستقرار. وهذه الخطة هي أيضاً في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة؛ إذ لن يكون لـ«داعش» أي مجتمعات مضيفة مما سيساهم بانحساره – كما سيفقد «حزب الله» أوراق الطرنيب الخاصة به، وسيكون للولايات المتحدة نفوذ إضافي في محادثات إيران المستقبلية، بالنظر إلى تضاؤل وجود طهران في سوريا.
بصفتنا سوريين، ندعو الرئيس بايدن إلى تنفيذ هذه الخطة لإنهاء هذه المعاناة التي استمرت عشر سنوات، التي فقد فيها ما لا يقل عن مليون شخص حياتهم، ومنهم من قتل تحت التعذيب في المعتقلات. هذا لا يجب أن يستمر. وكأعضاء في المغتربات، وخاصة الذين في الولايات المتحدة، نحن هنا لدعمكم. ويمكنني أن أؤكد لكم أن هؤلاء السوريين على الأرض ينتظرون بفارغ الصبر هذه اللحظة. هذه هي سوريا الجديدة – سلمية ومزدهرة – ويمكنك أن تقود الطريق.
خاص بـ«الشرق الأوسط»
———————-
الأسد يختبر بايدن.. يجب ألا يفشل رئيس الولايات المتحدة/ فريديريك هوف
صباح يوم 21 آذار/ مارس، ضربت قذائف المدفعية مشفى الأتارب الجراحي، في شمال غرب سورية. وأدى الهجوم على المشفى (الذي تدعمُه الجمعية الطبية السورية الأميركية: سامز)، إلى مقتل ستة مرضى وإصابة سبعة عشر آخرين، منهم أشخاص من الطاقم الطبي. وسبق أن قُدِمت إحداثيات المشفى منذ وقت طويل إلى الأمم المتحدة، وسلّمتها بدورها إلى روسيا، لضمان سلامة المشفى من الهجوم. ويبدو أن القذائف صدرت عن قوات تابعة لعميل موسكو: بشار الأسد. وإذا ما فعلوا ذلك، فإن فعلتهم هذه لن تشكل جريمة حرب -وهذا فعل روتيني عند الأسد والكرملين- بل اختبارًا لإدارة جو بايدن، وهي الجريمة التي لا يجب أن تنال تقويمًا سيئًا، وألا تمرّ مرور الكرام.
سيزعم البعض في الإدارة الأميركية الجديدة أنهم لن يدخلوا امتحانات بخصوص سورية، وأن ما يحدث في الجمهورية العربية السورية المدمّرة -ما لم يتعلق الأمر بعودة دولة العراق والشام الإسلامية: داعش- ذو أهمية هامشية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وسيزعمون أن اختبارات السياسة الخارجية الحقيقية ستُدار في الهند والمحيط الهادئ، ونصف الكرة الغربي، وأوروبا. وسيشعرون بالارتياح الكامل لأقوال وزارة الخارجية في 22 آذار/ مارس، التي ردت فيها على التذمّر بخصوص سورية: “إن المدنيين، ومن ضمنهم الأفراد الطبيون المدنيون والمرافق الطبية، لا ينبغي لهم أبدًا أن يكونوا هدفًا للعمل العسكري. ويجب أن يتوقف هذا العنف. ونكرر دعوتنا إلى وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني”.
والواقع أنه لا توجد إدارة منذ تولي الرئيس فرانكلين روزفلت مقاليد الحكم، لديها كثير من القضايا على طاولتها -محليًا وخارجيًا- أكثر من إدارة الرئيس بايدن. سيكون من المفهوم أن يفضّل الرئيس ومستشاروه الرئيسون إبقاء سورية غير قريبة منهم. هذا أمرٌ مفهوم، ولكنه خطير؛ حيث إن استمرار وجود أسرة الأسد وحاشيته في سورية، المدعومة من إيران وروسيا، يمكنه أن يفرض تحديات على الأمن القومي الأميركي، وأمن الحلفاء والشركاء الذين تأمل الإدارة الجديدة في إعادة بناء العلاقات معهم. إن الرغبة والدعاء في أن تكون عمليات القتل الجماعي للمدنيين في سورية قضية سورية بحتة، وتكون بلا عواقب، لن تفعل لإدارة بايدن أكثر مما فعلته لإدارة باراك أوباما.
إن السياسة الخارجية، بعد كل شيء، تتلخص في حماية الأميركيين في الداخل والخارج. وإذا بقيت عائلة الأسد وحاشيته على الساحة، فإن الثقب الأسود السياسي في سورية سوف يتعمق. وسوف يقهر الناس خوفًا من الجوع والمرض وعنف النظام. وستصبح سورية محطة لإرهابيين إسلاميين من أصول إيرانية وتنظيم القاعدة وداعش. وسيكون ذلك تهديدًا للسلم والأمن الدوليين في المنطقة وخارجها، بل أسوأ مما كان عليه خلال العقد الماضي. ولن يكون الأميركيون محصنين ضد ما يحدث لسورية. ما يحدث هناك لا يبقَى هناك؛ لم يبقَ من قبلُ، ولن يبقى في المستقبل.
في سورية، إيران هي الرابح الأكبر. إنها تسعى إلى جعل البلد مثل لبنان: بلد بلا دولة، وغير خاضع للحكم حيث يمكن لوكلائها -وعلى الأخص جماعة حزب الله المسلحة- العمل بشكل آمن ودولي، كغاسلي الأموال، ومهربي المخدرات، وكقتلة، وإرهابيين.
المتطرفون الإسلاميون الآخرون هم الفائزون المحتملون. مع انتشار المجاعة والمرض، سيقدمون أنفسهم كبديل للأسد وإيران. يأمل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الشمال الشرقي إعادة تأسيس “الخلافة” من خلال التمرد. ويأمل بجدية أن تنهي الولايات المتحدة وجودها العسكري هناك.
إذا ثبت أن النظام هو من نفّذ الهجوم الأخير على المشفى، فسيكون من المعقول افتراض أن الأسد قد انتظر شهرين ليرى أستسلكُ إدارة بايدن طريق المشاركة الدبلوماسية، على النحو الذي أوصى به مركز كارتر، أم لا. وحين لا يرى أي دليل على الخضوع الاستباقي، قد يتخذ الآن الخطوة المنطقية التالية: استئناف عمليات القتل الجماعي للمدنيين، ليؤكد لنفسه ولحاشيته أن كلام وزارة الخارجية سيكون الحد الأقصى لرد الولايات المتحدة. إذا كان هذا هو ما يحدث، فهل يمكن أن تكون الهجمات الكيمياوية على المدنيين -ومن ضمنها الهجمات بغاز السارين- في غياهب النسيان؟
مثل سابقاتها، لن تتبنى إدارة بايدن سياسة تغيير النظام بالعنف. ولا ينبغي لها، على الرغم من اليقين أن انزلاق سورية إلى الثقب الأسود لفشل الدولة والفوضى -وهي الحالة التي يرحب بها المتطرفون الإسلاميون والإرهابيون من الشيعة والسنّة- لن يتسارع إلا مع عائلة الأسد وحاشيته. الغزو والاحتلال ببساطة يتجاوزان حدود السياسة.
لكن الضربات الجوية العسكرية التي تُلزم الأسد بدفع ثمنٍ، مقابل تهديد السلام الإقليمي والدولي باستهداف المدنيين العزل، يجب أن تكون إلزامية. هذا ما أوصى به واحد وخمسون دبلوماسيًا أميركيًا شجاعًا في عام 2015. ألمْ نتعلمْ أي شيء على الإطلاق من عدم اتباع نصيحتهم؟!
الرئيس بايدن على حق. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مثل عميله السوري، “قاتل”. يجب إخبار بوتين أن التحقيق في جرائم الحرب الروسية في سورية، الذي أوصت به مجموعة دراسة سورية المكلفة من الكونغرس في عام 2019، سيبدأ. ويجب تحذيره من أن عمليات القتل الجماعي للمدنيين من قبل عميله السوري سيتم الرد عليها عسكريًا، في الأوقات والأماكن التي تختارها أميركا. في الواقع، ينبغي أن تبدأ مشاورات إدارة بايدن مع الكونغرس، بشأن التهديد الذي يشكله الأسد على السلام، بسرعة.
وبغض النظر عما قد ترغب إدارة بايدن في التفكير فيه أو الإقرار به، فقد تكون مستعدة لامتحان أولي يديره الأسد (معلّم الكثير من الدروس القاسية للرؤساء الأميركيين). لن يكون الفشل في الاختبار خاليًا من العواقب. الأسدُ وحلفاؤه، العازمون على هزيمة الولايات المتحدة وتهديد الأمن الأميركي، حريصون على ذلك.
اسم المقال الأصلي Assad is testing Biden. The US president must not fail.
الكاتب* فريدريك هوف، Frederic Hof
مكان النشر وتاريخه المجلس الأطلسي، Atlantic Council، 24 آذار/ مارس 2021
رابط المقال http://bit.ly/3clolwz
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة
فريديريك هوف: زميل سابق متميز، مدير سابق لمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سورية.
—————————–
منهج نظام الأسد في المفاوضات في مثال سابق/ سمير سعيفان
لمن يستغرب نهج الأسد في مفاوضات جنيف ثم في مفاوضات اللجنة الدستورية، وكيف مضت سنوات سبع، حتى الآن، من دون إحراز أي تقدم، أودّ هنا أن أنقل تجربة مفاوضات النظام، حول اتفاقية “الشراكة السورية الأورومتوسطية” التي بدأت سنة 1996، واستمرت -بين أخذ ورد- حتى 2010، من دون تحقيق أيّ تقدم بها، لأنّ النظام لم يكن يريدها، لكنه رأى -حينذاك- أنّ من مصلحته أن يتظاهر بأنه مهتم بها ومستعد للتفاوض. وقد كنتُ أحد المشاركين في تلك المفاوضات.
والشراكة الأورو – متوسطية هي اتفاقيات بين دول الاتحاد الأوروبي من جهة، وبين كل دولة من دول جنوب المتوسط، من المغرب حتى لبنان وشملت الأردن أيضًا، وهي اتفاقيات تحرير تجارة، بالدرجة الأولى، ولكنها تشمل أيضًا تعاونًا اقتصاديًا وعلميًا وموضوعات سياسية وثقافية وقضايا تتعلق بحقوق الإنسان.. إلخ. وحتى أواسط تسعينيات القرن العشرين أبرمت جميع دول المتوسط هذه الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، ولكن سورية لم تفعل ذلك.
لم يكن حافظ أسد راغبًا في توقيع تلك الاتفاقية، ولكنه تظاهر بأنه مهتمّ بها، فبدأت سورية سنة 1996 ما يعرف بمفاوضات استكشافية، بغية التعرّف إلى ماهية هذه الاتفاقية واستمرت تلك المفاوضات سنتين حتى 1998، ، ولم يكن ثمة حاجة لأي فترة استكشافية، وفي 1998بدأت مفاوضات ماراثونية من دون إحراز أيّ تقدم، وكانت “هيئة تخطيط الدولة” هي الجهة المعنية بالمفاوضات، وكان لدى القائمين عليها تعليماتٌ بأن يذهبوا إلى جولات المفاوضات التي كانت تُعقد مرتين في السنة، ولكن عليهم ألا يحرزوا أي تقدّم فيها، وأن يجتهدوا في إضاعة الوقت، مع التظاهر بأن سورية منخرطة في عملية التفاوض الأورومتوسطية.
استمر الوضع على هذه الحال حتى سنة 2003، وجرت 12 جولة مفاوضات من دون إحراز أي تقدم. وحين غزت الولايات المتحدة العراق، في آذار/ مارس 2003، وأصبح الأميركان على حدود سورية الشرقية، وبدأ بعض المسؤولين الأميركان إطلاق تصريحات حادة ضد سورية المشاغبة؛ فاعتقد بشار الأسد أن توقيع اتفاقية الشراكة ستشكل نوعًا من الحماية ضد التهديد الأميركي القريب. فصدرت التوجيهات إلى الحكومة السورية وهيئة تخطيط الدولة ووفد مفاوضات الشراكة، بأن أسرعوا بإبرام اتفاقية الشراكة، بأي شكل كان.
حين شاركتُ في المفاوضات صيف سنة 2003، كان وفد المفاوضات السوري يتشكل من نحو 18 معاون وزير، ويرأس الوفد رئيس هيئة تخطيط الدولة، ولزيادة فاعلية الوفد، تم ضم ثلاثة أعضاء، ليسوا موظفين في الدولة، وهم نبراس الفاضل (كان حينذاك مستشارًا لبشار الأسد، بدور كبير وصلاحيات واسعة)، والدكتور سامي الخيمي (كان أستاذًا جامعيًا، ولم يكن قد سمّي سفيرًا بعد)، وأنا “سمير سعيفان”، بصفتي خبيرًا اقتصاديًا.
كانت أول جولةٍ أشارك فيها صيف 2003، في بروكسل. وبدأ أول اجتماع صباحي ضمّ الوفد السوري بكامله والوفد الأوروبي بكامله، وخلال الاجتماع، كان المتحدث الوحيد من الجانب السوري هو رئيس هيئة تخطيط الدولة، وكان لوحده يناقش مختلف الموضوعات، إلا قضايا السياسة حيث تُركت مناقشتها لوليد المعلم، وكان حينذاك معاون وزير الخارجية. أما الأوروبيون، فكان لكلّ موضوع خبيرٌ مختصّ يتكلم به: صناعة، زراعة، خدمات، مال، تأسيس شركات، نقد ومصارف.. إلخ. وكان الملل واضحًا على الأوروبيين، وكانت وجوههم مكفهرة، كمن زُوّجت رغمًا عنها، لكونهم يعلمون أن السوريين جاؤوا ليضيعوا الوقت.
بعد الاجتماع الصباحي، انقسمنا إلى مجموعات عمل عدة، بحسب الموضوعات: زراعة، صناعة، خدمات، سياسة، وكنتُ في مجموعة الخدمات، وكنا نحو عشرة أشخاص، 6 من الجانب السوري (أربعة منهم معاونو وزراء، والخامس الصناعي محمد الشاعر، والسادس أنا)، ومن الجانب الأوروبي ثلاثة رجال وسيدة، وكان قطاع الخدمات واسعًا جدًا، يضم موضوعات كثيرة، مثل التجارة الخارجية والداخلية والاقتصاد وحق تأسيس الشركات والاستثمار وحركة قوة العمل وقطاع المصارف والتأمين والضرائب والرسوم الجمركية والنقل والاتصالات وخدمات التعليم والصحة والإعلام والاستشارات والمحاسبة والتدقيق..
في بداية الاجتماع، جلستُ مستمعًا، وبدأ الأوروبيون يطرحون أسئلة عن عدد من الموضوعات التي تتعلق بحق تأسيس الشركات، وأي القطاعات مفتوح، وأيّها مقيد، وموضوعات المشتريات الحكومية والضرائب وحقوق الشركات الأجنبية، وموضوعات تحويل النقد وعمل المصارف وموضوعات التأمين والإدخال المؤقت للمعدات وغيرها، ولكن معاوني الوزراء ظلّوا صامتين لا يجرؤون على الإجابة، إلا بكلام عام لا معنى له، لأن التعليمات لديهم أن يكونوا سلبيين، إضافة إلى خوفهم من قول كلامٍ يُحاسَبون عليه، لأن عليهم تقديم تقرير بما فعلوه، وضمن هذا الفراغ، وجدتُ نفسي أنا مع محمد الشاعر المتحدثين الوحيدين تقريبًأ من الجانب السوري، في ذاك الاجتماع، خاصة أنني كنتُ أعمل حينذاك، منذ سبع سنوات، مديرًا لمكتب شركة أجنبية في سورية (بتروفاك)، وكنت أواجه جميع الموضوعات التي يسألون عنها يوميًا، وأعرفها بالتفصيل الممل، وهي موضوع اهتمامي ضمن عملي، إضافة إلى مساهماتي المستمرة في الكتابة عنها في الصحف، والحديث عنها في التلفزيون أو في الاجتماعات الكثيرة، مع رجال أعمال أو مستثمرين أجانب أو لجان حكومية. وكان محمد الشاعر يعرف موضوعات التجارة الخارجية والتعريفة الجمركية أفضل من مدير عام الجمارك. ولأننا، محمد الشاعر وأنا، لا نخشى محاسبة وزير، كنّا نعبّر عن آرائنا بتلقائية وثقة، وندخل في حوارات مع الأوروبيين. والشيء ذاته حدثَ ضمن المجموعة التي كان يعمل فيها سامي الخيمي، ونبراس الفاضل، وكذلك عطية الهندي، من وزارة الزراعة الذي كان مديرًا لمركز الدراسات الزراعية الذي تموّله منظمة الأمم المتحدة للزراعة (الفاو)، فكان الوحيد الذي حضّر ملفاته، وكان يعرف أمور الزراعة بشكل ممتاز، ويعرف ما يريده من الأوروبيين، فضلًا عن أنه كان مطّلعًا على اتفاقيات الشراكة مع البلدان الأخرى وما ورد فيها حول الزراعة. والطريف أننا حين اجتمعنا جميعًا مع الأوروبيين، على الغداء، كان الجو المكفهر صباحًا قد تغيّر، إذ شعر الأروروبيون بأن ثمة شيئًا جديدًا يحدث، ولربما قرؤوا من بعيد ما يدور في رأس بشار الأسد من أفكار.
المشكلة الكبرى التي واجهتني أن الجانب السوري لم يكن قد أعدّ أي دراسة على الإطلاق، عكس ما فعله المصريون -مثًلا- الذين اطلعنا على تجرتهم في التفاوض، فقد أعدّوا دراسات، وحضروا أفكارهم وأرقامهم وبدائلهم، أما الوفد الرسمي السوري فلم يكن لديه شيء، باستثناء عطية الهندي، وقد سألتُ عن هذه الدراسات، فتبيّن أن ليس هناك دراسات البتة، ولا يتوفر حتى محاضر الجولات السابقة.
استمرت تلك الجولة أيامًا عدة في بروكسل، ولكن المفاوضات استمرت، بعد عودتنا إلى دمشق، عبر المراسلات وعبر مفوضية الاتحاد الأوروبي بدمشق. وكان من نصيبي أن تابعت المفاوضات على قطاعات الخدمات، وأعددت الملحق رقم 4 الذي يشمل جميع قطاعات الخدمات التي تشكل أكثر من 50% من الاقتصاد الوطني، وقد سعيت -بقدر الإمكان- لفتح جميع القطاعات وتقليص احتكار الدولة.
بدأت الجولة التي تلتها في كانون الأول/ ديسمبر 2003، في فندق الشيراتون بدمشق، وانتهت في التاسع من الشهر نفسه، وقد تم إنجاز المسودة الأولى للاتفاقية، نعم بهذه السرعة، عندما أراد بشار الأسد إنجازها، ومن دون دراسات وافية ولا تحضير كاف.
لكن هذا الإنجاز لم يلعب الدور الإيجابي الذي توقعه بشار الأسد، بأن يحسّن الأجواء بين سورية وأوروبا وأميركا. ولكن كيف سيلعب هذا الدور، إذا كان الأسد، قبل ذلك بأشهر قليلة، قد أجبر اللبنانيين على التمديد للرئيس لحود، مما أغضب فرنسا والولايات المتحدة على نحو خاص، وكان ميشيل عون والحريري يتحركان لإصدار قانون محاسبة سورية، واستعادة سيادة لبنان SYRIA ACCOUNTABILITY AND LEBANESE SOVEREIGNTY RESTORATION ACT OF 2003، الذي صدر من الكونغرس الأميركي في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2003.
إضافة إلى ذلك، لم تمض سوى أسابيع قليلة بعد إنجاز مسودة الاتفاقية، حتى أعلن معمر القذافي طوعًا، في حركة خرقاء، تخليه عن “برنامجه النووي”، ولم يكن لديه برنامج نووي فعلي أصلًا، ولكنه كان يحضّر للمصالحة مع بريطانيا وإنهاء موضوع لوكربي وحصار ليبيا، وهذا ما حصل، ويومها سلّم إلى المخابرات البريطانية أسماء الجيش الجمهوري الإيرلندي الذين كان يدعمهم بالمال والسلاح، وسدّد قرابة 10 مليار دولار كتعويضات لأهالي ضحايات لوكربي. وهنا اعترضت بريطانيا على المادة المتعلقة بتقييد “أسلحة الدمار الشامل” في مسودة الاتفاقية، وطلبت أن تكون أكثرَ شدّة، ولكن هذا لم يرق لبشار الأسد الذي يملك أسلحة كيميائية وبرنامجًا نوويًا سريًا، بالتعاون مع إيران، وسيكون عليه الدخول في اتفاقية حظر أسلحة الدمار الشامل، ومن ثم سيخضع للتفتيش. طبعًا، فاتني أن أقول إن الاتفاقية يجب أن يوافق ويوقع عليها 25 دولة أوروبية من دون أي اعتراض، وإذا اعترضت أي دولة، فإن الاتفاقية لا توقّع.
في هذه اللحظة، اكتشف بشار الأسد أن الاتفاقية لن تحميه من الأميركان، بل ستكون أداة للتدخل في شؤون لا يريد لأحدٍ أن يتدخل فيها أو يراها، فهو لا يريد أن ينظر أحد إلى “داخل بيته”، وهنا بدأت جولة ثانية من المفاوضات، بين وليد المعلم ووزارة الخارجية البريطانية، على إعادة صياغة هذه المادة (5)، وتم الاتفاق على صياغة جديدة لها في صيف 2004، وفي أيلول/ سبتمبر جرى التوقيع في بروكسل، بالأحرف الأولى، على اتفاقية الشراكة، وذلك في أجواء باردة بين الطرفين، وقد كنتُ هناك، ولكن قصة اتفاقية الشراكة انتهت هنا. فقد قال الأميركان إن الاتفاقية يجب ألا تُوقع؛ فهي مكافأة لنظام الأسد، بينما يجب أن يعاقب. ثم جاء اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري، في 15 شباط/ فبراير 2005، ليصبّ الزيت على نار العلاقات السورية الأورو -أميركية.
وبما أن الغاية التي أرادها بشار الأسد لم تتحقق، فإنه لم يعد معنيًّا بتوقيع الاتفاقية، لكونها تتضمن نصوصًا يكرهها، وتشكّل ضغطًا باتجاه فتح جميع قطاعات الاقتصاد الوطني أمام الاستثمار، في مناخ تنافسي، وتسهم في تبسيط الإجراءات الإدارية وتحسين أساليب العمل، وتحديث وتطوير الإدارة السورية وتنظيم التشريع، وتقريب البنية التشريعية والتنظيمية السورية من الأوروبية، وتنظيم المواصفات والمقاييس، وتنظيم فض النزاعات التجارية، وتنص على إخضاع التشريعات التجارية لقواعد منظمة التجارة العالمية وعلى شفافية المشتريات الحكومية، وعلى الرغم من أن هذه الأمور تبدو لنا إيجابية، فإنها ليست كذلك، بالنسبة إلى النخبة الحاكمة؛ إذ إنها ستقيّد قدرتهم على توجيه الصفقات حسب مصالحهم. مثلًا، لو وقعت سورية اتفاقية الشراكة سنة 1996، لكان من الصعب أن تكتمل مسرحية منح شركتي تشغيل الخليوي سنة 2001 لرامي مخلوف “شركة سيريتل”، ولطه وأخيه نجيب ميقاتي اللبناني “شركة إنفستكوم”، وكان رامي شريكًا معه، في الشركة الثانية. بل إن اتفاقية الشراكة كانت تتضمن موضوعات أكثر حساسية، مثل مكافحة المخدرات والإرهاب والجريمة المنظمة ومكافحة الفساد والاحتيال والاحتكار وحماية الملكية الفكرية. وضمّت عددًا من المواد السياسية، وكانت تشجّع نشاطات المجتمع المدني، وكان الأسد مصممًا على أن تبقى سورية مغلقة كسجن إلى الأبد. وعندما حاول المحامي أنور البني تأسيس منظمة مجتمع مدني، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، ضمن مشاريع المساعدات التقنية التي تتم عبر اتفاقيات بين هيئة تخطيط الدولة والاتحاد الأوروبي في بروكسل؛ قُبض عليه وسُجن خمس سنوات.
يمكننا أن نتصور كيف يكون وجه بشار الأسد، عندما يقرأ المواد التالية الواردة في نص الاتفاقية:
المادة 2
يُعتبر احترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية التي نصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مصدر إلهام السياسات الداخلية والخارجية، لدى كل من الطرفين، كما يشكل عنصرًا جوهريًا في مضمون هذه الاتفاقية.
المادة 5
1. يتفق الطرفان على التعاون والمساهمة في التصدي لانتشار أسلحة الدمار الشامل النووية والبيولوجية والكيماوية ووسائط إطلاقها، من خلال التطبيق الكامل لالتزاماتهما الحالية بموجب المعاهدات والاتفاقيات الدولية لنزع الأسلحة وحظر الانتشار النووي، والتزاماتها الدولية الحالية الأخرى ذات الصلة، بالإضافة إلى قرارات مجلس الأمن الدولي وضمان تطبيقها بشكل فاعل. كما يتفق الطرفان على اعتبار هذا البند مكوّنًا أساسيًا من مكوّنات هذه الاتّفاقية.
2. يتّفق الطرفان أيضًا على التعاون والمساهمة في التوصل إلى هذه الغاية عن طريق:
– التحرك تجاه التوقيع أو التصديق أو الانضمام للاتفاقية، حسب ما هو مناسب، والتنفيذ الكامل لكل الوثائق الدولية الأخرى ذات الصلة.
– إقامة أنظمة وطنية فاعلة لضبط التصدير والنقل والاستخدام النهائي للسلع والتقانات العائدة لأسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك تلك ذات الاستخدام المزدوج، ويجب أن تحتوي الضوابط على إجراءات داعمة وعقوبات ملائمة.
3. تترافق مع الحوار السياسي وتعززه، كما هو موضح في المادة 6، العناصر الواردة في المواد 4 و 5.
المادة 6
1. يشمل الحوار السياسي المسائل ذات المصلحة المشتركة، وخاصةً السلام واحترام القانون الدولي، ووحدة أراضي الدول، والاستقرار والأمن الإقليمي، وحقوق الإنسان، والديمقراطية والتنمية الإقليمية، ويهدف الحوار إلى فتح الطريق أمام أشكال جديدة من التعاون، مع التركيز على الأهداف المشتركة ضمن هذه المجالات.
لا شكّ في أنّ وجه بشار الأسد قد اكفهرّ، وهو يقرأ هذه المواد المذكورة أعلاه، كما اكفهرّ وجهه عندما قرأ بيان جنيف 2012 وخاصة عباراة “هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات” وقراري مجلس الأمن 2218 و 2254؛ فأوصى وفده المفاوض في اللجنة الدستورية، بما أوصى به وفد مفاوضات الشراكة، ولكن بتأكيد أشدّ ألف مرة، بل إنه تبرّأ من أن ذاك الوفد يمثله. ومن هنا، نقول لمن ينتظر خروج دخان أبيض من قاعة مفاوضات اللجنة الدستورية: ستعودون بخُفّي حُنين.
مركز حرمون
————————
هل تفرض روسيا تأجيل الانتخابات الرئاسية السورية؟/ عماد كركص
يمهد النظام السوري لاحتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية، المقرر أن تُجرى منتصف العام الحالي، وسط رفض دولي لإجراء الاستحقاق وحتى نتائجه، مع استمرار تعطيل النظام للعملية السياسية، الرامية لحل الأزمة السورية، المستمرة منذ 10 سنوات.
وبات انتشار جائحة كورونا ذريعة لدى النظام لفرض أي أجندات يحاول تمريرها، ومنها مسألة الانتخابات وموعدها. ويقيس النظام وحلفاؤه تحديداً الروسي، حالياً، ردود الفعل الدولية، لا سيما الغربية والأميركية بشأن إجرائها.
وفي مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية، نشرت الأربعاء الماضي، قال سفير النظام السوري في موسكو رياض حداد، إن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية ستجرى مع مراعاة الوضع الوبائي، وذلك رداً على سؤال حول دعوة مراقبين دوليين خلال عملية الاقتراع. وعلى الرغم من أن حداد أشار إلى أن الانتخابات ستجرى في موعدها، مؤكداً استمرار الاستعدادات لها، إلا أنه ربط تأكيد موعدها بظروف انتشار فيروس كورونا، قائلاً “لا يزال الوضع الوبائي المرتبط بانتشار فيروس كورونا هو العامل الرئيسي المحدد في العملية الانتخابية المقبلة”.
ولعل الموقف الأميركي الأخير، بإعلان إدارة الرئيس جو بايدن رفضها رسمياً للانتخابات، هو ما جعل النظام مع حلفائه، لا سيما الروس، يعيدون الحسابات في تحديد موعد إقامتها، بهدف كسب مزيد من الوقت والمراوغة في الأروقة الدولية، لإحداث فجوة، يمكنهم من خلالها تمرير الانتخابات، ولو في وقت لاحق، بصفقة معينة، بدون إحداث ضجة مصاحبة لها.
وقبل أيام أعلن نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة جيفري ديلورنتس أن إدارة بايدن “لن تعترف بنتائج الانتخابات في سورية إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، ومراعاة وجهة نظر المجتمع السوري بأسره”. وأكد أن النظام السوري ينوي استغلال الانتخابات، المقرر أن تجرى في مايو/أيار المقبل، لتأكيد شرعية بشار الأسد. وشدد على أن الإدارة الأميركية الحالية تعارض إجراء انتخابات “غير حرة” لا تخضع لإشراف الأمم المتحدة. وقال “نواصل التأكيد بحزم على أن السبيل الوحيد للمضي قدماً، هو دفع العملية السياسية التي تفي بالشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254”. ونوه إلى أن المعارضة السورية حاولت القيام بدور نشط في تطوير الدستور الجديد، لكنها قوبلت برفض دمشق بالتعاون.
ويتطابق مع الموقف الأميركي، موقف أوروبي صارم، لا سيما من فرنسا وألمانيا ورئاسة الاتحاد الأوروبي، برفض الانتخابات ونتائجها المستقبلية، بدون التوصل إلى حل سياسي شامل في البلاد، يكون مصدره الأروقة الأممية وطبقاً للقرارات الدولية، وأولها 2254 للعام 2015، الذي يقضى بأن تكون هناك هيئة حكم انتقالي تُحضر لدستور جديد للبلاد والإعداد للانتخابات، ثم إجرائها تحت إشراف الأمم المتحدة.
ولا يزال الروس يتمسكون ببقاء الأسد فترة رئاسية جديدة، عبر دعم مراوغة ومماطلة النظام في الجلوس جدياً حول طاولة التفاوض في المسارات السياسية المختلفة لحل الأزمة، نظراً لكون نتائجها، إذا سارت وفق القرارات الأممية، ستفضي لإنهاء حكم الأسد للبلاد. وباتت موسكو، أخيراً، تحاول كسب تأييد عربي لبقاء الأسد، في ظل الرفض الغربي والدولي لتمديد فترة حكمه، وكان ذلك واضحاً خلال جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخليجية، التي تلقى خلالها ردوداً غير مرضية على إعادة النظام للحاضنة العربية من خلال عودته للجامعة العربية، إذ ربطت الدوحة والرياض هذا الطرح بإنجاز التسوية السياسية، التي ستكون المعارضة السورية جزءاً منها، فيما كانت الردود على الطرح الروسي إيجابية في أبو ظبي.
وأشار عضو الهيئة السياسية في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، عبد المجيد بركات، في حديث مع “العربي الجديد” إلى أنه “من غير المنطقي أن يلجأ النظام إلى تأجيل الانتخابات بذريعة انتشار فيروس كورونا. فالجميع يعلم أن مناطق النظام لم تلتزم بالإجراءات الاحترازية لمكافحة الفيروس”. وأكد بركات، لـ”العربي الجديد”، أن “الظرف الدولي والداخلي هو الذي قد يدفع النظام لتأجيل الانتخابات. فالمواقف الأميركية والأوروبية، ولجميع الدول الفاعلة في الشأن السوري، واضحة حيال معارضة إجراء الانتخابات”.
ونوه إلى أن “النظام كان يراهن، وربما يتوقع، أن يتم مع استلام إدارة بايدن والديمقراطيين للحكم في الولايات المتحدة، تخفيف حدة القيود والعقوبات الاقتصادية عليه. لكن العكس تماماً ما حصل، فهناك مشروع قانون جديد يتم تحضيره في الكونغرس، يؤكد على تطبيق قانون قيصر، ويذهب باتجاه محاسبة مسؤولي النظام. ورأينا المحاكم الأوروبية التي بدأت بمحاسبة مسؤولين من النظام المتهمين بجرائم حرب”. وأوضح بركات أن “النظام فشل في مفاوضاته مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) شمال شرق سورية، لوضع صناديق انتخابات هناك. وبالتالي كل المؤشرات تتجه إلى أن الانتخابات في حال حدوثها ستكون شكلية، وستلقى ردود فعل دولية وداخلية رافضة، ما يُدخل النظام وحلفاءه بمأزق سياسي جديد مع المجتمع الدولي، وتحديداً الدول الداعمة للمعارضة”.
من جهته، رأى الباحث والخبير في الشأن الروسي محمود الحمزة، أن “النظام يستميت لإجراء الانتخابات، فهي بالنسبة له مسألة مصيرية، لإثبات أن بشار الأسد تم انتخابه شرعياً، ما يمكنه المحاججة به أمام المجتمع الدولي، في مراهنة على خداعه، ومن ثم الحصول على تمويل لعملية إعادة الإعمار”. وأوضح الحمزة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المجتمع الدولي والغرب وحتى الروس، يعلمون أن هذه الانتخابات ليست سوى مسرحية هزلية فاشلة. وبما أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ولا سيما في مناطق سيطرة النظام، كارثية للغاية على المستويين المعيشي والصحي، فالنظرة الآن إلى كيف يمكنه إجراء انتخابات في هذه الظروف. فالمناطق التي يسيطر عليها النظام، لا يوجد فيها أكثر من 9 ملايين سوري، من أصل 24 مليوناً، ومناطق شمال غرب وشمال شرق سورية كلها خارجة عن سيطرته، بالإضافة إلى وجود ما بين 7 إلى 8 ملايين مهجرين خارج سورية. كما أن التسعة ملايين الموجودين داخل مناطق سيطرة النظام ليسوا جميعهم ناخبين، وعلى الأغلب فإن المقترعين منهم ليسوا جميعاً مع انتخاب الأسد مجدداً، نظراً للحال الذي أوصلهم إليه هذا النظام”. ونوه إلى أن “النظام لم يجر طوال عهده انتخابات ديمقراطية، حرة ونزيهة. وبالتأكيد سيلجأ كما في السابق، إلى وضع النتيجة التي سيراها مناسبة لإنجاح بشار الأسد، كما حدث في الانتخابات السابقة”.
لكن الحمزة أشار إلى أن “الوضع والظرف الدولي مختلف، لا سيما مع إدارة بايدن. والروس الآن يلجؤون لحلحلة الوضع السياسي، فهم يدركون أن الانتخابات ستشكل عرقلة لأي حل سياسي مقبل، فاللجنة الدستورية، مثلاً، لا تعمل بسبب تعنت النظام. وأخيراً ظهرت إشارات من موسكو، بشكل غير رسمي، بأن الانتخابات ستخلق لهم مشكلات جديدة مع الغرب، ففرنسا قدمت وثيقة لمنع الانتخابات لكونها غير شرعية، والأميركيون قالوا صراحة إنهم لن يتعاملوا مع بشار الأسد. هذه المقاطعة المسبقة تجعل الروس يفكرون بكيفية إيجاد حلول كي لا يضعوا أنفسهم في موقف محرج، لدرجة عدم إيجاد من يتعاون معهم في البحث عن حل. ومن هنا قد يكون الروس أرسلوا إشارات للنظام السوري بالتريث في إجراء الانتخابات. وعلى هذا فإن سفير النظام في موسكو لا يمكن أن يصرح من عنده، ولا شك أنه تم إبلاغه برمي هذا الطرح، للقول إن النظام والروس لم يفشلوا بإجراء الانتخابات في موعدها، وتحميل ظروف كورونا أسباب التأجيل”. وأكد أن “النظام قد يلجأ إلى تأجيل الانتخابات لكن لن يقوم بإلغائها، بانتظار معرفة ما إذا كان الروس سيستطيعون إحداث خرق ما”.
العربي الجديد
————————-
==================
تحديث 28 أذار 2021
———————
إنقاذ الجندي بشار/ بشير البكر
تتحرك روسيا في جميع الاتجاهات من أجل إنقاذ النظام السوري من الانهيار الكامل، وتمارس ضغوطا في هذه الفترة لفتح معابر من المناطق التي يسيطر عليها النظام، نحو المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة. وتسوق ذلك على أنه محاولة لمساعدة السوريين الذين يعيشون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، في حين أن الأزمة تشتد لدى النظام الذي لم يعد قادرا على تأمين الخبز والوقود للناس الذين يحكمهم، رغم أنه يسيطر على القسم الأكبر من الجغرافيا السورية. وحسب مدير مركز حميميم للمصالحة في سوريا ألكسندر كاربوف، فإن الهدف من العملية هو “رفع حالة العزل وعمليا إزالة الحصار الداخلي للمدنيين”. ويقدر خبراء من مناطق سيطرة المعارضة أن الهدف من فتح المعابر في الوقت الحالي، هو تدفق السلع والعملة الصعبة من مناطق المعارضة إلى مناطق سيطرة النظام التي تشكو من أزمة اقتصادية خانقة.
ولم يلق طلب الروس تجاوبا من قبل أطراف المعارضة، والشارع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وخرجت عدة مظاهرات في ريف حلب ومدينة إدلب وريفها، عبّرت عن الرفض لهذه الخطوة التي جرى النظر إليها كمحاولة روسية لمساعدة النظام الذي يغرق في الأزمات، وخصوصا تأمين الخبز والدواء والوقود، بعد أن صارت هذه المواد مقننة جدا في العاصمة، وأسعارها تشهد ارتفاعا متواصلا، كما حضرت المسألة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي عكست مزاجا عاما يرفض العملية، وأطلق ناشطون معارضون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “لا للمعابر مع النظام”، عبروا فيها عن رفضهم افتتاح معابر مع النظام، والتي تهدف روسيا من خلالها إلى إنعاش اقتصاد النظام المتهالك، وفق تعبيرهم. وهناك حجة قوية بيد هؤلاء تكمن في مواقف الروس في مجلس الأمن، والضغوط التي مارسوها في تموز/ يوليو من العام الماضي من أجل إغلاق المعابر لإدخال المساعدات الدولية من تركيا إلى سوريا، وحصرها في معبر باب الهوى الذي ضربته روسيا منذ أيام، ودمرت أعدادا كبيرة من الشاحنات التي تنقل المساعدات. والرسالة واضحة لجهة التحكم بالمعابر. وبالتالي من المرجح أن هدف فتح ثلاثة معابر بين مناطق النظام والمعارضة هو مدخل للروس من أجل إغلاق معبر باب الهوى للمساعدات الأممية. وإذا تم ذلك فسيكون بعد نهاية الفترة السنوية في تموز القادم. وبذلك يصبح دخول المساعدات الأممية عبر مناطق النظام حصرا.
واللافت في الأمر هو أن روسيا أعلنت عن اتفاق مع تركيا على فتح المعابر، في حين تنفي المصادر التركية من دون صدور موقف رسمي، في وقت تسري مخاوف من أن رفض فتح المعابر بين مناطق النظام والمعارضة قد يعطي الروس ذريعة لبدء عملية عسكرية واسعة ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيشين الوطني والتركي، وهذا أمر غير مستبعد ولكنه غالي الكلفة في ظل الوضع الميداني الذي يعبر عن توازن قوى بالنظر إلى عديد القوات التركية التي دخلت إلى سوريا، وبات انتشارها يشكل سدا أمام أي محاولة تقدم بري من طرف قوات النظام والميليشيات الإيرانية. عوضا عن أن عملية عسكرية من هذا القبيل تعد تهديدا لأمن تركيا وخصوصا فيما يتعلق باحتمال لجوء أكثر من مليوني سوري من إدلب وريف حلب في حال حصول عملية عسكرية واسعة أو قصف جوي. كما أن هذه العملية سوف تسقط اتفاق وقف النار بين موسكو وأنقرة الذي تم التوصل إليه في 5 آذار/مارس 2020، وتقوض سلسلة من التفاهمات في أستانة، وربما تتجاوزها إلى اتفاقات ثنائية خارج الملف السوري.
وفي كافة الأحوال، قد يفيد التحرك الروسي في تخفيف الضغط على النظام مؤقتا، ولكنه لن يقدم حلا جذريا لمأزقه، كما أنه يشكل فشلا ذريعا للاحتلال الروسي، والذي وصل إلى طريق مسدود، ولم تعد الآلة العسكرية الروسية والإيرانية قادرة على حسم المعركة لصالح النظام.
تلفزيون سوريا
——————————-
بازار بيع بشار الأسد/ عدنان عبد الرزاق
كثرت بالآونة الأخيرة وبشدة، مؤشرات الخلاف الروسي الأسدي، أو بصيغة أدق، زيادة عبء حمل الأسد روسياً، ما يمكن جراءها، قراءة المشهد السوري، أو بعضه على الأقل، بعيداً عن الرغبوية والأماني.
أولى الإشارات العلانية، كانت خلال اجتماع وزراء خارجية، تركيا وقطر وروسيا بالدوحة في الحادي عشر من آذار الجاري.
ورغم أن ما رشح للإعلام عن الاجتماع، كان عاماً ومكروراً وبأغلفة إنسانية، إلا أن دخول قطر على خط أستانة، أو مواز له، خطوة جراء موقفها المعلن من الأسد والمعارضة، وإبعاد إيران، ولو عن ذلك الاجتماع، خطوة أخرى نظراً لعدم موافقتها على “البازار” أو حصتها به حتى الآن.
الإشارة الثانية خرجت عن سفير الأسد بموسكو، رياض حداد الذي ألمح قبل أيام، إلى إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية، المقرر تنظيمها بين منتصف نيسان ومنتصف آيار المقبلين، وما يمكن البناء على هذه الإشارة والضغط الروسي لعدم الدخول بلعبة إعادة إنتاج الأسد وتحمل تبعاتها.
وهنا، قد لا يكون هذا المقترح روسياً بالأصل، بل طرحته دول أوروبية ومنذ عام من قبيل النصح، على دول عدة بالمنطقة وعلى روسيا أيضاً.
ويمكن القراءة من التأجيل، فيما لو تم، قناعة روسيا باستحالة تدوير الأسد، وشراء بعض الزمن، عام مثلاً، ريثما يخرج لمواجهة روسيا من يستطيع دفع الثمن.
بمعنى أصيل لا وكيل عن الولايات المتحدة، بحيث تضمن البقاء وسريان الاتفاقات وتهندس البديل، أو تشارك بالهندسة على الأقل.
وما دمنا نتحدث عن كورونا، ربما المؤشر الثالث، غياب بشار الأسد بذريعة الإصابة بالفيروس.
وقلنا ذريعة لأن الوقت المفترض للحجر، قد مرّ، إذ تعدى على إطلاقه أكذوبة الإصابة، عشرون يوماَ ومن المفترض أنه تعدى الخطر وصار بإمكانه الظهور أو التصريح.
ومن هذا المؤشر يمكن الاستدلال، أن بشار الأسد رأى بفيروس كورونا، مهرباً وإن مؤقت، ريثما تتضح مرامي موسكو وتمر عاصفة الفقر وخروج بعض أحياء دمشق بمظاهرات، فضلاً عن إحياء درعا لروح الثورة وشعارات السويداء بذكرى وفاة سلطان الأطرش، وحتى ما قيل عن صراعات وصلت للقرداحة وانسحاب أم رامي مخلوف إلى موسكو… وكل تلك الأحداث، تتطلب تعليقاً أو اتخاذ إجراءات، لكن الأسد فضّل الهروب والتذرع بالمرض.
وجاءت الإشارة الرابعة أمس من دمشق، وقت منع الأسد “المكورن” انعقاد المؤتمر التأسيسي للجبهة الوطنية الديمقراطية “جود” بعد ما أشيع عن رعاية روسيا والترويج لأحد وجوهها “هيثم مناع” أن يكون رجل المرحلة المقبلة وبديل الأسد روسياً.
وجود، هي كيان تحالفي يضم مكونات وكيانات عربية وكردية وتركمانية مختلفة التوجه، بقيادة “هيئة التنسيق الوطنية”، يهدف إلى “جمع أكبر عدد ممكن من القوى الديمقراطية في الداخل، وامتدادها في الخارج، بحيث تتجمع كل القوى الديمقراطية المعارضة، وتوحد مواقفها ومطالبها، ما يعزز العملية السياسية التفاوضية طبقا لبيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة.
نهاية القول: من المراهقة السياسية ربما، الانسياق وراء موجات الرغبوية والتنجيم التي أطلقها حالمون منذ شهر، حول أن نهاية نظام بشار الأسد باتت وشيكة، بل وصلوا لتحديد البديل وزمن الانتقال السياسي وحتى مكان هروب بشار الأسد أو لجوئه، لأن من يعرف بنية نظام حافظ الأسد وذهنية تركيبة الوريث بشار، يوقن أن خلع تلك الجذور المافيوية، ليس من البساطة والسهولة كما روّج الحالمون.
ولكن بالمقابل، من السوداوية بقيناً، تجاهل كل تلك المؤشرات والتغاضي عن الأزمة الاقتصادية الخانقة، للأسد والسوريين والتي لم تستطع مناورات روسيا كسرها، ولو لأجل ريثما تتمم الخطة و”البازار” سواء خلال زيارة رئيس دبلوماسيتها للخليج أو الضغط على أنقرة بقضية المعابر التي وصلت لقصف قوافل المساعدات قرب باب الهوى.
ولعل من الحماقة، القفز على الخلاف الروسي الأمريكي المتصاعد وآثاره المباشرة على الملف السوري، الذي تقع روسيا فيه بموقع المتورّط والضعيف.
إذاً، الدلائل تشير إلى طرح موسكو بشار الأسد للبيع، ببازار قلنا لا تقبل خلاله الوكلاء، أو الوكلاء غير الحصريين على الأقل، ولتقل للعالم أنها ليست على عجالة من أمرها، أرسلت رسالتين اثنتين.
الأولى ألزمت نظام الأسد المصادقة على عقد شركة “كابيتال” للتنقيب عن النفط قبالة سواحل طرطوس قبل أيام، لتقول لم أزل صاحبة السطوة على النظام، وما يقال عن إحلال إيران، مجرد أوهام.
والرسالة الثانية أوعزت للسفير حداد، أن ارمِ بالون تأجيل الانتخابات، لتنتظر المقترحات حول الانتقال السياسي وشكل سوريا المقبل وعروض الأسعار، قبل أن تعلن عن نهاية المهزلة، إن ضمنت بقاءها ودورها بتنصيب البديل…أو تستمر باستثمارات خاسرة وربما مدمرة إن لم ينعقد البازار.
———————————–
الاستراتيجية الاسرائيلية تجاه سوريا:التنظيمات السلفية حالت دون إسقاط الأسد
بعد سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق واسعة في سوريا، في العام 2014، وبدء التدخل الروسي من أجل دعم النظام في الحرب الأهلية، في العام 2015، اعتبرت إسرائيل أن “نافذة الفرص لإسقاط النظام واستبداله بجهة صديقة أُغلقت”، بحسب تقرير للمحلل العسكري في موقع “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي، الأحد.
واستعرض بن يشاي النقاش الذي دار في إسرائيل في بداية الحرب في سوريا حول إسقاط نظام بشار الأسد. ونقل عن وزير رفيع في الحكومة الإسرائيلية قوله إن “إسرائيل أخطأت عندما لم تعمل من أجل إسقاط الأسد ونظامه عندما كان ذلك ممكنا”، معتبراً أنه في السنوات الخمس الأولى للحرب كان بالإمكان التسبب بفقدان النظام للحكم، “وبذلك قطع الذراع المركزية وأنبوب الأكسجين العملاني واللوجستي للأخطبوط الإيراني وأذرعه”.
وبحسب الوزير الإسرائيلي نفسه، فإنه لو قررت الحكومة الإسرائيلية مساعدة “المتمردين السوريين غير السلفيين” وعملت بنفسها من خلال قنوات سرية، قبل بدء التدخل الروسي، لسقط النظام، “وكانت النتيجة أن وضعنا الأمني في الجبهة اللبنانية والسورية مقابل المحور الشيعي الراديكالي أفضل بكثير مما هو اليوم”.
وتابع الوزير الإسرائيلي أنه “لو أسقطنا الأسد، كان سيحل مكانه في دمشق نظام جديد مدعوم من الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، وبالإمكان التوقيع على اتفاق سلام معه من دون الانسحاب من الجولان”.
ووصف بن يشاي في مقاله والذي ترجمه موقع “عرب 48″، هذا الوزير بأن لديه خبرة أمنية وسياسية كبيرة، وأنه سعى إلى إقناع الحكومة “بضرورة التدخل في سوريا، منذ المرحلة الأولى للحرب الأهلية”. وخلال هذا النقاش، “كان هناك معسكر في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أيّد مبادرة إسرائيلية لإسقاط الأسد ونظامه” وفقاً لبن يشاي.
في المقابل، أشار بن يشاي إلى أنه كان هناك معسكر آخر وكبير في قيادة الجيش الإسرائيلي عارض إسقاط الأسد، أو التدخل في الحرب السورية. وشدد هذا المعسكر على أنه “لا أحد بإمكانه ضمان أن الجهة أو تحالف المنظمات والجهات السياسية التي ستصعد إلى الحكم مكان الأسد ستكون أقل عدائية وخطورة من إيران تجاه إسرائيل. على العكس، البديل السلفي الذي كان ظاهراً في تلك الفترة في سوريا بدا أنه ليس أقل تهديداً من آيات الله الإيرانيين”.
وأشار بن يشاي في هذا السياق إلى التجربة الإسرائيلية الفاشلة في لبنان، “عندما حاول وزير الأمن الإسرائيلي أرييل شارون، بعد غزو لبنان في العام 1982، تنصيب زعيم الكتائب بشير الجميل، رئيساً في لبنان، وبعد ذلك توقيع اتفاق سلام. وفشلت خطة شارون هذه بعد اغتيال الجميل. وفي موازاة ذلك، تأسس حزب الله كذراع مقاومة للاحتلال الإسرائيلي وسيطر على لبنان”.
وبحسب بن يشاي، فإن المعسكر المؤيد لإسقاط الأسد سعى إلى ذلك من خلال دعم الجيش السوري الحر. وأضاف أن قسماً من الميليشيات والتنظيمات المسلحة في سوريا تعاونت معه. لكن المنظمات السلفية أقصت الجيش السوري الحر “المعتدل” جانباً وقادوا التمرد ضد النظام.
ورأى المعسكر المعارض لإسقاط الأسد حينها، أن “الانقسام وغياب قيادة واضحة بين المتمردين كان يضمن أمراً واحداً إذا سقط النظام، وهو الفوضى وعدم القدرة على الحكم التي ستستمر لسنوات بعد انتهاء التمرد، وحروب الثأر بين المتمردين أنفسهم وبينهم وبين العلويين”.
وأضاف بن يشاي أن “خطورة التهديد الإيراني كانت ستتراجع، لكن وضعاً كهذا يمتّص إلى داخله جهات فتّاكة تنمو في ظروف انعدام القدرة على الحكم. والخطر الماثل على إسرائيل من الجهاد العالمي الدموي والإخوان المسلمين ليس أقل خطورة، وربما أكثر خطورة، من التآمر الإيراني”.
ورأى بن يشاي أن الدول الغربية والعربية التي دعمت المعارضة المسلحة والدعم الروسي والصيني للنظام لم تكن ستسمح لإسرائيل بأن تبلور الوضع في سوريا وفقاً لمشيئتها.
خطوط حمراء
تبنى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تقريراً استراتيجياً أعده الجيش الإسرائيلي بشكل سري. ومع مرور الوقت أضيفت مركبات إلى هذه الإستراتيجية وألغيت مركبات أخرى. والمركب الأساسي في هذه الاستراتيجية هو أن “إسرائيل لن تبادر إلى عملية عسكرية أو حرب من أجل إسقاط النظام في سوريا، ولن تتدخل استراتيجياً من أجل ترجيح كفة أحد الجانبين أو اللاعبين في الحرب الأهلية السورية”، وفقاً لبن يشاي.
وقررت الحكومة الإسرائيلية العمل استراتيجياً وعسكرياً واستخباراتياً وسياسياً “من أجل فرض خطوط حمراء أعلنت إسرائيل أنها عنصر مهم لأمنها القومي. وليس أقل أهمية من ذلك، تنفيذ العمليات الهجومية هذه بنجاعة ومن دون جرّ إسرائيل إلى حرب في سوريا أو لبنان”.
وأشار بن يشاي إلى أن “الخطوط الحمراء” الإسرائيلية تغيرت قليلاً خلال السنوات العشر الأخيرة، لكن صيغتها الأحدث كالتالي:
– أي استهداف للسيادة الإسرائيلية وأمن مواطنيها سيقابل برد مؤلم هدفه ردع المنفذين، وخاصة مرسليهم ومن يمنحهم رعاية ومنطقة للعمل منها.
– منع استخدام سوري لأسلحة غير تقليدية (كيماوية) ومنع نقل أسلحة كهذه إلى لبنان.
– منع أو تشويش بالقوة لنقل أسلحة نوعية من إيران إلى سوريا ولبنان، ومنع نقل أسلحة نوعية من الجيش السوري وصناعاته العسكرية إلى لبنان.
– منع إقامة جبهة إيرانية ضد إسرائيل في سوريا، تكون شبيهة بالجبهة التي أقامها “حزب الله” في لبنان بمساعدة إيران.
– منع تموضع لجيوش “إرهابية” معادية لإسرائيل، جهادية سنية وأذرع شيعية لإيران، بالقرب من الحدود مع إسرائيل بشكل يسمح لها بممارسة إرهاب حدودي وعابر للحدود بشكل مفاجئ.
– منع وتشويش إقامة واستخدام ممر بري من إيران، مرورا بالعراق وسوريا، إلى لبنان ويخدم الاستعدادات واللوجستية والعملانية الإيرانية وأذرعها في حرب ضد إسرائيل.
وأشار بن يشاي إلى التعاون بين إسرائيل وروسيا في سوريا، الذي يستند على ألا يستهدف أحد الجانبين الآخر. “لكن علينا الاعتراف بأن الوجود الروسي في سوريا يقيد حرية العمل الإسرائيلية هناك، وسنضطر أن نكون حذرين جدا أثناء الحرب. فروسيا، التي حولت الحرب الأهلية السورية إلى ميدان تجارب لصواريخ وأنواع ذخيرة من صنعها، تزود الجيش السوري بأسلحة حديثة، وقسم منها يتسرب إلى حزب الله في لبنان”.
وأضاف أن “القرب الجغرافي بين إسرائيل ومنشآتها الحساسة وبين القوات الروسية في سوريا، يسمح للروس بجمع معلومات استخباراتية عن إسرائيل، وربما ينفذون عمليات سايبر هجومية ضد إسرائيل بسهولة أكبر أيضاً”.
المدن
—————————-
=======================
تحديث 29 أذار 2021
————————-
روسيا تستعجل تسوية في سوريا/ طوني فرنسيس
في ذكرى الثورة… “على الأسد ألا يكررها”
لم تعد روسيا قادرة على “تحمل” سياسات حليفها السوري الرئيس بشار الأسد في مجال إنهاء الصراع الأبدي في بلاده. هي باتت منذ فترة طويلة تعتقد أن إنجازات تدخلها العسكري في سبتمبر (أيلول) 2015، لإنقاذ النظام في دمشق، يجب أن تُترجم إلى تسوية سياسية، تكون فيها اللاعب الأكبر وتتيح لها قطف ثمار انخراطها في معركة بلاد الشام.
الإشارات إلى عدم رضى موسكو عن حليفها الدمشقي كثيرة. أخيراً، أُصيب الأسد وزوجته بـ “كوفيد-19″، فلم يتصل به الرئيس فلاديمير بوتين. لم يكن الاتصال ضرورياً وهو لا يحتاج إلى حديث عنه إذا ما حصل، لكن موسكو حرصت على الإعلان بلسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن أي اتصال بين بوتين والأسد لم يحصل في المناسبة، إلا أن المسألة تتعدى الاطمئنان الصحي، فكثير من القضايا والتطورات خلال الشهر الماضي كانت تفترض تشاوراً بين الحليفين. من التوتر الشديد في إدلب ومحيطها بين النظام والقوات التركية، ووصلت مفاعيله إلى العلاقات الروسية – التركية، إلى جولة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف التي شملت السعودية والإمارات وقطر وتناولت خصوصاً الوضع السوري، إلى الإعلان عن منصة تعاون جديدة في شأن سوريا تضم روسيا وقطر وتركيا، فإلى زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكينازي إلى موسكو التي تزامنت مع زيارة وفد حزب الله اللبناني، الذي ألحّ على معرفة مصير الأسد بحسب الصحافة الروسية.
كل تلك التطورات كانت تستحق اتصالاً على أعلى المستويات بين دمشق وموسكو، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، بل تم قطع الطريق عليه رسمياً، فيما كان وزير خارجية الأسد يتوجه إلى مسقط بدلاً من الكرملين في ثاني زياراته الخارجية بعد طهران.
لا يعني ذلك أن الانخراط الروسي في سوريا في حال تراجع، أو أن العلاقات مع النظام تشهد خللاً مميتاً، فروسيا حصلت عبر إحدى شركاتها، منذ أيام، على امتياز للتنقيب عن الغاز في البحر السوري في الحلقة الأخيرة من التعاون المشترك، لكن موسكو تعتقد أن أوان التسوية السورية قد حان، وهي الآن في أفضل الظروف التي تسمح لها بقطف هذه التسوية ورعايتها.
وتعرف روسيا أن سوريا ممزقة وموزعة على دول عدة تمسك بأراضيها، فالجولان تحتله إسرائيل منذ 1967، والمنطقة الشرقية الشمالية التي تحوي 90 في المئة من إنتاج النفط السوري تحت سيطرة الأميركيين وحلفائهم الأكراد، وفي الغرب والشمال الغربي تحكم تركيا سيطرتها على إدلب والشريط الحدودي الشمالي، وحيث المناطق المحسوبة على النظام تنشط إيران وميليشياتها، لكن النظام وإيران يعرفان أن القوة الجوية الروسية هي العامل الحاسم في استمرارهما.
وللتقدم في تسوية مُرضية، على روسيا التعامل مع كل هؤلاء، والأخذ في عين الاعتبار مطالب المعارضة السورية وقرارات الأمم المتحدة، خصوصاً قرار مجلس الأمن رقم (2254) وبيان جنيف، إلا أنها تعرف أيضاً أنه لا بد من تعاون الأسد نفسه، الذي تتمسك روسيا بشرعيته، وتعتبره إيران ضمانة لدورها وحضور ميليشياتها، وتصر تركيا على إزاحته.
في اتجاه ضمان تعاون الأسد ستتحرك روسيا خلال الفترة المقبلة، وبحسب إحدى الصحف الروسية “يجدر بالجانب الروسي باعتباره أحد أهم الضامنين للتسوية، أن يعزز تحكمه بحسابات دمشق الرسمية الخاطئة، التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة قبل 10 سنوات، بحيث لا تكررها دمشق مرة أخرى”.
وتقول صحيفة “نيزا فيسامايا” الروسية في مقالة، 23 مارس (آذار)، “تبدو لحظة إيجابية أن الجانب الروسي تمكن خلال هذا الوقت من تعزيز سمعته كلاعب يعرف كيف يبني علاقات متوازنة مع جميع دول المنطقة، وتجد الدليل على ذلك ليس في استضافة موسكو، الأسبوع الماضي، وفي وقت متقارب، وفداً من حزب الله اللبناني ووزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكينازي، إنما وفي الجولة العربية الأخيرة لوزير الخارجية الروسي، وللمفارقة فقد أظهرت هذه الجولة تقارب مواقف قيادتي السعودية والإمارات مع روسيا في شأن الملف السوري”.
وجدت موسكو كما تقول دفعاً جديداً لرؤيتها في هذه الجولة العربية الخليجية، وهي في علاقتها المتوترة حالياً مع الولايات المتحدة قد تغتنم الفرصة لتسجيل خرق يشبه ذلك الذي حققته في سبتمبر 2015 عندما اقتحمت المشهد السوري برضى أميركي ضمني، والخرق الحالي المفترض تتشابه ظروفه مع ظروف 2015، والعلاقة الملتبسة مع الرئيس باراك أوباما قبل تسليمه السلطة إلى رئيس أكثر التباساً في علاقته مع روسيا.
الآن تعتبر روسيا نفسها في حال صدام مع أميركا برئاسة جو بايدن الذي وصف الرئيس الروسي بـ “القاتل”، ولذلك سترفض أي نقاش مع بايدن “إلا في العلن”.
ثانياً، ستفرح موسكو بقرارات بايدن الانسحاب من مواقع مختلفة في العالم، بما فيها من العلاقات مع بعض الحلفاء، و”ستساعده في ذلك”.
وثالثاً قد تغتنم موسكو الفرصة لتسجيل أهداف في بعض النقاط، خصوصاً في سوريا، لكن ذلك سيكون صعباً من دون اتفاق مع أميركا.
تبدو إسرائيل الحليف الرئيس لروسيا على الأرض السورية، فهي الطرف العسكري الحاضر جواً وبراً، وهي التي كسبت ثقة روسيا طوال أعوام من العمل المشترك في سوريا، وسيكون للدولة العبرية دور أساس في رسم حدود التلاقي الأميركي- الروسي في سوريا، وهذا سيحتاج إلى جهود تبذل للفصل بين بلاد الشام ومسائل أخرى تثير خشية الروس مثل أوكرانيا، لكن الثابت أن روسيا التي تعيش هاجس ليبيا لن تقبل أن تطير سوريا من يدها هذه المرة.
—————————–
يديعوت أحرونوت: إسرائيل أضاعت فرصة الإطاحة ببشار الأسد
تساءل المراسل والمحلل العسكري رون بن يشاي، الاثنين، في مقال له في صحيفة “يديعوت أحرونوت” حول إضاعة إسرائيل “فرصاً كثيرةً” في سوريا، منها “إسقاط نظام بشار الأسد” واستبداله بآخر من المعارضة، دون وجود الإسلاميين.
ونقل بن يشاي، عن أحد الوزراء الكبار في الحكومة الإسرائيلية قوله، إن “إسرائيل ارتكبت خطأً عندما لم تتحرك للإطاحة بالأسد ونظامه حين كان ذلك ممكناً.”
وأضاف أنه كان من الممكن في السنوات الخمس الأولى من “الحرب الأهلية بسوريا” التسبب بفقدان النظام بقيادة الأسد للحكم والسلطة، “وكذلك إجراء بتر لذراع مركزي وخط أنابيب الأكسجين التشغيلي واللوجستي للأخطبوط الإيراني وحلفائه في المنطقة.”
وأشار إلى أنه لو كانت الحكومة في تل أبيب قد قررت مساعدة من وصفهم بـ”المتمردين السوريين غير الجهاديين” وعملت بنفسها في قنوات سرية، وكل هذا قبل تدخل الروس في سوريا، لكان نظام ما وصفه بـ”جزار دمشق” قد سقط.
وذكر المحلل الإسرائيليأن ذلك كان سيؤدي إلى “نظام جديد مدعوم من الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، وكان من الممكن توقيع اتفاق سلام معه دون التنازل عن الجولان.”
وخلال المرحلة الأولى من الحرب السورية كان لدى هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي معسكر كبير من كبار المسؤولين الذين أيدوا مبادرة الإطاحة بالأسد ونظامه، مقابل معسكر كبير أيضًا أقل إثارة للإعجاب يعارض مثل هذه الخطوة. على حد وصف بن يشاي.
لكنه أشار أيضاً إلى أن “حجج أولئك الذين يعارضون تحركاً إسرائيلياً مباشراً للإطاحة بالأسد أو تقديم مساعدات ضخمة “للمتمردين” لتحقيق هذا الهدف “مقنعة”، وبشكل أساسي الادعاء بأنه لا يمكن لأحد أن يضمن أن كياناً أو تحالف المنظمات والكيانات السياسية التي ستصل إلى السلطة بدلاً من الأسد ستكون أقل عداءً وخطورةً لإسرائيل من إيران.”
وعلى العكس من ذلك، بدا “البديل الجهادي” الذي ظهر في سوريا في ذلك الوقت “لا يقل خطورةً عن الإيرانيين”، كما يقول بن يشاي.
إعداد: أحمد إسماعيل – تحرير: محمد القاضي
نورث برس
————————-
في عدم حاجة العلويين لبقاء الأسد/ أدهم حنا
يُثار سؤال في عيد الثورة السورية: متى يتحرك العلويون ضد النظام؟ وما موقفهم اليوم منه؟ في هذا يشعر الجميع بالريبة، وتُفرض خيارات أكثر نحو النظام وبقائه بسبب تجمهر العلويين خلفه.
من الأفضل القول: جمهور العلويين؛ وذلك منعاً للّبس في الفلسفة السياسة، في الفارق بين الشعب والجمهور. فالجمهور هو جزء من الشعب، يحمل اختلافاً عن جمهور آخر؛ أي الجمهور زمرة، والشعب مجموع الزّمر أو المجموعات. كان واضحاً أن الجميع ينتظر أن ينتقل العلويون إلى مكانٍ ما يظهرون فيه كشعب، متوحدين في كيانات أكثر اتساعاً وشمولاً في نقد النظام، أو رفضه. ليس مفاجئاً أن تبدو عصبية طائفية وراء نظام متخلف كالنظام السوريّ، يعيش على هامش من العنف الرمزي، الذي من دونه لا يمكن لعنف مادي أن يظهر.
كان تجييش بعض العلويين فادحاً في الحرب، قروسطية رمزية دينية، عممها قادة وعسكريون علويون، ومن ثم مرتزقة في مليشيات واضحة الغاية والهدف، في وجه شعب أعزل في بداية الثورة. لقد كان حمل السلاح في وجه النظام أكثر ما احتاجهُ ليُشكل حالة ارتزاق عامة ومجنونة انطوى تحتها الكثير من العلويين. نستطيع القول إنه منذ نشوء جذور الحرب الأهلية في الثمانينيات وضرب النظام لمدينة حماة؛ حافظ النظام على هامش من الاعتقادات والألقاب الطائفية التي تتبادلها الجماعات السورية: (العلويون شبّيحة)، (السنة إخوانجيّة)، (المسيحيون أقلية غير لازمة). الحداثة السياسية بمفهومها الطبقي مثلاً، أُقصيت من التداول الاعتقادي لدى السوريين، طفت الثقافة الرديئة للجماعات على حساب الوعي الطبقي والمعيار الاجتماعي الاقتصادي. وعاش العلويون على أنهم مظلومون ومهمّشون، وأنهم محاربون دائماً من دون سلاح في أيديهم، ومن دون قائد مرتزقة. هذا لم يخلُ من بعد منشئي عام للريف السوري الذي حكم سوريا؛ فحتى ثورة الأرياف كانت تحمل طابعاً من طوابع السلطة، في العنف والفوضى والقسوة.
عملياً فقد النظام قسماً كبيراً من جمهور العلويين، منذ العام 2015، كما فقد السيطرة العسكرية على أكثر من نصف البلاد.
النظام لم يتنبه إلى أن جعل الحرب السورية طائفيّة بين صفوف الجيش ستكون رهاناً خاسراً. هنا نما مبدأ كمي؛ مقارنة كمية جعلت العلويين يشعرون بأنهم الخاسرون في حرب لا طائل منها. في صراع الأجساد خسر العلويون أجسادهم، في حربٍ تبنوا فيها، جراء توجهات قادة المرتزقة من ضباط وأمراء حرب، شعارات دينية ضمنية، حاولوا إخفاءها وراء قناع الدولة، والفاشية العسكرية. كان كمّ الأجساد الذي خسروه إنذاراً بحجم التضحيات التي لا يمكن دفع كلفتها، ولا يمكن الاستفادة منها.
فكُسِر النظام جرّاء فشله التكنولوجي في قيادة الحرب؛ إنّ عدم تطوره التقني والمعرفي العسكري، جعل دعايته الدينية القديمة خاسرة أصلاً، والتي لم تخلُ من تحفيز ضمني لصراع العقائد. العنفوان الطائفي وعنفه، والآلية التدميرية التي غرسها في العلويين فشلت في سباق الأبدان والأجساد التي وصلت إلى مرحلة فقدان الوجود. لا يمكن للعلويين تحمل حربٍ يموتون فيها كلهم بلا جدوى. والأكثر إيلاماً؛ بلا تحقيق أيّ قيمة.
لم يعد الجسد العلوي متماهياً مع النظام، ولم يعد قادراً أصلاً على مواجهة أكثرية عسكرية وشعبية. الوصول الروسي جعل النظام قزماً، أكثر من التدخل الإيراني الذي حاول بالعقيدة الجهادية التآخي مع العلويين، الذين اتضح لهم أنه كان يُقصيهم، ويقصي تاريخ أفكار عقيدتهم أيضاً. كان النظام من أجل الكُرسي يضحي حتى باعتقادات الطائفة ورواسخها.
لم يكن النظام يتوقع أبداً، أن تبدو خياراته العسكرية للانتصار على الثورة السورية ناقصة من ناحية التكنولوجيا، أو أن فداحة خسارته للسيادة التي كان يتمتع بها سببها فقر التكنولوجيا، التي ساهم الروس في إغناء جزء منها، من خلال الحرب التقنية والجوية المتمايزة مكانياً عن البشر وعن الصلة بهم. وفي الحقيقة، أنقذ الروس العلويين من التجنيد، وحتى من الحاجة إليهم في المليشيات.
وصولاً إلى العام 2015، كان النظام يفقد الهيمنة العسكرية لصالح إيران ومليشياتها. رافق هذا تنبّه العلويين إلى أن النظام يجرهم للموت فقط.
الدفع بالأجساد المُخلصة المقادة إلى الموت، انتهى منذ تنبه “الأمريكان” إلى أنّ الانتصار في الحروب يتمّ بتقنية عالية وبريئة من الأجساد المشاركة فعلياً والموجودة في ساحة القتال. هذا ما أوصل الروس إلى سوريا؛ فالحداثة العالمية للشر والإبادة أنقذت النظام بتقنياتها من أجل مصالح سياسية لا تُشعر العلويين بقيمتهم، بل تجعلهم أقل معنى، حتى بالنسبة إلى بشار الأسد، والذين تماهوا مع سلامة كرسيه لعشرات السنين قبل تيقظهم.
هنا النظام ذاته تخلى عن العلويين، محولاً قادة العلويين العسكريين والمرتزقة المشغّلين لهم، إلى لا شيء بكل ما للكلمة من معنى، ورغم كل العنف الذي أدخلهم فيه، إلّا أنّهم فشلوا في تحقيق الانتصار له، فأزاحهم، أو حتى طوعهم للقتال في بلدان أخرى كمرتزقة للروس. لم يعد العلويون بالطبع من جمهور الأسد. فهو يُشتَم في الطرق، وتُزاح صوره عن واجهات البيوت؛ ذلك كان ردّ فعل العلويين على الأسد بعد اكتشافهم لما وضعهم فيه. وفي الوقت نفسه، ظهر، خلال سنوات التدخل الروسي، أنّ الروس يبقون على بشار، ويحبون العدو الصهيوني ولا يحموننا منه. لم تعد هناك حجّة لنظام الأسد في مواجهة جمهوره الأكثر التصاقاً. بدا ضعيفاً، وبلا أي قدرة على فعل شيء في البلاد، باستثناء جمع الأموال هو وعائلته.
في إفلاس البلاد، وعدم الحاجة إلى الخوف من الجماعات الأخرى، بدا العلويون اليوم أقل خوفاً، بالتالي أكثر استقراراً لتأمل أوضاعهم وخساراتهم، هل سيثورون؟ ولو ثاروا، لا معنى لهم، النظام لم يعد يعتمد عليهم. لقد فقد العلويون المعنى الذي كانوا يتخيلونه، فالوطن بات مستعمرة، وحديقة لآل الأسد، والطائفة في أسوأ أحوالها المعيشية، أسوة ببقية طوائف الشعب، الذي بات متوحداً طبقياً. ظهر النظام في عيونهم متأخراً، بوصفه مليشيا تتبع إقليمياً دولاً ذات مصالح، ومعيار ثورتهم عليه لن يبدو ذكياً أو حاسماً. لقد تخلى عنهم منذ فشلوا كأداة عنف مسخرة لمعتقدات طائفية يعج فيها المجتمع السوري. محاولة دفع العلويين إلى الثورة لن تكون مجدية؛ سيقتلهم النظام بالمليشيات التي تخيف العلويين أنفسهم؛ مليشيات من أمراء حرب لبنانيين وإيرانيين وقوات روسيّة مدربة ذات أجر عالٍ تُرهب السوريين كلهم. حينما أصبح العلويون -من ناحية طبقية- شعباً، باتت ثورتهم مستحيلة، مثل ثورات بقية الفئات السوريّة. لم يعد العلويون يملكون أجساداً أكثر لتُزجّ في ساحات الحرب، ولا في ساحات الثورة، باتوا وحيدين متأملين فقرهم وذل عيشهم بعد كلّ ما خسروه وضحّوا به، من أجل عائلة تتربع على كرسي لن تقوم عنه، ليس لأنها وطنية أو لأنّ الشعب وراءها، بل لأنّها عالم مليشيوي ينصب الكراسي ويزيلها.
المدن
——————————–
عقد نفط مع روسيا يبدّد حقوق السوريين/ عدنان عبد الرزاق
صادق النظام السوري، مؤخراً، على عقد تنقيب عن النفط لشركة “كابيتال” الروسية في سورية. وبهذا الاتفاق ستأخذ الشركة الروسية حقا حصريا في التنقيب عن البترول وتنميته في البلوك البحري رقم 1 بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لسورية في البحر المتوسط، مقابل ساحل محافظة طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية اللبنانية بمساحة 2250 كيلومترا مربعا.
وحسب العقد الذي يراه مراقبون استمرارا لروسيا في السيطرة على مقدرات وثروات سورية لاسترداد ديونها التي قدمتها لنظام بشار الأسد، فإن مدته تقسم إلى فترتين، الأولى فترة الاستكشاف ومدتها 48 شهراً تبدأ بتوقيع العقد، ويمكن تمديدها 36 شهرا إضافية، والفترة الثانية، مرحلة التنمية ومدتها 25 عاما قابلة للتمديد مدة خمس سنوات إضافية.
وحول تفاصيل العقد، قال الخبير الاقتصادي السوري سمير سعيفان، لـ”العربي الجديد”: علينا توضيح الخرق بالنسبة لمدة العقد، إذ حددت المواد المخصصة لذلك فيه فترة الاستكشاف بـ6 سنوات للنفط و 8 سنوات للغاز، وهي مدة تماثل ضعفي المدد التي تمنح في مثل هذا العقود عادة، كما تحدد فترة الإنتاج بـ25 سنة قابلة للتمديد 5 سنوات بقرار المقاول أي 30 سنة، بينما هي في العقود المماثلة 20 سنة ويكون التمديد بقرار من الحكومة وليس المقاول.
وكان عقد التنقيب بين الشركة الروسية والنظام أُبرم في شهر إبريل/ نيسان عام 2020، وصادقت الحكومة عليه يوم 16 آذار/مارس الجاري.
أما بالنسبة لنفقات العقد، يضيف سعيفان أنه “حسب الاتفاق، التزم المقاول بإنفاق 13 مليون دولار فقط خلال كامل فترة التنقيب وعملياتها للنفط والغاز، وهذا لا يزيد عن 10% من المبلغ الذي يجب أن يلتزم المقاول بإنفاقه، ففي الحقول البرية كان الالتزام بالإنفاق قبل 30 عام من قبل المقاولين خلال فترات للتنقيب لا يقل عن 15 – 25 مليون، بينما الآن أي عقد بحري يتطلب نفقات أكبر بكثير يجب ألا تقل عن 100 مليون دولار. هذا يعني أن الشركة تريد إبرام العقد وانتظار تطور الأوضاع في سورية”.
ويؤكد سعيفان أن تقاسم إنتاج النفط، كما ورد في العقد بالمواد 7.1 و7.2 و7.2.1 و7.5، يحدد بنسبة 12.5% من إنتاج النفط كحق الدولة، ويقوم المقاول باستلامها وتسويقها لصالح الحكومة، ويبدو من ذلك أن الروس سيستردون الديون من النظام بأسرع وقت ممكن، إذ ينص العقد على اقتطاع نسبة كبيرة من الإنتاج.
ويشير سعيفان، الخبير النفطي، إلى أن الوضع الأقرب للتحقق هو إنتاج نفط أقل من 25 ألف برميل في اليوم، لأن المنطقة تتمتع بالغاز واحتمال وجود النفط فيها ضعيف، كما أن السعر الأقرب للمنطق هو أقل من 70 دولار للبرميل.
ويرى مراقبون أن المشكلة الأكبر بعقد شركة “كابيتال” الروسية، كان حول تقاسم إنتاج الغاز، لأن احتمال اكتشاف الغاز أكثر من النفط في تلك المنطقة. وحسب بيانات رسمية، تراجع إنتاج سورية النفطي من نحو 400 ألف برميل، إلى نحو 30 ألف برميل في المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد.
———————————
الكشف عن خلافات في تل أبيب حول مصير الأسد وزير إسرائيلي: عدم إسقاطه كان خطأ استراتيجياً لصالح إيران/ نظير مجلي
كشف وزير إسرائيلي كبير من ذوي الخلفية الأمنية الراسخة، أن قيادة الجيش، وكذلك الحكومة، بقيادة بنيامين نتنياهو، شهدتا خلافات كبيرة في التعاطي مع الموضوع السوري، منذ اندلاع الحرب الأهلية، وأن قسماً منهم أيّد انتهاز الفرصة السانحة لإسقاط الرئيس بشار الأسد، وقسم رفض ذلك وأيد بقاءه. وقال إن «مؤيدي الأسد في القيادة الإسرائيلية تغلبوا على معارضيه»، واعتبر ذلك «خطأ فاحشاً خدم إيران، وندفع ثمنه اليوم باهظاً».
وكشف الوزير الإسرائيلي، في أحاديث ضيقة تسرب بعض منها إلى الإعلام، أمس (الأحد)، أن نقاشات حادة دارت في قيادة المنظومة العسكرية الأمنية والسياسية في إسرائيل، مع اندلاع الحرب في سوريا، حول إسقاط نظام بشار الأسد. قسم من القيادات رأى أن هناك فرصة مهيأة لإسقاط نظام الأسد، فقد كانت المعارضة قوية جداً، وتستند إلى قاعدة جماهيرية ولديها انفتاح مثبت تجاه إسرائيل. وبدا واضحاً بأن هذه الفرصة لن تتحقق من دون دعم إسرائيل.
وكان بذلك يشير إلى الجيش الحر وعناصر أخرى في المعارضة، الذين بادروا للاتصال بإسرائيل، وبعضهم قاموا بزيارات علنية إلى تل أبيب، وأطلقوا تصريحات عن استعداهم للسلام مع إسرائيل على أساس تأجيرها هضبة الجولان السورية المحتلة لعشرين أو ثلاثين سنة وتحويله إلى «محمية سلام». وقد طلبوا يومها دعماً إسرائيلياً لوجيستياً وتزويدهم بالسلاح. وقال الوزير الإسرائيلي إن هذا النقاش استغرق عدة سنوات، إلى أن لم يعد بالإمكان إسقاط الأسد، في سنة 2014 – 2015 حيث بدأت هزيمة «داعش». وقال: «لو قررت حكومتنا مساعدة المتمردين السوريين غير الجهاديين، وعملت بنفسها من خلال قنواتها السرية ما تعرف جيداً كيف تفعله، واستغلت الواقع السوري الذي بدا فيه النظام عاجزاً ومتردداً، لكان نظام الأسد قد سقط، وحل محله نظام جديد في دمشق، مدعوم من الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، ولكان بالإمكان التوقيع معه على اتفاق سلام من دون الانسحاب من الجولان، ولكنا اليوم في وضع أمني أفضل ألف مرة من الوضع الحالي، خصوصاً على الجبهة اللبنانية والسورية، مقابل المحور الشيعي الراديكالي، ولكنا قطعنا الذراع المركزية وأنبوب الأكسجين العملي واللوجيستي للأخطبوط الإيراني وأذرعه».
وأكد الوزير الإسرائيلي أن معارضي فكرة إسقاط الأسد، شكلوا معسكراً كبيراً وقوياً، فقد عارضوا مبدئياً أي تدخل إسرائيلي في الحرب السورية. وعللوا ذلك بالقول إنه «لا أحد بإمكانه ضمان أن الجهة أو تحالف المنظمات والجهات السياسية التي ستصعد إلى الحكم مكان الأسد ستكون أقل عدائية وخطورة من إيران تجاه إسرائيل. على العكس، البديل المتطرف الذي كان ظاهراً في تلك الفترة في سوريا بدا أنه ليس أقل تهديداً من آيات الله الإيرانيين. ثم وضع هؤلاء أمامهم التجربة الإسرائيلية الفاشلة في لبنان، عندما حاول وزير الأمن، أرئيل شارون، ورئيس أركانه، رفائيل إيتان، بعد غزو لبنان واحتلال جزء من بيروت، في عام 1982، تنصيب زعيم الكتائب، بشير الجميل، رئيساً هناك، وبعد ذلك توقيع اتفاق سلام.
فقد فشلت هذه الخطة، وتم اغتيال الجميل. وفي موازاة ذلك، تأسس «حزب الله» كذراع مقاومة للاحتلال الإسرائيلي، وسيطر على لبنان.
وقال الوزير الإسرائيلي إن معسكر رفض إسقاط الأسد هو الذي انتصر، لأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقف معه وتبنى التقرير الاستراتيجي السرّي الذي أعده غالبية الجنرالات، والمركب الأساسي فيه هو أن «إسرائيل لن تبادر إلى عملية عسكرية أو حرب من أجل إسقاط النظام في سوريا، ولن تتدخل من أجل ترجيح كفة أحد الجانبين أو اللاعبين في الحرب الأهلية السورية، بشكل حاسم». وقررت الحكومة العمل بكل طاقاتها الاستراتيجية والعسكرية والاستخباراتية والسياسية «من أجل فرض خطوط حمراء حيوية لأمنها القومي وتنفيذ العمليات الهجومية اللازمة، من دون السماح بجرّ إسرائيل إلى حرب في سوريا أو لبنان».
وحسب صحيفة «يديعوت احرونوت»، فإن «الخطوط الحمراء» الإسرائيلية تغيرت قليلاً خلال السنوات العشر الأخيرة، وصيغتها الأخيرة ضمت البنود التالية: أن «أي استهداف للسيادة الإسرائيلية وأمن مواطنيها، سيُقابل برد موجِع لردع المعتدين، ومَن يرسلهم أو يمنحهم الرعاية أو مجال العمل. والعمل على منع استخدام سوري لأسلحة غير تقليدية (كيميائية)، ومنع نقل أسلحة كهذه إلى لبنان. كذلك منع أو التشويش بالقوة على نقل أسلحة نوعية من إيران إلى سوريا ولبنان، ومنع نقل أسلحة نوعية من الجيش السوري وصناعاته العسكرية إلى لبنان.
وتقوم الاستراتيجية أيضاً، على «منع إقامة جبهة إيرانية ضد إسرائيل في سوريا، تكون شبيهة بالجبهة التي أقامها (حزب الله) في لبنان بمساعدة إيران. مواجهة أي تموضع لجيوش إرهابية معادية لإسرائيل، متطرفة سنية وأذرع شيعية لإيران، بالقرب من الحدود مع إسرائيل، بشكل يسمح لها بممارسة إرهاب حدودي وعابر للحدود بشكل مفاجئ. كذلك، منع والتشويش على إقامة واستخدام ممر بري من إيران، مروراً بالعراق وسوريا إلى لبنان، يخدم الاستعدادات واللوجيستية والعملانية الإيرانية وأذرعها في حرب ضد إسرائيل».
وتضيف الصحيفة أن إسرائيل قررت أيضاً، التدخل بشكل محدود في سوريا، بدعم بعض القوى التي تعارض النظام، خصوصاً في الأراضي السورية القريبة من الجولان، بغية تحقيق أربعة أهداف، هي، أولاً: منع حدوث كارثة إنسانية في هذه الأراضي، وغاية ذلك، منع تدفق لاجئين سوريين وفلسطينيين باتجاه الحدود في الجولان، وربما في لبنان أيضاً، يطالبون بالحصول على لجوء في إسرائيل، مثلما حدث في الأردن ولبنان وتركيا. وثانياً، تسليح خفيف لميليشيات محلية للدفاع عن القرى والبلدات في مناطق قريبة من الحدود مع إسرائيل، وذلك من أجل منع تموضع جهات إرهابية وأذرع إيرانية قرب الحدود، وإنشاء منطقة عازلة بين إسرائيل وأعدائها الذين ينشطون في سوريا. وثالثاً: التشويش على إنشاء جبهة إيرانية أخرى ضد إسرائيل في سوريا، وتوفير إنذار وإحباط المبادرة لإرهاب حدودي من جانب منظمات جهادية، مثل «داعش»، تنظيم «القاعدة»، أو «حزب الله»، والميليشيات المدعومة من إيران. ورابعاً: إنشاء مبادرات حسن نية وعلاقة إيجابية، عاطفية، آيديولوجية وسياسية، مع مجموعات في الشعب السوري «تشكل أساساً في المستقبل لعلاقة وتعاون مدني مع النظام الذي سيقام في سوريا في المستقبل».
وأشارت الصحيفة إلى التعاون بين إسرائيل وروسيا في سوريا، وفق مبدأ «لا يستهدف أحد الجانبين الآخر»، فقالت إن الوجود الروسي في سوريا يقيد حرية العمل الإسرائيلية هناك، ويجعلها أكثر حذراً. فروسيا، التي حولت الحرب الأهلية السورية إلى ميدان تجارب لصواريخ وأنواع ذخيرة من صنعها، «تزود الجيش السوري بأسلحة حديثة، يتسرب قسم منها إلى (حزب الله) في لبنان». وأضافت أن «القرب الجغرافي بين إسرائيل ومنشآتها الحساسة، وبين القوات الروسية في سوريا، يسمح للروس بجمع معلومات استخباراتية عن إسرائيل، وربما أنهم ينفذون عمليات (سايبر) هجومية ضد إسرائيل بسهولة أكبر أيضاً».
——————————-
واشنطن تطالب بفتح 3 معابر حدودية لإيصال المساعدات إلى سورية
طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بفتح 3 معابر حدودية من أجل إيصال المساعدات إلى سورية، بموجب قرار مجلس الأمن “2165”.
وفي كلمة له بجلسة لمجلس الأمن اليوم الاثنين قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن: “حياة الناس في سورية تتوقف على المساعدات الطارئة، وعلينا السماح بإيصالها عبر 3 معابر”.
وأضاف بلينكن أن “نظام الأسد لن يلبي الاحتياجات الإنسانية للسوريين، وعلى المجتمع الدولي أن يقوم بذلك”.
يأتي ما سبق في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى جلسة مجلس الأمن في تموز/يوليو المقبل، والتي سيتم التصويت فيها على تمديد قرار إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود.
وكانت روسيا قد استخدمت الفيتو في قرار التصويت، يوليو العام الماضي، حيث رفضت إيصال المساعدات من ثلاثة معابر.
لكن بعد مفاوضات وافقت على دخول المساعدات عبر نقطة حدودية واحدة فقط هي معبر باب الهوى لمدة عام كامل ينتهي في يوليو/ تموز المقبل.
وأشار بلينكن إلى أن 14.5 مليون شخص في سورية يعانون من وضع إنساني “صعب”.
وتابع: “غلق المعابر الإنسانية واستهداف العاملين في مجال المساعدات يعقد إيصال الإغاثة لمحتاجيها”.
Chairing a UNSC session on #Syria, Sec. Blinken asks for the reopening of two humanitarian border crossings closed last year (I assume Yaroubieh in NE Syria and Bab al-Salam in NW Syria) and the renewal of Bab al-Hawa (NW – expires in July). https://t.co/oKRdqNUOCI
— Charles Thépaut (@diplocharlie) March 29, 2021
من جانبه قال منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارك لوكوك: “لدينا أكثر من 4 ملايين شخص في شمال غرب سورية يعتمدون على المساعدات الغذائية”.
وأضاف في كلمة له خلال الجلسة التي بثت عبر تقنية الفيديو كومفرانس: “من الواضح أن الهجوم على مستشفى الأتارب الجراحي غرب حلب قبل أيام كان متعمداً”.
وكانت قوات الأسد قصفت الأسبوع الماضي مشفى الأتارب بريف حلب، ما أسفر عن مقتل 7 مدنيين، بينهم أطباء.
وجاء القصف ضمن تصعيد بدأته روسيا، باستهداف مناطق حيوية تعتمد عليها مناطق شمال سورية.
ويسود تخوف من عرقلة روسيا القرار ورفض تمديده، ما سيحرم الشمال السوري الذي يعيش فيه نحو 3.4 مليون شخص من دخول المساعدات.
——————————-
مداولات “إنسانية” حول سورية في بروكسل ومجلس الأمن/ عماد كركص
يشكل المؤتمر الخامس للمانحين حول “دعم مستقبل سورية والمنطقة”، والذي ينطلق اليوم الإثنين بشكل افتراضي، وبتنظيم مركزي من العاصمة البلجيكية بروكسل، محطة هامة في سياق الأزمة السورية، خلال هذه الفترة، نظراً لتعقد مسارات الحلّ السياسي حيال هذه الأزمة المستمرة منذ 10 أعوام، والتي ستدخل منعطفاً جديداً بعد أشهر من الآن، عند استحقاق الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها من قبل النظام السوري وحلفائه، منتصف العام الحالي، من دون التوصل إلى حلّ شامل في البلاد.
يأتي ذلك على وقع ردود الفعل الدولية المتذمرة من النظام وحلفائه، تجاه مماطلتهم وتعطيلهم لمسارات الحل، لا سيما مسار عمل اللجنة الدستورية، التي لم تفض جولاتها الخمس إلى نتائج تذكر في طريق صياغة دستور جديد لسورية. ويعد ملف إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، محطة ستشكل نقطة خلاف متجددة بين الدول الفاعلة في الملف السوري، وتحديداً روسيا والولايات المتحدة. وباتت مواقف الإدارة الجديدة في واشنطن حيال القضية السورية، تتكشف تباعاً، بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى سدة الحكم. وربما ستكون تلك المواقف أكثر وضوحاً اليوم الإثنين، مع ترؤس وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جلسة لمجلس الأمن الدولي حول سورية، سيناقش خلالها مواضيع ونقاطا هامة، في مقدمتها التجديد لآلية إدخال المساعدات الإنسانية – الأممية إلى سورية، والتي ستنتهي منتصف العام الحالي.
أما في ما يتعلق بمؤتمر بروكسل، فقد حصلت “العربي الجديد” على الأجندات التي سيناقشها المجتمعون، من منظمات ودول، في المؤتمر الذي سيستمر يومين، والذي ستتركز النقاشات فيه حول خمسة محاور رئيسية، لتحقيق ثلاثة أهداف تمّ وضعها من قبل المنظمين. وتتناول المحاور الخمسة، “تمكين المرأة ومشاركتها”، “الصحة”، “العائدون والنازحون واللاجئون – الحماية”، الحيّز المدني وقضايا التماسك الاجتماعي”، بالإضافة إلى “التعليم – الشباب واليافعون”. كذلك حُدّد الهدف العام للنقاشات بـ”تعزيز الثقة والتفاهم المتبادل بين السوريين من كافة المناطق الجغرافية، وبين السوريين والاتحاد الأوروبي”. ويتفرع عن هذا الهدف ثلاثة أهداف، تتركز على “تعزيز الحوار الموضوعي بين السوريين من مناطق جغرافية مختلفة”، و”دعم الحوار والتبادل بين الاتحاد الأوروبي والمجتمع المدني السوري”، و”تحسين استجابة الاتحاد الأوروبي للأزمة السورية من خلال عمليات الحوار مع المجتمع المدني في مجالي البرمجة والسياسات”.
وفي ما يتعلق بالمحور الأهم، المتعلق بـ”العائدين والنازحين واللاجئين وكيفية حمايتهم”، فقد أشارت مسودة المحاور التي وزعت على المنظمات والدول المشاركة، وحصلت عليها “العربي الجديد”، إلى أنه “لا يمكن مناقشة الأوضاع السورية في أيّ محفل، دون التطرق إلى وضع العائدين والنازحين واللاجئين السوريين، سواءً كانوا نازحين داخلياً أو إلى دول الجوار أو الشتات، والذين تبرز قضاياهم متقاطعة مع مختلف القضايا الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية وباقي القوى الفاعلة، لنناقش أكثر القضايا حساسية كشروط العودة ومحدداتها، آليات الحد من العودة القسرية، وغيرها من المواضيع المتعلقة بحماية الفئات المختلفة مع التركيز على الفئات المهمشة”.
وحول هذا المحور تحديداً، أشار المدير التنفيذي لـ”رابطة المحامين السوريين الأحرار”، الحقوقي سامر ضيعي، الذي يشارك في المؤتمر كممثل عن منظمته، إلى أن “التركيز على ملف اللاجئين والنازحين خلال المؤتمر، يأتي انطلاقاً من حجم هذه الشريحة، سواءً داخل سورية أو خارجها، بالإضافة للوضع الإنساني الصعب الذي يعانيه اللاجئون والنازحون على حدّ سواء”. وأكد ضيعي في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “مسألة عودة اللاجئين غير مطروحة في المؤتمر كما يريدها النظام وحلفاؤه، ويجب سحبها كورقة ضغط سياسية يستخدمها النظام والروس، بالترويج إلى أن العودة ستكون آمنة، وأن البلاد في وضع أمني وسياسي واقتصادي مستقر. ومن هنا سنؤكد في المؤتمر أن العودة يجب فعلياً أن تكون آمنة وكريمة، وطوعية في المقام الأول، والضغط على الدول المستضيفة للاجئين بألا تكون هناك عودة أو إعادة قسرية”. ولفت ضيعي إلى أن “هناك الكثير من المشاكل التي ستواجه مسألة العودة في ظلّ الظروف الحالية، منها كثرة المطلوبين للخدمة الإجبارية في صفوف قوات النظام، بالإضافة إلى الآلاف من المطلوبين للأفرع الأمنية والمهددين بخطر الاعتقال عند أول منفذ حدودي، وهذا بالنسبة للشباب”.
أما بالنسبة لعودة اللاجئين بشكل عام، فنوّه الحقوقي السوري إلى أن “الأوضاع الإنسانية والمعيشية في سورية تمرّ بأصعب مراحلها، بسبب سوء الوضع الاقتصادي الذي أوصل النظام البلاد إليه، وهناك معاناة حقيقية لمن هم داخل البلاد نتيجة هذه الأوضاع”، مؤكداً أن “العودة في ظلّ هذه الظروف، ستشكل كارثة أكبر، إن لم تفض الجهود الدولية إلى حلّ يمكن من خلاله تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، بالإضافة إلى حلّ سياسي شامل يتضمن تنفيذ القرارات الأممية بما يلبي تطلعات السوريين، لتبدأ من بعدها العودة”. وشدّد ضيعي على أن “الأهم خلال المؤتمر، هو التركيز على تجديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر المعابر، لتحسين أوضاع النازحين والسوريين عموماً، إذ ستنتهي الآلية منتصف العام الحالي، مع نوايا روسية لإيقاف تجديدها بمجلس الأمن”.
وكان الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قد أشار في بيان حول المؤتمر مستهل شهر مارس/آذار الحالي، إلى أن من أهداف المؤتمر إعادة تأكيد دعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حلّ سياسي تفاوضي للنزاع السوري، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والسعي إلى الحفاظ على الدعم الدولي للاجئين السوريين.
النقطة الأخيرة التي أشار إليها ضيعي، أي تجديد آلية إدخال المساعدات، ستكون أبرز المحطات التي سيتناولها بلينكن خلال ترؤسه جلسة مجلس الأمن حول سورية مساء اليوم الإثنين. ويدل ترؤس بلينكن بنفسه للجلسة، على أنه مؤشر لعودة الزخم الأميركي إزاء الملف السوري، بعدما شهد الأسبوع الماضي موقفاً أميركياً حاسماً حيال تعاطي إدارة جو بايدن مع الانتخابات الرئاسية للنظام، عبر دبلوماسي أميركي في البعثة الدائمة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، أشار إلى رفض هذه الإدارة للانتخابات ونتائجها المستقبلية إن لم تكن تحت إشراف الأمم المتحدة، وقبل إنجاز الحلّ السياسي الشامل في البلاد.
وأوضحت البعثة الأميركية في الأمم المتحدة، في بيان، حول ترؤس بلينكن لجلسة مجلس الأمن لمناقشة الأوضاع الإنسانية في سورية، أن الأخير “سيعزز دعم الولايات المتحدة للشعب السوري من أجل وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، والوصول الإنساني من دون عوائق إلى كل المجتمعات الضعيفة في جميع أنحاء سورية”.
وعلمت “العربي الجديد” من مصادر مقربة من الخارجية الأميركية، أن بلينكن سيتطرق بشكل رئيس إلى مسألة تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية الأممية عبر المعابر، والتي ستنتهي في 11 يونيو/حزيران المقبل. ولم تشر المصادر بدقة إلى وجهة النظر الأميركية حيال آلية التجديد، إلا أن المصادر قالت إن بلينكن سيوضح تركيز بلاده على هذا الشأن بأن تكون هناك آلية أكثر سهولة في عملية إدخال المساعدات مستقبلاً.
وكانت روسيا قد عطّلت العام الماضي أكثر من جلسة في مجلس الأمن تضمّنت أربعة مشاريع لقرارات حول تمديد آلية إدخال المساعدات عبر المعابر، إلا أن المجلس توصل إلى تمديد آلية إدخال المساعدات لمدة عام واحد (معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، شمال إدلب)، وإلغاء معبر باب السلامة الحدودية مع تركيا، شمال حلب. وتضغط روسيا والنظام للدفع باتجاه إيصال المساعدات الأممية عبر مناطق المعارضة إلى مناطق النظام، وذلك من خلال فتح معابر فرعية بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام في كل من إدلب وحلب، الأمر الذي قوبل بشروط تركية خلال مباحثات الدوحة الأخيرة حول سورية (في 11 مارس/آذار الحالي)، بين كلّ من تركيا وروسيا وقطر، في مقدمتها تقديم حلول في ما يخص المعتقلين لدى النظام، وعدم تسلم النظام للمساعدات وتوزيعها، وحصر الأمر بيد المنظمات الدولية الفاعلة في مناطق سيطرته، لضمان عدم التلاعب في توزيع المساعدات من قبل النظام.
العربي الجديد
———————-
لماذا يثير النظام السوري وروسيا قضية المعابر عشية اجتماع مجلس الأمن؟/ عدنان أحمد
تتخذ قضية المعابر بين مناطق سيطرة النظام السوري وكل من فصائل المعارضة شمالي البلاد، و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في الشرق، أبعاداً مهمة للنظام السوري وحليفته روسيا، اللذين يتذرعان بالأسباب الإنسانية للمطالبة بفتح المعابر، بينما لهما أهداف أخرى اقتصادية وسياسية.
وبحسب وكالة “سانا” التابعة للنظام، تواصل فصائل المعارضة منع المدنيين الراغبين في الخروج عبر ممري ترنبة – سراقب وأبو الزندين في إدلب وحلب إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام.
وأوردت الوكالة أنه “بسبب تهديدات التنظيمات الإرهابية، لم يصل أحد من المدنيين الراغبين في الخروج من مناطق انتشار الإرهابيين لليوم الثالث إلى المعبرين المجهزين بسيارات إسعاف وحافلات، ليصار إلى نقلهم إلى المناطق الآمنة”.
وحسب الوكالة، فقد “افتتحت محافظتا إدلب وحلب، بالتنسيق مع وحدات الجيش والهلال الأحمر السوري، يوم الخميس الماضي، ممر ترنبة-سراقب في منطقة سراقب بريف إدلب، وممر أبو الزندين بريف حلب الشمالي الشرقي، لاستقبال الأهالي الراغبين في لخروج إلى بلداتهم وقراهم”.
وليست هذه المرة الأولى التي يطرح فيها النظام وروسيا قضية المعابر، لكن هذه المرة كان الطرح بصيغة جديدة ركزت على “الوضع الإنساني، واستقبال الأهالي الراغبين في الخروج من مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية”، حيث يدعي النظام، مع تكرار محاولاته لفتح المعابر، أن فصائل المعارضة تمنع الأهالي من الخروج، وهو ما نفاه المواطنون في مناطق سيطرة المعارضة، الذين قالوا إنهم سيمنعون فتح المعابر في حال قبول أي جهة عسكرية بذلك، ذلك أن فتح المعابر فرصة اقتصادية لفك الحصار والعقوبات المفروضة على النظام، إضافة إلى أسباب عسكرية أمنية.
تقارير عربية
النظام السوري يعرقل إطلاق “جود”: المعارضة ممنوعة في الداخل
وبعد سيطرة فصائل المعارضة على محافظة إدلب في مارس/ آذار 2015، وتمدد سيطرتها في شمال غربي سورية، ربطت مناطق سيطرة المعارضة ومناطق سيطرة النظام معابر تجارية أشرفت عليها فصائل المعارضة من جهة، وقوات النظام من جهة أخرى.
ويرى مراقبون أن النظام والروس إنما ينشدون من هذه المساعي الاستحواذ على المساعدات الدولية الداخلة إلى مناطق سيطرة المعارضة عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. ويأتي طرح هذا الموضوع الآن استباقاً من الجانب الروسي للمناقشات المقررة في مجلس الأمن الدولي، يوم غد الاثنين، في جلسة من المقرر أن يترأسها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حيث تريد موسكو صدور قرار من مجلس الأمن بإغلاق جميع المعابر “غير الشرعية”، أي التي بيد المعارضة و”قسد”، لجعل المعابر التي يسيطر عليها النظام الممر الوحيد للمساعدات الإنسانية، أي بحيث تكون تحت يد النظام بالكامل، وهي مساعدات تقدَّر قيمتها سنوياً بمئات ملايين الدولارات.
ومن المعروف أن مساعدات دولية مهمة تدخل أيضاً إلى مناطق سيطرة النظام، لكن الأخير يحجبها عن المواطنين غالباً، ويوزعها على قواته وأتباعه.
ورأى الصحافي الاقتصادي عمر الحمادي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن لروسيا والنظام غايات اقتصادية وسياسية من إثارة قضية المعابر بين الفينة والأخرى، وخاصة عشية انعقاد جلسة مجلس الأمن المخصصة لبحث الوضع الإنساني في سورية، والهدف تعويم النظام اقتصادياً وسياسياً.
قوات سورية الديمقراطية/دير الزور/Getty
ورأى الحمادي أن مناطق المعارضة، سواء في شمال غرب سورية أو شمالها الشرقي، تستقبل قدراً هاماً من المساعدات الدولية، وتنشط فيها منظمات إنسانية عديدة تتعامل كلها بالعملة الصعبة التي يسيل لها لعاب النظام وروسيا، وهي تريد “المشاركة” مع تلك المناطق بذرائع إنسانية، لكن الهدف تمكين النظام من وضع يده على تلك المساعدات، بحجة أنه الجهة الشرعية المسؤولة عن توزيعها. وأضاف: “الهدف الآخر تعويم النظام سياسياً، بحيث تُجبَر الدول والمنظمات الدولية على التعامل مع النظام تحت ذرائع إنسانية، لأن العقوبات المفروضة على النظام تستثني الجوانب الإنسانية”.
وكانت روسيا قد اقترحت، في 23 مارس/ آذار الحالي، على تركيا فتح ثلاثة معابر بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة شمالي سورية، في مناطق سراقب وميزناز شرقي إدلب، ومعبر أبو الزندين شمالي حلب، لكن مسؤولين أتراكاً قالوا لاحقاً إن إعلان روسيا فتح معبرين حدوديين شمال غربي سورية غير صحيح.
واستخدمت روسيا والصين، في يوليو/ تموز الماضي، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لتقليص عدد المعابر الحدودية التي هي تحت سيطرة المعارضة من أربعة إلى واحد، وهو معبر باب الهوى الذي يربط مناطق سيطرة المعارضة شمالي سورية بالأراضي التركية. كذلك عارضت روسيا والصين مشروع قرار بلجيكي-ألماني، يقضي بتمديد قرار إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود دون موافقة النظام إلى الشمال السوري. وانتهت فاعلية قرار تمديد مرور المساعدات إلى سورية الذي استمر ست سنوات في 10 يوليو/ تموز 2020، ومن المقرر أن يعالج مجلس الأمن مسألة المساعدات عبر الحدود مرة أخرى في يوليو 2021، عندما ينتهي ترخيص معبر باب الهوى.
العربي الجديد
———————————
=====================
تحديث 30 أذار 2021
———————-
مقاربة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه سورية: إلى أيّ مدًى ستكون مختلفة؟
قسم الترجمة
في ظل الإدارة الأميركية الجديدة في البيت الأبيض، هناك توقعات مثالية بخصوص التغيير في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط عمومًا، وتجاه سورية خصوصًا. ثمة من يزعم أن سياسة الشرق الأوسط الأميركية ستظل متماشية إلى حدٍّ ما مع سياسة ترامب، في حين يعتقد آخرون أن فريق بايدن سيحاول عكس كثير من خطوات السياسة الخارجية السابقة. ويقول غيرهم علينا أن نتوقع سياسة على غرار سياسة أوباما في الشرق الأوسط، وهو ما يعني مزيدًا من المشاركة الدبلوماسية، مع قدر أقل من المشاركة العسكرية، وتركيز أكبر على قضايا حقوق الإنسان.
الحقيقة، كالعادة، تكمن في مكانٍ ما في الوسط بين تلك المزاعم. والمؤكد أن الإدارة الأميركية الجديدة ستحاول التراجع عن بعض تحركات سلفها: الانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية، ووضع الحوثيين على قائمة الإرهاب، وتعليق المساعدات للفلسطينيين، وما إلى ذلك. ومع ذلك، سيحتاج هذا إلى جهد كبير من جانب البيت الأبيض الجديد.
أولًا، ستُمضي الإدارة الجديدة وقتًا أطول بكثير في التعامل مع القضايا المحلية التي ورثتها عن ترامب: السياسة الداخلية المستقطَبة، والقضايا الاقتصادية، وعواقب جائحة (كوفيد -19) والاستجابة لها، وما إلى ذلك. وسيتعين على إدارة بايدن أن تكرّس كثيرًا من وقتها لكل هذه القضايا، لذلك من الآمن القول إن الشرق الأوسط لن يبرز في طليعة تركيز السياسة الخارجية الأميركية.
ثانيًا، في مجال السياسة الخارجية، تعد علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا والصين وروسيا ذات أهمية أكبر لواشنطن، من العلاقات مع الشرق الأوسط التي لن تشغل سوى موقع هامشي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كونها مصدر قلق فقط من خلال منظور التهديدات الاستراتيجية، مثل مكافحة الإرهاب (جهود التحالف ضد داعش)، وعدم الانتشار النووي (إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة)، والتعامل مع الجهات الفاعلة المشاركة في هذه القضايا.
ثالثًا، سيواجه بايدن بعض المعارضة المحلية لبعض قضايا سياسة الشرق الأوسط، على سبيل المثال، الاتفاق النووي الإيراني، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والكيانات والشركات الخاضعة للعقوبات، وما إلى ذلك.
أخيرًا، بسبب وجود وجهات نظر ومقاربات وأسباب مختلفة، فمن المحتمل أن يحبط حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا وإسرائيل) بعض الخطط التي وضعتها الإدارة الجديدة.
لذلك، لا ينبغي أن نتوقع أن يشغل الشرق الأوسط مكانة مرموقة على جدول أعمال (أجندة) السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وعلينا إبقاء توقعاتنا منخفضة فيما يتعلق بالمخاوف من حدوث اختراقات محتملة في الملفات التي ستحظى باهتمام أميركي معين: الاتفاق النووي الإيراني، قضية الأكراد السوريين، المصالحة مع تركيا، والتعامل مع ليبيا، وتنمية العلاقات مع إسرائيل وفلسطين.
سورية ليست أولوية
لم تكن سورية أولويةً بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية البتة، ومن المرجح أن تظل قضية من الدرجة الثانية بالنسبة إلى بايدن وفريقه. في الواقع، تُظهر بعض التحليلات لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي ثبات هذي المقاربة. على الرغم من أن أوباما بدأ رئاسته بخطابه في القاهرة عام 2009، الذي قصدَ أن يكون إشارة دعم للمنطقة واهتمامًا متزايدًا من الولايات المتحدة، فإن إدارته استجابت للانتفاضة العربية ببعض الحذر، وكانت مترددة في زيادة المشاركة الأميركية في الصراعات الإقليمية (العراق، وسورية، واليمن، وليبيا)، وبدلًا من ذلك فضلت الابتعاد عن الأضواء، والمضي قدمًا في حربها ضد الإرهاب، والتركيز على الدبلوماسية إلى حد أكبر. واصلت إدارة ترامب، إلى حد كبير، هذا النهج بقصد تجنب التدخل العسكري وتحويل المزيد من المسؤولية عن الأمن والمشكلات الإقليمية إلى حلفائها الإقليميين: إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وغيرها. بينما انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، وزاد ضغط العقوبات على طهران، لم يترجم هذا إلى تغيير مهم في النهج الأميركي تجاه المنطقة. حتى في سورية، التي تعرضت لهجمات صاروخية أميركية عدة، لم تؤد تحركات الإدارة السابقة إلى تغيير جذري في الوضع على الأرض. علاوة على ذلك، فإن “خيانة” الولايات المتحدة للأكراد، مع الانسحاب الجزئي لجيشها من سورية، لم تكن لها تأثير خطير في مسار الصراع. لذلك، على مدى العقد الماضي، كانت السياسة الإقليمية للولايات المتحدة تسير على تلك الخطوط من المشاركة المحدودة، ومكافحة الإرهاب، ودعم حلفائها الإقليميين.
اليوم، لا تستعدّ خطط إدارة بايدن لتغيير في النهج الراسخ، ولن تتعامل إلا مع عدد محدود من القضايا السياسية، تلك التي تتعرض لانتقادات شديدة في عهد ترامب، على سبيل المثال، الاتفاق مع إيران، وتقديم الدعم للأكراد السوريين، وتعليق الحوار مع الفلسطينيين وتقديم المساعدة لهم، وما إلى ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة لا تنظر إلى الصراع السوري على أنه مشكلة منفصلة، مهمة في حد ذاتها. وتتعامل معه على أنه قضية ثانوية ترتبط بقضايا سياسية أخرى أكثر أهمية، مثل التعامل مع إيران والاتفاق النووي، والعلاقات مع تركيا، التي تصنف الميليشيات الكردية السورية (وحدات حماية الشعب) المدعومة من الولايات المتحدة بأنها إرهابية. وكذلك التعامل مع روسيا التي أصبحت، في الأعوام الأخيرة، أكثر فاعلية في سورية وفي المنطقة ككل، أو تضمن أمن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والعراق.. إلخ) الذين يشعرون بالتهديد نتيجة الوجود العسكري الإيراني المتزايد في سورية. لذلك، يُنظر إلى الملف السوري إلى حد كبير في سياق السياسات الأميركية تجاه إيران وروسيا وتركيا، لا كمصدر قلق منفصل للسياسة الخارجية.
ومن المثير للاهتمام، أن الإدارة الجديدة رفضت إرسال ممثلها إلى الجولة الخامسة عشرة من محادثات آستانا الخاصة بسورية، التي عقدِت في سوتشي يومي 16 و17 شباط/ فبراير، على الرغم من توجيه دعوة لها، كما قال ألكسندر لافرنتييف (المبعوث الروسي الخاص إلى سورية). وكانت الولايات المتحدة قد توقفت عن المشاركة في اجتماعات آستانا في منتصف عام 2018. ومضى لافرنتييف ليشير إلى أن الإدارة الجديدة لم تصغ بعدُ سياستها تجاه سورية، على الرغم من توليها مهامها رسميًا منذ أكثر من شهر. وخلص المبعوث الروسي إلى أن “هناك إشارات [قادمة من الولايات المتحدة] بأنهم سيكونون مستعدين للعمل معنا، ولكن حتى الآن لم يتم تقديم أي مقترحات نهائية”. حتى الآن، لم تُظهر واشنطن سياستها تجاه سورية، تاركة الجهات الفاعلة الأخرى مشغولة بتخمين نهجها المحتمل وخطواتها المستقبلية.
موسكو قلقة من سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية
يعدّ الوجود العسكري الأميركي في سورية من بين المخاوف الرئيسة لروسيا. حيث ينتشر جنود أميركيون في المحافظات الشمالية الشرقية والشرقية من سورية، وكذلك في الجنوب حول موقع التنف على الحدود مع الأردن والعراق. وتنظر موسكو إلى الوجود الأميركي في البلاد على أنه غير قانوني، وتعدّه من العقبات الرئيسة أمام إعادة توحيد سورية. إن الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد يمنعها من إبرام صفقة مع دمشق، وهو أمرٌ ضروري لاستعادة وحدة أراضي البلاد والسيطرة على تلك المناطق، مثل معظم حقول النفط والموارد المائية (نهر الفرات)، وحوالي 40 في المئة من جميع الأراضي الزراعية تقع في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد. لذلك، فإن موعد خروج الولايات المتحدة من سورية هو أحد أهم الأسئلة بالنسبة إلى روسيا.
الإجابة المختصرة هي أن واشنطن لن تسحب قواتها من سورية، على الأقل في المدى المتوسط. بغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض، هناك مصالح وأهداف معينة للولايات المتحدة في سورية، ولن تتخلى عنها بأي حال.
أولًا، قبل كل شيء، الوجود العسكري الأميركي في سورية يعدّ رادعًا لقوات الحكومة السورية والميليشيات الموالية، وكذلك لروسيا وإيران والوحدات الموالية لإيران وتركيا. القوات الأميركية تمنع الجيش العربي السوري والقوات الروسية من فرض سيطرتها على حقول النفط، وتوسيع نطاقها إلى محافظات شمال شرق وشرق سورية التي تحتاج إليها من الناحية الاقتصادية، حيث يعيش ثلاثة ملايين شخص. كما أنهم يراقبون الأنشطة الإيرانية في شرق سورية، على الحدود مع العراق (المعبر الحدودي في البوكمال)، ويمنعون إيران من مزيد من التحصين. وأخيرًا، تمنع القوات الأميركية القوات التركية والمعارضة السورية المسلحة المدعومة من أنقرة من الهجوم على الأكراد السوريين. وإضافة إلى ذلك، يراقب الجيش الأميركي الأنشطة والتحركات الروسية في المنطقة. إن وجود بضع مئات من الجنود الأميركيين في البلاد -وهو وجود لا يشكل عبئًا ثقيلًا على واشنطن- يضرب بضعة عصافير بحجر واحد. هذا هو السبب في أننا بالكاد نتوقع أن تتخلى القيادة الأميركية الجديدة عن مثل هذا الموقف.
ثانيًا، حقيقة أن الولايات المتحدة قادرة على زيادة وجودها العسكري بشكل كبير في سورية، في أي لحظة، وفي غضون فترة زمنية قصيرة، تضعها في موقف يمكن أن تكون مفسدًا لأي مبادرة عسكرية أو سياسية/ دبلوماسية أو صفقة قد تبدأ بها روسيا، أو إيران، أو الحكومة السورية، أو تركيا. إلى جانب ذلك، تشير التقارير الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة تقوم ببناء قاعدة عسكرية جديدة مع منشآت مطار، بالقرب من حقل العمر النفطي في دير الزور. يبلغ طول مدرجاته (2,5) كم، بتجهيز يسمح لها باستضافة طائرات عسكرية ثقيلة (لوكهيد سي -130 العملاقة، ولوكهيد سي -5 غالاكسي، أو ب -52). بمجرد الانتهاء منه، ستتيح القاعدة للولايات المتحدة إرسال آلاف من الجنود أو مقاتلين من دول مختلفة بسهولة إلى سورية، بين عشية وضحاها، وهو ما يمنحها فرصة لبناء وجودها العسكري وقدراتها بسرعة في المنطقة. وهذا يجعل واشنطن مشاركًا لا غنى عنه في أي تسوية في سورية، ويجبر موسكو وأنقرة وطهران ودمشق على مراعاة المصالح والمخاوف الأميركية. من غير المحتمل أن تكون واشنطن مستعدة لخسارة مثل هذا النفوذ.
ثالثًا، كونها زعيمة التحالف المناهض لـ (داعش)، تحافظ الولايات المتحدة على وجودها على الأرض، ويمكنها ذلك من محاربة فلول الإرهابيين. لفت المسؤولون الأميركيون الانتباه حديًثا إلى حقيقة أن التركيز الرئيس للجيش الأميركي في سورية هو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي أصبح أكثر نشاطًا خلال الأشهر الستة الماضية. هذا السبب هو ذريعة رسمية لتبرير الوجود الأميركي في البلاد.
أخيرًا، تريد الولايات المتحدة الحفاظ على قدرتها على التأثير في العملية السياسية في سورية. حتى الآن، تمتلك واشنطن أدوات عدة تحت تصرفها. تسببت عقوباتها أحادية الجانب إلى جانب قانون قيصر في خلق مشكلات إضافية خطيرة للاقتصاد السوري، وكذلك للوضع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني والطبي الذي يؤثر على ملايين المدنيين العاديين أيضًا. هذه العقوبات ذات دوافع سياسية، وتسعى إلى تغيير سلوك النظام، وهو أمرٌ لم يتحقق. بشكل أساسي، يؤدي هذا إلى جعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في البلاد أسوأ، ويعرقل محاولات إعادة بناء البنية التحتية الأساسية. أبلغت كثير من المنظمات الإنسانية عن عوائق خطيرة في إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية وإعادة بناء البلاد، حيث تخشى كثير من المنظمات غير الحكومية الدولية ببساطة العملَ في المناطق التي تسيطر عليها دمشق، بسبب خوفها من التعرض للعقوبات. ووفقًا للمقرر الخاص للأمم المتحدة البروفيسور ألينا دوهان، فإن “العقوبات الثانوية والإفراط في الامتثال للعقوبات الأحادية يؤديان إلى خوف جميع المحاورين، ويؤثران كثيرًا في جميع الفئات السكانية في المجتمعات المستهدفة، ويعوق الأفراد والشركات الخاصة والعاملين والعلماء والأطباء عن تأدية عملهم والتمتع بحقوق الإنسان”. نتيجة لذلك، تسمح العقوبات الأميركية على سورية لواشنطن بممارسة تأثير خطير (جدي) على التسوية السياسية للصراع، وكذلك على إعادة الإعمار الاقتصادي في سورية، إلى جانب السماح للولايات المتحدة بأن تظل فاعلًا رئيسًا في حل الصراع.
النفوذ الآخر الذي تتمتع به الولايات المتحدة المتعلق بتشكيل وتأطير العملية السياسية في سورية هو دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد). اليوم، بينما تدعم واشنطن الأكراد السوريين، نجدها تعرقل أي محادثات جادة بينهم وبين السلطات السورية في دمشق، تهدف إلى إعادة دمج المحافظات الشمالية الشرقية والشرقية من سورية تحت سيطرة الحكومة المركزية. وعلى الرغم من أن الجولة الأخيرة من المحادثات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ودمشق، التي بدأتها موسكو، انتهت بالتوصل إلى اتفاق مبدئي مهم حول القضايا الخلافية الكبرى، فإن هذا لا يمنع الأكراد من التراجع بمجرد أن يقرر الأميركيون الاستمرار أو الزيادة بدعمهم لهم وإعادة تأكيد التزاماتهم. يمكن أن تؤثر هذه التحركات تأثيرًا كبيرًا في العمليات السياسية الجارية داخل سورية، وتمنع البلاد من استعادة وحدة أراضيها. ما دام الأكراد السوريون يتمتعون بدعم والتزامات من الولايات المتحدة، فمن الصعب للغاية توقع توصلهم إلى أي صفقة قابلة للتطبيق مع دمشق.
على المنوال نفسه، يمكن للولايات المتحدة التأثير على تركيا وسياستها تجاه سورية، إما بزيادة الضغط على أنقرة أو بمحاولة استمالتها من خلال معالجة مخاوفها والإشراف على اتفاق تركي كردي. يمكن أن تؤدي مثل هذه الخطوات إلى تغيير مسار الصراع، ومن ثم إلى التأثير بعمق على المواقف الروسية في سورية.
ينطبق المنطق ذاته على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران وإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة؛ إذ تود واشنطن بشدة ربط الاتفاق النووي بقضايا أخرى مثيرة للقلق، مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني و/ أو “أنشطتها الخبيثة في المنطقة”، من ضمنها نشاطاتها في سورية. تطمح مثل هذه المقاربة إلى تغيير سلوك إيران، على سبيل المثال، في سورية مقابل إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية. وفق المنطق الأميركي، يمتلك البيت الأبيض اليد العليا في المحادثات مع إيران، حيث يتمكن من إجبارها على اتباع مسارها المفضّل. يمكن أن يؤثر ذلك بدوره على سلوك إيران المتعلق بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وعلى سلوكها المتعلق بسياستها السورية أيضًا. إذا فشلت هذه المقاربة؛ فالمخاطر عالية، لأن هذا سيكون له نتائج عكسية. إذا لم يتم إحياء الاتفاق النووي وظلت العقوبات سارية؛ فمن المرجح أن تستمر إيران في “أنشطتها الخبيثة” في سورية وفي جميع أنحاء المنطقة، مع الاحتفاظ بخيار تصعيدها. حتى الهجوم الأميركي الأخير على أهداف موالية لإيران في سورية كان له علاقة بإيران وأنشطتها في العراق وسورية أكثر من ارتباطه بالصراع السوري نفسه.
وهذا يعني أنه سيكون للسياسة الأميركية تجاه إيران وإحياء الاتفاق النووي، أو تجاه الأكراد السوريين، أو الطريقة التي ستتعامل بها إدارة بايدن مع تركيا أو روسيا، حول مسار الصراع السوري، تأثير خطير على الوضع في سورية. حتى الآن، ليس هناك ما يشير إلى أن سورية ستكون من بين أولويات الإدارة الجديدة. ومع ذلك، ستبقى سورية على الأرجح جزءًا من السياسات الإقليمية للولايات المتحدة، وخاضعة لتعامل الولايات المتحدة مع إيران وتركيا وروسيا. يمكن أن يكون لنتائج الحوار، بين الولايات المتحدة وإيران والولايات المتحدة وتركيا والولايات المتحدة وروسيا، تأثير عميق على الوضع في سورية. وعلى الرغم من صعوبة توقع قيام الإدارة الأميركية الجديدة بتغيير جذري في نهجها تجاه الصراع السوري، فقد تكون هناك طرق جديدة واعدة للدبلوماسية التي نأمل أن تسفر عن نتائج إيجابية أكثر من النتائج السلبية.
اسم المقالة الأصلي New US Administration Approach to Syria: How Different Could It Be?
الكاتب* ألكسي خليبنيكوف، Alexy Khlebnikov
مكان النشر وتاريخه مجلس الشؤون الروسية الدولية، RUSSIAN INTERNATIONAL AFFAIRS COUNCIL (RIAC)
رابط المقالة http://bit.ly/3eWESsq
عدد الكلمات 2110
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة
*- ألكسي خليبنيكوف: خبير في قضايا الشرق الأوسط ومحلل في قضايا السياسة الخارجية الروسية، ماجستير في السياسة العامة العالمية، كلية هوبير همفري للشؤون العامة، جامعة مينيسوتا. مرشح دكتوراه، خبير في مجلس الشؤون الروسية الدولية (RIAC).
مركز حرمون
————————–
ما الذي يمكن أن تُقدمه عُمان لنظام الأسد؟/ يونس الكريم
اعتادت دمشق على حضن مسقط الدافئ في كل محطة سياسية مفصلية تشتد أزمتها على نظام الأسد، لعله يستطيع بتحريكه لمسقط أن يرخي قيود الحصار، وتعطيه فرصة لملمة خيارته الداخلية، فالأزمات باتت تعصف بكيانه من دون القدرة على معالجتها، فأزمة العملة السورية تتسارع نحو الانهيار مع محاولات البنك المركزي السوري العاجزة عن مواجهة هذا الانهيار من خلال إلغاء الطلب وتجميد العرض، وتشديد إجراءات تداول الليرة السورية بالسوق، ولم ينجح الإجراء إلا مؤقتاً، وهو ما يخيفه من ارتدادات انهيار العملة، فسارع إلى مسقط لعله بهذا الإجراء يكسب بعض الوقت للمناورة، فهل زيارة مقداد وزير الخارجية السوري إلى سلطنة عمان وفتح باب الزيارات يكون هو الوقت الذي يحاول أن تكسبه إجراءات المركزي؟ أم أن الزيارة خلال ذكرى عشرة أعوام على انطلاق الثورة لها أهداف أخرى؟
لعل زيارة مقداد إلى مسقط وإعلان اتفاق “الإعفاء المتبادل من التأشيرة” بين وزير الخارجية حكومة الأسد فيصل المقداد ووزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي التي دعيت بـ”اتفاقية الإعفاء المتبادل” لحملة الجوازات الخاصة من تأشيرة الدخول حسب مواقع إعلامية (يقصد بالجوازات السفر الخاصة هي التي يتم منحها من وزارة الخارجية (إدارة المراسم) وهي تمنح لكبار الموظفين في الدولة وزوجاتهم والمقربين منهم)!، لكن سأناقش الاتفاقية على أن كل حملة الجوازات السفر السورية هي جوازات خاصة!.
فقد سبق أن منحت سلطنة عمان إعفاء تأشيرة الدخول إلى دولة عربية خارج مجلس التعاون عام 2021 وهي (الجزائر ، الأردن، تونس، موريتانيا، مصر) وأقصد بإعفاء التأشيرة أن تؤخذ التأشيرة من بوابة الحدودية للدخول للسلطنة عُمان وذلك في إطار إعفاء رعايا 103 دول من التأشيرة تنفيذاً لخطة مسقط الاقتصادية، على أن هذه التأشيرة هي فقط بين (عشرة أيام وشهر) وصالحة لستة أشهر، يدفع عن كل شهر 20 ريال عماني (52 دولار) وكل يوم تأخير 10 ريال غرامة (26 دولار) ويحتاج المسافر لإقامة 10 أيام إلى 500 دولار حسب مواقع تهتم بالسفر إلى عُمان مع سلسلة متطلبات إدارية مثل الحجز الفندقي المسبق، أي أن هذا الإعفاء هو محدود الزمن والإقامة، كما يتطلب السفر من سوريا إلى عمان عبر أجنحة الشام إلى مبلغ لا يقل عن 600 دولار ( ذهاب -إياب) بحسب الأسعار 2018 أو 400 دولار ذهاب فقط، أي أن الشهر يحتاج إلى نفقات تقريبية (2652 دولار إضافة الحجز فندقي)، وهذا المبلغ غير متوفر بالنسبة للشعب السوري الذي يعاني من طوابير على السلع الأساسية و92% من الشعب تحت خط الفقر أي يصرفون أقل من 1.2 دولار يومياً، طبعا اذا تجاهلنا أنه صعب بسوريا الحصول على الدولار وتجاهلنا القانون الذي أصدره البنك المركزي والذي ذكرته في الأعلى..
إذا ما الحاجة إلى توقيع هذا الاتفاق؟
تأتي أهمية هذا الاتفاق من عدة نقاط: فعلى صعيد السياسة الداخلية؛ فإن النظام السوري يسعى إلى القول لحاضنته الشعبية بأن هناك حلحلة دولية للقضية السورية وأن إلغاء الحصار عليه ليس أكثر من مسألة وقت، وأن الأموال الخليجية قادمة وبالتالي سينعكس ذلك على تحسن سعر الصرف وانطلاق إعادة الإعمار وخلق فرص عمل جديدة، ما يعني تبديد خوف المواطنين من فقدان السلع وارتفاع الأسعار، مما يعطي لتحركات البنك المركزي وحكومة الأسد بعض الثقة من المواطنين فيتحسن.
السياسة الخارجية
إن عُمان لاعب دولي قديم له دور مهم حيال ما قامت به عام 2012، عندما سهَّل العمانيون إجراء محادثات سرية في مسقط بين كبار المسؤولين الأميركيين والإيرانيين قبل المفاوضات متعددة الأطراف، التي انتهت بعقد الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.
ساعدت القناة العُمانية في حل الخلافات بين الجانبين، كما مهدت الطريق للمكالمة الهاتفية التاريخية بين رئيس الولايات المتحدة آنذاك باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني عام 2013.
وفي القضايا البارزة الأخرى، أدى العمانيون دوراً مهماً في الوساطة، إذ تفاوضوا مع الإيرانيين للإفراج عن ثلاثة من الأميركيين اعتُقلوا عام 2009، وأظهرت البرقيات المسربة أن يوسف بن علوي، وزير الخارجية العماني، عرض في اتصال مع السفارة الأميركية لدى عُمان، أن تكون “عُمان منظِّم ومكان انعقاد أي اجتماع تريده الولايات المتحدة مع إيران، إذا ظل سراً” (وهنّا تكمن الوساطة) وبالمثل لربما هي محاولة من مقداد طلب التوسط لدى العمانيين لقبولهم القيام بدور وسيط بينهم وبين الأميركيين بخاصة أن إدارة بايدن هي امتداد لإدارة أوباما، وهنا تريد دمشق أن تأخذ شرعية للانتخابات الرئاسية التي ستقود إلى عملية تعويمه، كما تقوم عُمان التي تملك موقع مميز بمجلس التعاون الخليجي التي سميت القمة الخليجية 41 الأخيرة ب “قمة السلطان
قابوس والشيخ صباح
” يمكن لها أن تقوم بدور المصالحة بين حكومة الأسد مع مجلس التعاون، بخاصة أن هذه الزيارة تأتي بعد زيارة وزير الخارجية لافروف إلى الدول الخليجية.
اقتصادياً، مع استمرار التشديد بقانون سيزر وتدهور لبنان رئة الأسد البنكية، يعمد الأسد إلى إيجاد بديل لهم، وسلطنة عمان تقيم علاقات جيدة مع كل من حلفاء حكومة الأسد، مما يجعل عملية التحويلات المالية أسهل حتى مع إيران كون سلطنة عمان كانت الاستثناء الأبرز من العقوبات الأميركية للمتعاملين مع إيران، وبالتالي يسهل دعم الأسد مالياً وتكون عُمان منصة جذب الاستثمارات في حال رفض الولايات المتحدة الوساطة، وهذا ربما يتماشى مع مضي حكومة الأسد رغم التردي الاقتصادي بمشاريعه الاقتصادية من إكساء يلبغا إلى المضي ببناء مشروع ماروتا سيتي إلى تنظيم القابون وغيرها من مشاريع دمشق الشام القابضة إلى شركات الخليوي.
كما تستطيع أسماء الأسد التي تعتبر الآن متصدرة المشهد الاقتصادي للنظام السوري إلى القيام بالأعمال المالية للنظام وحتى ملاحقة المناوئين لها داخل النظام والتضييق عليهم.
إن عُمان الآن تُعتبر كـ “طوق النجاة” لدى الأسد، إذا ما استمرت الانتقادات الدولية والضغوط لتقديم تنازلات سياسية من قبل دمشق، فهل ستسلك إدارة بايدن والأوروبيون الدور ذاته في تعاملهم مع الإيرانيين حيال مفاوضات الاتفاق النووي، بحيث يتركون للأسد منفذ للمناورة، أم أنهم قد يتبعون أسلوب ترامب بتهديد عُمان كما فعل مع الإمارات بعدم الاقتراب من دمشق؟!.
تلفزيون سوريا
————————–
هل تتأجل انتخابات النظام السوري؟
مضى ما يقرب الشهر على الحراك الدبلوماسي الروسي وعودة المشهد السوري للواجهة، الذي كان نتيجة لجولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى عواصم الخليج العربي، جولة أثارت كثيراً من التساؤلات خاصة بعد إعلان ما أُطلق عليه مسار الدوحة السياسي والذي جمع إضافة إلى روسيا كلاً من تركيا وقطر الدول الفاعلة في الملف السوري، وإن كان التنسيق التركي الروسي لا يبدو جديداً إذ سبقه التنسيق في أستانا والتي ضمت إلى جانبهما إيران الداعم الرئيس لنظام الأسد حيث شهد مسارها 16 جولة كان لها أثر واضح على مجريات الأوضاع في سوريا، كذلك كان هناك تنسيق ثنائي بدا واضحاً بالاتفاقات حول إدلب بين الرئيسين التركي أردوغان والروسي بوتين والتي كان أبرزها اتفاق 5 آذار 2020 الذي وضع الخطوط العريضة للتفاهم حول خطوط التماس وطريقي الM4 وال M5وقواعد الاشتباك الروسية التركية.
الجديد في مسار الدوحة أنه يقلب موازين القوى بين أطراف التوافق فبعد أن كانت الكفة تميل لداعمي الأسد بصورة واضحة، عبر وجود إيران وروسيا مقابل تركيا، تغيرت القوى باستبدال الوجود الإيراني بحضور قطري، وبالرغم من محاولات لافروف التأكيد أنه لا تأثير على مسار أستانا إلا أن شكل جولة لافروف ومطالبه توحي بغير ذلك.
فمع ازدياد الضغط الدولي على روسيا وحلفائها في سوريا /إيران ونظام الأسد / بدا وكأن الحلف الهش بين روسيا وإيران بات أقرب للتفكك خاصة بعد انتهاء كثير من مسوغاته وتحولها لمناطق منافسة بين البلدين، إذ إن توقف العمليات العسكرية والتي كانت أحد أهم أسباب هذا التحالف وازدياد سياسة الضغط الأقصى على إيران عبر العقوبات الأميركية، دفع بها لمحاولة الاستفادة من وجودها في سوريا عبر محاولات السيطرة على مواقع استراتيجية تخدم وجودها وتعوض خسائرها في سوريا، الأمر ذاته ينطبق على حكومة روسيا مما تسبب بنوع من التنافس على المرافئ ومواقع الفوسفات والغاز والنفط السورية، هذا التنافس أعطى نظام الأسد جرعة من الدعم المعنوي عبر محاولته الاستثمار في هذا التنافس، وبالتالي شهدت مفاوضات اللجنة الدستورية نوعاً من التلاعب الذي مارسه نظام الأسد والتمرد على الرغبة الروسية في الحصول على مكاسب واضحة من اللجنة الدستورية، قبيل الانتخابات التي يزمع نظام الأسد القيام بها معتمداً على الدعم الروسي والإيراني، إذ اعتاد النظام عبر إرثه السياسي على سياسة اللعب على المتناقضات ففي ظل التنافس الروسي الإيراني يشكل النظام نقطة لقاء للطرفين.
بالمقابل فإن الحلف التركي القطري يبدو أكثر قوة وتناغماً وتأثيراً في الملف السوري من القوى الأخرى، وهذا ما دفع لافروف لاختيار الدوحة لإطلاق مسار جديد قد تكون حوامله إنسانية لكنه يأتي في إطار سياسي واضح، إذ يحاول لافروف استغلال التردد الأميركي وتأخر إدارة بايدن في وضع استراتيجية واضحة للتعامل مع المنطقة وتضارب التصريحات الأميركية حول الموقف من إيران وتركيبة الإدارة الأميركية الجديدة، والتي حملت ذات الشخصيات التي صاغت الاتفاق النووي مع إيران، مما تسبب بنوع من الارتياب لدى دول الخليج وحتى إسرائيل مما دفع لافروف لمحاولة استغلاله وتقديم بعض الأفكار التي قد تساعد في تحقيق مشروع روسيا السياسي في سوريا، والقائم على تعويم النظام وكسر الحصار الذي فرضه قانون قيصر ودعم الانتخابات الرئاسية وإعادة النظام السوري للجامعة العربية مما يجعلها أوراقاً بيد روسيا قبيل تفرغ الإدارة الأميركية من وضع استراتيجيتها في الشرق الأوسط والتي يبدو أنها ستكون مبنية على مقاربة الاتفاق مع إيران.
رد الفعل العربي والتركي إزاء الطروحات الروسية لم يكن مشجعاً للافروف للمضي قدماً في مشروعه السياسي بالرغم من الكلام اللين الذي سمعه بما يخص الموقف من النظام السوري وعودته للجامعة العربية في الإمارات وحديثه عن تغير طفيف في الموقف السعودي إلا أنه أدرك أنه لا سبيل لأي تغيير جدي، بعيداً عن الأعين الأميركية وأن ما تمارسه دول الخليج هو نوع من التمرد غير المزعج للولايات المتحدة بغية التلويح برفض التقارب الأميركي الإيراني على حساب أمنها القومي فيما لو حصل هذا التقارب على شاكلة الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما.
من هنا فإن لافروف وفي ظل فشل محاولته بفرض الخطة الروسية القاضية بإعادة نظام الأسد للجامعة العربية وتعويمه والقبول بالانتخابات، وفي ظل الحوار الذي فتحته روسيا مع دول الخليج فإنها تزيد من الفجوة بين المشروعين الروسي والإيراني، والتي تتفق على بقاء الأسد لكنها تختلف على ترتيبات ومدى الاستفادة من بقائه، إذ يشعر الروس بأن إيران باتت عبئاً ثقيلاً يثقل كاهل السياسة الروسية ويجعلها تسير ببطئ ويجبرها على تقديم التزامات هي بغنى عنها كتلك التي طالب بها الإسرائيليون من موسكو بإبعاد إيران عن تشكيل أي خطر على إسرائيل، هذا الإحساس قد يدفع روسيا لإعادة ترتيب أولوياتها في سوريا ما يدفعها ربما للضغط لتأجيل الانتخابات حتى نهاية العام الحالي، علها تستطيع تحقيق بعض الخروقات بما يخص عودة سوريا والتقدم في عمل اللجنة الدستورية السورية ومن ثم إعادة ترتيب الأوراق بما يضمن تحقيق أكبر قدر من التوافق الإقليمي مع الرؤية الروسية للحل والتي تسعى من خلالها لحدوث خرق في المواقف المعارضة للدول الإقليمية الداعمة لأطياف المعارضة السورية وصولاً لتطبيق القرار 2254 وفق الرؤية الروسية.
بذات الوقت يخشى الروس من رد فعل إيراني في سوريا خاصة في حال حدث نوع من التقارب الإيراني مع إدارة بايدن وبالتالي استعادة إيران لقوتها في المنطقة بعد رفع الحصار الاقتصادي والسياسي عنها، كبند من بنود الاتفاق النووي الجديد وبالتالي سيتبع هذا الموقف اصطفاف جديد لنظام الأسد أكثر انحيازاً لإيران منه لروسيا مما سيفقد روسيا كثيراً من المكاسب التي من الممكن أن تحققها فيما لو توصلت لحل سياسي وفق رؤيتها في سوريا.
إذاً فالدبلوماسية الروسية تتحرك بالوقت المستقطع ما بين تأخر الإدارة الأميركية في إطلاق استراتيجيتها في الشرق الأوسط وما بين التوصل لاتفاق نووي جديد لكن بصيغة تجعل إيران أقوى والحضور الأميركي أكثر تأثيراً.
لذلك سيستعجل الروس عقد كثير من اللقاءات ومحاولة الدفع بعدد من المسارات علها تحقق نجاحاً لا يمكن تجاوزه في مباحثات الحل السياسي في سوريا.
———————–
هل تمتلك أمريكا تصوراً للحل سورياً/ د. جمال الشوفي
مع أن السياسية الأمريكية تعتبر من السياسات المتغيرة والبراغماتية، لكنها سياسة ترتسم بسياق عام استراتيجي تبنيه مراكز دراستها المختصة وفق سيناريوهات متعددة تستطيع من خلالها وضع تصور عام وخطط استراتيجية ومرحلية لتنفيذها. وهذا ما تفتقره السياسة العربية في المقابل سوى نادراً.
في هذا السياق يبرز دور بعض السياسيين السوريين الضالعين في قراءة المشهد السوري ووضع اسسه ومفاصله الدولية، وهذا ما حاوله كل من الأستاذ أيمن عبد النور بمقال عنوانه “لابد من خطة أمريكية شاملة لسوريا” نشر في الشرق الأوسط في 27/3/2021، وحاوره بها الدكتور حازم نهار في مقال نشره بالمدن تحت “عنوان نقاش مع ايمن عبد النور” نشر في 28/3/2021.
ويظهر بداية حرص كلا المتحاورين على وضع محددات للسياسة الأمريكية في المنطقة وخاصة سورية فيما يتعلق بألية الحل في المسألة السورية، ويبدو كلا المقالين يحمل سيناريو معين لرؤية السياسية الأمريكية في المنطقة.
بغض النظر عن كيفية علاج كليهما لسياق المسألة السورية لكن الملفت للنظر الحوار العلني في قضايا حساسة أولاً والاختلاف المتكامل في الحوار ثانياً والحرص على الفاعلية السورية ثالثاً.
وفق لهذا التصور اتساءل معهما هل تملك أمريكياً تصوراً للحل في سوريا؟ سؤال مشروع يستلزم قليل من المراجعة والتحديد في ملفات المنطقة عموماً وسورية خاصة:
كتب بن رودس، مستشار الأمن القومي الأمريكي في فترة حكم باراك أوباما، في كتابه The World As It Is”” أن جل اهتمام أمريكيا وعلى رأسها أوباما في ذلك الوقت من الربيع العربي، هو انجاز صفقتي الكيماوي السوري والنووي الإيراني، والتي قال فيها أوباما حينها “تمت المهمة ولا أريد أن أسمع عن سوريا بعد اليوم”.
في عام 2015 كتب مركز راند الأمريكي دراسة عنوان “خطة سلام من اجل سورية”، تستند الخطة إلى تقسيم سورية إلى مناطق آمنة كأساس للاستقرار والحل فيها، فتقول الدراسة: ((إن أفضل الآمال من أجل وقف المقتلة السوريّة، هو القبول بمناطق مُتفّق عليها، تأخذ في حسبانها التقسيمات الإثنو-طائفية، والخطوط الحالية للمعركة))، وهذه المناطق هي: منطقة سيطرة النظام من الساحل السوري إلى دمشق وتحت الوصاية والضمانة الروسية. منطقتان منفصلتان كلية تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، واحدة في الشمال السوري في إدلب وشمال حلب تحت الوصاية والضمانة التركية، والثانية في الجنوب السوري تحت الوصاية والضمانة الأردنية. منطقة كردية شرق الفرات وشمال غرب سورية تحت الوصاية الأمريكية. على أن يتم إدارة هذه المناطق بالمسيطرين عليها من قوى الأرض، على أن تضمن كل من روسيا وإيران التزام النظام، وتركيا والأردن التزام المعارضة، وأمريكيا التزام الأكراد، لتبقى منطقة داعش الشرقية تحت الوصاية الدولية بعد طردها منها. وهذا ما يتفق جزئيا مع عبد النور في موضوع “العربات” الذي اقترحه أولياً للحل السوري. ولكن ذات الخطة لم تكتمل لا في شروط تحقيقها ولا في قدرتها على انجاز خطة السلام المزمعة لليوم.
درجت حكومة رونالد ترامب على إدارة ملفات المنطقة بطريقة الابتزاز السياسي العام لجميع الأطراف الإقليمية سواء الخليجية أو التركية، وذلك في سياق سياسة نفعية محضة، فحافظت على مواقعها الاستراتيجية ذات العصا الطويلة في إدارة ملفات المنطقة خصوصاً من خلال تموضعها في مثلث التنف السوري، لتضغط بذلك على جميع الأطراف الفاعلة في الملف السوري سواء الروس أو الأتراك والنظام وايران، دون الدخول في مواجهات مع أي منها، ببقدر الحفاظ على الاستقرار النسبي شرق الفرات وترك الملف السوري لفوضى عارمة دون أحداث بوادر حل جدية فيها وهذا ما يتفق مع رؤية النهار.
اليوم يهتم جميع السوريين خاصة المقربين من دوائر صنع القرار الأمريكي في وضع ملامح تصور لطريقة ودور السياسة الأمريكية الجديدة في عهد بايدن وذلك بالاستناد لقوة وفاعلية القرار الأمريكي على الساحة الدولية، هذا مع تباين واضح في تصريحات سياسيها إزاء سورية، فبينما تصر خارجيتها على ضرورة الحل السياسي السوري والضغط باتجاه تسوية سياسية في سورية بمرجعية 2254/2015، بينما لم تبدي الإدارة الامريكية موقفاً واضحاً من المسألة السورية بقدر طلبها من المقربين السوريين حولها بتقديم تصور عن الحالة فيها وطرق حلها.
في هذا السياق يمكن وضع محددات عامة تقوم بها السياسة الأمريكية وتشغل الفاعلين في صناعة قراراتها نلخصها في نقاط عدة دون استنفاذ غيرها:
بقائها على رأس قمة الهرم العالمي في نظام احادي القطب تنافسها عليه بالوقت الحالي كل من روسيا جيوبوليتيكيا والصين تقنيا واقتصادياً. ما يؤهل سياستها لتجنب المواجهات الحادة مع كليهما، خاصة روسيا المتمسكة بعودتها لمربع القطبية العالمية من خلال البوابة السورية، بقدر العمل على ترويضها في سياق ذات النظام. وكل الطرفين الأمريكي والروسي يتقنان اللعب بأوراق متعددة بذات الوقت وفق معايير مصالحها المرحلية والاستراتيجية، لتبدو أنه ثمة نقطتي اتفاق بينهما خلاف ذلك تتمثل ب: تحجيم أدوار اللاعبين الاقليمين التركي جزئياً والإيراني كلياً في منطقة الشرق الأوسط، ثانيهما ايجاد محيط آمن لما يسمى بالأمن القومي الإسرائيلي المتشارك والمتداخل مع الدور الأمريكي من جهة والروسي من جهة أخرى خاصة في المسألة السورية.
خطوط المواجهة الروسية الأمريكية في سورية لا يمكنها تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة تحت عنوان عريض للقوى الكبرى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بحيث لا يمكن حدوث مواجهة مباشرة بينهما في منطقة معينة بقدر اللجوء للعقوبات الاقتصادية، الذراع الفعال في السياسة الأمريكية لليوم، ومع هذا لم ينفع قانون عقوبات قيصر في جعل الروس يميلون للحل السياسي في سورية لليوم، سوى أن سياسة لا إعادة اعمار في سوريا بلا حل سياسي فيها تبدو ورقة قابلة للتنفيذ والتقارب بين السياستين حولها.
أمام أمريكيا سلة متكاملة للعمل في الشرق الأوسط سواء في العراق أو سوريا أو في الخليج العربي، ويأتي التمدد الصيني خارج حدودها اليوم بتنفيذها صفقة الموانئ الإيرانية عقبة إضافية أمام السياسة الأمريكية في عموم المنطقة، ما يجعل الارباك بادٍ عليها، وبالأصح لا تمتلك خطة واضحة او تصور واضح حول آلية التعامل مع المنطقة لليوم ضمن هذه الملفات المعقدة.
حددت الخارجية الامريكية في العام 2014 ما بدا أنه خطتها الاستراتيجية لمواجهة التمدد الجيوبولتيكي متعدد الأطراف المتمثل بالصين وروسيا وإيران، ويبدو أنها بدأت العمل من وقتها على وضع خططها الاستراتيجية لهكذا مواجهات قاسية، بدأت مفاعيلها بالاتضاح في مواجهات التقنية الكبرى مع شركة هوواي الصينية، ومع التمدد الروسي ووصوله للبحر المتوسط، إضافة لاتساع رقعة التواجد الإيراني، ما يجعل طبول الحرب العالمية الثالثة، التي كان هنري كسنجر 2013 قد حذر منها مبكراً، أكثر سماعاً اليوم من أي وقت مضى. فاذا ما أخذت سياسات الدول الكبرى في الحذر بخطوطها الحمراء القوية هذه من تفادي المواجهات الحادة، فان المسألة السورية ستصبح قريباً على طاولة التفاوض العالمي متعدد الأطراف لإيجاد حل فيها وإيلاء الأوربيين دور فعال فيها كحل وسط بين جميع الأطراف، وهذا ليس إرضاء للسوريين ومظالمهم بقدر تفادي هذا الاحتكاك الخطر على السلم العالمي. وأظن هذا ما يمكن الحوار حوله بوضوح بين أروقة الفاعلين السوريين سياسياً، بهذا الوضوح المعلن الذي بدأه عبد النور والنهار، دون مجازفات أيديولوجية لازلت تمارسها معظم صنوف المعارضة السورية خاصة مع غياب دور مراكز الدراسات السورية عن التأثير في قراءة المشهد العام، ليبرز على السطح في هذا السياق دور العقلانية والحوار الهادئ والمنتج في تحديد أولويات العمل الممكن وكيفية الاستفادة من هذه التباينات الدولية ولو بحدها الأدنى في وضع تصور للحل السوري وان كان جزئياً ومرحلياً لكنه يبدأ بطوي صفحة الحرب والقتل الجزافي والتوجه نحو السلام العام كنقطة ارتكاز دولية مطلوبة اليوم وكل يوم…
——————————-
الليرة تنهار مجدداً.. ليست “لعنة فراعنة”/ إياد الجعفري
تنبأ كثيرون، بعد أيام من اشتداد أزمة قناة السويس، التي بدأت منذ الثلاثاء الفائت، بأن السفينة التي أغلقت هذا المسار العالمي الاستراتيجي، ستكون “جناح الفراشة”، الذي سيتسبب بـ “دومينو” من الأضرار الاقتصادية، وربما لاحقاً، الاستراتيجية، على صعيد قطاع الشحن والتأمين العالمي.
لكن، وبعد إجلاء السفينة العالقة، وفتح القناة أمام الملاحة الدولية مساء الإثنين، اتضح بأن الليرة السورية، ربما، هي الأكثر تضرراً من جراء “جناح الفراشة” ذاك، ومواطنو المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، هم الأكثر تألماً من جراء “دومينو” الأضرار المتوقع.
فمنذ أن أطلق وزير النفط بحكومة النظام، خبر أزمة الوقود الجديدة المرتقبة، مرتكزاً على أزمة قناة السويس –كتبرير- تنبه تجار السوق السوداء إلى مخاطر تأخر التوريدات العالقة بسبب إغلاق القناة، وما يعنيه من تأخر وصول البضائع والسلع المستوردة بحراً، إلى كثير من دول العالم، ومنها سوريا، بما في ذلك، الوقود الذي بات سلعة تصل إلى مناطق النظام، بـ “القطارة”.
وخلال يوم ونصف فقط، فقدت الليرة السورية 13,5% من قيمتها، وخسرت 450 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد، لتشطب بذلك، حوالي ثلث المكاسب التي حققتها خلال الأسبوع الفائت، والتي جهد النظام، بأجهزته الأمنية، ومصرفه المركزي، حوالي الشهر، كي ينجزها. وفرض في سبيل ذلك، إجراءات تقييدية مضرّة على المدى البعيد، فقط من أجل تحسين سعر صرف الليرة التي انهارت إلى أدنى مستوى لها في تاريخها، قرب 4800 للدولار الواحد، منتصف الشهر الجاري.
واللافت للانتباه، أن الليرة السورية تضررت جراء أزمة قناة السويس، بصورة أكبر بكثير، مقارنة بأكثر الدول والسلع ارتباطاً بالأزمة ذاتها. ففي مصر، التي خسرت أكثر من 100 مليون دولار، خلال أسبوع، جراء أزمة إغلاق القناة، كخسائر مباشرة، ناهيك عن الخسائر غير المباشرة المرتقبة، لم تهتز عملتها، ولم تسجل أي انخفاض يُذكر.
حتى، بالمقارنة مع سلعة النفط الخام، أكثر السلع حساسية حيال تعطل التوريدات وحركة الشحن العالمية، والذي ارتفع بنسبة 3%، جراء أزمة إغلاق القناة، تبدو أضراره طفيفة مقارنة بخسارة 13,5% التي ألمّت بالليرة.
ومع تخفيض مخصصات السيارات الخاصة والتكاسي، من البنزين، بنسبة 50%، في دمشق، كنتيجة لأزمة إغلاق القناة، يحق للسوريين أن يتحدثوا عن “لعنة فراعنة” أصابتهم، بالتزامن مع استعدادات مصر لنقل “موكب المومياوات الملكية” بعد بضعة أيام، في حدث استثنائي، تنفذه الحكومة المصرية، “دعاية” للسياحة في بلادها.
مناسبة هذا التشبيه، أن سلسلة الأحداث الأليمة التي ألمّت بالمصريين، خلال أسبوع، بدءاً بأزمة القناة، مروراً بحادث اصطدام قطاري سوهاج، وليس انتهاء بنشوب حريق في سكة حديد الزقازيق، وانهيار مبنى في منطقة جسر السويس، دفعت بعض المصريين إلى الحديث عن “لعنة فراعنة” طالت البلاد، جراء إصرار السلطات على نقل “موكب المومياوات الملكية”.
ورغم سذاجة هذا الحديث، تطلب الأمر من عالم آثار كبير، من رتبة “زاهي حواس”، أن يظهر على قناة مصرية، ليوضح أن “لعنة الفراعنة”، خرافة، وأن حالات موت بعض العلماء بعد فتح المقابر الأثرية في الماضي كانت بسبب أن الغرف التي توجد فيها المومياوات تحتوي على جراثيم سامة، نظراً لأن المومياء الفرعونية تكون محنطة منذ 3 آلاف سنة أو أكثر. وأوضح عالم الآثار المصري، أن حالات الموت تلك لم تعد تتكرر، بعد أن فهم المشتغلون في هذا المجال سرّ تلك “الميتات” الغريبة، وأصبح التعامل مع فتح المقابر الفرعونية يتم بطريقة احترافية.
لكن بالنسبة للسوريين الخاضعين لسيطرة نظام الأسد، يتطلب تبرير “لعنة” الانهيار الجديد الذي طال الليرة، ورافقته أزمة بنزين جديدة، تفسيراً أكثر جدّية، لم يتصدَّ له أحد، حتى الآن، في “إعلام النظام”، خاصة بعد التهليل الذي رافق التحسن الكبير الذي طرأ على سعر صرف الليرة السورية، من 4800 للدولار الواحد منتصف الشهر الجاري، حتى 3350 للدولار الواحد، مساء السبت. فمعزوفة “الانتصار” التي عزفها موالون على صفحات التواصل الاجتماعي، سرعان ما تعرضت لانتكاسة جديدة، قد يكون من المناسب تبريرها لديهم بـ “لعنة فراعنة”، بدلاً من الإقرار بالسبب الحقيقي لهذا الانهيار المفاجئ والسريع خلال 36 ساعة فقط.
فالليرة لم تنتعش، كنتيجة لإجراءات اقتصادية، بل نتيجة لإجراءات أمنية، مؤقتة التأثير، ومضرّة على المدى المتوسط والبعيد. فلا عجلة الإنتاج المحلي، دارت بوتيرة أفضل من السابق، ولا الاستثمارات الخارجية وجدت سبيلها إلى أروقة الاقتصاد السوري، ولا الصادرات ارتفعت معدلاتها. الليرة انتعشت جراء تدخلات من جانب المركزي التابع للنظام، ارتكزت فقط، على سحب السيولة المتاحة من الليرة في الأسواق. وهنا، اشتغلت آلية العرض والطلب الشهيرة -حينما يقل العرض، يرتفع السعر-. فسحب السيولة المتاحة من الليرة في الأسواق، أدى إلى رفع الطلب على الليرة، وبالتالي، تحسن سعر صرفها. وقد نفّذ المركزي ذلك، عبر إجراءات أمنية بصورة رئيسية. إذ شددت الأجهزة الأمنية بتوجيه منه، القيود على نقل الأموال بين المحافظات. وأعادت إحياء قرار قديم، وهو وقف الحوالات الداخلية لأكثر من مليون ليرة سورية، ومنع نقل أكثر من 5 مليون ليرة سورية، في المركبة الواحدة، بين المحافظات. إلى جانب شن حملة على مكاتب الصرافة والحوالات، وإغلاق بعضها، ومصادرة كميات كبيرة من السيولة المتاحة في تلك المكاتب، وحتى في منازل بعض كبار التجار الناشطين في سوق الصرف، في دمشق وحلب وحماة. رافق ما سبق، تشديد القيود على السحوبات المصرفية بسقف مليوني ليرة سورية، فقط.
لكن على المدى المتوسط والبعيد، فإن تجفيف السيولة من الليرة السورية، يعني ركود الحركة التجارية في البلاد، لذا فعلى النظام، مُضطراً، أن يتراجع مجدداً، عن القيود آنفة الذكر، كما سبق وتجاهل خرق قراره القديم بتقييد نقل السيولة بين المحافظات، والذي صدر في حزيران/يونيو من العام الفائت. أي أن إجراءات النظام، قصيرة العمر، مما يعني أن آثارها مؤقتة، وسرعان ما ستنحسر.
وحتى لو انتعشت الليرة مجدداً، بعد انتهاء أزمة إغلاق قناة السويس، باعتبار أن القيود على السيولة من الليرة، ما تزال قائمة، فإن هذا الانتعاش سيكون مؤقتاً. لتعود الليرة إلى سابق عهدها الذي استقرت عليه منذ العام 2012، وهو الذهاب نحو المزيد من الانهيار، سواء بشكل دراماتيكي، أو بشكل هادئ وتدريجي. ذلك أن أسباب تحسن سعر الصرف، أو استقراره، غير موجودة، ولا يبدو أنها ستتوافر في القريب العاجل. لذا، لا يوجد لدى النظام سوى الحلول الإسعافية المؤقتة، التي تستهدف لجم انهيار الليرة، على المدى القريب، لا أكثر.
لكن، ما كان ملفتاً، في الانهيار الأخير الذي طرأ على الليرة، بالتزامن مع أزمة قناة السويس، هو مدى هشاشة العملة السورية، بصورة جعلتها، بالنِسب والأرقام، أكثر الأطراف تضرراً من تلك الأزمة الدولية، رغم ضآلة الاقتصاد السوري. هشاشة قد يفسرها الموالون المتحمسون بأنها “لعنة”، قد يكون من الأنسب لهم نسبها إلى “الفراعنة”، لأنهم عاجزون عن الإقرار بأن السبب الحقيقي لهذه “اللعنة”، هو تلك العائلة التي يروجون لإعادة انتخاب “رأسها” بعد بضعة أشهر. والتي لا تبدو أن لعنتها ستزول قريباً عن الليرة، أو عن السوريين.
تلفزيون سوريا
———————
لافروف: الجولة المقبلة من اللجنة الدستورية ستكون “جديدة ونوعية”
توقع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أن تكون الجولة المقبلة من اللجنة الدستورية السورية “جديدة ونوعية”، مقارنة بجولات اللجنة السابقة.
وأضاف لافروف، خلال مشاركته في أعمال منتدى “فالداي” الدولي للحوار في موسكو، اليوم، الأربعاء 31 من آذار، أنها المرة الأولى التي اُتفق فيها على أن يعقد رئيسا وفدي الحكومة والمعارضة لقاءً مباشرًا بينهما.
وأوضح لافروف، أن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، عبر عن ترحيبه بهذا الاتفاق، بحسب ما نقلت “روسيا اليوم“.
وأكد لافروف مساعي روسيا لمحاولة عقد الجولة السادسة من اللجنة الدستورية قبل حلول شهر رمضان.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قال في 16 من آذار الحالي، إن أنقرة تعمل لعقد الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، خلال شهر.
وجاء حديث جاويش أوغلو بعد تصريح مشابه أدلى به لافروف، ضمن مؤتمر صحفي في 11 من آذار الحالي، عن عقد محادثات الجولة السادسة من اللجنة الدستورية قبل رمضان المقبل.
المتحدث باسم “هيئة التفاوض السورية”، يحيى العريضي، كان قد نفى، في حديث سابق إلى عنب بلدي، تحديد موعد الجولة السادسة من محادثات اللجنة الدستورية، أو تلقي “الهيئة” بيانًا بذلك.
وقال العريضي، إنه في حال انعقاد جولة سادسة، فلن تكون إلا بوجود توافق دولي والخروج بنتائج، و”في أوساط المعارضة هناك توجه بأنه إذا لم تكن هناك ضمانات من نوع معيّن، لا لزوم لها (الجولة)”.
وفي 15 من آذار الحالي، قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، إن “اللجنة الدستورية عاجزة بمفردها عن حل النزاع في سوريا”.
وأكد أنها تحتاج إلى “إعداد متأنٍّ” لجولة سادسة من المفاوضات.
وكان المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، قال في ختام الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية، إنها “لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل”، واصفًا الجولة بأنها “مخيبة للآمال”، ولم تحقق الأمور التي كانت باعتقاده ستنجز قبل بدئها، “لأنه ليس هناك فهم واضح بشأن كيفية التقدم في أعمال اللجنة”.
وأضاف بيدرسون، “استمر العمل كما في الجولات السابقة، والنهج لم يكن مجديًا، ولا يمكننا التقدم دون تغيير طريقة العمل”.
وتتكون اللجنة الدستورية من ثلاثة وفود (المعارضة والنظام والمجتمع المدني)، بهدف وضع دستور جديد لسوريا، وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتنظيم انتخابات جديدة.
—————————
الأسد يصف سعر الصرف بـ”المعركة” ويهدد بالتدخل بالقوة
يحمّل التجار مسؤولية ارتفاع الأسعار
حمّل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، التجار مسؤولية ارتفاع الأسعار، مهددًا بالتدخل بالقوة والعقوبات المشددة دون تردد في التعامل معهم.
ووصف في اجتماع مع مجلس الوزراء اليوم، الثلاثاء 30 من آذار، أُعلن عنه بعد دقائق من إعلان تعافيه وزوجته من فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، سعر الصرف في سوريا بـ”المعركة”.
وقال، “الخطأ في مثل هذا النوع من المعارك أن يعتقد الناس سواء كانوا مسؤولين أم مواطنين، أن هذا الموضوع هو موضوع إجرائي، هناك مضاربون ومستفيدون، وهناك معركة تُقاد من الخارج وأصبحت أدوات هذه المعركة بالنسبة لنا واضحة”.
وأضاف الأسد أنه يجب توعية المواطنين على أن ما يحصل بالنسبة لسعر الصرف لا يقل أهمية عن المعركة العسكرية في استقرار البلد، وإذا لم يقفوا مع مؤسسات الدولة في هذه الحرب فسوف تخسر المؤسسات مهما اتُخذ من إجراءات، بحسب تعبيره.
واعتبر أن ارتفاع السعر وانخفاضه غير منطقي، وارتفاع سعر الصرف صباحًا لا يبرر ارتفاع الأسعار مساء، إذ إن تبرير ارتفاع الأسعار على فترة زمنية طويلة محددة كأسابيع أو أشهر ممكن، لكن لا يمكن تبرير أي ارتفاع حدث خلال ساعات.
كما اعتبر أن كل تاجر يستفيد خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة “لص”، لأن لديه مواد اشتراها بسعر صرف أقل و”سرق” المواطن بفارق السعر.
وهدد الأسد بالتدخل بالقوة والتشديد بكل ما له علاقة بالعقوبات دون تردد.
ويرى المحلل الاقتصادي والمالي الدكتور فراس شعبو، في حديث سابق إلى عنب بلدي، أن النظام يلقي اللوم على التجار كشماعة لعدم الاعتراف بفشله في إدارة الأزمة، وقال، “إذا كان التاجر قادرًا على هدم دولة اقتصاديًا بشكل كامل فنحن لسنا في دولة”.
واعتبر شعبو أن ما يتخذه النظام السوري من تحركات “يندرج ضمن الإجراءات الأمنية والقمعية، وليست إجراءات تتعلق بالسياسة المالية أو النقدية، التي لم يستخدم أيًا منها”.
وتقتصر مهام المصرف المركزي على تصريحات تشبه ما يصدر عن أفرع الأمن، تنص على ملاحقة وتهديد من يصفهم بالمضاربين أو المخالفين لسياساته.
وانخفضت قيمة الليرة السورية مجددًا بعد أن شهدت تحسنًا خلال الأيام الماضية، ووصل سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية إلى 3770، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الصرف.
وكانت الليرة السورية شهدت تحسنًا ملحوظًا في الأيام القليلة الماضية، ووصلت في أفضل أحوالها إلى 3260 مقابل الدولار في 28 من آذار الحالي.
وأرجع محللون اقتصاديون التقت بهم عنب بلدي، التباين في الأسعار إلى طبيعة أسواق الصرف، والظرف الاقتصادي القلق في سوريا.
سوريا من أكثر الدول فقرًا في العالم
وتتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، إذ يعيش تحت خط الفقر 90% من السوريين، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا.
كما يعاني 12.4 مليون شخص في سوريا، أي حوالي 60% من السكان، من انعدام الأمن الغذائي، في “أسوأ” حالة أمن غذائي شهدتها سوريا على الإطلاق، وفقًا لنتائج تقييم الأمن الغذائي على مستوى البلاد الذي أُجري في أواخر عام 2020، بحسب تقرير لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، في 11 من شباط الماضي.
ووفقًا للبيانات، يعاني 1.3 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بزيادة قدرها 124% خلال سنة، وقُيّم 1.8 مليون شخص إضافي على أنهم معرضون لخطر الوقوع في انعدام الأمن الغذائي.
—————————-
بيدرسون يدعو إلى صيغة دولية جديد لحل الأزمة السورية
دعا المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، الثلاثاء، إلى “صيغة دولية جديدة” لحل الأزمة السورية، عبر إشراك “جميع الأطراف المختلفة التي لها تأثير على الصراع.
ووصف بيدرسون على هامش مداخلته في النسخة الخامسة من مؤتمر دعم اللاجئين السوريين، مسيرة الصراع في سوريا التي أنهت عشر سنوات من الحرب بـ “الكارثية، رغم الهدوء النسبي على المسار العسكري”، بحسب قوله.
وطالب المسؤول الأممي المجتمع الدولي “بتدعيم وتمديد تفويض الأمم المتحدة للعمل في سوريا” وذكر أنه “يعمل على إجراء اتصالات من أجل تنظيم جولة سادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية”، بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلامية.
وحول الانتخابات الرئاسية المرتقبة في البلاد، أشار بيدرسون إلى أن “قناعة المجتمع الدولي بأنه لا انتخابات حقيقية في سوريا بدون التنفيذ الكامل للقرار الأممي 2254”.
وتستعد الحكومة السورية لإجراء انتخابات رئاسية خلال الأشهر القادمة.
——————————-
تصريح روسي غير متوقّع بشأن الانتخابات الرئاسيّة في سوريا
أعلن وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف”، اليوم الأربعاء، أنّ الانتخابات الرئاسية في سوريا لا يمكن تنظيمها إلا بإصلاح دستوري.
وفي لقاء صحفي، نقلته وسائل إعلام روسية، أكد “لافروف”، أثناء تواجده في منتدى فالداي في “موسكو”، أنّ “الانتخابات الرئاسية السورية لا يمكن تنظيمها قبل التوصّل إلى دستور جديد في البلاد”.
وأضاف وزير الخارجية، أنّ “النزاع في سوريا يبدو أنّه في وضع مجمد، وأنّ استمراره على النحو الذي هو عليه الآن يهدّد بانهيار الدولة السورية”.
سوريا
وكان الاتحاد الأوروبي، أكد في 14 من آذار/ مارس الجاري، أنّ الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا لا تفي بالمعايير الدولية ولا تسهم في تسوية الصراع، ولا تؤدي إلى أي تطبيع دولي مع نظام الأسد.
وبين الاتحاد الأوروبي، استعداده لدعم انتخابات حرة ونزيهة في سوريا، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتحت إشراف الأمم المتحدة.
وعلّق سفير النظام السوري في روسيا، على بيان الاتحاد الأوروبي حول الانتخابات الرئاسية، بأن لا علاقة للاتحاد الأوروبي ولا لأي شخص آخر بتحديد شرعية الانتخابات في سوريا.
وقال السفير “رياض حداد”: “إنّ موضوع الانتخابات الرئاسيّة في سوريا يخصّ الشعب السوري فقط، وهو أحد الحقوق الدستورية للمواطنين السوريين”.
وكانت الولايات المتحدة، سبق أن أعلنت عن عدم اعترافها بنتيجة الانتخابات الرئاسية السورية القادمة ما لم يكن التصويت حراً وعادلاً وتشرف عليه الأمم المتحدة، وممثلاً من كافة أطياف الشعب السوري.
ومن المقرّر أن تقام الانتخابات الرئاسية السورية، بين 16 أبريل/ نيسان، و16 مايو/ أيار 2021، كما هو المعتاد في كل جولة.
ليفانت – وكالات
————————
حقيقة تصريحات لافروف حول ربط الانتخابات الرئاسية بدستور جديد
قال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إن قرار مجلس الأمن رقم “2254” حول سورية، لا يمنع إجراء انتخابات رئاسية دون تعديل دستور البلاد.
وخلال مشاركته في منتدى “فالداي” في موسكو، اليوم الأربعاء، قال لافروف إن بلاده لا تقرأ في القرار “2254” ما ينص على عدم إمكانية إجراء انتخابات رئاسية إلا بعد تعديل أو كتابة دستور جديد لسورية.
وكانت وسائل إعلام وشبكات سورية تناقلت تصريحاً عن وزير الخارجية الروسي، مفاده أنه “لا يمكن تنظيم انتخابات في سورية قبل التوصل إلى دستور جديد”، إلا أن الإعلام الروسي لم يتطرق لذلك.
ونشر الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، ألكسي كليبنيكوف، تغريدة عبر حسابه في “تويتر”، نقل خلالها التصريح الصحيح للافروف حول الانتخابات، مؤكداً أن روسيا ترى أن القرار “2254” لا يمنع إجراء انتخابات دون تعديل الدستور السوري أو كتابة دستور آخر، حسب قوله.
#Lavrov at the 10th Middle East conference of @valdaitweets: #Russia doesn’t read UNSC res 2254 on #Syria as dictating that any Syrian elections can only be held after the constitution is amended/a new one is adopted.
— Alexey Khlebnikov (@AleksKhlebnikov) March 31, 2021
وفي تعليقه على الملف السوري، قال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، خلال مؤتمر “فالداي”، إن “النزاع في سورية يبدو في وضع مجمد، واستمراره على هذا النحو يهدد بانهيار الدولة السورية”.
وكان من المتوقع أن يجري نظام الأسد انتخابات رئاسية خلال شهر أبريل/ نيسان المقبل، إلا التصريحات الصادرة عن مسؤولي النظام تشير لوجود تخبط حول موعد إجرائها.
إذ سبق أن أكد وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن الانتخابات ستجري في موعدها، وبحسب ما ينص عليه الدستور الحالي.
إلا أن سفير النظام لدى موسكو، رياض حداد، قال في تصريحات لوكالة “تاس” الروسية، الأسبوع الماضي، إن إجراء الانتخابات يرتبط بالوضع الوبائي لفيروس “كورونا” في سورية.
يُشار إلى أن روسيا دعت سابقاً المجتمع الدولي إلى مساعدة نظام الأسد بـ”الانتخابات الرئاسية”، التي يخطط لإجرائها، متذرعة بعدم وجود “أحكام تعرقل ذلك”.
وقال النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بولانسكي، الشهر الماضي، إن “بعض الدول الأوروبية أعلنت منذ البداية أنها لن تعترف بهذه الانتخابات وستعتبرها غير قانونية”، مضيفاً ”هذه الطريقة بلا شك من حقها، لكننا نعتقد أنه لا توجد هناك أسس لهذا الموقف”.
واعتبر أن “الانتخابات الرئاسية ووضع الدستور الجديد عمليتان مختلفتان، ولذا لا أسباب لاعتبار الاقتراع غير دستوري”.
وتعتبر “الانتخابات الرئاسية” المقبلة، الثانية من نوعها التي ينظمها النظام خلال الثورة السورية، إذ كانت الأولى في 2014 وحصل الأسد حينها على نسبة 88.7%.
وبينما يؤكد نظام الأسد على تنظيم الانتخابات الرئاسية “في وقتها”، تقول دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، بأنها “غير شرعية”، على اعتبار أن شريحة كبيرة من السوريين لن تشارك فيها.
قال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إن قرار مجلس الأمن رقم “2254” حول سورية، لا يمنع إجراء انتخابات رئاسية دون تعديل دستور البلاد.
وخلال مشاركته في منتدى “فالداي” في موسكو، اليوم الأربعاء، قال لافروف إن بلاده لا تقرأ في القرار “2254” ما ينص على عدم إمكانية إجراء انتخابات رئاسية إلا بعد تعديل أو كتابة دستور جديد لسورية.
وكانت وسائل إعلام وشبكات سورية تناقلت تصريحاً عن وزير الخارجية الروسي، مفاده أنه “لا يمكن تنظيم انتخابات في سورية قبل التوصل إلى دستور جديد”، إلا أن الإعلام الروسي لم يتطرق لذلك.
