عن تطبيق ” كلوب هاوس”
———————-
هل تصنع ملايين الغرف بيتاً؟/ ديمة ونوس
من نجا منّا من الموت، لم ينج من العزلة. نهشنا الصمت. انكمشت المشاعر وضمرت القدرة على التعبير. لا جديد نبوح به لبعضنا بعضا. لا تجارب جديدة نتفاخر بها. ولا أماكن بعيدة أو قريبة نزورها فيستغرقنا الحديث عنها زمناً يمتدّ إلى حين نزور مكاناً آخر. لا شيء على هذه المساحة الشاسعة من العالم، سوى الصمت. ولو حدث أن تواصلنا، فلم يكن الحديث سوى صفصفة كلام واختراع شاقّ لمشروع حديث مثمر ومحاولة عابثة لإخفاء الريبة والقلق من أن نُبتلى بالمرض. بعد سنة من تلك العزلة ومن ذلك الضمور والانكماش، يصعب تأمّل ظاهرة الـ”Clubhouse” بمعزل عن جائحة كورونا وعن التعب الهائل الذي ألمّ بنا. الحياة تذوي يوماً بعد يوم ونحن نراكم الخوف من ألا تعود إلى إيقاعها الماضي. ذلك الإيقاع نفسه الذي عشنا سنوات نرفضه، نحتجّ، نمرّر عبره الصباحات والمساءات في انتظار إيقاع آخر، لم يأتِ ولن يأتي، إيقاع مثالي، يمنح الرضا والامتلاء.
التطبيق الذي تواطأ مع إيقاع الحياة الجديد، واستقرأ طبقات الصمت التي سنلوذ بينها، اكتشفه معظمنا حديثاً، بعد مرور عام على اختراعه. إلا أنه وصلنا أخيراً، فهرولنا إليه، الواحد تلو الآخر. رحنا نتسلّل إلى غرفه ونتنطّط بين موضوعاته الكثيرة والمتنوعة ونتلصّص على هويات المشاركين في أحاديثه وحواراته. جاءنا ونحن جاهزون تماماً لتبديد الزمن والاستغناء عن ساعات طويلة كنّا نستغرقها في لملمة أخبار المرض والموت. دلفنا إليه وبات التملّص منه صعباً. كل يوم، نعثر فيه على أصدقاء جدد لم نلتقِ بهم منذ مدة طويلة. واللقاء بهم عبر تلك المنصّة لا يشبه أي لقاء آخر، لا افتراضي ولا فعلي. فأنت لو كنت تحدّث صديقك عبر الهاتف في هذه اللحظة عن الأكلة التي اخترعتها اليوم أو عن الطقس أو عن لعنة هذا الإغلاق المنهك، ستلتقي به بعد لحظات في الـ”Clubhouse”، فتجده متحدّثاً لبقاً، بليغاً. تتخيّله متأنّقاً يجلس على منصّة من تلك المنصّات التي كنّا قبل الجائحة نجلس أمامها في قاعة ما أو مسرح. في لحظات قليلة جداً، ستفتقد صوته الطري والعذب وستسمع صوتاً جديداً محاوراً ومحاضراً. ولو أردت التحدث وأتيحت لك المشاركة، فسيفتقد هو أيضاً لصوتك الطري والعذب، لا بل ستفتقد أنت أيضاً لصوتك إذ يطالبك التطبيق بالتحدّث وإبداء الرأي والمشاركة بصناعة الأفكار.
