عن اختطاف ” رزان زيتونة ” ورفاقها
جيش الإسلام.. معركة دمشق واختطاف رزان ورفاقها / غسان المفلح
قبل الحديث عن جيش الإسلام، لابد لنا من الوقوف عند دور الإخوان المسلمين في تغطية الاجتياح الجهادي للمشهد العسكري للثورة، هذه الممارسة الإخوانية كان لها دور في بعثرة التمثيل العسكري ومن ثم السياسي للثورة، هو أنّ إعلامهم يحرص على ظاهرة الجيش الحر، بينما في الحقيقة كانت الجماعة تعمل لتشكيل قواتها العسكرية الخاصة، بعيداً من تمثيلات الجيش الحر وتبنّي التحالفات مع قوى جهادية. إعلامهم غطّى مع المموّل الخارجي، بشكل أو بآخر، قيام الشخصيات السلفية الجهادية، التي أطلق سراحها الأسد بعد الثورة، في تشكيل فيالقهم الخاصة: جيش الإسلام وأحرار الشام وفيلق الشام.
هذه الحركة بمساعدة بعض الدول، أدّت إلى استبعاد ضباط الجيش الحر والمنشقّين عن جيش النظام، وإنهاء دور المجلس العسكري الحر للثورة، بما يعني ذلك من شرذمة التمثيل العسكري للثورة. سياسياً وبموازاة ذلك، حاول الإخوان السيطرة على كل مفاصل الثورة، بدءاً من العمل الإغاثي المدني وانتهاء بالائتلاف. دخول القاعدة إلى سوريا، صحيح أنّه تم بفعل دول داعمة، لكن الصحيح أيضاً أنّه تم بفعل الفضاء الذي كرّسته السياسة الإخوانية في مفاصل الثورة. حذرنا من أنّ هذا احتلال، وأنّ أية راية غير راية الثورة هي احتلال ومشاريع غير سورية. بقي سلوك الإخوان، على رغم كل التحذيرات، كما هو.
غطّى سلوك جيش الإسلام بزعامة زهران علوش، كما غطى سلوك أحرار الشام التي لعبت دوراً سيئاً في تسليم الرقة للنصرة ومن ثم لداعش. حتى إنهم لم يتدخلوا في قضية اختطاف رزان زيتونة وسميرة الخليل وناظم حمادي ووائل حمادة، من قبل جيش الإسلام. بقيت تركيا حتى اللحظة مرجعية للجماعة. محاولة إظهار تفهمهم الدائم للسياسة التركية، أدخل المعارضة في تناقضات كثيرة. الآن نحصد نتائجها 2014. هذه المقدمة كتبتها منذ سبع سنوات في مادة خاصة، كنت قد تعرّضت قبلها لجيش الإسلام في إيقافه لمعركة دمشق 2012-2013، حيث كان النظام الأسدي يعاني ما يشبه الانهيار العسكري. هنا لابد أن أشير إلى قضية لم أتأكد منها بالوثائق، لكنها شغلتني في حينها. وما وصلت إليه، أنّ إيقاف معركة دمشق كان أيضاً للشيخ معاذ الخطيب ومن معه في الوصول إلى مساومة مع قيادة جيش الإسلام بألا يحاول دخول دمشق، لهذا كانت مدائح الشيخ معاذ لا تنتهي بزهران علوش. من باب الإنصاف، أيضاً، يمكن الحديث عن وجاهة عدم السماح بتدمير دمشق كونها عاصمة ومكتظة بالسكان، فوق الخمسة ملايين نسمة يعيشون فيها، والنظام مستعد لتدميرها عن بكرة أبيها.
الشيخ معاذ نفسه لم يتدخل في قضية رزان ورفاقها، أيضاً، رغم ما تربطه من علاقة قوية مع قادة جيش الإسلام. هذا أيضاً ما تسرّب لي عن مباحثات جرت في القاهرة بين رجل الأعمال الدمشقي الأسدي محمد حمشو، ومع أنس الكزبري، رجل أعمال أسدي آخر، والشيخ معاذ أثناء توليه رئاسة الائتلاف.
في هذه الاجواء، تمكّن زهران علوش، ومعه قيادة جيش الإسلام، من بناء إمارة في الغوطة، عاصمتها دوما، والانتظار ريثما يأتي الطيران الروسي والجحافل الإيرانية لقتل أهلنا في الغوطة 2018. فيما بعد تم اغتيال زهران علوش، يمكن للقارئ الكريم العودة لكلمة الشيخ معاذ الخطيب في تأبين زهران علوش 29.12.2015، بنى إمارته -هو وقيادته- بأجواء من المساومات أيضاً، وكان لا بد ألا يبقى أي تنظيم آخر في المنطقة غيرهم. حاول وقياداته من بعده تصفية أية جهة أخرى، مثل فيلق الرحمن، ونشبت معارك ضارية بين الطرفين راح ضحيتها 700 شاب من أهل المنطقة. هذه جريمة موثقة أيضاً.
كل المحاولات في حلّ قضية اختطاف رزان ورفاقها لم يرضخ لها زهران علوش وقيادته من بعده، وأصرّوا على الإنكار. أيضاً هذه جريمة لا يمكن لقيادة جيش الاسلام أن تفلت منها. الجريمة الثالثة هي عندما وضع نساء من سكان ضاحية عدرا في أقفاص في الشارع. أيضاً هذه جريمة موثّقة.
بعيداً عن كل الوقائع والمعطيات التي قدّمها ذوي المخطوفين، والتي هي قرائن. رفض حتى الاعتراف بمسؤوليته لناحية أنّه هو من كان يسيطر على المنطقة. رغم أنّ رزان ورفاقها كانوا تحت أنظار علوش وقيادته. تحت الرقابة الدائمة، خوفاً من شعبية رزان ورفاقها في دوما. بالتالي أي كلام عن تملصهم من المسؤولية هو قرينة أخرى تؤكد تورّطهم في الاختطاف. لا يمكن لأية جهة أخرى أن تدخل المنطقة وتختطف المجموعة دون أن تمر برقابة جيش الإسلام، على فرض أنّ هنالك جهة أخرى.
