صفحات الحوار

الباحثة ليزا وِدين: الثورة السورية ربما لم تنته بعد

أسامة إسبر

أُجْري هذا الحوار بمناسبة صدور كتاب “استيعابات سلطوية: الأيديولوجيا والحكم والحداد في سورية”، للباحثة وعالمة السياسة الأميركية، ليزا ودين، وفوزه بجائزتين أميركيتين مرموقتين في العلوم السياسية، الأولى تُدْعى “جائزة تشارلز تيلور للكِتاب”، وهي الجائزة السنوية لمجموعة المناهج التأويلية لأفضل كتاب في المناهج التأويلية، والثانية جائزة “أفضل كتاب في العلوم السياسية عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، التي يمنحها قسم سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الجمعية الأميركية للعلوم السياسية (APSA).

صدر كتاب “استيعابات سلطوية: الأيديولوجيا والحكم والحداد في سورية” أخيرًا عن منشورات جامعة شيكاغو، واستقبلت الأوساط الأكاديمية الأميركية والمهتمة بالشرق الأوسط الكتاب بحفاوة بالغة، وأشادت بأهميته على صعيد البحث الأكاديمي المتعمق، وفي كونه يتناول الوضع السوري في العقد الأخير، برؤية تحليلية ونقدية عميقة، مسلحًا بالمنهجيات الحديثة، ويحرّكه البحث النزيه عن الحقيقة، ويهدف إلى التحرر من الانحيازات الحزبية والأيديولوجية، والنظرة الاستشراقية الاستعلائية، لكي يسهم في تحرر الإنسان في كل مكان. يندرج الكتاب ضمن الدراسات التي تسعى لتفكيك آليات التسلط، وعلاقات القوة العابرة للحدود، من دون أن يعاود إنتاج العلاقة بين الدارس والمدروس، بالمعنى الاستشراقي التقليدي، كما شرحه إدوارد سعيد.

يتناول الكتاب مواضيع عديدة، كالأنباء الكاذبة، والصراع على الحقيقة، وتطويع الابتكارات التكنولوجية، وخاصة في عالم الاتصالات لخدمة أهداف السلطة، أو المعارضة، ومفهوم الأيديولوجيا، وكيف يتجلى على الساحة السورية، والطائفية، ودور الدراما، وكيفية استفادة النظام منها، وما المساحة التي تحتفظ بها لنفسها. يتناول الكتاب، أيضًا، مفهوم الشائعات، والنسخة الاستبدادية النيوليبرالية المستحدثة للنظام السوري قبل الانتفاضة، والوسطيين، والرماديين، وكيف أن ما يُسمّى بالوسط المتذبذب لعب دورًا رئيسيًا في استمرار الأوضاع القائمة. يحلل الكتاب، أيضًا، سعي النظام، وبذكاء، إلى تسويق صورته بشكل إعلامي منظم، ليظهر بشكل جديد يتناغم مع اقتصاد السوق الحر النيوليبرالي في قناع نظام السوق الاجتماعي، لاجئًا إلى عملية تلميع صور عائلة الرئيس، وتقديمها إعلاميًا من أجل إغواء المواطنين للامتثال، وجذب الاستثمار، وتصوير الحياة البراقة الاستهلاكية التي تُضْفي جوًا يفتح باب نوع جديد من الامتثال والإذعان عبر الإغواء، فيما تتولّد وتتقوّى نخبة جديدة تتميز بالمدخل إلى رأس المال والعلاقات الاستثمارية، وتحول التكلفة والمجازفة من الشركات والأفراد إلى الشعب ككل، بحيث تراكم النخبة ثروتها، ويدفع الشعب السوري ضريبة هذا الثراء والفجوة الطبقية، وتستمر علاقات القوة، وتستفيد الأطراف المتشابكة. يتناول الكتاب، أخيرًا، انهيار هذه الصورة بعد لجوء النظام إلى القمع الوحشي للاحتجاجات.

تسلط ودين الضوء على أحداث الانتفاضة، وتدرس الطاقة الثورية المدنية للأيام الأولى والعنف، الذي تلاها قاضيًا على الآمال بالتغيير السريع. وفي مقاربة جديدة متبصرة وممتلكة للأدوات المنهجية التحليلية والنظرية، تدرس الباحثة الاستبداد والصراع، وتحاول الإجابة على أسئلة مثل: ما الذي قاد جزءًا كبيرًا من السكان لدعم النظام رغم الفظائع التي ارتكبها؟ ما الذي يحدث لحكم المواطنين على الأمور، سياسيًا، في أوقات التغيير الشامل؟ وكيف يظهر النظام السوري كنموذج لاستغلال القادة المستبدين للإعلام الرقمي لخلق اللايقين والمآزق السياسية والانقسامات بين مواطنيهم؟

يدرس الكتاب، أيضًا، النتاج الفني السوري، من خلال بعض الأفلام السينمائية والوثائقية والمسلسلات والوثائق البصرية الفنية المختلفة، ويعري التوظيفات الأيديولوجية التي تغذي ولاءات متذبذبة بمؤسسات القوة القائمة، وتعرقل التغيير.