يبقى السؤال الكبير: هل أتانا التطبيق ونحن بأمسّ الحاجة إلى الإصغاء، نتشوّق لسماع الآخر، أم أننا اكتشفناه ملتاعين من الصمت، تقتلنا الحاجة إلى الكلام والتعبير. وليس الكلام هنا مجرد كلام فالجلسة التي كانت تجمعنا سابقاً تحولت من جلسة خاصة إلى أخرى عامة، مفتوحة على كل الاحتمالات، لا أبواب توصد خلفنا، ولا مجال للتمتمة أو الوشوشة. ما كنّا نناقشه بتحفّظ أو بشكل خاص، بات مشاعاً، عامّاً، وقد استحضرنا شهوداً لا نعرفهم ولا يعرفوننا، استدعيناهم إلى الطاولة ليصوّبوا أفكارنا ويحكموا عليها وربما ليحاكموها. حديث خاص والدعوة عامة، أكثر عمومية من أي نشاط قد تنظمّه مؤسسات كبيرة في رصيدها سنوات من الخبرة في الإعلان والانتشار والوصول إلى كل المنصّات. فالدعوة هنا مفتوحة لكل من يرغب، بغض النظر عن الهوية والجغرافيا والثقافة والتجربة. وكما أن الدعوة مفتوحة وليس ثمة أسهل من التسلّل إلى الغرفة، أيضاً ليس ثمة أسهل من الهرب والتنقّل من حديث إلى آخر. يغيب التردّد أو التريّث عن ذلك البيت بغرفه التي لا تعدّ ولا تحصى. فبعد أن انشغل الكائن العربي خلال السنوات العشرة الماضية بشكل خاص، بموضوع التوثيق والذاكرة الجمعية، يغيب في ذلك المكان كل دليل على الكلمة والعبارة والرأي. قل ما شئت كيفما شئت، لا أثر تمحوه خلفك. لا خوف من الملاحقة أو المحاسبة. البعض ظنّ أن المكان تشجيع للتفوّه بكل ما هو سطحي وتافه. إلا أن تجاهل أهميته (على خطورتها) لا يخلو من الاستعجال. فما يصعب طرحه في الإعلام وفي وسائل التواصل التقليدية، يُطرح اليوم في تلك الغرف المفتوحة على مساحة تستوعب خمسة آلاف زائر من أصل ملايين المستخدمين. أسابيع قليلة فقط تكفي لتبديد سنوات طويلة أمضتها حكومات عربية بتحميل الشارع مسؤولية الانهيار والتخلّف وتجاهل القانون والجهل. لسنوات طويلة، ظنّ كثيرون أن المقدّسات التي لا نجرؤ على المساس بها، ليست سوى اختراع فرضته الثقافة الشعبية والتقاليد والخوف من التغيير. وما إن استرقنا السمع إلى الجلسات العامة التي تنطلق من بلد عربي ويشارك فيها مستخدمون من بلاد عربية أخرى، حتى مسّتنا الدهشة لأننا نجهل بعضنا بعضاً، ولأن كذبة التعميم انطلت علينا. وليست العناوين وحدها هي الجريئة، بل أيضاً الأفكار وإدارة الحوار وتلاشي الحدود.
التطبيق الأكثر شعبية اليوم، يطرح كثيراً من التحدّيات، وأكثر تلك التحدّيات سيواجهها ربما الرقيب شخصاً كان أم جهازاً مهمّته التنصّت والتوثيق. عنصر المخابرات الذي كان يقرأ منشورات لمعارضين ويفتّش بين التعليقات على ما يخدم مهمّته، سيكون اليوم جزءاً من الحوار، مستمعاً وربما مشاركاً وقد يروقه الموضوع. التحدّي الآخر سيعيشه زائر تلك الغرف مع أفكاره وقدرته على تجاوز المحظور وعلى التماهي في كلامه مع قناعاته وما يُعرف عنه وما يُنتظر منه. كل مستخدم بات محاوراً، إعلامياً، مساهماً في صناعة الرأي العام. وكل المواضيع باتت قضية رأي عام، حتى زواج فلان الذي لا نعرفه ولم نلتق به يوماً تحوّل إلى قضية مطروحة للنقاش قبل أيام مثلها كمثل التطبيع أو الربيع العربي أو العروبة أو الهوية.
تلفزيون سوريا
———————————
جولة في “كلوب هاوس”..ما يُقال فيه لن يبقى داخله/ نور صفي الدين
تخيل أنه بإمكانك أن تضع هاتفك الى جانبك وأنت تستمع لمواضيع كانت تخطر في بالك لكنك لم تجد من تتحدث اليه حينها. وفيما أنت جالس في كرسيك في المنزل منشغل بشرب القهوة، وتتنقل في أرجاء هذا العالم وفي تفاصيله من دون موعد أو تخطيط مسبق أو دعوة خاصة، فتدخل الى غرف تجمع الملايين من الأشخاص من مختلف الجنسيات، أرادوا إطلاق العنان لإشباع شهوتهم بالكلام أو تغذية فضوليتهم بالمعرفة عبر الاستماع. وبالفعل تخطى الصوت حدود إمكاناته وعَبَر جغرافيا العالم!
