أرجوك، لا تصمت يا غاغارين/ حازم نهار وبعض الردود على هذه المقالة
سمعت محمد حسنين هيكل يقول، ذات مرة، إنه التقى بوزير خارجية الفاتيكان في روما، وقد أخبره هذا الأخير وقتها نكتة تقول إن غاغارين، أول رائد الفضاء يتمكن من الطيران إلى الفضاء الخارجي والدوران حول الأرض في نيسان/ أبريل 1961، بعد أن عاد من جولته في الفضاء، التقاه الزعيم السوفياتي خروشوف آنذاك، وسأله: لقد صعدت إلى السماء، ورأيته، أليس كذلك؟ أنا أعلم أنك رأيته.. لكن أرجوك ألّا تخبر أحدًا، من أجل الشيوعية، ومن أجل استمرارها. وبعد مدة التقاه بابا الفاتيكان أيضًا، وسأله: لقد صعدت إلى السماء، واكتشفت أنه غير موجود، أليس كذلك؟ أرجوك.. اصمت.. ولا تخبر أحدًا، من أجل المسيح، واستمرار المسيحية!
كلاهما، خروشوف وبابا الفاتيكان، يشكِّك – بحسب النكتة – في معتقده، وكلاهما خائف من اهتزاز إيمان الناس بهذا المعتقد، في الوقت الذي يحمل كل منهما لواء الدفاع عنه، وعن استمراريته، بصرف النظر عن حقائق الواقع، ويبدو أن لا مشكلة لديهما في أن يعيش الناس في الوهم، وأن يستمر الوهم قائدًا ومحرِّكًا للمسيرة، ربما لأن هذا يسمح أيضًا باستمرارهما في موقعيهما.
ربما لو سمع وزير خارجية الفاتيكان بالمجلس الإسلامي السوري لأضافه إلى النكتة سابقة الذكر، أو ربما لو كان غاغارين حيًا لاستدعاه المجلس، وطلب منه أيضًا الصمت عن حقائق الوضع السوري. هل ما زال المجلس الإسلامي فعلًا واثقًا من رؤاه وفتاويه، بعد كل الذي حصل في سورية؟ هل هو خائف من تسرّب الشك إلى قلوب وعقول السوريين في الإسلام والعروبة؟ هل ما ظهر من الإسلاميين وفصائلهم يشجع حقًا على البقاء في ساحة الفتاوى التي يصدرها المجلس الإسلامي؟ ألا يرى أعضاء المجلس السوريين والواقع من حولهم وإلى أي درجة تغيروا خلال السنوات الماضية؟ أم أنهم يعرفون، ومع ذلك يسعون لتثبيت رؤيتهم و”ثوابتهم” رغمًا عن أنف الواقع الذي لم يعد يتقبل هذه الصيغ من المقاربات الواثقة جدًا، والتي لا يأتيها الباطل من أمامها أو خلفها؟!
في الحقيقة، لا العروبة ولا الإسلام يمكن أن يزولا من الوجود في سورية، لكن يمكن أن يتغيرا بدرجة أو أخرى، أو يمكن أن تتغير نظرتنا إليهما وأدوارهما ووظائفهما. لكن بالتأكيد يمكن أن تتغير مكانة الإسلاميين، ولا نستطيع أبدًا افتراض التطابق بين الإسلام والإسلاميين، مثلما لا نستطيع افتراض التطابق بين القوميين العرب والعروبة. على العموم تنبغي مناقشة ومقاربة ما يصدر عن أصحاب المعتقدات والأيديولوجيات بمنطق السياسة لا الدين أو الأيديولوجية. لذلك، عندما نناقش بيانات ومبادرات المجلس الإسلامي، أو غيره، فإنما نتناولها في حيز السياسة لا الدين؛ وجهة نظر المجلس الإسلامي في الهوية السورية هي وجهة نظر سياسية، وساحة السياسة لها مقتضياتها وشروطها وآلياتها ومصالحها التي لا تكترث لتعاليم أي معتقد أو أيديولوجية. لم تمنع الأيديولوجيات الإسلامية مثلًا فصيلين إسلاميين، فيلق الرحمن وجيش الإسلام في الغوطة الشرقية، من الاقتتال، ولا كان لـ “الفتوى الشرعية” في الحيز هذا أي أثر. للفتوى منطقها، وللسياسة منطقها، وإن كان ميدان شغلهما واحد؛ حكم الناس وإدارة شؤونهم.
وحتى في المستوى الديني، بالنسبة إلينا، يمثِّل المجلس الإسلامي وجهة نظر خاصة في الإسلام، مثل غيره من الجماعات الإسلامية، وهي إحدى القراءات الإسلامية وليست الإسلام ذاته، والمجلس حارس لوجهة نظره أو أيديولوجيته الخاصة وليس حارسًا للإسلام. المجلس الإسلامي رؤية من بين رؤى كثيرة للإسلام، وجميعها رؤى غير مقدسة.
على مستوى الاسم، كان حريًا بالمجلس أن يكون اسمه “المجلس السوري الإسلامي”، أي أن تُقدَّم الصفة السورية على غيرها من الصفات، وهذا ليس تقديمًا تفضيليًا بقدر ما هو مؤشِّر إلى نظرتنا الفعلية إلى الهوية السورية. شأن المجلس في هذا شأن الأحزاب القومية العربية التي تُقدِّم في أسمائها الصفة العربية على السورية، والأحزاب الكردية معظمها، والأحزاب اليسارية أيضًا (الحزب الشيوعي السوري وسواه). سورية “المسكينة” لا يراها أحد، ولا يرغب فيها أحد. يبدو أن القوى والهيئات والمجالس معظمها يأخذ شرعيته من، ويرسم دوره استنادًا إلى، المعتقد والأيديولوجية، لا الدولة السورية المأمولة، والواقع السياسي ومقتضياته. ولهذا نطلق عليها أجسامًا أيديولوجية معتقدية غير قادرة على إنتاج الفكر والسياسة.
