مصطفى صبّاغ: المشهد السوري مجمّد عند مصالح الدول ولا أفق للحل السياسي
بيانات بعض الدول بذكرى الثورة “إيجابية”
اعتبر رئيس مجلس إدارة “المنتدى السوري” مصطفى صبّاغ، أن “الوضع السوري أشبه بالمجمّد وفق الوضع الحالي”، وبالتالي “لا أفق لعملية الحل السياسي في المدى المنظور”، مشيراً إلى أن “تعنت النظام وإصراره على الحلول العسكرية والأمنية فقط، هو السبب الأساسي لآلام السوريين في كل المناطق”.
وفيما حمّل “المجتمع الدولي والدول الفاعلة في الملف السوري، مسؤولية كبيرة للحال الذي وصلت إليه سورية”، فقد اعتبر خلال حوار لـ”السورية.نت”، أن “سياسات الاستقطاب التي خلفتها النزاعات الإقليمية، أثرت سلباً في زيادة تعقيدات الوضع في سورية، ومعاناة أهلها”.
ورأى صبّاغ أن “القرار 2254 تم تقزيمه، بعدما كان واضحاً لجهة تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية تشمل الجميع وغير طائفية خلال ستة أشهر، يليها وضع دستور جديد للبلاد، وتنظيم انتخابات حرة خلال 18 شهراً، بمشاركة جميع السوريين”، معتبراً أن المعارضة انجرت لـ”إرضاء الفاعلين الدوليين”، في مسار المفاوضات، وأداؤها “لا يرقى إلى المطلوب منها، وهي التي أقدمت على تقديم التنازلات شيئاً فشيئاً”.
وتطرق رئيس مجلس إدارة “المنتدى السوري”، في حديثه لنقاط عديدة، حول التفاهمات الحاكمة لمناطق شمال غرب سورية، و مستقبل هذه المناطق، ورؤيته لمواقف الدول التي أصدرت في اليومين الماضيين، بيانات تحمل في روحها دعماً للقضية السورية، وتؤكد على ضرورة الحل السياسي.
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
– تحل الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية هذا العام في وقت ربما هو الأقسى على السوريين في كافة مناطق النفوذ، إن كان اقتصادياً أو لجهة غياب الخدمات الأساسية وهشاشة عوامل الاستقرار..لماذا وصلت الأمور إلى هنا؟ ومن هي الأطراف التي تتحمل المسؤولية الأساسية؟.
تعنت النظام ورفضه تحقيق مطالب الناس، وإصراره على الحلول العسكرية والأمنية فقط، وعدم إبداءه أي مرونة طيلة السنوات الماضية، هي المسببات الأساسية لآلام السوريين في كل المناطق.
يتحمل النظام المسؤولية بالدرجة الأولى بكل تأكيد، حتى بات عاجزاً عن تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين في المناطق الخاضعة له، والتي تعاني أزمات معيشية حادة، بعد أن تراجعت قدرة حلفاءه على تمويله وبات عاجزاً عن إدارة وسد احتياجات مناطقه.
المجتمع الدولي والدول الفاعلة في الملف السوري، تتحمل أيضاً مسؤولية كبيرة للحال الذي وصلت إليه سورية، وسياسات الاستقطاب التي خلفتها النزاعات الإقليمية بين الدول، أثرت سلباً وساهمت للآسف في زيادة تعقيدات الوضع في سورية ومعاناة أهلها.
المعارضة من جهتها، تتحمل كذلك جزءاً من المسؤولية بمناطق الشمال الغربي تحديداً، لأنها فشلت في تفعيل عوامل استقرار مُستدام، وركزت على المسارات السياسية-العسكرية وما إلى ذلك، بدل التخطيط والعمل على تقديم الخدمات وتحسين الفرص المعيشية لنحو أربعة ملايين سوري.
فالمعارضة لديها بعض الحس السياسي، لكنها تفتقد للبعد الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي. والتجارب الناجحة للمشاريع التنموية والخدمية في الشمال، لم تكن صنيعة المعارضة، بقدر ما كانت جهود منظمات ومؤسسات مجتمعية.