هذه الجرائم الثلاث التي ذكرتها تجعل من البديهي أن يقدّم كل قياديي جيش الإسلام لمحاكمة. أما عن قضية مجدي نعمة المعتقل في فرنسا، والمعروف سابقاً باسم إسلام علوش، فهي رهن القضاء الفرنسي. وإذا كان تعرّض لتعذيب فهو أمر مدان.
يجب الضغط على القيادة الحالية لجيش الإسلام من أجل تبيان مصير رزان ورفاقها. لكون محاكمتهم الآن تبدو صعبة. وهذه مطالبة للحكومة التركية. الدفاع عن قيادة جيش الإسلام هو دفاع عن قضية باطلة.
بقي ملاحظة أخيرة، أنّ الدعم لجيش الإسلام كان سعودياً بالدرجة الأولى، إضافة أنّ السعودية تعرضت لضغط شديد من أوباما لكي تضغط على جيش الإسلام وبقية الفصائل، من أجل وقف معركة دمشق.
بعد هذا الاستعراض السريع لقوى محسوبة على تيارات إسلامية متنوّعة، وكيف تعاملت مع الثورة وقيمها، التي تجلّت في التظاهرات شكلاً ومضموناً. وتجييرها لإسلاميات متعددة ومتناقضة الولاءات السياسية أحياناً. وليس لإسلام واحد، كما تزعم كل جهة منها على حدا.
لهذا قلت يجب أن يحاكم قادة جيش الإسلام في كل ما هو منسوب إليه من جرائم. من جهة أخرى لابد من القول: لو نظرنا إلى من أطلق الأسد سراحهم أول الثورة من السلفيين الجهاديين، بالمعنى الشخصي والعام، “حقهم فرنك مصدي بسوق الغلا”، كما يقول المثل، لولا الداعم الخارجي.
ليفانت
على ضفاف صورة “إسلام علوش”/ محمد ديبو
أثارت صورة الناطق السابق باسم “جيش الإسلام” المعروف باسم “إسلام علوش” (مجدي نعمة) التي تمّ تداولها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين السوريين، أو قسم منهم على الأقل، جدلًا كبيرًا، بين مناصر له ضد “ظلم” و”تعذيب” تعرّض له وشامت به لأنّه يتعرّض اليوم للمحاكمة بسبب اتهامات تطاله بالتورط بجرائم حرب، حين كان عضوًا في “جيش الإسلام”، وهي القضية التي سُجن بسببها في فرنسا منذ التاسع كانون الثاني من عام 2020.
قبل الدخول في حالة الصورة وتفاصيلها، لا بدّ لنا من تأكيد عدّة نقاط، كي لا يكون هناك أيّ خلط قد يشوّش وجهة النظر التي توّد هذه المادة طرحها:
أولًا٬ لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال الدفاع عن جيش الإسلام الذي أقدم خلال تواجده في مناطق الغوطة الشرقيّة على القيام بالعديد من الجرائم المعلنة والموثقة، إضافة إلى الجرائم المتهم بها، والتي يتحمل مسؤوليّة ما عنها بطريقة أو بأخرى (منها جريمة اختطاف وتغييب النشطاء الأربعة: سميرة الخليل وزران زيتونة وناظم حمادي ووائل حمادة)، على اعتبار أنّه كان سلطة الأمر الواقع القائمة في الغوطة الشرقيّة حين حصلت، ناهيك عن التشويه الذي تسبّب به للثورة السوريّة جرّاء العديد من الممارسات التي قام بها، ومنها، على سبيل المثال، وضع الأسرى في أقفاص وعرضهم للفرجة في مشهد مهين ومذلّ لكلّ إنسان.
ثانيًا، باعتبار أنّ مجدي نعمة، كان ناطقًا إعلاميًا باسم “جيش الإسلام”، فإنّ كلّ الاتهامات والجرائم المنسوبة أو الموّجهة لجيش الإسلام تطاله إلى أن تثبت براءته منها، على الأقل في الفترة التي كان خلالها ناطقا باسمه، وبالتالي وهو مسؤول عنها بهذا الشكل أو ذاك، وعليه وحده تقع مسؤوليّة تقديم أدلة تنفي ذلك، ولهذا هو يحاكم اليوم أمام القضاء الفرنسي.
بعد توضيح ذلك، وفيما يتعلق بمسألة الصورة والتعذيب، الذي قد يكون تعرّض له مجدي من عدمه (قال محاميه في لقاء مع قناة الجزيرة أنّ الصورة التقطت بعد أيام من اعتقاله وأنّها صحيحة، وقال الحقوقي محمد العبدالله إنّ المركز السوري للعدالة والمحاسبة قد حصل على جواب رسمي من مصدر في النيابة العامة الفرنسيّة يؤكد صحة الصورة المنشورة)، فإنّ هذه المادة تدافع عن حق المتهم، أيّ متهم كان، حتى أولئك المتهمون بجرائم حرب، بحق حصولهم على محاكمة عادلة ومنع التعذيب بحقهم، وضرورة العمل على الوقوف بوجه هذه الانتهاكات حين تحصل، لأنها تضر أول ما تضر العدالة التي لا ينبغي أن تسيّس أو تجيّر لمصالح هذا الطرف أو ذاك. وعليه، يجب هنا الفصل بين أمرين:
الاتهامات الموجهة لمجدي نعمة، وهي اتهامات مشروعة ومحقة، ومن الضروري أن يحاكم عليها، بل وأن نتمسك باسم العدالة والحقيقة بها حتى النهاية، على أن يترك أمرها للقضاء وحده ليبت بها في نهاية المطاف، وإن كان من الصعب التوقع تبرئته نظرًا لحجم الانتهاكات التي قام بها جيش الإسلام حين كان مجدي ناطقًا باسمه.