ما يطرحه المجلس يصبّ في خانة السياسة لا الدين، بما فيها الفتاوى التي يصدرها؛ من ثم ينبغي أن تناقش آراؤه وفتاواه سياسيًا. لا أدري ما معنى الوطنية السورية بالنسبة إلى المجلس الإسلامي إن كان يولِّي وجهه أينما تولِّي تركيا وجهها. لا شك في أن هناك تقاطعًا بين المصالح التركية والمصالح السورية، لكن من المؤكد أنه لا يوجد تطابق. المشكلة أن العقل السياسي واحد بالنسبة إلى الإسلاميين وغيرهم؛ فالقوميون العرب اعتادوا أن يجعلوا قبلتهم خارج سورية، في مصر أو غيرها، ومثلهم فعل اليساريون والليبراليون، فلكل منهم القبلة التي يريد. يبدو أن دمشق ما كانت يومًا قبلة لأحد. هذا أيضًا مؤشِّر إلى فهمنا للهوية الوطنية.
يبدو أن المجلس الإسلامي إما أن يتدخل في السياسة ويخطئ أو يصدر الفتاوى التي تلاحق الناس في خياراتهم وحياتهم الخاصة. يتبع للمجلس الإسلامي مجلس إفتاء؛ “هيئة علمية شرعية سورية تتبع المجلس الإسلامي السوري، تعنى بإصدار الفتاوى الشرعية في النوازل في الساحة السورية في قضايا الشأن العام”. على الرغم من أن الناطق باسم المجلس عند الإعلان عنه في 14 نيسان/ أبريل 2014، قال “إن المجلس يُعتبر مرجعية إسلامية لأهل السنة، نافيًا أن يكون المجلس جسمًا سياسيًا”، إلا أن المجلس ما فتئ يتدخل في أمور السياسة، ولا مشكلة في هذا لو لم يطبع كل رأي سياسي له بطابع ديني، طمعًا في إقناع الناس به، أو منعًا لبعض الناس من مناقشته. هل الواقع السوري في حاجة إلى الإفتاء أم إلى التحليل السياسي الموضوعي، وإلى الخيارات السياسية الصائبة، وإلى حسابات موازين القوى، وإلى عقول بناءة للدولة؟!
أخطاء المجلس الإسلامي السياسية كثيرة حتى لو غلفها بلبوس ديني. يكفي أن المجلس في فتواه التي أطلقها بعنوان: “فتوى حول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”، لم يأتِ على ذكر “جبهة النصرة” آنذاك، ولا بقية التنظيمات الإسلامية الأخرى التي لا تختلف جميعها عن بعضها بعضًا إلا اختلافات بسيطة. كما أصدر المجلس الإسلامي بيانًا في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2020 عنونه بـ “بيان إلى المرابطين على الثغور والجبهات في مواجهة النظام المجرم ومن معه”، وأشار فيه إلى ترك المقاتلين جبهات القتال في سورية للقتال في بلد آخر، وجاء البيان بعد ذهاب مقاتلين سوريين إلى ليبيا وأذربيجان للمشاركة في المعارك هناك، وأكد المجلس فيه أن “الواجب يتحتم في جهاد الدفع على الأقرب فالأقرب (…)، فالعدوُ القريب أكثر ضررًا علينا، وفي دفعه أكبر مصلحة لنا”. كلام يوحي بأن سورية ليست أكثر من قطعة أرض وساحة جهاد بالنسبة إلى المجلس، وأن جهادهم يطال ساحات الدنيا كلها، وأن اعتراضهم يقتصر على الأولويات، وليس على مبدأ قتال السوريين خارج بلدهم، واستخدامهم من جانب الآخرين وقودًا لمعاركهم.
حدَّدت وثيقة المجلس حول “الهوية السورية” الصادرة في 8 شباط/ فبراير 2021 خمس نقاط، وقالت إنه من الضروري الحفاظ عليها عند الحديث عن الهوية السورية وهي: “الإسلام هو دين غالبية الشعب، سوريا جزء من العالمين العربي والاسلامي، اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، هذه الثقافة والقيم معرفات أساسية من الهوية السورية والمكونات الأخرى المتنوعة في ثقافاتها وأديانها ولغاتها، حقوقها مصونة ومكفولة”. محدِّدات الهوية السورية هذه، إن قبلنا أصلًا بمبدأ أن يكون للهوية محدِّدات ثابتة، تصلح لأي دولة وشعب في المنطقة. تصلح في العراق ومصر والأردن والمغرب وغيرها، ومن ثم هي لا تحدِّد شيئًا. ما الفرق بين سورية والبلدان السابقة مثلًا؟
ينطلق المجلس الإسلامي في حديثه عن الهوية من مقولة متكرِّرة ومعروفة تدل بوضوح على طبيعة تفكير المجلس ذاته؛ فهو يؤكد على “ضرورة الحفاظ” على الهوية السورية، وكأن هذه الأخيرة موجودة في لوح محفوظ، وما علينا اليوم، ولا دور لنا، سوى المحافظة عليها. ومن ثم يؤكد على جملة من التوصيفات التي يعرفها الجميع، ولا تضيف شيئًا. وبمتابعة بسيطة، نكتشف أن الهوية التي يريد المجلس المحافظة عليها، لا تختلف كثيرًا عما يردِّده النظام وحزب البعث، ما يوحي بأن خلاف المجلس الإسلامي مع النظام السوري، هو خلاف طائفي، لا سياسي.
أصدر المجلس رؤيته، أو في الأحرى فتواه، حول الهوية السورية بطريقة تشبه إصدار “الفرامانات”؛ مختصرة ومحدّدة وواثقة جدًا، ولا تحتوي على ما يشير إلى قبول نقاشها أو مراجعتها أو تجديدها. لا تُحدَّد الهويات بالقرارات بل بالجهد والعمل والبناء وإعادة البناء والتجديد. لا يريد المجلس مثلًا الإقرار بأن ثقافة السوريين وهوياتهم قد نمت في ظل بيئة مشوهة سيطر عليها النظام السوري مدة نصف قرن، ومن ثم هي بالضرورة هويات مشوهة، يريد المجلس المحافظة عليها كما هي، وليستمر في النظر إلى السوريين بوصفهم مسلمين ومسيحيين وعربًا وكردًا وغيرهم، وتصنيفهم استنادًا إلى انتماءاتهم لحظة الولادة، وإلى كون هذه الانتماءات والهويات ثابتة، لا النظر إليهم بوصفهم مواطنين متساوي الحقوق والواجبات في دولة وطنية ديمقراطية مستقبلية.