– أصدرت دول غربية وإقليمية عديدة، على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا وغيرها، بيانات في ذكرى الثورة السورية، تحملُ في روحها تأييداً ودعماً لقضية السوريين الرافضين للنظام وتدعو لمحاسبته..إلى أي حد ترون هذه الأقوال متسقة مع الأفعال؟.
نظرتنا لهذه البيانات عموماً إيجابية، ولو أن توقعاتنا وآمالنا تبقى أعلى من ذلك، وهنا أجدُ من الصعوبة بمكان، وضع كل هذه الدول في سياق واحد.
فالولايات المتحدة مازالت ترى الملف السوري كجزء من الملف الإيراني، و دول الاتحاد الأوروبي عينها بالدرجة الأولى على إيجاد صيغة استقرار في المنطقة، والحد من ظاهرة الهجرة إليها.
قد لا تتسق رؤى كل هذه الدول عموماً مع مطالب الشعب السوري، إذ ينظرون للملف السوري نظرة مصالح، ولكن هناك تقاطعات بين مصالحهم ومصالح القضية السورية.
أما بالنسبة لدول الإقليم، فهناك حالياً بوادر إزالة للتشنج الذي كان قائماً طيلة سنوات، وقد خَطَتْ بعض الدول التي تشهد أزمات مثل ليبيا خطوةً نحو إنفراجة ما.
نتمنى أن تنعكس بوادر كسر الجليد بين دول الإقليم إيجاباً على المشهد في سورية، ولو أن العقدة الأكبر في الملف السوري وهي النفوذ الإيراني، ما تزال موجودة، ولا نجد تحركات جديدة لتطويق وإنهاء هذا النفوذ.
– هناك من يرى أن القضية السورية استطاعت رغم المأساة الحاصلة، ورغم تراجع الاهتمام الدولي بها، أن تصلَ وتوصِلَ أصوات السوريين المطالبين بالحرية وبدولة ديمقراطية للعالم. بتقديركم ما الذي تحقق للسوريين الرافضين لنظام الأسد حتى الآن؟
كان النظام ينظر للمواطنين على أنهم عبيدٌ في دولة يُخضعها بالقوة، وقد نجحت الثورة في أن تُثبت حيوية الشعب السوري، وطموحه الجامح للحرية والانعتاق من عبودية حاول النظام تكريسها. هذا إنجاز مهم.
لو نظرنا إلى مناطق شمال غرب سورية مثلاً، لوجدنا ورغم انتقادنا للسلبيات وعلمنا بالمنغصات الموجودة، أن هناك حرية تعبيرٍ لا بأس بها. لا أقول عالية أو بقدر طموحنا، ولكن بالمقارنة مع مناطق النظام، فإن سقف الحرية أعلى في مناطق المعارضة، هذه أيضاً نقطة مهمة.
كذلك اللجوء السوري ورغم أنه في أصله مِحنة، إلا أن بعض السوريين في الدول الغربية، استطاعوا تجميع أنفسهم وأنجزوا ملفات حقوقية هامة، وتحولوا لجماعات ضغط فاعلة تساند القضية السورية، في مقابل انحسار أركان النظام، وضعف تأثيره في تلك الدول.
نرى اليوم عدة دول مثل هولندا وكندا قد بدأت مسار مسائلة ومحاسبة عن جرائم النظام، وهذه مسارات مع اُخرى في ألمانيا وغيرها، حصيلة جهود سوريين بعضهم لجأ منذ سنوات فقط إلى تلك الدول.
وفي الولايات المتحدة، استطاعت جماعات ضغط من السوريين، لفت انتباه العالم لقضية آلاف المعتقلين الذين قضوا في سجون النظام عبر “قانون قيصر”، والذي يحمل النظام كامل المسؤولية عن تبعاته، لإقدامه على تصفية آلاف المعتقلين ضمن جرائم ممنهجة.
الثورة السورية التي قدمت تضحيات ضخمة، وإن لم تُنهي النظام حتى الآن، لكنها نجحت في فضح جرائمه أمام العالم، وبدأت بتفكيك منظومة الاستبداد، وزحزحة جذوره الراسخة منذ خمسين سنة.