منذ بداية فبراير/شباط، لوحظ ارتفاع كبير في تحميل تطبيق “كلوب هاوس” لدى الاشخاص الذين يحملون هاتفاً من نوع “آيفون”. أثار هذا التطبيق الذي يشبه “الراديو الحر” ضجة واسعة في صفوف الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، كما ورافقته مجموعة من التحفظات والمخاوف.
ففي عصر الصورة، دخل هذا التطبيق مستنداً على المحادثات الصوتية فقط ومعيداً للاتصال الصوتي في “الفضاء الالكتروني” مكانته. وفي أقل من سنة على ظهوره، أصبح اليوم من أكثر التطبيقات شهرة حول العالم.
ما هو تطبيق كلوب هاوس؟
الصوت هو المحرك الأول في “كلوب هاوس”. الدردشات الصوتية الموزعة على شكل غرف هي التي تشكل محور عمل التطبيق. الى اليوم، ما زال التطبيق محصوراً بمستخدمي برامج “أي أو إس” المشغلة لأجهزة “آبل”، مما جعل العديد يتهمون “كلوب هاوس” بالنخبوية والفئوية، رغم محاولات بعض المبرمحين على استحداث نسخة شبيه له يمكن تنزيلها على أجهزة أندرويد.
وللحصول على التطبيق يمكنك تحميله من منصة “آبل ستور”، لكن تفعيل التطبيق يستدعي منك الحصول على دعوة من مشترك حالي يسمح له التطبيق بعدد محدود من الدعوات. ويبدو أن هذا الدخول المشروط هو جزء من العمل التسويقي كون التطبيق لا يزال حديث الولادة. وفي حركة غير متوقعة، عمد بعض المشتركين الى بيع هذه الدعوات على موقع “ايباي” حيث وصل سعر الدعوة الواحدة الى 125$.
للوهلة الأولى، وفور الدخول الى التطبيق، قد تشعر أن المكان مزدحم، وتعمّ فيه الفوضى والحماس نظراً لكثرة الغرف المفتوحة وكثافة المواضيع. فقد تظهر أمامك غرفة بعنوان “الإسلام السياسي”، وأخرى عن “أسباب الانفصال في العلاقة” وغيرها مثل “ترشيحات المسلسلات والأفلام” و”علم الفلك”.. ويرتبط هذا التنوع في المواضيع الى حدّ ما بتفضيلاتك وهواياتك والمواضيع التي تهتم بها واللغات التي تريد أن تتوفر لديك والتي قد طلب منك التطبيق إدخالها في وقت سابق.
ويعبر بلال عن مدى اعجابه بهذا التطبيق ويقول: “ما رأيته أن كلوب هاوس ممتع جداً وثريّ وسهل الإستخدام خصوصاً للأشخاص الذين يبحثون عن المعرفة المتخصصة، أو أن يستمعوا من الناس مباشرة لآرائهم حيال أي شيء، والتعرف على الأمور والقضايا من وجهة نظر الأفراد”. ويرى بلال أن سهولة التطبيق وسلاسته أيضاً هي محط إعجابك كونك تستطيع بنقرة زر واحدة أن تصبح في ندوة ويحق لك الكلام.
الميزات
ما يميز هذا التطبيق عن غيره مثل “انستغرام” و”فايسبوك” أنك لا تحتاج الى متابعة شخص ما لتتمكن من الوصول الى محتوى صفحته إذا ما كانت مقفلة، يكفي أن تنضمّ الى الغرف الموجودة التي تظهر أمامك من دون أن تنتظر اذن الموافقة لتتمكن من الاستماع الى المواضيع التي تناقش.
فالغرف الموجودة في “كلوب هاوس” هي غرف متاحة لكل من يرغب في دخولها. وتوجد ثلاثة أنواع من الغرف على التطبيق: الغرف العامة (متاحة للجميع)، الغرف الاجتماعية (متاحة لمتابعي من يدير الغرفة)، الغرف الخاصة المحصورة بالأشخاص المدعووين.