ليزا ودين أستاذة العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، ومديرة مشاركة لمركز جامعة شيكاغو للنظرية المعاصرة، وأستاذة مشاركة للأنثروبولوجيا، ومن محرري سلسلة كتب جامعة شيكاغو “دراسات في ممارسة المعنى”. صدر لها:

1 ـ السيطرة الغامضة: السياسة، الخطاب والرموز في سورية المعاصرة (1999، مع مقدمة جديدة في 2015).

2 ـ رؤى من الأطراف: الجماهير والسلطة والأداء في اليمن (2008).

وينبغي التنويه أن عنوان الكتاب الذي يتمحور حوله هذا الحديث بالإنكليزية هو Authoritarian Apprehensions: Ideology, Judgement and Mourning in Syria، وهو ثلاثي المعنى، كما تنوه المؤلفة في مقدمة الكتاب، فكلمة Apprehension ، التي ترجمناها إلى العربية بـ”استيعابات” تنطوي على ثلاثة معاني في اللغة الإنكليزية هي: الاعتقال، أو الأسر، وتعني، أيضًا، الفهم والاستيعاب، أو الإدراك، كما يمكن أن تشير إلى المخاوف وحالات القلق المستمرة. يتطرق الكتاب إلى هذه المعاني الثلاثة، كما أن كلمة “حكم” هي ترجمة لكلمة “judgement”، وتتعلق بقدرة المواطنين على أن يحكموا على السياسة وأفعال السياسيين ويكون لهم رأي فيها. وسبق أن تُرجم كتاب للمؤلفة إلى العربية بعنوان “السيطرة الغامضة: السياسة، الخطاب والرموز في سورية المعاصرة”، عن (رياض نجيب الريس للكتب والنشر) (2011)، ترجمه نجيب الغضبان. كما نشرت الكاتبة مقالات عديدة في أهم المجلات الأميركية المُحكَّمة، وتعمل حاليًا مع الباحث جوزف ماسكو على كتاب بعنوان “المؤامرة/ نظرية”.

هنا نص الحوار:

(*) تقولين في المقدمة إن كتابك “استيعابات سلطوية: الأيديولوجيا والحُكم والحِداد” في سورية يعكس اهتمامك باستمرارية الاستبداد وبالتغيرات السياسية في الأوتوقراطية النيوليبرالية. ما الذي تعنينه بالأوتوقراطية النيوليبرالية؟ متى بدأت في سورية؟ وما الذي أثار اهتمامك بها؟

أولًا، أشكركم على منحي هذه الفرصة كي أتحدّثَ عن كتابي. كما تعلم، كان الحكم الاستبدادي في سورية متأصّلًا بالفعل، ثم بدأ تدريجيًا باتباع نسخة جديدة من النيوليبرالية في التسعينيات من خلال إصلاحات اقتصادية “انتقائية” شملتْ مبادرات خَصْخصة طموحة تتوجتْ في الإعلان رسميًا سنة 2005 عن تبني ما دُعِيَ بشكل مُخفّف وأكثر اعتدالًا بـ”اقتصاد السوق الاجتماعي”. وبدأنا نسمع في خطاب النخبة الإدارية المهنية الناشئة المسؤولة عن التغييرات مصطلحات تشبه لغة صندوق النقد الدولي مثل “الحوكمة الرشيدة”، و”أصحاب الأسهم”، وهدفتْ الخطةُ إلى تشجيع استثمار القطاع الخاص، والتشديد على فضائل الأعمال الخيرية الفردية، ووضع أحكام وشروط لتحويل المسؤولية إلى “المجتمع المدني”.

“يندرج الكتاب ضمن الدراسات التي تسعى لتفكيك آليات التسلط، وعلاقات القوة العابرة للحدود، من دون أن يعاود إنتاج العلاقة بين الدارس والمدروس، بالمعنى الاستشراقي التقليدي، كما شرحه إدوارد سعيد”

لقد كتبَ عددٌ من الباحثين الشرق أوسطيين والأميركيين والعرب عن تغيرات الاقتصاد السياسي المرتبطة بالإصلاحات النيوليبرالية. وتناولتُ النيوليبرالية في كتابي السابق عن اليمن، الذي صدر عن دار جامعة شيكاغو بعنوان “رؤى من الأطراف: السلطة والجماهير والأداء في اليمن”، وحللتُها معرّجةً على مشكلات استخدام النيوليبرالية، كمصطلح شامل يتضمن احتمالات مختلفة.