– العملية السياسية تبدو متعثرة ولا ضوء في نهاية نفقها. ماذا بعد كل المسارات السياسية القائمة من جنيف واللجنة الدستورية وأستانة وغيرها؟ الجميع يسأل ما الحل؟
الوضع السوري الآن، أشبه بالمجمّد وفق الوقائع القائمة حالياً، وقد بدأت مصالح الفاعلين الدوليين والاقليميين تترسخ مع الجمود الحالي.
بمعنى أن كل دولةٍ وجدت سبيلاً لتحقيق مصالحها نسبياً، إن كان حلفاء النظام أو خصومه.
روسيا حجزت قواعدها البحرية والجوية في الجغرافية السورية، وعززت هيمنتها في مختلف مؤسسات النظام، كذلك إيران أمّنت الطرق الحيوية لها، وزادت نفوذها في المؤسسات وبعض مجتمعات المناطق الخاضعة لها.
الولايات المتحدة عززت حضورها شرق الفرات، حيث النفط وغيره من المقدرات، ومازالت تحاول تحجيم النفوذ الإيراني وهو ما تفعله إسرائيل أيضاً.
تركيا خلقت جزء من المنطقة الأمنة التي كانت تريدها منذ سنة 2012، حمايةً لأمنها القومي، عبر سلسلة تفاهمات وعمليات عسكرية أفضت بالنهاية لتقطيع أوصال مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال شرق سورية.
وهكذا نجد أن الدول الفاعلة في الملف السوري، حققت شيئاً نسبياً من مصالحها، وصولاً للوضع المجمّد الذي لا جديد فيه منذ فترة. وفق هذا كله، يبدو واضحاً أن لا أفق الآن لحل سياسي.
هناك وقائع وأمنيات، بالواقع لا نرى حلاً قريباً، ولكن نتمنى لو رأى النور، أن يكون مُلبياً لطموح السوريين المطالبين بالحرية والكرامة، متناسباً مع حجم التضحيات التي قدموها.
– النظام يتجه كما توحي مؤشرات عديدة، لإجراء الانتخابات الرئاسية بعد أسابيع، مدعوماً بمواقف حلفائه، الذين ينادون بفصل مسار عملية الحل السياسي عن الانتخابات..هل أُجهِضَ القرار الدولي 2254؟.
رُعاة النظام وعلى رأسهم روسيا، يريدون تمرير مسرحية الانتخابات الرئاسية، وبالتالي مماطلة إضافية للعملية السياسية قد تستمر سنوات.
رغم ذلك نرى أن مسرحية الانتخابات الهزلية، لم تعُد موضع اهتمام كثير من السوريين، حيث تحولت إلى ما يشبه شرعنة بشار الأسد، في الجزء الذي يخضع له من سورية، ويدير فيه ميليشياته لتحقيق مصالح حلفاءه.
بالنسبة للقرار 2254، فقد كان واضحاً لجهة تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية تشمل الجميع وغير طائفية خلال ستة أشهر، يليه وضع دستور جديد للبلاد، وتنظيم انتخابات حرة خلال 18 شهراً، بمشاركة جميع السوريين، ولكن تم تقزيم هذا القرار شيئاً فشيئاً، بداية من إيجاد مسار السلال الأربع التي انجرت لها المعارضة في جنيف، ثم وصولاً إلى الاكتفاء بمسار اللجنة الدستورية.
المسار الحالي الذي لا ضوء في نهايته، هو عين ما أراد حلفاء النظام تحقيقه، من خلال فرض تفسيرهم الخاص للقرار 2254.
– إزاء ذلك ما دور وماذا فعلت المعارضة السورية التي فاوضت طيلة السنوات الماضية برعاية الأمم المتحدة؟
المعارضة تسير وراء إرضاء الفاعلين في العملية السياسية، وأداؤها عملياً لا يرقى إلى الدور المطلوب منها، وهي التي أقدمت على تقديم التنازلات شيئاً فشيئاً، وصولاً إلى حصر العملية السياسية بمسار كتابة الدستور.
لم يكن الدستور يوماً مشكلة السوريين، بقدر ما كان شكل تطبيق الدستور ونظام الحكم عموماً هو جوهر المشكلة، وهو الأساس الذي كان من المفروض أن يكون أولوية المعارضة في العملية السياسية.