ويسمح هذا التطبيق لخمسة آلاف مشترك كحد أقصى في الغرفة الواحدة مما جعل العديد من المشتركين يقومون بتسجيل الجلسة وبثها عبر قنواتهم في “يوتيوب” كون التطبيق لا يمتلك خاصية إعادة البث أو مشاركته.
متى ظهر هذا التطبيق ولماذا الإقبال المتزايد عليه اليوم؟
تم انشاء “كلوب هاوس” في الولايات المتحدة الاميركية في الفترة التي كان يشهد فيها العالم بداية جائحة “كورونا”. وقد أورد التطبيق في التقديم أنه “في الأشهر الثلاثة الأولى كان المشتركون يعبرون عن انتقاداتهم لقرارات المحكمة العليا ومشاعرهم الغاضبة تجاه مقتل جورج فلويد، بالإضافة الى تحديات العمل والدراسة عن بعد في ظل أزمة كورونا”.
هذه المنصة التي لم تكن تحتضن سوى 1500 مشترك في مايو/أيار الماضي، سرعان ما نمت اليوم ليتخطى عدد مشتركيها عتبة الثمانية ملايين مشترك حتى 16 الشهر الحالي. ويعود رواج التطبيق في العالم والنمو المفاجئ في عدد المشتركين الى مشاركة مؤسس شركة تسلا، الون ماسك والمدير التنفيذي لشركة روبنهود (شركة خدمات مالية أميركية)، وفلاد تينيف في احدى الغرف الموجودة على التطبيق.
“المقاطع الصوتية”.. طريق الى الآخر
يمكن أن نعتبر أن “الوسط” أو “الميديوم” ليس التطبيق نفسه وانما الصوت في عملية التواصل، فالصوت ناقل الأفكار هو الذي يرمز الى عضوية الشخص الى المجموعة. يعبر المشاركون عن أفكارهم وعواطفهم من خلال أصواتهم التي تغدو رمزاً يدل عليهم. فتظهر التشابكات بين الأفكار المعبّر عنها بالأصوات ويغدو الانفعال مثلًا عبارة عن ارتفاع في وتيرة الصوت، والحماس ظاهرًا في سرعة النطق بالكلمات. كما يمكن للمستخدم أن يدرك هوية الشخص من خلال أفكاره وحدها من دون أن تجتمع العوامل الجسدية أو المادية المرئية المحيطة بالحضور الجسدي. وباعتبار أن الشكل هو المضمون فان طبيعة الصوت وامتداده وعمقه ونوعيته قد تفسح المجال أمام تخيل هوية الشخص المتكلم.
وإذا كان الشخص مشهوراً، فقد يمنحه هذا التطبيق “حميمية” مع المشتركين نظراً لحضورهم المتساوي عليه. فليس عدد المتابعين للشخص هو المعيار الذي يحدد مساحة الانتشار لحسابه ومحتواه، فللكل الفرصة في الكلام والحرية في دخول الغرف والخروج منها.
ماذا عن الخصوصية؟
يرى خبير الأمن الرقمي، علي سباعي، أن “كلوب هاوس” هو “تطبيق غير آمن للمحادثات الحساسة وذلك نتيجة إمكانية دخول أشخاص مجهولة الهوية الى الغرف”. ويرى “أن هذا التطبيق يصنف كتطبيق مغلق المصدر أي أن الشيفرة الرقمية الخاصة به غير واضحة للخبراء مما يمنعهم من التأكد من ثغراته الرقمية، وذلك بعكس تطبيق سيغنال”.
وتقوم إدارة “كلوب هاوس” حسب ما تزعم بالاحتفاظ بالتسجيلات نظراً لاحتمال تبليغ عن انتهاك ما، مما يستدعي بنظرها القيام بتحقيق. ولا يمكن للشخص التبليغ في حال كان خارج الغرفة أو تم اقفالها.