أكثر ما يغيب عن رؤية المجلس فكرة الدولة، الاختراع الأعظم للبشرية. فكرة الدولة غير حاضرة في تفكير المجلس، وكأننا يمكن أن نبقى موجودين أو يكون لدينا مستقبل من دون الدولة. ليست المشكلة في الهويات الموروثة، القومية والدينية والطائفية، بقدر ما هي في طبيعة الدولة؛ فليس المطلوب أن يتخلى الناس عن هوياتهم وانتماءاتهم، بقدر ما هو مطلوب بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة التي تتيح لهم المساواة في الحقوق والواجبات، والتفاعل السلمي في ما بينهم. ما نحتاج إليه حقًا هو فسحة من الأمل والديمقراطية لإعادة النظر في أنفسنا، وفي علاقتنا بالواقع الموضوعي، وفي علاقتنا بالعوالم الأخرى.
لا توجد مقاربة صحيّة لسؤال الهوية من دون بيئة مستقرة وديمقراطية، من دون دولة وطنية ديمقراطية. نحن لا شيء من دون الدولة، لأن هذه الأخيرة ستسمح للسوريين بإعادة النظر في تفكيرهم وموروثاتهم وانتماءاتهم المتنوعة من جهة، وستجعلهم يتفاعلون في ما بينهم سلميًا على المستويات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية من جهة أخرى، ما يعني بالضرورة أننا سنكون أمام إنتاج جديد للهوية يستوعب التاريخ والتراث والتجارب الماضية، ويتعاطى معها انطلاقًا من حاجات الواقع الراهن وبهديٍ من المستقبل المأمول. خلاصة القول هي أن الهوية أمامنا لا وراءنا، وتحتاج إلى صناعة، شأنها في ذلك شأن الدولة الوطنية السورية والشعب السوري والأمة السورية والمواطن السوري؛ كلها تحتاج إلى صناعة، لا إلى “فرامانات” أو فتاوى، فما عاد غاغارين قادرًا على الصمت!
المدن
—————————–
ملاحظات على مقال الأستاذ حازم نهار/ عباس شريفة
1. بدأ الأستاذ حازم نهار مقاله الصادر في جريدة “المدن” في 28 /2/ 2021، بسخرية وتندر على المجلس الإسلامي السوري في تناول موضوع هو من المواضيع الجادة التي تتعلق بالهوية السورية مهما اختلفنا مع ما جاء في نص الوثيقة الصادرة من المجلس الإسلامي السوري ، وكان الأجدر بالأستاذ حازم ان يدخل في النقد الموضوعي والمهني مباشرة ويتناوله بجدية لكي لا يفسد الخلاف للود قضية .
2.وضعُ الوثيقة في سياق الفتوى الدينية والحكم الشرعي هو تحكم من الأستاذ حازم بالمقدمات فما صدر عن المجلس هو وثيقة توصيفية تصف أن الإسلام دين غالبِ الشعب السوري، واللغة العربية هي اللغة السائدة وهذا كتوصيف أمر صحيح تماماً ، ولم ترتب على هذا التوصيف أي حكم ملزم او تنصيص على مادة دستورية إلزامية
3.حكم الأستاذ حازم أن الواقع تغير ولم يذكر ما هو الذي تغيير في الواقع إلا تأكيده أن مقاربة المجلس الإسلامي لقضية الهوية لم يعد يقبله الواقع والشعب السوري .. فبأي أدوات منهجية استطاع الأستاذ حازم أن يحكم بوثوقية على رفض الواقع لمقاربة المجلس الإسلامي وهو الذي يذم الوثوقية التي صدرت من المجلس في وثيقته .. فهل أحال الأمر لاختيار الشعب السوري بتصويتٍ حرٍ ونزيهٍ ليعبر عن هويته في بيئة ديمقراطية فيكون ذلك أقرب للعدل والموضوعية.
4.تكلم عن عدم تطابق الإسلام مع الإسلاميين والعروبة مع القوميين وهذا كلام صحيح من الأستاذ حازم النهار.. لكنه لو وسع المشهد وتحدث عن عدم تطابق الكثير من الوطنيين مع الوطنية لكان أشمل في التمثيل وإحصاء المفارقات المختلة في المشهد اليوم .
5- انتقالُ الأستاذ حازم إلى الحرب الإيديولوجية واعتبار أن ما صدر عن المجلس الإسلامي هو أيديولوجيا، هذا الكلام في ظني غير صحيح، فالمجلس لم يقدم تفسيراً نصياً للعروبة يرفض ما سواه من وجهات نظر ولم يقدم رؤية وفهم للإسلام يعتبره الحق ويرفض ما سواه.. وإنما تحدث عن اللغة العربية كلغة سائدة ورابطة بين أبناء سورية والإسلام كدين غالب السوريين.. وهذا توصيف عام ليس فيه أي نظرة ضيقة أو تفسيراً خاصاً لمضمون الإسلام والعروبة لنعتبرها إيديولوجيا.
6. اعتبر الأستاذ حازم نهار أن ما جاء به المجلس الإسلامي السوري من وثيقة الهوية هو موقف سياسي وهذه مغالطة كبيرة في ظني، إذ أن مسائل الهوية الوطنية والعقد الاجتماعي هي مسائل تتداخل فيه السياسة بالاجتماع بالثقافة، وهي مسائل سابقة على الممارسة السياسية إذا أنها تأتي في طور التأسيس للعقد الاجتماعي والعيش المشترك، وهنا من حق أي سوري أن يعبر عن رأيه في مسألة الهوية والدستور والعقد الاجتماعي .. ولا أظن أن هناك ما يحرم أو يمنع المجلس الإسلامي السوري من التعبير عن رأيه .. بعد أن عبر الكثير من المجاميع عن رأيها في هذا الأمر.. كما قام مجلس الكنائس العالمي برعاية ورشات وأخرج وثيقة محددات للعقد الاجتماعي.. فهل هو حلال على مجلس الكنائس وحرام على غيره.
إضافة لما أصدره موقع “اليوم التالي” وهو موقع لا يحسب على المحافظين المتدينين حيث عمل استطلاعاً للرأي بين السوريين من مختلف الشرائح وخرجت النتيجة أن 67% من السوريين يرون ضرورة وجود علاقة بين الدين والدولة .
7. ما ذكره الأستاذ حازم نهار عن جبهة النصرة ليس صحيحاً، فالمجلس له فتوى يدعو فيها الى قتال النصرة قتال البغاة وموجودة على موقعه.. لكن الأستاذ حازم يريد على ما يبدو أن يدعو المجلس لقتال الأحرار وجيش الإسلام و.. مع الأخذ بالاعتبار أن المجلس يصدر فتاويه هنا بناء على التوازنات العسكرية وطبيعة إدارة الصراع مع التنظيمات المتطرفة .