كما نتمسك بحق محاكمته عن جرائم منسوبة له، فإنّ العدالة ذاتها، تطلب منا وتدفعنا للدفاع عن حقه بمحاكمة عادلة له، ورفض هذا التعذيب الذي تعرّض له، ومعرفة عمّا إذا كان لا يزال يتعرض لأيّ شكل من أشكال التعذيب أو القسر أو نفي أيّ حق من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها أيّ معتقل أو متهم، لأن أيّ “متهم بريء حتى تثبت إدانته”. وعليه، يتوجب على الجهات الحقوقيّة والإعلاميّة التي رفعت هذه الدعوى، أن تكون هي الأسرع للمدافعة عن حقوقه في هذا المجال، دون أن تتنازل عن حقها بمحاكمته بنفس الوقت، لأنّ ضمان محكمة عادلة له والتأكد من أن المتهم يلقى جميع الحقوق التي هي حق لجميع المتهمين، هي نصرة للعدالة وحقوق الإنسان في نهاية المطاف، إلى أن تقول العدالة كلمتها النهائيّة في التهم الموجهة له.
وعليه، ثمّة أسئلة من المطلوب الإجابة عليها في بيان رسمي من جهة ما: هل تعرّض للتعذيب؟ هل ثمة انتهاك لحقوقه كمتهم؟ هل تعاملت الشرطة الفرنسيّة معه بعنصريّة أو عرضته لتعذيب أو معاملة خارج إطار القانون؟ هل كان يتواصل مع أهله وعائلته بشكل طبيعي؟
هذه الأسئلة من المطلوب الإجابة عنها بسرعة، وعلينا نحن طلّاب العدالة والمؤيدين لمحاكمة إسلام علوش أن نطالب بمعرفتها قبل غيرنا، لأنّ طلبنا العدالة وحقنا في معرفة الحقيقة ومحاكمة كلّ المجرمين لا يجب أن يطغى أو يمر على حقوقهم التي يمنحهم إياها القانون، وهي الحقوق التي نطالب بأن تكون مصانة في سوريا التي ثرنا ضدّ الدكتاتوريّة لأجل تحقيقها.
من جهة أخرى، وعلى ضفاف سجالات السوريين حول الأمر إياه، لاحظنا ظهور الكثير من الحقائق والمعلومات التي تدين جيش الإسلام وممارساته في الغوطة الشرقيّة، سواء اليوم أو بعد خطف النشطاء الأربعة، ما يجعلنا نتساءل: لماذا تأخر هؤلاء في فضح هذه الانتهاكات والجرائم والحديث عنها؟ هل كنّا نحتاج إلى صورة أو خطف النشطاء، حتى نقول الحقائق التي نعرفها؟ ماذا لو لم يتم نشر هذه الصورة أو خطف النشطاء؟ هل كانت بقيت هذه الحقائق طي الكتمان؟ أليس التأخر في قول حقائق كان يجب قولها قبل سنوات، وحين كان جيش الإسلام لايزال قائمًا ومهيمنًا، هو ما تسبب في جرائم أخرى؟.
وأيضًا في مسار أعمق من ذلك: ألم يكن العديد من الأفراد الذين يطالبون اليوم بمحاكمة إسلام علوش ويقدمون الأدلة على انتهاكات جيش الإسلام، هم أنفسهم الذي يُعلون من شأن تيارات إسلاميّة وجهاديّة أخرى ويهللون لانتصاراتها في الشمال السوري أو مناطق أخرى؟ هل يتوازى الكشف عن انتهاكات جيش الإسلام من جهة والسكوت من جهة أخرى (إن لم نقل التهليل والاحتفاء) عن انتهاكات جبهة النصرة أو أحرار الشام أو غيرها من التشكيلات الإسلاميّة والجهاديّة التي تشكلت وأصبح العديد منها اليوم مجرّد مرتزقة لهذه الدولة أو ذاك؟
أول النقد، يجب أن يتركز على البنية الأساسيّة، والتي تقول بأنّ هذه التيارات لم تكن في أي يوم من الأيام سوى خنجرًا في ظهر الثورة السوريّة ومطالبها العادلة والمحقة، بل كانت الثورة المضادة ضمن الثورة، وهي التي لا يزال أنصارها حتى اليوم يستهجنون محاكمة “المنشقين” في كوبلنز أو محاكمة “مجدي” في فرنسا، وذلك لأنّ العدالة والديمقراطيّة وإسقاط النظام وحقوق الإنسان، هي مجرّد شعارات وأدوات للوصول إلى السلطة، وليست بنية ناظمة ومؤسسة لوعيهم وعلاقتهم مع الآخرين. ولأنّنا على خلاف ذلك، تمامًا، أي نريد الحريّة والعدالة لذاتهما، لنا ولكلّ من نخلف معه سياسيًا، فإنّنا نطالب باستمرار محاكمة إسلام علوش، ونقف بنفس الوقت، ضدّ أي انتهاك قد يتعرّض له.
رئيس تحرير موقع حكاية ما انحكت (النسخة العربية). باحث وشاعر سوري. آخر أعماله: كمن يشهد موته (بيت المواطن، ٢٠١٤)، خطأ انتخابي (دار الساقي، ٢٠٠٨). له أبحاث في الاقتصاد والطائفية وغيرها.
حكاية ما انحكت
مصادر: “رزان زيتونة” اختطفها “جيش الإسلام” بأمر من “ماهر الأسد” و”زهران” خضع للابتزاز
جسر – (خاص)
بعد مضي أكثر من عام على الحدث، ثار جدل واسع مؤخراً حول اعتقال “مجدي نعمة” (إسلام علوش)، الناطق الرسمي باسم “جيش الإسلام”، من قِبل السلطات الفرنسية. الجدل المتأخر جاء عقب نشر أُسرة مجدي صورة التُقطت له عقب عملية الاعتقال، وعلى وجهه كدمات.