حين بدأتُ العمل على كتابي الجديد “استيعابات سلطوية”، اعتقدتُ أنه إذا اقتصر التفكير على الاختلافات بين الأنظمة الليبرالية، فإن هذا سيمنع التفكير المثمر بالنظام النيوليبرالي كمشروع أيديولوجي يتميز بقدرته الخاصة على أن يشبك معًا مواقف اقتصادية سياسية متباينة على نحو كبير، من خلال تطويع المواطنين ـ الرعايا في نماذج جديدة من الضبط والتدخل والاحتجاج. بهذا المعنى، تتغلغل الأيديولوجيا النيوليبرالية إلى ممارسات الحياة اليومية، والبحث والسياسات الرسمية، وأمثلة أخرى. كما تتجلى النيوليبرالية في هيمنة لغة الكفاءة وخيار المستهلك والاستهلاك الترفيهي وحسابات الكلفة والربح والمبادرة الشخصية بطرق “تشير إلى تبدل في تحمل الخسائر”، بحيث لا تتحملها الحكومات والشركات بل الأفراد والعائلات. ولا يقتصر هذا الوضع على سورية فحسب، بل يحدث، أيضًا، في أمكنة كثيرة في العالم، ويظهر بوضوح في الأنظمة الشعبوية المختلفة التي نراها تهدد المشاركة الديمقراطية. فحتى قبل تفشّي جائحة كوفيد ـ 19، كان هنالك قبول واضح (ودعم من البعض) لأنظمة تذكّر بالأنظمة الفاشية القديمة. وتتضمن الأمثلة الموالين المتناقضين والمتذبذبين الوسطيين في سورية، والزعامة القومية ذات التوجه الذكوري لجاكوب زوما في جنوب أفريقيا، أو روسيا بوتين، والبلاد كشركة في الصين، والقوميات اليمينية المتطرفة في أوربا، وحملة “اجعلوا أميركا عظيمة” القائلة بتفوق العرق الأبيض، التي قادها ترامب في الولايات المتحدة. وبتعبيرٍ نظري أكثر دقةً، تنطوي الأوتوقراطية النيوليبرالية على مَنطقيْ حكمٍ متناقضين، فهي من ناحية تصقل الرغبة بحرية السوق، والارتقاء نحو الأعلى، ومتعة المستهلك، ولكنها من ناحية أخرى تربط هذه الفرصة بإذعان المواطن وطاعته، وبالضبط القسري. وفي سورية، توسّطتْ لهذا التناقض وأدارتْهُ، جزئيًا قبل الانتفاضة، صورةٌ عالمية ـ محلية ارتبطت فيها سيطرة النظام برأسمال خاص. وتجسّد هذا رسميًا في الصورة التي بدت براقة ومدينية ومُشدَّدًا على حداثتها لـ”عائلة الرئيس”، التي صُوِّر أفرادها وقُدِّموا كأعضاء للطبقة الأخلاقية النيوليبرالية.

(*) ما الذي في النموذج السوري يسهم أكثر في العلوم السياسية والأنثروبولوجيا، ودفعك إلى دراسة سورية؟

حين عدتُ إلى سورية في (2010 ـ 2011)، بعد فترة انقطاع، فوجئتُ كم تغيرتْ أمور كثيرة، وكم بقيت أمور أخرى كثيرة مألوفة. كان الكتاب الذي خططتُ لتأليفه يهدف إلى تناول ما بدا كأنه بزوغ لنسخة مُلطَّفة ومُخفَّفة من النظام الاستبدادي في ظل حكم بشار الأسد الذي تولّى الرئاسة سنة 2000، بعد وفاة والده.

“تغيرت أمور كثيرة بعد انتفاضة 2011، بالطبع. كان هذا شهر آذار/ مارس، وكنت ما أزال في دمشق، وغادرتُ في نهاية أيار/ مايو، وتعلمتُ كثيرًا في ذلك الوقت عن الطاقة الثورية المكتشفة حديثًا، وعن التعبيرات المتواصلة عن التناقض السياسي، أيضًا”

ومن بين المسائل التي فكرتُ في دراستها أشكال التغير الجيلي التي كانت نتاجًا ومُحرِّكًا في آن واحد معًا لانفتاحات السوق النيوليبرالية والمخيالات الجمالية الجديدة للحياة اليومية التي ترافقت مع التبني الواضح للاستهلاك، والخروج من تقشف الفترة السوفييتية، والدعم الجلي الذي بدا كأن بشار الأسد يحصل عليه من جماعات كانت حتى ذلك الوقت قد امتنعت عن تقديمه للنظام، وضمتْ منشقين سابقين وفنانين ومهنيين من أبناء المدن ورجال دين. تغيرت أمور كثيرة بعد انتفاضة 2011، بالطبع. كان هذا شهر آذار/ مارس، وكنت ما أزال في دمشق، وغادرتُ في نهاية أيار/ مايو، وتعلمتُ كثيرًا في ذلك الوقت عن الطاقة الثورية المكتشفة حديثًا، وعن التعبيرات المتواصلة عن التناقض السياسي، أيضًا. أما ما دفعني إلى الكتابة بشكل عام أكثر فهو أنني كنت محظوظة جدًا لامتلاكي فرصة للحياة والدراسة في دمشق في الثمانينيات والتسعينيات. وبالطبع كان كتابي الأول عن سورية، المكان الذي أحبه أكثر من أي مكان آخر على وجه الأرض. هكذا بدأ الأمر.