و بالرغم من أن المجلس الإسلامي أوضح موقفه من حرمة الذهاب إلى ليبيا وأذربيجان، لكن الفتوى لم تعجب الأستاذ حازم .. الذي يراها تورية وكان لابد من تجريم تركيا التي تأخذ السوريين للقتال خارج الحدود والدخول معها بمعركة بالاسم الصريح.
8. إن وصف الأستاذ حازم للوثيقة أنها تشبه الفرمان الذي لا يقبل النقاش فيه تحامل كبير.. بل على العكس فإن الوثيقة أعطت مساحة كبيرة للسياسيين أن يعبروا بطريقتهم عن علاقة معينة بين الإسلام والدولة واللغة العربية تمتد من الحد الأدنى في المضامين الدستورية إلى الحد الأعلى ضمن مقاربة ينتجها حوار السوريون بعضهم مع بعض .. ولم ينص المجلس على أي مضمون لنص دستوري يجب النص عليه ويحرم الحيدة عنه..
9. أخطر كلمة قالها الأستاذ حازم هي أن الهوية أمامنا لا وراءنا.. وهذا معناه أن نرمي بكل التاريخ والماضي السوري في الحاوية ونُقبل على انتاج شيء جديد مبتور تماماً عن تاريخنا الحاضر.. ولو قال أن الهوية مبثوثة في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وعلينا إعادة انتاجها بطريقة حضارية حديثة لكن الأمر أقرب للاعتدال .
10. تحدث الأستاذ حازم أن تفاعل السوريين ضمن بيئة ديمقراطية ستسمح للسوريين بإنتاج هوية جديدة، كلام لا غبار عليه.. و إذا كانت هذه رؤية الأستاذ حازم، فما هو رأيه بالمجاميع العلمانية المتطرفة التي تحاول تحديد هوية وطنية مسبقة للسوريين، في ظل غياب هذه البيئة الديمقراطية.
المدن
——————————–
الهوية السورية وغاغارينية حازم نهار/ حسام طرشة
كتب الأستاذ حازم نهار في جريدة المدن الإلكترونية يوم 28/2/2021 مقالا بعنوان “أرجوك، لا تصمت يا غاغارين” تعليقا على وثيقة الهوية السورية التي صدرت عن المجلس الإسلاميّ السوري مؤخرا بتاريخ 8/2/2021. افتقر المقال إلى الموضوعية وفن النقد في سطور امتلأت بالسخرية المجردة، والمغالطات والأخطاء المركّبة. كان الأجدر بالكاتب أن يدخل في النقد الموضوعي والمهني مباشرة ويتناوله بجدية حتى لا يفسد الخلاف للود قضية.
امتلأت المقالة بجملة من الأحكام المسبقة والمفاهيم المغلوطة والتجهيل المتعمّد أو غير المتعمّد. ولا بد من التعريج على جملة الأخطاء والمجازفات والمغالطات والمزاعم التي ملأ الكاتب مقاله بها قبل أن نناقش الأفكار التي يتبناها الكاتب حول الهويّة السورية.
لم يحسن الكاتب استثمار هذه المساحة التي أعطيت له ليفيد القارئ حول تفاصيل وبنود الهوية السورية! وأنا هنا لا أصادر رأي أي جهة، وأرى أن النقاش البينيّ الشعبيّ والثوريّ مهم وفعّال مع جميع المؤسسات والتوجّهات، بل أتناول الغرائب الفكرية في مقال الكاتب وعمليات التشويه والإسقاط المغلّفة بمزاعم نقد زائفة! ولا بد من تناول ما جاء في هذه المقالة وتفنيدها.
الأخطاء والمغالطات الواردة في المقال
أولا: حول تسمية المجلس الإسلامي السوري:
انتقد الكاتب في مسمّى (المجلس الإسلاميّ السوريّ) تأخير وصف (السوريّ) على وصف (الإسلاميّ) مستخدماً ذلك كدليل على توجّهات عابرة لحدود الوطن! ولا أعتقد أن المجلس الإسلامي – من حيث المبدأ – سيمانع فيما لو اقترح عليه اسم (المجلس السوري الإسلامي) فيؤخّر وصف الإسلاميّ ويقدّم وصف السوريّ. إلا أن التقديم والتأخير هنا هو في صفات الموصوف (المجلس). وخذ على ذلك مثلا: الشبكة النسائية السورية وهي شبكة لا تخفى على الكاتب، ولا أظن أنه يجد غضاضة في تقديم سمة النسائية على سمة السوريّة! ولا فرق.
إن أوصاف الموصوف وتعددها دون استخدام العطف لا تحمل معانيَ التقديم والتأخير بأي حالٍ من الأحوال. ولا وجود لأدوات العطف التي تقتضي الترتيب لا الزمني ولا الترتيب من حيث الأهمية أو الأوّلية. لكنها رغبة كاتب المقالة في التحشيد والنيل من المجلس. ولم يكن الكاتب حذرا فوقع في تحشيد يفتقد الموضوعية والمنطقية.
استحضار الكاتب لنكتة (غاغارين) تحمل في طيّاتها الغمز في من يؤمن بالله ومن يكفر به، فإذا كان الكاتب صاحب رؤية (لاأدرية – نفعية) فهي في النهاية أيضا أدلوجة. فالإنسان بطبعه مرتبط في جميع مواقفه وأرائه وتصوّراته بأيديولوجية تفسر معنى الحياة ولها فلسفة في جميع القضايا الكبرى بما فيها السياسية.