ويعتبر سباعي أن الأمور المتعلقة بالخصوصية ما زالت مبهمة، غير أن ذلك لا يمنعه من طرح مجموعة من التساؤلات حول تسجيل المحادثات من قبل الشركة ومدة احتفاظ الشركة بالتسجيلات وإمكانية تسليم التسجيلات لشركة أخرى. ويرجع ذلك بالنسبة لسباعي “الى امكانات الشركة المتواضعة اليوم في ظل تنامي عدد المشتركين”.
ومن جهة أخرى، يعتبر سباعي أن طلب الحصول على قوائم الاتصال هو خرق للخصوصية. الى جانب ذلك، يشير الى تمكن التطبيق من النفاذ الى “المايك” وهو أمر في غاية الخطورة غير أن الشركة تمتنع عن تسجيل المحيط في حال كان الشخص مستمعاً.
وعلى الرغم من عدم إمكانية مشاركة الصور حتى اللحظة عبر “كلوب هاوس،” الا أن التطبيق يعرض عليك التشبيك بمنصات مثل “تويتر” و”انستغرام”، مما يعني الوصول الى معلوماتك الشخصية الموجودة على منصات أخرى.
مخاوف الأنظمة من “كلوب هاوس”
بعدما احتل تطبيق “كلوب هاوس” المركز الأولى ضمن أكثر التطبيقات تنزيلًا في السعودية، اشتعل الجدل حول فائدة هذا التطبيق. وكانت مشاركة وزيرَي السياحة والإعلام، في نقاش حول السياحة في السعودية عاملًا مشجعاً.
وحتى الساعة لم تعبّر أي دولة بشكل رسمي عن موقفها من هذا التطبيق، ما عدا الصين التي سارعت الى حظر التطبيق خوفًا من خروج الخطاب العام عن سيطرتها.
وفي غرفة تسمى “كلوب هاوس ونظرية المؤامرة” يديرها الصحافي المصري حسام الشربجي، يشبه أحد المشتركين “كلوب هاوس” بـ”طفرة الفايسيوك التي بدأت في العام 2009 والتي تحولت الى أداة أساسية في الثورة المصرية”. ويضيف شخص آخر أنه “يتخوف من قيام الأنظمة بتفعيل حسابات لأشخاص يعملون لحساب الدولة ليتمكنوا من التنصت على أحاديث الناس كون الغرف ليست سرية أصلًا، وهذا الذي يعرض الأشخاص في الأنظمة القمعية للملاحقة”.
كل هذه المخاوف يمكن أن تختصر في جملة واحدة: “أن ما يُقال في كلوب هاوس لن يبقى في كلوب هاوس”.
المدن
——————————
تطبيق كلوب هاوس الجديد يتمدّد في جميع أنحاء الشرق الأوسط/ نايل شامة
ماذا حدث؟
أصبح تطبيق كلوب هاوس الجديد، القائم على الدردشة الصوتية والمتاح حصريًا في الوقت الراهن لمستخدمي نظام IOS الخاص بشركة آبل، التطبيق الأسرع انتشارًا في العالم. هذا التطبيق، الذي اقتصر استخدامه في آذار/مارس 2020 على روّاد أعمال سيليكون فالي، سُرعان ما تحوّل إلى إحدى أبرز منصات التواصل الاجتماعي. واليوم، يفوق عدد مستخدمي كلوب هاوس النَشِطين 10 ملايين شخص، بعد أن كانوا مليونين في كانون الثاني/يناير 2021 و600 ألف أواخر كانون الأول/ديسمبر، و1500 فقط في أيار/مايو 2020. وارتفعت من ثم قيمة “ألفا إكسبلورايشن”، الشركة الأم المالكة لكلوب هاوس، من 100 مليون دولار في أيار/مايو 2020 إلى مليار دولار في كانون الثاني/يناير 2021.
لماذا هذا الحدث مهم؟
لم تقتصر رقعة انتشار كلوب هاوس على الولايات المتحدة وأوروبا والصين واليابان وحسب، بل شملت أيضًا منطقة الشرق الأوسط، حيث نشأت المئات من غرف الدردشة المخصّصة لمناقشة مواضيع سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة.