هذا الجدل الذي دار في أوساط السوريين حول الصورة المنشورة لـ”مجدي”، أعاد مجدداً قضية اختفاء الناشطة الحقوقية السورية “رزان زيتونة” إلى الواجهة، على اعتبار أن اعتقال مجدي يرتبط ارتباطاً وثيقاً باختفاء زيتونة، فاعتقال مجدي في فرنسا جاء نتيجة تحقيقات قضائية فرنسية في قضية اختفاء الناشطة المعروفة ورفاقها (سميرة الخليل، وناظم حمّادي، ووائل الحمّادة)، نهاية عام 2013، في مدينة دوما بغوطة دمشق، والتي كانت آنذاك في قبضة فصيل “جيش الإسلام”.
واكبت “صحيفة جسر” هذا الجدل، وبدأت البحث في خلفيات هذه القضية المهمة، لتقود تحرياتنا إلى معلومات قد تكون جديدة، في قضية اختفاء رزان ورفاقها، ودوافعها والجهات التي تقف خلفها.
نقطة البداية هنا هي معلومات حصرية حصلت عليها جهة موثوقة، قدّمها قيادي سابق في “جيش الإسلام”، والتي حصلت صحيفة “جسر” على نسخة منها.
قيادات “جيش الإسلام” تجتمع بهدف طرد “رزان زيتونة” ورفاقها
تفيد المعلومات بأنه قبل أيام من تهديد “حسين الشاذلي” لـ”رزان زيتونة”، حدث ما يمكن تسميته باجتماع تمهيدي دعا إليه القائد الأمني في جيش الإسلام “عمر الديراني” والملقب بـ(أبو قصي الديراني)، في مزرعة تعرف باسم “مزرعة ذو الهمة شاليش” في منطقة مزارع العب بالقرب من طريق الشيفونية الرئيسي، الذي يربط دوما والشيفونية بمنطقة المرج في الغوطة، حيث تقع هناك مزارع عدة مقابل “فوج النقل”، أو ما يعرف بفوج الشيفونية، الذي سيطر عليه “لواء الإسلام” (الاسم السابق لجيش الإسلام) أواخر سنة ٢٠١٢، وتعود ملكية تلك المزرعة لشخص من دوما يدعى “أبو كاسم الحاج علي”، مالك صالة “قصر الشموع” للأفراح، وكان قد اشتراها من “ذو الهمة شاليش” -ابن عمة بشار الأسد وأحد ضباط المخابرات المعروفين في سوريا- وقد استولى لواء الإسلام على الصالة إضافة إلى مزارع أخرى في الجوار، وحولها لمقرات أمنية، نظراً لتوسطها بين منطقة العب من جهة، ولواء الشيفونية من جهة أخرى، كما أن جميع تلك المزارع كان لها أقبية حصينة نوعاً ما، ما جعلها مفضلة من الناحية الأمنية.
حضر ذلك الاجتماع عدد من القادة الأمنيين في “جيش الإسلام”، على رأسهم “أبو قصي الديراني”، وشخص مثير للجدل اسمه “أبو زينب الأجرودي” الذي كان يقيم في تلك المزرعة بشكل دائم، وكان حينها منخرطاً في “جبهة النصرة”، والذي أكدت مصادر عدة، أنه عاد إلى مناطق النظام، ويعيش اليوم في منطقة جرمانا، وسنعود لتفصيل المعلومات حوله لاحقاً.
ووفق المعلومات التي قدمها الشاهد، فإن أبو قصي قد أوضح أن هذا الاجتماع هدفه اتخاذ قرار بشأن رزان زيتونة، التي وصفها الديراني بـ”الكافرة السافرة”، واتهمها بأنها عميلة للمخابرات الفرنسية والأميركية، إضافة إلى اتهامها بتقديم إحداثيات مقرات “المجاهدين” للمخابرات الأميركية، وطلب من جميع الحاضرين “فضحها” و”كشفها للرأي العام”، تمهيداً لطردها من الغوطة.
وأضاف الشاهد، أنه في اليوم التالي لهذا الاجتماع، انطلقت حملة تحريض على رزان زيتونة، استخدمت فيها واقعة كون رزان زيتونة غير محجبة، لإقناع المجتمع الدوماني المحافظ بأنها “كافرة”، واستخدمت فكرة كونها تعمل لصالح جهات خارجية لتأليب المقاتلين والثوار عليها، بحجة تقديم معلومات عنهم للأميركيين، ثم أرسل الديراني أحد رجاله وهو “حسين الشاذلي” ليهدد رزان زيتونة بالقتل فيما لو لم تغادر دوما، لكن رزان لم تستجب، لا لحملة العلاقات العامة، ولا للحملة الإعلامية، ولا للتهديد المباشر المكتوب، واستمرت في نشاطها وعملها الحقوقي.
“جيش الإسلام” يختطف رزان بأمر من “ماهر الأسد”
يقول مصدرنا، إن الديراني كان يفضل الضغط على رزان، لإرغامها على الخروج من دوما المحاصرة، وليبّلغ النظام بطريق تحركها، فيقبض عليها، وبذلك يتم تسليمها دون أن يتضرر “جيش الإسلام” من ذلك، لكن إصرار رزان على البقاء، قد دفعه إلى “الحل الأخير”، وهو اختطافها بصمت كامل، دون أن يترك أثراً يشير إليه.