ثانياً: ضرورات السياسة
يدرك الكاتب، كسياسي، أهمية الحفاظ على خيط علاقة مع الجماهير التي تؤمن بالله، لذلك حفظ لنفسه ما يستخدمه خطباء السياسة فقال: “لا العروبة ولا الإسلام يمكن أن يزولا من الوجود في سورية” عبارة ملتبسة لأنه ذهب بها إلى مزاعم الحديث عن زوال العرب أو المسلمين من تلك الأرض! وليس هذا هو مضمار البحث (مغالطة منطقية)! فقد جاءت وثيقة الهويّة السوريّة بعد خوض محموم من أحزاب وتكتلات وشبكات ومراكز سوريّة علمانية ويساريّة ومدنية وسياسية واجتماعية وبحثية في تحديد ماهيّة الهويّة السوريّة، وكان لا بد للمجلس أن يجلّي وثيقةً وطنية ثوريّة تحمي من التلاعب بالهويّة السورية. وليس المقصود هنا بالوقوف في وجه التلاعب بالهوية السورية الخشيةَ أن ينتهيَ الإسلام أو العروبة! فنسبة هذا إلى المجلس الإسلاميّ من السخف بمكان، بل المقصد هو هوية الكيان السياسي للدولة السوريّة الذي ينبني على التعاقد الاجتماعي لمكونات المجتمع السوريّ المعروفةِ هويّتُه والتي لا بد أن يُستند إليها في صياغة الدستور، فصناعة هويّة الكيان السياسي لسوريا لا تنفصل عن هويّة المجتمع السوريّ. إن المجتمع السوريّ بهويّاته ومكوّناته يستطيع أن يبنيَ ويُنشئ ويصنع الاستقرار على الأرض، ويرسيَ قواعد السلم الأهلي في حال تم إيقاف الحرب وإخراج المعتقلين ومنع الانتهاكات والجرائم والتخويف بحق السوريين في كل أنحاء سوريا، ويتيح للسوريين الموجودين في الخارج العودةَ للمساهمة في ذلك.
ثالثاً: أخطاء ومغالطات وافتراءات:
وقع الكاتب في جملة من الأخطاء وهو يمارس نشوة السخرية من المجلس الإسلامي السوري. ولو اقتصر على النقد لكان خيراً له:
وصّف الكاتب وثيقة الهوية السورية بأنها (فتوى) وذكر في مقالته “وأقتبس”: “المجلس الإسلامي إما أن يتدخل في السياسة ويخطئ أو يصدر الفتاوى التي تلاحق الناس في خياراتهم وحياتهم الخاصة. يتبع للمجلس الإسلامي مجلس إفتاء؛ “هيئة علمية شرعية سورية تتبع المجلس الإسلامي السوري، تعنى بإصدار الفتاوى الشرعية في النوازل في الساحة السورية في قضايا الشأن العام”. انتهى الاقتباس وفيه استشهد الكاتب بتعريف مجلس الإفتاء على الموقع الرسمي للمجلس بشكل مجتزأ. وقد وقع الكاتب في خطأين مزدوجين:
الأول: نسبته الوثيقة إلى مجلس الإفتاء وتكرار إطلاق توصيف (فتوى) على وثيقة الهويّة السورية! وهذا خطأ فالوثيقة صادرة عن المجلس الإسلامي السوري وليس عن مجلس الإفتاء! فهل كان هذا جهلاً منه أم تعمّد الخلط والتلبيس على القارئ!
الثاني: الاقتباس المخلّ لتعريف المجلس الإسلامي بمجلس الإفتاء التابع له، وإيقاف الاقتباس عند عبارة (قضايا الشأن العام). لكن؛ هل يخفى على الكاتب أن قضايا الشأن العام أكبر من مجرد القضايا السياسية؟ وأن كل ما يمس حياة المسلمين في مجتمعهم ويأخذ طابعاً واسع الانتشار يُصنّف تحت بند قضايا الشأن العام! وهذا من التلبيس! ليس هذا فحسب، ثمة وهم آخر وقع فيه الكاتب:
حين اعتبر الكاتب أن المجلس يخلط الديني بالسياسي استخدم تلبيسين مزدوجين:
الأول: توصيف الكاتب للوثيقة بأنها فتوى دينية! وهذا غير صحيح، وسبق بيان “أن هذا وهم وتضليل في المعلومة لعله لم يتعمّده”.
الثاني: أن المجلس الإسلامي نفى عن نفسه أن يكون جسما سياسيا وبالتالي لا يحق له الحديث في الجانب السياسي! وكلامه فيه خطأ محض، فلماذا يحق لمنظمات المجتمع المدني (وهي ليست أجساما سياسية) أن تتمثّل في مهزلة (اللجنة الدستورية) وفي المفاوضات السياسية! ولماذا يحق لمجلس الكنائس العالمي برعاية ورشات وإخراج وثيقة لمحددات العقد الاجتماعي! أحلالٌ على بلابل الدوح شدواهم حرام على الطير من كلّ جنس! كان على الكاتب أن يتحلّى بالدقّة حين ينقد، أو يوصّف، أو يحلّل، أو يستنتج.
ما لي أرى الانفعال والعاطفة غلبت على المقالة! هل يخفى على الكاتب أن قضايا السياسة في إطارها العام لأي مشروع دولة أوسع من مجرد (الإدارة السياسية والحوكمة والأنظمة السياسية والأحزاب)! لماذا يحق لمنظمات المجتمع المدنيّ أن تكون جزءا من المفاوضات السياسية ولجان هيئة التفاوض وفي أروقة الحل السياسيّ في الأمم المتحدة وجنيف …إلخ رغم أنها لا تفتأ تؤكّد أنها ليست أجساماً سياسية ولا تتدخل في السياسة! أظن أن الجواب واضح! العقلية المنغلقة هي التي ترى الأمر متاحا للجميع إلا من كان يحمل في مقارباته وأفكاره هويّة حيّة من مصدر سماويّ فهذا لا مكان له في عالم المادة والحياة! (يؤسفني الانحدار في نمطيات التفكير الرغائبية).
استخدم الكاتب عمليةً أشبه ما تكون بالتشويه والإسقاط للمجلس حين قال: “المجلس الإسلامي … يولِّي وجهه أينما تولِّي تركيا وجهها” اهـ، ويشير الكاتب إلى أهمّية المصلحة مع تركيا ولكن ليس لدرجة التطابق، في اتهام واضح بأن المجلس الإسلامي تابع لمواقف الأتراك حد التطابق! تعالوا لننظر هل فعلا كما يزعم الأستاذ المحترم:
أولاً: المجلس الإسلامي السوري رفض فكرة ذهاب المجاهدين والثوار السوريين إلى خارج سوريا، وهذا مخالف للرغبة التركية، وهو الجانب الذي تنبه له الكاتب فغمز في هذا الموقف من موضع آخر سأتناوله قريبا. ويبدو أنه يتتبع المجلس الإسلامي ومواقفه جيدا، فهناك مواقف أخرى خالف فيها المجلس الإسلاميّ السوريّ التوجّهات التركية:
ثانياً: المجلس الإسلامي السوري رفض مؤتمر سوتشي وأصدر بيانا في هذا الشأن (ليس فتوى بالمناسبة كما يحاول أن يغالط الأستاذ) ومؤتمر سوتشي عُقد بمساعٍ تركية روسية إيرانية، وكانت تركيا تدفع باتجاهه.