(*) تقولين في المقدمة إن الكتاب يعاود التفكير بالدور السياسي للأيديولوجيا وأهميتها، ولما يدعوه المفكر لوي ألتوسير بـ”الاستجواب الأيديولوجي”. لماذا الأيديولوجيا هامة في الحالة السورية؟

ركّز كتاب “استيعابات سلطوية”، في البداية، على اهتمامي باستمرارية الاستبداد، والتحول السياسي، لكن الاحتجاجات شجعتني على التركيز بصورة خاصة على الاستخدام الأيديولوجي، أو كيف طُوِّعَ الناس، أو لم يُطوَّعوا، في نظام سورية الاستبدادي النيوليبرالي. كنتُ دومًا مهتمة بالخطاب السياسي، وبسياسة اللغة والرموز، لكن هذا الكتاب تطلّب مني أن أعبّر بوضوح عن نظرية في الأيديولوجيا، وهذا ما فعلتهُ مستفيدةً بصورة خاصة من الثقافة الماركسية ما بعد الألتوسيرية (نسبة إلى المفكر لوي ألتوسير)، ونظرية التأثير العاطفي. لا يشير مصطلح أيديولوجيا، كما أستخدمه، إلى حزب، أو عقيدة محددة. فقد شاع هذا الاستخدام كثيرًا في الماضي، بالرغم من أنّ اشتغالات الأيديولوجيا يمكن أن تُلاحظ في وثائق معينة، بالطبع. وبدلًا من النظر إلى الفكرة على نحو ضيق ومحدود، اتبعتُ تراثًا ثقافيًا ماركسيًا، مستخدمةً الأيديولوجيا كي تشير إلى خطابات مجسدة ومُحَمَّلَة عاطفيًا يتم إيصالها جزئيًا أفقيًا من خلال الأنشطة اليومية. ذلك أن الأيديولوجيا لا تُفهم كمحتوى فحسب، بل، أيضًا، كشكل لتوظيفات فنتازية Fantasy Investments متواصلة، تمتلك تأثيرات بنيوية ومادية قابلة للتحديد.

“الاحتجاجات شجعتني على التركيز بصورة خاصة على الاستخدام الأيديولوجي، أو كيف طُوِّعَ الناس، أو لم يُطوَّعوا، في نظام سورية الاستبدادي النيوليبرالي”

أما بالنسبة لـ”الاستجواب”، فقد اقتضتْ مقاربتي للغز الاستمرارية الاستبدادية، والصعوبات التي ينطوي عليها التحول الاجتماعي، أن أشير إلى أساليب جديدة لما دعاه لويس ألتوسير بـ”الاستجواب الإيديولوجي”، والذي عنى لي تحديد طرق جديدة لـ”استدعاء” المواطنين إلى نظام سورية الأوتوقراطي. فالأيديولوجيا تعمل من خلال الإغواء، وتثير محتوى فنتازيًا Fantasy Content ، بينما في الوقت نفسه تزيله وتخفّف التناقضات، وتساعدُ في التعامل مع حالات القلق الجمعية، وحالات النزاع السياسية الاجتماعية، من خلال تقديم آليات تسمح باحتواء التنافرات والتناقضات وإبعادها والتنصّل منها.

أدرس في هذا الكتاب، ومن زوايا مختلفة، الأشكال المعقدة والمتنوعة للخطاب، والتي خلتْ غالبًا من الانسجام، وضمنتْ قبول المواطن لنظام كان في حاجة للبقاء. ويقول كتاب “استيعابات سلطوية” إن الأيديولوجيا مهمة في صقل انتماءات الإنسان، فهي لا تعمل فقط من خلال التصديق الصريح والمباشر، بل من خلال آليات تعقّد التصديق وعدم التصديق، وخاصة بسبب الطريقة التي يستطيعُ بها الناس أن يعرفوا شيئًا ما، ولا يعرفونه، في الوقت نفسه. وتستطيع الأيديولوجيا توليد ولاء حماسي، أو متردد. وفي الحالة السورية، كان هذا التردد (تذبذب الناس الواضح بين الرغبة بالإصلاح والولاء للنظام) جوهريًا لقدرة النظام على البقاء. فقد ساعد التذبذب النظام على أن يعاود تقييم وتعريف علاقته مع الحكم. وطرحَ المثال السوري، وبشكل ملح، سؤال لماذا الاستبداد يروق للمواطنين، ولماذا لا ينجذب المستبدون فقط إلى الاستبداد، بل الناس العاديون، أيضًا؟ وبالرغم من أن نظام الأسد الاستبدادي يبدو كأنه انتصر في الحرب، فإن مسألة قدرته على الحكم مرة أخرى تبقى موضعًا للشك. ذلك أن مساحات واسعة من الأراضي السورية استعيدت بمساعدة من القوة العسكرية الروسية والإيرانية. ومن الصعب التنبؤ بمستقبل النظام الاستبدادي، غير أنه من الواضح أن هناك أعدادًا كبيرة من الناس دعمته، أو على الأقل فشلت في المشاركة في التخلص منه. تفاءل كثيرون، وتجرأوا على تخيل بديل للنظام، واشتغلوا على تحقيقه، ثم شاهدوا طاقتهم وهي تتحول إلى قنوط ويأس، وهذا مظهر يحتاج إلى أن نفكر به في سياق بزوغ جديد للاستبداد العالمي، هو ومظاهر أخرى تشمل أشكال الإدارة والسيطرة الاجتماعية التي كان النظام قادرًا على استنباطها حتى وهو يترنح، بالإضافة إلى مواريث المنطق البنيوي، والاستبداد التي ساعدته على البقاء (على الأقل مؤقتًا) باستقلال عن السياسة.