المصدر أكد معرفته لاحقاً، بأن هذه العملية تمت وفق صفقة، بين “ماهر الأسد” و”أبو قصي الديراني”، عن طريق مدير مكتب ماهر، إلى جانب رجل الأعمال “محمد حمشو” وشقيقه “أحمد”، إضافة للمدعو “أبو زينب الأجرودي”، ففي تلك الفترة، وعقب هجوم النظام الكيمياوي على الغوطة، كان لعمل رزان الحقوقي، والتقارير التي أنجزتها، أبلغ الأثر في إقناع المجتمع الدولي بارتكاب نظام الأسد لتلك الجريمة، ويقول مصدرنا إن قادة “جيش الإسلام”، كانوا راضين عن عمل رزان على ذلك الملف فقط، والنتائج التي توصلت إليها، كجهة حقوقية مستقلة وذات حضور دولي، وتقيم في عين مكان ارتكاب الجريمة ولم تفارقه.
“زهران علوش” لا علم له وليس بريئاً!
بتصور الشاهد فإن “زهران علوش” ما كان ليقبل بهذه العملية لو علم بها، لاعتبارات تتعلق بمكاسبه السياسية من وجود رزان ورفاقها في دوما، وهنا نود الإشارة إلى أن الشاهد الذي أدلى بهذه المعلومات من المحسوبين سابقاً على خط “زهران علوش” بمواجهة خط الكعكة – ديراني، الذي سنفصل الحديث فيه لاحقاً. وأكد الشاهد أن زهران علوش قد علم بعملية الاختطاف بعد أربعة أو خمسة أيام من وقوعها، وقد أبلغه بها المدعو “أبو علي إدارة” وهو أحد الذين اشتركوا في عملية الخطف، وهو أيضاً أخد الأخوة (أجوة) وهم (أبو علي، وأبو نوح، وأبو عمر)، الذين قتلوا مع “جيش الإسلام”. وتمت تصفية “أبو علي الإدارة” (أجوة)، بشكل مؤكد من قبل أبو قصي الديراني، بحسب مصادر عدة في دوما.
أما عن موقف زهران علوش حينها، فيقول المتحدث أنه لم يكن قادراً على فعل أي شيء إزاء الديراني، الذي كان قد أصبح يسيطر فعلياً على أهم مفاصل “جيش الإسلام”، وأصبح الانقسام بين حلف زهران من جهة، وحلف الكعكة – ديراني من جهة أخرى، شبه علني، ويهدد بتدمير الجيش برمته.
يسرد الشاهد المزيد من التفاصيل الدقيقة حول الموضوع، ويقول إن “جيش الإسلام” لم يكن تنظيماً واحداً متماسكاً كما يبدو عليه الأمر، بل كان عبارة عن كتلتين متنافستين، الأولى بقيادة زهران علوش، ومعه مجدي نعمة بطبيعة الحال، مع آخرين، والثانية بقيادة عبد الرحمن كعكة، شرعي الفصيل، وأبو قصي ديراني، قائد جهاز المخابرات في الفصيل. والانقسام هذا قائم على خلفيات عائلية وتوازنات قوى اجتماعية في مدينة دوما.
ويضيف المتحدث بأن أبو قصي بوصفه القائد الأمني، كان المسيطر الفعلي على المعابر بين الغوطة المحاصرة والنظام، وكل ما يمر عبرها، ويماثله على الجانب الآخر منها – أي من جانت النظام- محمد حمشو، رجل ماهر الأسد، وثمة من يتحدث عن صلة ما بين الديراني وحمشو منذ ما قبل الثورة، وقد كان صلة الوصل بين محمد حمشو والديراني، شقيق كبير في السن لمحمد حمشو يدعى “أحمد” على الأغلب، عرف بتدينه وقربه من الأوساط الإسلامية سابقاً.
إن معلومات الشاهد القيادي في “جيش الإسلام”، القائلة إن زهران لم يكن على علم بخطف رزان، وإن أبو قصي قد نفذها بشكل منفرد لمصلحة جناحه، هي معلومة بحاجة إلى تدقيق، على اعتبار أن القيادي الشاهد، من جناح “علوش” ومن مصلحته أن يبرّئ الأول ويحمل الثاني مسؤولية هذه الجريمة.
الشاهد شدد على فكرة أن علم قائد “جيش الإسلام” زهران علوش بهذه الواقعة جاء بعد أربعة أو خمسة أيام، ولم يكن راضياً عنها، إلا أن الاعتراف بمسؤولية الفصيل الذي يتزعمه عن العملية، كان سيشكل له مأزقاً كبيراً، ففضل الصمت، لا بل التستر على الجريمة، والقسم (الحلف)، بعدم علمه بها، وهو أمر صحيح بصورة مبدئية، أي أن الديراني لم يطلعه عليها حين حدوثها، لكنه علم لاحقاً بالمصير الذي آلت إليه رزان ورفاقها.
لماذا اختُطفت “رزان زيتونة”؟
أما عن سبب عملية الاختطاف، والتي أمر بها ماهر الأسد شخصياً، فيفسره الشاهد وهو القيادي في “جيش الإسلام”، بالجهد الاستثنائي الذي بذلته رزان زيتونة ورفاقها في قضية الضربة الكيميائية في الغوطة، يوم ٢١ آب ٢٠١٣، حيث قدمت رزان كافة الوثائق والمعطيات الحقوقية، شديدة المهنية، التي تثبت ضلوع نظام الأسد بجريمة ضد الإنسانية، وكان ماهر الأسد على استعداد لدفع أي ثمن مقابل التخلص من رزان ومجموعتها.
المصدر لا يعرف على وجه الدقة ما يمكن أن يكون ماهر الأسد قد قدمه للديراني وجناحه، مقابل التخلص من رزان زيتونة، حيث لم يكن هذا الجناح على وجه التحديد، راض لا عن عملها ولا عن وجودها في دوما على أي حال، نظراً لمنافستها لهم على تمثيل القضية السورية، وعلى الجمهور من السكان المحليين، وأيضاً لعملها الحقوقي الذي بدأ يتناول انتهاكات “جيش الإسلام”، وبجانبه الأمني بالذات.