ثالثاً: موقف المجلس الإسلاميّ السوريّ من دعم اعتماد القانون العربي الموحّد في المناطق المحررة وتمكين مؤسسات القضاء من الاستناد إليه، وهذا لم تدعمه الإدارة التركية في المناطق المحررة ولم تمكّن لذلك رغم دعوة المجلس وحضّه وتأييده لذلك.
يحق لنا أن نسأل الكاتب بعد نقض مزاعم التبعيّة في مواقف المجلس الإسلامية للأتراك حد (التطابق)؛ ما هي المواقف التي يظهر فيها جليّا أن المجلس الإسلاميّ السوري “كان فيها مجرد تبعٍ أو صدىً لمواقف الأترك”! إلا إن كان يريد من المجلس أن يعمل على مهاجمة تركيا والانتقاد اللاذع لسلوكها ومواقفها!! والله يعلم ونحن نشهد على تواصلات كثيرة للمجلس مع الجانب التركي في كثير من المسائل التي تمت فيها مناصحة الأتراك وتبيان بعض المسائل التي يرى فيها المجلس أن ثمة ما يحتاج لتصحيح في السلوك التركي داخل المناطق المحررة!
يقول الكاتب: “يكفي أن المجلس في فتواه التي أطلقها بعنوان: “فتوى حول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”، لم يأتِ على ذكر “جبهة النصرة” آنذاك، ولا بقية التنظيمات الإسلامية الأخرى التي لا تختلف جميعها عن بعضها بعضًا إلا اختلافات بسيطة.” انتهى الاقتباس.
التعليق:
أولاً: عندما يستخدم الكاتب عبارة (بقية التنظيمات الإسلامية) لا يقصد فقط جبهة النصرة ولا جند الأقصى، بل كل من كان في مسمى فصيله ذكر للإسلام أو لاسم الله أو لاسم صحابي أو رمز من رموز الإسلام! لعله يدلنا على فصيل مسماه ماركسي أو علماني أو ليبرالي أو فينيقي أو كنعاني! يتضح أن هذه العبارة الخطيرة في كلامه يحاول بها أن يصنّف جميع الفصائل السورية بأنها إسلامية لا تختلف إلا اختلافات بسيطة عن داعش! عجيب!
ثانياً: يبدو أن السيد حازم لم يطلع جيدا على مواقف المجلس الإسلامي السوري فقد أصدر موقفا من النصرة في بداية 2017
ثالثاً: إن كان يقصد التأخر في إبداء موقفٍ من النصرة؛ فأذكره أن جميع السوريين من جميع الأطياف حتى غير المسلمين كان لهم في بدايات الثورة موقف من النصرة يستند إلى احتوائها والأمل في تغيّرها. وكان ممن تحدث بشكل إيجابي عنها السيد ميشيل كيلو. وهذا رابط لكلام ميشيل كيلو منذ عام 2013 (shorturl.at/ewGH6). وكذلك الشيخ معاذ الخطيب والأستاذ جورج صبرا وغيرهم من شخصيات إسلامية وغير إسلامية كلها كانت تصرّح بمثل ذلك بهدف حماية الثورة من التصنيف! كون ذلك كان خطأً يجب نقده لا يسوّغ استخدام هذا الخطأ للغمز والإسقاط والتشهير!
سبق وذكرنا أن المجلس خالف توجهات الأتراك في إرسال مقاتلين إلى خارج سوريا لمهمات قتالية، وقد حاول الكاتب التشكيك فنقل جزءاً من البيان “وأقتبس”: “الواجب يتحتم في جهاد الدفع على الأقرب فالأقرب … ، فالعدوُ القريب أكثر ضررًا علينا، وفي دفعه أكبر مصلحة لنا” اهـ من بيان المجلس. ثم علّق الكاتب قائلا: “كلام يوحي بأن سورية ليست أكثر من قطعة أرض وساحة جهاد بالنسبة إلى المجلس، وأن جهادهم يطال ساحات الدنيا كلها، وأن اعتراضهم يقتصر على الأولويات، وليس على مبدأ قتال السوريين خارج بلدهم، واستخدامهم من جانب الآخرين وقودًا لمعاركهم” اهـ الاقتباس. وهذا أسلوب رخيص يشبه أساليب دواعش العلمنجية في محاولة الزج بكل حِراك اجتماعيّ أو سياسيّ أو مدنيّ يحمل صبغة الإسلام في بوتقة التطرف والدعشنة والجهاد العالمي!
ورغم أن الكاتب يجب أن يكون محيطاً بمقدمات أي جهة يريد نقدها! لكن يبدو أنه لم يكلّف نفسه البحث ولا السؤال حتى يتبين في ما إذا كان هذا الاقتباس يصحّ الاستناد إليه في مثل هذا التشويه المتعمد للمجلس! ويتبين ذلك من وجوه عدّة:
أولاً: أن المجلس تناول الموضوع لا من جهة الفتوى بل من جهة (الموقف الصحيح في قضية متعلّقة بشأن الثورة السوية) ولذلك لم يصدر البيان عن مجلس الإفتاء. الموقف هنا موقف اجتماعي مرجعيّ له تعلق بجانب شرعيّ، نتج بسبب كثرة الأسئلة الموجّهة من قبل عموم الشعب في المناطق المحررة إلى المجلس حول اللغط الذي دار حول هذا الأمر.
ثانياً: أن الاقتباس الذي استخدمه الكاتب لو انتبه قليلا لقرأ عبارة (جهاد الدفع)، أي أن الكلام جاء في سياق الدفاع عن النفس وليس الغزو. وقد انتشرت بين بعض الثوار بأن قتالهم في ليبيا أو أذربيجان يصب في مصلحة (الدفاع والدفع عن الشعب السوري ضد اعتداءات روسيا وإيران والنظام وسيساهم في إنجاح ذلك)، فبيّن المجلس أن هذا إن صح فالحكم الشرعيّ هو وجود الدفاع (للأقرب فالأقرب) فلا يجوز لأحد أن يترك الدفاع القريب ولمّا يتم سدّه بعدُ وليس ثمة اكتفاء فيه، فلا يمكن والحال هذه تناول البحث عن دفع العدوان عن سورية من خلال المشاركة في مهمات خارج البلاد وإن كانت تصب في مصلحة الدفاع عن سوريا من العدوان الهمجي البربري لجيوش وميليشيات طائفية مساندة للنظام المجرم الطائفيّ إقليمية ودولية. للأسف جازف الكاتب بإطلاق أحكام مسبقة بهدف الإسقاط والتشويه!