في السعودية، مثلًا، بات كلوب هاوس تطبيق التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية في متجر تطبيقات آبل. ونظرًا إلى أن الانضمام إليه يتطلّب دعوة خاصة، يبادر الكثيرون في المملكة اليوم إلى بيع دعواتهم عبر تويتر بأسعار تتراوح بين 4 دولارات و53 دولارًا. وفي أوائل شباط/فبراير،استخدم طلاب جامعيون في تركيا منصّة كلوب هاوس للتعبير عن معارضتهم قيام الرئيس رجب طيب أردوغان بتعيين أحد الموالين للحزب الحاكم رئيسًا لجامعة بوغازيتشي. وباطراد يتحول هذا التطبيق إلى أداة أساسية للحراك الاجتماعي في البلاد بعد سنوات من القمع الممنهج لحرية التعبير. كذلك، حقّق كلوب هاوس نجاحًا ملحوظًا في المشهد الرقمي المصري، إذ استضافت بعض غرف الدردشة التي ناقشت مواضيع متعلقة بمصر حوالى 2000 مستمع.
إذًا، تشهد غرف الدردشة الصوتية باللغة العربية على منصة كلوب هاوس العديد من النقاشات حول مختلف المواضيع المثيرة للجدل، بدءًا من القضايا السياسية، مرورًا بالمعتقدات الدينية، وصولًا إلى الميول الجنسية. ونظرًا إلى أن التطبيق يرتكز على الأحاديث الشفهية، فهو يكتسي طابعًا أكثر حميميةً من سائر تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر وإنستغرام. وقد ساهم كلوب هاوس في إضفاء طابع ديمقراطي أكبر على النقاشات، إذ يضع الشخصيات الشهيرة المؤثرة على قدم المساواة مع مستخدمين لديهم عدد قليل من المتابعين، ما عزّز جاذبية التطبيق في العالم العربي. وقد يفرز هذا الواقع تأثيرات كبرى على آليات ممارسة حرية التعبير، ومكانة وسائل الإعلام التقليدية، والعلاقات بين الدولة والمجتمع عمومًا.
ما المضاعفات للمستقبل؟
في مجتمعات الشرق الأوسط حيث تخضع وسائل الإعلام للرقابة، وتُكمّ الأفواه المعارِضة، ويُعتبر الاتصال الاجتماعي غائبًا أو ضعيفًا في ظل أنظمة حكم سلطوية، غالب الظن أن يعزّز تطبيق كلوب هاوس التواصل الاجتماعي، ويولّد نقاشًا مثمرًا حول القضايا الملحّة، مما يوطّد بشكل غير مباشر الأواصر الاجتماعية.
لقد ميّز الفيلسوف النمساوي-البريطاني كارل بوبر بين ما سمّاه “المجتمع المُنغلق” و”المجتمع المنفتح”. ففيما يرتكز الأول على أنماط تفكير متحجّرة ومتجانسة، يشجّع الثاني الفكر الحر والتبادل المفتوح للأفكار والنقاش البنّاء. لذا، يأمل مستخدمو كلوب هاوس في الشرق الأوسط أن يشكّل هذا التطبيق خطوةً نحو بناء مجتمع أكثر انفتاحًا، قوامه الانعتاق من القيود الاجتماعية وتعزيز قيم التعددية الشاملة للجميع. أما منتقدو كلوب هاوس في المقابل، فيخشون من أن يزرع التطبيق بذور الشقاق، ويشعل جذوة الاضطرابات الاجتماعية. فبالنسبة لهؤلاء، لا تكمن الغاية المنشودة في ترقية حرية التعبير بل في ترسيخ القيم من خلال الحفاظ على قدسية الأديان وسلطة الدولة والتجانس الاجتماعي.
لا شكّ أن بعض الشخصيات المعارضة والناشطين الحقوقيين والمثقّفين في الشرق الأوسط سيستخدمون كلوب هاوس لخدمة أجنداتهم الخاصة وتعزيز نفوذهم. لذا، يُرجَّح أن تنظر المؤسسات الحاكمة إلى كلوب هاوس بعين الريبة، خوفًا من أن تستغلّه التنظيمات الإرهابية والقوى المعارضة لتحقيق مآربها الخاصة. وفي هذا الصدد، حذّر مقدّم برنامج تلفزيوني مسائي مصري من استخدام هذا التطبيق، زاعمًا أنه مُخترَق من قبل مجموعة إرهابية. إذًا، قد تعمد بعض الدول في المستقبل إلى حجب كلوب هاوس أو على الأقل إلى إبطاء وتيرة انتشاره، على غرار الصين التي حجبته في شباط/فبراير الماضي.