هنا تنتهي إفادة أو رواية القيادي السابق في جيش الإسلام، والتي بدأت “جسر” بالتحقق ما أمكن من جزئياتها عبر أطراف ومصادر أخرى، على صلة بالقضية، في محاولة للتأكد قدر الإمكان من صحتها، لكن ونظراً لحساسية وخطورة المعلومات، رفض معظم المتحدثين كشف هوياتهم.
“زهران علوش” يخضع للابتزاز
بحثنا في الخلافات داخل “جيش الإسلام” حيث أكد معظم من التقيناهم بأن الجيش ومنذ سنة ٢٠١٣، بدا ذو جناحين، ينقسم أيديولوجيا إلى جناح ميال لـ”ابن عثيمين” وجناح آخر يميل لـ”الألباني”، وهما الجناحان السلفيان في الغوطة، حيث يعد جناح الألباني أكثر تشدداً، ويمثله سمير كعكة وأبو قصي الديراني، بينما يمثل جناح ابن عثيمين زهران علوش، والمحيطين به، وأحدهم مجدي نعمة، المعتقل الآن في فرنسا، والذي ينتظر محاكمته بتهمة المشاركة في مسؤولية خطف وإخفاء رزان ورفاقها.
وثمة شواهد عدة على هذا الخلاف، منها تصريحات علنية لزهران علوش، لكن ما يلفت النظر حقيقة، هو ما نشره حساب مناوئ لحلف كعكة – الديراني، يدعى “تروجان الثورة”، والذي نشر في آواخر العام ٢٠١٩ منشورا على حسابه في تليغرام، قال فيه: “أقدم المدعو عمر الديراني، على تثبيت كاميرات مراقبة مخفية في مكتب زهران علوش (في مقره) وقام بتشغيلها للتصوير والتسجيل مع علمه بوجود حريم (زوجة زهران) في المكتب، وتمكن من الحصول على مقاطع فاضحة جداً لزهران علوش وتم حفظها في هاردات خارجية ما تزال موجودة لدى أبو قصي حتى اللحظة”، وأضاف: “القضية ليست هنا فقط – بل قام أبو قصي بإبلاغ زهران علوش بأن لديه مقاطع له بأوضاع مخلة بالآداب وقام بتهديده بها “.
وتابع: “زهران علوش في تلك الفترة بدا كالأسير لديه – ولم يستطع فعل شيء – نعم يا إخوتي وسيتفاجأ كثيرون بأن زهران صاحب الشخصية القوية الجبارة كان بهذا الضعف!! حتى أنه بكى عدة مرات من شدة حزنه مما فعل أبو قصي”.
من يدعو نفسه بـ”تروجان الثورة”، ويبدو أنه شخص من حلف زهران علوش، واسع الاطلاع، أشار في ذلك المنشور إلى أن “القضية هذه كانت أشبه بنقطة فاصلة في الصراع بين حلف كعكة والديراني على حلف زهران علوش والأجوة، وجعلت لأبو قصي سلطانا كبيراً على الجيش بأكمله، مكنه حتى من إرغام زهران علوش على قبول قضايا كثيرة بالإجبار كان أهمها تنصيب مدير مكتبه وعناصر مكتبه من أشخاص يفرضهم أبو قصي بنفسه، وكان أهمهم أبو محمد الفاروق (كرم موسى) وقبل به زهران مجبراً وانتهى به الحال مقتولاً في ظروف غامضة، بعد تحركه في ذلك اليوم إلى أوتايا وامتناع كرم موسى من مرافقته فقط في ذلك اليوم”.
منشور المدعو “تروجان الثورة”
ولأن القائم على هذا الحساب شخص مجهول، بحثنا عن مصادر أُخرى تدعم روايته. حيث أكد لنا شخصان لا يعرفان بعضهما، ومن ذوي الاطلاع الجيد على أحوال “جيش الإسلام” الداخلية، وجود مقطع الفيديو هذا، بل ومشاهدتهم له، ووصفا مشاهدتهما له بشكل دقيق ومتطابق، رغم عدم معرفتهما ببعضهما البعض، ما سمح لنا باتخاذ قرار نشر معلومات حوله.
قال الشاهدان، إنه قد عرض عليهم فيديو قصير، بغرض البيع، أحدهما عرضه عليه أحد العاملين السابقين في مكتب “زهران علوش”، والأخر عرضه عليه وسيط، وكان مطلوباً كثمن له مبلغ ٢٠ ألف دولار، وارتفع لاحقاً إلى مئة ألف دولار، ووصفا التسجيل كالتالي: “يتم إنزال كاميرا عن طريق حبل أو بأداة طويلة، حتى تقترب من نافذة غرفة ما. تظهر في الغرفة فتاتان مراهقتان (١٧ سنة تقريباً)، وبعد مدة من الزمن يدخل إلى الغرفة زهران علوش، مرتديا فانيلا وشورت، ويبدأ بالحديث غير المسموع مع الفتاتين مع ملاطفة إحداهن على نحو خاص، والتي كانت تبدو حزينة أو غاضبة، ويحاول هو استرضاءها، وتبدو العلاقة ودية وحميمة للغاية بينه وبين الفتاتين. لاحقاً ينسحب زهران، بعد أن يسترضي الفتاة الغاضبة، ويغادر ويغلق الباب”.
حتى الآن يبدو الفيديو ليس بتلك الأهمية التي تجعل زهران يبكي “من شدة الحزن” كما وصف تروجان الثورة، لكن سيبدو الأمر شديدة الخطورة، حين نعلم أن هاتين الفتاتين، هما جزء من حصة زهران علوش من سبايا مدينة عدرا العمالية، حيث بلغت حصته أربع فتيات!
الفتاتان معروفتان بشكل كاف، إحداهن قد أُطلق سراحها لاحقاً، فيما قتلت الأخرى بقصف جوي، أما مكان التصوير فهو في مبنى الزراعة بدوما، الذي كان أحد مقرات زهران علوش السرية للغاية.