ونشر الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، ألكسي كليبنيكوف، تغريدة عبر حسابه في “تويتر”، نقل خلالها التصريح الصحيح للافروف حول الانتخابات، مؤكداً أن روسيا ترى أن القرار “2254” لا يمنع إجراء انتخابات دون تعديل الدستور السوري أو كتابة دستور آخر، حسب قوله.
وفي تعليقه على الملف السوري، قال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، خلال مؤتمر “فالداي”، إن “النزاع في سورية يبدو في وضع مجمد، واستمراره على هذا النحو يهدد بانهيار الدولة السورية”.
وكان من المتوقع أن يجري نظام الأسد انتخابات رئاسية خلال شهر أبريل/ نيسان المقبل، إلا التصريحات الصادرة عن مسؤولي النظام تشير لوجود تخبط حول موعد إجرائها.
إذ سبق أن أكد وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن الانتخابات ستجري في موعدها، وبحسب ما ينص عليه الدستور الحالي.
إلا أن سفير النظام لدى موسكو، رياض حداد، قال في تصريحات لوكالة “تاس” الروسية، الأسبوع الماضي، إن إجراء الانتخابات يرتبط بالوضع الوبائي لفيروس “كورونا” في سورية.
يُشار إلى أن روسيا دعت سابقاً المجتمع الدولي إلى مساعدة نظام الأسد بـ”الانتخابات الرئاسية”، التي يخطط لإجرائها، متذرعة بعدم وجود “أحكام تعرقل ذلك”.
وقال النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بولانسكي، الشهر الماضي، إن “بعض الدول الأوروبية أعلنت منذ البداية أنها لن تعترف بهذه الانتخابات وستعتبرها غير قانونية”، مضيفاً ”هذه الطريقة بلا شك من حقها، لكننا نعتقد أنه لا توجد هناك أسس لهذا الموقف”.
واعتبر أن “الانتخابات الرئاسية ووضع الدستور الجديد عمليتان مختلفتان، ولذا لا أسباب لاعتبار الاقتراع غير دستوري”.
وتعتبر “الانتخابات الرئاسية” المقبلة، الثانية من نوعها التي ينظمها النظام خلال الثورة السورية، إذ كانت الأولى في 2014 وحصل الأسد حينها على نسبة 88.7%.
وبينما يؤكد نظام الأسد على تنظيم الانتخابات الرئاسية “في وقتها”، تقول دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، بأنها “غير شرعية”، على اعتبار أن شريحة كبيرة من السوريين لن تشارك فيها.
—————————-
الأسد: معركة سعر صرف الليرة تدار من الخارج.. وسنتعامل بحزم مع “اللصوصية“
رأى الرئيس السوري بشار الأسد، الثلاثاء، أن ما وصفها بـ”معركة سعر الصرف” تقاد من الخارج مشيرا إلى أن الحكومة السورية حققت فيها إنجازات غير مسبوقة.
وقال الأسد أثناء ترؤسه اجتماعا لمجلس الوزراء: “أصبحت أدوات الأعداء في هذه المعركة واضحة بالنسبة لنا.. ومن خلال وضوحها ومعرفة الآليات التي استخدمت قمنا نحن باستخدام آليات معاكسة”، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا).
وأضاف الرئيس السوري قائلا: “وقد أثبتت هذه المعارك التي خضناها أن سعر الصرف في سورية الجزء الأكبر منه هو حرب نفسية.. مثل أي حرب تماماً.. وبالتالي لا بد لمواجهة هذا النوع من المعارك أن نقوم بتوعية الناس بأن ما يحصل الآن بالنسبة لسعر الصرف لا يقل أهمية عن المعركة العسكرية لاستقرار البلد.. مثله مثل الحرب.. مثل الأمن الغذائي.. مثل الكثير من العوامل الأخرى.. يجب أن يتم التعامل معها كمعركة.. فإذا لم يقف المواطن مع مؤسسات الدولة في هذه الحرب فسوف تخسر المؤسسات مهما قمنا من إجراءات”، على حد تعبيره.
وتابع الأسد قائلا: “المشكلة هي في القفزات في الأسعار وإن ارتفاع سعر الصرف صباحاً لا يبرر ارتفاع الأسعار مساء.. هذه نقطة أساسية لا يمكن تبريرها ولا يمكن القبول بها.. وهذه اللصوصية يجب التعامل معها بشكل حازم.. ولا بد أن تتدخل وزارة التجارة الداخلية بقوة وأن تسرع في إصدار قانون جديد يتضمن عقوبات رادعة”، حسب قوله.
وكانت فد هوت الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي إذ كسر سعر الصرف السوق السوداء حاجز الـ4000 ما أدى لارتفاع خانق بالأسعار في الداخل السوري.
————————
رسالة سورية إلى الأسد:أفعالك مسؤولة عن العقوبات
أصدرت مجموعة من المنظمات السورية داخل سوريا وخارجها التي تعمل في المجال الحقوقي والقانوني بياناً، على شكل رسالة موجهة إلى رئيس النظام بشار الأسد، طالبت فيه الأسد بالتحرك الفوري لإنهاء برامج العقوبات السورية، مشيرة إلى أن الأسد يمتلك مفاتيح رفع العقوبات إن انخرط في عملية سياسية حقيقية وفقاً للأطر الدولية المتفق عليها في قرار مجلس الأمن 2254، وتوقف عن انتهاك حقوق الإنسان وخضع لمتطلبات العدالة الحقيقية.
ولفت البيان إلى أن تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن الوضع في سوريا بين 15 من آذار/مارس و15 تموز/يوليو 2011، خلص إلى “وجود نمط من انتهاكات حقوق الإنسان يتمثـل في هجمات واسعة النطاق أو منهجية ضد السكان المدنيين”.
وأضاف البيان الذي نشره موقع “تلفزيون سوريا”، أن “توثيق الأمم المتحدة لانتهاكات حقوق الإنسان هذه، تبع مجموعة من برامج العقوبات مثل الأمر التنفيذي 13572 الذي أصدره باراك أوباما في نيسان 2011، والذي يفرض عقوبات خاصة على الحكومة السورية وقيادتها” مشيراً إلى انتهاكات حقوق الإنسان والعنف ضد المتظاهرين. أما الاتحاد الأوروبي فأصدر حزمة عقوبات مماثلة في أيار 2011″.
وضمن عنوان “أفعالك مسؤولة عن فرض برامج العقوبات السورية”، جاء في البيان: “عوضاً عن الالتزام بنداءات الأمم المتحدة المطالبة بإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان، فإنك صعدت من العنف والقمع ضد السوريين، جالباً بذلك المزيد من العقوبات. لم يتوقف توثيق خروقاتك، وكان آخر هذه التقارير ذلك الخاص بلجنة التحقيق الدولية المستقلة الصادر في آذار 2020”.
وتابع أن “مجلس حقوق الإنسان الذي منح اللجنة الدولية المستقلة صلاحياتها هو ذاته الذي منح أيضاً صلاحيات مقررة الأمم المتحدة الخاصة بأثر التدابير القسرية الانفرادية، إضافة إلى ذلك، فإن قرار مجلس الأمن 2254 الصادر في كانون الأول 2015، قد تبنى خارطة للعملية السلمية في سوريا، تم حينها تبني القرار بالإجماع، بما في ذلك روسيا والصين”.
وخاطب البيان الأسد مجدداً بالقول: “لقد رفضت الانخراط في أية عملية سياسية ذات معنى”، مشيراً إلى أن مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا السابق الأخضر الإبراهيمي وصف أفعال حكومة النظام في آذار 2014 بأنها تنسف مفاوضات السلام الرامية لوضع حد للنزاع في سوريا.
واستشهد البيان بمداخلة ممثل المملكة المتحدة في مجلس الأمن جوناثان ألان الذي قال إن “الطريق لإزالة العقوبات واضح. بدلاً من إعاقة الإغاثة، وقصف المدارس والمشافي، واحتجاز مواطنيه واعتقالهم، يجب على النظام السوري الاستجابة لمطالب شعبه، والانخراط بشكل جدي مع المبعوث الخاص غير بيدرسن والعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، وتحقيق نهاية سلمية للنزاع”، مشيراً إلى أن قانون قيصر الأميركي الصادر عام 2019 يرسل الرسالة ذاتها في الفقرة 7402 الخاصة بالهدف من تطبيقه.
ووقع على هذا البيان كل من الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ولجنة العمل السياسي، وسورية حرة، وعائلات من أجل الحرية، والمجلس السوري الأمريكي، والمجلس السوري البريطاني، وبدائل، وبيتنا، والبرنامج السوري للتطوير القانوني، والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير،
والمعهد السوري للتقدم، ومواطنون من أجل أمريكا آمنة ومطمئنة للعمل السياسي، وسوريون مسيحيون من أجل السلام، ومع العدالة.
———————-
الانتخابات السورية لن تكافئ بشّار/ خيرالله خيرالله
لم يعد سرّا الرهان الجديد للنظام السوري على انتخابات رئاسيّة يُعاد فيها انتخاب بشّار الأسد رئيسا في أيّار – مايو أو حزيران – يونيو المقبلين. لا همّ للنظام في هذه الأيّام سوى الإعداد لإجراء مثل هذه الانتخابات التي يعتقد أنّها السبيل إلى تجديد شرعيّة نظام لا شرعيّة له أصلا. كيف يمكن لنظام أقلّوي ذي طبيعة مذهبيّة معروفة منبثق عن انقلاب عسكري أن تكون له شرعيّة ما؟
أجريت الانتخابات الرئاسية السورية، كما تريد إيران، أم لم تجر كما ترغب أوروبا. ليس في الإمكان توقّع أي جديد في هذا البلد في ظلّ بقاء النظام الذي يرفض أخذ العلم بأنّ سوريا التي عرفناها لم تعد قائمة. سوريا التي عرفناها لم تعد قائمة لسبب في غاية البساطة يعود إلى التغيير الديموغرافي أوّلا وإلى وجود البلد تحت خمسة احتلالات ثانيا وإلى حجم الدمار والتهجير داخل سوريا نفسها وإلى خارجها ثالثا وليس أخيرا.
هناك ألف سبب وسبب للتأكّد من أن سوريا في حاجة إلى إعادة تشكيل بموجب صيغة مختلفة في منطقة دخلت كلّها في مخاض عسير. بدأ المخاض في العام 2003 مع الاحتلال الأميركي للعراق والخلل الذي حصل على الصعيد الإقليمي. لا تزال تداعيات الزلزال العراقي مستمرّة إلى يومنا هذا بعدما سلمّت إدارة بوش الابن العراق على صحن من فضّة إلى إيران. سمح ذلك لـ”الجمهورية الإسلامية” بالانطلاق مجدّدا في مشروعها التوسّعي.
يتبيّن يوميّا أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني كان مصيبا إلى حدّ كبير عندما تحدّث في تشرين الأوّل – أكتوبر 2004 عن “الهلال الشيعي” الممتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق. الأكيد أن كلام العاهل الأردني لم يكن وقتذاك موجّها ضدّ الشيعة بمقدار ما كان تحذيرا باكرا من الخطر الإيراني على المشرق العربي كلّه في ضوء سيطرة “الجمهورية الإسلاميّة” التي أسسها آية الله الخميني على بلد في غاية الأهمّية مثل العراق.
لم يأخذ بشّار الأسد علما بما يحدث في المنطقة وبالزلزال العراقي الذي خشي أن يطيحه مع نظامه، خصوصا أنّ وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول حمل إليه بعيد سيطرة الولايات المتحدة على العراق وإسقاطها نظام صدّام حسين مطالب محدّدة كان مطلوبا منه التزامها. حاول الأسد الابن حماية نظامه بطريقته العجيبة الغريبة. خاف من الوجود العسكري الأميركي في العراق. كانت لديه في تلك المرحلة خيارات عدّة من بينها الانفتاح على المطالب الأميركية واستكمال مدّ الجسور مع أوروبا وإعادة تموضع سوريا عربيّا والسير في إصلاحات داخليّة وعد بها سابقا وما لبث أن تراجع عنها.
اختار في المقابل أن يكون لصيقا أكثر بإيران من منطلق أنّها المنتصر الحقيقي في الحرب الأميركية على العراق. في الواقع، كانت “الجمهورية الإسلاميّة” البلد الوحيد في المنطقة الذي شارك على طريقته في الحرب على العراق وذلك بتقديمها تسهيلات إلى الأميركيين. كان من نتائج التنسيق بين بشّار الأسد وإيران في تلك المرحلة المشاركة لاحقا في عمليات تستهدف الأميركيين في العراق وصولا إلى التخلّص من رفيق الحريري في بيروت تمهيدا لانتقال الوصاية على لبنان من سورية – إيرانية إلى محض إيرانية. تصرّف بشّار الأسد في تلك المرحلة تصرّف المستغيث بإيران.
يعتبر ما وصلت إليه سوريا اليوم نتيجة طبيعية لأخطاء تراكمت منذ اليوم الأوّل لخلافة بشّار والده صيف العام 2000. لا يزال السؤال المتعلّق بمستقبل سوريا مطروحا منذ اتخذت العائلة قرارا بتوريث الابن السلطة. فقد تبيّن أن ليس في استطاعة بشّار الأسد الخروج من ظلّ إيران. وهذا ما يفسّر إلى حد كبير إصرار “الجمهورية الإسلاميّة” على الانتخابات الرئاسية السورية على الرغم من التحفّظ الروسي الذي تعبّر عنه رغبة موسكو عبر جهود خجولة. يعمل الكرملين من أجل تأجيل الانتخابات ويبحث في الوقت ذاته عن صفقة ما مع الولايات المتّحدة. يفترض في الصفقة استنادا إلى الحسابات الروسيّة تكريس واقع يتمثّل في أن سوريا منطقة نفوذ روسيّة على المتوسّط. بكلام أوضح، تريد روسيا مكافأة على دور لعبته منذ خريف العام 2015 في منع انهيار النظام العلوي القائم.
ليس مستبعدا تأجيل الانتخابات السورية، وهي انتخابات أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها غير طبيعية. الطبيعي، في حال مثل حال سوريا، ألّا تأتي الانتخابات مكافأة على سلسلة من الأخطاء ارتكبها بشّار الأسد منذ العام 2000، وربّما قبل ذلك عندما أصبح والده في العام 1998 غير قادر على ممارسة السلطة كما في الماضي بسبب تدهور وضعه الصحّي.
منذ العام 2000 وصولا إلى السنة 2021 دمّرت الأخطاء التي ارتكبها النظام السوري البلد تدميرا كلّيا. ليس معروفا بعد ما الذي دفع بشّار الأسد إلى ارتكاب كلّ تلك الأخطاء التي في أساسها إعجابه الشديد بإيران و”حزب الله” وابتعاده في الوقت ذاته عن حوار في العمق مع الإدارة الأميركية ومع الأوروبيين ومع دول الخليج العربي التي هبّت منذ البداية إلى مساعدته. إنّه بالفعل سؤال محيّر لا جواب منطقيا عنه باستثناء أنّ ليس لدى النظام السوري سوى الانغلاق على الذات من جهة وممارسة لعبة تقوم على تجاهل ما يدور في العالم وموازين القوى فيه من جهة أخرى.
الأهمّ من ذلك كلّه، قام النظام السوري في السنوات العشرين الأخيرة على فكرة أن الشعب السوري غير موجود ويمكن الاستغناء عن نصفه في أقلّ تقدير. ما أثبتته الأحداث أن هذا الشعب موجود أكثر من أيّ وقت، على الرغم من كلّ الممارسات التافهة التي اتسم بها سلوك معظم المعارضة. لو لم يكن هذا الشعب موجودا لما دخلت الثورة السورية عامها الحادي عشر ولما كانت المقاومة الشعبيّة للنظام مستمرّة. عاجلا أم آجلا، سيتبيّن أنّ الانتخابات، أي انتخابات في سوريا وغير سوريا، هي لمكافأة الناجح على نجاحاته وليس على أخطائه. لا يمكن للوحشية والقمع والبراميل المتفجرة تحويل الأخطاء إلى نجاحات ولا يمكن أن تأتي بشرعية مهما طال الزمن ومهما فعلت إيران ومهما أظهرت الإدارة الأميركية من حيرة… ومهما كان الدور الروسي في سوريا مخيّبا للآمال.
إعلامي لبناني
العرب،
————————-
مؤيدو بشار في إسرائيل/ عمر قدور
تغلّب مؤيدو بشار الأسد في القيادة الإسرائيلية على معارضيه. هذا ما يخلص إليه وزير إسرائيلي كبير متحدثاً عن النقاش الذي دار داخل الحكومة لغاية التدخل العسكري الروسي، أي حتى لم يعد لتل أبيب القدرة السابقة على التحرك في سوريا. الكلام الذي نقله عن الوزير المحللُ العسكري في يديعوت أحرنوت رون بن يشاي قبل يومين تأتي أهميته من التأكيد على قوة المعسكر المساند لبشار، وتحديداً برئاسة الرجل القوي نتنياهو، بكل ما يرمز إليه الأخير من موقعه في اليمين المتطرف ومن قضايا تلاحقه في المحاكم.
رغم عدم كشفه عن أسرار مفاجئة، قدّم تقرير بن يشاي إحاطة جيدة بأجواء النقاش ضمن الحكومة والجيش، فأنصار بشار استندوا إلى عدم ضمان مجيء التغييرات لصالح إسرائيل، مع التخويف من التنظيمات الجهادية التي يرونها أخطر من نظيراتها بقيادة طهران. أما أنصار التغيير في سوريا فكانوا يرونها فرصة لمجيء نظام جديد، تربطه علاقات جيدة بواشنطن والغرب وحلفائهما العرب، ويمكن توقيع اتفاق سلام معه من دون الانسحاب من الجولان. الإشارة إلى الجولان تبقى ناقصة، ما لم تُستأنف بأنها ليست شأناً ساخناً موضوعاً على الطاولة بسبب مطالبة بشار بها، وليس لها تأثير يُذكر على القرار الإسرائيلي الخاص ببشار بسبب قدرة تل أبيب على الاحتفاظ بها.
إزاء هذا النوع من التقارير، ما يمكن استنتاجه له في كثير من الأحيان أهمية ما يُكشف عنه. من ذلك أن المفاضلة بين الجهادية السنية ونظيرتها الشيعية، ثم الانحياز إلى الثانية، لا يمكن فصله عن تدفق الميليشيات الشيعية إلى سوريا منذ عام2011، وفي طليعتها حزب الله. ذلك كله لا يمكن حدوثه من دون رضا إسرائيلي. هذا الاستنتاج يدحض ما جاء في التقرير لجهة عدم تدخل تل أبيب لصالح أية جهة في سوريا، ولدينا تسلسل واضح للأحداث بعدم استهداف تلك الميليشيات كما سيكون الحال بعد التدخل العسكري الروسي، أي بعد تكفل موسكو بمهمة إنقاذ بشار وتضاؤل الحاجة إليها.
كان التحالف الدولي ضد داعش قد أُنشئ قبل التدخل العسكري الروسي تماماً بسنة، وهكذا سيبدأ بالانحسار خطرُ التنظيمات الجهادية السنية، وستكون بداية النهاية لترك سوريا ساحة لإنهاك الجهادية السنية والجهادية الشيعية بحرب تستنزفهما بحسب الترويج الأمريكي آنذاك لسياسة أوباما. أي أن بدء الاستهداف الإسرائيلي المكثف للميليشيات الشيعية أتى في المرتبة الثالثة بعد ضمان الحرب على التنظيمات الجهادية السنية، وضمان الإبقاء على بشار، ولعل تسلسل الأولويات كما شهدنا يثبت تأثير الرؤية الإسرائيلية على تلك الوقائع رغم ما كان يُشاع عن فتور بين إدارة أوباما ونتنياهو.
بالطبع، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً الانخراط الإسرائيلي في الشأن السوري، بل العكس هو المستبعد تماماً. التدخل الإسرائيلي لصالح بشار لا يأخذ أهميته فقط مما حدث وانتهى، فواحدة من الإشارات الهامة في التقرير اتفاق مؤيدي بشار ومعارضيه الإسرائيليين على قدرة حكومتهم على إسقاطه أو الإبقاء عليه، أي أن تل أبيب لن تكون بعيدة عن تقرير مستقبل سوريا، مهما تراجعت نسبة تأثيرها في القرار الذي باتت تتشارك فيه قوى دولية وإقليمية أخرى.
نسترجع هنا ما كان يطرحه العديد من المعارضين السوريين حول إبقاء تل أبيب على بشار، لأن البديل “الوطني” لا بد أن يكون معادياً لها جذرياً بخلاف نفاق حلف الممانعة. في المقابل من هؤلاء، حاول معارضون قلائل التقرب من تل أبيب، إلا أن الأخيرة تعاطت مع محاولاتهم باستغلال إعلامي مؤقت يتناسب مع خفة مبادراتهم. لا أصحاب الخطاب المعادي كان لهم تأثير في النقاش ضمن الدائرة الأمنية الإسرائيلية، ولا دعاة السلام والانفتاح كان لهم ذلك التأثير أيضاً، فضلاً عن أن النقاش لا يتطرق إلى فرضية تغيير ديموقراطي حقيقي.
في ما مضى، والآن وفي الأمد المنظور، ستكون المعضلة الإسرائيلية قائمة، والتأثير الإسرائيلي في مستقبل سوريا يعيدنا إلى تقرير بن يشاي الذي قد لا تتغير معطياته بسهولة، بل ربما يجوز التحدث عما يشبه الثوابت التي ستحكم السياسة الإسرائيلية. في مقدمة تلك الثوابت ما يمكن اعتباره حساسية خاصة إزاء فرضية الفوضى في الجوار، فقد جربت تل أبيب ذلك في لبنان وقبل ذلك لزمن أقصر في الأردن، وقادتها العسكريون يرون في شبح الفوضى أسوأ الاحتمالات.
ربطاً بالخشية من الفوضى، تتفق تل أبيب مع دوائر صنع القرار الغربي على تفضيل الخطر الشيعي على نظيره السني، فالثاني منهما يصعب التعامل معه بسبب طبيعته غير المنضبطة، ولعدم خضوعه لمرجعية موحدة يسهل بالمقارنة الاشتباكُ معها عسكرياً أو سياسياً. من جهة أخرى، تندرج الميليشيات الشيعية ضمن مشروع إيراني واضح لاكتساب مناطق نفوذ، في حين تطرح الجهادية السنية أهدافاً “عظمى” تصل بها إلى العدمية السياسية، وإلى استخدام عدمي للعنف.
بصرف النظر عن دقتها وأحقيتها، ستبقى الهواجس الإسرائيلية “ومثيلتها الغربية” قائمة أمام أي مشروع للتغيير في سوريا، حتى لو افترضنا لوحة مضادة للأسد غير اللوحة الحالية، أي إذا خرج الإسلاميون منها واقتصرت على تحالف ديموقراطي-ليبرالي. الخشية الإسرائيلية أن تحالفاً من هذا النوع لن يكون قادراً على الحكم، بسبب افتقاده شعبية داخلية كافية، ولن يكون قادراً على السيطرة على الأوضاع وتأمين الاستقرار.
في جانب منها، لا يبدو أن هناك حلاً لهذه المعضلة سوى تولي تل أبيب أو الغرب مهمة التغيير في سوريا وفرض البديل القادر على تبديد تلك الهواجس. إلا أن ما يذكره تقرير بن يشاي عن النقاش الإسرائيلي يحبط هذه الفرضية، فقد جربت إسرائيل الوصفة في لبنان بتأمين انتخاب بشير الجميل رئيساً وفشلت. على صعيد متصل، لم تتوقف واشنطن عن استذكار تجربتها العراقية التي لا تريد تكرار فشلها ومآسيها.
الخلاصة أن تل أبيب لن تسمح بأي تغيير لا يناسبها في سوريا، وهي قادرة على التغيير بنفسها، وعلى منعه بدعوى ما فيه من مخاطرة، مع التنويه بأن أي تغيير لا يفتقر إلى نسبة من المخاطرة. مؤيدو بشار في إسرائيل حجتهم الذهبية الاستقرار الذي خبروه معه ومع أبيه من قبل، ويصعب إيجاد حجة مضادة مجرّبة. هذا لا يعفي المعارضة السورية من تقديم مشروع ينال ثقة الداخل الخارج، ويفكك التلازم السائد حتى الآن بين الاستقرار والاستبداد، وهي لا تفعل لنيل موافقة إسرائيل على التغيير، بل لتأكيد ما هو مُجرَّب عالمياً لجهة الاستقرار الحقيقي المستدام الذي تأتي به الديموقراطية.
المدن
————————–
صراع البقاء.. كورونا والأسد!/ حسان الأسود
منذ عامٍ ونيّف تثور نقاشات موسّعة في أوروبا وأميركا وأغلب دول العالم عموماً حول وباء كورونا، والموضوع لا يتوقّف عند الأسباب وطرق الوقاية والعلاج، ولا عند الآثار الكبيرة اللاحقة باقتصادات الدول والخسائر في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة، ولا على شكل العلاقة بين العمال وأرباب العمل، ولا على العلاقة بين الدولة والقطاعات الإنتاجية والخدمية، ولا على قطّاع الصحّة الذي هو بكلّ حقّ خطّ الدفاع الأول في هذه الحرب، ولا على قطّاع التعليم والثقافة والفنون فقط، بل يتعداه إلى دراسة آثار هذه الجائحة على المجتمعات وسلوكيات الأفراد وصحّتهم النفسية وصحّة أطفالهم، وعلى الأسرة والعلاقات بين الأقارب والجيران. حتى إنّ بعض النقاشات تتناول آثار هذه الجائحة على فلسفة قطّاع البناء، حيث يفكّر الكثيرون الآن بشقق سكنية مجهّزة للعمل من المنزل في المستقبل.
يتلقّى الأطفال في ألمانيا – جميع الأطفال وليس فقط الألمان منهم – معونة اسمها “التعويض العائلي للأطفال” أو بالألماني “Das Kindergeld”، وتستمر الحكومة بصرف هذه المعونة لهم حتى أثناء الدراسة الجامعية وإلى أن يبلغ واحدهم سنّ الخامسة والعشرين. وبعد الإغلاق الأول “Lockdown” صرفت الحكومة الاتحاديّة الألمانية مبلغ 300 يورو لكلّ طفل يتلقّى هذا التعويض العائلي، ثمّ قررت صرف مبلغ 200 يورو لكل مستحق في الإغلاق الثالث، ستوزع بدءاً من أول أيار 2021. الهدف من هذه المعونة هو تعويض الأطفال عن الحرمان من عيش حياة طبيعية خلال فترات الإغلاق، فقد عانى هؤلاء من إغلاق المدارس وصالات الرياضة، كما توقّفت النشاطات المدرسية والرحلات التي يشتهر بها الألمان، داخلياً وخارجياً، وقد أثّر هذا بشكل كبير على نفسيات الأهل وعلى نفسيات أولادهم.
بالتأكيد ستخدم هذه المعونة القطاع الاقتصادي، لأنها ستضخّ السيولة في الأسواق التي عانت من الركود الطويل بسبب هذه الإغلاقات. لكنّ المفارقة التي تستدعي الانتباه، هي التبرير المقدّم من الحكومة الاتحادية الألمانية لصرف هذه المعونة أو المنحة، أي تعويض الأطفال وأهاليهم عن المعاناة النفسية والبدنية جرّاء تغيّر ظروف الحياة، علماً أنّ أسباب هذا التغيّر لا تعود لخطأ ارتكبته الحكومة، بل لظرف طارئ وقوّة قاهرة لا أحد مسؤول عنها سوى الطبيعة وقوانينها.
بالمقارنة بين تبريرات حكومة ألمانيا الاتحادية لمنح الأطفال معونة للتعويض عن المعاناة النفسية والبدنية، وبين تبريرات بشار الأسد لحربه على السوريات والسوريين، بما فيهم أطفالهم، أنّهم بيئة حاضنة للإرهاب يستحقّون ما سينزل بهم من عقاب، نجد بوناً شاسعاً من تمايز القيم. الإنسان في ألمانيا قيمة عُليا، وكرامته مقدّسةٌ لا يجوزُ أن يطالها أيّ مسٍّ أو تجاوز، وعلى جميع سلطات الدولة صيانتها ورعايتها، وهذا ما يتجسّد فعلاً على أرض الواقع كل يوم في سلوك أجهزة الدولة المختلفة من تشريعية وتنفيذية وقضائية. بينما الإنسان في سوريا لا قيمة له، بل هو أدنى في التصنيف الأسدي من الكائنات الحيّة العاديّة، فالأسد اعتبر السوريين الثائرين على نظام حكمه تارة جراثيم وتارة إرهابيين، ووفق مفهومه كلاهما واحد، ولا يمكن التعامل معهما إلا بالمبيدات الكيماوية أو بالبراميل المتفجرة. تعوّض الحكومة الألمانية الأطفال عما لحق بهم من ضيق بسبب الدراسة في بيوتهم، بينما يقتلع بشار الأسد وجيشه الباسل بيوت الأطفال السوريين من جذورها ببراميله الغبيّة.
لا شك لدينا بأنّ العنف – بوصفه أسلوب تعامل بين البشر – ليس محصوراً بمنطقة الشرق الأوسط، لكن ما يميّز منطقتنا عن غيرها في العصر الراهن على الأقل، أنّه يشكل الأسلوب الوحيد لتعامل أنظمة الحكم مع السكان، ولا نقول مع المواطنين لأنّ هذه الأنظمة لا تعتبرهم كذلك، فهم رعايا أو حتى ما دون ذلك. وللحقيقة فإنّ هذه المنطقة لم تكن منطقة حروب وصراعات فقط، بل كانت – وعلى فترات تاريخية طويلة – وسوريا منها بالأخص بحدودها الكبرى المتعارف عليها تاريخياً، مهداً للعديد من الديانات السماوية وغير السماوية، وقد تلاقحت فيها قيم التسامح والمحبّة، بدءاً من المقولة المكتوبة على جدران معبد بعل “حطّم سيفك وتناول معولك واتبعني لنزرع السلام والمحبّة في كبد الأرض” وصولاً إلى قوله تعالى في محكم تنزيله: (فبما رحمةٍ من الله لِنت لهم، ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك، فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) 159 آل عمران.
أمّا المسيحيّة التي يمكن القول بشكل أو بآخر، إنّ جوهرها في شقّها الكاثوليكي على الأخص، يقرأ التاريخ الإنساني بوصفه تكفيراً عن الخطيئة الأولى، أي معصية آدم وحوّاء لتعاليم الله، ومن ثمّ نزولهم من الجنّة إلى الأرض لبداية مشوار الغفران الدنيوي، واعتبار المسيح الفادي المخلّص الذي حمل جزءاً من خطايا البشر على كاهليه، وأنّ الصلب محطّة في طريق الجلجلة ودرب الآلام إلى الخلاص، ولا يتوّج هذا العناء المستمرّ إلا بانتهاء التاريخ وبقيام المسيح من جديد، لينقل البشرية من عالم الفناء إلى عالم الخلود، فإنها كلها – أي هذه القيم الحاضّة على السلام والتسامح – لم تعرف لعقل الديكتاتور حافظ وابنه من بعده طريقاً!!
والحقيقة أنّ السؤال الذي لا ينفكّ يراود المرء عن نفسه، ما الخطيئة التي ارتكبناها كي يكون عقابنا في الدنيا هذه الأسرة المغرقة بالإجرام، وهل فعلاً تستحقّ سوريا أن يجثم الأسد وابنه على صدرها خمسين عاماً فيدمرا ما بنته الأجيال المتعاقبة منذ آلاف السنين؟ فهل كان قدرُ السوريين أنّ جدّهم المسيح لم يحمل من خطاياهم شيئاً، فابتلاهم الله بهذا النظام الهمجي الذي دمّر تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم؟
إنّ الإجابة عن سؤال بهذا الحجم لا يكمن فقط في معرفة أسباب سيادة الاستبداد وسيطرته، بل في قراءة أسباب غياب التضامن الإنساني بين البشر، وكما غابت عنّا ملامح الفلسطينيين واللبنانيين والصوماليين والعراقيين وغيرهم من شعوب المنطقة العربية التي لجأ أهلها إلينا عبر سنوات القرن الماضي، غابت ملامحنا أيضاً عن أبصار الآخرين. لم نكن قبلاً على قدر المسؤولية الأخلاقية في تعاملنا مع هؤلاء لنطلب منهم ومن غيرهم أن يتعاملوا مع مأساتنا بأفضل مما نلقاه الآن. ويبدو أنّ تأثير وباء كورونا الهائل، الذي غيّر قيم التضامن بين البشر من التقارب والتزاور إلى التباعد والانقطاع، لم يكن سبّاقاً في هذا المضمار، فالأسد وابنه – كما كلّ الحكام الديكتاتوريين في العالم – جعلا من التضامن جريمة ومن التسامح خطيئة، ونتحمّل نحن أيضاً بعضاً من المسؤولية، كلّ حسب موقعه وحجمه. إنه صراع البقاء مع الجائحة وصراع الكرامة مع الأسد، وستنتصر إرادة الحياة بتضامن البشر رغم التباعد، كما ستنتصر السوريات والسوريون بمواجهة مجرم الحرب عدو الإنسانية رغم التعب.
————————————-
أبرز ما وضعت روسيا يدها عليه اقتصاديًا خلال عشر سنوات
كان من أبرز نتائج التدخل الإيراني منذ 2011، والتدخل الروسي منذ 2015، الاستيلاء والاستحواذ والسيطرة على كافة مفاصل الحياة الاقتصادية والتجارية في سورية، من خلال عقود واتفاقات وقعتها تلك الأطراف مع رأس النظام السوري بشار الأسد، لتتحول سورية إلى مركز لتغلغل التجار والشركات الإيرانية، ولتمركز الروس في نقاط اقتصادية استراتيجية مهمة.
ويرى مراقبون اقتصاديون أنه على الرغم من كل المشروعات الاستثمارية لروسيا وإيران في سورية التي تتحدث عنها ماكينات النظام السوري الإعلامية، لكنها لم تقدم أي إضافة إلى اقتصاد النظام السوري المنهار ولا للعملة السورية التي باتت تشهد نزيفا حادًا، وبخاصة بعد أن وصل سعر صرف الدولار، في آذار/ مارس 2021، لأول مرة في منذ اندلاع الثورة في 2011، إلى حدود الـ 4000 ليرة سورية.
وفيما يأتي لمحة عن أهم التحركات الروسية الاقتصادية، أو التحركات التي تأتي لتثبيت قدمها في القطاع الاقتصادي، إلى جانب قدمها الثابتة وتحكمها في القرار السياسي في سورية:
– في 16 آذار/ مارس 2021، وقعت وزارة النفط والثروة المعدنية التابعة للنظام السوري، وشركة كابيتال محدودة المسؤولية الروسية، اتفاقية للتنقيب عن النفط في البلوك البحري رقم واحد في المنطقة الاقتصادية الخالصة بسورية في البحر الأبيض المتوسط مقابل ساحل محافظة طرطوس، مدة 32 عامًا، بحسب إعلام النظام ([1]).
وبحسب البيانات التي نشرتها صحيفة (الثورة) الموالية، تمنح الدولة السورية شركة كابيتال حقًا حصريًا في التنقيب عن البترول وتنميته في المنطقة المذكورة. وبحسب العقد الموقع فإن مدة العقد تقسم إلى مرحلتين، الأولى مرحلة الاستكشاف ومدتها 48 شهرًا تبدأ بتوقيع العقد، ويمكن تمديدها حتى 36 شهرًا إضافية، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التنمية ومدتها 25 عامًا قابلة للتمديد مدة خمس سنوات إضافية. أما في ما يخص تقاسم الحصص فالأمر مرتبط بسعر النفط والكميات المنتجة، وكذلك الأمر إن كان المنتج غازًا طبيعيًا.
– وقّعت روسيا مع النظام السوري في 2017، اتفاقية تقضي بإقامة مركز لوجيستي للمعدات الفنية الخاصة بالأسطول الروسي في طرطوس مدة 49 عامًا([2]).
– في نيسان/ أبريل 2019، رتّبت روسيا مع النظام السوري، عقدًا تضمن استئجار ميناء طرطوس مدة 49 عامًا([3]).
– وقّعت روسيا عبر شركة (ستروي ترانس غاز)، عقدًا مع حكومة النظام السوري لاستثمار معامل (الشركة العامة للأسمدة)([4]).
– صادق مجلس الشعب التابع للنظام، في آذار/ مارس 2018، على العقد الذي وقعته الشركة الروسية مع (المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية)، لاستثمار خامات الفوسفات واستخراجها من مناجم الشرقية في تدمر مدة 50 عامًا، وبحجم إنتاج يُقدر بنحو 2.2 مليون طن سنويًا، تبلغ الحصة السورية منه 30%([5]).
– وقّعت شركات روسية عقودًا أخرى منها: عقد (عمريت) الذي يتيح لشركة (سبوز) التنقيب عن النفط والغاز مدة 25 عامًا جنوب طرطوس وصولًا إلى مدينة بانياس وبعمق شاطئ يقدر بنحو 70 كم، بمساحة تقدر بنحو 2200 كم2([6])
– وقّعت شركة (سبوز) عقدًا للتنقيب عن النفط والغاز في حقل قارة بريف حمص، وهو أحد أغنى المناطق بالغاز الطبيعي([7])
– في أيار/ مايو 2018، انطلق أول المشروعات السياحية الروسية في سورية، إذ أعادت شركة (STG.LOGISITC) تأهيل قرية المنارة السياحية بمحافظة طرطوس الساحلية، وبتكلفة بلغت نحو 90 مليون دولار، في مشروع لفندق 5 نجوم يقع على شاطئ مدينة طرطوس([8]).
– في مطلع 2018، بلغ عدد الشركات الروسية التي دخلت سورية، 80 شركة استثمارية([9]).
– في حزيران/ يونيو 2019، قدمت شركة روسية عرضًا لوزارة الصناعة للتشاركية يتضمن الاستثمار في شركة البطاريات بحلب، التابعة للمؤسسة العامة للصناعات الهندسية([10]) .
– سيطرة الروس على حقل (التيم) الواقع على بعد 10 كم من مدينة (موحسن) في ريف مدينة دير الزور الشرقي([11]).
– سيطرة الروس على حقل (الورد) الواقع قرب قرية (الدوير) في ريف دير الزور الشرقي([12]).
– في أيار/ مايو 2019، كشفت وكالة (سبوتنيك) الروسية، عن وجود مباحثات لاستثمار مطار دمشق الدولي وتوسيعه([13]) .
– في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أعلن وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) عن تعيين مبعوث خاص له للتسوية في سورية([14]).
– في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، استدعت روسيا عن طريق وزارة التنمية الاقتصادية التابعة لها، وفدًا اقتصاديًا من حكومة النظام إلى موسكو، لإعطائه توجيهات الخطط الروسية القادمة وما يجب على النظام فعله من أجل تنفيذها على أرض الواقع، المتعلقة بمشروعات القطاع التجاري والزراعي والصناعي، وكذلك مشروعات الطاقة والنقل والمياه، إضافة إلى السيطرة على الأسواق والمواد الأساسية الاستهلاكية والإنتاجية([15]) .
– في الشهر ذاته، وصفت صحيفة روسية، الساحة السورية بأنها ساحة تجارب لا تقدر بثمن، وأن التدخل الروسي المباشر في سورية كان له دور كبير في حماية استثماراتها من الضياع([16])
– وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، توجه رئيس لجنة التحقيقات الروسية (ألكسندر باستريكين) إلى سورية، وعند وصوله استدعى كلًا من رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام (علي مملوك)، ووزير العدل في حكومة النظام (أحمد السيد)، وأبلغهم أن روسيا تريد وضع يدها على أجهزة الأمن السورية، مدعيًا أن ذلك يهدف إلى (توسيع التعاون بين تلك الأجهزة والأجهزة الأمنية الروسية)([17]).
– في تموز/ يوليو 2020، أصدر الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) قرارًا يقضي بتعيين مبعوث خاص به في سورية، حيث رُفع السفير الحالي في سورية (ألكسندر يفيموف)، ليصبح مبعوثًا شخصيًا له([18]).
– وفي تموز/ يوليو 2020، وقّع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، مرسومًا فوض فيه وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء مفاوضات مع النظام السوري بغية تسليم العسكريين الروس منشآت إضافية وتوسيع وصولهم البحري في سورية، بحسب وكالة (إنترفاكس) الروسية وباعتراف من وسائل الإعلام الموالية للنظام([19]).
– في 28 أيلول/ سبتمبر 2020، التقى الأدميرال نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سورية منسق أعمال الهيئتين التنسيقيتين السورية والروسية، بمحافظ دمشق (إبراهيم العلبي)، وبُحث واقع العمل الإنساني والصحي، وسبل زيادة التعاون والتنسيق المشترك، وإجراءات يخطط لتنفيذها في المرحلة المقبلة([20]).
– في أيلول/ سبتمبر، اعترف وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، أن روسيا وسورية ترتبطان بعلاقات شراكة في مختلف المجالات، وأشار إلى أن مشروع الاتفاقية الجديدة بين سورية وروسيا، يضم أكثر من 40 مشروعًا جديدًا في مجال إعادة إعمار قطاع الطاقة وعددًا من محطات الطاقة الكهرومائية واستخراج النفط من البحر([21]) .
وفي أيلول/ سبتمبر 2020، أعلنت روسيا عن إبرامها اتفاقية للتعاون النووي مع حكومة النظام السوري، وذلك على هامش المؤتمر العام للطاقة الذرية في (فيينا)، في حين رأى مراقبون أن هذه (الاتفاقية تهدف إلى توسيع المؤسسات والبنى التحتية الروسية في سورية)([22]) .
– وفي أيلول/ سبتمبر 2020، وصل وفد روسي رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) إلى العاصمة دمشق، في زيارة وصفها مراقبون بـ (المفصلية)، وأنها جاءت لإنعاش الاقتصاد في سورية إضافة إلى وضع يد الروس على استثمارات ومشروعات جديدة في سورية([23]).
– في نهاية 2020، أصدر رئيس الوزراء الروسي (ميخائيل ميشوستين) أمرًا بافتتاح ممثلية تجارية في سورية([24]).
– في نهاية 2020، أُسست شركة (ستروي اكسرت فينيق) الروسية، برأس مال قدره 50 مليون ليرة سورية([25]).
– في المدة ذاتها، أعلنت حكومة النظام السوري أنها تنوي الاستفادة من التجربة الروسية في إدارة المدن وبخاصة (دمشق القديمة)، في حين أكدت روسيا استعدادها للتعاون وتبادل الخبرات في هذا المجال([26]) .
– وفي نهاية 2020، اتفقت روسيا مع النظام السوري، على إحداث خط إنتاج لصناعة (الجينز) بطاقة عالية في اللاذقية([27]).
– في نهاية 2020، وقّعت روسيا مع (غرفة تجارة وصناعة طرطوس)، مجموعة من العقود والاتفاقات مع عدد من المستثمرين، على أن تنفَّذ فورًا، ومن أبرزها: تصدير حوالى 700 حاوية من الخضروات والفواكه والحمضيات من الإنتاج السوري إلى الأسواق في جنوب روسيا، إقامة منشأة لفرز الخضار والفواكه بأنواعها المختلفة وتعبئتها، وفق المواصفات العالمية باستثمار سوري – روسي، والبدء في العام المقبل بإقامة معارض من المنتجات الزراعية السوريّة في أسواق جنوب روسيا للمساهمة في تسويق هذه المنتجات([28]).
– في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2020، أعلنت روسيا أنها بدأت بإرسال الوفود المختصة للإشراف على عملية إعادة الإعمار في سورية، وادعت أن تلك الوفود ستعطي دروسًا مفيدة لحكومة النظام السوري في كيفية إعداد مشروعات التخطيط للمناطق والمنازل والبنى التحتية([29]).
وكان الوفد الروسي الذي وصل إلى دمشق، يضم موظفين من وزارة البناء والإسكان والمرافق في الاتحاد الروسي، زار الضواحي السكنية في منطقة الديماس، في حين نشرت وكالة الأنباء الفدرالية الروسية، صورًا قالت إنها (لإشراف الوفد الروسي على عملية إعادة البناء السكني في سورية).
وذكرت مصادر عدة ومن بينها وسائل إعلام النظام السوري، أن الوفد الروسي اطلع على مراحل بناء مجمع سكني في بلدة الديماس في ضواحي دمشق، حيث يبنى مجمع سكني مؤلف من 14.000 شقة على مساحة 500 هكتار.
ونقلت المصادر عن وزير البناء والإسكان والخدمات المجتمعية الروسي (نيكيتا ستاسيشين)، قوله إنه (يمكن لحكومة النظام السوري أن تتعلم منا كيف يجب أن يبدو مشروع تخطيط المنطقة، وكيف يجب أن تقف المنازل، وأين يجب إحضار الشبكات)، وادعى أن (الأمر يبدو بسيطًا).
-وفي نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر اجتمع محافظ دمشق (عادل العلبي)، مع مستشار رئيس لجنة العلاقات الخارجية في محافظة سان بطرسبرغ الروسية (ايفان كالباكوف)، ورئيس مجلس الأعمال الروسي السوري المدعو(لؤي يوسف)، ونائب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط وبلدان وسط آسيا (يفغيني سوسونكين)([30]).
– في أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت لجنة الأمم المتحدة (الإسكوا) عن حجم الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها سورية والمقدرة بأكثر من 442 مليار دولار أميركي، وذلك خلال الفترة الممتدة من العام 2011 وحتى العام 2019، واصفة تلك الخسائر بـ (الفادحة)([31]).
– ومن المشروعات التي وضعت روسيا يدها عليها (ماروتا وباسيلي سيتي) اللذين ينفذان في المنطقة العقارية جنوب دمشق مزة داريا القدم الرازي كفرسوسة، و جنوب المتحلق الجنوبي، وبين المتحلق الجنوبي، وأوتوستراد درعا الدولي، في محلـة القـدم والعسَّالي([32]).
و(ماروتا سيتي)، مشروع عمراني أعلن عنه النظام السوري في 2012، في منطقة خلف الرازي وبساتين المزة العشوائية، وبدأت محافظة دمشق وشركة (شام القابضة) العمل عليه في 2017، وأطلق عليه (حلم سورية المنتظر).
– في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، منحت حكومة النظام الحق لإحدى الشركات -من دون الإفصاح عن هوية هذه الشركة- الحق في تحويل العقار المشيد عليه مقهى الحجاز ومحطة الحجاز والمحال القديمة في قلب العاصمة دمشق، إلى مجمع سياحي وفندق خمس نجوم.
وسيحمل المشروع -بحسب ما ذكرت صحيفة (الوطن) الموالية- اسم (نيرفانا)، وسيكون فندقًا 5 نجوم ومجمعًا تجاريًا على مساحة 5 آلاف متر مربع وبارتفاع 12 طابق، في حين رجّحت مصادر عدة أن روسيا هي من يقف وراء هذا المشروع السياحي الضخم([33]).
وفي مطلع آذار/ مارس 2021، هدمت حكومة النظام السوري مقهى الحجاز التراثي، إذ بدأت أعمال الهدم في ساعات متأخرة من الليل، ليُفاجأ سكان دمشق في صباح اليوم التالي، في حين بررت حكومة النظام هذا الأمر بأن المقهى له طابع شعبي وليس طابعًا تراثيًا أو تاريخيًا([34])..
وأكدت المؤسسة العامة لخط الحديد الحجازي التابعة للنظام، أنها أبرمت عقدًا استثماريًا لتشييد مجمع سياحي وتجاري يضم فندقًا 5 نجوم ومكاتب تجارية وخدمات ومطاعم منوعة، وصالة رجال أعمال ومركزًا صحيًا وترفيهيًا ومرأب سيارات في منطقة حيوية وسط العاصمة دمشق، تجاور محطة الحجاز التاريخية وتطل على سوق الحميدية..
واعترفت أيضًا أن موقع الأعمال سُلِّم أصولًا إلى الجهة المنفذة (لم تعط أي تفاصيل عنها) كون المؤسسة هي الجهة المالكة للأرض، لافتة إلى أن الشركة المستثمرة باشرت أعمال الحفر والبناء لتنفيذ هذا المشروع خلال ثلاث سنوات وفق عقد الاستثمار المصادق عليه في لجان مجلس الوزراء، والسياحة، ومحافظة دمشق.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، ألمحت بعض المصادر الموالية إلى أن حكومة النظام السوري أعطت الضوء الأخضر لـ (شركة روسية)، للمباشرة في تنفيذ مشروعها التجاري والسياحي على العقار المشيد عليه (مقهى ومحطة الحجاز) وسط دمشق القديمة.
– في سياق المشروعات والصفقات التي وضعت روسيا يدها عليها، إضافة إلى الاستثمارات في النفط، فهي تدير مطار القامشلي([35]).
وترى مصادر اقتصادية، أن روسيا ترغب من خلال كثرة المشروعات في نقل صورة إلى شعبها تفيد أن لها مصالح ومنافع اقتصادية في سورية، وأنها تجني العوائد من خلال تدخلها لحماية الأسد.
وأشارت المصادر إلى أن الإعلان المتكرر عن الاتفاقات، مرده الأساسي يعود إلى أسباب عدة، إضافة الى ما ذكر منها، إيصال رسالة إلى المجتمع الدولي بأن سورية محتكرة لها، وأنها مع نظام شرعي، وأن هذه المشروعات في حال الحل السياسي مرهونة بها، وأيضًا تقوي موقعها في التفاوض.
ويرى مراقبون اقتصاديون أيضًا، أن الاتفاقات التي أبرمتها روسيا بعد قيام الثورة السوريه المباركة، وكل الدعم السياسي والعسكري الذي قُدم، لا يحميه القانون الدولي ولا يخضع لقوانينه، فهو ليس دعمًا لسورية الدولة، بل لطرف على حساب الآخر، ومن ثم يترتب عليه مسؤولية جزائية لارتكابه جرائم حرب ضد الإنسانية، لذلك فإن هذه الاتفاقيات فاقدة للشرعيه القانونية.
ومن خلال العودة إلى قرارات الأمم المتحدة وقوانينها، فالدول التي توقع اتفاقات في ما بينها بداية يجب أن تودع نسخة من الاتفاق في الأمم المتحدة لتصبح ملزمة.
ومن شروط المعاهدات الدولية، أن تكون شخوصها متمتعه بالأهلية القانونية، أي الدولة كاملة السيادة وهذا لا ينطبق على نظام الأسد. كما يفترض ألا تتعارض نصوص المعاهدة مع قواعد القانون الدولي، ما يستدعي بطلانها وهذا منصوص عليه في اتفاقية فيينا، بمعنى (تعدّ باطلة بطلانًا مطلقًا كل معاهدة تتعارض لحظة إبرامها مع إحدى قواعد القانون الدولي)، ولذلك لا يمكن للمعاهدات الدولية أن تتضمن القيام بجرائم حرب.
وبما أن سورية دولة فاشلة، بحسب المراقبين الاقتصاديين، استنادًا إلى المعايير الدولية من فقدانها لقدرتها على السيطرة على أراضيها، وحق استخدامها تطبيق القانون، وفقدان القدرة على اتخاذ القرارات وتطبيقها، ولا تستطيع تقديم الخدمات العامة ولا الاندماج والتفاعل مع الأسرة الدولية، فالوجود الروسي وحتى الإيراني يعد غير مشروع، فما بالك بالمعاهدات، ومن ثم لا يمكن منحه غطاء دوليًا، بل هو وجود عسكري كقوة احتلال لدولة فاشلة ونظام دكتاتوري ويجب محاكمتهم ومحاسبتهم.
[1] http://bit.ly/3cNkqaQ
[2] https://bit.ly/38T6YB5
[3] http://bit.ly/30UKtHK
[4] http://bit.ly/2OLereD
[5] http://bit.ly/3lsuQR5
[6] http://bit.ly/3lvkHDw
[7] http://bit.ly/3lvkHDw
[8] http://bit.ly/2P7Wcji
[9] http://bit.ly/3cGnUw0
[10] http://bit.ly/3vF6tnW
[11] http://bit.ly/3cIGvHx
[12] https://bit.ly/3cINNv4
[13] http://bit.ly/3s2bg0w
[14] https://bit.ly/2P54IQp
[15] http://bit.ly/3lpfcWS
[16] http://bit.ly/30QLhNK
[17] http://bit.ly/3lq7Fa4
[18] http://bit.ly/3lyY1Cb
[19] http://bit.ly/2OHxM0g
[20] http://bit.ly/38SfwbH
[21] http://bit.ly/30T8uyL
[22] http://bit.ly/3bXjkdF
[23] http://bit.ly/2P555uh
[24] http://bit.ly/3bVa1dV
[25] http://bit.ly/3s0pwXA
[26] https://bit.ly/3tALEn
[27] http://bit.ly/3cHVWjf
[28] https://bit.ly/2QbZC5b
[29] http://bit.ly/2OHyHxK
[30] http://bit.ly/3bXuYoP
[31] http://bit.ly/3qS8j1i
[32] http://bit.ly/30Rov8z
[33] https://bit.ly/3eSZj9Y
[34] http://bit.ly/3tyc4uq
[35] http://bit.ly/3cII6x1
مركز حرمون
————————-
من غرنيكا إلى حمص ومن إسبانيا إلى سورية/ مروة شبنم أوروج
“حمل المتطوعون الذين قاتلوا في إسبانيا ذكرياتِ الحرب كجرح عميق في قلوبهم. ففي إسبانيا تعلّم الإنسان أنه قد يُهزم على الرغم من كونه على حقّ، وأن الاستبداد يمكن أن يُخضع الحَمِيّة، وأنّ الشجاعة لا تكافَأ أحيانًا”.
ألبير كامو
كانت الأغنية التي أصدرتها فرقة الروك الويلزية البديلة (Manic Street Preachers MSP) عام 1998، وهي تحمل اسم İf you tolerate this, your children will be next (إذا عفوتَ عن هذا، فسيكون أطفالك هم التالين)، مستوحاةً من الحرب الأهلية الإسبانية، وكان عنوان الأغنية التي تصف مثالية الشباب الويلزيين[1] الذين غادروا بلادهم للانضمام إلى الألوية الأممية (Brigadas internacionales) إلى جانب الجمهوريين، ضد الانقلابي القومي فرانثيسكو فرانكو، مقتبسًا من عبارةٍ كانت على الملصقات الجمهورية حينذاك. حيث كُتب أسفل الملصق الذي رُسم عليه صورة طفلٍ ميت تحت طائرات القوميين الحربية: “إذا عفوتَ عن هذا، فسيكون أطفالك هم التالين”.
وهذا ما حصل فعلًا، فما إنْ انتهت الحرب الأهلية التي أسفرت بين عامي 1936 و1939 عن مقتل 500 ألف شخص، وفق بعض التقديرات أو مليون شخص وفق تقديرات أخرى، بانتصار فرانكو، حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية التي حصدت أرواح الملايين، منهم أطفال، بسبب عدم إيقاف فرانكو وبينيتو موسوليني وأدولف هيتلر.
أما عن جملة If I can shoot rabbits/then I can shoot fascists (ما دمت أستطيع أن أطلق النار على الأرانب، يمكنني إطلاق النار على الفاشيين) المذكورة في الأغنية، فكانت من أقوال مراهق ويلزي، كان يفسّر لأخيه سبب مغادرته ويلز، وانضمامه إلى الألوية الأممية ضد فرانكو. في الثلاثينيات من القرن الماضي، تحوّل دعاة السلام المناهضين للحرب إلى ناشطين ومتشددين ضد الفاشية، وذلك عندما أدركوا أنه لا يوجد ما يقومون به سوى النظر إلى جثث الأطفال الذين لقوا حتفهم. فأصبح من المنطقي أن تقتُل حتى لا تُقتَل. تمامًا كما تحوّل الشباب من مجرد ناشطين في بداية الثورة السورية إلى “جهاديين” اليوم، بحسب تعبير وسائل الإعلام الدولية.
بطبيعة الحال، إنّ أسرع أشكال التطرف يمكن أن يكون في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. والشعور بضرورة القيام بشيء، عند النظر باستمرار بوساطة شاشتك الصغيرة إلى صور الأطفال والرضّع ممزّقين ومتفحّمين الذين لو سُمح لهم بالعيش لكان لهم حياة وكبروا وتزوجوا وأصبح لديهم أحفاد، هو سببٌ كاف للتطرف، من دون الحاجة إلى العوامل الأخرى.
ألم يكن للصور الفظيعة التي تدفّقت إلى وسائل التواصل، طوال عشر سنوات من الحرب الأهلية سورية، تأثيرٌ أكثر من ملصقة في الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936، بمئات آلاف المرات؟ أكان هنالك بدائل، أمام المقهورين الذين يشعرون بأن عليهم القيام بشيء عند رؤية جثث الأطفال تحت أنقاض المباني التي تعرضت للقصف، تحُول دون تطرفهم؟
بينما كان فرانكو يتلقى الدعم بالمعدات والجنود والغطاء الجوي من النظام الفاشي الإيطالي، ومن ألمانيا النازية، كان الاتحاد السوفيتي والمكسيك يدعمون الجمهوريين. أما بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، فقد اكتفت بالاعتراف بالحكومة الجمهورية، وأخذت تراقب ما يحدث. وعلى الرغم من تطبيق الولايات المتحدة سياسة الحظر، كانت الشركات الأميركية، مثل فورد وجنرال موتورز وتيكسكو، تلبّي احتياجات فرانكو من آليات وشاحنات ونفط. وقد صرّح الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بالقول: “كانت السياسات التي اتبعناها في إسبانيا من أكبر الأخطاء”؛ إذ كانت الحرب الأهلية الإسبانية -كما قال السفير الأميركي في إسبانيا كلود باورز- بمنزلة تمرين للحرب العالمية الثانية.
بسبب المناخ السياسي الدولي في تلك الفترة، كان للحرب في إسبانيا العديد من الجوانب المختلفة، كما هو الحال في سورية. حيث وُصفت بتعريفات مثل: النضال ضد الدكتاتورية، والحرب من أجل الديمقراطية، وثورة ضد ثورة، والنضال ضد الفاشية والشيوعية والصراع الطبقي، وحرب دينية. بينما كان المحافظون والملكيون وبعض المجموعات التابعة للفلانخي الفاشية يدعمون فرانكو، جاء عشرات الآلاف من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى الألوية الأممية في إسبانيا، على الرغم من سياسة عدم التدخل التي اتخذتها حكوماتهم.
وبالطريقة ذاتها، أثّرت وحشية النظام الطائفية والمجازر المروعة التي ارتُكبت، بدعم من إيران وحزب الله ولاحقًا روسيا، في مشاعر العديد من المسلمين في أنحاء العالم. كانت “متلازمة البطولة” هي حالة بين التطرّف نتيجة الشعور بالمسؤولية، في ظل صمت الأمم المتحدة والدول الكبرى والمنظمات الدولية حيال ما يجري من فظائع أو إسهام بعضها في ارتكابها أحيانًا، وبين السكوت والشعور بالمسؤولية. لكن من المؤسف أن عددًا كبيرًا من آلاف الشبّان الذين جاؤوا إلى سورية، للقتال ضد نظام الأسد المجرم، وقعوا في فخ المنظمات الإرهابية، مثل تنظيم (داعش)، بسبب طبيعة الحرب متعددة الطبقات، حتى أصبحوا دمى بيد تلك المنظمات. بينما تحوّل نضال الشعب السوري من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة، إلى حرب أهلية طائفية، نتيجة مصالح القوى الإقليمية والعالمية، وأصبح نظام الأسد “أهون الشرين” بنظر العالم، وذلك بفضل دعايته البارعة وبروز جماعات دينية متطرفة. وقد نتج عن ذلك مئات الآلاف من الضحايا، والملايين من المُهجّرين، وكان عدد هؤلاء أكثر من نصف السكان.
كان جورج أورويل، مؤلف كتاب “1984” و”مزرعة الحيوان”، وهو من أبرز المفكرين، من بين أولئك الذين لم يتمكنوا من البقاء غير مبالين بالحرب الأهلية الإسبانية. حيث ذهب إلى إسبانيا، وانضم إلى المتطوعين الذين يقاتلون ضد فرانكو، ثم وصف ما رآه وعاشه، في كتاب Homage to catalonia “تحية إلى كتالونيا”. أورويل، الذي أُصيب في حلقه نتيجة طلقة قناص ونجى من الموت بأعجوبة، تأثر بشدة من خيانة الثورة الإسبانية.
لم يكن هذان الكتابان المشهوران (اللذان طالما اقتبس منهما مَنْ يسمّون أنفسهم في تركيا بـ “المفكرين” الداعمين للأسد، بغية انتقاد سياسات أردوغان) ينتقدان فرانكو وهتلر وستالين، وأمثالهم (الأسد والمالكي وبوتين) فقط، بل كانا يحملان آثار ما حدث في إسبانيا، ومآسي الثورة والغباء واللامبالاة والأجندات الخفية التي تُفضي إلى الاستبداد.
وكذلك أصدرت الفرقة البريطانية للروك بانك The Clash، في عام 1979 أغنية Spanish Bombs (القنابل الإسبانية) ضمن ألبوم London calling (لندن تنادي)، حيث كانت الأغنية موجهة إلى وحشية نظام فرانكو، وأبطال الحرب الأهلية من الجمهوريين. لوحة الرسام بيكاسو الشهير (غرنيكا) أيضًا، صوّرت مدينة غرنيكا الباسكية التي تعرضت للقصف والتدمير، تمامًا مثل حمص، وذلك بمساعدة القوات النازية الألمانية والفاشية الإيطالية التي جاءت إلى إسبانيا لدعم نظام فرانكو.
كم تشبه أوروبا التي كانت موضوعًا لآلاف الرثاءات الفكرية والأعمال الفنية، بعد الحرب، الشرقَ الأوسط!! وكم تشبه الحرب الأهلية السورية التي لم تعد تنتهي منذ سنوات، الحرب الأهلية الإسبانية، بكل نواحيها الداخلية والخارجية، وكأنها نسخة مطولة عن الحرب الإسبانية.
لا شك في أن المثقفين سينتجون أفلامهم وأغانيهم وكتبهم وسيرسمون لوحاتهم، بعد سنوات، لتخليد ذكرى الحرب السورية، لكن الذين فقدوا أرواحهم في حماة وحمص ودرعا وحلب لن يستعيدوها. وعندما سيخرج أحدهم ليقول: سياستنا في الحرب الأهلية السورية كانت خاطئة، كما قال روزفلت، حينها ستتحول مأساة الملايين إلى وصمات عار في الذاكرة. ومع ذلك، فإن ما يميّز المعارضة السورية، من المقاومة الإسبانية، هو نظام الأسد، حيث إنه لن يستعيد مكانته أبدًا. وعلى الرغم من أن التضحيات كانت كبيرة، سيتخلّص أطفال سورية من أصفادهم بفضل النضال، حتى وإن كانت سورية بلدًا يمكن أن يُهزم الإنسان فيه، وهو على حقّ، ويمكن للاستبداد أن يُخضِع الحميّة، والشجاعة فيها لا تكافَأ”.
لم يبقَ لدى معظمنا الحبر لكثرة ما كتبناه عن سورية. في مكان بين الدعاء والتشدد، وبينما أكتب هذه السطور مع اقتراب الفجر وأنا أنظر إلى صور سورية في العشر سنوات الأخيرة، أغني بصوت هامس: “ما دمتُ أستطيع أن أطلق النار على الأرانب، يمكنني إطلاق النار على الأسد”.
حقًا! ما الذي يعوق ذهابنا -نحن الديمقراطيين والأحرار وناشطي حقوق الإنسان- إلى هناك، خاصة أن سورية فيها حقائق تزيد عن الحقائق التي جعلت جورج أورويل يذهب إلى إسبانيا.
[1] الغالِيّون أو الويلزيون (بالويلزيَّة: Cymry) هم أمة ومجموعة عرقية كلتيّة أصليَّة في ويلز، أو ترتبط بـ (ويلز)، من خلال الثقافة والتاريخ واللغة الويلزية. ويلز هي بلد جزء من المملكة المتحدة، وغالبية الأشخاص الذين يعيشون في ويلز هم مواطنون بريطانيون.
ترجمة فارس جاسم
=====================
تحديث 01 نيسان 2021
———————–
إعادة انتخاب الأسد.. وهم دستوري ودعم روسي وشرعية مزعومة
أعد هذا الملف: طارق صبح وتيم الحاج
بعد عشر سنوات من الحرب التي أنهكت سوريا وشوّهت معالمها، تبدو المدن السورية اليوم وكأنها كتل صمّاء، تعيش في عزلة كاملة عما حولها، تسكنها فواجع من كل الأصناف، أشدّها بأساً فاجعة اقتصادية تكاد تلتهم أطفال السوريين قبل كبارهم، وتحاصرهم في شح ما يسدُّ رمق بطونهم، وتملأ بيوتهم غضباً “بارداً” من قلة الحيلة، كما يصفونه، فضلاً عن انهيار شبه كامل للقطاع الصحي والتعليمي والمعيشي.
مع ذلك، يترقب السوريون اليوم الإعلان عن الاستحقاق الرئاسي، الذي كان من المفترض أن يكون جزءاً من عملية سياسية تخرج من رحم حل سياسي تتفاوض لأجله الأطراف السورية منذ سنوات، إلا أن هذه المفاوضات لم تتبلور بعد من جرّاء تشرذم واضح للمعارضة بكل أطيافها، فضلاً عن إرادة دولية تضع أولوياتها بعيداً عن هموم السوريين وتطلعاتهم، الأمر الذي استخدمه نظام الأسد مراراً وتكراراً لتمرير جميع استحقاقاته الانتخابية، منذ الانتخابات الرئاسية في العام 2014، وحتى البرلمانية في تموز من العام الماضي.
ويمكن القول إن شرعية وجود أي مسؤول في منصبه، ترتبط بداهة بقدرته على القيام بأعباء هذا المنصب أو الموقع، وليس فقط بمجرد توفّر حقه القانوني في شغل هذا المكان، إلا أن الأسد وعبر سنوات حكمه الـواحدة والعشرون، أساء الحكم في مجمل قضايا السوريين وهمومهم، وأمعن في تدمير النسيج الاجتماعي للبلاد، وسخّر الموارد في سبيل بقائه في الحكم، ولعل أكبر جرائمه أن سوريا لم تشهد انقساماً سياسياً واجتماعياً عبر تاريخها مثلما تشهده اليوم.
ومع وجود روسيا في سوريا، وتأكيدها على دعم بقاء الأسد في السلطة في مقابل رفض دولي وأممي، يبدو الاستحقاق الرئاسي المقبل فصلاً آخر من فصول المأساة السورية، يعزز نظام الأسد ويطيل أمد المعاناة، وحتى لو غازلت روسيا المجتمع الدولي وأجّلت الانتخابات، سيبقى الأسد على رأس السلطة، فالفقرة الثانية من المادة 87 من دستور 2012 الذي عُلّب على مقاس الأسد، تنص على أنه “إذا انتهت ولاية الرئيس ولم يتم انتخاب رئيس جديد، يستمر الرئيس القائم بممارسة مهمّاته حتى انتخاب رئيس جديد”، ما يعني بقاء الأسد في السلطة حتى إشعار آخر.
في هذا الملف، يناقش موقع “تلفزيون سوريا” استحقاق الانتخابات الرئاسية السورية في سياقها الاجتماعي والدستوري الراهن، ويستطلع آراء خبراء ومعنيين بالشأن السوري.
لماذا يريد الأسد إجراء الانتخابات؟
أكد بشار الأسد في لقاء أجراه مع إحدى القنوات الروسية في تشرين الأول من العام 2020، أن استحقاق الانتخابات الرئاسية سيُجرى في موعده، مع وجود عدد كبير من المرشحين، مشدداً على أنها ستكون بشكل كامل تحت إشراف نظامه “من الألف إلى الياء”، حسب تعبيره.
حتى اليوم لم يعلن بشار الأسد عن ترشُحه للانتخابات، إلا أنه يصرّ على بث الرسائل عبر إعلامه ومسؤوليه، للإيحاء بأنه يملك الشرعية والقانون والدستور لإقامة الانتخابات في موعدها، من دون اكتراث لأي أصوات معارضة لهذه الانتخابات، سورية كانت أم غيرها، في خطوة يفسرها المراقبون للشأن السوري بأنها تصعيد للموقف السياسي، وبمنزلة إطاحة بكل الحلول والمسارات السياسية، للبقاء في سدة الحكم ولو على حساب خراب فوق الخراب وتدمير ما تبقى من البلاد وقتل من بقي من السوريين.
يرى الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي أن حاجة نظام الأسد للانتخابات تكمن في كونها “الآلية القانونية الوحيدة لاستمراره في السلطة، وإجراءها ضروري جداً قانونياً”، ويضيف أن “استمرار الأسد بالسلطة يعني بقاء القوات الروسية والإيرانية في سوريا، كونه هو من وجّه لهم الدعوة، وبقاؤه في الحكم يعني شرعية وجودهم العسكري”.
من جانبه، يعتبر المحامي المختص بالقانون الدولي الدكتور حسام الحافظ، أن الانتخابات بالنسبة للأسد “تعني بكل بساطة الاستمرار في الحكم، والسيطرة على ما بقي من مقدرات البلاد والعباد”، موضحاً أن “الأسد لن يتخلى بحال من الأحوال عن موقعه، لأن ذلك سيفتح عليه أبواب المحاسبة، والانتخابات توفر له شرعية مزعومة وصورية، لكنه يحتاجها ليبرر استمراره ووجوده”.
وتشارك الناشطة الحقوقية والكاتبة هنادي زحلوط، بربندي والحافظ في رأيهما، وتشير إلى أن “نظام الأسد قائم على فكرة الأبدية، ويعتبر أن البلاد مزرعة له، والانتخابات هي القالب الذي يكرّس فيه ذلك”.
أما المعارض والصحفي بسام يوسف فيؤكد أن “الأسد مرغم على الانتخابات، ولا خيار أمامه سوى بالذهاب إليها، فهي بوابة المرحلة المقبلة بالنسبة له”، مضيفاً أن ذلك لا يقتصر على النظام، بل إن الروس والإيرانيين يصرون على إجراء الانتخابات، فأي حل أو مسار آخر غير الانتخابات سيكون مشكلة جديدة، وهم غير قادرين على التعامل معها، فضلاً عن أن عدم إجرائها يعطّل مصالحهم في سوريا.
من سينتخب الأسد؟
مع بداية هيمنته على السلطة في سوريا، أدرك الأسد الأب ضرورة تعزيز دور المدن وكسب ود النخب الاقتصادية والاجتماعية فيها، ومع فهمه للتركيبة الإثنية والاجتماعية الفريدة لسوريا، أبعد الأسد اشتراكية “حزب البعث” عن ثروات العائلات السنية، وتقرّب منهم في سبيل خلق عوامل الاستقرار، وربط بقاء المنافع والمكاسب لهذه الفئة باستمرار حكمه ونظامه، وتجلى ذلك واضحاً في أوائل الثمانينات، حيث لم يهب سنّة المدن، وخاصة في دمشق، لدعم الإسلاميين في حماة.
وفي مقابل ذلك، عاشت الطبقة الوسطى من موظفين وأصحاب حرف ويد عاملة في ظروف متواضعة، عانت من تضخم اقتصادي وغلاء معيشي لسنوات طويلة، قضت تدريجياً على معظم أفراد هذه الطبقة وجعلها تندثر لصالح طبقات فقيرة انتشرت مع الطفرة العقارية منتصف الثمانينات في أطراف المدن والعشوائيات المحيطة بها، وطبقة أخرى من أثرياء السلطة ومحدثي النعمة.
هذه الاستراتيجية التي انتهجها الأسد الأب مع مختلف المكونات السورية، ضمنت له سطوة أمنية أفضت إلى أغلبية ساحقة حصدها في الاستفتاءات الرئاسية المتعاقبة التي أجراها خلال ثلاثين عاماً، وهي ذات الاستراتيجية التي اتبعها الأسد الابن خلال استفتاءين أجراهما قبل الثورة، وانتخابات صورية أجراها في العام 2014، زينها بمنافسين “كومبارس”.
إلا أن الحال اليوم يختلف عما كان عليه قبل سبع سنوات، فمعظم المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام دفعت ثمناً باهظاً لحراك الثورة السورية، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، سواء شاركت بها أم لم تشارك، حيث الجوع والمرض عنوان للمرحلة الحالية، فضلاً عن غياب أكثر من نصف السوريين بين قتيل ومعتقل ونازح ولاجئ.
ووفق دراسة أعدّها مركز “جسور للدراسات
“، فإن التعداد الإجمالي المفترض لسكان سوريا في العام 2021 هو 26.38 مليون شخص، لكن التعداد الفعلي للسوريين هو 16.47 مليون شخص، يعيش منهم في مناطق سيطرة النظام نحو 9.4 مليون، أي ما يقارب 57 % من إجمالي عدد السكان، منهم نحو 40 % تحت السن القانوني للانتخاب، وفق بيانات الأمم المتحدة
، أي من بقي ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات المزمع إجراءها نحو 5.64 مليون شخص.
يؤكد المحامي المختص بالقانون الدولي الدكتور حسام الحافظ أن “فرص الأسد بالنجاح في انتخابات صورية في ظل الوضع المهلهل الذي تعيشه البلاد عالية”، مضيفاً أن هذه الفرص “ربما لن تكون بذات النسبة التسعينية التي كانت سابقاً، لكنها فرص مضمونة”.
ويشير إلى أنه “ثمة طيف من السوريين يرتبطون بالأسد ويؤيدونه لأسباب مختلفة، منهم لأسباب أيديولوجية ومنهم من انخرط في آلة القمع والقتل ولا يريد التخلي عن الأسد إلا في سياق تسوية واضحة ذات ضمانات تشملهم”.
ويوضح الحافظ أن “الوضع الاقتصادي الطاحن داخل سوريا مرتبط بوجود الأسد، والتخلص منه يعني انتقال البلاد إلى بداية التعافي الاقتصادي، لكن المواطن العادي لا يستطيع بالضرورة أن يعكس هذه المعادلة في صناديق الانتخابات”.
من جهته، يعتبر الدبلوماسي السابق بسام بربندي أن “فوز الأسد بالانتخابات ليس له علاقة بالعملية الانتخابية ورأي الناس، وخصوصاً بغياب أي مراقبة قانونية لسير العملية الانتخابية، فضلاً عن غياب مرشحين منافسين وغياب الأحزاب والديمقراطية، وبالتالي رأي الشعب غير مهم، ونسبة التصويت غير مهمة”.
ويضيف أن “كل المستفيدين من النظام اقتصادياً سيؤيدون بقاءه في السلطة، أياً كان انتماؤهم، والأسد يحاول دائماً الإيحاء لمن يحارب معه بأنه سيستفيد في المرحلة المقبلة، لكنه لن يستطيع تنفيذ أي مما يعد به”.
ويشير بربندي إلى أنه “منذ أن حكم البعث سوريا ومدد الأحكام العرفية التي كانت موجودة زمن الوحدة مع مصر، وأعلن قانون الطوارئ، كان هدفه إظهار العملية الانتخابية كاستحقاق، وليس كانتقال سياسي أو ممارسة للديمقراطية”.
ماذا عن العلويين؟
من جانب آخر، عسكر الأسد طائفته العلوية، وحولهم إلى حرّاس لنظامه، وأفرغ بيوتهم في الساحل السوري لصالح تطويعهم في القتال ضمن الوحدات العسكرية والمليشيات المقاتلة على امتداد الجغرافيا السورية، ولعل أبرز ما حرص الأسد على زرعه في نفوس العلويين خلال السنوات الماضية هو الخوف من الآخر، والذي طالما استثمره وراهن عليه بهدف كسب دعمهم وتأييدهم والموت في سبيل حماية حكمه.
يقول المعارض والصحفي بسام يوسف إنه “لا يوجد أي حالة تنظيمية للعلويين في سوريا اليوم، وليس لهم أي أفق أو أي دور، فنظام الأسد اختطفهم وبالنسبة له هم عبارة عن أرقام يسيّرها كما يريد، ومن جانبهم، مشكلة العلويين حالياً ليست مع شخص بشار الأسد، بل هي هاجسهم الأمني، وإذا جاء أي أحد آخر يضمن لهم أمنهم سيقتلعون الأسد من جذوره”.
ويوضح أن العلوييين “هم ضد الأسد بالتأكيد، لكن ليس لديهم أي خيار آخر أمام أمنهم وخوفهم من حالات الانتقام والقتل التي زرعها نظام الأسد في أذهانهم، والتي طالما ابتزهم بها، فهم كبقية السوريين بأوضاعهم الاقتصادية الصعبة ومختلف أشكال المعاناة”، مؤكداً أنه “سنسمع قريباً حوادث وتفجيرات يختلقها النظام في مناطق العلويين، لشد العصبية القبلية ومواصلة ابتزازه لهم”.
ويشير يوسف إلى أن “الرغبة الحقيقية لكل السوريين، بمن فيهم النخب الاقتصادية والاجتماعية، ليس لها مصلحة ببقاء الأسد، بل على العكس من ذلك، أصبح الأسد عقبة أمام مصالحهم، فهم يعلمون تبعات بقائه في الحكم على الاقتصاد والمجتمع السوري، ولو كان هناك إمكانية لانتخابات حقيقية، فلن يحصل الأسد على أكثر من 5% من أصوات السوريين، بما فيهم العلويون”.
بينما تعتبر الناشطة الحقوقية والكاتبة هنادي زحلوط أن “العلويين، بما فيهم الموالون للأسد، يعيشون في حالة تذمر واضحة، والمؤشرات تدل على أن الطائفة العلوية ليس لديها مانع بتنحي الأسد، في مقابل انفراج الأوضاع وخلاص البلاد من الحالة التي تعيشها، لكنهم لن يصرّحوا بذلك نتيجة عقود طويلة من الكراهية والخوف التي زرعها النظام بين الطوائف السورية”، لكنها تشير إلى أنه “في حال وجود أي توافق على الانتقال من حقبة الأسد إلى حقبة أخرى، فالعلويون سيعملون على الفور للخلاص من الأسد”.
وعن الأصوات المعارضة، تقول زحلوط إن “الأصوات المعارضة موجودة، والجيد أن النظام لا يستطيع اعتقالها وتعذيبها كما كان يفعل من قبل، فالروس لن يسمحوا له بذلك، فهم يستخدمون المعارضة الداخلية، ووجودها يخدم ادعاءهم بأنهم يسعون للحل في سوريا”.
وتضيف زحلوط “رغم ذلك الحل ليس بيد الروس، نحن بانتظار توافق دولي للخلاص من الأسد، وقد يكون هذا التوافق بصيغة توافق محلي بين الأحزاب والتيارات والقوى الوطنية السورية، ما يساعد في الخروج من عنق الزجاجة الذي نحن فيه منذ سنوات”.
شرعية الانتخابات دستورياً وموقف روسيا والغرب منها
تعتقد المعارضة السورية أن الدستور الحالي في سوريا فُصّل عام 2012 بما يتناسب مع بقاء بشار الأسد على رأس السلطة، ولذلك هي تعتبر أن هذه الانتخابات غير شرعية، إلى جانب أنها تنسف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بإيجاد حل سياسي في سوريا، وينسجم هذا الموقف مع موقف الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي الذي رفض الانتخابات الرئاسية المقبلة، في مقابل إصرار روسي على أن هذه الانتخابات لا تعطل عمل اللجنة الدستورية في جنيف ولا تتعارض مع قرار مجلس الأمن 2254.
ما آلية انتخاب الرئيس وفق الدستور الحالي في سوريا؟
كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية إلى اجتماع “جنيف 4″، محمد صبرا، يرى أن نصوص دستور بشار الأسد (دستور 2012) تعتبر أن الدعوة للانتخابات يجب أن تكون محصورة بين تاريخي 16 نيسان و16 أيار 2021، أي أنها يجب أن تكون في مدة لا تقل عن 60 يوماً ولا تزيد على 90 يوماً من انتهاء الولاية التي تنتهي رسمياً بـ 16 تموز المقبل.
والمادة 85 التي تضمنت “إجراءات انتخاب الرئيس” وضعت مهلة زمنية لدعوة رئيس مجلس الشعب لانتخاب الرئيس، لكنها سكتت عن الأثر القانوني في حال لم يقم رئيس مجلس الشعب بتوجيه هذه الدعوة، بمعنى أن المهلة هنا تصبح مجرد مهلة تنظيمية لأنه لا يوجد نص يحدد أي إجراء في حال عدم الالتزام بهذه المهلة، وفق صبرا.
وتشير شروط الترشّح لرئاسة الجمهورية في سوريا إلى أنها تبدأ بتقديم طلبات الترشح إلى المحكمة الدستورية خلال عشرة أيام من دعوة رئيس مجلس الشعب، مشفوعة بموافقة 35 عضواً من أعضاء المجلس على كل مرشح، حيث لا يحق للعضو إلا تزكية مرشح واحد، وفي حال لم يحصل على تزكية الـ 35 عضواً سوى مرشح واحد يعود رئيس مجلس الشعب لفتح مهلة الأيام العشرة وفق المهل والإجراءات السابقة.
ويرى صبرا أن هذا الإجراء يُمكّن النظام من إعطاء الأمر لأعضاء مجلس الشعب بعدم تزكية أي من المرشحين المفترضين أنهم سينافسونه وهذا يسمح بإبقاء المهل مفتوحة ولا سيما أن المادة 87 من الدستور تقول في حال انتهت ولاية الرئيس ولم يتم انتخاب رئيس آخر يبقى الرئيس الحالي في منصبه حتى انتخاب بديل، وهذه المادة من دون سقف زمني، وعليه فإن هذه إحدى الثغرات الأساسية في الدستور التي تسمح لبشار مدّ ولايته من دون أن يضطر لاتخاذ أي إجراء قانوني مثل تعديل الدستور أو تأجيل الانتخابات مثلاً.
وبناء على أن الدستور يغيب عنه النصوص المرجعية التي تسمح بإدارة عملية الانتخاب بشكل محايد ومستقل أو تضمن أي حد من النزاهة، فقد رفضنا، يقول صبرا، مثل هذه المسرحية، لمعرفتنا الدقيقة بأنها مجرد وهم دستوري شكلي يراد منه فقط القول إن في سوريا قانون ودستور.
ولا يتضمن دستور 2012، أي نص يحدد نسبة الحد الأدنى اللازم من المشاركة حتى تكون الانتخابات صحيحة، كما أنه لا يوجد نصوص تسمح بنقل السلطة إلى هيئة أخرى مثل مجلس الشعب أو الحكومة لمنع مد ولاية رئيس الجمهورية من دون أي سقف زمني محدد.
هل سيقبل النظام برقابة أممية على الانتخابات؟
يدور سؤال في أوساط سورية عدة حول ما إمكانية قبول نظام الأسد بمراقبة أممية للانتخابات الرئاسية المقبلة انطلاقاً من أن النظام يعتبر أن هذه الانتخابات حق مشروع للسوريين وللسلطة الحاكمة وأنها لا تتعارض مع العملية السياسية في جنيف.
ويرى كبير الباحثين في مركز “جسور للدراسات”، عبيدة فارس، أن النظام يسعى بدعم إيراني كامل إلى تكرار النموذج الانتخابي لعام 2014، والذي لا ينسجم بأي شكل مع المعايير الدولية، ولا يمكن أن يتوافق مع أي إشراف أممي ولو بالحدود الدنيا، ولذا فإنّ النظام ومعه إيران يرفضون بشكل قطعي وجود مثل هذا الإشراف.
ويعتبر، أن روسيا تسعى بالمقابل إلى وجود إشراف أممي، في مسعى منها لمنح الانتخابات نوعاً من الشرعية الدولية، لأنها تدرك أن ذلك يعني ضرورة إجراء تغييرات في شكل ومضمون الانتخابات، وهو ما لا تُمانع فيه، طالما أن ذلك لن يؤثر على النتيجة النهائية المتمثلة في فوز بشار الأسد.
ويعتقد فارس أنّ موافقة النظام وداعميه على الإشراف الأممي لا تُشكل العقبة الوحيدة أمام تنفيذ هذا الإشراف، إذ إن المجتمع الدولي لن يوافق على الحضور ما لم يتم تنفيذ جملة من الترتيبات القانونية والأمنية والسياسية، وهو ما يستحيل حصوله إن تم تنفيذ الانتخابات في وقتها المحدد دستورياً.
هل تصعّد الانتخابات الموقف السياسي؟
يمثل إجراء الانتخابات في موعدها، إن حصلت، تحدّياً من طرف النظام وداعميه للمجتمع الدولي، حيث سيعني تثبيتاً للأمر الواقع مدة سبع سنوات أخرى، وهو ما سيتعامل معه المجتمع الدولي باعتباره مؤشراً عن عدم رغبة داعمي النظام في التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وفق فارس.
ويرى أن الطرف الروسي لا يرغب في الوقت الراهن في تصعيد الموقف السياسي، خاصة في ظل توتر العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة. ولذا فإنّ من الملاحظ أن الدول الغربية عمدت إلى إعلان رفضها المسبق للاعتراف بالانتخابات ونتائجها، في مسعى منها للضغط على موسكو لتأجيل هذه الانتخابات، وهو ما يُعتقد أن روسيا تقوم بجهود حثيثة من أجله، إلا أنها تواجه بمقاومة إيرانية شرسة.
وكان المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، شدد على وجوب انخراط نظام الأسد في اتخاذ قرارات واضحة لا لبس فيها، لإنهاء قمع الشعب السوري، والدخول بصورة هادفة في المفاوضات التي ترعاها وتشرف عليها منظمة الأمم المتحدة، لتنفيذ القرار الدولي 2254.
بوريل قال عن الانتخابات “إذا كنا نرغب في رؤية انتخابات تسهم في تسوية النزاع القائم، فلا بد أن تُجرى وفق القرار 2254″، مؤكداً أن نظام الأسد “أخفق في الانخراط في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، لذلك لا يمكن لهذه الانتخابات الرئاسية أن تسفر عن أي إجراءات من شأنها التطبيع المباشر مع النظام”.
وعليه، يضيف بوريل “دعونا أطرافاً أخرى في المجتمع الدولي، والمنطقة على نطاقها الأوسع، إلى تجنب الخوض في أي درجة من درجات التطبيع من هذا القبيل”.
وسبق أن أصدرت كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، بياناً وصف الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام الحالي في سوريا بأنها “لن تكون حرة ونزيهة”، كما أنها “لن تلبي تطلعات المجتمع الدولي”.
وشدد البيان على أن نظام الأسد وداعميه “مسؤولون عن الآلام التي وقعت في الحرب المستمرة منذ 10 أعوام”، وأكد أن قرابة 13 مليون شخص في سوريا باتوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مضيفاً أن “هناك ملايين السوريين الذين تستضيفهم تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر، أو من اللاجئين فيها لا يستطيعون العودة إلى منازلهم خشية العنف والاعتقال التعسفي والتعذيب”.
كيف ينظر الروس إلى الانتخابات الرئاسية في سوريا؟
في شباط الفائت، دعت موسكو المجتمع الدولي إلى تقديم مساعدة لسوريا في إجراء الانتخابات الرئاسية خلال العام 2021، الدعوة الروسية جاءت على لسان النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي
، الذي قال إن النظام لديه الحق الكامل في إجراء الانتخابات حيث لا توجد أحكام قد تعرقل ذلك، معتبراً أن إعادة انتخاب الأسد لا تتعارض مع عمل “اللجنة الدستورية”.
وجدد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تأكيد موقف بلاده حين قال “إن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا لا تتعارض مع قرار مجلس الامن 2254″، وهو ما يعني إصرار روسيا على عقد الانتخابات في وقتها.
المحلل الروسي أندريه أنتيكوف، يرى أن هذه الانتخابات تأتي وفقا للدستور الحالي (دستور 2012) وأنه لا يوجد خيارات أخرى غير إجراء هذه الانتخابات في موعدها وأي إجراء غير ذلك سيكون خارقا لـ “الدستور السوري”، وفق تعبيره.
وأما عن الدستور الجديد الذي تعمل المعارضة والنظام على وضعه فيرى أنتيكوف أنه “لم يتشكل بعد، حتى تكون هذه الانتخابات منافية له، ولو كان الدستور الجديد مشكّلا لكان هناك فرص للحديث عن الإجراءات التي ينص عليها”، معتبراً أن سوريا الآن فيها دستور وهذا الدستور ينص على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية، وعليه ووفق هذا الدستور فإنه لا مانع من أن يترشح بشار الأسد للرئاسة.
ويرى أنتيكوف أن إجراء هذه الانتخابات في ظل وضع اقتصادي منهار ووضع معيشي متردٍّ لا تقع المسؤولية في ذلك على بشار الأسد، بل على الدول التي فرضت العقوبات على النظام كأميركا ودول الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن “هذه العقوبات ستُرفع بمجرد وصول شخصيات خاضعة لهذه الدول إلى السلطة في سوريا”، على حد قوله.
وتابع “حتى لو دخل شخص محسوب على النظام في الانتخابات وفاز بالرئاسة فإن هذه العقوبات لن ترفع لأنه غير خاضع للأجندة الخارجية المرتبطة بأميركا وغيرها”.
ووفق وجه النظر الروسية التي ينقلها أنتيكوف، فإنه “من الضروري رفع العقوبات عن سوريا ودفعها إلى حياة الأمام، كما أن روسيا ستتعامل مع أي شخص ينتخبه الشعب السوري، سواء كان بشار الأسد أم غيره، وهي (أي روسيا) مستعدة للتعامل مع بشار الأسد أو غيره من قاعدة العلاقات الثنائية بين البلدين”.
تلفزيون سوريا
—————————
لا تعويم لبشار… ولكن/ منير الربيع
كل الطرق لإعادة تعويم بشار الأسد تقود إلى الفشل. تحول الرجل إلى بضاعة كاسدة. هو العبء الذي ينوء تحته الجميع. لا خلاف على أن مشاهد أو صوراً تشير إلى قبول بعض الدول ببشار الأسد، تدفع إلى اليأس أو الغضب، أو استثارة العاطفة السريعة لدى الكثيرين فيعبرون عن غضبهم بالقول: على ما يبدو أن الأسد باق ويتمدد. لكن العاطفة هنا هي التي تنطق، عاطفة دافعها الأسى والأسف والحنق. في مقابلة، عاطفة جياشة لدى مناصري رئيس النظام السوري يعبرون عن فرحهم في أي لقاء يعقده أو أي إشارة إلى فشل المباحثات الدولية حول إمكانية التوصل إلى حلّ سياسي أو اتفاق على المرحلة الانتقالية في المرحلة المقبل.
تلك العاطفة هي مشكلتنا الكبرى، مشكلة مجتمع مهما تعارضت توجهاته، تضفي العاطفية قدسية مبدئية لا يرضى المرء أن يحيد عنها، أو أن يتماشى مع الظروف والوقائع كي لا يخون نفسه. بينما تكون الدنيا كتلة متحركة من حوله بأحداثها وتطوراتها ومتغيراته، فيما لا يمكن لعاطفته أن تبقيه في مكان. إنها حكاية الحياة والموت، فالموت لا يوجع الموتى، بل يوجع الأحياء، ولأنهم أحياء يبتكرون كل السبل للتماهي مع متطلبات الحياة ومقتضياتها بعد وفاة حبيب أو رفيق أو شخص عزيز. في هذه الحالة، لا يمكن اختزال العاطفة، ولا سحقها أو خنقها ولا الانقلاب عليها، بل يبقى الالتزام بها ثابتاً، وتكون في زاوية عميقة عاملاً محفزاً متكاملاً مع ما يدفع إلى الحياة. متطلبات الحياة التي تحول العاطفة.
مناسبة الكلام هنا ليس بهدف صدم القارئ، لا توهين عزيمته، إنما هي مجال للتفكير المشترك في إمكانية خلق أي صيغة جديدة تتحفز فيها العاطفة مع الوقائع، ويمكن أن يبنى عليها في سبيل تحقيق المزيد من النقاط، أو تحصيل مكاسب من شأنها تغذية العاطفة الأساسية التي يشعر كثر من جموع السوريين الثائرين ومناصريهم في كل العالم بأنها أصبحت متخصصة بالحزن واليأس فقط والتفرج على مصير مفقود. تلك العاطفة على قدسيتها هي التي استخدمت ضد الثورة السورية، إما بهدف إبعادها عن كل ما له علاقة بالسياسة والبرامج السياسية وحصرها في خانة الهتاف والثورة الدائمة على النظام بدون تقديم أي رؤية بديلة. وإما من خلال تجييش عاطفة مضادة لدى مناصرين للنظام من طوائف ومذاهب مختلفة فأقحمت السياسة في صراع مذهبي طائفي ديني أخذ بعداً تقسيمياً وشتت كل ما كان يمكن أن تجمعه تلك الثورة والمعارضة. لذلك لا بد حالياً من التركيز على خلق فرصة جديدة يمكن الاجتماع عليها لتسجيل نقاط وفق مفهوم التراكم. لا بد من ذلك في ظل جملة تحولات ومتغيرات أساسية، وبعد تكريس يقينية سورية حول أن ما تعرض له الشعب السوري والثورة السورية هو أحد أشرس وأخبث المؤامرات في التاريخ الحديث، بمعنى أنه لا القوى التي ادعت دعم المعارضة كانت تريد لها أن تنجح وتفوز، ولا القوى الداعمة لبشار الأسد دعمته لشخصه أو لإنجاحه ولا لمصلحة مؤيديه. دخلت سوريا منذ اليوم الأول مدار لعبة الأمم، وتلك لعبة استخدمت فيها أعنف الأسلحة لكن أهمها كان ارتكاس السوريين لأكبر عملية شرخ داخلي اجتماعيا على أساس مذهبي وطائفي، وهو أمر استغله كل المتآمرين على الثورة السورية وسوريا ككل، وأول من استغله هو بشار الأسد. وقعت الثورة السورية في أخطاء متكررة أهمها عملية النبذ الأهلي والاجتماعي “للآخرين” وهؤلاء الآخرون الذين اعتبروا من صيغة النظام، ومن المتورطين بدماء السوريين، بينما ما يجب فعله حالياً هو مواجهة هؤلاء ليس بالشتم ولا بالتقريع، بل بسياسة اجتماعية وإنسانية ونفسية واضحة المعالم والأهداف، في ظل عدم قدرة النظام الذي جعلهم وقوداً في حروبه على تأمين أدنى مقومات الحياة لهم.
لماذا مناسبة هذا الكلام، والذي سيبدو في واقعيته قاسياً، لأن الأيام الماضية شهدت اهتماماً أميركياً بمنطق “فتح نوافذ” في سوريا. هذه النوافذ تقوم على قاعدة التعاطي الواقعي مع الوقائع على الأرض، بهدف نقل المواد الغذائية والمساعدات وغيرها من الاحتياجات إلى المناطق المتعارضة عبر معابر خاضعة لسيطرة جهات متعددة، بمعنى أوضح نقل مساعدات من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام أو العكس، وهذا يحصل على كل الجغرافيا السورية. عندما تلجأ الدول إلى عقد اتفاقيات من هذا القبيل، فهذا يعني أن الحلول ستكون طويلة ومؤجلة، وتؤكد أن النظام غير قابل لإعادة التعويم. إنما الفترة التي سيطول انتظارها ليحين موعد رحيله ستكون خاضعة لمثل هذا الستاتيكو.
وهذه تجربة خبرها اللبنانيون بشكل كامل في ثمانينيات القرن الفائت، منذ ما بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت والانسحاب منها، وحرب الجبل والتي أخذت طابعاً طائفياً بين الدروز والمسيحيين، أو انتفاضة 6 شباط والتي أخذت طابعاً طائفياً بين المسلمين والمسيحيين، أو حربي التحريري والإلغاء واللتين أخذتا بعداً لبنانياً مع جهة خارجية، أو بعداً مسيحياً، بناء على كل هذه التداخلات، وفيما لم يتمكن أي طرف من حسم الصراع على حساب الآخر، تدخلت مجموعة قوى خارجية، بهدف تثبيت الستاتيكو القائم، ومن يعرف لبنان يعرف كيف رسمت خطوط التماس، وتم استخدامها كمعابر بين المناطق المتعارضة، ومن خلال هذه المعابر نقلت رواتب الموظفين، والخبز والمواد الطبية وغيرها.
أن يتم الوصول إلى عقد اتفاقات مماثلة لذلك في سوريا، يعني أن الأزمة ستكون طويلة في ظل غياب أي قدرة على إنتاج الحل، وبالتالي لا يمكن للأسد أن يكون جزءاً من الحلّ أيضاً في المرحلة المقبلة، بينما الأهم هو استفادة المعارضة في هذا الظرف وطوال هذه المدة من الوضع القائم لإنتاج تصورها السياسي، وخطابها الاجتماعي القادر على تسجيل اختراقات كبيرة في صفوف الموالين الذين لم يتمكن النظام من توفير مقومات الحماية والعيش لهم. أن يهتم وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن بهذه النوافذ والممرات الغذائية، يؤكد معلومات أخرى في المقابل أن الجيش الأميركي هو الذي يتسلم كل ملفات منطقة الشرق الأوسط، والجنرال ماكينزي هو الذي يدير العملية وليس وزارة الخارجية، هذا الأمر يفاجئ الإيرانيين الذين لم يعتادوا على مثل هذه التصرفات، خصوصاً أن الجيش لا يتصرف وفق الروتين الإداري والسياسي. وهذا التحول سيكون له انعكاسات متعددة على الأحداث في المنطقة مستقبلاً.
والأهم هو أن الأميركيين غير موافقين على إعادة تعويم بشار الأسد، وهم ثابتون على ثوابتهم برفض الأسد، وبرفض أي مفاوضات إسرائيلية مع النظام السوري. هذا الموقف والذي يعبر عنه الجيش الأميركي وقيادة الأركان، ولا يمكن للفريق السياسي أن يسير ضده، خصوصاً أن الديمقراطيين هم أصحاب قانون قيصر، يعني أنه لا مجال في إعادة تعويم بشار الأسد، كذلك المسار الروسي لا يحظى بأي رضى أميركي، ما سيظهر جدية الاختلاف في مقاربة الملف بين الأميركيين والروس بشكل مختلف جذرياً عن ما كان عليه أيام دونالد ترامب.
—————————-
بعد اللاذقية وطرطوس… شلل شبه كامل للحركة في دمشق في ظل أزمة محروقات ومواصلات
دمشق ـ وكالات: مع تفاقم أزمة البنزين في مناطق النظام السوري مجددا، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان انحسار الحركة في شوارع العاصمة دمشق إلى حدٍ كبير “إثر تصاعد الأزمة وطوابير الانتظار على محطات الوقود، ويعزى ذلك إلى قرار لجنة المحروقات” في محافظة دمشق يوم أول أمس بتخفيض كميات تعبئة مادة البنزين للسيارات السياحية الخاصة والعامة (التاكسي) بنسبة 5 في المئة، أي تخفيض تعبئة البنزين ليصبح 20 ليتراً كل سبعة أيام للسيارات السياحية الخاصة و20 ليترا كل أربعة أيام لـ”التاكسي” و20 ليترا للسيارات العاملة على الخطوط الخارجية لبنان والأردن كل 4 أيام، بالإضافة إلى إيقاف تزويد الميكروباصات “السيرفيس” بكميات المازوت المخصصة لها كل يوم جمعة حتى إشعار آخر والاكتفاء بعمل باصات الشركة العامة للنقل الداخلي.
بالإضافة إلى ما سبق ازدادت أزمة الوقود في كافة المحافظات السورية نتيجة تخفيض كميات الوقود المقدمة يوميا للمحافظات السورية الخاضعة لسلطة النظام، وسط استياء شعبي كبير حيال ذلك. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، يوم أمس، إلى أن أزمة الوقود الحادة والمتصاعدة في عموم الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، تسببت بتوقف حركة النقل بنسبة كبيرة في محافظتي طرطوس واللاذقية، حيث رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان شللاً بحركة السير في المحافظات.
—————————-
معاناة السوريين تتفاقم: تقليص حصة الوقود المخصصة للسيارات/ وسام سليم
عادت طوابير السيارات إلى الظهور بشكل واسع في مناطق سيطرة النظام السوري، وذلك عقب ساعات قليلة من إعلان وزارة النفط التابعة لنظام بشار الأسد أن تعطيل حركة الملاحة في قناة السويس، لمدة أسبوع قبل إعادة فتحها، انعكس على توريدات النفط إلى سورية، وأنها ستقوم “بترشيد توزيع الكميات المتوفرة من المشتقات النفطية”.
وفي الساحل السوري اصطفت طوابير طويلة من السيارات أمام محطات الوقود بانتظار ملء خزاناتها حيث تداول ناشطون وصفحات تواصل اجتماعي صورا تظهر طوابير طويلة من السيارات لمسافات طويلة، في حين تعطلت حركة السير والمواصلات العامة في عدد كبير من المناطق بسبب غياب وسائل النقل.
وقالت وكالة الأنباء الحكومية “سانا” الأحد الماضي، إن لجنة المحروقات في محافظة طرطوس قررت تخفيض كميات التعبئة لشرائح البنزين والمازوت بما يتناسب مع الكميات المتوافرة، ويضمن استمرار تسيير أكبر عدد ممكن من السيارات في المحافظة.
وأوضحت الوكالة أنه سيتم تخفيض تعبئة شريحة البنزين إلى 20 ليتراً كل أربعة أيام للسيارات العامة، و20 ليتراً كل سبعة أيام للسيارات الخاصة، و3 ليترات كل سبعة أيام للدراجات النارية.
ولفتت أن بعض السيارات التي كانت تتزود يومياً بأربعين ليتراً أصبحت 20 لتراً أي سيكون التخفيض بنسبة 50 بالمئة، كما شمل التخفيض أيضا السيارات العاملة على المازوت.
من جانب ثانٍ، أقر مجلس محافظة اللاذقية في قرار نشر على صفحة المحافظة في موقع “فيسبوك” أن تكون “تعبئة السيارات العامة كل ستة أيام اعتبارا من الشهر القادم بدلا من أربعة أيام في حال استمرار نقص التوريدات”.
كما اتخذت مجالس محافظات حماة وطرطوس قرارات مشابهة بتخفيض كميات تعبئة مادة البنزين للسيارات العامة والخاصة.
وعلى صعيد متصل دفعت أزمة الوقود المتفاقمة وغياب وسائل النقل، مجلس محافظة حلب التابع لحكومة النظام السوري إلى رفع أجور نقل الركاب بواسطة سيارات الأجرة (التاكسي) العاملة على البنزين ضمن المحافظة.
ونشر مجلس المحافظة على صفحته في موقع “فيسبوك” نصا للقرار حدد فيه سعر الكيلو متر بمبلغ 200 ليرة (الدولار = نحو 3900 ليرة)، أما الساعة الزمنية فحُددت بـ 2400 ليرة سورية.
وفي هذا السياق، قال عضو “لجان التنسيق المحلية” في مدينة جبلة، أبو يوسف جبلاوي، في تصريح لـ “العربي الجديد” إن “الحياة باتت شبه معطلة، وتكاد الشوارع تخلو من السيارات عقب القرارات الأخيرة، فيما تسبب غياب وسائل النقل العامة بأزمة كبيرة للموظفين وطلاب الجامعات”.
وأضاف ذات المصدر أن مئات الأشخاص انتظروا يوم الأحد الماضي على سبيل المثال لساعات طويلة في كراجات المدينة بانتظار إيصالهم إلى أعمالهم، إلا أن عدد السيارات كان قليلا جدا، ما أدى لتعطل وصول أغلبهم إلى العمل.
وأشار “جبلاوي” إلى أن الطوابير خلال الفترة الأخيرة، كانت هي الأطول منذ فترات طويلة وقطعت الطرقات في بعض الأماكن نظرا للاكتظاظ الكبير والبطيء الكبير في حصول السيارات على مخصصاتهم، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الأزمة لا تتعلق فقط بالوقود المدعوم بل تتعداه إلى الحر الذي أصبح شحيحا أيضا مع بداية الأزمة.
وسبق أن رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التابعة لحكومة النظام السوري في 15 مارس/ آذار الماضي أسعار مادة البنزين (90 أوكتان، 95 أوكتان) وأسطوانة الغاز المنزلي.
وحددت الوزارة سعر ليتر مادة البنزين الممتاز “90 أوكتان” بـ750 ليرة سورية لليتر الواحد، بينما حددت سعر بيع البنزين “95 أوكتان” للمستهلك بـ2000 ليرة لليتر، إلا أنها لم تنجح في إنهاء المشكلة رغم رفع الأسعار.
—————————-
أنه موسم تأجيل الانتخابات..ولبنان جاهز/ ساطع نور الدين
إنه موسم الانتخابات، أو بالأحرى موسم تأجيل الانتخابات، المقررة هذا العام، في أكثر من بلد عربي، ما زال يحفظ في دساتيره وسجلاته الوطنية هذا الاجراء الرمزي، الذي كاد الربيع العربي قبل عشر سنوات أن يحوّله الى طقس سياسي راسخ ومقدس، لولا غدر الزمان.
السباق على أشده هذه الايام بين فلسطين وسوريا، اللتين تتنافسان الآن للإقدام، بوعي وتصميم، على إلغاء الانتخابات النيابية والرئاسية المقررة الشهر المقبل في البلدين. وما هي إلا ساعات أو أيام على الأكثر حتى يصدر قرار التأجيل من رام الله ومن دمشق. أيهما ستسبق الأخرى في الإعلان عن إبقاء مراكز الاقتراع مقفلة، ووقف الحملات والمعارك الانتخابية العابثة، التي لا تتناسب مع خطورة المرحلة، ولا تحترم الحرص الشديد الذي تبديه السلطات على صحة المواطن الفلسطيني والسوري المهددة بجائحة كورونا.
ولولا بعض الخصوصيات والحساسيات الوطنية، لأمكن التكهن بأن القرارين الفلسطيني والسوري بالتأجيل قد يصدرا في وقت واحد، ليكونا بداية موجة جديدة من الانقلاب المضاد، على ذلك الخيار الشكلي، البرتوكولي، بل الهامشي، تمتد آثارها الى مختلف أنحاء العالم العربي.. وإن إختلفت الحجج والذرائع، وتنوعت أشكال الحرج والتفلت، وتمايزت ردود الفعل الشعبية بين بلد وآخر، بحسب “قداسة” اللجؤ الى صناديق الاقتراع لقياس أصوات الناخبين والمقاطعين.
قوة الحجة الفلسطينية المحتملة للتأجيل لا شك فيها، ولا جدال: هل يمكن أن تجري أول إنتخابات فلسطينية منذ خمسة عشر عاماً، من دون القدس ومن دون أصوات المقدسيين؟.. بينما السؤال الملحّ هو: هل يمكن أن تجرى الانتخابات في ظل هذا التشظي بين “ديناصورات” حركة فتح، وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس نفسه، التي ترفض التسليم بقوانين الطبيعة، وبين أجيالها الجديدة الباحثة عن وجوه جديدة، مختلفة، لقيادة المشروع الوطني ووقف تعثره، مثل الاسير مروان البرغوثي وناصر القدوة؟ وهل يمكن أن تجري إنتخابات في ظل هذا التربص المتبادل بين الفتحاويين وبين حركة حماس، ومن دون بناء جسور الثقة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ما سمح لشخصيات مشبوهة باختراق صفوف الجانبين، مثل محمد دحلان وسواه؟
المعلومات الواردة من رام الله تفيد بان قرار التأجيل وإراحة القيادات الفلسطينية من عناء هذا الاختبار الصعب للشعبية والشرعية، سيصدر بين لحظة وأخرى.. وهو كما يبدو سيسبق قراراً مماثلاً منتظراً من دمشق، التي تعاملت ولا تزال مع “الاستحقاق الدستوري” على طريقتها التقليدية الحاسمة: لا إنتخابات ولا من يحزنون؟ ولا مرشح غير الرئيس، ولا منافس غير من يختاره الرئيس؟ ولا ولاية رئاسية لأحد غير الولاية الرابعة؟ وإذا ما فتحت مراكز الاقتراع، لسبب أو لآخر، فإن النتائج معروفة بدقة، وهي تزيد على ستة ملايين صوت، حسب تقديرات رسمية منشورة فعلا منذ أسابيع، ينالها حتما بشار الاسد، إذا شاء، وإذا رغب الروس والايرانيون في إضافة هذا الرقم الى سجلاتهم ومذكراتهم عن الإحتلال المزدوج للاراضي السورية.
الوقت السوري يداهم الجميع أيضاً. تأخر إطلاق الحملة الانتخابية للرئيس نفسه. جائحة كورونا التي اصابته كانت حجة عابرة. الحجج الاخرى لا تقل أهمية، وأبرزها أن الاستحقاق يأتي هذه المرة في ظل مجاعة حقيقية، ونقص في السلع الغذائية والمشتقات النفطية التي يفترض ان توزع على الناخبين لكي يندفعوا نحو مراكز الاقتراع، من تلقاء أنفسهم، لكي يختاروا الرئيس الذي إنتصر على نفسه وعلى الوباء وعلى الدولار الاميركي وعلى المؤامرة الكونية.
العراق هو التالي؟ أم تونس؟ ليبيا؟ الجزائر؟ السودان؟ اللائحة طويلة للبلدان العربية التي تهاب فتح ذلك الصندوق الاسود وما يمكن أن يخرج منه من شياطين وأبالسة وسحرة، يهددون السكون الذي إستعيد بالقوة القاهرة، وبالثورة المضادة، التي أحالت نصف العرب تقريباً الى شهداء أو سجناء أو معوقين، أو منفيين في مختلف أنحاء الكون، في عشر سنوات فقط لا غير.
لم يدخل لبنان بعد في هذا السباق، لكنه جاهز طبعا، نظراً لخبرته الطويلة في التأجيل والتمديد والتشويه لأي “إستحقاق إنتخابي”. ولن ينتظر لبنان حلول موعد “إستحقاقاته” النيابية والرئاسية العام المقبل، حتى يفاجىء العرب والعالم أجمع بإعلان التوقف عن سداد ديونه الانتخابية المتراكمة.
المدن
———————
روسيا تضرب موعداً للجنة الدستورية..غير قابل للتحقق/ مصطفى محمد
يتواصل الحراك الروسي الهادف إلى عقد الجولة السادسة من مفاوضات الدستور السورية، وسط تعويل موسكو على عمل اللجنة الدستورية لتجاوز تعثر مسار الحل السياسي، الذي أدى إلى زيادة المتاعب الاقتصادية على حليفها نظام الأسد.
وتأمل روسيا أن تكون الجولة السادسة من مفاوضات اللجنة الدستورية مفصلية، بعد الاتفاق كما يبدو على عقد لقاء مشترك بين رئيسي وفد المعارضة والنظام، وهو الأمر الذي لم تشهده الجولات الخمس السابقة.
وقال الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن المعارضة هادي البحرة إن هناك جهوداً يبذلها المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن للوصول إلى تفاهم بخصوص منهجية عمل اللجنة الدستورية ونقاشاتها بشكل يؤدي الى نتائج تتوافق مع ولايتها المحددة بشكل واضح.
وأضاف في حديث ل”المدن”، أن وفد المعارضة تقدم باقتراحات لتلك المنهجية قبل الدورة الخامسة للاجتماعات وخلالها، كما تقدم بيدرسن باقتراح منه، وقبلناه كممثلين عن هيئة التفاوض السورية، لكن بكل أسف لم يتم التوافق عليها، وفور انتهاء الدورة الخامسة للاجتماعات تابع بيدرسن جهوده للاتفاق على المنهجية وما زالت جهوده مستمرة.
وقال: “أوضحنا أنه لا بد من التوافق عليها قبل تحديد موعد انعقاد الدورة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية، كما طالبنا بضرورة تسريع وتيرة العمل وصولاً لجعله عملاً مستمراً لإنجاز مهمة اللجنة، وضرورة تنفيذ ما جاء بقرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي نعمل بولايته وتنفيذاً لما جاء فيه بخصوص العملية الدستورية حيث نص بشكل واضح في المادة الرابعة منه على “تحديد جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد”، مضيفاً “من واجبنا كلجنة الاتفاق على جدول زمني لإنجاز مهامنا”.
وحول احتمالية عقد لقاء مشترك بينه وبين الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن النظام أحمد الكزبري، قال البحرة إن الاجتماع منصوص عليه بشكل واضح ضمن “الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية” لعمل اللجنة الدستورية المتفق عليها من الأطراف السورية كافة في اتفاق تشكيل اللجنة، بالتالي هو ليس بالجديد، إلا أن عدم تنفيذه سابقاً كان يعيق عمل اللجنة والطرف الذي يرفض تنفيذه يتحمل مسؤولية إعاقة العمل.
واعتبر أن “الأهم من الاجتماع المشترك هو وجود الإرادة لدى الجميع لتذليل العقبات وإنجاز المهام الموكلة للرئيسين المشتركين وأهمها ما تم النص عليه، وهو تسهيل واقتراح جدول أعمال وخطط عمل تمكن من تناول كل المسائل ولا تجعل تناول مسألة ما متوقفاً على الاتفاق حول مسائل أخرى، كما أشارت اللائحة الداخلية إلى الالتزام بعمل اللجنة بشكل سريع ومتواصل بما يؤدي لتحقيق نتائج”.
وأضاف البحرة أن هذه المواضيع التي ينبغي وضع آليات واضحة لإنجازها، لضمان إنجاز ولاية اللجنة بأسرع وقت ممكن، “هذا واجب علينا ولا يمكن القبول بالمضي دون إنجازات تحقق في كل دورة من اجتماعات اللجنة الدستورية”. وقال إن “الشعب السوري يعاني من مأساة خطيرة ومعاناة تتفاقم يومياً، وهذا يقتضي مضاعفة الجهود من قبل الاطراف كافة، لا القبول بالتعطيل فهو جريمة بحق كل السوريين”.
وكان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف قد جدد الأربعاء، الحديث عن احتمال عقد الجولة السادسة من مفاوضات الدستور قبل حلول شهر رمضان، متحدثاُ عن جولة نوعية، يميزها عنصر جديد عن كافة الجولات السابقة.
وقال لافروف أثناء مشاركته في أعمال منتدى “فالداي” الدولي للحوار في موسكو: “لا نزال نأمل في إمكانية عقد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية الذي كان مقرراً قبل حلول شهر رمضان، في موعده، ويتوقع أن يكون جديداً نوعياً”، كاشفاً عن الاتفاق على أن يعقد رئيسا وفدي المعارضة والنظام لقاء مباشراً، مضيفاً أن بيدرسن “عبّر عن ترحيبه بهذا الاتفاق، الذي ساعدت روسيا في التوصل إليه”.
لكن الناطق باسم هيئة التفاوض السورية وعضو اللجنة الدستورية يحيى العريضي استبعد عقد الجولة السادسة قبل حلول شهر رمضان، مؤكداً ل”المدن”، أنه لم يُسجل تطور يُذكر، يؤكد احتمال ذلك”.
كذلك، قلّل عضو اللجنة الدستورية المصغرة عن المعارضة حسن حريري من احتمال عقد الجولة السادسة من مفاوضات الدستورية قبل رمضان، موضحاً ل”المدن”، أن الوقت لم يعد عاملاً مساعداً على ذلك، لأن رمضان بات على الأبواب ولم يبق على حلوله سوى 12 يوماً، في حين أن الدعوات للجولة السادسة لم تُرسل بعد، فضلاً عن عدم التوصل إلى منهجية ناظمة لعمل الجولة السادسة، بما يخدم مصلحة الشعب السوري.
وكانت الجولة الخامسة من مفاوضات الدستورية، قد اختتمت أعمالها في أواخر كانون الثاني/يناير بالفشل، بسبب رفض وفد النظام الخوض في صياغة المضامين الدستورية، والاكتفاء بمناقشتها فقط. ولم يتم تحديد موعد الجولة السادسة، وقال بيدرسن في ختامها إنه ” لا يمكن أن تستمر المباحثات بهذا الشكل”.
من جهة ثانية، بدا أن تحذير لافروف من انهيار الدولة السورية، بالتزامن مع حديثه عن الجولة المقبلة من مفاوضات الدستور، مصمم لتوجيه رسائل تحذيرية للمعارضة والنظام، لكن يحيى العريضي، اعتبر أن تصريح لافروف “يعدّ استمراراً للدبلوماسية الروسية غير الجادة والبهلوانية في الملف السوري”.
———————-
“قيصر” و”قسد” والإجراءات الحكومية.. حركة النقل العام مشلولة في سوريا
ضياء عودة – إسطنبول
منذ قرابة أسبوعين باتت باصات النقل الداخلي التي تعمل على نقل الركاب في العاصمة دمشق “تعد على الأصابع”، وفي المقابل لم يعد هناك أي نشاط للباصات الصغيرة المعروفة محليا باسم “السرافيس”، ما انعكس سلبا على حركة تنقل المواطنين، الباحثين عن أرخص وسائل النقل ثمنا.
“الحركة مشلولة تماما، وعلينا الانتظار لساعات للركوب وقوفا وفوق بعضنا البعض بالباصات التابعة لوزارة النقل”. يقول عارف الذي يضطر صباح كل يوم للوقوف ضمن “طابور” في شارع الثورة وسط العاصمة.
ويضيف الشاب في تصريحات لموقع “الحرة” أن أحياء دمشق تعيش في “أزمة مواصلات” غير مسبوقة، بعد النقص الحاد في المحروقات لدى محطات الوقود، وما تبع ذلك من تخفيض حكومة النظام مخصصات مادتي البنزين والمازوت.
ويؤكد الشاب على حركة الشلل التام لحركة النقل العام، ويتابع: “هناك عدد قليل جدا من الحافلات التي تعمل حاليا. الناس باتوا يصطفون بطوابير ليس فقط للحصول على الخبز بل للذهاب إلى العمل والجامعة”.
وتعيش المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام أزمة في الحصول على المحروقات ليست بجديدة، لكن حدتها تصاعدات منذ أسبوعين. ووفق الرواية الرسمية، يعود سببها إلى تأخر وصول توريدات النفط عبر البحر، بعد أزمة حركة الملاحة في قناة السويس.
وعلى وقع أزمة الوقود أعلنت “الحكومة السورية” منذ ثلاثة أيام سلسلة قرارات خفضت بموجبها مخصصات البنزين والمازوت لمحافظات مختلفة، بينها دمشق وطرطوس وحمص وحماة وحلب.
في مدينة طرطوس، مثلا، حددت لجنة المحروقات فيها كمية الحصول على البنزين للسيارة السياحية الواحدة، وقالت: “يجب ألا تزيد تعبئة الواحدة منها عن 20 ليترا ولمرة واحدة كل سبعة أيام”.
وخفضت اللجنة حصة “ميكروباصات” النقل العاملة بين القرى ومراكز مدن المناطق حتى 50 بالمئة، فيما أبقت على مخصصات الميكروباصات اليومية التي تنقل الركاب بين مدينة طرطوس ومراكز المناطق.
زيادة في الأسعار قبل التخفيض
القرار المتعلق بتخفيض مادتي البنزين والمازوت للسيارات السياحية وحافلات النقل العام والخاص، كان قد سبقه قرار، في 15 مارس الماضي، رفعت بموجبه الحكومة السورية أسعار هاتين المادتين، المحسوبتين على قوائم “المواد المدعومة التي يحتاجها المواطن بشكل يومي”.
وبينما ارتفع سعر ليتر مادة البنزين الممتاز “أوكتان 90” إلى 750 ليرة سورية لليتر الواحد، تحدد سعر مبيع البنزين “أوكتان 95” للمستهلك بـ2000 ليرة لليتر الواحد.
كما أصبح سعر أسطوانة الغاز المنزلي التي تزن عشرة كيلوغرامات للمستهلك 3850 ليرة سورية.
أما مادة المازوت التي ينحصر بيعها عبر ما يسمى بـ”البطاقة الذكية” فلا سعر ثابتا لها، كون عملية بيعها تنشط بشكل أكبر في السوق السوداء بعيدا عن المخصصات التي تتيحها حكومة النظام السوري.
“المخصصات تباع للربح”
عبد الكريم سائق سرفيس في مدينة حمص وسط البلاد، يقول إن “معظم السائقين على خطوط الريف وداخل المحافظة اتجهوا لبيع المخصصات التي يستلمونها من لجان المحروقات التابعة للحكومة السورية”.
يضيف عبد الكريم الذي فضل عدم ذكر اسمه الحقيقي في تصريحات لموقع “الحرة”: “سعر ليتر المازوت يستلمه السائق بسعر 170 ليرة سورية ويبيعه في السوق السوداء بسعر 1800 ليرة سورية. بتوفي معنا بهالحالة (نربح) أكثر من العمل على الخط”.
ويتابع السائق: “حتى ولو اتجهنا للعمل على خطوط النقل داخل المحافظة وصولا إلى الريف، فإننا نعمل نصف ما هو محدد لنا. ليس ذلك فقط نحاول استيعاب عدد ركاب أكبر مما هو متاح لطاقة السرفيس. المقعد الواحد نجعله يتسع لأربعة ركاب بدلا من راكبين”.
في ما يخص باصات النقل الداخلي التابعة لوزارة النقل في الحكومة السورية، أوضح السائق في سياق حديثه أن عددها ومنذ قرابة أسبوعين انخفض بشكل كبير إلى الحد الأدنى، بسبب ندرة مادة المازوت.
ويشير: “باص النقل الداخلي الواحد باتت حمولته تزيد 10 مرات عن المحددة له. المواطنون يركبون بالغصب، كون البديل غير موجود. أصحاب التكاسي الصفراء ضاعفوا أسعارهم بسبب عدم ثبات سعر مادة البنزين وكمياتها”.
زاد عبد الكريم: “طلب التكسي وصل في اليومين الماضيين إلى 10 آلاف ليرة سورية للتنقل بين كراجات حمص الشمالية والجنوبية. في السابق كان الحد الأقصى المحدد له 3 آلاف ليرة سورية”.
“تسعيرات جديدة”
أمام ما سبق من ندرة الوقود في البلاد وما تبعها من شلل لحركة المواصلات الخاصة والعامة، اتجهت مجالس المحافظات السورية وبشكل مفاجئ إلى تعديل أجور نقل الركاب بسيارات الأجرة “التكاسي”.
وفي سلسلة قرارات صدرت في 30 من شهر مارس الماضي باتت أجرة فتح العداد بـ150 ليرة سورية، وسعر الكيلومتر الواحد بـ230 ليرة سورية، أما الساعة تحددت بـ2400 ليرة سورية وصولا إلى 4000 ليرة في العاصمة دمشق.
مشهد انتشار المواطنين على الطرقات وتجمعهم في المواقف الرسمية كانت صور وتسجيلات مصورة قد أظهرته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في الأيام الماضية، وأبرزها في كراجات مدينة جبلة الساحلية.
وأظهرت التسجيلات الازدحام الشديد والتدافع بين المواطنين عند قدوم أي باص أو “ميكرو باص”، لحجز مكان في وسيلة النقل.
وإلى جانب أزمة المواصلات الخانقة التي لا تقتصر على العاصمة دمشق بل تشهدها جميع المحافظات السورية، باتت تلوح أزمة تتعلق بشبكة الكهرباء والمعدل الزمني لوصولها إلى منازل المدنيين.
والأربعاء أعلن عضو المكتب التنفيذي المختص بقطاع النقل والكهرباء في محافظة اللاذقية، مالك الخيّر، زيادة ساعات التقنين الكهربائي لتصبح 5 ساعات قطع مقابل ساعة وصل.
وأضاف الخيّر لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية: “التقنين قابل للزيادة ليصبح 6 ساعات قطع مقابل ساعة واحدة تغذية”، مشيرا إلى أن “النقص يشمل كل المحافظات وذلك جراء الحصار على بلدنا وعدم وصول التوريدات اللازمة”.
“أزمة دون حل”
ومنذ أشهر تعيش مناطق سيطرة النظام السوري أزمات في الحصول على المحروقات، وبررتها حكومة الأخير بالعقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة بموجب عدة قوانين، في مقدمتها “قانون قيصر”.
وتعتمد حكومة الأسد منذ سنوات على التوريدات النفطية التي توردها الدول الداعمة للنظام وخاصة إيران، إلا أنها انخفضت خلال الأشهر الماضية بسبب تشديد العقوبات الأميركية بموجب “قيصر”.
وتعتمد، أيضا، على تهريب المحروقات عبر صهاريج من المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” في مناطق شمال وشرق سوريا.
المحلل والاستشاري الاقتصادي، يونس الكريم يقول إن النظام يفتقد لأي مصدر للحصول على المحروقات بشكل مستمر ومتواصل في الوقت الحالي.
ويضيف الكريم في تصريحات لموقع “الحرة”: “هناك عدة أسباب لأزمة المحروقات الحالية، أولها عدم وجود احتياطي نقدي لشراء مخصصات النفط، الأمر الذي يلقي بظلاله على القطاعات التي تحتاجه هذه المواد”.
السبب الآخر يراه الاستشاري الاقتصادي في الخلاف بين الحكومة السورية و”قسد”، الأمر الذي يدفع الأخيرة لقطع طرق شاحنات النفط بين الفترة والأخرى.
ولا يتوقع الكريم أي انفراجة في أزمة المحروقات في المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أن أسباب الأزمة تعود إلى أن “الحكومة السورية لم تحل الأزمة السابقة بشكل جذري، وإنما اتجهت إلى إعادة توزيع بعض المخصصات التي حصل عليها النظام السوري من مصادر مختلفة، سواء من الشحنات المهربة من شرق سوريا أو من إيران أو القادمة من السوق اللبنانية”.
ويتابع الكريم: “هذه الكمية تم استخدامها وصرفها، لتعود الأزمة من جديد”.
ومنذ سنوات تورّد إيران المحروقات إلى السواحل السورية، على الرغم من وجود عقوبات أميركية بموجب قانون “قيصر”، وتعمل الناقلات الإيرانية على إطفاء نظام التعريف التلقائي الذي يعرف بـ (AIS)، وهو نظام تتبع أوتوماتيكي للسفن الذي يحدد هويتها وموقعها ووجهتها النهائية.
وتقوم الناقلات بإطفاء النظام التعريفي عند اقترابها من السواحل السورية، أو عند إفراغ حمولتها لناقلات أخرى غير معاقبة أميركيا في وسط البحر قبل أن تنقلها إلى سوريا.
ضياء عودة – إسطنبول
الحرة
——————-
حين يحتفي الأسد بتلاعب النظام بالليرة!
لم يكن مفاجئاً اختيار رئيس النظام السوري بشار الأسد اجتماع الحكومة لاستئناف ظهوره بعد الانقطاع الأخير بدعوى الإصابة بفيروس كورونا، حيث أتاح التحسّن في سعر صرف الليرة فرصة ظهور استعراضي قد لا يتوفر في القريب العاجل.
ورغم أن التحسن الأخير في سعر الصرف لم يعد بالليرة إلى مستوى معقول بالنسبة للمواطن، بل بالكاد عوّض الانخفاض الكبير الذي لحق بها خلال الأسبوعين الماضيين، ورغم أنه تحقق بفعل إجراءات قسرية من المتوقع أن تلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد السوري على المدى المتوسط والبعيد، إلا أن الأسد لم يتردد في اعتبار ما حدث “انتصاراً كبيراً على الفساد والمؤامرة”.
الأسد اعتبر أن مجموعة الاجراءات والتشريعات والقوانين التي صدرت في الآونة الأخيرة “تؤكد فكرة أنه لا يوجد شيء مستحيل” وأن “معركة سعر الصرف التي تمكنّا فيها من تحقيق إنجازات لم تتحقق سابقاً” تؤكد ذلك، مرجعاً مرة أخرى التدهور المستمر الذي تتعرض له الليرة إلى المضاربين والفاسدين في الداخل، والمعركة الخارجية على الاقتصاد السوري التي “تُقاد من الخارج”.
لا يختلف أحد حول الفساد والمضاربة اللذين يلعبان دوراً مهماً في ما تتعرض له الليرة، لكن الأسد لا يرى أن هذا هو السبب المهم الذي يجب التوقف عنده ومعالجته، فالأولوية، كما يرى، هي لمواجهة المؤامرة الخارجية التي “أصبحت أدوات الأعداء فيها واضحة… ومن خلال وضوحها ومعرفة آلياتها قمنا نحن باستخدام آليات معاكسة”، وبما أن “الجزء الأكبر منها هو حرب نفسية” فإن الحل، حسب الأسد لمواجهة هذا النوع من المعارك هو “توعية الناس”.
مقاربة حاول إعلام النظام الترويج لها ك”فتح”، فأفرد لها مساحات واسعة، وخصص معظم ساعات البث للحديث عنها وإظهار عبقريتها، لكن من دون أن ينجح في إقناع حتى القسم الأكثر موالاة للنظام بين السوريين، بها، خاصة وأن الجميع فقد الثقة بشكل كامل تقريباً بقدرة النظام على إيجاد حل ناجع للأزمات الاقتصادية المتفاقمة، التي لم تنجح كل المحاولات السابقة سوى في ضبط مؤقت لها قبل أن تعود لتخرج عن السيطرة بشكل أكبر.
نتيجة تبدو حتمية طالما أن النظام يلجأ في كل مرة إلى إجراءات تبدو فعّالة في ضبط سعر صرف الليرة على المدى القصير، لكن على المدى المتوسط والبعيد تُلحق أضراراً إضافية أكبر من كل العوامل التي تتسبب بانخفاض قيمتها وإلحاق مخاطر جسيمة بالاقتصاد المحلي الذي يعاني على كل الأصعدة.
وعليه فإن التحسن الكبير في سعر صرف الليرة الذي تحقق خلال الأيام الأخيرة الماضية، والذي أعاد لها نحو 15 في المئة من قيمتها أمام الدولار، لن يكون، حسب الخبراء، سوى تكرار حتمي لحلول هي في الواقع ترقيعات لن تلبث أن تؤدي إلى مزيد من التمزق في ثوب اقتصاد فقد معظم عوامل “الصمود والمقاومة”.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أنيس في تصريح ل”المدن”، أن قيام البنك المركزي السوري بتغيير سعر صرف الدولار في وقت سابق، وإطلاق حملة أمنية لضبط السوق السوداء والحد من كميات الليرة المتداولة، كانت أبرز أسباب التحسن في سعر صرفها.
ويضيف أن “قرار البنك المركزي رفع السعر الرسمي لليرة أمام الدولار شجع المنظمات الدولية العاملة في مناطق سيطرة النظام لاجراء بعض التحويلات وفقاً لتلك الأسعار، ما أدى لضخ كميات من العملة الصعبة في هذه المناطق، كما قامت حكومة الأسد بحملة واسعة في السوق السوداء لحصر التعامل بالدولار مع المركزي والبنوك المرخصة فقط، ما سمح بالتحكم بسعر الصرف ليحتكر النظام أداة التسعير بيده”.
ويرى أنيس أنه من أجل تلمّس مؤشرات فعلية لتحسن قيمة الليرة السورية “فعلينا متابعة مؤشرين أساسيين هما، ايقاف الحرب باتفاق يرضي الجميع وإعادة عجلة الانتاج، وتشجيع التصدير بحيث يتم ترجيح الميزان التجاري مع الخارج، وهما إجراءان غير واردين على المدى المنظور، وبالتالي فإن كل ما يتّخذه النظام من حلول لن تؤدي سوى إلى إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد السوري، حتى وإن ظهرت لها بعض الانعكاسات الإيجابية بلحظتها”.
وكان البنك المركزي في دمشق قد أصدر مجدداً تعليمات لتفعيل قرار سابق له يمنع نقل أي مبلغ يتجاوز الخمسة ملايين ليرة بين المحافظات، كما حدّد سقف المبلغ المسموح بسحبه من البنوك بمليوني ليرة، ووقف الحوالات الداخلية التي تتجاوز المليون ليرة، ما حدّ من السيولة المتاحة من العملة المحلية في الأسواق، الأمر الذي أسهم في رفع الطلب على الليرة، وبالتالي، تحسن سعر صرفها.
العودة للإجراءات السابقة التي طالما اعتمد عليها النظام لاحتواء الانهيارات المتكررة في سعر الصرف شملت كذلك شنّ حملة أمنية جديدة على مكاتب الصرافة وتحويل الأموال، فتمّ إغلاق بعضها، ومصادرة كميات من السيولة المتاحة في هذه المكاتب، وهي إجراءات تناقض حديث الأسد عن ضرورة زيادة الإنتاج، الذي يتطلب المساعدة في تحريك دورة الاقتصاد وليس تقييدها على هذا النحو.
ويرى المراقبون أن النظام سيكون مضطراً خلال وقت قصير للتراجع عن هذه القيود مجدداً، كما كان يحدث في كل مرة، حيث سبق وأن تجاهل قراره القديم بتقييد نقل السيولة بين المحافظات، كما غضّ الطرف عن تسليم الحوالات الخارجية من العملات الصعبة بسعر السوق السوداء لتوفير كميات إضافية من هذه العملات في السوق المحلية.
رغم كل استعراضاته الإعلامية، والتي لم يتوانَ حتى رئيسه عن المشاركة فيها، إلا أن النظام لا يجد خيارات أخرى من أجل السيطرة على سعر صرف الليرة، سوى الدخول في سباق مع المضاربين المحليين، وهم غالباً من المرتبطين به، والحد من العرض المتاح لليرة في السوق المحلية، وهي إجراءات يتفق الجميع على أنها يائسة لا تؤدي سوى إلى المزيد من المتاعب، مع غياب أي أفق بحل سياسي يعتبر الخطوة الأساس في إنقاذ ما تبقى من الاقتصاد السوري.
المدن
————————-
أوروبا: لا نقاط عمياء في التعامل مع فظائع الأسد
بعدما اتفق الأوروبيون، خلال رعايتهم قبل يومين بالتعاون مع الأمم المتحدة مؤتمر بروكسل لدعم الشعب السوري، على عدم إنفاق أموال على إعادة بناء واسعة في هذا البلد حتى يلتزم نظام بشار الأسد بعملية سياسية حقيقية لحل النزاع، تعهد وزراء خارجية 18 أوروبية “عدم إفلات النظام السوري وداعش وباقي الجماعات الإرهابية من العقاب على ارتكابهما اعتداءات باستخدام أسلحة كيمياوية وعمليات خطف وتعذيب”.
وقال الوزراء في بيان مشترك نُشر على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الفرنسية: “نلتزم ضمان عدم إفلات مجرمي الحرب ومرتكبي التعذيب من العقاب. من الضروري تسليط الضوء الكامل على عقد من الأعمال الوحشية في سوريا، بعدما قُتل خلال السنوات العشر الماضية نحو 400 ألف شخص وأجبر أكثر من 6 ملايين على الفرار من انتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان”.
وتابعوا: “أثبتت الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية، بما لا يدع مجالاً للشك، أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيمياوية ضد شعبه في شكل متكرر، وأنه رفض بإستمرار تقديم تفسيرات الى فرق التحقيق الدولية، لكن الناجين من هجماته موجودون ليشهدوا على ما رأوه وعانوه”.
وأكد الوزراء مواصلتهم الدعوة إلى السماح بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم التي يشتبه بارتكابها في سوريا ومحاكمة الجناة، “لأننا لن نظل صامتين عن الفظائع التي حدثت في سوريا والتي يتحمّل النظام وداعموه الخارجيون مسؤوليتها الأساسية”، علماً أن محاكم في دول أوروبية عديدة حالياً تنظر في دعاوى عدة مرفوعة، إستناداً الى مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطرة، بغض النظر عن جنسيتهم ومكان حدوث الجرائم.
وفي شباط/ فبراير 2021، دانت محكمة ألمانية عضواً سابقاً في جهاز الاستخبارات السوري بتهمة “التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية”، ضمن أول محاكمة في العالم تتعلق بانتهاكات منسوبة إلى النظام السوري.
وأشار بيان الوزراء الأوروبيين الى أن الاتحاد الأوروبي تبنى عقوبات استهدفت أفراداً وكيانات مقربة من النظام تقف وراء قمع الشعب السوري، و”نحن نرفض رواية النظام بأن هذه العقوبات مسؤولة عن معاناة الشعب السوري، ونعتبر أن إهماله الصارخ وسوء إدارته للاقتصاد أدى إلى الأزمة الحالية التي يواجهها السوريون”.
وأكد البيان “الحاجة الى ايجاد حلول لمأساة المعتقليين السوريين واختفاء أكثر من مئة ألف شخص. ومن الضروري أن تكرس الأمم المتحدة كل الطاقة المطلوبة لتحقيق نتائج ملموسة، فمكافحة الإفلات من العقاب ليست مسألة مبدأ فقط ، بل واجب أخلاقي وسياسي، ومسألة تتعلق بأمن المجتمع الدولي”.
وقال: “استخدام الأسلحة الكيمياوية، في أي ظرف، يُهدد السلم والأمن الدوليين. ونحن رددنا على الهجمات الكيماوية بتعبئة جميع المؤسسات المختصة من أجل إجراء تحقيقات مستقلة تماماً، وأطلقنا شراكة دولية جمعت 40 دولة والإتحاد الأوروبي لمكافحة الإفلات من العقاب على استخدام الأسلحة الكيمياوية، ما سمح بإدانة المتورطين في تطوير أو استخدام الأسلحة الكيمياوية. ولن نرتاح حتى يُعاقبوا على جرائمهم، خصوصاً أننا نعتبر أن مكافحة الإفلات من العقاب شرط أساسي لإعادة بناء سلام دائم في سوريا”.
وفي تقرير نشرته صحيفة “دي فيلت”، شدد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس على أن بلاده “لن تبقى صامتة في وجه الفظائع والجرائم ضد الإنسانية التي لا حصر لها في سوريا، والتي يتحمل النظام ومن يدعمه من الخارج المسؤولية الأساسية لارتكابها”.
ودعا إلى أن “لا تكون هناك نقاط عمياء عند التعامل مع الفظائع التي اقترفها النظام خلال عشر سنوات على الحرب. ونظراً لخطورة الجرائم، نؤيد إعطاء الفرصة للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيها وتوجيه التهم للجناة”، مشيراً إلى أن “هدف توثيق الجرائم هو إفشال استراتيجية أولئك الذين يعرقلون إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية من خلال مجلس الأمن”.
المدن
——————————
عشرية الأسد الجديدة:سوريون في شاحنات البضائع!/ إياد الجعفري
فيما كان رأس النظام السوري، بشار الأسد، يتحدث عن معركته مع “سعر الصرف”، كانت “معارك” حقيقية، مُصغّرة، تندلع في أحياء متفرقة من العاصمة دمشق. وهذا التوصيف ليس مجازياً للغاية. ذلك أنه خلال محاضرة الأسد أمام مجلس وزرائه، سُجل في العاصمة دمشق، اشتباكات بالعصي، وبالأسلحة البيضاء، أمام محطات وقود. اشترك في اثنتين أو ثلاثة منها على الأقل، عناصر من ميليشيا الدفاع الوطني والشرطة وعناصر أمنية، ليس لضبط طوابير المنتظرين أمام المحطات، بل للتصارع على الوقود الشحيح المتاح بأسعار مدعومة هناك. فيما حلّق سعر البنزين في السوق السوداء بشكل هائل، بالتزامن مع نقل صور مأساوية لأزمات نقل، احتشد فيها الآلاف إما تحت “جسر الرئيس” أو قرب “جسر الثورة” بالعاصمة، بانتظار أي وسيلة نقل يمكن لها أن تقلهم إلى الضواحي، بعد انتهاء أوقات عملهم.
وكانت من أسوأ الصور التي نشرتها إحدى الصفحات المحلية على “فيسبوك”، تلك القادمة من مدينة حلب، حيث يركب عشرات السوريين في شاحنات لنقل البضائع، ويزدحمون فيها في مشهدٍ يعزّ على أحد، مشاهدته.
في ظل هذه الظروف، ربما لم يستمع الكثيرون من السوريين القابعين تحت سيطرة النظام، لخطاب بشار الأسد. وقد يكون أغلبهم، لم يسعفه الوقت، ولم يحظ بظروف مناسبة، كي يتمعّن بما تضمنه هذا الكلام من رسائل. فهو أراد أن يخبرهم، وبكل صراحة، أن مسلسل المعارك الذي يخوضه، باسمهم، مستمر. ذلك هو باختصار، شعاره، في حملته الانتخابية، التي قد تنطلق قريباً، أو قد لا تنطلق أساساً. لا يعني السوريّ المنشغل بتوفير الحد الأدنى من مقومات البقاء على قيد الحياة، تلك التفاصيل. فهو يعلم جيداً، أنه على الهامش، ولا قيمة لصوته، الذي قد يُطلب منه الإدلاء به لترسيم وضعٍ قائمٍ على أرض الواقع، أو قد لا يُطلب منه ذلك. ففي نهاية المطاف، الأمر محسوم.
وفي هذه الأجواء، تأتي رسالة جديدة من موسكو، موجهة لجهات عديدة، أحدها بشار الأسد، علّه يقدّم ولو تنازلاً طفيفاً في الاجتماع المرتقب للجنة الدستورية. فوزير خارجيتها قال بصراحة، إن نظام الأسد –الذي وصفه بـ “الدولة”- قد ينهار تحت وطأة جمود الوضع الراهن على حاله. تلك الرسالة تستهدف جهات أخرى دون شك، أحدها إسرائيل، فانهيار الأسد، قد يعني انفلات “التطرف” الذي تخشاه، والذي، خشيةً منه، فضّلت الأسد على مدى زمني يقرب من عقدين، كما كشفت المراجعات والنقاشات التي نُشرت في وسائل إعلام عبرية، في الفترة الأخيرة.
أما الأسد، ذاته، فلا يعنيه التحذير الروسي. فهو مستمر في معاركه. آخر تلك المعارك، مع سعر الصرف، حقق فيها بعض “الإنجازات”، فهو استطاع، عبر المؤسسات الخاضعة لسيطرته، تخفيض الدولار الأمريكي من 4700 إلى 3600 ليرة سورية. هذا “الإنجاز”، الذي تبجح به الأسد أمام وزرائه، كان قبل شهرين فقط، هزيمة كبرى. قبل شهرين فقط، كان الدولار بـ 2920 ليرة. وهكذا، في عُرف الأسد، تتحول الهزيمة إلى “إنجاز” خلال شهرين فقط. أما أن يرفع التجار أسعار السلع على وقع سعر الصرف، فتلك “لصوصية” حسب فهم الأسد. من دون أن يسأل نفسه: كيف سيموّل التاجر شراء بضاعة جديدة بسعر مرتفع، إن باع بسعر منخفض؟ الجواب على هذا التساؤل، الذي لم يطرحه الأسد أساساً، رُصد في دمشق، خلال الأيام الفائتة، بشكل إضراب جزئي في بعض الأسواق، ليس تمرداً ضد النظام، بل عجزاً عن الاستمرار في دورة الحياة التجارية، بسبب التذبذب الكارثي لسعر الصرف، وعجز القدرة الشرائية للسوريين عن البقاء على قيد الحياة. فانهار الطلب على السلع، ومعه، تكاد تنهار التجارة تماماً في إحدى أعرق المدن التجارية في العالم.
تلك الصورة المأساوية في سوريا، لا تعني الأسد بشيء، ما دامت لم تتحول إلى احتجاج يهدد كرسي حكمه. فابن النظام الذي عُرف بالرهان “الاستراتيجي” على الوقت، ينتظر المدد الصيني عبر الحليف الإيراني. ولا يعني الأسد أن تندلع حرب باردة في المنطقة، بين الصينيين والأمريكيين، يكون بلده إحدى ساحاتها. بل على العكس، قد يفيده ذلك، فهو وعمود نظامه الفقري، يتقنون الاستفادة من الأزمات والحروب. بل وينعشهم اقتصاد الحروب. فشقيقه ماهر، أفاد كثيراً من العشرية السابقة، فتحولت فرقته الرابعة إلى وكيل معابر تهريب، وحواجز ترفيق، و”بزنس” مربح للغاية من تجربة “التعفيش”. أما الأسد ذاته، فأتقن إدارة وتقسيم الأدوار، ورفع وكلاء له، ونال من آخرين، بصورة تضمن له البقاء كأقوى أمير حرب في سوريا.
في هذه الأثناء، يعيش السوريون تجربة جديدة مريرة، قد تكون أسوأ ما عاشوه حتى اليوم. فحشرهم في شاحنات البضائع قد يتحول في عشرية أخرى من تاريخ سوريا، لو استمر حكم الأسد، إلى واقعٍ يمكن التطبيع معه. هذا هو رهان النظام. وهو ما قاله الأسد صراحةً، أن على “المواطن” أن يقف مع “مؤسسات الدولة” في حربها الجديدة. وذلك بانتظار “الفرج”، سواء جاء من الصين، أو من إسرائيل نفسها، التي عليها أن تستمر بالخشية من بديل الأسد، وفق الرسالة الروسية الأخيرة.
المدن
——————————
«الانسداد» الأميركي ـ الروسي ينعش اقتراح «خطوة ـ خطوة» في سوريا/ إبراهيم حميدي
توقعات في دمشق بقرب برنامج الانتخابات الرئاسية… ومؤتمر بروكسل يجدد شروط «التطبيع» و«الإعمار»
أعاد المؤتمر الدولي للمانحين في بروكسل، سوريا إلى رأس الأجندة الدولية والإقليمية بعد تراجع الاهتمام بها منذ تسلم إدارة الرئيس جو بايدن التي لا تزال في طور المراجعة السياسية بمشاركة المؤسسات الأميركية المختلفة.
في الوقت نفسه، كشف هذا «الاهتمام المؤقت» في الذكرى العاشرة لبدء الأزمة، استمرار الجدار وعدم بلورة تفاهم دولي – إقليمي بسبب تفاقم التوتر بين أميركا وروسيا وانعكاساته المختلفة في ملفات عدة بينها سوريا، المكان الوحيد الذي يقف فيها جيشا البلدين وجها إلى وجه تنظم العلاقة بينهما تفاهمات عسكرية لمنع الصدام، ما أعاد طرح مقاربة «خطوة – خطوة» بين موسكو واشنطن.
– ما هو المشهد من موسكو؟
تدعم موسكو دمشق في خطتها السياسية والمضي قدما في ملفي الانتخابات الرئاسية والإصلاح الدستوري. حسب المعلومات، فإن مجلس الشعب (البرلمان) السوري سيبدأ في 19 الشهر الجاري جلسة برلمانية، يرجح أن تطلق فيها عملية الإعداد للانتخابات الرئاسية، بموجب الدستور الحالي للعام 2012، ونص على أن «يدعو رئيس مجلس الشعب لانتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن ستين يوماً ولا تزيد على تسعين يوماً»، علما بأن ولاية الرئيس بشار الأسد تنتهي في 17 يوليو (تموز) المقبل.
كما تضمنت الشروط بأن «لا يقبل طلب الترشيح إلا إذا كان طالب الترشيح حاصلاً على تأييد خطي لترشيحه من 35 عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب، ولا يجوز لعضو مجلس الشعب أن يمنح تأييده إلا لمرشح واحد»، حسب الدستور. وزاد: «إذا لم تتوافر الشروط المطلوبة للترشيح سوى بمرشح واحد خلال المهلة المحددة، فيتوجب على رئيس مجلس الشعب الدعوة إلى فتح باب الترشيح مجدداً وفق الشروط ذاتها».
وإلى الآن، لم تظهر مؤشرات لظهور مرشح جديد ولم يعلن رسمياً برنامج الانتخابات ومواعيدها، علما بأن الانتخابات السابقة في 2014، وهي الأولى التي تجري بموجب دستور 2012 شهدت مشاركة مرشحين اثنين، وكانت الأولى التي لم تجر بصيغة الاستفتاء على مرشح واحد منذ عقود.
وتدعم روسيا هذا الاتجاه، وتقول إنه لا علاقة بين الانتخابات الرئاسية المقبلة والإصلاح الدستوري برعاية الأمم المتحدة بموجب القرار 2254، وجدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذا الاتجاه في خطابه يوم أمس. كما كرر الموقف من ضرورة عدم وجود سقف زمني لعمل اللجنة الدستورية في جنيف. وأقصى ما كان ذهب إليه في جلسات خاصة، أنه في حال حصل إصلاح دستوري يمكن الدعوة لانتخابات رئاسية جديدة بعد الانتخابات المقبلة. وقد توافق دمشق على هذا لأنه يعطي غطاء في الدستور لولاية جديدة أو أكثر للأسد.
في غضون ذلك، يواصل المبعوث الأممي غير بيدرسن اتصالاته مع رئيسي وفد الحكومة أحمد الكزبري و«هيئة التفاوض» المعارضة هادي البحرة للوصول إلى اتفاق خطي حول آلية عمل اللجنة وكيفية البدء بصوغ الإصلاح الدستوري، خصوصاً بعدما تسلم الكزبري «توجيهات» للبدء بعملية «صوغ الدستور». وتتضمن الاتصالات الأممية مع الكزبري والبحرة تفاصيل الاتفاق على آلية العمل وإمكانية عقد جلسة جديدة للجنة الدستورية قبل الانتخابات الرئاسية مع مراعاة قدوم شهر رمضان بحدود 13 الشهر الجاري وانعقاد جلسة مجلس الشعب في 19 منه.
وتواصل موسكو هجماتها الدبلوماسية باتجاهات عدة، وتحث دولاً عربية وأوروبية على المساهمة في إعمار سوريا و«التطبيع» مع دمشق بعد استقرار العمليات العسكرية فيها وقرب الانتخابات الرئاسية. كما تواصل عنادها في مجلس الأمن باتجاه عدم التمديد للقرار 2533 الخاص بتقديم المساعدات الإنسانية «عبر الحدود» الذي تنتهي ولايته في 11 يوليو المقبل. وهي تضغط على الدول المانحة لتقديم المساعدات من دمشق والمؤسسات الأممية المقيمة فيها.
– ما هي «المأساة» من واشنطن؟
أول إطلالة لوزير الخارجية الأميركي الجديد أنطوني بلينكن في الملف السوري، كانت من بوابتين: الأولى، ترؤسه اجتماع مجلس الأمن الخاص بـ«المأساة الإنسانية». الثانية، رئاسة مؤتمر وزاري مصغر للتحالف الدولي ضد «داعش». أما بالنسبة إلى مؤتمر بروكسل للمانحين، فإنه فضل إيفاد المندوبة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد.
في مجلس الأمن، واجه بلينكن الجانب الروسي بأنه دعا إلى فتح ثلاثة معابر حدودية في باب الهوى وباب السلامة مع تركيا واليعربية مع العراق والعودة إلى الوضع الذي كان سائدا في بداية العام الماضي قبل تمديد القرار الدولي. وقال: «13.4 مليون شخص – اثنان من كل ثلاثة سوريين – بحاجة إلى المساعدة الإنسانية. إن ستين في المائة من السوريين معرضون لخطر الجوع». وزاد: «الطريقة الأكثر فاعلية ونجاعة لتوصيل أكبر قدر من المساعدة لمعظم الناس في الشمال الغربي والشمال الشرقي هي عبر المعابر الحدودية. ومع ذلك، سمح مجلس الأمن بانتهاء الترخيص لمعبرين حدوديين، هما: باب السلام في الشمال الغربي، والذي كان يُستخدم لإيصال المساعدات إلى ما يقرب من 4 ملايين سوري. ومعبر اليعربية في الشمال الشرقي، والذي قدم مساعدات لـ1.3 مليون سوري».
وشكل مجلس الأمن، منصة للصدام الأميركي – الروسي حول «تسييس المساعدات» و«السيادة السورية». وقال بلينكن: «السيادة لم يكن القصد منها أبداً ضمان حق أي حكومة في تجويع الناس، أو حرمانهم من الأدوية المنقذة للأرواح، أو قصف المستشفيات، أو ارتكاب أي انتهاك آخر لحقوق الإنسان ضد المواطنين»، ذلك في رد على نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين من أن المساعدة العابرة للحدود «تنتهك مبادئ القانون الدولي، لأن الحكومة القائمة لا تناسب الغرب»، وقوله إن عدم دعوة الحكومة السورية إلى مؤتمر بروكسل «تعد إضافي على سيادتها»، وانتقاده «التسييس المتزايد للمساعدات الإنسانية».
هذا الجدل الغربي – الروسي انتقل من نيويورك إلى بروكسل، وطال المساعدات والتمويل والسيادة وعدم دعوة دمشق. لكن المفاجأة السارة، كانت حجم التعهدات المعلنة في ختام مؤتمر المانحين الذي شارك فيه 79 وفداً (52 دولة) و«تأكيد التزام المجتمع الدولي سياسياً وإنسانياً ومالياً نحو الشعب السوري».
حسب الأرقام الرسمية، فإن التعهدات هي: 4.4 مليار دولار (3.6 مليار يورو) لعام 2021 وتعهدات متعددة الأعوام بملياري دولار (1.7 مليار يورو) لعام 2022 وما بعده. إضافة إلى تقديم مؤسسات مالية دولية ومانحين دوليين 7 مليارات (5.9 مليار يورو) كقروض ميسّرة.
لا تمانع موسكو ودمشق في ذلك لأنه يسهم في «تخفيف العبء» رغم الانتقادات العلنية. لكن المفاجأة غير السارة، قناعة المشاركين وبيان الرئاسة المشتركة من مفوض الشؤون الخارجية والأمنية الأوروبي جوزيف بوريل والمبعوث الأممي غير بيدرسن أن «التقدّم نحو حل سياسي لا يزال بعيد المنال بعد عقد من الصراع» وأن الاشتباكات على خطوط التماس مستمرة رغم «الهدوء الهش» ووقف النار منذ أكثر من سنة.
– ما شروط «التطبيع» و«الإعمار»؟
أيضا، أظهر المؤتمر الخلاف الروسي – الغربي حول الانتخابات الرئاسية السورية واستمرار التزام شروط «التطبيع» و«الإعمار»، إذ أشارت الرئاسة المشتركة إلى أن الحل يكمن في تنفيذ القرار 2254 و«إكمال عملية صياغة دستور جديد، تمهيداً لانتخابات حرّة وعادلة تحت إشراف الأمم المتحدة، يشارك فيها السوريون الموجودون في الشتات»، ما يعني عدم الاعتراف بالانتخابات المقبلة. وكان بوريل قال لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الانتخابات «لن تؤدي إلى التطبيع مع النظام السوري» وإن هذه الرسالة بعثت إلى دول في المنطقة، التي كانت تسلمت «رسالة» مختلفة من الجانب الروسي، تحث على المساهمة بإعمار سوريا لـ«الحفاظ على الدولة وإضعاف إيران».
وإذ أعرب مؤتمر بروكسل واجتماع مناهضة «داعش» عن القلق من ظهور «داعش» في البادية السورية، مناطق سيطرة الحكومة براً والطائرات الروسية جواً، في بداية العام الجاري، فإن الرسالة المشتركة، هي أن «اجتثاث الإرهاب على نحو دائم في سوريا يتطلب تسوية سياسية حقيقية تعالج أسباب الصراع الجذرية»، في وقت «تسوء الظروف الاجتماعية والاقتصادية» جراء عوامل عدة، بينها الفساد والعقوبات.
أما بالنسبة إلى إعمار سوريا، فإن الشرط الأوروبي غير السار لروسيا، لا يزال قائماً، إذ أفادت وثيقة المؤتمر بأن «الدول المانحة والاتحاد الأوروبي يؤكدان أن إعادة الإعمار (في سوريا) والدعم الدولي لتنفيذها سيكونان ممكنين فقط لدى سريان حلّ سياسي موثوق وراسخ ينسجم مع القرار 2254 وبيان جنيف… وحكومة سورية ديمقراطية وجامعة (…) ومحاورين (سوريين) موثوقين وشرعيين وضمانات فيما يتعلّق بتمويل المحاسبة». وأكد أيضا: «سوريا لا تفي حالياً بأي من هذه الشروط».
وأمام الفجوة الكبيرة بين موقفي روسيا وحلفائها من جهة وأميركا وشركائها الأوروبيين والإقليميين من جهة ثانية، أعيد طرح تفعيل مقاربة «خطوة مقابل خطوة» بين واشنطن وموسكو التي كانت اختبرت مرات عدة إلى صيف العام الماضي عبر محادثات سرية بينهما في فيينا. يتضمن العرض القديم – الجديد، استعداد الغرب لتقديم «حوافز» بينها رفع أو تخفيف أو عدم فرض العقوبات وفك العزلة على دمشق مقابل إقدام موسكو على «خطوات إيجابية» في مجال العملية السياسية ودور إيران في سوريا.
بيدرسن كان من أكثر المتحمسين لهذا الاقتراح خصوصاً مع تفاقم التوتر بين موسكو – بوتين وواشنطن – بايدن، لكن الجديد أن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس دعم هذا الاتجاه مع أنه كان غير مقتنع به في ضوء «خيبات» برلين من الحوار السابق بين المستشارة أنجيلا ميركل والرئيس فلاديمير بوتين عن سوريا.
الشرق الأوسط»
————————
==================
تحديث 02 نيسان 2021
————————-
الولايات المتحدة وسوريا.. من أساء فهم الآخر؟/ إبراهيم الجبين
كان مثيراً للاهتمام والتفكّر خلال الأيام الماضية، نشر صفحات لليهود العراقيين على موقع تويتر لصورة فوتوغرافية لجنديين أميركيين يعكفان على نشر قفل خزنة فولاذية خلال الحرب على العراق مع التعليق التالي “جنديان أميركيان وهما ينشران الديمقراطية في العراق”. تعبير ساخر يستدعي معه أحدث طروحات أدلى بها اثنان من صنّاع القرار الأميركي في الشرق الأوسط، أولهما السفير الأسبق في سوريا روبرت فورد، الذي كتب مؤخراً أن الشعب السوري فهم موقف واشنطن بطريقة خاطئة، حين اعتقد أنها تدعم التغيير في سوريا وأنها بالفعل، تنوي إزاحة نظام الرئيس بشار الأسد. وثانيهما وهو الأهم والفاعل اليوم بقوة، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي تحدّث بانفعال وتأثّر في اجتماع حول الملف السوري عقد قبل أيام.
قال بلينكن إن على القوى الدولية أن تخجل من عدم تحريكها ساكناً في سوريا، وطالب بفتح الحدود السورية أمام المساعدات الدولية. وعبّر فوق ذلك عن شعوره بالغضب الشديد، كلما جرى الحديث عن سوريا.
ليس هذا فقط، بل إن الوزير المحنّك أضاف بلغة تعبيرية مقصودة قائلاً “كيف يمكن ألا نجد في قلوبنا قيماً إنسانية مشتركة من أجل القيام بفعل ذي معنى؟ انظروا في قلوبكم. يجب علينا أن نجد طريقة لعمل شيء ما. هذه مسؤوليتنا، وعارٌ علينا إن لم نفعل ذلك”.
بين هذين الموقفين، يمكن السؤال، ليس فقط عن السوريين وقصتهم مع نظام معقّد حكمهم بالحديد والنار منذ بدايات الستينات وحتى اللحظة، بل مع جميع من لامستهم يد الرحمة الأميركية في العالم العربي. فهل حقّاً فهمت الشعوب العربية مشروع واشنطن لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الذي بدأ بغزو العراق في العام 2003 بشكل خاطئ؟
إذ كيف يمكن أن يُساء فهم المطالب الأميركية للزعماء العرب بالتنحّي على لسان أوباما في تلك السنوات المثيرة، إن لم يكن هذا موقف واشنطن؟ ألم يخرج أوباما موجّهاً خطابه إلى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بصيغة الأمر، مكرّراً أن عليه أن “يرحل. الآن، يعني الآن”؟ ألم تشجّع الولايات المتحدة الليبيين على الثورة وتساهم في قصف نظام القذافي؟ الأمر ذاته في اليمن وفي ملفات أخرى.
من الصعب تصديق فورد بعد إشرافه شخصياً، كأمّ العروس، على كل صغيرة وكبيرة في تشكيل المعارضة السورية الحالية، وحرصه على تلصيق قطع صغيرة صنعت مشهداً بعينه، علاوة على رسمه الدقيق لمواقف تلك القوى الدولية التي يتحدّث عنها بلينكن اليوم، حين كانت الساحة خالية، ولم يكن بوسع أحد التدخّل سوى واشنطن التي واجهت واقعاً خارجاً عن السيطرة، فكان عليها أن تعالجه بمعطيات تناور مع جميع الأطراف بواقع جديد مهمّة فورد كانت تركيبه بعناية، وكأنه كان يقرأ من “كاتالوغ طوارئ” معدّ سلفاً.
هناك رؤية أميركية إذاً. والأمر ليس كما يزعم فورد، مجرّد سوء تفاهم. ومحض تداعيات حول بائع “لحم بعجين” روى السفير “العاطفي” كيف أنه كان يتوجّه إليه بعد عمله سيراً على الأقدام في دمشق. واصفاً طريق عودته إلى مقر إقامته بالقول “خلال سيري، كنت أمرّ بمقاهٍ ومحال تجارية كان الناس يتابعون فيها، عبر شاشات التلفزيون، الأحداث الجارية في مصر، وفيما بعد الأحداث في ليبيا واليمن. وعلمنا مساء 17 فبراير بالمظاهرة السلمية التي خرجت، ذلك اليوم، في سوق الحريقة في قلب دمشق، على بعد ثلاثة كيلومترات من مقر سفارتنا. وأرشدني أحد السوريين إلى كيفية العثور على معلومات عن هذه المظاهرة على شبكات التواصل الاجتماعي”.
التحوّل الكاركاتوري للدور الأميركي في الشرق الأوسط، من حارس للعالم، إلى مجرّد متابع عبر فيسبوك، والذي يبرز جلياً في كلام فورد وبلينكن، يقود إلى ما تفعله واشنطن مع حلفاء آخرين لها في المنطقة، أهم وأكثر تاريخية من شعوب الشرق التي تطلّعت إلى التحرّر والديمقراطية التي تنشرها الولايات المتحدة بجيوشها. الحقيقة أنها لن تستطيع التخلص من هذه التهمة، مهما فعلت، لأن نظام العولمة الذي ينتشر بإرادة سياسية أميركية منذ مطالع التسعينات، ينقل معه فايروس الديمقراطية بالضرورة، فلا حرية تكنولوجية بلا حرية رأي، ولا قدرة شرائية بلا تحرير سوق، ولا خلق للحاجة والجديد من دون التخلّص من هيمنة الدولة الأم؛ النظام القديم.
لنعد إلى حلفاء الولايات المتحدة، وإلى طرفة يرويها ساخراً الرئيس الأشدّ فقراً في العالم، في الفيلم الوثائقي الذي أعدّه المخرج الصربي أمير كوستاريكا صاحب فيلم “زمن الغجر” عنه. فقد ردّد رئيس الجمهورية السابق في الأوروغواي خوسيه موخيكا حكمة لاتينية عتيقة تقول “إن الدولة الوحيدة في الكرة الأرضية التي لا يوجد فيها انقلابات هي الولايات المتحدة، لأنه لا توجد سفارة أميركية في واشنطن”. وهي فكرة تعكس كيف يفهم العالم الدور الأميركي الذي نراه دون أي تشويش في الخليج العربي. حيث تحرص الولايات المتحدة على إبقاء توازن الرعب بين إيران وحلفائها الأكثر قرباً والأكثر أهمية دوماً، العرب.
قال فورد إن المسؤولين الأميركيين أصرّوا على الحديث عن “عدم وجود حل عسكري” للأوضاع في سوريا. وأضاف “كرّرنا هذا الأمر الآلاف من المرات منذ عام 2011 حتى يومنا هذا، إلى درجة أن هذه العبارة تحوّلت إلى عقيدة راسخة في أذهاننا. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أنه في الحروب، يظل التوازن العسكري الأمر الأكثر أهمية”. لكن واشنطن سمحت بالحلّ العسكري الروسي – الإيراني في سوريا لدعم الأسد، دون أن تحرّك ساكناً. المفارقة أن فورد لم يفته لفت انتباه قرائه إلى عدو قديم، بات اليوم، على ما يبدو، مُلهماً للساسة الأميركيين. إنه الزعيم السوفييتي الشيوعي الأسبق جوزيف ستالين الذي يرى فورد أنه من الجدير التذكير أن “ستالين، عندما حذّره مستشاروه من أن بابا الفاتيكان سيغضب إزاء تصرفات السوفيات داخل بولندا، الدولة الكاثوليكية، كان تعليقه: كم عدد الكتائب التي يملكها البابا؟ وبالفعل، ظل الجيش السوفييتي داخل بولندا طوال 49 عاماً”. وبدلاً من استلهام أبراهام لينكولن وتوماس جيفرسون وجورج واشنطن، غدا ستالين الأكثر واقعية ودموية، هو النبي الأميركي الجديد.
لا شكّ أن الخطاب السياسي الأميركي اليوم خطاب بالغ التهلهل، تساهم عولمتهم ذاتها بفضحه أكثر، ولو أن الأوضاع كانت كما في زمن الحرب الباردة لربما خرجت المحكمة العليا في واشنطن مطالبة بمحاكمة أوباما وسفيره فورد على التلاعب بالقيم الأميركية الذي قاما به في سوريا.
أما الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الأميركيون، حسب فورد دائماً، فهو عجزهم عن استيعاب كيف يفكّر السوريون. يقول “زرتُ حماة في يوليو 2011 لبعث رسالة إلى حكومة الأسد، مفادها أنه حال ارتكابها مذبحة فإننا سنراقب الوضع بدقة، على خلاف ما حدث عام 1982. وذكرت هذا بالفعل خلال لقائي بوزير الخارجية وليد المعلم، الاثنين التالي لزيارتي للمدينة. بيد أنه للأسف، تركت زيارتي انطباعاً لدى الكثير من المتظاهرين السوريين بأن واشنطن تدعم ‘تغيير النظام’، وجاء التصريح الصادر عن أوباما في أغسطس2011 حول ضرورة تنحي الأسد ليعزّز هذا الانطباع الخاطئ”.
يتحدث فورد عن تهديد للأسد بعدم ارتكاب مجازر، وعن أن من فهم الرسالة هم من صاروا الضحايا لا المُرسَل إليه. لكن الأميركيين ظلّوا، حتى هذه اللحظة، يشتغلون على الضحايا وتركوا من وجّهوا إليه الرسالة يواصل تدمير سوريا وارتكاب مجازر أكبر بأضعاف من مجازر حماة. وهم لم يتدخلوا لأن هذا البلد له سيادة، كما يبرّرون، بينما يقول بلينكن في أيامنا هذه إن “السيادة لا تعني ضمان حق الحكومة في تجويع شعبها وحرمانه من الدواء، وقصف المستشفيات وارتكاب أي انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان بحق المدنيين”.
فضيلة فورد الوحيدة هي إشارته في حديثه حول سوء الفهم، إلى أن الألمان استعادوا وحدتهم عام 1990 بعد مفاوضات بين الشطرين الشرقي والغربي لألمانيا، جرت على مسار، في حين انهمكت دول الاحتلال الأربع في مناقشة الأمن الإقليمي الأوروبي على مسار مختلف. “ولم يكن ممكناً التوصل إلى اتفاق، لو أن الألمان لم يتوصلوا في ما بينهم لاتفاقٍ في المقام الأول”. وهو يعبّر بهذا عن مخاوف أميركية، تدلّ على أن واشنطن تفهم جيداً، ولا تسيء الفهم، وأنّ العرب والسوريون من بينهم، سيفهمونها كما فهمها الألمان ذات يوم.
كاتب سوري
العرب
—————————–
الأسد يعاقب “أردوغان والقرضاوي وجنبلاط” بتهم تمويل الإرهاب/ عدنان عبد الرزاق
خرج نظام بشار الأسد بآخر إصدار لقائمة العقوبات التي تصدرها “هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب” من الشأن السوري، بمصادرة الأموال والحجز على الممتلكات، إلى الشأنين العربي والدولي، إذ نصت العقوبات التي أصدرتها الهيئة ونشرتها “الجريدة الرسمية” بدمشق، أمس، على معاقبة أكثر من 700 شخصية ومؤسسة، عربية ودولية، إلى جانب أسماء جديدة لكيانات معارضة ورجال أعمال سوريين وقفوا إلى جانب الثورة منذ عام 2011.
وأشارت مصادر إعلامية، اليوم، إلى أن قائمة المعاقبين بتهم “تمويل الإرهاب” طاولت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، رئيس حزب “التقدمي الاشتراكي” اللبناني وليد جنبلاط ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، إضافة إلى هيئات داعمة ومنظمات إغاثية تقدم المساعدات للسوريين بالمخيمات على الحدود السورية التركية: “تيار المستقبل اللبناني”، وحزب “العدالة والتنمية” التركي، وعدد من الجمعيات التركية والعربية، منها مؤسسة قطر الخيرية.
كما لم تستثن العقوبات الحكومة السورية المؤقتة ورئيس الائتلاف السوري المعارض نصر الحريري وشخصيات فنية سورية، كالممثل عبد الحكيم قطيفان، إضافة إلى رجال دين ودعاة عرب، مثل الداعية الكويتي محمد العوضي، والسعودي سلمان العودة، والمصري يوسف القرضاوي، وعبد الله المحيسني وعبد العزيز الطريفي، وحتى المتوفى منذ ست سنوات، أمين عام “هيئة العلماء المسلمين” حارث الضاري.
وفي حين يقلل الاقتصادي السوري عماد الدين المصبح من آثار العقوبات على شخصيات وكيانات إقليمية ودولية، يشير خلال تصريح لـ”العربي الجديد”، إلى أن حملة نظام بشار الأسد بالعقوبات والحجز على الممتلكات ومصادرتها تتصاعد كلما زاد إفلاسه، والخطر على رجال الأعمال والشعب السوري، وليس على الشخصيات غير السورية، لأن إدراجهم بالعقوبات “حالة كيدية ومتاجرة سياسية ليس إلا”.
ويشير المصبح إلى أنه منذ بدأ بشار الأسد وزوجته ما يسمى حملة مكافحة الفساد، قد تم حجز ومصادرة أموال 150 رجل أعمال سوري، سلط الإعلام الضوء على بعضهم، مثل رامي مخلوف، لكن الحقيقة أن كل من وقف إلى جانب الثورة وحقوق الشعب تم الحجز على أمواله أو صودرت ممتلكاته.
ولفت المصبح إلى أن أساليب جديدة ظهرت بالآونة الأخيرة، مثل الحجز على أموال من لا يسدد بدل خدمة العلم وأموال ذويه، كما معاقبة ومصادرة أموال من يتعامل بغير الليرة السورية، بل ومن يوهن نفسية الأمة، وفق التوصيف الأسدي، حتى لمن ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي أو يتواصل مع سوريين بالخارج، وكل هذا، برأي المصبح، لن يغير من واقع إفلاس النظام شيئاً ولن يستطيع حرف البوصلة إلى التدخل الخارجي بما آل إليه حال سورية والسوريين.
ووفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن ما لا يقل عن 10767 شخصاً لا يزالون يخضعون لمحكمة قضايا الإرهاب، وهي محكمة سياسية أمنية أسسها النظام السوري في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2012، وتهدف إلى القضاء على المطالبين بالتغيير السياسي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان.
كما قدرت الشبكة المتخصصة خلال تقرير سابق، أن عدد القضايا التي نظرت فيها محكمة الإرهاب منذ تأسيسها قرابة 90560 قضية، وتشكل هذه الحصيلة العدد الإجمالي للقضايا التي أحيلت إلى ديوان النيابة العامة في المحكمة، وتتضمن المتهمين المحتجزين، وغير المحتجزين، والموقوفين، والذين صدرت أحكام بحقهم، مشيرة إلى أن القضية قد تكون لشخص واحد أو لعدة أشخاص معاً.
من جهته، يرى ريس تجمع المحامين الأحرار غزوان قرنفل أن هذا “النظام جعل من نفسه أضحوكة بالمجتمع الدولي”، متسائلاً خلال تصريحه لـ”العربي الجديد”، عن القوة الناعمة والصلاحيات التي يمتلكها النظام ليفرض عقوبات على تلك الكيانات وهؤلاء الأشخاص.
ويضيف قرنفل: “هل لدى سورية، التي تتوسل اليوم دعم الدول لرفع العقوبات عن نظامها وأركانه، قدرة أو إدارة لتطبيق العقوبات؟ بعيداً عن سؤال كيفية ممارسة وتطبيق هذه العقوبات المضحكة”.
وأيضاً، تساءل القانوني السوري: ما هو شكل الضرر الذي يمكن أن تشكله سورية وماذا تصدر؟ وهل لهؤلاء أرصدة بسورية أو يمكن أن يزوروها بظل واقع الحرب وحكم الأسد؟.
ويختم رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار بأن هذه العقوبات غير ذات أثر قانوني، ولن يلتزم بها أحد، فالجهة المصدرة موصومة بارتكاب جرائم حرب، فهل لديها الأهلية لتعاقب من تراهم يمولون الإرهاب؟
العربي الجديد
————————
لافروف: خطر تقسيم سوريا جدي… ودمشق لن تتنازل تحت الضغط
قال إن موسكو متفائلة بتحقيق تقدم في جولة اللجنة الدستورية المقبلة
موسكو: رائد جبر
حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من «خطر تقسيم سوريا»، في حال واصلت واشنطن سياسات تشجيع «النزعات الانفصالية»، في إشارة إلى الأكراد في شمال شرقي سوريا.