(*) في معرض حديثك عن ريموند ويليامز، ومصطلحي “الراسب”، و”الناشئ”، في الفصل الخامس حول الطائفية، تقولين إن “الناشئ”، بحسب ويليامز، يحمل دلالات حول احتمال بديل. لكن بما أن المجال لا يسمح هنا بالاستفاضة في الحديث عن هذين المفهومين، وعن ويليامز، أريد فقط أن أعرف رأيك في الرأي القائل إن الناشطين في الانتفاضة لم يتمكنوا من الخروج من رواسب الماضي نحو بديل أكثر جذرية ومغاير للموروث.

أولًا، نادرًا ما تنجح الثورات. ولكن ربما لم تنته الثورة السورية بعد. استغرقت الثورة الفرنسية مئة عام، وبالتالي من الأفضل عدم الحكم بهذه الطريقة. إن الحفاظ على الأوضاع القائمة أسهل من القيام بتغيير واسع النطاق. وهذا صحيح دومًا. وفي الأيام الأولى للانتفاضة، حين كانت طاقة المنتفضين عظيمة، ومواردهم محدودة، تمكن النظام من الاستفادة من الظروف، محليًا ودوليًا، سواء كانت جديدة، مثل دورات أخبار الإنترنت المليئة بالأحداث، والعالية السرعة، أو قديمة، كما في النماذج التاريخية والسوسيولوجية للانحيازات والظلم. كان النظام قادرًا على أن يقدم نسخته من التمدن، مُصوِّرًا الأجزاء المتمردة من الريف بأنها غير متمدنة، ولاعبًا على الوتر الطائفي، ومثيرًا مخاوف الناس من الانتقام. واستغلّ النظام تأرجح الناس المتذبذبين بين الرغبة بالحرية، والخوف من الفوضى، مُقْنعًا ما يكفي من الذين خاطبهم بأنه وحده القادر على الحكم، محوّلًا ما اعتبره معظم الناس جوًا غامضًا من العنف الوشيك إلى صراع مدمّر. واستفاد النظام من نخبة إدارية مهنية، ومن جماعة الدراما السورية، ومن العاملين في حقل الفنون الإعلانية، وقام الجهاز الأيديولوجي السوري بتوسيع التناقضات الاجتماعية، وحالات القلق في خدمة قرار رمزي، حاثًا المُخاطَبين على دفن أحلامهم بالكرامة الإنسانية والدولة المدنية والتلاحم وطنيًا مع النظام. وكانت هذه “رشوة” فنتازية Fantasy، إذا ما اقتبسنا من فريدريك جيمسون، تتم من خلالها معاودة بناء شكل ما من الجماعية، لكن على حساب الفعل الديمقراطي. وإذا ما وضعنا هذا في صيغة نمطية مباشرة: كان هناك موالون أقوياء (مثل من أُطلق عليهم اسم “الشبيحة”)، وناشطو المعارضة، والشريحة السكانية الرمادية الكبيرة التي ذكرتُها: الأغلبية الصامتة التي ساعد تذبذبها على استمرار النظام الاستبدادي.

لا يدعو كتابي إلى اليأس، فهو يستقصي، أيضًا، احتمالات ديمقراطية، وطرقًا لتمكين الناس من أن يحكموا على الأمور بالمعنى السياسي: في قدرة الكوميديا على عدم التوقير، وفي الجهود الفنية لتجاوز مأزق الأنباء المزيفة، من خلال استغلال تقاليد صناعة الأفلام الوثائقية، وفي الطرق الكثيرة التي صقل بها الفنانون كَرَمًا تأويليًا، سواء قصدوا ذلك أم لا، من خلال تصويرهم للواقع من وجهات نظر مختلفة. وكما قلتُ في الكتاب، لم تكن هذه “حلولًا” لصعوبات توليد ثورة، بل محاولات مهمة، بالرغم من الجدل الذي أثارته، لإنجاز ما أدعوه بـ”حكمة مضيئة أخرى بديلة لسواد اللحظة الحاضرة”. بتعبير آخر أبسط، إنها مضيئة بمعنى أنها تلقي الضوء على وضع معقّد خياليًا.