من هو “أبو قصي الديراني”؟
بداية، لا بد من التحقق من شخصية المتهم الأساسي في هذه القضية، وهو أبو قصي الديراني، وقد أفادت المصادر التي تواصلنا معها، وهي من الأكثر اطلاعاً على الوضع الداخلي في “جيش الإسلام”، بأنه يدعى “عمر الديراني”، في الأربعينيات من عمره، ولا يحوز أي شهادة علمية، ويقتصر تحصيله على بعض الدروس الدينية التي تلقاها لدى الشيخ “عبد الله علوش” -والد “زهران علوش”- منظر السلفية الأول في دوما، والذي توفي السنة الماضية بفيروس كورونا في إسطنبول. ومن المؤكد أن الديراني سجن في صيدنايا قبيل الثورة على خلفية هذا الانتماء، لكن المدة غير معلومة، وثمة من يقول إنها لا تتجاوز الشهر، وكان يعمل قبيل الثورة في محل لتصنيع الخيم (الشوادر) عائد لعائلته، التي تعتبر من العائلات المتوسطة في دوما.
التحق الديراني بـ”جيش الإسلام” -كان اسمه حينها لواء الإسلام- بداية سنة ٢٠١٢، عند خروج الشيخ كعكة من السجن، وكان هو من زج به مباشرة في الجهاز الأمني للتنظيم الناشئ، وما لبث أبو قصي الديراني أن سيطر على الجانب الأمني بقوة تعدادها في ذلك الحين نحو ١٠٠٠ عنصر أمني، وتوسع جهازه بعد ذلك وسيطر على مفاصل هامة، على رأسها المعابر التي كانت شريان الحياة الحقيقي للغوطة، في ظل حصار النظام للمنطقة. ووفق من قابلناهم، فإن ارتباطات وعلاقات الديراني بالنظام تبرز أكثر ما تبرز هنا، إذ من المستحيل أن تعمل تلك المعابر دون وجود تفاهمات وعلاقات مع أطراف من مخابرات النظام، وعليه، رجح جميع من سألناهم، من سكان دوما في تلك الفترة، حول إمكانية أن يعقد أبو قصي الديراني صفقة مع النظام حول رزان زيتونة، بأن الفكرة معقولة جداً، خاصة في ظل الخطر الذي شكلته أنشطة رزان في دوما الحقوقية والمدنية، على “جيش الإسلام” وعلى جهازه الأمني تحديداً، الذي كان قد ارتكب حتى ذلك الحين كماً هائلاً من الجرائم والانتهاكات.
من هو “أبو زينب الأجرودي”؟
جمعنا معلوماتنا حول المدعو “أبو زينب الأجرودي” من شخصين قابلاه مرات عدة، وكان خلاصة ما عرفنا عنه، أنه في بدايات عمليات الانشقاق ظهر في الغوطة رجل طويل القامة، ذو لون مائل إلى الأحمر، أمرد لا يوجد شعر لا على رأسه ولا على حاجبيه ولا شاربيه ولا لحيته، وعمره حينها في أواسط الثلاثينيات، يدعى أبي زينب، وكان يقتاد عناصر منشقين إلى الغوطة، ويوزعهم على الألوية العاملة هناك. وفي منتصف سنة ٢٠١٣ انضم إلى مكتب المنشقين التابع لـ”جيش الإسلام”، ثم اختلف مع الفصيل عقب الشك به بتسريب معلومات عن شاحنة سلاح مرسلة إلى داريا، فهرب إلى فصيل “فيلق الرحمن”، لكن “عبد الناصر شمير” ارتاب به فطرده، بعد ذلك انضم إلى “جبهة النصرة”، وعندما حدث الانشقاق بين النصرة و”داعش” انضم إلى “داعش”، لكن عندما شن “جيش الإسلام” حملة على الدواعش، واعتقل عدداً منهم، عاد أبو زينب مجدداً إلى صفوف “النصرة”، وبقي يتردد إلى “جيش الإسلام” وبقية الفصائل ويقدم خدمات مشبوهة، تتعلق بصفقات مع النظام، منها وساطة شهيرة فوضته بها الفصائل، وخرج على أساسها من الغوطة لمقابلة ضباط من النظام، من أجل اخراج مقاتلي “جيش الإسلام” المحاصرين في منطقة المليحة .
لكن القطيعة حدثت بين “جيش الإسلام” وأبو زينب الأجرودي عندما أطل النار على أحد عناصر الفصيل وقتله، عند مداهمة الجيش لمنزل كان فيه الأجرودي، بهدف القبض على شخص من “داعش”، وهرب أبو زينب إلى برزة والقابون ليعمل مع الفصائل هناك، لكن “جبهة النصرة” اعتقلته، وأودع في أحد سجونها، وبقي هناك حتى الاقتتال الثاني بين “جبهة النصرة” و”جيش الإسلام”، حيث عثر عليه مقاتلو الجيش في سجن الأفتريس، التابع للنصرة، وتسلمه أبو قصي الديراني، الذي حقق معه هو وشخصين آخرين فقط هما “أبو أحمد شامية” (قتل في منطقة الباب مؤخراً) والأمني “أبو علي حديد”، واحتجز أبو زينب بعد ذلك في سجن الكهف، الذي يخفي فيه أبو قصي أخطر وأهم المعتقلين.
وقبيل عملية التهجير تم إطلاق سراح الأجرودي ليخرج إلى مناطق سيطرة النظام، بينما قال آخرون إنه شوهد في الشمال المحرر أولاً، ثم عاد إلى منطقة جرمانا، حيث يعيش الآن في بيته هناك. وذكر أحد شهودنا أن أحد معارفه اتصل به منذ أشهر أمامه، وسأله عن مكان إقامته، فقال له إنه في دمشق، لأن ثمة مسائل ما تزال عالقة بين “جيش الإسلام” والنظام، ويعمل على حلها.