وحمل لافروف بقوة خلال مشاركته، أمس، في أعمال منتدى «فالداي» للحوار، على «المعايير المزدوجة» التي يتعامل الغرب بها في الشأن السوري، مشيراً إلى أن سياسة العقوبات والضغوط القوية الممارسة على دمشق لا تؤدي إلى دفعها لإبداء مرونة في الملف السياسي.
وخصص لافروف جزءاً مهماً من حديثه أمام المنتدى للشأن السوري، مع التركيز على التحركات الأميركية، ووجه انتقادات حادة إلى واشنطن، رغم إقراره بأنها لم تستكمل تشكيل فريقها إلى الملف السوري، ولم تضع تصوراً نهائياً لاستراتيجيتها في هذه الأزمة.
ورداً على سؤال حول أبرز المخاطر التي تواجهها سوريا حالياً، قال الوزير الروسي إن «أسوأ مخاطر الوضع القائم تتمثل في احتمال جدي لتفكك الدولة السورية»، خصوصاً مع استمرار المشكلة الكردية، موضحاً أن واشنطن «تواصل سياسات تشجيع النزعات الانفصالية، وتعمل على نهب ثروات سوريا للإنفاق على مشروعها الخاص في منطقة شرق الفرات».
وزاد: «المكون الكردي فتح اتصالات مع موسكو، بعد إعلان الرئيس السابق دونالد ترمب نيته سحب القوات الأميركية من سوريا، وطالبت الإدارة الكردية موسكو بالمساعدة على إعادة فتح قنوات اتصال مع دمشق». وأضاف لافروف أن موسكو بذلت جهوداً في هذا الاتجاه، لكن «الأكراد تراجعوا عن مواقفهم، بعد تراجع ترمب عن قرار الانسحاب». وزاد: «استقبلناهم (الأكراد) وعرضنا عليهم أفكاراً كثيرة، مع تأكيد أننا لا نفرض أفكارنا، لكن المشكلة أنهم يربطون كل تحركاتهم بأميركا، وواشنطن لا ترغب في تحقيق أي تقدم، وتعرقل الحوار مع دمشق».
وفي إطار المخاطر الأخرى المتوقعة، استبعد لافروف اندلاع مواجهات واسعة، وقال إن الأزمة حالياً «تعيش حالة التجميد».
وأعرب الوزير الروسي عن قناعة بأن أعمال اللجنة الدستورية السورية يمكن أن تشهد تقدماً مهماً في جولة الحوارات المقبلة، خصوصاً على خلفية الاتفاق على أن تتضمن الجولة المقبلة «عنصراً جديداً يميزها عن كافة الجولات السابقة».
وأشار لافروف إلى أن موسكو تعمل، عبر اتصالاتها مع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، وممثلي الحكومة والمعارضة السوريين، على دفع الأطراف للتقارب.
وزاد أن «الاجتماع المقبل للجنة الدستورية كان مقرراً قبل حلول شهر رمضان، ولا نزال نأمل في إمكانية إجرائه في موعده، يتوقع أن يكون جديداً نوعياً، لأنه للمرة الأولى تم الاتفاق على أن يعقد رؤساء الوفود من الحكومة والمعارضة لقاء مباشراً». وأضاف لافروف أن بيدرسن عبر عن ترحيبه بهذا الاتفاق «الذي ساعدت روسيا في التوصل إليه ونأمل بأن يتحقق».
وقال الوزير الروسي إن الأطراف السورية «بحاجة إلى وقت مناسب لتقريب وجهات النظر والعمل بهدوء على المهام المطروحة أمامها»، مشيراً إلى أنه «لا بد من إتاحة الفرصة الكاملة والفترة الزمنية الكافية لتحقيق تقدُّم، ولقد حفرت على الأرض السورية خلال سنوات خنادق عميقة، ولا بد أن يعمل السوريون للتوصل إلى توافقات فيما بينهم».
وسُئل لافروف خلال الندوة عن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، و«هل يعني تنظيمها قبل إنجاز الإصلاح الدستوري دفن القرار 2254؟»، فأجاب أن القرار الدولي لم يربط مسألة الانتخابات بوضع دستور جديد لسوريا. وأوضح أن المشاورات الروسية مع المبعوث الدولي دلّت على أن «لدى بيدرسن فهماً واضحاً بأن عمل اللجنة الدستورية لا ينبغي أن يرتبط بخطوط زمنية مصطنعة»، مذكرا بأن تطبيق القرار 2254 كان مجمداً لولا جهود روسيا وتركيا وإيران في إطار «مسار آستانة» لدفع مسار المفاوضات حول الإصلاح الدستوري.
وفي الوقت ذاته، حمل لافروف بقوة على استمرار الضغوط الغربية على دمشق، وقال إن «قانون قيصر» ولوائح العقوبات والقيود الأخرى تهدف إلى تعزيز الضغط على دمشق، ودفع الشعب السوري إلى التمرد على حكومته، معرباً عن استغرابه من «مواصلة الغرب مطالبة دمشق بإبداء مرونة والمشاركة في اجتماعات في جنيف مع مواصلة تنفيذ هذه السياسات»، معتبراً أن «هذا ليس ممكناً».
وقال إن «ما حصل في مؤتمر المانحين أخيراً في بروكسل يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ويفاقم مشكلة كبرى أمام الأمم المتحدة»، مذكراً بأن واشنطن عملت على إفشال مؤتمر اللاجئين الذي عُقِد في دمشق، العام الماضي، ومارست ضغوطاً لمنع الأطراف من حضوره، ما أدى إلى أن يكون حضور الأمم المتحدة بصفة مراقب فقط، بسبب الضغوط الأميركية»، لافتاً إلى أنه، في الوقت ذاته، «يعقدون مؤتمراً الآن لدعم اللاجئين في مناطق اللجوء والمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، ونحن لا نفهم كيف يمكن عقد اجتماع دولي لبحث ملف اللاجئين في بلد لا تحضر حكومته الشرعية هذا المؤتمر. هذا أمر مخالف بفظاظة للقانون الدولي».
وفي تجديد لانتقاد الوجود الأميركي في سوريا، قال لافروف إن الأميركيين يعلنون أنهم «باقون إلى الأبد»، ويمارسون «ازدواجية كاملة»، من خلال التحذير من استعادة تنظيم «داعش» نشاطه في بعض المناطق، في حين «يشجعون ويدعمون فصائل إرهابية في مناطق أخرى بينها إدلب».
ولفت الوزير إلى أن «داعش» ظهر نتيجةً مباشرةً للسياسات الأميركية في العراق، تحت قيادة الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر، عندما تم حل حزب «البعث»، ومؤسسات الدولة.
وزاد أن «واشنطن استغلت وجود (داعش) بشكل كبير لعرقلة أي مجالات للتسوية في سوريا، وما زالت تعتقد أن المهمة الأساسية في هذا البلد هي تغيير النظام». وقال إن أكثر ما يقلق موسكو هو «محاولات واشنطن التوصل إلى تفاهمات مع بعض الإرهابيين خلف أبواب مغلقة».
الشرق الأوسط
———————-
يخاطب الروس… تقرير حقوقي روسي يدين دور موسكو في إذكاء الصراع بسوريا
“المجتمع الروسي ليس على علمٍ كافٍ بالصراع الذي تلعب فيه بلادنا دوراً رئيسياً”.
هذه واحدة من مخرجات تقرير حقوقي روسي، هو الأول من نوعه الذي يوثق دور روسيا في إذكاء الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ عام 2011، مخاطباً المواطنين الروس بالأساس، وواضعاً حكومة الرئيس فلاديمير بوتين أمام مسؤولياتها في ما خصّ “مستقبل سوريا”.
التقرير المعنون “عقد من الويلات… انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني في الحرب السورية”، والذي استغرق إعداده عامين، ونُشر في 2 نيسان/أبريل، وشمل 150 مقابلة مع شاهد وناج سوري من الصراع، يعيشون حالياً في دول اللجوء، بما فيها لبنان والأردن وروسيا، ورد في 198 صفحة باللغة الروسية.
ولفت معدو التقرير، ومن بينهم بعض ممثلي أبرز الجماعات الحقوقية في روسيا مثل “ميمورال هيومن رايتس سينتر”، “لجنة المساعدة المدنية”، “حركة الشباب لحقوق الإنسان” و”أمهات جنود سانت بطرسبرغ”، على أنه تعذّر عليهم الوصول إلى ضحايا يقيمون داخل سوريا.
لماذا يخاطب الروس؟
وفيما يصادف أيلول/سبتمبر المقبل مرور ست سنوات على المشاركة الرسمية للقوات المسلحة الروسية في الصراع السوري، قال معدو التقرير إنه “بسبب إراقة الدماء المستمرة وعدم القدرة على تحقيق العدالة للضحايا، من المهم للغاية أن يكون المجتمع الروسي على دراية بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حدثت في سوريا على مدار العقد الماضي، بما في ذلك بالتواطؤ، ومنذ عام 2015، مع روسيا”.
ونبهوا إلى أنه “بالنسبة لغالبية الروس، فإن المصدر الرئيسي للأخبار عن سوريا هو الإعلام الحكومي، الذي يتحدث بشكل أساسي عن معاناة المدنيين من جرائم الإرهابيين وجماعات المعارضة المسلحة المناهضة للحكومة، ويسكت عن جرائم الحرب والانتهاكات الممنهجة الفظيعة لحقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة السورية”.
وأضافوا أن “وسائل الإعلام الحكومية الروسية لا تتحدث عن ضحايا القصف، ولا عن التهجير القسري للمدنيين، والذي نتج جزئياً عن الأعمال العسكرية الروسية في سوريا. تبعاً لذلك، فإن الجمهور الروسي ليس لديه المعرفة الكافية للحكم بشأن مَن وماذا ندعم في سوريا، كم تكلّفنا هذه الحرب ومقدار المعاناة التي ألحقتها الحرب بالمدنيين، الأشخاص الذين لم يحملوا السلاح مطلقاً”.
وفي سياق محاولة “تزويد القراء بتحليل لانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني أثناء النزاع في سوريا”، فصّل التقرير ووثّق العديد من الانتهاكات التي تقع على الأرض في سوريا، ليخلص إلى أن “جميع الدول المشاركة في الصراع – وقبل كل شيء روسيا- تتحمل مسؤولية أكبر بكثير عن مستقبل سوريا”.
ما الذي وثّقه ضد روسيا؟
أدان التقرير الحقوقي مشاركة موسكو المباشرة في القصف العشوائي للمدنيين، علاوة على دعمها استخدام نظام الرئيس السوري بشار الأسد للتعذيب.
وفي حين أشار إلى الانتهاكات المزعومة لجماعات المعارضة المسلحة ووجّه اتهامات بالقصف العشوائي لقوات التحالف الغربي، وجّه انتقادات نادرة لسياسة موسكو في سوريا من داخل البلاد، حيث يتم تصوير الحرب على أنها صراع ناجح ضد الجماعات الإسلامية المدعومة من الغرب، والمسؤولة عن الفظائع ضد المدنيين.
وبينما تناولت تقارير إخبارية وحقوقية سابقة استهداف الطائرات الحربية الروسية لمستشفيات وبنى تحتية مدنية، تقصّى التقرير العمليات التي نفّذتها القوات الجوية الروسية والتي أدت لسقوط قتلى مدنيين في سوريا.
ويضيف التقرير: “بناءً على مقابلاتنا ومراجعة الوثائق، كان هناك نمط واضح من الهجمات العشوائية والموجهة التي لا تتوافق مع وجود أهداف عسكرية. أصرّ العديد من شهودنا على أن المناطق السكنية، البعيدة عن أي أهداف عسكرية، كانت مستهدفة في معظم الحالات”.
ركّز التقرير أيضاً على استخدام الأسلحة غير القانونية، جرائم الاحتجاز التعسفي، الاختفاء القسري والتعذيب، فضلاً عن سوء معاملة لاجئي النزاع في الخارج، بما في ذلك في روسيا. وذكر التقرير: “رفضت الحكومة الروسية منح الوضع أو اللجوء للجميع، باستثناء عدد قليل من السوريين، على الرغم من دور روسيا في تهجيرهم قسرياً”.
وشدد على أن “الغالبية العظمى من الذين التقيناهم لا يرون روسيا منقذاً، وإنما قوة أجنبية مدمّرة، ساعد تدخّلها العسكري والسياسي في دعم مجرم الحرب الذي يقود بلادهم”.
وفي ملخصه التنفيذي، دعا التقرير روسيا والحكومات الغربية المتورطة في النزاع إلى إجراء تحقيقات شاملة حول ما إذا كانت حملات القصف العشوائي قد أدت إلى مقتل مدنيين أو تدمير البنية التحتية.
وختم بالتأكيد على أن “التأثير يستلزم المسؤولية؛ بالنظر إلى الدور الرئيسي لروسيا في إبقاء نظام الأسد في السلطة، فإننا نحثّ الحكومة الروسية على استخدام نفوذها على السلطات السورية، لإنهاء الاعتقالات التعسفية والتعذيب والمعاملة المهينة في السجون والقتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري”.
رصيف 22
—————————–
أول تقرير حقوقي روسي عن الانتهاكات في سوريا/ وليد بركسية
لا يعكس إطلاق أول تقرير حقوقي روسي عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا بعد عشر سنوات من انطلاق الثورة الشعبية في البلاد، تغييراً في المزاج الشعبي الروسي تجاه سياسات موسكو التي تدخلت عسكرياً إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد في أيلول/سبتمبر 2015، لكنه يعكس محاولة من المجتمع المدني الروسي لمد صلات ودية ضرورية إلى نظيره السوري، وإمداد الرأي العام المحلي بمعلومات قد تكون غير موجودة حول معنى الصراع الحقيقي.
وفيما تتحدث وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية السورية، ونظيرتها الروسية أيضاً، عن دعم شعبي روسي مطلق لسياسة الكرملين، فإن معدي التقرير العاملين في أربع منظمات حقوقية روسية، يقولون أن واقع الصراع في سوريا، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، غاب إلى حد كبير عن أذهان المجتمع الروسي، رغم أنه أحد أكثر الأحداث مأسوية في تاريخ البشرية الحديث، حيث تأثر أكثر من 20 مليون شخص بالحرب، وعدد القتلى والجرحى لا يُحصى. كما أن الوحشية التي اتّسم بها الصراع تجاوزت كل الحدود الممكنة لمعايير الإنسانية.
وحضرت “المدن” المؤتمر الصحافي الخاص بإطلاق التقرير من موسكو، الجمعة، عبر تطبيق “زوم” إلى جانب وسائل إعلام عالمية من بينها هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” ووسائل إعلام سورية معارضة منها صحيفة “عنب بلدي”. وتم التواصل مع وسائل الإعلام ضمن طابع من السرّية عموماً بسبب المخاوف الأمنية والملاحقات التي قد تجري للناشطين الحقوقيين، في روسيا التي تقول منظمات حقوقية دولية أنها تشدد قبضتها على المجال العام وتلاحق المعارضين بتهم مختلفة.
والحال أن التقرير(*) حمل عنوان “سوريا عقد من الويلات” وصدر عن منظمة “مركز ميموريال” و”لجنة المساعدة المدنية” ولجنة “أمهات الجنود في سانت بطرسبرغ” و”حركة حقوق الإنسان الشبابية”. وأدارت المؤتمر الصحافي تاتيانا لوكشينا، مديرة برنامج روسيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي لم تتدخل في سياق التقرير طوال عامين من العمل عليه. فيما حلل التقرير انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني من قبل جميع أطراف النزاع بما في ذلك الحكومة السورية، والمنظمات الإرهابية، وروسيا، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، كاشفاً عن النطاق غير المسبوق للانتهاكات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية على مدى العقد الماضي.
وفيما تبدو المعلومات التي يقدمها التقرير معروفة للعارفين بالشأن السوري، خصوصاً أنها حاضرة في التقارير الحقوقية ذات الصلة، فإنها تبقى جديدة إلى حد ما بالنسبة للجمهور الروسي، الذي يقول معدو التقرير أن معظمه لا يفهم ما يجري في سوريا وما يحدث للمدنيين في ذلك البلد البعيد جغرافياً وثقافياً، ولذلك يدعمون بالفعل أنشطة روسيا هناك، والتي تقدم لهم من زاوية واحدة هي محاربة الإرهاب.
وشارك في المؤتمر سفيتلانا غانوشكينا، عضو مجلس إدارة “مركز ميموريال لحقوق الإنسان”، ورئيسة “لجنة المساعدة المدنية”، ومديرة شبكة حقوق الهجرة في “مركز ميموريال”. وأوليغ أورلوف، عضو مجلس إدارة “مركز ميموريال” ورئيس برنامج “المناطق الساخنة” في المركز. وإيكاترينا سوكيريانسكايا، عضو مجلس إدارة “مركز ميموريال”، وفيكتوريا غروموفا، العضو السابق في مجلس تنسيق “حركة حقوق الإنسان الشبابية”. وألكسندر غورباتشوف، محامي لجنة “أمهات الجنود في سانت بطرسبرغ”.
وضمن التقرير الذي يقارب 200 صفحة، تم تحليل المراحل الرئيسية للنزاع وتوثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية في السجون وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والهجمات غير القانونية بما في ذلك استخدام الأسلحة العشوائية والمحظورة واستخدام الحصار والتجويع والعنف الجنسي والحرمان من الرعاية الطبية كوسائل حرب.
واستند التقرير إلى مقابلات مع أكثر من 150 شاهد وناجٍ خارج البلاد، حيث أن معدّي التقرير لم يتمكنوا من دخول سوريا، بل قاموا بإجراء مقابلات مع سوريين فرّوا من الحرب إلى لبنان والأردن وتركيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وروسيا. كما تم الاستناد إلى مواد من مختلف وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية وناشطي حقوق الإنسان السوريين والخبراء الدوليين، والتي تؤكد شهادات شهود العيان.
ولا يعتبر عدم تمكن الخبراء الروس من دخول الأراضي السورية لمعاينة الواقع ميدانياً، كحال نشاطهم في شمال القوقاز والشيشان منذ تسيعينيات القرن الماضي، تقليلاً من أهمية التقرير أو ضربة لمصداقيته. فالنظام السوري يمنع المنظمات الدولية، بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة من العمل بحرية في هذا الإطار، كما يمنع وسائل الإعلام المستقلة من التواجد في البلاد منذ بداية الصراع. أما مصداقية التقرير فتأتي من شموليته لكافة الأطراف الفاعلة في النزاع أولاً، واستناده إلى مقارنات بين شهادات الناجين من الفظائع السورية والتقارير الحقوقية الموثقة ذات الصلة ومقاطع الفيديو والصور والأرشيف الرقمي، ما يحيل إلى نتائج قاطعة.
وعلق أورلوف بأن التقرير لا يتضمن أي معلومات لا تمتلكها الأسرة الدولية حالياً، مضيفاً: “أريد أن أكرر أن الغرض من التقرير هو إفهام الرأي العام الروسي بشأن جرائم الحرب في سوريا والانتهاكات الجسيمة هناك، على اعتبار أن روسيا طرف أساسي في الصراع”، موضحاً أن الغرض من التقرير ليس توجيه أصابع الاتهامات لشخصيات محددة بخصوص الانتهاكات بل شرح ما يحصل في سوريا من وجهة نظر حقوق الإنسان والقوانين الدولية. خصوصاً أن كثيراً من النقاشات الدولية ذات الصلة تركز فقط على جانب الجماعات الجهادية والإرهابية، وتنسى المشاركين الآخرين الفاعلين في الحرب.
وأكمل أورلوف: “روسيا دخلت الحرب ونحن كمواطنين روس نخشى ونقلق ونأسف من هذه المسؤولية التي يتحملها بلدنا ومواطنونا إزاء ما رأيناه منذ دخول جيشنا في النزاع. الانتهاكات سبقت هذا التاريخ بالتأكيد لكن القوات الروسية أتت بمزيد من المعاناة للأسف للمواطنين السوريين علماً أن الجيش دخل وهو على بينة مما كان يجري في البلاد”.
ولعل أكثر ما يثير الاهتمام ربما في التقرير هو الحديث عن اللاجئين السوريين في روسيا، بوصفه موضوعاً لا يتم الحديث عنه عادة في التقارير المماثلة وفي الاعلام. وشرحت غانوشكينا كيفية ترحيل لاجئين سوريين في روسيا إلى سوريا او تركيا، موضحة أن اللاجئين السوريين في روسيا يواجهون رفض طلبات لجوئهم من جهة، ومشكلات قانونية مثل عدم امتلاكهم للإقامة من جهة ثانية. والمشكلة الأكبر كانت إرسال الأطفال السوريين إلى المدرسة، حيث تم انتهاك المبدأ الأهم في الدستور الروسي الخاص بتعليم الأطفال.
وأردفت غانوشكينا: “هناك 13 الف مواطن سوري في لائحة الانتظار بالنسبة لطلبات اللجوء. هذا رقم بسيط بالنسبة لحجم الاتحاد الروسي. بالتالي لماذا لا يمكننا اعطاؤهم حق اللجوء؟ روسيا قادرة على توفير اللجوء حتى لو زاد العدد لضعفين. يجب على الأقل إعطاؤهم حق العمل والإقامة”، موضحة أن 591 سورياً حصلوا على اللجوء المؤقت، في الماضي لكن ذلك العدد انخفض اليوم. ولا يعني ذلك أن الأشخاص عادوا الى سوريا طوعياً مع نهاية الحرب، بل يعني فقط أن روسيا سحبت منهم حقهم في اللجوء المؤقت.
وفي رد على أسئلة الصحافيين حول مدى تأثير الرأي العام الروسي على سياسات الكرملين حتى بعد نشر التقرير، قال غورباتشوف: “عندما بدأنا صياعة التقرير لم تكن التوقعات كبيرة. سوريا بلد بعيد جغرافياً وثقافياً والمواطن الروسي يهتم بحياته وأمنه المباشر… نحن نعتمد على الشباب الذين مازالوا يؤمنون بالعدالة وإمكانية التغيير. وبالتالي نعتقد أن نسبة من الرأي العام ستتجاوب وستفهم الموضوع”.
لكن أورلوف كان أكثر تشاؤماً من ذلك لأنه عنما كانت الحرب جارية على أراضي الاتحاد الروسي، في إشارة إلى حربي الشيشان. كان الرأي العام مدركاً لها ولم يكن هنالك ردة فعل على المستوى المطلوب للأسف. “وبالتالي نحن لا نعرف ما سيحدث بخصوص سوريا. مهمتنا تنحصر بأن نبلغ ونعلم ونقوم بعملنا. لكننا لا نتوقع استجابة اكبر”.
وهنا، يراهن النظام السوري اليوم على النسيان والتشاؤم ومرور الزمن لمحو انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها من الذاكرة، ويعمل مع حلفائه على ضخ سرديات بديلة لا تشوه فقط معنى الثورة السورية كحركة شعبية طالبت بالحرية، عبر إطلاق صفة العمالة الخارجية أو الجهادية الإسلامية على المعارضين ككل، بل تحاول أيضاً نسف التاريخ الدامي في السنوات العشر الماضية للتنصل من المسؤولية وإعادة صياغ النقاش الإنساني في البلاد بعيداً من القضايا الأكثر إلحاحاً، والتي قد ترتقي إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
واللافت هنا أنه في العامين الأخيرين تكثفت الهجمات الروسية الرسمية ضد المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام المستقلة التي تحدثت عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا بما في ذلك “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” العام 2019. وفي جميع البيانات الروسية يتم الربط بين حقوق الإنسان والديموقراطية من جهة وبين العمالة للغرب التي توصل لدعم الجهاديين، وإن كانت هذه المزاعم بعيدة من المنطق، فإنها حدوثها مرة أخرى ضد المنظمات الحقوقية الروسية اليوم، يبقى أمراً متوقعاً في سياق مبادرة روسية لإعادة صياغة النقاش الإنساني في سوريا، طرحت العام 2017، وحرفه عن رفع دعاوى قضائية بخصوص جرائم الحرب التي ارتكبت في البلاد.
وفي رد على سؤال “المدن” حول ذلك، قال أورلوف: “مرة أخرى نعم من الممكن أن تحدث تلك التبعات الحزينة لنا. عندما قررنا أن نعد هذا التقرير فهمنا سلفاً ماهية ما سنواجهه. ستكون هناك موجة من الانتقادات التي رأيناها سلفاً في بعض التعليقات في “يوتيوب”، كما ستكون هناك محاولات لإلحاق الأضرار بسمعتنا، خصوصاً مع توافر القوانين التي تسهل ذلك في روسيا. لكننا نمتلك عدداً من القيم التي نراها سليمة وصائبة. أما عن مسألة دعم الإرهاب فنحن تعرضنا لتلك الاتهامات أصلاً في السنوات الماضية بداية من الحرب الأولى في الشيشان والقوقاز”.
وأكمل أورلوف: “لاحظنا في التعليقات التي وصلتنا خلال هذا الاجتماع أن هناك من يتساءل ويقول أننا لا نصنف الحرب السورية على أنها مكافحة للارهاب. تلك التعليقات تنطلق من منطق أن محاربة الإرهاب تبرر أي فعل آخر. لكن لا، نحن نكرر بخصوص سوريا ما قلناه بخصوص شمال القوقاز في الماضي، وهو أنه ينبغي على كل السلطات أان تكافح الإرهاب لكن ذلك لا يبرر أياً من الجرائم التي تحدث لأن أي حرب وأي كفاح ضد الإرهاب يجب أن يتم وفق للقوانين الإنسانية والقوانين الدولية بشكل عام”.
وختم أورلوف: “لمن يقول أن المشاركة الروسية في سوريا هي حرب ضد الإرهاب. أرجوكم اقرأوا تقريرنا، لأننا نسلط فيه الضوء على ذلك النزاع وخلفيته التاريخية، كيف بدأ وكيف تطور وكيف تدخلت فيه الجماعات الإرهابية. لقد حاول نظام بشار الأسد أن يقمع الاحتجاجات الشعبية ضد الدكتاتورية واستخدم العنف لذلك الغرض. ولعل ممارسات نظام الأسد هي التي أدت إلى تكريس سيطرة الجماعات الإرهابية في عدد من المناطق. وقد وصفنا كثيراً من تلك الممارسات بالتفصيل”.
المدن
———————-
الغارديان: منظمات حقوقية روسية تشجب لأول مرة جرائم بلدها في سوريا/ إبراهيم درويش
نشرت منظمات حقوق إنسان بارزة في روسيا أول تقرير شامل يفصّل دور موسكو في جرائم الحرب في سوريا.
وفي تقرير أعده مراسل صحيفة “الغارديان” أندرو روث، قال إن التقرير شجب الدور المباشر الذي لعبته روسيا في عملية القصف الجوي الذي استهدف المدنيين ودعمها لنظام الأسد واستخدام التعذيب والتورط في جرائم الحرب.
وقال مؤلفو التقرير إن “الإعلام الروسي الرسمي لم ينشر تقارير عن القصف ضد المدنيين ولا التهجير القسري والذي تسبب به العمل العسكري الروسي في سوريا”. و”نتيجة لهذا، لم يحصل الرأي العام على المعرفة الكافية لكي يحكم على من دعمنا في سوريا، وكم كلفتنا الحرب والمعاناة التي تسببت بها الحرب على المدنيين الذين لم يحملوا السلاح أبدا”.
وتم تقديم التقرير المكون من 198 صفحة بعنوان “عقد الدمار: انتهاكات القانون الدولي الإنساني في الحرب السورية” على أنه أول تقرير من نوعه أعدته جماعات حقوقية روسية، ويشمل مقابلات مع ناجين من الحرب تمت في الأردن ولبنان وتركيا وألمانيا وبلجيكا وروسيا وهولندا.
وجاء في التقرير: “توصّلنا من خلال تركيزنا على مأزق المدنيين لنتيجة تشير لمسؤولية كبيرة عن مستقبل سوريا وتقع على كاهل الدول المشاركة في النزاع وأكثرها روسيا”. وشارك في إعداد التقرير عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان البارزين في روسيا بمن فيهم “المركز التذكاري لحقوق الإنسان” و”لجنة المساعدة المدنية” وسفيتلانا غانوشيكينا وكذا أعضاء من منظمة “أمهات جنود بطرسبرغ” و”حركة شباب حقوق الإنسان”.
وفي الوقت الذي يفصّل التقرير الانتهاكات التي قامت بها حركات المعارضة المسلحة واتهامات التحالف الغربي ضد تنظيم “الدولة” وقصفه العشوائي، إلا أن التقرير انتقد ومن داخل البلاد دور روسيا في الحرب السورية التي صورت بشكل كبير على أنها حملة ناجحة ضد الجماعات الإسلامية التي حصلت على دعم غربي وتسببت بقتل المدنيين.
وجاء في التقرير: “التأثير يعني مسؤولية. ونظرا لدور روسيا الأساسي في الحفاظ على الأسد فإننا نحث الحكومة الروسية على استخدام تأثيرها على السلطات السورية لكي توقف الاعتقالات التعسفية والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية للمعتقلين والقتل خارج القانون والتغييب القسري”.
وبعد التقارير التي أشارت لاستهداف الطيران الروسي للمستشفيات والبنى التحتية الحيوية للمدنيين، حقق معدو التقرير في الغارات الجوية لسلاح الجو الروسي التي أدت إلى مقتل مدنيين في سوريا و”بناء على مقابلات ومراجعة للوثائق فهناك أشكال واضحة من الهجمات التي لم تكن متناسبة مع الأهداف العسكرية”. و”قال عدد من الشهود الذين قابلناهم أن الأحياء السكنية كانت بعيدة عن الأهداف العسكرية ومع ذلك تم استهدافها”.
ودعا التقرير الحكومة الروسية لفتح تحقيق كامل في حملات القصف الجوي العشوائية التي أدت لقتل مدنيين وتدمير بنى تحتية. وركزت فصول التقرير الأخرى على الأسلحة غير المشروعة والاعتقال التعسفي والتغييب القسري والتعذيب ومعاملة المهاجرين حيث لم يتم منح اللجوء إلا لعدد قليل في روسيا. وجاء فيه: “رفضت الحكومة السورية منح وضعية اللجوء لكل السوريين باستثناء عدد قليل منهم، ورغم الدور الروسي في نزوحهم”.
وقدّم التقرير صورة عن حياة السوريين في مناطق المعارضة وتنظيم “الدولة” في الرقة، وكذا هيئة تحرير الشام في إدلب وحصار وقصف حلب. واستغرق إعداد التقرير عامين، وقُصد منه تقديم معلومات للقارئ الروسي. وقالت منظمات حقوق الإنسان الروسية: “لدينا إحساس بأن المجتمع الروسي لم يطّلع بشكل مناسب على النزاع الذي لعب فيه بلدنا دورا رئيسيا”.
وفي الوقت الذي ركّز فيه المؤلفون على دور الأطراف في الحرب السورية، إلا أن هدفهم كان القارئ الروسي ودور بلدهم في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب “للأسف، لم تر غالبية من قابلناهم روسيا كمخلص بل كقوة أجنبية مدمرة أدى تدخلها السياسي والعسكري إلى تعزيز جرائم الحرب التي انتشرت في بلدهم”.
——————————–
واشنطن:لا نحاول “هندسة تغيير” الأسد
أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن إدارة الرئيس جو بايدن “لا تحاول هندسة تغيير النظام في سوريا، لكنها ستطالب بالعدالة لشعب هذا البلد الذي عانى من نظام بشار الأسد”.
وأوضح أن “نظام الأسد ذبح شعبه وانخرط في أعمال عنف عشوائية باستخدام أسلحة كيمياوية، لذا فهو يفتقد الشرعية في نظر الإدارة الأميركية، ولا توجد على الإطلاق أي فكرة لدينا لتطبيع العلاقات مع حكومته”.
واعتبر أن الإستقرار في سوريا “لا يمكن أن يتحقق إلا عبر عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين، ونحن نلتزم بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان التوصل إلى حل سياسي دائم، وهو ما نأمل في تحقيق تقدم في شأنه”، فيما رفض الحديث عن أي دور محتمل لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على الطاولة السياسية.
ولفت برايس إلى التزام الولايات المتحدة المالي “العميق” تجاه الشعب السوري، بعدما تعهدت خلال مؤتمر بروكسل الخامس لدعم سوريا والمنطقة الثلاثاء، بتقديم أكثر من 596 مليون دولار لبرامج المساعدات.
وخلال جلسة مجلس الأمن التي عُقدت الاثنين، حثّ وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن المجلس على “وقف تسييس المساعدات الإنسانية إلى سوريا”، مطالباً بفتح المزيد من المعابر الحدودية لتوفير الغذاء ومساعدات أخرى يحتاجها 13.4 مليون شخص.
وقالت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد إن “الشعب السوري واجه فظائع لا حصر لهان وبينها الضربات الجوية لنظام الأسد وروسيا، والإخفاء القسري، ووحشية تنظيم داعش والجماعات الإرهابية، والهجمات بأسلحة كيماوية”.
المدن
————————-
لافروف: قانون قيصر “يخنق” الشعب السوري..والأوروبيين!
لمّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى أن أطرافاً كثيرة، بينها دول أوروبية، “تخشى من تأثر أي تعاون اقتصادي تجريه مع سوريا بعقوبات قانون قيصر الأميركي على نظام بشار الأسد”، والذي يمنح، منذ أن وُضع قيد التنفيذ في حزيران/يونيو 2020، الإدارة الأميركية الحق في فرض إجراءات تقييد ضد منظمات وأفراد ودول، بينها روسيا وإيران، تقدم دعماً مباشراً وغير مباشر لنظام الأسد.
وقال لافروف لقناة “روسيا 1” التلفزيونية: “الإجراءات القسرية التي فُرضت على الشعب السوري أحادية الجانب، والأوروبيون الذين يتحاورون معي وأولئك من المنطقة يقولون همساً إنهم خائفون”.
وتابع: “منع قانون قيصر أي فرصة لهذه الأطراف من أجل إدارة الشؤون الاقتصادية مع سوريا، وواضح أن هدف القيود المفروضة على دمشق هو خنق الشعب السوري كي ينهض ويسقط بشار الأسد. لكن أنظروا ماذا يحدث في سوريا نتيجة قانون قيصر”.
وفي آذار/مارس، زار لافروف ثلاث دول خليجية، هي قطر والسعودية والإمارات، في إطار مسعى روسي للالتفاف على قانون قيصر. وبحث مع نظرائه في هذه الدول ملفات سياسية واقتصادية محورها إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وعملية إعادة الإعمار في هذا البلد.
وكان وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن قال الثلاثاء، إن “الفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية لنظام الأسد فاقما الأزمة الإنسانية الرهيبة الناتجة من أزمة وباء كورونا”.
بدوره، حمّل مفوض الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل نظام الأسد مسؤولية إندلاع الأزمة الإنسانية، متجاهلاً التأثيرات السلبية لعقوبات الاتحاد.
وكان لافروف، حذّر الأربعاء، من “خطر تقسيم سوريا”، في حال واصلت واشنطن سياسات تشجيع “النزعات الانفصالية”. وحمل خلال مشاركته في أعمال منتدى “فالداي” للحوار، على “المعايير المزدوجة” التي يتعامل الغرب بها في الشأن السوري، معتبراً أن سياسة العقوبات والضغوط القوية الممارسة على دمشق لا تؤدي إلى دفعها لإبداء مرونة في الملف السياسي.
ووجّه لافروف انتقادات حادة إلى واشنطن، رغم إقراره بأنها لم تستكمل تشكيل فريقها للملف السوري، ولم تضع تصوراً نهائياً لاستراتيجيتها في هذه الأزمة.
ورداً على سؤال حول أبرز المخاطر التي تواجهها سوريا حالياً، قال الوزير الروسي إن “أسوأ مخاطر الوضع القائم تتمثل في احتمال جدي لتفكك الدولة السورية”، خصوصاً مع استمرار المشكلة الكردية، مضيفاً أن واشنطن “تواصل سياسات تشجيع النزعات الانفصالية، وتعمل على نهب ثروات سوريا للإنفاق على مشروعها الخاص في منطقة شرق الفرات”.
وأضاف أن “المكون الكردي فتح اتصالات مع موسكو، بعد إعلان الرئيس السابق دونالد ترمب نيته سحب القوات الأميركية من سوريا، وطالبت الإدارة الكردية موسكو بالمساعدة على إعادة فتح قنوات اتصال مع دمشق”.
وقال لافروف إن موسكو بذلت جهوداً في هذا الاتجاه، لكن “الأكراد تراجعوا عن مواقفهم، بعد تراجع ترمب عن قرار الانسحاب”. وأضاف “استقبلناهم وعرضنا عليهم أفكاراً كثيرة، مع تأكيد أننا لا نفرض أفكارنا، لكن المشكلة أنهم يربطون كل تحركاتهم بأميركا، وواشنطن لا ترغب في تحقيق أي تقدم، وتعرقل الحوار مع دمشق”.
المدن
———————–
لافروف: خطر تقسيم سوريا جدي… ودمشق لن تتنازل تحت الضغط
قال إن موسكو متفائلة بتحقيق تقدم في جولة اللجنة الدستورية المقبلة
موسكو: رائد جبر
حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من «خطر تقسيم سوريا»، في حال واصلت واشنطن سياسات تشجيع «النزعات الانفصالية»، في إشارة إلى الأكراد في شمال شرقي سوريا.
وحمل لافروف بقوة خلال مشاركته، أمس، في أعمال منتدى «فالداي» للحوار، على «المعايير المزدوجة» التي يتعامل الغرب بها في الشأن السوري، مشيراً إلى أن سياسة العقوبات والضغوط القوية الممارسة على دمشق لا تؤدي إلى دفعها لإبداء مرونة في الملف السياسي.
وخصص لافروف جزءاً مهماً من حديثه أمام المنتدى للشأن السوري، مع التركيز على التحركات الأميركية، ووجه انتقادات حادة إلى واشنطن، رغم إقراره بأنها لم تستكمل تشكيل فريقها إلى الملف السوري، ولم تضع تصوراً نهائياً لاستراتيجيتها في هذه الأزمة.
ورداً على سؤال حول أبرز المخاطر التي تواجهها سوريا حالياً، قال الوزير الروسي إن «أسوأ مخاطر الوضع القائم تتمثل في احتمال جدي لتفكك الدولة السورية»، خصوصاً مع استمرار المشكلة الكردية، موضحاً أن واشنطن «تواصل سياسات تشجيع النزعات الانفصالية، وتعمل على نهب ثروات سوريا للإنفاق على مشروعها الخاص في منطقة شرق الفرات».
وزاد: «المكون الكردي فتح اتصالات مع موسكو، بعد إعلان الرئيس السابق دونالد ترمب نيته سحب القوات الأميركية من سوريا، وطالبت الإدارة الكردية موسكو بالمساعدة على إعادة فتح قنوات اتصال مع دمشق». وأضاف لافروف أن موسكو بذلت جهوداً في هذا الاتجاه، لكن «الأكراد تراجعوا عن مواقفهم، بعد تراجع ترمب عن قرار الانسحاب». وزاد: «استقبلناهم (الأكراد) وعرضنا عليهم أفكاراً كثيرة، مع تأكيد أننا لا نفرض أفكارنا، لكن المشكلة أنهم يربطون كل تحركاتهم بأميركا، وواشنطن لا ترغب في تحقيق أي تقدم، وتعرقل الحوار مع دمشق».
وفي إطار المخاطر الأخرى المتوقعة، استبعد لافروف اندلاع مواجهات واسعة، وقال إن الأزمة حالياً «تعيش حالة التجميد».
وأعرب الوزير الروسي عن قناعة بأن أعمال اللجنة الدستورية السورية يمكن أن تشهد تقدماً مهماً في جولة الحوارات المقبلة، خصوصاً على خلفية الاتفاق على أن تتضمن الجولة المقبلة «عنصراً جديداً يميزها عن كافة الجولات السابقة».
وأشار لافروف إلى أن موسكو تعمل، عبر اتصالاتها مع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، وممثلي الحكومة والمعارضة السوريين، على دفع الأطراف للتقارب.
وزاد أن «الاجتماع المقبل للجنة الدستورية كان مقرراً قبل حلول شهر رمضان، ولا نزال نأمل في إمكانية إجرائه في موعده، يتوقع أن يكون جديداً نوعياً، لأنه للمرة الأولى تم الاتفاق على أن يعقد رؤساء الوفود من الحكومة والمعارضة لقاء مباشراً». وأضاف لافروف أن بيدرسن عبر عن ترحيبه بهذا الاتفاق «الذي ساعدت روسيا في التوصل إليه ونأمل بأن يتحقق».
وقال الوزير الروسي إن الأطراف السورية «بحاجة إلى وقت مناسب لتقريب وجهات النظر والعمل بهدوء على المهام المطروحة أمامها»، مشيراً إلى أنه «لا بد من إتاحة الفرصة الكاملة والفترة الزمنية الكافية لتحقيق تقدُّم، ولقد حفرت على الأرض السورية خلال سنوات خنادق عميقة، ولا بد أن يعمل السوريون للتوصل إلى توافقات فيما بينهم».
وسُئل لافروف خلال الندوة عن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، و«هل يعني تنظيمها قبل إنجاز الإصلاح الدستوري دفن القرار 2254؟»، فأجاب أن القرار الدولي لم يربط مسألة الانتخابات بوضع دستور جديد لسوريا. وأوضح أن المشاورات الروسية مع المبعوث الدولي دلّت على أن «لدى بيدرسن فهماً واضحاً بأن عمل اللجنة الدستورية لا ينبغي أن يرتبط بخطوط زمنية مصطنعة»، مذكرا بأن تطبيق القرار 2254 كان مجمداً لولا جهود روسيا وتركيا وإيران في إطار «مسار آستانة» لدفع مسار المفاوضات حول الإصلاح الدستوري.
وفي الوقت ذاته، حمل لافروف بقوة على استمرار الضغوط الغربية على دمشق، وقال إن «قانون قيصر» ولوائح العقوبات والقيود الأخرى تهدف إلى تعزيز الضغط على دمشق، ودفع الشعب السوري إلى التمرد على حكومته، معرباً عن استغرابه من «مواصلة الغرب مطالبة دمشق بإبداء مرونة والمشاركة في اجتماعات في جنيف مع مواصلة تنفيذ هذه السياسات»، معتبراً أن «هذا ليس ممكناً».
وقال إن «ما حصل في مؤتمر المانحين أخيراً في بروكسل يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ويفاقم مشكلة كبرى أمام الأمم المتحدة»، مذكراً بأن واشنطن عملت على إفشال مؤتمر اللاجئين الذي عُقِد في دمشق، العام الماضي، ومارست ضغوطاً لمنع الأطراف من حضوره، ما أدى إلى أن يكون حضور الأمم المتحدة بصفة مراقب فقط، بسبب الضغوط الأميركية»، لافتاً إلى أنه، في الوقت ذاته، «يعقدون مؤتمراً الآن لدعم اللاجئين في مناطق اللجوء والمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، ونحن لا نفهم كيف يمكن عقد اجتماع دولي لبحث ملف اللاجئين في بلد لا تحضر حكومته الشرعية هذا المؤتمر. هذا أمر مخالف بفظاظة للقانون الدولي».
وفي تجديد لانتقاد الوجود الأميركي في سوريا، قال لافروف إن الأميركيين يعلنون أنهم «باقون إلى الأبد»، ويمارسون «ازدواجية كاملة»، من خلال التحذير من استعادة تنظيم «داعش» نشاطه في بعض المناطق، في حين «يشجعون ويدعمون فصائل إرهابية في مناطق أخرى بينها إدلب».
ولفت الوزير إلى أن «داعش» ظهر نتيجةً مباشرةً للسياسات الأميركية في العراق، تحت قيادة الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر، عندما تم حل حزب «البعث»، ومؤسسات الدولة.
وزاد أن «واشنطن استغلت وجود (داعش) بشكل كبير لعرقلة أي مجالات للتسوية في سوريا، وما زالت تعتقد أن المهمة الأساسية في هذا البلد هي تغيير النظام». وقال إن أكثر ما يقلق موسكو هو «محاولات واشنطن التوصل إلى تفاهمات مع بعض الإرهابيين خلف أبواب مغلقة».
الشرق الأوسط
———————-
========================
تحديث 03 نيسان 2021
—————————–
حكومة لبنانية لإنقاذ والي دمشق/ عمر قدور
الاتهامات الروسية – الأمريكية المتبادلة، حول الملف الإنساني في سوريا، تشير إلى صعوبة توصل الطرفين إلى اتفاق عبر الأمم المتحدة من أجل إدخال المساعدات. موسكو تريد وضع المساعدات تحت سيطرة ورحمة سلطة الأسد، كنوع من الاعتراف بشرعيتها كسلطة مسؤولة عن عموم السوريين بمن فيهم أولئك الذين خارج مواقع سيطرتها! ووزير الخارجية الأمريكي الذي ترأس اجتماع مجلس الأمن يوم الاثنين طالب بإعادة فتح منفذي باب السلام واليعربية عبر الحدود التركية، وكانت موسكو في الصيف الماضي قد استخدمت حق الفيتو من أجل تقليص المعابر إلى معبر واحد ينتهي العمل به في الصيف.
المأساة المعيشية السورية لن تحرض موسكو وواشنطن على تجاوز الخلافات والبرود، هناك ملفات عالقة بينهما لها أولوية على الشأن السوري. موسكو تظهر راغبة في المفاوضات، فهي تعطي إشارات من نوع تدخلها لتسهيل انعقاد اللجنة الدستورية، وفي المقابل تهوّل من وجود احتمال جدي لتفكك ما تسميه الدولة السورية بسبب الوجود الأمريكي الداعم للأكراد. أما واشنطن فلا تكترث بالضجيج الروسي، في حين تنهمك دبلوماسيتها في جهود إحياء المفاوضات مع طهران، وتعطي لوقف تجاوزات التخصيب الإيرانية أولوية على مجمل شؤون المنطقة.
في واجهة المنطقة ليس هناك من تحرك دولي، ولو وغير متواصل أو في حدود دنيا، سوى المتعلق بتشكيل الحكومة اللبنانية. تقود باريس المهمة برضا أمريكي، قد لا يصل إلى التفويض التام إلا أنه لا يستبعد لبنان كأحد المداخل لإعادة الحرارة للمفاوضات مع طهران. ولعلها المرة الأولى الذي يكون فيها لتشكيل الحكومة اللبنانية أهمية قصوى ربطاً بالانهيار اللبناني، فيما تتضح يومياً آثار هذا الانهيار على الأوضاع المعيشية لمناطق سيطرة الأسد في سوريا.
لا يتعلق الأمر بتكهنات أو فرضيات، فالانهيار الاقتصادي اللبناني قاد معه نظيره الأسدي إلى الهاوية بوضوح شديد. حتى على مستوى التفاصيل، لم يعد خافياً ذلك الترابط بين تقلبات سعر صرف الليرة اللبنانية ونظيرتها السورية، ولا أثر تهريب بعض السلع أو إيقافه على الأزمات في الجانب الآخر. لم تدفع جهات خارجية بلبنان إلى هذه الهاوية، باستثناء النفوذ الإيراني المهيمن على السلطة ومساعدة نخبة الفساد التقليدية، ما فعله الغرب والخليج هذه المرة هو عدم الهرولة لإنقاذ لبنان بشروط أصحاب النفوذ فيه.
في عدم الهرولة لإنقاذ لبنان كيفما اتفق، هناك رسالة لنخبته السياسية وأيضاً لممثلي النفوذ الإيراني، يُراد بها القول لتلك النخبة أن زمن إفلاتها من المسؤولية بلا حدود قد ولّى، ويُراد إفهام طهران أن هيمنتها بالقوة على الدولة والقرار اللبنانيين لن تنفعها إذا تُرك لها لبنان لتتحمل مسؤوليته الكاملة. لقد سئمت الدول المانحة إبداء الكرم الذي قوبل دائماً بسوء الاستخدام، وبأن يقع عليها عبء توازن لبنان فلا يترنح تحت العسكرة الإيرانية وحدها، وربما وجدت إدارة ترامب في الانهيار اللبناني فرصة للتضييق على طهران غير القادرة مالياً على مساندة حلفائها في لبنان وسوريا.
كشف أيضاً انفجار المرفأ والانهيارات المالية السابقة واللاحقة عليه مدى استخدام لبنان من قبل سلطة الأسد وحلفائها فيه، ومن العسير الظن بأن ذلك كان غائباً عن علم أجهزة المخابرات الكبرى. يصعب مثلاً الاقتناع بأن أحداً من تلك الأجهزة لم يتتبع مصادر المواد المتفجرة “أو التي تصنّع منها المتفجرات” القادمة إلى قوات الأسد، على الأقل لأن أكثر من جهاز مخابرات يرصد احتمال حصول الأسد على مواد غير تقليدية. الأرصدة المالية للتجار العاملين مع الأسد، وخطوط تهريب السلع العادية، لا يحتاج كشفهما إلى مهارة. يمكن اختصار تلك المرحلة بوجود سماح دولي بإنعاش الأسد من خلال المصارف والمواد المتفجرة والسلع الاستهلاكية، استكمالاً لدور ميليشيا حزب الله في سوريا.
تأخرُ تشكيل الحكومة اللبنانية يغري بربطها بملفات تتجاوز لبنان وانقساماته التي ليست بالمستجدة، فمن شبه البديهي ألا يكون التأليف بعيداً عن أجواء قنوات الوساطة بين واشنطن وطهران، إذا لم تكن هناك قنوات سرية مباشرة باشرت نشاطها. واليوم، فوق رفع العقوبات الأمريكية الذي سيأتي في النهاية، ليس لدى إدارة بايدن جزرة تقدّمها على نحو غير مباشر سوى في لبنان، ومن خلال تشكيل حكومة يقرر الغرب والخليج أنها أهل للثقة واستلام المساعدات.
في مفاوضات النووي الأولى، نالت طهران جزرة السماح لها باستباحة سوريا والدفاع عن واليها في دمشق، ولا يتحمل أوباما مسؤولية الفشل الإيراني الذي مهّد للتدخل العسكري الروسي. تغيرت لوحة النفوذ، ولا تتوقف موسكو عن محاولة إثبات سيطرتها على والي دمشق ومفاصل سلطته، بينما تعاني الميليشيات الإيرانية من رقابة وردع إسرائيليين. هذا يرفع من شأن البوابة اللبنانية، حيث لا وجود للنفوذ الروسي هنا، والصفقة تعني منح جرعة معنوية ضخمة لطهران.
من خلال الاتفاق على تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، وما هو منتظر منها لوقف الانهيار، قد تتجاوز واشنطن وطهران ذلك الجدل الأمريكي-الروسي في الأمم المتحدة، ويعود لبنان إلى دوره كمتنفس لبشار الأسد من العقوبات الدولية، بفضل طهران وصفقاتها لا بفضل موسكو. إدارة بايدن، ضمن سياساتها الحالية، قد لا تكون بعيدة عن إعطاء طهران ما لا تود إعطاءه لموسكو. فوق ذلك، قد تكون بوابة “التهريب” اللبنانية حلاً لمعضلة الإدارة التي لا تريد خنق الأسد كلياً، ولا تريد تقديم قليل من الأكسجين له مباشرة.
على الضفة اللبنانية، لن يكون هناك ممانعون لاستخدام لبنان على هذا النحو من بين النخبة الحاكمة، فقط قد تنشأ خلافات حول الحصص من الأرباح التي ستدرها التجارة المخفية. هذه أكثر حكومة لبنانية ينتظر بشار الإفراج عنها، وأن يشترك مع اللبنانيين في ذلك فهو ليس بالأمر النادر إذ لطالما تسلق من لا يستحق على أكتاف أصحاب الحق.
المدن
———————-
ارتفاع حدة المطالبات الغربية بمحاسبة النظام السوري قبيل الانتخابات/ عماد كركص
تتزايد المطالبات الغربية والأوروبية لمحاسبة النظام السوري، قبيل أشهر من الانتخابات الرئاسية التي يعتزم النظام وحلفاؤه إجراءها في منتصف العام الحالي، بهدف التجديد لبشار الأسد لولاية رئاسية جديدة مدتها سبعة أعوام، وسط معارضة دولية للانتخابات، وحتى لنتائجها المستقبلية.
وبعدما بدأت بعض المحاكم الأوروبية الوطنية بتحريك دعاوى ضد شخصيات من النظام، بموجب الولاية القضائية العالمية، برز في الأيام الأخيرة البيان الصادر عن وزراء خارجية 18 دولة أوروبية، والذي حمّل النظام وداعميه المسؤولية الأساسية عن الجرائم التي تُرتكب بسورية، مع التشديد على مكافحة إفلات مرتكبي هذه الأعمال من العقاب ومحاسبتهم.
ولفت البيان المشترك، الذي صاغه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، ووقّعت عليه 18 دولة أوروبية، إلى أن “النظام السوري استخدم مراراً وتكراراً الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، كما حددته بوضوح الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ورفض النظام باستمرار تقديم تفسيرات لفرق التحقيق الدولية، لكن الناجين من هذه الهجمات موجودون هناك للإدلاء بشهاداتهم على ما رأوه وما مروا به”. وأكد الوزراء “أننا لن نظل صامتين في وجه الفظائع التي ترتكب في سورية، والتي يتحمل النظام وداعموه الخارجيون المسؤولية الأساسية عنها. العديد من هذه الجرائم، بما في ذلك تلك التي ارتكبها داعش والجماعات المسلحة الأخرى، يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ولذلك، تقع على عاتق الجميع مسؤولية مكافحة إفلات مرتكبي هذه الأعمال من العقاب ومحاسبتهم أياً كانوا”.
وتابع البيان: “نواصل دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في هذه الجرائم المزعومة ومحاكمة مرتكبيها، لإحباط استراتيجية من يعرقلون إحالتها إلى مجلس الأمن. حشدنا جهودنا لضمان توثيق الحقائق، ريثما يتم فحصها من قبل القضاة المختصين، ولهذه الغاية، دعمنا إنشاء آلية دولية محايدة ومستقلة تجمع الأدلة وتحميها من أجل الإجراءات القانونية المستقبلية. هذه الجهود ضرورية. كما ندعم عمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة، التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان في سياق الصراع السوري”. وأشاد البيان بجهود المبادرات والمحاكم الأوروبية في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سورية، بالقول: “من الضروري وقف هذه الانتهاكات التي تم توثيقها بعناية فائقة على الفور، كما أننا مصممون على التمسك بجميع المعايير الدولية لحماية حقوق جميع السوريين، هذا هو معنى المبادرة الهولندية الأخيرة التي تطالب سورية بالمساءلة عن أفعالها لانتهاكها اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. والمحاكم الوطنية، التي فتح بعضها بالفعل إجراءات قانونية، لها دور مهم تلعبه في هذه العملية، في العديد من بلداننا”.
وأشار الوزراء إلى أن “مكافحة الإفلات من العقاب ليست مسألة مبدأ فحسب، بل هي أيضاً واجب أخلاقي وسياسي، ومسألة أمنية للمجتمع الدولي، إذ يشكل استخدام الأسلحة الكيميائية، في أي ظرف من الظروف، تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وردا على الهجمات الكيميائية، حشدنا جميع المؤسسات ذات الصلة، التي تلتزم بمعايير حظر الأسلحة الكيميائية. وأطلقنا الشراكة الدولية ضد الإفلات من العقاب على استخدام الأسلحة الكيميائية (PICIAC)، وبفضل هذه المبادرة، أصبح من الممكن إدانة المتورطين في تطوير أو استخدام الأسلحة الكيميائية، ولن نتوقف عن تدفيعهم ثمن جرائمهم”.
ويأتي هذا البيان بعدما شهد شهر فبراير/ شباط الماضي صدور أول حكم قضائي بحق ضابط صف في قوات النظام، كان يؤدي الخدمة في أحد الأفرع الأمنية التابعة للنظام، بعد محاكمة في مقاطعة كوبلنز الألمانية، التي من المتوقع أن تصدر حكماً آخر بحق ضابط آخر من الفرع ذاته. لكن ردة فعل الشريحة الأوسع من السوريين على الحكم والمحاكمة لم تكن بتلك الإيجابية المتوقعة، لا سيما أن الشخصين اللذين خضعا للمحاكمة يعدان من المنشقين عن صفوف النظام في الفترات الأولى من عمر الحراك. كما أن الدعاوى التي حركت بحق مسؤولين كبار من النظام، لا سيما في فرنسا، توضح أنها تعتبر رمزية، دون توقع أن تكون لها نتائج ملموسة في طريق تحقيق العدالة في سورية، فهي رفعت بشكل غيابي، ما يعني عدم إمكانية إحضار المتهمين للمثول في قفص الاتهام داخل المحاكم.
وتبقى تلك المحاكمات والدعاوى محط استفهامات كثيرة حول جدواها وقدرتها على تحقيق العدالة للسوريين، في ظل استحالة جلب المتورطين الرئيسيين بجرائم الحرب إلى المحاكم الأوروبية الوطنية، التي تلقى إشادات من قبل مسؤولين أوروبيين وغربيين، في حين ينتظر السوريون، الذين دفعوا أثماناً باهظة جراء الجرائم المرتكبة من قبل النظام ورموزه، إحالة هذا الملف إلى المحاكم الدولية، لا سيما محكمتي الجنايات والعدل، فهناك يمكن للعدالة أن تأخذ مجراها بتطبيق الأحكام تحت الفصل السابع، بإشراف مجلس الأمن الدولي.
وتعليقاً على البيان الأوروبي، أشار القاضي والخبير القانوني السوري سليمان القرفان إلى أن الدول الأوروبية الموقّعة عليه تُشكر على موقفها بالثبات والتأكيد على محاسبة المجرمين ووضع آليات لعدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم الحرب لمسؤولي النظام السوري. وأضاف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المحاكمات التي تجري اليوم في أوروبا في هذا المجال، محطة إيجابية لكنها رمزية في آن معاً، غير أنه من الممكن أن يبنى عليها مستقبلاً، وهي تحمل رسالة للمجرمين بأن المحاسبة آتية لا محالة، وأن الحقوق لا تسقط بالتقادم”.
ووصف القرفان البيان الصادر عن الدول الأوروبية الـ18، بـ”الهام للغاية”، مضيفاً: “كوننا رأينا بعض المتصدرين في المشهد السياسي السوري، قد يجنحون للتنازل عن حق السوريين وطي الصفحات، بذريعة التخفيف من وطأة الحرب على السوريين، لكن هذا الشيء غير سليم وغير صحي في سياق القضية السورية”. وأكد أنه “إذا كنا نريد الانتقال من البلاد التي عاشت تحت حكم استبدادي وحالة حرب طويلة وطاحنة إلى مرحلة استقرار، فيجب أن تكون محاسبة المجرمين من أولى الأولويات، لأن عدم المحاسبة يعني تكرار الانتهاكات بشكل مستمر”. وشدد على أن البيان الصادر عن الدول الأوروبية “يجب استثماره بشكل صحيح، لا سيما أن المعركة اليوم في القضية السورية قانونية بامتياز، وعلينا التركيز عليها كسوريين، ويسندنا في ذلك القرار الأممي 2254، الذي ينص على محاسبة المجرمين ومرتكبي جرائم الحرب، وهذا الحق لا يمكن التنازل عنه تحت أي ذريعة، ومنها الإسراع في إيجاد حل ينهي المأساة السورية”.
وتشكل هذه التحركات الأوروبية والغربية مزيداً من تضييق الخناق على النظام وحلفائه الراغبين بإعادة تعويمه، الأمر الذي قد يفرز للقضية السورية تطورات مفصلية داخلها، لا سيما مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، والموقف الدولي الرافض له، بانتظار تحركات ملموسة، غربياً ودولياً، في هذا الجانب في المستقبل القريب.
العربي الجديد
—————————
الانتخابات السورية: فيتو أميركي بمواجهة محاولة تعويم الأسد/ عماد كركص
بدأت الولايات المتحدة الأميركية تكشف تدريجياً عن مزيد من مواقفها اتجاه النظام السوري، عقب وصول إدارة الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، بعد أن ساد ما يشبه الغموض بموقف بايدن من النظام طيلة حملته للانتخابات الرئاسية، وحتى في الفترة الأولى التي تلت تنصيبه. وفيما يقترب موعد الانتخابات الرئاسية في سورية، المقرر إجراؤها بعد نحو ثلاثة أشهر، والتي باتت محط أنظار الفاعلين الدوليين في الشأن السوري، دخلت واشنطن على الخط بالقول إنها لن تعترف بشرعية هذا الاستحقاق، المستنكر أوروبياً، في ظلّ وضوح نوايا النظام وحليفيه الروسي والإيراني، لتوظيفه من أجل إعادة تعويم بشار الأسد، عبر انتخابه لفترة رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات. وتسعى روسيا لتحقيق ذلك من بوابة إعادة سورية إلى محيطها العربي والجامعة العربية، وهذا ما كان واضحاً خلال جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على عدد من العواصم الخليجية قبل أيام. في حين تأتي زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى سلطنة عُمان التي بدأها يوم أمس السبت، كمحطة يمكن التوقف عندها في هذا السياق.
وأعلن نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة بالإنابة، جيفري ديلورنتس، في تصريحات له أول من أمس الجمعة، أنّ إدارة بايدن “لن تعترف بنتائج الانتخابات في سورية، إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، وبشكل يراعي وجهة نظر المجتمع السوري بأسره”. وأكد ديلورنتس أنّ النظام السوري ينوي استغلال الانتخابات لتأكيد شرعية رئيس النظام بشار الأسد. وشدد على أنّ الإدارة الأميركية الحالية تعارض إجراء انتخابات “غير حرة” لا تخضع لإشراف الأمم المتحدة، مضيفاً: “نواصل التأكيد بحزم على أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو دفع العملية السياسية التي تفي بالشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254”. كذلك أشار ديلورنتس إلى أن “المعارضة السورية حاولت القيام بدور نشط في تطوير الدستور الجديد، لكنها قوبلت برفض دمشق التعاون في هذا الشأن”.
وفي الأشهر السابقة، حملت تصريحات غربية وحتى أميركية رفضاً واضحاً للانتخابات الرئاسية في سورية ونتائجها المتوقعة، بيد أنّ تصريحات ديلورنتس الأخيرة تقطع الشك باليقين، حيال نظرة الإدارة الأميركية وبايدن نفسه، إلى هذا الاستحقاق، الذي سيعتبر مفصلياً وحاسماً في طريق الأزمة السورية، التي أنهت قبل أيام عقدها الأول، بمئات الآلاف من الضحايا المدنيين؛ قتلى ومعتقلين، إلى جانب الملايين من النازحين واللاجئين.
ومع الخشية من أن يؤدي قرار بايدن بالعودة إلى التفاوض مع إيران بشأن ملف الأخيرة النووي إلى تراخٍ في الموقف الأميركي حيال النظام السوري، تزداد الضغوط من قبل الكونغرس على إدارة الرئيس الجديد لزيادة التشدّد في التعامل مع النظام وحلفائه، ولا سيما طهران. إذ طالب أعضاء من مجلس النواب الأميركي، أول من أمس الجمعة، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بتقديم إجابات رسمية بشأن تحديد الجرائم ضدّ الإنسانية التي ترتكبها إيران والمليشيات التي ترعاها، في سورية والعراق، وما إذا كانت إيران و”حزب الله” اللبناني والمليشيات المدعومة من طهران قد قامت بحملات تطهير طائفي في ضواحي دمشق، ما يمكن أن يعتبر منهجية واسعة الانتشار، وبالتالي فإنها تشكل جريمة موصوفة بحسب قوانين الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنّ هذه المطالبات هي جزء من مشروع قانون جديد يتعلق بضرورة معاقبة إيران لقيامها بانتهاكات لحقوق الإنسان داخل أراضيها وفي كل من العراق وسورية، إلا أنه ستكون له انعكاساته على تعامل إدارة بايدن مع النظام، الذي سهّل عمل إيران في سورية، وكان سبباً في توغلها بالبلاد، وشريكاً لها بجرائم وعمليات تغيير ديمغرافي على أساس طائفي.
وتأتي هذه التحركات الأميركية، لمواجهة سعي موسكو إلى تعويم الأسد من خلال إعادة نظامه إلى المحيط العربي، عبر تطبيع العلاقات مع الدول العربية، والخليجية تحديداً، لكسب تأييدها ودعمها المالي في عمليات إعادة الإعمار في سورية. وكان ذلك واضحاً من خلال جولة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الخليجية الأخيرة التي توقف خلالها في كل من الرياض وأبو ظبي والدوحة. بيد أنّ لافروف تلقّى إجابات غير مرضية في الرياض والدوحة، إذ تم ربط مسألة عودة سورية إلى الجامعة العربية بإنجاز الحل السياسي الشامل في البلاد، على أن تكون المعارضة جزءاً من هذا الحل. في حين أنّ الموقف الإيجابي اتجاه طرح لافروف والذي أبدته الإمارات، غير كافٍ، نظراً لهشاشة الثقل الإماراتي في الملف السوري، على الرغم من أنّ أبو ظبي سارت في طريق إعادة تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد قبل عامين، بهدف مساندته في مواجهة التمدد التركي في البلاد.
وبناءً على ذلك، يمكن اعتبار زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى العاصمة العمانية مسقط، والتي بدأها أمس السبت، امتداداً لجهود لافروف بتسويق فكرة إعادة النظام لمحيطه العربي من البوابة الخليجية. وتلعب سلطنة عمان، عادةً، دور الوسيط في نزاعات المنطقة، وخصوصاً بالنسبة لإيران التي تربطها بها علاقات جيدة. ويبدو أنّ النظام يحاول تعزيز علاقاته مع مسقط بهدف فكّ العزلة عنه والحصول على شرعية سياسية، خصوصاً في وقت يحضّر فيه لإجراء انتخابات رئاسية، معتمداً على سياسة “الحياد” التي تتبعها السلطنة. مع العلم أنّ سلطنة عُمان هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع النظام السوري، كما فعلت باقي الدول الخليجية، إذ عمدت فقط لتخفيض مستوى تمثيلها في دمشق عام 2012، إثر اندلاع الثورة السورية، وكانت أول دولة عربية وخليجية تعيد سفيرها إلى دمشق في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
وفي السياق، رأى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، عبد الأحد صطيفو، أنّ “المواقف الأميركية واضحة جداً وصارمة فيما يتعلق بانتخابات نظام الأسد الرئاسية المزمع عقدها خلال الأشهر المقبلة”. وأضاف في تصريح لـ”العربي الجديد” أنه “خلال متابعة وقراءة التصريحات الرسمية الأسبوع الماضي فقط، سواء لوزارة الخارجية أو للسفيرة ليندا توماس غرينفيلد، المندوب الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ورئيسة مجلس الأمن لهذا الشهر، إضافة إلى البيان المشترك لوزراء خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا الإثنين الماضي بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة السورية، يتضح لنا ثبات المواقف الرسمية ليس فقط لأميركا، ولكن للدول الأوروبية أيضاً الفاعلة في الملف السوري. إذ تؤكّد هذه المواقف بلغة لا تقبل التأويل أنّ انتخابات النظام المقبلة لن تكون حرة ولا نزيهة، ولا تسهم في تسوية الصراع، ولن تؤدي إلى التطبيع الدولي مع النظام أو تضفي الشرعية عليه، كونها لا تفي بالمعايير المنصوص عليها في القرار الأممي 2254 (لعام 2015). وينصّ هذا الأخير على تشكيل حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية (أي هيئة الحكم الانتقالي) وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقاً لأعلى معايير الشفافية الدولية، عملاً بالدستور الجديد، وتحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة جميع السوريين بمن فيهم الذين يعيشون في المهجر”.
وتابع صطيفو أنّ “المواقف الأميركية هي متناسقة ومتماسكة مع المواقف الأوروبية، كما جاء في عدد من مواقف وزارتي الخارجية الفرنسية والألمانية مثلاً، إضافة لبيانات الاتحاد الأوروبي وتصريحات المبعوث الأممي لسورية غير بيدرسن”. ولفت المتحدث نفسه إلى أنّ “الموقف الأميركي كذلك متوافق مع ما جاء في عقوبات قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران الماضي، ويؤكد استخدام الوسائل الاقتصادية والدبلوماسية والقسرية لإجبار حكومة بشار الأسد على دعم الانتقال السياسي في سورية. ووفقاً للمادة 401 من نص القانون، يتم تعليق العقوبات في حال تطبيق إجراءات بناء الثقة في ما يتعلق بالملفات الإنسانية والمحاسبة والانخراط الجاد في عملية سياسية تؤدي لحل سياسي عادل يحقق تطلعات شعبنا بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية ودولة المواطنة المتساوية”.
من جهته، رأى الباحث السياسي، والمعارض السوري، رضوان زيادة، أنّ موقف الإدارة الأميركية الجديدة “يتماشى مع الموقف الأميركي العام في عدم الاعتراف بنظام الأسد والإصرار على الانتقال السياسي، وربطه برفع العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر وتطبيق بنود القرار 2254”. وأشار زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “المطلوب من الولايات المتحدة الآن موقف أقوى لناحية الجدية في تطبيق قانون قيصر، وفرضه حتى على أصدقاء أميركا الذين يرغبون في إعادة تأهيل نظام الأسد، مثل عُمان والإمارات، كما فعلت الإدارة السابقة، وهذا يشترط وضع سورية كأولوية بالنسبة لواشنطن في السياسة الخارجية، وهو ما لم يحصل للأسف إلى الآن”.
———————-
الشرق الأوسط على مشرحة موسكو/ بسام مقداد
بين 30 – 31 الشهر المنصرم عَقد في موسكو منتدى “Valdai” الروسي للحوار الدولي مؤتمره السنوي العاشر تحت عنوان “الشرق الوسط في البحث عن نهضة مفقودة”، بشراكة من معهد الإستشراق الروسي . وكان حضور المؤتمر ضعيفاً هذه السنة ، إذ أنه زاوج بين الحضور الشخصي والإفتراضي ، وشارك فيه 50 إختصاصياً من حوالي 20 بلداً ، بما فيها لبنان ، حيث تحدث مستشار الرئيس ميشال عون النائب أمل أبو زيد . ويأتي هذا المؤتمر في سياق الإهتمام الروسي المتزايد بالمنطقة ، التي يتضاءل إهتمام الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي فيها ، وتسارع روسيا والصين لملء “الفراغ”.
في الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر ، كان لوزير الخارجية سيرغي لافروف كلمة مقتضبة ، تبعها حوار مستفيض مع الصحافيين والحضور ، اعتبره بعض المراقبين الحوار الأول غير المباشر مع الإدارة الجديدة للولايات المتحدة الأميركية . ورأى لافروف ، أن المنطقة لن تفقد أهميتها الإستراتيجية ، حتى بعد إنتهاء عصر الطاقة المستندة إلى النفط والغاز في خمسينيات أو ستينيات هذا القرن . وقال ، بأنه حين أصبح النفط والغاز محرك الإقتصاد العالمي ، إكتسب الشرق الأوسط أهمية جيوسياسية هائلة ، وأصبح مسرحاً لمختلف الألعاب ، التي كانت تتركز حول الوصول إلى مصادر الطاقة . وقال ، بأن روسيا مع أن تكف المنطقة عن أن تكون مسرحاً لتصادم مصالح الدول العظمى ، وأن روسيا إقترحت تطوير مفهوم الأمن الجماعي “للشرق الأوسط وليس فقط”. وقال ، بأنه يأمل بأن يخلي العداء لإيران مكانه للحس السليم ، وأن تصبح فكرة “الناتو الشرق أوسطي” و”الناتو الآسيوي ” من الماضي ، إذ “يكفينا الناتو الموجود حيث هو”.
وتناول لافروف الوضع السوري ، وتحدث عن “مخاطر جدية” من تقسيم سوريا بسبب طموحات الأكراد والولايات المتحدة من خلفهم ، وأكد ، بأن إجتماع لجنة الدستور السورية قبل حلول رمضان أمر ممكن ، وأن سوريا لن تستسلم للضغوط . واعتبر البعض ، أن كلام لافروف هو رسالة للجميع ، بمن فيهم النظام السوري، بأن روسيا مصرة على إطلاق العملية السياسية في سوريا ، وأنها ستقف بوجه كل من يعرقل إطلاقه ، وبالدرجة الأولى نظام الأسد نفسه.
لكن المعلق السياسي في صحيفة “NG” إيغور سوبوتين له رأي آخر في كلام لافروف بشأن الملف السوري . فقد قال ل”المدن” ، بأن روسيا ، وعلى العكس من إيران ، “ليس بوسعها حتى التقدم بإقتراح ما” ، ولا يتبقى لها سوى أن تنتهج خطاً محافظاً “للإبقاء على الأسد في السلطة” ، وقال ، بأنه سيكون مسروراً لو تبين “أنه على خطأ” . ورأى سوبوتين ، أن إجتماعات مؤتمر “Valdai” أظهرت “كم ينتظرون من روسيا في الملف السوري” . وبرز ذلك ، برأيه ، في ما قامت به وكالات أنباء وقنوات Telegram من توزيع خبر كاذب يقول ، بأن لافروف تحدث في المؤتمر عن “علاقة الإنتخابات الرئاسية السورية بعمل لجنة الدستور” . ويقول ، بأن الوزير “ما كان ليقول ذلك” بالتأكيد.
وقال سوبوتين ، بأنه إذا ما نظرنا إلى نشاطات موسكو في الأسابيع الأخيرة ، يغدو واضحاً كم نشطت ، سواء خطابياً، أو دبلوماسياً ، وسيقوم سيرغي لافروف في 13 الشهر الجاري بزيارة طهران ، حيث سيكون موضوع الصفقة النووية ، أحد المواضيع الرئيسية . لكن السؤال هو ما إذا كان الطرفان الخصمان ـــــــ الولايات المتحدة وإيران بحاجة فعلياً لمثل هذا النشاط الروسي المبادر.
وعلى العكس مما يؤكده سوبوتين ، بأن إيران كانت الموضوع الأساسي على جدول أعمال المؤتمر ، قال موقع أسبوعية “rusmir” الموالي في اليوم الأول للمؤتمر ، بأن المؤتمرين سيبحثون كيف يتغير دور اللاعبين الخارجيين في المنطقة ، وعملية تغير الأنظمة السياسية والمجتمعات، والنهضة الأيديولوجية.
لكن من الواضح ، أن الهدف الرئيسي ، الذي وضعه منظمو المؤتمر نصب أعينهم ، كان الإستماع إلى كتاب وسياسيين وإختصاصيين من الشرق الأوسط ، أو خبراء مهتمين بشؤونه ، واستعراض آرائهم في عودة روسيا إلى المنطقة و”تنامي نفوذها ” فيها. ويقول، بأن روسيا تنشط في إعادة إعمار سوريا بعد الصراع المسلح ، وتقوم بدور الوسيط بين أطراف النزاع الليبي ، وأطراف الصراع العربي الإسرائيلي ، “الذي طرأت عليه تغيرات مهمة” العام الماضي.
موقع “gazeta.ru” نقل عن مدير مركز الشرق الأوسط في كلية سانت أنتوني ، جامعة أكسفورد ، خبير منتدى “Valdai” روجين روغان قوله ، بأنه تجري الآن عملية إعادة تشكيل جغرافية الشرق الأوسط ، لكن الولايات المتحدة تحاول أن تقوم بذلك عن بعد “لننتظر ونرى إلى أي مدى ستنجح في ذلك” . ويقول ، بأنه ما كان ليبالغ في تقدير إمكانيات الولايات المتحدة ، أو حتى الإتحاد الأوروبي ، على العمل في هذه المنطقة . والمهم في هذا الإطار ، هو كيف سيتعامل الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع وباء الكورونا والمشاكل الإقتصادية ، والغرب لم يكن في يوم من الأيام “على هذا القدر من الضعف في الشرق الأوسط” . وبعد وصول بايدن إلى البيت البيض ، أخذ يولي السياسة الشرق أوسطية إهتماماً أقل ، وأخذت الولايات المتحدة تعلن خططاً لتخفيض القوات العسكرية ، أو الإنسحاب الشامل من أفغانستان وسوريا والعراق . ويرى أن بلدان الإتحاد الأوروبي تفقد مواقعها بسرعة في منطقة الشرق الأوسط ، ونفوذها هناك يستمر بفضل “النوستالجيا الإستعمارية” لدى قسم من النخب المحلية . وهو لا يعتقد ، أن أحداً يصدق جدياً ، أن بريطانيا وفرنسا بوضع يمكنهما من تدخل ما وازن في شؤون المنطقة ، ومسؤولياتهما لا تقارن ، بالتأكيد ، مع إمكانياتهما على العمل في المنطقة.
ورأى الخبير، أنه بمقدار ما تفقد الدول الغربية دورها في الشرق الأوسط، بقدر ما يتنامى نفوذ روسيا ، التي تشارك في إقامة نظام جديد هناك ، ويتزايد دور الصين ، التي تركز بالدرجة الأولى على تحقيق المصالح الإقتصادية ، وليس العسكرية أو السياسية.
موقع أسبوعية “AiF” واسعة الإنتشار (2.7 مليون نسخة) نقل عن مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية في”Valdai” جوست هيلترمان قوله في الحديث عما تغير في المنطقة بعد الربيع العربي ، بأن الأنظمة ، التي عاشت الربيع العربي ، بقي معظمها في مكانه لم يتزحزح ، بل على العكس تعززت تلك الأنظمة ، أو أصبحت أكثر تعسفاً . ومن جانب آخر ، اصبح الناس يعرفون بعد الربيع العربي، أن لديهم القدرة على إسقاط النظام الحاكم . هذان العاملان يخلقان حلقة مفرغة ، ولذلك فإن التغيير الراديكالي لهده المنطقة “من المستبعد أن يجري في المستقبل المنظور”.
ويقول هيلترمان ، بإنه إذا قامت الأنظمة المذكورة بتخفيف قبضتها ، فلن يعود بإمكانها السيطرة على الوضع ، و”سيحصل الإنفجار” . وإذا ما شددت قبضتها ، فهذا أيضاً يمكن أن “يؤدي إلى الإنفجار” . ونتيجة لذلك ، تخشى المنطقة أي تغييرات ، مما “يزيد تخلفها عن البلدان الأخرى” ، وتتزايد المشاكل ، التي لا يتولى أحد حلها ، والتي يمكن أن تؤدي ، في نهاية المطاف ، أيضاً “إلى الإنفجار” . ويختتم الرجل لوحته السوداوية للمنطقة بالتأكيد ، أنه ينبغي أن تظهر طليعة ما ، زعيم أو جماعة ما ، تمتلك رؤية محددة للطريق ، التي ينبغي سلوكها.
المدن
——————-
مبعوثة واشنطن إلى سوريا: الانتخابات الرئاسية لن تشرعن وجود الأسد
شددت المبعوثة الأميركية إلى سوريا بالإنابة، إيمي كترونا، على أن الانتخابات التي سيجريها نظام الأسد “غير حرة وغير نزيهة، ولن تشرعن وجود الأسد”، مشيرة إلى أنها “لا تتماشى مع معايير القرار الأممي 2254”.
وخلال لقاء عبر تقنية الفيديو مع رئيس “هيئة التفاوض السورية” المعارضة، أنس العبدة، والرئيس المشارك للجنة الدستورية السورية عن المعارضة، هادي البحرة، قالت كترونا إن بلادها تدعم جهود المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، موضحة أنها طلبت منه تكثيف جهوده من أجل إطلاق سراح المعتقلين، وتنفيذ كل بنود قرار مجلس الأمن الدولي 2254، باعتباره الطريق الوحيد للحل في سوريا.
وأضافت المبعوثة الأميركية أن الولايات المتحدة ستستمر بضغطها من أجل محاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا.
١- شددنا خلال لقاءنا مع المبعوثة الأميركية إلى سوريا بالإنابة إيمي كترونا على ضرورة تحريك ملفات المعتقلين، المحاسبة، استمرار العقوبات على رموز النظام، دفع العملية السياسية، وضرورة تمديد القرار الأممي الخاص بإيصال المساعدات للسوريين، وتضمين معبر باب السلامة في القرار. #سوريا
pic.twitter.com/Tb9CnOyXSP — أنس العبدة Anas Abdah (@AlabdahAnas) April 1, 2021
من جانبه، أكد العبدة على ضرورة تحريك ملفات المعتقلين والمحاسبة، واستمرار العقوبات على رموز النظام، ودفع العملية السياسية، وضرورة تمديد القرار الأممي الخاص بإيصال المساعدات للسوريين، وتضمين معبر باب السلامة في القرار.
وأوضح أن “المعتقلين بحاجة ماسة إلى الحرية العاجلة وغير المشروطة”، مشيراً إلى أن “العملية السياسية باتت في خطر لذلك لابد من ضغط دولي من أجل دفعها، لأننا كسوريين عانينا أكبر من طاقتنا، وقضيتنا قضية حق”.
وشدد رئيس هيئة التفاوض السورية على أهمية تشديد العقوبات على النظام لإجباره على قبول القرار الأممي
——————————-
=================
تحديث 05 نيسان 2021
———————
الأسد
ما يعرفه الوزير الروسي عن نهاية الصراع السوري/ رستم محمود
قبل أيام قليلة، وخلال مشاركته في منتدى “فالداي” للحوار، حذر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بشكل استثنائي من إمكانية “تفكك الدولة السورية، عائداً ذلك إلى أمرين مركبين، يقوم الأول على تشجيع الولايات المُتحدة لما أسماها الوزير الروسي بـ”النزعات الانفصالية”، ومن جهة أخرى إلى “جمود الصراع” داخل سوريا، قاصداً بالضبط نهاية إمكانية إحداث تغيرات وحلول عسكرية لمناطق النفوذ العسكري/الجغرافية بين المتخاصمين السوريين وداعميهم الإقليميين والدوليين.
الوزير الروسي الذي تُعتبر بلاده الجهة الدولية الراعية للمسألة السورية، من حروب ومفاوضات وقرارات دولية، إنما يُعبر بمثل تصريحه الأخير عن تلاقي الاستحالتين في إمكانية حل المسألة السورية، حسب الشروط الراهنة للصراع، استحالة الحسمين العسكري والسياسي في الآن عينه.
فمن جهة لم تتمكن أي من الفرق المتصارعة من دحر الأخرى تماماً، وتالياً فرض “حلٍ” ما عمومي لكل سوريا، يكون بمثابة الحل/الأمر الواقع، وحيث أن هذه الحقيقة تفتح الباب واسعاً أمام إمكانية استمرار الصراع المسلح على شكل حروبٍ استنزافية إلى ما لا نهاية، تتحول فيها سوريا، باستثنائية موقعها وشبكة المصالح الإقليمية والدولية حولها، إلى مجرد ساحة أبدية للصراع.
الاستحالة الثانية كامنة في عبثية أشكال التفاوض الراهنة بين السلطة والمعارضة السورية، التي تبدو بوضوح كـ”حفلة مكاذبة مُعلنة” بين المنخرطين، الذين لا ولن يمنح أي منهما شرعية للآخر، وطبعاً يُستحال أن يتوصلا لأي توافقات ورؤى مُشتركة.
أكثر من غيره، يعرف الوزير الروسي بأن تلك القطعية السورية تتأتى من منابع مستمرة التدفق: فالصراع السوري، مثلاً، هو تعبير واضح عن الصراع إقليمي صفري، حيث أن مجموع القوى الإقليمية المنخرطة في هذه المسألة السورية، لا يمكن لها أن تتعايش بوئام وتوافق معقول، وحيث أن الديناميكيات قد وصلت لدرجة من القسوة بحيث أن انتصار أي طرف إقليمي في سوريا هو تعبير عن كسر إرادة الأطراف الأخرى في المشهد الإقليمي.
ولفترة طويلة من الزمن، جربت روسيا أكثر من غيرها خلق توافق فيما بين تلك القوى الإقليمية، عبر مراعاة مجموع المصالح الإقليمية المتداخلة في سوريا في الآن عينه، بما فيها مصالحها هي، فروسيا في المحصلة أقرب ما تكون لدولة إقليمية منها لقوة دولية، لكنها فشلت تماماً كل مرة، وتجدد التفجر السوري مرة بعد أخرى عقب تلك المحاولات الصفرية الإقليمية التي تولد استدامة أبدية للصراع العسكري السوري.
كذلك يعرف الوزير الروسي بأن بحر الدماء والذاكرة الجمعية الأليمة وتاريخ الصراع في الداخل السوري، يُستحال أن يتم ترويضه عبر طيف من الخطابات الرنانة في جولات التفاوض، مثل الحديث عن الوطنية والدولة المدنية الديمقراطية وتوزيع السلطة وخلق اعتراف متبادل بين المتصارعين.
فأطراف الصراع السوري تُدرك جيداً بأن أي حل سياسي سيكون حتماً على حساب واحد من الأطراف، وغالباً سيكون انتصاراً مطلقاً لطرف ما وخسارة تامة للطرف الآخر، وأن الطرف المستفيد من ذلك التتويج السياسي سيعمل بشكل استراتيجي لإعادة ترتيب أوراق ومكامن القوة في سلطة البلاد، على شكل حرب أهلية باردة، مكملة للحرب الأهلية الساخنة طوال عقد كامل مضى، ليتمكن في النهاية من نهش ما بقي من الطرف الآخر بالتتالي.
النظام السوري وقواعده الاجتماعية الموالية لا يمكن لهم الثقة بأي وعود تتطلب التخلي عن بعض السلطة والشرعية المطلقة التي يستحوذون عليها بشكل راهن، خشية الفارق الديموغرافي الكبير بينهم وبين مؤيدي القوى المعارضة، التي يمكن لها أن تستغل “اللعبة الديمقراطية” لصالح القبض على روح الدولة والسلطة السورية بالتقادم مستقبلاً.
كذلك تخشى قوى المعارضة ومؤيدوها من أن منح أي شرعية للنظام الحاكم، ودون ضمانات قوية لتغيير نواته الصلبة، إنما يحمل كل أشكال التهديد بإمكانية إعادة السلطة لبناء نفسها، كسلطة طائفية شمولية، تفلت من كل محاسبة وعقاب.
تعرف روسيا ذلك تماماً، وترى نفسها منخرطة في تلاقي الاستحالات تلك، وأنها كانت سبباً في حدوثها منذ سنوات، خصوصاً من خلال إعاقتها لقرارات مجلس الأمن، خلال الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية. ومع تلك المعرفة، تُدرك تواضع قدراتها على اجتراح أي حلول استثنائية، غير ما تعرضه من مناورات لن تصل لنتيجة.
فروسيا اليوم، وإن كانت تعرض نفسها قوة دولية منافسة، إلا أن المسألة السورية تثبت تواضع قوتها، فهي ليست بريطانيا أوائل القرن المنصرم، حينما كانت ترسم خطوطاً فاصلة بين الدول والجماعات المتصارعة، وليست أيضاً الولايات المتحدة، التي تمكنت في أكثر من مثال من تحطيم نُظمٍ سياسية ما وتشييد أخرى.
تعرف السياسة الخارجية الروسية بأن الحل الوحيد الممكن، الذي يُمكن فعلاً تسميته حلاً، هو القائم على اعتبار الكيان السوري فضاء رحباً لتعايش مجموعات بشرية كبرى شديدة الريب من بعضها البعض، حيث اخترع الذكاء الآدمي الأنظمة الفيدرالية والكونفدرالية لمثل تلك الحالات الكثيرة في التاريخ.
بالضبط لارتيابها من قدراتها، لا تثق روسيا حتى بمجرد عرض مثل ذلك: دولة سورية عمومية، تقوم بوظائف السيادة العامة، لكنها تقدم أوسع مروحة من الحكم المحلي لسكانها، بالذات لهوياتهم الأهلية المتصارعة.
أن يكون للأقلية القومية الكردية حقوقاً ثقافية وسياسية واقتصادية واسعة في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية سكانية مثلاً، وأن يتمتع أبناء الطوائف غير السُنية بأنماط من الحكم في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية سكانية، غرب وجنوب البلاد، وحقوق دستورية وضمانات واضحة لعدم تعرض حقوقهم تلك للقضم عبر الأغلبية البرلمانية الطائفية مستقبلاً.
وأن يكون للعاصمة دمشق وضع سياسي وقانوني مدني خاص بها، كفسحة متاحة أمام كل السوريين، وأن يحق لأبناء الطائفة السُنية وسكان باقي المناطق أن يحددوا أشكال حكمهم المحلي، بأوسع مجال من الحُكم المحلي المُمكن، بما لا يتعارض مع الأسس العامة للدولة السورية.
تعرف روسيا بأنها أكثر هشاشة من فرض مثل ذلك الحل على القوى الإقليمية التي ستعترض عليه تماماً، وتعتبره مساً بأمنها القومي، خصوصاً تركيا وإيران وحتى بعض الدول العربية، لما تقدمه من نموذج جديد في المنطقة. ولأجل عدم فضح سوء قدرتها تلك، فإن روسيا نفسها تُعيق حلاً كهذا بكل شكل، رغم معرفتها شبه المؤكدة بأنه وحده ما يُمكن أن يكون حلاً، لشعب ذاق كل شيء، خلا إمكانية أن يرى نوراً في آخر النفق.
الحرة
———————-
متى يُحاسب نظام الأسد على جرائمه؟/ عمر كوش
يكتسي المقال أو البيان، الذي وقعه وزراء خارجية 18 دولة أوروبية، أهميته الخاصة من كونه يحمل التزاماً أوروبياً واضحاً بمحاسبة مجرمي الحرب في سوريا، وتحميله نظام الأسد المسؤولية الأساسية عن الجرائم التي تُرتكب فيها، في وقت يستعد فيه النظام من أجل الشروع بمهزلة انتخاباته الرئاسية منتصف العام الجاري، إضافة إلى تحمليه المسؤولية أيضاً إلى الدول والقوى الداعمة للنظام، بما يشكل موقفاً سياسياً حازماً حيال مرتكبي الانتهاكات والجرائم، إذ إنَّ الدول التي ينتمي إليها الموقعون على البيان لن تبقى صامتة “في وجه الفظائع التي حدثت في سوريا، والتي يتحمل النظام وداعموه الخارجيون مسؤوليتها الأساسية. وقد ترقى العديد منها، بما في ذلك الجرائم التي ارتكبها داعش والجماعات المسلحة الأخرى، إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتقع على عاتق الجميع مسؤولية محاربة الإفلات من العقاب والمطالبة بالمساءلة عن الجرائم المرتكبة في سوريا بصرف النظر عن الجناة”.
ويُذكّر البيان بنزول ملايين السوريين إلى شوارع درعا وحلب ودمشق، قبل عشر سنوات، “مطالبين بالديمقراطية واحترام حقوقهم وحرياتهم الأساسية”، وبالرد الوحشي للنظام، وبجرائمه وانتهاكاته، متوعداً مرتكبي الجرائم في سوريا بعدم إفلات من العقاب الذي ينتظرهم، بوصفها مسألة إنصاف للضحايا، انطلاقاً من أن “مكافحة الإفلات من العقاب ليست مسألة مبدأ فحسب، بل هي أيضاً واجب أخلاقي وسياسي، ومسألة تتعلق بأمن المجتمع الدولي”. إضافة إلى أن “مكافحة الإفلات من العقاب شرط أساسي لإعادة بناء سلام دائم في سوريا”.
ويلتقي البيان الأوروبي مع تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تغريدته بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية، على التزام فرنسا بعدم السماح بالإفلات من العقاب، وبالوقوف إلى جانب الشعب السوري الذي ثار مطالباً بالحرية والكرامة. كما يلتقي كذلك مع البيان المشترك الذي أصدره وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا في المناسبة نفسها، واعتبروا فيه أن “الانتخابات الرئاسية السورية، المقررة هذا العام، لن تكون حرة ولا نزيهة، ولا يجب أن تؤدي إلى أي إجراء دولي للتطبيع مع النظام السوري”، وأكدوا فيه على أنهم سيسعون لمحاسبة المسؤولين “عن الجرائم الأكثر خطورة”، ومواصلة دعم لجنة تقصي الحقائق الدولية، مع ترحيبهم بجهود المحاكم في مختلف الدول “لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في سوريا”.
ولا شك في أن المسعى الأوروبي والأميركي لمحاسبة نظام الأسد على جرائمه يلقى ترحيب غالبية السوريين، الذين يسكنهم التساؤل عما إذا كان الأمر سيبقى محصوراً في إطار الدعوات والتصريحات والبيانات، أم أنه سينتقل إلى مرحلة الفعل والتنفيذ عبر إنشاء محاكم خاصة بجرائم الحرب في سوريا، وهو أمر يبدو مستبعداً في المرحلة الراهنة، لأن مواقف الأوروبيين والأميركيين وبياناتهم تتحدث عن مواصلة “المطالبة بالسماح للمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في الجرائم المزعومة في سوريا ومحاكمة الجناة”. وأن جهودهم تنصبّ على “إحباط جهود الأطراف التي تسعى إلى عرقلة إحالة الجناة عبر مجلس الأمن إلى المحكمة”، لذلك يعملون “على ضمان توثيق الحقائق، ريثما يتم فحصها من قبل القضاة المختصين”.
ولا شك في أن الجهود الأوروبية في توثيق جرائم الأسد مهمة، وكذلك الخطوات التي اُتخذت برفع دعاوى على بعض رموز النظام الأسدي وعناصره في بعض البلدان الأوروبية، لكنها تبقى خطوات محددة، ولا ترقى إلى مطامح عشرات آلاف الضحايا من السوريين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الخطوة التي اتخذتها هولندا لمحاسبة نظام الأسد على انتهاكه اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
وبالرغم من أهمية ملاحقة نظام الأسد في المحاكم الوطنية في الدول الأوروبية، إلا أنها لا تغني عن محاكمة كل رموز نظام الأسد على جرائمهم، إنصافاً للضحايا وتحقيقاً للعدالة، وإنهاء لمحاولات بعض الدول التستر أو السكوت على جرائم النظام. إضافة إلى أن سوريون كثراً يشعرون بالخذلان والإحباط من تعامل الساسة الغربيين مع الكارثة السورية، لأنهم لم يفعلوا المطلوب إنسانياً حيال إيقافها، حيث لم يبذلوا جهوداً كافية من أجل تشكيل محكمة دولية خاصة بسوريا للنظر في جرائم النظام، وخاصة مجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق في 21 من شهر آب/ أغسطس 2015، إذ بدلاً من معاقبة النظام على هذه الجريمة البشعة، ابتلع الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، خطه الأحمر، وعقد صفقة مع النظام الروسي، متبعاً نهجاً رخيصاً من المقايضة، قضى بتسليم النظام المجرم مخزونه من المواد الكيمياوية، مقابل الإفلات من العقاب على الجريمة التي ارتكبها، الأمر الذي شجع النظام على التمادي في جرائمه ضد المدنيين السوريين.
ولا تنحصر جرائم نظام الأسد بحق السوريين في جرائم القتل بمختلف أنواع الأسلحة والتعذيب والتجويع حتى الموت، فضلاً عن الاغتصاب والاختفاء القسري والاعتقال غير القانوني، وكلها جرائم موثقة ومدعومة بالصور، كالصور الرهيبة التي هربها “قيصر”، أو التقارير الحقوقية الدولية، وخاصة تقرير “المسلخ البشري” الصادم عن سجن “صيدنايا” الذي أصدرته “منظمة العفو الدولية” عام 2017. كما أن رئيس “اللجنة المستقلة من أجل العدالة الدولية والمحاسبة”، ستيفن راب، كشف عن أن الأدلة التي جمعتها هذه اللجنة عن مسؤولية نظام الأسد عن جرائم الحرب، تفوق تلك التي توفرت للمدّعين في محاكمة قادة النازية أو محاكمة الزعيم اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، وأنه بات بحوزة اللجنة ما يزيد على 900 ألف وثيقة حكومية هرّبت إليها، وورد اسم بشار الأسد في عدد من التقارير الموثقة للانتهاكات ضد السوريين.
ومع ذلك كله، ما تزال جرائم نظام الأسد برسم العدالة الدولية، التي لا بد أن تأتي يوماً على سوريا لمنع إفلات المجرمين من العقاب، ولعله من سخرية القدر ألا يخضع آل الأسد، بدءاً من حافظ الأسد ووصولاً إلى بشار الأسد، إلى محاكمات على الجرائم التي اقترفوها بحق الشعب السوري، إحقاقاً للحق، وإنصافاً للضحايا والثكالى.
تلفزيون سوريا
————————-
ليس بوتين وحده القاتل/ عمار ديوب
الرئيس الروسيّ “قاتل”. هكذا وصفه الرئيس الأميركي، جو بايدن. الصفة أُطلقت لأسباب تتعلق بالقتل الفاشي والمُشين بالسمّ للمعارضين الروس الهاربين من بوتين أو داخل روسيا، وبدرجة أقل لتدخله في الانتخابات الأميركية السابقة ولصالح دونالد ترامب. عكسُ ذلك، لم يتقدم بايدن بأيّة مواقف ضد الوجود الروسي في سورية، وهي قضيتنا المركزية، حيث لم يتغيّر موقفه عن زميليه السابقين، أوباما وترامب، أي الاعتراف بالاحتلال الروسي لسورية، والاكتفاء بدعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وقانون قيصر، والتضييق على النظام السوري. إذاً لم يرَ بايدن في كلّ ما فعله القيصر في سورية من دمارٍ وقتل وتهجير واستيلاء على الاقتصاد السوري عبر اتفاقيات مع النظام ما يعكّر مزاجه، أو يدفعه إلى موقف أميركيّ جديد، ينصف فيه الشعب السوري. قانون قيصر، والقرارات الدولية المُنصفة، ومعلومات كثيرة، تدفع بايدن إلى موقف متشدّد ضد روسيا لو رغب فعلاً بتحقيق السلام وتحسين الديمقراطية ورعاية حقوق الإنسان في العالم، ولكن هيهات! هذا وهمٌ كبير، ما زال يداعب بعض المعارضة السورية المكرّسة. لا، يا سادة، لا جديد في أن يكون بوتين قاتلاً. وماذا نقول عن أوباما وترامب وبايدن، وهم يرون المأساة السورية، ويثرثرون عن التغيير عبر الشرعية الدولية، والقرارات الدولية، ثم ومن سيُنفِّذ الأخيرة. لن نضرب أمثلة بالجملة، عن خذلان الدول العظمى للشعوب المستضعَفة، وفي مقدمتها الشعبان الفلسطيني أو العراقي، وبخصوص سورية، جنيف1 و2 وسوتشي وأستانة 16 واللجنة الدستورية 5.
ينتظر العرب ما ستنتهي إليه السياسة الأميركية الجديدة، وكأنّ الولايات المتحدة يمكن أن تغيّر السياسات القديمة جذريا. صحيح أن ترامب راح إلى الأقصى في دعم التسلطيّات، كالسيسي ورئيس كوريا الشمالية وبوتين وسواهم، ولكن بايدن لن يعمل على تغيير قادة هذه البلاد. وضمناً، لن تتغير العلاقات بين أميركا وروسيا، أو تتدهور أكثر مما هي الآن كما يتوقع محلّلون. تعيد أميركا الحالية تعزيز تحالفها مع أوروبا، وتحاول، بالدبلوماسية، جلب إيران إلى طاولة التفاوض من جديد، ومحاولة تخفيف العداء بين العرب وإيران، وكذلك إبعاد الصين عن منطقتنا، وتعلن أن الصّين هي عدوّتها الرئيسة في العالم. ربما توضح هذه النقطة أنه لا قيمة حقيقية لجملة بايدن، وأنها للاستهلاك المحلي، ولن نرى في المستقبل شيئاً ضد روسيا. إذاً ليس هناك جديدٌ يُغيّر مما جرت عليه السياسة الأميركية في منطقتنا بعد احتلال العراق.
كيف يحصل التغيير في سياسة الدول العظمى؟ هذا ما يجب التركيز عليه. يحدث ذلك إن حدث تغييرٌ كبيرٌ في السياسات الاقتصادية بالتحديد، أو في حال هدّدت إحدى الدول العظمى مصالح دولةٍ أخرى. لنلاحظ كيف أن أميركا تكرّر أن لا مصالح كبرى لها في سورية. وبالتالي، لن تكون سورية سبباً إضافياً للصراع بين الدولتين. وهناك تنسيقٌ عالٍ بين الدولتين، بخصوص الترسانة العسكرية والملاحة الجوية، وبخصوص الوجود العسكري في شرق سورية. ونضيف أن تقارير تقول إن التنسيق يشمل كل الوضع السوري. أردت القول إن لا تغيير كبيراً في السياسة الأميركية إزاء روسيا، والعكس صحيح، ما دامت السياسات الاقتصادية للدولتين ذاتها، وما دام ليس هناك من تهديدٍ للمصالح العالمية لكلا الدولتين. والقضية هنا لا تكمن في الترسانة النووية المانعة للحروب بين من يمتلكها. الفكرة الأخيرة لا تلغي التطور النوعي في الوضع الاقتصادي بين كل من روسيا وأميركا ولصالح الأخيرة.
تَدخّلَ بوتين في سورية بتنسيقٍ إقليمي وأميركي، وبغرض إخماد ما تبقى من الثورة، وإنقاذ النظام الذي فشل، هو وإيران ومليشياتها، في الوقوف ضد الفصائل السلفية والجهادية. وعدا ذلك، هناك تصريحات كثيرة أطلقها الرؤساء الأميركيون والموظفون الأساسيون في الإدارة الأميركية، وكلّها تُجمِع على أن النظام السوري لا يتمتع بأية شرعية. ولكن كل القرارات الدولية المُدِينة له لم تساهم في تغيير الوضع السوري، وعكس ذلك سمح الأميركان بدخول روسيا لإنقاذ النظام. المقصد من هذا الكلام أن لا مكان لسورية في إشعال حربٍ بين روسيا وأميركا، وهي محض ورقة سياسية بينهما، حينما تحين لحظة التسويات.
قبل التدخل الروسي 2015، كان التدخل الأميركي عبر التحالف الدولي ضد الإرهاب، عام 2014، والذي لم يتعدَّ مناطق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حينها. ولم تضغط أميركا ومن معها نحو أيّة تسويةٍ للوضع السوري. وهناك تقارير تؤكِّد مسؤوليتها وحليفتها “قسد” عن دمار مدينة الرقة، إكمالاً لما فعله النظام بها، وببلدات كثيرة. وبذلك ساهم الأميركيون في تدمير السوريين وقتلهم وتهجيرهم وإخماد ثورتهم، والتي لا ينتمي إليها “داعش”، ولا كل الفصائل المسلحة السلفية والجهادية، كما حال هيئة تحرير الشام.
سنحلّل، نحن السوريين، الوضع العالمي انطلاقاً من وضعنا نحن بالدرجة الأولى، وعبره نفكّك هذا التصريح أو ذاك، تلك السياسة وسواها، لهذه الدولة أو تلك. لا علاقة لما قاله بايدن بالوضع السوري، وبايدن ذاته ليس أفضل حالا من بوتين في السياسة العالمية، سيما دور الإدارة الأميركية في تخريب العراق، وبايدن كان حينها نائباً للرئيس. وبخصوص سورية، يشكل صمته بعد أشهرٍ من انتخابه موقفاً وسياسة، ومن أكبر الأخطاء أن نتوقع عودة إلى بيان جنيف 1 (المعلن في 2012) أو القرارات الأممية.
دفعت سعة إجرام النظام السوري العالم إلى أن يتقبّل قانون قيصر، وهو ما أقرّته الإدارة الأميركية، ولكنها لم تنفذه بشكل شامل، فهو لا يشمل القضايا الطبيّة أو الغذائيّة، وهذا جيد، ولكن المشكلة معه أنّه لا يتضمّن جانباً تنفيذياً ضد التدخل الروسي أو الإيراني الذي لم يتوقف، وإيران ما زالت تُدخِلُ مليشياتها من البوكمال ولبنان، بينما المساعدات الدولية تقصفها روسيا كما جرى قبل أيام عند معبر باب الهوى. القصد هنا أن ما يعمّق أزمة النظام، بالدرجة الأولى، سياساته الاقتصادية، حيث سمته الأولى أيضاً الفساد والنهب، وكذلك ضعف قدرة الروس والإيرانيين على الاستمرار في دعمه كما فعلوا قبلاً.
في كل الأحوال، شكّل فشل سياسة الروس منذ العام 2015 دافعاً للبدء بمنصّةٍ جديدة، وهي مسار الدوحة، والذي جمع قطر وتركيا مع روسيا؛ أي جمع دولتين ترفضان تعويم النظام وإعادة الحياة له، وتؤكّدان القرارات الدولية، وضرورة تشكيل هيئة كاملة الصلاحيات كما ورد في “جنيف 1”. وبالتالي، هل يسعى الأميركان إلى استثمار المنصّة الجديدة، والبدء بتسوية، يقوم بها كل المتدخلين في الشأن السوري، وليس بالضرورة أن تكون كما “جنيف 1” أو قرار مجلس الأمن 2254؟ وطبعاً لن يعيق تصريح بايدن البدء بذلك. ألم يكن الرؤساء الأميركيون وبايدن هذه المرّة شركاء في استمرار مأساة السوريين؟
—————————
واشنطن: الانتخابات لن تمنح الأسد الشرعية
واشنطن: الانتخابات لن تمنح الأسد الشرعية واشنطن تعتبر قرار الأمم المتحدة رقم 2254 الطريق الوحيد للحل في سوريا (Getty)
شددت المبعوثة الأميركية بالإنابة إلى سوريا إيمي كترونا على أن الانتخابات الرئاسية التي سيُجريها نظام بشار الأسد “غير حرة وغير نزيهة، ولا تتماشى مع معايير قرار الأمم المتحدة رقم 2254″، لذا لن تشرّع وجود الأسد”.
وأضافت في لقاء جمعها عبر دائرة الفيديو مع رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة أنس العبدة والرئيس المشارك للجنة الدستورية السورية عن المعارضة هادي البحرة، أن “الولايات المتحدة تدعم جهود المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن الذي طالبناه بتكثيف جهوده من أجل إطلاق سراح المعتقلين، وتنفيذ كل بنود القرار رقم 2254، باعتباره الطريق الوحيد للحل في سوريا”. وتعهدت أن “تستمر الولايات المتحدة في ضغطها من أجل محاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا”.
بدوره، شدد العبدة على ضرورة تحريك ملفات المعتقلين والمحاسبة واستمرار العقوبات على رموز النظام، ومواصلة دفع العملية السياسية. وطالب بتمديد القرار الأممي الخاص بإيصال المساعدات الى السوريين، وإدراج معبر باب السلامة في القرار الدولي.
وقال العبدة إن “المعتقلين في حاجة ماسة إلى الحرية العاجلة وغير المشروطة، في حين أن العملية السياسية باتت في خطر، لذا لا بدّ من ممارسة ضغط دولي من أجل دفعها قدماً، خصوصاً أن معاناة السوريين أكبر من طاقتهم، وقضيتهم محقة”، داعياً إالى تشديد العقوبات على النظام لإجباره على قبول القرار 2254.
وفي مناسبة الذكرى السنوية للهجومين اللذين شنهما النظام السوري باستخدام أسلحة كيماوية على المدنيين في بلدة خان شيخون بريف مدينة إدلب في 4 نيسان/ابريل 2017، ومدينة دوما بريف دمشق في 7 نيسان/أبريل 2018، طالب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس النظام السوري بالوفاء بالتزاماته الدولية، وتحمل مسؤولية الفظائع التي ارتكبها في حق الشعب.
وأثبتت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية استخدام غاز الكلور في الهجوم على مدينة دوما، في حين اتهمت لجنة التحقيق الدولية المشتركة الخاصة بالبحث باستخدام أسلحة كيمياوية في سوريا، النظام باستخدام غاز السارين في تنفيذ مجزرة بلدة خان شيخون التي قتل فيها أكثر مئة مدني وأصيب أكثر من 500 غالبيتهم من الأطفال، وسط إدانات دولية واسعة
————————-
الداعم يتلاشى والحرية على الأبواب/ يحيى العريضي
مهما كانت مأساة مَن نشدوا “الحرية” في سوريا، ومهما تعقّد حاضرهم، ومهما اتسعت معاناتهم؛ إلا أن المستقبل لهم. فعلوا “اللامُتَوقّع”، فكانوا أبطالاً بحق؛ والبطل يعمّر بلد، لا يدمره. لقد قطعوا مع الاستبداد، كمن يتخلّص من مرض. مَن استمر في ظل الاستبداد مغصوباً له عذره، ومَن عاش رمادياً، ستبقى حياته ومصيره كلونه. ومن تماهى مع الاستبداد له مصيره ذاته: العبودية والنهاية البائسة.
لن أعدد أو أصف مآسي ومصائب هؤلاء؛ إنها أكثر من واضحة. أما أولئك الذين دعموا الاستبداد من الخارج، فأزماتهم ومصائبهم من نوع آخر؛ ولا علاقة لها بالضمير أو العاطفة أو الإنسانية. كل مَن وقف إلى جانب الاستبداد في أزمة حقيقية وحالة إفلاس سياسي وأخلاقي.
لنأخذ “حزب الله”- حزب إيران برئاسة أداتها حسن نصر الله- كيف كان، وكيف صار. في أذهان ونفوس العرب، وخاصة السوريين كان بطلاً، مقاوماً، رمزاً للتحرير والعز والكرامة والشهامة بشعبية قلَّ نظيرها. الآن صفاته ومسلكه عكس ذلك تماماً. لم يساهم فقط بأذى سوريا ولبنان، بل امتد تخريبه حيث امتد مشروع إيران الخبيث المدمر في المنطقة العربية. يكفي تحوله إلى تاجر ومروج للمخدرات في منطقتنا ودول أخرى؛ والأهم أنه تحوّل إلى عبء حتى على منظومة الاستبداد في دمشق.
أما إيران فقد تحوّلت من منقذٍ للمنظومة إلى عبءٍ أكبر عليها. ففي الداخل الإيراني ذاته، تململ من ملالي الإجرام، والوضع الاقتصادي منهار، والسمعة الدولية في الحضيض. الكل يراها دولة مارقة داعمة للإرهاب، ويعمل على وقف امتداداتها؛ فلا حياة لمشروعها، لأنه مشروع موت لا حياة. يكفي أنه في نفس كل عربي أو مواطن في هذه المحيط إحساس رفض ونبذ واحتقار لهذه الجيرة الموبوءة. يكفي أن مشروع إيران التوسعي الخبيث أضحى مفضوحاً تماماً. الحديد والنار لن يحمي إيران؛ ومستقبل أسود ينتظر هذا البلد الذي نشهد تململه يومياً للخلاص ممن أوصله إلى هنا.
روسيا، المنقذ الآخر تتمتع بسمعة عالمية لا تُحسَد عليها كترسانة أسلحة ليس إلا، وكدكتاتورية ممقوتة تستجدي تواصلاً مع الآخرين عبر تقديم أوراق اعتمادها لإسرائيل مثلاً. زيادة على ذلك تتمتع بفشل اقتصادي، وتشهد تململاً شعبياً معارضاً؛ ملفاتها الإجرامية وخروجها على القانون تتراكم. جرائم النظام مشتركة بها؛ عقودها مع من ادعى الشرعية وباع البلد، لا قيمة لها. لن يحافظ عليها إلا بالقوة؛ وتكون قوة احتلال ومقاومتها واجبة. وهاهي أخيراً تُيقن أن تكرار منظومة الاستبداد مستحيلة؛ فهي تحتاج لمن ينقذها اقتصادياً، لتتمكن من إنقاذ المنظومة. والدلائل فشل بأهدافها المعلنة: عودة لاجئين إعادة إعمار إيجاد حل سياسي “على قياس مصالحها”؛ ولا بد من القطع مع هذه السياسة البهلوانية الخرقاء رمز الفشل أمام أميركا وإيران وتركيا، وحتى أمام الأسد الذي تحميه. ولو لم يكن بوتين أفشل من لافروف لطرده؛ فالنجاح الوحيد الذي حققته تلك السياسات كان في القتل والتدمير والتهجير، وتجريب صنوف السلاح على أرواح السوريين؛ وكل هذا وصمة عار في تاريخها. فما الذي تنتظره منظومة الاستبداد من هكذا “دولة عظمى”؟
ومِنَ العربان مَن سعى للتطبيع، من داهن وكذب وراوغ وتعامل بالخفاء المكشوف. من سعى لجعل المأساة السورية درساً لشعبه كي لا يفعل ما فعلته انتفاضة سوريا واضح. خوف البعض يعشش في داخلهم، ويجعلهم يرتعدون من مصير مشابه لمنظومة الاستبداد. يجعلهم في حالة تجاذب بين تعاطف مع ألم الشعب السوري، ومصير كل من يستبد بشعبه؛ فلا هم يريدون لثورة السوريين أن تنجح، ولا هم يستطيعون مد اليد لمنظومة الإجرام. الموقف الطيب والمساند لشعب سوريا، وهو الأقوى، أيضاً واضح؛ وموقف المرتعدون الذين لا يستطيعون علناً دعم منظومة الاستبداد واضح؛ وهو الأضعف، وغير المفيد لمنظومة الاستبداد.
أما إسرائيل، فقصتها غريبة قليلاً؛ فهي-منذ تأسيسها- لم تُنجز بقدر ما أنجزت خلال العقد الماضي؛ وعلى حساب مأساة السوريين. وحسب العارفين ببواطن الأمور استراتيجياً، هذا الجنى مؤقت؛ وعلى المدى البعيد، يعيدها إلى البداية والخوف والحصار والغربة؛ لأن السوريين وصلوا إلى قناعة بأنها الأحرص على من فتك ببلدهم وأوصله إلى هذا الوضع المأساوي؛ فهي لا تستطيع إنقاذ تلك المنظومة، ولا تستطيع المجاهرة بما فعلت، ولا تلبية استغاثة نظام خدمها.
أما الاستخبارات العالمية، فخسارتها كبيرة بحكم تضعضع منظومة الاستبداد، وانحسار الخدمات الجليلة التي كانت تسديها لتلك الاستخبارات؛ من خلال موقعها الاستراتيجي، واستعدادية أهل الاستبداد لبيع كل شيء من أجل بقاء السلطة.
طال الزمان أو قَصُر، مصير هذه المنظومة الهزيمة بفعل ذاتي وآخر موضوعي؛ فهي بذرة شر فقدت مقومات البقاء، ارتكبت ما لا يُغفر؛ ومَن وقف إلى جانبها يزداد ضعفاً وإحراجاً وتدهوراً؛ فهو لا يقوى على حَمْلِ ذاته، كي يحمل ذلك العبء الإجرامي الدموي.
حق السوريين كالرمح وكمنارة؛ وما على السوريين وهذا العالم المعمي على قلبه إلا أن يدغش نحوها كي يرتاح ويريح. والقول بأن “الحق” في عالمنا مسألة عاطفية؛ ويحتاج لقوة لتحصيله؛ فالقوة موجودة وسوريا قوتها بداية من قوة الله وإرادة شعبها. لا بد من تواصل العقول والأيدي السورية لتضع القرارات الدولية التي تنص على التغيير والانتقال من حالة الاستنقاع السياسي أمام العالم وبموقف واحد وصوت واحد: “نريد استعادة بلدنا وخلاصه والنهوض به”. ولن يكون أمام كل القوى المتدخلة بشؤونه إلا التجاوب مع تلك الإرادة وتلك القرارات، التي يتشدقون بضرورة تطبيقها. وإن كان لهم من مصالح، فلا بد من الاحتكام للقوانين والعلاقات الدولية بشأنها. وإن كان غير ذلك، فهذه القوى بحكم القانون والشرع قوى احتلال، ومن حقنا مقاومتها وتحرير بلدنا. تلك القوى مأزومة؛ لم يعد لدينا ما نخسره؛ الزمن يبدأ غداً؛ وهذه دعوة للتحرير والاستقلال الجديد.
————————–
=====================
تحديث 06 نيسان 2021
—————————
صحيفة عبرية: إسرائيل توصي بتحول في النهج حول سوريا وإزاحة بشار الأسد مقابل تحرك دولي للإعمار
في ختام عقد على نشوب الحرب الأهلية في سوريا، واضح أنها، مثلما كانت بين 1963 – 2011، لم تعد كما كانت؛ فالعصيان المدني الذي قُمع بوحشية من نظام ديكتاتوري مسنود عسكرياً ودبلوماسياً من روسيا وإيران، ترك سوريا منقسمة إلى مناطق نفوذ وسيطرة بإسناد دول أجنية. هذا الواقع يفرغ من مضمونه الشعار الذي يطلق كثيراً من جانب محافل سورية وبعض من الدول الغربية عن “الحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السورية. يبدو أن الدولة السورية ستبقى منقسمة ومفككة في المستقبل المنظور.
“خريطة السيطرة”: سوريا منقسمة واقعياً إلى عدة جيوب: بشار الأسد، بمساعدة عسكرية من روسيا وإيران وفروعها، يسيطر ظاهراً على ثلثي الدولة، ولا سيما على العمود الفقري الذي يربط بين المدن الكبرى حلب وحمص ودمشق، وبقدر أقل في الجنوب. أما منطقة إدلب في شمال غربي سوريا، فهي جيب للثوار برعاية تركيا، فعلى طول الحدود السورية التركية مناطق تحت سيطرة تركية. ومعظم المناطق في الشمال الشرقي من الدولة، التي تضم معظم المقدرات الطبيعية، تخضع لسيطرة كردية برعاية الولايات المتحدة. وفي وسط وشرق سوريا تعمل خلايا لـ”داعش”. السيطرة على الحدود السورية تشهد سيادة منقوصة: 1. الجيش السوري، التابع لنظام الأسد، سيطر على نحو 15 في المئة من الحدود البرية الدولية؛ 2. حدود سوريا – لبنان تحت سيطرة حزب الله؛ 3. حدود العراق – سوريا تحت سيطرة ميليشيات شيعية – فروع إيرانية – على جانبيها.
حدود سوريا : تركيا تحت سيطرة جملة من الجهات ليس نظام الأسد وسيدته إيران بينها.
الوضع الإنساني: في العقد من الحرب فقد نحو نصف مليون شخص حياتهم (في مرحلة معينة توقفت محافل الأمم المتحدة إحصاء الضحايا)؛ نحو 12 مليون شخص فقدوا بيوتهم وهم اليوم إما لاجئون أو نازحون، 90 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر. يسيطر الأسد على نحو 12 مليون نسمة من السكان الذي يقدر عددهم بـ 17 مليون. والدولة على شفا أزمة مجاعة بينما يتعاظم النقص في المواد الأساسية لا سيما الخبز والوقود. يقدر بأن نحو 11 مليون من السكان يحتاجون إلى مساعدة إنسانية.
البنى التحتية: أكثر من ثلث البنى التحتية في الدولة دمرت أو تضررت بشدة. هاجم النظام وحلفاؤه – روسيا وإيران – مراكز المدن في حربه ضد المعارضة المسلحة، بما في ذلك في ظل استخدام السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة كجزء من استراتيجية التدمير لتصفية المناطق التي يسيطر عليها الثوار. وتقدر كلفة إعادة بناء سوريا بنحو 250 – 350 مليار دولار، ولا توجد في هذه المرحلة جهة قادرة أو معنية بتمويل إعادة البناء.
المكانة الإقليمية والدولية: يقاطع الغرب نظام الأسد ويلوح أن إدارة بايدن تواصل السياسة الأمريكية الحازمة تجاه الأسد، باتخاذ عقوبات ضده وضد محيطه، وعدم الاعتراف به زعيماً شرعياً أو بنتائج انتخابات الرئاسة التي ستجرى في نيسان – أيار، وذلك طالما لا تلوح في الأفق إصلاحات سياسية وبداية استقرار وإعادة بناء سوريا وفقاً “لخريطة الطرق” التي وضعتها الأمم المتحدة – مشروع 2245. للأسد عدد قليل من الأصدقاء في الشرق الأوسط، رغم أن عدد الدول التي طبعت علاقاتها معه مثل عُمان والبحرين والإمارات بل ومصر والأردن، سلموا ببقائه في الحكم، وهم يدعون مؤخراً إلى التخفيف من العقوبات على الشعب السوري. ومع ذلك، بقيت سوريا خارج الجامعة العربية. روسيا، التي تعترف بأنه مطلوب إصلاح سلطوي واقتصادي في سوريا كي يعترف العالم بالنظام فيها كصاحب السيادة الشرعي، لا تنجح في تحقيق تسوية سياسية. من ناحيتها، يعدّ الثمن السياسي لإنهاء حكم الأسد جسيماً؛ لأنها لا تشخص جهة مستقرة يمكنها أن تحل محله. على هذه الخلفية، تحاول موسكو تسويق نظام الأسد الإجرامي كنظام شرعي في أوساط الأسرة الدولية.
لماذا ينبغي لنهج “الشيطان المعروف” أن يتغير؟
منذ بدأ التدخل الروسي في حرب سوريا، في أواخر 2015، سلمت إسرائيل استمرار حكم نظام الأسد بمثابة تفضيل “الشيطان المعروف”. وباستثناء جهد متواصل للتشويش على بناء “آلة الحرب” الإيرانية في الأراضي السورية، اختارت إسرائيل الجلوس على الجدار وعدم المشاركة في الصراع بين الجهات السورية المتخاصمة. ولكن صورة الوضع الحالية تستوجب إعادة تقويم السياسة الإسرائيلية، وأساساً الفهم بأن النهج الذي وجه سياسة عدم التدخل فقد مفعوله للأسباب التالية:
أولاً، بشار الأسد هو الذي منح إيران الفرصة لتوسيع نفوذها في سوريا والتموضع في مستويات مختلفة في الدولة على مدى الزمن، وهكذا خلق لإسرائيلي تحدياً أمنياً عظيم المعنى على حدودها الشمالة. دعمت طهران الأسد ولا سيما من خلال حزب الله، وكيلها اللبناني، وكذا ميليشيات قتالية جندت من السكان الشيعة في العراق وأفغانستان وباكستان. في السنتين الأخيرتين، تركز إيران على تجنيد مقاتلين سوريين ودمجهم بميليشيات الدفاع المحلية، تدربهم وتسلحهم؛ وتعمق إيران نفوذها في الجيش السوري من خلال تأهيل قادة كبار والمساعدة في بناء القوة العسكرية؛ يسيطر حزب الله على طول حدود سوريا ولبنان ويشكل خلايا إرهاب في هضبة الجولان؛ تهيئ إيران قواعد لفيلق القدس من الحرب الثوري الإيراني في شمالي سوريا، مما يسمح بانتشار سريع للقوات ووسائل إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة الهجومية نحو إسرائيل عند الطوارئ. أما الهجمات الجوية الإسرائيلية فلا تمنع التموضع والنفوذ الإيراني المتعاظم في سوريا وإن كانت تشوش بعض الشيء المخططات الإيرانية لخلق جبهة هجوم ضد إسرائيل في أراضي الدولة. طالما كان الأسد في الحكم – فإن التحدي الأمني أمام إسرائيل بهذا المعنى سيتعاظم.
ثانياً، لا يوجد توقع لحل سياسي للأزمة في سوريا طالما كان الأسد في الحكم. وقسم مهم من سكان الدولة لا يعترفون به كحاكم شرعي. وتبدو شرارات الاحتجاج الآن حتى في أوساط الطائفة العلوية التي لم يتجاوزها العوز والجوع. من هنا فإن بقاء الأسد سيضمن لسنوات أخرى انعدام الاستقرار، وسيعمق تلك الظروف التي أدت إلى نشوب الحرب منذ البداية. وإصرار الأسد على عدم إجراء إصلاحيات سلطوية أو أي تنازل سياسي هو عائق في وجه كل محاولة تحقيق تسوية بوساطة الأمم المتحدة أو بقيادة روسيا. فما بالك أن الولايات المتحدة تمتنع عن المطالبة الصريحة بـ “تغيير النظام”، ومطالبها تدل على أنها تسعى إلى هناك. تواصل إدارة بايدن خط نظام ترامب وتمنع كل مساعدة اقتصادية لإعادة بناء سوريا بغياب تنازلات سياسية وعودة إلى مسار الأمم المتحدة. إضافة إلى ذلك، فإن بقاء الأسد في الحكم يضمن ألا يعود معظم اللاجئين إلى سوريا خوفاً من الاعتقال أو التجنيد القسري إلى صفوف قوات النظام. إضافة إلى التخوف من العودة إلى الدولة التي سلبت فيها ممتلكاتهم، مع اقتصاد مدمر وغياب أفق تشغيلي.
ثالثاً، بقدر ما يدور الحديث عن نظام الأسد، فإن حجة وجود “عنوان مسؤول” يمكن أن تتبع تجاهه قواعد لعب فقدت من قيمتها، والدليل هو أن الأسد لا يسيطر بشكل فاعل حتى في المناطق التي سيطر عليها عسكرياً. جنوب سوريا حالة اختبار واضحة لذلك: مع عودة السيطرة إلى قوات النظام في صيف 2018، أصبحت المنطقة مجالاً للفوضى في خليط من الفصائل المسلحة المقاتلة دون أن ينجح النظام في لجمها – بينها جهات معارضة، وجهات تخضع للنفوذ الإيراني أو الروسي، وكذا جهات محلية تتمتع بقدر من الاستقلالية في علاقاتها مع النظام المركزي.
وأخيراً، فضلاً عن تقويمات الوضع الاستراتيجية، فإن الاعتبار الأخلاقي يجب أن يؤخذ بالحسبان من جانب أصحاب القرار في إسرائيل والأسرة الدولية. الاعتراف الدولي بزعيم ارتكب جرائم حرب على مدى السنين ولا يزال يواصل التنكيل بالمواطنين – بعض من الحالات لم ينكشف للعالم إلا مؤخراً – هو ليس أقل من وصمة عار أخلاقية على جبين من يسعون إلى قبوله في حضن المنظومة الإقليمية والدولية.
التوصيات
ثلاث فرضيات لإسرائيل تبددت: الأولى أن جهد الهجمات سيمنع التموضع الإيراني العسكري في سوريا؛ والثانية أن روسيا ستبذل جهداً لدحر الفروع الإيرانية عن سوريا وتقليص نفوذ طهران في الدولة؛ والثالثة أنه من الأفضل حكم مركزي، حتى تحت قيادة الأسد، في دولة موحدة، على كثرة العناوين. يجمُل بإسرائيل أن تعترف بأن سوريا ستبقى منقسمة ومتنازعة، وأن الأسد طالما بقي في الحكم فلن يكون ممكناً دحر إيران وفروعها من أراضي الدولة. وبالتالي، عليها أن تشجع مبادرة واسعة لإزاحة الأسد عن الحكم مقابل المساهمة الدولية ومن دول الخليج العربي لإعادة بناء سوريا.
إلى أن تستقر سوريا من جديد، على إسرائيل أن تأخذ مخاطر في المدى الزمني القصير كي تمنع إيران وفروعها من السيطرة على سوريا، وذلك من خلال زيادة دورها في ثلاثة مجالات استراتيجية حيوية لها:
1* جنوب سوريا – لمنع إيران من إقامة حدود إرهاب واحتكاك عال في هضبة الجولان من خلال فروعها، على إسرائيل أن تستغل ضعف نظام الأسد ومنافسة النفوذ بين إيران وروسيا كفرصة لاتخاذ سياسة فاعلة في المجال: ضرب الفروع الإيرانية، بما في ذلك قوات حزب الله، وبالتوازي تعزيز القوات المحلية سواء السنية أم الدرزية، وإقامة علاقات مع السكان المحليين المعارضين للنظام في ظل منح مساعدة إنسانية تساهم في خلق “جزر نفوذ إسرائيلية” وهكذا تشوش مخطط التموضع الإيراني في المنطقة.
2* في شمال شرق سوريا – مع التشديد على منطقة الحدود العراقية السورية، على إسرائيل أن تستعد لسيناريو إخلاء قوات الولايات المتحدة. إيران جاهزة للسيطرة على الفراغ الذي سينشأ لتثبيت الجسر البري من العراق إلى سوريا ولبنان. نوصي إسرائيل بتطوير قنوات تعاون، في الظل، مع القوات الكردية ومنحها مساعدة عسكرية واقتصادية، وإلى جانب ذلك بناء منصة لنشاط عملياتي متواصل في هذه المنطقة لمنع السيطرة الإيرانية على هذا الإقليم الاستراتيجي الغني بمقدرات الطاقة والزراعة.
3* الحدود السورية – اللبنانية. الرد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل اتسع إلى الأراضي السورية إلى المنطقة المحيطة بالحدود السورية – اللبنانية. هذه المنطقة الواقعة تحت سيطرة حزب الله تسمح للمنظمة بنقل الوسائل القتالية إلى لبنان وإقامة صناعة تهريب حيوية لها، بل ونشر وسائل قتالية، توجه ضد إسرائيل في يوم الأمر. إن سيطرة حزب الله على الحدود السائبة بين سوريا ولبنان تعبر عن ضعف استراتيجي لإسرائيل سمحت بتعاظم المنظمة بعد حرب لبنان الثانية وتشكل رافعة نفوذ سياسي عسكري اقتصادي واجتماعي لحزب الله في سوريا. نوصي بأن تصعد إسرائيل نشاطها العملياتي في المنطقة في إطار “المعركة ما بين الحروب”. وإلى جانب ذلك، أن تشجع تدخلاً دولياً لإغلاق الحدود بين سوريا ولبنان على أساس التقدير بأنها خطوة حيوية لإعادة بناء لبنان مثلما لإضعاف الجهات المتطرفة في المنطقة كلها.
بقلم: أودي ديكل وكارميت بلنسي
نظرة عليا 6/4/2021
القدس العربي
———————-
التدخل الروسي في سوريا: أنقذنا النظام لكن الدولة انهارت../ بسام يوسف
خلال مشاركته في أعمال منتدى «فالداي» الدولي للحوار في موسكو، كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن النزاع في سوريا يبدو في وضع مجمّد، وأن استمراره على هذا النحو يهدّد بانهيار الدولة السورية.
فسّر البعض تصريح لافروف على أنه تهديد مبطن للمجتمع الدولي، بأن موجة لجوء سورية كبيرة قادمة، إذا لم يوافق المجتمع الدولي على فكّ الحصار عن سوريا، والبدء بإعادة إعمارها.
بعيداً عن تصريح لافروف، وبعيداً عن غاياته، وعما قام به الروس على الأرض خلال سنوات تدخلهم العسكري المتوحش في سوريا، وبعيدا عن مدى مشاركتهم في انهيار الدولة السورية، فإن كل المؤشرات العلمية والمعايير المعتمدة لتقييم انهيار الدولة من عدمه، تذهب بنا إلى حقيقة أن الدولة السورية منهارة الآن، وأن ما يُبقي هيكلها الخارجي الذي يغطي انهيارها واقفاً، ما هو إلا محاولة من روسيا وإيران بهدف تحسين شروطهما في بازار الكارثة السورية.
لن أتحدث عن انهيار مجمل الركائز الأساسية للدولة السورية، وسأتطرق هنا فقط إلى الانهيار الاقتصادي، وهو المعيار الذي طالما كرر المدافعون عن الدولة السورية استعماله كدليل على بقائها.
فيما يلي أهم المؤشرات التي تدل في حال وجودها، على أن الدولة منهارة اقتصاديا:
1- التراجع الاقتصادي الكبير في عوامل الاقتصاد الداخلي للدولة، مثل الدخل القومي، وسعر صرف العملة المحلية في مواجهة العملات الأخرى، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، ومعدل النمو، وكيفية توزيع الثروات، ومعيار الشفافية، وتفشي الفساد، والتزامات الدولة المالية.
2- عدم القدرة على تقديم الحد الأدنى من الخدمات العامة للمواطنين، واستنزاف الإمكانات والثروات المتوفرة، وعدم القدرة على تجديدها.
3- غياب الرقابة والمحاسبة الحقيقية، التي تشترط بالضرورة أن يكون جميع أفراد هذه الدولة تحت سقف القانون.
4- غياب التنمية الاقتصادية في مختلف القطاعات: التعليم، توفير فرص العمل، معدل الدخل، وتخفيض مستويات الفقر.
5- حدوث انقسام حاد في الطبقات الاجتماعية، واقتصارها على طبقتين، إحداهما فاحشة الثراء وأخرى مسحوقة، وغياب الطبقة الوسطى التي يؤشر حجمها وفاعليتها عادة على طريقة توزيع الثروة.
6- غياب الفرص الاقتصادية المتاحة للجميع، واحتكارها من قبل أقلية مميزة.
7- ازدياد أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر.
8- انعدام القدرة على الحفاظ على الموارد الاقتصادية وتنميتها.
9- انتشار الفساد على نطاق واسع.
10- الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية والقروض، وبيع أو تأجير الأصول السيادية، دون أن تُوظف الأموال المحصّلة من هذه المصادر في مشاريع تطوير حقيقي ملموس، الأمر الذي سيرتب مديونية متصاعدة، تُرهق كاهل الموازنة العامة.
اعتماداً على كل المؤشرات والمعايير السابقة، يُمكن القول ببساطة شديدة – ليس من قبل المختصين وحسب، بل ومن قبل المواطنين السوريين- إن الدولة السورية هي دولة منهارة اقتصادياً.
إن تحول أي دولة من جهة يُفترض بها أن تدير الاقتصاد وتضع خطط تنميته، وتعمل على تطويره لتلبية حاجات المجتمع الأساسية، إلى جهة جباية فقط، وتخصيص كامل ما تجبيه من أجل بقاء السلطة المتحكمة بها، هي دولة منهارة اقتصادياً، وهي في طريقها إلى التفكك.
لكن الصدمة التي يسببها تصريح لافروف، والذي يوحي بقلق روسيا وحرصها على بقاء الدولة السورية، تستدعي السؤال المهم، وهو ماذا فعلت روسيا لتمنع انهيار الدولة السورية، وهل أراد التدخل الروسي حماية الدولة أم حماية النظام حتى لو تطلبت حمايته إضعاف الدولة وانهيارها؟
يمكن لأي متابع لتفاصيل التدخل العسكري الإيراني، ومن بعده الروسي، أن يستنتج بسهولة أن هذا التدخل لم يحم الدولة السورية إلا بمقدار ما يخدم بقاء هذه الدولة مصالح روسيا وإيران، وأن المساعي الحثيثة التي بذلتها موسكو، وكان آخرها لقاء الدوحة الذي جاء بعد جولة خليجية، وجمعها مع وزير الخارجية التركي والقطري، لم تكن لإنقاذ الدولة السورية من انهيار ما تبقى منها، بل كان أساساً لمحاولة تحشيد دعم عربي للإبقاء على الأسد، كون بقائه هو الذي يبقي على المصالح الإيرانية والروسية، وهو الذي يشرعن ما نهبتاه، أو ستنهبانه من جسد سوريا المتداعية.
إن غياب إيران عن قمة الدوحة لم يكن محاولة لإقصائها، أو لإضعاف حضورها في المشهد السوري، كما حاول الروس الإيحاء به، بل كان مُتعمداً لعدم إثارة مخاوف بعض الدول الخليجية، ودفع هذه الدول للتوافق على الخطة الروسية، والتي تخدم فعلياً إيران وروسيا.
يعرف الروس جيداً أن إنقاذ الدولة السورية يعبر من ممر وحيد، هو صيغة لحل سياسي يفضي إلى التخلي عن بشار الأسد، وما يمثّله، وإن كانت روسيا لا تستبعد هذه الصيغة نهائياً، إلا أن إيران سيكون من الصعب جدا أن توافق عليها، فما تريده إيران من وجودها في سوريا يختلف عما تريده روسيا، فضلاً عن أن المصالح الروسية لا تلقى المعارضة القوية من الأطراف الدولية، بالمستوى الذي تلقاه المصالح الإيرانية.
إن المساهمة في صياغة حل سياسي حقيقي في سوريا، يتطلب من روسيا الاعتراف بأن بقاء عائلة الأسد هو عقبة حقيقية أمام أي حل قابل للحياة، وأن مجاراتهم للرؤية الإيرانية سيبقي سوريا في حالة استعصاء قد تودي بها، فهل يستمر العناد الروسي في تشبيك المصالح الروسية والإيرانية، متجاهلين الانهيار الحاصل في المجتمع والدولة السورية؟
لن يتمكن الروس من الوصول إلى نتائج حقيقية، إذا ما استمروا في التنكر لحقائق السنوات العشر الأخيرة، فهم في خضم معادلة سورية شديدة التعقيد، ولن تفضي المراهنة على الموقف الأميركي المتأرجح والمتناقض، والذي لايزال ملتبساً الى أي جدوى، فهناك في النهاية قرار أميركي، وهناك أيضاً أطراف أخرى، وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي، ترفض الموافقة على حل سياسي مفخخ، قد ينهار في أي لحظة.
من هنا يأتي غموض الموقف الروسي حيال الانتخابات الرئاسية في سوريا، وترددهم حيالها، ففي الوقت الذي يعتبرها الإيرانيون وبشار الأسد إنقاذاً لهما، يراها الروس مشكلة قد تتسبب في إطالة المعضلة السورية لسنوات، لن يستطيع الروس اللاهثون لحل سريع تحمّلها.
تلفزيون سوريا
————————
الخزانة الأميركية تجيب.. هل يضر قانون قيصر بغذاء ودواء السوريين؟
قدمت وزارة الخزانة الأميركية توضيحات بشأن تأثير قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، وأكدت أنها تضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين المحتاجين، وأن القانون يتعامل مع أصحاب النشاطات التجارية والداعمين الإغاثيين الأميركيين وغير الأميركيين على حد سواء.
ونشرت الخزانة على حسابها في تويتر توضيحات صادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (وكالة استخبارات مالية تنفّذ القانون في وزارة الخزانة في الولايات المتحدة) جواباً على سؤالين شائعين لتقديم مزيد من الإرشادات حول عقوبات قانون قيصر وبعض المساعدات الإنسانية.
The U.S. is committed to ensuring that humanitarian assistance reaches Syrians in need. To that end, today OFAC published two FAQs providing further guidance on the Caesar Act sanctions & certain humanitarian assistance.
Please see FAQs 884 and 885 for details.
— Treasury Department (@USTreasury) April 5, 2021
السؤال الأول
: “هل يتعرض الأشخاص غير الأميركيين، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المالية الأجنبية، لخطر التعرض لعقوبات ثانوية أميركية بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 (قانون قيصر) بسبب الأنشطة التي يُصرح بها بموجب لوائح العقوبات السورية (SySR)؟
وأكد جواب “الخزانة الأميركية” على أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، يتعامل مع نشاطات الأشخاص الأميركيين وغير الأميركيين على حد سواء في تحديد العقوبات بموجب قانون قيصر، وبالتالي فإن المعاملات التي لا يُطلب فيها الحصول على ترخيص محدد من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، لا تعتبر “خطيرة (ذات أهمية)”.
وقالت الوزارة في جوابها على السؤال :”وفقاً لذلك، لن يخاطر الأشخاص غير الأميركيين، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المالية الأجنبية، بالتعرض للعقوبات بموجب قانون قيصر بسبب الانخراط في نشاط، أو تسهيل المعاملات والمدفوعات لمثل هذا النشاط المصرح به للأشخاص الأميركيين، بموجب ترخيص عام صادر بموجب لوائح العقوبات السورية.
وأشارت إلى أنه، للحصول على قائمة التراخيص العامة بموجب لوائح العقوبات السورية SySR المتعلقة بالمساعدة الإنسانية والتجارة مع سوريا، فيمكن الاطلاع على بيان الحقائق الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في 16 من أبريل 2020، بعنوان: توفير المساعدة الإنسانية والتجارة لمكافحة COVID-19.
وعلاوة على ذلك، تنظّم المادة 7425 من قانون قيصر، مع بعض الاستثناءات، الترخيص العام في البند 542.516 من لوائح العقوبات السورية SySR الذي يسمح ببعض الخدمات لدعم المنظمات غير الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن المادة 7432 من قانون قيصر تنازلاً إنسانياً عن الأنشطة التي لا يغطيها البند .542.516
السؤال الثاني
: هل يجوز للأفراد الأميركيين وغير الأميركيين، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المالية الأجنبية، تقديم أو تسهيل مساعدات إنسانية معينة لسوريا دون التعرض لخطر العقوبات؟
وأكدت الوزارة في إجابتها على السؤال بأنه لا يُحظر تصدير المواد الغذائية من أصل أميركي ومعظم الأدوية إلى سوريا، ولا يتطلب تصديرها الحصول على ترخيص من مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة (BIS) أو ترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وبالتالي فإن الأشخاص غير الأميركيين لن يتعرضوا لخطر العقوبات بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 (قانون قيصر) لمشاركتهم في مثل هذا النشاط.
وعرضت الوزارة إمكانية الاستفسار الخاص بالمعاملات التي تنطوي على مواد خاضعة للوائح إدارة التصدير الموجهة إلى سوريا، عبر الاتصال بقسم السياسة الخارجية في بنك التسويات الدولية على البريد الإلكتروني :Foreign.Policy@bis.doc.gov
وشددت الخزانة على أنها تواصل دعم العمل الحاسم للحكومات وبعض المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والأفراد الذين يقدمون الغذاء والأدوية والإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية للمدنيين في سوريا، ووصول المساعدة إلى المحتاجين، وأن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ما يزال ملتزماً بضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري ويحافظ على سياسة مواتية تدعم تقديم المساعدة الإنسانية،
وعرضت على الأفراد أو الشركات أو المؤسسات المالية الذين لديهم أسئلة حول المشاركة في المعاملات المتعلقة بهذه التصاريح، الاتصال بقسم الامتثال وتقييم العقوبات التابع لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية على (800) 540-6322 أو (202) 622-2490.
بيان الحقائق “توفير المساعدة الإنسانية والتجارة لمكافحة COVID-19”
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لبيان الحقائق الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في 16 من أبريل 2020، بعنوان: توفير المساعدة الإنسانية والتجارة لمكافحة COVID-19:
إن العقوبات التي فرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قد تم تصنيفها لردع ومنع بشار الأسد ورفاقه ومن يقومون بتمكينه من الأجانب، والحكومة السورية من الوصول إلى النظام المالي الدولي وسلسلة الدعم العالمي. وأيضاً هنالك كثير من الفاعلين المحظورين الذين يعملون في سوريا، مثل من يرتبط بمن صنف بالإرهابي على المستوى الدولي، أو إيران أو روسيا، مما قد يدعو لفرض عقوبات ومحظورات إضافية. ويلتزم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بضمان عدم قيام هذه العقوبات بالحد من قدرة المدنيين الموجودين في سوريا من الحصول على الدعم الإنساني الذي يقدمه المجتمع الدولي. وقد يشتمل هذا الدعم على تقديم المواد للمدنيين في سوريا، ومعدات الفحص بالنسبة لكوفيد-19، وأجهزة التنفس، ومعدات الوقاية الشخصية، والأدوية المستخدمة للوقاية والتشخيص والمعالجة وكذلك للنقاهة من مرض كوفيد-19. وتهدف الولايات المتحدة إلى العمل عن كثب مع المؤسسات الدولية ومجتمع المساعدات الإنسانية لمواجهة هذه العوائق.
التراخيص العامة والخاصة
فيما يلي التراخيص العامة ضمن قوانين العقوبات السورية الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية فيما يتصل بالمساعدات الإنسانية والتجارة مع سوريا. وبالطريقة ذاتها، حصرت الإعفاءات تحت قانون ترخيص الدفاع الوطني الخاص بالسنة المالية لعام 2020، تحت عنوان: قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019″ والذي يضع قوانين للتراخيص العامة التابعة لقوانين العقوبات السورية (التي سنأتي على ذكرها أدناه) والذي يبيح لخدمات محددة تقديم الدعم للمنظمات غير الحكومية، ويشمل ذلك التنازل الإنساني.
• يبيح القانون رقم 542.510 من قوانين العقوبات السورية بعض الصادرات أو المواد المعاد تصديرها إلى سوريا والتي تم ترخيصها أو منحت صلاحية عبر وزارة التجارة وما يتصل بها من خدمات محددة. وهذه الرخصة العامة ترخص أيضاً خدمات محددة تتم بشكل اعتيادي مرافق لعملية تصدير أو إعادة تصدير السلع والمواد إلى سوريا وبعض الخدمات الأخرى التي تتصل بتركيب وإصلاح واستبدال تلك المواد، شريطة أن يكون تصدير تلك السلع مرخصاً أو حاصلاً على ترخيص من قبل وزارة التجارة. كما أن الأغذية الأميركية الأصلية ومعظم الأدوية غير محظورة التصدير إلى سوريا، ولا تحتاج إلى رخصة من وزارة التجارة أو من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (راجع سوريا أسئلة متكررة 299).
• يبيح القانون رقم 542.512 من قوانين العقوبات السورية بموجب بعض القيود الحوالات الشخصية غير التجارية المرسلة من وإلى سوريا. كما يبيح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لمؤسسات الإيداع الأميركية التي تشمل المصارف وشركات تحويل الأموال المسجلة في الولايات المتحدة بإجراء عمليات التحويل الشخصية غير التجارية من وإلى سوريا، أو لصالح أو بالنيابة عن شخصية مقيمة بشكل اعتيادي في سوريا، شريطة ألا يتم تحويل الأموال عبر الحكومة السورية أو إليها أو من خلالها، أو أي شخصية تم تصنيفها على أنها محظورة من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية.
• يبيح القانون رقم 542.513 من قوانين العقوبات السورية الأنشطة الخاصة بمؤسسات دولية معينة، إذ بموجب بعض القيود، تبيح التراخيص العامة الصفقات والأنشطة التي تتم من أجل مشروع تجاري رسمي خاص بالأمم المتحدة ويشمل ذلك الوكالات الخاصة بها وبرامجها وأموالها وما يتصل بها من منظمات وموظفين ومتعاقدين ومتعهدين ومستفيدين من تلك المنظمات.
• يبيح القانون رقم 542.516 من قوانين العقوبات السورية بموجب بعض القيود للمنظمات غير الحكومية أن تقوم بتزويد خدمات معينة دعماً لأنشطة غير ربحية في سوريا، وكذلك يحق لمؤسسات مالية أميركية محددة أن تجري عمليات تحويل الأموال دعماً للأنشطة غير الربحية في سوريا، والتي تشمل:
– المشاريع الإنسانية التي تعمل على تلبية احتياجات الناس
– عملية إرساء الديمقراطية
– المشاريع التي تدعم التعليم
– المشاريع التنموية غير التجارية التي يستفيد منها الشعب السوري بشكل مباشر
– الأنشطة التي تدعم عملية حفظ وصيانة وحماية مواقع التراث الحضاري الأثرية.
• يبيح القانون رقم 542.525 من قوانين العقوبات السورية عملية التصدير وإعادة التصدير والبيع والتوريد للخدمات التي ترافق عملية التصدير وإعادة التصدير إلى سوريا ويشمل ذلك الحكومة السورية، وذلك بالنسبة للأغذية الأميركية الأصلية والأدوية والأجهزة الطبية التي تم تصنيفها تحت البند EAR99 الخاص بقوانين إدارة التصدير إذا كانت تخضع لتلك القوانين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من قبل الولايات المتحدة أو من قبل شخص أميركي من أي مكان كان، إلى سوريا، ويشمل ذلك الحكومة السورية.
• يبيح القانون 542.531 من قوانين العقوبات السورية تقديم خدمات طبية عاجلة غير محددة بجدول زمني.
• الترخيص الخاص: بالنسبة للصفقات التي لا تبيحها التراخيص العامة الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، يقوم هذا المكتب بدراسة طلبات الترخيص الخاص كل حالة على حدة مع إيلاء الأولوية لطلبات الترخيص والأسئلة المتعلقة بالمطابقة، وغير ذلك من الطلبات التي تتصل بالدعم الإنساني المقدم للشعب السوري.
تلفزيون سوريا
————————-
سوريا: تفاقم أزمة المحروقات والدواء في مناطق سيطرة النظام
تعمقت أزمة المشتقات النفطية في مناطق سيطرة النظام السوري خلال الأيام الماضية، جراء عدة عوامل أفضت إلى تشكل طوابير طويلة من السيارات والمركبات أمام محطات الوقود. وبحسب معلومات حصل عليها مراسل الأناضول من مصادر محلية، فإن توقف توريد المشتقات النفطية من المناطق التي يحتلها تنظيم “ي ب ك / بي كا كا” (الإرهابي بتصنيف تركيا) إلى مناطق سيطرة النظام، عمق من أزمة المشتقات النفطية. كما يجري الحديث عن أزمة دواء عميقة في مناطق النظام.
وتضيف المعلومات أن هذا التوقف بدأ قبل حوالى أسبوعين بسبب تراكم الديون على نظام الأسد، فضلاً عن ضغوط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على التنظيم الإرهابي لوقف تجارة النفط مع النظام. كما يعيش النظام صعوبات أخرى تتعلق بهبوط قيمة الليرة السورية أمام الدولار (الدولار يعادل 3650 ليرة)، وارتفاع أسعار النفط، ما أدى إلى صعوبة في حصوله على النفط من إيران.
ويمضي أصحاب المركبات في دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس وحماة والمدن الكبرى المزدحمة وقتهم في طوابير طويلة أمام محطات الوقود نتيجة شح المشتقات النفطية، حسب الأناضول، بالإضافة إلى أزمة الدواء وفقدان بعضها وارتفاع أسعارها بشكل يصعب على العائلات الفقيرة الحصول عليه.
وفي وقت تتعمق فيه أزمة المحروقات وتصيب الحياة بالشلل، فإن حسابات مقربة من النظام على وسائل التواصل الاجتماعي، تنقل عن حالة توقف المواصلات الداخلية في العاصمة دمشق، ومدينتي حلب واللاذقية. كما سعى النظام لحل هذه المشكلة عبر رفع أسعار المشتقات النفطية والمحروقات، ولكن هذه الخطوة أيضا لم تكن حلاً للأزمة الخانقة. وسجلت الليرة السورية في 16 آذار/ مارس الماضي أكبر خسارة في القيمة على مدار التاريخ، وفي اليوم نفسه رفع النظام سعر البنزين بما نسبته 50 في المئة.
وبعد الزيادات فإن أسعار المشتقات النفطية في مناطق النظام المدعومة حكومياً من البنزين والمازوت وصلت إلى نحو ألفي ليرة، ولكن لعدم وجود لائحة أسعار رسمية فإن المواطنين يضطرون لشراء المشتقات النفطية من السوق السوداء بضعفين أو ثلاثة أضعاف هذا المبلغ. وذهب النظام إلى تقليل الحصة من المحروقات لأصحاب المركبات إلى النصف في البطاقات الإلكترونية التي تمنح لهم، فيما ربط الأزمة بتأخر وصول المشتقات النفطية بسبب أزمة النقل في قناة السويس. وبتقليل النسبة، فإن أصحاب السيارات الخاصة في المدن الكبرى باتوا يحصلون على 20 ليترا من المحروقات في الأسبوع، فيما حددت حصة أصحاب سيارات الأجرة العمومية بخمسة ليترات في اليوم فقط.
وطرد تنظيم “ي ب ك / بي كا كا” نحو 1500 مدني من بيوتهم في مدينة الحسكة شرقي سوريا، بطلب من القوات الأمريكية، تحت مبرر “دواعٍ أمنية”. وأفادت مصادر محلية لمراسل الأناضول، أن عناصر التنظيم أجبروا سكان 15 بناء في محيط المدينة الرياضية التي توجد فيها مواقع للقوات الأمريكية وللتنظيم على إخلائها لأسباب أمنية، بعد تلقيهم طلبا من القوات الأمريكية بهذا الصدد.
————————
عشرية الموت والآلام السورية..بفضل روسيا/ بسام مقداد
التقرير ، الذي أصدرته الجمعة الماضية أربع منظمات روسية للدفاع عن حقوق الإنسان ، وكما كان متوقعاً ، تجاهله كلياً الرسميون الروس ، وكذلك المواقع الإعلامية الروسية الدائرة في فضاء الكرملين ، حتى تلك ، التي كانت حتى وقت قريب تعتبر مستقلة . واقتصرت تغطيته الروسية على عدد من المواقع الإعلامية المعارضة ، القليلة أصلاً ، من دون إرفاقه بأية تعليقات ، ” خشية التعرض للعقوبات ، التي قد تصل حد الإقفال” ، حسب مصدر ل”المدن” في موسكو شارك في المقابلات ، التي إعتمدها التقرير . وقد يكون الكرملين بانتظار ردة الفعل الدولية والعربية على التقرير ليقرر الموقف منه ، والعقوبات على واضعيه ، والتي قد تتراوح بين الملاحقات والمحاكمات وإدراج المنظمات المعنية في قائمة “عميل أجنبي” ، التي سبق وضمت إثنتين منها ( جمعية ““Memorial و”المساعدة المدنية”) ، وتبقى خارج القائمة “جمعية أمهات الجنود” في سانت بطرسبورغ و “الحركة الشبابية للدفاع عن حقوق الإنسان” .
حملت النسخة الإنكليزية من التقرير عنوان “عقد مدمر” ، والعربية “عقد من الويلات” ، والروسية “عشر سنوات رهيبة” . وتراوحت عناوين نصوص المواقع الروسية بشأنه بين ” أكلتُ قطة إسمها صوفيا ، ولن أنسى ذلك أبداً” لصحيفة “Novaya” ، التي اضافت إليها “المدافعون عن حقوق الإنسان قدموا التقرير الروسي الأول عن الحرب في سوريا ، وشرحت لماذا يجب معرفة ذلك ويقرأه من هم فوق سن 18″ ؛ و”قصص الناس جعلتنا نبكي” لقناة التلفزة “Dojd” ، التي اضافت “كيف تم إعداد التقرير عن التعذيب ، الجوع والإعدامات في سوريا” ؛ و”الإنسان ، الذي مر بذلك ، هو نصف ميت” لموقع “TSN” الأوكراني الناطق بالروسية ، والذي أضاف “تقرير المدافعين عن حقوق الإنسان عن عشر سنوات حرب في سوريا” ؛ و”عشر سنوات رهيبة” لموقع “Rosbalt” ، الذي اضاف “المدافعون عن حقوق الإنسان قدموا تقريراً عن التعذيب والجوع في سوريا” ؛ و”عشرات الألوف عانوا من الدعم الروسي لبشار الأسد” للموقع الروسي “kasparov” ؛ و”المدافعون عن حقوق الإنسان : الأسد بدعم من روسيا إستخدم القنابل والسلاح الكيميائي ضد سكان سوريا” لموقع “MBK” العائد للمعارض ميخائيل خاداركوفسكي ، الذي أمضى عشر سنوات في سجون الكرملين .
كانت “المدن” قد أرسلت النسخة الروسية من التقرير لعدد من كبار الكتاب السياسيين والمعلقين الروس ، من الموالاة والمعارضة الليبرالية على السواء ، وسألتهم ما إن كانوا يرغبون في إبداء رأيهم به . ومع أن أحداً منهم لم يرد بالرفض،إلا أنهم صمتوا جميعاً ، وذلك ، على ما يبدو ، إما توافقاً مع التجاهل الرسمي للتقرير ، وإما تحسباً لردة فعل السلطات الروسية وتفادي إشكال إضافي معها .
لكن “المدن” طرحت عدداً من الأسئلة على أحد المشاركين الأساسيين في إعداد التقرير ، محامي “جمعية أمهات الجنود” في سانت بطرسبورغ ألكسندر غورباتشوف (لا صلة قرابة مع الرئيس السابق ميخائيل غورباتشوف) ، الذي شارك في الكثير من المقابلات مع ضحايا التعذيب والجوع السوريين ، بما فيها المقابلات في عرسال شمال لبنان .
رداً على سؤاله عما إن كان التقرير ، على الرغم من أهميته الكبيرة ، قد جاء متأخراً ، وما الذي دفعهم لإعلانه الآن بالذات ، قال بأنهم ، حين بدأوا العمل في التقرير ، كانت العمليات العسكرية تشمل عملياً جميع الأراضي السورية ، وكانوا يدركون ، أن وضع تقرير نوعي ، يتطلب وقتاً . ويقول ، بأن الصراع لم ينته بعد ، لكن إعادة إعمار سوريا بعد الحرب “تجري على قدم وساق” في المناطق ، التي إنتهى الصراع فيها . ولذا ، فإن التقرير، برأيه ، قد “يدفع الأطراف” إلى بناء مجتمع “أكثر عدالة” في سوريا ما بعد الحرب ، وإلى التحقيق في المعلومات ، التي يتضمنها التقرير ، وإلى إعادة النظر في موقفها من الحرب في تلك المناطق ، التي لم ينته الصراع فيها بعد .
وعن الهدف من وضع التقرير ، يقول الرجل ، بأن الهدف الاساسي كان إيصال المعلومات لسكان روسيا “عن المأساة السورية ، عن مأساة الناس العاديين ، الذين اصطدموا بحرب لا إنسانية” . ومن غير الصحيح القول ، بأنه لم تكن هناك حرب مع الإرهابيين ، “بل هي كانت” ، وبموازاتها كان هناك صراع سياسي داخلي ونضال ضد “النظام ، الذي “إعتبره كثيرون من المواطنين السوريين الذين سألناهم مجرماً” ، وهو ما لا تتحدث عنه كبريات وسائل الإعلام الروسية”. ويقول ، “لكن نحن تجنبنا كلياً التقويمات السياسية والإتهامات وركزنا على خرق حقوق الإنسان” .
وفي الرد على السؤال عن ردة فعل ، التي يتوقعوها من السلطات الروسية ،: التجاهل التام ، ملاحقة واضعي التقرير وإتهامهم بموجب قانون “العميل الأجنبي” ، حملة واسعة لتشويه التقرير في المجتمع الروسي، قال بأنه لم تصدر عنها أية ردة فعل حتى الآن ، “أما ما سيكون عليه الأمر لاحقاً
فسنرى” .
وبشأن ردة الفعل الدولية المتوقعة قال ، بأن إعلان التقرير ترافق مع الكثير من النصوص بشأنه( المواقع الغربية الناطقة بالروسية ــــ “الحرة” ، BBC، rfi ، استعرضت التقرير فور نشره) . وواضعو التقرير يريدون التصديق ، بأن المجتمع الدولي لن يسمح “بنسيان الوضع في سوريا” والناس البسطاء ، الذين حرمتهم الحرب “القريب والبيت ووسيلة العيش” .
وعن السؤال عن تأثير التقرير على الجهود ، التي تبذل لإقامة محكمة دولية بشأن سوريا ، وعلى المحاكمات الجارية في ألمانيا لعاملين سابقين في أجهزة المخابرات السورية ، وعلى قائد سابق لمنظمة إسلامية راديكالية في فرنسا ، قال ، بأنهم استخدموا في التقرير كمية كبيرة من الوثائق ، التي نشرها “زملاؤنا” من المدافعين عن حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية ، ويؤكد ، بأن الكثير من الشهادات ، التي جمعوها ، تؤكد “صحة إستنتاجات” هذه الوثائق والشهادات. وقال “بودنا أن نأمل ، بأن المحاكم الدولية سوف تقوم بتحقيق شامل يستطيع أن يساعد في الكشف عن الحقيقة” .
وعما إذا كان التقرير يساعد في إيجاد مخرج للإستعصاء السوري ، قال غورباتشوف ، بأن التقارير نادراً ما تشكل وسيلة للخروج من المأزق . ويرى الوسيلة للخروج من الوضع المستعصي ، هي عملية التفاوض بين جميع الفرقاء المعنيين ، و”نحن على إستعداد ، حيث من الممكن والضروري ، أن نشارك في هذه العملية” .
وكان ألكسندر غورباتشوف قال في مقابلة معه الأحد المنصرم على قناة التلفزة “Dojd” ، رداً على ما يشاع عن أن التقرير يستهدف روسيا ، بأن التقرير لم يستهدف لا روسيا ولا أي طرف آخر، بل نقل ما قاله السوريون عن تحميل المسؤولية لجميع المنخرطين في القتال ، لكن للنظام بالدرجة الأولى وللمتطرفين الإسلاميين . وعن العسكريين الروس النظاميين ، قال ، بان آراء السوريين كانت متنوعة ، وإن “كانت بشكل عام سلبية” ، ويرون أن روسيا تقوم “بدور هدام” في سوريا . وعن المرتزقة الروس “فاغنر” في وحدات “طباخ بوتين” ، نفى أن يكون قد أتى السوريون على ذكرهم .
في تعليق لأحد القراء الروس على نص حول التقرير نشرته “الحرة” الناطقة بالروسية ، بأن التقرير عن القتل والتعذيب والوحشية بحق السوريين ، كان ينبغي أن ينتهي بالقول “بفضل روسيا” .
المدن
———————–
هل تشعل العبارات على الجدران..ثورة ثانية في سوريا؟/ منصور حسين
مع اتساع هوة الفقر وتفاقم المشاكل المزمنة التي تعاني منها مختلف القطاعات الاقتصادية، تتزايد نقمة سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لتأخذ أشكال الاحتجاج منحى تصاعدياً في العديد من المدن السورية، بعد أن استنفذ المواطنون كل محاولات تأمين متطلبات العيش الأساسية.
وبالرغم من استبعاد كثيرين من السوريين فكرة انفجار ثورة جياع لأسباب عديدة، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك. فقد شهدت مناطق عديدة مظاهرات وانتشار عبارات جدارية تطالب برحيل نظام الأسد وتحمله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المعيشية على جميع المستويات.
عبارات الثورة الأولى
بعد انتشار صور على مواقع التواصل الاجتماعي، لعبارات مناهضة للأسد مكتوبة على جدران بلدة حفير الفوقا “الأثرية” بمنطقة القلمون بريف دمشق، سارع ضباط من فرعي المخابرات والأمن العسكري إلى دخول البلدة، وعقدوا اجتماعاً مع وجهائها والمسؤولين الحكوميين فيها، الذين تعهدوا بضبط الشبان ومنعهم من القيام بأي نشاطات معارضة، بعد التهديد بعودة الحملات والملاحقات الأمنية للمدنيين.
سوريا حفير كتابات ضد الأسد
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً حصلت المدن على بعضها، تظهر عبارات مكتوبة على جدران بلدة حفير الفوقا تنذر بالمجاعة وتطالب برحيل بشار الأسد ونظامه.
كما شهدت مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية في ريف دير الزور الأسبوع الماضي، استنفاراً أمنياً وعسكرياً مكثفاً من قبل عناصر قوات النظام والمليشيات الموجودة في المدينة، بعد انتشار عبارات على جدران بعض المدارس تطالب بإسقاط الأسد وطرد المليشيات الإيرانية من المدينة.
ويؤكد الناشط نذير ديراني في حديث ل”المدن”، أن الأهالي عمدوا إلى العديد من أنواع الاحتجاج السلمي قبل بلوغها هذا السقف من المطالب، منها تعليق رغيف الخبز على نقاط مرتفعة ورئيسية مثل جسر الحياة وسط مدينة البوكمال قبل أسابيع.
ويضيف “نتيجة ما وصل إليه الأهالي من صعوبة تأمين قوت يومهم، أخذت ظاهرة سرقة الطعام واقتحام المطابخ بالانتشار، وهي ظاهرة لم تعرفها مدينة البوكمال من قبل، حيث سجلت العديد من الحالات منها ما تم الإبلاغ عنه وأخرى انتشرت على نطاق واسع بعد ترك رسائل اعتذار وتبرير من الجناة بعدم قدرتهم على تأمين الطعام لأطفالهم”.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قد أعلنت في تقريرها الذي صدر في آذار/نيسان، أن تقاعس النظام السوري عن معالجة أزمة الخبز بصورة عادلة وملائمة، “يدفع بملايين السوريين إلى الجوع”.
لا تغيير في النهج
وردد الكثيرون ممن تواصلت معهم “المدن” عبارة “الناس جاعت”، ولم ينفكوا عن المقارنة بين وضعهم الحالي وما كان عليه خلال فترة المعارك بين قوات النظام والمعارضة، وندمهم على قرار البقاء في الداخل السوري.
“لا وجود للحياة في حلب”، هكذا يصف أبو عبد الرحمن من سكان حي الأنصاري في حلب الوضع المعيشي في المدينة. ويقول: كل شيء سعره نار، مقابل غياب الدخل المادي، أقل منزل اليوم بحاجة إلى أمبيرين كهرباء بسعر عشرين ألف ليرة اسبوعياً، والمياه غير متوفرة بشكل دائم، وربطة الخبز سعرها 500 ليرة، واللحم الأبيض 4500 ليرة والأحمر يقارب 30000 “منين تاكل الناس!!”.
ومع ذلك، لا يبدو أن النظام يخشى من اندلاع ثورة جياع في مناطق سيطرته، مع استمراره باتباع سياسة تقنين المخصصات بشكل دوري، آخرها تخفيض مخصصات السيارات من البنزين المدعوم، رغم الأزمة الخانقة التي يعاني منها قطاع المواصلات، وتحضيراته لإجراء الانتخابات الرئاسية التي تخول بشار الأسد البقاء في السلطة حتى 2028، دون تأجيل، بالرغم من التحذيرات الغربية بتشديد العقوبات على النظام في حال حدوثها.
ويرى المحلل السياسي درويش خليفة في حديث ل”المدن”، أن الكتابة على الجدران لا يمكن التعويل عليها في صناعة حدث يلفت أنظار المجتمع الدولي، مع تمتع النظام في كثير من المناطق بهيمنة نسبية على المستوى الأمني، مثل السويداء ودرعا، خاصة وأن الأوضاع الحالية تختلف عما كانت عليه عام 2011.
ويضيف “الجميع يدرك أن النظام هو من أوصل السوريين إلى هذه الحالة، ولكنهم بالمقابل لا يجرؤون على القيام باحتجاجات يعرفون أنها ستودي بهم إلى الموت أو الاعتقال، لأن تهمة الإرهاب تنتظرهم”.
ويرى خليفة أن الجغرافيا السورية تشهد صراعاً معقداً قسمها إلى مناطق نفوذ تتوزع على جيوش خارجية فيما تخضع سلطات البلاد لعقوبات دولية، و”هذه العوامل جميعها كفيلة في سكوت الناس على مأساتهم بالرغم من بعض التحركات التي تزعج النظام، إلا أنها تبقى تحت السيطرة”.
في حين يعتقد مسؤول الدائرة السياسية في اتحاد ثوار حلب هشام سكيف أن انتفاضة السكان في مناطق النظام قادمة “لا محالة”، مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، إلا أنها ستكون “من داخل الحاضنة الشعبية للنظام والخزان البشري لمليشياته”.
ويضيف ل”المدن”، أن “المحافظات الرئيسية مثل دمشق وحلب وبقية المناطق التي عاش أبناؤها الثورة والحرب السورية، باتت تفتقد إلى مقومات الثورة، ولايمكن التعويل عليها بقلب الموازين حالياً، وهذا الأمر يدركه النظام جيداً، وهو ما يفسر استمراره بالضغط على الأهالي وعدم اكتراثه بأوضاعهم”.
ويشير سكيف إلى أن أكثر ما يتخوف منه بشار الأسد هو انقلاب حاضنته الرئيسية، وهو ما يجري حالياً في العديد من قرى الساحل الموالية التي بدأت تتأثر بالأزمة الحالية، بعد فشله في تعويضهم عن أبنائهم والخدمات التي يقدمونها في سبيل بقائه، نتيجة العقوبات المفروضة عليه دولياً وأميركياً، “إضافة إلى تزعزع الثقة داخل قوى النظام الأساسية جراء الصراع بين زوجة الأسد ورامي مخلوف، ووقوف قسم من الطائفة العلوية مع مخلوف لاعتبارات عديدة، أهمها الخوف على مصالحهم الشخصية وتحجيم دورهم الاقتصادي الذي كان يدعمه مخلوف”.
بينما يعتقد البعض أن إرهاق السوريين بعد عشر سنوات دامية مرّت عليهم سيمنعهم من القيام بأي حراك شعبي كرد فعل على تدهور وضعهم المعيشي إلى حد بات ينذر بالمجاعة، لا يستبعد البعض أن يحدث الانفجار في أي لحظة وأن تشهد البلاد ثورة ثانية ربما يكون عنوانها “ثورة الجوع”.
———————–
كيف يخدم مشروع “الإدارة الذاتية” نظام الأسد؟
إسطنبول – تيم الحاج
وصفهم بشار الأسد في أكثر من مناسبة بـ “الواهمين” وهددهم باستخدام القوة لاستعادة ما يسيطرون عليه. وزير خارجيته، فيصل المقداد، نعتهم مراراً بـ “العملاء لأميركا وإسرائيل”، وطلب منهم مبعوث الأسد السابق للأمم المتحدة، بشار الجعفري، أن يشربوا حب “الباندول” كي ينسوا مشروعهم.
أما وسائل إعلام نظام الأسد فتكرّس جل وقتها للتأكيد على أن مشروع “الإدارة الذاتية” انفصالي، واصفة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بـ “السارقين لثروات سوريا”، وبخدام المشاريع الأميركية.
لكن وعلى الرغم من قساوة الألفاظ والتخوين الممنهج، إلا أن النظام في دمشق يُعد أكبر المستفيدين من مشروع “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، القائم حاليا، فكيف ذلك؟.
مسارات التعاون الوثيق بين الأسد و”الإدارة الذاتية”
لا يحتاج المراقب للعلاقة بين الأسد وقوى الأمر الواقع المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا للبحث كثيرا عن خيوط ودلائل للتأكد من أن كلام بشار الأسد ومسؤوليه في الإعلام يمحوه الفعل على أرض الواقع.
فخلال السنوات الفائتة وتحديدا منذ تأسيس “النظام الاتحادي الديمقراطي في شمال سوريا ” في آذار 2016، بعد اجتماع نحو 200 شخصية، مثلت الأحزاب الكردية النسبة الأكبر على حساب العرب والآشوريين والتركمان والسريان والشيشان، في مدينة رميلان، ولاحقاً تشكيل “الإدارة الذاتية” في أيلول 2018 وقبلها ذراعها العسكرية “قسد” في 2015؛ اتخذ نظام الأسد إعلاميا موقفا رافضا تجاه هذه التشكيلات، لكنه فتح قنوات تواصل خلفية معها.
وشهد عاما 2018 و2019 لقاءات عدة بين أعضاء من “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) ممثلاً برئيسته التنفيذية، إلهام أحمد، و رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، اللواء علي مملوك، بعضها كان بشكل مباشر، وأخرى عبر الوسيط الروسي في قاعدة حميميم، إلا أن هذا التعاون هو الوحيد بين الطرفين الذي يتكلل بالفشل في كل مرة.
وكان آخر تواصل في هذا السياق بينهما، في شباط 2020، حينما قالت إلهام أحمد، إن النظام وافق بوساطة روسية على بدء مفاوضات سياسية، مع إمكانية تشكيل “لجنة عليا” مهامها مناقشة قانون “الإدارة المحلية” في سوريا، والهيكلية الإدارية لـ”الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا”، وذلك خلال لقاء أجرته مع صحيفة “الشرق الأوسط
وأضافت أحمد التي زارت دمشق، حينها، أن الروس تعهدوا بالضغط على النظام للقبول بتسوية شاملة، ووعدتهم بترجمة الوعود خلال الأيام المقبلة، لكن حتى هذه الساعة، لم يتم تحريك هذا الملف، وحكم عليه بالفشل كسابقيه.
يقول الباحث المختص في الشأن الكردي، بدر ملا رشيد، لموقع تلفزيون إن مصير واردات النفط والغاز لا يزال مجهولاً في شمال شرقي شوريا، وتحكمه تفاهمات بين النظام و”قسد” تعود للعام 2012، والظاهر منه هو إن تأمين وإدارة حقول النفط من قبل “قسد” مقابل حصولها على نسبة من واردات النفط عبر بيعه بشكل مستقل والحصول على بعض مشتقات النفط من مصافي نظام الأسد.
وفيما يتعلق بالعقوبات الأميركية يشير رشيد إلى أن “الإدارة الذاتية” دعت الولايات المتحدة لإعفائها من قانون “قيصر”، وهو ما يفسر التغاضي الأميركي عن شحنات النفط الواصلة لمناطق النظام، ويضيف “أعتقد أن واشنطن تقوم بهذا الأمر لعدة أسباب منها السماح للإدارة الذاتية بتوفير الأموال الضرورية للحكم، والسماح بوصول دفعات نفط للنظام لا تجعله يكون مرتاحا ولا تقطعه بحيث تنهار مؤسسات الحكم المركزية”.
ويخضع نظام الأسد لعقوبات “قيصر” التي لا يختلف اثنان على أنها كبّلته، وحدّت من نشاط حيتان الاقتصاد الذين أفرزتهم الحرب لخدمة الأسد، وعليه كان لابد للنظام من إيجاد طرق للالتفاف على هذه العقوبات التي يقول إنها تسببت في انهيار الليرة السورية وهو ما وظفه لإشراك المدنيين في تحمل أعباء هذه العقوبات، فبدأ برسم سياسات اقتصادية فاشلة، جعلت من السوريين يحتلون مراتب متقدمة في تدني المستوى المعيشي، فباتوا يقفون لساعات طويلة في طوابير تمتد على مد النظر للحصول على الوقود وعلى المواد الغذائية، على رأسها الخبز.
في المقابل تقول واشنطن إن هذه العقوبات لا تستهدف المدنيين، وإنها مخصصة لحث الأسد على التوقف عن سياساته القمعية.
إحدى الأيدي التي امتدت لنجدة نظام الأسد المتهالك، هي يد “الإدارة الذاتية”، فمن مناطقها يتم دعم الأسد بالدولار والنفط والمحاصيل الزراعية.