قد يصبح كلوب هاوس متاحًا هذا العام لغير مستخدمي نظام تشغيل IOS أيضاً، فيتدفّق إليه عدد متزايد من المستخدمين الجدد، وعندها لا شك أن استخدامه سيصبح مثار نزاع بين مناصري الاستقرار من جهة، والتوّاقين للحرية من جهة أخرى.
—————————-
“كلوب هاوس”: جرس إنذار السلطات القمعية يُقرع!/ ميريام سويدان
تسلّل “كلوب هاوس” السريع إلى حياة الشباب العربي نشّط رغبة السلطات القمعية بكبح أي شكل من أشكال التعبير عن الرأي التي يمكن أن تشكّل باباً للتغيير أو حتى المعارضة…
عندما روّج مؤسسو “كلوب هاوس” للتطبيق، شدّدوا على فكرة الأمان المحفوظ في غرف المحادثات، إذ إن نظام المنصة يحظر تسجيل المحادثة من دون إذن كتابي صريح من جميع المتحدثين المعنيين، عدا أنه لا تمكن المشاركة في المحادثة إلا إذا أُرسلت دعوة للشخص. لكن نسي المروجون أن لا عناصر أمان أو سريّة على الإطلاق وفق معايير الأنظمة العربية.
منذ انتشار خدمة “كلوب هاوس” السريع في العالم العربي، والأنظمة تُسابق توسّع استخدام التطبيق محاولةً ضمّ هذه المنصة إلى قبضة السلطة. ظهر ذلك لدى أنظمة عالمية قمعية عدة، منها الصين التي حظرت التطبيق. لا سيما الأنظمة العربية التي لا تقوى على استيعاب هذا الهدير من الأصوات العالية، إذ أعلن عضو “لجنة الأمن والدفاع النيابية” في العراق عباس صروط إمكان حظر التطبيق، كما صرّح لإحدى وكالات الأنباء المحلية، “إن حظر التطبيق من قبل الجهات الحكومية وارد جداً، إذا كان يشكل تهديداً على الأمن القومي من خلال استغلاله من الجماعات الإرهابية في التواصل”. كما تتجه الإمارات إلى حظره تحت ذريعة “تعرّض بيانات المستخدمين للخطر”.
هاجم إعلاميون مقربون من النظام المصري “كلوب هاوس” بعد الرواج الكبير الذي حققه، وزعموا دعمه لما وصفوها بـ”الخلايا الإرهابية لجماعة الإخوان”
أما في مصر، فهجوم الأذرع الإعلامية على تطبيق “كلوب هاوس” لم يكن بعيداً من هجوم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المتكرر على منصات التواصل الاجتماعي ومستخدميها، التي لطالما جنّد النظام وسائل الإعلام التقليدية لشنّ هجومٍ عليها. إذ يبدو أن الرئيس لم ينسَ أن ثورة 25 يناير انطلقت شرارتها عبر “فايسبوك”، وأن الدرس الذي تعلمه النظام عقب الإطاحة بمبارك هو ضرورة السيطرة على وسائل الإعلام كافة بما فيها مواقع التواصل.
هاجم إعلاميون مقربون من النظام المصري “كلوب هاوس” بعد الرواج الكبير الذي حققه، وزعموا دعمه لما وصفوها بـ”الخلايا الإرهابية لجماعة الإخوان”، وأيضاً لـ”خطورته على الأمن القومي المصري”. فحذر الإعلامي أحمد موسى من استخدام التطبيق، مؤكداً أنه مخترق من “مجموعة إرهابية”. وأشار إلى أن برنامجه يمتلك تسجيلاً كاملاً للمحادثة التي تمّت بينهم، بحسب قوله.
بدورها وصفت الإعلامية آية عبدالرحمن، خلال برنامجها الذي يبثّ على قناة “إكسترا نيوز”، التطبيق بـ”باب خلفي لجماعة الشيطان” بحسب وصفها، لافتة إلى ضرورة الحذر منه.