مصدرانا اتفقا على أن أبو زينب هو من دير الزور، وأكد الأول أن اسمه إسماعيل، فيما لا يعرف أي شخص اسم عائلته، وأن عمله مع أجهزة النظام الأمنية يمتد إلى ما قبل الثورة، حيث أنه على صلة بملف الجهاديين في العراق، وصلته غالباً، بالمخابرات الجوية. أما المصدر الآخر فأكد أنه لا أحد عرف اسم أبو زينب الحقيقي، وأنه على الأغلب صف ضابط في جهاز أمن الدولة.
نقل لنا مصدر موثوق المعلومات التالية: “عقد بتاريخ 26 شباط/ فبراير من العام الجاري 2021، يوم الجمعة بعد صلاة الظهر، بمزرعة المدعو أبو صبحي الغريب بمنطقة الباب وحضر ضمن الاجتماع العديد من الشخصيات العسكرية والإعلامية من معظم فصائل المعارضة في الشمال (الحمزات، والسلطان مراد، وفيلق الشام) وعدد من الناشطين الثوريين والإعلاميين ضمن مناطق الشمال المحرر، وقد حضر الاجتماع عدد كبير من قيادات جيش الإسلام الأمنية والشرعية وعلى رأسهم أبو قصي الديراني، باستثناء عصام البويضاني وعبد الرحمن كعكه، وكان الاجتماع تحت حراسة أمنية مشددة ، وخضع كل من يدخل للمزرعة للتفتيش، مع تسليم كافة الأجهزة التقنية من جوالات وكاميرات ولابتوبات، إضافة إلى الأسلحة الفردية قبل الدخول”.
المصدر أكد أن أبو قصي الديراني طرح في الاجتماع قضية (إسلام علوش) على جميع الحاضرين ومما قاله: “التواصل المستمر مع عائلة اسلام علوش و التنسيق معها من أجل قضيته و العمل على إخراجه من المعتقل، والواجب علينا نحن كعسكريين و إعلاميين و نشطاء ثوريين الوقوف مع المجاهد المظلوم لفك أسره من أيدي عملاء النظام في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير لتبرئته من هذه الاتهامات، لأن إسلام كان رمزاً يقتدى به بحسن خلقه و تعامله، وهو شخص انشق عن النظام الكافر و كلنا نعلم بأنه دخل الغوطة الشرقية و من ثم خرج إلى الشمال ومنها إلى تركيا دون أي رتبة عسكرية، هو فقط المتحدث الرسمي باسم جيش الاسلام و بصفة مدنية”.
وأضاف: “عميل النظام (مازن درويش) وحثالته المحيطة به، هم من يلصقون التهم الموجهة له بحق غير شرعي وأكاذيب تهدف لإثبات تورطه من خلال استجلاب شهود وضحايا يتم توجيهيهم فقط لإعطاء الشهادات الكاذبة ضد المجاهد المظلوم إسلام. يتوجب علينا اتخاذ خطوات إعلامية وحقوقية تدين مازن درويش ومن معه بتورطه بالعمالة مع النظام الكافر”.
وشدد الديراني في حديثه على أنه “يجب علينا من اليوم أن نجهز أكبر عدد من الشهود لإثبات براءة إسلام من التهم الموجهة إليه مع الزخم الإعلامي على كافة المستويات العسكرية والحقوقية والمدنية والعمل على تشكيل كتلة، تضم كافة النخب الثورية المدنية والعسكرية على كافة الأصعدة لمحاربة هؤلاء الذين يقومون بالطعن بخاصرة المجاهدين المحاربين للنظام” مضيفاً “يجب القيام بدراسات أمنية مفصلة عن كل شخص تتوقعون انتماءه أو تعامله مع هؤلاء الاشخاص بشكل مباشر، لكي يتم التصرف معهم بشكل قانوني وضمن الشريعة الإسلامية التي أُسسنا عليها منذ نشأة جيش الإسلام والذي تعلمناها من شيخنا قمر الجهاد زهران علوش رحمه لله”.
وتابع: “أرجو من الإخوة الإعلاميين العسكريين أن يتشاورا فيما بينهم لعقد اجتماع مصغر مع الأخ جمال الخولي والأخ براء عبد الرحمن يوم غد، لترتيب أولويات الأمور الإعلامية والتنسيق فيما بينكم ليكون لدينا هدف إعلامي موحد وموجه ضمن هدف واحد نعمل عليه وننطلق به، ضد أي ثغرة تواجهنا ومن أجل البحث والتنسيق عن أشخاص من المتوقع أنه تم التواصل معهم بملف إسلام علوش، أو يعملون ضمن هذا المركز التابع لكفرة النظام”.
ومن الإعلاميين الذين حضروا الاجتماع بحسب المصدر “عبد الرحمن طفور”، و”زكوان كوكه”، و”رسلان رسلان”، و”يمان السيد”، و”عارف وتد”، و”أبو العباس حمزة عباس”.
ومن اللافت في هذا الاجتماع، شبهه الشديد باجتماع مزرعة ذو الهمة شاليش سنة ٢٠١٣، من حيث التجييش والتحريض ضد جهة حقوقية، بالتزامن مع إطلاق هذه الجهة العمل على ملفين يخصان جرائم الكيمياوي، الأول في ألمانيا، تحت الولاية الدولية، والآخر في فرنسا، كدعوة شخصية، تقدمت بها مواطنة فرنسية، تعرضت للإصابة نتيجة الضربة الكيمياوية سنة ٢٠١٣، حيث وجه الاتهام مباشرة في هذه القضية إلى ماهر الأسد شخصياً، بالمسؤولية عنها، وهو ما قد ينجم عنه حكم قضائي مبرم في فرنسا بتجريمه.
جسر