تتعدد أوجه الفائدة الاقتصادية التي تمنحها “الإدارة الذاتية” لنظام الأسد، حيث رسخ الطرفان على مدار السنوات الماضية عمليات تبادل مهمة في هذا القطاع، في مقدمتها النفط.
فقد أوجد النظام ممرا معتمدا للنفط رغما عن الكثافة الأميركية في المنطقة، بالاتفاق مع “قسد” عبر وسطاء، نشط في هذا السياق حسام قاطرجي، الذي بات اسمه مرتبطا بعمليات إيصال النفط الخام من “قسد” إلى الأسد.
وفي هذه الجزئية نستحضر تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” المنشور في أيلول 2019 والذي وثق عمليات التبادل هذه، وجاء فيه أن الحقول النفطية الخاضعة لسيطرة “قسد” تنتج ما يقارب 14 ألف برميل يوميا، ونقل التقرير شهادات حصلت عليها الشبكة الحقوقية، حينئذ، أكدت أن “قسد” تبيع برميل النفط الخام لنظام الأسد بقرابة 30 دولارا، أي بعائد يومي يقدّر بـ 420 ألف دولار، وبعائد شهري يقدر بـ 12 مليون و600 ألف دولار، وبعائد سنوي يقدر بـ 378 مليون دولار، باستثناء عائدات الغاز.
التقرير أشار إلى وجود تنسيق بين “قسد” والنظام، منذ منتصف عام 2012، عندما انسحب النظام من محافظة الحسكة، إذ بدأت تلك العمليات منذ نهاية عام 2017، عندما أحكمت “قسد” سيطرتها على آبار وحقول النفط والغاز في محافظة دير الزور، حيث تكون عمليات التزويد من حقلي رميلان والسويدية في محافظة الحسكة، اللذين لم يتوقف إنتاجهما منذ منتصف 2012.
وحتى تتم عملية التبادل هذه، فإن على حسام القاطرجي، تحريك أسطول الشاحنات الخاص به والمتمركز في الرستن وسط سوريا، حيث تقوم الشاحنات بزيارة مناطق “قسد” نحو مرتين في الشهر، تحمل من هناك النفط الخام، وتعود بجزء منه مكرر كي تستخدمه “الإدارة الذاتية”.
ورصد موقع تلفزيون سوريا، قبل أيام في تقرير تضمن شهادات خاصة من سائقي هذه الشاحنات، رصد عمليات نقل النفط تلك، وكيف يتم نقلها للتكرير في مصفاة حمص، وكيف تقوم “قسد” بمرافقة الشاحنات على طريق عين عيسى- تل تمر، وهذا الطريق يعج بالدوريات الأميركية.
الدولار نهر متدفق:
يقول الباحث بدر ملا رشيد، إن هناك عدة نواحٍ يستفيد منها النظام فيما يخص واقع الحكم في منطقة شمال شرقي سوريا، ومنها موضوع الدولار، الذي يقدم للمنطقة سواء عبر تجارتها مع بقية مناطق سوريا، أو من الحوالات القادمة من خارج سوريا، أو البعض من مصاريف المنظمات التي تقوم بصرفها في المنطقة، لكنه لفت إلى أن معظم أهالي المنطقة يفضلون استثمار أموالهم من العملة الأجنبية في المنطقة نفسها، سواء عبر الإبقاء عليها كعملة صعبة او استثمارها في العقارات والأراضي، وهو ما تم ملاحظته من ارتفاعٍ كبير في سعر متر البناء الذي يصل لـ 1500 دولار في بعض أحياء مدينة القامشلي على سبيل المثال.
وفي هذا السياق، كشف مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا، قبل أيام، نقل نظام الأسد شحنة من الدولارات تقدر بأكثر من 50 مليون دولار إلى دمشق عبر مطار القامشلي الدولي.
المصدر أكد أن نظام الأسد يسحب ملايين الدولارات بشكل شبه يومي من أسواق مدن محافظة الحسكة، معتمدا على شبكة من التجار وصرافي العملة يهيمنون على سوق القامشلي، إذ يقومون بشراء الدولار وضخ العملة السورية للأسواق من فئتي الـ 5000 والـ 2000 ليرة سورية.
وتتداول أسواق الحسكة والقامشلي تتداول أكثر من 100 مليون دولار يومياً بين عمليات صرف وحوالات مالية قادمة من خارج البلاد، خاصةً مع نشاط الحركة التجارية في معبر سيمالكا الحدودي مع إقليم كردستان العراق، وهذا النشاط دفع النظام للبحث عن حديقة خلفية يحصل منها على القطع الأجنبي المفقود في خزينته بدمشق.
وبالرغم من تدهور قيمة الليرة السورية منذ مطلع العام الماضي، إلا أن مناطق “الإدارة الذاتية” تشهد بروز رؤوس أموال عديدة تمثل مصدرا للقطع الأجنبي، إلى جانب عمل عشرات المنظمات الدولية ومؤسسات إعلامية في المنطقة، وأموال المغتربين التي تضخ من الخارج عبر الحوالات والاستثمارات بشكل شهري إلى هذه المناطق.
المحاصيل الزراعية سلة “قسد” بيد الأسد:
كثيرة هي التسجيلات المصورة التي نشرت خلال الأعوام الماضية توثق عمليات نقل المحاصيل الزراعية من مناطق “الإدارة الذاتية” إلى مناطق نظام الأسد.
وفي الأساس الأمر لا يحتاج إلى توثيق وبحث، فهيئة “الاقتصاد والزراعة” شمال شرقي سوريا تبيح للمزارعين بيع محاصيلهم للنظام.
حدث ذلك في أيار عام 2019 حينما أعلنت ذات الهيئة في بيان، أنها لا تمانع بيع المزراعين لمحاصيلهم إلى النظام.
أما في عام 2020، فقد رفضت “الإدارة الذاتية” بيع النظام محاصيل المزارعين، وحاولت إجبار المزارعين على تسليم القمح في المناطق التي تسيطر عليها، ما أدى إلى ردود فعل غاضبة، لأن المزارعين سيجبرون على بيع المحصول بالتسعيرة التي تريدها “الإدارة الذاتية” والتي تقل عن تسعيرة النظام، ومع استمرار المزارعين بالاحتجاج تمكنوا من بيع محاصيلهم خارج مناطق “الإدارة الذاتية” لكن بعد أن اشترطت عليهم أن يتم تأمين جميع حاجة المنطقة من المحاصيل.
ولا بد لنا هنا من ذكر الطريق التجاري الذي افتتحته روسيا في أيار 2020، بين مناطق نظام الأسد و”الإدارة الذاتية” ومركزه الطريق الدولي “M4” ( حلب- الرقة- عين عيسى- تل تمر- القامشلي)، هذا الطريق أمّنت روسيا من خلاله متنفسا تجاريا للنظام، وجاء نتيجة تفاهم مع “قسد” إذ تتكفل روسيا بحماية القوافل المدنية التي تنطلق بين عين عيسى وتل تمر على طريق “M4” المرصود ناريا من قبل الجيش التركي في منطقة عملية “نبع السلام”.
ووفق تحليل بياني أعدّه موقع “COAR
” بعد شهرين من افتتاح هذا الطريق، فإن النشاط التجاري عبر هذا الطريق يركز على مبدأ قانون العرض والطلب، وعلى العلاقات بين الأطراف المؤثرة في المنطقة، إذ يستورد النظام من مناطق “الإدارة الذاتية” النفط الخام، بشرط إعادة جزء منه على شكل مواد مكررة مثل المازوت، كما يصدّر معظم القمح من “الإدارة الذاتية” الى مناطق النظام مقابل إعادة الطحين، إضافة إلى وجود حركة لتجارة الخضار والفواكه والمواد الصناعية، فأسواق “الإدارة الذاتية” متعطشة للمنتجات الصادرة من معامل مناطق معامل نظام الأسد
عسكريا.. “قسد” والأسد في خندق واحد بوجه الجيش الوطني السوري
في سياق التعاون العسكري، بين الطرفين، يقول الباحث بدر ملا رشيد، إن النظام اعتمد واستفاد من مناطق شمال شرقي سوريا خلال السنوات الماضية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن العلاقة بين “قسد” والنظام باتت تنافسية تتمظهر من خلال حالات التضييق المتبادل من الطرفين.
ويجمع النظام و”قسد” منذ تشرين الأول 2019 تحالف عسكري ضد الجيش التركي والجيش الوطني السوي، وسمح هذا التحالف لقوات نظام الأسد بدعم روسي من إعادة تموضعها شمال شرقي سوريا.
وفي أعقاب عملية “نبع السلام” التركية، قال قائد “قسد”، مظلوم، في تصريحات صحفية إنه وقع اتفاقية مع النظام حول انتشار قوات الأخير في نقاط التماس مع القوات التركية.
وأضاف أن الاتفاقية وقعت بينه وبين مملوك الذي وقع باسم النظام بضمانة روسية.
تلفزيون سوريا
—————————–
عقد من مقابلات الأسد: تعالوا نكذب/ مالك داغستاني
أن تتيح منصة إعلامية للديكتاتور منبراً لكي يكذب، فهذا سلوك يشوبه عيب أخلاقي بالـتأكيد. لكنه للأسف، في حالة بشار الأسد، هذا ما كان يحصل على مدار عقد كامل. لم تنقطع كبرى الشبكات الإعلامية عن طلب مقابلة بشار الأسد، وفي العديد من الحالات تلبية دعوته لإجراء المقابلات معه. ولكن للمفارقة، في حالة الأسد فإن معظم الرسائل التي حاول توجيهها للعالم تم تلقيها بطريقة سلبية، وغالباً ما اتُهم بالكذب. في أكثر من حالة علق المذيعون الذين أجروا المقابلات معه، ووصفوه بأن يكذب دون حياء أو شعور بالخجل. ولكن هذا لم يكن ليثني الأسد عن طلب أو تلبية مزيد من المقابلات، فهو لم يكن يهتم إن صدقه جمهور تلك المحطات أم لا، وكل ما كان يعنيه من تلك المقابلات، هو إيصال رسالة للسوريين بأنه ما زال مقبولاً لدى دول العالم، وإلا لما كانوا جاؤوا إليه للاستماع إلى روايته للأحداث، بل وفي كثير من الحالات، للإصغاء إلى رأيه في صراعات المنطقة، وحتى بالسياسات الدولية، كأي رئيس لدولة مستقرة ولا يجري فيها كل ما جرى في سوريا.
كنت تلمست، ككثير من السوريين، قبل الثورة أن بشار يكذب تكراراً، ولكن لم أكن قد علمت بعد أن الكذب جزء أصيل من شخصيته المريضة، بعيداً حتى عن موقعه والكذب الاضطراري والمألوف للسياسيين. ولذا وجدت أن مقابلته نهاية عام 2011 مع باربرا وولترز مذيعة قناة “اي بي سي” تشكل حالة نموذجية جديرة بالدرس، بل وتغني عن متابعة باقي مقابلاته خلال العقد الأخير. تسأله عن رسام الكاريكاتير الذي تم تكسير أصابعه لأنه انتقده، فيجيب بسؤال بأن لديه عديدا ينتقدونه فهل يعقل أن يقتلهم جميعاً؟ تنتقل لتعذيب طفل وصلت جثته مشوهة إلى ذويه، فيخبر المذيعة بأنه قابل والد الطفل حمزة الخطيب، ولم يكن هناك تعذيب، وقد تشكلت لجنة تحقيق خاصة ووجدت أنه لم يتعرض لأي تعذيب، وأن كل تلك إنما هي شائعات. ولذلك فإنه يطلب، عبر وولترز، من وسائل الإعلام تداول الحقائق وعدم الإصغاء للشائعات. تردد عليه خلاصة تقرير للأمم المتحدة استند إلى شهادة 220 سوريا تعرضوا للتعذيب والاغتصاب، فيجيب: ومن قال إن الأمم المتحدة لديها مصداقية؟ التقطت وولترز جوابه بدهشة فعادت للسؤال باستغراب: ألا تعتقد أن الأمم المتحدة ذات مصداقية؟ أجاب بدون تردد: لا. وهنا ستعتقد الإعلامية الأميركية أنها ستحشره بتذكيره أن لديه سفيرا هناك. فيجيب مقهقهاً (طبعاً لا داعي لأصف لكم ضحكته فأنتم تعرفونها): نعم إنها لعبة نلعبها، ولا يعني أن نصدقها.
ومن قال إن على الكذّاب أن يصدّق الآخرين؟ لا يعتبر علماء النفس كل من يكذب كذاباً. ولكن عندما يتطور هذا الفعل، ويلازم الشخص فعندئذ يكون هذا الشخص مصابا بالكذب المرضي، ويضيفون بأن هذا النوع من الكذب قد يقترن بعدد من الجرائم مثل الغش والنصب والسرقة (للأمانة لم يوردوا جريمة القتل من بين تلك الجرائم). ويضيف علماء النفس بأن الكذب قد يقترن ببعض المهن أو الأدوار مثل المهن الدبلوماسية والإعلامية. أولى كذبات بشار الأسد التي قرأتها شخصياً، كانت قبل موت أبيه بحوالي عامين، حين سئل في مقابلة صحفية عن إمكانية أن يخلف والده في رئاسة سوريا، فأجاب ساخراً، كمن يتحدث عن البديهيات مستغرباً جهل الآخرين، بأن من يعتقد ذلك لا يعرف أن دستور سوريا لا يتيح لمن هو دون الأربعين بتولي منصب الرئاسة. هل لاحظتم كم كانت الإجابة تنطوي على وعي بالدستور واحترام راسخ له.
هناك ما يعرف بمتعة الكذب بهدف إفحام الخصم، ولو كان الخصم يعرف أن من يحاوره يكذب. وفي حالات الاعتقال يعرف المحقق أن المعتقل يلفق كثيرا من الروايات ويكذب، وهو إنما يفعل ذلك لإخفاء حقائق ستؤدي إلى أذى سيقع على آخرين، وقد يصل الأذى إلى كارثة اعتقالهم. لكن على من تقع الكارثة فيما لو أن بشار الأسد قال الحقيقة؟ سيفاجئكم مثلما فاجأني وأنا أكتب هذه المادة، عدد الروابط فيما لو وضعتم على محرك البحث “غوغل” عبارة: “بشار الأسد يكذب”. ولن تجدوا فيها أن معارضيه فقط من يكذبونه، ولكنهم مسؤولون دوليون بينهم أهمّ حلفائه.
تستمرئ “وولترز” السماع لكذب بشار الأسد، فتوغل أكثر وتخبره أن والده قاد هذا البلد 30 عاماً، وهو نفسه يقوده منذ أكثر من عقد. فماذا لو كان الربيع العربي قد جاء لينهي قاعدة حكم العائلة الواحدة؟ ومع ذهول المذيعة لصفاقة الكذبة، سيجيب الأسد أنه ضد قاعدة حكم العائلة الواحدة، ويسهب بعدها بأن والده لم يتحدث معه بالسياسة أبداً، وهو لم يعمل أبداً على تأهيله لمنصب الرئاسة. ثم يذهب أبعد، فيؤكد بأن والده لم يكن أبداً ينوي أن يعطي منصبه لأبنائه، وهو لم يتحدث معهم حول ذلك. تعيد وولترز صياغة سؤالها، علّها أخطأت في الصياغة الأولى، وتسأله: إذا كيف أصبح الابن رئيساً؟ وهنا تأتي الإجابة المدهشة من الأسد (معجزة العرب الحديثة): “بعد وفاة الرئيس، حاصر المتظاهرون مبنى البرلمان وطالبوا برئيس جديد، وعندها قمت بترشيح نفسي، مع أني لم أفكر بذلك مطلقاً من قبل”.
طبعاً يمكنني القول دون أن أقع في فخّ المبالغة، إن المقابلة بكاملها كانت سلسلة متراصّة من الأكاذيب، من مثل أن هناك أوامر خطّية بعدم استخدام السلاح ضد المتظاهرين، وأن معظم الضحايا هم من مؤيدي الحكومة، وصولاً لتعليقه الأشهر بأنه “لا توجد حكومة في العالم تقتل شعبها، إلا إذا كان يقودها شخص مجنون”. لا أعرف بماذا فكرت باربرا وولترز بعد أن أنهت تلك المقابلة، لكن ما أنا متأكد منه أنها حتماً وصلت إلى نتيجة بديهية تفيد بأن الأسد ليس مجرماً فقط بل هو مجنون وكذّاب أيضاً.
في مقابلة لبشار الأسد مع “بيل نيلي” من قناة “إن بي سي” صيف عام 2016، سيسمع الأسد من “نيلي” ما لم يقله صحفي لأي رئيس دولة في التاريخ من قبل “إنك تعلم ما تقوله النسخة الحالية للتاريخ: أنت ديكتاتور قاسٍ، إنك رجل تلوثت يداه بالدماء، وإن الدماء التي على يديك أكثر حتى من التي كانت على يدي والدك” كان ذلك بعد أن سأله: هل حدث أن بكيت على ما حدث في سوريا؟ فأجاب الأسد بالنفي. تلك الإجابة كانت الوحيدة التي تصادف للأسد أن كان صادقاً بها.
تلفزيون سوريا
—————————-
كلفة معيشة الأسرة السورية تقفز إلى مليون ليرة شهرياً/ عدنان عبد الرزاق
زادت معاناة السوريين بعد ارتفاع الأسعار وشح السلع والمنتجات بالأسواق، في الآونة الأخيرة. وما فاقم من موجة الغلاء، شلل قطاع النقل إثر تقنين توزيع المشتقات النفطية بعد رفع أسعارها للمرة السادسة خلال الثورة.
وفي حين يصرّ نظام بشار الأسد على تثبيت الرواتب والأجور، رغم تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار من 50 ليرة عام 2011 إلى 3700 ليرة، أمس الإثنين، ارتفعت تكاليف معيشة الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص، بحسب مركز “قاسيون” للدراسات، من العاصمة دمشق، من 773 ألف ليرة، مطلع العام الجاري، إلى مليون وأربعين ألف ليرة حالياً.
ويبيّن مركز قاسيون (مستقل) من العاصمة السورية، أن أسعار سلة إنفاق الأسرة السورية المكونة من ثماني حاجات أساسية (غذاء، سكن، صحة، تعليم، لباس، أثاث، نقل واتصالات)، ارتفعت خلال الشهرين الماضيين، بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والمشتقات النفطية وتراجع سعر صرف الليرة من 2900 ليرة في نهاية عام 2020 إلى 4000 ليرة الشهر الماضي، قبل أن تتحسن إلى 3700 ليرة، أمس.
وتشهد الأسواق السورية ارتفاعات كبيرة في الأسعار، بعد توقف الاستيراد جراء وقف المصرف المركزي تمويل المستوردات، وزيادة أسعار المشتقات النفطية، التي تصفها مصادر من دمشق، بالسلع التحريضية التي رفعت مجمل أسعار المنتجات الزراعية والصناعية.
وأشارت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، إلى أن نظام الأسد أوقف توزيع المشتقات النفطية، بعد تقنينها للحد الأدنى، ويعد اليوم بالتوزيع وفق رسائل ترسل للمستهلكين على هواتفهم، مبينة أن سعر ليتر المازوت ارتفع بالسوق السوداء إلى 2000 ليرة، وليتر البنزين إلى 3500 ليرة، الأمر الذي شلّ حركة النقل وزاد من معاناة السوريين.
اللاذقية سورية-اقتصاد-13-9-2016 (لؤي بشارة/ Getty )
ويرى أسامة القاضي، وهو رئيس مجموعة اقتصاد سورية، أن “وضع سوريي الداخل بات خانقاً بمعنى الكلمة، بعد أن زاد انقطاع التيار الكهربائي عن 20 ساعة يومياً ونفدت المشتقات النفطية من الأسواق، وإن وجدت بالسوق الهامشية فسعرها يفوق قدرتهم الشرائية”.
ويؤكد القاضي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن أسعار السلع والمنتجات الضرورية للاستهلاك اليومي ارتفعت خلال الشهر الأخير بأكثر من 30%، فسعر ربطة الخبز (أقل من 2 كيلوغرام) تباع بألف ليرة في الأسواق، في حين أن التسعير الرسمي لها هو 100 ليرة، كما أن تصميم النظام على تصدير الخراف والخضر والفواكه، ليحصّل الدولار، رفع من أسعار اللحوم والخضر والفواكه، كما انتشر بأسواق دمشق نمط الشراء بالحبة اليوم، جراء ارتفاع الأسعار ومحدودية الدخل.
وحول أسباب ارتفاع الأسعار واستمرار تراجع سعر صرف الليرة، يقول القاضي إن الأسعار لم ترتفع منذ عام 2011 إذا ما قيمناها وفق أي عملة عدا الليرة السورية، لكن الذي تهاوى واقترب من الانهيار هو العملة السورية، فقد تراجعت أكثر من 210% خلال العام الماضي فقط وتستمر بالتراجع حتى الآن، وهذا هو سبب الغلاء وفقر السوريين، لأن دخولهم مثبتة بالليرة.
ويضيف رئيس مجموعة اقتصاد سورية أن من أهم أسباب تراجع سعر صرف الليرة هو عجز الموازنة منذ سنوات بأكثر من 30%، إذ يلجأ نظام الأسد لتمويل العجز عبر طبع أوراق نقدية جديدة وضخها بالأسواق، من دون زيادة بالإنتاج أو وجود عملات أجنبية، بعد تبديد الاحتياطي النقدي الذي تجاوز 18 مليار دولار عام 2011.
وحسب مصادر خاصة من العاصمة السورية دمشق، ارتفعت أسعار المنتجات الاستهلاكية خلال شهر بين 30 و50%، وانتشرت سلع متدنية المواصفات ومجهولة المصدر.
وكانت جهات دولية عدة قد حذرت من مجاعة بسورية، إذ قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إن سورية تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، حيث يفتقر أكثر من 9.3 ملايين شخص إلى الغذاء الكافي، مشيراً إلى أن عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 2.2 مليون.
كما قال تقرير أصدرته “نقابة عمال المصارف في دمشق”، الشهر الماضي، إن خسائر الاقتصاد السوري وصلت إلى أكثر من 530 مليار دولار حتى الآن؛ أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010.
وقال رئيس النقابة أحمد حامد، خلال تصريحات سابقة، إنه خلال السنوات الماضية بقيت العدالة الاجتماعية غائبة، وتدنت معها التنمية التي أوصلت أكثر من 80 في المئة من شعبنا إلى خط الفقر وما دونه، وباتت المجاعة تلوح في الأفق.
واعتبر التقرير أن الحكومة حتى هذه اللحظة لم تقدم أي مبادرات حقيقية لتجاوز الأزمات التي يعيشها السوريون، بل زاد احتكار الثروة في أيدي قلة قليلة من المستفيدين على حساب الشريحة الكبرى من المجتمع.
وكان رئيس حكومة النظام السوري حسين عرنوس قد أكد، أول من أمس، أن الحكومة تعمل جاهدة لتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وأصبح لديها من احتياطي القمح ما يكفي كل هذا الموسم.
وأشار عرنوس، خلال كلمة لأعضاء مجلس الشعب والفعاليات الاجتماعية بمدينة حماة، وسط سورية، إلى أن كيس الدقيق يباع للمخابز بـ2000 ليرة وبعض المخابز تبيعه بـ40 ألف ليرة، ولتر المازوت بـ135 ليرة ويباع بالآلاف، وقال: في وقت ما سنصوب هذا الأمر ولن نقبل بغير سعر واحد للمشتقات النفطية.
العربي الجديد
————————–
مركز إسرائيلي: مطلوب تحول بنهجنا بسوريا والتخلص من الأسد/ أحمد صقر
سلط مركز بحثي إسرائيلي الضوء على الأوضاع المختلفة في سوريا بعد عقد على الثورة السورية، حيث بات وجود زعيم النظام السوري بشار الأسد، “غير مريح لإسرائيل”، موصيا ببذل جهد دولي لإزاحته كمدخل لإبعاد إيران عن المنطقة.
وأوضح “مركز بحوث الأمن القومي” التابع لجامعة “تل أبيب” العبرية، في تقديره الاستراتيجي الذي أعده أودي ديكل وكارميت بلنسي، أن “العصيان المدني الذي قمع بوحشية من نظام ديكتاتوري، مسنود عسكريا ودبلوماسيا من روسيا وإيران، ترك سوريا منقسمة لمناطق نفوذ وسيطرة بإسناد دول أجنبية”، مؤكدا أن “سوريا في المستقبل المنظور ستبقى منقسمة ومفككة”.
وأشار إلى أن “خريطة السيطرة” توضح أن “سوريا منقسمة إلى عدة جيوب، بشار الأسد وبمساعدة عسكرية من روسيا وإيران وفروعها، يسيطر ظاهرا على ثلثي الدولة، ومنطقة إدلب شمال غرب سوريا هي جيب للثوار برعاية تركيا، وعلى طول الحدود السورية التركية توجد مناطق تحت سيطرة تركية، في حين تخضع معظم المناطق في الشمال الشرقي من الدولة والتي تضم معظم المقدرات الطبيعية لسيطرة كردية برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، أما في وسط وشرق سوريا فتعمل خلايا لداعش”.
وذكر المركز في تقديره الذي يأتي ضمن نشرة استراتيجية يصدرها بشكل شبه دوري تحت عنوان “نظرة عليا”، أن “السيطرة على الحدود السورية تشهد على سيادة منقوصة؛ أولا- جيش الأسد يسيطر على نحو 15 في المئة من الحدود البرية الدولية، وثانيا- حدود سوريا مع لبنان توجد تحت سيطرة حزب الله، وثالثا- حدود سوريا مع العراق توجد تحت سيطرة مليشيات شيعية”.
وعن الوضع الإنساني بسوريا، أشار إلى “فقدان نحو نصف مليون شخص لحياتهم، ونحو 12 مليون أصبحوا إما لاجئين أو نازحين، و90 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وتوجد الدولة على شفا أزمة مجاعة، والنقص في المواد الأساسية لا سيما يتعاظم، ويقدر بأن 11 مليون من السكان بحاجة إلى المساعدة”.
وعن البنى التحتية، أكد أن “أكثر من ثلث البنى التحتية في سوريا دمرت أو تضررت بشدة، حيث استخدم الأسد السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة كجزء من استراتيجية التدمير لتصفية المناطق التي سيطر عليها الثوار، وتقدر كلفة إعادة بناء سوريا بنحو 250- 350 مليار دولار، وفي هذه المرحلة لا توجد جهة قادرة أو معنية بتمويل إعادة البناء”.
المكانة الدولية
وبشأن المكانة الإقليمية والدولية، “يقاطع الغرب نظام الأسد، ويلوح بأن إدارة جو بايدن تواصل السياسة الأمريكية تجاه الأسد، باتخاذ عقوبات ضده وضد محيطه، وعدم الاعتراف به كزعيم شرعي أو بنتائج الانتخابات للرئاسة التي ستجرى في نيسان.
وذكرت الدراسة أن “للأسد عددا قليلا من الأصدقاء في المنطقة، رغم أن بعض الدول طبعت علاقاتها معه، مثل عُمان والبحرين والإمارات ومصر والأردن، وسلموا ببقاء الأسد، ومع ذلك فقد بقيت سوريا خارج الجامعة العربية، أما روسيا، فلا تنجح في تحقيق تسوية سياسية، وهي ترى أن الثمن السياسي لإنهاء حكم الأسد جسيم، هذا تحاول تسويقه كنظام شرعي في أوساط الأسرة الدولية”.
ونوهت إلى أنه “منذ التدخل الروسي في الحرب السورية عام 2015، سلمت إسرائيل باستمرار حكم نظام الأسد، كتفضيل “الشيطان المعروف”، باستثناء جهد متواصل للتشويش على بناء “آلة الحرب” الإيرانية في سوريا، ولكن صورة الوضع الحالية تستوجب إعادة تقويم السياسة الإسرائيلية، لأن النهج الذي وجه سياسة عدم التدخل فقد مفعوله لعدة أسباب منها: أولا- أن الأسد هو الذي منح إيران الفرصة لتوسيع نفوذها في سوريا والتموضع في مستويات مختلفة في الدولة على مدى الزمن، وهكذا فإنه خلق لإسرائيل تحديا أمنيا على حدودها الشمالية، وعملت طهران على دعم الأسد عبر حزب الله وتجنيد عناصر شيعة وتدريبهم وتسلحيهم، وعمقت إيران نفوذها في الجيش السوري”.
ونبه المركز إلى أن “إيران تهيئ قواعد لقوة القدس من الحرس الثوري الإيراني في شمال سوريا، ما يسمح بانتشار سريع للقوات ووسائل إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة الهجومية نحو إسرائيل عند الطوارئ”، مؤكدا أن “الهجمات الجوية الإسرائيلية، لا تمنع التموضع والنفوذ الإيراني المتعاظم في سوريا، لكنها تشوش بعض الشيء المخططات الإيرانية لخلق جبهة هجوم ضد إسرائيل”.
وقدر أنه “طالما بقي الأسد في الحكم؛ فإن التحدي الأمني أمام إسرائيل سيتعاظم”.
ثانيا- أنه “لا يوجد توقع لحل سياسي للأزمة في سوريا طالما بقي الأسد في الحكم، وشرارات الاحتجاج تبدو منذ الآن حتى في أوساط الطائفة العلوية، التي لم يتجاوزها الجوع، ومن هنا فإن بقاء الأسد سيضمن لسنوات أخرى انعدام الاستقرار وسيعمق تلك الظروف التي أدت لنشوب الحرب منذ البداية”.
وأفاد بأن “إصرار الأسد على عدم اجراء إصلاحيات سلطوية أو أي تنازل سياسي، هو عائق في وجه كل محاولة تحقيق تسوية بوساطة الأمم المتحدة أو بقيادة روسيا، وما بالنا وواشنطن تمتنع عن المطالبة الصريحة بـ”تغيير النظام”، منوها إلى أن “بقاء الأسد في الحكم يضمن ألا يعود معظم اللاجئين لسوريا”.
وثالثا- أنه “بقدر ما يدور الحديث عن نظام الأسد، فإن حجة أنه يوجد “عنوان مسؤول” يمكن أن تتبع تجاهه قواعد لعب فقدت من قيمتها، والدليل أن الأسد لا يسيطر بشكل فاعل حتى في المناطق التي سيطر عليها عسكريا”.
بقاء الأسد وصمة عار
وأخيرا- أن “الاعتراف الدولي بزعيم ارتكب على مدى السنين جرائم حرب ولا يزال يواصل التنكيل بالسوريين، هو ليس أقل من وصمة عار أخلاقية على جبين من يسعون لقبوله في حضن المنظومة الإقليمية والدولية”.
وخلص المركز إلى أن “3 فرضيات إسرائيلية تبددت: الأولى، أن جهد الهجمات سيمنع التموضع الإيراني العسكري في سوريا؛ الثانية، أن روسيا ستبذل جهدا لدحر الفروع الإيرانية عن سوريا وتقليص نفوذ طهران في الدولة؛ والثالثة، أن من الأفضل وجود حكم مركزي، حتى تحت قيادة الأسد، في دولة موحدة، على كثرة العناوين”.
وأكد أنه “طالما بقي الأسد في الحكم، فلن يكون ممكنا دحر إيران وفروعها من سوريا، وبالتالي فإن على إسرائيل أن تشجع مبادرة واسعة لإزاحة الأسد عن الحكم مقابل المساهمة الدولية ومن دول الخليج لإعادة بناء سوريا”، مضيفا أنه “إلى أن تستقر سوريا من جديد، فإن على إسرائيل أن تأخذ مخاطر في المدى الزمني القصير كي تمنع إيران وفروعها من السيطرة على سوريا، من خلال زيادة دورها في ثلاثة مجالات استراتيجية حيوية”:
الأول: جنوب سوريا، “لمنع إيران من إقامة حدود احتكاك عال في هضبة الجولان، على إسرائيل أن تستغل ضعف نظام الأسد ومنافسة النفوذ بين إيران وروسيا، كفرصة لاتخاذ سياسة فاعلة في المجال؛ بضرب الفروع الإيرانية، بما في ذلك قوات حزب الله وبالتوازي تعزيز القوات المحلية، سواء السنية أم الدرزية، وإقامة علاقات مع السكان المحليين المعارضين للنظام، مع منح مساعدة إنسانية تساهم في خلق “جزر نفوذ إسرائيلية” وهكذا تشوش مخطط التموضع الإيراني في المنطقة”.
الثاني: بحسب المركز، في شمال شرق سوريا، “ومع التشديد على منطقة الحدود العراقية السورية، على إسرائيل أن تستعد لسيناريو إخلاء القوات الأمريكية، وإيران جاهزة للسيطرة على الفراغ الذي سينشأ لتثبيت الجسر البري من العراق إلى سوريا ولبنان”.
وأوصى المركز البحثي بأن “تطور إسرائيل قنوات تعاون، في الظل، مع القوات الكردية ومنحها مساعدة عسكرية واقتصادية، وإلى جانب ذلك بناء منصة لنشاط عملياتي متواصل في هذه المنطقة لمنع السيطرة الإيرانية على هذا الإقليم الاستراتيجي، الغني بمقدرات الطاقة والزراعة”.
وأما المجال الثالث: فيتعلق بحدود سوريا مع لبنان، وأفاد بأن “الرد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل اتسع الى الأراضي السورية والمنطقة المحيطة بالحدود السورية-اللبنانية، وهذه المنطقة التي توجد تحت سيطرة حزب الله تسمح للمنظمة بنقل الوسائل القتالية إلى لبنان، وإقامة صناعة تهريب حيوية لها بل ونشر وسائل قتالية، في يوم الأمر توجه ضد إسرائيل”.
ونبه إلى أن “سيطرة حزب الله على الحدود السائبة بين سوريا ولبنان، تعبر عن ضعف استراتيجي لإسرائيل، سمح بتعاظم المنظمة بعد حرب لبنان الثانية، وتشكل رافعة نفوذ سياسي عسكري اقتصادي واجتماعي لحزب الله في سوريا”، موصيا هنا بأن “تصعد إسرائيل نشاطها العملياتي في المنطقة في إطار الحرب ما بين الحروب، وإلى جانب ذلك، أن تشجع تدخلا دوليا لإغلاق الحدود بين سوريا ولبنان على أساس التقدير بأن هذه الخطوة حيوية لإعادة بناء لبنان وإضعاف الجهات المتطرفة في المنطقة كلها”.
————————–
خيبة في دمشق من رد أوروبا على رسالة المقداد
استهداف جديد لجنود تركيا بريف الحسكة… و«داعش» يخطف مدنيين في البادية
إبراهيم حميدي
أُصيبت دمشق بخيبة إزاء الرد الأوروبي على رسالة خطّية غير علنية بعث بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، إلى وزراء عدد من الدول الأوروبية، تضمنت المطالبة بـ«فتح حوار» مع دمشق و«الحيلولة دون اتخاذ أي مواقف جديدة ضمن إطار الاتحاد الأوروبي».
وحث المقداد في رسالته إلى عدد من وزراء الخارجية في عدد من الدول، بينها النمسا ورومانيا وإيطاليا واليونان وهنغاريا، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، على الإفادة من «دروس السنوات القاسية» للعمل على «عدم السماح مستقبلاً باستمرار السياسات الخاطئة التي يتبناها بعض الحكومات المعروفة».
من جهته، كتب منسق الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل: «إذا ما اتخذت الحكومة السورية الخطوات السليمة في الاتجاه الصحيح، سنستجيب جميعاً لذلك. وحتى بلوغ هذه اللحظة، سنواصل ممارسة الضغوط على الصُّعد كافة. لن نتوقف عن فرض العقوبات الاقتصادية، ولن يكون هناك تطبيع من أي مستوى، ولن ندعم جهود إعادة الإعمار أبداً».
على صعيد آخر، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بـ«انفجار لغمين بمجموعة من القوات التركية في ريف الحسكة أدّيا إلى مقتل 4 أتراك وإصابة 7 بجروح». كما أشار «المرصد» إلى أن تنظيم «داعش» خطف 19 شخصاً غالبيتهم من المدنيين في البادية السورية.
———————–
تلفزيون سوريا يكشف ارتكابات سرية ومثيرة للأسد في مناطق قسد | لم الشمل
——————–
هل بدأ العد العكسي بين موسكو وطهران في سورية؟/ سعد كيوان
قد لا تبدو عشرة أعوام من عمر ثورة الشعب السوري التواق إلى الحرية شيئاً، أو غير كافية، مقارنة بما عاناه نحو خمسين سنة من قهر واستبداد وظلم نظام أثبت، يوماً بعد يوم، أنه السباق في ممارسة أبشع أنواع القمع والإجرام ووسائل القتل ضد شعبه، من استعمال السلاح الكيميائي إلى القصف بالبراميل المتفجرة وبمدافع الدبابات. فضلاً عن تشريد مئات ألوف لا بل ملايين السوريين، بالإضافة إلى الأسرى في سجون تدمر وصيدنايا وغيرهما، أين منها معسكر غوانتانمو، وصولاً إلى المجازر والمقابر الجماعية… إنها جرائم ضد الإنسانية حوّلت شعباً إلى حقل تجارب واختبار للتفنن في أساليب التعذيب والفظاعة في القمع والسحق التي يجيدها نظام الملالي في إيران، ولقّنها جيداً لربيبه بشار الأسد، ولنا في “أرشيف صور قيصر” (أكثر من خمسين ألفاً) خير دليل على ذلك! نظام أب وابن وحزب هو آلة استبداد جهنمية تمكّنت من تدجين (وتطويع) فئات وشرائح من المجتمع السوري التي لم يتح لها نظام الحزب الواحد والحاكم المستبد الأوحد مجرد التعرف على معنى الحرية، لأنها نشأت وتربت على “النظام المرصوص وتمجيد القائد والحزب” كل صباح في المدارس والجامعات والحضانات والفرق الرياضية والكشفية، وفي المؤسسات والدوائر الرسمية والحكومية، ما يتشارك في هذا كله مع كل أنظمة الحكم القومية العربية الاستبدادية. لذلك، بات يعضها يفكّر بطريقة النظام ويتصرّف مثله. وهي اليوم، ومن موقعها المعارض، تقاتله، وتريد أن تسقطه مستعملة النهج نفسه والأساليب نفسها. ولا عجب إن تحولت بعض شرائحها إلى أرض خصبة للحركات الاستئصالية، أمثال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأخواته، وفي خدمة النظام نفسه. وربما شعار “ليسقط النظام ولتسقط المعارضة” الذي رفع في لحظة ما في بلدة كفرنبل، الواقعة على طريق حلب – اللاذقية، وعرفت بـ”أيقونة الثورة”، يعبر أصدق تعبير عن مأساة الشعب السوري.
للمعارضة السورية ما لها وما عليها، من إخفاقات وتشتت وشرذمة وارتهان للخارج، بعد أن فرض عليها بشار الأسد العسكرة، فقد رفعت الحركات والتنظيمات السياسية والمسلحة شعار إسقاط النظام بدون أفق ولا استراتيجية واضحة، ولا خطة عمل مشتركة، ولا إطار سياسي تمثيلي موحد وجامع، فيما انتهى بعضها إلى برامج وتوجهات إسلامية أصولية تسعى إلى استبدال قمع النظام واستبداده باستبداد أشد وطأة وأكثر همجية وظلامية، تمارسه اليوم في المناطق التي تسيطر عليها، والتي يغذّيها ممولوها ورعاتها الإقليميون.
غير أن النظام، وبفضل ثورة السوريين الأحرار، بات اليوم مجرد دمية في يد رعاته الخارجيين، وتحديداً روسيا التي خاضت غمار أول وأعقد تدخل عسكري في الخارج منذ تدخل الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان سنة 1979، لإنقاذ النظام الأفغاني الصديق وبسط نفوذه في آسيا. تماماً كما يحاول أن يفعل اليوم الرئيس فلاديمير بوتين من أجل استعادة موطئ قدم روسيا في الشرق الأوسط، بعد أن تم إخراجها من ليبيا عام 2011 على إثر ثورة الليبيين على نظام معمر القذافي. ولكن موسكو تدخّلت لإنقاذ نظام الأسد المنهار في سبتمبر/ أيلول عام 2015، بعد أن كان قد سبقها الى ذلك نظام إيران الذي دفع مليشياته متعدّدة الأجناس والأعراق، تتقدّمها مليشيا حزب الله اللبناني، ثم تركيا وإسرائيل الحاضرة دائماً، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، التي تحافظ على وجود عسكري لها في شمال شرق سورية لمراقبة المعبر الاستراتيجي الذي تحاول إيران أن تشقه وترسّخه من طهران إلى بيروت عبر الحدود العراقية – السورية. ومع ذلك، سلمت واشنطن لموسكو بدورها ونفوذها وتموضعها الاستراتيجي في سورية، غير أن بوتين لا يريد أن يغرق في أوحال سورية كما غرق ليونيد بريجنيف في أوحال أفغانستان. ولكن سورية اليوم هي مجموعة دويلات سورية تتقاسمها خمسة جيوش، إيران وتركيا وإسرائيل (لها السيادة في الجو) وأميركا وروسيا، موزعة التمركز والنفوذ، على الرغم من أن القرار الفصل يبقى لروسيا، إلا أن هذا لا يمكن أن يُرضي بوتين الذي يتحمل العبء الأكبر، والذي أدرك جيداً بعد أكثر من خمس سنوات على تدخله العسكري باهظ الثمن بشرياً وعسكرياً ومالياً وأمنياً أن الإمساك بسورية، بوصفها مفتاحاً جيوستراتيجياً في المنطقة، لا يمكن أن يتم إذا لم تقم سلطة ذات مصداقية في دمشق، تطلق ورشة الإعمار الباهظة، وتمهد لعودة ملايين النازحين السوريين إلى ديارهم كما ينص عليه قرار مجلس الأمن 2254. ولا يمكن أن يضطلع بهذه الورشة سوى أميركا والدول الأوروبية ودول الخليج، وشرط هذه الدول هو أقله خروج إيران ومليشياتها من سورية. وهذا هو عنوان المرحلة المقبلة من الصراع وحسابات النفوذ في سورية وعليها، وعلى الصعيد الإقليمي. وقد توصلت موسكو إلى هذا الاستنتاج بعد محاولات دؤوبة خلال السنوات الماضية، للالتفاف على هذا الواقع، عبر إيجاد إطارات بديلة من نوع مؤتمرات أستانة ثم سوتشي، وبدائل أخرى على الأرض لم يكتب لها النجاح، فهي تسيطر ولا تسيطر، لا في الشمال ولا في الجنوب. وحتى في دمشق، اضطرت إلى الضغط على الأسد وحصر نفوذه عملياً في محيط دمشق، واختراق الجيش والأجهزة، ثم إنشاء فرقة خاصة، هي الفرقة الخامسة التي تخضع كلياً لأوامر الضباط الروس من أجل وضع حد للنفوذ الإيراني، المتغلغل ليس فقط عسكرياً، وإنما يعمل على اختراق النسيج الاجتماعي، بالإضافة إلى سعيه الحثيث إلى نشر التشيع بين شرائح معينة بغرض تقويض الأرض من تحت أقدام روسيا.
وأمام موسكو اليوم خريطة تقاسم مناطق نفوذ جغرافي وسياسي على امتداد العمق السوري، تريد أن تُحكم إمساكها بها. وهي تعتبر أن حصة النظام هي عملياً من حصتها، لأن الأسد لولاها لكان اليوم في خبر كان، وتريد بالتالي أن ترسمل ما تدفعه منذ أكثر من خمس سنوات. أما إيران ومليشياتها فهي موجودة في معظم مناطق النظام، في الجنوب والشرق والوسط، إلا أنها لم تفلح في وقف اندفاعة فصائل المعارضة إلى داخل دمشق، فأرسلت جنرالها قاسم سليماني، الذي اغتاله دونالد ترامب، في بداية عام 2020، إلى موسكو طالباً تدخل بوتين لإنقاذ الأسد. ثم تركيا التي تسيطر على الشمال الغربي، وتسعى إلى التمدد في إدلب، إما عسكرياً أو بالتحايل على روسيا ومحاولة ابتزازها عبر استمالة بعض فصائل الشمال وتسليحها. فيما اختارت أميركا التمركز في أهم منطقة في الشمال الشرق الغني بالنفط، وتقوم بدعم وتسليح قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وربما تعترف بالشمال كياناً خاصاً للأكراد. ومن موقعها، تراقب إيران ومليشياتها عبر الحدود العراقية – السورية، ومن قاعدة التنف العسكرية في الجنوب الشرقي.
من هذا المنطلق، كانت الجولة التي قام بها أخيراً وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى دول الخليج، والتي سمع منها بشكل واضح أن لا إمكانية لتعويم النظام، ولا مشاركة في تمويل إعادة الإعمار والاستقرار إذا لم تخرج إيران ومليشياتها من سورية، كما أن إسرائيل لن تسمح بوجود عسكري لإيران في سورية، وإقامة قواعد أو الاقتراب من هضبة الجولان، تماماً كما هو موقف الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي. وكان أول الغيث، فور عودة لافروف، أن وجّه دعوة إلى وفد من حزب الله لزيارة موسكو، جاءت بمثابة استدعاء، إذ كان الاستقبال بارداً جداً، ولم يدم اللقاء معه أكثر من عشرين دقيقة، أبلغهم خلاله أن على حزب الله أن ينسحب من سورية في أقرب وقت. وقد انعكست هذه الخطوة بشكل فوري على الداخل اللبناني، إذ قلب حزب الله الذي كان داعماً لخيار سعد الحريري على رأس حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين الطاولة، وضغط باتجاه العودة إلى حكومة سياسيين، مهدّداً باللجوء إلى “خطوات غير قانونية وغير دستورية” كما جاء على لسان أمينه العام حسن نصر الله. توجّس حزب الله من التوجه الروسي يدفعه إلى التحصن في الداخل، وإحكام قبضته على أي حكومة جديدة ستشكل في لبنان.
هل ستشهد المرحلة المقبلة في سورية ضغطاً إضافياً على إيران وأذرعها؟ أكثر من مؤشّر يدل على أن طهران غير مرتاحة للتحرّك الروسي، وقد اختارت، على ما يبدو، التصعيد في اليمن والعراق ولبنان، بانتظار أن تتبلور نيات إدارة جو بايدن، الذي يبدو هو الآخر حائراً بين التصعيد والعودة إلى الاتفاق النووي. ولكن المؤكد أن سورية أصبحت عبئاً حتى على محتليها!
العربي الجديد
———————–
موسكو:الاسد يوقف تعاونه مع منظمة الكيماوي..إذا حرم من “إمتيازاته“
قال نائب مندوب روسيا في مجلس الأمن دميتري بوليانسكي إن النظام السوري قد يوقف تعاونه مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إذا ما تمّ قبول اقتراح من الدول الغربية للحد من حقوق سوريا في المنظمة.
وقال بوليانسكي: “إنني أحثكم على التفكير، إذا حرمتم سوريا من حق المشاركة في صنع القرار في المنظمة، فما الهدف من استمرار دمشق في التفاعل معها أصلا؟”. وأضاف أنه “إذا كان أعداء سوريا هم أيضاً معارضون للتدمير الحقيقي للأسلحة الكيماوية في جميع أنحاء أراضيها، وحققوا ما يريدون، فسنواجه جميعا أوقاتاً صعبة للغاية”.
وتابع بوليانسكي أنه من المرجح أنه “قبل ختام المسرحية الكبيرة” في وقت لاحق من نيسان/أبريل، فإن فريق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية “سيقدم مفاجأة أخرى” ويعرض تقريراً “عن تحقيق زائف آخر مع اتهامات ضد السلطات السورية في استنتاجاته”.
وساد خلاف بين روسيا من جانب والولايات المتحدة وحلفائها من جانب آخر ليل الثلاثاء، حول تصويت يجري في وقت لاحق من نيسان، قد يجرّد سوريا من حقوق التصويت في المنظمة الدولية لمراقبة الأسلحة الكيماوية.
وتتهم موسكو الغرب بمحاولة “تشويه صورة دمشق”، فيما تطالب الولايات المتحدة برسالة قوية إلى الحكومة السورية أن استخدام الأسلحة الكيماوية له عواقب.
جاءت الخلافات في الاجتماع الشهري لمجلس الأمن الدولي بشأن الأسلحة الكيماوية في سوريا. وقالت مفوضة الأمم المتحدة المعنية بنزع السلاح الكيماوي إيزومي ناكاميتسو إن إعلان دمشق عن مخزوناتها الكيماوية ومواقع إنتاج الأسلحة الكيماوية قبل ما يقرب من ثماني سنوات لا يزال غير مكتمل، مع وجود 19 مسألة معلقة.
ومن بين تلك المواقع، منشأة لإنتاج الأسلحة الكيماوية أعلنت الحكومة السورية أنها لم تُستخدم مطلقاً في مثل هذا الإنتاج، لكن خبراء من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية عثروا على مؤشرات على أن غاز الأعصاب قد تمّ إنتاجه أو تحميله في أسلحة.
كما ذكرت ناكاميتسو أن الزيارات الميدانية التي قام بها خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في أيلول/سبتمبر 2020، وجدت بعض المواد الكيماوية “غير المتوقعة” في العينات. وقالت إن سوريا أرسلت مذكرة تحتوي على “مزيد من التوضيح” يجري تحليلها.
وفي نيسان/أبريل 2020، ألقى محققو منظمة حظر الأسلحة الكيماوية باللوم في ثلاث هجمات كيماوية وقعت في 2017، على حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. ورد المجلس التنفيذي للمنظمة بمطالبة سوريا بتقديم التفاصيل. وعندما لم تفعل ذلك، قدمت فرنسا مسودة نيابة عن 46 دولة في تشرين الثاني/نوفمبر، لتعليق “الحقوق والامتيازات” السورية في المنظمة.
وسيتم النظر في الأمر في اجتماع الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الذي يبدأ في 20 نسيان/أبريل، في مقر المنظمة في لاهاي، هولندا.
———————-
===================
=======================
تحديث 09 نيسان 2021
———————
كلفة التخلص من الأسد/ بكر صدقي
تقاطعت خطوط عدة، في الآونة الأخيرة، ساهمت في إشاعة أوهام لدى سوريين معارضين لنظام الأسد الكيمياوي بشأن اقتراب لحظة التخلص منه. من ذلك أن «المجتمع الدولي» بدوله ومنظماته المختلفة، أصدر، بالتزامن مع انقضاء عشر سنوات على بداية الثورة السورية، بيانات وتصريحات يمكن اعتبارها متشددة تجاه النظام، رفض فيها الاعتراف بشرعيته أو شرعية الانتخابات الرئاسية التي يستعد لإجرائها «بمن حضر» من السوريين، بعد استبعاد نصف السكان بين لاجئين ونازحين ومعتقلين، وبعد تجويع وتركيع النصف المتبقي «في حوزته». ورفضت تلك الدول والمنظمات أي مساهمة في إعادة الإعمار قبل الشروع في الحل السياسي وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
… ومنها الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الخانقة التي تعاني منها مناطق سيطرة النظام، إضافة إلى مفاعيل انتشار وباء كورونا في ظل غياب أي موارد لمواجهته. ومنها تحركات دبلوماسية بدا وكأنها تشي بجديد بعد انسداد أفق الحل السياسي على الطريقة الروسية، كجولة لافروف الخليجية وإطلاق «آلية ثلاثية» جديدة للتعامل مع المسار السياسي، حلت بموجبها قطر محل إيران في آلية آستانة. وبموازاة ذلك تطايرت في الفضاء الافتراضي سيناريوهات ومشاريع سياسية أبرزها «المجلس العسكري».
… ومنها بداية اهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة بالمشكلة السورية، سواء في مجلس الأمن أو من خلال بعض تصريحات المسؤولين الأمريكيين.
بالنسبة للنقطة الأخيرة اتضح أن إدارة جو بايدن لا جديد لديها بشأن سوريا غير مواصلة فرض العقوبات على النظام وتشديدها باطراد، كآلية وحيدة للضغط عليه «بهدف دفعه إلى السير قدماً في العملية السياسية» أو لفتح المعابر للمساعدات الدولية المخصصة للنازحين، ومن جهة أخرى مواصلة دعم «قوات سوريا الديمقراطية» في منطقة نفوذها شرقي نهر الفرات. بالمقابل، كان الناطق باسم الخارجية الأمريكية واضحاً في قوله: «ليس لدى الولايات المتحدة أي نوايا لهندسة تغيير نظام الأسد» في استئناف للسياسة الأمريكية تجاه سوريا في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، بل بسقف أكثر انخفاضاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كلاً من وزارة الدفاع والمخابرات المركزية في عهد أوباما الأول كانت لهما أنشطة تدخلية في الصراع العسكري، لفترة محدودة، سرعان ما توقفت حتى قبل تلزيم الصراع السوري لروسيا بدءًا من خريف العام 2015.
أما النشاط الظاهر لشخصيات معارضة، في الآونة الأخيرة، وإطلاقها مشاريع وأوهام بقرب نهاية النظام، فتلتقي فيه طموحات شخصية لدى معارضين يريدون لعب دور سياسي، ودول إقليمية تتنافس على مناطق وميادين نفوذ جديدة لتثبت أهميتها وقوتها في المعادلات الإقليمية والدولية. ينطبق الأمر ذاته على الفصائل العسكرية المعارضة أيضاً، ويمكن قراءة الفيلم الوثائقي الذي صوره صحافي أمريكي مع أبي محمد الجولاني، وتسربت بعض عناوينه إلى وسائل الإعلام، في الإطار نفسه، حيث يسعى الجولاني إلى تسويق منظمته لدى الرأي العام الغربي.
سأقترح هنا قراءة أخرى، متشائمة، للتطورات المذكورة، وأتمنى أن أكون مخطئاً فيها.
حين تظهر الولايات المتحدة والدول الأوروبية «تشدداً» بلاغياً في وجه النظام الكيماوي، وتربط بين رفع العقوبات والمساهمة في إعادة الإعمار، بإحراز تقدم في تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، فهي تعرف أن النظام لن يرضخ لذلك. ولمَ يرضخ ما دامت سلطته غير مهددة بصورة جدية، حتى لو كانت هذه على جزء من الأراضي السورية فقط، وملايين السوريين الواقعين تحت قبضته، المهددين بالجوع، لن يشكلوا خطراً عليه. فهو مستعد للتعايش مع الاحتلالات الأجنبية، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتفكك المجتمع، سنوات وسنوات.
بهذا التمسك بالسلطة، مهما كان الثمن، يخدم النظام الكيماوي أيضاً دول الغرب، فيقدم لها الذريعة المناسبة للتنصل من واجباتها. كيف ذلك؟
لنفترض جدلاً أن النظام رضخ للضغوط فوافق على تنفيذ متطلبات الحل السياسي وفقاً لقرارات مجلس الأمن، أو اختصر رأس النظام الأمر على نفسه وتنحى بقرار ذاتي وخرج من سوريا. فما الذي سيحدث في اليوم التالي؟
سيكون على مجلس الأمن أن يتولى أمر إعادة الاستقرار إلى سوريا ما بعد الأسد، وهو ما يتطلب إطلاق ورشة عمل هائلة ومتعددة الوظائف، بموارد فلكية، لإرساء أسس نظام جديد قابل للحياة، وإنهاء الاحتلالات الأجنبية، ونزع سلاح التشكيلات المسلحة لدى جميع الأطراف، وإعادة بناء جيش وقوى أمنية من الصفر، وفرض النظام العام، والبدء بإعادة الإعمار تمهيداً لعودة ملايين المهجرين واللاجئين والنازحين، والمساعدة على إعادة تدوير الاقتصاد بما في ذلك إيجاد ملايين الوظائف.
ما لم يحدث ذلك فالصراعات المسلحة يحتمل جداً أن تستمر بين مختلف المناطق بعد رحيل رأس النظام وحاشيته المقربة، ولن يكون باستطاعة «هيئة الحكم الانتقالية» المذكورة في قرار مجلس الأمن أن تضبط النظام العام بدون أدوات أمنية وعسكرية يتطلب إعادة بنائها الكثير من الموارد البشرية والمادية، ناهيكم عن إعادة عجلة الاقتصاد والتجارة والخدمات العامة للدوران.
لقد رأينا في مؤتمر المانحين الأخير غياب الحماسة لدى الدول المشاركة لتقديم مساعدات إنسانية، فكان المؤتمر نوعاً من بروفا مصغرة لما يمكن أن يقدمه المجتمع الدولي لسوريا، على فرض انتهاء الحقبة الأسدية وبداية سوريا جديدة. قد يكون السيناريو الأكثر واقعية هو أن يتم تعزيز القوات الروسية في سوريا بحيث يصبح بإمكانها ضبط الأمن بوصف روسيا الدولة الوصية أو «المنتدبة» على تركة النظام الأسدي. ولكن ليس لدى المحتل الروسي ما يقدمه في المجالات الأخرى. وهذا ما يعيدنا إلى المربع الأول، أي حاجة المحتل الروسي إلى أموال أوروبية وأمريكية وخليجية، سواء لتمويل إعادة الإعمار أو لدفع كلفة الاحتلال نفسه. ولا مصلحة للدول المذكورة في إغداق الأموال على روسيا بلا مقابل، وتسليمها الدولة السورية فوق ذلك، في الوقت الذي تقول مؤشرات عدة أن حرباً باردة جديدة على وشك أن تبدأ بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.
يكثر السوريون المعارضون من تذكير المجتمع الدولي بالكلفة الهائلة لبقاء الأسد، لكن المجتمع الدولي يفكر بالكلفة الهائلة للتخلص منه.
كاتب سوري
القدس العربي
————————
البحث في مصير الأسد.. “سوريا” مؤجلة/ منير الربيع
تضارب في المواقف نقل عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. نقل عن الرجل قوله، إنه لا يمكن إجراء انتخابات رئاسية في سوريا من دون التوصل إلى دستور جديد. سريعاً تم تصحيح الموقف، ونسبه إلى خطأ في الترجمة، ليأتي التوضيح بأن ما قصده وزير الخارجية الروسي هو أن لا إلزام قانوني بالاتفاق على الصيغة الدستورية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية.
الإصرار على هذا الموقف يعني أن موسكو لا تزال عند موقفها الثابت وهو عدم مناقشة رحيل بشار الأسد عن السلطة، وتأكيد على أن الانتخابات ستجري في موعدها. تعلم موسكو علم اليقين أن هذه الانتخابات لن تكون إلا عنواناً انقساميا جديداً، لن يحظى بإجماع داخلي ولا دولي. بل إطالة أمد الاستنزاف والخراب السوري، بانتظار لحظة البازار الكبير.
يلقى الموقف الروسي دعماً إسرائيلياً، وفي بعض الأوساط الغربية والأميركية، فهؤلاء قد استسلموا لفكرة إيجاد بديل لبشار الأسد، ولا ويريدون الخوض في عناء البحث عن حلول سياسية طالما أن الاستعصاء السوري يؤدي النتائج المطلوبة، وطالما أن المصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية مؤمنة، من خلال حماية الجبهة الجنوبية، وبما أن الصراع على المعابر والممرات والمرافئ مستمر، في مثل هذا الصراع، لا تحتاج الدول إلى سلطة حديثة قادرة على لملمة أشلاء وطن تدثر. وحتى لو وصلت أي سلطة جديدة ولو كان قوامها بين المعارضة والنظام ومن مشارب مختلفة إما أنها لن تكون مؤهلة على لجم التدهور وضبط الساحة وشوائبها، أو أنها ستكون ذات توجهات متعِبة فتنتج أزمات متعددة بدلاً من أزمة واحدة، أزمة، يتم التعامل معها حالياً من خلال توسيع نطاق النفوذ على الجغرافيا السورية بين جهات متعددة، كل واحدة منها قادرة على ضبط الحيّز الجغرافي لمنطقة نفوذها.
صحة هذا الكلام تتأكد من تصريح للخارجية الأميركية حول أن واشنطن لا تسعى لهندسة تؤدي إلى تغيير النظام، ولكنها تؤكد وجوب محاسبته على ما ارتكبته بحق الشعب السوري وتحميله المسؤولية الكاملة. إنه موقف ليس فيه وضوح يشتهيه السوريون الطامحون إلى تغيير النظام وإلى موقف دولي يغيّر المعادلة برمتها. لكنه أيضاً بنفس الوقت لا يشفي غليل موسكو ولا طهران ولا نظام بشار الأسد الذي لن يتمكن من التهرب من مسؤوليته أو محاسبته. لكنه تصريح يطيل أمد الأزمة، ويبقي سوريا مفتوحة على صراعات مديدة، وسط نقاش عقيم حول اللجنة الدستورية التي لم تنتج ولن تنتج بناء على قرار واضح من قبل النظام.
يشبه كلام الخارجية الأميركية، مواقف أميركية سابقة صدرت أيام إدارة باراك أوباما عن أنه لا مستقبل لبشار الأسد في سوريا، هذا أمر ثابت، ولكن السؤال هو متى يحين موعد هذا المستقبل؟
هنا المسألة تبدو في غاية التعقيد، والأزمة مفتوحة على زمن غير محدد بعد، إلّا أن الأكيد هو استحالة إعادة تعويم بشار الأسد. وما نقل عن لسان لافروف ولو كان خاطئاً فهو لا يعني أنه لم يكن فكرة متداولة وبقوة في مرحلة سابقة، وهي التي ستكون المخرج الأساسي من الأزمة عندما يحين وقت الخروج منها. ما نقل عن لسان لافروف هو عبارة عن فكرة جرت مناقشتها دولياً على مراحل، وصلت إلى حدّ التفكير بتأجيل الانتخابات الرئاسية السورية لسنة ريثما يتم وضع اتفاق دولي شامل وواضح المعالم، بذلك يكون الأسد قد كسب سنة إضافية في الحكم وبعدها يتم الاتفاق على صيغة بديلة من مجلس حكم انتقالي أو حكومة انتقالية.
رفضت روسيا هذه الفكرة، وطرحت فكرة مضادة، وهي توفير انتخاب بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة، أي 7 سنوات، وبعد الانتخابات بسنة يبدأ العمل على بلورة اتفاق سياسي ودستوري برعاية دولية، يسحب صلاحيات رئيس النظام ويبقيه صورياً لتنتقل الصلاحيات إلى حكومة انتقالية تضم شخصيات موالية ومعارضة متوزعة على جماعات المعارضة المتعددة والمتنوعة. لم يتم التوصل إلى اتفاق حول أي من الفكرتين، لكن الفكرة هي الصيغة التي سيكون وفقها المخرج متاحاً فيما بعد. بينما السؤال الأساسي يبقى حول قدرة موسكو على الاستمرار في حالة الاستنزاف وما يمكن لها أن تحققه من تنازلات غربية. مقابل تقديمها لتنازلات في المقابل.
العقدة الأساسية في هذا المسار هي إيران، إطالة أمد الأسد يعني توسيع هامش الفوضى في سوريا، وهو أكثر ما تنجح طهران باستثماره، بينما تسعى موسكو مع طهران ومع حزب الله لإعادة رسم قواعد جغرافية لمناطق ومواقع نفوذهم في سوريا، وذلك في محاولة لتجنب مزيد من الضربات الإسرائيلية والتصعيد الأميركي، والموقف الخليجي المتشدد من وجود إيران وحلفائها على الأراضي السورية. هنا تؤكد المعلومات أن روسيا قدمت طرحاً مكتوباً للطرفين أي لإيران وحزب الله حول ضرورة إجراء عملية إعادة تموضع، مقابل إعطاء ضمانات حول حفظ مصالح طهران في سوريا، لم يأت الجواب الإيراني بعد، ولكن على أساسه ستحاول موسكو تقديم برنامج عمل أو مبادرة جديدة بعد الانتخابات السورية وإعادة انتخاب الأسد، من شأن هذا البرنامج أن يمثل خطة عمل مشتركة مع المجتمعين العربي والدولي للمرحلة المقبلة.
————————–
النظام يحاول اختراق الاتحاد الأوروبي..عبر دوله غير المؤثرة/ مصطفى محمد
لا يوجد أمام النظام السوري الذي فشل حتى الآن في تغيير موقف الاتحاد الأوروبي الموّحد الرافض للتطبيع معه قبل تقدم المسار السياسي، غير استثمار علاقاته السابقة ببعض الدول الأوروبية، معولاً على عدم وجود سياسة موحدة للدول الأعضاء، لدفع الاتحاد لإجراء مراجعة بموقفه من الملف السوري.
إذ كشفت الأيام الأخيرة، عن مقاربة جديدة يتبعها النظام السوري، لاختراق الموقف الأوروبي، من خلال الطلب من بعض الدول الأوروبية بينها النمسا ورومانيا وإيطاليا واليونان، فتح حوار معه، لتجنب اتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية ضده.
جاء ذلك في رسالة خطية أرسلها المقداد في منتصف آذار/مارس 2021، قبيل انعقاد مؤتمر بروكسل، إلى وزراء خارجية تلك الدول، دعاهم فيها إلى “منع اتخاذ أي مواقف جديدة ضمن إطار الاتحاد الأوروبي، لأنها تشكل عائقاً أمام الحوار المنشود، والعودة الطوعية والآمنة للاجئين، في ظل الاحترام الكامل للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنساني الدولي”، بحسب ما جاء في نص الرسالة.
وقال مصدر خاص على صلة بالحكومة الرومانية، ل”المدن”، إنه سبقت هذه الرسالة، تحركات دبلوماسية من جانب النظام في عدد من الدول الأوروبية، أثمرت عن توقيع اتفاقيات بروتوكولية في شأن التعليم والصحة والتجارة، مع النمسا وهنغاريا، والتعليم والصحة مع رومانيا.
وقلّل المصدر من تأثير هذه الاتفاقيات، لأنها جاءت خارج نطاق أو موافقة الاتحاد الأوروبي، وقال: “لا زال الاتحاد الأوروبي مثابراً على موقفه من التطبيع والحوار مع نظام الأسد”، ويأتي رفض الاتحاد الأوروبي لدعوة المقداد، وإن كان بطريقة غير مباشرة، ليؤكد ثبات الموقف الأوروبي الموحد، وفق المصدر ذاته.
ويرى المحلل السياسي والخبير بالسياسات الأوروبية أسامة بشير أن الاتحاد الأوروبي لا يزال متشدداً في موقفه من النظام، بحيث يرفض الاتحاد الحوار مع النظام، من باب إعادة اللاجئين السوريين، أو من أبواب أخرى.
ورداً على سؤال عن سبب اختيار المقداد لدول محددة، يقول بشير ل”المدن”، إن “النظام اختار الدول التي لم تقطع علاقاتها معه بشكل كامل، أو التي لها مواقف ليّنة منه، ليقول إن هناك دولاً أوروبية لا زالت تعقد الاتفاقيات معه”، ويضيف “حتى لو فتحت هذه الدول حواراً مع النظام، فذلك لا يعني شيئاً، لأنها دول ضعيفة القرار في الاتحاد الأوروبي”.
وفي السياق ذاته، يقول عضو البرلمان الألماني السابق جمال قارصلي ل”المدن”، إن تحركات النظام الدبلوماسية نحو دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، لا تشكل ثقلاً سياسياً، “هي بالون اختبار لاكتشاف مواقف الدول الأوروبية المؤثرة، من الملف السوري”.
ويرى قارصلي أن النظام يحاول معرفة مدى تأثر سياسات أوروبا في المنطقة، بعد تسلم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لقرار البيت الأبيض، الإدارة التي تتعاطى بشكل جديد مع العديد من ملفات الشرق الأوسط. وليس مستحيلاً من وجهة نظر قارصلي، أن ينجح النظام في اختراق مواقف عدد من الدول الأعضاء، مشيراً إلى عدم وجود بنية صلبة للسياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي يضم 28 دولة.
لكن ذلك، لا يعني أن هناك تغيراً في الموقف الأوروبي الموحد تجاه النظام السوري، بحيث لا زالت هناك محددات واضحة وشروط يجب على النظام الالتزام بها، وفي مقدمتها تقديم تنازلات للحل السياسي، كما يؤكد قارصلي، ويضيف: “لا يستطيع أي طرف باستثناء روسيا، تحمل عبء النظام وخصوصاً من الناحية الأخلاقية”.
ولم يستغرب قارصلي أن لا يأتي أي رد على رسالة المقداد حتى من الدول الأوروبية التي تربطها علاقات معه، مثل رومانيا وهنغاريا، لأن جرائم النظام والأدلة الموثقة بحوزة الدول على ارتكابه إياها، تجعل التطبيع معه بمثابة المجازفة الأخلاقية.
وفي منتصف آذار/مارس، أعرب أعضاء في البرلمان الأوروبي عن قلقهم إزاء استمرار المأزق السياسي في سوريا، وعدم إحراز تقدم في إيجاد حل سياسي، معتبرين أن الانتخابات الرئاسية التي يخطط النظام لها “تفتقر للمصداقية في نظر المجتمع الدولي”.
العربي الجديد
————————
عن عدائية النظام وتعطّل الحل السياسي في سوريا/ هشام حميدان
في اللغة العربية نقول إن الإنسان وحده مَن يعيش، بينما باقي الكائنات فهي تحيا فقط. والتفريق بين مجرّد الحياة التي يشترك فيها الإنسان مع الحيوانات والنباتات، وبين أنماط العيش التي يختص بها الإنسان وتجعل منه كائناً سياسياً على سبيل المثال، يمكن أن يساعد على توصيف الحياة السياسية في سوريا، ويفتحنا على التساؤل حول ما إذا عاش السوريون حياة سياسية أثناء العهد الأسدي أم لا.
كان النظام قبل الثورة هو الذي يحدد قواعد اللعبة السياسية الداخلية، ويرسم سياسات الدولة الداخلية والخارجية، ويقرر مَن من الشعب يستطيع أن يدخل حقل السياسة، ولكن حصراً كلاعب ثانوي ليس لصوته أيّة قيمة، إذا قورن بأصوات الزمرة الحاكمة، مهما كانت مكانته.
أما بعد الثورة، فأخذت السلطة السياسية تفلت شيئاً فشيئاً من يد النظام وبدأت تظهر السياسات الإيرانية بوضوح أكثر، إلى أن وصلنا إلى مرحلة الاحتلال الروسي، الذي لا يتحكم بكل تفاصيل الحياة السياسية، لكنّه صار اللاعب الأبرز فيها.
السياسة حكر على النظام، بينما الشعب مستثنى أو محروم منها، أي أنه لم يعرف العيش السياسي، والحياة السياسية ازدادت تعقيداً مع كثرة اللاعبين بعد الثورة، ولكن عن أيّة سياسة نتكلم عندما نتكلم عن سياسة النظام؟ ما هو السياسي أو ما الذي يحدد ماهيته؟ وتحت أي صنف تندرج سياسات النظام؟
العدوّ والصديق
يشير “كارل شميت” إلى أن مفهوم “السياسي” غالباً ما ارتبط بمفهوم “الدولة”، على اعتبار أن “مفهوم الدولة يفترض مفهوم السياسي من ذات نفسه”، وإلى أنه “من النادر أن نصادف تعريفاً واضحاً للسياسي. فاللفظة تكاد لا تُستعمَل أبداً إلا بشكل سالب، في مقابل مفهومات أخرى شتى ضمن نقائض من قبيل السياسة والاقتصاد، السياسة والأخلاق، السياسة والقانون”.
إلا أن شميت ينبّه إلى هشاشة تعريف السياسي انطلاقاً من الدولة، أو الاعتماد على المعادلة التي اعتبرها غير دقيقة وبؤرة للأخطاء والتي تقول: “الدولة = سياسة”، لأن “الإحالة على الدولة لم يعد يمكنها أن توفّر ما به يُعرّف الطابعُ المميّز والمخصوص للسياسي”.
يتجاوز شميت الارتباط بين مفهوم الدولة والسياسة ليقترح تعريفاً آخر للسياسي، يقوم على التقابل بين الصديق والعدوّ. يقول في ذلك: “إنّ التمييز المخصوص للسياسي، الذي إليه يمكن أن تعود الأفعال والدوافع السياسية، إنّما هو التفريق بين الصديق والعدو. فإنه يوفّر مبدأ لتحديد الهوية له قيمة المقياس”.
يضيف شميت إلى ذلك ما معناه أن هذا التقابل بين الصديق والعدوّ الذي يحدد “ما هو السياسي”، هو تقابل مستقل، لا ينبغي خلطه أو إحالته أو استنتاجه من تقابلات أخرى، اقتصادية أو أخلاقية أو جمالية، فالصديق في السياسة ليس حتماً “مفيداً” على مستوى اقتصادي أو “جميلاً” على المستوى الجمالي أو “خيّراً” على المستوى الأخلاقي، والعدو بالمعنى السياسي ليس بالضرورة قبيحاً أو شريراً أو ضاراً.
سياسة النظام
في سياسة النظام السوري، يتوافق “ما هو سياسي” مع “ما هو اقتصادي وأخلاقي وجمالي”، بل يمكن أن يُستنتج منها أو يحال عليها، فالعدوّ السياسي عنده قبيح وشرير وضار، والصديق جميل وخيّر ومفيد. كذلك هي إيران، الصديق الخيّر الذي يقف عسكرياً معه ضد “الإرهاب”، والمفيد الذي يدعمه اقتصادياً، وهذا ينطبق على حزب الله أيضاً، الذارع الإيرانية الصديقة، والذي تجد صور أمينه العام في الشوارع والبيوت والسيارات. ولنا في روسيا خير مثال أيضاً، فهي المنقذ والسيف المسلول على الأطماع الغربية، البلد البعيد/ القريب والجميل، الذي يرأسه “أبو علي بوتين” حسب التوصيف الشعبي، حامي الأقليات الكاريزماتي.
أما الأعداء السياسيون، فهم المتآمرون الكونيّون على سوريا ومواقفها الممانعة، هم عين الشر والقبح والضرر، ولائحتهم تطول، تبدأ بمَن ثار من الشعب على النظام (الجراثيم التي ينبغي تطهير البلد منها) ولا تنتهي بأمريكا.
والحال أن العداء الشديد من جهة المعارضة العسكرية والسياسية يماثل سياسة النظام العدائية هذه، التي ترى في العدوّ السياسي ما تراه من قبح وشر وضرر، ولكن علينا أن نقول إن النظام لا يستحق ولم يترك مجالاً إلا لمعاملته بهذا الخلط بين السياسي والأخلاقي والجمالي والاقتصادي، ولا يقبل بعدوّ سياسي يشاركه السلطة، بل لا يقبل إلا بفنائه. الجميع يعلم أن النظام لا يقدّم تنازلات لأنه يرى أنها لا تجر إلا تنازلات، وتفلت زمام السلطة من يده، لذلك بقي على سياسة العداء نفسها، التي ما انفكّ يمارسها منذ بدء سيطرته على سوريا.
علينا أن نضيف أن شميت يشير إلى أن هذا التحديد لـ”ما هو سياسي” ليس مستوفياً أو جامعاً. ولا نستعين به هنا إلا لأنه يقدّم لنا منظوراً محدداً قد يساعد على فهم الانسداد السياسي الحاصل في الشأن السوري.
فكرة الحوار مع النظام لن تكون مرضية إلا بما يضمن محاسبة كل مسؤول عن القتل والدمار، والحق أن النظام لا يستحق إلا أن يندثر كل أثر خلّفه في النفوس والعقول والأجساد والأشياء، إلا أن الحوار الجدي، مهما كانت الشروط والتنازلات التي سيقدّمها النظام، سيبقى كأس سم مهما حاولنا تخفيف الأمر، ولكن يبدو أننا سنتجرعه رغم أنفنا في وقت ما، لأن سقوط النظام صار احتمالاً بعيداً ولم يعد مسألة مطروحة أو قريبة في السياسة الدولية ولأن النظام انتصر عسكرياً ويتخذ الشعب السوري كرهينة، ولا يخفى على أحد أن محاولات الحوار السابقة كانت محكومة بالفشل بالدرجة الأولى لأن النظام هو النظام.
لا نشير من وراء هذه الإضاءة على مفهوم “السياسي” إلى أن النظام كان أو سيكون “جميلاً” أو “مفيداً” أو “خيّراً”، بل نشير إلى العمل السياسي بما هو عمل يقبل فصل الجانب الأخلاقي والجمالي والاقتصادي عن السياسي أو يؤجله أو يغض النظر عنه، لكننا نشير أيضاً إلى أن النظام ما زال غير قابل للحوار، ولا يقبل إلا بسياسة عدائية من نوع مخصوص، تقوم على رفض جذري لـ”ما هو سياسي”، ولا يعرف إلا شيطنة الآخر، أي أن النظام عدوّ لـ”ما هو سياسي”، اللهم في الصيغة الأكثر انحطاطاً وعدائية.
ولا مبالغة في القول إن النظام هو المرض السوري المزمن، الذي أوصل الناس إلى البؤس المعيشي الحاصل الآن، وإنه عدوّ نفسه أيضاً، فهو منذ أول أمره يحمل أسباب تفككه وانحلاله.
في البلاد الديمقراطية ذات الدول الراسخة، حيث يوجد إجماع على الدولة، ينشغل الناس بالدفاع عن المجتمع أكثر من دفاعهم عن الدولة، فالأخطار هناك لا تهدد وجود الدولة بما هي الأفق السياسي القانوني الذي يوحّد شعباً ما، أما في البلاد التي لم يترسخ فيها مفهوم الدولة أو لا تمتلك دولة قوية، فتنشأ الحاجة للدفاع عنها أو الحرص عليها، كي يضمن الناس أقل قدر من التدبير المؤسساتي لشؤون حياتهم المعيشية اليومية.
لذلك فإن السياسية، التي يعتبر ميشال فوكو أنها “مواصلة الحرب بوسائل أخرى” عليها أن تحافظ على الدولة وتهاجم النظام فقط، لكن الأمر المؤسف أن النظام لن يقبل إلا بانهيار الدولة أيضاً إذا انهار هو، بل يحاول أن يرسّخ في عقول الناس الخلط بين النظام والدولة، ولن يرى العدوّ السياسي إلا شرّاً وقبحاً وضرراً، وحتى إذا قبلت المعارضة باستقلال السياسي وبادرت بكل أطيافها إلى محاورة النظام، فإن النظام لن يقبل بحوار وطني جدّي لإنقاذ ما تبقى من الدولة ولن يتردد في قتل أعدائه السياسيين إذا سنحت له الفرصة.
رصيف 22
———————–
جيمس جيفري: لم نقدم وعوداً للاكراد بدولة في سوريا
اعتبر المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري أن التواجد الروسي والإيراني في سوريا، يمسّ الأمن القومي لكل من الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل.
وقال جيفري في مقابلة مع وكالة “الأناضول”، إن “الوجود العسكري لهذه الدول الثلاث (الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل) في سوريا ساهم في خلق وقف إطلاق نار غير رسمي في البلاد وتعزيز حالة اللا منتصر على الأرض. باستثناء بعض الحوادث الطفيفة في إدلب، لم يطرأ أي تغيير جدي على مناطق النفوذ العسكري في سوريا منذ 3 سنوات”.
ورأى أن هذا الوضع خلق ضغوطاً على نظام الأسد وأجبر كلا من روسيا وإيران على التفاوض في بعض القضايا. واعتبر أن تركيا والولايات المتحدة، شريكان مقربان للغاية في سوريا، ويمكنهما العمل معاً في هذا البلد.
وقال جيفري إن العلاقات التركية-الأميركية تمرّ الآن بفترة هدوء، وإنه متأكد من أنها سوف تتحسن خلال الفترة المقبلة.
وأضاف جيفري أن الرؤى بين البلدين وكذلك العلاقات ليست متقاربة، إلا أنها تشهد فترة من الهدوء في هذه الأثناء، وأنها سوف تتجه نحو التحسن خلال الأشهر ال6 المقبلة. وأوضح أن البلدين الحليفين واجها مرحلة صعبة وقضايا أثرت سلباً على العلاقات.
وتابع: “هناك علاقات متشعبة للغاية بين تركيا والولايات المتحدة. هذه العلاقات سوف تستمر. لم يلتقِ الرئيس جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان بعد، إلا أنهما يعرفان بعضهما البعض جيداً”.
وقال جيفري: “ليس هناك هامش كبير للخطأ الآن. ستستمر هذه العلاقات لكونها مهمة، لكن بمستوى أقل مما رأيناه في الفترات السابقة”.
وعن سبب دعم الولايات المتحدة للأكراد، قال جيفري إن وجود الولايات المتحدة في سوريا في سياق محاربة تنظيم “داعش” يصب في مصلحتها الوطنية، ولا يمكن القيام بذلك بدون شريك موجود على الأرض. وأضاف “سبب ذهابنا إلى هناك هو محاربة داعش الذي لا يشكل مصدر تهديد لسوريا وتركيا والعراق فقط، بل للمنطقة بأكملها بما في ذلك أوروبا. شريكنا الوحيد في محاربة داعش على الأرض كان ي ب ك (حزب الاتحاد الديمقراطي)”.
ونفى جيفري أن تكون الولايات المتحدة قدّمت للأكراد في سوريا وعوداً بإقامة دولة في المنطقة، قائلاً: “لم نفعل ذلك أبداً. قلنا لهم هذا في كل مرة. حتى أننا كنا حذرين عند التواصل مع الإدارة الذاتية التي أسسوها”. وأضاف “بالنسبة لكل ما يتعلق بسوريا، لا بد وأن يمر بعملية سياسية تجري برعاية الأمم المتحدة بما في ذلك صياغة دستور جديد للبلاد والاستفتاء والانتخابات الديمقراطية وما إلى ذلك”.
—————————–
واشنطن:قانون قيصر لا يشمل مساعدة السوريين بالأغذية والأدوية
قدمت وزارة الخزانة الأميركية توضيحات بشأن تأثير قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، وأكدت أنها تضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين المحتاجين، وأن القانون يتعامل مع أصحاب النشاطات التجارية والداعمين الإغاثيين الأميركيين وغير الأميركيين على حد سواء.
ونشرت الخزانة في تغريدة، توضيحات صادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية جواباً على سؤالين شائعين لتقديم مزيد من الإرشادات حول عقوبات قانون قيصر وبعض المساعدات الإنسانية.
The U.S. is committed to ensuring that humanitarian assistance reaches Syrians in need. To that end, today OFAC published two FAQs providing further guidance on the Caesar Act sanctions & certain humanitarian assistance.
Please see FAQs 884 and 885 for details.
— Treasury Department (@USTreasury) April 5, 2021
الجواب الأول على سؤال حول إمكانية أن يتعرض الأشخاص غير الأميركيين، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المالية الأجنبية، لخطر عقوبات ثانوية أميركية بموجب قانون قيصر بسبب الأنشطة التي يُصرح بها بموجب لوائح العقوبات السورية ، كان أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، يتعامل مع نشاطات الأشخاص الأميركيين وغير الأميركيين على حد سواء في تحديد العقوبات بموجب قانون قيصر، وبالتالي فإن المعاملات التي لا يُطلب فيها الحصول على ترخيص محدد من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، لا تُعتبر “خطيرة”.
وأضافت الوزارة أنه “وفقاً لذلك، لن يخاطر الأشخاص غير الأميركيين، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المالية الأجنبية، بالتعرض للعقوبات بموجب قانون قيصر بسبب الانخراط في نشاط، أو تسهيل المعاملات والمدفوعات لمثل هذا النشاط المصرح به للأشخاص الأميركيين”.
وحول جواز تقديم أو تسهيل مساعدات إنسانية معينة لسوريا من قبل الأفراد الأميركيين وغير الأميركيين، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المالية الأجنبية، دون التعرض لخطر العقوبات، أكدت الوزارة أنه لا يُحظر تصدير المواد الغذائية من أصل أميركي ومعظم الأدوية إلى سوريا، ولا يتطلب تصديرها الحصول على ترخيص، وبالتالي فإن الأشخاص غير الأميركيين لن يتعرضوا لخطر العقوبات لمشاركتهم في مثل هذا النشاط.
وشددت الخزانة على أنها تواصل دعم العمل الحاسم للحكومات وبعض المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والأفراد الذين يقدمون الغذاء والأدوية والإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية للمدنيين في سوريا، ووصول المساعدة إلى المحتاجين.
المدن
———————–
حوار غير مباشر» بين دمشق وبروكسل حول شروط «التطبيع»
وزير الخارجية السوري بعث برسالة خطّية إلى وزراء أوروبيين لـ«الحيلولة دون إجراءات جديدة»
لندن: إبراهيم حميدي
لم يردّ وزراء الخارجية في عدد من الدول الأوروبية على رسالة خطّية غير علنية، بعث بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، تضمنت المطالبة بـ«فتح حوار» مع دمشق و«الحيلولة دون اتخاذ أي مواقف جديدة ضمن إطار الاتحاد الأوروبي».
لكن الرد غير المباشر جاء من مسؤول الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، الذي قال في مدونته، إنه إذا «اتخذت الحكومة السورية الخطوات السليمة في الاتجاه الصحيح، سنستجيب جميعاً»؛ بهدف الوصول إلى «سوريا الجديدة»، مضيفاً: «لن نتوقف عن فرض العقوبات الاقتصادية، ولن يكون هناك تطبيع من أي مستوى، ولن ندعم جهود إعادة الإعمار أبداً حتى نشهد بدء عملية الانتقال السياسي في سوريا». وساهم هذا «الرد القاطع» من بوريل، والوحدة في الموقف الأوروبي في تريث المقداد في الاستمرار بمطالبة الأوروبيين بفتح الحوار، والسعي إلى فتح شقوق في جدار الموقف الأوروبي.
«الإرهاب عدو مشترك»
في منتصف الشهر الماضي، بعث المقداد برسالة خطّية إلى عدد من وزراء الخارجية في عدد من الدول الأوروبية بينها النمسا ورومانيا وإيطاليا واليونان، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها. وتضمنت رسالة المقداد، الذي تسلم منصبه خلفاً لوليد المعلم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عرضاً عاماً للأوضاع في السنوات الماضية، حيث «سادت الفوضى وعدم الاستقرار في عدد من البلدان، ومن أبرز الأسباب التي أسفرت عن ذلك كان ظهور ثم انتشار ظاهرة الإرهاب التي خيّمت بأجواء قاتمة على سوريا مع عدد من البلدان الأوروبية، فضلاً عن عدد من بلدان أخرى حول العالم. تلك الظاهرة التي أسهمت في فقدان كثير من أرواح الأبرياء». كما أشار إلى مخاطر «التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، سواء كان ذلك بالتدخلات العسكرية المباشرة أو عن طريق ما يُعرف إعلامياً بالقوة الناعمة، بُغية فرض أجندات سياسية معينة مع تحقيق مصالح ضيقة وربما آنيّة، تبعد كل البعد عن مصالح وتطلعات الشعوب، وبأسلوب يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية، ولأحكام القانون الدولي، وكذلك لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة».
ثم انتقل المقداد للحديث عن الوضع السوري، قائلاً: إن «سوريا، كانت بين أكثر البلدان تضرراً في المنطقة جراء تلك التفاعلات والتدخلات سالفة الذكر، لا سيما من واقع الأعمال الإرهابية العنيفة ذات الدعم المباشر من جهات خارجية. ولا يمكن لسطور هذه الرسالة الموجزة أن تفسر على نحو كامل مدى الآلام والمعاناة والمآسي التي لحقت بالشعب السوري، ولا الدمار الرهيب الذي ألمّ ببلادنا جراء ذلك»، قبل أن يخاطب كل وزير أوروبي بضرورة العمل على الإفادة من «دروس السنوات القاسية» للعمل على «عدم السماح مستقبلاً باستمرار السياسات الخاطئة التي يتبناها بعض الحكومات المعروفة».
عليه، دعا المقداد إلى «ضرورة تعزيز لغة الحوار والتفاهم فيما بيننا، على أسس الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، ومحاربة الإرهاب، بما قد يسهم في تحقيق التطلعات المشتركة، ثم الوصول إلى مستوى الأمن والاستقرار المنشود لدينا جميعاً» ذلك بعيداً عن سياسات «الحكومات الرامية إلى مواصلة التدخلات السافرة في الشؤون الداخلية مع فرض الإجراءات القسرية أحادية الجانب على الشعب السوري»، لافتاً إلى أن «التصريحات الملفّقة الصادرة في الآونة الأخيرة عن بعض المؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي لن تخدم المصالح المشتركة لبلداننا في شيء (…) وستسهم في إطالة أمد الأزمة في سوريا».
وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات على نحو 350 فرداً وكياناً سورياً. ومن المتوقع أن يمدد في مايو (أيار) المقبل العقوبات الدورية على دمشق، حيث لا يزال ملتزماً خلاصة المجلس الوزاري التي تربط المساهمة في إعمار سوريا بـ«تقدم جوهري في العملية السياسية لتطبيق القرار 2254».
ودعا المقداد الدول «الوسطية» مثل اليونان وقبرص ورومانيا والتشيك وهنغاريا وإيطاليا، إلى «الحيلولة دون اتخاذ أي مواقف جديدة ضمن إطار الاتحاد الأوروبي» التي عدّها عائقاً أمام «الحوار المنشود (…) والعودة الطوعية والآمنة للاجئين، في ظل الاحترام الكامل للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنساني الدولي». وزاد أن الحكومة السورية «قد بذلت، وتواصل بذل قصارى جهدها من أجل الوصول إلى حل للأزمة السورية، ذلك الذي يحقق تطلعات الشعب السوري الحقيقية ضمن الاحترام الكامل لسيادته الوطنية».
وكان المبعوث الأممي غير بيدرسن قد رفض مقترحاً أوروبياً لتحميل دمشق مسؤولية عدم التقدم في عمل اللجنة الدستورية، في البيان الختامي لمؤتمر المانحين في بروكسل في 30 الشهر الماضي.
وجاءت رسالة وزير الخارجية السوري قبل مؤتمر بروكسل. وقال دبلوماسي أوروبي لـ«الشرق الأوسط» إن المقداد «أراد أن يدق إسفيناً بين الدول الأوروبية لاختبار مدى وحدة الموقف»، لافتاً إلى أنه «على الأغلب لم يكن يتوقع رداً من وزراء الخارجية على رسالته».
«ثلاث لاءات» أوروبية
من جهته، كتب بوريل مقالاً بمثابة الرد على المقداد قال فيه: «ندرك جميعاً حجم الدمار الذي تعاني منه سوريا ومدى المعاناة التي كابدها الشعب السوري، ولا يزال في كل يوم منذ عشر سنوات. لقد صارت سوريا مرادفاً ملازماً للموت، والخراب، والدمار، فضلاً عن أكبر حركة هجرة بشرية يشهدها القرن الحادي والعشرون حتى الآن»، لافتاً إلى بعض الأرقام بينها «400 ألف قتيل، واختفاء نحو 100 ألف شخص آخرين. ونعلم جيداً أن الاقتصاد السوري في حالة من السقوط المدوي السريع. ويعيش أكثر من 90% من المواطنين السوريين تحت خط الفقر المدقع راهناً. كما يواجه أكثر من 13 مليون مواطن سوري –أي ما يقارب نسبة 60% من إجمالي سكان البلاد ونصفهم من الأطفال– انعداماً شديداً في الأمن الغذائي مع احتياجاتهم الملحّة للحصول على المساعدات الإنسانية العاجلة. وهذا، مع فرار أكثر من 12 مليون مواطن سوري من بلادهم، مع الآلاف الآخرين منهم الذين يعيشون في مخيمات العراء في شمال البلاد».
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي منح 560 مليون يورو، وهو المبلغ نفسه الذي تعهد به الاتحاد الأوروبي في مؤتمر العام الماضي، يضاف إلى 25 مليار يورو قيمة المنح المالية التي أقرها الاتحاد الأوروبي منذ بداية الأزمة السورية، و«استطعنا من خلال ذلك المؤتمر، الذي ضم أكثر من 85 مندوباً وممثلاً عن أكثر من 55 دولة وأكثر من 25 منظمة دولية، أن نؤمّن ما يوازي 5.3 مليار يورو من إجمالي التعهدات بالمنح المالية الجديدة بصفة مشتركة».
وقال المفوض بوريل: «مصالحنا كأوروبيين بسيطة للغاية، وهي تتسق مع ما يريده المواطنون السوريون أيضاً: نريد لسوريا أن تعاود الوقوف على أقدامها كدولة جوار آمنة ومستقرة (…) اتفقت الأطراف الدولية والأطراف الأخرى المعنية بالأزمة السورية على ضرورة صياغة دستور جديد للبلاد مع إجراء الانتخابات الحرة والنزيهة تحت رعاية وإشراف منظمة الأمم المتحدة بموجب 2254». وزاد: «سوريا تحتاج إلى تغيير المسار الراهن (…) ويقع على عاتق النظام السوري الحاكم مسؤولية كبرى في اتخاذ الخطوات المهمة والمنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وإذا ما اتخذت الحكومة السورية الخطوات السليمة في الاتجاه الصحيح، سنستجيب جميعاً لذلك. وحتى بلوغ هذه اللحظة، سوف نواصل ممارسة الضغوط على الصُّعد كافة. لن نتوقف عن فرض العقوبات الاقتصادية، ولن يكون هناك تطبيع من أي مستوى، ولن ندعم جهود إعادة الإعمار أبداً حتى نشهد بدء عملية الانتقال السياسي في سوريا». وقال دبلوماسي إن هذه الشروط هي «لاءات أوروبية ثلاث».
وردّت الخارجية السورية على بيان مؤتمر بروكسل بوصفها ما صدر عنه بأنه «غير شرعي». وقالت الخارجية في رسالة وجهتها إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، إن «الجمهورية العربية السورية تعرب عن استهجانها لانعقاد هذا المؤتمر وللمرة الخامسة دون دعوة الحكومة السورية»، علماً بأن روسيا شاركت في المؤتمر ووجّهت الانتقاد نفسه بسبب عدم تمثيل دمشق.
الشرق الأزسط
————————-
ما الفرق بين شروط واشنطن لـ«التطبيع» مع دمشق ورفع العقوبات؟/ إبراهيم حميدي
في واشنطن 7 شروط لرفع عقوبات «قانون قيصر»، و6 شروط لـ«التطبيع» مع دمشق، 4 منها تعود إلى ما قبل 2011. وهناك 5 أهداف تريد أميركا تحقيقها في سوريا، عبر استخدام 9 أدوات ضغط، عبر ممارسة النفوذ أو العرقلة. مع اقتراب مرور ثلاثة أشهر على توليها الحكم، تأكد أن الملف السوري ليس أولوية لإدارة الرئيس جو بايدن، حيث لم يستكمل إلى الآن تشكيل فريقه، في وقت يشرف فيه مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، بريت ماغورك، على «مراجعة سطحية» للسياسة إزاء سوريا، قبل تعيين مبعوث خاص لها، كما جرى في شأن إيران ولبنان.
ولم يستجب إلى الآن وزير الخارجية أنتوني بلينكن لرسالة خطية بعث بها عدد من النواب في الكونغرس، يطالبونه فيها بتعيين مبعوث خاص لسوريا، لكنه ترأس اجتماعين؛ يتعلق الأول منهما بالمساعدات الإنسانية في مجلس الأمن، والثاني يتعلق بمحاربة «داعش»، ما أعطى إشارة إلى أولوية هذين الملفين حالياً.
– رفع العقوبات
حسب مصادر أميركية، هناك أكثر من 600 شخص وكيان سوري مدرجون على قائمة العقوبات الأميركية، التي تشمل جوانب عدة، كان آخرها «قانون قيصر»، الذي بدأ تنفيذه في يونيو (حزيران) الماضي، وشمل 114 شخصاً وكياناً سورياً. وبين الـ600 الذين شملتهم العقوبات، هناك 350 فرداً وكياناً مدرجون في القوائم الأوروبية للعقوبات، كما أن بريطانيا أصدرت، في منتصف الشهر الماضي، قائمتها الخاصة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وشملت ستة أفراد وكيانات.
ومنذ تسلمها الحكم، بدأت إدارة بايدن مراجعة للعقوبات في سوريا والعالم، للتأكد من أنها لا تؤثر على تدفق المساعدات الإنسانية ومواجهة «كورونا». وأعلنت وزارة الخزانة، قبل يومين، توضيحاً بضرورة عدم تأثير العقوبات سلباً على الأدوية والغذاء والمساعدات الإنسانية. وساهم هذا التوضيح في قيام أطراف ودول عربية بتقديم مساعدات إنسانية لمناطق الحكومة، كما أعلنت واشنطن أنها قدمت خلال 10 سنوات 13 مليار دولار أميركي، ضمن حوالى 50 ملياراً قُدمت خلال عقد لتمويل المساعدات الإنسانية للسوريين.
– لكن ماذا عن رفع العقوبات؟
كان موضوع رفع العقوبات محوراً أساسياً في المفاوضات الأميركية – الروسية غير العلنية في فيينا، عامي 2019 و2020. وزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى واشنطن، نهاية عام 2019. وحسب قول مسؤول غربي مطلع على المفاوضات لـ«الشرق الأوسط»، فإن الجانب الروسي «كان منزعجاً جداً من العقوبات، وقال أكثر من مرة إنها تخنق سوريا وستؤدي إلى انهيار الدولة».
وأوضح الجانب الروسي أن الرد الأميركي كان أن رفع عقوبات «قانون قيصر» قراره في دمشق وموسكو وطهران بـ«تنفيذ شروط القانون السبعة»، إذ يحق للرئيس الأميركي تعليق تنفيذ كامل، أو جزءٍ من العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون، أو تنفيذ العقوبات المنصوص عليها في أي تعديل يحمل هذا العنوان، لفترات قابلة للتجديد لا تتجاوز 180 يوماً، إذا قرر الرئيس أن المعايير التالية توافرت في سوريا:
أولاً: إذا لم يعد المجال الجوي فوق سوريا يجري استغلاله من جانب الحكومة السورية أو حكومة روسيا الاتحادية، لاستهداف سكان مدنيين.
ثانياً: إذا لم تعد المناطق المحاصرة من جانب حكومات سوريا وروسيا الفيدرالية وإيران بمعزل عن المساعدات الدولية، ولديها القدرة على الحصول بانتظام على مساعدات إنسانية.
ثالثاً: أن تطلق حكومة سوريا سراح جميع السجناء السياسيين المحتجزين قسراً داخل منظومة السجون التابعة لنظام بشار الأسد، وأن تسمح حكومة سوريا بإمكانية الوصول الكامل للمنشآت التابعة لمنظومة السجون التابعة لها، بهدف إجراء تحقيقات من جانب المنظمات الدولية المناسبة المعنية بحقوق الإنسان.
رابعاً: إذا لم تعد قوات حكومات سوريا وروسيا الاتحادية وإيران متورطة في الاستهداف المتعمَّد لمنشآت طبية ومدارس.
خامساً: أن تتخذ دمشق خطوات للتنفيذ الكامل لالتزامات معاهدتي حظر تطوير الأسلحة الكيماوية، والحد من انتشار الأسلحة النووية.
سادساً: أن تسمح حكومة سوريا بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين.
سابعاً: أن تتخذ حكومة سوريا خطوات لمساءلة حقيقية لمرتكبي جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد. وأوضح المسؤول أن أي تغيير في نصوص القانون يتطلب تصويت الكونغرس «في وقت أصبح أكثر تأييداً للقانون مما كان عليه الحال في 2019، حيث يسعى لفرض تشريعات إضافية».
– شروط التطبيع
وحسب قول مصادر أميركية، فإن الشروط السابقة لرفع العقوبات تختلف عن شروط «التطبيع» مع دمشق، التي وضعتها إدارة الرئيس دونالد ترمب بموجب خطة صاغها وزير الخارجية مايك بومبيو، بدعم من المبعوث الأسبق جيمس جيفري ونائبه جويل روبرن، وتشمل: أولاً: وقف دعم الإرهاب. ثانياً: وقف دعم الحرس الإيراني و«حزب الله». ثالثاً: عدم تهديد دول الجوار. رابعاً: التخلي عن أسلحة الدمار الشامل. خامساً: العودة الطوعية للاجئين والنازحين. سادساً: محاربة مجرمي الحرب.
وأضافت أن الأهداف الأربعة الأولى تعود إلى مرحلة ما قبل 2011، حيث كان هناك تمثيل دبلوماسي بين واشنطن ودمشق. وكان المبعوث الأميركي السابق في شرق الفرات، السفير ويليام روباك، قد قال إن الأهداف السياسية التي وضعت لإدارة ترمب، هي: «أولاً: هزيمة تنظيم (داعش)، ومنع عودته. ثانياً: دعم مسار الأمم المتحدة لتنفيذ القرار الدولي 2254. ثالثاً: إخراج إيران من سوريا. رابعاً: منع النظام من استعمال أسلحة الدمار الشامل والتخلص من السلاح الكيماوي. خامساً: الاستجابة للأزمة الإنسانية، ورفع المعاناة عن الشعب السوري داخل البلاد وخارجها».
– أدوات الضغط
منذ تسلم إدارة بايدن، أرسلت الإدارة إشارات واضحة بأنها باقية عسكرياً في شمال شرقي سوريا. وقال المسؤول إن «معظم الذين انتقدوا قرار ترمب بالانسحاب من شرق الفرات، مثل ماغورك، هم أساسيون في الإدارة الحالية، لذلك فإنهم يقولون بوضوح إن الأميركيين باقون في شرق الفرات إلى أجل مفتوح».
ويعتبر الوجود العسكري إحدى الأدوات الرئيسية للوصول إلى الأهداف السياسية المعلنة. وتشمل «أدوات الضغط» على موسكو ودمشق وسائل تدخلية أو سلبية: أولاً، الوجود الأميركي حيث ينتشر بين 500 و800 جندي ومتعاقد مزود بمعدات عسكرية متطورة في شرق الفرات وقاعدة التنف. ثانياً، دعم 100 ألف من «قوات سوريا الديمقراطية» وعناصرها المحلية بالسيطرة على ربع مساحة سوريا و90 في المائة من ثرواتها الاستراتيجية. ثالثاً، العقوبات الاقتصادية ضد النظام. رابعاً، التحالف الدولي ضد «داعش»، حيث يوفر منصة نفوذ دبلوماسية دولية من نحو 84 منظمة ودولة. خامساً، التأثير الدبلوماسي عبر منصة مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة. سادساً، عرقلة جهود التطبيع العربي أو الأوروبي مع دمشق. سابعاً، دعم استخباراتي ولوجيستي للغارات الإسرائيلية. ثامناً، مباركة التوغل العسكري التركي في شمال سوريا وشمالها الغربي (عدا شرق الفرات). تاسعاً، وقف إعمار سوريا ومساهمة دول عربية وأوروبية فيه، حيث قال مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية الأوروبي جوزيف بوريل: «لن نتوقف عن فرض العقوبات الاقتصادية، ولن يكون هناك تطبيع من أي مستوى، ولن ندعم جهود إعادة الإعمار أبداً حتى نشهد بدء عملية الانتقال السياسي في سوريا».
واللافت أنه منذ تسلم بايدن، تراجع إيقاع إصدار قوائم جديدة للعقوبات، كما أن فريقه لم يقم بجهود قيادية مع دول عربية وأوروبية لوقف التطبيع أو المساعدات، وإحكام العزلة الدبلوماسية، ما سمح بظهور التصدع في الموقف الموحّد الذي تحاول موسكو ودمشق العمل على توسيعه والتسلل عبره.
وكانت رسالة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى 7 وزراء أوروبيين لحثهم على «الحوار»، وجولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في دول عربية لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، مثالين قريبين لاختبار ذلك، ولتلمس الحدود القانونية التي يسمح بها «قانون قيصر»، والإرادة السياسية لإدارة بايدن.
الشرق الأوسط
—————————-
كواليس مفاوضات سرية جرت بين واشنطن والأسد.. مسؤولان توجَّها لدمشق، لكن المحادثات فشلت!
في الصيف الماضي، خاطر مسؤولان أمريكيان بالدخول إلى منطقة “معادية” لعقد اجتماعٍ سري شديد الخطورة مع مسؤولين في النظام السوري، الذي لديه مشاكل معقدة مع الولايات المتحدة، وذلك بهدف إجراء مفاوضات حول استعادة رهائن أمريكيين محتجزين في سوريا.
صحيفة The Independent البريطانية كشفت، في تقرير، عن كواليس بعض هذه الرحلة التي خاضها المسؤولان الأمريكيان، حيث قالت إن الجانب السوري بدا أنه مستعد لمناقشة مصير الرهائن الأمريكيين الذين أشارت المعلومات إلى أنهم محتجزون في سوريا.
كواليس قضية تايس
كانت قضية أوستن تايس، الصحفي الذي قُبض عليه في سوريا، قد احتلت مكانة بارزة في الرأي العام والسياسي منذ اختفائه في أغسطس/آب 2012 عند نقطة تفتيش تقع في إحدى المناطق المتنازع عليها وقتها غرب دمشق. فقد غامر تايس بالتوغل في عمق البلاد في وقتٍ أحجمت فيه أكثرية المراسلين الآخرين عن الأمر باعتبار أنه شديد الخطورة، واختفى قبل وقت قصير من الموعد المقرر لمغادرته.
بعدها بأسابيع، ظهر تايس في مقطع فيديو، وهو معصوب العينيين ومحتجز لدى رجال مسلحين، ثم لم يُسمع عنه شيء منذ ذلك الحين.
في أغسطس/آب 2020 عُقد اجتماع في دمشق يمثل أعلى مستوى محادثات تجري منذ سنوات بين الولايات المتحدة ونظام بشار الأسد. وكان الأمر غير عادي بالنظر إلى العلاقة العدائية بين البلدين، ولأن النظام السوري لم يعترف، في أي وقت من الأوقات، باحتجاز تايس أو معرفة أي شيء عن مكان وجوده.
يقول روجر كارستينز، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة بالجيش الأمريكي، وأحد الذين حضروا الاجتماع مع كاش باتيل بصفته مبعوثاً أمريكياً خاصاً لشؤون الرهائن في عهد ترامب: “اعتقادي أن تايس على قيد الحياة، وينتظرني أن أصل إليه وأعيده”.
أشار باتيل إلى أن التحضير للاجتماع استمر لأكثر من عام تقريباً، وشمل طلب المساعدة من مسؤولين في لبنان، الذي لا يزال يُبقي على علاقاته مع نظام الأسد.
تعمد المفاوضون الذهابَ في وفد صغير إلى الاجتماع، وقادوا عبر دمشق، التي لم يروا فيها أي علامات واضحة على الصراع الذي أودى بحياة نصف مليون شخص وشرّد نصف سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليوناً قبل الحرب المستمرة منذ 10 سنوات في أعقاب قمع الأسد للثورة السورية.
مفاوضات معقّدة مع السوريين
خلال الاجتماع الذي عُقد في مكتب علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني، طلب المفاوضون معلومات عن تايس، وكذلك عن مجد كمالماز، وهو طبيب نفسي من ولاية فرجينيا الأمريكية اختفى في عام 2017، ومعه عدة أشخاص آخرين.
في البداية كان هناك بعض الأمل للوهلة الأولى لدى الأمريكيين، فقد أبدى ترامب بالفعل استعداده لسحب القوات الأمريكية من سوريا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط. وقد جعل استعادة الرهائن أولوية قصوى لسياسته الخارجية، واحتفى بالإفراج عنهم بدعوات للمعتقلين المفرج عنهم إلى البيت الأبيض.
لكن الشروط التي طرحها السوريون، بحسب وصف العديد من الخبراء، كانت تقتضي إعادة تشكيل كاملة لسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا تقريباً.
يقول باتيل إنه لما بدا للسوريين أنه من المستعصي تلبية مطالبهم، امتنعوا عن تقديم أي معلومات ذات مغزى عن تايس، ولو حتى دليل على بقائه على قيد الحياة، وهي خطوة كانت من الممكن أن تولد زخماً كبيراً لدفع الأمور.
وبنظرة يملؤها الأسف، يضيف باتيل: “أود أن أقول إنها على الأرجح أحد أكبر إخفاقاتي في ظل إدارة ترامب: عدم استعادة أوستن تايس”.
أخفقت الرحلة في بلوغ أهدافها في النهاية، فقد رفع السوريون سلسلة من المطالب التي من شأنها أن تعيد تشكيل سياسة واشنطن تجاه النظام السوري بدرجة أساسية، وشمل ذلك أموراً مثل رفع العقوبات وانسحاب القوات الأمريكية من البلاد واستعادة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية.
زاد الأمر إشكالية بالنسبة للمفاوضين الأمريكيين، أن المسؤولين السوريين لم يقدموا أي معلومات جديرة بالاعتبار عن مصير أو مكان تايس وغيره من المحتجزين.
من هؤلاء الأمريكيين أوستن تايس، الصحفي الذي قُبض عليه قبلها بثماني سنوات. كما كان إطلاق سراح الأمريكيين بمثابة فرصة تنطوي على منحةٍ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أشهر من الانتخابات. والأهم من ذلك أن إنجاز الأمر بدا ممكناً.
وفي أول تعليق عام حول هذه الجهود، قال كاش باتيل، الذي حضر الاجتماع بصفته مستشاراً كبيراً للبيت الأبيض: “كان نجاح هذه المهمة سيُعيد الأمريكيين المحتجزين إلى أرض الوطن، لكننا لم نصل إلى نقطة قريبة من ذلك قط”.
المهمة الآن على إدارة بايدن
اعترف البيت الأبيض بانعقاد هذا الاجتماع في أكتوبر/تشرين الأول، لكنه لم يُفصح عن كثير بشأنه. ومع ذلك، ظهرت تفاصيل جديدة على إثر المقابلات التي أجرتها وكالة The Associated Press في الأسابيع الأخيرة مع أشخاص مطلعين على المحادثات التي جرت وقتها، وقد تحدث بعضهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الموضوع.
كما كشفت وكالة The AP عن محاولات الولايات المتحدة التمهيدية لبناء وسطٍ من النيات الحسنة مع سوريا قبل وقت طويل من إجراء المحادثات، حيث أشار باتيل إلى تقديم حليفٍ، لم يُكشف عنه، للولايات المتحدة في المنطقة، المساعدة في معالجة زوجة بشار الأسد من السرطان.
بالإضافة إلى ذلك، سلطت التفاصيل التي كشفتها الوكالة الضوءَ على الجهود الحرجة والسرية في كثير من الأحيان للعمل على تحرير الرهائن المحتجزين لدى خصوم الولايات المتحدة، وهي مجهودات أسفرت في أحيانٍ عن نجاحات رفيعة المستوى لإدارة ترامب، لكنها وصلت أيضاً في أحيان أخرى إلى طريق مسدود.
أما الآن، فمن غير الواضح مدى قوة إدارة بايدن الجديدة في تعزيز الجهود لتحرير تايس والأمريكيين الآخرين المحتجزين في جميع أنحاء العالم، لا سيما عندما تكون المطالب المطروحة على طاولة المفاوضات متعارضةً مع الأهداف الأوسع نطاقاً للسياسة الخارجية للبيت الأبيض.
————————-
واشنطن ساعدت بعلاج أسماء الأسد.. تفاصيل جديدة عن مفاوضات الرهائن
كشفت وكالة “أسوشييتد برس” عن تفاصيل جديدة بشأن المفاوضات السرية بين نظام الأسد والولايات المتحدة الأميركية في الصيف الماضي، والتي أقرّت بها إدارة الرئيس دونالد ترامب في تشرين الأول الماضي، وقالت إنها عقدت لمناقشة مصير الرهائن الأميركيين المحتجزين لدى النظام، من دون أن تقول الكثير بشأن هذه المفاوضات.
المساعدة بعلاج أسماء الأسد من السرطان.. “نيات حسنة” أميركية تجاه النظام
ووفق مصادر خاصة لـ “أسوشييتد برس” اطلعت على المفاوضات، فإن واشنطن أجرت عدة محاولات لبناء “نيات حسنة” مع نظام الأسد، قبل وقت طويل من إجراء المحادثات، حيث قال أحد كبار مساعدي البيت الأبيض والذي شارك في المباحثات، كاش باتل، إن أحد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، من دون أن يسميه، قدّم المساعدة في علاج زوجة رئيس النظام بشار الأسد، أسماء، من مرض سرطان الثدي.
وأشار مصدر الوكالة أنه في سبيل بناء “حسن النية” بين الطرفين، توسّط حليف لواشنطن في المنطقة في العام 2018 لتقديم المساعدة في علاج أسماء الأسد، رافضاً الإدلاء بمزيد من التفاصيل، في حين أعلن النظام تعافي زوجة الأسد من سرطان الثدي بعد عام من ذلك.
وتسلط التفاصيل التي كشفتها الوكالة الضوء على الجهود الحساسة والسرية على عمليات تحرير الرهائن الأميركيين المحتجزين، وبحسب الوكالة فإن هذه العمليات أسفرت عن نجاحات رفيعة المستوى لإدارة ترامب، ولكنها انتهت في طريق مسدود، وحالياً من غير الواضح مدى قوى إدارة بايدن في دفع الجهود لتحرير الصحفي الأميركي أوستن تايس ورهائن آخرين، خاصة أن مطالب نظام الأسد على طاولة المفاوضات تتعارض مع أهداف السياسة الخارجية للبيت الأبيض.
اجتماع دمشق.. نظام الأسد طالب بإعادة تشكيل سياسة واشنطن تجاه سوريا
في الصيف الماضي، اجتمع كبير مساعدي البيت الأبيض، كاش باتيل، والضابط السابق في الجيش الأميركي، روجر كارستينز، مع رئيس جهاز استخبارات نظام الأسد، علي مملوك، في دمشق، لمناقشة مصير الرهائن الأميركيين المحتجزين لدى نظام الأسد، بمن فيهم الصحفي أوستن تايس، الذي اختفى في آب من العام 2012، والطبيب مجد كمالماز الذي اختفى في العام 2017.
وبدا الاجتماع، الذي عقد في آب من العام 2020، حدثاً غير عادي بالنظر إلى العداء بين واشنطن ونظام الأسد، فضلاً عن عدم اعتراف النظام باحتجاز تايس أو تقديم أي معلومات عن مكان وجوده، ما جعل الاجتماع غير مثمر، حيث قال كاش باتيل “كنا سننجح في إعادة الرهائن الأميركيين إلى الوطن، لكن لم نصل إلى ذلك”.
وفي حين لم يقدّم نظام الأسد أي معلومات ذات قيمة عن مصير ومكان الرهائن الأميركيين، إلا أنه أثار خلال الاجتماع مجموعة من المطالب من شأنها أن تعيد تشكيل سياسة واشنطن تجاه سوريا بشكل أساسي، بما في ذلك رفع العقوبات، وانسحاب القوات الأميركية من سوريا، واستعادة العلاقات الدبلوماسي بشكل طبيعي.
ومع ذلك، أظهر دونالد ترامب استعداد بلاده لسحب قواتها من سوريا وأماكن أخرى من الشرق الأوسط، في مقابل استعادة الرهائن، معتبراً “ذلك أولوية قصوى للسياسة الخارجية للولايات المتحدة”.
أوستن تايس حي
وبعد أشهر من المحادثات، كثفت وسائل الإعلام الأميركية إظهار اسم أوستن تايس في الأخبار، ما دفع الرئيس ترامب إلى إرسال رسالة إلى والدي تايسن، أكد فيها أنه “لن يتوقف أبداً عن العمل من أجل إطلاق سراح ابنهما”، إلا أن ولايته انتهت في 20 كانون الثاني الماضي من دون أن يظهر مصير تايس.
وتعهّدت إدارة بايدن أيضاً بجعل استعادة الرهائن أولوية، لكنها دعت حكومة النظام إلى وقف انتهاكات حقوق الإنسان، ما يجعل من غير المرجح أن تكون واشنطن أكثر تقبلاً للشروط التي أثارها النظام من أجل مواصلة الحوار.
وقال الضابط السابق في الجيش الأميركي روجر كارستينز، الذي حضر الاجتماع بصفته المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن في عهد ترامب، “أظن أنه على قيد الحياة، وينتظرني أن أحضره”، الأمر الذي دعا الرئيس بايدن إلى إبقائه بمنصبه في إدارته.
من جهته، كبير مساعدي البيت الأبيض كاش باتل، الذي كان مستشاراً بارزاً لمكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، وشغل منصب مساعدة لجنة المخابرات في مجلس النواب، حيث اكتسب خبرة في قضية دفع جهود الجمهوريين لتحدي التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات العام 2016، كما شغل سابقاً منصب المدعي العام في وزارة العدل في عهد باراك أوباما، أوضح أن الاجتماع كان قيد الإعداد لأكثر من عام، مما دعاه إلى طلب المساعدة من جهات لبنانية على علاقة مباشرة مع الأسد.
فشلت المفاوضات لكن التعامل مع نظام الأسد ممكن
ووفق مصادر “أسوشييتد برس”، فقد وصل المسؤولان الأميركيان إلى دمشق عبر لبنان، وقالا إنهما لم يريا أي آثار أو علامات واضحة على الصراع الذي أودى بحياة نصف مليون شخص وشرّد نصف سكان سوريا، ما يشير إلى عمل النظام على إخفاء وإزالة آثار عملياته العسكرية وانتهاكاته لحقوق الإنسان في مناطق سيطرته.
في دمشق، طالب المسؤولان الأميركيان، خلال اجتماع داخل مكتب رئيس المخابرات، علي مملوك، بمعلومات عن الصحفي تايس والطبيب كمالماز، إلا أن مطالب النظام التي واجهها المفاوضان بدت غير منطقية وتتعارض مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وذكر العديد من الأشخاص أن شروط النظام لكشف مصير الرهائن تمثلت بتغير سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا بالكامل، وقال باتل إنه “مع عدم تلبية مطالب النظام، لم يقدم أي معلومات ذات معنى عن تايس، بما في ذلك دليل على الحياة، والذي كان من الممكن أن يولّد زخماً كبيراً”.
وأشار المسؤول الأميركي إلى أنه حينذاك كان “متفائلاً بعد المفاوضات، لكنه ينظر الآن إليها بأسف”، معتبراً أن ما حصل “واحدة من أكبر إخفاقاتي في ظل إدارة ترامب هي عدم استعادة أوستن”.
وقال والد الصحفي المحتجز، مارك تايس، إنه “على الرغم من تراجع الأمل بالمفاوضات الدبلوماسية، فإنها أظهرت أن التعامل مع نظام الأسد كان ممكناً”، مضيفاً أنه “من الممكن أن تحصل المفاوضات من دون أن يتعرض الأمن القومي للولايات المتحدة للتهديد، ومن دون أن تتأثر سياستنا في الشرق الأوسط، ومن دون أن تحدث كل الأشياء الفظيعة التي حدثت خلال السنوات الماضية”.
وفي تشرين الثاني الماضي، نشر صحفي على موقع “توتير” خبراً خاطئاً عن إطلاق سراح تايس، فكتبت والدة تايس أنها تأمل أن تتحول هذه الأخبار المزيفة إلى حقيقة واقعة يوماً ما”.
فرد عليها ترامب برسالة كتبها بقلمه قال فيها “نعمل بجد على هذا ونبحث عن الأجوبة، نريد عودة أوستن، ولن نتوقف أبداً”، لكن والدة تايس قالت إن الأسرة “لا تحتاج إلى رسائل من الرئيس”، مضيفة “الشيء الذي نطلبه هو رؤية أوستن على مدرج المطار، وجعل رئيس الولايات المتحدة يصافحه”.
يشار إلى أن وزارة الخارجية الأميركية قالت، في بيان سابق لها، إن “إعادة الرهائن إلى الوطن إحدى أولويات إدارة بايدن”، داعية نظام الأسد إلى إطلاق سراحهم، إلا أن آفاق المفاوضات غير مؤكدة، بسبب عدم التزام دمشق، ومن غير المرجح أن ترى الإدارة الأميركية نظام الأسد شريكاً موثوقاً فيه للتفاوض، خاصة مع الجهود الأميركية لمساءلة نظام الأسد من قبل “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” في كانون الأول الماضي.
وأغلقت الولايات المتحدة الأميركية سفارتها في دمشق في العام 2012، وسحبت سفيرها مع تصاعد العمليات العسكرية، وعلى الرغم من إعلان ترامب في العام 2019 عن انسحاب قوات بلاده من شمالي سوريا، لا يزال الوجود العسكري الأميركي يساعد “قوات سوريا الديمقراطية” وفصائل أخرى في مناطق شمال شرقي سوريا، الغنية بالنفط والغاز الطبيعي.
ولم يعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي بدأ ولايته قبل أقل من ثلاثة أشهر حتى الآن الكثير عن سوريا، إلا أنه أدرجها ضمن المشكلات الدولية التي يجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة معالجتها. في حين كان آخر تصريحات وزير الخارجية أنطوني بلينكن الأسبوع الماضي أن “الوضع في سوريا ما زال خطيراً كما كان دائماً”.
تلفزيون سوريا
————————–
بشار الأسد يلتقي مبعوث بوتين في دمشق.. وخارجية النظام تطالب بوقف اعتداءات إسرائيل/ محمد الأحمد
ذكرت “رئاسة جمهورية” النظام السوري، عبر معرفاتها الرسمية، اليوم الخميس، أن مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف التقى رئيس النظام بشار الأسد وكبار المسؤولين، لبحث آخر تطورات الملف السوري، وعلى رأسها العملية السياسية المتمثلة بـ”اللجنة الدستورية”، والعقوبات الأميركية المفروضة على النظام.
وجدد الوفد الروسي، خلال اللقاء، دعم بلاده لوحدة الأراضي السورية، وعبّر عن رفض موسكو لأي خطوة أو إجراء يخرق سيادة سورية، وأكد عزم بلاده على “القضاء على ما تبقى من وجود للتنظيمات الإرهابية، واستعادة سيطرة حكومة” النظام على كافة الأراضي السورية، وفق وكالة “سانا” الموالية للنظام.
وحضر اللقاء من جانب النظام كل من رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، والمستشارة الخاصة لرئاسة النظام بثينة شعبان، ومعاون وزير الخارجية والمغتربين أيمن سوسان، والمستشارة الخاصة للجمهورية لونا الشبل، ومدير إدارة أوروبا في وزارة الخارجية والسفير الروسي في دمشق.
وتناول الجانبان الحديث عن الشأن السياسي، وجرت مناقشة اجتماعات اللجنة الدستورية، واعتبرا أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية تعرقل عمل اللجنة، وأكدا أن أي تقدم على المسار السياسي يتطلب التزاماً بالمبادئ الأساسية والثوابت التي يتمسك بها السوريون بخصوص مكافحة الإرهاب وحماية وحدة وسلامة الأراضي السورية، والتي لا يملك أي طرف الحق في التنازل عنها.
وكان مبعوث بوتين قد أجرى زيارة إلى دمشق والتقى الأسد، قبيل أيام من انعقاد الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية، في أغسطس/ آب من العام الماضي، كما أجرى زيارة إلى دمشق في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، قبل انعقاد مؤتمر “اللاجئين”.
من جهة أخرى، أكد رئيس الحرس الوطني الروسي فيكتور زولوتوف، اليوم الخميس، أن الحرب على الإرهاب في سورية مستمرة، وأضاف: “مشاركتنا في محاربة الإرهاب في سورية مستمرة، وهي ليست أمراً سرياً”، مدعياً أن القوات الروسية “تعمل على ضمان سلامة البعثات الإنسانية وتسهل جهود إزالة الألغام”. جاء ذلك خلال مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية.
في غضون ذلك، جددت حكومة النظام مطالبتها مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات حازمة وفورية لمنع تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية. وتأتي مطالبات حكومة النظام هذه، عقب الغارات الإسرائيلية، منتصف ليل أمس، والتي استهدفت مقرات للمليشيات الإيرانية في محيط العاصمة دمشق.
وأكدت وزارة خارجية النظام أن “استمرار إسرائيل في نهجها العدواني الخطير ما كان ليتم لولا الدعم اللامحدود والمستمر الذي تقدمه لها بشكل خاص الإدارة الأميركية والحصانة من المساءلة التي توفرها لها هي ودول معروفة في مجلس الأمن”، وطالبت بأن يُفرض على إسرائيل “احترام قراراته المتعلقة باتفاقية فصل القوات ومساءلتها عن إرهابها وجرائمها التي ترتكبها بحق الشعبين السوري والفلسطيني وعن دعمها المستمر للتنظيمات الإرهابية”.
وأشارت، في بيان، إلى أن “الولايات المتحدة لم تعد تملك لا المبرر القانوني ولا المبرر الأخلاقي لتكون إحدى الدول المناط بها السهر على حفظ السلم والأمن الدوليين”، لافتةً إلى أن “سياساتها العدوانية في المنطقة تؤكد بشكل واضح بأنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من صناع وتجار المخاطر التي تهدد السلم والأمن الدوليين”، وأكدت أن “سلطات الاحتلال الإسرائيلي أقدمت، بعد منتصف ليلة أمس، الأربعاء، على الاعتداء على أراضي سورية عبر إطلاقها موجات متتالية من الصواريخ من فوق الأراضي اللبنانية، والتي استهدفت محيط العاصمة دمشق”.
وأشار البيان إلى أن “هذا العدوان الإسرائيلي يأتي في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بعيد الفصح المجيد، الذي نعتبره رسالة محبة وسلام للعالم كله، إلا أن إسرائيل بعدوانها على سورية تثبت أنها لا تؤمن بالسلام وإنما بشريعة الغاب”، وأكد أن “سورية ما زالت تعول على الشرعية الدولية وعلى مجلس الأمن، وتطالبه مجدداً بتحمل مسؤولياته في إطار ميثاق الأمم المتحدة، وأهمها حفظ السلم والأمن الدوليين واتخاذ إجراءات حازمة وفورية لمنع تكرار هذه الاعتداءات الإسرائيلية”.
———————-
لافرنتييف عند الأسد:لاستعادة سيطرة النظام على الأراضي السورية
التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف التقى رئيس النظام بشار الأسد وكبار المسؤولين، لبحث آخر تطورات الملف السوري، وعلى رأسها العملية السياسية المتمثلة بـ”اللجنة الدستورية”، والعقوبات الأميركية المفروضة على النظام.
وقالت وكالة أنباء النظام (سانا) إن الوفد الروسي جدد خلال اللقاء، دعم بلاده لوحدة الأراضي السورية، وعبّر عن رفض موسكو لأي خطوة أو إجراء يخرق سيادة سوريا.
وبحسب “سانا”، أكد الوفد الروسي عزم موسكو على “القضاء على ما تبقى من وجود للتنظيمات الإرهابية، واستعادة سيطرة حكومة” النظام على كافة الأراضي السورية.
وحضر اللقاء من جانب النظام كل من رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، والمستشارة الخاصة لرئاسة النظام بثينة شعبان، ومعاون وزير الخارجية والمغتربين أيمن سوسان، والمستشارة الخاصة للجمهورية لونا الشبل، ومدير إدارة أوروبا في وزارة الخارجية والسفير الروسي في دمشق.
وتناول الجانبان الحديث عن الشأن السياسي، وجرت مناقشة اجتماعات اللجنة الدستورية، واعتبرا أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية “تعرقل عمل اللجنة”، وأكدا أن أي تقدم على المسار السياسي “يتطلب التزاماً بالمبادئ الأساسية والثوابت التي يتمسك بها السوريون بخصوص مكافحة الإرهاب وحماية وحدة وسلامة الأراضي السورية، والتي لا يملك أي طرف الحق في التنازل عنها”.
وكان مبعوث بوتين قد أجرى زيارة إلى دمشق والتقى الأسد، قبيل أيام من انعقاد الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية، في آب/أغسطس 2020، كما أجرى زيارة إلى دمشق في تشرين الأول/أكتوبر، قبل انعقاد مؤتمر “اللاجئين”.
وفي السياق، أكد رئيس الحرس الوطني الروسي فيكتور زولوتوف الخميس، أن الحرب على الإرهاب في سوريا مستمرة، وأضاف “مشاركتنا في محاربة الإرهاب في سوريا مستمرة، وهي ليست أمراً سرياً”، مضيفاً أن القوات الروسية “تعمل على ضمان سلامة البعثات الإنسانية وتسهل جهود إزالة الألغام”، وذلك خلال مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية.
———————–
السعودية تدعو لخروج إيران من سوريا..ووقف “إجرامها“
أعلن مجلس الوزراء السعودي “دعم جميع الجهود الدولية التي تؤدي لعودة الاستقرار والسلام إلى سوريا وشعبها الشقيق”.
وخلال جلسة لمجلس الوزراء السعودي عبر تقنية الفيديو برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز، شدّد المجلس على “المطالبة بوقف مشروع إيران الطائفي الذي يسهم في إطالة أمد الأزمة ويزيدها تعقيداً، وخروجها وجميع القوات التابعة لها، ووقف ممارساتها الإجرامية الهادفة لتغيير هويتها العربية، وأهمية محاربة التنظيمات الإرهابية بأشكالها كافة”، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السعودية “واس”.
وفي وقت سابق، عبّر وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان خلال مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية، عن أمل السعودية في أن تتخذ حكومة نظام الأسد الخطوات المناسبة لإيجاد حل سياسي، مشيراً إلى أن هذا هو السبيل الوحيد للتقدم في سوريا.
وردأ على سؤال بشأن ما إذا كانت السعودية تخطط للتواصل مع رئيس النظام بشار الأسد، قال بن فرحان إن “هناك عملية ترعاها الأمم المتحدة بحيث تنخرط المعارضة مع حكومة النظام”، موضحاً أن السعودية تدعم هذه العملية.
وأضاف بن فرحان “نحن بحاجة إلى استقرار سوريا، وهذا يتطلب حلاً وسطاً من قبل نظام الأسد ويتطلب تضافر جهود الحكومة والمعارضة، حتى نتمكّن من المضي قدماً في عملية سياسية يمكن أن تحقق الاستقرار”.
وفي مؤتمر بروكسل للمانحين الدوليين مطلع نيسان/أبريل، أكد بن فرحان أن التسوية السياسية بإشراف أممي هي الحل الوحيد للأزمة السورية. وطالب إيران بوقف مشروعها للتغيير السكاني والطائفي في سوريا، مشدداً على أن تلك التسوية هي شرط الإسهام في إعمار ذلك البلد.
————————–
مقتل مسلحين موالين لإيران بقصف إسرائيلي قرب دمشق
دمشق تطالب مجلس الأمن بوقف «انتهاكات» تل أبيب
قُتل ثلاثة مقاتلين من مجموعات موالية لإيران وداعمة للنظام في القصف الإسرائيلي الذي استهدف، ليل الأربعاء – الخميس، مواقع عسكرية قرب دمشق، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، صباح الخميس.
وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، نقلاً عن مصدر عسكري، بعد منتصف الليل، أن القصف الإسرائيلي أسفر عن إصابة أربعة جنود بجروح ووقوع خسائر مادية.
وأوضحت «سانا» أن الدفاعات الجوية السورية تصدت للصواريخ الإسرائيلية التي «استهدفت بعض النقاط في محيط دمشق (…) وأسقطت معظمها».
من جهته، قال المرصد السوري إن القصف الإسرائيلي طال موقعاً عسكرياً لقوات النظام ومستودعاً توجد فيهما قوات إيرانية ومجموعات موالية لها من جنسيات غير سورية، أبرزها حزب الله اللبناني، قرب منطقة الديماس شمال غربي العاصمة.
وأسفر القصف عن مقتل ثلاثة عناصر من تلك المجموعات، وفق المرصد الذي لم يتمكن من تحديد جنسياتهم.
وخلال الأعوام الماضية، شنّت إسرائيل عشرات المرات ضربات في سوريا، مستهدفة مواقع للجيش السوري وأهدافاً إيرانية وأخرى لحزب الله اللبناني.
ونادراً ما تؤكد إسرائيل تنفيذ ضربات في سوريا، لكن الجيش الإسرائيلي ذكر في تقريره السنوي أنه قصف خلال العام 2020 نحو خمسين هدفاً في سوريا، من دون أن يقدم تفاصيل عنها.
وتكرر إسرائيل أنها ستواصل تصديها لما تصفه بمحاولات إيران الرامية إلى ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.
وجددت دمشق مطالبتها مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات «حازمة وفورية لمنع تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية». وطالبت الخارجية السورية مجلس الأمن بأن «يفرض على إسرائيل احترام قراراته المتعلقة باتفاقية فصل القوات ومساءلتها عن إرهابها وجرائمها التي ترتكبها بحق الشعبين السوري والفلسطيني وعن دعمها المستمر للتنظيمات الإرهابية».
وقالت الخارجية، في بيان، إن «استمرار إسرائيل في نهجها العدواني الخطير» ما كان ليتم «لولا الدعم اللامحدود والمستمر الذي تقدمه لها بشكل خاص الإدارة الأميركية والحصانة من المساءلة التي توفرها لها هي ودول معروفة في مجلس الأمن».
وأضافت أن أميركا «لم تعد تملك المبرر القانوني ولا المبرر الأخلاقي لتكون إحدى الدول المنوط بها السهر على حفظ السلم والأمن الدوليين»، وأن سياساتها العدوانية في المنطقة «تؤكد بشكل واضح أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من صناع وتجار المخاطر التي تهدد السلم والأمن الدوليين». وذكرت الخارجية أن «سلطات الاحتلال الإسرائيلي أقدمت بعد منتصف ليلة أمس على الاعتداء على أراضي سوريا عبر إطلاقها موجات متتالية من الصواريخ من فوق الأراضي اللبنانية، التي استهدفت محيط دمشق».
واختتمت الوزارة بيانها بأن سوريا «ما زالت تعول على الشرعية الدولية وعلى مجلس الأمن وتطالبه مجدداً بتحمل مسؤولياته في إطار ميثاق الأمم المتحدة، وأهمها حفظ السلم والأمن الدوليين واتخاذ إجراءات حازمة وفورية لمنع تكرار هذه الاعتداءات الإسرائيلية».
إلى ذلك، أكد مصدر في الشركة السورية لنقل النفط وصول ناقلة نفط إيرانية إلى مصب بانياس على الساحل السوري. وقال المصدر إن الناقلة تحمل مليون برميل من النفط، دون أن يعلق نفياً أو إثباتاً على معلومات تقول إن الناقلة هي واحدة من أربع ناقلات ستصل تباعاً.
يذكر أن أحد المواقع المتخصصة بتعقب حركة السفن كان رصد، منذ أيام، ناقلة إيرانية تتجه نحو بانياس السورية، وقال إن «الناقلة هي جزء من أسطول أكبر من الناقلات المتجهة إلى بانياس في سوريا». كما كان رئيس الحكومة، حسين عرنوس، وعد بانفراج في أزمة المشتقات النفطية.
وأعلنت «وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) أن الرئيس بشار الأسد استقبل المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، حيث «أكد الجانبان عزمهما على مواصلة وتكثيف العمل الثنائي وبذل الجهود للتوصل إلى حلول للمصاعب الناتجة عن سياسات بعض الدول الغربية ضد سوريا والتخفيف من آثار العقوبات الجائرة المفروضة على الشعب السوري والمساعدة على تجاوزها».
وزادت أن الوفد الروسي «أكد دعم بلاده الراسخ لسيادة سوريا ووحدة أراضيها ورفض موسكو لأي خطوة أو إجراء يخرق هذه السيادة ويؤثر على الجهود الرامية لإنهاء الحرب على سوريا والقضاء على ما تبقى من وجود للتنظيمات الإرهابية، واستعادة سيطرة الدولة على أراضيها كافة».
في تل أبيب، كشفت مصادر أمنية في تل أبيب، أمس الخميس، أن القصف الذي تعرضت له سوريا، الليلة الأخيرة، استهدف مخازن أسلحة في عدة قواعد تابعة للجيش السوري، بعدما رصدت الاستخبارات الإسرائيلية شحنات أسلحة جديدة جلبت من إيران.
وقالت مصادر إسرائيلية إن أحد الصواريخ التي أطلقتها وسائط الدفاع الجوي السوري باتجاه الطائرات الإسرائيلية، أخطأ هدفه وسقط بالقرب من قرى الجنوب اللبناني. وقد أحدث هلعا في صفوف سكان الحدود الإسرائيليين واللبنانيين. وأكدت هذه المصادر أن القصف جاء ضمن المنهج الإسرائيلي لمكافحة تهريب الأسلحة والذخيرة الإيرانية إلى سوريا ولبنان. وقال إن هذه معركة شاملة تستهدف أيضا طرد الإيرانيين من سوريا ومنعهم من وضع قواعد لميليشياتهم قرب الحدود مع إسرائيل لفتح جبهة جديدة.
الشرق الأزسط
——————————-
الأسد أكد سورية مزارع شبعا وأسقط “مزاعم” حزب الله
في لقاء بين الديبلوماسي الأميركي، فريدريك هوف، ورئيس النظام السوري بشار الأسد في قصر تشرين في 28 شباط 2011، أكد الأخير أنّ “مزارع شبعا وتلال كفرشوبا سورية”. ففي مقال نشره في مجلة “Newline Magazine”، أمس الأربعاء، كشف هوف عن لقاء وكلام لا يُنتسى أسرّ به الأسد في ذلك اللقاء: لم يفاجئني قول الأسد إنّ ادّعاء حزب الله لبنانية مزارع شبعا زائف. لكن صدمتني صراحته وعدم تردّده في إخبار ديبلوماسي أميركي بهذا الأمر. موقف الأسد حينها أتى للدفع في اتجاه وساطة للسلام كانت بدأت بالتلاشي، وقد كان واضحاً أنه مقابل السلام واستعادة سوريا جميع الأراضي التي خسرتها في حرب حزيران 1967، فهو سيعمل على حلّ العلاقة العسكرية بين سوريا وإيران ويلزم لبنان بالتوصّل إلى سلام مع إسرائيل، وبالتالي إنهاء مقاومة حزب الله بشكل كامل.
نتنياهو والمعلّم
كان المفاوض السوري حينها، وزير الخارجي وليد المعلّم الذي توفّى عام 2020. هو مفاوض بارع ولامع ومؤمن حقيقي بالسلام مع إسرائيل لاستعادة أراضي 1967، وكان ينال ثقة كاملة من رئيسه بشار الأسد. لكن بالنسبة للطرف الإسرائيلي، لم يكن المعلّم في موقع يعتدّ به لتقديم الالتزامات. وأراد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التأكد من أن الأسد نفسه ملتزم بالسلام وإعادة رسم توجهات سوريا الإقليمية. وكان نتنياهو يعرف ثمن السلام الذي تريده سوريا وهو استرداد كامل أراضيها. وقد أثار احتمال قطع سوريا علاقتها بإيران وحزب الله وحركة حماس اهتمامه الشديد، إلا أنه كان قلقاً من أي تجاوب يبديه المعلّم يتراجع عنه الأسد في وقت لاحق. لذا، كان موقف نتنياهو يشير إلى أنه على الأسد أن يلتزم شخصياً بقطع هذه العلاقات التي تهدّد أمن إسرائيل. فكان هوف أن اقترح على نتنياهو، في اجتماع عقد في القدس مطلع 2011، أن يقابل الأسد شخصياً لتقييم موقعه وموقفه من هذا الملف، فوافق نتنياهو على الاقتراح.
لقاء دمشق
يقول هوف: جاء اللقاء المنفرد بيني وبين الأسد ثمرة هذا الاقتراح، وتم في 28 شباط 2011، حيث كان الأسد صريحاً بشكل مبالغ به وغير طبيعي تجاه المقايضة. فاجأني عدم ترّدده في موقفه ولم أتوقع أن يكون حازماً. وبينما كنت أحاول استيعاب ما كان يقوله، تساءلت عمّا إذا كان قد حسب بدقة ردّ فعل إيران وحزب الله تجاه تخلّي دمشق عن الجمهورية الإسلامية ووكيلها اللبناني لتتمكّن سوريا من استعادة أراضيها والسير في السلام مع “العدو الصهيوني”. تركت دمشق متوجهاً إلى القدس في الأول من آذار 2011، متسائلاً عما إذا كان الأسد تساءل كيف سيتصرّف حلفاؤه لما قد يعتبرونه خيانة جبانة. وكنت ارتحت لو قال شيئاً على غرار أنّ الخطوة “لن تعجبهم لكني على استعداد لمقاتلتهم إذا لزم الأمر من أجل المصالح السورية”. إلا أنه توقع أن يلحق توقيع سلام بين سوريا إسرائيل، معاهدة سلام بين لبنان وإسرائيل وأنّ حزب الله وإيران سينصاعان للأمر. كنت مندهشاً وغير مقتنع في آن. ومع ذلك، بعد أيام على إطلاعه على الأجواء، أعلن أنّ الوساطة في مرحلة جدية وفوّض فريقه اتخاذ الخطوات اللازمة لاستمرار المفاوضات.
القرى السبع
ويكتب هوف: بعد عام 2000، أكد حزب الله على ضرورة تنفيذ انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية. فلو لم يستمرّ الاحتلال فضد من كان ليقاوم حزب الله؟ ومن دون مقاومة كيف كان لإيران أن تحافظ على ميليشيا مسلّحة في لبنان مستقلّة عن القوات المسلحة اللبنانية؟ فلجأ حزب الله أولاً إلى بالون اختباري أوّل اسمه “القرى السبع”، وهي سبع قرى شيعية شمالي فلسطين تم فصلها عن لبنان خلال الترسيم الفرنسي البريطاني للحدود عام 1924. وعام 1948 تمّ طرد سكان هذه القرى من الأراضي الفلسطينية إلى لبنان خلال هجوم عسكري إسرائيلي. واعتبر حزب الله أن الانسحاب الإسرائيلي لا يمكن أن يكون كاملاً دون إعادة ضمّ هذه القرى إلى لبنان، مدركاً أنه لا يمكن لإسرائيل القبول بإعادة هذه الأراضي، وامتناعها عن ذلك سيبرّر وجود المقاومة المسلحة. وسبق أن وجّهت سؤالاً لرئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سليم الحص عام 2000، حول القرى السبع، فبدى حائراً ومحرجاً.
تلال ومراعي
إثارة حزب الله لملف القرى السبع قوّض الموقف الرسمي اللبناني المؤيد للحدود التي رسمتها سلطات الانتداب، وهي الحدود التي تحوّلت خط الهدنة الذي فصل بين لبنان وإسرائيل عام 1949. شئنا ام أبينا، اعتبر لبنان دائماً أن القرى المعنية خارجة عن ولايته، كما أنّ في لبنان قلق من قيام إسرائيل بتحويل خط الانتداب/الهدنة لصالحها. إذ إنّ المطالبة بالقرى السبع يعني المخاطرة بوضع كل شيء على الطاولة من جديد. ومع ذلك، عندما قامت الأمم المتحدة بترسيم الخط الأزرق بعد الانسحاب الإسرائيلي، أتيحت فرصة لمطالبة حزب الله بأجزاء من المرتفعات في شبعا فيها مزارع ومراعي. فعاشت المقاومة.
أرادت سوريا استمرار “المقاومة” للضغط على إسرائيل، فسارعت وجارت ادعاء حزب الله. وجاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حينها كوفي عنان أنه “في اتصال هاتفي أجريته مع وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع، في 16 مايو 2000، قال إن سوريا تدعم موقف لبنان”. والتزمت الحكومات اللبنانية المتعاقبة بهذه المطالبة، إذ ألزمتها إيران ممثلة بحزب الله بذلك.
نصرالله وتصفية المقاومة
أكد لي الأسد خلال اللقاء يوم 28 شباط 2011، من بين أمور أخرى، أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، سيقوم بتصفية منظمته المقاومة ويتماشى مع أحكام معاهدة السلام اللبنانية الإٍسرائيلية التي ستبصر النور تلقائياً بعد توقيع الاتفاق السوري الإٍسرائيلي. سألت الأسد عما إذا كان تخلي نصر الله عن “المقاومة” سيتطلب أولاً أن تقوم سوريا بنقل مزارع شبعا والأراضي المرتبطة بها رسمياً إلى لبنان. وجاء جوابه دون أي لبس: “لا، لا. الخرائط تظهر بوضوح أن المنطقة المعنية سورية. بمجرد استعادة سوريا لأراضيها من إسرائيل، ستكون هناك محادثات مع لبنان حول التعديلات المحتملة على الحدود هنا وهناك، وحول صكوك ملكية الأراضي ومن أصدرها”. وقال الأسد إن الأرض سورية. نقطة انتهى.
تابعت وتعمّقت وكتبت حول الجدل على مزارع شبعا منذ ابتداعها كمشكلة، ففوجئت (وسعدت) ليس فقط برفض الأسد المطالبة اللبنانية بالمنطقة إنما اعتراف حكومته بها أيضاً. أما بالنسبة للمحادثات المحتملة مع لبنان حول التعديلات الحدودية، فقد جرت بالفعل مفاوضات ثنائية رسمية قبل خسارة مرتفعات الجولان. لم تتنازل سوريا عن أي شيء لجارتها اللبنانية. ومع ذلك لم يصدر عن الدولة اللبنانية شيء حيال احتلال أي من أراضيه عام 1967، إلا أنّ خرج الادعاء بذلك بعد 33 عاماً. كانت المنطقة التي يطلق عليها اسم “مزارع شبعا” و”تلال كفرشوبا” تحت الإدارة السورية حتى حزيران 1967 عندما احتلّها إسرائيل.
على أي حال، قرار الأسد، في ربيع 2011، بقتل المتظاهرين السلميين بدلاً من السعي لتحقيق السلام مع إٍسرائيل يؤكد على الأرجح استمرار خسارة هذه الأراضي. ومع ذلك، يبقى أنّ الأسد أسقط ادعاء حزب الله بمقاومة إسرائيل لتحرير الأراضي اللبنانية، مسجّلاً للتاريخ. نظرة الأسد إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل كانت واضحة: إنها سورية.
—————————-
الأسد يريد مزارع شبعا/ مهند الحاج علي
اللافت في ما كتبه السفير الأميركي السابق فريديريك هوف في مجلة “نيوز لاين ماغازين”، عن تصريح للرئيس السوري بشار الأسد عن “سورية” مزارع شبعا، وأيضاً الاستعداد المبدئي للتخلي عن العلاقة مع ايران و”حزب الله”، أن الكلام يخرج من مسؤول أميركي سابق لعب دوراً في وساطات إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. وبالتالي، يُعبّر هوف لا عن مزاجية الإدارة السابقة بقيادة دونالد ترامب، بل عن الدبلوماسية التقليدية الأميركية ورؤيتها لمسار الحل. والكلام يتطابق أيضاً مع تاريخ العلاقة بين “حزب الله” وإيران من جهة، وبين النظام السوري، من جهة ثانية. هي علاقة مبنية على اهتزاز الثقة، رغم مظاهر التحالف والتآلف.
هوف، وهو دبلوماسي أميركي ووسيط سابق في ملف ترسيم الحدود الإسرائيلية-اللبنانية، كان شاهداً بنفسه في 28 شباط (فبراير) عام 2011 على كلام الرئيس السوري بأن المزارع “سورية” وليست لبنانية (كما جاء على لسان قادة “حزب الله” ومسؤولين في الدولة). كان هوف حاضراً في هذه الجلسة، وربط بمقاله بينها وبين مسار المفاوضات والمطلب الإسرائيلي فيها (كلام الأسد نقدي ضد سردية حزب الله ويُخفي انسجاماً مع الجانب الإسرائيلي).
على سبيل المثال، وصف هوف وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم بأنه “مؤمن حقيقي بالسلام مع إسرائيل”، ويحظى بثقة كاملة لدى رئيسه بشار الأسد. المعلم دوماً أكثر تحفظاً وأقل اندفاعاً من رئيسه في الجلسات، إذ يُبادر بالكلام في قضايا حساسة مثل مزارع شبعا. ذاك أن سردية المحادثات الإسرائيلية-السورية تشمل دوماً تلميحاً أو حديثاً مباشراً عن استعداد النظام السوري، للتخلي عن العلاقة مع إيران و”حزب الله”. والعراقيل التي حالت دون مثل هذا الاتفاق، جاءت نتيجة الطلب بالتنازل المسبق أو التزام واضح ودائم (كما جاء في كلام هوف نقلاً عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) أو نظراً لغياب صفقة إقليمية أوسع تشمل الدور السوري في لبنان.
خلال موسم مفاوضات أوسلو، كان المشهد مماثلاً، إذ شعر الجانب الإيراني بقلق وبعث بوفد الى دمشق ليعود خالي الوفاض، وسط شعور إيراني بأن طهران في طريقها الى عزلة تامة نتيجة موقفها من السلام مع إسرائيل، ودعمها لحركة “حماس” حينها. هذا التوتر وصفه أنتوني لايك مستشار الامن القومي السابق في إدارة كلينتون، بالقول إن إيران والحزب “شعروا بتوتر شديد… وقادة حزب الله تساجلوا في ما بينهم عن كيفية انتهاج أجندة متطرفة في زمن سلام لبناني-إسرائيلي”. حينها، كان الحديث السوري-الإسرائيلي أن أي اتفاق سلام سيشمل لبنان بطبيعة الحال نتيجة الهيمنة السورية في هذا البلد.
وهذا الكلام انسحب أيضاً على المفاوضات السورية-الإسرائيلية في عهد بشار الأسد، وتحديداً قبل حرب تموز (يوليو) عام 2006. رغم أن حلفاء الأسد في لبنان كانوا يخوضون معركة سياسية للدفاع عنه، لم يجد مانعاً من الانخراط في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، شمل بنداً عن المساعدة في “حل سلمي للمشكلات مع الفلسطينيين وفي لبنان وايران”، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة إسرائيلية وترجمته الغارديان البريطانية. بحسب المصدر ذاته، نشرت “هآرتس” بأن مسؤولين سوريين طلبوا عقد اجتماعات سرية مباشرة بين الجانبين لكن إسرائيل رفضت ذلك.
عملياً، لا يُمانع النظام في التفاوض حول مصائر حلفائه، حتى لو كانوا يخوضون معارك دفاعاً عنه، كما الحال في المفاوضات غير المباشرة عام 2005 و2006، أو في المحادثات التي كشف عنها هوف، وانتهت قبل أسابيع قليلة من انطلاق الثورة السورية عام 2011، وقبل شهور من بدء تدخل “حزب الله” دفاعاً عنه.
وفي موازاة ذلك، اعتبار الأسد مزارع شبعا سورية عام 2011، والتنقيب عن الغاز في منطقة بحرية متنازع عليها بين البلدين عام 2021، هما حدثان يتشاركان في المعنى. لهذا السبب، تحتاج الحدود مع سوريا، ترسيماً طارئاً يتقدم على المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي. ذاك أن أي تعافٍ للنظام ضمن صفقة إقليمية، ستكون له تبعات على احتمالات حل النزاع الحدودي، ليصير على حساب الجانب اللبناني دون أي مفاوضات أو ندية بين الطرفين. صمت النظام ليس علامة رضى، بل تأجيل لظروف تُناسبه أكثر.
المدن
————————–
النفط الإيراني إلى بانياس..قصّة ذات وجهين/ إياد الجعفري
يبدو وكأن هناك علاقة “قدرية” غير قابلة للتفسير، تربط بين الوصول إلى ذروة غير مسبوقة لأزمة الوقود في سوريا، في نيسان/أبريل من كل عام، وبين حصول انفراجة مؤقتة للأزمة، في الشهر نفسه.
تكرر ذلك في نيسان/أبريل من العامين 2019 و2020. وها هو يحدث للمرة الثالثة على التوالي، في نيسان/أبريل من العام الجاري، حيث وصلت أزمة شح الوقود في مناطق سيطرة النظام، إلى ذروة جديدة غير مسبوقة، دفعت الإعلام الروسي إلى الإقرار بأنها أسوأ أزمة على الإطلاق. لكن البحرية الروسية، ستسارع لإنجاد حليفها بدمشق، وسترافق على الأرجح 3 ناقلات نفط إيرانية تتجه إلى الشواطئ السورية، بعد أن سبقتهم ناقلة أولى إلى مصفاة بانياس، بصورة دفعت وزارة النفط إلى إصدار بيان، أشبه بـ “بشرى سارة” تزفها للسوريين، تفيد باقتراب “الفرج”، الذي سيتيح متنفساً ربما لأسابيع فقط، قبل الولوج إلى أزمة جديدة.
الأزمة الأخيرة، تسببت بها حادثة إغلاق قناة السويس، بصورة مباشرة. لكن ما مهد لها، هو تصاعد حرب الناقلات، بين إسرائيل وإيران. لتأتي حادثة إغلاق القناة، وتدفع الأزمة إلى مدىً غير مسبوق. ذلك التفسير الظاهري، يوضح –بصورة سطحية- ما حدث. وفي الوقت نفسه ، يعطي إيحاءً، بأن روسيا وإيران، حريصتان على صمود حليفهما – الأسد-، فيما تستهدفه إسرائيل. لكن التمعن في التفاصيل، يدفع إلى قراءة أعمق، وأكثر تعقيداً.
في نهاية شهر نيسان/أبريل من العام الفائت، رصد موقع “تانكر تراكرز”، المتخصص في تتبع ناقلات النفط، وصول سفن نفط إيرانية، تحمل أكثر من 6.8 مليون برميل، إلى ميناء بانياس السوري.
الموقع ذاته، تحدث قبل يومين، عن اقتراب وصول 4 ناقلات نفطية إيرانية إلى الميناء ذاته، تحمل هذه المرة حوالي 3.5 مليون برميل.
نظرياً، لا تغطي الكمية الأخيرة الاستهلاك المحلي في مناطق سيطرة النظام، إلا لـ 35 يوماً فقط. لكن النظام يستعد لديمومة أطول للكمية القادمة، عبر سياسة تقشف تحدّ من النشاط الحكومي، بعد تعليق دوام الموظفين أو تخفيض مدته، لـ 10 أيام. إلى جانب التخفيضات الأخيرة التي فرضتها حكومة النظام على مخصصات البنزين المدعومة. فمن يريد الحصول على البنزين، فليتجه إلى السوق السوداء. وهذا بيت القصيد. فالروس يحمون بعض الناقلات، والإيرانيون يوردون كميات كبيرة من النفط إلى سوريا، ونظام الأسد يموّل السوق بكميات محدودة من النفط المدعوم، فيما يلعب دوراً في بيع الكميات الأكبر من النفط الإيراني عبر السوق السوداء.
هذا ما ذهبت إليه، كل من المعارضة الإيرانية -عبر مصادرها في الداخل الإيراني-، ووزارة الخزانة الأمريكية، التي تستند إلى معلومات استخباراتية، وذلك في تقارير صدرت عن الجانبين، خلال العام الفائت.
ففي نيسان/أبريل 2020، قال موقع راديو فاردا الإيراني المعارض، إن نظام الأسد في سوريا حلّ محل الصين، في المرتبة الأولى بين مستوردي النفط الإيراني. وقال الموقع، إنه منذ فرض العقوبات الأمريكية على إيران في أيار/مايو 2019، يصل إلى سوريا، بصورة وسطية، حوالي 2 مليون برميل نفط شهرياً. لكن هذه الكمية ترتفع إلى أعلى من ذلك، في بعض الأوقات. وهو ما يفسّر حصول انفراجات مؤقتة لأزمات الوقود المُستدامة في سوريا.
وتتفق وجهة النظر الأمريكية، جزئياً، مع المعارضة الإيرانية، إذ يشير تقرير صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، في أيلول/سبتمبر 2019، إلى أن إيران نقلت نفطاً بمئات ملايين الدولارات عبر شبكة شحن، سرّية، يشكّل كل من “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، ونظام الأسد، أذرعاً رئيسية فيها. وذلك التقرير غطّى فقط الفترة بين أيار/مايو 2019 – تاريخ فرض العقوبات الأمريكية على إيران- وأيلول/سبتمبر 2019، تاريخ صدور التقرير. أي أن إيران نقلت –على الأغلب- نفطاً بمليارات الدولارات، عبر شبكة الشحن السرّية تلك، حتى اليوم.
ووفق التقرير الذي تحدث عنه باستفاضة تحليل نشره “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، قبل يومين، فإن شركات روسية، تشارك في تسهيل شحن ملايين البراميل من النفط إلى نظام الأسد، فيما يسهّل الأخير عبر “مصرف سورية المركزي”، نقل الأموال –ثمن النفط- إلى حزب الله. ومقابل هذه الخدمات، يحصل نظام الأسد على حصّة من النفط الإيراني، بأسعار أقل من الأسعار العالمية، لكن، ليس مجاناً.
هذه الشبكة المعقّدة، لبيع النفط خلسةً، بعد فرض العقوبات الأمريكية في 2019، هي ما دفع إسرائيل إلى استهداف بعض ناقلات النفط التي تعتقد أنها تحمل نفطاً إيرانياً، إلى سوريا، تحديداً. وهو ما أدى إلى انخراط إيران بنشاط مضاد يستهدف بعض سفن الشحن البحري التابعة لإسرائيل. أي أن الأخيرة لم تكن تستهدف، بصورة أساسية، نظام الأسد، الذي تضرّر من حرب الناقلات، ولم يعد يحصل على حصّته من النفط الإيراني، بانتظام، فتفاقمت أزمات الوقود في مناطق سيطرته.
وهكذا، يبدو النفط الذي لا يصل إلى سوريا، في وقته، أشبه بقصّة ذات وجهين. فهي من السطح، قصّة صمود لنظام يكافح العدو الإسرائيلي، ويسانده حليفاه المخلصان، إيران وروسيا. أما من الباطن، فهي قصّة بيع وشراء، وسمسرة. فإيران التي تعجز عن بيع نفطها بشكل شرعي، بسبب العقوبات الأمريكية، تتمكن من تصريف جزء منه، والحصول على ثمنه، من جيوب السوريين، الذين يضطرون للجوء إلى السوق السوداء، لشراء الكميات التي يحتاجونها من الوقود، والتي لا يتمكنون من الحصول عليها عبر قنوات الدعم الحكومي. وهنا يأتي دور نظام الأسد، الذي يحرص، يوماً تلو الآخر، على تقليص جدوى قنوات الدعم تلك، لصالح سوق سوداء، يكون هو ذاته، المورّد الرئيس لها.
المدن
============================
تحديث 14 نيسان 2021
—————————-
الساعات ال24 الأولى بعد سقوط الأسد/ العقيد عبد الجبار العكيدي
في ظل الحديث عن سيناريوهات تُطرح اليوم للحل السياسي في سوريا، سواء كانت جدية أو غير جدية، فإن السؤال الذي لا يمكن تصور أنه يغيب عن اهتمامات كل الدول، وخاصة المتداخلة منها في الشأن السوري، كان وما يزال “ماذا عن اللحظات التي ستلي مباشرة سقوط النظام!”.
تلت الضربة بالأسلحة الكيماوية التي نفذها نظام الأسد على الغوطة الشرقية 2013 والتي راح ضحيتها أكثر من 1200 شهيد، تصريحات نارية من مختلف العواصم، كان أبرزها اعتبار الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أنها تجاوزت خطوطه الحمراء، وأنه قرر توجيه ضربة للنظام. تفاءل السوريون وقتها كثيراً عساها تقصم ظهره وتنهي معاناتهم.
بعدها بأيام كان لنا اجتماع في غرفة العمليات بالعاصمة التركية أنقرة، ضم رئيس أركان الجيش الحر وقادة المجالس العسكرية وقادة الجبهات الخمس، مع ممثلي الدول الفاعلة في الملف السوري، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وكان الاجتماع الأطول ومحوره الأساسي وضع الخطط لتوجيه ضرة تأديبية قوية للنظام قد تؤدي لسقوطه.
تدارسنا الأهداف التي يجب توجيه الضربات لها بحيث يكون تأثيرها العسكري كبيراً، مع الحرص أن تكون بعيدة عن المناطق المدنية، وتتركز على المطارات العسكرية وغرف قيادة العمليات وقيادة الحرب الإلكترونية والحرس الجمهوري والفرقة الرابعة ومراكز البحوث التي يتم فيها تصنيع البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية ومواقع أخرى.
تم تحميل تلك المواقع الهامة على الخرائط استعداداً لساعة الصفر، على أن نكون نحن على أهبة الاستعداد للسيطرة على المراكز الأمنية في المدن والقيام بحفظ الأمن والسلم الأهلي، ومنع وقوع أي أعمال انتقامية أو تخريبية، ولكن انتظارنا لساعة الصفر طال كثيراً، واستخدم النظام لاحقاً الكيماوي عشرات المرات وما زلنا ننتظر.
هل كنّا حقا سذجاً وصدقنا الأمريكيين بأنهم سيعاقبون الأسد على جريمة استخدامه السلاح الكيماوي؟! أم كان لديهم حسابات أخرى مع مجرم أيدوا خرقه للدستور في بضع دقائق بعد وفاة والده صيف 2000 وتمّ تنصيبه رئيساً غير شرعي على سوريا بمباركة وزيرة خارجيتهم آنذاك مادلين أولبرايت، أم أن حرصهم على مفاوضاتهم مع إيران حول ملفها النووي، والحفاظ على أمن إسرائيل جعلهم يحجمون عن ذاك القرار.
المؤكد أن المسؤولين الأميركيين والغربيين طرحوا فيما بينهم هذا السؤال “ماذا بعد سقوط الأسد!”، وبناءً عليه أعادوا النظر في نواياهم توجيه الضربة، هذا لو افترضنا جدلا صدق نواياهم بمعاقبة النظام على جريمته، وربما كان الجواب على هذا السؤال أحد الأسباب التي جعلتهم يكتفون بمصادرة أداة الجريمة ويتركون المجرم حراً طليقاً حتى الآن يسبح في دماء السوريين.
سؤال هام وملح كان يتوجب علينا جميعا في قوى الثورة والمعارضة أن نطرحه منذ البداية وأن يكون لدينا إجابات واضحة ومنطقية عليه، ونعد له العدة ونضع الخطط لكل السيناريوهات المحتملة لسقوط الأسد ومنها:
أولا: أن تكون إزاحة الأسد بتوافق دولي وإقليمي في سياق العملية السياسية وفق القرارات الدولية ذات الصلة (بيان جنيف 1 والقرار 2254) وهنا السؤال الأهم: هل المعارضة بكل أطيافها جاهزة بكوادر وخبرات ومخططات لتكون شريكة حقيقية في السلطة؟ أم أنهم سيصبحون مجرد ديكورات يتمّ من خلالها إعادة انتاج النظام مجددا حتى بدون بشار الأسد؟
وبالتالي كان يتوجب على المعارضة أن يكون لديها مشروعاً جاهزاً لإعادة تنظيم المنشقين عن الجيش والشرطة والقوى الأمنية من كافة الرتب العسكرية في مؤسساتهم، خاصة أنه لدينا من الضباط المنشقين عن الجيش حوالي 4000 ضابط منهم 7 برتبة لواء، 115 برتبة عميد، 860 برتبة عقيد، والآلاف من باقي الرتب، بالإضافة إلى عشرات الالاف من صف الضباط والمجندين.
أما من ضباط الشرطة لدينا أكثر من 600 ضابط وعشرات الآلاف من العناصر وصف الضباط المنشقين.
هؤلاء كانوا قادرين على أن يشكلوا ثقلاً حقيقياً بشرط أن يتم إجراء دورات تأهيل وتدريب لهم باستمرار ليبقوا في جو العمل، لا كما هو حاصل الان.
كنت قد عملت منذ صيف 2012 على دراسة مشروع تأسيس أكاديمية عسكرية حقيقية وليست شكلية استعراضية، لتأهيل الكوادر وتخريج الضباط لرفد الجيش الوطني بالخبرات والكفاءات، والحفاظ على المنشقين بكامل جهوزيتهم، ولكنها لم تلق أذاناً صاغية.
وما ينطبق على العسكريين ينطبق على المنشقين الموظفين المدنيين، فنحن لدينا الآلاف من المنشقين عن إدارات ومؤسسات الدولة، بينهم رئيس وزراء وقضاة ومحامين ودبلوماسيين ومدرسين وصحفيين ومهندسين وأطباء وخطباء مساجد وغيرهم، كانوا قد أطلقوا في السنوات الأولى للثورة روابط ومؤسسات تجمعهم، مثل تجمع العاملين في الدولة، ونقابات المهندسين الأحرار، المحامين الأحرار، هيئة القضاة والقانونيين وكثير من الكيانات التي تشكلت بجهود فردية من أصحابها لتنظيم أنفسهم، ولكن للأسف لم يجدوا أي اهتمام أو رعاية من مؤسسات المعارضة الرسمية، وبالتالي لو افترضنا سقوط النظام الآن، وبعد انقطاع هؤلاء حوالي عشر سنوات عن العمل، ألم يصبحوا غير مؤهلين للعودة مجدداً الى وظائفهم لإعادة بناء المؤسسات؟
أما السيناريو الثاني المتوقع فهو السقوط المفاجئ للنظام وانهياره لأي سبب داخلي، وهنا فإن الحديث عن هذا الاحتمال يدخلنا في عالم التنجيم والفرضيات التي قد يصيب بعضها ويخطئ أكثرها.
الاحتمال الأكبر أنه في الساعات الست الأولى ستعم فوضى عارمة أنحاء البلاد، وخاصة الواقعة تحت سيطرة النظام، وربما نشهد انهياراً لمؤسسات الدولة وتفكك المؤسسة العسكرية والأمنية وانطلاق عمليات واسعة لتصفية الحسابات، إلا إذا كانت هذه المؤسسات قادرة على الدفع بشخص يستطيع الإمساك بزمام الأمور، وربما مجهز مسبقاً.
في الساعات الست التي تليها سنشهد ردود أفعال إقليمية ودولية مبهمة وغير واضحة المعالم. فينا الساعات التي تليها ستكون حالة من الترقب الشعبي أمام مصير غير واضح ويبدأ السؤال يتبلور أكثر: ماذا سنفعل؟
الساعات الأخيرة من اليوم ربما تتوضح الأمور عبر خارطة طريق مبدئية تنتج عن اتصالات ومشاورات سريعة بين العواصم الفاعلة في المشهد السوري مع هياكل المعارضة والمتنفذين من أقطاب النظام الذين لم ينقطع تواصل تلك العواصم التي لا تترك الأمور للصدف، معهم.
في كل السيناريوهات التي تم ذكرها هل سيكون هناك دور لمؤسسات المعارضة والمنشقين عن الجيش والشرطة والأجهزة الامنية وغيرهم من العاملين في الدولة، وخاصة أن أغلبهم أصبح في مناطق متباعدة خارج البلاد؟
ماذا سيكون دور دول الجوار الفاعلة على الساحة السورية والتي لها قوات على الأرض؟ ما هو موقف روسيا وإيران وهل سنشهد صراع بينهما وكيف سينعكس ذلك على انتقال السلطة؟
هل الحديث في الآونة الأخيرة عن تشكيل مجلس عسكري من ضباط منشقين وآخرين من النظام يدخل في حسابات هكذا سيناريو؟
احتمال حدوث الانهيار المفاجئ وارد جداً في ظل الأزمة الاقتصادية القاسية التي يعيشها النظام الآن، وهذا الاحتمال يستدعي من المعارضة أن تكون في حالة جهوزية وتضع استراتيجية متكاملة من أجل هذه اللحظة، فقد فاتنا الكثير ولكن الوقت دائماً متاح للتفكير والعمل، إذا وُجدت الإرادة، بإطلاق مبادرات ومشاريع تعالج هذا الخلل الخطير وأن لا نترك الأمور للصدفة بما يضمن أن نكون مؤثرين وفاعلين، لا أن نعمل بردود الأفعال.
من الأمور الضورية أن نتواصل مع الجميع، ونرسم خارطة طريق ونعمل على فرز جميع الكوادر العسكرية والمدنية، أقله على الورق، كل حسب اختصاصه، وتوزيع المسؤوليات ضمن مؤسسات الدولة بشكل نظري تحضراً لتلك الساعات.
لطالما تساءل المجتمع الدولي عن البديل للأسد، فهم يتحدثون عن دولة ذات موقع جيواستراتيجي غاية في الأهمية، تشكّل عقدة ربط بين القارات الثلاث، آسيا واوربا وأفريقيا، إضافة إلى وجود الكيان الصهيوني على حدودها، والذي يخشى من تشظي هذا الجسم السوري في حال أفلتت أدوات الصراع من أيدي اللاعبين الدوليين.
نحن كسوريين نعتقد بل متأكدين أن سوريا زاخرة بالشخصيات الوطنية والكوادر القادرة على إدارة البلاد في حال توفر دعم من هذا المجتمع الدولي الذي ترك الشعب السوري يواجه القتل والتدمير والاعتقال والتهجير على مدى عقود من الزمن، لكن أهم الأسئلة هي: هل لدى المجتمع الدولي الرغبة الحقيقية بتوفير هذا الدعم للشعب السوري للنهوض من تحت ركام الحرب وبناء سوريا ديمقراطية مدنية تعددية لكل السوريين؟
المدن
—————————
عن أوان الأسد وانتخاباته/ موفق نيربية
يبدو أن بشار الأسد لم يستطع مقاومة رغبته بتقليد فلاديمير بوتين في دخوله الكرملين كقيصر قديم، ليستعرض مشيته الفخورة على السجادة الحمراء وحيداً، حتى وصل إلى حيث أقسم يمينه الدستورية. وقد قام الأسد بمشهد يشبهه، حين استجلب أعضاء مجلس الشعب إلى القصر الجمهوري، ليقسم يمينه أمامهم، بعد يمين بوتين وفيلمه الوثائقي المعروف بعامين، في 16/7/2014.
الآن، يريد تكرار تلك الانتخابات، خلال فترة تبدأ بعد يومين في السادس عشر من إبريل/ نيسان الجاري، وتنتهي بعد شهر. ولا يبدو أن العالم يعير الأمر اهتماماً كافياً مؤخراً، ليبدو وكأنه اقتنع بنصيحة من اقترح تجاهله واحتقار مسرحيته، أو ربّما انشغل الناس بمشاغل أكثر أهمية وراهنية، مثل موجة الوباء الثالثة، وجدول أعمال الإدارة الأمريكية الجديد المزدحم، خصوصاً فيما يخصّ إيران ومسار الاتفاق النووي، وأوكرانيا وتوتّر حدودها مع روسيا، ولولا إحساسهم بالقهر، لعلّ السوريين أيضاً كانوا سيتجاهلونه.
من حقّ العالم كذلك أن يمسك قلبه بيده، حين يتذكّر كيف ترافقت الانتخابات السابقة مع حصار «داعش» للموصل ثم دخوله إليها واغتنامه 2300 سيارة رباعية الدفع، شكّلت جزءاً مهماً من بنيته التحتية العسكرية لاحقاً. ولا تتوفّر للنظام حالة تخيف الآخرين ويختبئ وراءها كتلك حالياً، إلّا إن جاءت عن طريق توتّر باهرٍ يتعلق بإسرائيل أو إيران وحزب الله، أو أوكرانيا والبحر الأسود.
أصبح عادياً القول إن شرعية الأسد تآكلت حتى الاهتراء، ولكن ذلك لا يؤثّر في شهيّته وحماسة زوجته، التي حاولت مؤخراً الدفع نحو تطبيقات إلكترونية للزكاة، تُدخلها في مسارات النظام المالية، وتحاول الاستثمار في شهر رمضان. اختلطت تلك الشرعية باستبداد وفساد، وإجرام بحق الإنسانية لعقود عديدة، ثم تدهورت بشكل لولبي مع قتل مئات الألوف وتشريد الملايين، عندما اعتدت على حقوق أكثر من نصف سكان البلاد في حياتهم ووطنهم، أولئك السكان أنفسهم الذين كانوا سيمارسون حق الانتخاب، أو المقاطعة، والذين يجعل غيابهم أي انتخابات باطلة.
تلاشت حتى الشرعية الشكلية، رغم بقائه خارج القضبان وبعيداً عن المحاسبة عمّا هو مسؤول مباشرة ومن دون أيّ شك. وجرائمه باعتقال مئات الآلاف، وقتل عشرات الآلاف تحت التعذيب، إضافة إلى قتل قواته والميليشيات التي اصطنعها، أو استقدمها من خارج البلاد لمئات الآلاف أيضاً وتعويق أضعافهم، وتدمير بنية البلاد التحتية واقتصادها وتعليم أبنائها، وتدمير ما كان قد بقي من تماسك في نسيج المجتمع السوري، الذي انتشر جائعاً في البلاد أو شريداً في أصقاع الأرض.
وفوق ذلك كله، فقد النظام بشكل عملي شرعيةَ إجراء انتخابات، وهو رسمياً في سياق عملية سياسية تخضع للقانون الدولي، يتمّ من خلالها وضع دستور جديد، سيكون مرجعاً لأي انتخابات لاحقة. ويشكّل النظام طرفاً في تلك العملية لا يحقّ له القفز من فوقها، وتجديد رئاسته التي يريد لها أن تكون أبدية كما اعتاد قبل المحرقة.