محاولة النظام المصري هذه لخنق الحريات ومنع الشباب من التحاور حول قضاياهم السياسية والاجتماعية ليست بجديدة. إذ سبق أن هدد السيسي بلقاء مع ممثلي المجتمع المصري بتخصيص “كتيبتين من الجيش” للسيطرة على شبكات الإنترنت في مصر. كما دعا إلى تشكيل “لجنة قومية لتقنين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، بسبب تخوّفه من “حروب الجيل الرابع”، التي “تسيطر الأجهزة الاستخباراتية والتنظيمات الإرهابية على فضائها الإلكتروني”، وفق قوله. وما ذلك إلا رغبةً من نظام السيسي بضمّ وسائل التواصل الاجتماعي إلى قبضته، فهي الوحيدة التي ظلت خارج سيطرته بعدما أحكم قبضته على الإعلام التقليدي وأجهزة الدولة.
وفي هذا السياق، يقول الصحافي المصري محمد أبوالغيط، الذي يمضي ما لا يقل عن ساعتين يومياً على “كلوب هاوس”، إن “هذا التطبيق سدّ حاجة الأفراد في العالم العربي إلى وجود مساحة للحوار بحرية حول قضايا سياسية واجتماعية ربما لم تكن تُفتح سجالات حولها سابقاً”. ويشير إلى أن ما يميز هذا التطبيق هو “اعتماده على التواصل الصوتي على العكس من تطبيقات التواصل الاجتماعي الأشهر التي تعتمد بالأساس على الكتابة، وهو ما يخلق حميمية لدى المستخدم”. كما أن “سهولة فتح حوار أو إنهائه داخل الغرف الافتراضية، خفف من وطأة الفعل على منصات أخرى، وفق أبوالغيط. هذا عدا تمكّن تلك المساحة من جمع المتعارضين في الآراء والمواقف السياسية في حوارٍ واحد، وهو ما تفشل أي منصة في فعله.
من جهة أخرى، أشار أبو الغيط إلى أنه “لا يمكن الحديث عن الأمان في أي منصة في العالم العربي”، إذ إن كل إجراءات السريّة تزول بلحظة في ظل وجود أنظمة قمعية. ضارباً المثال بأجهزة “آبل” ذات الخصوصية العالية، إذ إن هاتف “آيفون” مثلاً لا يمكن اختراقه إلا عبر تقنية التعرف على وجه صاحب الجهاز. ليقول مستهزءاً، “في الدول العربية يمكن خطف الشخص نفسه وإجباره على فتح هاتفه… السرية مجرّد وهم هنا”.
التطبيق الذي انتشر بسرعة قياسية، خصوصاً مع تزايد رغبة الأفراد في إجراء حوارات ضمن مجموعات، بعدما سيطر وباء “كوفيد- 19” على العالم، فاق عدد مستخدميه المليونين، ويشكل العرب جزءاً كبيراً منهم. وتحدثت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن سبب رئيس لانتشار “كلوب هاوس”، على رغم أنه بدأ منذ أيار/ مايو 2020، ولم يكن يتجاوز عدد أعضائه وقتها 1500 مستخدم. إلا أن الطفرة السريعة في عدد المستخدمين أتت عقب استضافة رجل الأعمال ومؤسس شركة “تسلا” للسيارات الكهربائية إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة “روبن هود” فلاد تينيف، في محادثة على التطبيق، وبثّ المحادثة مباشرة على “يوتيوب”.
تسلّل “كلوب هاوس” السريع إلى حياة الشباب العربي نشّط رغبة السلطات القمعية بكبح أي شكل من أشكال التعبير عن الرأي التي يمكن أن تشكّل باباً للتغيير أو حتى المعارضة، وهو ما خلق فرصة للأنظمة لغزو المنصة والتجسسس على مستخدميها عبر تسجيل المحادثات مثلاً. وسيزيد المستوى الرقابي لحظة يُتاح التطبيق لمستخدمي هواتف تتبع نظام “أندرويد”، إذ إنه متوفر حالياً لمستخدمي “آيفون” فقط.
درج
——————————
======================