غمز الكاتب بالمجلس الإسلامي السوري حين قال: “ينطلق المجلس الإسلامي في حديثه عن الهوية … فهو يؤكد على “ضرورة الحفاظ” على الهوية السورية، … وبمتابعة بسيطة، نكتشف أن الهوية التي يريد المجلس المحافظة عليها، لا تختلف كثيرًا عما يردِّده النظام وحزب البعث” انتهى كلامه بتصرّف.
التعليق:
سوف أنقل لكم ما قاله السيد حازم في ندوة شارك فيها تحت عنوان “التطبيع مع إسرائيل من وجهة نظر وطنية ديمقراطية سورية” دعا لها منتدى الحوار الوطني الديمقراطي الفلسطيني وكانت في شهر أغسطس /آب العام الماضي، حيث قال في سياق الحديث عن موقف النظام من القضيّة الفلسطينية: “اجت الثورة هي عبارة عن فرصة للحرية وفرصة للتعبير عن الرأي، يعني صار في خطاب إله طابع الاستقطاب، إنه نحن نرفض النظام بكل محمولاته، يعني إذا النظام السوري أنو الشمس تشرق من الشرق فهو خاطئ أو ما بدنا ياه وما بدنا نسمع هذا الكلام … وهذا لا يعبر إلى عن قصر نظر أو عدم القدرة على الفصل ما بين النظام وخطابه وأداؤه من جهة ومعطيات سورية الواقعية اللي هي جزء من تركيبة سورية الجيوسياسية في المنطقة. يعني أنا سألت سؤال في سياق حديثي؛ أنو هل لأحد منا أن يتخيل أن هذا النظام كان يمكن أن يستمر في الحكم لو أنه جاء تحت بند أنه هو بدو يعمل سلام مع إسرائيل وبدو يتخلى عن الجولان وعن القضية الفلسطينية؟ انا ما بعتقد. فالنظام جزء من شرعيته اللي اكتسبها حقيقة هو هذا الموقف على الأقل على المستوى الخطابي أو الإعلاني”. انتهى الاقتباس. وهذا الرابط في الدقيقة 42:30 (shorturl.at/dCMX3)
وبذات المنطق: أصبح الخطاب عند السيد حازم ذا طابع استقطابيّ، فهو يرفض النظام بكل حمولاته، يعني إذا النظام قال أنو الشمس تشرق من الشرق فهو خاطئ أو لا يريده أو لا يريد سماعه. وهذا يعبّر عن قصر نظر أو عدم قدرة الكاتب على الفصل ما بين النظام وخطابه وأدائه من جهة ومعطيات سورية الواقعية الاجتماعية الداخلية التي هي جزء من تركيبة سورية وهويّتها. فالسنة المسلمون بعربهم وكردهم وشركسهم وتركمانهم يمثلون 85% من التركيبة الاجتماعية السورية. هل للسيد حازم أن يتخيّل هذا النظام يمكن أن يستمرّ في الحكم لو أنه جاء بالمكوّن العلويّ أو الدرزيّ أو المسيحيّ ليجعل من هذه الطوائف هويّة للدولة السورية! أنا ما بعتقد. فجزء من شرعية النظام التي اكتسبها هو هذا الموقف من الإسلام على المستوى الخطابي والنظري فقط. وكلنا يعلم أنه في الواقع والحقيقة مكّن للعلمانية ولكل ما هو معادٍ للدين، وساهم في كل ما هو عكس الوثائق والخطابات والإعلانات.
من تضليلات المقالة التقليل من تأثير ومكانة هوية المجتمع السوري في هوية الكيان السياسي للدولة من خلال مكوناتها “الدينية” “العرقية” “اللغوية”، ويصفها بأوصاف الموروثة! وهنا وقع في خطأين:
الأول: أن هذه الانتماءات حيّة وإن كانت موروثة
الثاني: أن الانتماء “الديني” هو انتماء اختياريّ ناتج عن قناعة وعن فكر وقرار، وليس فقط كما زعم في أحد سطور مقاله (أنه فقط ولد عليه!) صحيح أن المرء قد يولد مسلما أو مسيحيا أو يهودياً، ولكن الأديان السماويّة مبنية على العقيدة والقناعات لا على شيء لا نمتلك تغييره “كموطن الولادة” “أو العرق” “أو اللغة”.
اعتبر الكاتب الوثيقةَ التي صدرت عن المجلس موقفا سياسيا! وهذه مغالطة كبيرة، فمسألة الهويّة الوطنيّة والعقد الاجتماعي مسائل تتداخل فيها السياسة بالاجتماع بالثقافة، وهذاا يسبق الممارسة السياسية إذ أنها تأتي في طور التأسيس للعقد الاجتماعي والعيش المشترك. ومن حق أي سوري أن يعبر عن رأيه في مسألة الهوية والدستور والعقد الاجتماعي.
مناقشة الكاتب في مسألة الهويّة السورية
أولاً: هل السؤال عن الهوية السورية سؤال الماهيّة أم الكيفية؟
يقول الكاتب: “لا توجد مقاربة صحيّة لسؤال الهوية من دون بيئة مستقرة وديمقراطية، من دون دولة وطنية ديمقراطية. نحن لا شيء من دون الدولة، لأن هذه الأخيرة ستسمح للسوريين بإعادة النظر في تفكيرهم وموروثاتهم وانتماءاتهم المتنوعة من جهة، وستجعلهم يتفاعلون في ما بينهم سلميًا على المستويات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية من جهة أخرى، ما يعني بالضرورة أننا سنكون أمام إنتاج جديد للهوية يستوعب التاريخ والتراث والتجارب الماضية، ويتعاطى معها انطلاقًا من حاجات الواقع الراهن وبهديٍ من المستقبل المأمول. خلاصة القول هي أن الهوية أمامنا لا وراءنا، وتحتاج إلى صناعة، شأنها في ذلك شأن الدولة الوطنية السورية والشعب السوري والأمة السورية والمواطن السوري؛ كلها تحتاج إلى صناعة”. انتهى الاقتباس. وأعلق على ما سبق من عدّة وجوه:
سؤالُ ونقاشُ (كيف نبلور الهويّة السورية) هو سؤال عن هويّة الدولة ككيان سياسي (أرض ـ شعب ـ نظام) وهذا السؤال نقاشه في ساحة التعاقد الاجتماعيّ وفي بدايات تأسيس لجان حقوقية ممثلة عن مكونات المجتمع لكتابة دستور الدولة. وبالتالي هو سؤالٌ صانعٌ للاستقرار والدولة لا أن الدولة هي التي تصنعه! ويلزم من ذلك أن الكاتب مسكون بآمال تأسيس الدولة بأياد خارجية لتصنع الهوية على عين الرقيب الخارجيّ! للأسف هذا لازم كلامه.