أصبحت سوريا ثلاثة أقاليم الآن، تتفرّع منها أقاليم أخرى غير واضحة المعالم بشكل قاطع. أكبر تلك الأقاليم نظرياً هو ما يقع تحت سلطته، المتداخلة مع سلطات إيرانية وروسية، وسيطرة عشرات الميليشيات المحلية والمستوردة، التي لا تعدو كونها عصابات تتداخل مصالحها وتتعارض حسب الوقائع اليومية. أكبر تلك العصابات يتمثّل بالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، وحزب الله الذي لم يحسم أمره بعد ويحمل متاعه ويرحل. في ذلك الإقليم، بقايا الدولة التي أفشلها الأسد، وأوصل سكانّها إلى حدود المجاعة، بعد أن قام بتحطيم اقتصادها ونهبه، وتحويلها إلى نموذج لا يمكن تبيّن ملامحه، ولا مقارنته مع غيره في التاريخ الحديث. الإقليم الثاني في إدلب وحتى الحدود مع تركيا شمالاً وغرباً، تتداخل فيه سلطات الأمر الواقع الخاضعة للنفوذ التركي بشكل كامل، أو بشكلٍ جزئي، كما هو الأمر مع هيئة تحرير الشام. ما يسود تلك المنطقة من واقع عسكري واقتصادي واجتماعي وثقافي، يجعل مهمة الذين سوف يقومون بإعادة لحمة البلاد صعبة جداً في المستقبل القريب أو البعيد. الإقليم الثالث فريد وجديد في نوعه أيضاً، في شمال شرق سوريا، حيث تسيطر الولايات المتحدة بظلّها الثقيل، ودعمها لسلطات الأمر الواقع أيضاً هناك، التي أقامت نظاماً تجريبياً للسلطة والإدارة من دون استشارة أحد. هنالك تداخل غريب في تلك المنطقة ما بين وجود رسمي وإداري للنظام، ووجود عسكري تركي في شريط عريض على الحدود، إضافة إلى وجود روسي يقوم بدور الميسّر أحياناً، ليكسب المزيد من النفوذ ويلعب به ألعاباً رابحة أخرى. في ذلك الإقليم أفضلية نسبية على غيره، بوجود شكلٍ» مدني» وبعض الحرية والحياة، ممتزج بممارسة شمولية ويسارية، وروح عسكرية متغلّبة وقادرة على القمع، وعلاقة لا تقتصر على الأمريكيين، وتتعدّاها إلى حيث معسكرات حزب العمال، العدو الأكثر عدائية للحكومة التركية، والأكثر استهدافاً من قبلها.
من الإقليم الأول الذي تسيطر فيه سلطة الأسد رسمياً، تتفرّع منطقة، أو إقليم رابع غير محدد الحدود أو الملامح في المحافظات الجنوبية، حيث تتداخل قوى النظام والروس والإيرانيين والمعارضة، التي لم تُهزم إلّا جزئياً، إضافة إلى معارضة من نوع مختلف أيضاً في جبل العرب، الذي بقيت له بعض استقلاليته، رغم تبعيته رسمياً إلى دمشق. تهيمن في هذا الإقليم كذلك ظلال إسرائيل الغامقة، التي يحسب الجميع حسابها وحساب مصالحها، إلّا إيران بالطبع. هنالك» أقاليم» أخرى تشكلها ملايين تشرّدت ولجأت هنا وهناك، ولن تكون لها أيّ علاقة مع شيء يخصّ الأسد ونظامه. ولكن الناس على الأرض بدورهم، ليس في المناطق البعيدة عن سيطرة النظام وحسب، بل حتى في تلك التي تخضع له نظرياً، لن يكون لديها من الوقت – بمعظمها في أزمتها الخانقة، حتى بين من يوالون الأسد، أو يلوذون به – ما تعطي فيه اهتماماً لتلك المهزلة. فأيّ انتخابات يا رجل؟ وأنت لا تستطيع جمعاً أو طرحاً، في انتظار أن تحين ساعة الجدّ ويختمر العجين وتنضج القوى المتصدّية للأمر في المقدمة على نار قوية وهادئة.. تلك الساعة ستكون ساعة الحساب والمحاسبة أيضاً. لن يكون الخيار سهلاً ما بين إجراء تلك الانتخابات الصورية المهزلة، أو تأجيلها بذريعة ما، يمكن أن تكون ظروف الوباء مثلاً؛ وفي الحالتين سيقع النظام في حرجٍ شديد يزيد من ضعفه وتهافته. وممّا يبدو على السطح، يرى المراقبون تكراراً كوميدياً للاستفتاءات القديمة، تقودها زوجة الأسد في ما يبدو، التي تدفع باتّجاه الانتحار بعد أن فقدت كلّ أوراقها أيضاً، ودخلت في نادي الذين تشملهم العقوبات وتلاحقهم المساءلة والمحاسبة.
لم يعد هنالك وقت كافٍ لأن يقنع الروس الأسد بالتنحّي جانباً قبل الانتخابات، وليس من مؤشّرات على مثل ذلك الميل لديهم حتى الآن أيضاً، وخصوصاً بعد فتحهم لجبهة مناوشات دولية جديدة، وتوتّر استراتيجي في أوكرانيا غير معروفة الأفق. وكذلك تنشغل إيران بقوة ما بين انتخاباتها الرئاسية، وتطورات المفاوضات حول الاتفاق النووي، وتتفاعل الساحة العراقية بشكل أكثر من السابق، بحيث يمكن أن تؤدّي إلى قطع طريق إمداد دمشق – وبيروت – البرّي بالسلاح، كما تزداد الحالة اللبنانية حرجاً واستنفاراً لتشغل حزب الله ومشغّليه. وقد قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدوره كذلك بخطوة على طريقة الأسد مؤخراً، ليتيح لنفسه تمديد رئاسته إلى «أَبَدِه» الخاص، الأمر الذي يبدو أنه إغراء» أبدية» خامنئي، الذي يكتفي بتطبيق مبدأ الفترتين على روحاني وإخوانه من الرؤساء. وسوف يزيد هذا من انجذاب الأسد إلى إجراء الانتخابات، ويدخله في الورطة التي تجعله ينسف العملية السياسية الجارية، والقرار الدولي 2254، واللجنة الدستورية، كلّها بضربة واحدة. ذلك كلّه يمكن أن يخدعه ليحسب العالم منشغلاً قد نسيَه حيث هو، إلّا أن المظاهر قد تخدع كثيراً.
كاتب سوري
القدس العربي
——————————
لعبة التذاكي لدى النظام السوري/ خيرالله خيرالله
بعد ما يزيد على أسبوع من نشر فريدريك هوف مقاله عن سعيه في مرحلة معيّنة كمبعوث للإدارة الأميركية إلى تحقيق سلام بين سوريا وإسرائيل، لم يصدر عن الجانب السوري أي نفي لما ورد في المقال أو توضيح له. كان عنوان المقال كافيا كي يكون هناك رد على هوف. كان العنوان “الأسد: مزارع شبعا سورية، بغض النظر عمّا يدّعيه حزب الله”.
في المقال الطويل الذي نشره موقع “نيولاينز ماغازين”، وهو جزء من كتاب سيصدره هوف قريبا، تفاصيل دقيقة عن جهوده للتوصل إلى سلام بين سوريا وإسرائيل. كذلك فيه جانب من محاضر للقاءات بينه وبين بشّار الأسد الذي فاجأه في جلسة عقدت يوم 28 شباط – فبراير 2011 في “قصر تشرين”، وهو قصر الرئاسة السوري، بكلام صريح ومباشر عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي يعتبرها “حزب الله” أراضي محتلّة. اعتبرها كذلك كي يبرر الاحتفاظ بسلاحه تحت شعار “المقاومة”.
مؤسف، بل محزن أنّ ما تبيّن منذ العام 2000، تاريخ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، في العام 1978، هو استخدام “حزب الله” ذرائع من أجل الاحتفاظ بسلاحه. هذا السلاح الذي ليس سوى سلاح موجّه إلى صدور اللبنانيين الآخرين العزّل.
مؤسف ومحزن أكثر استفاقة بشّار الأسد في 2011 على أنّ مزارع شبعا سوريّة. لماذا لم يوضح ذلك ويؤكده منذ البداية. لا تفسير منطقيّا للأمر سوى الخدمات المتبادلة بين “حزب الله”، أي إيران، من جهة والنظام السوري من جهة أخرى. خدمات متبادلة ذهب ضحيّتها لبنان وجنوب لبنان.
قال هوف في مقاله “لقد شرح الرئيس الأسد أمامي، كيف أنّ حزب الله اللبناني مصرّ على الاحتفاظ بسلاحه، لأنّ هناك – حسب رأيه – بعض الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة (…) ومنها مزارع شبعا، وتلال كفرشوبا. إنّ رأي حزب الله ليس صحيحاً أبداً، لأنّ الأراضي التي يتحدث عنها الحزب في المزارع والتلال هي أرض سوريّة”. يضيف هوف “فوجئت بكلام الأسد”. ويشدّد على أنّه حرص على كتابة أن بشّار كان “حازماً وبعيداً عن التلعثم ما يدل على ثقة بالنفس، وأنّ لا مساومة في هذا الأمر”. ويذكّر “أنّ ما قاله بشار الأسد في هذا اللقاء في ما يتعلّق بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ليس إلاّ القليل من الحديث الطويل الذي دار بيننا. لقد كان التشديد على أمر واحد فقط، هو كيفية إعادة الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 في حرب حزيران – يونيو. وأكد الأسد في اللقاء المذكور، أنه في حال إعادة هذه الأراضي المحتلة، فإنّ سوريا مستعدة لفك تحالفها مع إيران. ليس هذا فقط، بل أنّ سوريا ستكون عندئذ مستعدّة لتفرض على لبنان توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل”.
بين السنتين 2000 و2011 لعب النظام السوري لعبة يمكن وصفها بلعبة التذاكي. قامت تلك اللعبة على التسريب في وسائل الإعلام أنّه يعترف بأنّ مزارع شبعا لبنانية. فعل ذلك من منطلق الشراكة مع “حزب الله” في لعب ورقة الجنوب اللبناني وتبادل الأدوار بينهما. لم يقدم يوما على خطوة تترجم تسريباته عن أن المزارع لبنانية. كان مطلوبا منه تقديم مذكّرة رسميّة إلى الأمم المتحدة في هذا الشأن. لم يفعل ذلك كي يتمكن لبنان من استعادة المزارع.
ليس سرّا أن مزارع شبعا احتلت في العام 1967 وكان فيها الجيش السوري. حصل ذلك في موازاة احتلال إسرائيل للجولان. ما لا بدّ من التذكير به هو أن لبنانيين يملكون الأرض، لكنّ الذي حصل أنّ الجيش السوري تمركز فيها منذ العام 1956 بحجة مكافحة التهريب من جهة وضرورة التصدي لإسرائيل من جهة أخرى. كان ذلك في مرحلة العدوان الثلاثي على مصر.
خلاصة الأمر أنّ أهمّية مقال فريدريك هوف تكمن أوّلا في كشفه أن النظام السوري لم يرد يوما استعادة الجولان. كلّ ما أراده هو المتاجرة بالجولان الذي احتلّ في العام 1967 عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع. لا يزال احتلال الجولان قضيّة غامضة، لكن الأكيد أن الإعلان عن سقوط الهضبة قبل أن تحتلّها إسرائيل لم يكن بريئا.
أمّا الأهمّية الثانية للمقال، فهي تتمثّل في أن من الخطأ الاعتقاد أنّ هناك تمييزا بين نظام “الجمهوريّة الإسلامية” في إيران ونظام بشّار الأسد. يستطيع الرئيس السوري قول ما يشاء، لكنّ مرجعيته في نهاية المطاف هي في طهران. هذا ما لم يدركه الجانب الروسي في يوم من الأيّام. لم يدرك ذلك ولن يدركه في غياب الرغبة في الاعتراف بأنّ كلّ ما فعله في سوريا، منذ اندلاع الثورة الشعبيّة فيها قبل عشر سنوات، صبّ في خدمة إيران. لا يمكن لوم موسكو على ذلك ما دامت لم تستوعب منذ البداية تغطية النظام السوري، وحتّى مشاركته، في تنفيذ عملية اغتيال رفيق الحريري. بعد صدور حكم المحكمة الدوليّة لم يعد سرّا من اغتال رفيق الحريري ورفاقه وظروف الاغتيال.
يمكن التوقف عند تفاصيل أخرى في مقال هوف، تفاصيل يصلح كلّ منها لفكرة مقال. لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه أنّ المقال يوحي بشكل عام بأنّ هناك غيابا لأيّ ثقة جدّية لدى الإسرائيليين في بشّار الأسد. قد يكون ذلك عائدا إلى معرفتهم بأن النظام السوري لم يرد يوما استعادة الجولان. لو كان جدّيا في ذلك، لما كان اعترض على استعادة مصر سيناء، ولا اعترض أصلا على زيارة أنور السادات للقدس. لم يكن لدى مصر وقتذاك من خيار آخر غير التفاوض من أجل استعادة سيناء وما فيها من نفط وغاز…
في النهاية، ما حصل في سوريا ابتداء من آذار – مارس 2011، بعد أقل من شهر من الاجتماع الذي انعقد بين بشّار الأسد وفريدريك هوف وما دار فيه من تبادل للآراء، يكشف أنّ الانفجار السوري كان طبيعيا. كان أكثر من طبيعي بعدما مارس النظام لعبة تقوم على التذاكي ولا شيء آخر غير التذاكي باستثناء استخدام الإرهاب وسيلة لابتزاز العرب وغير العرب… وحتّى أميركا!
إعلامي لبناني
العرب
—————————–
ماذا بعد إقرار الأسد بسورية المزارع؟/ شارل جبور
ما أكّده رئيس النظام السوري بشار الأسد للديبلوماسي الأميركي فريدريك هوف في لقاء بينهما عُقد في 28 شباط 2011، بأنّ «مزارع شبعا وتلال كفرشوبة سورية» يؤكّد المؤكّد، بدليل رفض هذا النظام تقديم الوثائق التي تثبت لبنانيتها على رغم المطالبات اللبنانية الرسمية وغير الرسمية المتكرّرة بذلك.
يعرف «حزب الله» جيداً حقيقة الموقف السوري من مزارع شبعا، ولكنه أخفاه على اللبنانيين لأكثر من 20 عاماً من أجل ان يحتفظ بسلاحه خلافاً للدستور، والتذرّع بأنّ مهمته لم تنته بالانسحاب الإسرائيلي في العام 2000. ولكن من يحاسب الحزب على سلوكه الذي فجّر انقساماً داخلياً عمودياً لم ينته بعد، وجرّ لبنان إلى حرب في العام 2006 أدّت إلى تدمير نصف البلد وخسائر بشرية ومادية لا تعدّ ولا تُحصى؟ وكيف يجب التعاطي مع هذا الحزب من الآن فصاعداً؟ وهل يمكن اعتبار الأسد، الذي أسرّ بكلام إلى ديبلوماسي أميركي أخفاه على اللبنانيين، بأقل من عدو للبنان؟ وما الإجراءات التي على الدولة اللبنانية المباشرة بها واتخاذها سريعاً بعد هذا التطور؟
قد يقول قائل انّه لا يفيد بشيء إثبات سورية مزارع شبعا، لأنّ «حزب الله» لن يسلِّم سلاحه للدولة سوى بقرار إيراني، وقام أساساً بربط سلاحه بتوازن الرعب مع إسرائيل، متحدثاً عن كونه مصدر قوة للبنان، وسلاحاً رادعاً لأطماع تل أبيب، وإلى آخر هذه المعزوفة المملة التي زاوجت بين تحرير المزارع والدفاع عن لبنان من أجل تعزيز حجج الاحتفاظ بالسلاح، ولكن على رغم ذلك، فإنّ الدولة مطالبة بالتحرك لحسم هذه الإشكالية لمرة أخيرة ونهائية، من خلال استدعاء السفير السوري في لبنان ووضعه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تأكيد ما أورده هوف على لسان الأسد، وفي حال تأكيده يعود إلى الدولة التسليم بسورية المزارع، او الدخول في نزاع قانوني دولي حسماً لهويتها، وإما نفيه والتأكيد على لبنانية المزارع، الأمر الذي يستدعي مطالبته بمراسلة الأمم المتحدة فوراً بالأمر لتحويلها إلى لبنان بشكل رسمي.
وبالتوازي مع استدعاء السفير السوري، على الدولة التعامل مع كلام هوف كوثيقة دولتية، واعتبار المزارع خاضعة للقرار 242، بانتظار إثبات هويتها القانونية، في حال قرّرت عدم التسليم بسوريتها، والدعوة إلى طاولة حوار لحسم الاستراتيجية الدفاعية التي يجب ان تستند حصراً إلى ركيزتي الدولة والقرارات الدولية.
فما كشفه هوف يجب ان يُعيد النقاش إلى المربّع الأول، اي سلاح «حزب الله» ودوره، وخصوصاً انّ هذا الكشف تزامن مع محاولة استيلاء سورية على مساحة بحرية لبنانية، من خلال التوقيع على عقد مع شركة روسية للتنقيب عن النفط في بلوك بحري متداخل في شمال لبنان، ويصل النزاع الحدودي البحري فيه إلى حوالى 1000 كيلومتر مربّع، الأمر الذي يستدعي من الدولة ألّا تكتفي بمعالجة هذه الإشكالية المستجدة التي تستدعي معالجة جدّية طبعاً، إنما الاستفادة منها والتأسيس عليها للعودة إلى القرار 1680 الذي ينصّ على ضرورة تحديد الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا.
وفي الوقت الذي يرفض فيه النظام السوري ترسيم حدوده مع لبنان لاعتبارات أيديولوجية تتعلق بعدم اعترافه بالدولة اللبنانية، واعتباره انّ لبنان هو جزء من سوريا، يواصل «حزب الله» مناوراته، ليس فقط بادّعاء لبنانية مزارع شبعا، إنما أيضاً بإدخال النزاع الحدودي البحري مع إسرائيل جنوباً في مبالغات بحقوق لبنانية مخالفة لاتفاق الإطار الذي كان أعلنه الرئيس نبيه بري، وكل ذلك بهدف نسف المفاوضات من باب تقني لا سياسي، فيتلطّى بالتقني لإسقاط الترسيم سياسياً، لأنّه لا مصلحة له برفض الترسيم لاعتبارات سياسية تضعه في مواجهة مباشرة مع واشنطن.
ومعروف انّ الحزب لا يمكن ان يقبل بالترسيم لا البري ولا البحري، لأنّ الترسيم يُسقط ذريعته بالمقاومة، ما يعني انّ هذا الملف سيواصل دورانه في الحلقة المفرغة نفسها، ولن يخرج عن سياق عملية الإلهاء السياسية والإعلامية القائمة، فما يكاد يتقدّم حتى يتراجع إلى النقطة الصفر، لأن لا قرار بحسمه بسبب ان ترسيم الحدود مع إسرائيل ممنوع إيرانياً، كما انّ ترسيم الحدود مع سوريا ممنوع بعثياً، ويستحيل ان تتخلّى طهران عن هذه الورقة قبل ان تصل إلى تسوية شاملة مع واشنطن حول النووي والباليستي ودورها في المنطقة، فيما النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل يبقيها في صلب الصراع مع تل أبيب.
فالحدود اللبنانية مع إسرائيل ممسوكة من إيران لاعتبارات لها علاقة بالدور الإيراني في المنطقة، فيما يتولّى «حزب الله» مهمة تغطية القرار الإيراني بحجج تقنية وعرقلة داخلية. وأما الحدود اللبنانية مع سوريا فممسوكة من قِبل نظام الأسد لاعتبارات أيديولوجية تتمثل برفضه الاعتراف بنهائية لبنان واستقلاله وسيادته، وما بين اعتبارات النظام الإيراني واعتبارات النظام السوري، ضاعت السيادة اللبنانية.
وفي موازاة المناورة التي سيواصل كل من النظام السوري و»حزب الله» اتباعها رفضاً لتطبيق القرارين 1680 و1701، وعلى رغم القناعة التامة بأنّ الترسيم لن يتحقق لا شمالًا ولا جنوباً، وانّ كل ما يحصل وسيحصل لن يخرج عن سياق المناورة السياسية، إلّا انّ هذا المعطى لا يعفي القوى السيادية من ثلاث خطوات متلازمة:
الخطوة الأولى، تحميل رئيس الجمهورية والحكومة المستقيلة والأكثرية النيابية، مسؤولية مخالفة الدستور وانتهاك السيادة، ومطالبتهم بضرورة تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة: 1559، 1680 و 1701.
الخطوة الثانية، دعوة المجتمع الدولي عموماً وواشنطن خصوصاً إلى وقف أو تعليق اي تفاوض حول الحدود البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل، لأنّ «حزب الله» يستفيد من هذه المفاوضات التي لن تصل إلى اي مكان، كما مطالبة الأمم المتحدة بتخيير لبنان بين تطبيق القرارات الدولية او سحب القوات الدولية من الجنوب.
الخطوة الثالثة، الدفع قدماً بدعوة البطريرك الماروني إلى عقد مؤتمر دولي، من أجل ترجمتها على أرض الواقع، لأنّ لا حلّ للأزمة اللبنانية سوى من خلال مؤتمر من هذا النوع. وجاء النزاع الحدودي القديم-الجديد ليضيف مسوِّغاً إضافياً على ضرورة انعقاد هذا المؤتمر: انهيار مالي، حدود سائبة، سيادة منتهكة، دولة فاشلة…
فلم يعد الترقيع يجدي نفعاً، خصوصاً بعد ان خسر لبنان كل وضعيته ومقوماته، وجاءت رواية هوف لتكشف حقيقة نيات محور الممانعة بكل فصائله حيال اللبنانيين، وتثبت استحالة ان يعرف لبنان الراحة ما لم يتمّ وضع حدّ نهائي للتواطؤ السوري-الإيراني ضدّ لبنان واللبنانيين. ورواية هوف ما هي سوى إدانة إضافية لهذا المحور ما فوق سياسية، وتُضاف إلى سجله في إبقاء لبنان ساحة مستباحة لأغراضه ومصالحه وأهدافه.
جريدة الجمهورية
—————————-
المعابر الإنسانية في سورية: ورقة بيد الروس لمساعدة الأسد/أمين العاصي
تستخدم روسيا مسألة المعابر الإنسانية لإدخال مساعدات أممية إلى الداخل السوري كورقة لتعزيز سلطة النظام وإنعاش اقتصاده، مع عرقلتها مساعي من قبل الأمم المتحدة لإعادة افتتاح ثلاثة معابر كانت معتمدة، لتخفيف معاناة ملايين السوريين الخارجين عن سيطرة النظام في شمال سورية وشمالي شرقها.
وفي جديد هذا الملف، برز كلام لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، خلال زيارته إلى ولاية هاتاي التركية، أول من أمس السبت، مبدياً أمله في أن يزيد مجلس الأمن عدد المعابر لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الداخل السوري. وتفقد المسؤول الأممي خلال الزيارة مركز نقل المساعدات الإنسانية في بلدة ريحانلي “الريحانية” التابعة للولاية في جنوب تركيا. وفي معرض حديثه للصحافيين، أشار بوزكير إلى أن شمال غربي سورية يحتضن نحو 2.7 مليون سوري نازح يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، موضحاً أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ناقشت الملف السوري 3 مرات. وأضاف: “للأسف لدينا بوابة واحدة مفتوحة من أصل 4، لإيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سورية، وأتمنى أن يرفع مجلس الأمن عدد هذه البوابات في أقرب فرصة”. وأعرب بوزكير عن دعمه لمناشدات ومساعي المجتمع الدولي في هذا الإطار، مشدّداً على أنه سينقل انطباعاته وملاحظاته التي تلقاها في الميدان إلى كل أعضاء الأمم المتحدة، متعهداً ببذل كل الجهود من أجل دفع مجلس الأمن الدولي لتغيير قراره، والسماح برفع عدد بوابات إيصال المساعدات الأممية إلى سورية.
وكانت الأمم المتحدة قد اعتمدت في عام 2014 آلية لتوزيع المساعدات التي تقدمها جهات ومنظمات دولية إلى السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عبر 4 معابر، تشرف على عملية التوزيع عبرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وقوّضت روسيا والصين جهوداً أممية لتخفيف معاناة السوريين في مناطق سيطرة المعارضة، واستخدمتا منتصف العام الماضي حق النقض ضد مشروع قرار بتمديد التفويض الدولي للأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى سورية من دون إذن النظام عبر منفذين حدوديين مع تركيا، هما باب الهوى وباب السلامة. وكانت الدولتان استخدمتا حق النقض أيضاً في ديسمبر/كانون الأول 2019 بشأن مشروع قرار قدمته ألمانيا وبلجيكا والكويت، يدعو لتمديد توزيع مساعدات من الأمم المتحدة إلى 4 ملايين سوري لمدة عام.
وكانت تستخدم قبل هذا التاريخ أربع نقاط عبور لإيصال المساعدات: باب الهوى وباب السلامة، ونقطة الرمثا عبر الأردن ونقطة اليعربية عبر العراق. وتحاول موسكو استخدام ورقة المعابر إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لتعزيز موقفه السياسي، في ظلّ محاولته إنعاش اقتصاده. وتتذرع موسكو بـ”السيادة السورية” لإغلاق المعابر الخارجة عن سيطرة النظام: باب الهوى، وباب السلامة بيد فصائل المعارضة، واليعربية بيد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وفشلت روسيا الشهر الماضي في إقناع الجانب التركي بفتح معابر بين مناطق النظام والمعارضة في الشمال والشمال الغربي من سورية، في مسعى لم يُكتب له النجاح لتنشيط الحركة التجارية، كي يستفيد النظام من النقد الأجنبي ليوقف انهيار الليرة السورية. لذلك من المتوقع أن تعرقل موسكو تجديد آلية المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى، التي تنتهي في 11 يونيو/حزيران المقبل. مع العلم أن المساعدات الأممية تدخل أيضا إلى مناطق النظام السوري عبر معبر المصنع مع الجانب اللبناني.
وتعهد مانحون دوليون أواخر الشهر الماضي بجمع قرابة 6.6 مليارات دولار أميركي لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين في قطاعات مختلفة، في مقدمتها الصحة والتعليم والإغاثة الإنسانية. وسيكون جزء كبير من هذه المخصصات ضمن المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود، والمهددة بتعطيل آلية التجديد لها من خلال روسيا في مجلس الأمن منتصف العام الحالي.
وأشار الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات خالد تركاوي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن التعنت الروسي إزاء فتح المعابر الإنسانية “يأتي في سياق مواصلة حصار المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري”، مضيفاً أن “الروس يريدون التحكم بالأموال والمساعدات الإنسانية لتوزيعها كيفما يريدون لمصلحة النظام”.
من جهته، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الموقف الروسي إزاء الملف السوري برمته “واضح”، مضيفاً: “لو تمكنت موسكو لأخضعت كل الجغرافيا السورية مرة أخرى للنظام الأسدي”. وأضاف أن “أي شيء يضغط على السوريين الخارجين عن سيطرة النظام لإجبارهم على العودة إلى سلطة الأسد لن تترد موسكو في استخدامه، والمعابر الإنسانية جزء من الضغوط الروسية”. وكشف أن الجانب الروسي “يضغط من أجل إعادة السوريين إلى مناطق النظام”، مضيفاً: “لم يتوان الروس عن استخدام كل أصناف الأسلحة في قتل السوريين. منذ أيام قليلة تم استهداف سيارة تقل مدنيين بقرية الناجية في ريف إدلب الغربي ما أدى إلى مجزرة بحق عائلة كاملة، وسبق هذا الحادث استهداف الروسي لمشفى في بلدة الأتارب في ريف حلب الغربي”.
ونوّه الفرحات إلى “المعابر التي يُعلن فتحها من وقت إلى آخر لعودة السوريين من الشمال إلى مناطق النظام، لم يعبر منها أحد، لذلك يحاول استهداف كل أسباب الحياة في الشمال السوري”. وذكر الفرحات أن الجانب الروسي “يريد وضع يده على كل المعابر الحدودية السورية“، مشدّداً على أن “الروس يحاولون استغلال المساعدات الإنسانية الأممية لإسعاف النظام الذي يختنق بسبب العقوبات الدولية عليه نتيجة جرائمه ضد السوريين”. ورأى أن موسكو “فشلت فشلاً ذريعاً في سورية، فلم تستطع إخضاع السوريين عسكرياً وسياسياً، لذلك يحاول السيطرة على المعابر، لأنها الشريان الذي يمكن أن يعيد جانباً من الحياة إلى مناطق سيطرة النظام الذي يتعرض اقتصاده لانهيار متواصل”.
العربي الجديد
——————————
الكرد السوريون وواشنطن والمعارضة/ بشير البكر
الموقف الأميركي الأخير من المسألة الكردية في سوريا كان مؤشرا صريحا على تحول، يتمثل في دعوة الأطراف الكردية إلى تشكيل وفد موحد، يشارك في منصات المعارضة ومحادثات السلام السورية التي ترعاها الأمم المتحدة، على حد تعبير نائب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا ديفيد براونستين، والذي عقد في الآونة الأخيرة عدة اجتماعات منفصلة مع قادة الأحزاب الكردية، ونقل سعي الإدارة الأميركية إلى إنجاح المحادثات، بهدف تشكيل وفد كردي موحد يضم، إلى جانب أحزاب المجلس الوطني الكردي، حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، وأحزاب مجلس سوريا الديمقراطية.
ويأتي الموقف الأميركي في ظل عدد من التطورات. الأول هو، فشل الحوار الكردي بعد عام على انطلاقه، وحملّت قيادات من المجلس الوطني الكردي حزب الاتحاد الديموقراطي مسؤولية الوصول إلى طريق مسدود، وعدم تحقيق أي هدف من أهداف الحوار، وأوضحت أن هناك خمس نقاط لا تزال محل خلاف، ويصعب تجاوزها بسبب التصلب الذي يبديه قادة من حزب الاتحاد، وعلى رأسهم ألدار خليل القيادي في حزب العمال الكردستاني. وتتلخص النقاط الخمس في: مصير المعتقلين والمختطفين من أنصار المجلس الكردي لدى قوات سوريا الديموقراطية- سلة الحماية والدفاع، وعودة قوة «بيشمركة روج آفا» التابعة للمجلس الكردي المنتشرة في إقليم كردستان العراق المجاور- والعملية التعليمية والمناهج، والتي تمس جميع سكان مدن وبلدات شمال وشرقي سوريا، ولا تتوقف عند التعليم باللغة الكردية لمناهج غير معترف بها دوليا- وإدارة المنطقة من قبل الكرد السوريين، وشركائهم من المكونات الأخرى، بعيدا عن التدخلات الخارجية، والمقصود بهذا البند الدور الذي يلعبه حزب العمال الكردستاني، وهو الدور الأساسي، حيث يسيطر على قرار قسد السياسي والعسكري، وأحد شروط الحوار والتهدئة مع أطراف إقليمية ودولية هو ترحيل مئات من أعضاء وقيادات الكردستاني من سوريا- مطالبة قادة المجلس الكردي بأن تكون لهم المشاركة الفعالة في مؤسسات الإدارة الذاتية وهيئاتها.
والتطور الثاني هو، تعويل قوات سوريا الديموقراطية على دعم من قبل إدارة الرئيس جو بايدن، أكثر رسوخا، وأكبر من ذلك الذي كانت تتلقاه من إدارة ترامب، والذي تعتبر أنه مال إلى جانب تركيا في العامين الأخيرين من ولايته، وتمثل ذلك في تأييد عملية نبع السلام التي قامت بها أنقرة والجيش الوطني السوري في ريفي الرقة والحسكة، وانتهت بالسيطرة على مناطق حدودية استراتيجية مثل رأس العين في ريف الحسكة، وتل أبيض في ريف الرقة.
أما التطور الثالث فهو يتمثل في التجاذب الحاصل من حول مدينة عين عيسى بين كل من تركيا وقسد والنظام. وتدعم روسيا النظام من أجل استعادة المدينة، في حين تسعى تركيا لانتزاعها من سيطرة قسد. وساد التوتر الشديد بين تركيا وقسد في مطلع العام الحالي، وتأجلت المواجهة العسكرية بعد وساطات روسية، ولكن المناوشات لا تزال مستمرة. ويبدو أن مصير هذه المدينة مرهون بالموقف الأميركي، وحسب مسؤول في المجلس الوطني الكردي فإن السفير ديفيد براونستين نقل لهم حرص الإدارة الأميركية على إنجاح المحادثات الكردية، وأن تفضي هذه الجهود إلى إدارة شاملة، تضم مكونات وأحزاب شمال شرقي سوريا كافة، للانضمام في مرحلة لاحقة إلى منصات المعارضة السورية والهيئة العليا للتفاوض، والمشاركة في محادثات السلام الدولية الخاصة بحل الأزمة السورية. ونقل القيادي الكردي موقف واشنطن في حال تعثرت المحادثات، ولم يتم التوصل إلى توافقات سياسية، بقوله: “بتصورنا، فإن الجانب الأميركي، ومن لقاءاتنا المكررة، سيعيد النظر بدعمه للإدارة الحالية شمال شرقي سوريا، إذا لم تستطع أن تكون شاملة لكل مكونات المنطقة”.
تلفزيون سوريا
——————————
تدخل إيران العميق في سوريا/ فايز سارة
تعددت وتنوعت التدخلات الخارجية في سوريا في السنوات العشر الماضية، وإذا كانت التقديرات تذهب إلى قول، إنَّ التدخل الروسي كان أهم التدخلات الخارجية في نتائجه المباشرة، فإنَّ التدخل الإيراني هو الأهم في نتائجه البعيدة، وهو الأعمق والأكثر شمولية من أي تدخل آخر.
الفارق بين التدخل الإيراني وغيره من التدخلات، أنَّ الأول تواصل في إطار استراتيجية إيرانية بدأت قبل أكثر من أربعين عاماً مع بدء نظام الأسد الأب ونظام الملالي علاقاتهما عام 1979؛ مما فتح أبواب سوريا على وسعها لتدخلات إيرانية متعددة المجالات والمستويات، حيث اشتغل الإيرانيون عبر مؤسسات رسمية ودينية وشخصيات في كل ما استطاعوا من شؤون سياسية واقتصادية وثقافية من دون أن يغفلوا عن الاهتمام بالمجالات الأمنية والعسكرية، ولم تقتصر تدخلاتهم على المستوى الرسمي في علاقاتهم مع كبار المسؤولين والمؤسسات الرسمية، بل شملت النخبة السورية في قطاعاتها وصولاً للأوساط الشعبية، وعكست تدخلات إيران في سوريا شكل القبضة الناعمة لطموحات إيران في التمدد الإقليمي والذي أخذ أشكالاً عنيفة في بلدان المنطقة، كانت بين أسباب حرب الثماني السنوات بين إيران والعراق 1980 – 1988.
ورغم قوة العلاقات الإيرانية – السورية التي أسسها نظام الأسد وملالي طهران، فإنَّها شهدت جفوات وإشكالات، كان الجزء الأساسي فيها توجس حافظ الأسد من استغلال طهران لخواصر ضعف نظامه، كما بدت قضية تشييع شقيقه جميل الأسد وتشكيله جمعية الإمام المرتضى ذات التوجهات الإيرانية؛ مما جعل الجانبين يسعيان إلى معالجة الإشكالات، خاصة في ضوء تحول دمشق إلى بوابة لبعض علاقات ونشاطات إيران الإقليمية والدولية، حيث لعب نظام الأسد الأب دوراً في دعم علاقات طهران مع الفلسطينيين، ولا سيما حركتي «الجهاد» و«حماس» والجبهة الشعبية القيادة العامة، كما كان بوابة إيران إلى لبنان، وخاصة لجهة العلاقة مع حركة أمل، وفي تأسيس وصعود «حزب الله»، ولعب الأسد الأب دوراً في كسر حدة العداء العربي لإيران، وخاصة في حربها مع العراق، وكان وسيطاً مهماً في تأسيس وتطوير علاقات إيران مع الاتحاد السوفياتي السابق بعد وصول الملالي إلى السلطة عام 1979، وهي القاعدة التي تتواصل على أساسها علاقات إيران مع روسيا.
وشهدت العلاقات الإيرانية – السورية بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، تطوراً ملحوظاً في ظل انفتاح أوسع للأسد على إيران، ومسايرة كل طموحاتها ومطالبها في سوريا، وقيامه بدعم ومساندة «حزب الله» في لبنان، وتوفير ممرات آمنة لاحتياجاته، وخاصة من الأسلحة والذخائر، إضافة إلى دعم سياسة إيران في العراق، وكلها أمور جعلت إيران شديدة الحماس لدعم الأسد في مواجهة ثورة السوريين منذ اللحظات الأولى للثورة، بخلاف ما أطلقته من مواقف حيال ثورات الربيع العربي الأخرى، وثمة شهادات ترددت بأن موقف إيران في دعم الأسد ضد السوريين وثورته، رسم الموقف النهائي لـ«حزب الله» اللبناني، ودفعه للتدخل الواسع في حرب النظام على السوريين.
لقد رفعت ثورة السوريين مستويات التدخل الإيراني في سوريا ووسعتها إلى أبعد الحدود، حيث لم يقتصر التدخل على إيران، بل شمل دفع ميليشيات من أفغانستان والعراق و«حزب الله» من لبنان، تخضع لأوامر طهران للمجيء والقتال في سوريا، ورغم أن دور الميليشيات تركز في الجانب الميداني، فإنه ساهم في خدمة التدخل الإيراني في جوانب أخرى، وساند المهمات التي قامت بها القوى العسكرية والأمنية، التي كانت واجهة إيران الأبرز في السنوات العشر الأخيرة في سوريا.
إن الموازي في المجريات، والأخطر في تأثيرها، تمثله تدخلات خفية، كانت الأقل ظهوراً للعيان، وتشمل سيطرة على المؤسسات الأهم في نظام الأسد، ولا سيما المؤسستين السياسية والعسكرية – والأمنية القابضتين على القرار وقوة تنفيذه، ولإيران سيطرة كبيرة عليهما من خلال رأس النظام ومعاونيه وكبار ضباط الجيش والأمن، وعبرهم تمد طهران أيديها إلى بقية المجالات، التي اشترى الإيرانيون مسؤولين وموظفين فاعلين فيها؛ مما يجعل تأمين المصالح الإيرانية في مؤسسات النظام أمراً مؤكداً، ويجري مراعاتها بصورة بديهية.
ولعل الجهد المبذول من الإيرانيين في أوساط النخبة والقطاعات الشعبية، ليس أقل مما يتم القيام به داخل مؤسسات النظام؛ لأن هذا المسار يمثل السند البديل والمستدام لإيران في سوريا فيما إذا ذهب نظام الأسد، وهو أمر يفكر فيه الإيرانيون؛ لأن الفطنة تفترض ألا يضع الإنسان البيض في سلة واحدة، كما يقول المثل الشائع. وتوفر العلاقة مع أوساط النخبة والقطاعات الشعبية امتداداً لحضور إيران فيها، بل وتطبيعاً لوجودها، وفتحاً لتوسع علاقاتها ومصالحها، أن المثال الأبرز في نتائج هذه العلاقة يبدو في السيطرة الإيرانية على غالبية الشيعة السوريين، وهو إحدى نتائج نشاط الإيرانيين، ومثله تمدد التشييع الفارسي في عدد من المناطق السورية.
ولئن كان النشاط الإيراني محدوداً في خريطته الجغرافية وفي قطاعاته في فترة ما قبل الثورة، فقد صار أشمل وأكثر تنوعاً في السنوات الأخيرة. ففي السابق كان الجهد الإيراني منصبّاً بشكل رئيسي في مدينة السيدة زينب جنوب دمشق، التي تحولت إلى مركز للتشييع الإيراني من خلال المقام والحوزات الشيعية والمقبرة، ثم توسع في دمشق القديمة بالكشف عن مقامات عدة، وشمل بلدات في ريفها القريب مثل داريا وعدرا وطريق الزبداني، حيث مقام النبي هابيل، وتمدد إلى أنشطة تعليم اللغة الفارسية ومعارض الكتب والفنون وأسابيع السينما، وجرى توسيع هذه الأنشطة إلى بعض المحافظات، منها مدينتا الرقة وحلب، حيث أحيى في الأولى مقام أويس القرني، وفي الثانية مشهد الحسين في جامع النقطة.
تمدد النشاط الشيعي الإيراني في السنوات الأخيرة أكثر، منتشراً في الجهات الأربع من مناطق سيطرة النظام، أعني المنطقة الشرقية، وخاصة خط الحدود السوري – العراقي في البوكمال، والمنطقة الشمالية ومركزه مدينة حلب، التي صار إيرانيون يشيعون، أنها كانت مدينة شيعية، والمنطقة الثالثة وهي المنطقة الجنوبية ومركزها دمشق وريفها وفيه مدينة السيدة زينب، ومنها تتوالى مساعي تمدد للتشييع نحو درعا والسويداء، والمنطقة الرابعة هي المنطقة الغربية، وثمة دأب إيراني متواصل لتأسيس وجود هناك، عبر ربط أبناء الطائفة العلوية بالشيعة الإيرانية، حسب فتوى إيرانية، صدرت في ثمانينات القرن الماضي، لكنه ولأسباب متعددة، فإن استجابة العلويين ضعيفة، وتحد من الطموح الإيراني.
انتشار النشاط الإيراني في سوريا، يشير إلى تعدد مجالاته، التي تتجاوز الأنشطة الشائعة والتقليدية من نشاطات تعليمية وثقافية، ومن نشاطات اقتصادية فيها استثمارات صناعية وزراعية وسياحية، ويجري فيها التركيز على أمرين، أولهما نشر التشييع الإيراني وسط الأفراد والعائلات وصولاً إلى العشائر، والآخر تشكيل ميليشيات تتبع إيران، وتكون بمثابة ذراع مسلحة وأمنية لها، وهذا لا يعزز قبضة إيران في سوريا اليوم فقط، بل أيضاً يجعلها قوة مؤسسة وحاضرة حتى لو خرجت قواتها وأجهزة مخابراتها وميليشياتها المتعددة الجنسيات، حيث سيوفر المنتمون إلى الطائفة الشيعية من السوريين والمنضويين منهم في ميليشيات تتبع إيران حالة تقارب المثال اللبناني، حيث يسيطر «حزب الله» على شيعة لبنان بعد أن اختطفهم ووضعهم في خدمة إيران ومشروعها في المنطقة.
الشرق الأوسط
——————————–
«إما أنا وإما الأسد»/ غسان شربل
هل مات لبنان؟ هل فقد مبررات وجوده بعدما أضاع دوره؟ هل ثمة فرصة جدية لترميم لبنان القائم على التعايش والتوازن والانفتاح أم أننا في الطريق إلى لبنان آخر ستحمل ملامحه آثار حروبه وحروب الآخرين فيه وعليه؟ هل يستطيع هذا الدم اللبناني الحار المتمثل في الشابات والشبان الغاضبين اختراع لحمة لبلد احترف الهشاشة منذ نعومة أظفاره؟ وهل يمكن ترميم البيت اللبناني وإعادة الاحترام إلى النوافذ والأبواب بحيث لا يبقى مشرعاً على كل أنواع الاستباحات أو الأحلام الانتحارية؟ وهل صحيح أن على اللبنانيين الاعتياد على لبنان آخر أشبه بمحافظة فقيرة لا تزعم دوراً أو ريادة أو اختلافاً؟ وهل صحيح أن لبنان قُتل مرة في حروب اللبنانيين وقتل دائماً في حروب الآخرين؟
لم يحدث أن خاف اللبنانيون على بلادهم وأولادهم كما يخافون اليوم. سرقت المنظومة الفاسدة مدخراتهم وشرذمت تحركاتهم وأيقظت كل أنواع الجروح لتديم فسادها وتسلطها وهيمنتها. يفر اللبنانيون من لبنان كأنه وباء يحدق بهم وبأطفالهم. هذا يهاجر أو يخطط للهجرة. وذلك يعجز فينقب في النفايات عما يسد الجوع. لم يحدث أن أُذِل اللبنانيون كما يذلون اليوم. مسرحية التدقيق الجنائي المتأخرة لا تعطي العهد ورقة تين. كان على ميشال عون أن يتصرف كرئيس منذ اليوم الأول. كان عليه ألا يدخل القصر عبر سلسلة من التعهدات المتناقضة والوعود والمحطات الغريبة. لا أحب السياحة في دفتر الجروح هذا. لكنني تذكرت أن يوم غد هو يوم ذكرى الشرارة الأولى لهذه الحرب التي قتلت الأجداد وتصطاد اليوم أحفادهم.
كان ذلك في 13 أبريل (نيسان) 1975. في منزله في بلونة (في قضاء كسروان) وقف جان عبيد يرحب بضيوفه. رئيس الحكومة رشيد الصلح وخالد جنبلاط وعباس خلف ومحسن دلول وتوفيق سلطان وجورج حاوي ومحسن إبراهيم وغيرهم. وواضح أن المأدبة كانت يسارية الهوى وغنية بالمقربين من كمال جنبلاط الذي لم يكن من حزب المآدب.
لم يكن البلد يرفل في حرير الاستقرار. تكشفت بوادر هشاشته حين اضطرت السلطة اللبنانية إلى توقيع «اتفاق القاهرة» في 1969 مع المقاومة الفلسطينية التي ستوسع هجرتها إلى بيروت بعد مواجهات 1970 في الأردن. ولم يكن سراً بعد أحداث 1973 في لبنان بين الجيش اللبناني والمنظمات الفلسطينية أن «الحركة الوطنية» اللبنانية بزعامة جنبلاط اختارت الذهاب بعيداً في الرهان على البندقية الفلسطينية لتعزيز حضورها في مواجهة السلطة اللبنانية. لكن لم يكن أحد يتوقع في ذلك الوقت أن تندلع في لبنان حرب بلا نهاية. حرب تتعدد فيها المعارك وتتبدل التحالفات وتتناسل الاغتيالات وتتعدد الجنازات. ففي يوم المأدبة، بدأ النهار باغتيال مرافق «كتائبي» لرئيس الحزب الشيخ بيار الجميل في محلة الشياح – عين الرمانة، أعقبته مجزرة استهدفت حافلة تقل فلسطينيين، بينهم عدد من المسلحين. في يوم المأدبة، اندلعت الشرارة التي ستشعل حريقاً يتظاهر بالانطفاء تحت وهج اتفاقات أو وساطات، لكنه يعاود الاشتعال، وها هو يقترب من مرحلة الدمار الشامل.
في مساء ذلك اليوم، ستهب الرياح الساخنة. روى جورج حاوي أن منظمات فلسطينية استعدت للرد على حادث الحافلة وأكدت رغبتها في اقتحام منطقة الأشرفية في بيروت – وهي معقل مسيحي و«كتائبي» – ما يمكن أن يؤدي إلى مجزرة واسعة في صفوف المدنيين. وقال حاوي إنه لم يكن ممكناً امتصاص هذا التوجه من دون خطوة سياسية كبيرة، وإنه بلور بالاتفاق مع محسن إبراهيم فكرة «عزل الكتائب» التي سيحمّلها كثيرون لاحقاً مسؤولية عسكرة الشارع المسيحي وتقدم ظاهرة الميليشيات فيه.
وإذا كان اللبنانيون انقسموا قبيل توقيع «اتفاق القاهرة»، فإنهم في 13 أبريل 1975 انقسموا وتحسسوا بنادقهم وبدأوا رحلة البحث عن حلفاء على استعداد لتزويدهم بالسلاح والمال. وسيعثر كل فريق على من يدعمه. ومنذ تلك الأيام سيصاب لبنان بأعطاب لم ينجح في الشفاء منها، على رغم «اتفاق الطائف» الذي وفّر سنوات من الاستقرار، قبل أن يتحرك خط الزلازل الإقليمي فيقتلع تمثال صدام حسين في بغداد ويبعثر أشلاء رفيق الحريري بعد عامين في بيروت. وإذا كان السلاح الفلسطيني المنظم غادر لبنان في أعقاب الغزو الإسرائيلي في 1982. فإن سلاحاً جديداً سيدخل المعادلة اللبنانية العاجزة عن استيعابه، وهو سلاح «حزب الله» الذي سيعيد وضع لبنان على خط الزلازل الإقليمي وشراراته الإيرانية. وكما انقسم اللبنانيون في السبعينات حول السلاح الفلسطيني ينقسمون حالياً حول سلاح «حزب الله».
يكاد لبنان يندثر بفعل النزاعات بين أبنائه والنزاعات عليه. فهل يستطيع الشباب اللبناني التصدي لأسباب الهشاشة الداخلية والوقوف في وجه الشراهة الخارجية؟ حاورت عدداً من الذين شاركوا في الغداء الشهير. اتفق معظمهم على أن لبنان دفع في السبعينات ثمن المواجهة بين حافظ الأسد وياسر عرفات. قالوا إن الأسد أراد وضع يده على لبنان للإمساك أيضاً بالقرار الفلسطيني واستخدام الورقتين لتعزيز موقع سوريا. وقالوا إن عرفات رفع شعار «القرار الفلسطيني المستقل» تعبيراً عن معارضته لدخول بيت الطاعة السوري. وتذكرت ما قاله لي حاوي عن رحلته إلى تونس لإقناع عرفات الذي كان أخرج من بيروت بزيارة دمشق. قال عرفات إن «بوابة الحل لا تتسع لاثنين، فإما أنا، وإما الأسد». وبعد سنوات طويلة، سيعترف محسن إبراهيم أن من بين الأسباب التي دفعت عرفات إلى قبول أوسلو، خوفه الدائم من أن يستيقظ ذات يوم فيرى إسرائيل وافقت على حل في الجولان فلا يبقى للمنظمة أي مكان في الحل. لقد قُتل لبنان في حروب اللبنانيين وحروب الآخرين.
الشرق الأوسط
—————————-
مراسيم الأسد:رسوم الاحوال المدنية..تستهدف اللاجئين
أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد مرسوماً تشريعياً يقضي بإعفاء السوريين من الغرامات المترتبة عليهم بسبب تأخرهم في تسجيل واقعات الأحوال المدنية أو في الحصول على البطاقة الشخصية أو الأسرية عن المدة المحددة قانوناً.
وبموجب نص المرسوم رقم 7 للعام 2021، يُعفى السوريون من الغرامات المترتبة عليهم المنصوص عليها في قانون الأحوال المدنية، لمدة ستة أشهر من تاريخ نفاذه.
واحتفت وسائل إعلام النظام ب”مكرمة الأسد” الجديدة، ونقلت صحيفة “الثورة” الرسمية عن مدير عام الأحوال المدنية في وزارة داخلية النظام أحمد رحال قوله إن المرسوم “يهدف إلى التخفيف من الأعباء المادية عن المواطنين السوريين المقيمين في الداخل والخارج”.
فيما اعتبرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام أن المرسوم يساعد المواطنين على “تيسير” أمورهم ومعاملاتهم في الخارج وتسهيل “عودتهم” إلى البلاد، وخصوصاً الذين لم يتمكنوا من تسجيل واقعات الأحوال المدنية، نتيجة الأحداث التي مرت بها سوريا وخروج العديد من أمانات السجل عن الخدمة.
وعلى خلفية المرسوم، يوضح عضو هيئة القانونيين السوريين المحامي عبد الناصر حوشان أن قانون الأحوال المدينة يفرض غرامات مالية على السوريين تتراوح بين 5000-20000، في حال التأخر بإجراءات تسجيل الواقعات المدنية (زواج وطلاق وولادات ووفيات) خلال المدة القانونية المفروضة بموجب القانون.
ويوضح ل”المدن”، أن المرسوم ألغى غرامات التأخير فقط، وأبقى رسوم تسجيل الواقعات المدنية، المحددة ب300 ليرة عن كل وثيقة تصدر عن دائرة الاحوال المدنية، و1000 ليرة عند الحصول على البطاقة الشخصية، و2000 ليرة سورية عند الحصول على البطاقة الأسرية (دفتر العائلة).
والأجدر بحسب حوشان، أن يتم إلغاء رسوم تسجيل الواقعات أيضاً، إذا كان النظام يهدف فعلاً إلى تخفيف الأعباء المالية عن المواطنين، ويقول: “بالتالي لا يهدف النظام من هذا المرسوم إلا للتماهي مع الحراك الروسي الهادف إلى تحريك ملف عودة اللاجئين”.
وهو ما أكد عليه رئيس “الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين” المحامي فهد الموسى، معتبراً أن نظام الأسد يريد أن يعطي صورة مغايرة للواقع على الأرض بما يخص ملف اللاجئين.
ويقول الموسى ل”المدن”: “كل تحركات النظام تهدف إلى خدمة أجنداته، والغرض منها حسابات خاصة لا علاقة لها بمعاناة الشعب السوري، وهنا قد تكون الانتخابات التي يتحضر لها النظام على رأس حسابات النظام، إذ يريد النظام تصدير صورة أن الوضع في مناطقه بات جيداً، ولا عوائق أمام عودة اللاجئين والنازحين”.
ويؤكد أن النظام يريد تصوير سوريا على أنها بيئة آمنة، صالحة لإجراء الانتخابات، في الوقت الذي يعيش فيه ما لا يقل عن 11 مليون سوري خارج مناطق سيطرته، بين لاجئ في الشتات، ونازح في الشمال السوري، ونسبة كبيرة منهم لم يسجلوا في القيود المدنية السورية.
كما أن هذا المرسوم لن يسهم في حل مشكلة المكتومين، كما يوضح الموسى، لأن الخوف من الاعتقال والتنكيل وغيرها من الحسابات تمنع الأهالي من التوجه إلى مناطق النظام لتسجيل الواقعات المدنية، وليس الحسابات المادية المتعلقة بغرامات تأخير تسجيل الواقعات.
من جانب آخر، أكد الموسى أن السوريين ينتظرون مراسيم تتعامل مع ملفات المعتقلين والمغيبين قسراً في سجون ومعتقلات النظام السوري، لا مراسيم بدون مفاعيل.
لا يزال النظام السوري يتحدث بالعموميات، مبتعداً عن إطار الحل السياسي الذي من شأنه تخفيف عذابات السوريين في الداخل والخارج، وفي مقدمتها المعاناة الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية المتردية.
المدن
——————————-
مبادرة لـ«صفقة شاملة» تعيد دمشق إلى «العمق العربي»/ إبراهيم حميدي
تضمنت خطوات لمواجهة «توغل» تركيا و«تغلغل» إيران في سوريا
ستكون القمة الثلاثية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في بغداد، بعد أيام، محطة رئيسية لاستكشاف نتائج الحراك الدبلوماسي الروسي لإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية، ونتائج مبادرة سورية سلمت إلى العاصمة العراقية، تضمنت خطوات لعودة دمشق إلى «العمق العربي»، ومواجهة «تغلغل» إيران في سوريا، و«توغل» تركيا شمالها.
الحراك الروسي شمل زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى القاهرة أمس، بعد جولته الخليجية قبل شهر، ولقاء ألكسندر لافرينييف مبعوث الرئيسي الروسي فلاديمير بوتين في دمشق الرئيس السوري بشار الأسد قبل يومين، بعد زيارة غير علنية قام بها لافرينييف إلى دول عربية.
– موقف روسيا
حثت موسكو دولاً عربية على إلغاء قرار تجميد عضوية دمشق في الجامعة العربية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، وعلى بلورة موقف عربي يعلن في القمة العربية في الجزائر. وبحث لافروف، خلال زياراته إلى السعودية والإمارات وقطر الشهر الماضي، هذا الملف، على أمل «بلورة موقف جماعي». وتعتقد موسكو أن الانتخابات الرئاسية السورية التي ستبدأ إجراءات إطلاقها لدى عودة مجلس الشعب (البرلمان) إلى الانعقاد بعد «عيد الجلاء» في الـ17 من الشهر الجاري، ستكون «نقطة مفصلية» في مسار الأزمة السورية بعد 10 سنوات. كما تشير إلى أن العملية السياسية «تتقدم» عبر حوارات اللجنة الدستورية في جنيف، والبناء على وقف النار وثبات خطوط التماس منذ مارس (آذار) 2020.
ويتحدث مسؤولون روس، في جلسات مغلقة، عن أن «إضعاف إيران في سوريا يتطلب عودة العرب سياسياً واقتصادياً إلى دمشق»، وعن ضرورة «عدم انهيار الدولة السورية» بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية التي «تخنق الشعب السوري»، ليحثوا دولاً عربية على تقديم مساعدات مالية إلى الحكومة السورية. وعليه، سعت موسكو إلى تحرير مليار دولار أميركي تعود للحكومة السورية «مجمدة» في مصارف عربية، بحيث تستخدمها في تمويل القمح ومشتقات النفط إلى سوريا. كما تعهدت موسكو بتقديم 500 مليون دولار أميركي قرضاً ميسراً إلى دمشق، ضمن إجراءات معالجة تدهور سعر صرف الليرة.
ويدرك الجانب الروسي، ودول عربية، أن هناك «حدوداً لما يمكن تقديمه» إلى دمشق، بسبب «القيود القانونية» التي يفرضها «قانون قيصر»، والشروط الأوروبية – الأميركية على المساهمة في الإعمار، ما فتح الباب أمام إمكانية «الالتفاف» على ذلك عبر تقديم المساعدات الإنسانية، خصوصاً بعد إعلان أميركا «توضيحات» عن أن «قانون قيصر» لا يمنع تقديم مساعدات دوائية وإنسانية إلى دمشق، في «بادرة حسن نية» من واشنطن التي اتصل بها أكثر من طرف عربي يحثها على «غض الطرف» عن التواصل مع دمشق.
– الموقف العربي
هناك انقسام عربي إزاء إعادة دمشق إلى الجامعة العربية، و«التطبيع الثنائي» مع الحكومة السورية. فثمة دول متمسكة بضرورة تنفيذ «بيان جنيف»، والقرار 2254، و«إخراج الميلشيات الطائفية والأجنبية من سوريا»، وأن تبدأ المسيرة بخطوات من دمشق. وبعض الدول أعاد تشغيل السفارة في دمشق، دون تعيين سفير، لـ«اختبار الموقف السوري»، وبعضها الآخر أعاد السفير، كما حصل أول من أمس مع موريتانيا، وكما هو الحال مع عُمان التي حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، وتبادل وزيرا الخارجية الزيارات عبر السنوات. لكن الأمر الواضح هو تنامي قلق بعض الدول العربية من «توغل» تركيا شمال سوريا، و«التغلغل» الإيراني في سوريا، وسط «غياب عربي كامل».
الاتجاه العربي هو أن عودة دمشق إلى الجامعة العربية «تتطلب موقفاً جماعياً» من الدول العربية الرئيسية، و«مبادرات من الجانب السوري»، وسط رغبة الجزائر في أن «تقطف ثمار الإنجاز» في قمتها. ومن الناحية التقنية، يتطلب هذا تقديم دمشق طلباً إلى الجامعة العربية للعودة إليها. ومن الناحية السياسية، تتوقع الدول العربية «إقدام دمشق على سلسلة من الخطوات السياسية لتنفيذ القرار 2254، والتعاطي الإيجابي الملموس في اجتماعات اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة»، إضافة إلى «توفير ظروف عودة اللاجئين، وأن يتخذ السوريون قراراتهم فيما يتعلق بالعملية السياسية، والحفاظ على استقرار سوريا ووحدتها».
ومن الناحية الجيوسياسية، فإن دولاً عربياً تتوقع «خطوات ملموسة» من دمشق إزاء تخفيف النفوذ الإيراني في البلاد و«خروج الميليشيات الطائفية»، ومن موسكو «إجراءات» لمنع «التوغلات» التركية في الشمال ودفع العملية السياسية و«الوفاء بتفاهمات سابقة تخص لجم نفوذ إيران وإطلاق العملية السياسية».
– مبادرة العمق العربي
وضمن هذا السياق، تقدمت شخصيات سورية بارزة بـ«مبادرة العمق العربي» إلى دول عربية، بينها مصر والأردن والعراق، لتعزيز مساهمتها في «إيجاد الحل الأنسب الذي يؤمل أن يؤدي إلى تحقيق الاستقرار السوري الداخلي، وأن يعزز الدور العربي»، باعتبار أن عدداً من الدول العربية «تتشارك في حرصها على عودة الاستقرار إلى سوريا، وعلى وحدة أراضيها، وفي خشيتها من توسع التطرف الديني والإرهاب في المنطقة، ومن تمدد النفوذ التركي والإيراني في بلاد الشام، في ظل غياب وجود عربي فاعل».
وفي حال انطلقت مبادرة «العمق العربي» التي قدمت إلى بغداد قبل استضافة القمة الثلاثية، ستشكل منصة موازية لـ«ضامني آستانة» التي تضم روسيا وتركيا وإيران، إلى جانب «منصة جديدة» تضم روسيا وتركيا وقطر، بحيث تقدم على خطوات ملموسة، بينها «دعم الحوار مع الحكومة السورية لبحث إجراءات بناء الثقة، ومنها: إطلاق المعتقلين، والتشجيع على إعادة النازحين بدعم عربي، وفصل السلطات لضمان استقلالية القضاء، والتشجيع على إقامة منصة سورية جديدة تحظى برعاية الجامعة العربية أو رعاية مبادرة العمق العربي»، إضافة إلى «الحوار مع الأميركيين والروس، وتزويدهم بالأسباب الموجبة للمواقف والمشاريع التي تراها المبادرة مناسبة للتطبيق في الداخل السوري».
وتتضمن «مبادرة العمق العربي» التي نوقشت في دول عربية خطوات محددة، بينها العمل على «إقناع دمشق بالتعاون مع المبادرة للتوصل إلى صياغة مشروع متطور للإدارة المحلية، ينتج عنه نظام لامركزي إداري واقتصادي، ثم دراسة مشاريع الحوكمة التي يمكن تطبيقها في سوريا، بدءاً بالأطراف، مثل شمال شرقي سوريا وفي الجنوب» في السويداء ودرعا، وإقناع «الإدارة الذاتية» شرق الفرات بـ«بناء إدارة جديدة قائمة على مبدأ تقاسم سلطة حقيقي مع الأحزاب الكردية الأخرى والعشائر العربية» في تلك المنطقة.
– موقف دمشق
دمشق التي تعتقد بإمكانية إحداث «اختراق» في الجدار العربي، على عكس الباب الموصد من أميركا، والموارب أوروبياً، تلقت بعض هذه الأفكار، سواء خلال زيارة وزير الخارجية فيصل المقداد إلى مسقط أو لقاء الأسد مع لافرينييف أو خلال اتصالات أمنية بين مسؤولين سوريين ونظرائهم من دول عربية. وبداية، هناك تباين في المقاربة في العاصمة السورية إزاء سرعة وعمق «الشروط» المطلوبة و«الحوافز» المتوقعة. ومن الناحية الفنية، رفضت دمشق قبل سنتين تقديم طلب إلى الجامعة للعودة إليها، قائلة إن «العرب يجب أن يقدموا طلباً للعودة إلى سوريا التي هي عضو مؤسس بالجامعة».
وسياسياً، إلى الآن، تعطي دمشق الأولوية للانتخابات الرئاسية منتصف الشهر المقبل، وبدء الأسد ولاية جديدة في 17 يوليو (تموز). ولمح بعض المسؤولين إلى أن «الإصلاح السياسي سيأتي بعد الانتخابات»، وأن التعاطي سيكون «إيجابياً» مع اللجنة الدستورية لإجراء إصلاح دستوري بعد إجراء الانتخابات بموجب دستور 2012 مع بعض «الإصلاحات». كما تعطي دمشق أولوية لمواجهة العقوبات الغربية، وتحسين الظروف المعيشية، عبر العمل على تسلم شحنات نفط من إيران، ومواد غذائية وحبوب من روسيا، وعقد «صفقات» مع «قوات سوريا الديمقراطية» لتسلم مشتقات نفطية وحبوب من شمال شرقي سوريا.
وتكتيكياً، لا تزال دمشق «تلعب على الحبلين» بين موسكو وطهران، بحيث إنها تسبح في ضفة عندما يفيض الضغط على الضفة الأخرى. ولا يزال هذا «اللعب» ناجحاً، إذ إن لافروف أبلغ محاورين قبل فترة أن «ضغطنا الزائد على دمشق يدفعها أكثر في الحضن الإيراني». كما توافق دمشق على طلبات موسكو لإبراز «حسن النية» مع تل أبيب.
وجيوسياسياً، تراهن دمشق أيضاً على أن «تعاظم توغل» تركيا، و«تعمق تغلغل» إيران، و«توسيع نفوذ» روسيا في سوريا والمنطقة، ستدفع دولاً عربية إلى التعاون معها، بحيث تأتي «المبادرات» و«الحوافز» من العواصم العربية وليس من دمشق، ليمارس العرب ضغوطاً على واشنطن للحصول على استثناءات من العقوبات الأميركية، ما دام أن إلغاء «قانون قيصر» يقتضي تحولات استراتيجية من دمشق تكون كافية لإقناع الكونغرس بالتصويت لإلغائه، وهذه الشروط غير متوفرة في الأفق حالياً.
الشرق الوسط
———————————–
الخارجية الأميركية: نظام الأسد يعيق عمل المنظمات الإنسانية
فورين بوليسي- ترجمة: ربى خدام الجامع
كشف تقرير لوزارة الخارجية الأميركية عن أن نظام الأسد ما يزال يعيق المنظمات الإنسانية ويمنعها من تسليم المساعدات لملايين السوريين الذين يواجهون أزمة بعد عقد من الحرب في بلادهم.
ففي المناطق التي يسيطر عليها النظام، لا يقدم الأخير ما يكفي لوصول تلك المنظمات للناس، إذ يستخدم قيوداً فرضها على سمة الدخول وغير ذلك من العقبات الإدارية لمنع المساعدات من الوصول، وذلك بحسب ما كشفه تقرير صدر في شهر شباط الماضي رفعته الخارجية للكونغرس، واطلعت عليه مجلة فورين بوليسي.
وقد أتت تلك النتائج في الوقت الذي خصصت فيه إدارة بايدن 600 مليون دولار لجهود إعادة الإعمار في سوريا، وذلك ضمن الحملة التي أطلقتها هيئة الأمم المتحدة لجمع نحو عشرة مليارات دولار أميركي بهدف مساعدة السوريين واللاجئين السوريين في دول الجوار.
الولايات المتحدة ستقدم 596 مليون دولار مساعدات إنسانية إلى سوريا
ولهذا ترى منظمات حقوقية تلك العقبات أنها جزء من استراتيجية ممنهجة يمارسها النظام بهدف الاستفادة من تلك المعونات ولمعاقبة خصومه في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، في الوقت الذي يسعى فيه النظام لتعزيز مكاسبه من الحرب التي استمرت لعقد من الزمان.
وذكر تقرير وزارة الخارجية أن النظام طلب من المنظمات الإنسانية أن تدخل في شراكة مع جهات فاعلة محلية تم التدقيق بأمرها وذلك “لضمان تمرير الاستجابة الإنسانية بشكل مركزي من خلال جهاز الدولة ولصالحها، مقابل وصول المساعدات إلى الناس دون أي عوائق” وخصوصاً في المناطق التي استعادها النظام، والتي ما تزال تشهد حالات مستمرة لخرق اتفاقيات وقف إطلاق النار.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن 11.1 مليون نسمة في سوريا، أي ما يقارب ثلثي السكان، كانوا بحاجة للمساعدات الإنسانية خلال عام 2020، نصفهم أو يزيدون يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
وفي التقرير الذي رفع إلى الكونغرس، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن الآتي: “إن غالبية تلك المجتمعات أصبحت بحاجة ملحة للمساعدات بسبب فترات الحصار السابقة التي عاشتها والتي امتدت لزمن طويل، وبسبب دمار البيوت والبنية التحتية، ومحدودية فرص كسب الرزق، ونقص الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب”.
بينما ذكر مسؤولون رفيعون لدى إدارة بايدن أن إغلاق نقاط التفتيش الحدودية التي تخضع لرقابة الأمم المتحدة أجبر وكالات الإغاثة على التفاوض مع جماعات المعارضة، كما أجبرها على قطع العديد من خطوط السيطرة، وهذا ما تسبب بالمعاناة للسوريين الذين يحتاجون إلى المساعدة. أما وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، فقد أعلن في شهر آذار الفائت بأن: “النهج الحالي غير مبرر وغير فعال ولا يمكن الدفاع عنه بأي حال من الأحوال، لأنه يتسبب بزيادة معاناة الشعب السوري”.
إذ لتقييم الوضع في المناطق التي يسيطر عليها النظام، يتعين على الوكالات الإنسانية أن تحصل على تصريح من قبل الدولة التي يسيطر عليها النظام، غير أن الموافقة على هذا النوع من التصاريح تأتي بشكل غير متوقع ومتناقض في معظم الأحيان، وذلك لأن النظام لا يكتفي بتقييد أو تأخير إصدار سمات الدخول التي تمنح لكوادر المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات غير الحكومية فحسب، وهذا بحد ذاته يقيد قدرة تلك الكوادر على تسليم المساعدات بصورة فعالة، بل إن النظام يفرض أيضاً قيوداً على بعض العمليات، كنقل مواد طبية معينة مثلاً.
فقد أورد مصدر يعمل لدى منظمة غير حكومية عمل في ظل النزاع القائم في سوريا واشترط عدم ذكر اسمه خوفاً من العقاب أو الانتقام ما يلي: “عليك أن تقوم بالتسجيل، وأن تكون حاضراً هناك، وأن تطلب الموافقة، أي أنك تعمل تحت رحمتهم حتماً”.
يذكر أن وكالات الإغاثة، ومن بينها منظمات تحصل على تمويل أميركي، قد واجهت عوائق كبيرة في المناطق التي استعادتها القوات الموالية للنظام في عام 2018، ويشمل ذلك المناطق الموجودة في محافظتي القنيطرة ودرعا الواقعتين جنوب غربي البلاد، وذلك بحسب ما أوردته وزارة الخارجية الأميركية. وفي الوقت الذي تمكنت فيه هيئة الأمم المتحدة وبعض المنظمات من استعادة النذر اليسير من قدرتها على الوصول إلى الناس، إلا أن الأمر يختلف من وكالة إلى وكالة، وذلك لأن نظام الأسد يقيد وكالات الأمم المتحدة ويمنعها “من إنشاء مكاتب فرعية” لتقوم بإرسال المساعدات والمستلزمات نحو أقصى الجنوب في سوريا، وذلك بحسب ما ورد في التقرير الأخير الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية. إلا أن مجموعة من المنظمات غير الحكومية التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لم يكن بوسعها إلا أن تعدل من تلك العوائق “بعد أشهر من المفاوضات مع السلطات” حسبما ذكرت وزارة الخارجية الأميركية، في الوقت الذي حصلت فيه منظمات أخرى على مذكرات تفاهم.
ويخبرنا ذلك المصدر الذي يعمل لدى إحدى المنظمات غير الحكومية بوجود حالات تمت فيها: “مصادرة معدات طبية مخصصة لشمال شرقي سوريا في دمشق، قبل أن ترسل إلى تلك المنطقة”.
بل حتى في المناطق التي تم تحريرها من براثن تنظيم الدولة، والتي بقي فيها نحو 900 جندي أميركي، نجح نظام الأسد في منع برنامج الغذاء العالمي من توزيع المساعدات خلال العام الماضي لقرابة شهرين من الزمان، الأمر الذي قطع المساعدات عن حوالي 200 ألف شخص. ثم أصبحت عملية الوصول أصعب بكثير منذ العام الفائت، بعدما فشل مجلس الأمن الدولي في ضمان وصول المساعدات الإنسانية وتمريرها عبر معبر اليعربية مع العراق. كما ذكرت وزارة الخارجية الأميركية بأن الذخائر التي لم تنفجر في دير الزور وأجزاء من حماة قد صعبت عملية تسليم المساعدات.
جهود أميركية لاستعادة معبرين أغلقتهما روسيا
هذا ولقد أثارت تلك القيود والعوائق حالة من الاستياء في أوساط الكونغرس وإدارة بايدن، إذ يقول السيناتور كريس مورفي وهو عضو في لجنة الشؤون الخارجية: “لقد تآمر بوتين والأسد على مدار سنوات لقطع المساعدات الإنسانية اللازمة ومنعها من الوصول إلى السوريين الذين هم بأمس الحاجة إليها. وعندما رفض وزير الخارجية السابق بومبيو التورط بشكل شخصي في قرار أممي يتصل بأمر التجديد خلال العام الماضي، استغلت روسيا الفرصة لتلغي معبرين حدوديين كانا يستخدمان لتمرير المساعدات الإنسانية إلى البلاد. إلا أنني سعيد لأن وزير الخارجية بلينكن قد أوضح بأن ذلك سيتحول إلى أهم أولوية لدى المجلس، وبأن الوفد الأميركي سيتعاون مع حلفائنا على استرجاع هذين المعبرين، وذلك لأنه لا ينبغي للمساعدات الإنسانية أن تتحول إلى مشكلة سياسية، ولأن الشعب السوري يستحق الأفضل”.
إلا أن الدعم المالي الأميركي قد هبط من 720 مليون دولار تم تخصيصها خلال السنة الماضية، كما أن المملكة المتحدة قد خفضت هي أيضاً من تمويلها للمساعدات بنسبة الثلث، مما تسبب بموجة انتقادات شنتها وكالات الغوث الإنسانية.
فقد أخبرنا ذلك المصدر الذي يعمل لدى منظمة غير حكومية في سوريا بالآتي: “إن تلك المساهمة مهمة بكل تأكيد، بيد أن الاحتياجات أكبر بكثير منها، بل إنها أكبر من أي مساهمة أو التزام تقدمه الدول”، وقد أشار هذا المصدر إلى أن الجائحة قد فاقمت تلك التحديات والمخاطر التي كانت موجودة بالأصل.
بيد أن نقطة التحول قد تأتي في شهر تموز، عندما سيقرر مجلس الأمن الدولي أمر تجديد قرار ترخيص مرور المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا من عدمه. غير أن هذا التجديد يتعرض لعوائق سياسية مهمة، وهنا تأتي روسيا على رأس القائمة، لكونها دعمت نظام الأسد منذ وقت طويل وهي مستمرة على النهج ذاته، وعن ذلك يقول ذلك المصدر: “إنهم يريدون أن تمر كل المساعدات الإنسانية عبر دمشق”.
ويبدو أن احتمال إنهاء وقطع ذلك الطريق المخصص للمساعدات في ظل استمرار العقوبات الأميركية ضد نظام الأسد يثير قلق الخبراء والمنظمات التي تقوم بتوزيع المساعدات تجاه ذلك الوضع الذي يمكن أن يسوء أكثر، الأمر الذي يحد من الطرق المتاحة أمام الولايات المتحدة للرد على ذلك.
المصدر: فورين بوليسي
——————————-
خطة لنظام الأسد تُعطل إيصال المساعدات لملايين المعارضين له.. أمريكا: يريد الاستئثار بها وحده
قالت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إن نظام بشار الأسد يواصل عرقلة المنظمات الإنسانية عن تقديم المساعدات لملايين السوريين، الذين تتنامى أزمتهم بعد مرور عقد على الحرب في سوريا.
تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية قدمته إلى الكونغرس، في فبراير/شباط الماضي، قال إنه في المناطق التي يسيطر عليها الحكومة، يعيق نظام الأسد مرور المساعدات من خلال فرض قيود على أذونات المرور وعقبات إدارية أخرى، وفقاً لما أوردته مجلة Foreign Policy الأمريكية، الثلاثاء 13 أبريل/نيسان 2021.
يأتي هذا التقرير في الوقت الذي تعهدت فيه إدارة بايدن بتقديم 600 مليون دولار لإعادة إعمار سوريا، في إطار حملة تقودها الأمم المتحدة لجمع ما يقرب من 10 مليارات دولار لمساعدة السوريين واللاجئين السوريين في البلدان المجاورة.
استراتيجية مدروسة
من جانبها، رأت الجماعات الحقوقية أن هذه العقبات جزء من استراتيجية مدروسة ينفذها النظام للاستفادة من هذه المساعدات لنفسه، ومعاقبة المعارضين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، في إطار سعيه لتعزيز مكاسبه في الحرب.
وزارة الخارجية الأمريكية ذكرت في تقريرها أن حكومة الأسد ألزمت المنظمات الإنسانية بالتعاون مع أطراف محلية، بهدف “الاستيلاء على المساعدات الإنسانية من خلال جهاز الدولة ولصالحه، على حساب منع وصول المساعدات إلى السكان دون عوائق”، لاسيما في المناطق التي استعادها النظام، إلى جانب انتهاكه المتواصل لاتفاقيات وقف إطلاق النار.
تُشير المجلة الأمريكية إلى أنه لكي تتمكن وكالات الإغاثة الإنسانية من الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام يتعين عليها أن تحصل أولاً على إذن من الدولة، ولا تتمكن من الحصول عليه في كل الأحوال.
لكن لا يقتصر الأمر فقط على تقييد أو تأخير حكومة النظام إصدار أذونات المرور لموظفي الإغاثة، ولكنها تقيد أيضاً بعض العمليات، مثل نقل الإمدادات الطبية.
تقول الخارجية الأمريكية إن وكالات الإغاثة، ومن ضمنها مجموعات تمولها أمريكا، واجهت معوقات كبيرة في المناطق التي استعادت القوات الموالية للنظام سيطرتها عليها عام 2018، ومن ضمنها محافظتا القنيطرة ودرعا في جنوب غرب البلاد.
نظام الأسد يعرقل وصول المساعدات لملايين السوريين المعارضين له – رويترز
عوائق أمام المنظمات
فعلى الرغم من أن الأمم المتحدة وجهات أخرى تمكنت من استعادة قدر ضئيل من إمكانية المرور، فالأمر يختلف من منظمة لأخرى، إذ يمنع نظام الأسد الوكالات التابعة للأمم المتحدة “من إنشاء مكاتب فرعية” لإرسال المساعدات والإمدادات إلى الجنوب.
بحسب تقرير الخارجية الأمريكية، فإن مجموعة من المنظمات غير الحكومية الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لم تتمكن من إصلاح العوائق إلا “بعد شهور من المفاوضات مع السلطات”، بينما تمكنت مجموعات أخرى من توقيع مذكرات تفاهم.
وحتى في المناطق المحررة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قريباً من مكان تمركز حوالي 900 جندي أمريكي في البلاد، تمكن نظام الأسد من منع برنامج الغذاء العالمي من توزيع المساعدات العام الماضي لمدة شهرين تقريباً، ما أدى إلى حرمان 200 ألف شخص من المساعدات.
كما ازداد المرور صعوبة منذ العام الماضي، بعدما فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تأمين وصول المساعدات الإنسانية عبر معبر اليعربية مع العراق، وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن الذخائر غير المنفجرة في دير الزور وأجزاء من حماة جعلت من الصعب أيضاً توصيل المساعدات.
أدت هذه العوائق جميعاً إلى شعور بالإحباط في الكونغرس وإدارة بايدن، إذ قال السيناتور كريس مورفي، عضو لجنة الشؤون الأجنبية: “لسنوات، تآمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظام الأسد لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين هم في أمسّ الحاجة إليها”.
أضاف مورفي: “حين رفض وزير الخارجية السابق مايك بومبيو المشاركة شخصياً في تجديد قرار الأمم المتحدة، العام الماضي، استغلت روسيا الفرصة لرفع حاجزي عبور حدودين يُستخدمان لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى البلاد، وأنا سعيد لأن الوزير بلينكن أكد أن هذا سيكون أولوية قصوى في المجلس، وأن الوفد الأمريكي سيعمل مع حلفائنا لإعادة تلك المعابر الحدودية، فلا يجوز تسييس المساعدات الإنسانية، والشعب السوري يستحق الأفضل”.
————————–
قمة بغداد..هل تُليّن الموقف من عودة الأسد للجامعة العربية
تستعد العاصمة العراقية بغداد، لاستضافة القمة الثلاثية العراقية المصرية الأردنية، التي ستتناول المشاريع الحيوية والاقتصادية المشتركة المقبلة، ومحاولة توحيد الرؤى في العديد من القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها الملف السوري. وكانت القمة مقررة غدا الخميس، إلا أنها ارجئت لبعض الوقت نتيجة الاحداث الاخيرة في الاردن.
وتعدّ القمة الثلاثية المرتقبة، الثانية بعد القمة الأولى التي عُقدت في العاصمة الأردنية عمان في آب/أغسطس 2020، والتي أسفرت عن تأسيس مجلس تنسيقي لبحث التعاون المشترك.
وقبل أيام، كان رئيس مجلس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قد جدّد دعم العراق لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف إن “الموقف العراقي يدعم إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وهو موقف معلن منذ سنوات، ولا جديد فيه أصلاً”.
وأضاف الصحاف ل”المدن”، أن العراق يتبنى المبادرات الجماعية التي تعزز العمل العربي المشترك، وتنعكس استجابة لتحديات عربية راهنة، اقتصادية وأمنية تتصل بالوضع الإقليمي، مؤكداً أن العراق يلتزم حياداً إيجابياً يعزز من حضوره المُبادر، وينأى بنفسه عن أن يكون ضمن محور في المنطقة أو العالم.
وخلال مؤتمر صحافي جمعه مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في القاهرة الاثنين، قال وزير الخارجية المصرية سامح شكري إنه من الضروري عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والحاضنة العربية، ونأمل في عودة سوريا لما كانت عليه من استقرار، ولكي يستمتع الشعب السوري في ممارسة الحياة السياسية.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي زياد الريّس أن القمة الثلاثية لن تخرج عن الإجماع العربي والموقف الموحد حول عودة النظام إلى جامعة الدول العربية، وإعادة العلاقات الدبلوماسية معه، موضحاً ل”المدن” أن الموقف العربي يشترط تطبيق قرارات مجلس الأمن، أو اتخاذ خطوات -على الأقل- في هذا الإطار، قبل إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية.
—————————–
سورية وعربٌ قلوبهم طيبة/ غازي دحمان
تكشف دعوات رسميين ومثقفين عرب إلى احتضان النظام السوري طيبة قلب مبالغا بها، تجاه نظامٍ ما زال يشتم في إعلامه، صباح مساء، العرب، برسمييهم ومثقفيهم ورموزهم ودولهم، ولا ينظر لهم إلا بوصفهم مغفّلين وخونة بالطبيعة والتربية الثقافية والأخلاق المنحطة.
والمشكلة مع نظام الأسد أنه لا يقبل منطق عفا الله عما مضى، مع أن كل أنماط الأخلاق وأشكال القوانين، المنحطّة والغريبة، لا يمكنها العفو عن جرائمه، بل يريد من العرب الاعتذار والاعتراف بأنهم مذنبون، والقدوم إليه راكعين، يمتدحونه على منصّاته الإعلامية، ويبدون الأسف على ما فعلته الشعوب العربية تجاهه.
يبرّر هؤلاء مواقفهم وانحيازاتهم لنظام الأسد بذريعة إنقاذ شعب سورية، وإخراجه من بؤس الأوضاع الاقتصادية، وإنقاذ سورية مما وصلت إليه. لكن ذلك ليس كل ما في الأمر، فأصوات كثيرة صادرة في العالم العربي تذهب إلى مديح النظام السوري ومرونته تجاه العملية السياسية، بل وادعاء تقديمه تنازلات عديدة من أجل حل المشكلة، وهي تنازلاتٌ لو جرى البحث عنها بالمجاهر لما أمكن رؤيتها، ثم إن المسألة لا تحتاج إلى تنجيم، فهناك معايير وافقت عليها روسيا، عرّابة النظام وراعيته، للقول إنه يتقدّم للحل السلمي، من نوع إخراج المعتقلين السياسيين، تأمين عودة آمنة للاجئين، ووقف مصادرة أملاك اللاجئين.
اللافت أن نظام الأسد، خلال السنوات السابقة، لم يكن مجرّد نظام ديكتاتوري، أو عصابة مجرمة وحسب، لنقل إن هناك مثقفين عربا كثيرين يحبّون هذا النوع من الأنظمة، طالما هو لا يعتقلهم ولا يغيبهم في سجونه، لكن هذا النظام تعمّد تحقير الشخصية العربية، كما أنه لم يكن مقاوماً كما يجري عنوة إلباسه هذا اللبوس، إذ على الدوام كان على استعداد لمصالحة إسرائيل، بل وشن حربٍ على كل من يرفض توجهاته تلك. وقد أكد الدبلوماسي الأميركي السابق، فريدريك هوف، أن الأسد كان، في عام 2011، مستعدّا لفرض عملية سلام بين لبنان وإسرائيل، بل وإجبار أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، على تفكيك حزب الله، عربونا يقدّمه الأسد لإسرائيل وأميركا لإثبات أنه شريك موثوق به.
بالعودة إلى خوف أولئك على مصير سورية ومستقبلها، تبريراً لدعوتهم إلى إعادة الأسد إلى الحضن العربي، ومنحه الأموال لبناء ما دمرته آلته العسكرية، هل يعتقد هؤلاء أن الأسد سينصف أكثر من 15 مليون مهجّر ونازح، وسيأمن هؤلاء للعيش تحت سلطة أجهزته، وهو الذي رفض تقديم أدنى تنازل، ولو على صعيد تطمين أهالي المختفين والمعتقلين عن مصير أبنائهم؟ وما هي الآلية التي سيتم اعتمادها لتوزيع أموال إعادة الإعمار على المتضرّرين السوريين؟ كيف يمكن التوصل إلى صيغة وسط وحقيقية لحل هذه المشكلات! أم أن المسألة مجرّد لفلفة حل يشرعن الأسد ويمحق السوريين؟
بالنسبة لهؤلاء، المبرّر الأهم اعتبارهم نظام الأسد كتلة متماسكة، بعكس الطرف الآخر الذي تجد به جبهة النصرة والجيش الحر و”داعش”. ومن السهل القول بوجود تنظيمات إرهابية في هذا المقلب، لكن أليس في المقلب الآخر، مرتزقة فاغنر، وزينبيون وفاطميون، كذلك أجهزة الأمن التي تفوق كل هؤلاء إجراماً، أليس لديهم ماهر الأسد المشهور بساديّته وإجرامه، أليس في الجيش والأجهزة الأمنية السورية قتله ومجرمون؟ في تقرير أصدرته أخيرا، أكدت اللجنة الخاصة بحقوق الإنسان في سورية، والتي أجرت تحقيقات مع آلاف السوريين، واستندت إلى أدلة ومعطيات كثيرة، أن جميع الأطراف في سورية ارتكبت جرائم حرب، لكن حصة النظام من هذه الجرائم 95%.
المدهش في الأمر، النبرة التي يجري فيها الحديث عن سورية ونظامها، من مثقفين، لم يؤيد جزء منهم نظام الأسد في البداية، وإن كانوا لم يؤيدوا الثورة عليه، هي نبرة اعتذارية، وفي الوقت نفسه، لا تعطي أهمية لأكثر من ثلثي الشعب السوري الذين دفعوا أثمانا باهظةً في حرب النظام عليهم، وهي أثمان وصل بعضها إلى حد دمار مستقبل فئاتٍ وشرائح كثيرة، ستناضل، في ظروفٍ سياسيةٍ طبيعية، وهو ما لن يحصل في زمن حكم الأسد، عقودا طويلة، حتى تسترد جزءاً من حياتها الطبيعية، يكفي أن نتذكّر أن خمسة ملايين طفل من بيئات معينة، خارج التعليم، وأن نسبة كبيرة من هؤلاء تشوهت نفسياتهم جرّاء ما عاشوه من قصف وتنكيل وهروب، فضلاً عن ملايين الأسر التي تفكّكت أو أصبحت بدون معيل.
في كل الأحوال، ليست بريئة الدعوات المتكاثرة إلى إعادة احتضان الأسد، هي جزء من سياق الثورات المضادّة التي رأت في الخراب فرصةً للدعوة إلى عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2011، بذريعة عدم وجود خياراتٍ أخرى، فقد انتهت مرحلة تشويه الثورات. والآن يجري البناء على تلك المرحلة في المطالبة، بشكلٍ صريحٍ وعلني، بتبرئة القتلة من دماء الشعوب.
بالتأكيد، جميعنا يبحث عن حلول واقعية ومنطقية، ولا أحد يرغب في استمرار الأوضاع على ما هي عليه، وهي الأوضاع التي فرضتها الأنظمة بدائل عن خضوع الناس لها، لكن هل من الواقعية تسليم رقاب الناس لقاتلها، وهل من الواقعية احتضان مجرم حرب بذريعة أنه يمثل جبهة متماسكة، في حين أن جيوشا أجنبية تحتله، بات يشتغل عندها في تأمين المشاريع الجيوسياسية لهذه الأطراف، ولماذا لا تشمل طيبة قلب العرب ملايين السوريين المكلومين
العربي الجديد
—————————————
هل ينتهي التفويض الأميركي لروسيا؟/ نبراس إبراهيم
كثيراً ما سمع السوريون عن “تفويض” أميركي لروسيا في الملف السوري، دون أن يقرأ أحد وثيقة تؤكد ذلك، أو تصريحاً مباشراً من طرف أميركي أو روسي يدعم هذا الافتراض، واستندوا في ذلك إلى تفسيرات ومعطيات جدّية يمكن البناء عليها، فضلاً عن مواقف كل من الولايات المتحدة وروسيا تجاه القضية السورية بعد حديث دبلوماسيين غربيين عن وجود مثل هذا التفويض.
في عام 2015، ظهرت أولى بوادر التفويض الأميركي لروسيا، بعد اجتماعات بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري ناقشت الشأن السوري، وما تلاها من لقاءات روسية مع زعماء عرب في موسكو في العام نفسه، كالأردن ومصر والإمارات، ولقاء ثلاثي ضم وزير الخارجية الروسي ونظيريه الأميركي والسعودي عادل الجبير، وبالتوازي معها، كان هناك لقاء هو الأول من نوعه على صعيد الموقف الروسي من المعارضة السورية المطالبة بإسقاط الأسد، جمعت وزير الخارجية الروسي بالائتلاف السوري المعارض، بعد أن كانت تحافظ على صلة ضعيفة بالائتلاف، وتقتصر على مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، ومن ثم مبادرة روسيا بشكل مفاجئ لدعوة رئيس الائتلاف لزيارة موسكو للتشاور.
تُوّجت كل هذه اللقاءات في العام نفسه بإصدار مجلس الأمن بياناً رئاسياً كان مفاجئاً في حينه، أقر خطة للحل السياسي في سوريا، تتضمن تشكيل هيئة حكم يشترك في تشكيلها النظام السوري والمعارضة، في محاكاة لبنود بيان جنيف الأول، وتشكيل أربع مجموعات عمل لمناقشة مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار والأمن والمسائل السياسية، واللافت أن روسيا التي طالما استخدمت حق النقض الفيتو في وجه أي قرار أو بيان يمس النظام السوري، امتنعت عن ذلك تلك المرة، وكشف أعضاء في مجلس الأمن أن القرار صدر دون استشارتهم، ما أكّد أنه قرار روسي – أميركي مشترك غير تقليدي.
كذلك أقر مجلس الأمن في الوقت نفسه، قراراً بتوسيع مهمة اللجنة الأممية لتقصي الحقائق حول استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، وهو ما كانت روسيا تعترض عليه بشدّة.
كل ذلك، دعم فكرة التفويض الروسي من الأميركيين والدول دائمة العضوية على الخطة وما سيترتب عليها، ودعم فكرة أن روسيا وافقت على البيان واللجنة لأنهما يمكّناها من الضغط على النظام السوري عبر ورقة الحل السياسي والهيئة الحاكمة المشتركة والسلاح الكيميائي، للقبول بتسوية تعمل موسكو على إنضاجها بتفويض أميركي.
خلال السنوات التي تلت، صار التفويض الأميركي للروس أكثر وضوحاً، حين سارت موسكو بمسارات أستانا، وسوتشي، والتي شارك فيها بعض الدبلوماسيين الأميركيين لفترة من الوقت، وحين سارت روسيا بالمصالحات العسكرية على الأرض في درعا وغيرها ومن بعدها المفاوضات مع تركيا والأكرد والعرب، وشبه استفرادها في الملف السوري، مقابل موقف أميركي اتّسم بالسلبية واللامبالاة من كل ما يجري في سوريا، وتتويج هذه اللامبالاة بالإعلان عام 2017 بلسان وزير خارجيتها حين ذاك ريكس تيلرسون أن بلده لم يعد ينظر إلى رحيل الأسد كأولوية في حل النزاع السوري.
خلال سنوات التفويض الأميركي المفترض لروسيا بالملف السوري، أقامت روسيا قواعد عسكرية في الأرض السورية، برية وجوية وبحرية، وأدارت معارك كثيرة، وتفاوضت ونسّقت مع إسرائيل بشأن ضرباتها في سوريا، واستحوذت بأسعار رمزية على استثمارات اقتصادية تضمن لها نفوذاً قوياً في مرحلة إعادة الإعمار التي تلي الحل السياسي، كما أنها قلّصت من النفوذ الإيراني، العسكري والسياسي، وغيّرت في المؤسسة العسكرية السورية لتزيد من حجم المؤيدين لها فيها، وتُقلل من حجم المؤيدين لإيران، ونظّمت دورات عسكرية في روسيا لضباط أمراء من الجيش السوري، وحاولت التنسيق مع تركيا بشأن الشمال والأكراد، وبخلاصة القول، صارت روسيا نظرياً على الأقل المنسّق للحراك الدولي في سوريا لسنوات.
خلال كل تلك الفترة، بقي الموقف الأميركي شبه ثابت، مشوّش للجميع، وصحيح أنها لم تتنازل عن شبر واحد من الأراضي التي تُسيطر عليها من خلال حلفائها على الأرض، ولم تُغلق أي قاعدة عسكرية لها في سوريا، واستمرت بتهديد كل من يتجرأ ويدوس على بساطها السوري، لكنها لم تكن تأبه بالحل ولم تسع له، وكان واضحاً أنها لا تنظر إلى الحرب السورية كقضية أساسية، وأنها تُساير روسيا إلى حد بعيد فيما يخص الملف السوري.
الولايات المتحدة التي لم تكن ترغب بالاصطدام مع روسيا، ولا تريد أن تغرق في الوحل السوري، كانت تريد رؤية عملية سياسية في سوريا، من الممكن ألا تقود إلى تغيير النظام، لكن تؤدي إلى تغيير جذري في سلوكه، وضمان عدم تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية، وعدم تأمينه قاعدة لإيران، وضمان التوازن مع تركيا، ومراعاة مصالح إسرائيل، وإنهاء ملف تنظيم “داعش”، وملف حزب الله، والأكراد ومناطق نفوذهم، والمعارضة وسياساتها، والدور العربي المتعلق بسوريا، والدور الأوربي المتعلق بالملف نفسه، ورأت أن تسليم الملف لروسيا سيؤدي إلى أحد أمرين، إما نجاح روسيا في كل هذا وتحقق ما تريد الولايات المتحدة دون جهد، أو فشل روسيا وضعفها وسهولة سحب الملف من يدها في وقت لاحق.
خلال ست سنوات، لم تنجح روسيا واقعياً في أي ملف من الملفات المُشار إليها، وبقيت جميعها حتى اللحظة ملفات مفتوحة وحرجة وقابلة للانفجار، وخلال السنة الأخيرة لحكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبدايات حكم الرئيس الحالي جو بايدن، بدأت الولايات المتحدة تتساءل عن مدى نجاح روسيا في إدارة الملف السوري، كما بدأت تتساءل عن الهدف الاستراتيجي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن المُرجّح منطقياً وسياسياً واستراتيجياً أن تقول لروسيا قريباً إن الفرصة لإدارة الملف قد استُنفذت ويجب إعادته للأيادي التي يمكن أن تُديره بنجاح، وضمن شروط جديدة.
يمكن القول بكثير من الثقة إن الولايات المتحدة تعرف عدم قدرة روسيا على تحقيق السلام الأهلي والمصالحة الوطنية في سوريا، وعدم قدرتها على احتواء الوجود الإيراني في سوريا والمنطقة، وعدم قدرتها على إدارة الصراعات الإقليمية الشرق أوسطية المعقّدة، ولا على تهدئة المخاوف الإسرائيلية، ولا على أن تصبح القوة المهيمنة الوحيدة في المنطقة، ولا على ملء الفراغ الأميركي والأوروبي، وهم سعداء بغرق روسيا التدريجي في مستنقع من الصراعات الإقليمية، لكنهم بالتأكيد سيغيّرون الاستراتيجية حين يرون أن الفشل الروسي زاد عن الحد، كما هو في الوقت الراهن.
في الغالب، وبعد عشر سنوات من الصراع، ووجود العديد من الملفات الشرق أوسطية المفتوحة والتي لم تستطع روسيا إغلاقها، وبدء تفاقم التوتر بين أميركا وروسيا وانعكاساته المختلفة في عدة ملفات، ستجد إدارة الرئيس جو بايدن، التي لا تزال في طور المراجعة السياسية، نفسها مستعدة لإنهاء تفويض روسيا كقوة مهيمنة في سوريا، وستضع مساراً جديداً، يُبلور لتفاهم دولي – إقليمي ليست روسيا الآمر الناهي فيه، ويُنهي تفويضاً لم تستطع روسيا استغلاله، أو بالأدق، لم يكن لديها أساساً القدرة على إدارته والنجاح به، وما لم تفعل ذلك الإدارة الحالية، فإن الملف السوري لن يجد نهاية مُبشّرة له لأربع سنوات قادمة على الأقل.
تلفزيون سوريا
——————————–
بعض النصائح لأصدقائي السوريين والسوريين الأميركيين/ فريدريك هوف
ترجمة أحمد عيشة
إن السوريين والأميركيين السوريين يعربون عن مخاوف عميقة من أن الإدارة الجديدة للرئيس جوزيف بايدن، بخصوص سورية، لن تُظهر أكثر من استعادة السياسات الفاشلة المرتبطة بإدارة الرئيس باراك أوباما. سأكون مذعورًا، لو كانت هذه هي الحال، غير أني لا أظنّ أن الحالة هكذا. ولكن من الطبيعي أن تأمل إدارة بايدن بحماس، بدءًا بالرئيس نفسه، في أن يُترك انفجار سورية من حيث الجوهر للآخرين، لكي يتعاملوا معه؛ وأن تكتفي السياسة الأميركية بالبيانات العامة والمعونة الإنسانية وحدها.
والواقع أن أولئك الذين يقدّمون المشورة لنهج السياسة الأميركية في التعامل مع سورية، بالتركيز على النهج الأساسي: التحوّل السياسي (وإن كان أقل كثيرًا من تغيير النظام العنيف)، لا بدّ أن يأخذوا في الحسبان الأولويات التي أعلنها الرئيس بايدن. وهي تعكس جدول أعمال (أجندة) طموحًا للغاية.
يهدف بايدن إلى استعادة القدرة على إنقاذ قدرة الديمقراطية الأميركية، وضمان الازدهار المحلي، وإحياء الحياة المدنية، وحماية الشعب الأميركي وحلفائه من الخصوم الاستبداديين في مختلف أنحاء العالم. إن التغلّب على هذا الوباء [كوفيد 19]، ودفع عجلة الاقتصاد، وتجديد البنية الأساسية الحيوية، وحماية حقوق التصويت، واستعادة التحالفات والشراكات، هذه هي الأولويات. وتتصدر الهند والمحيط الهادئ وأوروبا ونصف الكرة الغربي القائمة في التركيز الجغرافي للسياسة الخارجية.
يتعين على السوريين، والسوريين الأميركيين، وأولئك الذين يريدون الدعم الأميركي الفعال للتحول السياسي في سورية أن يدركوا أولًا أولويات إدارة بايدن في أثناء صياغة التوصيات السياسية المتصلة بسورية، وتقديم المشورة إلى الإدارة والكونغرس؛ فالتوصيات والمشورة التي لا ترتبط بهذه الأولويات لن تلقى قبولًا حسنًا.
قد يكون من الواضح لأولئك الذين وقعوا في معمعة الكفاح السوري، طوال عقد من الزمان، أن خصوم الولايات المتحدة استخدموا الصراع هناك لإلحاق الضرر بالسمعة الأميركية، على الصعيدين الإقليمي والعالمي؛ وجعلوا سورية مُصدّرًا لرعب البشرية، ومستوردًا للإرهاب الإيراني وغيره من أشكال الإرهاب، وكلها تنتقل عبر الحدود الوطنية. ولكن أولئك الذين ركزوا الوقت كله على سورية لا ينبغي لهم أن يفترضوا أن ما يرونه وما يقتنعون به، يراه الآخرون.
ويتعين على أولئك الذين يشيرون بجزع إلى نظام بشار الأسد وعناصر تمكينه المستمرة في استخدام سورية، كمرحلة لزرع العجز الأميركي في المنطقة وعلى الصعيد الدولي، أن يأخذوا في الحسبان احتمال أن الرئيس بايدن لا يرى الأمر على هذا النحو؛ وأنه قد يعتقد أن سورية لا تربطها صلة على الإطلاق بأولوياته السياسية الجديرة بالثناء والمرهقة. قد يعتقد، كما قد يفعل بعض كبار مسؤوليه، أن مصالح الأمن القومي الأميركي غير مأخوذة بالدمار الذاتي الكارثي الذي تشهده سورية؛ وأن الحلفاء والشركاء الأميركيين الذين يعيشون على مقربة من الانهيار السُميّ يجب أن يدافعوا عن أنفسهم.
ولا يقصد بأي من هذا أن يوحي باليقين بخصوص ما ستقرره إدارة بايدن في النهاية بصدد سورية. ولعل الرئيس بايدن وأعضاء رئيسين في فريقه لن يسمحوا بأن تمرّ عمليات القتل الجماعي للمدنيين في سورية، بلا ردع ومن دون عقاب. ولعل الإدارة المنظمة تنظيمًا جيدًا، التي تضم شخصية بارزة مؤهلة جيدًا بصدد سورية، سوف تثبت قدرتها على الاهتمام بالأولويات العليا للرئيس، في حين تعمل على تنفيذ استراتيجية تهدف إلى تعظيم احتمالات التحوّل السياسي، في بلدٍ يقدّم فيه إرهاب الدولة مقومات الحياة للإرهاب الإسلامي المرتبط بكل من إيران والقاعدة. ولعل الإدارة الجديدة سوف تدرك، في نهاية المطاف، من دون الاستفادة من الفشل الخطير في السياسة الخارجية، وجود صلة مهمة بين ما يحدث في سورية وتحقيق أهداف سياستها الخارجية.
ولكن احتمال التنازل الأميركي في سورية لا يمكن صرف النظر عنه واستبعاده. ومن عجيب المفارقات أن الأمر قد يكون نتيجة النية الحسنة لرئيسٍ يحاول أن يعرض هذا النوع من التركيز المنضبط الذي يراه كثيرون على أنه جدير بالإعجاب.
هناك خطرٌ حقيقي في أن ينجح في نهاية المطاف أولئك الذين يدعون -في الداخل والخارج- إلى التطبيع مع نظام الأسد، وفكّ عرقلة المساعدات المقدّمة لإعادة الإعمار، لصالح نظام اللصوصية والزعران (الكليبتوقراطي). قد يعتقد البعض أن الاعتراف بالهزيمة في سورية قد يكون مجرد أمرٍ لإقناع طهران باتخاذ خطوات جوهرية نحو استعادة الاتفاق النووي. ويجوز للبعض الآخر أن يستعين بمساعدات إنسانية فقط، وأن يستشهد بتصريحات تدين القتل الجماعي -إلى جانب المطالب الخطابية بالمساءلة- بكونها كافية للتحقق من صندوق السياسة العامة ومأزقها بصدد سورية.
والواقع أن السوريين والأميركيين السوريين يعبّرون على نحو متزايد عن مخاوفهم من تمسك ولاية الرئيس أوباما الثالثة بالفعل بسياستها تجاه سورية. أنا لا أعرف. بالتأكيد لن يكون هناك تصرف استعراضي علني وعام يوجه دكتاتور للتنحي أو يرسم خطوط حمراء قابلة للانتهاك. إن اتخاذ قرار بالرد الخطابي فقط على المذابح بحق المدنيين في سورية قد يدفع المسؤولين في هذه الإدارة إلى تجنب استخدام عبارة “لن تتكرر أبدًا” المتعلقة بالمحرقة (الهولوكوست).
ولكن، حتى لو اتضح أن السلبية هي السياسة المختارة، فإن نظام الأسد وداعميه قد يعضّون الولايات المتحدة وحلفائها وشركاءها في نهاية المطاف، بما يكفي من القسوة، للحصول على مزيد من التفويض من الغرب، بدلًا من الإسعافات والمحادثات. ولكن في غضون ذلك، فإن أولئك الذين يقدمون المشورة المتعلقة بسورية، إلى رئيس وإدارة يفضلون أن يكون التركيز في أماكن أخرى، من الأفضل أن يتواضعوا في توصياتهم ويضبطوا أنفسهم في توقعاتهم.
وإذا كانت هناك خطط كبرى غير اعتيادية في العمل الذي يتطلب أكبر قدر من الجهد أو الموارد أو الاعتبار على المستوى الأميركي، لتحويل سورية من تهديد للسلام إلى نموذج للحكم الشرعي الشامل، فإن الوقت الآن ليس مناسبًا لعرضه. ومن المؤكد أن مثل هذه المقترحات سوف يستخدمها المدافعون عن السلبية والتنازل، في السخرية من “الغرباء” الذين “لا يفهمون ذلك”. وإذا قررت الإدارة، فبوسعها أن تزيفها بأمان بخصوص سورية، فسوف تتعلم قريبًا ما أصبح واضحًا في إدارة أوباما: من الممكن أن يكون التقاعس في حد ذاته طائشًا ومزعزعًا للاستقرار وخطيرًا؛ ويمكن أن يؤدي إلى عواقب قاتلة غير مقصودة بالسهولة التي يمكن بها اتخاذ إجراءات غير مدروسة.
يعرف الرئيس بايدن أن هذا صحيح. لقد مرَّ بذلك حين كان نائبًا للرئيس أوباما. ومن الناحية المثالية، سوف يأذن بجهد متواضع الموارد للعمل بشكل فعال في سورية، في حين يبقي عينيه على الجائزة: تأسيس الديمقراطية، باعتبارها نظام التحول العالمي المنشود. ومن الناحية المثالية، سيصدر توجيهاته بأن تكون سورية منبرًا لإعادة إحياء التحالفات والشراكات الرئيسة. إن السماح لها بأن تظل مسرحًا تتبختر عليه إيران وروسيا والأسد، في دراما تبرز عجز أميركا وعدم أهميتها، لن يكون متسقًا مع ما يسعى الرئيس الأميركي الجديد إلى تحقيقه على المستوى الدولي. وسوف تستخلص الصين وروسيا وإيران وغيرها استنتاجات من سورية، بخصوص عزيمة أميركا، بصرف النظر عن رغبة واشنطن في المشاركة. وقد فعلوا ذلك منذ عقد من الزمن. لا شيء سيتغير. وليس هناك ببساطة أي مفرٍّ من أنك أنت الولايات المتحدة.
لا يستطيع الرئيس بايدن فعل كل شيء. ولا يجب أن يحاول. ولكن ما يحدث في سورية لن يبقى هناك. لم يحدث أن بقي، ولن يحدث أبدًا. ومع ذلك فإن المناصرين لسياسة أميركية في سورية، تركّز على التحول السياسي، لا بد أن يكونوا حساسين في مناصرتهم لأولويات السياسة التي تتبناها إدارة تريد أن يشكل نجاحها أهمية حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة والعالم. ومن الضروري ربط تلك الدعوة بتلك الأولويات. العلاقة واضحة هناك. إن بناءها هو ثمن الاعتراف من أجل التقدير الجاد.
اسم المقال الأصلي Some advice to my Syrian and Syrian-American friends
الكاتب فريدريك هوف، Frederic C. Hof
مكان النشر وتاريخه المجلس الأطلسي، Atlantic Council، 30 آذار/ مارس 2021
رابط المقال https://bit.ly/31Pu9s0
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة
مركز حرمون
————————–
فايننشال تايمز: العقوبات والمعاناة الاقتصادية تزيد خيبة العلويين من نظام الأسد
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا لمراسلتيها كلوي كورنيش وأسماء العمر عن التوتر في العلاقة بين بشار الأسد وقاعدته العلوية، فالمدن الساحلية البعيدة عن الحرب شهدت ازدهارا اقتصاديا أثناء الحرب، لكنها بدأت تعاني بسبب العقوبات الأمريكية التي فرضت بموجب قانون قيصر وانتشار فيروس كورونا. وقالتا إن البلدات الساحلية السورية تنتشر فيها النصب للجنود الذين قدمتهم الطائفة العلوية دفاعا عن الأسد والذي ينتمي نفسه إلى الطائفة، ولكن وبعد عقد من الحرب يكافح النظام من أجل أن يحافظ على الدعم في معقل الدعم له.
وقد دمرت الحرب معظم سوريا التي يسيطر فيها الديكتاتور على ثلثي البلد ويواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة بما فيها مناطق العلويين الذين يعتمد عليهم الأسد في مؤسساته الأمنية والقتال في جيشه. ومثل معظم السوريين يعاني العلويون من الفقر وانقطاع التيار الكهربائي وانهيار العملة والبطالة. وفاقم الانهيار الاقتصادي الناجم عن الحرب وصول كوفيد -19 والعقوبات الأمريكية والأزمة المالية في الجار لبنان والذي كان بمثابة شريان مصرفي له.
ونقلت الصحيفة عن طالبة عمرها 22 عاما من اللاذقية قولها: “لا أعرف كيف أصف الوضع الرهيب الآن”. وتعتمد الطالبة على 10 دولارات في الأسبوع من دروس التقوية التي تعطيها وتحويلات مالية من شقيقها في ألمانيا. وأضافت “ربنا يساعد من ليس له أحد في الخارج ليرسل له المال”.
ويعتبر العلويون الذين يشكلون نسبة 15% من السكان طائفة مهمشة ولكنهم ظلوا يمثلون حجر الأساس للنظام في بلد غالبيته سنية. ومنذ سيطرة حافظ الأسد، والد بشار، على السلطة عام 1970، قام النظام بملء المناصب الأمنية وفي الاستخبارات من أبناء الطائفة. وأصبحت الدولة مصدر الوظائف للطائفة في بلد يسيطر فيه السنة والمسيحيون على المؤسسات التجارية.
وتقول إليزابيث تيرسكوف من “معهد نيولاين” إن الأسد عندما تبنى سياسات انفتاح للاقتصاد بعد وفاة والده حافظ “كان هناك نوع من التحسن في مستويات الحياة، للدولة وتحديدا العلويين”. ولهذا السبب لم يشارك سكان اللاذقية أو طرطوس في الثورة ضد الأسد في 2011، مما أبعدهم عن العنف الذي أصاب غالبية البلاد. وكأقلية كان لديهم ما يخشونه من الثورة التي بدأت بمطالب ديمقراطية قبل سيطرة جماعات متشددة عليها وترى فيهم جماعة منحرفة.
وقال كاتب من عائلة علوية في السبعين من عمره “كثوريين شعرنا بالخذلان من هذه الرايات السود”، في إشارة إلى راية تنظيم الدولة. ودعم العلويون النظام لأسباب سياسية وليست طائفية، كما يقول أليكس سايمون، مدير شركة أبحاث في بيروت “سينابس”، مضيفا “أصبحت الدولة العجلة الأولى للحراك الاقتصادي ومعيشة” العلويين. لكن الروابط تعرضت للضغط الآن، حيث تقدم صفحات الفيسبوك للمدن والبلدات العلوية صورة عن المظالم المحلية، من انقطاع التيار الكهربائي الذي لا يصل سوى لساعات في اليوم إلى نقص المحروقات وفشل المسؤولين في معالجة غياب الخدمات.
وأدت زيادة التضخم وانهيار العملة السورية التي صارت تساوي 3.500 ليرة مقابل الدولار إلى فقدان رواتب الجند والموظفين قوتها الشرائية. وقالت تيرسكوف: “عاد الحديث الآن إلى الحياة التي باتت إهانة مستمرة” كما كانت في عهد حافظ الأسد. ولا أحد لديه الجرأة لانتقاد بشار الأسد على الظروف إلا أن الكثيرين يشعرون بتخليه عنهم.
وقال مترجم من اللاذقية ومتطوع في مبادرات ثقافية عمره 38 عاما “لا يتعامل النظام إلا بالكاد مع المشاكل الاقتصادية” و”تحولت الدولة إلى أداة جمع، وبخاصة في العامين الماضيين حيث أصبحت الضرائب والغرامات هستيرية، لأن الحكومة مفلسة”. وفي الوقت الذي يدعم فيه البعض النظام جهلا أو خوفا إلا أن الوضع الاقتصادي أضعف إيمانهم به و”خرج الناس عن دينهم”. لكن قمع الدولة يجعل العلويين داعمين للنظام.
وقال كاتب: “وفي كل فترة، ترسل أجساد المعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب إلى عائلاتهم”. وأضاف أن “الجيل الذي ظل في سوريا شاهد الخوف والاضطهاد بطريقة تجعله غير قادر على الثورة مرة ثانية، والقبضة الأمنية قوية”. وعلق المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون “تحولت غالبية (السوريين) إلى البؤس والمعاناة”. ولا تستطيع نسبة 60% من السكان الحصول على الطعام الكافي، وهناك 13% تعتمد في حياتها على المساعدات.
وتقلل تيرسكوف من إمكانية العودة إلى احتجاجات واسعة مهما كانت معاناة العلويين وبقية السوريين و”كان النظام قادرا على الإظهار للسوريين أنهم سيستسلمون ويخضعون والجميع يعرف أن الوضع لا يحتمل لكن أحدا لا يقوم بعمل شيء”. ورغم انخفاض وتيرة العنف في سوريا إلا أن الرعب اليومي لم يتوقف “شاهدت طفلا مستلقيا إلى جانب سلة نفايات واعتقدت أنه ميت وحاولت تحريكه وتبين أنه على قيد الحياة” كما يقول الكاتب الذي يعيش قرب دمشق.
———————-
رئيس النظام السوري يقيل حاكم المصرف المركزي
أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد مرسوما، الثلاثاء، أقال فيه حاكم مصرف البنك المركزي حازم قرفول اعتبارا من تاريخه، بالتزامن مع استمرار أزمة شح النقد الأجنبي وتراجع سعر صرف الليرة.
ونقلت وكالة أنباء النظام “سانا” مرسوم الأسد الذي تضمن “إنهاء تعيين قرفول حاكماً لمصرف سوريا المركزي الوارد بالمرسوم رقم 299 بتاريخ 24 سبتمبر/ أيلول 2018”.
وبينما لم يعلن المرسوم عن أسباب الإقالة أو تسمية حاكم جديد لمصرف سوريا المركزي، إلا أنه يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من فوضى أسعار الصرف، وتراجع ثقة السوق المحلية بـ “الليرة”.
وتشهد السوق الموازية للعملة انتعاشا متصاعدا داخل البلاد، وسط تراجع وفرة النقد الأجنبي، ليسجل الدولار في التعاملات غير الرسمية اليوم 3300 ليرة، مقارنة مع 1257 السعر الرسمي.
وقرفول كان مكلفاً قبل تعيينه حاكماً لمصرف سوريا المركزي، بوظيفة النائب الأول لحاكم المصرف، إضافة لكونه عضواً في جمعية العلوم الاقتصادية بسوريا.
(الأناضول)
———————–
الائتلاف السوري: تعيين موريتانيا سفيراً لها في دمشق انحياز للمجرم وانحدار/ جلال بكور
اتهم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، اليوم، موريتانيا بالانحياز إلى النظام السوري “المجرم” والانحدار “إلى مستنقع الإجرام والدماء الذي يغرق فيه مع حلفائه”، وذلك على خلفية تعيين موريتانيا سفيراً لدى النظام السوري في دمشق.
وقال الائتلاف في بيان له: “في الوقت الذي تتراكم فيه الأدلة حول مسؤولية النظام عن ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية واستخدام الأسلحة الكيميائية، وتؤكد فيه دول كثيرة إصرارها على معاقبة المسؤولين عن تلك الجرائم؛ نجد من ينحاز نحو المجرم ويقبل أن ينحدر إلى مستنقع الإجرام والدماء الذي يغرق فيه مع حلفائه”.
وأضاف أن “قيام السلطات في موريتانيا بتعيين سفير لها لدى العصابة المجرمة يأتي في هذا السياق، وهو رضوخ غير مبرر على الإطلاق للابتزازات التي تديرها أطراف تسعى لتحويل المنطقة إلى شبكة إجرامية استبدادية تقوم على البلطجة وحبك المؤامرات، وتستند إلى خلق الفوضى وفرض واقع خال من المبادئ والمثل والأخلاق وتكريس مبدأ إفلات المجرمين من العقاب”.
وقال الائتلاف إن “الشعب السوري يرفض هذه الخطوة المدانة والمستنكرة، كما يستنكر ويدين أي دعوة لتعويم نظام الأسد، وينظر إليها كشراكة في الإجرام، إضافة إلى كونها دعاوى مشبوهة وقصيرة النظر، ولن تأخذ المنطقة إلا نحو مزيد من سيناريوهات القتل والإرهاب والتفجير التي لا يتقن النظام سواها”.
وذكّر الائتلاف في بيانه “الأطراف، التي تدعو بين الحين والآخر إلى تعويم نظام الأسد، بسجله المليء بالمجازر وجرائم التهجير والتعذيب واستخدام غاز السارين لخنق الأطفال والنساء والشيوخ”، كما طالبها بـ”الالتزام بمواقف الجامعة العربية والشعوب العربية، التي ترفض قطعاً النزول إلى مستنقع الدماء التي سفكها النظام أو السكوت عن جرائمه بحق الشعب السوري”.
وشدد البيان على ضرورة التذكير بأن “كل يد تمتد للنظام تفعل ذلك أمام 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل جرى قتلهم وتعذيبهم بشكل منظّم على يده”،وتساءل البيان عن “طبيعة المصالح التي تقف وراء مثل هذه الخطوات غير المدروسة وحجم الابتزاز والفساد الذي يدور حولها”.
وأكد البيان الثقة بـ”أن مصير هذه الخطوة المؤسفة لن يكون مختلفاً عن محاولات بائسة ومبتورة أخرى سعت إلى تعويم النظام، فكل من يصرّ على مد يده للمجرمين سيسقط في نفس أوحالهم”.
وقال البيان: “سورية ليست نظام الأسد، ولا يمكن للمجرم أن يمثل الضحية، والسوريون يتطلعون إلى تحقيق الشروط الكفيلة بعودة بلدهم إلى الجامعة العربية وإزالة الأسباب التي تمنع ذلك، وعلى رأسها نظام الأسد، أما المساعي الرامية إلى تعويم المجرم وتجاوز الحل السياسي والقرارات الدولية؛ فلن تكون سوى جريمة جديدة بحق الشعب السوري وإهانة لتضحياته واستهزاء بحقوقه وتطلعاته”.
وأضاف البيان: “إذا كنا نطالب العالم بتنفيذ القرارات الدولية، ومحاسبة المجرمين وحلفائهم، وضمان عدم الإفلات من العقاب، فإننا نتوقع من الدول العربية والشعوب الشقيقة مواقف أكثر ثباتاً ورسوخاً، بما يضمن تصعيد الضغوط ضد النظام والعمل من أجل انتقال سورية إلى نظام سياسي مدني جديد وفق مقتضيات بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254”.
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد، يوم الأحد الماضي، قد قبل أوراق اعتماد أحمد أدي محمد الراظي سفيراً للجمهورية الإسلامية الموريتانية لديه في دمشق.
وكانت موريتانيا قد أعلنت، بتاريخ 22 مارس/آذار العام الماضي، عن تعيين الوزير السابق أحمد أدي محمد ولد الراظي سفيراً جديداً لها لدى دمشق، في أول إجراء من نوعه منذ اندلاع الثورة ضد النظام السوري قبل عشرة أعوام، وجرى تقديم أوراق اعتماده لوزير خارجية النظام في فبراير/ شباط الماضي.
—————————
مصر تدعو لعودة النظام السوري إلى الحاضنة العربية/ محمد الأحمد
قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إنه من الضروري عودة سورية إلى جامعة الدول العربية والحاضنة العربية، جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي، اليوم الاثنين، عقب لقاء جمعه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في العاصمة المصرية القاهرة، وأضاف أن مصر تألمت لما عانى منه الشعب السوري خلال السنوات الماضية. وأشار إلى أن الشعب السوري تعرض للقتل والنزوح، من دون التطرق لمن تسبب بالمأساة الحقيقة للشعب السوري.
وأشار شكري خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع لافروف إلى أن “الجميع شاهد أيضاً على التدخلات والاستهداف الإرهابي لسورية”، آملاً في عودة سورية لما كانت عليه من استقرار، ولكي يستمتع الشعب السوري في ممارسة الحياة السياسية. ولفت إلى أن الشعب السوري هو من سيقرر مستقبله وسيشكل الحكومة التي تمثله في الانتخابات المقبلة. وفق ما نقله موقع “روسيا اليوم”.
وكان وزير الخارجية المصري تحدث في تصريح سابق له، في يناير/كانون الثاني من العام الجاري عما وصفه بـ”التعقيدات” أمام عودة العلاقات الدبلوماسية بين سورية ومصر، وأشار حينها إلى أن بلاده تتطلع إلى عودة سورية إلى محيطها العربي، كما جدد شكري الحديث عن عودة سورية خلال اجتماع لوزراء الخارجية العرب في الدورة الـ155 لمجلس جامعة الدول العربية، في الثالث من مارس/آذار الفائت، معتبراً أن عودتها إلى الحاضنة العربية “أمر حيوي”، من أجل صيانة الأمن القومي العربي.
ووصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى القاهرة صباح اليوم الاثنين، لبحث ملفات مشتركة بين البلدين وتطوير العلاقات الثنائية، وكذلك بحث الملفات الإقليمية والدولية، والتقى، خلال زيارته، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسامح شكري، وزير خارجية مصر.
ويبدو جلياً أن لافروف يحاول جاهداً من خلال زياراته الأخيرة لدول الخليج (قطر والسعودية والإمارات)، في مارس/آذار الفائت، الدفع باتجاه إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية وحاضنتها، الأمر الذي عاد ليؤكده اليوم خلال لقائه نظيره المصري في القاهرة، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية السورية المزمع إجراؤها في يونيو/حزيران المقبل.
وأوضح لافروف خلال المؤتمر الصحافي، الاثنين، أنه على يقين بضرورة عودة سورية إلى الأسرة العربية، وأكد أن نداءات روسيا المتكررة في هذا الاتجاه بدأت تلقى آذاناً صاغية لدى شركاء في المنطقة. ولفت إلى أنه يجب أن تدرك الجامعة العربية ودمشق أيضاً الميزات الناجمة عن عودة سورية إلى عضوية الجامعة.
ولفت لافروف إلى أن موسكو تستعد لزيارة رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري ومسؤولين لبنانيين بارزين آخرين، في الفترة المقبلة، ومن المرجح أيضاً أن يبحث لافروف خلال زيارته المقبلة إلى بيروت موضوع عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وإعادة العلاقات بين النظام ومحيطه العربي، في محاولة من روسيا للالتفاف على قانون “قيصر” الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية في منتصف يونيو/حزيران العام الماضي، ويهدف القانون إلى منع الأنشطة التجارية الأجنبية من التعاون مع النظام السوري.
وكانت الجامعة العربية قد علقت عضوية النظام السوري خلال اجتماع طارئ في العاصمة المصرية القاهرة على مستوى وزراء الخارجية، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، بعد أشهر من اندلاع الثورة السورية واندلاع الاحتجاجات ضد حكم بشار الأسد، حينها وافقت 18 دولة عربية على تعليق العضوية، في المقابل رفض كل من لبنان واليمن القرار، بالإضافة إلى النظام السوري.
————————–
منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: مروحيّة للنظام السوري هاجمت سراقب بغاز الكلور عام 2018/ هبة محمد
في أوضح إدانة للنظام السوري أممياً، قال محققون عينتهم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إنهم يعتقدون أن الجيش السوري ألقى قنبلة كلور في عام 2018 على منطقة سكنية يسيطر عليها ثوار معارضون في شمال غربي سوريا، حسبما ذكرت المنظمة في تقرير لها أمس الإثنين.
وأضاف البيان أن “التقرير خلص إلى أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن مروحية عسكرية تابعة لقوات النمر، وهي وحدة خاصة في الجيش السوري، هاجمت شرق سراقب، يوم 4 شباط/ فبراير 2018، وألقت أسطوانة واحدة على الأقل”. وأضاف التقرير أن الأسطوانة انفجرت وأطلقت غاز الكلور فوق مساحة كبيرة، مما أثر على 12 شخصاً من الأفراد المعروفة هوياتهم. وهذا هو التقرير الثاني الذي يصدره فريق التحقيق وتحديد المسؤولية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، المسؤول عن تحديد هوية مرتكبي استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
واعتمد التحقيق على تقرير بعثة تقصي الحقائق، والعينات ومواد أخرى حصلت عليها الأمانة الفنية، فضلاً عن تحليل طبوغرافي للمنطقة المعنية ونمذجة تشتت الغاز لتأكيد روايات الشهود والضحايا يوم 4 شباط / فبراير 2018.
وشارك في التحقيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إلى جانب منظمة الدفاع المدني السوري، ومركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، و”هيومن رايتس ووتش”، ومصادر أخرى.
مدير الشبكة السورية لحقوق الانسان، فضل عبد الغني، وصف التقرير الصادر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأنه “قانوني وحقوقي وبمعايير هي الأعلى في العالم”، ويمكن استخدامه مع جميع الأدلة التي معه، ببناء قضية متماسكة ضد النظام السوري الذي استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري”. وقال “إذا كانت هناك محكمة خاصة ضد النظام السوري لاستخدام أسلحة من هذا النوع أو محكمة ضمن المتاح حالياً، أي ضمن اختصاص القضاء العالمي، أو إذا أنشئت لاحقاً محكمة خاصة لسوريا، فهذا التقرير يمتلك من الأدلة ما لا يمتلكها غيره من المنظمات، لمحاسبة النظام، عبر مجلس الأمن عسكرياً واقتصادياً تحت الفصل السابع”.
مدير فريق الدفاع المدني السوري رائد صالح وصف في حديث مع “القدس العربي” التقرير الصادر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والذي أكد مسؤولية نظام الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية في مدينة سراقب، بأنه “خطوة مهمة جداً وتقرير مهم يضاف إلى تقارير سابقة أثبتت استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي في خان شيخون وسراقب”.
———————-
لماذا أعفى الأسد محافظ المصرف المركزي من مهامه؟
في خطوة لم تكن مفاجئة، أقال رئيس النظام السوري بشار الأسد، حازم قرفول من منصب حاكم مصرف سوريا المركزي، من دون أن يتم الإعلان عن خليفته.
ونص مرسوم، صادر عن الأسد الثلاثاء، على إنهاء تعيين حازم يونس قرفول حاكماً لمصرف سوريا المركزي، بعد أن تم تعيينه في منصبه بموجب المرسوم رقم 299 لعام 2018.
وكعادته، يحاول النظام تحميل جزء من مسؤولية الأزمات إلى المسؤولين، بحيث يتم الحديث عن فشل وتقصير من قبل هذا المسؤول وغيره، من دون الإشارة إلى مسؤولية رئيس النظام بشار الأسد.
وبعد الإعلان عن المرسوم، قال موقع “سيريا ديلي نيوز” الموالي للنظام، إن قرار إعفاء حازم قرفول جاء لدوره السلبي وتقصيره الشديد وربما لفساده، في عملية المواجهة بين الليرة والدولار.
وأضاف أن قرفول يتحمل مسؤولية كبيرة في ارتفاع سعر صرف الدولار خلال العام الماضي، بحيث لم يمتلك الجرأة والمسؤولية ليأخذ أي إجراء تقني لكبح ارتفاع الدولار، ورفض أي مقترحات مفيدة كانت تطرح لتقوية الليرة وتعزيز قدرتها أمام الدولار بحجة أنها مقترحات غير صحيحة، ما يؤكد عدم امتلاكه فكر المبادرة و تقنية التفكير الصحيح في مجاله المالي والمصرفي.
وأنهى الموقع بالإشارة إلى أن “إجراءات الدولة مستمرة في مواجهة الحرب المالية وسيستمر تراجع الدولار أمام الليرة”.
ووفق قراءة الباحث الاقتصادي يونس الكريم، تشير خلفيات القرار، إلى أن النظام يحضر لإدارة جديدة لملف الليرة السورية والدولار، وفي الوقت ذاته يريد النظام إرسال رسائل تطمينية إلى التجار وشركات التحويل والصرافة، مفادها أن الطريقة الأمنية لإدارة ملف الليرة، قد تغيّرت.
ويوضح ل”المدن”، أن قرفول كان سباقاً في تطبيق الحل الأمني بما يخص المشهد النقدي السوري، بحيث منع قرفول تداول الدولار في مناطق سيطرة النظام، وكذلك منع نقل المبالغ المالية الكبيرة بين المحافظات، واتخذ عدداً من الإجراءات الأخرى بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، ضد مكاتب الصرافة، أغلقت بموجبها شركات صرافة عديدة.
وقال الكريم، إن قرفول منذ تسلمه مركزي النظام، عمد إلى تطبيق سياسة واحدة، وهي إلغاء طلب الدولار وتجميد عرضه، بحيث قادت هذه السياسة إلى ارتفاع الدولار من نحو 500 ليرة سورية في أيلول/سبتمبر 2018، إلى 4000 ليرة وأكثر.
ويرى أن تحسن قيمة الليرة بعد تصحيح مسارها نحو التحسن، ووصولها عند حاجز ال3200 حالياً، هو أمر ناجم عن سياسة قرفول ذاتها، بحيث تم إلغاء الطلب على الدولار بعد توقف البيع والطلب على العقارات والسيارات وغيرها، وجعل الحركة التجارية في الحد الأدنى، مستدركاً: “لكن أي زيادة في الحركة التجارية ستؤدي فوراً إلى ارتفاع الدولار مجدداً”.
ويتساءل الكريم: “هل سيسير خليفة قرفول على النهج ذاته، بحيث لا يتغير المشهد النقدي، وتبقى العملة عرضة للتذبذب، وعلى وشك الانهيار”، مضيفاً “انتهى دور قرفول وكانت مرحلته بائسة اقتصادياً، وعملية الإصلاح شبه مستحيلة، وأمام المحافظ الجديد مهام صعبة، وأهمها مهمة منع الليرة من تسجيل المزيد من الانهيار، بانتظار الحل السياسي”.
وفي أيلول/سبتمبر2020، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قرفول بموجب قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا، ويُعتبر قرفول الحاكم الثاني عشر للمصرف المركزي، وهو من مواليد 1967 محافظة طرطوس، وحاصل على شهادة الدكتوراه في المالية والمصارف من جامعة مونتسكيو في فرنسا.
وسابقاً شغل قرفول منصب أمين سر هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وعمل قبل ذلك في مصرف سوريا المركزي لدى مديرية الأبحاث الاقتصادية والإحصاءات العامة.
———————-
باريس وبرلين لمحاسبة الأسد على إستخدام الكيماوي في سراقب
شدّدت ألمانيا وفرنسا على ضرورة محاسبة نظام الأسد بعدما خلص تحقيق لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى أن دمشق استخدمت أسلحة كيماوية لقصف مناطق في إدلب عام 2018.
وقال وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان في بيان، إن “استخدام نظام الأسد لهذه الأسلحة في شكل موثق ومؤكد هو أمر مرفوض”، مشدداً على وجوب “الرد في شكل مناسب”.
وأضاف لودريان أن التقرير الجديد الناتج عن عمل مستقل وحيادي يحدد هوية مرتكبي استخدام الأسلحة الكيماوية خلال هجوم سراقب، مؤكدا أن استخدام النظام السوري لهذه الأسلحة لا يمكن دحضه. وأدان بشدة، أي استخدام للأسلحة الكيماوية في أي مكان وزمان ومن قبل أي شخص وتحت أي ظرف من الظروف، مشدداً على أن “فرنسا لا تزال في حالة استنفار كامل لضمان الاستجابة المناسبة لهذه الإجراءات”.
من جهته، قال وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس في بيان، إنه “بالنسبة إلينا، من الواضح أن انتهاكاً بهذه الصراحة للقانون الدولي يجب ألا يمر من دون عواقب”، مؤكداً وجوب “محاسبة المسؤولين” عنه.
وأضاف ماس أن “جميع الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مدعوة إلى الرد على هذه الانتهاكات المتواصلة لسوريا لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية”، داعياً هذه الدول إلى “استخدام السبل المتاحة في إطار المعاهدة لفرض احترامها”.
وكانت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أكدت بعد إجرائها تحقيقاً، أن قوات الأسد الجوية استخدمت غاز الكلور، أثناء هجوم على مدينة سراقب في شباط/فبراير 2018.
وتصوت الدول الأعضاء في المنظمة في وقت لاحق من نيسان/أبريل، على إمكان فرض عقوبات على النظام قد تشمل تعليق حقّه في التصويت، في ما يشكل العقوبة الأشد التي تجيزها المنظمة إذا لم يتخذ البلد المعني إجراءات في هذا الصدد.
————————–
“لا تترك السوري جوعان”.. تبرّع لعلي رامي مخلوف!
أطلق علي مخلوف، ابن رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، حملة في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل جمع التبرعات للسوريين الجائعين، حسب تعبيره، بعد أسبوع واحد فقط من استفزازه مشاعر السوريين أنفسهم بصوره الباذخة في حفلة عيد ميلاده التي تضمنت قالب حلوى مزيناً بحفارة نفط، فيما تعاني البلاد أزمة محروقات ضمن أزمات اقتصادية متعددة.
ونشر علي (21 عاماً) بياناً للحملة الخاصة به، عبر حسابه في “أنستغرام”، قال فيها أنه تواصل مؤخراً “مع عدد من المشاهير العرب الذين لديهم عدد كبير من المتابعين في منصات التواصل الاجتماعي ليتم بالتعاون معهم الإعلان عن حملة تبرعات للمساهمة في انقاذ الشعب السوري الجائع بالأخص في هذا الشهر الرمضاني المبارك”، مشيراً إلى اختيار شخصيات عربية من الإمارات والسعودية والكويت ومجموعة من السوريين والدول العربية الأخرى، للترويج لهذه الحملة التي ختمها بجملة مستفزة أخرى: “هذا خطنا وهذا دورنا ونحن خلقنا لنساعد”.
ويبدو أن علي مخلوف يقسم وقته بين سوريا ودبي وروسيا. ويدأب على تحميل صور تبين حياة الترف التي يعيشها سائحاً حول العالم ومقتنياً أغلى الأغراض. ويتابعه عبر “إنستغرام” 223 ألف شخص، بينما يقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن ما لا يقل عن 12.4 مليون شخص، أي 60% من السوريين داخل البلاد، يعانون انعدام الأمن الغذائي والجوع، بزيادة قدرها 4.5 ملايين شخص خلال عام واحد فقط.
وفيما اعترف بيان علي، بوجود الفقر والجوع في البلاد، فإنه لم يشر إلى السبب الحقيقي وراء ذلك، وهو سياسات النظام الاقتصادية بالتحديد، والفساد المستشري في البلاد منذ عقود سبقت الثورة السورية. كما أن ثروة والده الذي قالت صحيفة “غارديان” البريطانية العام 2012 بأنه أغنى رجل في سوريا، وحدها كافية لمنع السوريين من الانزلاق إلى الجوع، لو تم توزيعها بشكل عادل عليهم، بدلاً من تقديم مثل هذه الحملات التي تهدف إلى تلميع صورة عائلة مخلوف وتقديمهم بمظهر إنساني بالتوازي مع تعرض رامي مخلوف شخصياً لملاحقات النظام خلال العام الماضي، في دراما محلية أظهرت الصراع داخل عائلة الأسد.
وكان رامي مخلوف ظهر العام الماضي، في مقاطع مصورة عبر “فايسبوك”، هاجم فيها النظام السوري وهدّد رئيسه بشار الأسد، بعد التضييق الكبير الذي تعرض له، والسيطرة على أمواله وممتلكاته وعلى رأسها شركة “سيرتيل” التي يرأس مجلس إدارتها، وتدرّ عليه مبالغ طائلة سنوياً. وكان من نتيجة ذلك سيطرة أسماء الأسد بشكل متزايد على قطاع الجمعيات الخيرية في البلاد، عبر مؤسستها “العرين” التي باتت بديلاً لجمعية “البستان” الخيرية التابعة لمخلوف.
وبحسب بيان علي مخلوف، فإن الحملة تهدف إلى جمع مبلغ 10 مليون دولار، أي ما يعادل تقريباً 35 مليار ليرة سورية، يساهم فيها شخصياً بمبلغ مليونَي دولار، ما يعادل تقريباً 7 مليارات ليرة سورية. وذلك بالشراكة مع “الهلال الأحمر الإماراتي” لما يتمتع به من مصداقية ورصيد في العمل الإنساني على مستوى العالم، حسب تعبيره.
————————
===========================
تحديث 17 نيسان 2021
————————
تفاصيل أسدية-4 حافظ الأسد يطبق على دمشق: ترييف أم علونة.. أم أسدنة؟/ غسان المفلح
لابد لنا من توضيح بعض المفاهيم التي تحكم رؤيتنا لهذه التفاصيل الأسدية. كي لا نبقى أسيري الخطاب المتداول ومعاييره وسياقاته التي تحكمنا. من جهة أخرى نحن مربكون حتى اللحظة في إنتاج معرفتنا عن بلدنا. لكننا نحاول المثابرة من أجل إنتاج مفاهيمنا عن بلدنا هذه. أحيانا أجد نفسي مثلا، عند مناقشة أي جانب في وضعيتنا، والكتابة فيه وعنه، أجد أن أدوات معرفتنا ناقصة. في كل محاولة لتلافي النقص هذا تجد نفسك أحيانا في حالة فقر معرفي من جديد. نحاول تبييئة مفاهيم سوريا. مازلت أذكر ردود بعض الأصدقاء على دراسة مطولة قمت بها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي حول مفاهيم الوطنية واللاوطنية والبرجوازية البيروقراطية، قلت فيها لا يمكن الحديث عما يجري في سوريا، دون تشريح حالة اللاسلم واللاحرب القائمة بين سوريا الأسد وإسرائيل، معترضاً في ذلك الوقت على تقييم النظام انطلاقا من مفهومي الوطنية واللاوطنية التي كان يتبناها حزبنا (حزب العمل الشيوعي) في سوريا. للأسف تم مصادرة هذه الدراسة وكانت تقع في 140 صفحة تقريبا. كتبتها وأنا في حالة تخفٍ هروبا من المخابرات في حلب.
استتب وضع البلد أسديا منذ عام 1972 بالتأكيد معادلة “ريف/ مدينة” على أهميتها في دراسة تشكل المجتمعات المعاصرة، إلا أننا هنا نتحدث عن حالة سياسية فرضت من فوق على الريف والمدينة معا.
برأيي الأجدى القول أسدنة دمشق وليس ترييفها، وهي محاولة لإنتاج مفاهيم خاصة بالحالة السورية، والتي لاتزال معرفتنا قاصرة عن التعريف بحالنا. علما حاولت في الجزء الأول الحديث عن الطبيعي والطبقي في قضية ريف مدينة. لكننا هنا أمام حالة خاصة جدا، وهي أسدنة دمشق. أو أسدنة حلب بالتالي أسدنة سوريا ريفا ومدينة. يقول بعض الأصدقاء الكتاب بعلونة الدولة السورية عسكريا على الأقل، وأصدقاء آخرون يتحدثون عن” أهلنة الدولة”. هذا ما اشتقه المفكر السوري ياسين الحاج صالح. هذه الأهلنة مستندة على الأهل العلوي، كما يراها ياسين ” ظهور الدولة الأهلية والمجتمع الأهلي، وصعود السياسة الأهلية والثقافة الأهلية، أعني جنوح السياسة القليلة المتاحة لأنه تجد حواملها في الجماعات الأهلية، وتحول الثقافة إلى تعبيرات مواربة قليلاً أو كثيراً عن الولاءات والاستقطابات الأهلية”.
أعتقد مع خصوبة كل هذه القراءات إلا انني أجد من المناسب في سوريا الحديث عن أسدنة الدولة والمجتمع معا. وهذا يستغرق الأهلنة والعلونة والترييف. هذا ما حاولت الحديث عنه في مقالات سابقة وأسميته” عقيدة الأسد”. نحن لا نتحدث عن ديكتاتور حكم لسنوات قليلة بل نتحدث عن ديكتاتور يحكم منذ أكثر من 53 عاما. خمسة عقود، تغير فيها العالم بمسافات ضوئية. وسوريا الأسد تغيرت بمزيد من فشل الدولة وتغول الأسدية.
يقول الباحث شوكت غرز الدين” أنَّ مفهوماً كمفهوم الفاعل السياسيّ يشمل جميع الفاعلين السياسيّين الذين وجدوا والموجودين الآن والذين سيوجدون في المستقبل، ولكنه يتضمن أقل قدرٍ ممكن من الصفات الأساسيّة التي يشترك فيها جميع الفاعلين السياسيّين، والتي يمكن أنْ تحدّ المفهوم وتعيّنه. وبفضل ممارسة السلطة كسلطة، ومسلّماتنا المعرفيّة عن هذه الممارسة، حدثَ عندنا العكس؛ فتقلّصَ عندنا مفهوم «الفاعل السياسيّ» في الشمول، واقتصرَ على فاعلٍ واحد هو الرئيس أساساً، والذي يتبعه بدرجات متفاوتة عدد معيّن من الفاعلين، ينظم العلاقة فيما بينهم شكلٌ هرميٌ وخيطٌ لا مرئيٌ يصلهم بشخص الرئيس. وهؤلاء الفاعلون هم: النظام، الأمن، الجيش، رئيس الوزراء، الوزراء، أصحاب رأس المال، الحزب، النقابات العماليّة والحرفيّة والاتحادات بأنواعها الفلاحيّة والنسائيّة والطلابيّة والشبابيّة والرياضيّة ومنظمات الطلائع و«المؤسسات» الدينيّة والمذهبيّة. كذلك الدولة، ومؤسساتها التنفيذيّة والماليّة والدبلوماسيّة والتشريعيّة والقضائيّة والإعلاميّة والأيديولوجيّة”.
الأسدنة تتميز بالاستيلاء على المال العام أيضا. بالسرقة والنهب أو بالتحكم عبر أجهزة دولتها. الأسدنة انطلاقا من مفهوم الفاعل السياسي، انطلقت بشكل سريع منذ المنتصف الأول للسبعينيات، وحل الأسد فاعلا سياسيا وحيدا في سوريا. حتى وصلنا إلى ما عرف ب” سورية الأسد”. في الأرياف والمدن والبعيدة عن دمشق يمكننا أن نجد هامشا أهليا ما عشائريا أو دينيا، لكن في دمشق أطبق عليها الأسد إطباقا قل نظيره في أي عاصمة عربية أخرى اللهم طرابلس الغرب، وبغداد في عهد صدام. لا ينفع القول إن هنالك شراكة لأي طرف مع الأسد، من حيث الفاعلية السياسية. يمكننا الحديث أنه بعد اتفاقيات الفصل عام 1974 التي تمت برعاية هنري كيسنجر على الجبهة الإسرائيلية السورية، ثم زيارة نيكسون الرئيس الأمريكي لدمشق 1975. ودخول القوات الأسدية إلى لبنان، هؤلاء المتبقون في النظام عبارة عن منفذين لسياسة هذا الفاعل السياسي على كافة المستويات.
لا يحتاج الأمر لدليل وهو ببساطة أن الجميع يتغير ما عدا الأسد. وهذا ينطبق على الأسد الابن. الجميع بدون استثناء ضباط وزراء مدراء مؤسسات. كل ما يخص أجهزة الدولة والقوة يتغير، المسؤولون فيها إلا الأسد. الحديث عن شركاء للأسد بوصفه فاعلا سياسيا حديث غير خصب ولا يقدم أية فائدة. هذا الفاعل السياسي تكرس بفعل اتفاقيات الفصل هذه. بدون تحليلها وتحليل الوضعية التي نتجت عنها لا يمكننا فهم العقيدة الأسدية. حتى في عهد الشباطيين الذي لم يدم سوى سنتين قبل أن يستولي الأسد عمليا على السلطة 1968. قبله في عهد القيادة الانقلابية الآذارية 1963-1966 كان هنالك مراكز قوى داخل الحزب ومؤسسات الجيش والأمن، يمكننا فيها الحديث عن تعدد الفاعل السياسي نسبيا. هذا الموضوع بعد عام 1968 بدأت نهايته وتوجت بشكل نهائي في زيارة نيكسون لدمشق. باتت عمليا “سوريا الأسد” تتويج غربي أمريكي بامتياز وسوفييتي ايضا، لأن السوفييت كانوا يرون أن هذا حجمهم في دمشق. رغم معرفتهم بالأسد ونظامه. هذا الفاعل بحكم القمع والرشوة، لم يعد يحتاج كثيرا لتدريب منفذي أوامره لأنها باتت شبه معرفة، والقنوات المهمة للتواصل السياسي على الصعيد الدولي خاصة مع السوفييت والأمريكان والإسرائيليين والفرنسيين كانت ممسوكة من الأسد شخصيا. البقية منفذون ومستشارون في أقصى حالاتهم. سواء كان هؤلاء علويين أم سنة أم مسيحيين أم دروزا أم اكرادا.
أطبق الفاعل السياسي الأسدي الوحيد على دمشق.
————————–
عن أوان الأسد وانتخاباته|/ موفق نيربية
يبدو أن بشار الأسد لم يستطع مقاومة رغبته بتقليد فلاديمير بوتين في دخوله الكرملين كقيصر قديم، ليستعرض مشيته الفخورة على السجادة الحمراء وحيداً، حتى وصل إلى حيث أقسم يمينه الدستورية. وقد قام الأسد بمشهد يشبهه، حين استجلب أعضاء مجلس الشعب إلى القصر الجمهوري، ليقسم يمينه أمامهم، بعد يمين بوتين وفيلمه الوثائقي المعروف بعامين، في 16/7/2014.
الآن، يريد تكرار تلك الانتخابات، خلال فترة تبدأ بعد يومين في السادس عشر من إبريل/ نيسان الجاري، وتنتهي بعد شهر. ولا يبدو أن العالم يعير الأمر اهتماماً كافياً مؤخراً، ليبدو وكأنه اقتنع بنصيحة من اقترح تجاهله واحتقار مسرحيته، أو ربّما انشغل الناس بمشاغل أكثر أهمية وراهنية، مثل موجة الوباء الثالثة، وجدول أعمال الإدارة الأمريكية الجديد المزدحم، خصوصاً فيما يخصّ إيران ومسار الاتفاق النووي، وأوكرانيا وتوتّر حدودها مع روسيا، ولولا إحساسهم بالقهر، لعلّ السوريين أيضاً كانوا سيتجاهلونه.
من حقّ العالم كذلك أن يمسك قلبه بيده، حين يتذكّر كيف ترافقت الانتخابات السابقة مع حصار «داعش» للموصل ثم دخوله إليها واغتنامه 2300 سيارة رباعية الدفع، شكّلت جزءاً مهماً من بنيته التحتية العسكرية لاحقاً. ولا تتوفّر للنظام حالة تخيف الآخرين ويختبئ وراءها كتلك حالياً، إلّا إن جاءت عن طريق توتّر باهرٍ يتعلق بإسرائيل أو إيران وحزب الله، أو أوكرانيا والبحر الأسود.
أصبح عادياً القول إن شرعية الأسد تآكلت حتى الاهتراء، ولكن ذلك لا يؤثّر في شهيّته وحماسة زوجته، التي حاولت مؤخراً الدفع نحو تطبيقات إلكترونية للزكاة، تُدخلها في مسارات النظام المالية، وتحاول الاستثمار في شهر رمضان. اختلطت تلك الشرعية باستبداد وفساد، وإجرام بحق الإنسانية لعقود عديدة، ثم تدهورت بشكل لولبي مع قتل مئات الألوف وتشريد الملايين، عندما اعتدت على حقوق أكثر من نصف سكان البلاد في حياتهم ووطنهم، أولئك السكان أنفسهم الذين كانوا سيمارسون حق الانتخاب، أو المقاطعة، والذين يجعل غيابهم أي انتخابات باطلة.
تلاشت حتى الشرعية الشكلية، رغم بقائه خارج القضبان وبعيداً عن المحاسبة عمّا هو مسؤول مباشرة ومن دون أيّ شك. وجرائمه باعتقال مئات الآلاف، وقتل عشرات الآلاف تحت التعذيب، إضافة إلى قتل قواته والميليشيات التي اصطنعها، أو استقدمها من خارج البلاد لمئات الآلاف أيضاً وتعويق أضعافهم، وتدمير بنية البلاد التحتية واقتصادها وتعليم أبنائها، وتدمير ما كان قد بقي من تماسك في نسيج المجتمع السوري، الذي انتشر جائعاً في البلاد أو شريداً في أصقاع الأرض.
وفوق ذلك كله، فقد النظام بشكل عملي شرعيةَ إجراء انتخابات، وهو رسمياً في سياق عملية سياسية تخضع للقانون الدولي، يتمّ من خلالها وضع دستور جديد، سيكون مرجعاً لأي انتخابات لاحقة. ويشكّل النظام طرفاً في تلك العملية لا يحقّ له القفز من فوقها، وتجديد رئاسته التي يريد لها أن تكون أبدية كما اعتاد قبل المحرقة.
أصبحت سوريا ثلاثة أقاليم الآن، تتفرّع منها أقاليم أخرى غير واضحة المعالم بشكل قاطع. أكبر تلك الأقاليم نظرياً هو ما يقع تحت سلطته، المتداخلة مع سلطات إيرانية وروسية، وسيطرة عشرات الميليشيات المحلية والمستوردة، التي لا تعدو كونها عصابات تتداخل مصالحها وتتعارض حسب الوقائع اليومية. أكبر تلك العصابات يتمثّل بالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، وحزب الله الذي لم يحسم أمره بعد ويحمل متاعه ويرحل. في ذلك الإقليم، بقايا الدولة التي أفشلها الأسد، وأوصل سكانّها إلى حدود المجاعة، بعد أن قام بتحطيم اقتصادها ونهبه، وتحويلها إلى نموذج لا يمكن تبيّن ملامحه، ولا مقارنته مع غيره في التاريخ الحديث. الإقليم الثاني في إدلب وحتى الحدود مع تركيا شمالاً وغرباً، تتداخل فيه سلطات الأمر الواقع الخاضعة للنفوذ التركي بشكل كامل، أو بشكلٍ جزئي، كما هو الأمر مع هيئة تحرير الشام. ما يسود تلك المنطقة من واقع عسكري واقتصادي واجتماعي وثقافي، يجعل مهمة الذين سوف يقومون بإعادة لحمة البلاد صعبة جداً في المستقبل القريب أو البعيد. الإقليم الثالث فريد وجديد في نوعه أيضاً، في شمال شرق سوريا، حيث تسيطر الولايات المتحدة بظلّها الثقيل، ودعمها لسلطات الأمر الواقع أيضاً هناك، التي أقامت نظاماً تجريبياً للسلطة والإدارة من دون استشارة أحد. هنالك تداخل غريب في تلك المنطقة ما بين وجود رسمي وإداري للنظام، ووجود عسكري تركي في شريط عريض على الحدود، إضافة إلى وجود روسي يقوم بدور الميسّر أحياناً، ليكسب المزيد من النفوذ ويلعب به ألعاباً رابحة أخرى. في ذلك الإقليم أفضلية نسبية على غيره، بوجود شكلٍ» مدني» وبعض الحرية والحياة، ممتزج بممارسة شمولية ويسارية، وروح عسكرية متغلّبة وقادرة على القمع، وعلاقة لا تقتصر على الأمريكيين، وتتعدّاها إلى حيث معسكرات حزب العمال، العدو الأكثر عدائية للحكومة التركية، والأكثر استهدافاً من قبلها.
من الإقليم الأول الذي تسيطر فيه سلطة الأسد رسمياً، تتفرّع منطقة، أو إقليم رابع غير محدد الحدود أو الملامح في المحافظات الجنوبية، حيث تتداخل قوى النظام والروس والإيرانيين والمعارضة، التي لم تُهزم إلّا جزئياً، إضافة إلى معارضة من نوع مختلف أيضاً في جبل العرب، الذي بقيت له بعض استقلاليته، رغم تبعيته رسمياً إلى دمشق. تهيمن في هذا الإقليم كذلك ظلال إسرائيل الغامقة، التي يحسب الجميع حسابها وحساب مصالحها، إلّا إيران بالطبع. هنالك» أقاليم» أخرى تشكلها ملايين تشرّدت ولجأت هنا وهناك، ولن تكون لها أيّ علاقة مع شيء يخصّ الأسد ونظامه. ولكن الناس على الأرض بدورهم، ليس في المناطق البعيدة عن سيطرة النظام وحسب، بل حتى في تلك التي تخضع له نظرياً، لن يكون لديها من الوقت – بمعظمها في أزمتها الخانقة، حتى بين من يوالون الأسد، أو يلوذون به – ما تعطي فيه اهتماماً لتلك المهزلة. فأيّ انتخابات يا رجل؟ وأنت لا تستطيع جمعاً أو طرحاً، في انتظار أن تحين ساعة الجدّ ويختمر العجين وتنضج القوى المتصدّية للأمر في المقدمة على نار قوية وهادئة.. تلك الساعة ستكون ساعة الحساب والمحاسبة أيضاً. لن يكون الخيار سهلاً ما بين إجراء تلك الانتخابات الصورية المهزلة، أو تأجيلها بذريعة ما، يمكن أن تكون ظروف الوباء مثلاً؛ وفي الحالتين سيقع النظام في حرجٍ شديد يزيد من ضعفه وتهافته. وممّا يبدو على السطح، يرى المراقبون تكراراً كوميدياً للاستفتاءات القديمة، تقودها زوجة الأسد في ما يبدو، التي تدفع باتّجاه الانتحار بعد أن فقدت كلّ أوراقها أيضاً، ودخلت في نادي الذين تشملهم العقوبات وتلاحقهم المساءلة والمحاسبة.
لم يعد هنالك وقت كافٍ لأن يقنع الروس الأسد بالتنحّي جانباً قبل الانتخابات، وليس من مؤشّرات على مثل ذلك الميل لديهم حتى الآن أيضاً، وخصوصاً بعد فتحهم لجبهة مناوشات دولية جديدة، وتوتّر استراتيجي في أوكرانيا غير معروفة الأفق. وكذلك تنشغل إيران بقوة ما بين انتخاباتها الرئاسية، وتطورات المفاوضات حول الاتفاق النووي، وتتفاعل الساحة العراقية بشكل أكثر من السابق، بحيث يمكن أن تؤدّي إلى قطع طريق إمداد دمشق – وبيروت – البرّي بالسلاح، كما تزداد الحالة اللبنانية حرجاً واستنفاراً لتشغل حزب الله ومشغّليه. وقد قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدوره كذلك بخطوة على طريقة الأسد مؤخراً، ليتيح لنفسه تمديد رئاسته إلى «أَبَدِه» الخاص، الأمر الذي يبدو أنه إغراء» أبدية» خامنئي، الذي يكتفي بتطبيق مبدأ الفترتين على روحاني وإخوانه من الرؤساء. وسوف يزيد هذا من انجذاب الأسد إلى إجراء الانتخابات، ويدخله في الورطة التي تجعله ينسف العملية السياسية الجارية، والقرار الدولي 2254، واللجنة الدستورية، كلّها بضربة واحدة. ذلك كلّه يمكن أن يخدعه ليحسب العالم منشغلاً قد نسيَه حيث هو، إلّا أن المظاهر قد تخدع كثيراً.
كاتب سوري
القدس العربي
——————————-
نظام الأسد يستعد لانتخاباته: إجراءات لتخفيف الاحتقان الشعبي/ أمين العاصي
تشير الوقائع والمعطيات إلى أن النظام السوري حسم قراره بإجراء الانتخابات الرئاسية منتصف العام الحالي، وفق دستور وضعه عام 2012، ما يعني انتهاء العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي لم تستطع حتى اللحظة دفع النظام إلى مفاوضات ذات مغزى، بسبب رفض النظام أي حلول سياسية يمكن أن تقوّض وجوده أو لا تسمح ببقاء بشار الأسد في السلطة. وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة السورية دمشق أن “مجلس الشعب” (البرلمان) التابع للنظام سيعقد يوم الأحد المقبل جلسة، من المرجح أن تخصص للدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية لتثبيت بشار الأسد في السلطة لدورة جديدة، مدتها 7 سنوات وفق دستور 2012، الذي ينصّ على أن “يدعو رئيس مجلس الشعب لانتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن 60 يوماً ولا تزيد عن 90 يوماً”.
وقبيل نحو شهرين من إجراء الانتخابات المتوقعة في يونيو/حزيران المقبل، بدأ النظام سلسلة من الإجراءات الاقتصادية لتخفيف الأزمة المعيشية التي تضغط منذ أشهر على السوريين في مناطق سيطرة الأسد، فسمح منذ أيام بتسليم الحوالات الخارجية (الدولار) بسعر 3175 ليرة، إضافة لإجراء آخر يتعلق بتمويل مستوردات الصناعيين والتجار عبر بعض شركات الصرافة بدولار بسعر 3375 ليرة.
ويسعى النظام من وراء هذين الإجراءين لتحقيق مكاسب اقتصادية تتجلى بالحصول على كمية أكبر من القطع الأجنبي، وأخرى سياسية لتخفيف الاحتقان الشعبي في مناطق سيطرته والذي كاد أن يصل إلى حافة الانفجار خلال الشهر الماضي نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة. فقد وصلت أسعار المواد الغذائية إلى مستويات يعجز عنها أغلب السوريين، في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وندرة المحروقات.
كما أعفى الأسد منذ أيام حازم قرفول من منصبه حاكماً لمصرف سورية المركزي، في محاولة لتحميله تراجع سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ سورية، مع اقتراب الدولار من حاجز 5000 ليرة سورية الشهر الماضي. ومن المرجح أن يتخذ النظام خطوات اقتصادية أخرى خلال الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات الرئاسية، لحث الخاضعين لسيطرته على المشاركة في التصويت لإقناع المجتمع الدولي للقبول بنتائج هذه الانتخابات.
في السياق، اعتبر الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات خالد التركاوي، في حديثٍ لـ “العربي الجديد”، أن النظام “يحاول تخليص السوريين الخاضعين لسيطرته من بعض المشاكل قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام”، مضيفاً: استطاع النظام تأمين كمية من المحروقات ربما تكفي الاستهلاك المحلي لمدة أسبوعين. ولفت إلى أنه “لاحظنا في الأيام القليلة الماضية تحسّنا في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، ما يعني أن النظام ضخ كميات كبيرة من الدولارات في السوق، لإنعاش الأسواق خصوصاً في شهر رمضان، ولإيهام الشارع الموالي أن النظام يعمل على تحسين المعيشة”. وأشار التركاوي إلى أن النظام “يحاول إصلاح ما خرّبه، ولكنه إصلاح مؤقت لن يدوم”. ورأى أن “ليس من أولويات النظام تحسين سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار وغيره من العملات”، معتبراً أن “همّ النظام الأساسي جمع قطع أجنبي، خصوصاً الدولار واليورو، من خلال ترهيب وترغيب التجار، لذا يتحكّم بسعر الصرف بناء على هذه الأولوية”. وأوضح أن لدى النظام أولوية أخرى “وهي دفع الرواتب للموظفين”، مشدّداً على أن النظام لا يهمه على الإطلاق تدني هذه الرواتب، فأي تراجع في سعر صرف الليرة يصب لصالحه في النهاية. في غضون ذلك، لا تزال العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة مجمّدة بشكل كامل، وكان واضحاً أن النظام يماطل بدعم من الروس والإيرانيين وصولاً إلى منتصف العام الحالي، لدفع المجتمع الدولي للقبول بنتائج الانتخابات الرئاسية.
ولم يعد هناك حديث عن جولة جديدة من اللجنة الدستورية، لأن إصرار النظام على إجراء انتخابات رئاسية وفق دستور عام 2012 أفقد هذه اللجنة أي أهمية سياسية، إذ كانت المعارضة السورية تأمل إنجاز دستور جديد تجري على أساسه انتخابات لأنها لا تعترف بالدستور الذي وضعه النظام. وعقدت هذه اللجنة عدة جولات خلال عامي 2019 و2020، إلا أنها لم تحقق أي تقدم يذكر، لأنه كان من الواضح أن العملية السياسية ليست من الأولويات لدى النظام، الذي لا يعترف حتى اللحظة بوجود معارضة له سواء في الداخل والخارج. واختفى المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسن عن المشهد خلال الشهر الحالي، في ظل أنباء عن ترحيل النظام أي نشاط يخص العملية السياسية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية.
وأشار المحلل السياسي رضوان زيادة إلى أنه “كان جلياً منذ فترة طويلة أن بشار الأسد سيترشح للانتخابات وسيفوز بها”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد”: “يجب ألا يكون هناك شك حول نوايا الأسد فقد باتت معروفة للجميع”. وتابع بالقول: “بشار الأسد لم يأخذ يوماً مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، أو القرار 2254 على محمل الجد، والمفاوضات بالنسبة له فرصة لكسب الوقت من أجل تغيير الوقائع على الأرض وقتل أو تصفية أو تهجير من بقي من المعارضة داخل سورية”. وعن توقعاته لموقف المجتمع الدولي من نتائج الانتخابات الرئاسية، رأى أنه لن يختلف عن الانتخابات السابقة، التي جرت عام 2014. روسيا ستدعم الأسد وستقول هذه هي نتائج الانتخابات، والبلدان الأوروبية والولايات المتحدة لن تعترف بالنتيجة. وفي مقابل الجمود في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، برزت أخيراً محاولات من أطراف عربية لتعويم النظام مرة أخرى قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، فظهرت دعوات من هذه الأطراف لإعادة النظام إلى الجامعة العربية التي كانت جمّدت عضويته أواخر عام 2011 بسبب رفضه التجاوب مع مساعيها لحل القضية السورية. ولكن من المرجح أن تفشل هذه المحاولات بسبب رفض الولايات المتحدة اتخاذ أي خطوات من شأنها تأهيل النظام، مع استمرار رفضه للقرارات الدولية التي رسمت الطريق أمام حل سياسي يبدو بعيد المنال في المدى المنظور.
العربي الجديد
—————————
شرّ النظام السوري ما يُضحك/ جمانة فرحات
يمتلك النظام السوري فيضاً هائلاً من الانفصام عن الواقع، ولوزارة خارجيته حصة الأسد. قبل سنوات، بشرنا الراحل وليد المعلم أنه “سننسى أن هناك أوروبا على الخريطة وسنتجه شرقاً”. مات المعلم ولا تزال أوروبا على الخريطة التي أراد شطب قارّة بأكملها منها كرمى لعيون رئيسه. الوزارة عينها في عهد خلفه، فيصل المقداد، تبدو وفيةً لهذا النهج. قبل أيام، أصدرت بياناً حمّلت فيه أميركا عواقب سياستها الإجرامية، واتهمتها بـ”نهب النفط والقمح السوري وتسخيره لخدمة خزائنها وإرهابييها على حساب تجويع الشعب السوري وإفقاره وحرمانه من ثرواته الوطنية”، قبل أن تطالبها “بالتعويض عن الأضرار الجسيمة والخسائر الفادحة التي ألحقها العدوان والاحتلال الأميركي بحق الشعب السوري”. كما ذهبت باتجاه حثّ “جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن على الوقوف بقوة مع سورية لردع هذا الاستهتار الأميركي بالقانون الدولي وبحقوق الشعوب وثرواتها”.
يُخيّل لمن يقرأ البيان، للوهلة الأولى، أنه صادر عن نظام حريص على شعبه لا نظام لا يشبع من القتل، وحول الشعب نفسه الذي يتحدّث عنه، بفعل إجرامه، إلى شعب مهجر ولاجئ ونازح بالملايين، وأن من بقوا في البلاد، حتى من أنصار النظام، فعلوا ذلك لانعدام الخيارات أمامهم، لا لسبب آخر. لكن المرء لا يحتاج وقتا كثيرا لتذكّر أن من كتب هذا البيان هو نفسه، على الأرجح، من خطّ بيان “رفض” ما خلصت إليه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لجهة وجود “أسباب معقولة للاعتقاد” بمسؤولية النظام عن استخدام غاز الكلورين على بلدة سراقب في عام 2018، والتحلّي بالوقاحة لوصف النتائج بالكاذبة، لأن النظام “من الأساس لم يستخدم أي غازات سامّة في بلدة سراقب أو أي مدينة أو قرية أخرى في سورية”. مع العلم أن هذه النتائج لم تصدُر إلا بشقّ الأنفس، بعدما كانت حليفة النظام المخلصة، روسيا، قد بذلت كل ما في وسعها لإحباط أي محاولةٍ جدّية للتحقيق في جرائم النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك إحباط مساعي تمديد العمل بآلية تحقيق مشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة في 2015. ولا داعي للتذكير أيضاً بما فعلته أسلحة النظام المحرّمة بأهالي الغوطة في عام 2013. .. وخارجية النظام نفسها هي التي امتعضت، قبل نحو أسبوعين، من انعقاد مؤتمر بروكسل “للمرّة الخامسة من دون دعوة الحكومة السورية، الطرف المعني بشؤون الشعب السوري واحتياجاته والشريك الأساسي للأمم المتحدة والمجتمع الدولي في العمل الإنساني في سورية”.
يعيش هذا النظام، بمختلف مؤسساته وشخصياته، على قاعدة “إن لم تستح فافعل ما شئت واكذب بقدر ما ترغب”. ولعل في ذلك التفسير المنطقي لما يقوم به هذا النظام منذ سنوات. يقتل الآلاف وينكر ذلك، يعذّب ويخفي الآلاف، ثم يتحدّث عن حقوق الإنسان، ويتساءل لماذا تفرض العقوبات، ولن يجد في الداخل من يذكّره أن كل ما يجري من تدهور وفقر وعوز وطوابير بسبب ممارساته خوفاً من بطشه. يدع الشعب يئن من وطأة الجوع، ويخرج بتصريحات عن معركة عملةٍ تُدار من الخارج لتدمير “الدولة”، وعن دور مصارف لبنان ومسؤولية السوريين الذين وضعوا أموالهم فيها عوضاً عن حفظها في مصارف سورية، ثم يُتبع ذلك باتهاماتٍ لوحشية الرأسمالية العالمية وغسل الأدمغة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفوق ذلك يُخرِج بعبع النيوليبرالية من قمقمه، قبل أن يتوّج ذلك كله بنصيحة وقف برامج الطبخ، كي لا يشاهد السوريون أكلاتٍ، ويتحسّروا لعجزهم لعدم الحصول عليها.
العربي الجديد
—————————–
تضارب المصالح بين موسكو وطهران في سورية/ عمار ديوب
دولتان، إحداهما إقليمية، إيران، وأخرى عالمية، روسيا، تقتسمان المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، وهما اللتان منعتا سقوطه، وتوسعتا في أرض المعارضة، فصارت “للنظام” أغلبية سورية. مناطق الدولتين جزء من المشهد السوري. وهناك تركيا وأميركا. ولتكتمل المأساة، هناك المناطق التي تحتلها إسرائيل. إذاً، سورية بأكملها محتلة. على الرغم من ذلك، هناك عقوبات مشدّدة على النظام، وضد حُماته، روسيا وإيران. تمنع العقوبات موسكو من التمتع بالاستثمارات التي عقدتها مع النظام. وكل الدول المتدخلة في الشأن السوري تعزّز مناطق نفوذها، وإذا كانت تركيا تؤمن احتياجات المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وأميركا وإسرائيل تفعلان ذلك، فإن روسيا وإيران تعاقَبان كما النظام، وحالة مناطق الأخير هي الأسوأ. وقد بدأت الحالة تُقلِق روسيا التي فعلت المستحيل لإعادة تعويمه قبل 2015 وبعده، والآن. الاشتراطات الأميركية والأوروبية واضحة إزاء روسيا. فعلى روسيا تهميش الوجود الإيراني في سورية، وبعدها يمكن إجراء تسوياتٍ معها، كالخطوة خطوة أو تسوية معينة ترضى موسكو. ويتضمن ذلك بقاء النظام الحالي فترة، ومن ثم إجراء إصلاحات فيه تؤدّي إلى انتقاله نحو نظامٍ جديد، يفتح الأفق نحو الدمقرطة، وتمكين السوريين من حكم أنفسهم.
بدت مؤشرات جديدة على خلافاتٍ عميقة بين روسيا وإيران وحزب الله، وتجلّت عبر عدم وجود إيران في منصة الدوحة، واستدعاء وفدٍ من حزب الله إلى موسكو، وتسريباتٍ تؤكّد ضرورة دمج الفرقة الرابعة بالحرس الجمهوري، أي التخفيف من سطوة ماهر الأسد في الجيش والسلطة، والطلب من حزب الله إعادة الصواريخ الدقيقة إلى إيران، والانسحاب من سورية، وطلبات أخرى في السياق ذاته، سياق التخفيف من الوجود الإيراني، وهذا مطلب إسرائيلي أميركي، ولكنه حاجة روسيا لتتفرد باستثماراتها وتتمركز في سورية، وهذا غير قابل للتحقق مع الوجود الإيراني الكبير، والفاعل في السلطة السورية، الذي يرى نفسه الحامي الحقيقي للنظام، والمانع سقوطه، وهناك فئات في السلطة تابعة تبعة كاملة لإيران. هنا يصبح الخلاف كبيراً؛ فروسيا تعتبر نفسها منقذة النظام، وتتخوّف من تفكّك أركان الدولة، بينما إيران تعتبر أنها من استدعت روسيا، وأغرتها بالاستثمارات المستقبلية، بشرط أن تظل هي المهيمنة على النظام السياسي، وهذا غير ممكنٍ في عرف الدول العظمى، وبالتالي يُشطَب.
منطق الدول العظمى إضفاء الهيمنة الكاملة على الدولة المحتلَّة، أو إشراك دول أخرى، لغاياتٍ محدّدة، ولأسباب معينة. الأخيرات يجري التراجع عنها، حينما تزال عقباتٌ كانت تمنع تلك الهيمنة، فكيف وتركيا وأميركا وإسرائيل مجمعاتٌ على ضرورة تهميش الوجود الإيراني. عدا ذلك، هناك إشكالية متصاعدة، تتعلق بإمكانية “تفكّك الدولة السورية”، كما نُقِل عن لافروف. وبالتالي، لا يمكن روسيا المخاطرة بما فعلته منذ 2011 في سورية، وهذا يقتضي تحقيق الشروط الإسرائيلية والأميركية والأوروبية، والمتعلقة بتخفيف الوجود الإيراني، لتُسلَّم سورية لروسيا.
الأزمة الاقتصادية الاجتماعية العميقة في النظام السوري، وبوادر شعبية للاحتجاج ضده، ينذران روسيا بالتحرّك نحو مداخل جديدة لاستمرار احتلالها وضمان مصالحها المستقبلية. إيران تعي التحليل أعلاه، وتعلم أنها مرفوضةٌ من دولٍ كثيرة، ومن أكثرية الشعب السوري، ولكنها أيضاً لن تغادر سورية سريعاً كما فعل النظام بمغادرة لبنان بليلة وضحاها عام 2005. عدم مغادرة إيران يستدعي تفاوضاً جديداً بينها وبين روسيا، ومماحكات على الأرض السورية، وربما تصفيات معينة في قلب السلطة ذاتها. لا تريد إيران الاقتراب من هذه اللعبة، فهي ستفتح على جولات وجولات، وكذلك لا تريدها روسيا. إيران معنيةٌ بالتخفيف من وجودها في سورية، ولم يعد ممكناً الاختفاء ضمن تشكيلات الجيش السوري أو ألاعيب أخرى؛ فالفرقة الرابعة قد تُدمج بالحرس الجمهوري أو تُفكك، وهي رسالة روسيّة إلى إيران.
مشكلة إيران أن استمرار وجودها الفاعل في لبنان مرتبطٌ بسورية، وهناك سردية قدمتها للشعب الإيراني عن سبب وجودها في سورية، والتخفيف “وربما الخروج العسكري” سيكون بداية الانحسار الإقليمي لها. مشكلتها أنّها تلعب بمنطقةٍ أصبحت تتحرّك فيها الدول الأقوى عالمياً، كروسيا وأميركا وخلفها أوروبا، وهناك الصين، وهناك حظ إيران السيّئ بسبب عدائها الشديد مع إسرائيل. الخلاف بين روسيا وإيران ليس جديداً، والمماحكات ليست جديدة، لكنها وصلت إلى لحظةٍ حرجة لروسيا ولمستقبل وجودها في سورية، وهذا يستدعي سياسةً جديدةً روسية، مفتاحها التخفيف من الوجود الإيراني في سورية، وإجبار النظام على تقديم تنازلاتٍ حقيقيةٍ للمعارضة، وقد تنتهي بالتخلي عنه تدريجاً. النظام وإيران يعيان أنهما غير قادرين على الحفاظ على السلطة في سورية، إذا هَددت روسيا بانسحابها، وبالتالي ليس في حوزتهما إلا الخضوع للروس، إن قرّروا إجراء تسوية مع الأطراف الدولية. ليس سهلاً تحليل اللحظة الراهنة في سورية، وأية خيارات ستَشق طريقها نحو المستقبل، وتكون منسجمةً مع حركة التاريخ وضمان مصالح لروسيا، وهذا غير ممكن من دون ضمان مصالح الشعب السوري.
مدخل روسيا إلى الطلب الجاد من الأميركان وتركيا وإسرائيل مغادرة سورية يفترض إخراج إيران ومليشياتها؛ وقدرة روسيا على منع تفكّك الدولة السورية، مرتبطة بتنفيذ حلٍّ سياسيٍّ يبدأ من قرار مجلس الأمن 2254، وإعادة الشعب المهجّر إلى بلاده وأملاكه، وحينها يمكن أن تبدأ أميركا وأوروبا بالمساهمة في النقاشات عن إعادة الإعمار، كما أكدت ذلك أوروبا في مؤتمر المانحين في بروكسل أخيراً.