(*) اعتقد المحتجون في سورية في البداية أنه يمكن الحصول على الحقوق من خلال الاحتجاجات السلمية، بدلًا من استعادتها من خلال تغيير النظام. هل يمكن القول إنه كان يوجد في بداية الانتفاضة علامات قبول للنظام في سورية، أو إيمان بقدرته على إصلاح نفسه مع مرور الزمن؟

لا أعرف إن كان يجب أن نستخدم كلمة “قبول” هنا. تخيّلَ بعض المحتجين، (وكان كثيرون منهم متعاطفين مع المعارضة) أن الاحتجاجات ستُجْبر النظام على الإيفاء بوعوده بالإصلاح. وكان هذا واضحًا حين لم يدْعُ المحتجون الأوائل في الحقيقة إلى تغيير النظام.

“كان النظام قادرًا على أن يقدم نسخته من التمدن، مُصوِّرًا الأجزاء المتمردة من الريف بأنها غير متمدنة، ولاعبًا على الوتر الطائفي، ومثيرًا مخاوف الناس من الانتقام”

كان التصور قويًا بأن نظام بشار الأسد يجسد نظامًا استبداديًا ألطف وأرق، وديكتاتورية خيّرة. وواصل هذا مداعبة خيال بعض الناس، بعد أن لجأ النظام إلى العنف في قمع الاحتجاجات السلمية. واعتقد البعض أن المسؤول عن القمع القاسي هو شقيق الرئيس ماهر، وليس الرئيس. وانتشرت فكرة حول احتمال هرب بشار إلى الإمارات العربية المتحدة، على أن تعقب ذلك مطالبة جماهيرية بعودته. ومع مرور الأيام، وبعد أن صار القمع الوحشي للنظام أكثر وضوحًا، كان هنالك من أقروا بأن “بشار مشكلة”، لكنهم تمسكوا بفكرة أن السيدة الأولى مشروع رئيسة ممتازة، وقادرة على الفوز في انتخابات نزيهة وحرة. وزعم آخرون، بالطبع، منذ البداية أن النظام يجب أن يُفهم بأنه “شركة” ومافيا عائلية، وأن آل الأسد سيفعلون ما هو ضروري لحماية مصالحهم. ورأى البعض في خطوة إعادة ضباط الأمن القدماء من التقاعد إلى مناصبهم إشارة أولى جلية إلى نوايا النظام في سحق الانتفاضة. وأوضحت مقابلة رامي مخلوف المشهورة مع النيويورك تايمز، في أيار 2011، أن النظام سيلجأ إلى سياسة الأرض المحروقة إذا أُجْبر على ذلك، وأن القمع الوحشي للمتظاهرين في درعا ليس استثناء، بل القاعدة الجديدة. ولكن للعودة إلى نقطتك، واصل الناس في بداية الاحتجاجات، ولبعض الوقت، بعد تفاقم العنف، الإيمان بإمكانية التغيير، وقد تجسّد هذا بالنسبة لكثيرين في صورة الأوتوقراطي النيوليبرالي التي عمل نظام بشار بدأب على ترويجها في عقده الأول في السلطة.

(*) تتحدثين عن ما يُدعى بـ”الرماديين”، أو عن الوسط المتذبذب في الطيف السياسي السوري. ما الذي غذّى هذا الوسط؟ ما الذي ساهم في صنعه؟ هل كان هناك أي شيء في خطاب أطراف في المعارضة ساهم في زيادة التردد والتذبذب في المواقف مع مرور الزمن؟

مع مرور الزمن، أثبتتْ الغالبية المتذبذبة (ما يُدعْى بالرماديين بتعبير ساخر للناشطين) أنها محورية لبقاء النظام. وجاء الرماديون في تدرجات مختلفة للون الرمادي. فقد دُعي المراقبون السلبيون بـ”المتذبذبين”، الذين “تأرجحوا بين الرغبة وعدم الرغبة بالتغيير”. وكان الانتهازيون هم الذين “لهم رأي جديد كل ساعة”، و”لم يستطيعوا الالتزام بوجهة نظر”، أو فشلوا في “الثبات على موقفهم”. وكان هنالك سوريون وصفوا أنفسهم بأنهم “معتدلون”، انتقدتهم المعارضة، لكن النظام سمح بوجودهم.