إن الطريقة التي يدعو لها الكاتب المحترم لإنتاج الهوية الدستورية تعني اختطاف حق مكونات المجتمع السوريّ ووضعها في يد الأحزاب السياسية! يريد الأستاذ الباحث أن يحدد الهويّة ويصنع التعاقد الاجتماعي ويكتب الدستور (بعد تأسيس الدولة)! عجبا
الهوية الاجتماعية حاضرة أمامنا في سوريا (نعم) وضاربة جذورها في عمق التاريخ الحيّ، لكن الهوية السورية للكيان السياسي للدولة يصنعه المجتمع، وعلى القوى السياسية أن تترك في هذه المرحلة أحزابها السياسية وتنخرط في مرجعياتها الاجتماعية لتناقش هذا الاستحقاق وإن كانوا يرون ما يحتاج توعية المجتمع به فليخوضوا غمار التوعية واقعيا واجتماعيا على الأرض وليس من خلال الوكيل الخارجيّ.
أذكّر مرة أخرى بأن الهوية السياسية للدولة لا تنفك عن التركيبة الاجتماعية للبلد وبها يكتسب أي نظام شرعيّته فإن كان صادقا وشريفا جعل الوثائق والخطاب والإعلان واقعا وتطبيقا، وإن كان خائنا فاسدا أو متسلطا بيد من الخارج فعل العكس كما فعل النظام الطائفي النصيري.
ثانياً: بين الثابت والاجتهاديّ:
من المغالطات في سياق نقاش وثيقة الهويّة السوريّة، محاولة التضليل بأن ما كتبه المجلس الإسلامي السوري يمثل وجهة نظر (حتى داخل المسلمين أنفسهم) في خلط عجيب بين تفاصيل الاجتهادات والاختيارات الواسعة في النظام الإسلامي المرن، وبين قواعد كليّة محل إجماع من المسلمين كما ورد في وثيقة المجلس. يقول الكاتب: “وحتى في المستوى الديني، بالنسبة إلينا، يمثِّل المجلس الإسلامي وجهة نظر خاصة في الإسلام، مثل غيره من الجماعات الإسلامية، وهي إحدى القراءات الإسلامية” اهـ الاقتباس. وهذا كلام مضلّل فبنود الوثيقة لا تتحدث عن اختيارات إسلامية يختلف فيها المسلمون ولا مسائل شرعيّة يكتنفها الاحتمال في الدلالة وتختلف فيها الأنظار والاجتهادات. فالبنود الخمسة كلها تتحدث عن حقائق تموضع “الإسلام” و “اللغة العربية” و “القيم الأخلاقية” في جوهر الهوية السورية وعمقها في المجتمع السوريّ المعنيّ بصناعة التعاقد الاجتماعي الذي سيتجسّد في وثيقة الدستور.
انتهاج الكاتب للحرب الإيديولوجية حين اعتبر أن ما صدر عن المجلس الإسلامي أيديولوجيا انتهاجٌ خاطئ، فالمجلس لم يقدم تفسيراً نصياً للعروبة يرفض ما سواه من وجهات نظر، ولم يقدم رؤية وفهما للإسلام يعتبره الحق ويرفض ما سواه. تضمّنت الوثيقة حقائق عن اللغة العربية كلغة سائدة ورابطة بين أبناء سورية، وعن الإسلام كدين غالب السوريين. وهذا توصيف عام ليس فيه أي نظرة ضيقة أو تفسيرٍ خاصٍّ لمضمون الإسلام والعروبة.
خاتمة في معالم الهويّة السورية
ما صدر عن المجلس هو وثيقة توصيفية تصف أن الإسلام دين غالب الشعب السوري واللغة العربية هي اللغة السائدة وهذا كتوصيف أمر صحيح تماماً. لا يوجد دولة تحترم نفسها تستند إلى هويّة غريبة عن مكوناتها الاجتماعية بحجّة “الحيادية!” فمن رام هوية دولةٍ لا طعم لها ولا لون ولا رائحة فليعلم أنه يبيع الدولة إلى الخارج. وما ندفع باتجاهه هو دولة المواطنة التي تتأسس على هوية واضحة، وتسير فيها الحكومة التي ستقدم برامجها بعد نيل ثقة الشعب مسيرة لا تفرّق في خدمة شعبها وتنميته وسعادته ورفاهيته ونهضته وحقوقه بين مكونات المجتمع. فالحكومة هي التي لا تمارس صلاحياتها وفقا لمكوّن من المكوّنات دون بقية المكوّنات الاخرى.
أما الدستور والتعاقد الاجتماعيّ فمحكوم بقواعد التعايش والسلم الاجتماعي الذي تتبنى فيه الدولة ككيان سياسي الحالة العامة ويرعى الحالة الخاصة. ولتقريب معنى تبني الدولة للحالة العامة ورعايتها للحالة الخاصة نضرب مثالا (والمثل يضرب ولا يُقاس): إذا كان 90% من سكان أي بلدة ينامون في الليل، وهناك 10% ينشطون ليلا وينامون نهارا لطبيعة ما أو طريقة عيش خاصة بهم؛ فهل يصحّ أن يتبنى ساسة البلدة حالة الحركة والصوت العالي والأضواء الصاخبة والأصوات العالية في الليل لأن 10% تريد أن تنشط ليلا! الجواب لا، بل يجب أن يتبنى ساسة البلدة الحالة العامة (وهو الهدوء والسكون في الليل) وفي نفس الوقت يجب أن ترعى الحالة الخاصة فتوفر لها ما يمكّنها من حقّها في ممارسة خصوصيتها دون التأثير على الحالة العامة. هذا المثال ينسحب على كل مجالات التعاقد الاجتماعي لأي شعب في أرض يريد تأسيس دولة ونظام. والحمد لله رب العالمين.
———————————–