يبدو أن روسيا صارت تفكر في هذا المدخل جدّياً، وليس واضحاً كيف سيتصاعد الخلاف بينها وبين إيران، وكيف سيستجيب قادة النظام للشروط الروسية، ولا سيما أن سياسات القادة تكاد تهدّد بقاء أركان الدولة السورية.
العربي الجديد
————————–
سفارات النظام السوري تفتح نافذة الانتخابات الرئاسية
فتحت السفارات السورية في عدة دول أبواب التسجيل للسوريين الراغبين بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفقاً لأحكام قانون الانتخابات العامة للعام 2014 وتعديلاته.
وقالت السفارة السورية في أبوظبي على “فايسبوك”، أنه “تحضيراً للانتخابات الرئاسية تقوم السفارة السورية في أبوظبي والقنصلية العامة في دبي بتحضير القوائم الانتخابية للمواطنين السوريين المقيمين والمتواجدين في دولة الإمارات”.
وطلبت السفارة من “المواطنين السوريين البالغين الراشدين والراغبين بالانتخاب ممن أتموا سن الثامنة عشر من العمر أو تجاوزوه بتاريخ الانتخاب، تسجيل أسمائهم وذلك قبل تاريخ 25 نيسان/أبريل 2021”.
بدورها، نشرت سفارات سوريا في كل من لبنان وفرنسا وفنزويلا، استمارة التسجيل في القوائم الانتخابية، مطالبةً “المواطنين السوريين الراغبين بممارسة حقهم الانتخابي إلى تسجيل أسمائهم عبر البريد الإلكتروني أو الحضور شخصياً إلى السفارة”.
كما دعت السفارات السورية في كل من السودان والكويت والسويد وبريطانيا السوريين لتسجيل أسمائهم أيضاً بهدف المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
————————-
الكونغرس يريد زيادة الضغط..لأن الأسد يسعى لمحو إدلب
حثّ أعضاء في الكونغرس الأميركي، إدارة الرئيس جو بايدن على تطبيق جميع بنود “قانون قيصر”، في سبيل تصعيد الضغط على نظام بشار الأسد وحلفائه.
وفي جلسة استماع عقدتها لجنة الشرق الأوسط وجنوب آسيا الفرعية، شارك فيها كل من الباحثة السورية لينا الخطيب، والناشط السوري عمر الشغري، دعا أعضاء الكونغرس الإدارة الأميركية إلى وضع استراتيجية واضحة في سوريا بأسرع وقت ممكن.
وقال رئيس اللجنة النائب الديمقراطي تيد دويتش إن الكونغرس “سيسعى إلى تطبيق جميع بنود مشروع قيصر، فنحن في موقع قوة للضغط على نظام الأسد، والتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة”.
ووجّه دويتش انتقادات لاذعة للنظام ولرئيسه بشار الأسد، منتقداً سعيه “لمحو إدلب من الوجود”، مضيفاً أن “الصراع في سوريا ساعد إيران على توسيع نفوذها، وروسيا على بسط سيطرتها كلاعب أساسي في المنطقة”.
وأشار دويتش إلى أن “الأسد وداعميه من إيران يعتدون على الشعب السوري، يومياً”، مذكراً بالاستعمال المتكرر للأسلحة الكيماوية، ومشدداً على ضرورة العمل لإطلاق سراح الأميركيين المحتجزين في سوريا، وتحديداً الصحافي الأميركي أوستن تايس والطبيب السوري الأميركي ماجد كم الماز، مضيفاً أن “الكونغرس لم ينسَ الشعب السوري”.
من جانبه، قال كبير الجمهوريين في اللجنة النائب جو ويلسون في جلسة الاستماع التي عقدت بعنوان “10 أعوام من الحرب: النظر في الصراع المستمر في سوريا”، إن نظام الأسد “غير شرعي”، مشدداً على أنه “لا حل للأزمة في سوريا طالما أن الأسد باق في منصبه”.
كما دعا النائب ويلسون الإدارة الأميركية إلى “اعتماد مقاربة مختلفة، لأن كل المحاولات التي سعت إلى التوصل إلى حل بالتعاون مع روسيا وإيران، باءت بفشل ذريع”، وحثّ ويلسون، إدارة بايدن، على التصرف بسرعة لمنع الأسد من “مسح إدلب عن الخريطة”.
وتأتي هذه الجلسة في وقت أصدرت فيه أجهزة الاستخبارات الأميركية، تقييمها السنوي للتهديدات المحدقة بالولايات المتحدة. وتطرق التقرير إلى سوريا، ورجح مسؤولو الاستخبارات الأميركية، أن يستمر الصراع والتدهور الاقتصادي والأزمة الإنسانية هناك، في السنين المقبلة، وأشار التقرير إلى أن التهديدات المحدقة بالقوات الأميركية هناك ستزداد أيضا.
وفي السياق، طالب الائتلاف الوطني السوري المعارض بتحرك دولي يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وفق ما يقتضيه القرار 2118، بناءً على نتائج التقرير الثاني الصادر عن فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، الذي حمّل نظام الأسد مسؤولية الهجوم بغاز السارين على سراقب في آب/أغسطس من العام 2018.
وقال الائتلاف في بيان، إن “التقرير الأخير أكد كما كان حال التقرير الذي سبقه، الحقيقة التي يعرفها الجميع، ومفادها أن قوات النظام تعمّدت استخدام الأسلحة الكيماوية”.
وأشار إلى أن التقريرين الصادرين عن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية يقدّمان النتائج نفسها، موضحاً أنه “ينتظر أن يتحمل أطراف المجتمع الدولي الملتزمون حقاً بأمن العالم واستقراره، والأطراف الدولية الفاعلة، مسؤولياتهم، وأن يبادروا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المجرمين ومنع تكرار مثل هذه الجرائم”.
المدن
———————————
لعبة “لمّ” الدولار من السوق السورية/ إياد الجعفري
كان يمكن رفع القبعة تحيةً لإجراءات سلطات النظام الأخيرة، التي أدت إلى ارتفاع ملحوظ في سعر صرف الليرة السورية. لكن خبرة قديمة مع سياسات سبق أن انتهجها مصرف سورية المركزي، بصورة صنّفته كأكبر تاجر عملة في البلاد، تدفع للتريث، وتجعلنا نترقب المشهد بعد انتهاء موسم الحوالات “الدسم”، الممتد حتى نهاية شهر رمضان.
فأسابيع قليلة فقط، بعد عطلة عيد الفطر، ستتيح لنا أن نجزم الإجابة على التساؤل التالي: هل هي لعبة من المركزي للمّ الدولار من السوق بسعر رخيص؟
بين عامي 2012 و2016، لعب المركزي السوري، في ظل إدارة الحاكم يومها، أديب ميالة، دور تاجر عملة محترف. كانت مهمته توفير القطع الأجنبي لتمويل آلة حرب النظام التي كانت في أوج نشاطها. وكان ذلك يتطلب استنفار كل مصادر الإيرادات، وكان أحدها، تجارة العملة. فتَرَك المركزي الليرة لحالة تعويم موجّه، منذ مطلع العام 2012، وهو ما أقرّ به، أديب ميالة، يومها، في حديث مع صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، في وقتٍ كانت فيه الليرة قد فقدت حوالي 40% من قيمتها، حيث انحدرت من 47 ليرة للدولار الواحد في آذار/مارس 2011، إلى حوالي 73 ليرة للدولار الواحد، في كانون الثاني/يناير 2012.
منذ ذلك التاريخ، وحتى مطلع صيف 2016، تاريخ إعفاء أديب ميالة من منصبه، كانت سنوات أربع حافلة بتدخل المركزي في السوق. حيث كان ميالة، يعقد جلسات تدخل شهيرة، يستدعي فيها مدراء شركات ومكاتب الصرافة، ويضخ عبرهم دولارات المركزي في السوق، فيبيعونها للتجار، وأحياناً لغير التجار، بأسعار أقل قليلاً من السعر الرائج للدولار في السوق السوداء، فينخفض هذا الأخير، وبالتالي، ينخفض سعر “دولار الحوالات” الذي يتلقاه السوريون عبر قنوات مكاتب الصرافة، والذي كان يذهب للمركزي ذاته، إذ كانت شركات الصرافة تُسلّم الحوالات بالليرة السورية حصراً، وفق تعليمات المركزي. وتسلّم الدولار الواصل إليها، من خلال تلك الحوالات، للمركزي. وهكذا كان الأخير، عبر ضخ بضعة ملايين من الدولارات في السوق، يخفض السعر الرائج لدولار السوق السوداء، ومن ثم السعر الرائج لـ “دولار الحوالات”، وبالتالي يحصل على الدولار القادم عبر تلك الحوالات، بسعر رخيص. وكانت الحوالات تقدّر، حسب ميالة حينها، ما بين 3 إلى 7 مليون دولار يومياً. بمعنى آخر، كان المركزي يضخ بضعة ملايين من الدولارات، ليسترد عشرات الملايين من الدولارات، بسعر رخيص. وهكذا يخرج من هذه العملية، بحصيلة من ملايين الدولارات، تدخل إلى خزينته. وبعد أن تنتهي هذه الجولة، يمسك المركزي الدولار عن السوق، فيرتفع مجدداً، ليعود ويضخ الدولار في السوق، بسعر أعلى من السابق، وهكذا يحقق هدفين في آن، يتحكم بسعر الدولار في السوق، وفي الوقت نفسه، يحقق أرباحاً عبر المتاجرة بالدولار، فيشتري بسعر رخيص، ويبيع بسعر مرتفع. يومها، شاع وصف بين التجار الناشطين في سوق العملة، للعبة المركزي تلك، إذ أسموها لعبة “لمّ الدولار” من السوق. وتكررت هذه العملية مرات عديدة، في السنوات الأربع التي أشرنا إليها.
لكن تلك الحقبة انتهت مع تولي دريد درغام إدارة المركزي في مطلع صيف 2016، لتبدأ حقبة جديدة شاعت فيها الاتهامات لـ ميالة، بأنه أفرغ خزينة المركزي من الدولارات، فتلك الخزينة التي كانت تضم حوالي 17 مليار دولار عام 2011، باتت تحتوي عام 2016 حوالي 700 مليون دولار فقط، وفق تقديرات البنك الدولي في ذلك التاريخ. لكن أحداً لم يكن يجرؤ على الحديث عن سرّ فراغ خزينة المركزي من الدولار، رغم أنه كان يتاجر بالعملة، ويحقق الأرباح. فكان يحلو لمنظّري الإعلام الموالي، اتهام ميالة بأنه أنفق خزينة المركزي بغية لجم انهيار سعر صرف الليرة السورية معتبرين استراتيجيته في التدخل بالسوق عبر ضخ الدولار، خاطئة. لكن الحقيقة كانت في مكانٍ آخر، وهي أن تمويل آلة حرب النظام، التي كانت تعني إنفاقاً هائلاً على الوقود وعلى تمويل المقاتلين والذخيرة، وغيرها من التكاليف، في وقتٍ كانت فيه المناطق التي تحتوي على الموارد الرئيسية في البلاد، وفي مقدمتها النفط، قد أصبحت خارج سيطرة النظام، كان تمويل هذه الآلة الحربية، يتطلب زخماً من الدولارات. لذلك، رغم كل الاتهامات الإعلامية التي طالت أديب ميالة، لم يتعرض الرجل لأي مساءلة حكومية، أو إجراء سلبي من جانب نظام الأسد، بل على العكس، عيّنه النظام، وزيراً للاقتصاد، لمدة سنة، قبل أن يخرج من العمل الحكومي تماماً، ليتفرغ لعالم البزنس، ويؤسس شركة خاصة للاستشارات المالية، حاله كحال معظم رجالات النظام المُخلصين، الذين يحتفظون بأسرار “قذرة”، لكنهم يحظون في الوقت نفسه، بثقة النظام، بصورة تجعلهم يخرجون من هذا العالم، بأمان وسلاسة، وبثروة مالية كبيرة.
اليوم، يحتوي المشهد الراهن في سوق العملة، بعضاً من مقدمات لعبة “لمّ” الدولار من السوق. فالمركزي ضخ الدولار عبر شركات صرافة محددة في السوق، وعرضها على التجار والصناعيين المستوردين، بأسعار أقل من السوق السوداء، فانخفض الدولار في السوق، وانخفض معه سعر تصريف “دولار الحوالات”، وفي الوقت نفسه، أتاح المركزي لشركات الصرافة ذاتها، تسليم الحوالات للسوريين بأسعار أعلى من السعر الرسمي بكثير، الأمر الذي أعاد الحوالات إلى قنوات مكاتب الصرافة المتعاملة مع المركزي، ما يعني أن المركزي سيحصل على الدولار مجدداً من الحوالات. وسيستمر هذا المشهد حتى نهاية شهر رمضان، الذي تصل فيه قيمة الحوالات إلى 10 ملايين دولارات يومياً، وفق تقديرات خبراء.
وهنا، سيكون السؤال: ماذا سيحدث لسعر الصرف بعد عيد الفطر؟ الجواب في احتمالين، الأول، أن يبقى تحرك هذا السعر ضمن هوامش محدودة في حالة استقرار نسبي، تفيد المستهلك السوري، إذ تؤدي إلى استقرار أسعار السلع. وحينها، نستطيع أن نقرّ لإدارة النظام بالنجاح في لجم التضخم المفرط الذي لحق بأسعار السلع، مع انفلات سعر الصرف من عقاله. لكن تحقيق ذلك يتطلب شرطاً صعباً، وهو استمرار ضخ الدولارات عبر مكاتب الصرافة لتُباع للتجار والمستوردين بسعر دولار منخفض (أقل من السوق السوداء). وهو أمر لطالما عجز النظام عن المداومة عليه، لأنه يعني استنزاف احتياطي المركزي من العملة الصعبة، مما يحيلنا للاحتمال الثاني الأكثر ترجيحاً، وهو ارتفاع الدولار مجدداً، وعودة حالة التذبذب في سعر الصرف، وما ينتج عنها من تضخم، ينعكس سلباً على المستهلك السوري. إذا حدث الاحتمال الأخير، نستطيع يومها أن نجزم، أن ما يحدث الآن في رمضان، كان مجرد لعبة للـ “لمّ” الدولار من السوق، يديرها محترفو المركزي، الذين تربوا على يدَي، أديب ميالة. ونستطيع أن نقول بكل ثقة، أن عهد ميالة، واستراتيجياته، قد عاد من جديد. وهو عهد عنوانه باختصار، إن كنت عاجزاً عن مواجهة الدولار، لماذا لا تتاجر فيه!
المدن
——————————
المركزي السوري ينتظر الحاكم الجديد.. وحديث عن إدارة “أجنبية” من وراء الستار/ ضياء عودة
ثلاثة أيام مضت ولا يزال البنك المركزي في سوريا دون حاكم يرأسه، وذلك بعد المرسوم الذي أصدره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأربعاء، وأقال بموجبه الحاكم السابق، حازم قرفول، في قرار مفاجئ يترافق مع أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها البلاد.
الفراغ في منصب “الحاكم” في الوقت الحالي هو حالة استثنائية لم يسبق أن شهدتها سوريا في العقود الماضية، حسب محللين اقتصاديين، أشاروا بدورهم إلى أن ذلك قد يرتبط بشيء أو بآخر بالصراع الذي يدور بين ما توصف بـ”الأجنحة المتضاربة” داخل الدائرة الضيقة للسلطة في دمشق.
وفي المقابل كان هناك رواية أخرى تفيد بأن عدم تسمية حاكم جديد خلفا لقرفول قد يكون حالة روتينية، على اعتبار أن لهذا المنصب نائبين، الأول هو محمد إبراهيم حمرة، فيما يشغل منصب النائب الثاني، محمد عصام هزيمة.
وكان حمرة وهزيمة قد استلما مهامهما بموجب قرار صادر عن رئيس مجلس الوزراء السابق، عماد خميس أواخر عام 2018.
وفي عهد قرفول، منذ عام 2018، شهدت الليرة السورية تدهورا كبيرا في سوق العملات الأجنبية، حتى أنها وصلت منذ قرابة شهر إلى حد 5000 ليرة أمام الدولار الأميركي الواحد، وهو الأمر الذي اعتبرته مصادر مقربة من نظام الأسد السبب الرئيسي في إعفائه من منصبه.
“لهذه الأسباب”
قبل يومين نشرت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، تقريرا حمل عنوان “لهذه الأسباب تم إعفاء مصرف سوريا”، تطرقت فيه إلى أسباب إعفاء قرفول من منصبه.
وحمّلت الصحيفة قرفول مسؤولية ارتفاع سعر الصرف خلال العام الماضي، وبحسب ما نقلته: “لم يمتلك الجرأة والمسؤولية ليأخذ إجراء تقنيا يكبح ارتفاع الدولار، كما أنه كان يرفض المقترحات المفيدة التي كانت تطرح لتقوية الليرة وتعزيز قدرتها أمام الدولار بحجة أنها مقترحات غير صحيحة”.
واعتبرت “الوطن” أنه لهذه الأسباب لم يمتلك قرفول “حتى فكر المبادرة، ولم يمتلك تقنية التفكير الصحيح في مجاله المالي والمصرفي”.
واتهمته بأنه لم يتتبع جهة ذهاب القروض التي منحها لـ”تجار حرب”، وكان متمسكا بفكرة أنه من الصعب مواجهة الدولار حتى أُعفي عمليا خلال الأسابيع الأخيرة.
وأشارت إلى أن حكومة الأسد شكلت لجنة برئاسة نائبه وأعضاء من مجلس “النقد والتسليف” وخبراء ماليين قدموا قائمة من المقترحات نتج عنها تخفيض سعر الدولار خلال الأسابيع الماضية في السوق السوداء من 4800 إلى 3100 ليرة.
“كبس فداء”
ما ذكرته الصحيفة المقربة من نظام الأسد يتضارب مع الذرائع والمبررات التي كانت تضعها حكومة الأسد كأسباب رئيسية لتدهور العملة في البلاد، مؤخرا.
ومن هذه الذرائع العقوبات الغربية التي فرضت على رأس النظام والمقربين منه بصورة متواترة وعلى عدة فترات، في مقدمتها العقوبات المرتبطة بقانون “قيصر”، إلى جانب انهيار الموارد ومقومات الاقتصاد التي كانت تعتمد عليها سوريا ما قبل عام 2011.
الاستشاري الاقتصادي، يونس الكريم يرى أن طريقة الهجوم التي بدأت في الأيام الماضية على قرفول “مبالغ فيها”.
ويقول في تصريحات لموقع “الحرة” إنها ترتبط بمحاولة حكومة الأسد تحميله السبب الجوهري لتدهور الليرة السورية، “علما أن قرفول يقتصر دوره على صبغ وتقديم رؤى حول إدارة السياسيات النقدية. هو ليس الوحيد الذي يتخذ القرار بل هناك غرفة مالية تتبع للقصر الجمهوري يتم فيها نقاش جميع الخطوات التي لابد من اتخاذها”.
ويضيف الاستشاري الاقتصادي أن العادة درجت في سوريا سابقا أنه عندما تتم إقالة أي مسؤول لابد أن يسبق ذلك مناقشة أسماء محددة، يتسرب البعض منها إلى الإعلام.
ويرى الكريم أن التأخير في تعيين الحاكم البديل لقرفول أمر لافت، ويوضح: “البنك المركزي مؤسسة حساسة وهو أحد أهم الجهات المكونة للغرفة المالية في القصر الجمهوري، والتي يتم فيها اتخاذ القرارات النقدية، من تحديد سعر القطع الأجنبي وتمويل المشاريع الممولة من حكومة الأسد ودعم بعض الشخصيات بالقروض وكيفية إدارة الأموال في الخارج”.
ويتابع الاستشاري الاقتصادي: “بهذه الغرفة المالية يوجد الحاكم ونائبيه، وعادة عندما يتولى شخص البنك المركزي يتم توقيعه على سندات تنازل عن كل الأموال التي يتم إيداعها، وهي وصفة بعثية لتلافي العقوبات وتهريبها. متى تتم إقالته يتم تحريك هذه الأموال”.
رفع إلى الضعف
ما بين قرار الإقالة والتكهنات المرتبطة بهوية الحاكم الجديد للبنك المركزي في سوريا، صدر عن الأخير، الخميس، قرار رفع بموجبه سعر صرف الليرة السورية إلى الضعف، بعد ثباته لأشهر في نشرات المصرف، وارتفاعه بشكل كبير في السوق السوداء.
وحسب النشرة الصادرة عن المصرف بشكل يومي بلغ سعر صرف الليرة السورية 2512 مقابل الدولار الواحد، بعد أن كان 1256، في حين بلغ سعر صرف الليرة مقابل اليورو 3008.
ونوه المصرف إلى أن سعر شراء الدولار الأميركي لتسليم الحوالات الشخصية الواردة من الخارج بالليرات السورية هو 2500 ليرة لكل دولار واحد.
وسبق أن رفع البنك المركزي سعر صرف الليرة السورية من 700 إلى 1256 مقابل الدولار الأميركي، منتصف يونيو 2020، حيث ثبتت عند هذا الحاجز في نشرات المصرف فيما وصلت إلى 4000 في السوق السوداء، خلال الأسابيع الماضية، دون إجراء أي تعديل من قبل المصرف.
“حاكم أجنبي”
على الرغم من أن مرسوم إقالة قرفول صدر في الرابع عشر من أبريل الحالي، رجح اقتصاديون أن يكون القرار قد اتخذ في وقت سابق، ولاسيما في منتصف مارس الماضي، عندما انخفضت قيمة الليرة السورية إلى نحو 5000 مقابل الدولار.
الباحث والمحاضر في الاقتصاد، خالد تركاوي توقع أن يكون البنك المركزي يُدار من قبل حاكم أو خبير أجنبي، إذ يُلاحظ وجود اختلاف في الأدوات والقرارات التي صدرت في الشهر الأخير عنها في أي وقت سبق، مما يدل على تغير في الإدارة.
وبحسب الباحث: “من المتوقع أن تكون الإدارة الجديدة قد أدخلت أموالا أجنبية في التداول لشراء كميات من الليرة ما ساعد على خفض سعرها إضافة لعوامل أخرى”.
من جانبه يرى الاستشاري يونس الكريم أن من يخلف قرفول سيحدد اتجاه الليرة السورية واتجاه الحكومة أيضا، لكنه لن يكون ذا “ثقل اعتباري”، كون البلاد تفتقد إلى أسماء متعمقة في السياسات النقدية والمالية.
ويقول الكريم: “هناك نقطة لافتة وهي أن الأجهزة الأمنية لها دور في تعيين الحاكم وجميع الموظفين فيه – ترشح وتزكي- والذي سيتسلم البنك في المرحلة المقبلة يجب أن يكون من خلفية نقدية، أي لا يمكن أي فرع من الاقتصاد أن يدير هذا البنك”.
واعتبر الاستشاري الاقتصادي أن البنك المركزي في سوريا يعتبر في الوقت الحالي “مؤسسة هشة، ووضعها خطير، ومراقبة محملة بكثير من الأعباء، وهي أيضا معاقبة وهو أمر بالغ الخطورة سيلقي بظلاله على الحاكم المقبل”.
الحرة
—————————-
أمريكا التي تُقهر/ عبد الحليم قنديل
دخل العالم من سنوات حقبة الحرب الباردة الثانية، قطباها هذه المرة، الصين وروسيا والحلفاء المتناثرون من جانب، وعلى الجانب الآخر، تصحو الولايات المتحدة الأمريكية، ربما بعد فوات الأوان، وتمد شبكة صلاتها ذاتها، الموروثة عن مشهد ما بعد الحرب الكونية الثانية، وفي قلبها دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية، مضافا إليها حلفاء الشرق الأقصى في اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية وتايوان، مع جذب الهند الصاعدة اقتصاديا وعسكريا، وذات المصلحة الحدودية في الصدام مع الصين منافس أمريكا الأول.
ومع تولى جون بايدن، الذي تكوّن وعيه وخياله فترة الحرب الباردة الأولى مع الاتحاد السوفييتي، يحاول الرئيس الأمريكي الجديد استنساخ الوصفة نفسها في الصدام مع الصين، والعودة إلى فكرة الستار الحديدي ذاتها، وحصار الصين بأطواق من العداء والتوجس، واستخدام الأسلحة القديمة، من نوع دعاوى الدفاع عن العالم الحر والديمقراطية وحقوق الإنسان، وجعل «الحزب الشيوعي الصيني» الحاكم شيطان اللحظة الواجب تحطيمه، ومن دون وعي كاف بالفروق الجوهرية في زمن الحرب الجديدة، وهو ما حذر منه هنري كيسنجر، أهم مفكر استراتيجي أمريكي، وفي رأي كيسنجر الذي يخطو إلى عتبة المئة عام من عمره، أن تكرار الأساليب البالية سيؤدي إلى كارثة لأمريكا، وأن الوفاق مع الصين هو الخيار الأفضل، والطريق الوحيد المتاح لبناء نظام عالمي جديد.
وتبدو نظرة العجوز كيسنجر أكثر واقعية، بعد أن تهتك نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي ضمنت فيه أمريكا لنفسها قيادة ما كان يسمى بالعالم الحر، وانهكت امبراطورية الاتحاد السوفييتي، وأدخلتها في سباق تسلح مميت، انتهى بتفككها، وصعود أمريكا إلى القمة منفردة، وعبر فترة قصيرة من القطبية الأحادية، سرت فيها أخطاء شائعة قاتلة، من نوع نهاية الصراع العالمي، والانتصار الأبدي للصيغة الأمريكية، وكتابتها لنهاية التاريخ، وهو ما بدا وهما تبدد بسرعة تحت لفح شموس الشرق، خصوصا مع الصعود الصاروخي للصين، وخروجها من عقود الكمون والانكفاء على الذات، وتضاعف قوتها الاقتصادية والتكنولوجية إلى حدود مخيفة، جعلت تجاوزها لأمريكا في حكم الأقدار، وقد جرى بالفعل من سنوات بمعايير تبادل القوى الشرائية، ويتوقع أن تتأكد السيادة الصينية اقتصاديا قبل ختام العقد الجاري، وأن تكون الصين القوة الاقتصادية الأولى، عدا ونقدا، في ما تترنح قوة الاقتصاد الأمريكي، الذي كان يشكل وحده نصف اقتصاد الدنيا، عقب الحرب العالمية الثانية، في ما لا تسعفه قدراته الإنتاجية المتآكلة اليوم على خوض منافسة ناجحة مع التنين الصيني، الذي يتمتع إضافة لقوة الاقتصاد الكاسحة، بموارد قوة كاملة الأوصاف، بينها مدد سكاني لا ينفد، وقدرات نووية هائلة، وتطور عسكري متسارع، يجهد لسد الفجوة مع القوة العسكرية الأمريكية، التي لا تزال الأولى عالميا، وبتعاون لصيق مع القوة الروسية المتفوقة عسكريا، يجعل القطب الروسي الصيني في وضع أقوى عسكريا من القطب الأمريكي وحلفائه الأطلنطيين، فوق تفوق الفوائض المالية الصينية المرعبة، والكفيلة بضمان خوض سباق تسلح عالمي إلى ما لا نهاية، وبالذات مع تقدم مطرد في شبكة «الحزام» و»الطريق» التي تغزلها الصين، وتقيم مناطق وقواعد نفوذ عبر القارات، يفوق أثرها بكثير، ما تبقى من قواعد عسكرية أمريكية منتشرة عالميا، بلغ عددها نحو الألفين، وتناقص في السنوات الأخيرة إلى نحو 800 قاعدة، في ما تكتفي الصين إلى اليوم بقاعدة عسكرية وحيدة خارج محيطها في «جيبوتي» وتحصن حضورها العالمي بموانئ تجارية وشبكة طرق فائقة السرعة حول العالم، تزيد في تأكيد اتساع سوقها الطاغي، وحيازتها للقسط الأكبر من مجموع التجارة العالمية.
وفي ما تتحدث الصين وتتصرف بهدوء الواثقين، وتنمي استثماراتها العسكرية مع روسيا، وتطور أسطولها البحري وحاملات طائراتها، فوق ترسانة صواريخها الدفاعية البالغة الدقة، وتحس أن الزمن يجري لصالحها، تشعر أمريكا غريزيا بفوات زمنها، وتريد استثمار ما تبقى من امتيازها العسكري، والسعي لردع الصين ومعها روسيا، واستعجال صدامات خشنة، دونما ثقة أكيدة في الفوز، وعلى مسرح يمتد من بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي حتى أوكرانيا في الجوار الروسي، وبالأسلحة المتهالكة ذاتها، على طريقة اتهام الصين بقمع «الإيغور» والتبت وهونغ كونغ، واتهام روسيا بقمع حركة «نافالني» وغيرها، واتهام الصين بتهديد بقاء تايوان، واتهام روسيا بالحشد العسكري لغزو أوكرانيا، وشفع الاتهامات بالتحرك العسكري المباشر، وتخفيض واشنطن لعتادها العسكري في منطقة الخليج، وإعادة نشر قواتها وحاملات طائراتها بالقرب من الصين، في ما يشبه الافتتاح الحربي الساخن للحرب الباردة الجديدة، ولكن من دون تحقيق الأثر الإرعابي المطلوب عند القطب الصيني الروسي، فقد ردت بكين بحسم، واعتبرت التدخل في شؤونها الذاتية لعبا بالنار، وأكدت أن تايوان جزء لا يتجرأ من الصين، وأن ردها للبر الصيني مسألة وقت، فوق تشجيعها لكوريا الشمالية على تحدي مطالب النزع النووي الأمريكية، وقبلها وبعدها، تقدمت الصين إلى تصرف هجومي في منطقة الخليج، وقررت الإعلان عن اتفاق صيني مع إيران، يمنح الأخيرة استثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار في 25 سنة مقبلة، مقابل مزايا تجارية وعسكرية استراتيجية في الموانئ الإيرانية، وشراء البترول الإيراني بأسعار مخفضة وبطرق سداد مؤجلة، إضافة لحفظ حيوية علاقاتها مع بترول دول الخليج العربية، فالصين هي المستهلك الأول للبترول في العالم، وتشتري نحو ستة ملايين برميل يوميا، وتراكم مخزونات طاقة بأرقام فلكية، ولديها بدائل لا تنفد من بترول وغاز روسيا إلى بترول وغاز الخليج بضفتيه الإيرانية والعربية، وتقدم نفسها كوسيط سلام، ومورد إعمار وضامن أفضل لأمن الشرق الأوسط، وفي تحالف مرئي مع روسيا، التي تعاملت بخشونة مع استفزازات أمريكا عند حدودها مع أوكرانيا، التي انتزعت منها روسيا شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستويول، وأعادتها إلى أراضي روسيا، كما كان عليه الوضع قبل خمسينيات القرن العشرين، بالسلاح، ثم باستفتاء شعبي أواخر 2014، ورغم مساندة أمريكا والأطراف الغربية لأوكرانيا، والمطالبات اللحوحة بإعادة القرم إلى كييف، ولجوء بايدن إلى إعادة إثارة الموضوع المتقادم، فقد صممت روسيا على غلق القصة نهائيا، بل ونقلت الكرة المشتعلة إلى حجر أمريكا، واتهمت واشنطن والاتحاد الأوروبي بتحريض أوكرانيا على إشعال الحرب، ودفعها للانضمام إلى حلف الأطلنطي، ونقل قوات أمريكية وأطلنطية إلى حدود روسيا الغربية، وهو ما اعتبرته روسيا خطا أحمر، وأنذرت بعواقب حربية وخيمة، قد تلغي وجود أوكرانيا ذاتها، وتفصل عنها منطقة الدونباس في جنوب شرق أوكرانيا، وهي منطقة مناجم كبرى، تضم سكانا غالبهم من العرق الروسي، أقاموا جمهوريات تخصهم من جانب واحد في حرب 2014 الأهلية، من نوع «دونيتسك» و»لوجانسك» تضم نحو خمس إجمالي سكان أوكرانيا، وتتطلع للانضمام إلى روسيا التي تكتفي بدعمهم، وتعدهم قوة ضغط مفيدة على كييف ورئيسها الكوميدي فلاديمير زيلينسكي، الذي يكتشف بالممارسة عجز أمريكا والغرب عن نجدته لحظة الخطر، ويخشى من تنفيذ روسيا لتهديدها بإزالة دولته من الوجود، وتحويل الحرب من «رصاصة في القدم إلى رصاصة في الرأس» على حد وعيد مسؤول روسي، ومع إظهار روسيا لعينها الحمراء، بدت واشنطن كأنها تراجع أوراق العملية الأوكرانية، خصوصا بعد إعلان بايدن الانسحاب من أفغانستان، بعد حرب العشرين سنة الخاسرة، وطلب بايدن لقاء قمة مع الرئيس الروسي بوتين، وهو الذي وصف بوتين قبل أسابيع بالقاتل، وكأنه يكتفي من الغنيمة بالإياب في حرب كونية تقهر فيها أمريكا.
ولا تبدو منطقتنا بعيدة عن تقلبات الحرب الباردة الجديدة، فقد تركت واشنطن حلفاءها في الخليج لمصائر بائسة، وتتجه لتفاهم ما مع إيران، حتى لا ترتمى الأخيرة تماما في حضن القطب الروسي الصيني، مع الاتجاه لتوكيل «إسرائيل» في توجيه ضربات إنهاك لطهران على جبهات سوريا والسفن والمفاعلات النووية، في ما تستمر تركيا على حالة الشد والجذب بين روسيا وحلف الأطلنطي الذي تنتمي إليه رسميا، مع تفاهم روسي عربي متزايد على إعادة سوريا لجامعة الدول العربية، وتقدم الصين كبديل جاهز لإعادة إعمار سوريا، ومد حبال التهدئة بين أنقرة والقاهرة، والانفصال المرئي المحسوس لمصالح مصر عن علاقات «العروة الوثقى» مع واشنطن، وارتياب القاهرة في الدور الأمريكي الإسرائيلي الداعم للتعنت الإثيوبي ضد المصالح المائية للسودان ومصر، وتوثيق القاهرة لعلاقات شراكة استراتيجية شاملة مع الصين وروسيا، وعدم استبعاد أدوار وساطة روسية صينية حتى في أزمة سد النهضة، ربما بهدف تجنب حرب وشيكة عند منابع النيل.
كاتب مصري
القدس العربي
——————————-
بشار الكيماوي: حبيب العرب/ عمر قدور
لا نستطيع تسميتها بالمفارقة؛ أن تتكثف الجهود لإعادة بشار إلى الجامعة العربية، بينما تصعّد برلين وباريس وواشنطن من المطالبة بمحاسبته على استخدام السلاح الكيماوي. وكان تقرير لمحققين دوليين عينتهم منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، أُعلن عنه الاثنين الفائت، قد حمّل قوات الأسد مسؤولية الهجوم بغاز الكلور على مدينة سراقب يوم الرابع من شباط2018، بعدما حمّل فريق الخبراء العام الماضي تلك القوات المسؤولية عن ثلاث هجمات بالسلاح الكيماوي، حدثت جميعها بعد صفقة الكيماوي التي يُفترض أن يكون قد تخلص بموجبها من مخزونه من المواد السامة المصنَّعة بقصد القتل.
هي ليست مفارقة أن يحثّ قبل يومين أعضاء في الكونغرس إدارة بايدن على اعتماد استراتيجية ضغط قوية في سوريا، وأن يقول جو ويلسون كبير الجمهوريين في لجنة الشرق الأوسط أن نظام الأسد غير شرعي ولا حل في سوريا طالما بقي في منصبه. في حين كان وزير الخارجية المصري، يومَ صدور تقرير الكيماوي، قد صرّح “بضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية والحاضنة العربية”، معبّراً عن أمله “بعودة سوريا إلى ما كانت عليه من استقرار، كي يستمتع الشعب السوري بممارسة الحياة السياسية”!
هناك سلطات عربية تصرّح بدعمها عودة بشار إلى الجامعة العربية، وسلطات أخرى ليست أقل تلهفاً تعمل على الهدف ذاته من وراء تلك التي في الواجهة. جدير بالذكر أن الدول العربية التي كانت منخرطة في الشأن السوري قد انسحبت منذ خريف2015، أي منذ التدخل العسكري الروسي، والغالبية منها تنسّق الآن مع موسكو في موضوع إعادة بشار إلى الجامعة. ذلك يدعم فرضية الدعم غير المعلن الذي ناله التدخل الروسي من هذه الدول، ولو بذريعة عدم ترك بشار للوصاية الإيرانية كي تنفرد به.
موضوع التحالف مع طهران يطلّ ليكون ذريعة لإعادته إلى الجامعة العربية، وليصبح الوجود الإيراني الكثيف نتيجة الفراغ الذي خلّفه الغياب العربي فحسب. ثمة ما لا يُقال، ومفاده أن بشار الأسد قابل للشراء والابتعاد عن طهران، فيما لو دفعت دول الخليج سعراً مناسباً. ومن دون تنزيهه عن تلك القابلية، تتجاهل الفرضية المذكورة عمق الوجود الإيراني في مفاصل سلطة الأسد العسكرية والمخابراتية، فضلاً عن عشرات الميليشيات الإيرانية، ما يدحض الصورة عن مقايضة مبسّطة يستطيع من خلالها بشار إبعاد طهران لقاء ثمن يرضيه. مما يتناساه أيضاً أصحاب هذه الذريعة أن الوجود الإيراني في سوريا غير مقترن بالثورة، علاقة التحالف بين الطرفين تغيرت منذ موت حافظ الأسد، ليأتي الوريث ضعيفاً ومتصاغراً أمام النفوذ الإيراني، وحتى أمام نفوذ حزب الله.
الذريعة الثانية المستجدة هي مواجهة بشار التدخل التركي، ورغم بروز عوامل التهدئة مؤخراً بين أنقرة وبعض العواصم العربية إلا أن عوامل الخلاف قد تبقى فاعلة، فيبقى معها التخويف من الخطر التركي تلميحاً إذا غاب تصريحاً. مزاعم تخليص بشار من النفوذ الإيراني ومساعدته على مواجهة التوغل التركي هي بمثابة وصفة تقليدية للتقارب معه، إذ ينبغي أن يُسند إليه دور ما من أجل تبرير تلك الخطوة، مع علم الجميع بأنه من الضعف بحيث لا يستطيع مواجهة طهران أو أنقرة، والضعف الذي وصل إليه هو تحديداً أهم دافع لدى بعض السلطات العربية لإنقاذه.
تعلم الأنظمة الساعية إلى إعادة بشار إلى الجامعة العربية أن التصعيد الغربي تجاهه، لمناسبة اتهامه رسمياً باستخدام الكيماوي، هو تصعيد لفظي سيصطدم بالفيتو الروسي في مجلس الأمن، بل لا يُستبعد مقابلته بتصعيد هددت به موسكو وهو انسحاب الأسد من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. حدود التصعيد الغربي يرسمها تصريح بايدن الذي انتقد شنّ بلاده في ما مضى حروباً عبثية، وهو يريد سحب جنوده من الخارج لا الزج بهم في أية حرب جديدة. أيضاً تضع المفاوضات النووية مع طهران حدوداً لضغط إدارة بايدن على بشار، ويُلاحظ تجاهل الإدارة الموضوع السوري تماماً، إلى درجة اضطر فيها الكونغرس مرتين إلى حثّها على وضع استراتيجية تخص سوريا مع تذكيرها بقانون قيصر الذي بقي تطبيقه في الحدود التي وصل إليها أثناء إدارة ترامب.
من المرجح ألا يغيب العامل الإسرائيلي، فتل أبيب التي تمسك بالعصا تهدد بها الوجود الإيراني في سوريا ليست في صدد تقديم جزرة، وربما تشجع أنظمة عربية صديقة على تقديمها. احتمال العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران لا يُستبعد أن يقيّد حرية العصا الإسرائيلية، بحيث تزداد الحاجة إلى تجريب الجزرة العربية، لعل نجاح الأخيرة يصلح ما أفسدته السياسة الإسرائيلية التي تتعرض مؤخراً لانتقادات داخلية بسبب سماحها بتمدد النفوذ الإيراني في سوريا إلى حد صار من الصعب ردعه بغارات الطيران.
بالحديث عن كونها جامعة للأنظمة العربية، نخطئ بفهم هذا الوصف تقليدياً وكأن الأنظمة منفصلة كلياً عن أمزجة الشعوب العربية، فنحن نعرف القدر المتدني من التعاطف الذي تناله القضية السورية على امتداد البلدان العربية، بل نعرف التعاطف الساحق الذي يحظى به بشار لدى العديد من شعوب المنطقة أو نخبها. لدينا أيضاً نموذج نسترشد به هو صدام حسين الذي لم تتأذَّ شعبيته العربية جراء استخدامه السلاح الكيماوي، وهي حادثة أشهر من حملة الأنفال التي خلّفت عدداً أضخم من الضحايا.
خارج الأنظمة العربية، لدينا إرث من المعجبين بالطغاة يجعل من بشار الكيماوي حبيب ملايين العرب، وهؤلاء ينقسمون بين من ينكر استخدامه الكيماوي ومن يبرره. يتفق الذين ينكرونه والذين يبررونه على استخدام نظرية المؤامرة الكونية، فهو إما متهم بريء من قبل أقطاب تلك المؤامرة، أو اضطر إلى استخدام الكيماوي لمواجهة المؤامرة. لا بد من مؤامرة عظمى للإعجاب بالطاغية، وكلما ازدادت جرائمه يجب التحدث عن مؤامرة أعظم تستهدفه. أما من ناحية الأنظمة العربية فربما يجوز تلخيص ما حدث كالتالي؛ جُمّدت عضوية بشار في الجامعة العربية لأنه فشل حينها في قمع الثورة، والآن يستحق بجدارة العودة إليها طالما أثبت قدرته على البقاء والنجاة رغم كل ما ارتكبه من فظائع.
المدن
——————–
سوريا على أجندة لقاء بايدن ـ بوتين/ بسام مقداد
في الساعات الأولى ، بعد مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن في 13 الجاري إلى الإتصال هاتفياً بالرئيس الروسي بوتين واقتراحه عقد لقاء شخصي بين الزعيمين ، عمت “النشوة” المواقع الإعلامية الروسية “وأخيراً ، ها هما يلتقيان” . هذا الوصف لكيفية تلقي روسيا مفاجاة بايدن الإتصال بنظيره الروسي ، بعد أن كان قد وصفه سابقاً ب”القاتل” ، جاء على لسان مدير المركز الروسي للعلاقات الدولية أندريه كارتونوف في مقابلة له مع موقع إعلامي روسي ، تمحورت حول هذا الإتصال والموضوعات ، التي قد تندرج على جدول أعماله. وانعكس النبأ مباشرة على سوق الأسهم الروسية وسعر صرف الروبل ، اللذين سجلا إرتفاعاً عند إقفال ذلك اليوم .
لكن “نشوة” الإعلام الروسي بمبادرة بايدن بالدعوة لعقد اللقاء بين الرئيسين ، والأثر الإيجابي ، الذي تركته على أسواق المال الروسية ، لم تلبث أن تبدلت ، بعد أيام ، إلى توتر جديد في العلاقات بين البلدين ، يهدد بنسف المبادرة الأميركية وإلغاء إقتراح عقد لقاء بين الرئيسين . فقد أعلنت الولايات المتحدة الخميس في 15 من الجاري قائمة عقوبات جديدة على روسيا ، طاولت دين روسيا السيادي و32 شخصاً ومؤسسة وطرد 10 دبلوماسيين روس . ولم تتأخر موسكو في الرد بقائمة عقوبات جوابية مساء الجمعة في 16 الجاري ، إقترحت طرد 10 عاملين في السفارة الأميركية بموسكو ، وتقليص عدد التأشيرات الروسية للمنتدبين من الخارجية الأميركية إلى 10 تأشيرات في السنة ، ومنع الممثليات الدبلوماسية الأميركية من توظيف عاملين روس وأجانب في روسيا.
قبل حرب العقوبات الجديدة ، لم يكن قد تحدد بعد جدول أعمال المؤتمر المقترح من قبل بايدن وموعده ومكانه ، وبقي مجالاً خصباً للتكهنات والتخمينات في وسائل الإعلام . واقتصر الإعلان عن إمكانية حدوث اللقاء ، بأن عبر الرئيسان عن الإستعداد لمواصلة الحوار “في المجالات الأهم للأمن العالمي” ، وإعلان الرئيس الأميركي ، بأنه مهتم بتطبيع العلاقات الثنائية وبناء “تعاون مستقر قابل للتنبوء به” .
رئيس مجلس الإتحاد الروسي كونستانتين كوساتشيف قال ، بأن الرئيسين قد يبحثان مسألة إحياء عدد من الإتفاقيات في الأمن الإستراتيجي والحد من التسلح ، ورأى ، أن إقتراح بايدن بعقد اللقاء في بلد ثالث يشير إلى “جدية النوايا” . وأشار موقع “Lenta” الروسي ، الذي نقل كلام كوساتش ، أن وزير الخارجية لافروف التقى مع الممثل الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المناخ جون كيري خلال زيارته نيودلهي في “لقاء غير مخطط له” .
مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية أندريه كارتونوف ، وفي مقابلة مع الموقع الروسي “”Fontanka نقلها موقع المجلس قال، بأنه لم يكن يتوقع هذا الإتصال من بايدن ، وأنه كان يعتقد ، بأن الإتصالات بين الطرفين سوف تكون على مستوى وزراء الخارجية أو وزراء الدفاع . لكن الوقت قد حان ، برأيه ، للإتصالات الجدية ، حيث تراكمت لدى الطرفين أسئلة كثيرة جداً لبعضهما ، والكثير من القضايا الدولية ، التي لا حلول لها من دون تعاون روسي أميركي ما . وقال ، بأنه ، إضافة إلى الحد من الأسلحة الإستراتيجية والإستقرار العالمي ، سوف يتضمن جدول أعمال لقاء الرئيسين عدداً من القضايا الإقليمية المتعلقة بأوكرانيا ، إيران ، سوريا وأفغانستان. وخلافاً لقضية المعارض الروسي السجين ألكسي نافالني ، التي “يستحيل الإتفاق” بشأنها ، قال ، بأن الإتفاق ممكن حول كل من أوكرانيا وسوريا . والمسألة في سوريا، برأيه ، هي الآن مسألة المعابر الإنسانية إلى إدلب ، التي يتوفر قرار لمجلس الأمن الدولي بشأنها . أما في أوكرانيا فالأمر أكثر تعقيداً ، حيث يريد بايدن إنسحاب القوات الروسية (جيشان و3 فرق إنزال جوي) من الحدود مع أوكرانيا ، والعودة إلى طاولة المفاوضات .
يعتبر كارتونوف ، أن لدى بايدن نظرته الخاصة إلى بوتين ، التي لا يمكن تغييرها “مهما فعل بوتين أو قال” . وعلى الرغم من موافقة بايدن على وصف بوتين ب”القاتل” ، إلا أنه لا خيار آخر لديه من التحدث إلى “زعيم دولة عظمى” . وبالنسبة لبوتين نفسه ، لن يكون هذا الوصف عائقا يحول دون الجلوس مع بايدن والتحدث إليه . ولن يجد أية صعوبة في إسكات حملة بروباغندا أجهزة الإعلام الروسية ، التي هبت ضد وصف بايدن ذاك ، إذ أن هذه الأجهزة “تضخم حين يقولون ضخمي ، وتخرس حين يقولون إخرسي” ، ويرى أن الآمال ، التي تعقدها هذه البروباغندا على اللقاء “ليست مبررة كليا” .
في تعليقه على فرضية ، أن بايدن قام باتصاله مباشرة تقريباً ، بعد تصريحات وزير الدفاع سيرغي شويغو عن إشارات إيجابية في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة ، وسؤاله ما إن كانت وزارة الدفاع ستحل طويلاً محل وزارة الخارجية في روسيا ، قال كارتونوف ، بأن عملية عسكرة السياسة الخارجية تجري منذ زمن بعيد “وليس عندنا فقط” . وقال ، بأن الدبلوماسيين لا يقومون ، في الواقع ، سوى بتظهير القرارات المهمة ، التي يتخذها العسكريون ، وهذا ينطبق على سوريا وأوكرانيا ، وعلى الكثير من موضوعات العلاقة مع الولايات المتحدة . ففي سوريا ، مثلاً ، تلعب وزارة الدفاع الدور الرئيسي ، التي لها نظرتها وأولوياتها وآفاق مـــــا ترسمه مــــــن خطـــــــط . بالنسبة للعسكريين ، قد يكون التعاون مع الجيش السوري هو الأولوية الأرفع ، ولذا من المستبعد ، أن ينتقدوا الأسد لعدم تطبيقه قرار مجلس الأمن ، ويعتبرون موقفه في جنيف أمراً ثانوياً . الأمر يختلف بالنسبة للدبلوماسيين ، الذين عليهم أن يروا ، ليس ساحة المعركة والوضع على الأرض فحسب ، بل والمشهد الدولي أيضاً ، والنظر إلى سوريا في السياق الأوسع لعلاقات روسيا بالغرب . ولذا ، مهما كان “عسكريونا والرفيق شويغو” رائعين ، إلا أن على وزارة الخارجية أن تلعب دوراً أنشط في تلك الحالات ، التي تتقدم فيها وزارة الدفاع إلى الواجهة ، (سارعت الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا إلى الإعلان ، بأن الوزارة قامت بالعمل المطلوب منها في الإعداد للقاء الرئيسين) . وحين سئل كارتونوف عما إذا كان الوزير لافروف لا يزال قادراً على القيام بمثل هذا العمل ، وهو الذي “يبدو تعباً منذ زمن طويل” ، جاء رده حمّال أوجه ، حيث قال “من الصعب القول . بالطبع ، السنوات العديدة التي أمضاها وزيرا للخارجية تشكل عبئا ثقيلا”، وأطنب من ثم في إمتداح خبرته ومزاياه (لافروف رئيس مجلس أمناء المجلس الروسي المذكور).
وفي إجابته عن السؤال ، لماذا لا يتعجل الكرملين في الرد على إقتراح بايدن ، وهل هو بحاجة إلى الوقت للتعامل مع “صدمة الإتصال ، الذي طال إنتظاره “، أم أنه “لا يجوز إظهار فرحته” ، قال كارتونوف ، بانه لم يكن ليسعد كثيراً بإقتراح البيت الأبيض ، لأن الحديث سيكون طويلاً ، متوتراً ، وبدون نتائج واضحة كلياً حتى الآن . وأكد ، أن بوتين تعامل مع العديد من الرؤساء الأميركيين ، بدءاً من بيل كلينتون ، لكنه لا ينبغي أبداً الإستهانة بالرئيس بايدن كمفاوض مقابل ، سيما أن الحوار “أفضل دائماً من مونولجين متوازيين”.
صحيفة الكرملين “vz” لا ترى ما يراه كارتونوف من أن إقتراح بايدن بعقد لقاء مع بوتين ، “هو خطوة جريئة ، وليس ، بالتأكيد ، تنازلاً لموسكو” . في النص ، الذي نشرته الصحيفة حول مبادرة بايدن قالت ، بأنه ليس بايدن من استمع إلى صوت بوتين وهو يدعوه للقاء وحوار مفتوح خلال رده على وصف بايدن المهين له ، بل بوتين هو من استمع إليه وهو يطلب المساعدة في حل النزاع الأوكراني وإحياء الصفقة النووية الإيرانية والمواجهة مع الصين . وترى ، أن روسيا بحاجة إلى لقاء يسفر عن نتائج ملموسة ، وليس إلى لقاء صورة وتسجيل نقاط شخصية ، واستبعدت أن يكون اللقاء بناءاً
المدن
———————-
حفل “ذكرى استقلال سورية” في قاعدة حميميم الروسية: نشاط ترفيهي للمحتلين الجدد/ عدنان أحمد
أحيا النظام السوري، أمس الجمعة، ذكرى جلاء المحتل الفرنسي عن أرض سورية في قاعدة عسكرية لمحتل آخر، في مفارقة تثير حزن غالبية السوريين، وهم يشاهدون بلادهم تخضع اليوم لجيوش خمسة محتلين، فضلاً عن مئات المليشيات المسلحة، ما جعل “عيد الاستقلال” بلا معنى، بعد أن فقدت البلاد خلال السنوات الماضية، كل أشكال الاستقلال.
والواقع أن سورية لم تعش فترات استقرار حقيقي في ظل حكم مدني إلا لفترات وجيزة، إذ كانت عرضة للانقلابات العسكرية في السنوات التالية مباشرة للاستقلال عام 1946، لتعيش فترة ذهبية قصيرة بين عامي 1954 و1958 شهدت خلالها حكماً مدنياً ديمقراطياً إلى حد كبير، قبل إعلان الوحدة مع مصر عام 1958، التي شكلت بنظر البعض نكسة للحكم الديمقراطي في سورية، الذي تلاشى تحت ظلال حكم جمال عبد الناصر.
وجاء الانقضاض على الوحدة من جانب الانفصاليين في سورية، مستغلين تجاوزات الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوحدة، لتدخل البلاد في مهب حقبة جديدة من الانقلابات والمؤامرات الداخلية أسست لحكم حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة عام 1970 عبر انقلاب عسكري سماه الحركة التصحيحية.
ومنذ ذلك التاريخ، تعيش البلاد تحت حكم عائلة الأسد الأب، ومن ثم الابن، التي كرست هيمنة مطلقة للأجهزة الأمنية على مؤسسات الدولة وحياة المواطنين، بعد أن اصطبغت ومعها الجيش بصبغة طائفية، تتركز وظيفتهما في حماية النظام، ودوام حكمه، وقمع كل معارض له.
وتمرّ اليوم الذكرى الـ 75 عاماً على رحيل فرنسا عن سورية، وقد رحل نحو 7 ملايين سوري عن بلادهم، توجه بعضهم إلى فرنسا نفسها، بينما أدخل “النظام الوطني” سورية في متاهة حرب لا تلوح لها نهاية، قتلت حتى الآن نحو مليون سوري، وثلاثة أضعافهم من المصابين، بعضهم بعاهات مستديمة، فيما تدمر أكثر من 3 ملايين مسكن وهُجِّر 12 مليوناً، أي أكثر من نصف السكان، داخل البلاد وخارجها.
وفي ضوء هذه الصورة القاتمة لما آلت إليه البلاد بعد 75 عاماً على جلاء آخر جندي فرنسي، لا يجد معظم السوريين، بمن فيهم الموالون للنظام، أي معنى للاحتفال بعيد الاستقلال، وهم يرون بلادهم ترزح تحت حكم عدد كبير من الجيوش والمليشيات المحلية والأجنبية، بينما ينهشهم الجوع والعوز، في ظل فقدان معظم مقومات الحياة.
ولعل الاحتفال الذي أقيم في قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، يكشف هذه المفارقة، حيث بات النظام “الوطني” مجرد ضيف على السيد الروسي الذي دعا ممثلي النظام إلى حضور الاحتفال بذكرى الاستقلال السوري كنشاط ترفيهي لجنود القاعدة الروس، إذ كانت الفقرة الأهم، فقرات الغناء والرقص لفنانين وفنانات روس.
وبدا الاضطراب على محيا وزير دفاع النظام، العماد علي عبد الله أيوب، وهو يوزع الهدايا على الجنود الروس، وهي هدايا مقدمة من القاعدة الروسية نفسها التي أرادت تكريم جنودها والترفيه عنهم، فأحضرت بعض مسؤولي النظام وكبار ضباط الجيش ومحافظي اللاذقية وطرطوس، ومسؤولي حزب البعث ووزير شؤون رئاسة الجمهورية منصور عزام، للمشاركة في هذا المسرح العبثي، لدرجة دفعت حتى الموالين للنظام إلى القول إن ما جرى استهزاء من الروس بسورية وأهلها.
ودرجت القوات الروسية في قاعدة حميميم على إقامة احتفالات في الأعياد الوطنية الرسمية الروسية، آخرها كان الاحتفال بذكرى تأسيس الملاحة الجوية الروسية في 24 مارس/ آذار الماضي،كذلك دشّنت عدة نصب تذكارية في القاعدة لجنود روس قُتلوا خلال عمليات عسكرية في سورية، وأيضاً لشخصيات روسية تاريخية.
—————————
الجرائم الكيميائية تهدد نظام الأسد/ عماد كركص
بات النظام السوري يستشعر خطر محاصرته أكثر فأكثر، من خلال ملف السلاح الكيميائي الذي استخدمه في هجمات متفرقة شنّها على مواقع مدنية في سورية، إذ يجهد اليوم مع حلفائه لتفنيد تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الثاني، الذي صدر قبل أيام، والذي اتهم النظام بشكل مباشر بتنفيذ هجمة باستخدام السلاح الكيميائي على مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، في فبراير/ شباط 2018.
وفي 12 من شهر إبريل/ نيسان الحالي، حدّد فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، سلاح الجو التابع للنظام السوري أنه استخدم غاز الكلور أثناء هجوم على مدينة سراقب في العام 2018.
وأعلنت المنظمة في بيان، أن فريقها “خلص إلى أن وحدات من القوات الجوية العربية السورية استخدمت أسلحة كيميائية في سراقب في 4 فبراير 2018″، مشيرة إلى أنه “ثمة دوافع منطقية لاعتبار أن مروحية عسكرية تابعة لسلاح الجو السوري ضربت شرق سراقب بإلقاء برميل واحد على الأقل”، موضحة أن “البرميل انفجر ناشراً غاز الكلور على مسافة واسعة أصابت 12 شخصاً”. وذكرت أن محققيها “استجوبوا 30 شاهداً، وقاموا بتحليل عيّنات أخذت من المكان، وعاينوا الأعراض التي أصيب بها الضحايا والطاقم الطبي، إضافة إلى صور التقطتها الأقمار الصناعية بهدف التوصل إلى خلاصاتهم”. وأشار محققو المنظمة إلى أن “الأوامر التي صدرت بشنّ الهجوم على سراقب في 2018 مصدرها مسؤولون كبار، وليس ثمة أي مؤشر إلى أن عناصر أو أفراداً معزولين قاموا بهذا الأمر”، ولفتوا إلى أنه على الرغم من عدم كشف وجود “هرمية قيادية محددة”، يبدو أن القيادة السورية العسكرية العامة “أصدرت القرارات حول استخدام الكلور للقادة على الصعيد العملاني”.
وشهد أول من أمس، الخميس، أقوى التصريحات من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تجاه النظام السوري، حين أشار المدير العام للمنظمة فرناندو آرياس إلى أن “حظر الأسلحة” وثّقت حوالي 18 حالة على الأقل استعمل فيها النظام السلاح الكيميائي، وذلك في كلمة له أمام اللجنة الفرعية للأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي.
وسبق ذلك هجوم حاد شنّته الولايات المتحدة ضد النظام السوري، بعد صدور تقرير منظمة حظر الأسلحة حول هجمة سراقب. وأكد بيان لوزارة الخارجية الأميركية، صدر عن المتحدث باسمها نيد برايس، على ما أوردته المنظمة في تقريرها حول تورط النظام بهجمة سراقب باستخدام غاز الكلور، معتبراً أن هذا الاكتشاف “لا يجب أن يفاجئ أحداً”، ومضيفاً أن النظام “يتحمل المسؤولية عن عدد لا يحصى من أعمال وحشية ترقى بعضها إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”. وحمل بيان الخارجية الأميركية توافق واشنطن مع الاستنتاجات التي جاءت في تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، مشيراً إلى أن النظام “لا يزال يحوز كميات ملموسة من الكيميائيات كافية لاستخدام غاز السارين ونشر ذخائر معبأة بالكلور وتطوير أسلحة كيميائية جديدة”. ودعم بيان الوزارة جهود المنظمة الدولية، ودعا إلى محاسبة النظام بالقول: “يجب أن تبدي جميع الدول المسؤولة التضامن في مواجهة نشر الأسلحة الكيميائية من خلال الحفاظ على المعايير الدولية المضادة لاستخدامها، ويتعين علينا أن نكون مستعدين لمحاسبة نظام الأسد، وأي أحد سيقرر استخدام هذه الأسلحة المروعة”.
وكانت وزارة الخارجية في حكومة النظام قد ردّت على تقرير فريق منظمة حظر الأسلحة بأن “التقرير تضمن استنتاجات مزيفة ومفبركة تُمثل فضيحة أخرى لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفرق التحقيق فيها، تُضاف إلى فضيحة تقرير بعثة تقصي الحقائق المزور حول حادثة دوما 2018″، نافية استخدام النظام غازات سامة، سواء في سراقب أو غيرها. واضطر وزير خارجية النظام فيصل المقداد للخروج على التلفزيون الرسمي قبل يومين في مقابلة خاصة، لتفنيد تقرير المنظمة ورد الاتهامات. وأول من أمس، عادت خارجية النظام لتصدر بياناً جديداً هاجمت فيه تأييد التقرير من قبل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية وسياسة الأمن لدى الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي كان قد أيد نتائج التقرير فور صدوره.
من جهتها، هاجمت الخارجية الروسية التقرير بوصفه “منحازاً ومسيساً”. وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا في إحاطة صحافية، أول من أمس، إنه “من أجل جعل الاستنتاجات المنحازة والمسيسة والزائفة أكثر منطقية، شاركت مجموعة من الأشخاص الذين يمكن تخيلهم، والذين لا يمكن ذلك، في عملية التحقيق المفترضة، بمن في ذلك خبراء في مجال الأرصاد الجوية وعلم السموم والأسلحة وتحديد الموقع الجغرافي والتقنيات الرقمية”، مضيفة: “كل ذلك تم من أجل تقديم نوع من الأساس العلمي المزيف للنسخة المفترضة الوحيدة الممكنة لإلقاء أسطوانة تحتوي على غاز الكلور المنزلي من طائرة عمودية، وعلى ما يبدو من ارتفاع كبير، على قطعة أرض فارغة في منطقة سراقب”. وتابعت المتحدثة أن “الأمر الجيّد في كل ذلك، هو أن العديد من عمليات التزوير والمكائد المستخدمة في إعداد مثل هذه التقارير الاتهامية، أصبحت معروفة للجميع، بفضل موظفين فريدين وصادقين وغير متحيزين سياسياً في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي كانت تحظى بالثقة ذات يوم”.
حدة الردود على التقرير والتأييد له، تشير إلى استشعار النظام وحلفائه، لا سيما روسيا، للخطر القادم حيال ملف استخدام الأسلحة الكيميائية. وفي هذا الصدد، يشير مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية نضال شيخاني، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الهجمة التي تم تنفيذها في سراقب باستخدام غاز الكلور، جاء أمر تنفيذها من قبل (قوات النمر) التي يقودها العميد سهيل الحسن، وهي مدعومة من روسيا بشكل كامل”. ويلفت شيخاني إلى أنهم في المركز “يعتقدون بواحد من أمرين، إما أن تكون روسيا أعطت الأمر بتنفيذ الهجمة المحددة في التقرير بسراقب، أو دعمت تنفيذها بشكل أو بآخر من خلال دعم هذه المليشيات التي أعطت الأمر لتنفيذ الهجمة”.
و”قوات النمر” هي مليشيا أسسها الضابط في الاستخبارات الجوية التابعة للنظام سهيل الحسن، بإشراف مباشر من روسيا، وتحول اسمها في ما بعد لـ”الفرقة 25- مهام خاصة”، بعدما تمّ توسيعها من خلال رفدها بالكوادر البشرية وزيادة دعمها من قبل الروس. وشاركت المليشيا بشكل رئيسي في معارك إدلب ومحيطها، واتهمت من قبل المعارضة بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين.
وعلى صعيد محاصرة النظام لاستخدامه السلاح الكيميائي، سيواجه النظام في 20 من شهر إبريل الحالي، احتمالاً كبيراً بتجميد عضويته في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إذ كانت فرنسا قد قدمت، خريف العام الماضي، مسودة قرار بالنيابة عن 46 دولة عضو في المنظمة لتعليق حقوق وامتيازات سورية (النظام) في المنظمة، على أن يتم التصويت على هذا المشروع خلال اجتماع كامل للدول الأعضاء في المنظمة في لاهاي، مطلع الأسبوع المقبل.
وفي هذا السياق، يشير شمخاني إلى أن “193 دولة ممثلة في المنظمة، ويتطلب التصويت على أي قرار حضوراً شخصياً لممثليها، واليوم ظروف انتشار فيروس كورونا تفرض نفسها، وهذا ما سيعرقل حضور بعض الدول الأطراف للتصويت على القرار”، مفضلاً عدم استباق الأحداث، تاركاً لاجتماعات المنظمة التي ستستمر ثلاثة أيام البوح بما ستؤول إليه الأمور هناك. لكن شيخاني يؤكد وجود مقترح فرنسي، لا يقضي فقط بتجميد عضوية النظام، وإنما بـ”اتخاذ إجراءات بالاستناد إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لمحاسبة المتورطين من قبل النظام، بما في ذلك إنشاء محكمة أو جهاز قضائي يضمن التحقيق والنظر في كل الهجمات التي نفذها النظام، أو على الأقل الهجمات الـ18 التي تحدث عنها المدير العام للمنظمة”.
—————————
الجوع سيد موائد الإفطار في دمشق/ ميسون شقير
قالت المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، جيسيكا لوسون، لوكالة أوروبا برس للأنباء، إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بمختلف أنواعها، في سورية، وصل إلى أربعة عشر ضعفاً، بالمقارنة مع أسعارها قبل أزمة البلاد. كما ارتفع سعر السلة الغذائية التي يعتمدها البرنامج بنسبة 107%، وهذا هو أعلى ما سجل طوال عمل المنظمة في كل العالم.
وجاء في رؤيا يوحنا أن الأربعة القاهرين للبشرية هم الوباء والحرب والجوع والموت. وسورية التي مر بها القديس يوحنا، ونشر رسالة السلام، ودفن جثمانه فيها في الجامع الأموي، تعيش حاليا هذه البنود القاهرة بكل جدارة، وبكل قهر ربما لم يعرفه التاريخ الحديث في مكان في العالم. ويأتي رمضان، شهر الخير والبركة والحب والسلام، شهر الصوم عن الطعام والشراب، وعن الأذية والنميمة والغش، شهر التذكير بإنسانية الإنسان، والصوم عن الشهوات وعن مغريات الجسد، يأتي إلى السوريين ليجعل مصائبهم أوضح وأشدّ وجعا، فالجائع الذي لا يجد الخبز طوال أشهر السنة كيف يصوم؟ وهل يمكن أن يكون صوم شهر رمضان، الشهر الذي يحسّن شكل الحياة وشكل العلاقات الاجتماعية، صوما عن الحياة، وهو جوع يعلي مستويات الجريمة إلى درجة لم تعرفها سورية منذ وجدت.
تفيد التقارير بأن أسعار المواد الغذائية في أسواق دمشق سجلت ارتفاعاً خيالياً مع اقتراب شهر رمضان، فسعر الأرز والمعلبات ارتفع بنسبة 33%، كما ارتفع سعر الزيوت والسكر بنسبة 18%. وسجل كيلو المعكرونة 3400 ليرة سورية، وسعر ليتر واحد من الزيوت النباتية 9500 ليرة سورية، وسعر ثماني كيلوغرامات من السمنة 80 ألف ليرة، علما أن هذه المواد متطلبات أساسية لطعام فقير بالفيتامينات والبروتينات والمعادن، وحتى السكريات اللازمة لوجبة الإفطار، ليستعيد جسم الصائم حيويته. أما عن أسعار الفواكه فحدث ولا حرج، فكيلو البرتقال بأربعة آلاف ليرة، والحبة منه بألفين وكذلك سعر الحبة من التفاح والموز. وإذا ما جئنا إلى الحلويات التي كانت من أهم ميزات موائد رمضان السورية وأشهاها، فسعرها حلق فوق الغيوم، حيث وصل كيلو المبرومة التي تشتهر بها سورية إلى مائة ألف ليرة سورية، أي ما يزيد على راتب أستاذ في الجامعة، ووصل سعر كيلو الشوكولاتة الفاخرة التي باتت من المنسيات إلى ما يساوي ضعفي راتب أستاذ في جامعة دمشق.
اليوم، وبعد عشر سنوات من أول مظاهرة سورية قالت “الموت ولا المذلة”، وقالت “الشعب السوري مو جوعان، الشعب السوري بدو كرامة”، اليوم وحده الجوع هو الطعام الرخيص الثمن، والمتوفر للجميع في سورية الأسد، هو سيد موائد رمضان من دون منازع.
وحده انقطاع المواد النفطية هو الطاقة التي تسير عليها مركبات البلد، ووحدها العتمة هي ضوء الليالي المظلمة، ووحده النقص الحاد في الدواء بأسعاره الصاروخية، هو المتوفر في الصيدليات، والنقص المرعب لأجهزة التنفس الصناعي، وهي طريقة المعالجة لمرض فيروس كورونا الذي يرقص في بيوت السوريين، مع الخوف والجوع وارتفاع الحرارة المصاحب للإصابة، وارتفاع الأسعار المصاحب لكلمة سيادة الرئيس العصماء والبكماء والخرساء التي لا تفهم منها شيئا.
السوري أول من زرع القمح على هذا الكوكب، وأول من حصده، ومن طحنه، وخبزه، يموت من الجوع، فقط لأنه تجرّأ يوما على الحلم ببلد تسوده المواطنة والديمقراطية، بلد لا تحكمه أجهزة المخابرات، ولا تبتلعه العائلة الأسدية.
واليوم وبعد عشر سنوات من حرب واعتقال وموت ورعب وجوع وتشريد، يتبجح الأسد بسورية الجديدة المتجانسة، ويصمت مؤيدوه وهم يموتون من الفقر. يصمت الجميع بعد كل هذا الخذلان العالمي، ولا أحد يستطيع أن يفهم كيف يمكن أن يبقوا صامتين، ولا أحد يستطيع أن يتوقع مع أيٍّ من مدافع رمضان الكريم الذي نعيشه الآن سينفجر السوري مرة ثانية، ويخرج للشارع “شاهرا سيفه”.
وكما نهاية رواية غسان كنفاني “رجال تحت الشمس” عن ثلاثة رجال فلسطينيين يريدون أن يعبروا بشكل غير نظامي إلى الكويت، من أجل لقمة العيش التي عزّت عليهم، ويقبلون أن ينقلهم المهرّب داخل خزّان صهريج للماء، .. تنتهي الرواية بصرخة السائق الذي يعود فيجدهم قد ماتوا “لماذا لم تقرعوا جدار الخزان؟”.
نعم لماذا لا يخرج اليوم السوريون، كل السوريين، دفعة واحدة، وقد تماثلوا الآن جميعهم، موالاة ومعارضة، في مأدبة الجوع الشهي على مائدة الإفطار؟ لماذا لا يخرجون كلهم، نساء ورجالا وأطفالا وشيوخا؟ كي يقرعوا جدار هذا الخزان ألف مرة؟ فلا يمكن أن يستمر خوفهم من أشد الأنظمة قمعا ورعبا من أن يجعلهم يموتون من الجوع بصمت. .. متى سيقرع السوريون جدار هذا العالم؟
————————-
الروس يحتفلون “باستقلال سوريا” عن الاحتلال الفرنسي
في سوريا الأسد فقط، يتم الاحتفال بعيد الجلاء، أي ذكرى استقلال سوريا عن الانتداب الفرنسي، ضمن قاعدة عسكرية روسية، في واحد من تناقضات كثيرة تمتلئ بها البلاد التي استبدلت محتلها القديم بمحتلين جدد، حسب الوصف السائد في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأثار الاحتفال بذكرى عيد الجلاء الموافق في 17 نيسان/أبريل من كل عام، في قاعدة “حميميم” الروسية باللاذقية بحضور ضباط روس، سخرية واسعة بين السوريين، خصوصاً أن وسائل الإعلام الرسمية بما في ذلك وكالة “سانا” تحدثت عن مفاهيم “خيالية” مثل “السيادة الوطنية” و”الاستقلال”، فيما شكر وزير دفاع النظام السوري، علي عبدالله أيوب، الذي تواجد في الاحتفال “حرص القيادة الروسية على إحياء العيد الوطني السوري”، حسب تعبيره.
ونشرت صفحات موالية للنظام السوري مقطع فيديو قصيراً يظهر صوراً ولقطات مصورة لرئيس النظام السوري بشار الأسد وهو يتحدث في خطابات سابقة عن السيادة الوطنية والاستقلال. وتم التركيز على الأسد وهو يزور مناطق استعاد النظام السيطرة عليها خلال السنوات الماضية، فيما اعتبر أيوب أن “الجلاء الأكبر” هو القضاء على الإرهاب في سوريا وخروج “المحتل الدخيل، لا سيما المحتل الأمريكي والتركي”، حسب تعبيره، من دون الإشارة لحلفاء النظام السوري، إيران وروسيا، اللتين تتمتعان بمناطق نفوذ في البلاد أيضاً.
وبحسب المعلومات المتداولة أقيمت حفلة موسيقية بمناسبة “عيد الجلاء” في “حميميم” حضرها إلى جانب أيوب، عدد من كبار الضباط الجيش والقوات المسلحة وأمناء الفروع الحزبية في المنطقة الساحلية، إضافةً إلى وزير شؤون رئاسة الجمهورية منصور عزام ومحافظ اللاذقية اللواء إبراهيم خضر السالم واللواء رياض عباس. وعدد من الضباط والجنود الروس، ورفعت في قاعة الحفل صورة رئيس النظام السوري بشار الأسد وصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وامتلأت مواقع التواصل بالمنشورات الساخرة والغاضبة في آن معاً، فقال أحد المغردين: “الاحتلال الروسي في سوريا يحتفل بذكرى خروج الاحتلال الفرنسي عن سوريا”، علماً أن التدخل العسكري الروسي العام 2015 إلى جانب النظام السوري، قلب موازين الحرب السورية، ومكن النظام من استعادة معظم الأراضي التي فقد السيطرة عليها لصالح المعارضة حينها.
ومنذ ذلك الحين تمتلك روسيا نفوذاً واسعاً في البلاد، وقواعدها العسكرية هناك آخذة في التوسع على ساحل المتوسط.
#مباشر #جبلة #حميميم #مركز_القاعدة_الروسية أقيم في مركز القاعدة الروسية في حميميم حفل موسيقي بمناسبة عيد الجلاء في…
Posted by شبكة أخبار جبلة on Friday, April 16, 2021
—————————
النظام يشارك السوريين حوالاتهم..الدولار ينخفض والأسعار تحلق/ منصور حسين
لا يبدو أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة للنظام قد حققت النتائج المرجوة منها بالنسبة إلى التجار والمواطنين، الذين استمروا بالتذمر من مستويات الغلاء التي تعيشها الأسواق السورية، رغم الوعود الكثيرة بخفض الأسعار وتشديد الرقابة التموينية وتوفير بدائل مناسبة.
وإذا كان متوقعاً ارتفاع أسعار المواد الغذائية مع دخول شهر رمضان، حيث تسهم الحوالات الخارجية في انعاش الحركة السوق، إلا أن المُلاحظ أن الانخفاض الملحوظ في سعر صرف الدولار لم ينعكس على الأسعار التي استمرت بالارتفاع رغم ذلك، ما يؤكد أن المواطن العادي لا يستفيد من تحسن سعر صرف الليرة السورية.
وقبل أيام أعلن النظام رفع قيمة الدولار للحوالات المالية الواردة من الخارج لتصبح 3170 بدل “2512” المثبت لدى المصرف المركزي، تلاه صدور المرسوم التشريعي الرقم 8 الخاص بحماية المستهلك ودعم الموردين، بالإضافة إلى الحديث عن العديد من الاجراءات التي قال النظام إنها تستهدف تحقيق الاستقرار والتوازن في البيئة الاقتصادية المحلية.
تحميل المستهلك المسؤولية
لكن مع استمرار العجز في السيطرة على الأسعار، لم يجد مسؤولو النظام سوى العودة من جديد لتحميل المستهلكين المسؤولية عن ذلك، واتهام المواطن بعدم الواقعية.
وفي تصريح صحافي، قال أمين سر اتحاد غرف التجارة السورية محمد حلاق: “هناك انخفاض مقبول في بعض أسعار السلع، لكن المشكلة الحقيقية اليوم في المستهلك الذي يعتقد أنه سوف ينزل إلى الأسواق ويجد أن السلع تُباع ببلاش”.
وبالرغم من المحاولات الحكومية التسويق لانخفاض أسعار المواد الغذائية في السوق المحلية، نتيجة التحسن الطفيف في قيمة الليرة، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك، ما أدى لاستمرار حالة الركود في الأسواق والارتفاع الملحوظ في أسعار سلع السلل الرمضانية، خاصة المنتجات الحيوانية والمواد التموينية وغيرها خلال الأيام القليلة الماضية، في حين حافظت بقية السلع على استقرارها.
ويوضح تاجر التجزئة في حلب أبو غسان ل”المدن”، أنه لايوجد شيء اسمه انخفاض أسعار في السوق، وما تفعله الحكومة هو التملص من واجباتها ودفع التجار الصغار إلى مواجهة المستهلك من خلال حديثها في الإعلام عن تحسن الأسعار ليتفاجأ المواطن بالعكس، و”هنا تبدأ مشكلتنا كتجار ونوافذ بيع مباشر للمستهلك الذي يتهمنا بالجشع والاستغلال وكثيراً ما تحدث مشاكل بين البائع والزبون بسبب ذلك. لكن المشكلة أن الأسعار مفروضة علينا من قبل التجار الكبار والمستوردين، وهؤلاء غالباً مرتبطين بالنظام ولا يمكن أن تطاولهم أي مساءلة”.
ويضيف أن وزارة التجارة وحماية المستهلك “تصدر أسعار السلع مقارنة بسعر الدولار، لكنها لا تضع بالحسبان أجور الشحن الخيالية، ولا المصاريف الأخرى التي علينا أخذها بالاعتبار عند التسعير وما يتبقى لنا من هامش ربح تقاسِمنا به إدارة الضرائب والبلدية وغيرها، وكلها مصاريف تضاف للأسف على السعر النهائي للسلعة ويتحملها المستهلك في النهاية”.
مهرجانات التسوق..وصفة الفشل
وكما جرت العادة في كل مرة تفشل فيها الحكومة بضبط الأسواق أو الحد من تسجيل ارتفاع جديد بالأسعار، عاودت حكومة النظام إلى وصفة الأسواق المفتوحة ومهرجانات التسوق، لكن اللافت هذه المرة التذمر الشعبي المتزايد منها رغم الترويج الواسع لها في العديد من المحافظات، خاصة طرطوس وحماة ودمشق.
وبحسب إعلام النظام، يشارك في هذه الأسواق التي أطلقتها وزارة الأوقاف، بالتعاون مع وزارة التجارة، أكثر من ثمانين شركة، لتوفير جميع السلع التي يحتاجها المواطنون، من مواد غذائية ومنظفات وألبسة، بأسعار التكلفة أو منافسة لسعر السوق.
لكن أبو ماجد وهو من سكان دمشق، يقول إن “فارق السعر البسيط الذي يتم توفيره من هذه الأسواق، ندفعه كأجور نقل بسبب بُعد مراكز التسوق هذه عن مركز المدينة والأحياء الفقيرة، فضلاً عن أن البيع فيها يكون غالباً بكميات كبيرة وهو أمر خارج عن طاقة الناس وامكانات الغالبية، لذلك لا تشهد اقبالاً كبيراً”.
وتشير التقديرات التي كشف عنها إعلام النظام إلى ارتفاع معدل الحوالات الواردة بالقطع الأجنبي من 3-4 ملايين دولار يومياً، لتصل إلى عشرة ملايين دولار خلال الأيام الأخيرة، بعد قرار النظام رفع سعر الدولار الخاص بالحوالات ، بينما يتوقع المحللون إمكانية ازديادها إلى مستوى الضعف خلال شهر رمضان وثم عيد الفطر، ما أسهم بتحسن سعر الليرة بنسبة كبيرة.
لكن هذا التحسن لم تكن له أي انعكاسات ايجابية على المواطن العادي، الذي يرى أن ما جرى على مستوى أسعار الصرف بمثابة سرقة لقيمة الحوالة التي وصلته، حيث انخفض سعر الدولار بينما لم تنخفض الأسعار.
وفي السياق، يشرح الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أنيس أن من أهم الأسباب التي دفعت النظام إلى اصدار المرسوم رقم 8 ورفع قيمة الحوالات الخارجية وما جرى من عزل حاكم المصرف المركزي، كان نتيجة الشحّ الذي تعاني منه الخزينة العامة للبنك المركزي، بعد حرمانها من الثروات الباطنية ومردود الملاحة، إضافة إلى توقف حركة الانتاج والتصدير.
ويشير أنيس إلى سبب آخر ساهم باصدار المرسوم الأخير وهو “الدعم المالي الذي وصل إلى النظام مؤخراً من بعض الدول العربية التي دعت لإعادة سوريا الى جامعة الدول العربية ومنهم من أعاد فتح سفارات في دمشق استعداداً للاستثمار”.
ويقول “فقد التجار ثقتهم باقتصادات سوريا العديدة وفقدوا ثقتهم بأن ثمة سلطة قد تحمي أموالهم، لذلك تراهم دوما يسبقون الناس بخطوة لضمان أصول بضائعهم فيكونون سباقين بزيادة الأسعار مواكبة لارتفاع قيمة سعر الصرف، كون العملة العالمية وعملة التجارة الدولية هي الدولار”.
يدرك التجار أن تحسن قيمة العملة مرهون بمرحلة زمنية معنية وهي الأعياد الدينية التي ترتفع فيها نسبة الحوالات الخارجية، كما حدث ويحدث مع كل عام، الأمر الذي يمنعهم من التقيد بالأسعار الحكومية، والحفاظ على هامش الأمان في البيع، دون وجود أي حلول جديدة وحقيقة من قبل النظام تساعد على انهاء حالة الركود وإعادة الثقة بين التاجر والدولة، ليبقى المواطن الخاسر الأكبر.
————————-
“التعتيم والترميم” في ظلِّ مجازر وانتخابات الأسد/ أحمد بغدادي
طيلة عشر سنوات، منذ انطلاق الثورة في سوريا، ونظام الأسد يراهن “مستذئباً” مع حلفائه على إخماد ثورة شعب برهنَ للعالم قاطبةً أنه لا ينحني، حتى أمام كل الوسائل العسكرية الفتّاكة، والأسلحة المحرّمة دولياً. ورغم ما استدعاه الوريث الطاغية برضاه أو مرغوماً، من ميليشيات طائفية، وجيوش جرّارة ومرتزقة، لقتل السوريين وتهجيرهم، وسلبهم أراضيهم وحقوقهم، لا تزال صرخة الحرية تثقب مسامع الطغاة، وتميط لثام المجتمع الدولي، والقوى الكبرى، لتظهر حقائقهم – تلك الدول التي تدّعي مناصرة الحريات وحقوق الإنسان! وعليه؛ يبدو أن مسعى روسيا لتثبيت المجرم الأسد في سدّة الرئاسة مجدداً بعد كل هذه الدماء والانتهاكات قاب قوسين أو أدنى من النجاح؟ ذلك لأن السنوات المنصرمة في سوريا أكّدت تخاذل وتواطؤ “أصدقاء الثورة السورية”، وعلى رأسهم الأميركان، الذين ألهبوا ظهورنا بسياط الانتظار من خلال تهديداتهم الفارغة ضد بشار الأسد ونظامه. وما حصدناه نحن السوريين، من وعيد وتهديد واشنطن، ليس إلا هذا الواقع الذي نشاهده! بلد مدمّر وشبه مقسّم، مع اقتصاد دون الصفر وشعب بين لاجئ ونازح.. عدا عن احتلالات عالمية تجوب سوريا من جنوبها إلى شمالها. والأسد الآن، يختار ربطة عنق مُلوّنة، تناسب خطاباته الميتافيزيقيّة، وتحاكي الدماء التي أهرقت على مدار عقد كامل من صمت العالم، و”الأشقاء” العرب والمسلمين!
سفارات القاتل و”بروباغندا” الانتخابات
طالما كانت سفارات نظام الأسد في خارج البلاد عبارة عن مراكز استخبارات، وبالأخص ضمن الدول العربية. فهو (نظام الأسد) لا يستطيع اللعب “بذيله” إلا ما ندر في دول أوروبا. حيث إن السفارة كما نعرف، هي واجهة دبلوماسية تعكس الصور الإيجابية عن بلدها؛ إلا عند “آل الأسد”- نرى القيح الدبلوماسي ينزُّ عبر موظفي تلك السفارات والقنصليات، وعمليات التجسس مستمرة على قدمٍ وساق تجاه المواطنين السوريين، مع اختلاق مشكلات جنائية وسياسية تضرّ معارضي الأسد في بلاد المهجر. طبعاً علاوةً على الفساد المستشري، والمحسوبيات الممهورة بالأختام أكثر من معاملات المواطنين القائمين في دول الاغتراب واللجوء!
في 12 من نيسان، نشرت سفارة نظام الأسد في “أبو ظبي” عبر صفحتها على “الفيس بوك
” إعلاناً -ترويجيّاً- لانتخابات الطاغية التي سوف تنطلق -قسراً- بتاريخ 14 من تموز 2021. مفاد المنشور، أنه على المقيمين في الإمارات العربية المتحدة، من البالغين، والراغبين بالانتخابات، تسجيل أسمائهم عبر رابط مرفق
، لملء البيانات الشخصية قبل 25 من نسيان الجاري، وفقاً لجواز السفر، أو الهوية الشخصية!
وعلى غرار منشور سفارة نظام الأسد في “أبو ظبي”، أيضاً في “كاراكاس-فنزويلا
” دعت سفارة الطاغية المواطنين السوريين المقيمين هناك، إلى المشاركة بما سمته “استحقاقاً انتخابياً
“، وممارسة حقّهم الانتخابي، إما عن طريق الحضور شخصياً إلى مقرّ السفارة، أو التسجيل في الرابط المرفق بالمنشور!
من ناحية أخرى، فبفضل الدعم السياسي لنظام الأسد من قبل دول خليجية، منها الإمارات، وعُمان، والبحرين، والحضور الدبلوماسي المكثّف في الآونة الأخيرة، مع الروس وبعض زعماء
الخليج، فقد استعاد الأسد القليل من ماء وجهه إن صح التعبير، عربياً. وقد أضاء الأخير (مختار حي المهاجرين) “غمّاز” مركبته مبتسماً، نحو تحالف الجنرال “حفتر” معه في ليبيا، وتصريحات وزيرة الخارجية الليبية “نجلاء المنقوش
” حول افتتاح سفارات وقنصليات دول العالم مقراتها في ليبيا!
أما سلطنة “عُمان” –البراغماتية، التي وقّعت اتفاقية
مع نظام الأسد في أواخر آذار الشهر الماضي، تنصّ على “الإعفاء المتبادل من متطلبات التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والخدمة”.. هي في ركب الدول التي حملت خناجر لطعن الشعب السوري، وتقويض ثورته الوطنية وسحق أهدافها السامية، التي بالضرورة إن نجحت، سوف تشكل خطراً داهماً على عروش الوصاية الغربية في الأنظمة العربية!
شرعية الأسد مفضوضة قانونياً
خلال سؤالي للمحامي والمحلل السياسي ورئيس تجمّع “مصير
” أيمن فهمي أبو هاشم، حول الانتخابات المزعومة، التي سوف يجريها نظام الأسد بدعم روسي وإيراني؛ قال: هذه الانتخابات التي يحاول من خلالها نظام الأسد تجديد شرعيته، مع أنه فعلياً فاقد للشرعية القانونية والوطنية والأخلاقية، بسبب حجم الجرائم الفظيعة التي ارتكبها ضد الشعب السوري خلال سنوات الثورة السورية، هي باطلة، إن لم تتم في أجواء من القبول الشعبي.
و هذه الانتخابات تفتقد لأي مستند شرعي أو قانوني. هي عبارة عن تصرف سياسي الهدف منه إعادة فرض هذا النظام بطريقة غير قانونية. بالتالي دور السفارات السورية الآن إن كان في الإمارات أو فنزويلا، هو محاولة الالتزام بتعليمات النظام السوري بإشاعة مناخات وكأن هناك إجراءات يتم التحضير لها لعقد الانتخابات التي من المؤكد أنها ستكون إجراءات صورية لا تقوم أيضاً على إجراءات قانونية سليمة.
ومن اللافت للانتباه أن نشاط سفارة النظام في الإمارات يعكس خللا في موقف الإمارات التي أعادت سفارتها أيضاً إلى دمشق. وكان من المفترض على دولة الإمارات أن لا تقبل هذه الانتخابات باعتبار أنها تخالف بذلك موقف الجامعة العربية الذي جمّد عضوية سوريا بسبب مواقف النظام من الجامعة العربية. وأي مساعدة أو حراك لأي دولة بهذه الانتخابات تتحمل مسؤولية قانونية وسياسية أمام الشعب السوري.
واشنطن .. إيران والأسد
أما بالنسبة للشفافية السياسية، فقد حذّرت واشنطن منذ شهر تقريباً بشار الأسد، أنها لن تعترف بنتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما لم تكن تحت إشراف الأمم المتحدة؛ وهذا مستحيل.. لأن نظام الأسد بإيعاز روسي وإيراني يرفض أي وجود أممي أو لجان حقوقية تشرف على أي عملية سياسية في سوريا، ويتعنّت، ويهدر الوقت كعادته. إضافة إلى كثير من الملفات المهمّة التي يحاول التهرّب منها، ويحاول نسفها على طاولة المفاوضات. أهمّها ملف المعتقلين، وتطبيق قرارات بيان “جنيف1
” 30 حزيران 2012، التي انتزعها بشقّ الأنفس “كوفي عنان”؛ “الفاشل كما غيره من المبعوثين الأمميين إلى سوريا”.
طهران، رغم انشغالها بالملف النووي، والعقوبات المفروضة عليها، لديها من الشراهة أن تبتلعَ كل الوطن العربي والإسلامي
إيران الآن تحاول أن تتمسّك بــ “خريطة الطريق”؛ الخاصة بالاتفاق النووي، إبّان عهد الرئيس أوباما، بعد أن رفضها وريث الأخير في البيت الأبيض “دونالد ترامب”. حيث شكّل الملف النووي الإيراني إرباكاً لواشنطن وإسرائيل، وتحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي لإيصال المفاوضات “النووية” إلى حل يقبله الجميع ! لكن طهران، رغم انشغالها بالملف النووي، والعقوبات المفروضة عليها، لديها من الشراهة أن تبتلعَ كل الوطن العربي والإسلامي عبر “ولاية الفقيه
” متجاهلةً – حبّاً وكرامة- غضب “إسرائيل” وصواريخها التي تدك قواتها المساندة للأسد وقواعدها في سوريا؟! وبهذا، سوف يتلاشى الدور الإيراني في سوريا على مدى طويل؛ يكون هذا إن اتخذت إدارة “جو بايدن” قرارات سياسية فعّالة تجاه الملف السوري، أو تحرّكات “عسكرية” وهي مرجّحة ضد الوجود العسكري الإيراني الداعم للأسد المتمثل في الميليشيات الطائفية بشكل كبير.
أخيراً، مع كل هذه العوامل، الداخلية والخارجية، وتضارب مصالح الدول الكبرى في سوريا، نرى أن الطاغية الأسد باقٍ، مع (انتخابات) صورية، أو من دونها؛ على الأقل حتى يتم ترتيب البيت الداخلي للإدراة الأميركية الجديدة، وهذه ليست نظرة استشرافية، بل واقع مرير، أراده نظام الأسد، وقبلت به الأنظمة العربية قبل الغربية عندما تخلّت عن ثورة السوريين، وتركتنا نواجه مصيراً دموياً، ووحشية تنظيمات إرهابية تمت صناعة معظمها في غرف الاستخبارات العربية والعالمية.
——————–
الدب الروسي حين توهم نفسه ثعلباً!/ عقيل حسين
أثارت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي، حول قرب عودة النظام إلى جامعة الدول العربية، تخوف كثيرين من أن تكون موسكو قد نجحت بعقد صفقة ما تقرب النظام أكثر من استعادة موقعه الذي كان عليه قبل العام 2011.
التخوف بلغ مستوى الفزع لدى البعض، خاصة مع ضخ إعلامي مكثف رافق تصريحات لافروف، وكم كبير من التقارير التي تحدثت عن تفاصيل ومعطيات توحي بالفعل بأن الروس لم يبق أمامهم سوى خطوة واحدة لتحقيق هذا الهدف (الحلم) بالنسبة لهم، والكابوس بالنسبة للثوار والمعارضة.
لكن قراءة متأنية لهذه التصريحات الروسية (المتفائلة جداً)، وكذلك للقمة الثلاثية التي من المقرر أن تنعقد في بغداد، وتضم ملك الأردن والرئيس المصري وقادة العراق، والتي قال لافروف إنها ستبحث في إجراءات عودة النظام للجامعة العربية، بل وحتى تصريحات وزيري خارجية مصر والعراق حول ذلك، تكشف ببساطة شديدة أن ليس هناك أي معطى جدي حتى الآن يمكن البناء عليه عند الحديث عن قرب إعادة النظام إلى الحضن العربي.
تقول الحكاية إن ثعلباً تاه في الصحراء حتى كاد أن يهلك عطشاً، لكنه في الرمق الأخير وجد بئر ماء عليه دلو، فجلس بقادوس الدلو الفارغ في الأعلى ليجد نفسه بلمحة بصر عند الماء العذب البارد، وبعد أن شرب وانتعش، تنبه إلى أنه بات عالقاً في الأسفل وأنه لن يستطيع الخروج من البئر حتى تيقن أنه هالك لا محالة.
لكن فجأة أطل دب كبير من الأعلى ونظر في البئر وهو يلهث من شدة العطش، وعندما شاهد الثعلب سأله عن الماء، فعاد الأمل للأخير، الذي أجاب على الفور بأنه أطيب وأعذب وأبرد ماء في الأرض كلها.. تلمظ الدب وسأل الثعلب عن الطريقة التي يمكنه بها الشرب، فأجابه بأن كل ما عليه أن يجلس في القادوس العلوي لينزل به إلى الأسفل، وهذا ما حدث، حيث أصبح الدب في قاع البئر وصعد القادوس الآخر بالثعلب الذي نجا، وعندما هم بالمغادرة سأله الدب وقد روى ظمأه أيضاً: كيف يمكنني أن أخرج ؟ فرد الثعلب: عليك أن تنتظر دباً أكبر منك كي يأخذ مكانك.
طبعاً أنا لست مع فرضية أن روسيا في ورطة حقيقية في سوريا الآن، فلا خسائرها البشرية ولا المادية تقول ذلك، بل على العكس، فإن المكاسب الاستراتيجية التي ظفرت بها جراء التدخل في سوريا يمكن القول إنها كبيرة وأكثر مما كانت تحلم به موسكو على الإطلاق، لكن هذه المكاسب ليست آمنة أو مستقرة، كما أنها تحتاج إلى شروط ودعائم لتثبيتها، وإلا تحولت بالفعل إلى مشكلة كبيرة، وبمرور الوقت إلى ورطة حقيقية بالفعل.
ورطة روسيا الحقيقية أن وجودها العسكري ونفوذها السياسي في سوريا حالياً مهددان وبقوة، ليس فقط من أعدائها وهم كثر، بدءا من الشعب ذاته الذي شاركت موسكو في قمعه وقتله وإفقاره وتشريده من أجل الحفاظ على النظام، وليس انتهاء بالولايات المتحدة التي ما زالت مصرة على الحفاظ على وجودها العسكري شمال شرقي البلاد، بل وحتى من حلفائها، النظام والإيرانيين، الذين تعرف أنه لا يمكن الوثوق بهم وأنهم لم يأتوا بها من أجل أن تقاسمهم النفوذ والتسلط، بل لتحقيق هدف واحد هو إنقاذ النظام من السقوط الذي كان وشيكاً، والاكتفاء بقاعدتين عسكريتين بحرية وجوية في الساحل.. لا أكثر، وحتى هذه القواعد لتكون في خدمة طموحات إيرانية التوسعية.
تدرك روسيا أن انهيار مؤسسات الدولة السورية هو هدف إيراني سيحقق طموحات طهران في أن تحل أذرعها وميليشياتها محل هذه المؤسسات، من أجل ضمان ديمومة المشروع والوجود الفارسي في سوريا، كما حدث في العراق ويحدث في لبنان واليمن، ولذلك فهي تكافح وبقوة من أجل إنقاذ النظام من أزمته الاقتصادية الخانقة، وأن انهياره الذي بات سيناريو محتملاً جداً، سيعني فوضى لن تكون قواتها قليلة العدد قادرة على احتوائها، وأن أذرع إيران ستوجه قبل غيرها، تحت اسم قوات المعارضة أو جهات مجهولة، الضربات لقواعد وعساكر الروس، كما سبق أن هدد عضو مجلس الشعب خالد العبود، من أجل إجبارها على الانكفاء داخل حصون القاعدة الجوية في حميميم، التي ستكون حدود الروس في سوريا وقتها.
لذا بذل لافروف طيلة أكثر من شهر كل الجهد لإقناع العواصم العربية الرئيسية بإعادة النظام إلى جامعة الدول والتطبيع معه، لكن من دون أن يقدم مقابلاً يمكن أن يغري الدول التي لا تزال متمسكة بموقفها من الأسد، فلا هي (أي روسيا) قادرة على إخراج إيران من سوريا كما تريد السعودية، ولا هي قادرة على إجبار النظام على تطبيق القرار 2254 كما تريد قطر والأردن ودول أخرى، بما فيها مصر أيضاً.
أما إذا كان لافروف يعول على سلطنة عمان والعراق وموريتانيا، فبالتأكيد سيكون عليه أن ينتظر طويلاً قبل أن يرى ممثل الأسد على مقعد جامعة الدول العربية مجدداً، فالأمر لا يقف فقط عند “إجراءات فنية” كما أدعى الوزير الروسي، بل يكفي أن تعترض دولة واحدة، حسب ميثاق الجامعة، على أي قرار ليصبح لاغياً حتى لو أيدته جميع الدول الأخرى، وهذا كله من دون الحديث عن عدم قدرة أي دولة على تجاوز الإرادة الأميركية التي تبدو حازمة في رفض أي تطبيع مع النظام أو اعتراف بشرعيته حتى الآن.
يظن لافروف نفسه ثعلباً وهو يجول بين العواصم العربية عارضاً عليها إعادة العلاقات مع النظام وتقديم الدعم له، مهدداً مرة بالفوضى، ومرّغباً مرة أخرى بإمكانية إبعاده عن إيران، بينما يهمس الجميع بعد لقاءاتهم معه ضاحكين أن عليه أن ينتظر دباً أكبر من الدب الروسي لكي ينتشله من البئر الذي لم يفكر جيداً قبل أن يطمع بمائه.
———————-
أقصى أحلام السوريين مقعد في سرفيس
لم تعد أحلامنا التخرج من الجامعة والحصول على فرصة عمل لإكمال الطريق في هذه الحياة الموحشة، بل نبحث عن وسيلة نقل لنصل إلى البيت أو الجامعة، هذه كلمات رامي ابن التاسعة عشر عاماً عندما سألناه عن أحلامه بعد عشر سنوات من الحرب في سوريا.
يشير رامي إلى أنه يخرج من منزله قبل ساعتين من أي موعد: “حتى إذا ما لقيت سرفيس ما في حل إلا كمل مشي”. وتشهد مناطق الحكومة السورية وخاصة دمشق نقصاً في المحروقات، ما أثر على وسائل النقل وقلص عددها بشكل كبير جداً، لتعيش العاصمة السورية حالة من الشلل.
حلم ركوب سرفيس سوري
قبل أيام تمكنت من ركوب سرفيس بعد انتظار دام أكثر من ساعة، حيث كان عدد الراكبين قليلاً، قبل أن تتهافت الناس على الركوب في الموقف التالي، وعندما تنظر إلى وجه من يفوز بمقعد بعد معركة من التدافع ترى فرحة وكأنه كسب جائزة يانصيب، أو تذكرة سفر إلى جزر المالديف، حيث يمكنك النظر إلى الوجوه لتكتشف كمية الارتياح وكأنها تقول “حلم وتحقق”.
يصعد الركاب ويقول السائق: “الأجرة 400 ليرة ويلي مو عاجبو ينزل”، صمت يملأ السرفيس ويدفع الجميع المبلغ على الرغم من أن الأجرة هي 75 ليرة سورية. تقول راكبة بجواري: “الكل بدو يستغلك من الصغير للكبير.. المواطن حصالة دهب.. نتفوا ريشنا على الآخر.. صار حلم تركب سرفيس”.
وعندما يصل السرفيس إلى الموقف الأخير ستجد في استقبالك حشداً جماهيرياً لن يسمح لك حتى النزول إلا بعد معاناة كبيرة، والتي قد تفقد خلالها أحد أغراضك الشخصية، فالجميع يريد الفوز بمقعد في السرفيس.
وفي حال لم تتمكن من كسب مقعد في السرفيس، سيكون خيارك الثاني سيارات الأجرة الأغلى سعراً، حيث يأخذ السائق أجرة كما يشاء والتي تصل إلى ضعفين أو ثلاثة عن الأيام السابقة دون حسيب أو رقيب.
ومع قلة وسائل النقل العامة لجأ السوريون إلى سيارات الأجرة مرغمين، والتي تعتمد على تجميع الركاب ونقلهم إلى منطقتهم مقابل مبلغ يرتفع بشكل يومي، أما الراكب فبات الحلقة الأضعف فهو لا يريد سوى الوصول إلى منزله بعد يومٍ من “الشنشطة والتعتير”.
حلول منتهية الصلاحية
ذكرت مصادر من محافظة دمشق أنها تقوم بتسيير العديد من باصات النقل الداخلي ليل -نهار بشكل يومي ، وقال مدير عام الشركة العامة للنقل الداخلي بدمشق وريفها سامر حداد لوسائل إعلام محلية: “أدت مشكلة المحروقات لخروج منظومة السرافيس بشكل شبه دائم، وبدأت تعود تدريجياً، والنقص الحاصل قمنا بتغطيته بباصات النقل الداخلي بنسبة وصلت ما بين 95٪ و96٪”.
وخلال جولة قصيرة في شوارع العاصمة لن تجد على جوانبها إلا أناساً ينتظرون وسيلة نقلٍ، ويركضون كأنهم في سباق ماراتون عندما يظهر سرفيس وسط استقبال يشبه استقبال الفاتحين.
يقول سامر في منطقة البرامكة بدمشق: “صار عمري خمسين سنة ما ضل عندي لا حلم ولاشي.. بدي أوصل على بيتي بعد الشغل وساعة كهربا زيادة وأمن شوية أكل لعيلتي”.
وبالنسبة للحلول الحكومية وتسيير الباصات تشير رؤى (موظفة في شركة خاصة) إلى عدم فائدتها كون عددها قليلاً وتضيف: “إذا في 100 ألف شخص والمحافظة عم تبعت 10 باصات شو الفائدة!.. الزحمة والقتال والتدافع مستمر حتى نركب”.
هذا الوضع دفع الحكومة السورية لتخفيض عدد العاملين في الوزرات والمؤسسات الرسمية، كما تقرر إيقاف الدوام في الجامعات بحدود الأسبوعين بالإضافة إلى بعض الصفوف في المدراس.
انتهت الأحلام
لم يعد هناك أحلام وطموحات في هذا البلد، لا مجال للتفكير سوى بالمواصلات والكهرباء ولقمة العيش، هذا ما يتحدث عنه سمير (25 عاماً)، ويضيف “تخرجت من كلية العلوم ودورت على شغل وما لقيت إلا مطعم فلافل أشتغل فيه ب80 ألف ما بتكفي مواصلات”.
أما رويدة (طالبة جامعية) تذكر أنها من ستة أشهر تركت كلية السياحة واتجهت للعمل في مشغل خياطة حتى تساعد أهلها في المصروف، وتقول: “تخليت عن حلمي بالتخرج والسفر خارج سوريا، لأن المصاريف أصبحت كبيرة على أهلي”، وتذكر أنها تضطر كل يوم للوقوف على دور الخبز كون والديها كباراً بالسن، ثم تذهب إلى العمل مشياً لعدم توفر المواصلات.
في محال بيع المواد الغذائية ستجد أحلاماً صغيرة كبرت ولم يعد الأطفال قادرين على اللحاق بها، يدخل طفل صغير وبيده 200 ليرة يأخذ قطعة حلوى صغيرة يخبره البائع بأنها أصبحت بـ 500 لترتسم على وجهه معالم الحزن والاستغراب، ويبحث عن شيء آخر بالمبلغ الذي يحمله دون أن يجد ليخرج من المحل على الفور.
ولا يمر يوم دون أن تشهد الأسواق السورية ارتفاعاً في أسعارها بالتزامن مع صعود سعر صرف الدولار، وعندما ينخفض تبقى الأسعار كما هي دون أي تراجع وسط غياب أي رقابة حكومية.
أحلام سورية خالصة
عندما تسأل الشعوب عن أحلامها لابد أن تكون الأجوبة تتعلق بالسفر والسياحة أو شراء سيارة أو منزل أو الزواج في الأحوال الطبيعية وغير ذلك من أحلام الإنسان، لكن في سوريا هذه الأحلام تبخرت واختفت من القاموس السوري منذ سنوات.
يقول جاد: “عمري 30 سنة ما بملك أي شي، لا بدي زواج ولا سفر، بدي حس بالاستقرار والأمان، كل يوم بالبلد عذاب، راكضين ورا الكهربا والخبز والمواصلات.. الناس وصلت على القمر ونحن خارج التغطية”.
أما أحمد (26 عاماً) فيتحدث عن أحلامه عندما كان صغيراً وكيف اختلفت بالكامل: “كان الأستاذ بالمدرسة يسأل الطلاب عن أحلامهم، وكنت جاوب بأني أحب أن أصبح مهندساً”، ويضيف: “لقد تخرجت من الجامعة ولم يتمكن أهلي من مساعدتي بسبب ظروف البلاد، وحالياً أعمل في سوق الهال وأنهي عملي مساء، على أمل أن أعود إلى بيتي وأجد وسيلة نقل بشكل سريع وكهرباء في المنزل لأتمكن من الاستحمام”، ويؤكد أحمد أن هذه أقصى طموحاته حالياً.
بدو أن الأحلام الاعتيادية الخاصة بالحياة والتي يحلم بها أي شخص بالعالم، قد تلاشت وتبخرت في سوريا لتحل مكانها أحلام حياتية تتعلق بالأكل والمواصلات والكهرباء والتي تطغى على أي شيء عندما تظهر، وكما يقول جرير:”نظرت الى الحياة فلم أجدها سوى حلم يمر ولا يعود”.
======================
تحديث 20 نيسان 2021
————————
سوريا الفشل بعد الفشل/ بشير البكر
لا يأتي تقرير الاستخبارات الأميركية (سي آي أيه) الأخير عن الشرق الأوسط بجديد عن سوريا، سوى أنه يؤكد على أن الدولة المفككة التي صار عليها هذا البلد تتناسل فشلا ينمو، ويكبر مع الوقت، لتصبح معه مسألة العودة إلى الوضع الطبيعي ضربا من المستحيل. وهذا أمر بات بديهية يدركها الجميع، وصدرت حولها تقارير محلية ودولية كثيرة شخّصت الشأن السوري بكل جوانبه، ولم تترك مجالا إلا درسته بالتفاصيل المملة. وفي كل مرة يصدر تقرير على مستوى عال من الأهمية، يتم الوقوف عند الأسباب والنتائج نفسها مع بعض الإضافات التي تمليها مصلحة الجهة التي عملت على التقرير. والأمر اللافت في التقرير الأميركي الاستخباري الذي نتحدث عنه هنا هو أنه أعطى اهتماما بالوضع السياسي، وأكد على الاتجاهات الحالية التي تتحكم بالوضع، ولخصها في عدة نقاط أهمها استمرار الصراع والأزمات الإنسانية والتدهور الاقتصادي خلال السنوات القليلة المقبلة. ورجح أن يمتنع نظام الأسد عن الدخول في مفاوضات سياسية جدية، في حين سيواصل اعتماده على دعم روسيا وإيران، وقال التقرير إن “رئيس النظام بشار الأسد سيعاني لاستعادة السيطرة على بقية الأراضي الخارجة عن سيطرته”. أما بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فذكر التقرير أنها سوف تواجه ضغوطاً من النظام وروسيا ومن تركيا.
التقرير يميل إلى بقاء القوات الأميركية شمال شرق سوريا، والبديل عن ذلك أي في حال الانسحاب، “تزايد الضغوط مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية”. ولكن التحديات التي ستواجه هذه القوات تتمثل في تهديدات من إيران والميليشيات الموالية لها ولنظام الأسد، من خلال شن هجمات عليها. وقدّر التقرير أن “التنظيمات الإرهابية” ستحاول شن هجمات على قوات التحالف من ملاذاتهم الآمنة في سوريا. ورغم أن التقرير أضاء على الجوانب التي جرت العادة للتركيز عليها، فإنه خرج بخلاصتين تستحقان التوقف أمامهما مطولا. الأولى هي، استمرار الصراع والأزمات الإنسانية والتدهور الاقتصادي في سوريا خلال السنوات القليلة المقبلة. والثانية هي، قد يؤدي تزايد القتال أو الانهيار الاقتصادي إلى موجة هجرة جديدة من البلاد. وهاتان الخلاصتان لا تشكلان مفاجأة لأحد، في وقت لا تعيران اهتماما بالأطروحات التي تسوقها بعض الأطراف حول إمكانية الذهاب في طريق حل المسألة السورية عن طريق المسارات المعتمدة، مثل اللجنة الدستورية وأستانا.
لا يتحدث التقرير عن فشل رهانات روسيا حول إمكانية حصول مرونة أميركية أوروبية من أجل إعادة الإعمار، وهي المسألة التي تؤرق موسكو أكثر من غيرها، بل يركز في صورة أساسية على أن الدولة السورية باتت في حساب الماضي، وليس هناك أي إمكانية لاستعادتها. وهذا الاستنتاج يؤكد على خلاصات انتهت إليها تقارير ودراسات حول إعادة الإعمار التي تحتاج إلى أرقام فلكية، بسبب حجم الدمار الذي عرفته سوريا، والخسائر التي لحقت باقتصادها، وتقدرها بعض الجهات الدولية المختصة بنحو 400 مليار دولار. والمفارقة التي نقف عندها في هذا التقرير هي ذاتها التي رافقت كل التقارير المتعلقة بالمسألة السورية منذ بداية الثورة في آذار/مارس 2011، ومفادها أن التقارير التي تصدر عن جهات رسمية أميركية وأوروبية لا يتم توظيفها من قبل المؤسسات الرسمية ـ وتبقى بين أصحاب الاختصاص مثل تلك التي تصدرها مراكز الأبحاث والدراسات لأغراض علمية. وما يثير الكثير من إشارات الاستفهام هو الموقف الروسي. وبعدما استثمرت روسيا عسكريا وسياسيا في النظام منذ أيلول/سبتمبر 2015، لا تبدو أنها تحت ضغط استعادة استثماراتها، وإلا لكانت اتبعت نهجا مختلفا يقوم على أمرين. الأول هو الحفاظ على الدولة السورية وعمل كل ما يمنع انهيارها. والثاني هو البحث عن صيغة حل سياسي، لا يكون فيه التمسك بالنظام هو الأساس.
تلفزيون سوريا
———————
طموحات روسيا تزيد غرقها في المستنقع السوري/ رانيا مصطفى
يتصرّف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كقيصر طموح إلى استعادة نفوذ إمبراطوريّته السوفييتية الغابرة، وذلك عبر جعل التدخل العسكري في سورية بوابةً إلى التوسع الجيوسياسي في الإقليم. وعلى الرغم من أنّ روسيا لا تملك مقومات الدول العظمى الراهنة، إذ إنّ اقتصادها ريعي يعتمد على تصدير النفط، فهي تستغلّ تراجع الاهتمام الأميركي في المنطقة إلى المرتبة الثانية، وتراخي علاقات واشنطن مع حلفائها، في الخليج العربي، وتركيا، وحتى العراق.
لماذا تضع روسيا كلّ رهاناتها في سورية على استمرار نظام الأسد، مع وجود بدائل سورية عديدة مطروحة، وتدور في الفلك الروسي، ولا تعمل بجدّية على حل عقدة الوجود الإيراني في سورية، وإرضاء الأميركيين وأوروبا وإسرائيل والعرب، ورفع التعطيل الأميركي عبر قانون قيصر عن هدفها المركّب بعودة اللاجئين وإعادة الإعمار؟
تعتقد روسيا أنّ بمقدورها مواجهة واشنطن وحلفها الغربي، وأن تفرض نفسها مسيطرة على المنطقة برمتها، عبر بناء التحالفات الإقليمية، وفتح المسارات المتعدّدة، والمتعارضة أحياناً؛ كتحالف أستانة مع تركيا وإيران ويتعلق باتفاقات مناطق النفوذ، ومنصة الدوحة مع تركيا وقطر، وتدفع باتجاه قمة بغداد العربية بين العراق ومصر والأردن، والتي تقدّم مبادرة للحلّ في سورية، وموجهة ضد النفوذين، الإيراني والتركي، في سورية. وجسّ نبض دول عربية عن إعادة مقعد سورية في جامعة الدول العربية، هذا فضلاً عن التحالف العربي – الإسرائيلي الذي يستهدف التوسع الإيراني في المنطقة، وإطلاق مسار التطبيع.
جاء الحراك الروسي، أخيراً، بعد اتّضاح ملامح سياسة إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن؛ إذ يبقى همّ تعزيز القواعد العسكرية في بحر الصين، ضمن الأولويات الأميركية، وعلى حساب تقليص حجم الوجود العسكري في الشرق الأوسط، والاعتماد أكثر على الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في استكمالٍ لسياسة كلّ من أوباما وترامب، من دون أن تتغير الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، حيث تمسك واشنطن بكلّ خيوط التحالفات فيها، وتتمتع بقدرتها على تعطيل المسارات، حين لا تتوافق مع مصالحها؛ وكذلك تستمر الإدارة الأميركية في تطبيق سياسة الضغوط القصوى ضد إيران، مع استمرار الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد مواقعها في سورية، كما كان في عهد ترامب، وذلك قبل الخوض في مفاوضاتٍ حول اتفاق نووي جديد مع طهران.
تشهد العلاقات الأميركية – الروسية تراجعاً في عهد بايدن، مقارنةً بما كان في عهد ترامب، وبالمثل، هي العلاقات التركية الأميركية. ولا تبدي الإدارة الأميركية الجديدة، ومعها الاتحاد الأوروبي، غير التشدّد في تعطيل المساعي الروسية إلى تعويم نظام الأسد، والقفز فوق الحلّ السياسي، وباتجاه عودة العلاقات العربية مع دمشق، عدا عن موقف غربي عام يدين جرائم النظام. وبالتالي، يدفع هذا روسيا إلى حراك دبلوماسي في المنطقة، باتجاه بناء تحالفاتٍ فيها، في غياب تنسيق عربي، وذلك من أجل أن تمسّك روسيا بكلّ الخيوط التي تحقق التوازن بين دول المنطقة المتنافسة على النفوذ، وأن تلعب دور الوسيط بينها. وروسيا تستفيد هنا من توجّه الصين إلى تقوية علاقاتها مع دول المنطقة، خصوصاً الاتفاق الاستراتيجي الإيراني – الصيني، وعلاقات أكثر قوة مع دول الخليج، بالتوازي مع عقود اقتصادية قصيرة الأمد بين روسيا وإيران، وعلاقات لروسيا أقوى مع الخليج ومصر والعراق، ومحاولتها أخذ دور في اليمن، عبر دعم الحوثيين بالتحالف مع إيران، فضلاً عن نفوذها في حوض المتوسط، ودورها في الصراع الليبي، بالتحالف مع الإمارات والسعودية ومصر.
هذا الطموح الروسي لنفوذ أكبر في المشرق العربي وعموم غرب آسيا، دفع روسيا إلى معاندة أميركا في المنطقة، واعتبارها ندّاً لها، بدلاً من التواضع، والاعتراف بمحدودية القدرة الروسية، في مقابل الهيمنة العسكرية والاقتصادية الأميركية على العالم. وبالتالي، تتجاهل روسيا التي تبحث عن نفوذ وهيمنة على المنطقة، حقيقة عجزها عن الهيمنة على سورية، عبر دعم نظام الأسد، وإخضاع تركيا والمعارضة التي تدور في كنفها إلى اتفاقات أستانة والمصالحات، وعبر توقيع عقود استثمار طويلة الأمد لأهم الموارد الحيوية وللمطارات والطرقات؛ هي عاجزة بحكم الوجود الأميركي شرق الفرات، وفي قاعدة التنف شرقاً، ودعم واشنطن قوات سورية الديمقراطية (قسد) وإدارة ذاتية للمنطقة، والسيطرة على غالبية حقول النفط والثروات الطبيعية والحبوب، ومنعها عن النظام وروسيا، وفاعلية قانون قيصر في منع أيّ حلول روسية منفردة، تتعلق بتعويم النظام من دون تحقيق الشروط الأميركية. إذاً، ليس في مقدور روسيا تغيير هذه الحقيقة بالقوة العسكرية، بل بتوافق دولي، عليها تقديم تنازلات فيه، ومنها إخراج إيران من سورية، والبدء بالحلّ السياسي وفق القرارات الدولية.
هناك علاقات تاريخية قوية بين دول الخليج العربي والغرب الأوروبي وأميركا، ووجود عسكري أميركي بقواعد ضخمة في مفاصل مهمّة تجعل حكومات تلك الدول عاجزة عن التحليق بعيداً خارج السرب الأميركي، باتجاهات فضاءات روسية أو صينية غير مضمونة. وكذلك بالنسبة لتركيا، فإنّها على الرغم من مضيّها في صفقة المنظومة الدفاعية الروسية “إس – 400” وعلى الرغم من جفاء إدارة بايدن لها، فإنّها لا تثق بروسيا بسبب سياساتها الانتهازية في استغلالها المخاوف التركية من خطر التوجهات الانفصالية الكردية شمالي سورية، وكانت ستفضل الحليف الأميركي لولا ذلك.
تفضّل روسيا إبقاء إيران في حلفها، ضدّ رغبة الولايات المتحدة في احتوائها، وهي لا ترغب في مواجهةٍ مع طهران داخل سورية، على الرغم من المنافسة بينهما على الاستثمارات، وفي السيطرة على مفاصل القرار السوري، وهي لا تملك وسائل تحدّ من قوة (وتوسع) إيران وأدواتها على الأراضي السورية، كالحرس الثوري وحزب الله اللبناني، غير السماح للطائرات الإسرائيلية بقصف القواعد العسكرية الإيرانية ومخازن أسلحتها، فالحدّ من النفوذ الإيراني في سورية يحتاج إلى توافق دولي، ولا يبدو أنّ هذه الخطوة ضمن أولويات الغرب، خصوصاً مع تعثر انطلاق مفاوضات فيينا المبدئية مع إيران بشأن برنامجها النووي.
الولايات المتحدة الأميركية راضية، ومشاركة عن بُعد في كلّ خطوات موسكو على الأراضي السورية، من تعزيز قواعدها في الساحل السوري، ومسار أستانة، واتفاقات خفض التصعيد والمصالحة، ومسار اللجنة الدستورية، وملف الجنوب وغيرها، ودعمت تركيا لتعطيل تقدم النظام إلى عمق إدلب. لكنّ واشنطن، أيضاً، سعيدة بحالة الاستنقاع السوري التي تستهلك الروس والإيرانيين والأتراك معاً، وتُضعف سورية دولةً وحكومة، أي لا تتوفر إرادة دولية للحلّ في سورية في الفترة القريبة، وهذا يعني استمرار حالة الاستنقاع، مع استمرار واشنطن في وضع العراقيل في وجه أي تحرّك روسي لفرض حلّ منفرد.
وبخلاصة مكثّفة، كلّ التحركات الدبلوماسية الروسية لبناء تحالفات وتكتلات في المنطقة خطوة فارغة من القيمة الفعلية، ولن يكون لها أثر سوى أنّها ستشكل، في حال نجاحها، بعض الأوراق في يد موسكو، قد تستفيد منها لحظة التفاوض مع واشنطن.
———————
غطرسة السلطة/ نايل شامة
يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد قد انتصر. فهو لا يزال في سُدة الحكم، والنزاع السوري يشارف على الانتهاء، كما تتزايد الجهود المبذولة في العالم العربي لتطبيع العلاقات مع النظام السوري. ومع أن معدّل العنف الممارَس في سورية انخفض على الأرجح بعد عشر سنوات من الدمار، هل من الدقيق القول إن الأسد غيّر أسلوبه في الحكم؟ وهل بدّلت الأحداث الجسام التي شهدتها سورية رؤيته حيال جوهر السياسة؟
للإجابة على هذين السؤالين ، لا بدّ من العودة بأذهاننا إلى الشرارة الأولى للانتفاضات العربية. ففي أوائل العام 2011، وحتى بعد أن نجحت موجات الحراك الاجتماعي، في غضون أسابيع قليلة، في الإطاحة برئيسين سلطويين دام حكمهما طويلًا، أعلن الأسد أن تلك الأحداث لا تؤثّر على سورية. وأخبر صحيفة وول ستريت جورنال أن “سورية مستقرة”، مشدّدًا أن بلاده هي “خارج كل ذلك”، في إشارة إلى ما شهدته تونس ومصر.
ولم تمضِ إلا أسابيع قليلة حتى واجه الأسد انتفاضة سورية أظهرت مدى انفصاله عن الواقع. واليوم، بعد مرور عقدٍ على انطلاق الاحتجاجات في سورية، لا يزال من الجائز التساؤل عن أسباب إغفال الدكتاتور السوري بوادر ضعفه. وتتبادر إلى الذهن عوامل ثلاث تشرح هذا الانفصال.
العامل الأول هو أن عائلة الأسد لم تدرك أن سيطرتها المفرطة أضعفت قدرتها على معرفة الديناميكيات الداخلية للمجتمع السوري، ما أعاق بصيرتها. فالسياسة عملية ديناميكية تنطوي على التعبير والتفاوض والنزاع. وبحلول العام 2011، كان قد مضى على منظومة السيطرة المُحكمة والمعقّدة التي فرضها الأسد الأب ثم الابن أكثر من أربعة عقود، استطاعت خلالها أصابع النظام من التغلغل في جميع جوانب المجتمع. فمن خلال إحكام النظام قبضته على هياكل السلطة والأجهزة الأمنية والأحزاب السياسية والمجالات العامة، وضع كل جوانب السياسة المرئية تقريبًا تحت سلطته الصارمة.
والمشكلة في ذلك هي أن عائلة الأسد لم تدرك أن تقييد الحياة السياسية بهذا الشكل دفع هذه النقاشات إلى أماكن أكثر ضبابية وغموضًا، إذ تحوّلت الآراء والخلافات من السياسات الحزبية والمداولات البرلمانية ووسائل الإعلام إلى أحاديث ونقاشات خاصة كما برزت أشكال خفية من المعارضة. يشير هذا إلى أن الحقائق الصغيرة تعبّر عن قضايا كبيرة، ” فالغمزات يمكن أن تعبر عن نظرية المعرفة وغارات الأغنام قد تعبّر عن الثورة”، بحسب عالم الأنثروبولوجيا الثقافية كليفورد غيرتز. ففي عهد الأسد الأب والابن، كل حذف في الكلام، أو عبارة مجازية، أو إيماءة خيبة، أو زفير للغضب، أو حتى الصمت أصبح أبلغ إنباءً من الكلام للتعبير عن هموم السكان وجذور استيائهم.
لكن بشار الأسد، من علياء قصره المطلّ على دمشق، رأى مشهدًا مختلفًا. فقد قرأ في الصمت ولاءً له، وفي الرقابة الذاتية قبولًا وإذعانًا. وإن دلّت انتفاضة آذار/مارس 2011 على شيء، فإنما دلّت على قراءته المغلوطة للواقع.
يوضح العامل الثاني سبب فشل الأسد في تلمّس المزاج العام السائد في البلاد. فالسوريون لم يخفوا فقط تفضيلاتهم الحقيقية في وجه الضغوط السياسية، بل عمدوا أيضًا إلى تزييف ردود فعلهم في الكثير من الأحيان وتظاهروا بأنهم يدعمون النظام. وقد أطلق الخبير الاقتصادي تيمور كوران على هذه الممارسة اسم “تزوير التفضيلات”، بمعنى تصنّع الابتسامات أو المجاملات في سياق المناسبات الاجتماعية الخاصة. أما في سياق الأنظمة السلطوية، فتأخذ هذه الممارسة أبعادًا أكبر.
من المُلفت أن داعمي الأسد الأب والابن ومنتقديهما على السواء يعتبرون أن النظام السوري شيّد حكمه على استراتيجية الخوف. ففيما أطلق منتقدو النظام على سورية اسم “جمهورية الخوف”، سعى النظام إلى الحفاظ على ما سمّاه “هيبة الدولة”، بما ينطوي عليه هذا المفهوم من قمعٍ ورعب. وبين العامَين 1970 و2011، جرت مأسسة سياسة الترهيب في البلاد. وهكذا، اكتسب السوريون موهبة الصمود والبقاء، مختارين إما السير مع التيار، أو التقوقع على الذات، أو العيش في حالة من المنفى الذهني، أو ادّعاء الولاء للنظام.
وقد أحسن أبو العتاهية، أحد الشعراء المخضرمين في العصر العباسي الأول، توصيف هذا الواقع قائلًا: “وإن ضاق عنكَ القول فالصمتُ أوسعُ”. وهكذا، عاش السوريون في دوامة من الصمت قبل العام 2011. لكن الصمت هو غالبًا علامة الصبر أكثر مما هو علامة الرضا والإخلاص. ولأنه يشكّل عبئًا على كاهل الأفراد، فهو لا يدوم إلى الأبد.
لكن بدلًا من القراءة بين سطور الصمت، انكبّ النظام على تكريس نمط عبادة شخص الرئيس الأسد والتوق إلى حكمه الأبدي تحت شعار “الأسد إلى الأبد”. لكن من السهل رؤية كيف أدّى هذا التزلّف إلى الغطرسة.
أما العامل الثالث فيشير إلى اتّساع هوة التفاوت بين الواقع والخيال مع مرور الزمن. واقع الحال أن نظام الأسد عانى بسبب طول عمره، فحاصره الزمن. فكلما طال بقاء الحاكم السلطوي في السلطة، زاد اعتماده على زمرة من المقرّبين والمتزلّفين الذين يشاركونه آراءه وأوهامه. وهذه الدائرة الضيقة التي يحيط بها الحاكم نفسه تحدّ من انفتاحه وسعة اطّلاعه، فيصبح الواقع بالنسبة إليه أشبه “بالليل الذي تبدو فيه كل الأبقار سوداء”، على حدّ تعبير الفيلسوف الألماني هيغل.
بحلول أوائل العام 2011، كان حافظ وبشار الأسد قد أمضيا 40 عامًا في البرج العاجي. وقد صرّح مستشار سابق لبشار أن الرئيس “يعيش في شرنقة”. وواقع الحال أن بشار ربما لم يكن حتى على دراية تامة بالديناميكيات الداخلية لأجهزة الدولة التابعة له، وخصوصًا الأجهزة الأمنية الجامحة. فحين تحوّلت سورية إلى إرث عائلي أصبحت أقرب إلى الدولة الدكتاتورية المجزّأة، حيث تنتشر فيها الإقطاعيات الشخصية، ما جرّد المؤسسات العامة من الفاعلية والأهمية.
لقد أخذت الانتفاضة الدكتاتور السوري على حين غرّة وجرّدته من هالته، وأثبتت أن السياسة لا يمكن إلغاؤها أو دفنها إلى الأبد. وفي حال كرّر النظام أخطاءه هذه بعد انتهاء الانتفاضة، فستعود أحداث العقد الماضي المريرة لتطلّ برأسها مجدّدًا.
مركز كارينغي للشرق الأوسط
———————————
النظام السوري يحدد 26 مايو موعداً للانتخابات الرئاسية
فادت وكالة أنباء النظام السوري، الأحد، بأن مجلس الشعب حدد يوم 26 مايو/ أيار المقبل موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية.
ونقلت الوكالة أنه سيتم “فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية اعتباراً من يوم غدٍ الإثنين 19 نيسان/ أبريل” وعلى الراغبين تقديم طلبات الترشح إلى المحكمة الدستورية العليا خلال مدة 10 أيام تنتهي 28 أبريل/ نيسان الجاري.
ويأتي قرار إجراء الانتخابات رغم تواصل النزاع العسكري في البلاد، وعدم وجود أفق لحل سياسي مع فشل جميع المفاوضات بين المعارضة والنظام، وتحول أكثر من 10 ملايين من السوريين إلى لاجئين أو نازحين، إضافة إلى أن نحو 40% من مساحة البلاد خارج سيطرة النظام.
وقد نجح رئيس النظام السوري بشار الأسد في جميع الانتخابات التي خاضها منذ توليه السلطة (عام 2000) وريثاً لوالده حافظ الأسد بنسب تفوق 88%.
وتبدو نتائج هذا الاستحقاق محسومة لصالح الأسد في بلد دخل النزاع الدامي فيه عامه الحادي عشر في غياب أي آفاق لتسوية سياسية.
وأعلن رئيس مجلس الشعب حمودة صباغ خلال افتتاح دورة برلمانية استثنائية موعد الانتخابات الرئاسية في الـ26 من أيار/مايو. وحدد موعد الاقتراع للسوريين “في السفارات في الخارج” في 20 أيار/مايو.
ولم يعلن الأسد (55 عاماً)، الذي يحكم البلاد منذ العام 2000، حتى الآن رسمياً ترشحه إلى الانتخابات. وقد فاز، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في حزيران/يونيو 2014، بنسبة تجاوزت 88 في المئة.
ووافق مجلس الشعب في العام 2014 على مرشحين اثنين إضافة إلى الأسد. ولا تتوفر حتى الآن أي معلومات عن أشخاص قد يقدمون ترشيحهم.
وتولى الأسد الرئاسة في 17 تموز/يوليو 2000 خلفاً لوالده حافظ الذي حكم البلاد طيلة 30 عاماً. وفي العقد الأول من ولايته، قاد سياسة انفتاح اقتصادي، إلى أن اندلعت حركة احتجاجات العام 2011 التي واجهها بالقمع والقوة، وتحولت إلى نزاع دام وخسر في سنواته الأولى السيطرة على محافظات بأكملها.
وبعكس العام 2014، وبفضل دعم حليفين أساسيين هما روسيا وإيران، تجري الانتخابات الرئاسية اليوم بعدما باتت القوات النظامية، وإثر هجمات واسعة ضد الفصائل المعارضة، تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد وتضم غالبية المدن الرئيسية مثل حلب وحمص وحماة.
ولن تجري الانتخابات الرئاسية سوى في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية (شمال شرق)، قد توضع صناديق اقتراع في أحياء قليلة لا تزال تتواجد فيها قوات النظام في مدينتي الحسكة والقامشلي، فيما ستغيب الانتخابات عن المناطق الأخرى.
كما لا تعني الانتخابات نحو نصف مساحة محافظة إدلب ومناطق محدودة محاذية لها (شمال غرب)، وتسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، فضلاً عن منطقة حدودية واسعة تسيطر عليها قوات تركية وفصائل سورية موالية لها.
وتنظم الانتخابات الرئاسية بموجب الدستور، الذي تم الاستفتاء عليه في 2012، فيما لم تسفر اجتماعات اللجنة الدستورية، والتي تضم ممثلين عن الحكومة والمعارضة، برعاية الأمم المتحدة عن أي نتيجة.
وتنص المادة 88 من الدستور، الذي تم الاستفتاء عليه في 2012، على أن الرئيس لا يمكن أن ينتخب لأكثر من ولايتين كل منها من سبع سنوات. لكن المادة 155 توضح أن هذه المواد لا تنطبق على الرئيس الحالي إلا اعتبارا من انتخابات 2014.
ومن شروط الترشح للانتخابات أن يكون المرشح قد أقام في سوريا بشكل متواصل خلال الأعوام العشرة الماضية، ما يغلق الباب أمام احتمال ترشح أي من المعارضين المقيمين في الخارج.
ولقبول ترشيحه، يحتاج المرشح تأييد خمسة وثلاثين عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب، الذي يسيطر عليه حزب البعث الحاكم.
دعوة للمقاطعة
وتتزامن الانتخابات مع أزمة اقتصادية خانقة تشهدها سوريا، فاقمتها العقوبات الغربية وإجراءات احتواء فيروس كورونا، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع سوريون كثر، بينهم رجال أعمال، أموالهم.
وترافقت الأزمة مع تدهور قياسي في قيمة الليرة السورية، ما انعكس ارتفاعاً هائلاً في الأسعار. ويعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر. ويعاني 12,4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق برنامج الأغذية العالمي.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، تكثر التحليلات عما إذا كانت سوريا تتجه نحو تسوية سياسية، بعد سنوات لم تحقق فيها جولات تفاوض عدة قادتها الأمم المتحدة أي تقدّم. إلا أنه ليس هناك أي تغير ملموس في الأفق، برغم انفتاح عربي محدود تجاه دمشق، ومحاولات روسيا لجذب الاستثمارات لإعادة الإعمار.
وخلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد إن “هذه الانتخابات لن تكون لا حرة ولا نزيهة. ولن تُكسب نظام الأسد أي شرعية”، و”لا تستجيب لمعايير القرار 2254 الذي ينص على إجرائها بإشراف الأمم المتحدة أو بموجب دستور جديد”.
وفي بيان مشترك دعا وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، التي “لن تؤدي إلى أي تطبيع دولي للنظام السوري”.
وتابع الموقعون أن “أي مسار سياسي يتطلّب مشاركة كل السوريين، ولا سيما (أولئك في دول) الشتات والنازحون لضمان إسماع كل الأصوات”.
وأسفرت أكثر من عشر سنوات من الحرب عن مقتل أكثر من 388 ألف شخص واعتقال عشرات الآلاف ودمار البنى التحتية واستنزاف الاقتصاد ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان.
(وكالات)
القدس العربي
————————-
انتخابات الأسد في 26 أيار..ومهلة الترشيحات 10 أيام
حدّد مجلس الشعب السوري الأحد في 26 أيار/مايو موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية، بدءا من السابعة صباحا حتى السابعة مساء، لتكون ثاني انتخابات صورية تخوضها سوريا خلال سنوات الحرب المستمرة منذ 10 سنوات.
وأعلن رئيس مجلس الشعب حمودة صباغ أيضاً موعد الانتخابات للسوريين “في السفارات في الخارج” في 20 أيار وذلك من خلال الصناديق التي سيتم وضعها في السفارات السورية، “أنّى تسنى ذلك”.
كما أعلن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية اعتباراً من الاثنين. ودعا الراغبين بالترشح لتقديم طلبات الترشيح إلى المحكمة الدستورية العليا خلال مدة 10 أيام.
وقال صباغ: “اليوم نحن أمام الاستحقاق الدستوري الأكثر أهمية، وإجراؤه تعبير صادق عن الانتماء للوطن”. وأضاف “على كل واحد منا المشاركة في هذا الاستحقاق الدستوري لإفشال المخططات التي تستهدف سوريا”.
ويخوض الأسد نزاعاً لتشريع انتخاباته التي يُتوقع أن يفوز بها بسهولة، بعدما أعلنت دول غربية، بينها الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، أنها لن تعترف بالأسد، إلا بعد أن يخوض في عملية سياسية جديدة، تفضي إلى نظام حكم جديد.
وتأتي انتخابات الأسد لتضرب عرض الحائط، باجتماعات اللجنة الدستورية، وكل النداءات لتأجيل الانتخابات، وإتاحة المجال لنقاش دستوري حقيقي، يمهد لتشكيل حكومة تتولى مرحلية انتقالية تنتقل خلالها البلاد من الدكتاتورية إلى نظام ديمقراطي تتمثل فيه غالبية السوريين في الحكم.
————————-
استمارات حزب الله للاجئين السوريين: إخضاعهم قسراً لانتخاب الأسد/ لوسي بارسخيان
على أبواب انتخابات سوريا الرئاسية، يخرج من يزور مخيمات النازحين السوريين في البقاع، بانطباعات عن حجم الخيبة التي يعيشها هؤلاء من عدم تغير شيء في نظام بلدهم، بعد أكثر من ثماني سنوات على هربهم القسري منه.
البحث عن وطن بديل
أن تدعو السلطة نفسها التي هجّرتهم لانتخابات أخرى في سوريا، معناها أنها لن تكون أكثر من “مبايعة” لشخص رئيسها الحالي بشار الأسد. وعليه ليست الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما يقولون، سوى مقدمة لسبع سنوات إضافية يقضونها بعيداً عن سوريا، فيما النظام ماض في قمع شعبه بالداخل والخارج، وفي إبتزاز من يرغب منه بالعودة.
يقول أحدهم: “أنا من الناس الذين دخلوا لبنان في شهر آذار 2011، أي أنني اليوم لا أعرف ماذا يوجد في سوريا، أتيت من حمص، ولم أشارك يوماً في أي مواجهة مع السلطة، وإن كنت قلبياً أرغب بالتغيير في سوريا، ولكن إذا أردت العودة إلى بلدي اليوم، فإنني أعلم أنني سأقع في قبضة النظام وأجهزته بتهمة جاهزة “إيواء إرهابيين”. هم يربطون العودة بلجان المصالحة، فيما مهمة هذه اللجان إخضاع الراغبين بالعودة، وكتم صوتهم نهائياً مقابل استعادة ولو جزء من ممتلكاتهم. ولذلك، يقول، “إذا عاد بشار رئيساً سأبيع ممتلكاتي بسوريا، وحتى لو لم يأوني لبنان، فسأبحث عن أي وطن آخر لي”.
يؤرخ النازحون في مخيمات البقاع للانتخابات المقبلة بكونها الثانية التي تجري في ظل توزع الشعب السوري بالشتات. فمع بداية عهد جديد للرئيس بشار الأسد قبل سبع سنوات، كان عمرُ “هربِ” السوريين من بلدهم لا يزال صغيراً، إلا أن أملهم بقي كبيراً بأن تكون تلك آخر ولاية للنظام الذي هجرهم من قراهم وأراضيهم وبيوتهم. ولكن ذلك لم يحصل. فبعد مئات آلاف الضحايا والقتلى، وأطنان الركام من الممتلكات والمنازل التي خلفتها حرب النظام على شعبه، فقد سوريو المخيمات الأمل بإمكانية عودتهم مجدداً إلى بلادهم.
يقول أحدهم: كنا على مقربة جداً من تحقيق حلمنا بـ”التحرر”. فثورتنا وصلت إلى باب القصر الرئاسي، ولكن تدخل حزب الله ومن خلفه إيران وروسيا وحتى أميركا، أنهك الثورة: “فقتلونا ودمرونا وحاصرونا وأعطونا وعوداً كاذبة”.
إخضاع اللاجئين
وهكذا تراقب مخيمات البقاعين الأوسط والغربي، بصمت “عملية التزوير” الجديدة لإرادة الشعب “برعاية حزب الله في البقاع”، الذي تحول ماكينة انتخابية لبشار الأسد. فأدار محركاته من منطقة بدنايل في بعلبك بما سمي “لقاء حواري” دعا إليه تحت إسم “رابطة العمال السوريين”. وخلص إلى تشكيل لجان ستملأ استمارات إحصائية بأعداد “الناخبين” بهدف تأمين وسائل نقلهم إلى مراكز الانتخابات، وفقا لما ورد من معلومات عن الاجتماع، الذي حضر فيه “بشار الأسد” كمرشح مطلق ووحيد.
منذ قدومهم إلى لبنان، توزع النازحون السوريون بحسب أهوائهم السياسية في المناطق اللبنانية. فحط أبناء الجزيرة والرقة في شمال البقاع أي بعلبك والهرمل، فيما استضافت تجمعات المخيمات في عرسال بالإضافة إلى البقاعين الأوسط والغربي بدءاً من برالياس إلى الفيضة ومجدل عنجر والمرج وغزة وباقي قرى البقاعين الغربي والأوسط، النازحين من مناطق المعارضة السورية أي حمص ومناطق دمشق ودرعا وإدلب وحتى اللاذقية، بحثا عن بيئة أكثر تناغماً مع توجهاتهم.
ومن هنا، تبدو التوقعات واضحة بالنسبة للمقيمين في هذه البيئة المعارضة. لا مشاركة “كبيرة” متوقعة من مخيمات البقاعين الأوسط والغربي في الانتخابات الرئاسية الوشيكة لسوريا. مقابل زحف انتخابي من مناطق بعلبك الهرمل، حيث بدأ حزب الله يعد العدة لتأمين أوسع مشاركة برعايته.
التزام الصمت
برأي أحدهم، فإن من سيلبون الدعوة هم من مؤيدي النظام، الذين وجدوا في وجع الشعب وشتاته فرصة للاسترزاق. وأغلبهم من أبناء الرقة والجزيرة والدير، وخصوصاً من أتقن منهم دور المرتزقة في كل المراحل التي مرت بها الثورة. فتلاحموا مع الجيش الحر، ورحبوا بداعش، ومن ثم ارتموا في أحضان النظام وجيشه. وعندما قيل لهم أن الأكراد يقومون بالتوظيف في مناطقهم، التحقوا بالأكراد للحصول على الرواتب.
أما من لا يريدون النظام ورأسه، فلا مكان لوصول صوتهم. حتى الورقة البيضاء الكفيلة بتبديل معادلة 99.99 بالمئة لن تكون متاحة أمامهم. ولذلك يقول أحدهم “سنلتزم في هذا اليوم بالصمت”، ونعتبر أننا غير معنيين به، وإن كنا في قرارة أنفسنا نتمنى التغيير.
رغم الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا، وتحرر لبنان أقله من وجود الجيش السوري في لبنان، لا يشعر السوريون بأنهم ينعمون بأمان كاف للتعبير بحرية عن رأيهم في انتخابات سوريا ومجمل قضاياها. ولذلك، يتحفظون عن إعطاء أسمائهم عند الإدلاء بأي تصريح، “حماية لأقاربهم المتواجدين بسوريا قبل أن يحموا أنفسهم” كما يقولون.
برأي أحدهم، “العسس موجود في وسطنا، والكثيرون من أبناء المخيمات مطلوبون لدى فروع الأمن في سوريا. ولذلك تجدهم يمتنعون عن السفر إلى بلادهم”. ومن هنا يؤكد بأن التجديد للرئيس بشار الأسد “يعني أن العودة ستتأجل بالنسبة لنا سبع سنوات إضافية. وفي الأثناء حتى أصغر أولادنا لن يعود لديهم أي ارتباط بهذه الأرض. وسيزيد النظام الفجوة بينهم وبين بلدهم”.
وحدة الحال في البلدين
لم يعد الكثير من أبناء المخيمات يبالون بانتخابات أو غيرها في سوريا. برأيهم الأسد سقط فعلياً، ومن يبقيه واقفاً على رجليه هو الصراع الأميركي الإيراني في المنطقة. ويتحدثون عن وحدة حال، تفصلهم عن سوريا بالجغرافيا، ولكنها تفرض عليهم أن يعيشوا ظروفها في لبنان.
الواقع الاقتصادي والمعيشي في البلدين هو واحد من مضاعفات هذه الوحدة، التي لا يعتبر نازحو البقاع أنها ستكون أقل وطأة عليهم في بلادهم.
إلا أنهم يرفضون بالمقابل تحميلهم تبعات الأزمة الكبيرة التي يمر بها لبنان، فيقول أحدهم “صار لنا أكثر من سبع سنوات في لبنان، هل سمع أحدهم بمزاولة سوري لمهنة الطب، أو الهندسة، أو الإعلام وحتى التجارة. كنا عمال مياومين في الحقول وورش البناء ولا زلنا كذلك. والفارق الوحيد أننا كنا في الماضي نعمل هنا لنرسل أموالنا إلى سوريا، بينما نحن اليوم ننفق كل مقدراتنا في هذا البلد”.
لا شك أن “القلة تولد النقار”، إلا أنه برأي نازحي مخيمات البقاع، النقمة على لقمة عيش السوري مصدرها “كراهية” يفتعلها مناصرو النظام تجاه السوريين المقيمين في لبنان، حماية لظهره في سوريا. يتفق بعضهم “أن هناك محاولة لتصوير النازحين بأنهم أعداء لبنان، بينما وجع اللبنانيين والسوريين متأتٍ من طرف حزب الله””، الذي برأيهم “قلب موازين القوى ضد إرادة الشعب في سوريا، ويجر اللبنانيين إلى إرادته، مستنزفاً آخر المقدرات للوصول إلى تسويات لمصلحته. ما يجعلنا بلدين وشعبين في رحمة أنظمة لم تسمع يوماً صوت الناس وأفقرت شعوبها وساهمت بتهديم بلادها”.
————————–
نيوزويك: لماذا يجب على واشنطن الاستمرار في عزل نظام الأسد؟
قال بيتر ميتزغر المساعد الخاص السابق لرئيس شؤون الأمن القومي الأميركي إنه بينما يتركز جل اهتمام المراقبين لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الآن على مساعي إدارة الرئيس جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي “الفاشل” مع إيران يخاطر هؤلاء بفقدان الضغط على حليف رئيسي لطهران في مواجهة الغرب هو النظام القاتل للرئيس السوري بشار الأسد.
وأكد ميتزغر -في مقال له بمجلة “نيوزويك” (Newsweek) الأميركية- أن جهود واشنطن وحلفائها الآخرين في المجتمع الدولي لعزل نظام الأسد عن الاقتصاد الدولي والاستفادة من علاقات دبلوماسية مع قوى إقليمية وعالمية -بما في ذلك جامعة الدول العربية التي تواصل إبقاءه على هامش اجتماعاتها- يجب أن تستمر.
وأضاف أنه سيكون من الخطأ الجزم بأن الولايات المتحدة لم تعد لها أي مصلحة سياسية في سوريا بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2019، وأنه على العكس من ذلك تماما من مصلحة واشنطن مع قرب انتهاء مهمتها ضد التنظيم مواصلة عزل نظام الأسد، والدفع نحو حل سياسي حقيقي للصراع يمنح الكلمة أخيرا للشعب السوري الذي طالت معاناته.
أما إذا ابتعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن سياسة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية الفعالة ضد النظام فإن كفة الميزان ستنقلب مجددا لصالح الأسد.
ويزداد هذا المطلب إلحاحا -بحسب الكاتب- بعد أن دخل الصراع الداخلي في سوريا عامه الـ11 ليتحول إلى أحد أطول الصراعات وأكثرها ترويعا في التاريخ، حيث تسبب في مقتل أكثر من نصف مليون سوري، وفي معاناة إنسانية غير مسبوقة ما زالت مستمرة، فيما لم يظهر الرئيس “المستبد” بشار الأسد أي التزام حقيقي حتى الآن بحل سياسي مدعوم دوليا للصراع.
كما أن نظام الأسد وداعميه الأساسيين -روسيا وإيران- يعملون فقط على تأجيج النزاع وإطالة أمد المعاناة الإنسانية وزعزعة استقرار المنطقة في بلد تتنازع فيه مصالح ما لا يقل عن 6 دول (تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل، فضلا عن روسيا وإيران والنظام السوري).
لذلك لا يمكن -بحسب الكاتب- لأي من النظام أو روسيا أو إيران الادعاء بتقديم حل سياسي فعلي للصراع بينما إستراتيجيتهم هي بالأساس إستراتيجية “استنزاف جيوسياسي”، ولا يمكن أن يكونوا في الوقت ذاته فاعلين شائنين محرضين على العنف وضامنين للحل السياسي.
ففي يوليو/تموز الماضي منعت روسيا والصين تمديد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2504، ولم يتبق سوى معبر حدودي وحيد لإدخال المساعدات الإنسانية من تركيا إلى سوريا، وقد بررت موسكو تصويتها بدعوى احترام “السيادة السورية” متجاهلة المعاناة الإنسانية التي ستترتب على هذا القرار، فيما تواصل آنذاك هجوم قوات النظام على إدلب.
خدعة سياسية
كما تقدم روسيا ونظام الأسد الانتخابات الرئاسية السورية المتوقعة في الربيع المقبل على أنها تستجيب لمتطلبات “انتخابات حرة ونزيهة” امتثالا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي صاغ تصورا لحل سياسي للصراع، لكن الأمر “مجرد خدعة” بحسب الكاتب، لكون النظام السوري انتهك فعليا الشروط السياسية للقرار، وستؤول تلك الانتخابات في ظل غياب إشراف دولي فاعل إلى مهزلة فوز ساحق آخر للأسد.
ويختم الكاتب بأنه بينما ترتب إدارة الرئيس جو بايدن أولوياتها في المنطقة يجب ألا تتناسى الحاجة للمضي قدما في مسار الحل السياسي في سوريا، مؤكدا أن هذا الوقت ليس مناسبا البتة لتغيير نهج واشنطن إزاء النظام السوري الذي يرتكز على توافق حزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين وعقوبات اقتصادية على الأسد وداعميه بموجب “قانون قيصر” الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2019.
المصدر : نيوزويك
—————————-
حزب الله يعتقل ضباطا علويين وميليشيا أسد تستنفر.. ما هي الأسباب وإلى أين تم نقلهم؟
أورينت نت – حسان كنجو
في تغيرات مفاجئة أرجعها مراقبون لصراع النفوذ بين إيران وروسيا في سوريا، أقدمت ميليشيا حزب الله اللبنانية مؤخراً على اعتقال عدد من عناصر ميليشيات أسد وضباطه، بعد توجيه العديد من التهم لهم، من بينها العمالة والخيانة وتسريب معلومات القوات الإيرانية والميليشيات المدعومة من قبلها، في مشهد يعيد للأذهان ما فعلته القوات الروسية مراراً بعناصر أسد وقواته الأمنية.
وفي ظل التصعيد الإسرائيلي على المواقع الإيرانية في سوريا، بدأت إيران تشن حملات اعتقالها بحق عناصر وضباط أمن أسد بتهمة لطالما استخدمتها لإنهاء نفوذ أية رتبة تشكل خطراً عليها وهي (منح الإحداثيات الإيرانية للطائرات الإسرائيلية)، وهي ذات التهمة التي استخدمتها ميليشيا (حزب الله مؤخراً).
ضباط معتقلون بيد قوات النخبة
وقالت مصادر خاصة في حلب لـ أورينت نت، إن “مجموعات تابعة لكتائب الرضوان والتي تشكل (قوات النخبة في ميليشيا حزب الله) والتي تتولى قيادة الميليشيات الشيعية في جنوب وشرق حلب، اعتقلت خلال الشهرين الماضيين العديد من عناصر وضباط أسد بتهم شتى وجهت إليهم من بينها (الخيانة وتسريب الإحداثيات وتسهيل مرور مقاتلي داعش في المناطق الإدارية الواصلة بين حلب والرقة) وغيرها من التهم الأخرى.
وتضيف: “تراوحت رتب الذين تم اعتقالهم من الضباط بين (ملازم ومقدم)، فيما زجت الميليشيا بالعشرات من المجندين والعناصر في سجونها، غالبيتهم ليسوا من (الجيش النظامي)، بل من ميليشيات أخرى في الغالب هي مدعومة روسياً، وهو ما يعيد السيناريو إلى نقطة البداية ممثلة بـ (الصراع الإيراني – الروسي).
ميليشيا الحزب تنقل المعتقلين
صفحة (عين الفرات) نشرت أن ميليشيا حزب الله نقلت معتقلين من قوات أسد لديها، من (سجن المسلخ) التابع لها في معمل السكر شرق حلب نحو مقر قائد الحرس الثوري الإيراني، (جواد الغفاري) في بلدة النيرب القريبة من وسط مدينة حلب، إلا أنها لم تذكر الأسباب لذلك واكتفت بذكر الخبر دون أية تفاصيل أخرى.
ووفقاً للمصادر، فإن عملية نقل المعتقلين، جاءت بعد تلقي الأخيرة تهديدات من ميليشيات أسد الأخرى (المحلية) وأفرعه الأمنية، بتحرير المعتقلين رغماً عنها، سيما أن بعض العناصر المعتقلين لديها هم من أبناء الطائفة العلوية وغالبيتهم ينحدر من قرى العلويين بريفي حماة وحمص، وقد اختارت ميليشيا حزب الله مقر الحرس الثوري في النيرب، لكونه يشكل ثكنة عسكرية كبيرة للميليشيات الإيرانية، حيث تُعتبر المنطقة التي تضم بلدة النيرب ومطارها العسكري المجاور لها ومحيط مطار حلب الدولي أكبر معقل للميليشيات الإيرانية في حلب وريفها، لذا فإن أي هجوم على تلك المنطقة سيتم إحباطه على الفور بدعم من الميليشيات الأخرى المدعومة إيرانياً.
تنقلات ميليشيات إيران مستمرة
وأواخر الشهر الماضي، أفرغت الميليشيات الإيرانية مخازن ومستودعات عسكرية بريف حلب الجنوبي ونقلتها إلى القرى والبلدات الواقعة هناك، وقد اعتمدت في ذلك على المنازل إما الفارغة أو التي تم الاستيلاء عليها بالقوة بدعاوٍ شتى، حيث عمدت تلك الميليشيات، لإفراغ المستودعات ونقلها إلى أماكن أخرى بذريعة تصدع البناء الخاص بها بسبب القصف الجوي الإسرائيلي الذي طالها في وقت سابق”.
وقد أكدت مصادر لـ أورينت نت، أن عمليات النقل تمت أيضاً في ريف دمشق، حيث نقلت إيران كميات كبيرة من السلاح بما في ذلك رشاشات متوسطة وثقيلة وصواريخ متوسطة المدى من مواقعها في جمرايا والكسوة باتجاه مدن الغوطة الشرقية كـ (المرج وحرستا)، حيث ومن وجهة نظر إيران فإن مواقعها باتت مكشوفة ومعروفة وهو ما يجعل استهدافها سهلاً بسبب وقوعها في مناطق (خالية من السكان)”.
——————————–
هل تولد استراتيجية جديدة للتعامل مع الأسد/ إبراهيم الجبين
لا يمكن للنشاط الكثيف الذي تشهده الساحة السياسية السورية في الآونة الأخيرة، لاسيما بعد انسداد أفق التفاوض، إلا أن يفضي إلى تصوّرات جديدة عن حل النزاع الذي يدخل عامه الحادي عشر مخلّفا شروخا هائلة في المسألة السورية برمّتها، الدولة وهويتها والمواطنة والدور التاريخي والمستقبلي..
تكثر المشاريع السياسية الجديدة، وتتوالد الأفكار حول الهاجس ذاته؛ معارضة سورية موحّدة تواجه نظاما برهن طيلة الأعوام الماضية على قدرته على التماسك رغم الضربات التي تلقّاها، ورغم انحساره عن ثلثي الأراضي السورية، قبل أن تنجح سياساته البراغماتية في استرجاعها مستعينا بالروس والإيرانيين والميليشيات من كل حدب وصوب. ولن يجدي نفعا ترداد المعارضين القول إنه لم يستعد توازنه بمفرده، ففي الحُكم وضروراته، تكون المآلات هي المقياس لا كيفية الوصول إليها.
وقد بدا المشهد، الذي سرّبته مؤخرا منابر النظام السوري عن احتفال بعيد جلاء الفرنسيين عن سوريا الذي يصادف السابع عشر من أبريل كل عام وأقيم في قاعدة حميميم العسكرية التي يسيطر عليها الروس وبمشاركتهم، مشهدا يفصح عن الكثير. وآخر ما يمكن أن يقرأ المرء منه، الرغبة الروسية بالتعبير عن الانتصار على الغرب الذي تمثّله أوروبا وفرنسا التي غادرت سوريا قبل عقود.
أبعد من ذلك يريد الروس أن يرسّخوا ما تمكنوا من إقناع الولايات المتحدة به في جنيف، عبر البيان الشهير الذي استبدل ردّ الفعل الدولي حيال استخدام السلاح الكيميائي من قبل الأسد ضد المدنيين، بحل سياسي لا بديل عنه، ولا سبيل إليه.
ما يحتفل به الأسد حقا، نجاحُه في تحويل الانتفاضة الإصلاحية السلمية إلى “حرب أهلية”، وسيحتج المعارضون السوريون مجددا على تعبير “حرب أهلية”، بحكم ما يعنيه ذلك من استحقاقات وتبعات قانونية تختلف عما يرون أنه قد حصل في بلادهم.
الواقع الجديد الذي خلقه نظام الأسد، حين كرّس أن ما يجري في سوريا هو حرب أهلية يتجسّد أولا بتحويله للحالة السورية من ميدان جدل سياسي من أجل التغيير، إلى ساحة حرب على الإرهاب الذي كان هو شخصيا يطالب الغرب بتعريف محدّد له، لتمييزه عن المقاومة وغيرها، حرب تسببت بفوضى شاملة ومدمّرة، وبات هو طرفا فيها لا مركزا للقرار، فوضى تسلّلت إليها مشاريع متطرفة من كل حدب وصوب، وجدت في سوريا بيئة ملائمة. وبنزعه للصبغة السياسية من المشهد، أصبح الأسد قادرا على الاستمرار بحظر أي نشاط مناوئ له على الأراضي التي يسيطر عليها، فكل من يخالفه في الرأي حول حملته العسكرية هو بالضرورة يناصر الإرهاب الذي يتهدّد الدولة وأمنها. كما تمكن من استدراج القوى الداعمة له إلى رقعة حربه، وهو يدرك أكثر من الجميع أنها غير قادرة على البقاء إلى الأبد، لأن العالم تغيّر ولم يعد الغزو والاحتلال والاجتياح الخارجي قابلا للعيش وسط منظومة دولية مستقرة، على الأقل شكليا. ولا حاجة إلى التذكير بأن آخر احتلال عسكري رسمي لدولة لأخرى كان احتلاله للبنان وانسحابه منه بإجماع دولي وتحت التهديد.
أخطر ما يملكه الأسد، هو معرفته الدقيقة بكون نظامه ضرورة عضوية، سواء في الإقليم أو على المستوى الدولي. فتقديمه لسوريا كبوابة أمام كل الدول الطامحة إلى بسط نفوذها أمرٌ لا تريده دول الإقليم. وسوريا بفعل عوامل عديدة، لم يكن الأسد بعيدا عن تركيبها، استُعملتْ من قبل الأميركيين، وبجدارة، وحسب تعبير وكالة الاستخبارات المركزية كـ”مصيدة للذباب” لاستقطاب المشاريع المتشدّدة، من جهة، ومن جهة أخرى، كنقطة ارتكاز لإعادة تشكيل الخطر الأوراسي في الخارطة الدولية، روسيا والصين بالطبع، ويجري على ظهر الملف السوري استدراج تلك القوى إلى معادلات وحسابات في نقاط توتر عديدة في العالم، تبدأ بأوكرانيا ولا تنتهي في بحر الصين وحرب الغاز التي تدور في أوروبا بهدوء. أما إيران في حسابات الأسد، فهي ورقة للتفاوض أكثر منها حليفا داعما.
وسط هذا كلّه، فكّرت جهات معارضة تقيم في الداخل السوري، بإحياء مشروع قديم، تأسس في العام 1979، ولم يكتب له الاستمرار، قاده المفكر السوري الراحل جمال الأتاسي، وكان يحمل اسم “التجمّع الوطني الديمقراطي” الذي ضمّ العديد من أطياف المعارضة السورية، غالبيتها جمعها الفكر القومي العروبي.
من هنا ولدت فكرة عقد مؤتمر لتأسيس جبهة وطنية ديمقراطية، أطلقت على نفسها اختصارا اسم “جود” ترعاها هيئة التنسيق الوطنية بقيادة المعارض المخضرم حسن عبدالعظيم والعديد من التيارات والقوى السياسية السورية المتباينة الأهداف والتوجهات. اضطرت من أجل تلصيق تفاهماتها إلى أن تعلن اعترافها بحقوق قومية للأكراد وغيرهم من القوميات التي تعيش في سوريا، لتتجاوز تلك الأحزاب صلاحياتها وتقفز فوق أي دستور سوري، سابق أو مستقبلي، يعترف بالمواطنة للجميع لا بالحقوق العرقية والطائفية لأحد.
منعت أجهزة النظام “جود” من عقد مؤتمرها في دمشق، بعد الدعوة العلنية إليه وتحديد موقعه، مع أن عبدالعظيم أكّد أن الهدف من المؤتمر الدعوة إلى الحلّ السلمي، وفتح آفاق جديدة وصولا إلى الحل السياسي التفاوضي، وتنفيذ القرار 2254 كمشروع جدول أعمال لبيان جنيف، وبالتنسيق مع القوى السياسية.
واشتكى عرّاب المؤتمر من أنّ زملاءه فوجئوا بالتطويق الأمني لعناصر النظام لمحيط الفندق الذي كان سيعقد فيه، وتم منع القيادات المعارضة من الوصول إليه.
الحادثة كشفت عن حقيقة جديدة، فالمعروف أن هيئة التنسيق تعمل في دمشق برعاية روسية، وبضمانات من موسكو بعدم تعرّض الأجهزة الأمنية السورية إلى أي من أعضائها، رغم أن الأمر تم اختباره لمرات، ونتج عنه اعتقال شخصيات هامة من قيادة الهيئة مثل الطبيب عبدالعزيز الخير رئيس مكتب العلاقات الخارجية فيها الذي ألقت المخابرات السورية القبض عليه إثر عودته إلى دمشق من الخارج، وكذلك أمين سرّ الهيئة رجاء الناصر، بالإضافة إلى حوادث أخرى مشابهة.
الاختبار الجديد الذي تمثّل في منع عقد مؤتمر “جود”، رسالة من النظام السوري إلى الروس، أكثر منه رسالة إلى معارضة الداخل التي تدرك أنه لا يمكن لأي عمل سياسي أن يرى النور، مادام ضباط المخابرات السورية لا يزالون يستدعون قيادات تلك المعارضة ويناقشون معها الخطوط الحمراء التي لا يُسمح لأي نشاط بتجاوزها.
المعادلة تتغير من حول المعارضة السورية، وثباتها على مطالبها لا يشبه عناد الأسد في الإصرار على البقاء، والعالم والإقليم لن ينتظرا إلى الأبد، فالمعارضة من جانبها باتت تميل إلى الجمود وقلّة الحيلة، بينما الأسد يغلق الباب كلّ مرّة ليدلّ الجميع إلى طريق وحيدة يمكن المرور منها نحو الحل، طريق تمرّ عبره هو دون سواه، بعيدا عن أي قرارات دولية أو اتفاقات أو حديث عن محاسبة، وهو يراهن على العاملين اللذين بقيا دوما يعملان لصالحه وينقذانه من جميع المآزق التي وقع فيها سابقا، والمفقودين من جميع استراتيجيات المعارضة السورية؛ الزمن وخلق الحاجة.
كاتب سوري
العرب
———————–
رامي الشاعر ينتقد إعلان بشار الأسد إجراء انتخابات مجلس الشعب.. وهذا ما قاله عن رياض حجاب!
كشف الصحفي رامي الشاعر أن نظام الأسد لا يعتزم القيام بأي مبادرات أو إجراءات فعلية تشير لنواياه لتحمل مسؤولية الوضع الراهن.
وقال الصحفي المقرب من روسيا بمقال رصدته الوسيلة إن عامة السوريين تنتظر البدء بعملية الانتقال السياسي السلمي والتخلص من الفقر والجوع.
ورأى أن إعلان الاسد موعد انتخابات البرلمان يعد تجاهلا لكل ما يبذل من جهود للمساعدة لعملية بدء المسار التنفيذي للقرار 2254.
وأضاف أن هذه الانتخابات، لن تعني للشعب السوري أي شيء، فغالبية الشعب لم يعد يثق بالنظام، بوضعه وبشكله ونهجه وآلياته.
وانتقد الشاعر النظام الذي يخفي مصير رئيس وزرائه ولا أحد يعرف عن أسباب وتفاصيل إقالته شيئاً.
كما أشار إلى أنه لايمكن الوثوق بنظام يتركه رئيس وزرائه (رياض حجاب) ليتابع “النضال”، لا من أراض سورية بل من أروقة فنادق فخمة بالخارج.
وتحدث عن فقدان النظام ثقة الشعب الذي غص بالرشاوى والفسـ.اد والنهـ.ب والمحسوبيات والتشبـ.يح.
ولام الشاعر المعارضة التي لا تتخذ موقفاً مبدئياً موحداً يعلي من شأن السوريين.
وأكد أن النظام السوري والمعارضة الموزّعة بين تركيا والسعودية، يشتركان برغبتهما بحدوث شرخ بالعلاقات الروسية التركية، والروسية الإيرانية.
وتابع أن هدفهما نسف مسار أستانا حتى يتخلص النظام من استحقاقات القرار 2254، وتتخلص المعارضة من دور أستانا أملا بدعم واشنطن.
وأردف أن لا النظام ولا المعارضة يكلّف أحدهم عناء التفكير فيما يمكن أن يكلفه ذلك من ضحـ,ايا ود,مار ما تبقى من سوريا.
—————————–
الرسائل الروسية من إعلان النظام السوري موعد الانتخابات الرئاسية/ فراس فحام
يستعد النظام السوري لإجراء انتخابات رئاسية شكلية، ستفضي في نهاية المطاف إلى نجاح “بشار الأسد” لفترة رئاسية جديدة، وذلك بعد ضبابية في المشهد وتكهنات باحتمالية أن تقوم موسكو بتأجيل الانتخابات أو إلغاءها.
لم يعد سراً أن روسيا صاحبة تأثير كبير في قرار النظام السوري، خاصة فيما يتعلق بالمسار السياسي وما يتفرع عنه من قضية اللجنة الدستورية والانتخابات الرئاسية، ولهذا لا يمكن قراءة إعلان البرلمان التابع للنظام السوري مؤخراً عن تحديد موعد الانتخابات الرئاسية بمعزل عن الرغبة الروسية ودوافع موسكو الكامنة وراء هذا الإعلان ورسائلها الموجهة إلى الفاعلين الدوليين.
بعيد وصول “جو بايدن” إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية، بات يتضح بشكل تدريجي توجهات الرئيس الديمقراطي لمواجهة النفوذ الروسي المتنامي، وظهر هذا أولاً من خلال إعادة التوازن للعلاقات مع الحلفاء الأوروبيين، وإعطاء أهمية أكبر لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، ثم إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا التي تعيش على صفيح ساخن.
ودشنت واشنطن قبل يومين حملة طرد واسعة لدبلوماسيين روس من على الأراضي الأمريكية، شاركت فيها دول أوروبية أخرى مثل “التشيك”.
وعلى عكس التكهنات بأن تسود التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا في ظل الإدارة الديمقراطية التي يرأسها “بايدن”، فإن الأمور تبدو تميل للهدوء الذي لم يعكره حتى اللحظة أي تصعيد سياسي حقيقي يذكر، بل إن واشنطن أكدت مراراً أنها تقف إلى جانب تركيا في ملف إدلب، وهذا أيضاً يعد بمثابة مؤشر على تركيز واشنطن على مواجهة النفوذ الروسي كأولوية، وبالتالي عدم رغبتها في استفزاز أنقرة ودفعها باتجاه موسكو.
على الجانب الآخر لم تتمكن موسكو من إحداث اختراقات مهمة مع الدول الغربية وتركيا فيما يتعلق بالعملية السياسية وفق الرؤية الروسية القائمة على فكرة كتابة دستور جديد، ثم فتح الباب أمام انتخابات رئاسية لا يستثنى منها “بشار الأسد” تفضي في نهاية المطاف إلى الإقرار بالنفوذ الروسي كأمر واقع، واستقطاب رأس المال للانطلاق في عملية إعادة الإعمار، بل سارعت واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية وعلى رأسها “باريس” و “برلين” إلى رفض الانتخابات التي سيديرها النظام السوري، وطالبت بشكل واضح بعملية انتقال سياسي حقيقية.
ورغم الضغوطات التي مارستها “موسكو” فإنها لم تنجح في استصدار موافقة من تركيا على فتح معابر بين شمال غرب سوريا والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بهدف خلق رئة تنفس للحاضنة التي يمارس النظام حكمه عليها.
في ظل هذا التصعيد الحاصل بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والذي تحتضن أوكرانيا أبرز محطاته، والتحركات الأمريكية الهادفة إلى الضغط على النفوذ الروسي بما في ذلك سوريا، يبدو أن “موسكو” تريد من خلال دفع النظام السوري للإعلان عن موعد الانتخابات إبداء تمسك بـ “بشار الأسد”، وعدم المرونة في التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وهذا سيكون له تداعياته على الدول المختلفة خاصة التي تتحمل عبئ الأزمة الإنسانية مثل الاتحاد الأوروبي وتركيا.
لا تقتصر الرسائل الروسية المتضمنة التأكيد على صلابة الموقف في سوريا على تحديد موعد الانتخابات، بل تخطتها إلى الإعلان الروسي عن إنشاء غرفة عمليات مشتركة مع إيران والنظام السوري لتأمين تدفق آمن للنفط والقمح إلى الموانئ السورية، في خطوة تهدف إلى التأكيد على دعم استمرار “الأسد” الذي بات مؤخراً مهدد من حاضنته الشعبية ذاتها بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والمعاشية.
غرفة العمليات التي أعلنتها موسكو تحمل بشكل ضمني تلويح بالتمسك بالتحالفات التقليدية، وعدم الرغبة في العمل على حد النفوذ الإيراني طالما أن النفوذ الروسي هو المستهدف.
ويمكن القول أيضاً أن تمرير روسيا لإعلان النظام السوري لموعد الانتخابات يصب في دعم الرؤية الإيرانية التي تتبنى فكرة إجراء الانتخابات، وهذا التماشي مع الطرح الإيراني ما كان ليحصل لو أن موسكو حصلت على مكتسبات مهمة من الفاعلين الدوليين، حيث أن روسيا كانت تعرض قبل فترة على المعارضة السورية وبعض الدول أن يتم تأجيل الانتخابات مقابل التفاعل مع العملية السياسية التي تطرحها موسكو.
خلاصة القول: منذ أن خسرت روسيا ليبيا مع تدخل الناتو وإسقاط القذافي، حرصت موسكو على استمرار بقاء “بشار الأسد” في حكم سوريا، وذلك لرغبتها في الحفاظ على مصالحها في منطقة المتوسط، ولا ترغب روسيا أن تفرط بورقة “الأسد” وما يمثله من “سلطة شرعية” من وجهة نظرها، إلا في حال ضمنت تعاون دولي أكبر معها بما يتيح لها الفرصة لترتيب المشهد السياسي السوري بما يحقق لها مصالحها، وهذا يعني أن الصفقة المناسبة لموسكو لم تأتي بعد.
رئيس تحرير موقع نداء بوست
نداء بوست
———————-
موسكو تفكر بمخرج من ورطتها في سورية/ الدكتور محمود الحمزة
نعم إن موسكو تفكر بجد بالخروج من المستنقع الذي غرقت فيه في سورية، فليس لديها خيارات مريحة ومشرفة مادامت مستمرة بسياستها التي تمجد بالديكتاتور والمستبد وتغض النظر عن الشعب وطموحاته وتضحياته ومآسيه، التي كان نظام الطاغية الأسد وحلفائه السبب وراءها.
ولكن قد يكون التوتر الكبير بين موسكو والدول الغربية والتصعيد العسكري في شرقي أوكرانيا، واحتمال انفجار الوضع والذي سيكون كارثيا على روسيا وأوكرانيا، وقد تكون العقوبات الغربية المتلاحقة والضغوطات الهائلة على روسيا، وتردي الوضع الداخلي في روسيا، أو التحالف الصيني الإيراني طويل الأمد الذي يقلل من فرص موسكو الاقتصادية والجيوسياسية، أو إمكانية إعادة الاتفاق النووي مع إيران، بعد وصول الديمقراطي بايدن الى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تخسر ها موسكو كحليف لها، لأن ايران ستفتح صفحة مع الغرب على حساب علاقاتها مع موسكو. كل ذلك قد يكون سببا في تنازلات سياسية ستقوم بها موسكو لحفظ ماء الوجه في سورية.
الوقت كالسيف وموسكو تبحث ليلا نهارا عن بصيص أمل للإيحاء للعالم بأن عملية سياسية بدأت في سورية. فعندما اخترعت قصة اللجنة الدستورية أولاً ، في مؤتمر سوتشي 2018 في كرنفال هزلي سمته مؤتمر الحوار السوري السوري، حيث تمخض الفيل وولد فأراً. وكانت تلك لعبة خبيثة قلبت الأولويات الواردة في القرارات الدولية حول سورية. والتفت على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 وتشكيل هيئة حكم انتقالية تقود المرحلة الانتقالية وتنهي مأساة السوريين. ومن المؤكد أنه لا حل للمشكلة في سوريا بطرق ترقيعية ولن يحدث استقرار وأمن في سورية بوجود عصابة مارقة مجرمة في السلطة.
الروس، للأسف، ما زالوا يفكرون بطريقة خاطئة واضعين نصب اعينهم اجنداتهم الخاصة ، التي يظنون أنها مرتبطة بنظام العصابة الاسدية، دون أي مراعاة لمصلحة السوريين.