“كان الانتهازيون هم الذين “لهم رأي جديد كل ساعة”، و”لم يستطيعوا الالتزام بوجهة نظر”، أو فشلوا في “الثبات على موقفهم”. وكان هنالك سوريون وصفوا أنفسهم بأنهم “معتدلون”، انتقدتهم المعارضة، لكن النظام سمح بوجودهم”

ومثّل عدد الأشخاص الذين واصلوا ترددهم بين الولاء للنظام والرغبة بتغييره انتصارًا أيديولوجيًا للنظام، بمعنى أن الناس “استُدعوا عن طريق الإغراء” إلى الإذعان، كما ناقشتُ من قبل. وتجلى دور التذبذب في الأيام الأولى للانتفاضة في شريحتين سكانيتين واضحتين، تألفت الأولى من المحظوظين الذين كانوا معتادين على المتع التي أدخلتْها الأنماط الجديدة من الرخاء والاختلاط الاجتماعي والنزعة الاستهلاكية. كانت هذه عوالم مركز المدينة في دمشق وحلب، أو ما صنّفه المُعْلنون على أنه قادم من أحياء معينة في المدينتين متدرجة من أحياء أفخم إلى فخمة، إلى أقل فخامة. ولم تُؤخذ بعين الاعتبار الوسائل الاقتصادية في التصنيفات فقط، بل أيضًا الممارسات المرتبطة بالذوق والتميز. وكان هذا يعني أن آخرين كثيرين، إذا امتلكوا الطموح هم قادرون على تخيل قدر ضئيل من التمتع بهذا الترف، خاصة في ضوء ازدهار الإعلانات في العقد السابق على الانتفاضة. وبقيت المكافأة بالنسبة للذين في الشريحة السكانية الثانية غير مدفوعة، لكنها مرئية في البيئة، ومحسوسة وتستحق الانتظار والعمل من أجلها. وفي الأيام الأولى، غابت هاتان الشريحتان السكانيتان بشكل ملحوظ عن الاحتجاجات، واختارتا على ما يبدو الراحة والاستقرار، سواء كانا حقيقيين، أو متخيلين، وفضلتا الإذعان على المغامرة والخروج إلى منطقة غير واضحة المعالم من المقاومة السياسية. وصار واضحًا مع مرور الوقت أن النظام لن يقوم بالإصلاحات. ويجب أن نلقي هنا الضوء على نقطتين تتعلقان بالأيديولوجيا، وأهمية التردد والتذبذب في تمكين النظام من تنظيم علاقته مع الحكم من جديد. أولًا، بعد اندلاع الاحتجاجات، ساعد إرثُ الأوتوقراطية النيوليبرالية من العقد الذي سبق الانتفاضة، في تحصين نظام بشار الأسد، وهدّأ غضب شرائح سكانية رئيسية صارفًا الانتباه عن فظائع النظام المتواصلة، وشوّش البشر دافعًا بهم إلى التفكير بأن لديهم خيارًا بين خلع الدكتاتور الآن وخلعه في ما بعد، أو عدم الاضطرار لخلعه مطلقًا. وتجسّدَ هذا الميل الذي انتشر على نطاق واسع في الأشهر الأولى للانتفاضة في تعبيرات متكررة قالت إن “الشعب السوري” ما يزال متخلفًا، أو غير جاهز نوعًا ما للتغيير. إن هذا النوع من التأجيل، المتأصّل في نماذج تحديث إشكالية، والمحوري لطريقة عمل الأوتوقراطية النيوليبرالية، يسمحُ بتأجيل العدالة إلى أمد غير محدد. ثانيًا، وعلى نحو متصل، توحي الذاتية المرتبطة بالأوتوقراطية النيوليبرالية في أبعادها التعاطفية أنه بالرغم من التناقضات الحقيقية بين النيوليبرالية والأوتوقراطية، فإن النيوليبرالية تتوافق مع الأوتوقراطية بطريقة لا تتوافق فيها الليبرالية معها. أما بالنسبة للمتذبذبين فقد تم التوسط لهذا الانجذاب أيديولوجيًا من خلال فنتازيا الخيار الذاتي، لا في شكل فرص حقيقية بقدر ما هو في شكل خيارات تُمَارس لاحقًا. وأُديرَ العمل الأيديولوجي (الذي مارسه النظام أثناء الانتفاضة) لاستمالة الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا أكثر ميلًا للتمرد كي يروا قيمة في الانتظار حتى وقت لاحق.

(*) لم يدعم كثير من المثقفين العلمانيين الربيع العربي، وخافوا من صعود القوى الدينية على كتف الانتفاضات، وقالوا إن انطلاق المظاهرات من المساجد سيقود إلى حكم الإسلاميين، ما رأيك في هذا؟ وما رأيك بفكرة أن الربيع العربي بعامة كشف أن المثقفين العلمانيين كانوا معزولين عن الواقع؟

إن حقيقة أن معظم المظاهرات بدأت في المساجد بعد صلاة الجمعة مباشرة لا تعني أن لها “طبيعة دينية”. فالمساجد أمكنة يجتمع فيها عدد كبير من الناس. وتوقّعَ بعض الناشطين أن يكون هناك عنف أقل في الجامع. لكن النظام نجح في الربح من حقيقة أن بعض المظاهرات نُظمت من الذين يقصدون المسجد، وعزز رؤية عن مخربين دينيين يقومون بتقويض سورية الحداثية والعلمانية. وتمكّن النظام من إثارة القلق لدى الناس من الفوضى واللاتسامح والتعرض للخطر، وبهذا ساعد في إنتاج المشكلات نفسها التي تطلبت تدخله آنذاك.