ونشهد مؤخراً نشاطا ملحوظاً للدبلوماسية الروسية. ففي شهر مارس/آذار زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دول الخليج (الإمارات والسعودية وقطر) وبذل جهودا كبيرة لإقناع قادة تلك الدول بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد المجرم وإعادته إلى الجامعة العربية، وكأن موسكو تريد مكافأته على جرائمه أو تريد تلميع صورته وتبرئته. وقد يكون لافروف قد قال لدول الخليج بأنكم يجب ان تعيدوا الاعتبار للأسد لكي نقنعه بالتنازل والتعاون في تفعيل اللجنة الدستورية وهذا عذر اقبح من ذنب (مثلما ما اقترح مركز كارتر المعروف بتعاطفه مع نظام الأسد المجرم حيث طرح مؤخرا فكرة أنه يجب التعاون مع النظام لإقناعه على تفعيل اللجنة الدستورية والقيام بخطوات سياسية)، لكن الأسد لن يتعاون ولن يغير موقفه المافيوي وهو أصلا ليس لديه خيارات سوى الاستمرار بالحل العسكري. فالحل السياسي سيقضي على بشار وشبيحته.
أما موسكو، فيقتضي العقل والمنطق، ويبدو أن سياسة الأنظمة الشمولية ليس فيها منطق ولا عقل، بأن تعيد النظر في سياستها في سورية وتدرك أن الاستمرار بالدفاع عن الأسد ونظامه المهترئ هو رهان خاسر.
ذهب المبعوث الخاص للرئيس الروسي الى سورية الكسندر لافرينتيف إلى الرياض قبل زيارة لافروف بيوم واحد والتقى بولي العهد السعودي وهو اليوم زار دمشق بشكل مفاجئ . اما لافروف سيتابع لقاءاته املتعلقة بسورية بالدرجة الأولى ويلتقي بوزير الخارجية الإيراني قريبا ثم يذهب للقاهرة ليلتقي بالأمين العام للجامعة العربية وسيبحث معه عودة نظام الأسد الى الجامعة.
وهناك من يعتقد أن لافرينتيف جاء الى دمشق ليضغط على الأسد ليتعاون في اللجنة الدستورية أو ليؤجل الانتخابات الرئاسية المقررة بعد شهرين تقريبا، والتي ينتقدها كل العالم، ويبدو ان موسكو تدرك بأن اجراء الانتخابات التي يريد بشار تثبيت نفسه لسبع سنوات أخرى ليظهر أمام العالم كأنه شرعي ، فإن موسكو تدرك أن بشار فقد أوراق بقائه بسبب فشله في إدارة البلاد وبسبب الفساد والنهب الذي دمر الاقتصاد السوري واوصل البلاد الى وضع كارثي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والذي تجلى في الارتفاع الجنوني للأسعار وغلاء المعيشة، حيث انخفضت الليرة مئات الاضعاف ويعيش السوريون بظروف كارثية متشابهة في كل انحاء سورية الموزعة تحت سيطرة قوى الأمر الواقع من نظام وميليشيات طائفية وارهابية ومن فصائل تنسب نفسها للمعارضة ودول محتلة.
ولا ننسى أن الشعارات والمبادئ في السياسة تنقلب بين ليلة وضحاها. فروسيا التي تمسكت بنظام الأسد واستماتت بدعمه وتبرئته من كل الجرائم والدفاع عنه في مجلس الأمن ودعمته اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، قد نجدها غداً تتخلى عن الأسد وذلك بإخراجه من المشهد السياسي بطريقة ما، لأن روسيا جاءت الى سورية وتدخلت بكل قوتها ليس لسواد عيون بشار أو حبا بالنظام، بل من أجل مصالحها الخاصة، وعندما تجد خطرا على تلك المصالح فإنها ستقوم بتدوير الزوايا.
ويرى بعض الخبراء أن موسكو تجازف بمصالحها، فالوقت ليس لصالحها، لأن الحرب انتهت ويجب البدء بالعملية السلمية في إعادة الإعمار ولكن كيف يمكن بناء سوريا مع نظام تلطخت ايديه بدماء السوريين، وتحولت البلاد إلى قنابل موقوتة زرعتها سلطة المخابرات والنظام الطائفي والميليشيات الإرهابية من داعش وجبهة النصرة وقسد، الذين عزفوا على وتر الدعاية الاسدية في زرع النعرة الطائفية والقومية والانفصالية.
سورية اليوم جريحة ويجب ترميم جراحها بإزالة أسباب الكارثة من جذورها. فلا يمكن تلميع صورة المجرمين الذين تسببوا بقتل أكثر من مليون سوري ومئات الالاف من المعتقلين تحت التعذيب، وتهجير ثلثي سكان البلاد وتشريد ملايين الأطفال واغلبهم أصبحوا معاقين واميين وتدمير ملايين المنازل بالقصف الجوي بالبراميل بمساعدة روسيا.
اليوم تقف موسكو أمام تحدي مصيري حول وجودها في سورية. فإما أن تدرك أن استقرار البلاد مرتبط برحيل الأسد وشبيحته وإما فهي تلعب بالنار وكما يقول المثل لا تلعب بالنار تحرق أصابيعك.
هناك من يرى بأن موسكو تطبخ طبخة سياسية لسورية بالتعاون مع قوى دولية وإقليمية، ونتمنى أن تكون الطبخة نظيفة تهدف لتحقيق حل سياسي مقبول للسوريين.
ولكن بالرغم من أن موسكو وواشنطن وعواصم إقليمية تفكر بمخرج من المستنقع السوري، فإن السوريين امامهم واجب مقدس وهو تجميع القوى وتوحيد الصوت الوطني المستقل لكي يعرف العالم بأن الثورة حية لم تموت، وأن الشعب الذي قدم ملايين الشهداء والضحايا وفقد كل شيء إلا كرامته لن يتراجع ولن يفرط بمطالبه. وستنطلق الثورة من جديد لأن ظروف الثورة، نضجت في الداخل من جديد بعد عشر سنوات من الصراع مع نظام مافيوي قاتل، أراد الحفاظ على السلطة، فوجد نفسه حاكما في بلد مدمر ودولة فاشلة وشعب جائع.
وأود التذكير بنداء الأستاذ ميشيل كيلو (شفاه الله واعاده لنا سالما) بأن السوريين اليوم كلهم أمام تحدي ويجب أن يترفعوا عن خلافاتهم وتناقضاتهم ويتمسكوا بالموقف الوطني الجامع لإنقاذ سوريا وشعبها من الكارثة، والحفاظ على استقلالها ووحدتها وذلك بالاستمرار في الكفاح لإسقاط نظام الأسد المجرم.
لا يوجد في سورية حل إلا باقتلاع جذور هذه العصابة فسورية للسوريين وليس لآل الأسد. ويجب على العصابة أن تدفع الثمن عما ارتكبته ايديها من جرائم بحق السوريين اخرها اذلالهم وتجويعهم، بينما الأسد وشبيحته ينعمون بالعيش الرغيد ويلعبون بالمليارات.
نريد سورية حرة كريمة دولة مدنية ديمقراطية تعددية.
——————————
صحيفة عبرية: هكذا يحقق الأسد “فوزاً عظيماً” على “المجهول” قبل إجراء الانتخابات!
ستجرى الانتخابات الرئاسية في سوريا الشهر المقبل، ولكن لا توجد حتى الآن حملة انتخابية في وسائل الإعلام أو في الشوارع، وليس واضحاً أيضاً ما إذا كان التصويت سيتركز في سؤال “بشار الأسد – نعم أم لا؟” أم سيظهر اثنان أو ثلاثة مرشحين آخرين يمنحون التصويت نكهة ديمقراطية مزعومة.
من يمكنه أن يتنافس؟ يجب أن يكون ابن 40 على الأقل، ويحمل الجنسية السورية من جهة الأبوين، بلا ملفات جنائية، وغير متزوج من مواطنة أجنبية، ويجب أن ينال أيضاً تأييد 35 نائباً برلمانياً في دمشق، ويثبت أنه سكن في سوريا في العقد الأخير. هكذا يسد الطريق مسبقاً على المعارضة، وعن ترشح الفارين من حرب السلطة ضد مواطنيها. وتصف المعارضة السورية هذه الشروط كـ “نكتة بائسة”. وبالتوازي، يضيف سفير سوريا في موسكو رياض حداد، بأن الانتخابات ستجرى هذه المرة “بشكل مفاجئ”، بسبب كورونا ولا يوجد بعد موعد ملزم.
الأسد نفسه لم يعرض بعد ترشيحه على الإطلاق، ولكنه يعتزم الفوز بعظمة. هذه ستكون ولايته الرابعة، رغم أن الدستور يقيدها بولايتين فقط. ووفقاً لكل المؤشرات، تقررت النتائج منذ الآن في مشاورات سرية مع روسيا وإيران، التي تنشغل الآن في المفاوضات الأولية مع الولايات المتحدة.
الرئيس بايدن لا يهتم بسوريا بحد ذاتها؛ فبتقدير محافل استخبارات أمريكية، إذا ما تحققت نتائج إيجابية مع إيران، فستهدأ سوريا وحزب الله في لبنان. ونشأ على هذه الخلفية قاسم مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وروسيا: كل واحد منهم، لأسبابه، معني بتواصل الحكم السوري، بلا مفاجآت.
من ناحية إسرائيل، يعد الأسد أفضل الشرور، وإذا كانت تريد مواصلة الهجوم على سوريا على قواعد عسكرية إيرانية، فالأفضل لها بقاء الرئيس المعروف وألا تنشب ثورة مضرجة بالدماء تؤدي إلى تدخلات أقوى من جانب روسيا وإيران وتركيا. نعم، تركيا قلقة بالتأكيد، وأردوغان يعد كمن من شأنه أن ينزل أمراً بغزو عميق.
بالإجمال، يشعر الأسد بالارتياح. ينكشف نشاطه الخاص في تقويمات الوضع؛ فعندما لا ينجح مع الإيرانيين، يتوجه إلى رجل الاتصال الروسي، وإذا لم يحصل على ما يريد من الروس يجلب إليه رجل الاتصال الإيراني الذي يتصل بخامينئي في طهران. روسيا، بعد خمس سنوات لها في سوريا تمنع حكم الأسد من الانهيار، وإسرائيل لن تنفذ هجوماً واسعاً قد يخرق هذا التوازن. وبالمقابل، لا يحق لسوريا العودة إلى حضن العالم العربي، ولكن ثلاث إمارات في الخليج الفارسي – عُمان، وأبو ظبي، ودبي – بعثت ببرقيات تهنئة للأسد، وتمنت يوم استقلال سعيد في “عيد الجلاء”، إحياء لذكرى خروج الفرنسيين من سوريا.
ويتبقى موضوع أخير: الأسد ومساعدوه الكبار يتجاهلون مشكلة اللاجئين السوريين: فما لا يقل عن 5.5 مليون لاجئ يتواجدون في تركيا، والأردن، ولبنان وومصر، مسجلون كمواطنين في دولتهم ولا يحلمون بالعودة طالما بقي بشار وأخوه ماهر يديران الحكم بوحشية. وتلوح على هذه الخلفية ظاهرة مذهلة لآلاف اللاجئين الذين يتوجهون لإسرائيل ويطلبون “خذونا”. قصة المرضى السوريين الذين تعالجوا عندنا صار لها جناحان وأنبتت أملاً، ولكن إسرائيل تصر على الرفض في هذه الأثناء.
بقلم: سمدار بيري
يديعوت 20/4/2021
القدس العربي
—————————-
المعارضة السورية ومراقبون عن الانتخابات الرئاسية: استنساخ مسرحية 2014/ جلال بكور
ترى المعارضة السورية ومراقبون، أن ما يجريه النظام السوري عبر مؤسسات الدولة التي يسيطر عليها في سورية من أجل إقامة انتخابات رئاسية الشهر المقبل، ما هو إلا مسرحية تعيد ما حدث في عام 2014 حيث يظهر مرشحون لمنافسة بشار الأسد في الانتخابات على “كرسي” الرئاسة، دون رصيد شعبي أو سياسي حقيقي.
ولعل الإعلان المتأخر من النظام لإجرائه الانتخابات في أيار المقبل كان بدفع روسي وصمت إيراني، فيما رأى الائتلاف السوري المعارض – هو أبرز تشكيلات المعارضة السورية – في بيان له أن ما يجري من قبل النظام وحلفائه والتخطيط لـ “مسرحية انتخابات” “مهزلة صريحة”، مضيفاً أن “نظام الأسد يمتلك أسوأ سجل في حقوق الإنسان، ويتربع في قاع مؤشر الحرية على مستوى العالم، ولم يقم بإجراء أي عملية ديمقراطية نزيهة منذ استيلائه على السلطة بانقلاب عسكري”.
وحتى يوم أمس، أعلن رئيس “مجلس الشعب” التابع للنظام، حمود صباغ، تقديم شخصين طلب ترشيح لخوض الانتخابات، فيما لم يعلن النظام بعد مرشحه بشار الأسد.
وبحسب رئيس “مجلس الشعب” التابع للنظام، فقد تقدم كل من عبد الله سلوم عبد الله ومحمد فراس ياسين رجوح بطلب ترشيح إلى منصب رئيس الجمهورية، وعبد الله سلوم عبد الله هو عضو في حزب الوحدويين الاشتراكيين، فيما محمد فراس ياسين رجوح عضو في “الحزب الديمقراطي السوري”، وهذه الأحزاب تنسب إلى ما يسمى “معارضة الداخل”.
تكرار المسرحية
ويرى الباحث في مركز “جسور” للدراسات، عبد الوهاب عاصي، في حديث لـ”العربي الجديد” أن ما يقوم به النظام تكرار لمسرحية عام 2014 بعد إخفاق روسيا في مساعي الوصول إلى تسوية مع الولايات المتحدة والغرب.
وقال عاصي: “من الواضح أنّ إعلان الانتخابات تعبير عن إخفاق جهود روسيا في التوصل إلى تسوية سياسية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي إقناع شخصيات من المعارضة السورية بالترشح للانتخابات”.
ويرى أن “روسيا باتت على قناعة بعدم وجود خيار سوى تكرار نموذج انتخابات عام 2014 في محاولة لإظهار قدرتها على تحدي الغرب عبر استمرار التمسّك بالنظام السوري وخرق القرار 2254 (2015) الذي يدعم فقط إقامة انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة”. وذلك يدعو النظام، وفق الباحث السوري، إلى “تكرار نموذج انتخابات 2014، عبر وجود مرشحين شكليّين مقابل بشار الأسد الذي سيفوز حتماً بنسبة تراوح بين 80 و85%، أي أقل من 88% التي سُجِّلَت قبل 7 سنوات، كتعبير مضلل عن الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي”.
دعاية انتخابية
ويبدو من اللافت في المرشحين اللذين أُعلنا، أن أحدهما، وهو المرشح محمد رجوح، كان قد ترشح في مواجهة الأسد عام 2014، ثم عاد وانسحب وصوّت لبشار الأسد، وكان وفق مصادر محلية لـ”العربي الجديد” جزءاً من دعاية بشار الانتخابية.
وتوحي تلك العملية، بحسب المصادر، بأن هؤلاء المرشحين مجرد شخصيات شكلية في “مسرحية الانتخابات” التي سيجريها النظام بناءً على الدستور الذي أقره في عام 2014، والذي من خلاله أزال مادة تسمح لحزب البعث بالتفرد بالسلطة في سورية.
وقالت نائبة رئيس الائتلاف السوري المعارض، ربا حبوش، في بيان لها مساء أمس، إن ما يجريه النظام “مسرحية هزلية، والسوريون تجاوزوا النظام منذ سنين، ولا يرونه سوى عصابة، وبشار مجرم حرب”، مضيفة أن هذه الانتخابات “ليس لها أي قيمة من الناحية السياسية أو القانونية، وتجري برعاية فروع الأمن، ولا تعني السوريين”.
وقبل عام 2014 كان النظام السوري يتبع أسلوب الاستفتاء على رئيس الجمهورية، حيث لا يكون لبشار الأسد أو لوالده مرشح منافس، وكانت الرئاسة محصورة أيضاً بـ”حزب البعث”، لكن في 27 فبراير 2012 قام النظام بتعديل شكلي في الدستور السوري يسمح بترشيح منافسين من أحزاب أخرى لبشار الأسد، ووضع معوقات تمنع ترشيح المعارضين الحقيقيين للنظام.
وتنص المادة الـ 86 في دستور 2012 على أن رئيس الجمهورية ينتخب من الشعب مباشرة، حيث يعد الفائز برئاسة الجمهورية المرشح الذي ينال أغلبية مطلقة من الأصوات من بين الذين ترشحوا، وإذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية المطلقة، تعاد الانتخابات خلال أسبوعين بين المرشحين الأكثر حصولاً على الأصوات، ويُعلن رئيس مجلس الشعب نتائج الانتخابات بعد فرز الأصوات.
———————
الموالي إذ يتفرج على انتخاب رئيسه/ عمر قدور
ربما، مثل معظم الذين اطلعوا على الخبر، عرف الموالي الأسدي بوجود شخص اسمه حمودة صباغ، يشغل منصب “رئيس مجلس الشعب”، وهو الذي أعلن باسم المجلس عن إجراء الانتخابات الرئاسية في السادس والعشرين من الشهر المقبل. في الأصل، ذلك الموالي ليس من البلاهة بحيث يكترث بحفظ اسم رئيس صوري لمجلس شعب صوري، والأكثر نفعاً له “على سبيل الاطلاع ليس إلا” أن يعرف أسماء ضباط المخابرات الكبار، وأن يستذكر أسماء وزراء مسؤولين عن الخدمات المقطوعة، أو اسم رئيس الحكومة، عندما يود التذمر من الأوضاع المعيشية المتردية.
لدى الموالي حدس جيد إزاء مراكز القوى الفعلية، لذا قد ينسى اسم حمودة الصباغ بعد حين من ذلك الإعلان قبل يومين، وقد ينسى مجلس الشعب برمته. الأكثر حماساً بين الموالين هو ذاك السعيد بوجود مجلس شعب لا قيمة له، ومهمته الأولى والأخيرة التنكيل بفكرة الشعب والبرلمان، أما نظيره الموالي “فقط لأن تفكيره لا يصل إلى أبعد من ذلك” فهو يرى التنكيل من طبيعة الأمور، ولا يرى نفسه أهلاً لما يسمع به من حريات وديموقراطية تحدث في أمكنة أخرى.
بفضل الثورة، كانت انتخابات الرئاسة عام2014 أول انتخابات يقترع فيها الموالي، الأمر لا يتصل بتغيير اسم العملية من استفتاء على “مرشح” وحيد إلى “انتخاب” يتنافس فيه شكلياً عدة مرشحين. أيضاً يدرك الموالي أن تغيير اسم العملية بموجب التعديلات الدستورية لا يغير من جوهرها، فالنتيجة معروفة سلفاً، بل من المحتمل جداً أن تكون مقررة بالنسب والأرقام قبل أن يعلن آنذاك رئيس مجلس الشعب “من يذكر اسمه؟” عن موعد الانتخابات في الثالث من حزيران. فكرة اقتراع الموالي حينها مرتبطة بتمايزه في اتخاذ القرار المختلف عن سوريين آخرين قرروا الثورة على العائلة الحاكمة، واقتراعه كان تأكيداً على موقفه وعلى اصطفافه في الحرب على أولئك المخالفين.
خلال أربعة عقود ونصف من حكم الأسدَيْن كانت النسبة الساحقة من السوريين تُساق إلى ما كان يُسمى “تجديد البيعة”، ولم يكن هناك تمايز بين الموالي الذاهب ليجدد البيعة بإرادته وذاك الذاهب ليجددها غصباً عن إرادته، ولا يندر أن يُظهر الثاني حماساً يفوق الأول بداعي الخوف من ميوله المضطر إلى كبتها. كان ثمة مساواة في الظاهر، ومساواة في انعدام القيمة ضمن مزرعة الأسد، لتأتي الثورة وتمنح الموالي تلك القيمة التي لم يكن يتمتع بها من قبل بنظر الأسد وحلقته الضيقة. في حزيران2014، كان للموالي قيمة واعتبار من أجل تشجيعه على الاستمرار في الحرب، وكانت قوات الأسد والميليشيات الشيعية الحليفة تسيطر على أقل من نصف سوريا، وهي بحاجة إلى الخزان البشري الموالي، الحاجة التي ستنخفض فيما بعد مع دخول الطيران العسكري الروسي لترجيح ميزان القوى لصالح الأسد، ما سيعيد الموالي إلى قيمته المتدنية السابقة.
فقد الموالي قيمته التي اكتسبها مؤقتاً، وفي السنوات السبع المنقضية على “الانتخابات” الماضية صارت هيمنة حلفاء الأسد واضحة أكثر من ذي قبل، وصارت التفاهمات الدولية الخاصة بسوريا أوضح من قبل أيضاً. لذا لا يفوت الموالي، كما لا يفوت غيره من السوريين، أن “الانتخابات” المقبلة ما كانت لتحدث لو وُجدت نية دولية حقيقية لإطاحة الأسد. بعبارة أخرى، مجرد إجراء الانتخابات هو دلالة على أن القوى الفاعلة اقترعت وانتخبت بقاء بشار في السلطة. عطفاً على ذلك، لن يذهب الموالي ليقترع متحدياً “المؤامرة الكونية” على زعيمه، ولن يقترع متحدياً سوريين تجرأوا على الثورة، لن يكون لصوته تلك القيمة التي اكتسبها يوماً بفعل عدائه للثورة ومكافأة على عدم انضمامه إليها.
سيذهب الموالي إلى الاقتراع كما كان الحال قبل عام2011، سيقترع شكلاً بعدما اقترع الناخبون الكبار الفعليون، سيكون جزءاً من الفرجة المحلية المبتذلة التي تترجم الإرادة الدولية، سيكون متفرجاً “لا فاعلاً” والفرجةَ في وقت واحد. وفوق أنه سيبتلع الإهانة المعتادة قبل ذلك التاريخ، سيقترع هذه المرة وهو في أسوأ حال على الإطلاق، وسيؤخذ تدهور معيشته واقتراعه لمن تسبب في مأساته معاً كمؤشر أقوى على موالاته، سيتاجر بشار وأزلامه بتجديد الولاء الذي يأتي في شروط معيشية غير مسبوقة بقسوتها، وبعد مضي سنوات تكفي لإحصاء دماء الموالين التي أُريقت قرباناً له.
إلا أن ما يقلل من شأن المقترعين، ويجعل منهم مجرد فرجة مبتذلة، ينسحب على العملية برمتها. فبشار الأسد لن يكون هذه المرة في موقع القوي، أو الحاكم الفعلي، الذي يدخل الانتخابات ليستهزئ بالديموقراطية. هو أيضاً، بضعفه وتبعيته، جزء من المهزلة التي سيفوز بنتيجتها. هو أيضاً في منزلة الموالي، وإن اختلفت التكهنات حول موالاته موسكو أو طهران، أو التنقل بينهما. بينما يظهر بشار أقوى مما كان عليه في 2014، يعلم الجميع أن الانتصارات تُحسب لحلفائه أولاً، بل تُحسب حتى لحلفاء المعارضة الذين أعادوا له السيطرة على بعض المناطق فلا يتبقى شيء ليُحسب لكفاءته الشخصية.
قد يقتضي استكمال النفاق تصريح أكثر من مسؤول غربي أو إقليمي للطعن بشرعية الانتخابات المقبلة وعدم القبول بها، حدث شيء مشابه قبل سبع سنوات، ولعل أعزّ آمال بشار أن يحدث هذا بعد سبع سنوات، وأن يتكرر منطوياً على القبول ببقائه. لكن ما يعلمه بشار، ويعلمه ذاك الموالي وعموم السوريين الذي لا يد لهم في تقرير مصيرهم، ويعلمه عموم المتفرجين، أن إجراء الانتخابات لا تترتب عليه أية آثار ذات قيمة. الحقيقة الوحيدة التي يسوّقها حلفاء بشار في الخفاء، ويسوّقها الغرب في الكواليس أيضاً، مفادها: ليفزْ بشار في الانتخابات وفق الدستور الذي فصّله على قياسه، فعندما تحين ساعة الجد لا قيمة لوجوده بانتخابات أو من دونها، القرار سيكون لأولئك “الناخبين الكبار” الذين يقررون مصيره. هؤلاء كما نعلم لا يبايعون أحداً، إنهم يتقنون البيع.
————————
الانتخابات السورية في 26 أيار..نهاية سياسية للحسم العسكري؟
إلى جانب السخرية الطبيعية والمتوقعة من إعلان مجلس الشعب السوري يوم 26 أيار/مايو المقبل موعداً للانتخابات الرئاسية المقبلة، تحدث ناشطون وصحافيون سوريون في مواقع التواصل الاجتماعي عن ارتباط هذه الانتخابات بفكرة الشرعية التي يبحث عنها نظام الأسد في محيطه العربي وأمام المجتمع الدولي بعد عشر سنوات من الثورة في البلاد.
وفيما تم وصف الانتخابات المقبلة على نطاق واسع بأنها “مسرحية هزلية”، بما في ذلك بيان للائتلاف الوطني المعارض، ومقره إسطنبول، شدد آخرون على تناول الموضوع بجدية أكبر لأن النظام يسعى إلى وضع نهاية سياسية من خلال الانتخابات بعد حسمه الحرب العسكرية، وهي مقولات يكررها إعلام النظام منذ شهور عند تناوله للموضوع.
الانتخابات الرئاسية في #سوريا ليست مجرد مسرحية هزلية كما يظن البعض نظام #الأسد لا يزال يفاوض على استعادة الشرعية…
Posted by Hisham Munawar on Sunday, April 18, 2021
وكتب الإعلامي المعارض هشام منور عبر حسابه في “فايسبوك”: “الانتخابات الرئاسية في سوريا ليست مجرد مسرحية هزلية كما يظن البعض. نظام #الأسد لا يزال يفاوض على استعادة الشرعية والاهتمام الدولي من خلال الإصرار على إجراء انتخابات شكلية لم يمنح المترشحين لها سوى 10 أيام لاستكمال أوراقهم!”.
من جهته اعتبر المحامي السوري أنورالبني عبر حسابه في “تويتر” أن الانتخابات التي لا تجري بموجب القرار 2254 هي غير شرعية ويتوجب تعليق عضوية سوريا بكل المحافل الدولية، مضيفاً: “لنعمل جميعاً على عدم الاعتراف بالانتخابات وعدم شرعية أي سلطة تنتج عنها وتعليق عضوية سوريا بكل المحافل الدولية واعتبار أنه لا يوجد من يمثل سوريا”.
الانتخابات التي لا تجري بموجب القرار 2254 هي غير شرعية ويتوجب تعليق عضوية سوريا بكل المحافل الدولية
لنعمل جميعا على عدم الاعتراف بالانتخابات وعدم شرعية أي سلطة تنتج عنها وتعليق عضوية سوريا بكل المحافل الدولية واعتبار أنه لا يوجد من يمثل سوريا#لنجعل_الانتخابات_مقتلة_المجرمين
— anwar al bunni أنور البني (@anwaralbounni) April 19, 2021
واستبق سوريون ترشيح رئيس النظام بشار الأسد (55 عاماً) لنفسه، بنشر صور مركبة له تظهره كمرشح وحيد بهيئات مختلفة، في إشارة إلى أن هذه الانتخابات هي استحقاق معد سلفاً ونتائجه محسومة لصالح الأسد الذي يحكم البلاد منذ العام 2000، وفاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة العام 2014 بنسبة تجاوزت 88%.
الانتخابات الرئاسية في #سوريا
والمرشحين لجولة الانتخابات القادمة pic.twitter.com/pA4BZ1XOuP
— Abdulrazak Almardod (@M88Mrdod) April 18, 2021
لايمكن إجراء انتخابات رئاسة حرة ونزيهة في سوريا دون تسوية سياسية ذات مصداقية وفقاً لقرار 2254، الذي يسمح بمراقبة الأمم المتحدة ومشاركة جميع السوريين، لن تعترف كندا بشرعية الإنتخابات الرئاسية في سوريا التي يجري تنظيمها وأكد النظام عليها.
المنسق التنفيذي الكندي لسوريا 👇🏻 https://t.co/QU3xZdiPg1
— Qussai | قصي (@Qussai_jukhadar) April 18, 2021
الانتخابات في سوريا مخالفة للقانون الدولي
وهي غير شرعية والاهتمام بها عبثية بحد ذاتها الاسد مرتكب جرائم حرب وهي موثقة دوليا
والقرار ٢٢٥٤ واضح ولايحق الاسد إجراء الانتخابات الرئاسية أبدا
— مهاجر (@Muhag_er) April 19, 2021
————————-
منظمة حظر الكيماوي تعد عقوبات إستثنائية على النظام السوري
تصوّت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية هذا الأسبوع على فرض عقوبات غير مسبوقة على سورية لاتهامها باستخدام أسلحة كيماوية وعدم الإفصاح عن كامل مخزونها منها، بحسب وكالة “فرانس برس”.
وتصوت الدول الأعضاء في المنظمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، على اقتراح فرنسي ينص على تعليق “حقوق وامتيازات” دمشق داخل المنظمة، ومن ضمنها حقها في التصويت، في إجراء غير مسبوق في تاريخ الهيئة.
والنظام السوري متهم بعدم الرد على أسئلة المنظمة بعد نشرها تقريراً في 2020، يفيد بأن نظام دمشق استخدم غاز السارين والكلور عام 2017 ضد بلدة في محافظة حماة كانت تسيطر عليها فصائل معارضة، وذلك في انتهاك لاتفاق حظر الأسلحة الكيماوية.
وأعلن الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، في تصريح مشترك في الأمم المتحدة، أن “رفض سوريا تقديم المعلومات المطلوبة بشكل وافٍ لا يمكن ولا يجب أن يبقى بلا رد”. وتابع: “يعود الآن إلى الأسرة الدولية أن تتخذ التدابير المناسبة”.
ومن المتوقع أن يٌطرح الاقتراح للتصويت على الدول ال193 الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الأربعاء أو الخميس، على ما أفادت به مصادر دبلوماسية وكالة “فرانس برس”. وفي حال الموافقة على الاقتراح الفرنسي، ستكون هذه أول مرة تفرض المنظمة العقوبة القصوى على دولة.
وصوتت غالبية الدول الأعضاء عام 2018 على تعزيز صلاحيات المنظمة من خلال السماح لها بتحديد منفّذ الهجوم الكيماوي بدل الاكتفاء بتوثيق استخدام هذا السلاح.
وتؤكد دمشق أنها سلمت مخزونها من الأسلحة الكيماوية تحت إشراف دولي بموجب اتفاق أميركي روسي عام 2013، حين انضمت سوريا إلى المنظمة، بعد هجوم يشتبه باستخدام غاز السارين فيه، أسفر عن مقتل 1400 شخص في الغوطة الشرقية بريف دمشق.
غير أن تحقيق المنظمة أكد العام الماضي أن القوات الجوية التابعة للنظام السوري ألقت قنابل تحتوي على غاز السارين والكلور عام 2017 على بلدة اللطامنة.
وبعد ذلك، لم يلتزم النظام السوري بمهلة 90 يوماً حددتها المنظمة للإفصاح عن الأسلحة المستخدمة في الهجمات والكشف عن المخزون المتبقي لديها. ورداً على ذلك، طرحت فرنسا مذكرة تحظى بدعم 46 دولة، تدعو المنظمة إلى تجميد حقوق سوريا في صفوفها.
وازداد الضغط على النظام الأسبوع الماضي، بعد نشر تقرير ثانٍ للمنظمة يتهمه باستخدام غاز الكلور عام 2018 في هجوم على بلدة سراقب على بعد 50 كيلومتراً جنوب حلب، والتي كانت في ذلك الحين تحت سيطرة فصائل معارضة.
وقال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيي: “إحساساً مني بخطورة الوضع، حان الوقت لتحميل النظام السوري المسؤولية”. وتابع: “أدعو جميع الدول الموقعة على الاتفاقية حول الأسلحة الكيميائية إلى دعم” الاقتراح الفرنسي.
——————–
شكوى جديدة..الكيماوي يلاحق الأسد إلى السويد
أعلنت أربع منظمات غير حكومية الاثنين، أنها تقدمت بشكوى جنائية إلى الشرطة السويدية ضد مسؤولين رفيعي المستوى في النظام السوري، بمن فيهم رئيس النظام بشار الأسد نفسه، بتهمة ارتكاب هجمات بالأسلحة الكيماوية عامي 2013 و2017.
والشكوى المقدمة من منظمات المجتمع المدني “المدافعون عن الحقوق المدنية” و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” و”الأرشيف السوري” و”مبادرة عدالة المجتمع المفتوح”، تتهم النظام السوري بشن هجمات باستخدام غاز الأعصاب السارين في خان شيخون عام 2017 والغوطتين الغربية والشرقية عام 2013.
وتتضمن الشكوى، بحسب “فرانس برس”، “شهادات مباشرة من ضحايا وناجين من الهجمات بغاز السارين في كل من خان شيخون والغوطة” بالإضافة إلى “مئات الأدلة الوثائقية، بما في ذلك الصور والمقاطع المصورة” و”تحليل شامل لتسلسل القيادة العسكرية السورية”.
وقالت المستشارة القانونية في منظمة “المدافعون عن الحقوق المدنية” عايدة سماني: “في النهاية الهدف من الشكوى هو تقديم هؤلاء المسؤولين عن الهجمات بالأسلحة الكيماوية إلى العدالة”. وأضافت “ما نأمله هو أن يقوموا بفتح تحقيق (…) وإصدار مذكرات اعتقال بحق المشتبه بارتكابهم هذه الأفعال”.
وأشارت سماني إلى أن مثل هذا القرار يعني أن المدعين العامين السويديين قد يصدرون مذكرات توقيف أوروبية للقبض على المشتبه بهم في حال دخولهم الأراضي الأوروبية.
ووفقاً لملخص الشكوى الذي اطلعت عليه “فرانس برس، فقد تمّت تسمية أكثر من عشرة أشخاص باعتبارهم مشتبه بهم في ارتكاب الهجمات وبينهم الأسد. وتم ربط وزير الدفاع السوري علي عبد الله أيوب بالهجوم على خان شيخون وشقيق رئيس النظام، ماهر الأسد بالهجوم على الغوطة.
كما تم إدراج أسماء مسؤولين آخرين رفيعي المستوى في النظام والجيش السوري يُعتقد بأنهم متورطون بشكل مباشر في الهجمات.
وقالت المنظمات التي قدمت شكاوى مماثلة في ألمانيا وفرنسا، إنها تأمل في تعاون السلطات السويدية مع نظيرتيها في برلين وباريس.
وقال رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مازن درويش إن “الجهد المشترك بين السلطات سيزيد من فرص إصدار مذكرة توقيف أوروبية، وتحقيق العدالة الفعالة للضحايا والناجين”.
وأوضحت سماني أنه تم اختيار هذه الدول بسبب عوامل عدة، بينها وجود سوريين متضررين على أراضيها ولأن ولاياتها القضائية تسمح لها بالتحقيق بجرائم ارتكبت خارج أراضيها.
ووفق المنظمات، قامت دول عدة بتقديم مشروع قرار لحرمان سوريا من حقوقها في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية وذلك رداً على استخدامها المستمر لهذه الأسلحة.
وقال كبير مسؤولي السياسات في “مبادرة عدالة المجتمع المفتوح” اريك ويت إن “تمرير القرار من شأنه أن يشير الى أن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيمياوية له عواقب دبلوماسية”.
————————
مرشحان مغموران لمنافسة الأسد في الانتخابات الرئاسية
أعلن مجلس الشعب في سوريا تقديم مرشحين اثنين للانتخابات الرئاسية أوراق ترشحهما بشكل رسمي الاثنين، بعد يومين من تحديد المجلس موعد الانتخابات في 26 أيار/مايو، بينما يتوقع تقديم عدد آخر من طلاب الترشح أوراقهم للمشاركة في المنافسة.
وقال رئيس البرلمان حمودة الصباغ إنه تبلّغ من المحكمة الدستورية موافقتها على طلب كل من عبدالله سلوم عبدالله ومحمد فراس رجوح الترشح للانتخابات الرئاسية، بانتظار حصولهما على الأصوات المطلوبة من أعضاء مجلس الشعب قبل أن يصبح ترشحهما قانونياً.
وحسب قانون انتخابات رئيس الجمهورية في سوريا، المقرر عام 2014، يتوجب على الراغب بالمشاركة في المنافسة الحصول على موافقة 35 عضواً من البرلمان، بالإضافة إلى شروط أخرى منصوص عليها في القانون والدستور السوري.
وشهد عام 2014 أول انتخابات رئاسية في سوريا تجري عن طريق الاقتراع المباشر بمشاركة أكثر من مرشح منذ عام 1970، بعد أن كان انتخاب الرئيس يتم بطريقة الاستفتاء على مرشح واحد، لكن تغيير قانون الانتخابات الذي أعقب تعديل الدستور عام 2012 لم يكن سوى إجراء شكلي، أدى إلى تفاقم المزيد من الغضب الشعبي واستمرار الصراع في البلاد.
وينتمي عبدالله عبدالله، الذي وافقت المحكمة الدستورية على طلبه خوض الانتخابات، إلى حزب الوحدويين الاشتراكيين العرب، أحد أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية المتحالفة مع حزب البعث الحاكم، وهو عضو المكتب السياسي للحزب، سبق أن شغل عضوية مجلس الشعب في دورتين، الأولى بين عامي 2007-2003، والثانية بين 2016-2012.
كما شغل منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب سابقاً، وهي إحدى الحقائب الوزارية المخصصة لأحزاب الجبهة الستة الأخرى، التي ينظر إليها السوريون على أنها أحزاب ديكورية يستخدمها حزب البعث للإيحاء بوجود تعددية سياسية، مقابل منحها عدداً محدوداً جداً من المقاعد في البرلمان، وثلاث وزارات بدون حقائب أو بحقائب خدمية.
ويتكون مجلس الشعب من 250 عضواً بينهم 167 من حزب البعث الحاكم، مقابل 16 عشر من الأحزاب الأخرى المرخصة، بالإضافة إلى 67 من المستقلين نظرياً، لكن من الناحية العملية يتفق السوريون أنهم يتبعون للنظام أو تختارهم أجهزة المخابرات.
وحسب عدد أعضاء البرلمان الحالي، فإن الحد الأقصى للمرشحين الذين يمكنهم الحصول على تفويض من البرلمان هو سبعة، حيث ينص القانون على أن عضو مجلس الشعب لا يمكن أن يمنح صوته لأكثر من مرشح واحد، بينما علمت “المدن” أن أشخاصاً آخرين، بينهم حزبيون ومستقلون، ينوون تقديم أوراقهم قبل نهاية المهلة المحددة للترشح في 28 نيسان/أبريل الجاري.
وبينما يتوقع أن يحصل المرشح عبدالله، وهو من مواليد حي المزرعة بدمشق عام 1956 على العدد المحدد من الأصوات، فإن حصول المرشح المستقل فراس رجوح على موافقة 35 نائباً يتوقف على مدى رغبة النظام بإشراكه في المنافسة، المحسومة مسبقاً لصالح رئيس النظام بشار الأسد.
ورجوح هو رجل أعمال دمشقي مغمور، من مواليد حي المزة عام 1966، غير معروف سابقاً باستثناء نشر صوره على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي برفقة ممثلين وفنانين سوريين، بينما يرجح الكثيرون أن يحظى بالعدد المحدد من أصوات نواب البرلمان، ويقولون إنه لم يكن ليتجرأ على إعلان ترشحه لولا الموافقة المسبقة من النظام الذي يحتاج إلى منافسيين شكليين في هذه الانتخابات.
وبينما أعلنت جميع قوى المعارضة الداخلية والخارجية مقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة، واعتبرتها مسرحية مستفزة ستزيد من تعقيد الملف السوري، مطالبة بتأجيلها إلى ما بعد الوصول إلى حل سياسي وفق القرار الدولي 2254، أصرّ النظام على تنظيم هذه الانتخابات، التي من المتوقع أن يشارك فيها مرشحون آخرون، بعضهم كممثلين عن أحزاب مرخصة، وبعضهم من المستقلين الذين يُنتظر أن يعلنوا تقديم أوراق ترشحهم خلال الأيام القليلة القادمة.
وسبق للولايات المتحدة وعدد كبير من الدول الأوربية والغربية الإعلان عن رفضها الاعتراف بشرعية هذه الانتخابات أو بنتائجها، كما أكدت هذه الدول أنه لن يكون هناك أي تطبيع مع النظام قبل تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالحل السياسي في سوريا، والتي تشمل إقامة هيئة حكم انتقالي تجري انتخابات بإشراف دولي وفق دستور جديد، وبعد تهيئة بيئة آمنة لإجراء هذه الانتخابات.
المدن
————————————-
عودة سوريا إلى الجامعة العربية/ غسان إبراهيم
عودة سوريا إلى الحضن العربي شعبياً والجامعة العربية رسمياً تواجه عدة عقبات بعد عقد من الحرب جعل البلاد ساحة مفتوحة للجميع غاب عنها العرب وهيمنت عليها إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة.
ومع تزايد الأصوات العربية بضرورة دور عربي لإنقاذ سوريا من الضياع تبقى المعطيات السورية كما هي، فالنظام السوري وتصرفاته التي سببت تجميد عضوية سوريا هي نفسها اليوم، وعقلية النظام التي رحبت بإيران لتنقذه هي نفسها اليوم، ونزعته المتكبرة ورفضه تقديم أيّ تنازلات للسورين والعرب هي نفسها اليوم.
ما تغير في سوريا هو مشهد الدمار الذي فكك المجتمع السوري وحطم بنيته التحتية وجعلها مسرحاً للميليشيات التركية والإيرانية والعزلة بعيداً عن الحضن العربي.
عقلية النظام اليوم لا تختلف أبداً عمّا كانت عليه أثناء الحرب
لا شك أن العرب لم يتركوا سوريا ولن يتخلوا عنها بينما رفض النظام السوري أيّ تعاون مع الجامعة العربية في إيجاد أيّ حل، حتى لو كان رمزياً.
العرب دائما يبدون رغبة ويعملون لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، ولكن هل قدّم النظام السوري طلباً بالعودة كما تقتضيه الإجراءات الرسمية. هل بادل النظام العرب هذه المودة والاستعداد أم أنه رد بأن على العرب أن يعودوا إلى سوريا لا أن تعود سوريا إليهم.
لا بد من دور عربي ينقذ سوريا من نفسها ومن العقلية التي عمّقت الأزمة سواء من النظام أو المعارضة، ولا بد من دور عربي جاد ينقذها من ورطتها وكثرة اللاعبين ممن اقتصرت أدوارهم في الداخل السوري على الحرب والدمار والأجندات الإيرانية والتركية بطموحات طائفية وعرقية وإرهابية.
لا بد من حلّ عربي ينقذ سوريا ويتوّج بعودتها إلى الجامعة العربية، ودون الحل الذي يسبق العودة فلن يسمح النظام السوري بأيّ دور عربي جاد.
فعقلية النظام اليوم لا تختلف أبداً عمّا كانت عليه أثناء الحرب، وخصوصا أن سوريا اليوم مفقودة الإرادة، وعودتها إلى الجامعة العربية تتطلب الأخذ بعين الاعتبار التوازنات الإقليمية والدولية وحجم ما يمكن تقديمه عربياً وإمكانيات الحل.
فالنظام السوري أمام نفوذ إيراني مطلق وضغوط أميركية شديدة عبر عدة ملفات أبرزها قانون قيصر الذي يجعل صعوبة عودة سوريا إلى الجامعة العربية أشد من ذي قبل.
فالحل العربي سيواجه تعنتا إيرانيا وعرقلة أيّ محاولات عربية تضعف من نفوذها في سوريا، وضغوطا أميركية على عودة النظام السوري قبل أيّ حل سياسي يشارك فيه الروس والأميركان معاً.
ودون حل سياسي بين السوريين يشارك العرب فيه لن تنتهي القصة، كما أنها لن تنتهي بمجرد قرار بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.
تزداد الضغوط الغربية اليوم على حلفاء النظام أكثر من أيّ وقت، ومحاولة روسيا الالتفاف على هذه الضغوط بدعوة الدول العربية لإعادة النظام السوري لن تكون الحل النهائي.
كما أن الوعود الروسية بأن عودة العرب إلى سوريا ستضعف الإيرانيين والأتراك لا يوجد ما يدعمها بالمطلق على الأرض. فتركيا لم تستطع الدخول المباشر إلى سوريا دون الغطاء الروسي وليس الأميركي. وإيران ما كان لها أن تصمد وتتمدد في سوريا لولا دخول الروس في الحرب السورية.
الحل العربي لسوريا يجب أن يضع الجانبين الروسي والأميركي أمام التزاماتهما وفقاً للقرارات الأممية لإخراج كل الميليشيات الموجودة في سوريا، فلا حل في هذا البلد وهناك ميليشيات تمارس سلطاتها وكأنها دولة مستقلة داخل دولة منهكة.
عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضرورة تتطلب جهداً عربياً للمشاركة في صياغة مستقبل البلاد ليس شكلياً، بل عملياً.
أما إذا كان الهدف إجرائيا فقط عبر رفع قرار تجميد العضوية لسوريا، فلن يتغير الوضع والتوازنات. ولن تهرع الميليشيات التركية والإيرانية للخروج من سوريا ولن تُرفع العقوبات الأوروبية والأميركية. لا بد أن يضع العرب سوريا على سكة الحل للوصول إلى الجامعة العربية.
العرب
———————-
ممثلة “مسد” في واشنطن: انتخابات الأسد غير شرعية
إسطنبول – عبد القادر ضويحي
أنهى نظام بشار الأسد الجدل والتكهنات، حول الانتخابات الرئاسية في سوريا، إذ عقب إعلان مجلس الشعب التابع له عن تحديد موعد الانتخابات في الـ26 من أيار المقبل، طُرحت تساؤلات عن مشاركة السوريين فيها، ومدى شرعيتها الداخلية، نظراً لعدم مشاركة شريحة واسعة من السكان في تلك الانتخابات.
وعلى الرغم من أن موقف المعارضة السورية كان واضحاً، بأن تلك الانتخابات عبارة عن مسرحية، فإن على المجتمع الدولي التحرك لوقف تمادي نظام بشار الأسد.
وهذا الموقف من المعارضة، يتناغم مع موقف “الإدارة الذاتية” من الانتخابات الرئاسية، كون الطرفين (المعارضة والإدارة الذاتية) يسيطران على مساحات واسعة، ويبلغ تعداد السكان في مناطقهما نحو 6 ملايين نسمة وفق إحصائيات غير رسمية.
وحيال تلك الانتخابات قالت سينم محمد – ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) في العاصمة الأميركية واشنطن – في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا، إنّ الانتخابات الرئاسية المقبلة غير شرعية، وليست ذات مصداقية، لأنّ الكثير من السوريين لن يشاركوا في تلك الانتخابات”.
وأضافت أن المهجّرين واللاجئين السوريين في دول اللجوء، فرّوا من بطش نظام الأسد، ولن يشاركوا أيضاً في تلك الانتخابات وبالتالي فإن شريحة واسعة من السوريين في الداخل والخارج سيكونون مقاطعين لتلك الانتخابات التي ينوي النظام المضي بها في أيار المقبل.
وحيال احتمالية سماح الإدارة الذاتية للنظام بإجراء الانتخابات في مناطق سيطرتها شمال وشرقي سوريا، قالت ممثلة “مسد” إنّ الإدارة الذاتية لم تصدر أي بيان بشأن تلك الانتخابات، وبالتالي لا يمكن الغوص حالياً في تلك الفرضية.
وأشارت “محمد” إلى أنّ الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجراها النظام في السنوات الأخيرة، اعتمدت على صناديق وُضعت في مناطق يسيطر عليها، ولم تدخل تلك الصناديق إلى مناطق تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وأنّ المشاركة في تلك المناطق اقتصرت على المدنيين القاطنين في مناطق يسيطر عليها “النظام” بمحافظة الحسكة.
5.5 ملايين سوري لن يشاركوا في الانتخابات
وبحسب خريطة النفوذ والسيطرة فإن منطقتين رئيسيتين ستقاطعان تلك الانتخابات الرئاسية، وستكون المشاركة محصورة في مناطق يسيطر عليها “النظام”، حيث تشير بعض الإحصائيات غير الرسمية إلى أنّ نحو 2.5 مليون سوري في شمال شرقي وشمال غربي سوريا لن يشاركوا في الانتخابات، فضلاً عن نحو 3 ملايين سوري يمتلكون حق الانتخاب لن يشاركوا بها أيضاً في دول اللجوء.
كذلك فإنّ المناطق التي يسيطر عليها “النظام”، تفتقد عنصر الشباب، لأنّ كثيرا منهم ترك تلك المناطق لأسباب أمنية أو هرباً مِن بطش النظام، فالاعتماد على السكّان هناك سيفقد تلك الانتخابات صوت الناخب الرئيسي الذي غادر بلاده لأسباب كثيرة.
على الصعيد الدولي فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، تفتقد للشرعية الدولية، لرفض الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الاعتراف بأيّة انتخابات في سوريا لا تجري وفق القرارات الدولية، وبإشراف الأمم المتحدة، لكن إقرار موعد الانتخابات يفند جميع الروايات التي كانت تتحدث عن ضغوط روسية على “الأسد” لتأجيل الانتخابات.
———————
موقف عربي داعم للأسد وانتخاباته/ مالك الحافظ
تزامن إعلان مجلس الشعب بدمشق، يوم الأحد الفائت، فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية وتحديد موعدها بشكل رسمي (بعد حوالي 40 يوما)، مع تهنئة عدد من رؤساء الدول العربية، رئيس النظام السوري بشار الأسد، بالذكرى الخامسة والسبعين لاستقلال سوريا.
تهنئة بعض رؤساء الدول يتصدرها الاهتمام الإماراتي المكثف بالتواصل مع الأسد، حيث سجل حضوره عبر رئيس الدولة (خليفة بن زايد آل نهيان)، ورئيس وزرائها (محمد بن راشد آل مكتوم)، ولعل ذلك يساعد في تحديد ملامح الفترة المقبلة على الملف السوري وكيفية التعاطي العربي معه، والأولويات التي ستحدد عمل ذلك الملف.
إلى جانب حاكم دولة الإمارات ونائبه، حضرت تهنئة رؤساء عُمان (السلطان هيثم بن طارق آل سعيد)، ورئيس موريتانيا (محمد ولد الغزناوي)، ورؤساء بيلاروسيا وماليزيا وإيران وروسيا. إذاً فالتهنئة التي جاءت بذكرى عيد الجلاء، تأتي كدلالة سياسية ملفتة في ظل تزامن التهنئة مع إعلان موعد الانتخابات الرئاسية، غير المعترفة بها دولياً في ظل الإجراء على إصرارها دون تحقيق أي انتقال سياسي أو التزام بمخرجات القرار الأممي 2254.
التواصل الرسمي الأخير يعزز من الخطوات الإماراتية باتجاه ترتيب أوراق الأسد في الأروقة العربية سياسياً واقتصادياً
ترسم التهنئة الإماراتية/ الخليجية، شكل خريطة التحركات العربية والسورية (حكومة النظام)، إزاء الملف السياسي في سوريا وما يتصل به، فالجانب الإماراتي الذي أخذ خطوة متقدمة صوب الأسد، منذ بدء جائحة كورونا (آذار 2020)، إلا أن التواصل الرسمي الأخير يعزز من الخطوات الإماراتية باتجاه ترتيب أوراق الأسد في الأروقة العربية سياسياً واقتصادياً.
أدركت روسيا بأن استثمار أي تقارب خليجي- خليجي- تركي سيبدد الاستعصاء الحاصل في سوريا ليس وفق مخرجات القرار الأممي 2254، وإنما وفق ما ترسمه مصالح الأطراف الفاعلة في الملف السوري، فكان إعلان انتهاء المعارك بين قوات النظام وقوات المعارضة على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في شهر أيلول الماضي (بعد 3 أشهر من إعلان أولى عقوبات قانون قيصر الأميركي).
أولى الخطوات الروسية في سياستها الطارئة لتنفيذ أجندة استراتيجيتها في سوريا، لتتبعها بتحريك ملف عودة اللاجئين، وتعميق التفاهمات مع الجانب التركي، قبل أن تتجه موسكو مجددا إلى دول الخليج (آذار الفائت)، حيث طالبت خلال زيارة وفد ترأسه لافروف بضرورة عودة دمشق إلى الجامعة العربية “من أجل كسر جبل الجليد بين الأسد وبينهم (الخليجيون)”، و عندها تتغير الاصطفافات والمواقف، بالتوازي مع تفعيل المحادثات الأميركية – الخليجية في الشأن السوري، لتكريس مبدأ العقوبات الذكية، يعني “لا إعمار كاملا في مناطق جديدة لم تكن تضررت من الحرب، لكن من الضروري إعادة ترميم البنى التحتية المتضررة (مدارس، مستشفيات، مراكز خدمية وتنموية)، يمكن لدول الخليج تولي حصة وازنة من هذه الخطة”.
لا يقف الأمر عند تفعيل المرحلة الأولى والرئيسية من إعادة الإعمار، أو عودة دمشق للجامعة العربية مع إعادة التعويم البطيء على الصعيدين السياسي والاقتصادي، بل إن الملف السوري كما كان محطة أساسية في تقوية العلاقات الروسية – التركية، سيكون الملف ذاته محطة مهمة في تصفية أجواء العلاقات الخليجية-الخليجية وكذلك الخليجية-التركية، فضلا عن الاحتمال المتصاعد التوقعات حول اتفاقية سلام بين دمشق وتل أبيب، برعاية روسيّة وتنسيق عربي.
كذلك فإن التقارب العربي مع دمشق، يعني إمكانية تقديم مشروع مواجهة للمشروع الإيراني الذي يشكل خطراً على إسرائيل التي وقعت اتفاقيات سلام مع دول عربية، وأخذت وعد من روسيا بتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا.
وبالتوازي مع ذلك فإن التوافق أيضاً في ملف مكافحة الإرهاب، سيكون مرضياً للأطراف الفاعلة في الملف السوري، ليكون ملف الدستور وتشكيل حكومة جديدة تضم طيفاً من المعارضة، هندسة سياسية مقبولة لدى كل من موسكو وحلفائها الإقليميين.
لجانب العربي مستعد أكثر من أي وقت مضى للتقارب مع الأسد ودعمه؛ بما لا يقترب بشكل علني من حدود “قيصر”، فضلاً عن الضوء الأخضر العربي لإقامة الانتخابات الرئاسية، والذي تجلى عبر تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الروسي إلى القاهرة، حيث اعتبر شكري أن الانتخابات الرئاسية السورية شأن داخلي.
الإدارة الأميركية الجديدة المتجهة لسياسة أقل عدائية مع طهران، لن تكون مستعدة لتغليظ العقوبات على دمشق، إذا ما رأت أن التوافق الإقليمي في سوريا سيجنب المنطقة تصعيدا متزايدا ستكون واشنطن بغنى عنه، وهي الراغبة بإنهاء حرب اليمن وتبديد مخاطر التغول الإيراني في المنطقة.
————————-
بعد أن حرق البلد.. ماذا يقول بشار الأسد للسوريين؟/ بسام يوسف
صور ومقاطع فيديو تم تداولها مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي، تكثّف إلى حد كبير الحالة السورية، وكيف يرى رأس “النظام” السوري، سوريا والشعب السوري، ليس هذا فحسب، بل لعلّها تقول ما هو أبعد، فتخبرنا أيضاً إلى أين ستمضي سوريا، فيما لو لم تتبدل المعادلة التي حكمتها منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، بانقلابه العسكري المشؤوم سنة 1970م.
في مقطع الفيديو الذي يُظهر فرقة إنشاد ديني تدعى “مداح الحبيب”، وهي كما يدل اسمها فرقة تنشد في مدح رسول الله “محمد” صلى الله عليه وسلم، لكنّها وبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك هذا العام، تتحول لمديح بشار الأسد، في إيحاء صادم ومستفز لمشاعر السوريين، ولمشاعر المسلمين عموماً، ولا يخجل منشدو الفرقة المقرّبة من وزير الأوقاف السوري من قول مديح مبتذل يعرفون، ويعرف السوريون كلهم، أنه مجرد كذب صفيق:
إنه البشار ضوء القمر
عشرون عاماً قد مضت
والمجد فيها قد حضر
قد سدّت والعدل ظهر
والحق باقٍ معتبر
نهواك يا نور البصر
في مشهد آخر، لا يقل استفزازاً وإهانة للسوريين، ولسوريا وتاريخها، يظهر وزير الدفاع السوري ممثلاً لرئيس الجمهورية في قاعدة عسكرية لجيش يحتل سوريا، وعلى أرض سوريا، مُشاركاً في احتفال ترعاه هذه القاعدة العسكرية، لكن الفاجع في الأمر أن مناسبة الاحتفال هي العيد الوطني لسوريا، وخروج المحتل الفرنسي من أراضيها، أي فضيحة هذه؟
في صورة أخرى، يظهر بشار الأسد وزوجته وهما يوزعان أكياس تحوي مادة “البرغل” على مواطنين سوريين، بسبب تردي قدرة معظم السوريين على شراء حاجاتهم الضرورية، ووصولهم الى مرحلة الجوع، قد تكون الصورة عادية في بلد منكوب لسبب ما، أما أن يقوم من نهب البلد، وتسبب بدمارها، وتشريد أهلها، وتجويع من بقي منهم، بتقديم مساعدته الهزيلة، فهذه إهانة بالغة للشعب السوري الذي لم يجع عبر تاريخه إلا في عهده.
بوضوح شديد يقول بشار الأسد رسالته للسوريين: لا تهمني كرامتكم، ولا كرامة سوريا، ولا يهمني التاريخ، ولا المستقبل، ولا يشغلني معنى الوطن، فهذه المزرعة لي، ورثتها عن والدي، ولا يهمني معنى المواطنة، فما أنتم إلا عبيد في مزرعتي، ولن أرحل، فهناك قاعدة عسكرية لجيش محتل مدجج بأحدث الأسلحة مهمتها حمايتي، وهناك رجال دين بلا ضمير ولا دين، لن يترددوا في تسميتي إلهاً إن أردت، ولقمة خبزكم في يدي، وليس لكم في هذا العالم نصير، ومن تتوهمون نصرتهم لكم لن يفعلوا..
هكذا هم الطغاة، يضعون أنفسهم في موضع القداسة، ويتعالون على شعوبهم فلا يرون فيهم مواطنين، ولا يرون لهم حقوقا ً، ويجعلون من بقاء الناس أحياء فضلاً منهم، وعطاء ومنّة، فيرهبون الناس ويذلوهم، وينهبون أموالهم وأملاكهم بالقهر والقوة، ويجعلون من كل من حولهم، رجال الدين، مثقفين، سياسيين حاشية بلا أخلاق، وبلا دين.
لا يستطيع الطغاة أن يحكموا إلا عندما يصبح كل ما حولهم مريضاً، ومشوها، ولا يشعر الطاغية بالأمان إن لم يخلق بيئة بلا كرامة، مهانة ومذلولة، تتحدث دائماً عن عظمته، وتردد بلا توقف مدائح له، وتنسب له الإنجازات العظيمة، والانتصارات المتوهمة، وهو بذلك إنّما يُعوض عن شعوره العميق بالدونية، والنقص، وكلّما تزايد إحساسه بهذه الدونية، كلّما عمد إلى تعميق التشوه في البيئة المحيطة به، فيغيرها، أو يقتلها، بعد تحميلها مسؤولية كل الأخطاء، مستنداً إلى سلطاته التي لا يضبطها قانون أو دستور، فيستبدل تابعيه بآخرين أشدّ وضاعة، وأشدّ نفاقاً وتملقاً.
من يتابع ما يجري في سوريا، وكيف يتعامل رأس النظام مع الكارثة التي تعصف بها، سيصدمه أن هذا الشخص لايزال بعد عشر سنوات من حرب أنهكت كل سوريا، ودمرتها، ومزقتها، وأعادتها عقوداً إلى الخلف، يتكلم ويتصرف بالحماقة نفسها التي عُرِف بها في بداية سنوات حكمه، كأنّ عشرين عاماً في موقع الرئاسة لم تعلمه شيئاً، وكأنّما العشر سنوات الأخيرة من حكمه، والتي حرق بها سوريا، لم تجعل منه أقل فظاظة، فهو لا يخجل من أن يعيد نصب تماثيل والده فوق ركام المدن المدمرة، ولا يخجل من أن يجمع مجلس وزرائه كتلاميذ في مدرسة ابتدائية، ليعطيهم دروساً في معنى المسؤولية، ومعنى التخطيط، ولا يتردد لحظة واحدة في أن يكذب بكل وقاحة عندما يسأله صحفي عن حقائق يعرفها العالم كله، فينكرها، ويخرج مزهواً بأنه أنكرها.
هذا هو من يُهيئ نفسه لحكم سوريا سبع سنوات أخرى، تُضاف إلى إحدى وعشرين سنة ماضية، هذا هو من يرسل رسائله اليوم إلى السوريين، تمهيداً لسبع سنوات أخرى من اغتصاب السلطة، والوطن، والكرامة، هذا هو من ينام بحراسة جيوش تحتل سوريا، ويبقى بدعمها، ويبيع سوريا لها كي تحرسه، وتبقيه رئيساً ولو على ربع مساحة سوريا.
هذا هو بشار الأسد – الشخصية المريضة بوهم عظمتها، والتي لا تحترم المجتمع، ولا وقوانينه ولا قيمه ولا أعرافه، ولا تعرف الإحساس بالذنب أو الندم، ولا تتعلم من تجاربها السابقة، ولا تعرف الشفقة أو الرحمة أو العدل أو الكرامة، وكل ما يهمها هو تحقيق أكبر قدر من شهوتها بالمال والسلطة، حتى لو كان ثمن هذه الشهوة تدمير بلد، وتشريد شعب.
اليوم، والسوريون الذين يعدّون أيامهم لحظة بلحظة، على أمل الخروج من هذا النفق المظلم الذي ابتلعهم لما يزيد عن عشر سنوات، يتساءلون: هل سيبتلعنا هذا الجحيم سنوات أخرى؟
—————————-
هل تنجح روسيا في تعويم النظام السوري؟/ عمار ديوب
بوتين قاتل؛ هكذا وصفه بادين. أمريكا وأوروبا تتشدّدان ضد روسيا، وضد إيران أيضاً؛ إذاً سياسات روسيا في سوريا والعالم ليست للتفاوض أوربياً وأمريكياً. لأوروبا وأمريكا سياسات عالمية، تشمل سوريا والعالم، وستتفاوض عبرها مع روسيا. الأخيرة حمت النظام السوري منذ 2011، وحتى هذه اللحظة، تجد نفسها عاجزة عن ذلك، ولأنّها كذلك، تُكثِر من المبادرات العالمية والإقليمية والعربية للهدف ذاته، وبالتالي تريد تعويم النظام مجدّداً. إن مساهمة قطر في منصتها، وزيارة لافروف إلى مصر مؤخراً، يراد منها الأمر ذاته، تعويم النظام وإعادته إلى الجامعة العربية والموافقة على الانتخابات الرئاسية في الأشهر القادمة. روسيا بتحركها الأخير لا تخرج عن سياساتها الفاشلة منذ 2011.
تتجاهل روسيا الإصرار الأمريكي والأوربي، بأنّه سيكون لروسيا حصة الأسد في سوريا في حال أَخرجت القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها، وجلبت النظام إلى مفاوضات وفقاً لاتفاق 2254، وهذا سيفتح الطريق نحو تخفيف العقوبات عن النظام السوري، وشطب قانون قيصر، وسيسمح لروسيا الاستفادة من الاستثمارات التي وقعت عقودها مع النظام. إنّ خضوع روسيا للشروط الغربية، تقرؤه روسيا بأنّه إقرارٌ للدول الغربية بقوتها وهيمنتها على العالم، وهذا بالضبط ما ترفضه روسيا البوتينية، وتتجه نحو عقد تحالفاتٍ مع دولٍ في محيطها، ومع تركيا وإيران وإسرائيل ودول عربية كثيرة. كافة هذه التحالفات، لا يمكنها أن تُقوّي روسيا؛ فهناك فيتو أمريكي أولاً وأوربي ثانياً على أيِّ تغييرٍ عميق في المنطقة العربية، ولهذا نجدها تلج ساحات الصراع الماقبل الحديث بقوّةٍ شديدة، وتتفكك الدول والبنى الاجتماعية، وهذا سيضعف هيمنة روسيا وإيران وتركيا وسيكون لصالح إسرائيل والدول الغربية.
روسيا “المثخنة” من جرّاء عقوبات عليها، وكذلك إيران، لا تستطيعان مساعدة النظام السوري إلى أمدٍ طويل، وهناك الوجود التركي في مناطق عديدة في سوريا، وكذلك الأمريكي، وهناك الإسرائيلي. وبالتالي ليس من مصلحة روسيا الاستمرار في حالة الجمود على الساحة السورية. الحالة هذه تدفع روسيا للتحرّك هنا وهناك، ولكن لا يمكن لأمريكا أو أوربا، اللتين تتشددان مؤخراً ضد النظام، أن تمكناها من كسر الجمود، فهما تفتحان ملف السلاح الكيماوي، وقضايا كثيرة مرفوعة أمام المحاكم الدولية ضد قادة النظام السوري. عدا المؤشرات المذكورة، هناك الوضع الاقتصادي المتأزم، والذي تتخوف منه روسيا والنظام معاً، وتسعيان إلى تفادي تفاقمه بكل السبل. بدوره الخليج لا يمكنه أن يُطبّع مع النظام ويرسل نقوده إليه، ولا يمكن إعادته إلى الجامعة العربية ما دام لا يخضع للشروط الدولية، والبدء بتطبيق 2254، أي البدء بالحل السياسي.
روسيا تحاول بكل ما أوتيت من علاقات إقليمية وعربية وعالمية تفادي الشروط الغربية، ولكنها وصلت إلى طريقٍ مسدود تقريباً، ولقاء لافروف مع المصريين لن يغير في المعادلة شيئاً. الحصيلة هنا أنّ روسيا تنتهج سياسة خاطئة بالكامل، وقد تواجه مستقبلاً ثورة “الجياع”، وليس فقط مواجهة أمريكا وتركيا وإسرائيل وإيران، وهناك مئات الألوف من المقاتلين السوريين المستعدين لمقاتلتها، وذلك إن سمحت تركيا لهم بذلك؛ وعدا عن كل ما ذكرنا هناك الاتجاهات السلفية والجهادية التي تنتعش وبقوّةٍ في الدول الفاشلة أو المتعثرة بشدّة، والعودة الجديدة لداعش مثالٌ على ذلك.
لا شك أنّ أمريكا، وأوروبا من بعدها، تتعامل مع سوريا، ومنذ 2011 كورقة سياسية، وليست كدولة ضمن مجالها العالمي، وخطأ روسيا أنّها تنطلق من الزاوية ذاتها، بينما الأدق أن تتعامل مع سوريا كجزء من عالمها الأوراسي، سيما وأنّها دولةً واعدة بثرواتها وبمكانها الجيوستراتيجي، وبما يخدم السياسات الروسية عالمياً.
كل تأخر عن المساهمة في تغيير النظام السياسي، كما فعلت لعقدٍ بأكمله، يحوّل روسيا إلى عدوٍ تاريخي بعين الشعب السوري، كما حالة إيران أولاً وإسرائيل ثانياً، وربما تتقدّم عليهما في حالة استمرار الفشل بحياة السوريين، وعلى كافة الصعد. ممانعة النظام للحل السياسي ليست هي المشكلة كما تدعي روسيا، فلو رغبت الأخيرة لأجبرته على التغيير بين ليلة وضحاها. النظام يتحرّك في الإطار الإيراني والروسي ما دام قطار التسويات لم يصل بعد.
الآن ليس بمقدور روسيا تعويم النظام، وليس موضوعاً على طاولة بايدن أو إسرائيل، وهناك صفقات بين تركيا وروسيا وإيران تبقي الوضع على حاله، وضمن ذلك تترسخ مناطق النفوذ للدول التي تحتل سوريا. إذاً روسيا ليست جادة في تعويم النظام بشكل فوري، وهي تعامله كورقةٍ بين يديها ولزمنٍ مستقبلي، ولكنها أيضاً تُعقد المشهد السوري أمامها.
النظام بدوره لا يساهم في تخفيف كراهية الشعب له، وكذلك المعارضة؛ فممارساتها جعلتها مكروهةً ومرفوضة شعبيٍّاً، وهناك الانقسام الكردي العربي الشديد. إذاً النظام ومعارضته وقوى البين بين ليست بوارد إنتاج مشروعٍ وطنيٍّ وهوية جامعة لكافة السورين في الأفق الراهن، وهذه نقطة أخرى في تأخير تعويم النظام وتأزيم وضعه لدى الموالاة والمعارضة بآن واحد. هنا نتقدم بفكرة لا تنتمي لأفكار متن المقال، ولكنها تتعلق بتعقيد المشهد، فنقول إنّ المعارضة أيضاً لن تتمكن من تعويم نفسها، وقد فشلت في كافة المهمات الوطنية، وهي مهام أيّة سلطةٍ تصبح مسؤولة عن الشعب، وهي مسؤولة عن كتلة كبيرة من السوريين.
رغم كل ما ذكرته عن السياسات العالمية والإقليمية والنظام والمعارضة، فإنّ السوريين من معارضة ونظام يقع عليهما بالتحديد البحث عن قواسمٍ مشتركة لإيقاف التدهور العام في الوضع السوري؛ وإذا كان النظام لا يستطيع بسبب قوة العطالة فيه، فإنّ المعارضة بكل تنويعاتها يقع عليها البحث عن مشروع تاريخي جديد يعيد إنتاجها من جديد، وأيضاً رداءة كتل كبيرة في المعارضة المكرّسة حالياً تفترض إنتاج معارضة جديدة، ومشروعاً جديداً، يكسر حدّة الانقسامات السورية السورية.
إنّ تأخر الدول المتدخلة بسوريا عن عقد تسوية يفترض دوراً للسوريين، رغم أنّ أغلبية أوراق القوة أصبحت بيد الخارج. إنّ إطالة إمساك الخارج بالوضع السوري، سيعني، ونظراً لما وصفناه أعلاه، تعميق الانقسامات والتأزمات، وهذا بالتحديد ما يؤشر لمستقبل تتجذر فيه الانقسامات، ويكون تمهيداً لتقسيمٍ واقعي بالفعل. الفكرة الأخيرة إحدى سيناريوهات سوريا، وإن كان الأضعف، حيث ورغم التعقيد الذي حاولنا توصيفه فإنّ الوضع السوري ما زال يفترض إعادة سوريا إلى ما كانت عليه قبل 2011، ولكن كدولةٍ ديموقراطية موحدة، وعلمانية بالضرورة.
حصيلة نقاشنا، ليس ممكناً تعويم النظام، وربما وعي الأخير لهذه الفكرة بعمقٍ كبيرٍ يدفعه لرفض كل تسويةٍ جادة مع بقية السوريين؛ فهل تعي روسيا هذه الفكرة وتبحث عن تسوية تنقذها من مصيرها الأفغاني؟
ليفانت – عمار ديوب
————————–
برنامج بشار الأسد الانتخابي/ عدنان عبد الرزاق
يبدو أن الدخان الأبيض، خرج من موسكو و واشنطن في آن واحد، ولم يعد من عائق أمام بشار الأسد ليترشح لفترة وراثية رابعة، رغم كل ما قيل من “فاقد للشرعية ومجرم حرب” كما بحضور المعتقل السوري السابق، عمر الشغري أخيراً، جلسة مجلس الشيوخ الأميركي وإدلائه بشهادة حول واقع الظلم والاضطهاد، وقبله حضور الدكتورة السورية، أماني بلور جلسة مجلس الأمن، وتعريتها جرائم النظام السوري، وبعدهما، تقرير منظمة “حظر الأسلحة الكيميائية” (OPCW) قبل أيام، وإدانة نظام الأسد بتنفيذ الهجوم بالأسلحة الكيميائية، بريف إدلب، ما كانت سوى دغدغة لمشاعر السوريين ورش بعض الأمل على جروح السوريين المفتوحة.
فالمصلحة الدولية على ما يبدو، وبمقدمتها مصلحة محتلي الأرض السورية، تقتضي بقاء بشار الأسد لسبع عجاف أخرى، ريثما تلوح ملامح الحل، إن ببقاء المستعمرين بوظيفة الأوصياء، أو تقسيم سورية واعتماد سيناريو يوغسلافيا، بعدما تمتع العالم بمشاهدة جرائم فرانكو العصر الحديث، وأبعد نيرون وهولاكو عن منصة أي تتويج، بمسابقة قتل الشعب وتهديم البلاد والمستقبل، وأدبوا شعوب المنطقة بالسوريين، إن سوّلت لهم أنفسهم يوماً، وطالبوا بالحرية والعدالة.
بالأمس، أعلن رئيس مجلس الشعب بنظام الأسد، حمودة صباغ أنه تم تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في سورية في 26 من شهر أيار/مايو المقبل، ليلغي ما نسب لروسيا من تأجيل الانتخابات ويدحض ما أعلنه الغرب المتحضر، في بروكسل وواشنطن، من لاشرعية ولا انتخابات قبل الحل السياسي.
ولأن الديمقراطية هي المشتهى، فتح “حمودة” باب الترشح منذ اليوم الإثنين، لكل من تسوّل له نفسه حكم سورية، ليتقدم بطلب ترشحه إلى المحكمة الدستورية العليا، خلال مدة 10 أيام، وبعدها ليحظى بتأييد خطي لترشيحه من 35 عضوا، على الأقل، من أعضاء مجلس الشعب، ليعيد تاريخ 2014 نفسه بكل التفاصيل، إذ لم تمنع مجزرة الكيميائي التي ارتكبها الأسد عام 2013، وقتله زهاء 1300 مدني سوري بغوطة دمشق، من الترشح، بل وحصد 97.62% من الأصوات.
قصارى القول: بمنأى عن هل ستحدث مفاجآت ونرى أفعالاً، أوروبية وأميركية، تمنع المخرج الروسي من عرض هذه المسرحية، أو حدثا مفاجئا يقلب المعادلة داخل سورية لتختلف حسابات السوق عن المتوقع بالصندوق، نسأل وبعيداً عن تلك الأماني التي تتضاءل احتمالات حدوثها.
ترى، ماذا يمكن أن يقدم بشار الأسد للشعب بحملته الانتخابية الذي بدأتها الفرق الحزبية البعثية بدمشق ووجهت بها دوائر التوجيه السياسي والمعنوي بجيش الأسد العقائدي؟
هل سيعد السوريين الجياع بتذليل نسب الفقر التي نافت على 90% وتشغيل العاطلين بعدما تعدت نسبتهم 83%؟
هل سيجسر الهوة بين الدخل الذي لا يزيد على 60 ألف ليرة والإنفاق الذي تجاوز المليون للأسرة الواحدة؟
لمن سيحمّل وزر تكاليف الحرب التي أعلنها على طالبي الحرية والكرامة، بعد أن نافت الخسائر على 1.2 تريليون دولار، وكيف سيبرر تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار مطلع الثورة عام 2011 إلى نحو 10 مليارات اليوم؟
وأما إذا قفزنا عن الخسائر الاقتصادية، لنسأل عن القوى البشرية التي سيتطرق لها برنامج الأسد الانتخابي، بعدما زاد عدد المهجرين خارج القطر والنازحين داخله، على نصف السكان، وجلهم من الشباب والكفاءات العلمية؟
وإن وجد الأسد لكل ما سبق، تبريرا ورمى المسؤولية على المعارضة التي تمادت وطلبت العدالة وتداول السلطة، فكيف له أن يحيي أكثر من 400 ألف قتيل ومثلهم ربما، مغيّب ومعتقل ويعيد العافية لضعفهم من المصابين والمعاقين؟
أم يعتقد بشار الأسد، بحركاته البهلوانية الأخيرة، من عزل حاكم المصرف المركزي وتحسين سعر صرف الليرة، عبر القمع الأمني، أو بترؤسه اجتماعا وزاريا للتوجيه بتطبيق مرسوم محاربة الغش والاحتكار…
أم بما تلاه، من الاحتفال بعيد جلاء الفرنسيين عن سورية بمعقل المحتل الروسي بحميميم، ومن ثم توزيعه وزوجته أسماء الأخرس، كيلو برغل على الجياع،
يمكن أن يبدّل قناعات السوريين، كل السوريين الذين أجمعوا على أن وريث أبيه، حولهم إلى أدنى السلالم والتصنيفات العالمية، الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، ووزعهم مهاجرين ومهجّرين، يتقاذفهم اللئام، في دول الأخوة والجوار قبل الغرباء.
نهاية القول: ليس من حول ولا قوة للسوريين، إن الذين يعيشون بمعتقل كبير في الداخل، أو المرتهنين لسياسات مواطنهم الجديدة في الخارج، كما لم يترك العالم المتحضر ومدّعو الدعم، بأيدي المعارضة، سبيلا أو وسيلة، ليردوا بها على نظام قايض بقاءه على كرسي أبيه، بالشعب والاقتصاد ومصير العباد والبلاد، بعد أن استقوى عليهم بجيوش حلفاء تحولوا إلى محتلين.
لكن التاريخ الذي صنّف الحرب على سورية وحلم بنيها، بمأساة العصر، بعد أن تعدت بعمرها وخسائرها نتائج الحربين العالميتين مجتمعتين، لا يمكن أن يسقط العار عن جبين العالم المتحضر ودعاة حقوق الإنسانية والديمقراطية، ليس فقط إن مرروا الأسد لسبع عجاف جديدة، بل إن لم يُسق إلى محاكم جرائم الحرب ليبدأ السوريون عدهم التصاعدي، بالأمل والتنمية، بعد زوال صفر سورية المعيق.
———————–
في ذكرى جلاء الفرنسيين: الروس يغنون والنظام السوريّ يصفقُ لهم!/ كارمن كريم
إذاً وحتى مع علم النظام بأنه ليس الابن المدلل للروس، ما زال يستمر بالتدليس وحني الرأس أكثر أمامهم، لحين إيجاد البديل وتأكده من قدرته على السيطرة مجدداً والتقاط زمام مصالحه.
المرةُ الأولى التي بكيتُ فيها عند سماع أغنية “موطني”، كانت خارج سوريا عام 2016، كنّا مجموعة نساء نعمل في ورشات تهدف إلى إحلال السلام وتمكين السوريات، أتذكر هذه اللحظة البعيدة بينما تعزف فرقة كشّافة في الخارج موسيقى أغنية “موطني”، احتفالاً بذكرى استقلال سوريا. حينها بكيت لأنني شعرت بخسارة المكان الذي أنتمي إليه وعلى رغم أني عدت بعد أسبوع إلى سوريا إلّا أن شعور الخسارة العميق ظل يرافقني، بكيت بحرقة كما لم أبكِ يوماً. كُنّا مجموعةً من النساء نختتم ورشة نفكر فيها بطرائق لإحلال السلام، لم أتخيل أن أشهق باكية لسماع أغنية موطني وفي الحقيقة كانت المرة الأخيرة.
مغنون روس على الأرض السوريّة
يتمايل المغنون والمغنيات الروس على وقع كلمات لا نفهمها وجمْعٌ من السوريين يصفقون ببلاهة من دون أن يفهموا كلمة، أفكر بشكل الاحتلالات المعاصرة “الموديرن”، الاحتلالات التي تحتفل بجلاء محتل سبقها عن أرض ليست لها، ولولا بعض الوجوه السوريّة لما صدقت المشهد، إذاً إنّه الدب الروسي يحتفل ويغني ونحن نصفق له.
أقيمَ الحفلُ في قاعدة “حميميم” الجويّة الروسيّة في ريف اللاذقية بمناسبة مرور 75 عاماً على خروج الاحتلال الفرنسي من سوريا، وشارك فيه كلٌّ من وزير دفاع النظام السوري علي عبد الله أيوب، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية منصور عزام، إضافة إلى عددٍ من كبار ضباط الجيش والقوات المسلحة وأمناء الفروع الحزبية في المنطقة الساحلية. من اللافت أن الإذاعات الرسمية وحين الإعلان عن الخبر ذكرت الفعاليات السياسية والشعبية الروسيّة بقائمة مطولة قبل ذكر الحضور السوريّ في النهاية، الذي كان مقتصراً على شخصيات سياسية وحزبية من دون أي حضور شعبي، يبدو كما لو أن النظام يحتفل من دون شعبه.
ليست المرة الأولى التي يقيم فيها الروس احتفالات رسمية في قاعدة حميميم فقد احتفلوا سابقاً بعدد من المناسبات الروسية الوطنية، آخرها كان في 24 آذار/ مارس المنصرم، حين احتفلت القاعدة بذكرى تأسيس “الملاحة الجوية الروسية”، إذاً فالبيت بيتهم والأرض منحهم إياها نظام الأسد، حتى إنهم دشنوا في اللاذقية نصباً تذكاري لطيّار روسي قتل في مدينة إدلب أثناء قصفه المدينة.
صرّح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في وقتٍ سابق أن العملية العسكرية في سوريا ساعدت الجيش الروسي على رفع الروح المعنوية وفحص الأسلحة واتخاذ خطوة نوعية في التطور، كما أنها سمحت لهم باختبار الأشخاص والأسلحة ونظام التعليم وكأنّ وزير الدفاع يقول شكراً لنظام الأسد، “الذي منحنا أرضه وشعبه لنختبر عليها أسلحتنا ونقتل المدنيين لنتأكد من فاعلية نظامنا العسكري!”. إذاً في المحصلة ليست الأرض والشعب السوري سوى فأر تجاربٍ للروسي يتأكد من خلالهم من فعالية خططه وأسلحته.
يبدو أنه بالنسبة إلى نظام الأسد لم يعد الاحتلال يعني أخذ الأرض بالقوة والحروب والمعارك، بات الاحتلال أكثر بساطة، إنه يدعى “صديقاً وحليفاً” ويُمنح المواقع الإستراتيجية والقواعد والثروات ومن ثم يُحتَفل بلغته و”ستايله” الغريب بخروج الاحتلال من الأرض التي يحتلها هو الآن!
وبين المفهوم الكلاسيكي للاحتلال الذي يقوم على سلب الأوطان بالقوة، تلجأ روسيا إلى احتلال من نوع جديد، تحت ذرائع محاربة الإرهاب والتحالف مع سوريا، وما حضور مغنين وفرقة أوركسترا روسية خصيصاً لهذه المناسبة، إلّا رسالة مفادها أن الروس يتصرفون على أساس أنهم أصحاب أرض ولهم في سوريا أكثر ما للسوريين فيها، أيعقل عدم مشاركة مطرب سوري واحد في الحفل؟ ولو من باب التدليس للنظام لا مجاملة الشعب.
روسيا التي ستتخلى عن الأسد يوماً
منذ تدخل روسيا بشكل فعلي عام 2015 بعدما كان دورها مقتصراً على تسليح النظام وبعض التدريبات لعناصره، حيث اتخذت بشكل مباشر من قاعدة حميميم مركزاً لعملياتها وبدأت قصف مواقع المعارضة السورية منذ الأسبوع الأول لانتشارها، ليغير هذا التدخل بشكل واضحٍ في موازين الحرب بعدما كانت المعارضة المسلحة تحرز تقدماً على الأرض مقابل ضعف عناصر الجيش السوري، بسبب قلّة خبرتهم وإقحامهم مباشرة في المعارك من دون تدريب جيد بسبب نقص أعداد الجنود، مع بدء هجرة الشباب هرباً من الجيش.
ولا يخفى على أحد أن العامل الأساسي للتدخل الروسي هو محاولة إعادة روسيا إلى الساحة العالمية وفرض قوتها وموقعها السياسي أمام الولايات المتحدة الأميركية، وكلّ ما تفعله اليوم هو لتأكيد سلطتها على الأراضي السورية، باعتبارها واحداً من أهم الملفات الدولية في الوقت الراهن، وعلى رغم أن أحد أدوار روسيا المتوقعة كان إصلاح القطاع الأمني السوري إلّا أن هذا الأمر لم تظهر ملامحه للآن، لكن عموماً غدا الدور الروسي واضحاً وأكثر تماسكاً وطغى إلى حد كبير على الدور الإيراني الذي ما زال يفضّل العمل في الظل، وبات اليوم أي تفاوض مع النظام يعني التفاوض مع الروس بشكل مباشر، لكن هذا لم يلغِ الدور الإيراني بشكل كامل للآن.
ساعد على تقوية الدور الروسي في سوريا، علاقتها الطيبة مع “إسرائيل”، التي يفتقدها الإيرانيون، والتي تشكل حجر زاوية أساسي في الصراع السوري اليوم، وإن كانت روسيا لم تظهر رؤيتها السياسية للآن، إلا أن ضعف إيران في الفترة الأخيرة سيشكل ورقة رابحة لها، إذ ستختفي مخاوفها من لجوء النظام إلى إيران في حال ضغطها عليه نحو تغييرات سياسية، وهذا ما أشار إليه الدكتور اندريه كورتنوف، المدير العام للمجلس الروسي للعلاقات الخارجية خلال ندوة في كلية واشنطن للحقوق. فروسيا منحت الأسد فرصة أخيرة خلال الانتخابات المقبلة لإجراء تغييرات وتحسينات فعلية على أرض الواقع اجتماعياً واقتصادياً وإدارياً، مع بدهية فوزه بالرئاسة في ظل غياب الشفافية والموضوعية في الانتخابات. وبحسب أندريه فإن روسيا غير متمسّكة بالأسد في حال وجود نظام صديق يكون بديلاً عنه، وهذا يعني تخلي روسيا عن الأسد في أي لحظة، وهذا ما لن يقبله النظام بطبيعة الحال، ما سيشكل بوابةً لأزمات سورية جديدة.
إذاً وحتى مع علم النظام بأنه ليس الابن المدلل للروس، ما زال يستمر بالتدليس وحني الرأس أكثر أمامهم، لحين إيجاد البديل وتأكده من قدرته على السيطرة مجدداً والتقاط زمام مصالحه.
سوريا اليوم كلّها محتلة، إنها وطن ليس لنا، لا نملك سوى البكاء عليه لمرة واحدة، وطن غدا كقطعة حلوى وزّعت بغير تساوٍ على دول غريبة، روسيا، تركيا، أميركا، إيران، حزب الله اللبناني وتنظيمات متشددة… لكنّ ذلك لا يعتبر احتلالاً!
ما الفرق حقاً إن كان الشعب ما زال يعيش في أسوأ أزمة اقتصادية سورية، فيغدو نظام الأسد محتلاً كذلك، محتلاً نهب ثروات السوريين وكمم أفواههم وقتلهم وأخرجهم من منازلهم، فالمحتل ما زال بيننا منذ أكثر من أربعين عاماً، محتلٌ يمتصّ حياة السوريين وحريتهم.
درج
——————————–
========================
تحديث 21 نيسان 2021
——————————
سورية: بشار الأسد يترشح لولاية رئاسية جديدة/ جلال بكور
قدّم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اليوم الأربعاء، أوراق ترشحه لولاية جديدة في الانتخابات المقرر إجراؤها في 26 مايو/ أيار، فيما نددت المعارضة بالاقتراع، واعتبرته “مسرحية هزلية”، تستهدف ترسيخ حكم الأسد.
وأعلن رئيس مجلس الشعب السوري، حمودة صباغ، تقدم الأسد، الأربعاء، بطلب ترشيح إلى منصب رئيس الجمهورية.
سورية
وأشار رئيس مجلس الشعب، إلى تلقي 3 كتب من المحكمة الدستورية العليا تعلمه بتقديم كل من بشار الأسد ومهند نديم شعبان ومحمد موفق صوان، طلبات إلى المحكمة بترشيح أنفسهم لمنصب رئيس الجمهورية.
وكان المجلس قد تلقى من المحكمة الدستورية ثلاثة كتب بتقديم عبد الله سلوم عبد الله ومحمد فراس ياسين رجوح وفاتن علي نهار، طلبات إلى المحكمة بترشيح أنفسهم لمنصب رئيس الجمهورية.
ويعتزم النظام السوري إجراء الانتخابات في مايو المقبل، وسط مقاطعة من المعارضة السورية وعدم وجود اعتراف دولي بالانتخابات.
——————-
بعد عشر سنوات من نزاع مدمّر لإزاحته
الأسد يتقدّم بطلب الترشح لولاية رئاسية رابعة في سوريا
– أ. ف. ب.
دمشق : قدّم الرئيس السوري بشار الأسد الأربعاء طلب ترشح رسمي الى الانتخابات المقبلة المحددة في 26 أيار/مايو المقبل، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي، في استحقاق تبدو نتائجه محسومة سلفا لصالح حصوله على ولاية رئاسية رابعة.
وأعلن رئيس مجلس الشعب حمودة صباغ تبلّغ المجلس من “المحكمة الدستورية العليا تقديم بشار حافظ الأسد طلب ترشيح إلى منصب رئيس الجمهورية”.
والأسد (55 عاماً) هو المرشح السادس الذي يقدم طلب ترشيح الى المحكمة الدستورية، في حين أن المرشحين الخمسة الآخرين غير معروفين على نطاق واسع، وبينهم عضو سابق في مجلس الشعب، وآخر رجل أعمال وسيدة.
وفاز الأسد بانتخابات الرئاسة الأخيرة في حزيران/يونيو 2014 بنسبة تجاوزت 88 في المئة، ويتوقع أن يحسم نتائج الانتخابات المقبلة دون منافسة تُذكر، بعد أكثر من عشر سنوات من نزاع مدمّر بدأ بانتفاضة شعبية لإزاحته، وتسبب بمقتل أكثر من 388 ألف شخص واعتقال عشرات الآلاف ودمار البنى التحتية واستنزاف الاقتصاد ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان.
وبحسب الدستور السوري، تواصل المحكمة الدستورية العليا استقبال الطلبات لمدة عشرة أيام بدءاً من الاثنين، أي حتى 28 من الشهر الحالي.
ولقبول الطلبات رسمياً، يتعيّن على كل مرشح أن ينال تأييد 35 عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 250، وحيث يتمتع حزب البعث الحاكم بغالبية ساحقة.
ومن شروط التقدّم للانتخابات أن يكون المرشح قد أقام في سوريا بشكل متواصل خلال الأعوام العشرة الماضية، ما يغلق الباب أمام احتمال ترشح أي من المعارضين المقيمين في الخارج.
وتُجرى الانتخابات الرئاسية مرة كل سبع سنوات. وتعدّ الانتخابات المقبلة الثانية منذ بدء النزاع العام 2011.
وبعد أن ضعفت في بداية النزاع، استعادت القوات الحكومية بدعم عسكري روسي وإيراني مساحات واسعة من البلاد. وتبقى مناطق محدودة تحت سيطرة أطراف محلية مدعومة من قوى خارجية وتنظيمات جهادية، ولن تشملها الانتخابات على الأرجح.
ويحل الاستحقاق الانتخابي فيما تشهد سوريا أزمة اقتصادية خانقة خلّفتها سنوات الحرب، وفاقمتها العقوبات الغربية، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع سوريون كثر، بينهم رجال أعمال، أموالهم.
————————
تجريد نظام الأسد من حق التصويت بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.. عوقب لضربه سوريين بغازات سامة
جردت الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الأربعاء 21 أبريل/نيسان 2021، النظام السوري من حقوق التصويت في المنظمة، بعدما تبين أن النظام استخدم مراراً غازات سامة ضد مدنيين خلال الحرب.
وأيدت أغلبية من الدول خلال تصويت قراراً بإلغاء امتيازات سوريا في المنظمة على الفور.
المنظمة تتحرك ضد نظام الأسد
يأتي هذا بعدما قالت المنظمة إنها تبحث تجريد نظام الأسد من حقوقه في المنظمة التي مقرها لاهاي، رداً على نتائج تقرير أفاد بأن قواته استخدمت مراراً غازات سامة في الحرب.
فيما نفى النظام السوري وروسيا مراراً استخدام أي أسلحة كيماوية في الحرب المستمرة منذ عشر سنوات، والذي حول المنظمة -التي كان اختصاصها في يوم من الأيام فنياً فحسب- إلى سبب للخلاف بين القوى السياسية المتنافسة، وإلى انقسام في مجلس الأمن.
وقال لويس شاربونو، مدير شؤون الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش، إنه يأمل في أن تشجع الخطوة الدول على ملاحقة أفراد قضائياً، بالمسؤولية الجنائية عن تلك الوقائع، وتابع قائلاً “بينما ستكون هذه الخطوة رمزية إلى حد بعيد، فمن الضروري تذكير العالم بنطاق وخطورة جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري”.
وخلصت العديد من التحقيقات في الأمم المتحدة، وأخرى أجراها فريق التحقيق والتقصي الخاص التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إلى أن النظام السوري استخدم غاز السارين وقنابل من براميل الكلور في هجمات شنها بين عامي 2015 و2018، قتلت وأصابت الآلاف.
وفي الأسبوع الماضي، خلص الفريق إلى أن هناك “أسباباً معقولة للاعتقاد” بأن النظام السوري أسقط قنبلة من الكلور على حي سكني في منطقة إدلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة، في فبراير/شباط من عام 2018.
————————
محاولات التحايل الروسي/ عالية منصور
عندما كتبت قبل أسابيع عن استحالة تعريب الأسد، كانت الأصوات التي خرجت لتطالب بعودته إلى الحاضنة العربية لا تزال خافتة، بينما بتنا اليوم نسمع عن مبادرات ودعوات تصدر من عدة دول وجهات للمطالبة بعودة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية والتطبيع معه. والساعي الأكبر لتفعيل هذا المسار هو وزيرالخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يقوم منذ أسابيع بجولات وزيارات لعدة دول عربية داعيا إلى إلغاء قرار تجميد عضوية دمشق في الجامعة العربية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، والخروج بموقف عربي يعلن في القمة العربية في الجزائر.
يحاول الروس أن يسوقوا أن العملية السياسية «تتقدم» عبر حوارات اللجنة الدستورية في جنيف، في محاولة منهم لإعطاء شرعية ما أو اعتراف ما بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، بينما في الحقيقة فقد سبق وصرح المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون أمام مجلس الأمن بعيد انتهاء الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية أن الجولة «كانت فرصة ضائعة وعبارة عن خيبة أمل».
كذلك يحاول الروس الإيحاء بأن عودة النظام إلى جامعة الدول العربية والتطبيع معه يضعف إيران في سوريا ويبعد الأسد عنها، وهذه الوصفة جربت مرات عدة وأثبتت فشلها قبل الثورة كما بعدها، ولا ننسى كيف عول البعض بعد التدخل العسكري الروسي، على أن هذا التدخل سيضعف إيران ويخرجها من سوريا، ولكن بعد أكثر من خمسة أعوام كانت نتيجة التدخل العسكري الروسي المزيد من التوغل الإيراني في سوريا والمزيد من السيطرة لا على القرار السياسي السوري وحسب بل أيضا على الجغرافيا السورية.
النقطة الثالثة التي يستخدمها الروس لتسويق ضرورة التطبيع مع الأسد ونظامه، هي الوضع الاقتصادي والأزمة الناتجة عن العقوبات المفروضة على النظام وخصوصا عقوبات قيصر، ويكرر الروس التخويف من «انهيار الدولة السورية»بسبب هذه العقوبات. لقد كان الجانب الأميركي والأوروبيون واضحين عندما أخبروا الروس بآلية رفع هذه العقوبات، وتحدثوا عن شروط لرفعها أو تخفيفها، منها وقف الاستهداف المتعمد من قبل النظام السوري وروسيا وإيران للمنشآت الطبية والمدارس، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والسماح للمنظمات الدولية بالوصول إلى السجون السورية، كذلك التزام دمشق بالتنفيذ الكامل لالتزامات معاهدتي حظر تطوير الأسلحة الكيماوية، والحد من انتشار الأسلحة النووية. يتجاهل الروس ومن معهم هذه الشروط، بينما لو كانوا جادين في موضوع «تخفيف معاناة المدنيين»لالتزموا بتطبيقها وطالبوا وضغطوا على نظام الأسد لتنفيذها، ولكن بطبيعة الحال لا يمكن أن ننسى أن روسيا نفسها هي من مارست حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة في مجلس الأمن لتمنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق السورية. فليس المعروف عن روسيا اهتمامها بالجانب الإنساني وحقوق الإنسان ومحاولة السعي للتخفيف من معاناتهم، ولكنها وجدت في موضوع العقوبات والمعاناة التي يعيشها السوريون في مناطق سيطرة النظام حجة قد تنفعها بخطتها لإعادة التطبيع مع الأسد في خطوة لإعادة تمويله.
هي ليست المبادرة الأولى لروسيا والتي يكون ظاهرها إنسانيا بينما هدفها إيجاد تمويل للنظام السوري ولعملياتها في سوريا بعد أن أنهكتهم العقوبات المفروضة على سوريا مثل إيران، وليس مؤتمر إعادة اللاجئين السوريين الذي عقد قبل أشهر في دمشق إلا إحدى محاولات استجلاب الدعم المالي.
لا شك أن ما يعيشه السوريون في مناطق النظام هو مأساة حقيقية، حتى بتنا نسمع عن عمليات هروب ونزوح من مناطق النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال، وخصوصا مع ارتفاع معدلات الفقر إلى نسب خيالية، ولكن تبقى مأساتهم جزءا من مأساة الشعب السوري والتي لا يمكن أن تنتهي إلا بحل شامل وعادل للجميع، حل يحاسب جميع من تسببوا في هذه المأساة، فليس من الإنسانية في شيء أن تترافق الدعوات لرفع العقوبات عن نظام الأسد مع صدور نتائج تقرير صادر عن فريق تحقيق أممي والذي حمل النظام السوري المسؤولية عن الهجوم الكيماوي الذي استهدف بلدة سراقب في إدلب في فبراير (شباط) 2018.
والمطلوب اليوم هو عودة العرب إلى سوريا، وعودة سوريا إلى محيطها العربي، وذلك لن يتحقق إلا بحل عادل يضمن تعافيها وانتقال سياسي وفق بيان «جنيف واحد»والقرار 2254 وخروج جميع القوى الأجنبية وأدواتها من سوريا.
—————–
تركيا تؤكد عدم اعترافها بانتخابات نظام الأسد: لن يعترف بها أحد
أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عدم اعتراف أنقرة بـ”الانتخابات الرئاسية” التي أعلن نظام الأسد إجرائها في أيار/مايو المقبل.
وقال جاويش أوغلو، في مقابلة مع قناة “خبر ترك” اليوم الثلاثاء، إنه ” لا شرعية لانتخابات الرئاسة التي ينظمها النظام في سورية، ولا أحد يعترف بها”.
وأضاف الوزير التركي أن “هناك نظام (في سورية) لا يؤمن بالحل السياسي، ويؤمن بالحل العسكري”.
وحول علاقات بلاده مع النظام، أكد أوغلو أنه “بعد وضع دستور جديد وقوانين انتخابية، وتنظيم انتخابات وتحقيق الوحدة الوطنية، يمكن إقامة العلاقات”.
موقف أمريكي مماثل
وتزامن ذلك مع إعلان متحدث باسم الخارجية الأمريكية، بأن “الانتخابات الرئاسية السورية المقترحة هذا العام لن تكون حرة ولا نزيهة”.
ونقلت قناة “الحرة“، عن متحدث باسم الخارجية لم تكشف عن اسمه، قوله إنه ” في هذه الأجواء لا نقيم هذه الدعوة لإجراء انتخابات بأنها تتمتع بالمصداقية”.
واعتبر المتحدث أنه “يجب اتخاذ خطوات نحو إجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقا لدستور جديد، تدار تحت إشراف الأمم المتحدة”.
وكان “مجلس الشعب” التابع لنظام الأسد، أعلن الأحد الماضي، موعد “الانتخابات الرئاسية” إلى جانب فتح باب الترشح.
و حدد رئيس المجلس، حمودة الصباغ، موعد الانتخابات الرئاسية للسوريين في الخارج يوم 20 أيار/ مايو 2021، في حين حدد موعد الانتخابات للسوريين داخل سورية في 26 أيار/ مايو المقبل.
وأعلن أن ثلاثة أشخاص تقدموا بطلب الترشح حتى اليوم وهم: “عبد الله سلوم عبد الله”، و”محمد فراس ياسين رجوح” و”فاتن علي نهار”.
وتعتبر “الانتخابات الرئاسية” المقبلة، الثانية من نوعها التي ينظمها النظام خلال الثورة السورية، إذ كانت الأولى في 2014 وحصل الأسد حينها على نسبة 88.7%.
وبينما يؤكد نظام الأسد على تنظيم الانتخابات الرئاسية “في وقتها”، تقول دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، بأنها “غير شرعية”، على اعتبار أن شريحة كبيرة من السوريين لن تشارك فيها.
يُشار إلى أن فرنسا قدمت في مارس/ آذار الماضي، وثيقة نيابةً عن عدة دول أوروبية، باسم “مجموعة ذات تفكير متشابه”، هدفها رفض إجراء أي انتخابات رئاسية في سورية خارج قرار مجلس الأمن “2254”، وقطع أي محاولة لـ “التطبيع” مع نظام الأسد عقب الانتخابات.
وتأتي “الانتخابات” في ظل واقع اقتصادي متردي يعصف بالمناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، نتيجة انهيار الليرة السورية وارتفاع أسعار المواد الأساسية، إلى جانب أزمات معيشية وعلى رأسها أزمة الخبز والبنزين والكهرباء.
———————-
========================
تحديث 22 نيسان 2021
———————————
بشار الكيماوي وانتخاباته الرئاسية/ بكر صدقي
قبل كل شيء يسجل لـ«موسم» الانتخابات الرئاسية في سوريا أنها جعلتنا نعرف اسم رئيس مجلس الشعب، حمودة الصباغ الذي لم تستطع حتى وكالات الأنباء العالمية تجاهله. والحال أن الصفحة المخصصة للرجل في موقع ويكبيديا يخبرنا بمساره الصاعد في مراتب الحزب والدولة الأسديين، وصولاً إلى موقعه الحالي، في مؤشر لا تخطئه العين إلى إخلاصه الشديد للنظام منذ مطلع الثمانينيات حين كان عضو قيادة رابطة شبيبة الحسكة، وإلى الخدمات الخفية التي يحتمل أنه قدمها للأجهزة المختصة. وتدرج الرجل بعد ذلك في مراتب الحزب وصولاً إلى قيادته القطرية ولجنته المركزية، وفي الدولة وصولاً إلى رئاسة مجلس الشعب. وفي مطلع العام 2019، اتهم الحملات الانتقادية للحكومة بسبب تردي مستوى الخدمات العامة أو انعدامها بأنها «تدار من الخارج» فتلقى انتقادات حادة من الرأي العام الموالي بصدر رحب عربوناً لتفانيه في الإخلاص للنظام.
حمودة الصباغ هذا أعلن، إذن، عن وصول ستة طلبات ترشيح إلى رئاسة مجلس الشعب للنظر في صلاحيتها قبل إقرارها، بينها طلب من بشار الأسد الذي تأخر عن زملائه الراغبين في المنصب ليرفع من منسوب التشويق لدى الرأي العام. وهو تشويق متلف للأعصاب في البيئة الموالية التي ترى فيه المنقذ. ماذا لو استنكف عن ترشيح نفسه؟ ما هو مصير البلد إذا خيب آمال عشاقه واكتفى بالسنوات الواحدة والعشرين التي أمضاها في تحمل العبء الصعب؟ في وقت تصحرت فيه سوريا ولم يبق لبشار أي بديل قادر على حمل عبء المسؤولية؟
إذن تنفس الموالون الصعداء لأن بشاراً لم يتخل عنهم وعن سوريا في هذا المنعطف المصيري، ووافق على الاستمرار في إنقاذ البلد إلى الأبد. أما فوزه في الانتخابات المتوقع إجراؤها بعد نحو شهر من الآن فهو مضمون بالنظر إلى شعبيته الجارفة وإنجازاته التاريخية في العقدين المنصرمين، كما بالنظر إلى منافسيه المحتملين الذين لا يعرفهم أحد. لذلك فلا خشية على مستقبل سوريا ما دام بشار يرتضي الاستمرار في حكمها.
ولكن، ما دام الأمر كذلك، لماذا إذن كل تلك الاشتراطات في الترشح لرئاسة الجمهورية؟ ما المغزى من اشتراط حصول طالب الترشح على تزكية 35 من أعضاء مجلس الشعب؟ لا بد أن سبب ذلك هو تعزيز الحيثية التمثيلية للمرشح وتقوية حظوظه في «السباق الرئاسي». وما معنى اشتراط أن يثبت المرشح أنه كان مقيماً بصورة متواصلة في سوريا طوال السنوات العشر السابقة على ترشحه؟ هل ثمة خشية من أن يرشح سوري «من الخارج» نفسه للرئاسة؟ وماذا لو فعل؟ فهو لن يحظى بتزكية 35 من أعضاء مجلس الشعب على أي حال. أي أن أحد الشرطين السابقين كاف لوحده لقطع الطريق على أي ترشيح غير مرغوب فيه. وضع الشرطين معاً يشبه أن يهرب المرء من المطر إلى داخل البيت ويفتح مظلته أيضاً، فلا شيء يضمن ألا يتسرب المطر من خلال السقف الاسمنتي، على رغم وجود عدة طوابق فوق البيت.
أضف إلى ذلك أنه حتى النازحين السوريين في «لبنان الشقيق» سيحظون بممارسة حقهم الانتخابي، كما رأينا في الانتخابات السابقة في العام 2014، هذا لكي لا نتحدث عن ملايين الناخبين الذين سيصوتون لبشار داخل مناطق سيطرة النظام. فلا خشية عليه من التعثر في السباق في جميع الأحوال. ما يثير الاستغراب إنما هو كل تلك الاحتياطات المتخذة لضمان فوزه على رغم أنه مضمون. ترى هل الغاية من ذلك هي إثارة التشويق ليقال إن هناك تنافساً حاداً بين المرشحين، الأمر الذي يعني إضفاء كساء ديمقراطي على عملية لا علاقة لها بإرادات الناخبين؟ أي اكتساب شرعية ديمقراطية تضاف إلى شرعيته الشعبية والثورية؟ (فالرجل قد حقق ثورةً كوبرنيكية في سوريا التي حولها إلى خرابة وتغييراً ديموغرافياً ثورياً تخلص بموجبه من السكان الفائضين عن الحاجة).
لا غرابة في كل ما سبق، فهذا هو نظام الأسد كما يعرفه العالم ويقبل به، بل يعمل لإنعاشه من غيبوبة الموت. لكن هذه الانتخابات المفعمة بالتفاصيل السوريالية التي أشرنا إلى بعضها فقط، تعني أيضاً أن النظام يمد لسانه ليس فقط للسوريين الذين اكتووا بناره، بل أيضاً للمجتمع الدولي، فيقول لهما: هذا أنا وليس لديكم خيار آخر غير القبول بي كما أنا. لتبلوا قرارات مجلس أمنكم وتشربوا ماءها.
كاتب سوري
القدس العربي
———————–
“تعويم” الأسد بدولارات المُهجّرين/ إياد الجعفري
لا يبدو أن نظام الأسد مهتم بالأصوات الانتخابية للاجئين والمغتربين السوريين في الخارج. لكنه مهتمٌ للغاية، بدولاراتهم. أما أصواتهم “الانتخابية”، فهو يريد تقليصها، كما يشير التوجيه الحكومي بعدم تمكين من خرج بصورة غير شرعية من البلاد، من ممارسة “حقه الانتخابي”. وهذا التوجيه من جانب النظام، لا يأتي خشيةً من أن يتعرض لـ “هزة انتخابية” إذا صوّت عدد كبير من المناوئين له بالخارج. فالجميع يعلم أن “الانتخابات” القادمة في سوريا، مسرحية، يتم الإعداد لها لأسباب “سيكولوجية” موجهة للسوريين أنفسهم، وسياسية موجهة للقوى الخارجية المعنية بالشأن السوري. أما التوجيه المشار إليه، فلا يعدو كونه رسالة لمن يهمه الأمر، بأن “دولة الأسد”، ستبقى هي الجلّاد والحَكَم في آن، وأن من فرّ من طغيانها، بصورة غير شرعية، حتى لو كان ذلك بغية النجاة بحياته، لا يستحق نيل “شرف” المشاركة بـمسرحية “الانتخابات” التي يتم الترتيب لها. إنه جانب من الغاية السيكولوجية المرتبطة بهذه “الانتخابات”، وهي تأكيد سطوة النظام على السوريين، في الداخل والخارج أيضاً، بوصفه يمثّل “شرعية الدولة” ويحتكر سطوتها القانونية.
ومما يؤكد عدم اهتمام نظام الأسد بالأصوات الانتخابية لمن هم في الخارج، تلك السابقة التي حدثت عام 2014، حينما أعلنت وزارة خارجية النظام، وبكل شفافية، أن عدد من شارك في “الانتخابات الرئاسية” حينها، خارج سوريا، كانوا حوالي 200 ألف سوريّ فقط، وذلك من أصل نحو 7 ملايين لاجئ سوريّ يتمتع نصفهم تقريباً بحق التصويت. أي أن حوالي 6% فقط، ممن كان يحق لهم التصويت، خارج سوريا، شاركوا يومها في “الانتخابات”. وأعلن النظام حينها، الأمر، على الملأ. في حالة جليّة من اللامبالاة. وهو ما سيتكرر هذه المرة أيضاً.
أما حينما نتحدث عن “دولارات” سوريي الخارج، يختلف موقف النظام. فهو يرحب بها بحرارة. سواء عبر الحوالات المرسلة الى سوريي الداخل، أو عبر المعاملات واستصدار الأوراق والوثائق القانونية التي يضطر السوريون للحصول عليها في سفارات بلادهم بالخارج، والتي تشكل مورداً مهماً من موارد القطع الأجنبي، الذي يدخل خزينة نظام الأسد، بشكل دوري. وبهذا الصدد يمكن الإشارة إلى آخر إحصائية على هذا الصعيد، حينما ذكرت وزارة داخلية النظام، في تصريح رسمي، أن إيرادات استصدار جوازات السفر، فقط، بلغت حتى نهاية الربع الثالث من عام 2020، حوالي 22 مليون دولار أمريكي.
لكن الكنز الأكثر أهمية، هو حوالات السوريين في الخارج، التي شكلت طوق نجاة لليرة الغارقة، مؤخراً، حينما أعاد النظام توجيه قنوات دخول تلك الحوالات إلى مكاتب وشركات الصرافة المرخصة، المتعاملة معه، عبر رفع “دولار الحوالات” إلى 2500 ليرة، وإتاحة المجال لتلك المكاتب، كي تشتري “دولار الحوالات” بأرقام أكبر من ذلك، بضوء أخضر منه. وهكذا عاد ذلك الشريان المهم ليصب في خزينة النظام مجدداً، بمعدل 10 ملايين دولار أمريكي، يومياً، خلال شهر رمضان الجاري، حسب تقديرات خبراء.
وحالما خرجت الليرة السورية من مستنقع انهيارها الأخير، وسجلت سعراً غير مسبوق منذ طرح ورقة الـ 5000 الجديدة، قبل ثلاثة أشهر، أعلن النظام أن “رئيسه” تقدم بطلب ترشيحه لرئاسة الجمهورية في “الانتخابات” القادمة. وبذلك يكون الأسد قد عوّم نفسه مجدداً، لكن هذه المرة، باستخدام “دولارات” سوريي الخارج، الذين هجّر غالبيتهم، ومنع جزءاً كبيراً منهم من المشاركة في مسرحية “انتخابه”.
لكن أحد الأسئلة التي تستحق الوقوف عندها، والتي تُطرح للنقاش في أوساط السوريين هذه الأيام، هل يحتاج الأسد حقاً إلى “انتصار اقتصادي”، من قبيل تحسن سعر الصرف، كي يُقدم على عملية “انتخابية” يعلم الجميع، بمن فيهم أنصاره، أنها محسومة مُسبقاً؟
الجواب ببساطة يرتبط بما يُعرف بـ “صناعة الصورة الذهنية” للديكتاتور. فالأسد كان بحاجة ملحة لترميم هذه الصورة في أوساط أنصاره، بعد الانهيار المعيشي غير المسبوق الذي انحدرت إليه أوضاع غالبية السوريين في مناطق سيطرته. وأكثر ما يعني الأسد، بهذا الصدد، حاضنته، تلك التي نازعه الزعامة المطلقة عليها، منذ مدة قصيرة، ابن خاله، رامي مخلوف، قبل أن يختفي –لأسابيع- عن المشهد. وكان رامي يضرب على الوتر الاقتصادي. وكما هو معلوم، فالديكتاتور لا يعمل نيابةً عن أكثرية مواطنيه، بل يعمل لصالح حفنة محدودة من الشعب، تلك التي تشكل مصدر دعمه وقوته القسرية في الجيش والأمن. وحينما ترتفع كلفة دعم الديكتاتور، على داعميه، يصبح احتمال انقلاب أولئك الداعمين عليه، أمراً وارداً. ورغم ضآلة تلك الاحتمالية في حالة الحاضنة الشعبية للأسد الممثلة بصورة رئيسية في الطائفة العلوية، فمن الطبيعي أن تكون ذلك الاحتمال، هاجساً نال من تفكير الأسد في الأشهر القليلة الفائتة. وإلا، فكيف نفسّر الإعلان عن إصابة الأسد وزوجته بـ “كورونا”، وهي تقنية معروفة من تقنيات الدعاية السياسية، عبر توظيف المرض، واستخدام المآساة الشخصية في كسب التعاطف ولفت الأنظار، وتدعيم الصورة الذهنية للديكتاتور، بأنه قريب من الشعب، ويعيش كواحدٍ منهم، ويجري عليه، ما يجري عليهم.
وكما تم توظيف مرض الأسد المزعوم، وقبله، الوعكة العابرة التي ألمت به في خطابه أمام مجلس الشعب في الصيف الفائت، تم توظيف الهبوط بسعر صرف الدولار من حدود 4800 ليرة إلى أقل من 3000 ليرة، بوصفه إنجازاً للأسد، تم بإدارة وتوجيه ومتابعة شخصية منه، وفق ما دأبت على الترويج له وسائل إعلام النظام، خلال الأيام القليلة الفائتة. بينما الحقيقة، أن حوالات مهجّري سوريا ومغتربيها، هي التي أعادت تعويم الليرة، والأسد معاً. وهذا التعويم مؤقت، وهذا ما يتضح من مواقف التجار في السوق السورية، الذين يرفضون الهبوط بأسعار سلعهم، مشيرين في أكثر من حديث صريح، مع بعضهم، إلى أنهم يرجحون بشدة، ارتفاع الدولار بصورة كبيرة، حالما تنتهي مسرحية “انتخابات” الأسد. وحينها، سيلجأ النظام إلى الحديث عن المؤامرة الخارجية “الحاقدة” على “التفاف” الشعب من حول الأسد، و”تصويت” غالبيتهم لصالحه، بوصفها السبب في التدهور المرتقب لليرة السورية.
المدن
————————–
بشار الأسد مرشحاً للانتخابات: مسرحية وخمسة “كومبارس” إلى الآن/ عماد كركص
لا يشكل ترشح بشار الأسد لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في سورية حدثاً مفاجئاً، إذ ينظر السوريون، معارضين ومؤيدين، ومعهم المجتمع الدولي الضالع في إيجاد حل للأزمة السورية المستمرة منذ عشرة أعوام، بأن الانتخابات ليست سوى محطة للتجديد للأسد لولاية رئاسية رابعة مدتها سبعة أعوام، بحسب الدستور الحالي، الذي كان الأسد نفسه فرضه في العام 2012، بعد اندلاع الثورة السورية بعام، وأجرى له استفتاءً شكلياً لم يحظ بمشاركة الغالبية العظمى من السوريين.
وأعلن اليوم رئيس مجلس الشعب (البرلمان) التابع للنظام، حمودة الصباغ، ترشح بشار الأسد للانتخابات، مشيراً إلى أنه “ورد إلى المجلس كتاب المحكمة الدستورية العليا رقم /6/ والمتضمن الطلب المقدم من بشار بن حافظ الأسد بترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية العربية السورية وقد سجل الطلب لدى المجلس في سجل خاص برقم 6”.
وبحسب الدستور الحالي، يتطلب أن يحصل طالب الترشيح على تأييد خطي من 35 عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب، ولا يجوز لعضو مجلس الشعب أن يمنح تأييده إلا لمرشح واحد. ومنذ إعلان موعد الانتخابات يوم الأحد الماضي، وفتح باب الترشح اعتباراً من يوم الاثنين الماضي، ورد إلى مجلس الشعب عبر المحكمة الدستورية العليا، ستة طلبات للترشح، كان آخرها طلب بشار الأسد، فيما لا يزال باب الترشح مفتوحاً.
ويعاند الأسد وحلفاؤه، وبالأخص الروس والإيرانيين، تطلعات المجتمع الدولي، لا سيما الدول الغربية الراغبة بتنفيذ القرار الدولي 2254 حيال الأزمة السورية، بما يتضمن انتقالاً سياسياً وصياغة دستور جديدٍ للبلاد، ومن ثم إجراء انتخابات بموجب الدستور الجديد، لكن الأسد ونظامه، وبمساندة واضحة من حليفيه، أمعنوا في المراوغة والمماطلة في الجلوس جدياً إلى طاولة التفاوض السياسية بمسارات مختلفة، فتمكنوا من القفز على السلة الأولى في القرار الأممي 2254، وهي مرحلة الحكم الانتقالي، والذهاب لسلة كتابة الدستور، وفي هذا المسار استخدم النظام كل طاقاته في سبيل تعطيل انعقاد اللجنة بداية، حوالي عام ونصف، من ثم عرقل أعمالها وجولاتها الخمس التي لم تسفر عن نتائج تذكر، نتيجة طرح وفد النظام مواضيع غير دستورية للنقاش بهدف كسب الوقت والوصول إلى الانتخابات الرئاسية، ما أضاع عاماً ونصف آخر، منذ انعقاد أول جولة للجنة وحتى اليوم.
منافسون “كومبارس”
وطوال خمسين عاماً من حكم النظام الحالي للبلاد، كانت الانتخابات الرئاسية، وحتى البرلمانية، شكلية بلا نتائج حقيقية، كونها تعكس ما تمليه فروع الأمن التي تعد القوة الضاربة للنظام، لا ما تقتضيه رغبة المواطنين السوريين في من يحكمهم، إذ ثمّة شرخ بين شرائح واسعة من عموم الشعب والنظام ظلّ يتّسع ويتعمّق منذ وصوله للحكم نهاية ستينيات القرن الماضي وحتى اندلاع الثورة عام 2011، وارتكاب النظام مجازر فظيعة بحقه على كامل الجغرافية السورية.
ويستحضر السوريون المناصرون للثورة ما يصفونها بأنها مسرحية هزلية التي جرى خلالها التجديد للأسد في انتخابات عام 2014. حينها اضطر النظام، للمرة الأولى، للاستعانة بمرشحين إلى جانب الأسد، للقول إن الانتخابات تنافسية وديمقراطية، لكن الجميع كان يعلم أن المرشحين، حسان النوري وماهر حجار، ليسا سوى ممثلين من صنف “كومبارس” دفعت بهما أجهزة المخابرات للترشح وإتمام المسرحية، التي بدت ركيكة النص والحبكة والإخراج.
كل المرشحين المنافسين للأسد ليس لهم حضور ووزن في المشهد السياسي في سورية، سواء ضمن المعارضة أو الموالاة، ويشار إلى أغلبهم بأنهم أبدوا مواقف مؤيدة للأسد منذ اندلاع الثورة السورية
وعلى المنوال ذاته، تسير الانتخابات هذه الدورة، فالمرشحون المنافسون من ذات نوعية المرشحين في الانتخابات الماضية، إن لم يكونوا أقل جودة، فكل من عبد الله سلوم عبد الله، ومحمد فراس ياسين رجوح، وفاتن علي نهار، ومهند بن نديم شعبان، ومحمد موفق صوان، ليس لهم حضور ووزن في المشهد السياسي في سورية، سواء ضمن المعارضة أو الموالاة، ويشار إلى أغلبهم بأنهم أبدوا مواقف مؤيدة للأسد منذ اندلاع الثورة السورية، ما يؤكد فرضية خروج أوامر ترشيحهم من أفرع المخابرات.
معارضة دولية وعدم اعتراف بالشرعية
دولياً، خرجت تصريحات لاذعة من دول غربية معارضة للانتخابات، مشيرة إلى عدم شرعيتها وشرعية نتائجها المستقبلية، واتخذت مؤخراً الولايات المتحدة الأميركية موقفاً حازماً حيال الانتخابات، بعد أن أعلن نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، جيفري ديلورنتس، نهاية الشهر الماضي، عن موقف إدارة الرئيس جو بايدن حيال الانتخابات، مشيراً إلى أن الإدارة “لن تعترف بنتائج الانتخابات في سورية إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، وتراعَ وجهة نظر المجتمع السوري بأسره”. وأكد ديلورنتس أن النظام السوري ينوي استغلال الانتخابات لتأكيد شرعية رئيس النظام بشار الأسد.
ويتطابق مع الموقف الأميركي، موقف أوروبي صارم، لا سيما من فرنسا وألمانيا ورئاسة الاتحاد الأوروبي، برفض الانتخابات ونتائجها المستقبلية، دون التوصل إلى حل سياسي شامل في البلاد، تكون مصدره الأروقة الأممية وطبقاً للقرارات الدولية وأولها القرار 2254 للعام 2015، الذي يقضي بأن تكون هناك هيئة حكم انتقالي تحضر لدستور جديد للبلاد والإعداد للانتخابات ومن ثم إجراءها تحت إشراف الأمم المتحدة.
غياب الناخبين
ويصر الأسد والنظام على إجراء الانتخابات رغم نزوح أكثر من عشرة ملايين سوري عن مساكنهم الأصلية، ولجوء نصفهم إلى خارج البلاد، فيما يقبع النصف الآخر في مخيمات اللجوء كنازحين نتيجة تعاظم القبضة الأمنية والعسكرية في مناطقهم جراء المعارك، أو يقطنون في مناطق سيطرة المعارضة، ويتوزع حوالي خمسة ملايين آخرين بين مناطق سيطرة المعارضة في كل من إدلب وشمال حلب، ومناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” الكردية شمال شرق سورية، ما يعني أن نحو ربع السكان فقط لا يزالون في مناطق سيطرة النظام التي يستطيع الأسد نشر صناديق الانتخابات فيها.
وحتى 14 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، سجّلت “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” التابعة للأمم المتحدة، 5,570,382 لاجئاً سورياً؛ 3,626,734 منهم في تركيا، و879,529 في لبنان، و659,673 في الأردن، و242,704 في العراق، و130,085 في مصر، و31,657 في دول شمال أفريقيا (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، السودان)، وذلك استناداً إلى الإحصائيات الرسمية والأعداد المسجلة لدى المفوضية فقط، إذ تقول الدول إنّ الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك، وإن جزءاً كبيراً من اللاجئين غير مسجّل.
ولا تشمل هذه الإحصائية اللاجئين في أوروبا، الذين يفوق عددهم المليون، إذ تستضيف ألمانيا بمفردها 600 ألف لاجئ سوري. هذا عدا عن النازحين داخلياً والمهجرين قسراً، الذين يبلغ عددهم نحو 6 ملايين، ما يعني أنّ نصف السوريين اليوم بعيدون عن بيوتهم.
ويرى عبد المجيد بركات، عضو الهيئة السياسية في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، أن “هذه الانتخابات ليست سوى محاولة فاشلة من قبل النظام وحلفائه لإعادة تعويمه على المستوى الداخلي والخارجي، والظهور بمظهر المتعافي بعد الحرب الطاحنة التي أنهكت البلاد”. ويضيف بركات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الانتخابات وسيلة أيضاً للتهرب من الاستحقاقات الداخلية الملقاة على عاتق النظام لا سيما بعد تردي الوضع المعيشي، من تأمين أبسط مستلزمات الحياة للمواطنين في مناطق سيطرته، بالإضافة للتهرب من الاستحقاقات الخارجية، المتمثلة بالحل السياسي للأزمة السورية”.
وينوه بركات إلى أن “النظام يجري الانتخابات دون أي صفة من صفات الشرعية أو أهلية قانونية لذلك، سيما مع عدم سيطرته على كامل المساحة الجغرافية في البلاد، بالإضافة لارتكابه جرائم حرب ضد المدنيين خلال السنوات العشر الماضية، كما يفقد التأييد الدولي لهذه الانتخابات طالما أنها تجرى خارج إطار القرار الأممي 2254، كما أن النظام غير قادر على الالتزام بالحقوق الانتخابية للناخبين في خارج مناطقه، فأكثر من ثلثي السوريين اليوم خارج مناطق سيطرة النظام؛ إما داخل سورية أو خارجها، وهم إما غير قادرين على الانتخاب أو غير قادرين على الترشح لتلك الانتخابات بحكم قانون الانتخابات الهزيل”.
العربي الجديد
—————————-
ترحيب بتجريد سورية من حقوق التصويت في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية/ وسام سليم
توالت ردود الأفعال على الخطوة التي اتخذتها الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أمس الأربعاء، بتجريد سورية من حقوق التصويت في المنظمة، بعدما تبين أن قوات النظام السوري استخدمت مراراً غازات سامة ضد المدنيين السوريين.
ورحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، بالقرار، مشيراً إلى أنّ نظام بشار الأسد استخدم “السلاح الكيميائي 50 مرة”.
وقال برايس، في إحاطة صحافية: “هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مثل هذا القرار بحق بلد ما. وترحب الولايات المتحدة بقرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتعرب عن امتنانها للمجتمع الدولي، لالتزامه المستمر بدعم المعايير الدولية ضد استخدام الأسلحة الكيميائية”.
ورحب الاتحاد الأوروبي بالقرار، وقال في بيان صدر عنه، إنه “بمثابة رسالة قوية ضد الإفلات من العقاب”، مشيراً إلى ما وصفه بـ”إخفاق النظام السوري في الامتثال لمعاهدة الأسلحة الكيميائية”.
وحثّ البيان النظام السوري على “الكشف بشكل كامل عن نطاق برنامجه للسلاح الكيميائي والعودة للامتثال التام بالمعاهدة”.
في المقابل، أدانت وزارة خارجية النظام السوري، في بيان نقلته وكالة الأنباء “سانا” التابعة له القرار، ووصفته بأنه “سابقة خطيرة في تاريخ المنظمة”.
وقالت خارجية النظام إن القرار يشكل “تطوراً خطيراً في مسيرة عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ويتنافى مع ميثاقها، وهو بذات الوقت خطوة عدوانية ضد دولة طرف في الاتفاقية”.
من جانبه، اعتبر المندوب الروسي لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ألكسندر شولغين، أنّ القرار الغربي في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ضد سورية “يشير إلى أن هذا الهيكل قد تحول إلى أداة سياسية وينتهك قواعد القانون الدولي”.
ونقلت وكالة “تاس” الروسية عن شولغين قوله إنّ ما حدث اليوم داخل أسوار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية “سيكون مخجلاً، ليس فقط بالنسبة إلينا وإلى البلدان التي صوتت ضد هذا القرار، ولكن أيضاً للعديد من أولئك الذين أيدوه”.
في سياق متصل، أعلن رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، أنّ الجمعية العامة بدأت اتخاذ الخطوات الأولى لتحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في سورية.
وقال بوزكير، خلال جلسة للجمعية العامة عقدت الأربعاء لمناقشة الصراع في سورية، وسبل التحقيق مع الأشخاص المسؤولين عن أخطر الجرائم المرتكبة فيها ومقاضاتهم إن “اللجنة مفوضة بجمع الأدلة المتعلقة بانتهاكات القانون الإنساني الدولي لتسهيل الإجراءات الجنائية العادلة في المحاكم”.
وطالب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء بمواصلة دعم الآلية وتمويلها بشكل كاف، مشدداً على أن “المساءلة والعدالة النزيهة والشاملة هي من بين الشروط المسبقة للمصالحة والعملية السياسية في سورية”.
كذلك أعرب المسؤول الأممي عن أمله في أن تستمر عمليات المساعدة الحاسمة عبر الحدود التي تقوم بها الأمم المتحدة، والتي تعد شريان حياة للملايين في شمال شرق سورية، دون انقطاع، داعياً الدول الأعضاء المعنية إلى ضمان تمديد ولاية تلك العمليات إلى ما بعد يوليو/ تموز.
————————-
واشنطن تنسحب من مسار أستانة السوري
أعلن السفير الأميركي في كازاخستان وليم موزير أن بلاده لا تخطط للعودة كمراقب إلى مسار أستانة، وتعتبر محادثات جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة أفضل طريقة للحل في سوريا.
وقال السفير في إحاطة عبر الفيديو: “نعتقد أن صيغة جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة هي أنسب عملية لحل هذا الصراع. لذلك، لا نريد أن نكون مراقبين في عملية أخرى بعد الآن”.
ولم تشارك، واشنطن في مع إيران وروسيا وتركيا في مسار أستانة حول سوريا، في 15 شباط/فبراير، وتحدث مسؤول أميركي فضل عدم ذكر اسمه لقناة “الحرة” الأمريكية، أن “المسار الوحيد لإنهاء النزاع في سوريا يمر عبر العملية السياسة التي تسهلها الأمم المتحدة في جنيف بموجب القرار 2254”.
من جهة ثانية، رحبت الولايات المتحدة بقرار منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حول سوريا، مؤكدة أن نظام الأسد استخدم السلاح الكيماوي 50 مرة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس في إيجاز صحافي: “نظام الأسد استخدم السلاح الكيماوي 50 مرة ونرحب بقرار منظمة حظر الأسلحة الكيماوية المتعلق بسوريا”.
وشدد على أن المجتمع الدولي سيواصل “التزامه في تطبيق المعايير الدولية ضد استخدام الأسلحة الكيماوية الذي يشكل تهديداً أمنياً خطيراً للجميع”.
وكانت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية صوتت في وقت سابق الأربعاء، على تجريد سوريا من حقوقها بالمنظمة بعدما أكد تقرير مسؤولية نظام الأسد في عدد من الهجمات بأسلحة كيماوية.
———————————
أنا كاليغولا .. انتخبوني !/ صالح الحاج صالح
بين خطاب القسم لبشار الأسد في 10 – 7 – 2000 م وحملة الترشيح التي يقوم بها اليوم لتولي فترة رئاسية رابعة، يكون قد مرت على السوريين وبلدهم 21 سنة وبين قَسمه برعاية مصالح الشعب وسلامة الوطن في ذلك الخطاب، وحصيلة اليوم التي أدت إلى قتل ما يقرب من المليون ضحية، وتهجير 13 مليون سوري من بيوتهم، ومليوني مشوّه حرب، وخمسة احتلالات، تكون سورية وسكانها قد دخلوا ببداية العقد الثالث تحت حكم الوريث، وبين قوله في ذات الخطاب أنه لا يملك عصاً سحرية لتحقيق المعجزات، ووضوح أنه يمتلك هراوة غليظة حطم بها سورية لتُحتَلّ تحت ظلّه، وسِنيّ حكمه، المرتبة الأخيرة في العالم بكل مقومات الحياة، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا تعليم ولا صحة . فمن يرصد فترة حكم الوريث، وخاصة خلال العقد الأخير، سيجد أنه عبارة عن كاريكتر لطاغية تم تجميعه من بقايا خردة لطغاةٍ سبقوه، فمن هذا برغي، ومن ذاك سلك، ومن آخر ذراع معدنية، ومن رابع وخامس وسادس .. بطارية وعزقة ورنديلة تمّ تلحيمها وتوصيلها مع بعضها البعض للحصول على طاغية صغير، مليء بالشر والحقد. فقد حصل على حركة الأيدي البلهاء من هتلر، ومن دكتاتوريات أميركا الجنوبية خلال فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي استمدّ فكرة الحماية والوصاية، وجعل سورية حديقة خلفية لروسيا وإيران، ونقل عن صدام حسين ترويع محكوميه وأهل بلده بقصفهم بالسلاح الكيماوي. وقلّد ستالين الذي كان يرسل الوثائق والمستندات لذوي المعتقلين والمخفيين في سجون الغولاغ لمن تم قتله وإعدامه، وهم مئات الألوف، على أن أولادهم ماتوا دفاعاً عن الاتحاد العظيم، ودفنوا في ساحات الشرف، كي يقطع عليهم الطريق، ولا يسأل أحداً عن ابن أو زوج أو أخ اختفى، أو كيف مات. كذلك فعل الطاغية الصغير بشار بإصدار آلاف التقارير الطبية لأهالي المعتقلين على أن ابنهم مات بسكتة قلبية- يا للصدفة، فالكل مات بنفس الطريقة – كي لا يستفسر أحد عن سبب الوفاة، ولا لماذا مات ؟ أما القالب الذي وضعت فيه كل هذه الخردة، المسماة بشار الأسد ،هو قالب الإمبراطور الروماني كاليجولا الذي حكم روما لمدة خمس سنوات بين عامي 37 – 41 ميلادي، ورغم أن بينهما التاريخ الميلادي بكامله لكن التشابه بينهما مغرٍ للمقارنة . – – فمثلاً يُنقل عن كاليجولا أنه كثيراً ما ينفجر ضاحكاً أمام الحاضرين مهما كانوا- قناصل دول، أعضاء مجلس شيوخ، قادة عسكريين – بدون سبب !.. ومرة تجرّأ أحد أعضاء مجلس الشيوخ بسؤاله عن سبب ضحكه ، فقال له : ” الأمر بسيط، أضحك من فكرة أنني أستطيع بإيماءة واحدة أن أرى رؤوسكم تتدحرج أمامي ” بهذا التجسيد وجد بشار الأسد نفسه عندما ينفجر ضاحكاً، مفاجئاً مستمعي خطبه أو أمام صحفيين يجرون معه مقابلة ، يضحك على نكتٍ يقولها هو، ويضحك عليها لوحده، وفي ذات الوقت الذي يضحك ضحكته البلهاء يسقط عشرات السوريين غرقى بدمائهم، وتتناثر أشلاء أجسادهم في الطرقات، أو يدفنون تحت ركام بيوتهم بأوامر منه ! – ويقال أنه استبدّت بكاليغولا فكرة أنه إله على الأرض، وملك هذا العالم بأسره، ويفعل ما يحلو له، لكن سنيّ حكمه القصير لم تحقق له من أمانيه سوى نحت عشرات التماثيل التي احتلّت الفضاء العام لمدينة روما، وكانت تراقب الناس في غدوهم ورواحهم .في هذا الجانب تفوق بشار الأسد على القالب الذي وضع به وضاق عليه، عندما أثلج قلبه قول عضو مجلس الشعب : (قيادة سورية والوطن العربي قليل عليك، وأنت لازم تقود العالم يا سيدي الرئيس )، مما جعل أحد صحفييه يصرخ بوجه السوريين “يتغير نظام الكون، وتشرق الشمس من الغرب وتغيب في الشرق، ولا يتغير الرئيس بشار الأسد، ليتبعه آخرون ويعلنون بشار الإله الذي يعبدون، وفرضوه على الناس، فقد تم تسريب فيديوات يظهر فيها جنده، وهم يجبرون بعض الناس على قول ( لا إله إلا بشار)، كما انتشرت صور لمؤيّديه، وهم يسجدون لصوره ويصلون له..! أما الثالثة التي سعى بشار ليكون كاليغولا عصره ، هي اشتراكهما في امتلاك كل ما تطاله أيديهم وما تراه أعينهم ، فمرة طلب كاليغولا القمر، لا لشيء سوى لأنه من الأشياء التي لا يملكها. ولهذا استبد به الحزن حين عجز عن الحصول عليه! بينما بشار الأسد وعائلته كانوا متواضعين لمعرفتهم باستحالة الحصول على القمر وعدم أهمية فائدة الحصول عليه، فاستبدلوا القمر بالحصول على سورية، وكان ذلك ، فقد أصبحت الغابات والجامعات والشوارع والساحات والمدارس والحدائق والثروات والمطارات والمزارع والجنود لهم و بأسمائهم، وحتى الأجنة بأرحام أمهاتهم كانت ملكاً لآل الأسد ( من يريد امتلاك المستقبل عليه امتلاك الجيل ) قول لحافظ الأسد. ملكهم هذا أسموه” سورية الأسد ” تصرفوا به كما يريدون، استثمروه وعصروه حتى آخر نقطه، وباعوه بالجملة والمفرق لمن يرغب، وعندما شعروا أن ملكهم قد يخرج من أيديهم حطموه . أما الخاطر الذي مرّ بذهن كاليغولا وتفعيله للسرقة العلنية في روما – بالطبع كانت مقصورة عليه وعلى حاشيته، ومن يسرق من العامة يرمى من ظهر جبل – ولما قل ّ ما يسرق، أجبر في فترة لاحقة كل أشراف روما وأفراد الإمبراطورية الأثرياء على حرمان ورثتهم من الميراث وكتابة وصية أن تؤول أملاكهم إلى خزانة روما بعد وفاتهم وبالطبع خزائنه هو، إذ أنه كان يعتبر نفسه روما. وكان في بعض الأحيان يأمر بقتل بعض الأثرياء حسب ترتيب القائمة التي تناسب هواه الشخصي، كي ينقل سريعاً إرثهم إليه دون الحاجة لانتظار الأمر الإلهي. وكان يبرّر ذلك بعبارة شهيرة جداً: ” أما أنا فأسرق بصراحة ” .. اليوم بشار الأسد وزوجته وعائلته الصغيرة والمقربين منهم بعد نهبهم لأموال سورية وتبديد ثرواتها، باشروا في الاستيلاء على أموال ” الحاشية “شركاء الأمس، معتبرين أنفسهم سورية، وورثة كل فاسديها ومفسديها، معتمدين على المقولة الدارجة ” السارق من السارق كالوارث من أبيه ” مقابل عبارة كاليجولا ” أما أنا فأسرق بصراحة ” .. ، وحتى التلاعب بمشاعر الناس الذين أفسدوا كاليجولا المضطرب نفسياً، وجعلوه يتمادى بظلمه وقسوته بصمتهم وجبنهم وهتافهم لكل ما يقوم به حرفياً، جبناً أو طمعاً ، فذات مرة خرج كاليجولا بخدعة أنه يحتضر وسيموت، ومن لروما بعده، ولا يوجد بديل؛ فبادر عدد غير قليل من الحاشية وسكان روما بالدعاء له بالشفاء، وأعربوا عن استعدادهم للتضحية من أجله، وهتفوا أن روحهم فداءً له. وعندما خرج من مخبئه بعد فترة ليبشّرهم إنه لم يمت، أجبر من أعلن عن فدائه على الوفاء بما وعد ! وعقب على ذلك بقوله ” غريب أنني إذا لم أقتل أحداً أشعر أنني وحيد ” ، فقد فعل بشار الأسد ذات الأمر، عندما دفع مئات الآلاف الذين هتفوا له ( بالروح بالدم نفديك يا بشار) بالوفاء بما وعدوا، وزجّهم بمقتلة مستمرة منذ عشر سنوات، وأهدى كل روح فدته ” ساعة حائط ” ، وكي لا يشعر بالوحدة القاتلة كما شعر بها مثاله، يقوم بيده بالضغط على زر التفجير كي يقتل، ويؤنس وحدته، حتى إذا كان من خاصته ومن المقربين له .. تفجير خلية الأزمة مثالاً على ذلك. ما يثير في لحظة كاليجولا الأكثر جنوناً أنها ظهرت لدى بشار رغم الفارق الزمني بينهما 2000 سنة. صحيح أن بشار لا يمتلك جواداً يدخل به على الدوائر الحكومية، لكن لديه زوجة، وهي بمثابة ” تانتوس”. فذاك جواد كاليجولا، وهي زوجة بشار، وكلاهما الجواد والزوجة لا ميزة لهما إلا أنهما ملك لكاليجولا ولبشار؛ فالزوجة هنا أيضاً دخلت الدوائر الحكومية مع زوجها مثلما دخل ” تانتوس ” إلى مجلس الشيوخ في روما، وكلاهما – الجواد والزوجة – لا صفة رسمية لهما، ورغم ذلك الجواد احتل منصب عضو مجلس شيوخ، والزوجة دخلت الدوائر الحكومية والوزارات، و تربعت صورتها مع صورة زوجها على حيطان مكاتب النواب والوزراء والمديرين العامين وقادة الجيوش، وتلقّوا الأوامر من الزوجة بهز الرؤوس ، وعلت صورتها مع صور العائلة الشوارع والساحات، وهتفت الحاشية باسمها، وألهم حضورها قصائداً عن أناقتها ورقتها وبساطتها، قيلت على ألسنة الشعراء، وعُقدت ندوات تتكلم حسن تدبيرها ورجاحة عقلها، إنها ” تانتوس بشار”، ومثلما استلهم الرومان من عرف جواد كاليجولا عرفاَ يعلو خوذ جنودهم، استلهمت بيوت الأزياء والموضة من لبسها وتسريحة شعرها موديلات اجتاحت البلاد. ومن احتج على عضوية الجواد بمجلس الشيوخ كعضو إضافي أزيح، واحتل الجواد مكانه كعضو أصيل مكانه ، وكذلك من احتج على نفوذ الزوجة أزيح، واحتلت مكانه، ولو كان ابن خال ! لكن من المستدعي للاهتمام الفارق بالشعور بالأمان، حيث كان كاليجولا صريحاً في إجرامه لشعوره أن مزيداً من الإجرام يمنحه مزيداً من الأمان، وتجلى ذلك مرةً لما شعر بالضجر كإله وحيد، وأراد أن يشعر بقوته، ويمتحن إرادته، وأن كل أمور الحياة بيده ، جلس يراقب الناس بتلذذ، وهم يتعذبون ويموتون بالجوع بعد مصادرته الغلال وتخزينها في مخازنه ومستودعات الحاشية، وقال كلمته الشهيرة: ” سأحل أنا محل الطاعون، أما المقّلد فتأتّى أمانه من الإنكار، مزيداً من الإنكار مزيداً من الأمان، والجريمة والدمار الذي حققه لا وجود لها إذا أنكرها. هذا ظهر عندما عرض عليه صحفي الأمريكي صور قيصر، بقوله (من هؤلاء.. من تحقق من هذه الصور .. هل تحققت من هوية هؤلاء .. هذه مجرد مزاعم .. هذه بروباغندا من بلدك ومن المنظمات الدولية ..هي صورة فوتوشوب )، إنكار كامل كحال نعامة عندما تدفن رأسها بالرمل ، يزول الخطر، حتى عندما قال ( أنا أعرف ) عندما سأله أحد صحفييه عن جوع الناس ليقابل بها قول كاليغولا ” أنا الطاعون ” كانت نهاية حالة جنون كاليجولا عندما صاح أحد أعضاء مجلس الشيوخ ” إلى متى يا أشراف روما نظل خاضعين لجبروت كاليجولا” فاستجاب لصيحته أشراف روما وقضوا عليه وقتلوا حصانه. . ولما وصل الخبر إلى الشعب خرج مسرعاً، وحطّم كل تماثيل كاليجولا ومعها أيضاً تماثيل أفراد عائلته الكثيرة.. أما أمنية كاليغولا التي لم تتحقق رغم ما ألحقه من خراب وفوضى لبلده، وبقيت غصة في قلبه، ناجى نفسه وهو يداعب سيفه قائلاً : ” لو أن هذا الشعب برأس واحد لأقطعها بضربة سيف واحدة ” يقولها بشار الأسد بصيغة أخرى فترة رئاسية جديدة لأقضي على من تبقى من هذا الشعب.
* كاتب سوري – هولندة
————————————-
انتخابات الأسد بوابة التقسيم/ حسان الأسود
أعلن رئيس مجلس الشعب السوري حمودة صباغ قبل أيام فتح باب الترشّح للانتخابات الرئاسية في سوريا، وحدد يوم الانتخابات في 20 من أيار المقبل لمن هم غير مقيمين داخل سوريا وفي 26 من الشهر ذاته للمقيمين داخلها. إثر ذلك ترشّح عدد من السوريين والسوريات، من بينهم سيدة أعلنت أنّ هدفها من الرشّح ليس الوصول إلى سدّة الرئاسة، بل نيل شرف ذكر اسمها إلى جانب اسم بشار الأسد!
يعلم القاصي والداني أنّ هذه الانتخابات مجرّد إجراء شكلي لا أكثر، فالدستور المقرّ عام 2012 اشترط أن يكون المترشّح مقيماً في سوريا إقامة دائمة مستمرة لعشرة أعوام قبل الترشح، كما أنّ قانون الانتخابات الصادر عام 2014 يشترط أن يحصل المترشح على تأييد 35 عضواً من أعضاء مجلس الشعب، وهذان الشرطان لوحدهما كفيلان – من حيث القانون – باستبعاد أكثر من نصف السوريات والسوريين من ممارسة هذا الحق الدستوري، هذا إذا لم نأخذ بعين الاعتبار، باقي التفاصيل التي تتلخّص بسيطرة بشار الأسد شخصياً على مفاصل الدولة كاملة، من خلال أجهزة الأمن التي تدير هذه المسرحية الهزلية في الواقع.
رغم كلّ ما سبق ذكره، يتمسّك الأسد ونظامه بهذه الشكليات بوقاحة منقطعة النظير، وهو يستغلّ بهذا الأمر الرخصة الممنوحة له من المجتمع الدولي، باعتباره – رغم كل ما ارتكبه من جرائم بحق الإنسانية – لا يزال رئيساً معترفاً به وفق القوانين والأعراف الدولية. ولذلك نرى كيف بدأت السفارات السورية في بلدان العالم بالإعلان عن فتح أبوابها لاستقبال الناخبين لتسجيل أنفسهم وللمشاركة بالانتخابات لاحقاً، وهذا أمرٌ لا يمكن لأيّ دولة حسب القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية أن تمنعها من القيام به. كذلك كان لحلفائه الروس محاولات عديدة لفتح كوّة في جدار العزلة الدولية من بوّابة استعادة سوريا إلى حضنها العربي، ووجوب عودتها إلى جامعة الدول العربية، وكان لوزير خارجيتها لافروف جولة مطولّة بهذا الخصوص، في دول الخليج العربي إضافة إلى جمهورية مصر العربية.
لم يقتصر تحرّك الحلفاء الروس على الحراك الخارجي، بل بدأ جنرالاتهم بالتواصل مع وجهاء المجتمعات المحلية في مناطق سيطرة النظام، لحثّهم على المشاركة بهذه الانتخابات، ووصل بهم الأمر لأن يطلبوا من وجهاء مدينة بصرى الشام قبل أيام الخروج بمسيرة تأييد للأسد، الأمر الذي رفضه أهالي المدينة رفضاً قاطعاً، وأيّدهم بذلك كلّ أهالي حوران. وما يفعله الروس في الجنوب لا بدّ وأنهم يفعلونه أو يخططون لفعله في باقي المناطق شرقاً وغرباً وشمالاً. يضاف إلى ذلك كلّه محاولتهم مع شركائهم الإيرانيين إمداد حكومة الأسد ببعض أسباب البقاء من محروقات ومواد غذائية لتجاوز هذه المرحلة الحرجة. كذلك لعب النظام على ورقة إطلاق سراح بعض المعتقلين هنا وهناك لتنفيس الاحتقان الشعبي الهائل ضده.
يتمسّك الأسد ونظامه بهذه الشكليات بوقاحة منقطعة النظير، وهو يستغلّ بهذا الأمر الرخصة الممنوحة له من المجتمع الدولي، باعتباره – رغم كل ما ارتكبه من جرائم بحق الإنسانية – لا يزال رئيساً معترفاً به وفق القوانين والأعراف الدولية
لقراءة المشهد بشكل كامل، لا بدّ من الالتفات إلى مناطق الحكم الذاتي شمال شرقي سوريا ومناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربها ومناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب. فالمنطقتان الأخيرتان لا يُتوقّع أن يكون بهما أي نشاط انتخابي على الإطلاق، فلا وصول لنظام الأسد لهما من جهة، ومن جهة ثانية أبدى السوريون المقيمون هناك رفضهم لهذه المهزلة بشكل قاطع، من خلال مشاركاتهم الفعّالة بحملة “لاشرعية للأسد وانتخاباته” التي أطلقتها بداية هذا العام بعض القوى السياسية وعلى رأسها المجلس السوري للتغيير.
لكنّ الصورة غير واضحة بعد بالنسبة لمناطق سيطرة مجلس سوريا الديمقراطي أو الإدارة الذاتية، التي أعلنت على لسان نائب رئيس الهيئة التنفيذية فيها، حكمت حبيب، قبل أسابيع، عن إنشائها مفوضية عليا للانتخابات، تمهيداً لإجراء انتخابات شاملة خلال المرحلة المقبلة في مناطق سيطرتها. فالمؤشرات تدلّ على المساعي الروسية لدى هذه الإدارة بالسماح لحكومة الأسد بفتح مراكز الاقتراع في مناطق سيطرتها. يُضاف إلى ذلك ما تداولته وسائل إعلام مختلفة من تصريحات منسوبة للسيدة جيهان أحمد الناطقة الرسمية باسم قوات سوريا الديمقراطية، من عدم ممانعة قسد دخول الجيش السوري إلى منبج، لمنع تركيا من السيطرة عليها بعد الانسحاب الروسي منها، مضيفة أنّ علاقتهم بالنظام كعلاقة الأبناء بأبيهم، وأنّ المشكلات بينهم تُحلّ ضمن إطار الأسرة الواحدة. ورغم أنّ المذكورة قد نفت ما نسب إليها، إلا أنّ ذلك لا يقطع الشك باليقين، بل يزيد الطين بلّة كما يقال، حول الموقف الحقيقي للإدارة الذاتية من هذه الانتخابات، ولا شكّ لدينا بأنّ هذه الإدارة لن تضيّع الفرصة لكسب مزيد من الاعتراف بها من قبل النظام، ما لم يتعارض ذلك بالطبع مع توجيهات الإدارة الأميركية الداعم الأول والأكبر لها ولمشروعها في سوريا.
دولياً أعلنت القيادة الأميركية وقيادة الاتحاد الأوروبي عدم اعترافهما المسبق بنتائج هذه الانتخابات، كما أعلنتا صراحة عن ارتباط مساهمتهما في عمليات إعادة الإعمار بتطبيق القرارات الدولية والبدء بعملية الانتقال السياسي وإنشاء هيئة الحكم الانتقالي. لن يكون بمقدور حلفاء النظام إعادة إعمار ما دمّرته حربهم، ولن تستطيع دول الخليج تقديم الدعم بهذا الشأن لاعتبارات كثيرة، لعلّ أهمها أنّ ذلك سيصبّ لا محالة بمصلحة عدوّها الأول إيران، كما أنّ إسرائيل لن تقبل أن يتمّ ذلك قبل التأكد من إخراج إيران من سوريا نهائياً، لكنها تخشى بكل وضوح من انعكاسات المفاوضات الجارية حول الملف النووي الإيراني على هذا الأمر، وهذا ما لمسناه جليّاً من خلال منشورات مراكز الدراسات الإسرائيلية خاصّة تلك المدعومة من الاستخبارات، والتي تؤكد على وجود تغيّر ملحوظ برؤية إسرائيل وموقفها من نظام الأسد برمّته.
على صعيد المعارضة الرسمية أعلن الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض موقفهما الرافض لهذه الانتخابات، لكنّ ذلك لا يكفي، فالأسد ماضٍ على طريق إنجاز انتخاباته مهما كلّفه الأمر. ويقتضي الموقف والحال هذه من جميع قوى الثورة والمعارضة، توحيد خطابها ومواقفها لمواجهة هذا الاستحقاق الوطني المهم، فإجراء الانتخابات يعني التمديد للأسد سبع سنوات عجاف قادمة، وهذا يعني من جهة أخرى تثبيت التقسيم الحالي لسوريا وفق خرائط السيطرة الحالية ووفق حسابات الدول الراعية لقوى الأمر الواقع. يجب أن تتواصل القوى السياسية والثورية المختلفة مع قيادات الأمر الواقع في شمال شرقي سوريا لمنعها من الانجرار وراء مصالح ضيقة والذهاب مع النظام في مسرحيته الهزلية. علينا جميعاً – كلّ في موقعه – القيام بما يلزم لمنع الاعتراف بهذه الانتخابات الحاصلة لا محالة، وهذا أقلّ ما يمكننا فعله، وإلا علينا جميعاً ألّا نتفاجأ بعد عدّة أعوام من تقسيم سوريا إلى عدّة أقاليم فاشلة محكومة بالفقر والإرهاب والتبعيّة للخارج.
تلفزيون سوريا
————————–
ليس كل السوريين.. من يحق له الإدلاء بصوته في انتخابات الرئاسة؟
إسطنبول – تلفزيون سوريا
أعلنت حكومة نظام الأسد أن التصويت في انتخابات الرئاسة السورية للسوريين خارج البلاد سيكون متاحاً فقط للمقيمين في الدول الأجنبية الذين لديهم ختم الخروج الرسمي على جواز سفرهم.
وقالت وكالة أنباء النظام “سانا” إن نص المادة 105 من قانون الانتخابات العامة يشير إلى أن “الناخب يقترح بجواز سفره السوري العادي ساري الصلاحية والممهور بختم الخروج من أي منفذ حدودي سوري”، بينما تنص المادة 103 على أن الانتخابات في الخارج ستجري قبل 10 أيام على الأكثر من الموعد المعين لإجرائها داخل سوريا.
ويمنع هذا الشرط مشاركة آلاف الناخبين المحتملين المقيمين في الخارج الذي يفترض أن يدلوا بأصواتهم في 26 من أيار المقبل، خاصة أن ملايين السوريين عبروا الحدود خلال السنوات الماضية باتجاه الدول المجاورة، تركيا ولبنان والأردن والعراق، دون أختام رسمية على جوازات سفرهم، حيث كانت المنافذ الحدودية الرسمية قد أصبحت خارج سيطرة نظام الأسد.
كما لا تتوفر إحصائيات دقيقة حول أعداد اللاجئين السوريين الذين خرجوا عبر المطارات الرسمية، وما زالوا يحتفظون بجوازات سفر صالحة بعد سنوات من لجوئهم إلى أوروبا أو دول أخرى، أو عمن تخلوا عن جوازات سفرهم السورية بعد الحصول على جنسية جديدة.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، يوجد أقل من مليون لاجئ سوري مسجل في لبنان، وفي الأردن نحو 600 ألف، بينما يوجد نحو 3.5 ملايين لاجئ سوري في تركيا، فضلاً عن مئات الآلاف في مختلف دول العالم.
وفق دراسة أعدها مركز “جسور للدراسات”، فإن الإجمالي المفترض لتعداد سكان سوريا في عام 2021، 26 مليوناً و285 ألف شخص، لكن من بقي في سوريا حتى مطلع العام 2021 يصل عددهم إلى 16 مليوناً و475 ألفاً.
وأوضحت الدراسة أنه خرج من سوريا خلال السنوات العشر الماضية، ثمانية ملايين و845 ألف شخص، في حين قتل وغُيب مليون و65 ألف شخص.
وفي الوقت الحالي، يبلغ عدد السكان في مناطق سيطرة النظام 9.4 ملايين سوري، وفي مناطق سيطرة فصائل المعارضة شمال غربي سوريا 4 ملايين و25 ألف سوري، أما في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سوريا فيبلغ عدد السكان 3 ملايين و50 ألف سوري.
يشار إلى أن برلمان النظام أعلن، الأحد الماضي، عن فتح باب الترشّح لمن يرغب في التقدم للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها داخل سوريا في 26 من أيار المقبل وللمقيمين خارجها في 20 منه.
وحتى الآن، تلقى البرلمان إشعارات من المحكمة الدستورية العليا بتقدم ستة مرشحين للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، هم: عبد الله سلوم عبد الله، محمد فراس ياسين رجوح، السيدة فاتن علي النهار، مهند نديم شعبان، محمد موفق صوان، وآخرهم رئيس النظام بشار الأسد.
واستناداً لأحكام الدستور وقانون الانتخابات العامة، تنتهي المهلة المحددة لمن يرغب بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية يوم الأربعاء في 28 من نيسان الجاري.
وتنص المادة 30 من قانون الانتخابات العامة، الذي أعده النظام، على أنه يشترط في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية في سوريا أن يكون متمّماً الأربعين عاماً من عمره، وأن يكون متمتعاً بالجنسية السورية بالولادة من أبوين متمتعين بالجنسية العربية السورية، وألا يكون متزوّجاً من غير سورية، كما يحتاج لقبول ترشيحه أن يجمع تأييد خمسة وثلاثين عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب.
وستنظم الانتخابات الرئاسية السورية وفق دستور عام 2012، الذي تنص المادة 88 منه على أن الرئيس لا يمكن أن ينتخب لأكثر من ولايتين كل منهما سبع سنوات، لكن المادة 155 توضح أن ذلك لا ينطبق على الرئيس الحالي، إلا اعتباراً من انتخابات العام 2014.
—————–
الانتخابات السورية 2021 في ظلّ بيئة قانونية وسياسية غير مواتية/ نائل جرجس
يستمرّ نظام الأسد وداعموه في عنادهم بتجديد ولاية رئاسة بشار الأسد، على الرغم من الأهوال التي عايشها السوريون، ليس خلال العقد الماضي فحسب، بل منذ تبوّء حافظ الأسد سدّة الرئاسة إثر انقلابه في العام 1971. فقد شغلَ هذا الأخير، ومن بعده ابنه بشار الأسد، منصب رئاسة الجمهورية لأكثر من خمسين عامًا، في ظلّ انتخابات صورية غير حرّة وغير نزيهة. لم تكن هذه الانتخابات أكثر من ظاهرية، يتم خلالها تسخير موارد الدولة للدعاية لشخص الرئيس، وتبديد أموال الساعين لتحقيق مكاسب شخصية، عبر إرضائهم لأجهزة الأمن التي لا تتردد عن ترهيب المواطنين لإجبارهم على التصويت، وتعزيز الملفات الأمنية لمن يمتنع عن الاقتراع لمصلحة النظام الحاكم.
تستدعي الانتخابات الحرّة والنزيهة إجراءَ إصلاح قانوني وسياسي شامل، يؤدي إلى تحقيق انتقال سياسي واستئصال ترسانة التشريعات المكرّسة للاستبداد ولانتهاكات حقوق المواطنين؛ حيث ترتبط الانتخابات بمجموعة من القوانين الناظمة لوجود الإعلام المستقل والصحافة الحرّة وحرية التجمع والتظاهر وتشكيل الأحزاب والجمعيات واستئصال التمييز بين المواطنين، فضلًا عن حتمية الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بما يسهم في تحقيق تداول السلطة الذي لم تشهده سورية على الإطلاق، طوال العقود الماضية. يتزامن هذا الإصلاح التشريعي مع كفّ يد حزب البعث العربي الاشتراكي عن التغلغل في مفاصل الدولة والتأثير فيها، إضافة إلى إلغاء المحاكم الاستثنائية، وحلّ الأجهزة الأمنية وإعادة هيكلتها بناءً على أسس ديمقراطية تخضع بموجبها للرقابة والمحاسبة. وتشكّل مسألة الانتقال السياسي وتهيئة الأجواء الديمقراطية شرطًا أساسيًا، يسبق إجراء أيّة انتخابات حرّة ونزيهة.
تتعارض أيضًا التشريعات السورية الناظمة للانتخابات مع أدنى المعايير الدولية، لا سيّما نصّ المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليها سورية. حيث نصّت هذه المادة على حقّ كل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز، في أن “يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية”، و”أن يَنتخب ويُنتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريًا بالاقتراع العام، وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرّي، تضمن التعبير الحرّ عن إرادة الناخبين”، و”أن تتاح له، على قدم المساواة عمومًا مع سواه، فرصة تقلّد الوظائف العامة في بلده”. غير أنّ الدستور السوري الحالي، كسابقه لعام 1971، يتضمن العديد من المواد المنتهكة لهذه المادة؛ حيث تحرم مادته 84 السوريين المتزوجين من غير سوريّات وغير المقيمين في سورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة، من تقديم طلب الترشيح. وهذا ما يستثني فئة ليست قليلة من السوريين، لا سيما المهجّرين خلال العقد الماضي، من الترشح للانتخابات. ونجد هذا التمييز بين المواطنين أيضًا، بمقتضى المادة الثالثة من الدستور الحالي التي تنصّ على أن يكون الإسلام دين رئيس الجمهورية، وبذلك يُحرم غير المسلمين من الترشح لهذا المنصب. وقد أضافت الفقرة الثالثة من المادة 85 أنّه “لا يُقبل طلب الترشيح، إلا إذا كان طالب الترشيح حاصلًا على تأييد خطّي لترشيحه من خمسة وثلاثين على الأقل من أعضاء مجلس الشعب”. ومن الواضح في سورية أن السلطة التنفيذية، ممثلةً بشكل خاص برئيس الجمهورية، تسيطر على هذا المجلس، لا سيّما من حيث إمكانية حلّه بحسب المادة 111 من الدستور نفسه، فضلًا عن انتخابات أعضائه التي تسيطر عليها الأجهزة الأمنية وحزب البعث العربي الاشتراكي.
كحال الدستور السوري، جاءَ قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014، ليكرّس انتهاك المعايير الدولية ذات الصلة بالانتخابات. وهو يحوي بدوره على أوجه التمييز المذكورة بالدستور والخاصة بترشّح رئيس الجمهورية. ويُعطي هذا القانون للسلطة التنفيذية، وبخاصة لوزارتي الداخلية والعدل، صلاحيات واسعة في الإشراف على العمليات الانتخابية، بما يؤدي إلى غياب أي إمكانية لإجراء انتخابات حرّة ونزيهة. فيكون لوزارة الداخلية، التي يتبع لها العديد من أجهزة الأمن السورية، تأمين مستلزمات انتخاب رئيس الجمهورية وفرز عاملين للعمل تحت إشراف اللجان الانتخابية (المادة 123) وإعداد السجل الانتخابي العام (المادة 28)، وتُعطى للمحافظين صلاحية إصدار قرارات تشكيل اللجان الانتخابية لكل مركز (المادة 15). بينما يكون كلّ هذا من صلاحيات إدارة انتخابية محايدة ومستقلة منشأة للإشراف على الانتخابات في الدول الديمقراطية. وعلى الرغم من إحداث “اللجنة القضائية العليا”، بموجب المادة 10 من القانون رقم 5، وذلك لإدارة عملية انتخاب رئيس الجمهورية تحت إشراف المحكمة الدستورية العليا، فإنّ عضوية هذه اللجنة المشكّلة حصرًا من قضاةٍ بقيَت تحت سيطرة السلطة التنفيذية؛ إذ يُعيَّن أعضاؤها السبعة بمرسوم رئاسي، بعد تسميتهم من طرف مجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه رئيس الجمهورية نفسه (المادة 132 من الدستور). بالتالي، يحتاج الوضع السوري إلى الانصياع للمعايير الدولية بإنشاء “سلطة انتخابية مستقلة، للإشراف على عملية الانتخاب ولضمان إنصافها ونزاهتها وسيرها وفقًا للقوانين المعمول بها، بما يطابق أحكام العهد”، وهذا ما جاءَ صراحة في تعليق لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية على المادة 25 من العهد المذكورة أعلاه.
الإصلاح الانتخابي يرتبط إذًا بعملية الانتقال السياسي، ولا سيّما في سورية التي تعاني انتهاكاتٍ واسعة ومنهجية لحقوق الإنسان، وحالةَ اقتتال داخلي وتدخلات خارجية، حيث يمكن أن تسهم العملية الانتخابية في تعزيز السلام المستدام، إذا أعقبت الوصول إلى حلّ سياسي يقضي على بنية الاستبداد في سورية، ويمهّد لتطبيق أركان العدالة الانتقالية وبناء دولة القانون. فتهدف الانتخابات بشكل أساسي إلى إفراز سلطة سياسية تعبّر عن إرادة الشعب وتحمي حقوقه وكرامته، الأمر الذي لن يتحقق في ظلّ غياب التشريعات والمؤسسات المبينة بمقتضى سيادة ودولة القانون.
مركز حرمون
———————
نتائج الانتخابات الرئاسيّة في سوريا/ كمال اللبواني
حدّد مجلس الشعب يوم ٢٦ /٥ كموعد لإجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا، ولكن منذ الآن تبدو النتائج واضحة بل حتمية، وهي فوز بشار الأسد كمرشح وحيد أو بوجود مرشح منافس يختاره هو، وبنسبة أصوات أيضاً يحددها هو، فهو المرشّح وهو الناخب وهو النتيجة وهو الشعب وكل ما عداه باطل، هو الشرعيّة والوطن طالما أنّ سوريا باعتبارها مزرعة خاصة بعائلته والتي حولت سوريا إلى جمهورية وراثية، يتم فيها التجديد دورياً وآليا للراعي والرئيس المفدى ومن ثم توريث السلطة لولده من بعده.
النتائج التي سنتحدّث عنها ليس للانتخابات بحد ذاتها، فهي محسومة سلفاً، لكن لتبعات ذلك القرار بإجراء الانتخابات قبل التوصّل لحل سياسي اتفق عليه في مجلس الأمن، ونصّ عليه القرار ٢٢٥٤، فقد كان النظام والروس يخططون للتحايل على الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن، لإعطاء شرعية ما لهذه الانتخابات عبر اللجنة الدستورية، ومن خلال المعارضة ومسار جنيف، حيث كان المفترض أن تقبل المعارضة المشاركة ويعتمد إشرافاً دولياً شكلياً على تلك الانتخابات بعد تعديلات دستورية طفيفة، وهو ما أسقطه الشعب السوري الثائر ولجم المعارضة الانتهازية عن السير في طريق الخيانة الكاملة، رافعاً شعار المطالبة بمحاكمة المجرمين والذين ارتكبوا جرائم بحق الإنسانية، من قتل وخطف وتهجير واستخدام أسلحة دمار شامل، وهكذا فقد النظام هذه الورقة التجميلية، مما اضطر الروس لطرح موضوع التأجيل بانتظار الالتفاف على هذا الرفض، لكن رعونة النظام وداعميه الإقليميين والعرب جعلتهم يهبّون لمساعدته ومدّه بالدعم للسير في طريق إجراء هذه الانتخابات، متوهمين أنّ أحداً يمكنه أن يصدق وجود فرصة للشعب لكي يعبر عن رأيه أو يختار من يريده، هذه الرعونة أفقدت الانتخابات أي فرصة للحصول على اعتراف دولي، ناهيك عن الشعبي، بل بالعكس قوّضت كل المساعي للتحايل والتجميل والالتفاف على المحاسبة القانونية، وأحرجت الروس الذين وقعوا على قرار مجلس الأمن، وأطلقت يد الغرب في تشديد العقوبات، ويد الشعب في تشديد المطالبة بدماء وحقوق ضحاياه الذين فتك بهم النظام.
رعونة إيران التي تريد تفعيل أوراق الضغط في تفاوضها الساخن مع الأمريكان، هي من دفعت بمستخدمها بشار لهذا الموقف، بعد أن قدّمت له دعمها بالمال والنفط، والذي ترافق مع دعم بعض الدول العربية، المادي والديبلوماسي، مما شجعه أيضاً على ركوب رأسه والسير قدماً، ضارباً عرض الحائط بإرادة الدول النافذة التي ستتجه نحو إلغاء مسار التفاوض ومسار الحل المعتمد دولياً، والبحث عن آليات تنفيذ جديدة للقرار ٢٢٥٤، خاصة وأنّ إيران أصبحت في تحدٍّ سافر للأمريكان، وهي من تعتبر أنّ بقاء الأسد هو عنوان بقاء احتلالها ونفوذها في سوريا.
لن تستطيع انتخابات صورية في سوريا أن تعطي الشرعيّة للاحتلال الإيراني، ولا أن تقدّم الحصانة لمرتكبي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، ولا أن توقف مسار الملاحقات والضغوط الدولية، مثل سيزر والكيماوي، ولا أن تلغي مفعول القرار ٢١١٨ المتعلق بالكيماوي الذي انتهكه وبشكل صارخ نظام الأسد ١٨ مرة، كما أفاد التقرير النهائي للجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة.
نتيجة السير قدماً في إجراء الانتخابات لا تخدم النظام، بل قد تكون الشعرة التي تقصم ظهر الحل السياسي التفاوضي ومسار جنيف وظهر المعارضة السورية الوكيلة للأجنبي، المتمثّلة في منصّات إسطنبول وموسكو والقاهرة والرياض، مما يفتح الباب نحو مقاربات جديدة وآليات جديدة، غالباً لن تكون في صالح الأسد الذي سيفوز في الانتخابات، ولكنّه سيخسر السلطة أو ما هو أكثر من السلطة.
————————–
الخارجية الأمريكية تطلق منافسة مفتوحة لتقديم مشروع يعزز العدالة الانتقالية والمساءلة بسوريا
دعت وزارة الخارجية الأمريكية، إلى منافسة مفتوحة للمنظمات والهيئات المهتمة بتقديم طلبات لمشروع “يعزز العدالة الانتقالية، وعمليات المساءلة المتعلقة بالملف السوري”، وهو ما يعد تحركاً أميركياً جديداً في هذا الملف، رغم الانتقادات التي تتلقاها الإدارة الأميركية الجديدة حول تجاهل الأوضاع في سوريا، أو عدم اتضاح معالم استراتيجيتها في التعامل مع هذا الملف.
وأفصح مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بوزارة الخارجية، عن أهداف هذه المبادرة الجديدة والتي تركّز على دور المرأة السورية في تحقيق العدالة والمساءلة التي تعالج الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان المرتكبة في سوريا، وتتعامل مع الأبعاد الجنسانية (الجندر) للنزاع السوري والتجارب الجنسانية، وآثار انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما تلك المرتكبة ضد النساء والفتيات، محددة مبلغ 987 مليون دولار أميركي سقفاً أعلى لمن يريد التقدم إلى هذه المنافسة، فيما قدّرت السقف الأدنى بـ500 ألف دولار.
وأوضح المكتب في شروط المنافسة، أن هدف دائرة الديمقراطية وحقوق الإنسان سيركز على تحقيق أربعة أمور، وهي: أولاً، تعزيز المشاركة الهادفة للمرأة السورية، وقيادة الجهود المبذولة لتحقيق الحقيقة والعدالة والمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان. ثانياً، تضخيم ودمج الأصوات ووجهات النظر والتجارب المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان للمرأة السورية، في الوقت الحاضر والمستقبل، والحقيقة الرسمية وغير الرسمية، وجهود العدالة والمساءلة والعملية السياسية.
ثالثاً، تحسين التعاون والتنسيق والتعاون بين النساء والمنظمات التي تقودها النساء، التي تسعى وراء الحقيقة والعدالة والمساءلة، وكذلك بين الشبكات النسائية وجهود العدالة والمساءلة الأوسع نطاقاً، وأخيراً، تعزيز القدرة المؤسسية للمنظمات التي تقودها النساء المنخرطة في السعي وراء الحقيقة والعدالة والمساءلة، بما في ذلك التعلم من خلال الدروس المقارنة، وتبادل الخبرات من خلال الحوار بين الأقران.
ورسمت وزارة الخارجية في هذا المشروع نتائج أولية متوقعة، بأن يتم تعزيز النشاطات والمبادرات التي تقودها النساء، والمشاركة بشكل مباشر في تصميم وتنفيذ مبادرات الحقيقة والعدالة والمساءلة الحالية والمستقبلية لانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في سوريا، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر التحقيقات، والملاحقات القضائية في الجرائم الفظيعة، فضلاً عن العملية السياسية، مبينة أن مدة تنفيذ هذه المبادرة يجب ألا تتعدى 36 شهراً أي ثلاثة أعوام، ابتداء من نهاية هذا العام، أي في سبتمبر (أيلول) من هذا العام.
وقالت إن السوريين والمجتمع الدولي يعترفون بأنماط أوسع ومتنوعة من الأضرار التي تلحق بالإنصاف وآثارها الجنسانية، بما في ذلك تلك التي تؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفتيات، بشكل مباشر وغير مباشر مثل الانتهاكات الاجتماعية والاقتصادية، مشيرة إلى أن السوريين والمجتمع الدولي أكثر استعداداً لتحديد العوامل الكامنة التي سمحت بحدوث هذه الانتهاكات، والاستجابة لها والتفسيرات الجنسانية للعدالة الخاصة بالسياق السوري.
وأكدت على أنه سيتم الحفاظ على تجارب النساء والفتيات وقصص النزاع، والاعتراف بها جنباً إلى جنب مع الروايات الأكثر شيوعاً للنزاع، عن طريق استخدام الطرق الفعالة للمناهج المبتكرة والإبداعية، والمراعية للنوع الاجتماعي، مشددة على كل من يريد التقدم لهذه المنافسة أن يعمل على إحداث تأثير يؤدي إلى الإصلاحات، ويجب أن يكون لها إمكان الاستدامة بما يتجاوز موارد إدارة الحقوق الرقمية.