“حقيقة أن معظم المظاهرات بدأت في المساجد بعد صلاة الجمعة مباشرة لا تعني أن لها “طبيعة دينية”. فالمساجد أمكنة يجتمع فيها عدد كبير من الناس. وتوقّعَ بعض الناشطين أن يكون هناك عنف أقل في الجامع”

وكما تعرف، قام بعض المفكرين اليساريين بمناصرة النظام، أو صمتوا على فظائعه، لكن يجب ألا ننظر إلى اليسار ككتلة واحدة. فقد شجبَ كثيرٌ من اليساريين (في سورية والعالم) النظام، ودعم بعضهم معارضات مختلفة، وهناك منهم من رأى على الأقل أن الدكتاتورية يجب أن تُهزم. ودعم بعض اليساريين التدخل الأميركي، بينما لم يدعمه آخرون. وقلّل بعضهم من أهمية دور المشاعر الطائفية داخل معارضات مختلفة، بينما كان آخرون متنبهين إلى هذه المشكلات. إن النظر إلى اليساريين كأنهم كتلة واحدة إشكالي. يمكن أن تكون يساريًا ملتزمًا، تدعو إلى إعادة توزيع الدخل، وتنتقد الإمبريالية الأميركية، وتنتبه إلى الظلم، وغياب اليقين والاستغلال والعنصرية وقوة رأس المال، وتقتنع أن هنالك عالمًا يؤدي إلى الازدهار الإنساني أكثر من العوالم الليبرالية، من دون أن تشترك في نظام كليبتوقراطي وحشي. ومن الممكن أن تكون، أيضًا، يساريًا ملتزمًا، وتنتقد يساريين آخرين كانت، مثلًا، ثقتهم مفرطة بأن النظام سيتهاوى بسهولة.

(*) يرى البعض أن انخراط الدول الغربية في الربيع العربي، وفي الإطاحة بالأنظمة، أو دعم التغيير، نوع من إعادة هيكلة للأنظمة نفسها، وعودة للاستعمار بوجه جديد، ويهدف الغرب الرسمي من وراء ذلك إلى حماية مصالحه الحيوية. هل يمكننا التحدث عن نوع من الصلة بين سلطات الربيع العربي والنيوليبراليين الغربيين؟ هل يمكن التحدث عن أثر نيوليبرالي في الربيع العربي؟

حسنًا، نحن نعيش في عالم نيوليبرالي، ولهذا سيكون مفاجئًا إذا لم تتأثر مظاهر من الانتفاضة ببنى وافتراضات ومفردات نيوليبرالية. لكنني أفهم من سؤالك هنا أنك تشير إلى الإمبراطورية الغربية والاستعمار. توحي “عودة” الاستعمار بأنه غادرَ. إن الغزو الأميركي للعراق واحتلاله، وتدخّل الناتو في ليبيا، والتدفق المتواصل للأسلحة إلى بلدان مختلفة (مثل دول الخليج)، والتزام الولايات المتحدة الدائم بدعم إسرائيل، والحروب المختلفة بالوكالة التي تشارك فيها الولايات المتحدة، كل هذا يوحي بأن الاستعمار الجديد والإمبريالية قائمان وراسخان، هذا إذا ذكرنا الولايات المتحدة فقط.

هنالك أمر أجده مثيرًا، وهو أن النظام السوري يستخدمُ الصور النيوليبرالية من جديد في محاولاته لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وذلك من خلال، مثلًا، إعادة تأهيل السيدة الأولى، وإنتاج رسائل متنوعة تشدّد على أهمية المجازفة الفردية والمسؤولية والإنجاز. ولكن نوع الإنتاج الرسمي الذي قدّم رؤية لنسخةٍ أخفّ وأرق من حكم الفرد الاستبدادي في فترة (2000 ـ 2001) لم يعد قادرًا على توليد أشكال توظيف الفنتازيا والتذبذب الفعال سياسيًا، الذي وسم تلك الفترة، والسبب هو تدهور الاقتصاد السوري، وفقدان السيدة الأولى لمصداقيتها على نطاق واسع بين السكان الذين كانوا يدعمونها، وعجز النظام عن ضمان الأمن، فيما صارت النيوليبرالية هدفًا للهجوم عالميًا.

*صحافي سوري مقيم في أميركا.

ضفة ثالثة

تحميل كتاب السيطرة الغامضة: السياسة، الخطاب والرموز في سورية المعاصرة

تحميل كتاب السيطرة الغامضة: السياسة، الخطاب والرموز في سورية المعاصرة

تحميل كتاب السيطرة الغامضة: السياسة، الخطاب والرموز في سورية المعاصرة

تحميل كتاب السيطرة الغامضة: السياسة، الخطاب والرموز في سورية المعاصرة

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button