وأضافت: “يُفضل تجنب تكرار الجهود السابقة من خلال دعم الأساليب الجديدة والإبداعية، وهذا لا يستثني من النظر في المشاريع التي تعمل على تحسين أو توسيع المشاريع الناجحة القائمة بطريقة جديدة ومكملة، وقد تسعى البرامج الناجحة إلى المشاركة والبناء على عمليات متعددة ومستمرة وطنية ودولية، يقودها سوريون لضمان دمج الخبرات الجنسانية وآثار انتهاكات حقوق الإنسان، بشكل هادف في هذه العمليات والآليات القائمة”.
يذكر أن السياسية الأميركية تجاه سوريا حتى الآن تمثلت في إعلان الولايات المتحدة في 6 أبريل (نيسان) عن تقديم مساعدة إضافية بقيمة 596 مليون دولار للشعب السوري، بمن في ذلك اللاجئون، مع الالتزام بتطبيق قانون قيصر الذي تم إقراره في 2019 ومواصلة قتال داعش ودعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي الفرات.
وفي 29 مارس (آذار)، أدلى وزير الخارجية أنتوني بلينكين بأولى ملاحظاته حول سوريا خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، إذ دعا إلى تمديد تفويض إيصال المساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر الحدود التركية، في الوقت الذي هددت روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد تصريح جديد، رغم وجود 2.7 مليون نازح في شمال غربي سوريا، حيث يعيش كثير منهم في مخيمات أو مبان مهجورة، مع مواجهة عمليات القصف والمدفعية الروسية من قبل قوات نظام الأسد، وفق صحيفة “الشرق الأوسط”.
—————————
====================
تحديث 23 نيسان 2021
————————-
صاروخ ديمونة: الطراز الإيراني في حروب الثأر الصوتية/ صبحي حديدي
عديدة هي الخلاصات التي يُتاح استنتاجها من واقعة سقوط صاروخ أرض ـ جو من طراز SA ـ 5 على مقربة من المنشآت النووية التي تقيمها، وتتستر عليها، دولة الاحتلال الإسرائيلي في منطقة ديمونة، جنوب فلسطين المحتلة. وما يُستخلَص هنا لا يقتصر على معادلات الاشتباك وقواعده بين دولة الاحتلال والنظام السوري وإيران فقط، بل يمتدّ استطراداً إلى مناطق نفوذ طهران في لبنان والعراق واليمن، ويتوسع أيضاً إلى ما يصحّ تسميته بـ«البروتوكولات» غير المعلنة بين موسكو وتل أبيب حول اعتداءات جيش الاحتلال المنتظمة ضدّ أهداف إيرانية داخل العمق السوري، ونوعية السلاح الروسي الذي يُؤذن لجيش النظام السوري باستخدامه ضدّ الغارات الإسرائيلية.
الخلاصة الأولى هي أنّ منشآت الاحتلال النووية لم تعد بمنأى عن الأخطار المحدقة، في عصر الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة؛ بافتراض أنّ إرادة سياسية لدى خصوم دولة الاحتلال يمكن أن تكسر قاعدة اشتباك كبرى ذات صلة بمفاعل ديمونة، أو أنّ شرارة عابرة يمكن أن تطلق اللهيب حتى بمعزل عن الإرادة والقرار والتصميم. صحيح، بالطبع، أنّ الصاروخ الذي سقط في النقب غير بعيد عن المفاعل كان من طراز سوفييتي قديم يعود إلى أواسط ستينيات القرن الماضي، وليس من أيّ طراز معاصر متقدّم يستخدمه الجيش الروسي ومنح بعض بطارياته إلى جيش بشار الأسد (منظومة S ـ 300 على سبيل المثال). غير أنّ مسافة الـ300 كم التي قطعها الصاروخ من الأراضي السورية قبل أن يسقط قرب ديمونة كافية، في ذاتها، للبرهنة على الخطورة الكلاسيكية لهذا السلاح، خاصة وأنه يحمل كتلة متفجرات لا تقل عن 217 كغ.
الخلاصة الثانية هي أنّ إطلاق الصاروخ كان، أغلب الظنّ، قراراً إيرانياً أكثر من كونه تحولاً دراماتيكياً في منهجية تعامل النظام السوري مع الغارات الإسرائيلية المتكررة؛ إذْ بات من الثابت، على مدار عقود وليس سنوات في الواقع، أنّ الأسد اعتمد ردّ فعل وحيد له طابع لفظي، يتكئ دائماً على حكاية احتفاظ النظام بحقّه في اختيار الزمان والمكان المناسبين للردّ. فإذا صحّ أن ضابطاً إيرانياً ما، ضمن عشرات «المستشارين» العاملين مع جيش النظام، كان وراء تفعيل منصّة انطلاق صاروخ الـ SA-5؛ فهذا، استطراداً، يعني أنّ طهران بدورها ما تزال تلتزم بالقاعدة «الانتقامية» ذاتها، حول اختيار الزمان والمكان و… نوعية السلاح أيضاً. ومن اللافت أنّ وسائل إعلام إيرانية أغدقت المديح على صاروخ ديمونة، وأشارت إلى أنه كان يمكن أن يتابع طريقه إلى المفاعل، لولا أنّ «التسبّب في كارثة ليس هو المطلوب»!
في عبارة أخرى، كان في وسع طهران استخدام سلاح صاروخي آخر أكثر ذكاء، وأعقد توجيهاً؛ لو كانت الإرادة الإيرانية تتوخى فعلاً ثأرياً يلاءم الردّ على العملية الإسرائيلية في مفاعل نطنز الإيراني، وليس مجرّد «انتقام» لا يتجاوز تطيير رسالة صوتية مفزعة، محدودة الأثر والجدوى. وفي هذا خلاصة ثالثة تتصل بالبون الشاسع، كما تشير الدلائل على الأقلّ، بين السطوة العالية التي يتمتع بها الضباط الإيرانيون في تسيير أمور جيش النظام وتسخير أسلحته التقليدية، وبين القصور الهائل الأقرب إلى الانعدام في مقدار تحكّمهم بالأسلحة الروسية المتقدمة التي يستخدمها الجيش ذاته والتي تخضع ـ في أوّل الأمر وآخره، كما يلوح ـ لقرار الضباط الروس وسياسة الكرملين في العلاقة مع دولة الاحتلال. ولا تُنسى، في هذا السياق، مسؤولية الصاروخ القديم ذاته عن إسقاط طائرة استطلاع روسية، بطريق الخطأ، في سماء اللاذقية خريف 2018، أسفرت عن مقتل 15 عسكرياً روسياً.
خلاصة رابعة تشير إلى تقارير سبق أن كشفت النقاب عنها أسبوعية «نيوزويك» الأمريكية، تفيد بأنّ طهران نجحت في تهريب عدد من الصواريخ بعيدة المدى إلى داخل اليمن، في إطار تزويد الحوثيين بأسلحة ستراتيجية التأثير قد تتيح تغيير الموازين العسكرية في الحرب الراهنة ضدّ السعودية. لكنّ بعض أنواع هذه الصواريخ يمتلك أمدية كفيلة بإصابة أهداف في العمق الإسرائيلي، وأنّ منطقة ديمونة تحديداً ليست بذلك بعيدة عن قدرات هذه الصواريخ؛ وما دامت طهران ترخّص للحوثيين قصف منشآت سعودية حيوية مثل المصافي والمطارات المدنية، وحروب الشدّ والجذب مع واشنطن حول إعادة إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات قائمة ومحتدمة؛ فما الذي يدفع المرشد الأعلى الإيراني إلى «التعقّل» في دفع الحوثي إلى استهداف دولة الاحتلال، سوى (في طليعة أسباب أخرى متعددة) الإبقاء على قواعد الاشتباك في حدود منضبطة، لا ترقى البتة إلى المواجهة الشاملة؟
ورغم تقارير غير مؤكدة تشير إلى احتمال انطلاق صاروخ ديمونة من العراق، وليس من بطارية في درعا أو مطار الضمير، فالواضح في المقابل أنّ رسالة طهران الصوتية تتفادى توريط لبنان، أي «حزب الله» تحديداً، في أية عمليات واسعة النطاق يمكن أن تتخذها الردود الانتقامية الإسرائيلية. وإذا صحّ هذا الاستنتاج الخامس فإنه يؤكد، من جانب أوّل، أنّ الخيارات الإيرانية في لبنان باتت أضيق من ذي قبل، أو لا قبل لها بحرب مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي؛ وأنّ ذراع إيران في البلد، «حزب الله» ومؤسساته وميليشياته وأسلحته، ليست من جانب ثانٍ في وضع مريح بالنظر إلى ظروف لبنان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن الحكمة تجنيب الحزب المزيد من حرج الخارج إضافة إلى حرج الداخل.
الجانب الثالث، والذي يصلح استنتاجاً سادساً، هو أنّ توريط النظام السوري في عملية إطلاق صاروخ ديمونة قد يتجاوز، من الوجهة الإيرانية، إحراج النظام، سواء بمعنى حدود المواجهة مع دولة الاحتلال، أو بمعنى نطاق الخدمات غير المحدودة التي يقدمها للنفوذ الإيراني العسكري على الأرض السورية. فالنظام، ابتداء من رأسه وانتهاء بأصغر ضابط في جيشه أو أجهزته المختلفة، لا حول له ولا طول أصلاً، حتى قبل أن يبلغ التدخل الإيراني في الشؤون السورية مستويات قصوى غير مسبوقة. ليس مستبعداً، والحال هذه، أن يسعى التوريط إلى إحراج موسكو، إذْ لم تعد خافية أوجه التنافس بين طهران وموسكو على ميادين النفوذ والسيطرة في سوريا. وضباط «الحرس الثوري» الإيراني خير من يقيس، مباشرة وعلى الأرض، سوية الحساسية التي يمكن أن تبديها موسكو إزاء توريطها مع دولة الاحتلال على الأرض السورية؛ بل يصحّ القول إنّ الورطة لن تتوقف عند الضباط الروس في قاعدة حميميم، بل ستصل أصداؤها إلى الكرملين ذاته، وإلى أسماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً.
وتبقى خلاصة سابعة تعيد الارتباط مع الخلاصة الأولى، وقد أحسن التعبير عنها المعلّق الإسرائيلي سيث فرانتزمان حين كتب، في «جيروزاليم بوست» أنّ صاروخ ديمونة «يمثّل ذلك النوع من اختزال جميع المخاوف التي ترافق الناس وهم يأوون إلى الفراش آملين ألا يستفيقوا عليها». لكنها مخاوف صوتية في نهاية المطاف، على شاكلة الرسالة الإيرانية التي حملها صاروخ ديمونة، ليس لأنّ طهران تمقت التسبب في الكوارث، فما تفعله في سوريا ضدّ الشعب السوري أفظع بكثير من صفة الكارثة؛ وإنما لأنّ أية كارثة تصيب دولة الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن تقذف إيران في أتون كوارث كبرى لا عدّ لها ولا حصر. خير، إذن، أن يكتفي المرشد الأعلى بالصاروخ الصوتي، ومفردات رسالته، والتوريط هنا وهناك، والزعم بأنّ ثأر نطنز قد تحقق.
وكفى الله شرّ القتال!
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
—————————-
«انتخابات» الرئاسة: كوميديا الأسد السوداء!
يثير قرار السلطات السورية إجراء انتخابات على منصب الرئاسة، على الأغلب، مواجع لدى كل من يمسّهم الملف.
يستفز الإعلان ملايين السوريين الذين هاجروا إلى البلدان المجاورة ليشكّلوا بؤرا للفقر والمعاناة الإنسانية، ومئات الآلاف منهم الذين انتشروا في بلدان العرب، حيث يلقى كثيرون منهم عنتا وقساوة فيعاملون كإرهابيين، كما حصل على حدود الجزائر، أو يستخدمون لعقاب غيرهم من سابقيهم، كما حصل في السودان التي قامت بنزع الجنسية التي حصل عليها كثيرون، أو يطرد متواضعو الدخل منهم لأتفه الأسباب، كما حصل في بعض دول الخليج، فيما يحمى أعضاء من الأسرة الحاكمة أو بعض من خرجوا بثروات كبيرة منها.
والأغلب أن القرار سيستفز أيضا الملايين الذين ظلوا في البلاد، حيث تعاني غالبيتهم من الظروف الصعبة والفقر ويصطف كثيرون منهم في طوابير طويلة للحصول على ربطة خبز أو لتر مازوت أو كيروسين، مضافا إلى كل ذلك استمرار آلة القمع التي لم تتوقف، وطالت حتى كثيرا من الموالين للنظام الذين جأر بعضهم بالشكوى، أو تذمر من الفساد والقهر.
جرى الإعلان بعد أيام من «احتفال» البلاد بذكرى استقلال سوريا عن فرنسا في 17 نيسان/إبريل 1946، وهو حدث حفل أيضا بمفارقات سوداء كثيرة، منها إجراء احتفال موسيقي بهذه الذكرى في قاعدة عسكرية روسية، حضره قائد القوات الروسية في سوريا رفقة مسؤولين سوريين منهم وزير دفاع النظام العماد علي أيوب.
يشبه احتفال المحتلّين باستقلال البلد الذي يحتلونه، إلى حد كبير، «انتخاب» رئيس ورث الرئاسة عن أبيه الذي كانت الأدبيات الرسميّة تسمّي البلاد باسمه («سوريا الأسد) فعدّل الدستور ليتناسب مع سنّه آنذاك خلال ربع ساعة، ليقود البلاد منذ 21 عاماً إلى الخراب الشامل الذي آلت إليه، وبعدها لا يتورع عن إعادة المهزلة السياسية مجددا والإيعاز بتنظيم «انتخابات» جديدة، يعلم كل المشاركين فيها أن سياسة رئيسهم استجلبت احتلالات جعلته في منصب المأمور، وأن كل من يشارك فيها يعرف أنها تكريس للقهر وإمعان في التهريج والإساءة لكرامة البلاد والعباد.
يجري هذا في الوقت الذي تستخدم فيها إيران وإسرائيل الأجواء والأراضي والمياه السورية لمعارك التفاوض على الاتفاق النووي، فيسقط صاروخ «طائش» من الأراضي السورية قرب مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي، ويزهو الإعلام الإيراني بأن مناطق إسرائيل «الحساسة» غير محصنة، فيما تردّ إسرائيل بقصف مواقع عسكرية وتقتل ضابطا سوريا.
أحد «المرشحين» للرئاسة السورية، قدّم بيانه الانتخابي فتحدث عن كونه كان قياديا في «منظمة طلائع البعث» وهي المنظمة التي كانت تقوم بعسكرة الأطفال السوريين، مشيرا إلى أن المقصود من ترشحه للرئاسة «ليس المجابهة والتحدي» وبعد محاولة رجل أعمال سوري مقيم في فرنسا الترشّح اكتشف أن شروط الترشيح «غير شرعية» وأنه كان أحرى بالأسد «إعلان نفسه رئيسا لولاية أخرى من دون هذه المسرحية».
القدس العربي
———————————-
اللاجئون السوريون وانتخاب “السيد الرئيس”/ ناصر السهلي
في عام 2012، بعد تعديل الدستور، وإلغاء المادة الثامنة منه نظرياً، والتي تفيد بأنّ حزب “البعث هو القائد للدولة والمجتمع” في سورية، وتحديد حق الترشح للرئاسة بدورتين (انتخابات 2014 غير محسوبة)، خرج مقربون من رجل الأمن والسفير السابق في الأردن، الراحل بهجت سليمان، يطمئنون بعضهم: “عند انتهاء دورات الرئيس بشار، يكون الشاب حافظ جاهزاً للرئاسة”. وبغض النظر عن صحة أو زيف تقديم بشار ابنه حافظ لضيوفه كـ”ولي العهد”، فلا شيء مستبعدا لناحية تكرار تعديل الدستور على مقاس الوريث.
فعلى مدى 50 سنة، عمل “البعث القائد”، على الطريقة الكورية الشمالية، لتحويل الوراثة إلى ثقافة، بحيث تقطف رؤوس من يشكك في أبدية حكم آل الأسد. في الواقع، فإنّ تلك ليست تهيؤات. فرفعت الأسد، وعلى الرغم من خروجه من البلد بعد صراع على السلطة عام 1984، ظلّ رسمياً نائباً لشقيقه حافظ حتى عام 1998، تمهيداً لتوريث بشار بدل أخيه باسل، الذي قضى بحادث سير مثير للجدل.
وثمة ثابت في يوميات السوريين، منذ ما قبل ثورة 2011، عن حرفة ترسيخ فكرة “المملكة الأسدية”، بملصقات وصور على الجدران ونوافذ السيارات والحافلات التي تمجّد السلالة الحاكمة مثل: “حافظ الخالد” و”باسل القدوة” و”بشار الأمل”، أو صورة الثلاثي التي تقول “هكذا تنظر الأسود”، وقد أُضيف إليها، حشواً، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصر الله، منذ 2015.
واقعياً، لم تتخل “المملكة الأسدية” عن البعث كقائد. لكن سورية تغيّرت، بالدمار وتهجير نصف السكان، واستدعاء رسمي لاحتلالات متعددة، وتفشي إقطاعيات أمراء الحرب، وكومبرادورية (طبقة البرجوازية) مستعدة لتقديم كل الخدمات حفاظاً على غنائمها التي نهبتها من السوريين. لكن، ما لم يتغيّر في الكوميديا السوداء، هو دعوة “الإخوة المواطنين إلى ممارسة حقهم الدستوري”، مع لزوم مسرحية “منافسين لسيادته”.
بالتأكيد، يعلم رعاة الأسد فصول المسرحية. وعلى الرغم من ذلك، تمضي الوقاحة السياسية نحو دعوة اللاجئين الفارين من براميل النظام وبطشه، إلى “انتخاب سيادة الرئيس” في 20 مايو/أيار المقبل.
وبحسب معلومات لـ”العربي الجديد”، فإنّ مشهد “متلازمة استوكهولم” (ارتباط الضحايا بمرتكب الانتهاكات بحقهم) من باريس وبرلين إلى كوبنهاغن واستوكهولم، يثير اهتماماً صحافياً وسياسياً، إذ يُتابِع عن كثب من يفترض أنهم لجأوا هرباً من الأسد، وما إذا كانوا سينتخبونه في أوروبا.
ليس ذلك فحسب، فثمة ناشطون سوريون، ومع معاناة اللاجئين في بعض الدول من قوانين وقرارات تعتبر بعض مناطق بلدهم آمنة لعودتهم، مثلما تفعل كوبنهاغن، يطلقون حملة توعية وتحذير من الانعكاسات الخطيرة على أوضاع الأغلبية الساحقة، حال ساهم البعض في مسرحية “انتخاب السيد الرئيس”.
وتركز أحزاب اليمين الأوروبي المتشدد، وبعض البرلمانيين من يمين الوسط، اهتمامها على مشهد العشرين من الشهر المقبل، خصوصاً في ما يتعلق باللاجئين، وليس المهاجرين قديماً، المقيم بعضهم أصلاً في باريس واستوكهولم، كفارّين قبل أكثر من 30 سنة من اضطهاد نظام حافظ الأسد، قبل أن يصبحوا، بعد الحصول على الجنسية، مؤيدين وزائرين دائمين كـ”مغتربين”، وضيوفاً عند السيدة بثينة شعبان في إشرافها على “مؤتمرات المغتربين”.
ويأتي الاهتمام في إطار التشكيك في أحقية هؤلاء الفارين في اللجوء. ويفيد بعض الأشخاص المتواجدين في برلين، “العربي الجديد”، بأنّ “سفارة الأسد تتحضر لاستقبال من هم ليسوا بسوريين (لدى العربي الجديد جنسيات وأسماء ناشطين مؤيدين للأسد)، لزوم الصورة التي يحتاجها النظام، كدليل على تأييده حتى بين اللاجئين”.
وفي السياق ذاته، يستحضر يمين الدنمارك المتشدد، والصحافة الأقرب إلى الجناح القومي المحافظ، كما هو الحال في استوكهولم وبرلين، زيارات سابقة لحفنة قليلة من اللاجئين السوريين إلى دمشق، عبر مطار بيروت، للتحريض عليهم والتعميم بأنهم “لاجئون اقتصاديون” وليسوا لاجئي اضطهاد. ومنذ بضع سنوات، استُغلت تلك القضية في الدنمارك، فأثرت على الأغلبية الساحقة المستحقة للحماية.
وسبق أن أضاء “العربي الجديد” في 2018، على كيف عمل سماسرة السفر، لقاء مبالغ مالية، على تسفير الراغبين من مطار بيروت بتنسيق مع الأمن السوري، بحافلات تعبر رسمياً الحدود بين سورية ولبنان من دون أختام (ووصلت دعاية شركات سفر لبنانية-سورية، وأخبار التسهيلات الأمنية في نقطة المصنع الحدودية إلى السلطات في كوبنهاغن، ما أثار سجالاً ترتب عليه مزيد من التشدد).
الآن، ووفقاً لمعلومات جديدة لـ”العربي الجديد”، خصصت بعض المؤسسات الرسمية، ودوائر هجرة وخارجية، مجموعات متخصصة، وبعض عناصرها يجيدون العربية، لمراقبة مدى تجاوب من يحمل صفة لاجئ مع دعوات رئيس مجلس الشعب السوري، حمودة صباغ، لهم للمشاركة في التصويت بعد شهر من الآن. ولأن مثل تلك المشاركة تعزز نظرية أنّ العاصمة السورية دمشق وريفها آمنان، فإنها، بحسب ناشطين سوريين، ستضر كثيراً بوضع اللاجئين السوريين في أوروبا.
—————————-
انتخابات الأسد المبتذلة وخيبات مُفتعلة/ حسن النيفي
بينما تمضي حكومة نظام الأسد منهمكةً في التحضير لانتخابات الرئاسة المقبلة في 26 أيار المقبل، محاولةً إثارة المزيد من الضجيج الإعلامي المحلي والدولي؛ لا يرى قسم كبير من شارع المعارضة السورية أيّ بأس من الانخراط في هذا الانهماك الإعلامي، بل ربما رأى بعضهم أنه من الضروري الوقوف عند مسألة الانتخابات المزمع إجراؤها، باعتبارها ترسيخاً لسلطة الأسد واستمرار الاستبداد، فضلاً عن كونها انتهاكاً للقرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية وخاصة القرار 2254 الذي ينص على كتابة دستور جديد ومن ثم الدخول في عملية انتخابية تحت إشراف أممي.
قد يبدو هذا التوجه منسجماً مع المنظور الأممي أو الدولي لقضية السوريين، ولكن هل ينسجم حقاً مع منظور السوريين لطبيعة وماهيّة نظام الأسد؟ يمكن التأكيد على أن السوريين وحدهم من عرف وعانى مرارة التسلّط الأسدي منذ عام 1970 وحتى الوقت الراهن، وبالتالي من المفترض أن يكونوا هم أكثر معرفة بماهية هذا النظام من جهة، وكذلك أكثر خبرة بالتعاطي مع طرق مواجهته ومقاومته من جهة أخرى، فلماذا إذاً هذا الإصرار من جانب أكثر النخب السياسية والثقافية السورية، على التعاطي مع قضاياهم وشؤونهم الوطنية من خلال منظور وفهم الآخرين لها، وليس من خلال معرفتهم وتجاربهم ومعايشتهم لواقعهم؟
لقد استولى حافظ الأسد على السلطة وتسلّط على رقاب السوريين طيلة ثلاثين سنة، ثم ورث الحكم من بعده ابنه بشار، وما يزال مستمراً في حكم البلاد منذ عشرين سنة، وطيلة نصف قرن من حكم آل الأسد، لم تكن انتخابات الرئاسة تجري سوى بنسخة واحدة، فالمُرشّح للرئاسة هو رئيس النظام ذاته، والإجراءات القانونية الشكلية هي ذاتها، والحصانة الأمنية لسيرورة الانتخابات هي هي لم تتغيّر، والنتائج معروفة قبل بدء العملية الانتخابية، أي سيفوز الرئيس بنسبة ساحقة.
ولعل تكرار هذه العملية قد جعل المسألة تتحوّل من استحقاق دستوري وقانوني إلى طقوس احتفالية يتم التحضير لها مسبقاً، ولم تكن تلك الطقوس والمهرجانات الاحتفالية تجري في أقبية المخابرات أو في أماكن أخرى سرية، بل على الملأ، لتتبعها بعد عدّة أيام رسائل التبريكات الموجهة من دول ورؤساء العالم مهنِّئة رئيس النظام بتجديد البيعة الجماهيرية له.
ولئن كان تكرار تلك العملية الانتخابية بهذا الشكل المعهود طيلة خمسين سنة ماضية من حكم الأسدين لم يلق استنكار المجتمع الدولي، ولم ينتقص من شرعية نظام الأسد دستورياً وقانونياً لدى جميع المحافل الدولية، فما الذي سيدفع المجتمع الدولي في الوقت الراهن لاستنكار العملية الانتخابية التي سيجريها بشار الأسد في السادس والعشرين من أيار المقبل؟ هل هو حجم الدمار الذي ألحقه الأسد بسوريا؟ أم هي درجة التوحّش والإيغال في قتل مئات الآلاف من السوريين؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل كان حافظ الأسد إبان فترة حكمه بريئاً من دم السوريين؟ وهل كانت سوريا في عهده واحة للسلام والديمقراطية؟
أمّا إن كان سبب استنكار المجتمع الدولي عائد إلى عدم التزام الأسد ببنود القرار 2254 فيما يخص كتابة الدستور ومن ثم الانتخابات، فيمكن القول: لماذا لم يستنكر المجتمع الدولي، ومن ثم يسعى إلى إلزام الأسد بالبنود الإنسانية الملزمة في القرار المذكور، وأعني ما يخص الإفراج عن المعتقلين والكشف عن المغيّبين؟ وهي مسألة لا تقل شأناً، بل ربما هي أكثر أهمية بالنسبة إلى ملايين السوريين، من مسألة الدستور والانتخابات.
ويبقى السؤال عن المآلات العملية للموقف الدولي من انتخابات الأسد موضع رهان كثيرين، أي إن أنجز الأسد انتخاباته المقبلة، غير آبه بأي استنكار أو احتجاج، سواء أكان سورياً أو دولياً، واستمرّ في تصدير شرعية، مصدرها الوحيد هو قدرته على الاستمرار في القتل والإجرام بمؤازرة حليفيه الروسي والإيراني، وهذا ما سيحصل على الأرجح، فهل سيتحوّل الاستنكار الدولي إلى مواقف أكثر عملية، كأنْ تبادر الولايات المتحدة الأميركية ودول أوربية أخرى إلى طرد سفراء النظام وممثليه الدبلوماسيين كتعبير فعلي عن عدم اعترافها بشرعية انتخاباته؟ وهل سيشهد السوريون دعوات دولية لإبعاد تمثيل نظام الأسد من المحافل الدولية كالأمم المتحدة وسواها؟ واقع الحال يؤكّد أنه لا المعطيات السياسية الراهنة، ولا إرث العلاقات الغربية مع نظام الأسد يؤيد ذلك، بل لعل سقف التوقعات لن يتعدّى المواقف الإعلامية التي تكرر وجوب التزام الأسد بالتفاعل مع القرارات الأممية، وبالمقابل لن يعدم الروس القدرة على مشاغلة المجتمع الدولي من خلال حضور نظام الأسد في اللقاءات المقبلة للجنة الدستورية، حضور من أجل المشاغلة فقط، دون الوصول إلى نتيجة.
وبالتوازي مع المآلات المُتَوقَّعة لمهزلة انتخابات الرئاسة الأسدية المُزمع إجراؤها، ستعلو نبرة الكيانات الرسمية للمعارضة السورية، وسيسمع السوريون كلاماً مكروراً على عدم شرعية الأسد وبطلان انتخاباته دستورياً، وكذلك على عدم التزامه بتنفيذ القرار 2254، بل ربما سيمضي بعضهم باتهام المجتمع الدولي بتهاونه وتقصيره عن ممارسة ضغوط جدية من شأنها إجبار نظام الأسد على تنفيذ القرارات الدولية، وكأنهم يكشفون للسوريين عن حقائق كبرى لم يكن يعلم بها أو يتوقعها أحد سواهم، بل سيعمدون إلى الندب والصياح نتيجة خيبة مُفتَعلة، هم أوّل من سعى إلى تأسيسها حين تحدّوا إرادة السوريين من خلال الانصياع للتفسيرات الروسية للقرارات الأممية، وكذلك من خلال ادّعاء براغماتية كاذبة وواقعية سياسية وهمية قوامها الرضوخ السلس لإرادة الدول الراعية لمسار أستانا.
وأصرّوا – خلال سنوات مضت – على تعزيز القناعة لدى السوريين بأن إيجاد دستور جديد سيكون المدخل المناسب في العملية السياسية وتفكيك نظام الأسد، في حين أكّد لهم الروس ونظام الأسد معاً أنْ لا علاقة تلازمية بين عمل اللجنة الدستورية وانتخابات الرئاسة، كما أكّد لهم الشارع السوري بعفويته الثورية تمسّكه بتراتبية حقوقه كما أقرتها الجهات الأممية، فاتهموه بالشعبوية والغوغائية، واليوم إذ يستنكرون ويعربون عن خيبة أمل، حيال نتيجةٍ هم من ساهم بتعزيز أسبابها، فإن هذه الخيبة الافتعالية أو المصطَنعة لن تضيف أيّ جديد إلى فهم كثيرٍ من السوريين الذي بنوا موقفهم من نظام الأسد على وعي صادق بماهيته، وليس على فهم مُستعار.
فأنْ يكذبَ المرءُ على نفسه، ويسعى إلى جعْلِ كذبته حقيقة، فهذا شأنه، أمّا أن يطلب من الآخرين تصديقها، فتلك مصيبة.
تلفزيون سوريا
———————–
لماذا لا يرد نظام الأسد وحلفاؤه على الهجمات الإسرائيلية؟/ ماجد عزام
نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي أوائل الشهر الجاري فيديو لعملية برية سرية نفذها في عمق الأراضي السورية الصيف الماضي بينما قدمت صحيفة إسرائيل اليوم في الخامس من نيسان تفاصيل إضافية عنها تضمنت قيام لواء النخبة في سلاح المشاة “غولاني” بالتعاون مع وحدة هندسية خاصة بتفجير موقع تابع لقوات النظام وحلفائه من الميلشيات الإيرانية أقيم في المناطق العازلة منزوعة السلاح على الحدود السورية الفلسطينية حسب اتفاقية فك الاشتباك التي تم توقيعها –عام 1974 – برعاية الأمم المتحدة في أعقاب حرب تشرين أول/ أكتوبر 1973، وبما يتناقض أيضاً مع التفاهمات السياسية والعسكرية التي تم التوصل إليها بين إسرائيل وروسيا التي أتت في سياق تعويم النظام وأتاحت له العودة إلى المنطقة لحراسة الحدود، كما فعل خلال العقود الخمسة الماضية.
تزامن نشر جيش الاحتلال لفيديو العملية وتقرير الصحيفة العبرية عنها، مع غارات إسرائيلية جديدة في السابع من نيسان، استهدفت مواقع للنظام وحلفائه جنوبي دمشق وبالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة، ورد عليها النظام بآلته الدعائية المعتادة وصواريخه العشوائية عديمة الجدوى التي وصلت حتى بلدة حولا بجنوب لبنان، بينما جاء الرد العملي المعتاد عبر ارتكاب مجازر جديدة بحق الشعب السوري والمدنيين العزل، كما حصل في مدينة جسر الشغور بمحافظة إدلب في اليوم التالي للغارات الإسرائيلية.
تقرير صحيفة “إسرائيل اليوم” الموثق بفيديو جيش الاحتلال، يقدم في الحقيقة صورة عن المشهد في الجولان والمنطقة الحدودية بشكل خاص وسوريا بشكل عام في سياقاته وأبعاده المختلفة السياسية والإعلامية والعسكرية والأمنية.
كما قلت فقد تحدث الإعلام الإسرائيلي الصيف الماضي بشكل مقتضب وعام عن عملية برية لتفجير موقع عسكري للنظام وحلفائه أقيم في المنطقة العازلة منزوعة السلاح على الحدود في هضبة الجولان، وكنت قد أشرت للعملية بإحدى مقالاتي هنا في سياق الحديث عن عجز النظام وحلفائه عن الردّ على الهجمات الإسرائيلية لعدم امتلاك الإرادة ، ناهيك عن القدرة على التنفيذ، غير أن التفاصيل الجديدة والموثقة التي نشرتها صحيفة “إسرائيل اليوم” بدت لافتة لجهة الحديث عن موقع عسكري أقامه نظام الأسد بالتناقض مع اتفاقات فكّ الاشتباك التي حافظ عليها لعقود تحديداً عبر حمايته للحدود، ما مثّل ضمن معطيات أخرى أحد أسباب موافقة الاحتلال على عودته للانتشار في المنطقة الحدودية وجنوبي سوريا بشكل عام، إضافة إلى الرغبة الإسرائيلية في ترسيخ فكرة التفاهمات مع روسيا وتحميلها مسؤولياتها باعتبارها القوة الكبرى القائمة بالاحتلال في سوريا، كما يردد الإعلام الإسرائيلي دائماً.
حسب تقرير الصحيفة العبرية فقد أوصل الاحتلال الإسرائيلي رسائل إلى نظام الأسد عبر الأمم المتحدة لإزالة الموقع ومواقع أخرى أقيمت في نفس الفترة، خاصة مع انتشار أذرع للاحتلال الإيراني فيها، غير أن النظام تجاهل الأمر رغم انتهاكه الموصوف الغريب والمفاجىء للاتفاقية الدولية والتفاهمات الروسية الإسرائيلية التي خضع لها بشكل عام.
لكن تقرير الصحيفة العبرية تجاهل الإشارة إلى روسيا، القوة الكبرى القائمة بالاحتلال حسب التعبير الدارج، الأمر الذي بدا لافتاً ومستغرباً أيضاً، وأعتقد جازماً أن تل أبيب ناقشت الأمر مع موسكو على الأقل بموازاة نقاشها مع الأمم المتحدة المعنية مباشرة بالملف، والتي تنشر قوات دولية تابعة لها بالمنطقة –يوندوف – وربما لم ترد روسيا أو نقلت ردّ النظام السلبي لكن الأكيد أنها أعطت إشارة ضمنية لإسرائيل بالتصرف بما يتوافق مع رؤاها ومصالحها، كما يحدث دائماً وفق قاعدة أن عدم التزام النظام وحلفائه بالتفاهمات الإسرائيلية الروسية يستوجب رد فعل إسرائيلي تتفهمه روسيا في العادة لكن مع عدم تهديد وجود النظام نفسه باعتبار ذلك قاعدة التفاهم المركزية ومصلحة مشتركة للجانبين.
أعتقد أيضاً أن النظام الفاقد للحيلة والسيادة لم يحرك ساكناً لعجزه عن مواجهة إيران وميليشياتها وكان على يقين أن إسرائيل ستتصرف في النهاية كما يحصل مع تخزين أسلحة إيرانية في مواقع ومعكسرات النظام الأخرى التي تتعرض للقصف الإسرائيلي الدائم.
حسب التقرير العبري فقد فجرت القوات الخاصة المتوغلة الموقع، لكن دون أي إشارة إلى مصير شاغليه، مع توقع أنهم قضوا تحت أنقاضه دون إعلان أو حتى نعي لهم من قبل النظام وحلفائه.
وحسب التقرير عادت القوة الخاصة الإسرائيلية إلى قواعدها سالمة أيضاً بلا أي ردّ فعل فوري ومباشر من النظام وحلفائه، في تأكيد إضافي على نفاقهم وجبنهم، علماً أن هذا لا يحدث في غزة، ففي آخر توغل مماثل لقوة خاصة لجيش الاحتلال في تشرين ثاني 2018، اشتبكت المقاومة الفلسطينية معها وقتلت قائدها وجرحت آخرين، ما أحدث صدمة في الدولة العبرية وهزة في قيادة تلك القوة لم تتعاف منها حتى الآن.
عموماً مرت العملية العسكرية الإسرائيلية بهدوء ودون ضجة من قبل النظام وآلته الدعائية، ولا حتى من الحشد الشعبي الإيراني وأبواقه الإعلامية الناطقة بالعربية التي تتشدق صباحاً ومساء بالعداء لإسرائيل والاستعداد لمواجهتها، بل وتعتبر ذلك مبررا لسياسات الحشد الدموية في سوريا والمنطقة.
في الحقيقة؛ تشبه العملية المعلن عنها عشرات العمليات الإسرائيلية الأخرى ضد النظام وحلفائه داخل سوريا وخارحها، علماً أننا نتحدث عن مئات الغارات خلال السنوات الأخيرة تم فيها إلقاء أطنان من القنابل ما أوقع مئات القتلى وآلاف الجرحى في صفوف النظام والحلفاء دون أي ردّ جدي من جانبهم.
وفي سياقها العام تشبه العملية كذلك حرب الناقلات – كما كتبت هنا قبل أسبوعين – التي تشنها إسرائيل من جانب واحد ضد إيران لمنع تموضعها الاستراتيجي في سوريا لا وجودها الداعم لبقاء نظام الأسد الذى يمثل نقطة توافق بين إسرائيل وايران أيضاً كما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت -الأربعاء 21 أبريل نيسان- الحرب التي خسرت فيها طهران مليارات الدولارات دون أي إعلان من جانبها رغم تلقيها الضربات بشكل متواصل، بينما جاء الإعلان عنها بتسريب متعمد من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اللاهثة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لإزالة الملف عن جدول الأعمال الدولي حتى بثمن استمرار سياسات إيران الاستعمارية الدموية في سوريا والدول العربية بشكل عام.
بالتزامن مع نشر التقرير أيضاً شنت إسرائيل غارات في سوريا هي الثالثة خلال شهر والتاسعة منذ بداية العام دون رد فعل من النظام وحلفائه-أوقعت 75 قتيلا على الأقل- اللهم إلا إطلاق صواريخ عشوائية مضادة للطائرات سقط بعضها في بلدة حولا جنوبي لبنان، وهو نفس ما حصل قبل ذلك في مدينة الرمثا جنوبي الأردن.
عموماً نحن أمام دليل إضافي على الاستخدام الدعائي للقضية الفلسطينية ونهج المقاومة والعداء لإسرائيل من قبل بشار الأسد وحلفائه، والجبن عن الردّ عملياً عليها لكونها لا تهدد وجود وبقاء النظام نفسه الذي يمثل الهدف المركزي لإيران وأذرعها الطائفية، بينما نرى الاستقواء والردّ الدموي الإجرامي على الشعب السوري الثائر لكونه انتفض ضد النظام وسوريا الأسد مطالباً بالحرية والكرامة في سوريا العظيمة.
في الأخير وباختصار يتمثل الاستناج الأهم مما سبق بحقيقة أن لا إمكانية لتفكيك المستعمرة الإسرائيلية ودحر الغزاة الصهاينة دون التخلص من الطغاة العرب الذين فشلوا في امتحانات الخبز والحرية والكرامة وقبل ذلك وبعده امتحان فلسطين، الطغاة الذين قال عنهم وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه دايان بعد نكبة لا نكسة حزيران/ يونيو 1967 “نحن محظوظون بأعداء كهؤلاء” النكبة التي رفع نظام البعث بعدها معادلة بقاء النظام هو الأهم حتى لو تم تدمير الجيش وضياع الجولان، وهي المعادلة نفسها التي حدّثها النظام بعد الثورة لتصبح الأسد أو نحرق البلد
———————–
======================
تحديث 24 نيسان 2021
————————–
سوريا الأسد وروسيا بوتين/ بسام مقداد
في العام 2017 تقاسم بوتين مع شاعر روسيا العظيم ألكسندر بوشكين المرتبة الثانية بعد ستالين برأي الروس في “الشخصيات العشر الأبرز في كل العصور ولدى سائر الشعوب” ، حسب مركز” ليفادا” الروسي لاستطلاعات الرأي ذي المصداقية الرفيعة. وفي العام 2014 ، وإثر ضم القرم لروسيا ، كان بوتين شرط وجود روسيا ، حسب قول النائب الأول لرئيس ديوان الرئاسة الروسية آنذاك فيتشسلاف فالودين في تعبيره الشهير”في بوتين ـــــ في روسيا ، ما في بوتين ـــــــ ما في روسيا” . لكن بوتين تحول اليوم ليصبح شرط وجود السلام في العالم حسب موقع “بوتين اليوم” الرسمي، الذي نشر نصاً بمناسبة رسالة بوتين السنوية لمجلس الإتحاد في 21 من الجاري وعنونه “في بوتين ــــــــ في سلام، ما في بوتين ـــــــ ما في سلام” .
هذه المبالغات الممجوجة على غرار “سوريا الأسد´و “الأسد أو لا أحد” ، التي تعتمدها الأنظمة التسلطية تنطوي، عدا الإستخفاف الظاهري بشعوبها ، على إقرار داخلي بالخوف المميت من هذه الشعوب وبممارسة العنف لمواجهته . وهي في حرب دائمة مع “شعوبها” ، تخشى أي هدنة معها ، واي تراخٍ في قمعها وعنفها، تحرص على بقاء السوط والسكين بيدها ، حين “تتنازل” عن بعض حقوق الشعوب في العيش وخدمات الكفاف للإستمرار في الوجود الجسدي .
لم يخرج بوتين عن هذا السياق في رسالته السنوية التقليدية إلى مجلس الإتحاد الروسي . فعلى ساعة وبضع دقائق ، أغدق بوتين على الروس الكثير من الوعود بالتغلب على وباء كورونا، وبتقديم المعونات المالية للأسر والأطباء والمدرسين والنساء الحوامل في ظروف عائلية صعبة ، وحتى لصغار رجال الأعمال ومتوسطيهم. وأنهى رسالته بتوجيه إنذار إلى كل من تسول له نفسه بارتكاب هفوة بحق روسيا، ولكل من يعتقد أن حديث موسكو عن الرغبة في إقامة علاقات متوازنة حتى مع الأطراف التي لا تستقيم العلاقات معها. ودعم إنذاره هذا المغلف بالهدوء، برأي بعض الخبراء الغربيين، باستعراض الجديد لديه من الأسلحة الإستراتيجية النووية وسواها.
ولكي لا تدع مجالاً لتشكيك الروس بالتقديمات التي وعد بها بوتين، عمدت إدارة الإحصاء المركزية الروسية، وبمناسبة رسالة بوتين، وعلى غير عادتها، إلى تأجيل نشر تقريرها الفصلي عن دينامية مداخيل الروس الفعلية من 20 إلى 29 الشهر الجاري . ويقول موقع ” Forbes” الذي نقل النبأ ، أن إدارة الإحصاء حرصت، “على الأقل” هذه السنة، على أن تنشر تقاريرها الفصلية في موعدها. وبررت الإدارة هذا التأجيل بأن جمع المعلومات حول بعض مكونات المؤشر تَطلّب وقتاً إضافياً على غير المعتاد. ويقول مدير الاستثمارات في شركة “Loko-Invest” ديمتري باليفوي، بأنه لا يتذكر سابقة أجلت فيها إدارة الإحصاء المركزي نشر المعطيات عن المداخيل الفعلية للروس .
ترافقت رسالة بوتين هذه السنة مع تظاهرات مؤيدة للمعارض السجين ألكسي نافالني، شملت عشرات المدن الروسية تقدمتها موسكو وسان بطرسبورغ. ولاحظت BBC الناطقة بالروسية ، أن تعامل الشرطة لم يتميز هذه المرة بالعنف المعروف عنها في التظاهرات السابقة، خاصة في موسكو، التي بلغ المتظاهرون فيها وسط المدينة، حيث كان يعقد اللقاء مع بوتين. وفسر المراقبون هذا الأمر بسعي السلطة لتفادي التأثير السيء لعنف الشرطة على صدى رسالة الرئيس وسط الروس. لكن الشرطة لم “تتساهل” مع التظاهرات في المناطق الروسية الأخرى كما في موسكو ، حيث بلغ عدد الموقوفين في 97 مدينة حوالي 1786 شخصاً، كان نصفهم تقريباً (806 أشخاص) في سان بطرسبورغ وحدها المدمنة على الإحتجاج.
في الوضع العالمي، الذي ختم به بوتين رسالته، لم يتطرق إلى حرب تبادل طرد الدبلوماسيين المستعرة الآن بين روسيا ومعظم دول الغرب، والتي تهدد بشلل عمل السفارات، كما في حال تشيكيا، التي ناشدت الناتو تقديم المساعدة لسفارتها في “عملها المشلول” في موسكو. كما لم يتطرق أيضاً إلى الشرق الأوسط ككل، وأتى على ذكر سوريا وليبيا في سياق قوله ، بأن روسيا تسعى للمساعدة في تسوية الصراعات الإقليمية واستقرار الوضع في سوريا وإقامة حوار سياسي في ليبيا .
وجد بوتين في الحديث عن الوضع العالمي فرصة سانحة لإبراز السوط إلى جانب الجزرة، التي لوح بها في الداخل. فقال، حسب موقع الكرملين الرسمي في النص الذي نشره للرسالة، بأن منظمي أية إستفزازات ضد المصالح الرئيسية لأمن روسيا “سوف يندمون على ما يفعلونه ، كما لم يندموا من قبل”. روسيا تريد أن تكون لها علاقات جيدة مع جميع الأطراف الدوليين، حتى مع أولئك الذين “لا تستقيم العلاقات معهم” في الفترة الأخيرة. إلا أن من يعتبر نوايا روسيا الطيبة “ضعفاً أو لا مبالاة”، وهو نفسه يريد تدمير هذه العلاقات مع روسيا، عليه أن يعرف أن رد روسيا سيكون “غير متكافئ ، سريع وقاس” .
وبعد أن يشير بوتين إلى صمت الغرب بشأن الأنباء عن “محاولة إغتيال” الرئيس البيلوروسي ألكسندر لوكاشنكو وأبناءه (المشتبه بهم اعتقلوا في موسكو)، يقول، ملمحاً إلى مسؤولية الغرب عن هذه المحاولة، بأنه مهما كان الرأي بسياسة الرئيس البيلوروسي، لكن تنظيم الإنقلابات والقتل السياسي، بما فيه كبار المسؤولين، “أمر قد زاد عن حده وتخطى جميع الحدود”. وتحدث عن معلومات لديه تشير إلى أن المشاركين في “المؤامرة” ضد لوكاشنكو كانوا يستعدون لشن هجوم إلكتروني على بيلوروسيا، وتوسع في رسم صورة مأساوية لما كان يمكن أن يلحقه مثل هذا الهجوم من أضرار بالكهرباء والمياه وخدمات الإنترنت في العاصمة البيلوروسية .
النص الذي نشره موقع “بوتين اليوم” الرسمي في اليوم الذي أذاع فيه بوتين رسالته إلى مجلس الإتحاد، لم يكن يخاطب الغرب بقدر ما يخاطب المعارضين الليبراليين الروس، الذين ” نشأوا على القيم الغربية ويشكلون في الحقيقة “طابوراً خامساً”، برأيه. النص الذي لم يوقع بإسم كاتب معين، يمثل في حقيقته مناظرة مع ألكسي نافالني والمعارضة “الطامحة لإحلال” أي كان” محل بوتين”. ويقول بأنه لا يخشى الكلمات التي سطرها في العنوان “في بوتين ـــــ في سلام ، ما في بوتين ـــــ ما في سلام”، لأن “معارضينا الليبراليين” هزئوا بما عرضه بوتين من أسلحة جديدة خلال رسالته المماثلة العام 2018، وقالوا بأنها “أفلام كرتون”، في حين أصيب الناتو بالذهول وهو يدرك أنه ليس في الأمر خداع.
وبعد تأكيده على أن الكتاب السياسيين والخبراء الغربيين والروس ينتظرون ما سيقوله بوتين في كل رسالة دورية إلى مجلس الإتحاد، يقول النص بأن روسيا تُتهم بشتى أنواع الجرائم، وتدفع الولايات المتحدة الرئيس الأوكراني لإشعال حرب في الدونباس، ويحاولون إشعال الوضع في كل الإتجاهات حولها. ويقول “لا يكفينا” كل هذا، بل وتطل برأسها الشريحة الليبرالية المعارضة، ذلك الجزء من المجتمع الروسي الغريبة عليه كلمات مثل “حب الوطن” و”التضحية بالذات”، والذي لا يبالي لا بالبلد ولا بالشعب. وهم لا يريدون أن يكونوا روساً، ويعتبرون أنفسهم “أبناء العالم”، ويقولون بأنهم لن يحاربوا من أجل “روسيا بوتين” والأوليغارشيين، بل كل ما يريدونه هو الحصول على الكثير من النقود، “وأن يحصلوا عليها، لا أن يستحقوها بالعمل” .
يستطرد النص طويلاً في هذا الهجوم ــــ المناظرة مع المعارضة الروسية الليبرالية “المنخرطة في كل هذا التآمر على روسيا”، والذي على بوتين مواجهته والدفاع عن روسيا في الحروب عليها، والحفاظ على أمنها وعلى السلام في العالم ، مما يبرر عنوانه “في بوتين ـــ في سلام ، ما في بوتين ما في سلام” .
والسؤال الذي يفرض نفسه: أين يفترق كلام نص موقع “بوتين اليوم” عن ما يقوله ويرتكبه الأسد في تبرير شعاراته “الأسد أو لا أحد” واشتراط وجود سوريا بوجوده”سوريا الأسد” ؟
المدن
———————-
مؤشرات انقلاب في موقف مشيخة العقل من بشار الأسد/ عماد كركص
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي يخطط النظام السوري لإجرائها، في 26 مايو/ أيار المقبل، تسود العديد من التكهنات بشأن مواقف العديد من الأطراف. لكن الأنظار تتجه إلى شيخ العقل الأول للطائفة الدرزية في سورية حكمت الهجري، خصوصاً بعد التسريبات التي تتوالى منذ فترة عن مواقفه المعارضة للانتخابات، ولبقاء رئيس النظام بشار الأسد في السلطة، من دون أن تصدر أي مواقف رسمية تنفي صحتها أو تؤكدها.
وتروج أوساط مقربة من الهجري، والذي يتخذ من محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، جنوب البلاد، مقراً له، والذي لطالما عرف بمواقفه المؤيدة للأسد، بأنه في طريقه لأن يبتعد عن تأييد الأسد في الانتخابات المقبلة. وينقل مقربون عن الهجري، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الأخير ليس ضد شخص بشار الأسد، وكان داعماً دائماً له لسنوات طويلة، لكن الهجري يعتقد اليوم، أو بات مقتنعاً بأن البلاد باتت الآن بحاجة لوجه سياسي جديد ينتشلها من حالة التشرذم والحرب والانهيار.
وأكدت الأوساط المقربة من الهجري أن شيخ العقل لم يُعلق إلى الآن على موضوع الانتخابات الرئاسية التي تمهد لتثبيت الأسد في السلطة لأعوام طويلة مقبلة، غير أنها أشارت إلى أنه مع كل ما يحفظ سورية ووحدتها وكرامتها، وهو خيار استراتيجي بالنسبة إليه. وكانت وسائل إعلام سورية معارضة قد سلطت الضوء على هذا الموقف للهجري، الأسبوع الماضي. وانتظرت الأوساط الشعبية في السويداء خروج بيان نفي من قبل الهجري المعروف بموقفه المؤيد للأسد، لكن النفي خرج عبر أحد مستشاريه دون علم الهجري، بحسب المصادر، التي أشارت إلى أن الشيخ لم يفوض أحداً بالرد، بل طلب الالتزام بما يصدر عن صفحة الرئاسة الروحية فقط. وأكدت المصادر، التي تواصلت مع “العربي الجديد”، أن مكتب التلفزيون الرسمي للنظام حاول إجراء مقابلة مع الهجري للحصول على نفي للادعاءات حول موقفه الأخير من الأسد، غير أن الهجري رفض الظهور للإعلام في اللقاء، واكتفى بالقول للصحافي الذي تواصل معه بعبارة فضفاضة إن “الثوابت لا تتغير”.
وعلمت “العربي الجديد” من مصادر أخرى مواكبة لما يجري، بأن الموقف المحرج الذي تعرض له الهجري بما يشبه الإهانة قبل شهرين، من قبل العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري التابع للنظام والمقرب من إيران، دفع الشيخ للتفكير بعقد تحالفات جديدة تقوي من مركزه في حال أمعن النظام في الضغط عليه.
وفي حين تحدثت هذه المصادر عن أن الهجري تلقى عرضاً من النائب اللبناني السابق وليد جنبلاط بأن يكون تنسيق رئاسة الطائفة الدرزية في سورية بشكل مباشر مع الروس، على أن يتولى جنبلاط مد جسور التواصل من خلال علاقته الطيبة مع الروس، نفى العضو في مجلس القيادة في الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني خضر الغضبان، وهو متابع للملف السوري، في اتصال مع “العربي الجديد”، الموضوع جملةً وتفصيلاً، مؤكداً أنّ رئيس الحزب وليد جنبلاط لا يتدخل في شؤون الطائفة الداخلية في سورية، ومواقفه، في الخطوط العريضة، تتمثل في الحفاظ على مختلف مكونات الشعب السوري وطوائفه. وشدد الغضبان على أنّ كل ما يُشاع في هذا الإطار مرتبط بخلافات قديمة جرى حلّها وانتهت. وأكد مصدر قيادي آخر مقرّب من جنبلاط، لـ”العربي الجديد”، أن الأخير يركز اهتماماته اليوم بشكل أساسي على الوضع الداخلي في لبنان، نظراً للظروف القاسية والصعبة التي تمرّ بها البلاد، وتنصبّ مشاوراته ومباحثاته على الملف الحكومي.
وبحسب المصادر السورية، التي تحدثت مع “العربي الجديد”، فإن الروس عقدوا اجتماعاً، أخيراً، مع الهجري في دارته ببلدة قنوات، حيث أبلغهم بموقفه المتذمر من الأسد والنظام عموماً، وأن هذا الموقف ثابت ولن يتغير طالما أن المعطيات السياسية والاقتصادية تسير من سيئ إلى أسوأ، ولا أمل بأي إصلاح يُنقذ البلاد. وبحسب المصادر، فإن الهجري يكتفي، في الآونة الأخيرة، باستقبال زواره في دار قنوات كالعادة، ويُكرر لضيوفه بأنه رجل دين وليس سياسة، على الرغم من كل المحاولات التي تبذل لمعرفة رأيه الواضح في ما نسب إليه من أقوال عن عدم دعمه للأسد، ومسألة اتفاقه مع موسكو.
ويتقاسم رئاسة مشيخة العقل في السويداء كل من شيخ العقل الأول حكمت الهجري، الذي يتصدر الرئاسة الروحية للطائفة، وشيخ العقل الثاني يوسف جربوع، بالإضافة إلى شيخ العقل الثالث حمود الحناوي. يشار إلى أن هذه الرئاسة تعتبر منقسمة إلى تيارين، الأول يقوده الهجري بموقف مؤيد إلى حد ما للنظام والأسد، أما الثاني فيقوده جربوع والحناوي، اللذان يميلان لاتخاذ مواقف وسطية، قريبة للمعارضة إلى حد ما.
وفي بداية العام الحالي، بدأ النظام الترويج لحملة ترشيح بشار الأسد للانتخابات، بمحاولة الحصول على تأييد عشائري بدأ في حماة، وانطلق إلى السويداء بمبادرة من الشيخ العشائري نواف طراد الملحم، الذي التقى مع وجهاء وشيوخ من الطائفة الدرزية، من بينهم جربوع، بحضور ممثلين عن العائلات ووجوه اجتماعية مختلفة ورجال دين في دار الطائفة. وطرح الملحم حينها فكرة ترشيح الأسد للانتخابات من قبل الوجوه الاجتماعية والعشائرية نيابة عن عائلاتهم وعشائرهم كما حدث في حماة. إلا أن طرحه، بحسب مصادر من داخل الاجتماع نقلت تفاصيله لـ”العربي الجديد”، لم يلقَ تجاوباً من قبل وجوه السويداء ومشايخها، ولم يحصل خلال اجتماعه بهم على نتائج نهائية إيجابية.
وفي منتصف العام الماضي، شهد مركز محافظة السويداء احتجاجات شعبية على خلفية تردي الوضع المعيشي والاقتصادي لسكان المحافظة، كما حال باقي السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. وسرعان ما تحولت تلك الاحتجاجات إلى تظاهرات هتفت ضد بشار الأسد، وطالبت بإسقاطه مع نظامه، دون أن تلقى تلك التظاهرات والاحتجاجات رفضاً من مشايخ الطائفة الدرزية في المحافظة أو وجوهها، ما يشير إلى أن المزاج العام في المحافظة بات ميالاً لمعارضة أكبر للنظام ورئيسه بشار الأسد، بانتظار ما سيكون عليه الموقف الشعبي والديني والعشائري في المحافظة خلال الانتخابات المقبلة، وكيفية تعامل النظام معه.
العربي الجديد
—————————–
واشنطن لن تقاوم روسيا في سوريا..بأمل إبعاد إيران
رأت صحيفة “ذا هيل” الأميركية أن الولايات المتحدة في عهد إدارة الرئيس جو بايدن لن تتحدى الوجود الروسي في سوريا، ما يعني أن النفوذ الروسي سيتمدد أكثر في المستقبل، مشيرة إلى احتمال فكّ التحالف بين روسيا وإيران هناك.
وتضيف الصحيفة في مقال للكاتب مارك كاتز بعنوان: “السياسة الروسية تجاه سوريا: مخاطر النجاح”، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد قد يكون قادرا على الحكم لفترة، لكن تقرير إصابته بكورونا، أظهر أن هناك قوى داخل النظام قادرة على الخروج من نطاق السيطرة، إذا أظهر عدم قدرة على الحكم.
وقالت الصحيفة: شئنا أم أبينا، كانت السياسة الروسية تجاه سوريا منذ تدخل موسكو هناك عام 2015 ناجحة بشكل ملحوظ. حكومة رئيس النظام السوري بشار الأسد لا تواجه خطر الإطاحة بها من قبل أي من معارضيها الداخليين، ليس ذلك فحسب، بل تمكنت أيضاً من استعادة الكثير من الأراضي التي فقدتها لهم ذات يوم.
حافظت روسيا على القاعدة البحرية على الساحل السوري ووسّعتها، والتي كان من الممكن أن تخسرها لو تمّت الإطاحة بالأسد، وحصلت على قاعدة جوية أيضاً. يرى العديد من حلفاء أميركا في الشرق الأوسط -بما في ذلك إسرائيل والسعودية والإمارات والبحرين- أن الوجود الروسي في سوريا يعمل على كبح النفوذ الإيراني هناك. لم تتحدَى إدارتا باراك أوباما ودونالد ترامب بجدية الوجود الروسي في سوريا، ولا يبدو أن إدارة بايدن ستفعل ذلك أيضاً.
كل هذا حدث بتكلفة منخفضة نسبياً لموسكو من حيث الخسائر. في الواقع، كان التدخل الروسي على نطاق أصغر في سوريا أكثر نجاحاً بكثير من التدخل الأميركي الأكبر في أفغانستان والعراق.
لكّن موسكو تواجه بعض المشاكل في سوريا. كانت روسيا تأمل في التوسط في اتفاق سلام بين نظام الأسد وبعض خصومه الداخليين على الأقل، ولكن كلّما شعر الأسد بالتدخل الآمن، قلّ استعداده لتقديم أي تنازلات لهم. لم تتمكن موسكو أيضاً من إقناع الغرب أو دول الخليج العربي أو الصين بتمويل جهود إعادة الإعمار الضخمة التي لا تستطيع روسيا تحملها، والتي ستحتاجها سوريا للمساعدة في استقرارها.
أكثر من ذلك، في حين أن الأسد قد يكون قادراً على الحكم لبعض الوقت، فإن التقرير الأخير الذي أظهر إصابته بفيروس كورونا، هو تذكير بأنه إذا لم يعد قادراً على الحكم، فقد يؤدي الصراع على الخلافة إلى صراع داخل النظام الذي يوجد داخله قوى قادرة على الخروج عن نطاق السيطرة. هناك أيضاً احتمال تجدد الصراع بين تركيا من جهة، وكل من حكومة الأسد وخصومها من جهة أخرى.
أخيراً، من الممكن دائماً أن يلعب القول المأثور القديم: “عندما ينتهي الغرض من التحالف، ينتهي التحالف نفسه”، إذا بدأت روسيا وإيران في التركيز على التنافس مع بعضهما البعض من أجل التأثير في سوريا بمجرد أن يروا أن منافسيهم المشتركين هناك لم يعودوا يشكلون تهديدات.
ما قد تفعله موسكو جيداً هو العمل على تنمية حلفاء داخل نظام الأسد، وكذلك مع الأطراف المعارضة الراغبة في العمل مع شخصيات أخرى غير الأسد. يمكننا أيضاً أن نتوقع من روسيا أن تواصل غض الطرف عن الهجمات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية وحزب الله، والتي تساعد روسيا على إبقاء النفوذ الإيراني محدودًاً من دون أن تضطر موسكو إلى تحمل المسؤولية الثقيلة بنفسها. وإذا تحسنت علاقات موسكو مع دول الخليج العربية وإسرائيل بشكل أكبر، فقد تقنعهم إما بتمويل جهود إعادة الإعمار التي تقودها روسيا أو حث أميركا والغرب على عدم عرقلتها.
وبالتالي، من غير المرجح أن يستمر النفوذ الروسي في سوريا فحسب، بل سيتم دعمه أيضاً إلى حد ما من قبل حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الذين يرون أن وجود روسيا هناك أفضل من وجود إيران.
وإذا رأى حلفاء واشنطن في المنطقة مزايا في استمرار الوجود الروسي في سوريا فقد لا تتمكن الولايات المتحدة من فعل الكثير لمعارضة موسكو هناك دون الإضرار بعلاقاتها مع شركائها في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن عدم الاستقرار المتأصل في الصراع السوري قد يؤدي إلى نشوء أزمة لن تتمكن موسكو من احتوائها.
المدن
————————-
الأسد..و16 مرشحاً يتنافسون على دور الكومبارس
بلغ عدد المتقدمين بطلب الترشح لانتخابات رئيس الجمهورية في سوريا حتى السبت 17 مرشحاً بينهم 3 سيدات، بينما أعلن حزب التضامن تراجعه عن المشاركة في هذه الانتخابات التي من المقرر أن تجري في 26 أيار/مايو 2021.
ونشر مجلس الشعب السوري قائمة بأسماء المرشحين الذين وافقت المحكمة الدستورية على الطلبات التي تقدموا بها، ما يعني استيفاءهم الشروط المنصوص عليها في قانون انتخابات رئاسة الجمهورية الذي أقر عام 2014 حسب الدستور الجديد.
مرشح للرئاسة السورية
وباستثناء رئيس النظام بشار الأسد، فإن أياً من المرشحين الآخرين غير معروف من قبل الشعب السوري، على الرغم أن بينهم وزيراً سابقاً هو عبدالله عبدالله، وناشط حقوقي سبق أن اعتُقل لفترات قصيرة قبل تفجر الثورة الشعبية عام 2011 هو محمود مرعي.
وبالإضافة إلى أن المرشحين الذين يفترض أنهم سيخوضون المنافسة ضد بشار الأسد غير معروفين، وبينهم من لا يمتلك أي مؤهلات علمية أو سياسية، فقد أدى ترشحهم إلى موجة سخرية بين السوريين الذين علق الكثيرون منهم بالقول إن مثل هذه المسرحية يناسبها هؤلاء الممثلون الذين لا يستحقون حتى لقب كومبارس.
ومع ذلك لم تتردد الفئة الأشد تأييداً للنظام عن مهاجمة هؤلاء المرشحين وانتقاد تجرؤهم على هذه الخطوة، على الرغم من أن أغلبهم أدلى بتصريحات شددت على تأييده المطلق للرئيس الأسد، الأمر الذي يؤكد حسب المعارضين أن ترشحهم كان بطلب من النظام الذي يريد مشاركين في الانتخابات كديكور.
ويتفق الجميع على عدم جدية هذه الانتخابات وأن النظام لا يمكن أن يسمح بترشح أي شخص دون موافقة مسبقة من أجهزة الأمن عليه، أو على الأقل لن يكون بإمكان المرشحين غير المرضي عنهم الحصول على تأييد مجلس الشعب للمشاركة في هذه الانتخابات.
وينص قانون انتخابات رئيس الجمهورية في سوريا على ضرورة حصول طالب الترشح على تأييد 35 من أعضاء مجلس الشعب الذي يسيطر عليه حزب البعث، والبالغ عددهم 250 عضواً، ما يعني أن الحد الأقصى للمرشحين الذين يمكن أن يحظوا بموافقة البرلمان سيكون 7، علماً أنه لا يحق للنائب منح تأييده لأكثر من مرشح واحد.
وبالنظر إلى اليقين المسبق بأن نتائج الانتخابات محسومة مسبقاً لصالح بشار الأسد، فإن الأنظار تتجه نحو المرشحين الآخرين الذين سوف يحظون بالموافقة البرلمانية، التي يتفق الجميع أيضاً على أنها مرهونة بتوجيهات مخابرات النظام وقادته، على اعتبار أن وجود مرشحين آخرين شرط أساسي لكي تصبح الانتخابات قانونية.
ويتوقع أن يحصل عبدالله عبدالله، مرشح حزب الوحدويين الاشتراكيين، أحد أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الحليفة لحزب البعث، على تأييد العدد الكافي من أعضاء البرلمان، بينما علمت “المدن” أن المرشح محمود مرعي يتواصل بشكل مكثف منذ أيام مع بعض الأعضاء من المحسوبين على كتلة المستقلين، وكذلك نواب الأحزاب الأخرى من أجل الحصول على دعمهم، لكن موافقتهم تبقى مرهونة بتوجيهات النظام.
ويبدو أن عدم الثقة بالحصول على تأييد العدد المطلوب من النواب هو ما دفع حزب التضامن لإعلان عدم المشاركة في الانتخابات التي كان ينوي ترشيح أمينه العام محمد أبو قاسم لها، حيث أصدر السبت بياناً أكد عدم المشاركة.
وحسب مصادر “المدن” فقد شكل توجه الحزب السابق لخوض الانتخابات صدمة للقوى السياسية المتحالف معها أو الصديق لها، حيث يصنف “التضامن” نفسه كحزب معارض، ما دفع العديد من الشخصيات السياسية للتواصل مع أبو القاسم على مدار الاسبوع الماضي من أجل إقناعه بالعدول عن هذا التوجه، الذي كان سيمثل خرقاً لموقف المعارضة الداخلية بمقاطعة هذه الانتخابات.
والحزب هو أحد مكونات مشروع الجبهة الوطنية الديمقراطية المعارضة “جود”، كما أنه جزء من منصتي القاهرة وموسكو، بالإضافة إلى العلاقات التي تربطه بهيئة التنسيق الوطني المعارضة، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يقود الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.
————————-
الشيوعي السوري يدعم ترشيح الأسد..مزرعة بكداش في خدمة النظام!/ عقيل حسين
مقابل إعلان أحد أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية التي ستنظم في السادس والعشرين من أيار/مايو 2021، وعلى الرغم من اليقين العام أن هذا الترشح تمّ بتوجيه أمني، وبينما لم يصدر موقف علني من بقية أحزاب الجبهة التي يقودها حزب البعث الحاكم التي اكتفت بالصمت، فإن الحزب الشيوعي السوري، أعلن في بيان دعمه رئيس النظام بشار الأسد في هذه الانتخابات.
ليس في هذا الموقف ما يمكن مناقشته، بل من الواضح مستوى المزاودة في تأييد النظام التي يظهرها البيان بمواجهة بقية أحزاب الجبهة، موقف ليس جديداً أيضاً، فمنذ أن وقع الحزب على وثيقة التحالف مع “بعث-حافظ الأسد” عام 1971، تنازل للنظام عن كل ما يمكن لأي حزب سياسي أن يملكه، ليس الاستقلالية والسعي لتطبيق أفكاره والمنافسة على قيادة الدولة والمجتمع فحسب، بل وحتى التنازل عن تاريخ الحزب ومستقبله، الذي لم يأتِ عام 1995 حتى كان قد انتهى عملياً، بعد مقاومة يائسة ومحاولات عديدة بذلها قادة وأعضاء فيه على شكل انشقاقات من أجل إحياء هذا الحزب والحفاظ عليه.
عندما استولى حافظ الأسد على السلطة عام 1970، ودعا الأحزاب التي تريد أن تحافظ على وجودها في سوريا للعمل تحت سلطته، توقع الكثيرون أن يكون خالد بكداش، أول نائب شيوعي يصل إلى برلمان عربي بانتخابات حرة على الإطلاق عام 1956، والأمين العام للحزب الشيوعي، أحد اعرق الأحزاب في تاريخ سوريا الحديث، أن يكون أول الرافضين، لكن المفاجاة كانت أنه أول من قبل وأكثر من استسلم للأسد.
لكن ما كان يُتداول من قبل خصوم بكداش السياسيين حول تخليه مبكراً عن الفكر الشيوعي واستغلاله الحزب وشعاراته من أجل تحقيق مكاسب سياسية وبناء ثروة مالية، والذي اعتبر حتى آواخر ستينيات القرن الماضي مجرد مناكفات وحرب دعائية، بدأ يظهر بشكل أوضح منذ بداية السبعينيات، سواء من خلال تحالفاته السياسية أو التجارية، ناهيك عن تكريس نفسه وعائلته كقادة مطلقين للحزب.
شهد عام 1969 تفجر أول صراع داخل الحزب الشيوعي “بسبب تسلط الأمين العام خالد بكداش وقيادته الفردية” كما تقول وثائق حزب العمل الشيوعي، وجرى انتخاب لجنة مركزية جديدة عملت على إنجاز مشروع سياسي جديد يؤكد على استقلالية القرار الحزبي عن موسكو، ورغم أن قيادة اللجنة المركزية والمكتب السياسي وقفت ضده، إلا أن الاتحاد السوفيتي دعم بكداش، ما أفشل محاولة اقصائه.
وفي نيسان/أبريل 1973، انشقت مجموعة من كوادر الحزب وقادته، على رأسهم رياض الترك، ليؤسسوا ما عرف لاحقاً بالمكتب السياسي، رافضين تحالف بكداش مع نظام الأسد وتماهيه المطلق مع الاتحاد السوفيتي، ليكون ذلك باكورة سلسلة من الانشقاقات والانقسامات التي لن تتوقف لاحقاً.
شهد عقد الثمانينات انشقاقين آخرين عن جناح بكداش، حيث خرج مراد يوسف عام 1982 عن عباءة الأمين العام ليؤسس مجموعة حزبية من الشيوعين عرفت باسمه، قبل أن يتبعه انشقاق جديد قاده يوسف الفيصل عام 1989، وكلا الانشقاقين استند على رفض هيمنة خالد بكداش وزوجته على الحزب من جهة، واتهامات له بالتحالف مع الطبقة البرجوازية من جهة أخرى، وخاصة بعد انفضاح المشاريع التجارية الضخمة التي كان شريكاً فيها مع والد قدري جميل، هذا الأخير الذي سصبح قيادياً في الحزب منذ بداية التسعينيات بعد أن تزوج ابنة خالد بكداش.
وعلى عكس انشقاق رياض الترك، وكذلك تأسيس مجموعة حزب العمل الشيوعي الثوري عام 1978، الحركتان اللتان جاءتا “رفضاً للجمود الفكري والتحالف مع حزب البعث”، فإن هذين الانشقاقيين لم يتطرقا بالنقد إلى علاقة الحزب بروسيا والنظام، بل حظي جناح يوسف الفيصل برضى السلطة التي ضمته للجبهة الوطنية التقدمية ومنحته امتيازات أحزابها الأخرى، بينما كان قادة وكوادر المكتب السياسي وحزب العمل يمضون سنوات طويلة في المعتقلات.
توفي خالد بكداش عام 1995، وانتخب الحزب زوجته وصال فرحة أميناً عاماً له، في حدث اعتُبر بمثابة دق آخر مسمار في نعش “الشيوعي السوري” الذي رفض طيلة الوقت إجراء أي مراجعات فكرية وسياسية تتناسب والتحولات التاريخية الكبرى التي شهدها العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ليخرج الكثير من أعضائه بعد أن فقدوا آخر أمل لهم بالشيوعية وبالحزب، الذي سيشهد ما تبقى منه، وقد غدا مجرد اسم ومكتب وصحيفة، انشقاقاً جديداً عام 2003، لكن هذه المرة بقيادة زوج ابنة خالد بكداش قدري جميل، الذي أسس مجموعته الخاصة بعد انفصاله عن زوجته.
يتفق الكثيرون على أن انشقاق جميل جاء بعد إدراكه أنه لن يتمكن من تحقيق طموحه بالوصول إلى منصب الأمين العام للحزب، الذي كانت فرحة تمهد الطريق لانتقاله إلى ابنها عمار بكداش، وهو ما حصل بالفعل عام 2010 عندما تنازلت، قبل عامين من وفاتها، عن هذا المنصب لصالح نجلها، الذي كان يواجه اتهامات واسعة منذ دخوله المكتب السياسي مطلع التسعينيات بالسيطرة على الحزب، والاستحواذ على أمواله، بل والوشاية بالكثير من كوادره الذين كانوا يطرحون أفكاراً مناهضة لبعض سياسات النظام داخل الاجتماعات الحزبية وفي نقاشاتهم الخاصة.
أربعة مناصب قيادية في الحزب كان قد تسلمها بكداش الابن قبل أن يصبح رئيسه المطلق، بينما حظي بأول منصب سياسي عام عندما اختير لعضوية مجلس الشعب عام 2007، وهو المقعد الذي ما زال يشغله حتى الآن.
ثلاثة عقود كانت كفيلة بالإجهاز على ما تبقى من فكر الحزب وشعاراته لصالح التماهي التام مع السلطة وخدمتها، وعليه لم يكن مفاجئاً موقفه من الثورة التي اتهمها منذ اللحظة الأولى، مثل النظام، بأنها تمثل مؤامرة امبريالية تنفذها أدوات سلفية متطرفة، ضارباً عرض الحائط بكل الشروط الموضوعية والتاريخية التي كانت تشير بوضوح، حسب أدبيات الشيوعية وفكر الحزب، إلى أن تفجر مثل هذه الثورة الشعبية أمر حتمي بسبب سياسات النظام وطبيعة حكمه.
يعتبر الكثيرون أن الحزب الشيوعي السوري بقيادة عائلة بكداش، يمثل صورة مصغرة عن النظام، من حيث تحوله إلى مزرعة عائلية تتوارث حكمها وتسيطر على مقدراتها وتتاجر بشعارات حزبية وسياسية لتكريس سلطتها في هذه المزرعة، وبينما هيمن آل الأسد على سوريا بأكملها، اكتفى آل بكداش بالهيمنة على حزب وصل إلى حالة من البؤس حيث بات كل ما يبحث عنه اليوم هو بيان يزايد فيه بحب النظام على الآخرين.
المدن
————————-
الأسد وعون.. وقبلهما صدام حسين/ يوسف بزي
باسم العروبة أخذ صدام حسين العراق من دولة بالغة الثراء والبحبوحة والازدهار وبجيش قوي منيع إلى حرب مدمّرة وعبثية مع إيران استمرت ثماني سنوات مهلكة، خرج منها العراق محطماً. كبرياء الديكتاتور وعناده وإنكاره لكل واقع، وهرباً من حساب الكارثة، أخذه إلى الأسوأ. وهذه المرة باسم فلسطين سيغزو الكويت. حرب سترتّب على العالم العربي بأسره خسائر فلكية وتحولات عميقة وتاريخية ما زلنا نعاني نتائجها حتى اليوم. أما العراق نفسه “المتنطح للامبريالية”، فسيكون دولة بؤس وتحت حصار دولي استمر 12 عاماً، بنى أثناءها صدام سلسلة من القصور الخرافية تأكيداً لـ”انتصاراته”، فيما كان راتب أي موظف يساوي سعر بيضتين.
الديكتاتور الذي لا يعرف الهزيمة ولا يقر بخطأ ولا يشعر بندم، نجح بتحويل العراق إلى بلاد منكوبة أكثر في الحرب الأخيرة ضد أميركا عام 2003، لينتهي طريداً مختبئاً في جحر، قبل أن تعدمه فرقة من ميليشيا شيعية في مشهد همجي تقريباً. كانت نهايته للأسف متأخرة كثيراً، طالما أنه أكمل مهمته بتحطيم العراق كلياً. فبعده، 18 عاماً من الجحيم الطائفي والمذهبي والإرهابي الذي أفقد العراق أجيالاً من النخب والمتعلمين والكفوئين ومزق نسيجه الاجتماعي ودمر مكونات الحياة المدنية والروابط الوطنية، ومؤسسات الانتظام العام، عدا عن فقدان الثروات وتبددها وخسارة جهود ما يوازي مئة عام من التنمية. رحل صدام ومعه ملايين القتلى.
المزيج من الوحشية والقسوة والعناد اليائس سنراه مجدداً في شخص عديم الكاريزميا، ممقوت وتتنازع في دواخله مشاعر انعدام الثقة ورغبة عارمة في التفوق على أبيه “الداهية” تسلطاً. لقد بدأ عهد بشار الأسد مع نهايات صدام حسين. التوجس من المصير نفسه، دفعه إلى الاستشراس قمعاً في الداخل، وابتذالاً أكثر في “إدارته” للبنان، وارتماءً كلياً في حضن الحرس الثوري الإيراني.
كل ما اقترفه صدام حسين عاوده بشار الأسد على نحو خال من أي ادعاءات بطولية، لا باسم العروبة ولا باسم فلسطين، كان شرّه مَرَضياً وسادياً. ما فعله بسوريا وبالشعب السوري، فقط كي يبقى في السلطة، كان شرّاً كاملاً لا معنى سياسياً له. إلا إذا كانت “السياسة” شراً مطلقاً.
عشر سنوات لم يبق من سوريا المقتدرة إلا الهباء.. أرض بؤس وكوابيس مستمرة. وعلى الأرجح أن الأسد هذا مستمر في الرئاسة فوق الحطام. وإذا ذهب ذات يوم، فسيكون رحيله مصحوباً أيضاً بملايين القتلى (حتى الآن، ما يناهز المليون قتيل).
ليس من ديكتاتور في لبنان. لا رأس واحداً للحكم. يمكن القول أن هناك ديكاتوريين صغار، وفوقهم “مرشد أعلى” ليس باستطاعته حتى الآن أن يكون ديكتاتوراً أوحد رسمياً. والرئيس الرسمي، العسكري السابق، الجنرال ميشال عون يحجب نزعته إلى الديكتاتورية وإن كانت ثقافة تياره السياسي تقدسه وترفعه إلى مصاف القائد الملهم والمخلص والرئيس الأبدي المعصوم عن الخطأ.
بهذا المعنى، وعلى منوال التيار العوني، كما على منوال أتباع حسن نصرالله، وسائر أتباع القادة الأبديين، كل في طائفته وجماعته، يمكن القول أن الديموقراطية ميتة في لبنان. هناك فقط نوع من “تعايش” اضطراري بين أولئك الديكتاتوريين وفق توازن قوى هش، وقائم على العدائية لا على التفاهم.
مجموعة الديكتاتوريين، أكانوا من نمط إقطاعي أو ثيوقراطي أو فاشي أو بطريركي، يتسمون باحتقارهم للسياسة وضيقهم الشديد بأي منافسة أو اعتراض أو نقد. وهم كل بمفرده غير قادر على فعل ما فعله صدام أو بشار، لكنهم كمنظومة ملعونة إلى هذا الحد، استطاعوا حصد نتائج مشابهة كويلات على لبنان. فحتى لو تجاوزنا الحصاد الكارثي لمغامرات عون 1988- 1990، فإن حصاد 2006 و2008، وصولاً إلى 2016 ثم الحصيلة المبهرة لعامي 2019- 2020، تقودنا إلى وقائع مريرة، إما باسم فلسطين أو باسم “حقوق الطائفة” أو حتى باسم “مقارعة الامبريالية”: لبنان في القعر، خراب بلا حرب، عوز وإفلاس، حصار وعزلة، الضحالة والتفاهة، انهيار مالي وسياسي وقضائي وثقافي، هوية وطنية ممزقة، خسارة متمادية للنخب، انعدام المستقبل.
عون ليس صدام حسين ولا بشار الأسد. لكن ادعاء الطهارة والإيمان بالفرادة واحتكار “الحق” قد يكون مشتركاً بين كل صغار ديكتاتوريي لبنان والطاغيين العراقي والسوري. ربما ما يزعج عون ويميزه أنه ليس حاكماً مطلقاً وليس وحده في السلطة. فخلفه عدد لا يحصى من الديكتاتوريين الصغار، الذين يزاولون تحطيم البلاد فقط رغبة منهم بالسلطة، بفتات السلطة ولو فوق الحطام.
ايلاف
——————-
سوريا.. مجلس للنظام وليس للشعب/ بهاء العوام
إجادة فن “المعارضة” حرفة يحتاجها عضو “مجلس الشعب” فالاعتراض يجب أن لا يمس بالرئيس الأسد وأن يشير بلباقة إلى الفساد والمحسوبية دون ذكر شخصيات بعينها والأهم من هذا وذاك أن لا “يوهن نفسية الأمة”.
مر عقد كامل على الأزمة السورية، تغيرت خلاله الهوية الديموغرافية والجغرافية للدولة كثيراً، ولكن “مجلس الشعب” بقي على حاله. في الواقع، هو لم يمثل السوريين منذ وصول عائلة الأسد إلى السلطة. كان ولازال مجرد حلقات من المصفقين لـ”الرئيس”، فقط من أجل راتب شهري، أو لوحة سيارة، أو فتات من الكسب غير المشروع.
وفق الأمم المتحدة أسفرت الحرب في سوريا حتى الآن عن أربعمائة ألف قتيل، وأكثر من سبعة ملايين نازح داخل البلاد، ونحو ستة ملايين لاجئ خارجها، فضلا عن مئات الآلاف من المعتقلين. كما أدت الحرب لاستنزاف البنى التحتية، وشلت مجمل مضامير الحياة، وكل هذا بسبب “الرئيس” الذي يريد “مجلس الشعب” أن يمنحه ولاية رابعة، ليكمل تدمير البلاد، وينهي أيّ أمل للسوريين في استعادة دولتهم.
هذا المجلس الذي قاد العمل الوطني إبان الاحتلال الفرنسي وترأسته شخصيات مثل فارس خوري، أصبح أداة للسلطة، وعاش خمسة عقود تحت وصاية “آل الأسد”. لا ينسى السوريون كيف استدعي أعضاؤه عام 2000 على عجل ليعدّلوا الدستور على مقاس بشار الأسد كي يخلف والده في رئاسة “الجمهورية”. ولا ينسوا أيضا كيف وقف “البرلمانيون” يصفقون لـ”الرئيس” وهو يقهقه على وقع القمع والقتل الذي مارسه في الأيام الأولى للثورة عام 2011.
رؤية ضيقة
في الذكرى الأخيرة لاستقلال سوريا عن الفرنسيين خرج “مجلس الشعب” ببيان يتحدث فيه عن “تكالب قوى الشر والعدوان والإرهاب مع أذناب العمالة والخيانة والتآمر والتضليل على سوريا في محاولة لتخريب وتدمير المنجزات التي حققتها على مدى سنين طويلة”.
لا يملك أحد من أعضاء المجلس أن يذكر منجزاً واحداً لـ”سوريا الأسد”، فهي لم تعرف على مدار نصف قرن إلا سلسلة متصلة من الجرائم بحق السوريين، بزعم مواجهة “المؤامرات الكونية” التي يحيكها العالم ضدهم.
يطلب “البرلمان” من الطاغية البقاء في الحكم. ولا عجب في هذا؛ في زمن البعث هذا هو الشرط اللازم لتدخل “مجلس الشعب” وتعمّر فيه. أما التعبير عن صوت الناس ومطالبهم فهذا آخر ما تحتاجه، لأنه قد يصل بك إلى السجن كما حدث مع النائب رياض سيف عام 2001، عندما فتح ملف شبكة الخليوي وقال إن الفساد فيه يضيع على خزينة الدولة نحو 7 مليار دولار في ذلك الوقت.
أهم المهارات التي تحتاجها كعضو في “مجلس الشعب” التطبيل والتصفيق. وإن كنت تملك موهبة التعبير عن إعجابك بـ”حكمة وشجاعة الرئيس” شعراً أو نثراً أو هتافاً، فهذا يضمن لك الديمومة تحت قبة المجلس. ويُضربُ المثلُ في نائب قال يوما “إن حكم سوريا قليل على بشار الأسد، وهو يجب أن يحكم العالم”.
إجادة فن “المعارضة” في ظل حكم الأسود حرفة يحتاجها عضو “مجلس الشعب” أيضاً، فالاعتراض يجب أن لا يمس بالرئيس ولا بأذرعه المالية والأمنية. كما أنه يجب أن يشير بلباقة إلى الفساد والمحسوبية دون ذكر شخصيات بعينها. والأهم من هذا وذاك أن لا “يوهن نفسية الأمة” ولا يتجاهل “المؤامرة الكونية” على البلاد.
هذه الثوابت عاشت عليها أجيال من أعضاء “مجلس الشعب”. هناك وجوه كثيرة لم تتغير لأربع دورات متتالية، ولكن ذلك لا يهم طالما أن النواب لا يملكون من أمرهم إلا بقدر ما يسمح النظام.
المجلس أطلق استفتاء جديدا مضمون النتائج من أجل منح الأسد سبعة أعوام جديدة
من باب الإنصاف، لا بد من الإشارة إلى متغير وحيد طرأ على “مجلس الشعب” خلال سنوات الحرب، فقد بات يضم بين صفوفه أزلاما لأمراء الحرب وإيران وروسيا إلى جانب أزلام النظام التقليديين. هؤلاء جميعهم يراعون سقف المنافسة بينهم لأن المصلحة واحدة في بقاء النظام الذي يعتاشون على فساده، ولكنّ ولاءهم لمرجعياتهم بات لا يقل أهمية عن ولائهم للنظام. هم ينفذون أجندة من يوظفهم كأعضاء في المجلس، ولا يهمهم إن كانت هذه الأجندة تتعارض مع مصلحة البلاد ومستقبل السوريين.
نواب المحتلين إن جازت تسميتهم، يسافرون إلى طهران أو موسكو بين فترة وأخرى لجمع الأموال وتلقي التوجيهات، أما نواب أمراء الحرب فالأموال والتعليمات تصلهم إلى مكاتبهم، كما هو حال الأعضاء الممثلين للنظام بحزبه وأمنه وجيشه. أما القلة التي لم تفلح في تمثيل أيّ من الأطراف الأربعة رسميا، فهي تكتفي بالمعاشات ومميزات عضوية المجلس.
بخارطة انتماءاته التي رسمتها الحرب على مدار عقد كامل، دعا “مجلس الشعب” إلى انتخابات رئاسية جديدة في السادس والعشرين من مايو المقبل. وبتعبير أدق أطلق المجلس استفتاءً جديدا مضمون النتائج من أجل منح الأسد سبعة أعوام جديدة، ومنح النظام الذي يديره أمراء الحرب وروسيا وإيران سبعة أعوام أخرى، فيما يواصل أعضاء المجلس سرقاتهم وفسادهم وانتهازيتهم وهم يصفقون ويطبلون للأسد ومشغليهم.
ولأن عضوية “مجلس الشعب” ليست إجبارية ولا يوجد ما يبرر سلوك النواب وقراراتهم، لا يمكن تبرئة أيّ عضو من المسؤولية الأخلاقية على الأقل، فيما جرى ويجري خلال سنوات الحرب. كل من اختار أن يشارك في برلمان الدمى طوال هذه السنوات، عليه أن يدرك أنه ساهم في خراب سوريا وما طال سكانها من موت وتشريد وفقر، وعليه أن يعتذر يوما عن كل مرة صفق أو هتف أو ضحك فيها بوجه الطاغية.
العرب
————————
صراع حلفاء الأمس في الشرق السوري/ غسان ابراهيم
تستعد روسيا للتمركز في شرق سوريا بعد أن كان تركيزها على غرب البلاد في مراحل تواجدها الأولى عندما كانت المهمة إنقاذ نظام الأسد. ومع تغير المهمة أصبح التواجد في الشطر الآخر أولوية موسكو الجديدة.
والحجة جاهزة وهي داعش الذي تحرك مؤخراً هناك، بينما الحقيقة أبعد من ذلك، فما تريده روسيا في شرق البلاد له أبعاد كثيرة.
التنافس بين حلفاء الأمس أصبح مبرراً من الجانبين، فروسيا التي تريد أن تكون صاحبة الكلمة الأخيرة في سوريا تواجه الموقف الإيراني الذي يرى أنهم أسياد اللعبة، فهم من أحضر الروس لمهمة إنقاذ النظام، فكيف تتحول المهمة لمسيطر على المشهد، وكيف يمكن أن تخرج إيران جانباً؟
والروس الذين اعتمدوا على الإيرانيين في مرحلة الحرب عبر ميليشيات متعددة الأشكال والولاءات لم تعد لهم حاجة بهم اليوم. بل أصبحوا عبئاً على البلاد. وأصبحت إيران ككل مصدر إزعاج. فروسيا التي تطرق أبواب الدول العربية لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية وتمويل إعادة الإعمار تصطدم بحائط عربي رافض للوجود الإيراني.
ما تريده روسيا في شرق سوريا له أبعاد كثيرة
الحاجة للتقارب أصبحت حاجة للابتعاد، والأجندة التي وحدتهما أصبحت تفرقهما اليوم عبر أجندة جديدة تتطلب إنقاذ النظام ليس من المعارضة هذه المرة، بل من عزلة دولية تخنقه سياسياً وتضعفه اقتصادياً وتفككه استراتيجياً.
ما جمع الطرفين انتهى، وبدأت مهمة جديدة من الصراع الهادئ على النفوذ، كما أن انعدام الثقة يتزايد يوماً بعد يوم. والتضارب بين الطرفين مرتبط بخيط رفيع ليس من مصلحة أحدهما أن يقطعه. فروسيا التي تضغط على إيران بشكل محسوب ترفض زيادة الجرعة لأنها تعلم أن الإيراني أيضا لديه من الأوراق في سوريا ما يزيد عمّا في جعبتها.
فلا يمكننا أن نتوقع صراعا مباشرا، فإيران التي تتمسك بوجودها الاستراتيجي تقهقرها هناك يعني انكفائها إلى العراق وربما إلى ما وراء حدودها. سوريا بالنسبة إليها الحصن الأول لمشروعها التوسعي وبوابتها إلى المتوسط. بينما الروسي يفكر بعقلية استراتيجية تتجاوز الأشخاص عبر توقيعها اتفاقات طويلة المدى مع النظام السوري، وتريد سوريا منصة لتواجد استراتيجي ينافس التواجد الأميركي في المنطقة.
هذه التطلعات بعيدة المدى تنطلق بتحركات صغيرة وتدريجية لتفرض نفوذها على أغلب المناطق السورية، وفي هذا الإطار الكبير تأتي التحركات الصغيرة في دير الزور.
التواجد الروسي الجديد هناك أصغر من أن يوصف بقاعدة عسكرية وأكبر من نقطة عسكرية تقليدية، يكاد يكون تشكيلاً عسكرياً فريداً له مهمة التدخل السريع في شرق البلاد.
هذه المنطقة التي تخضع لنفوذ النظام السوري شكلياً تدار من قبل ميليشيات إيرانية أو سورية تعمل بالنيابة عن الإيرانيين نتيجة مغريات تجذب الشباب للعمل في صفوفها مع تدهور الوضع الاقتصادي. كما يحدّ هذه المنطقة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها المكون الكردي السوري الذي لا تثق روسيا به لتمسكه بعلاقات وطيدة مع الجانب الأميركي.
وجود الروس في المنطقة محاولة لجذب الشباب السوري لصفها بدلاً من ميليشيات طائفية تعمل بأجندات دينية متشددة.
ودخول الروس هناك يعني منافسة إيران في منطقة تعتبر بوابتها التي تربط العراق بسوريا لتكون ممر إيران نحو العمق السوري. وقد يتحول هذا الوجود العسكري الروسي للعب دور شرطي على مرور الإيرانيين براً ومراقبة وضبط من يدخل ويخرج على المدى الأبعد.
سوريا بالنسبة إلى إيران الحصن الأول لمشروعها التوسعي وبوابتها إلى المتوسط
كما ستستخدم موسكو هذا الوجود العسكري لحماية ما يشتريه النظام من النفط السوري من الأكراد، ومنع اليد الإيرانية من السيطرة على ما يتركه الأميركيون من مصادر طاقة.
وهذا التواجد العسكري يأتي في وقت قد تحاول فيه إيران الوصول إلى صفقات مع الأميركيين ليس فقط على الملف النووي، بل ربما وجودها في سوريا وما يمكنها السيطرة عليه هناك.
فبينما موسكو لا ترى أملاً قريباً لتفاهمات مع واشنطن، لن تترد طهران في ضمان نفوذها في سوريا عبر تفاهماتها المقبلة مع واشنطن إن حدثت.
ما يجعل التنافس بين البلدين يصل مرحلة حرجة تمنع روسيا من تحويل وجودها الجديد إلى قاعدة كبيرة وبنفس الوقت تكلفها بمهام أكبر. فحجة محاربة داعش لا تقلق أحداً وتلقى ترحيباً من الجميع، والهدف أبعد من ذلك بكثير.
هذا لا يعني أن الإيرانيين سيستسلمون ويقدمون المنطقة للروس، فالجميع يتذكر الجنوب السوري الذي من المفترض أن يديره الفيلق الخامس التابع شكلياً لجيش النظام وعملياً للروس، وكيف استطاعت إيران عبر ميليشياتها والفرقة الرابعة الموالية لها اختراق المنطقة من جديد، وعدم التزامها بتفاهمات روسية بخصوص تلك المنطقة.
المنافسة بين الطرفين تسير بدم بارد وبحركات بطيئة كلاعب شطرنج يحاول محاصرة الخصم، حركة روسية صغيرة في الشرق، لا يمكن الاستهانة بها أو الرد عليها من الطرف الآخر.
—————————-
ظاهرة تعظيم الأسد.. من المقاومة إلى الهدم/ مصلح مصلح
لا يمكن للمرء تفهم طبيعة الخطاب البلاغي الساذج المبثوث في ثنايا كتاب “حافظ الأسد مدرسة قومية خالدة” (2002) لمحرره الإعلامي الراحل أحمد صوان، المأخوذ عن الشهادة الشفوية لوزير دفاع الأسد السابق مصطفى طلاس، التي ذهب فيها حد رفع الأسد إلى مصاف عظماء القرن العشرين، ورفع طبائع شخصيته الغامضة إلى مستوى السر الكوني العظيم: “حافظ الأسد هو أحد عظماء القرن العشرين، فقد كان الأكثر قدرة على رؤية جوانب المسألة بشمولية وإدراك عميق، ناهيك عن الوقار والتواضع والصدق وحكمة القول، الأمر الذي جعل العالم مسحورًا باحثًا عن سر شخصيته”، دون أن يدرجه ضمن طابع البلاغة الإنشائي “لظاهرة تعظيم الأسد” التي اتخذت منها الباحثة الأمريكية ليزا وادين في كتابها “السيطرة الغامضة” الفرضية الأساسية للكشف عن الغايات والأساليب التي انطوت عليها تلك الظاهرة لإخضاع السوريين لسلطة الأسد المطلقة.
عميقة ونافذة هي فرضية وادين الخاصة بظاهرة تعظيم الأسد، إلا أنها في الوقت نفسه صادمة على نحو مروع، ذلك أن الأسد في محاولته لرفع نفسه أو سلطته المشخصنة إلى مستوى الألوهية المطلقة، ولم يحاول بذل أي جهد ممكن لإقناع محكوميه بصدق ما يقوله عن نفسه كما ذاته المتألهة، وبقدر ما يترك للسوريين أن يصدقوا جميع ادعاءاته عن البطولة والرعاية الأبوية دون أي احتجاج يذكر، رغم معرفته المسبقة بأنها لا تتعدى مستوى الكذب الزلال. فمنذا الذي يمكن له أن يصدق بأنه الصيدلاني الأول والفلاح الأول والمعلم الأول؟ ومن ذا الذي يمكن أن تنطلي عليه هرقطاته عن الخلود والأبدية، المكدسة على نحو عجائبي في ذلك الشعار المدرسي الممجوج “قائدنا إلى الأبد.. الأمين حافظ الأسد”، اللهم إلا من باب المبالغة الفجة المولدة للضحك؟
في ظاهرها تبدو قضية تصديق الكذب الأسدي كما لو كانت نوعًا من المجاملات العامة، التي تندرج ضمن آداب الحديث التي يحرص فيها المستمع على عدم وصف شطحات محدثه الخيالية بالكذب، إما تحاشيًا للاصطدام معه أو التقليل من شأنه، إلا أنها في العمق مرعبة على نحو مخيف. فنحن في سياق الكذب لا نصدق الكذب الأسدي وحسب، بل نتواطأ على الذهاب معه وترديده كما لو كان حقيقة ماثلة للعيان. فمنذا الذي يجرؤ على القول إن الأسد ليس أبًا لجميع السوريين، في تجمع تشرف عليه المخابرات أو أحد من أعوانها؟ ومنذا الذي يستطيع أن يجاهر بالقول إن الأسد ليس رمزًا للثورة العربية في معرض استماعه لأحد الرفاق الحزبيين وهو يتشدق بإنجازات قائده الفذ على الصعيد القومي؟
لا تهدف ظاهرة تقديس الأسد القائمة على تقنية البلاغة الكاذبة إلى تدجين الناس، أو إخراجهم من السياسية، أي حقهم في تقرير شؤون حياتهم اليومية وحسب، بل إلى تدمير الطابع الشخصي لكل منهم عبر تذكيره بأنه معزول وعاجز عن التغيير والفعل كما الاحتجاج، ذلك أن منطق الكذب الأسدي يقوم على فكرة تشجيع الناس المعزولين على النفاق والشطط فيه، كما التنافس فيما بينهم على إنتاجه وتسويقه إلى أقصى مدى ممكن، على النحو الذي نراه في كتاب أحمد صوان، الذي شاء الشريكان المنافقان، صاحب الحكاية ومدونها، على أن يكون بمفعول رجعي، يتجاوز وفاة صاحب ظاهرة الكذب بعامين كاملين.
واحدة من مآزق السلطة الأسدية وهي تعمل على تحويل السوريين إلى مجموعة من الناس المعزولين عن بعضهم البعض، على النحو الذي لا يتحرج البعض منهم من إبلاغ المخابرات عن مقاومة إخوتهم، الذين يحاولون التفلت من الخضوع لمنطق الكذب الأسدي ومآزقه الوجودية؛ أنها تنسى أن الكذب غير القابل للتصديق سلاح ذو حدين، فإذا كان يصلح لتدجين الناس وتدمير ثقتهم فيما بينهم كيلا لا يستطيعوا الانتظام في أي نوع من أنواع الاحتجاج المنظم ضد السلطة، إلا أنه في الوقت نفسه مادة للتفكير في الكذب من أجل دحضه. فكيف يعقل أن يكون الأسد أبًا للسوريين فيما هو في الحقيقة العيانية لا يخرج عن كونه أبًا لنفسه، أو على أبعد تقدير أبًا لعائلته، أو لجماعته الأهلية، أو قل للجزء الذي يمد له يد العون في محاولات الضبط والاخضاع، بينما بقية السوريين متروكين لقدرهم في تحمل النقص في كل شيء، من الكرامة وصولًا إلى الحاجات والخدمات الأساسية الضرورية للعيش.
مع أن ظاهرة تعظيم الأسد شأنها في ذلك ظاهرة التعذيب الممنهج في سجونه قد صمّمت بقصد الإطباق على السوريين وإخراجهم من السياسية، عبر نزع الطابع الإنساني عنهم في دفعهم لتصديق الكذب، ومن ثم إدراجه في بنيتهم الجسدية في جميع الحالات التي تضطرهم الظروف لحمل صور الرئيس وترديد الشعارات الممجدة لشخصه. فإن نقطة ضعفها الأساسية تكمن في تركيزها على التماهي مع الكذب، دون أي محاولة لتثبيته في الوجدان الشخصي للفرد على النحو المعمول به في الدولة الشمولية بنسختها الستالينية وأختها المعاصرة، دولة الأخ الكبير كيم إيل سونغ وورثته من بعده. الأمر الذي يجعل أمر مقاومتها ممكنًا على الصعيد الفردي، أو على مستوى الجماعة الصغيرة عبر تقنية النكته.
تنطوي النكتة في حد ذاتها على فعل مقاوم، ذلك أن الفرد سواء في حالة كونه ناقلًا لها أو مستمعًا، فإنه يبدي استعدادًا نفسيًا عاليًا لاستعادة نفسه المشطورة بين رفض الكذب والتماهي معه. فما النكتة في الجوهر سوى تعرية وهدم لفكرة الكذب؛ كذب الحاكم وكذب الذات المغلوبة على نفسها، والتعريض به عبر فضح طابعه المضاد لكل منطق عقلي كما في حالة “الفلاح الأول”.
مع ذلك فإن الطابع المقاوم للنكتة ظل حبيس الفعل الفردي غير القادر على الإفصاح عن نفسه على شكل علني، الأمر الذي جعل منها سلوكًا تنفيسًا لذات معذبة تنوس بين حدي تصديق الكذب والتماهي معه.
إذا كانت النكتة السياسة هي مفتاح مقاومة ظاهرة تقديس الأسد، فإن الكوميديا السياسية في المسرح، والكوميديا السوداء في السينما، قد أحدثتا نقلة نوعية في تلك المقاومة. ذلك أن النكتة أو اللوحة الكوميديا في المسرح تتم في جو من كسر عامل العزلة التي سعت إليه الأسدية، ففي مسرحيات محمد الماغوط كما في أفلام أسامة محمد ونبيل المالح وسمير ذكرى، تحضر النكتة في جو من الألفة الاجتماعية والحس الجماعي الرافض للكذب السلطوي، على العكس من الكوميديا المنزلية التي نهض بها مسلسلا بقعة ضوء ومرايا.
مع ذلك يتساءل المرء كيف أمكن للسلطة الأسدية أن تتسامح مع ظاهرة النقد تلك، سواء في المسرح والسينما أو في الدراما التلفزيونية، مع علمها المسبق أن ذلك النقد يستهدف منطق زيف أكاذيبها في الأبوة الأسدية والبطولات المتخيلة في الدفاع عن الأرض السليبة والعمل على استعادتها، كما يستهدف كسر حالة العزلة التي تفرضها على محكوميها عبر جعل عيبوبها ونقائصها مادة للضحك المباح؟
لكنه سيكتشف أن السلطة في سماحها بمثل هذا النقد لم تكن تحرص على حل مشكلة التناقض بين الادعاءات الرئاسية والوقائع العياني، عبر ظاهرة تنفيس الاحتقان في أوساط المحكومين المفجوعين بوقاحة الكذب وحدته، بقدر ما كانت تحرص على ترسيخ فكرة تنزيه الذات الأسدية عن القصور الإداري والفساد الحكومي، عبر تحميله لصغار الموظفين الذين يستغلون طيبة قلب الأب المشغول بقضايا السياسية الخارجية، المهمومة بضمان سلامة المواطنين كما أبنائهم من أي عدوان خارجي قد يطال سلامتهم الشخصية.
في الـ 15 من آذار/مارس 2011، أثبت السوريون هشاشة ظاهرة تعظيم الأسد، التي حاولت كل ما بوسعها لابقائهم في دائرة أكاذيبها الرئاسية، هذا ناهيك عن إثباتهم لامرين اثنين؛ تمثل الأول باستحالة إخراجهم من السياسية، فيما تمثل الثاني بقطعهم مع تلك الأكاذيب التي كانت تصر على الطابع الخالد للذات الأسدية. الأمر الذي يفسر إصرار الناس على إطلاق شعار “يلعن روحك يا حافظ” لكونه محاولة رمزية لرمي تلك الروح الفاسدة في باب اللعنة الأبدية، كما إصرارهم على إسقاط تماثيله التي أرادها وسيلة مادية لترسيخ وجوده الفاني رغم أنف السوريين، كما إعلان حضوره البوليسي عليهم في كل مطرح وفي كل حين.
على الرغم من العطب الحقيقي الذي أصاب ظاهرة تعظيم الأسد إثر خروج الناس للمطالبة بحقوقهم السياسية، فإن محاولات السلطة الأسدية لترميم ذلك العطب ظللت قائمة على قدم وساق، سواء عبر محاولاتها المستميتة لإعادة ترميم التماثيل الأسدية وإعادتها للميادين، أو عبر البحث عن رموز وشعارات جديدة تضمن الحد الأدنى من التضامن بين أنصار النظام المكلومين أنفسهم هذه المرة. وما محاولات تسويق الخطاب الرسمي عن المؤامرة الكونية والنصر الإلهي المؤزر عليها، سوى حلقة طويلة من حلقات التضامن الأخويّ بين الأنصار المنخرطين في الدفاع عن الاستبداد ورموزه، الذين لم يتورعوا عن إعادة الاعتبار للحذاء العسكري، ورفعه إلى مستوى الرمز الوطني الكبير، الذي رأي فيه الفنان الدرامي بسام كوسا تاجًا وطنيًا عظيمًا، لا يقل عظمة عن الرموز الوطنية الأخرى كالعلم الوطني والنشيد والبراميل المتفجرة العمياء.
الترا صوت
————————-
والبقية تأتي… أبرز المحطات في 21 سنة من حكم بشار
أعلن بشار الأسد، رأس النظام السوري، اعتزامه البقاء في السلطة، سبع سنوات مقبلة عبر ترشحّه للانتخابات الرئاسيّة، التي يتفق كل من يهتم بالشأن السوري على كونها “صوريّة”، إذ ينافس الأسد مرشّحون يهتفون باسمه، ويرفقون إعلانات ترشحهم للرئاسة بعبارات مثل “عاشت سوريا الأسد”.
في تموز/ يوليو المقبل يكون بشار الأسد قد أتم 21 عامًا على كرسي الرئاسة في “الجمهوريّة” السوريّة، أيّ ثلاث فترات رئاسيّة. وبحسب الدستور السوري المعدل، الصادر في 2012، لا يجوز للرئيس أن يترشح سوى مرة واحدة تالية عقب انتهاء ولايته الأولى. ويحكم بشَّار خلفًا لوالده حافظ الأسد الذي استولى على السلطة في سوريا في مطلع السبعينيات وبقي في سدّة الرئاسة ثلاثين سنة، حتى وفاته في حزيران/ يونيو من العام 2000.
في ما يلي أبرز التواريخ والمحطات المفصليّة في سوريا منذ تولّي بشار الأسد رئاستها. واعتمدنا في ذكر الحدث على أهميته وتأثيره على نظام الحكم وعلى المجتمع السوري، والمحيط الإقليمي، والدولي أحيانًا.
استلام السلطة: 10 تموز/ يوليو 2000
استلم بشار الأسد السلطة رسميًا بعد شهر من وفاة والده، بعد تعديل الدستور السوري في زمن قياسي حتى يناسب الرئيس الجديد، وتمّ تغيير سن رئيس الجمهوريّة من 40 سنة إلى 34، عمر بشار الأسد آنذاك.
بيان الـ99: 27 أيلول/ سبتمبر 2000
وهو بيان وقّع عليه 99 مثقفًا سوريًا طالبوا فيه بإنهاء العمل بقانون الطوارئ والعفو عن السجناء السياسيين، والسماح للمبعدين والمنفيين بالعودة إلى البلاد، وحماية حريّة التعبير وحريّة التجمّع. ومن أبرز الموقعين على البيان برهان غليون وصادق جلال العظم وميشيل كيلو وخالد تاجا وعمر أميرالاي ومحمد ملص.
أحداث البدو: تشرين الثاني/ نوفمبر 2000
في أول تحدٍ للرئيس الجديد، تجدّدت الاشتباكات بين البدو والدروز في محافظة السويداء، جنوب البلاد، بسبب خلافات على مناطق الرعي، ومن ثمّ تحوّلت المواجهات لتصبح بين المدنيين وقوات الأمن. راح ضحيّة هذه الأحداث عشرات القتلى ومئات الجرحى، إلّا أنّ السلطات الأمنيّة استطاعت في النهاية السيطرة على المحافظة، وأنشأت على إثر ذلك فرعًا للمخابرات الجويّة في مدينة السويداء.
ربيع دمشق: أيلول/ سبتمبر 2000 حتى شباط/ فبراير 2001
فترة قصيرة من الحريّة النسبيّة، أطلقت فيها السلطات الحريّات العامة، فسمحت بحرية التعبير وحريّة التجمعات، فأنُشئ على إثر ذلك عدد من المنتديات واللقاءات، انتهت باعتقال العشرات في شباط/ فبراير2001.
بيان الألف: 9 كانون الثاني/ يناير 2001
أو بيان “إحياء المجتمع المدني” الذي وقّع عليه ألف مثقف سوري. قدمّ البيان خطة إصلاحيّة للنظام، وتضمّن مطالب بإلغاء قانون الطوارئ واحترام الحريات السياسيّة وحماية حريّة الصحافة وحريّة التعبير وإنشاء قضاء مستقل وتشريع قوانين انتخابيّة حرّة واحترام وحماية الحقوق الاقتصاديّة وإنهاء التمييز ضدّ المرأة.
لقاء الأسد مع ملكة بريطانيا: 19 كانون الأول/ ديسمبر 2002
وهو أول لقاء لرئيس سوري مع الملكة البريطانيّة اليزابيث، كما التقى الأسد الأمير تشارلز ورئيس الوزراء البريطاني – وقتها- توني بلير خلال هذه الزيارة التي وُصفت بالتاريخيّة. أصطحب الأسد زوجته، أسماء الأخرس (الأسد) معه، وكانت هذه الزيارة بداية ترسيخ صورة الأسد مع زوجته، كشابين منفتحين على العالم ومختلفين في الحكم عن الطريقة التي حكم بها الأسد الأب سوريا.
الاجتياح الأمريكي البريطاني للعراق: آذار/ مارس 2003
بحجة الأسلحة الكيماويّة وبهدف إنهاء حكم صدام حسين للعراق، بدأ الاجتياح الأمريكي البريطاني للعراق، الذي يحد سوريا من الشرق، حوّل هذا الاجتياح الشرق الأوسط إلى منطقة مشتعلة، وتصاعدت التوترات بين سوريا والولايات المتحدة، خاصة بسبب اتهام الأخيرة لسوريا بدعمها للمقاتلين ضدّ القوات الأمريكيّة في العراق. وأشارت تقارير وأبحاث إلى أنّ آلاف المقاتلين الذين واجهوا القوات الامريكية ووصفوا بـ”الإرهابيين” دخلوا إلى العراق عن طريق سوريا.
انتفاضة الأكراد: 12 آذار/ مارس 2004
خلال مباراة كرة قدم في مدينة القامشلي ذات الغالبيّة الكرديّة، بين فريق “الجهاد” المحلي وفريق مدينة دير الزور “الفتوة”، انطلقت أعمال عنف راح ضحيتها ثلاثة أطفال أكراد، وتحوّلت تلك شرارة انتفاضة كرديّة انتقلت إلى معظم مناطق الأكراد في سوريا، وتم خلالها تحطيم تمثال حافظ الأسد في مدينة عامودا لأول مرة في سوريا. قمع النظام الانتفاضة بعنف، وراح ضحية أعمال القمع هذه عشرات الشبّان الأكراد، كما تمّ اعتقال الآلاف منهم.
اغتيال رفيق الحريري: 14 شباط/ فبراير 2005
بكمية هائلة من المتفجرات تمّ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في بيروت، التي كانت تحتلها سوريا منذ عام 1976. أشارت أصابع الاتهام إلى سوريا بشكل مباشر وحليفها اللبناني “حزب الله”، وقُطعت على إثر حادثة الاغتيال العلاقات الدوليّة مع سوريا، فعاشت سوريا فيما يُشبه العزلة الدوليّة لسنوات. صار الاغتيال شرارة انطلاق “ثورة الأَرز” التي أنهت الوجود السوري في لبنان في الثلاثين من نيسان/ أبريل من العام نفسه.
اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي: أيار/ مايو 2005
في العاشر من أيار/ مايو 2005، اختفى رجل الدين الكردي، وشيخ الطريقة الخزنويّة، معشوق الخزنوي، بالقرب من مكتبه في دمشق، وعُثر على جثته بعد ثلاثة أسابيع قرب مدينة دير الزور شرق البلاد. اتجهت أصابع الاتهام إلى النظام السوري الذي نفى ذلك. وجاء الاغتيال بعد حوالي شهر من كلمة ألقاها الشيخ في ذكرى مرور سنة على مقتل شاب كردي خلال انتفاضة الأكراد 2004 على أيدي عناصر الأمن، هاجم فيها النظام السوري، مطالبًا إياه بمنح الأكراد حقوقهم.
اغتيال سمير قصير: 2 تموز/ يونيو 2005
بعد إعلان انسحاب القوات السوريّة من لبنان، شهد لبنان الواقع في غرب سوريا، عددًا من عمليات الاغتيال والتصفيّة، أبرزها اغتيال الصحافي والكاتب اللبناني سمير قصير، أشد المعارضين لنظام الأسد. لم يُعرف مرتكب عملية الاغتيال إلى الآن؛ إلّا أنّ أصابع الاتهام وُجهت إلى سوريا.
إطلاق “إعلان دمشق”: 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2005
وهي وثيقة وقّع عليها عدد من السياسيين السوريين المعارضين لحكم الأسد، وضمّت للمرة الأولى سياسيين وناشطين ومثقفين سوريين من توجهات مختلفة، ليبراليّة وإسلاميّة، وكانت تدعو لإنهاء حكم الأسد واستبداله بنظام ديمقراطي، واعتبرت وثيقة جامعة لـ”قوى التغيير الوطنيّة المعارضة في سوريا”، ونشأ منها عدد من اللجان والمجموعات التي نشطت سياسيًا في سوريا وخارجها منذ ذلك التاريخ. اعتُقل على إثر هذا الإعلان عدد كبير من الموقعين عليه، أبرزهم ميشيل كيلو.
حرب تموز/ يوليو 2006
بدأت إسرائيل بشن حرب على لبنان، وبشكل خاص على حزب الله، الحليف الرئيسي لنظام الأسد في لبنان، واستمرت الحرب أكثر من شهر ونتج عنها مئات القتلى من الجانبين، الإسرائيلي واللبناني، إضافة إلى نزوح ولجوء مئات الآلاف من اللاجئين اللبنانيين، واستقبل الكثير من العائلات السوريّة عائلات لبنانيّة، كما فُتحت المدارس والمراكز الخدميّة لاستقبال اللاجئين من البلد المجاور.
الاستفتاء الرئاسي 27 أيار/ مايو 2007
الاستفتاء هو بديل الانتخابات في سوريا، وقد اعتمد حافظ الأسد ومن بعده بشَّار على الاستفتاءات، إذ يُستفتى الشعب على بقاء الرئيس في الحكم من عدمه كلّ سبع سنوات، ويتم التصويت بنعم أو لا، دون أن يكون هناك مرشحون آخرون. في الأشهر التي سبقت الاستفتاء، بعد سبع سنوات من حكم الأسد الإبن، انتشرت في سوريا حملة إعلاميّة كبيرة تحت شعار “منحبك”، وظهرت خيم احتفاليّة كبيرة في الشوارع وسُيّرت مسيرات كثيرة مؤيدة لبشار الأسد. أعلن النظام السوري عن بقاء بشار الأسد في السلطة بعد أن “صوّت” 97.62% بـ”نعم”. تحوّلت تلك النسبة إلى “نكتة” سريّة في الشارع السوري، تقول: إنّ الرئيس لم يحصل للمرة الأولى على 99.9% من الأصوات، وقد قام بإعدام من “صوّت” بـ”لا”.
اغتيال أبو القعقاع: 28 أيلول/ سبتمبر 2007
وهو محمد غول اغاسي إمام جامع الإيمان في حلب، أشهر أئمة جوامع سوريا في تلك الفترة، وعُرف لسنوات طويلة بدعوته إلى “الجهاد”، ومن ثمّ إرساله لكثير من شباب سوريا إلى “الجهاد” في العراق بعد الاجتياح الأمريكي البريطاني للبلد المجاور. انتشرت شائعات عن عمالته للنظام السوري، وعن أنّ مقتله تمّ عن طريق النظام نفسه بعد أن أصبح قوة لا يُستهان بها، وكذلك شائعات مضادة قالت إنّ من قتله هو أحد مريديه السابقين بعد أنّ غيّر أبو القعقاع من آرائه حول الجهاد، وآخرون قالوا إنّ المخابرات الأمريكيّة هي من خططت لقتله، إلّا أنّ أياً من الروايات لم تتأكد حتى الآن.
حملة قمع للمعارضين في نهاية العام 2007
استمرت اعتقالات الناشطين السياسيين والمعارضين لحكم الأسد ولم تتوقف، لكن في نهاية 2007 بدأ النظام واحدة من أوسع الحملات، شملت مجموعة من الشباب الناشطين في المنتديات السريّة والعلنيّة وفي الأحزاب المعارضة للأسد، وخاصة في مدن دمشق وحمص وحلب.
الجفاف وتغيّر المناخ: 2006 – 2010
ضرب الجفاف مناطق واسعة في شرق وشمال شرقي سوريا، وتُعد من أسوأ وأطول فترات الجفاف التي ضربت سوريا، لم تستطع سياسات الحكومة الليبراليّة أن توفّر حلولًا لملايين السكّان في تلك المناطق، فضرب الفقر مناطق واسعة تعتمد على الزراعة بشكل أساسي، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من السكان للعيش في بيوت عشوائيّة وخيم وبيوت صفيح في محيط المدن الكبرى، حمص وحلب ودمشق واللاذقيّة.
دمشق عاصمة الثقافة العربيّة 2008
أراد النظام السوريّ أن يُظهر دمشق مدينة مركزيّة في الثقافة العربيّة، منفتحة على العالم العربي والعالم. وظّفت الدولة السوريّة كلّ إمكاناتها لتتحول المدينة إلى مركز ثقافي كبير خلال السنة كلّها، فتمّت دعوة موسيقيين ومطربين وكتّاب ورسامين ونحّاتين ومسرحيين وسينمائيين وغيرهم من الفنانين إلى سوريا، وكثير منهم دخل إليها للمرة الأولى. وكانت الحفلات والأمسيات التي عقدت في دار الأوبرا وفي قلعة دمشق من أبرز أحداث هذه السنة، وذلك بسبب جمهورها الكبير الذي وصل إلى الآلاف في كلّ أمسية. استمرت الاحتفاليّة حتى الشهور الأولى من العام 2009.
اعتُبرت القمة العربيّة في دمشق من أنجح القمم العربيّة بسبب حضور عدد كبير من قادة الدول إلى دمشق، وبسبب التحضيرات الكبيرة التي قام بها النظام من أجل إنجاح القمة، في رد على الضغوط الخارجيّة التي كانت سوريا تتعرض لها في السنوات التي تلت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
مجزرة سجن صيدنايا: 5 تموز/ يوليو 2008
بعد عصيان قام به معتقلون في سجن صيدنايا، السجن الأسوأ في عصر الأسد الابن، بعد أن كان سجن تدمر هو الملمح الأبرز في عصر الأسد الأب، قامت قوات الأمن السوريّة بإنهاء العصيان بالقوة. قتل العشرات من السجناء ومن عناصر الأمن، لتُعتبر هذه المجزرة أولى المجازر التي قام بها نظام بشار الأسد.
بعد الانفتاح الأوروبي على النظام السوري بدءًا من عام 2007، وإعادة تعويم النظام دوليًا بعد سنوات قليلة من القطيعة إثر اغتيال الحريري، زار بشار الأسد وزوجته باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لتطبيع العلاقات السوريّة الفرنسيّة، ومن أجل حضور قمة إطلاق “الاتحاد من أجل المتوسط”. انتشرت صور بشار الأسد وعقيلته في شوارع باريس كحملة دعائيّة جديدة للأسد.
انطلاق الثورة السوريّة: 15 آذار/ مارس 2011
بعد تظاهرات صغيرة مناصرة للثورات في تونس ومصر وليبيا وبعد دعوات لثورة في سوريا، انطلقت تظاهرة بالقرب من الجامع الأموي في دمشق في الخامس عشر من آذار/ مارس، وبالتوازي انطلقت تظاهرات كبيرة في مدينة درعا جنوب البلاد في الثامن عشر من آذار/ مارس بعد اعتقال الأمن السوري لأطفال كتبوا عبارات مناوئة للنظام على جدران مدارسهم. ما لبثت أن تحولت هذه التظاهرات إلى ثورة عارمة اجتاحت البلاد. شنّ نظام الأسد حربًا لا هوادة فيها ضدّ هذه الثورة، فقتل مئات الآلاف واعتقل الآلاف وهجّر الملايين، وأُدخلت البلاد في نفق الحرب المفتوحة المستمرّة حتى اليوم.
“إصلاحات” ما بعد الثورة 2011
بعد قيام الثورة السوريّة، وعد الأسد بتقديم إصلاحات في النظام، من تغيير الدستور وإلغاء المادة الثامنة التي تقول بأنّ حزب البعث هو الحزب الحاكم للدولة والمجتمع، ومنح الجنسية للأكراد الذين حُرموا منها لسنوات طويلة، وفتح حوار وطني، لكنه لم ينجح في امتصاص غضب الشارع، وذلك لاستمرار آلة قتل المتظاهرين وقمع الثائرين على النظام على أيدي قوات الأمن والميليشيات الموالية للأسد.
تفكك الدولة وخروج مناطق من تحت سيطرة الأسد: 2011 – 2012
مع ازدياد رقعة التظاهرات، وازدياد استعمال العنف من قبل قوات الأمن والجيش، تشكّل “الجيش السوري الحرّ” من منشقين عن الجيش متطوعين مدنيين حملوا السلاح، بهدف حماية التظاهرات أولًا، ومن ثمّ لمهاجمة قوات النظام.
خرجت مناطق واسعة في ريف إدلب وحلب والغوطتين الشرقيّة والغربيّة وحمص وريفها ودرعا، من تحت سيطرة النظام. وفي ذلك الوقت اشتدّت الدعوات لرحيل الأسد والمطالبة العربيّة والدوليّة بانتقال سلمي للسلطة وبناء نظام ديمقراطي. أبرز هذه الدعوات كانت الخطوط الحمراء التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي باراك أوباما (قام النظام السوري بخرق هذه الخطوط الحمراء لاحقًا من دون الالتفات لهذه التصريحات) وتعليق وجود سوريا في جامعة الدول العربيّة، وفرض عقوبات أوروبيّة وأمريكيّة على شخصيات أساسيّة من النظام على رأسها بشار الأسد.
معركة داريا تشرين الأول/ نوفمبر 2012 – شباط/ فبراير 2013
اعتمد النظام السوري على إستراتيجية الحصار الكامل والقصف الثقيل على المناطق التي خرجت عن سيطرته (مخيم اليرموك، حمص القديمة، الغوطة الشرقيّة، أحياء حلب الشرقية…). وكذلك فعل في بلدة داريا الواقعة في الغوطة الغربية. تشتهر داريا كذلك خلال الحرب السوريّة بمجزرة داريا في آب/ أغسطس 2012 وقد راح ضحيتها مئات القتلى من المدنيين.
معركة القصير: أيار/ مايو 2013
واحدة من أبرز معارك الحرب السوريّة، وذلك بسبب تدّخل حزب الله اللبناني بشكل علني في الصراع السوري، ومن خلفه الإعلان الواضح والعلني لدعم إيران المطلق لنظام الأسد. انتهت المعركة بسيطرة حزب الله والجيش السوري على مدينة القصير على الحدود السوريّة اللبنانيّة.
هجوم الغوطة الكيماوي: 21 آب/ أغسطس 2013
من أكبر المجازر في الحرب التي شنها النظام السوري ضدّ المناطق الخارجة عن سيطرته، والتي راح ضحيتها المئات (آلاف في روايات أخرى) من المدنيين، قام النظام السوري بقصف مناطق من الغوطة الشرقيّة بغاز السارين. حمّلت الدول الأوروبيّة وأمريكا وجهات المعارضة والمنظمات الحقوقيّة والتوثيقيّة النظام السوري المسؤوليّة، ونتج عن ذلك إرسال بعثة تحقيق، وإطلاق برنامج لنزع السلاح الكيمائيّ من النظام السوريّ، كما رفعت منظمات حقوقيّة دعاوى في محاكم أوروبيّة مختلفة ضد مسؤولين في النظام السوري عن هذا الهجوم الذي عُدّ أكبر هجوم كيماوي في سوريا، إلى جانب هجوم خان شيخون في ريف إدلب في نيسان/ أبريل 2017.
الانتخابات الرئاسيّة: 3 حزيران/ يونيو 2014
عُدّت هذه الانتخابات هي الأولى في تاريخ حكم عائلة الأسد لسوريا بعد استفتاءات كثيرة سابقة. جرّت “الانتخابات” بين ثلاثة مرشحين، دون مراقبة من أيّ جهة مستقلة. أعلن النظام السوري فوز بشار الأسد بولاية دستوريّة ثالثة وذلك بعد “نجاحه” في الانتخابات بنسبة 88.7% من الأصوات.
إعلان خلافة البغدادي: 29 حزيران/ يونيو 2014
أعلن أبو بكر البغدادي، قائد تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش)، الخلافة الإسلاميّة في مناطق واسعة من سوريا والعراق، وسيطر التنظيم على مناطق كثيرة. انتهت قوة التنظيم في سوريا بعد الدعم الأمريكي والدولي للقوات الكرديّة التي قاتلت التنظيم في معارك كثيرة أبرزها معركة عين العرب-كوباني. ومن أبرز محطات “الخلافة” سيطرتها على مدينة تدمر وتدميرها آثار المدينة وسجن تدمر.
الدخول الروسي المباشر: أيلول/ سبتمبر 2015
دخل النظام الروسي في المعارك بشكل مباشر، وسيطر على القرار السوري، بعد أن ساندت روسيا الأسد في مجلس الأمن، عن طريق الفيتو المشترك مع الصين ضدّ كلّ القرارات المُتعلقة بإدانة نظام الأسد. إحدى أشهر صور سوريا خلال السنوات الأخيرة هي صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم العسكريّة، بالقرب من مدينة اللاذقية، والمركز الرئيسي للقوات الروسيّة في سوريا، ومن خلفه يقف بشار الأسد ممنوعًا من الاقتراب منه، ويظهر كأحد جنود بوتين.
استعادة السيطرة على حلب: 22 كانون الأول/ ديسمبر 2016
بعد معارك شرسة وفقدان السيطرة على أحياء كثيرة في ثاني أكبر المدن السوريّة، أعلن النظام السوري، المدعوم روسيًا، سيطرته الكاملة على مدينة حلب، بعد تهجير سكان الأحياء المعارضة والمقاتلين من المدينة نحو ريف إدلب وريف حلب.
تهجير الغوطة الشرقية واستعادة السيطرة عليها: آذار/ مارس 2018
استعاد النظام السوري السيطرة على واحد من أكبر معاقل المعارضة السوريّة بعد سنوات من الحصار والقصف الثقيل. انتهت المعارك بتهجير آلاف المدنيين نحو مدن وبلدات ريف إدلب وريف حلب.
قانون قيصر: كانون الأول/ ديسمبر 2019
أقر الكونغرس الأمريكي قانون عقوبات شديداً على سوريا، بناءً على الصور التي سرّبها أحد المصورين العاملين مع قوات الأمن السوريّة، والذي لُقب بـ”قيصر”. توثّق هذه الصور مقتل آلاف المدنيين السوريين في أقبية فروع الأمن تحت التعذيب.
الصراع مع رامي مخلوف: أيار/ مايو 2020
في بداية شهر أيار/ مايو 2020، نشر رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري والداعم الاقتصادي الأكبر له، مقطع فيديو على صفحته الشخصيّة على موقع فيسبوك، وتبعها بمقاطع أخرى، موجهًا انتقادات إلى النظام السوري وجهات لم يسمها في النظام. وكانت تلك المرة الأولى الذي يظهر فيها خلاف عائلي في هرم السلطة في سوريا إلى العلن، بعد خلاف حافظ ورفعت الأسد في ثمانينيات القرن الماضي.
أرقام من سوريا
بعد واحد وعشرين سنة من حكم بشار الأسد لسوريا، وبعد واحد وخمسين سنة من حكم عائلة الأسد للبلاد، لجأ ونزح أكثر من نصف تعداد سكان في سوريا، كأكبر مصدّر للاجئين في العالم، كما تجاوز عدد قتلى الحرب السوريّة نحو نصف مليون قتيل، فضلًا عن مئات الآلاف من الجرحى والمعتقلين.
تقبع سوريا في المرتبة 173 في حرية الصحافة من أصل 180 دولة، كما تقع في قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم مع وجود أكثر من 90% من سكانها تحت خط الفقر. كذلك تُعد من أكثر دول العالم خطرًا، فضلًا عن الكارثة البيئيّة التي تنتظرها.
————————
====================
تحديث 25 نيسان 2021
——————–
انتخابات الأسد وتأثير الداخل السوري/ عبسي سميسم
تشي الأنباء الواردة من بعض المناطق التي يعوّل عليها النظام السوري لإنجاح مسرحية الانتخابات، المقررة في 26 مايو/أيار المقبل، بوجود بعض مؤشرات لعدم تأييد انتخاب رئيس النظام بشار الأسد لولاية جديدة من قبل زعامات تلك المناطق. ومن هذه المواقف، الموقف الملتبس من قبل مشايخ عقل الطائفة الدرزية في محافظة السويداء، الذين لم يبدوا تأييداً مطلقاً للأسد، كما في الانتخابات السابقة (2014)، فضلاً عن حصول بعض التحركات الشعبية في المحافظة التي دعت لمقاطعة الانتخابات.
وبرز التذمر العام في العاصمة دمشق أيضاً من الوضع الاقتصادي المنهار، والذي بدأ قسم من المواطنين يجاهر بتحميل النظام المسؤولية عما آلت إليه أوضاعهم. في المقابل، يبدو أن بعض الأطراف لن تسمح بإجراء الانتخابات أصلاً في المناطق التي تسيطر عليها، كما في شرق الفرات التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وتشهد تلك المنطقة حالياً توتراً كبيراً بين لجان “الدفاع الوطني” التابعة للنظام وقوى الأمن الداخلي “الأسايش” القوة الضاربة للإدارة الذاتية التي تسيطر على المنطقة. وسبق أن ردّد بعض مسؤولي الأحزاب شرقي الفرات، بأن التوجه العام ينحو باتجاه عدم السماح بإجراء انتخابات في المنطقة التي تشكّل أكثر من ثلث مساحة سورية.
وبعد أن أعلن الأسد ترشيح نفسه رسمياً لخوض هذه الانتخابات، وبعد أن سبقه في الترشح خمسة من الكومبارس، الذين يتهيأون لأداء دور المنافس له في المعركة الانتخابية، تبدو المسرحية في ظل الأوضاع المتردية على جميع المستويات، أكثر انكشافاً للسوريين الذين يعيشون في مناطق النظام. ويدرك هؤلاء جيداً أن قرار تنصيب الأسد رئيساً لولاية جديدة، من خلال مسرحية الانتخابات، لا يمكن أن يمنعه احتجاج أو امتناع عن التصويت. كما يدركون أن أصواتهم ستذهب لصالح الأسد حتى وإن امتنعوا عن التصويت، وستحقق النسبة المطلوبة لنجاحه في الانتخابات.
ولكن على الرغم من أن الاحتجاج والمقاطعة في الداخل لن يغيّرا شيئاً من المسار المرسوم لتلك الانتخابات، إلا أن اتساع رقعة الاحتجاج والمقاطعة بالتزامن مع الموقف الدولي الرافض لتلك الانتخابات، وفتح منظمات المجتمع الدولي ملفات تفضح جرائم النظام وتثبت تورطه بجرائم بأدوات محرّمة دولياً ضد شعبه، ربما تهيئ بيئة مناسبة لتطور ما في الموقف الدولي للدرجة التي يمكن من خلالها إيقاف هذه المهزلة.
————————
مذكرة قانونية حول بطلان الانتخابات في سورية وتعليق عضوية النظام السوري في الأمم المتحدة
جمعية حقوق الإنسان السورية في إسطنبول.
معالي الأمين العام للأمم المتحدة
السيد أنطونيو غوتيرش المحترم
تحية طيبة وبعد :
مع اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011 سقطت شرعية نظام الأسد مع رفضه لجميع مطالب الشعب السوري المشروعة والمتمثلة بالحرية والكرامة وإنهاء حكم الاستبداد والفساد، وبدلاً من الاستجابة لنداءات هذا الشعب الذي طالب برحيله وتسليمه للسلطة عبر انتخابات حرة وديموقراطية في البلاد، استخدم جميع أنواع الأسلحة الفتاكة بما فيها السلاح الكيماوي لإخماد تلك الثورة السلمية المدنية، فقتل الأطفال والنساء والشباب، وارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعلى رأسها جريمة التهجير القسري لأكثر من 13 مليون سوري، وقام باعتقال وتعذيب وتصفية مئات الآلاف من المدنيين السوريين واستخدم كل أنواع القتل والقصف العشوائي للسكان بواسطة الصواريخ والبراميل المتفجرة في أغلب المناطق السورية، كما ارتكب جريمة الخيانة العظمى باستقدامه قوات أجنبية من روسية وإيران لاحتلال سورية وقتل شعبها، واستعان بالمليشيات الطائفية والمنظمات الإرهابية من جنوب لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وغيرها من الدول لتقتل وتقصف المدنيين وتدمر المشافي وحتى المدارس والمنشآت التعليمية ودور العبادة وتعمل على التغيير الديمغرافي في البلاد وتطرد سكانها الأصليين منها بقوة السلاح ….
وبالمقابل منعت روسيا كل الجهود الدولية لإنهاء المأساة السورية باستخدامها الفيتو 16مرة لتعطيل صدور أي قرار في مجلس الأمن، مما يجعلها شريكاً لنظام الأسد في جميع تلك الجرائم.
معالي الأمين العام للأمم المتحدة:
في ظل التعطيل المستمر الذي تقوم به روسيا لمجلس الأمن الدولي، وبعد أن اتخذت الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي بتاريخ 21 نيسان/أبريل 2021 قراراً يؤكد على استمرار نظام الأسد باستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد الشعب السوري، وحيازته وتصنيعه لها بشكل متجدد، الأمر الذي يعد انتهاكاً صارخاً لالتزاماته بموجب معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية وعدم استكماله للإجراءات المنصوص عليها في قرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومخالفته الصريحة للقرار 2118 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والمتعلق بهذا الشأن…
وبعد قيام المجرم بشار الأسد بترشيح نفسه لانتخابات هزلية ضارباً بالقرارات الدولية عرض الحائط ورافضاً تطبيقها وخاصة القرارين 2118 و2254 والذي نص في فقرته الرابعة على دعم الانتقال السياسي في سورية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، من خلال انتخابات حرة ونزيهة تجري عملًا بدستور جديد، فـي غضون 18 شهراً تحـت إشراف الأمم المتحدة، وكون هذه الانتخابات والاعلان عنها يعد باطلاً وهي فاقدة للشرعية وحكمها العدم لمخالفتها نص ومضمون القرار الدولي 2254 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 262 /67 لعام 2013، إضافة إلى أن ما يزيد عن نصف الشعب السوري هو بين لاجيء خارج سورية أو نازح داخلها، ناهيك عن المناطق الخارجة عن سيطرته في الشمال والشمال الشرقي وغيرهما من المناطق السورية الأخرى، وبالتالي فإن هذه الانتخابات هي والعدم سواء.
وأمام الفشل المستمر لمجلس الأمن الدولي في التمكن من أداء واجباته بحفظ الأمن والسلم في سورية على مدار السنوات العشر السابقة، فإننا نلتمس منكم وإنقاذاً لسورية ولمن تبقى فيها من السوريين واحتراماً للإنسانية ولحقوق الإنسان، اتخاذ القرارات التالية:
أولاً : دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة الى عقد اجتماع تحت عنوان “الاتحاد من أجل السلام” لتدارس الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها نظام الأسد وما زال، وكذلك الأوضاع الإنسانية العاجلة في سورية، وإقرار التدابير المطلوبة لوقف إطلاق النار وإنهاء المأساة السورية والعمل على استصدار قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يلبي الطموحات المشروعة للشعب السوري، ويحقق مطالبه في الحرية والعدالة والانتقال السياسي للسلطة وينهي معاناته المستمرة منذ 10سنوات وإلى اليوم، ويضمن دخول المساعدات الإنسانية العاجلة لجميع المدنيين المنكوبين في سورية، إعمالاً لمبدأ «الاتحاد من أجل السلم»، الذي أصدرته سابقاً الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني من العام 1950، وحمل الرقم 377، والذي نص على ضرورة أن تتحمل الجمعية العامة للأمم المتحدة مسؤولياتها في حماية السلم والأمن الدوليين، حتى لو اقتضى الأمر استخدام القوة العسكرية.
ثانياً: العمل على استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعدم شرعية الانتخابات المزمع القيام بها من النظام السوري، وإبطال كافة مفاعيلها القانونية والسياسية.
ثالثاً: العمل على استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإحالة بشار الأسد ومرتكبي جرائم الحرب في سورية من شركائه الروس والإيرانيين ومليشياتهم الإرهابية الى محكمة الجنايات الدولية، لضمان عدم افلاتهم من العقاب على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب السوري، وفتح تحقيق في جميع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما فيها جريمة التهجير القسري التي ارتكبها هذا النظام المارق وحلفائه في سورية.
رابعاً: العمل على استصدار قرار من الجمعية العام للأمم المتحدة بتجميد عضوية النظام السوري في الأمم المتحدة، ونزع الصفة التمثيلية عنه، وطرد سفيره منها نظراً لإمعان ذلك النظام في انتهاك مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، و اعتباره نظام مارق رفض الانصياع لكل القرارات الدولية بما فيها قرارات مجلس الأمن و َالجمعية العامة،وايقافه فوراً عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياه فيها، وذلك وفقاً للمواد 5 و 6 على التوالي من ميثاق الأمم المتحدة.
خامساً: العمل على تشكيل هيئة تنفيدية سورية مؤقته بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ريثما يتمكن الشعب السوري من اختيار ممثليه الشرعيين وفق انتخابات حرة وديموقراطية تشرف عليها الأمم المتحدة بشكل كامل و مباشر.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير
جمعية حقوق الإنسان السورية في إسطنبول.
25/4/2021
-نسخة للأمين العام للأمم المتحدة.
-نسخة لرئيس مجلس الأمن الدولي.
-نسخة للأمين العام لجامعة الدول العربية.
-نسخة للأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي.
-نسخة لمفوضية السياسة الخارجية بالاتحاد الأوربي.
————————–
من سيفوز في انتخابات الرئاسة السورية/ د.محمود عباس
سؤال دراماتيكي، مضحك ومبكي، فيه من الألم والحسرة ما لا يمكن وصفه، مثل العملية الانتخابية بحد ذاتها، ومجريات أحداثها التي تحتاج إلى مجلدات، فهي كانت وعلى مدى ستة عقود ماضية، مسرحية كاريكاتورية عرضت على الشعوب السورية برضاهم أو غصبا عنهم، والأبشع فيه أنه كان عليهم التصفيق بعد ظهور النتائج الكونية، وبقدرة قادر كانت دون المئة %، وكما نعلم، كان المنافس هو ذاته، الأسد المقبور والأبن، الذي كانت صناديقه، مثلما هي صناديق أبنه المجرم الأن، مليئة بدماء السوريين منذ السنة الأولى من اغتصابه للسلطة، قبل أن تمتلئ بأصوات الأمة الميتة.
على مدى العقود المظلمة؛ لم يتجرأ السوريون على فتح حوارات عن الأخلاق، ولا عن القيم الديمقراطية، لكنهم استمعوا إلى نقاشات طويلة مملة حول مصداقية المسيرة الديمقراطية التي جرت فيها الانتخابات، وفي الواقع كانت الحاشية مثل الشعب والعالم أجمع، يدركون تماما الأفكار السائدة في الشارع السوري، لكنهم وعلى رأسهم المجرمين، كانوا ولا زالوا يؤمنون بمنطق الحجاج بن يوسف الثقفي، يوم قال: أريد ألسنتهم وليس قلوبهم، وهذا هو بالضبط منطق الطغاة في العالم، إلى أن يبلغوا حد القناعة على أنها حقيقة، مثلما كان يظنها معمر القذافي، قائلا لحظة إخراجه من المجرى تحت الطريق، أنه والدهم، معتقداً أن جميع الشعب الليبي كانوا يقدرونه كأب، هكذا كانت الحاشية المنافقة حوله تنقل له الأخبار وتحرف أراء المجتمع، وهي ذاتها ما كان يقال لحافظ الأسد، وصدام حسين والطغاة الأخرين، وخلف هذه الدعاية المنافقة تلذذت الحاشية بالاستبداد والسيادة، ونهب الشعب والوطن.
في الواقع العملي الانتخابات تسند بالدستور، مثلما يتم تكرار بشار الأسد رئيسا، لكن في الواقع المخفي، هناك من يريدون التغطية على الوجه الدموي للنظام، والتلويح ببنود الدستور على أن الديمقراطية تسود، بينهم روسيا، وبعض المنظمات المتعاملة مع السلطة، وهو ما يطيب لبشار الأسد، الذي لو بقي لديه ذرة من القيم الإنسانية والأخلاق والإحساس بالوطن، ولو كان يشعر بنتفة من آلام آلاف عائلات الشهداء، وببعض التقدير للألاف الذين قتلهم وتم تسميمهم بالمواد الكيميائية، وأحس بمآسي الملايين من المشردين والمهاجرين والذين يعانون الويلات في المخيمات، لما أقدم على إجراء الانتخابات.
أو على الأقل لحصرها ضمن البرلمان، وصرف الأموال التي ستهدر على المهزلة لمساعدة مئات الأطفال والعائلات المعانية جوعا حد الموت، على الأقل في هذا الشهر الفضيل.
لكنه لعنة ابتليت بها سوريا، والألعن منه ذلك الذي سيدعم الانتخابات، أو يؤيدها. وكل من سيذهب إلى الصناديق الطافية فوق دم الإنسان السوري، يشاركه في الجريمة.
روسيا تتصدر تأييد إخراج المسرحية الساخرة، وعلى أثرها قام بالعديد من العمليات العسكرية في بادية الشام في هذه الفترة تحديداً، ونشر الأعلام السوري على أنه تم قتل المئات من الإرهابيين، وهم من المجموعات التي كانت تدفع روسيا بالسلطة لتدعمهم، وسلمت لهم في السنوات الماضية مدينة تدمر والقواعد العسكرية المحيطة بها واستلمتها منهم بعد شهور قليلة، بعدما تم إفراغها من الأسلحة التي قدمت لهم، مقابل النفط الذي كان داعش يرسلها لهم بنفس الكميات التي كانت ترسلها إلى تركيا، مقابل مرور المتطوعين التكفيريين القادمين من العالم الخارجي، والسلاح المشتراة من الأسواق السوداء.
روسيا لا تهمها بقاء بشار الأسد، أو عدمه، شريطة أن يكون القادم هو الموقع أو الموافق على عقود الاتفاقيات الطويلة الأجل، وبالتالي لا يستبعد أن تكون هي وراء الأسماء الخلبية التي ظهرت، بشكل مفاجئ لتنافس بشار الأسد في الانتخابات، بينهم من لم يسمع به، وظهر فجأة على سوية رئيس جلس وحاور العديد من رؤساء العالم، كظهور الغول من المصباح السحري، والمهزلة أكثر من واضحة، ليبنوا فيها للعالم على أن سوريا تحت حكم السلطة الحالية، بدأت تميل إلى الديمقراطية، مقابل المعارضة التكفيرية والمتهمة بعضها بالإرهاب والتي أدرجتها تركيا في خانة الارتزاق، وخير مثال المنافسة الجارية على صناديق الانتخابات، ولا نستبعد أن يذهب المتنافسون إلى دمشق، لإخراج المسرحية على الإعلام بشكل كامل النفاق.
وبالمقابل، وكرد فعل نشرت الإدارة الأمريكية معلومات على أنها قادمة على نوع جديد من الحصار الاقتصادي السياسي على النظام، فحتى لو كانت مجرد دعاية إلا أنها تعني أنهم لا يعترفون بالانتخابات، ويرفضون بشار الأسد مع أو بدون المسرحية.
الأبشع من عملية روسيا، كان ولا يزال موقف المعارضة، وبينهم الائتلاف، المتداخل ما بين عدم الاعتراف، والمطالبة بأن يشارك المهاجرون وأبناء المخيمات في الخارج بالعملية، ولربما يجب أن يتم الحديث عن مواقف كل الأطراف السورية التي بدأت تنظر إليها وكأنها الحدث الأهم، متناسية مسيرة كتابة الدستور والتي غطت فترة زمنية من المهزلة الدولية بحق المجتمع السوري، إلى جانب أخر، تحوم بعض الشكوك حول تصريحات شريحة قيادية في المعارضة، تعكس وكأنها لا تتمنى أن يبارح أو يعزل بشار الأسد عن السلطة ويحل مكانه بديل دولي، تحت حجج ضحلة، يقال أنهم يريدونه للحفاظ على المكتسبات الفردية التي يحصلون عليها كمعارضة لنظامه.
أي كانت النتائج، ومهما كانت درجات مصداقية تأييد نسبة السوريين لبشار الأسد والذي وبالتأكيد له مؤيدوه، بينهم ليس فقط من طائفته، بل من الطائفة السنية، وقسم واسع من المسيحيين ليس حبا به بقدر ما هو كره بالمعارضة التكفيرية، ستظل القيم الإنسانية هي الحكم، ودماء السوريين هو الذي يجب تغمس فيه أوراق الانتخابات قبل أن توضع في الصناديق.
وجل هؤلاء تنطبق عليهم علامات النفاق، أنهم يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر، فإما الحجج التي ترسخت في ذهنيتهم تعدم الحقائق، أو أن مواقفهم تدرج ضمن جدلية ما ذكره بشار الأسد، يوم سأله الصحفي، قائلا إن العالم يقول: أن يداك ملطختان بدماء الألاف من السوريين، وكان جوابه: أنه يشبه ذاته بالجراح الذي يخرج من العملية ويداه ملطختان بالدماء، وأعتبر ذاته منقذ المجتمع السوري! والجواب يخلف الألاف من الأسئلة التي تبين مدى الانحطاط الخلقي والفكري للطاغية، والأمراض النفسية التي تلتهمه، وهي التي أوصلته إلى درجة القناعة على أنه يقتل الأطفال لإنقاذه المجتمع السوري من المعاناة، متناسيا أنه وحاشيته عراب الدمار والخراب، والمعاناة، والجوع، والكوارث.
المسرحية الانتخابية ستتم، وبدون ضجة إعلامية عالمية، لأن المناطق الساخنة: أوكرانيا، المباحثات الإيرانية الأمريكية، وقضية تفجير مفاعل نطنز الإيرانية النووية، وتهديدات إيران لإسرائيل، والقمة الأمريكية الروسية القادمة، والخلافات المتصاعدة بينهما، ومثلها ما بين الناتو وروسيا، وغيرها، تغطي حالياً على القضية السورية، وبالتالي ستستمر مسيرة الانتخابات بدون تبيان مواقف دولية ذات أهمية حول شرعيتها أو عدمها. ويبقى السؤال:
من سيربح الانتخابات السورية؟ بوتين أم الخامنئي؟ أم بشار الأسد؟
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
————————-
تقرير إسرائيلي: بقاء الأسد في الحكم مصلحة مشتركة لإسرائيل وروسيا
قال خبير استشاري في المخابرات الإسرائيلية، إن رحيل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن السلطة في سوريا، سيترك بلاده في مواجهة أسئلة صعبة، في ظل تخوف من البديل الذي سيتولى الحكم بعده.
ونقلت صحيفة “هآرتس” العبرية في تقرير لها، الجمعة 23 من نيسان، عن الخبير الاستشاري قوله، إن سوريا في عهد الأسد على الرغم من أنها “مثال جيد لدول معادية بشدة لإسرائيل”، لا تشكل أي تهديد استراتيجي ضدها.
وأرجع الخبير ذلك إلى عدة أسباب، منها “القدرات العسكرية المحدودة لسوريا” من جهة، و”تعزيز العلاقات السورية- الإسرائيلية من خلال التفاهمات بين إسرائيل وروسيا وعدد من دول الخليج العربي، كالإمارات والبحرين، نظرًا إلى علاقاتها المتجددة مع النظام”، من جهة ثانية.
وبحسب التقرير، فإن إسرائيل تعمل بحرية في المجال الجوي فوق سوريا ولبنان، وتهاجم منشآت إيرانية، وتهاجم دمشق والحدود السورية- العراقية بالقنابل.
هل لروسيا نهاية في سوريا؟
ووفقًا للتقرير، فإن رئيس اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، تيد دويتش، وجّه سؤالًا الأسبوع الماضي لخبراء حول استراتيجية أمريكا في سوريا.
وسأل دويتش الخبراء، “هل هناك نهاية تترك فيها روسيا سوريا، ونهاية لخروج الأسد وإيران وتركيا من سوريا؟”.
ووصف بعض الخبراء السؤال بأنه “هدف بعيد عن الواقع”، بينما أوصى آخرون “بالتعاون الأمريكي- الروسي الذي سيعطي الفرصة لروسيا بالبقاء في سوريا عسكريًا، حتى وإن خرج الأسد”.
إسرائيل “كانت تريد إسقاط النظام”
وأوضح الخبير الاستشاري في المخابرات الإسرائيلية، في حديثه للصحيفة، أن إسرائيل كانت “مهتمة” في بداية الحرب السورية بإسقاط النظام السوري، إلا أن استعادة الأسد بمساعدة روسية معظم المناطق التي سيطرت عليها المعارضة “أقنع إسرائيل بالتواصل مع منظمات معينة يمكن أن تخدم مصالحها المباشرة”، على حد قوله.
وأصبحت إسرائيل بعد ذلك لا تريد تغيير النظام، بل “ركزت أهدافها على منع القوات الموالية لإيران من تركيز نفسها قرب حدود إسرائيل”.
واعتبر التقرير أن روسيا شريك لإسرائيل من خلال ما تقوم به من أعمال على الأراضي السورية، “هدفها الترويج لحل دبلوماسي”.
وتتجلى الأعمال الروسية تلك وفقًا للتقرير، بإعلان روسيا الأسبوع الماضي عن قتل 200 مقاتل “إرهابي” قرب تدمر السورية، والوساطات والتسويات والمصالحات التي تتم بواسطتها في أغلب محافظات سوريا.
إسرائيل تسامحت مع مقاتلين في صفوف الأسد
وفي 22 من نيسان الحالي، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين ومسؤولين غربيين، أن إسرائيل تسامحت مع دخول آلاف المقاتلين الإيرانيين من لبنان والعراق وأفغانستان إلى سوريا، للقتال إلى جانب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ضد الذين يسعون للإطاحة بحكم عائلته الاستبدادي.
وبحسب المسؤولين الأمنيين، فإن إسرائيل تحولت إلى استهداف اختراق إيران للبنية التحتية العسكرية لسوريا، مع إنهاء الأسد بالكامل لـ”التمرد” المستمر منذ عشر سنوات، وفقًا لما نقلته الوكالة.
وكان التدخل الإسرائيلي الوحيد في وقت سابق في الصراع السوري، عبارة عن ضربات جوية متفرقة لتدمير شحنات الأسلحة التابعة لجماعة “حزب الله” اللبنانية، المدعومة من إيران، ومنع الميليشيات من إنشاء قواعد في جنوب غربي سوريا، بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
ومما يساعد ويشجع إسرائيل على الاستمرار في قصفها، غياب أي رد حقيقي من جانب النظام السوري، باستثناء المضادات الأرضية، التي لا تعوق أي استهداف إسرائيلي داخل الأراضي السورية، بحسب ما نقله موقع “إيلاف” الإخباري عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، هيداي زيلبرمان.
———————
كما رخصتم سيولّى عليكم رخيص/ عدنان عبد الرزاق
بلغ عدد المرشحين لمسرحية الانتخابات الرئاسية في سوريا، حتى اليوم، 18 مرشحا، من بينهم ثلاث نساء وكردي، وربما يزيد عدد الحالمين، بدور ثانوي أو كومبارس، بتلك المسرحية، قبل أن تنتهي مهلة تقديم الطلبات في 28 نيسان/ابريل الجاري، لنشهد عرضاً ديمقراطياً، بالخارج في 26 من شهر أيار/مايو المقبل، وعرساً بالداخل في 28 من منه.
من أدنى درجات الفطنة ربما، ألا نقع بفخ التطرّق للمرشحين، من هم وماهي أرصدتهم ولا حتى لماذا ترشحوا، إذ مجرد أن ترى صورة بشار الأسد خلف صورة لمرشح أو إنهاء منشور لآخر بـ”سوريا الأسد”، ستعي سطحية المكيدة وسوء إخراج اللعبة.
بيد أن ما يجب الوقوف عليه، للتاريخ على الأقل، هي بيانات من تسمى أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التسعة، والتي أجمعت وأيدت ترشيح بشار الأسد، وأصدر كل من الأحزاب على حدة، بياناً فضحوا خلاله محبتهم للأسد وأسباب تأييده ومن ثم دعوتهم “الأعضاء والجماهير” للتصويت له.
ولأن الوضع الداخلي من السوء والإساءة ما يمنع “الأمناء العامين” التعتيل عليه أو المتاجرة به، بعد طوابير الجوعي ومشاهد الذل، وجدت الأحزاب بـ”الصمود والتصدي” العباءة الواسعة والشماعة التي تقبل، كل الخيانات.
فوجدنا وريث خالد بكداش بما يسمى الحزب الشيوعي السوري، قد اختصر ذلّه بـ”دعما لاستمرار الصمود الوطني السوري المشرف في مواجهة العدوان الاستعماري” في حين تفتقت عبقرية صفوان القدسي، صاحب دكانة “الاتحاد الاشتراكي العربي” بمقولة ستُتعب من بعده المتملقين: “بشار الأسد .. ليس من أحد غيرك” عنوَن خلالها بيانه، ليرى صفوان سلمان رئيس المكتب السياسي لحزب “السوري القومي الاجتماعي” أن بشار الأسد “قاد بثبات وإصرار المعركة الوطنية الكبرى في مواجهة الإرهاب وقادة صمود ووحدة المجتمع السوري في تلك المواجهة بحكمة القرار وجلاء الرؤية وقوة الإرادة” من دون أن يقول لأعضائه الذين يزيدون عن سعة باص أخضر كبير، كيف كانت المواجهة وإلامَ انتهت.
وعلى هذه الشاكلة، تسابق الرفاق في تقديم الطاعة، فالمرحلة بنظر غسان عبد العزيز عثمان، أمين عام حزب العهد الوطني، تتطلب “امتلاك المزيد من الوعي والالتزام بالثوابت الوطنية وبالمشروع الوطني الذي عمل ويعمل على إنجازه “قائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد”، وغاب عن المشهد “حركة الاشتراكيين العرب” بسبب تعليق العضوية منذ عام.
قصارى القول: لم يزل حتى اليوم، احتمال المفاجآت والتدخل الدولي قائماً، لمنع وريث أبيه منذ ثلاثين سنة، الاستمرار بسبع عجاف أخر، أو حدث داخلي خارج عن التوقع، يغيّر من خطة تدمير ما تبقى من سورية ويوقف تحوّلها كاملة، لدولة فاشلة، يصعب على الجميع لملمتها بعد ذاك أو تحويط تطاير شررها. إذ إن ملفات جرائم الأسد، وما استخدم خلالها الأسلحة الكيماوية تحديداً، تفتح بتتابع، وليس من الغرابة أن نسمع عن قرار، ولو من قبيل تأجيل أو إلغاء الانتخابات، بواقع التصعيد بين الأقطاب والذي ربما، يكون رمي ورقة بشار الأسد، بعض تسوياتها، لتهدئة أو صفقة لا يكون فيها للصغار حساب ولا وزن قوّة.
وذلك، رغم الخشية من أن يعيد تاريخ 2014 نفسه هذا العام، ويكتفي العالم الديمقراطي بالبيانات والفتوحات القولية، من قبيل فاقد للشرعية وانتخابات باطلة، واستمرار المعارضة، منزوعة الأظافر والصلاحية، بالتهكم حيناً والندب والتشكّي، بقية الأحايين.
ليكون السوريون والعالم، أمام حدث هو الأكثر فُجْرًا على مرّ التاريخ، لن تسجله اسبانيا فرانكو ولا روما نيرون، بعد أن تصدّر بشار الأسد قائمة قتل شعبه وتهجيرهم وبيع حاضرهم ومستقبلهم، وفتح سقفاً جديداً، علا أي عرف أو ذريعة، أو حتى سقف قانون، يمكن لدعاة الحرية والديمقراطية بعد اليوم، التشدّق بها.
نهاية القول: لن يشعر بالألم وهول بقاء بشار الأسد على كرسي أبيه، إلا السوريون الذين كابدوا جميع أشكال الذل والجوع والكبت، ولن يدفع ثمناً كمثلهم أحد، إن “انتصر” الوريث باستمرار حكم الأسرة أكثر من نصف قرن، لأن الانتقام سيتسمر ممن أكدت الأحداث، مرضه وثأريته، ويستمر بيع وتأجير الوطن، ليؤمّن المفلس اكسير البقاء، ولو للقصر والأمن والجيش العقائدي.
لذا، ورغم صعوبة ما بعد لذا، الحل بيد سوريي الداخل وحدهم، إن استعهر العالم ومرر الانتخابات، لأنه سيرفق جريمته، ولو شكلياً، برقابة أو إشراف أممي، وقتها، يمكن لمن يريد الحياة والخروج من الذّل وعلى الاستبداد وانسداد الأفق، أن يقول لا، فغرف التصويت ستكون مغلقة ولن يخرجكم من الذل إلا تمردكم على البقاء فيه.
——————–
برنامج بشار الأسد الانتخابي.. كتبه بأشلاء السوريين وخطّه بدمائهم/ سوزان عزالدين
أعلن يوم الأحد الفائت عن بدأ تقديم الأوراق للمرشحين الراغبين في خوض مسرحية الانتخابات السورية، ويوم الأربعاء الفائت قدم بشار الأسد أوراق ترشحه للانتخابات السورية المزمع إقامتها في أواخر شهر أيار ولتكتمل المسرحية الهزلية قام مجموعة من الكومبارس بتقديم أوراق ترشحهم إلى مجلس الشعب وقد بلغ عددهم حتى اللحظة 12 مرشحاً منهم محمد رجوح الذي شارك سابقاً في انتخابات 2014 وكمحاولة للنظام لإظهار نفسه كنظام علماني منفتح داعم للمرأة وحقوقها قامت المحامية فاتن النهار بتقديم أوراقها للترشح أيضاً والمشاركة في هذا العرس الديمقراطي الذي يقام كل 7 سنوات بحسب دستور سوريا الذي أصدره النظام عام 2012.
علماً أن بشار الأسد بعد انتهاء فترته الأولى لم يقم بإجراء انتخابات بل قام بإجراء ما أسماه استفتاء وإعادة مبايعة على شرعيته وفاز بنسبة 99% آنذاك، وعلى الرغم من أن شروط التقدم إلى الانتخابات السورية أن يكون المرشح مقيماً في سوريا في السنوات العشر الأخيرة التي تسبق الترشح، وأن يكون عمره أكثر من 40 سنة، وكلا الشرطين كانا مفقودين لدى بشار الأسد عند توليه الحكم عام 2000 خلفاً لوالده إلا أنه قام بتعديل الدستور وأصبح رئيساً لسوريا.
وقام بإجراء انتخابات شكلية في عام 2014 وطبعاً فاز فوزاً كاسحاً، مع أنها لم تشهد أي إقبال جماهيري، أما بالنسبة لبرنامج بشار الأسد الانتخابي الذي لم يقم بالإعلان عنه بعد، ستقوم نينار برس باستعراض البرنامج الذي سيتقدم به للظفر بكرسي الرئاسة لولاية رابعة:
أولاً: أول رئيس سوري تصل في عهده نسبة الفقراء المهددين بمجاعات حقيقية إلى90% قابلة للزيادة في ظل الاستمرار بالانهيار الاقتصادي.
ثانياً: عدد اللاجئين في ظل حكمه الرشيد في الخارج وصل إلى حوالي 40% من عدد السوريين موزعين في أنحاء العالم كافة.
ثالثاً: أول رئيس في العالم يقوم بتغييب قسري لأكثر من 500 ألف شخص، وتحدثت بعض المنظمات عن وجود أكثر من مليون مفقود ومعتقل في معتقلاته، ثم يقوم بتعذيبهم حتى الموت بمختلف الوسائل والأدوات، والصور التي تسربت من سجونه يخجل منها حتى النازيون.
رابعاً: دمر الجيش السوري وحوله إلى مجموعة لصوص (عفيشة وشبيحة) تقتل الناس وتدمر المدن وتنشر الرعب بين المواطنين، ولم تدخل إلى قرية أو مدينة إلى وحولتها إلى ركام وهذا الجيش عاجز عن مجابهة أي جيش أو حتى ميليشيا.
خامساً: استجلب كل أنواع الاستعمار وأعاد سوريا إلى عهود الانتدابات العسكرية ووضعها تحت الحكم الروسي والإيراني اللذان يتحكمان بكل صغيرة وكبيرة في سوريا ويستبيحان خيراتها.
سادساً: أضحت سوريا في عهده مقسمة ما بين حكم قسد بإشراف أمريكي كالمنطقة الشرقية والشمال خاضع للجيش الوطني تحت مظلة الأتراك ومناطق سيطرته التي تبلغ 60% من مساحة الأرض السورية ولكن تحت وصاية روسية/إيرانية.
سابعاً: دمر أكثر من 70% من الأراضي السورية ما بين دمار كامل وجزئي، وسيشهد التاريخ أنه أول رئيس في العصر الحديث استخدم الأسلحة المشروعة وغير المشروعة المدمرة والكيميائية والحارقة وغيرها، وجعل من الشعب السوري حقل تجارب للأسلحة الروسية والإيرانية.
ورغم كل ما ذكر مازال هناك الكثير من الفظائع التي لم نتطرق لها، لكن أبلغ رد على انتخابات الأسد هي رسالة أحد الموطنين السوريين التي قام بتوجيهها لبشار الأسد منذ أسبوعين حيث خاطبه قائلاً: يا سيادة الرئيس استحلفك بالله هل ولادك جوعانين متل ولادي ابنك عم يشتهي الأكل متل ابني أو فقدت تنين ولاد عساكر بعمر الورد متلي أنا عم نام والدمع بعيوني لأني جوعان أنا جوعان يا سيادة الرئيس بدي أسالك ولادك وولاد المسؤولين بشو أحسن من ولادي حتى أنا وولادي نجوع وإنتو لا؟؟؟ أنا ليش ما بقدر أشتري كنزة لإبني وأنت ابنك بيعمل سياحة بروسيا، أنا راتبي ما بكفي حق قنينة زيت.. أنت مو رئيس هالبلد أنت لازم تطلعنا من هالأزمة أنا ما فيي قلو لابني صمود قدام ريحة الفروج، أنا موظف ومعي شهادة جامعية بس عم لم بلاستيك من الحاويات مشان أمن حق رغيف الخبز أنا بدي عيش بني آدم وليكني حكيت وسمعتك صوتي لشوف شو رح تكون تهمتي؟؟ إنو أنا جوعان، بتقلي أمريكا وعقوبات أنا شو دخلني فيهن أنت اعمل الي بدن إياه المهم إبني يشبع.
بهذه الكلمات العامية البسيطة لخص المواطن مجهول الهوية مأساته ومأساة جميع السوريين، لا أدري ماذا يمكن أن يجيبه بل ويجيب جميع السوريين في الداخل والخارج لماذا دمرت حياتنا لماذا حولتنا إلى لاجئين ونازحين ماذا جنيت أو ماذا كسبت؟ والأهم ماذا تريد بعد، ألم تكفيك شلالات الدماء التي سالت من دير الزور حتى درعا ألم تشبع ألم تكتف؟ وإلى متى ستستمر بالعبث في حياة السوريين؟؟ دمرت حاضرهم، دع لهم بناء مستقبلهم بعيداً عنك وعن إجرامك واستبدادك.
——————–
السجن والاغتيال والعزلة أو المنفى… مصير رؤساء سوريا السابقين/ إبراهيم حميدي
الانتقال الوحيد للسلطة جرى بين هاشم الأتاسي وشكري القوتلي عام 1955
أحد ممثلي «معارضة الداخل» محمود مرعي تقدم إلى جانب 12 شخصاً آخرين أحدهم الرئيس بشار الأسد، بطلب الترشح إلى انتخابات الرئاسة السورية، ليكون العدد غير مسبوق منذ أول اقتراع قبل حوالي تسعة عقود.
وينتهي الترشح في 28 الشهر الجاري، على أن تجرى الانتخابات في 26 الشهر المقبل، بموجب دستور العام 2012، الذي ينص على وجوب أن يحصل المرشح على 35 صوتا من أعضاء مجلس الشعب ذي الـ250 مقعداً. وفي انتخاباته العام الماضي، حصلت «الجبهة الوطنية التقدمية» التي تضم تحالف أحزاب مرخصة بقيادة «البعث» على 183 مقعداً (بينهم 166 بعثياً)، ما يعني أن قرار الترشح الرئاسي بأيدي الحزب الحاكم وائتلاف الأحزاب المرخصة. وأعلنت دول غربية بينها أميركا أن الانتخابات «لن تكون حرة ونزيهة وذات مصداقية.
وحسب قرار مجلس الأمن 2254، تتطلب الانتخابات ذات المصداقية في سوريا إشراف الأمم المتحدة وبيئة آمنة تضمن حماية جميع السوريين، بمن في ذلك اللاجئون والنازحون داخلياً، لممارسة حقهم في التصويت». ولن يكون معظم اللاجئين في الخارج (عدا في لبنان)، قادرين على المشاركة بسبب وجود شرط «الخروج الشرعي» من البلاد لتملك الحق بالتصويت، كما أن معظم الدول الغربية أغلقت البعثات الدبلوماسية السورية. في المقابل، اعتبرت روسيا وإيران هذه الانتخابات «استحقاقا دستورياً»، حيث يتوقع أن يفوز الرئيس بشار الأسد بها بولاية رابعة مدتها سبع سنوات.
لكن كيف وصل رؤساء سوريا للحكم؟
تحمل الانتخابات المقبلة الرقم 18 منذ عام 1932 التي جرت تحت الانتداب الفرنسي الذي تسلم البلاد في 1920. تنافس ستة مرشحين، ما كان يمثل أكبر عدد من المتنافسين في انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد قبل ارتفاع العدد في الانتخابات الحالية إلى 13 مرشحاً.
قبل تسعة عقود، كان اثنان من المتنافسين حاكمين سابقين للبلاد، هما حقي العظم رئيس «دولة دمشق» ورئيس الدولة السابق صبحي بركات، واثنان أحدهما رئيس الوزراء الحالي والسابق وقتذاك، تاج الدين الحسني ورضا الركابي. أما المرشحان المتبقيان فأصبحا في وقت لاحق أول وثاني رئيس لسوريا: محمد علي العابد وهاشم الأتاسي. الأول، كان سفير السلطنة العثمانية في واشنطن ووزير المال في «الاتحاد السوري الفيدرالي» والثاني، ممثل «الكتلة الوطنية».
في 1936، ترشح الأتاسي وفاز بالتزكية لغياب المنافسين، فيما عين قائد «قوات فرنسا الحرة» شارل ديغول تاج الدين الأتاسي في 1941. وأصبح أحد أركان «الكتلة الوطنية» شكري القوتلي رئيساً بعد فوزه دون منافس في 1943 و1947. وفي 1949، قام حسني الزعيم بأول انقلاب في تاريخ سوريا وأجرى استفتاء ليكون الأول في عهد البلاد. هنا اللافت، أن ممثل «حزب الله» السوري بشير كمال، الذي نشط في حلب بشكل سلمي تحت تأثير أفكار غاندي، رشح نفسه، لكنه «نصح بالانسحاب من السباق» وسرت إشاعة منظمة بأنه «مجنون».
بعد فترة وجيزة، قام سامي الحناوي بانقلاب ضد حسني الزعيم وأصبح رئيسا لأركان الجيش، وطلب من «القائد التاريخي» هاشم الأتاسي «الإشراف على انتخابات مؤتمر تأسيسي». أصبح رئيسا للحكومة وبعد المؤتمر التأسيسي، انتخب الأتاسي رئيساً. وعندما نفذ أديب الشيشكلي انقلابه عين فورا، وزير الدفاع فوزي السلو في الرئاسة. وفي 1953، جرت في «برلمان مصغر» انتخابات الشيشكلي.
بعد خروج الشيشكلي «كي لا تراق دماء» في 1954، عاد هاشم الأتاسي لإكمال ولايته. بعد سنة، جرت أشهر انتخابات في التاريخ المعاصر لسوريا، إذ ترشح خالد العظم، وهو «رئيس دولة» سابق في 1941 خلال الحرب العالمية الثانية ورئيس حكومة في 1948، ضد شكري القوتلي الذي فاز بالقصر.
تخلى القوتلي عن الرئاسة للرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي فاز باستفتاء بعد الوحدة السورية – المصرية في 1958. وفي «عهد الانفصال»، فاز ناظم القدسي ضد سعيد الغزي في تصويت تحت قبة البرلمان في 1961 خلفاً لعبد الناصر.
وبعد تسلم حزب «البعث» الحكم في 1963، عين مجلس قيادة الثورة الضابط لؤي الأتاسي رئيس «مجلس قيادة الثورة». وبعد «حركة» يوليو (تموز) أصبح أمين الحافظ «رئيس مجلس الرئاسة» إلى حين قيام صلاح جديد بـ«حركة» فبراير (شباط) في 1966، وتسلم نور الدين الأتاسي منصب «رئيس الدولة». بعد قيام وزير الدفاع حافظ الأسد بـ«الحركة التصحيحية» في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، عين أحمد الخطيب «رئيس دولة» إلى مارس (آذار) 1971، حيث أصبح رئيسا للبرلمان، وفاز الأسد بالرئاسة عبر استفتاء، الأمر الذي تكرر إلى حين رحيله في 2000. وإثر تعديل الدستور، فاز بشار الأسد بالرئاسة في استفتاء. وفي 2012، تمت صياغة دستور جديد بالتحول من «الاستفتاء» إلى «الانتخابات».
وفي 2014، ترشح الأسد واثنان آخران، هما وزير التنمية الإدارية في حسان النوري والنائب ماهر الحجار.
وما هو مصير الرؤساء السابقين ومرشحي الرئاسة؟
في 1936 أجبر محمد علي العابد على الاستقالة كما هو الحال مع هاشم الأتاسي في 1939. الأول توفي في منفاه في مدينة نيس الفرنسية في 1939، وتوفي الثاني لكبر سنه في حمص في 1960.
وكان تاج الدين الحسني الذي عينه الفرنسيون في 1941، الرئيس الوحيد الذي يموت في «فراش القصر» في 17 يناير (كانون الثاني) 1943. وأخرج شكري القوتلي من القصر بانقلاب عسكري في مارس (آذار) 1949 قاده حسني الزعيم الذي خرج أيضاً بانقلاب آخر في أغسطس (آب) قاده سامي الحناوي.
الزعيم قتل بـ176 رصاصة في جسده في انقلاب الحناوي الذي سجن ثم قتله حرشو البرازي في بيروت في 1950. كان أديب الشيشكلي نفذ في ديسمبر (كانون الأول) 1949، انقلابه ووضع الحناوي بالسجن لمدة قبل أن يطلقه تلبية لضغوطات وطلبات. أما الشيشكلي الذي ترك البلاد بعد الحكم، فاغتيل في البرازيل في 1964 بسبب «ممارساته ضد الدروز» جنوب سوريا.
غادر هاشم الأتاسي مقعد الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1951، بعدما تسلمه مؤقتا في ديسمبر (كانون الأول) 1949. أمام فوزي السلو، فإنه غادر «طوعا» لصالح أديب الشيشكلي في 1953.
في فبراير (شباط) 1955، جرت مراسم التسليم والتسلم الشهيرة بين هاشم الأتاسي وشكري القوتلي، ليكون «الانتقال السلس» الوحيد في تاريخ البلاد، حيث عاد القوتلي واستقال لصالح جمال عبد الناصر في 1958، على عكس لؤي الأتاسي «الذي نصحه العسكر بالاستقالة» بعد أحداث يوليو (تموز) 1963، ثم توفي في حمص في 2003.
أما القوتلي، فإنه توفي في منفاه في بيروت بجلطة في «نكسة» يونيو (حزيران) 1967. أمين الحافظ، الذي «خلعه» صلاح جديد في 1966، سجن. غادر إلى المنفى ثم عاد وتوفي في حلب في 2009.
نور الدين الأتاسي وضع مع صلاح جديد في السجن من الأسد لدى تسلمه الحكم في 1970. توفي الثاني في المعتقل، فيما توفي الأول بمجرد خروجه منه. أما الخطيب «رئيس الدولة» في أول سنة من حكم الأسد، فأصبح رئيسا للبرلمان لسنة ثم تنحى من العمل السياسي، كما هو الحال مع مرشحي العام 2014، الذي صار أحدهما وزير تنمية، ثم «اعتزل السياسة».
الشرق الأوسط
————————
=====================