جوهر المشكلة هذا، هو ما حاول معالجته بيان جنيف1، الذي كان واعياً للداء الحقيقي في سورية، ولكن البيان وُلِدَ في سياقٍ تغير كثيراً الآن، وتغيرت معه مناخاتٌ عديدة، ووُلدت بعده مسارات جديدة تقلصت فيها كثيراً مساحة القضية السورية دولياً، وساهمت بذلك المعارضة التي انخرطت في هذه المسارات.
– بالانتقال إلى محور آخر، يبدو المشهد في مناطق شمال غرب البلاد شائكاً مع ترهل الوضع الأمني و تعدد الجهات المسيطرة في أرياف حلب وإدلب، وتهديدات النظام والروس المستمرة في إدلب بشكل خاص. إلى أي حد سيبقى اتفاق سوتشي(مارس/آذار 2020) متماسكاً؟
تتمتع أرياف حلب التي تقع خارج مناطق نفوذ النظام بأريحية أكبر في هذا الخصوص. ورغم بعض مظاهر الفلتان الأمني فيها، لكنها قياساً بإدلب تبقى في وضع أفضل، بمأمنٍ عن نيران النظام وحلفاءه إلى حد ما، وهذا لا ينسحب على الوضع في إدلب، نتيجة وجود هيئة تحرير الشام، التي تجدها روسيا ذريعة دائمة لتكرار الخروقات والقصف.
رغم ذلك، يبدو واضحاً وجود تفاهم روسي-تركي، على تثبيت الخطوط الحالية في إدلب، التي وإن قدمنا احتمالية حصول تغيير فيها، ضمن مساحات محدودة، لكنها تبدو ثابتة عموماً في المدى المنظور.
– ما هي رؤيتكم في “المنتدى السوري” لمستقبل مناطق شمال غرب سورية التي تنشط فيها مؤسساتكم الإغاثية والتنموية؟.
المنتدى السوري هو مشروع تمكين مجتمعي وسياسي واقتصادي مُستدام، ينطلق من أهمية تمكين الانسان، وبناء مؤسسات مجتمع مدني نابض بالكفاءات والطاقات، ونموذج حوكمة رشيدة محلياً ووطنياً.
وقد وجدنا وسط الغشاوة السائدة في المسارات السياسية، أن نُركّز على خدمة الانسان السوري في مناطق شمال غرب سورية، التي نساهم في نفض غبار العمليات العسكرية عنها، وتأهيلها بالبنى التحتية والخدمات، وخلق مشاريع مستدامة تُتيح لملايين السوريين فيها أن يعيشوا حياةً كريمة، ويحصلوا على حقوقهم في التعليم والخدمات الصحية والسكن الملائم وباقي مقومات الحياة الأساسية.
يعمل أكثر من 2500 موظف ضمن مؤسساتنا داخل سورية، وبإمكانيات سورية بحتة، على إعادة ملامح الحياة الطبيعية، من خلال دعم الأفراد والقطاعات الإنتاجية المختلفة، ونحاول قدر المستطاع تحقيق ذلك.
صحيحٌ أن أمامنا عملٌ كثير ولم نستطع حتى الآن خلق ظروف طبيعية تماماً هناك، لكننا نعمل رغم كل التحديات، لتحقيق ذلك.
هذه المناطق تحتوي على نخبٍ وكفاءات سورية كثيرة، وفيها فرص كبيرة للتنمية، ونعمل لتكون يوماً نواة سورية التي نطمح لها.
– ختاماً، كنتم جزءاً أساسياً في الائتلاف الوطني ولكنكم ابتعدتم منذ سنوات..لماذا؟
ولد الائتلاف في مناخ مُحدد، وشكّلَ حينها نواة للبدء في عملية سياسية أساسها جنيف1 وصولاً للقرار 2254، لكن المناخات تغيرت وتغيّر معها الائتلاف كثيراً، وبات يعاني من إشكالياتٍ في بنيته وأدائه.
آثرنا الابتعاد عندما وجدنا عمل الائتلاف غير مقنع للسوريين وتضحياتهم وتطلعاتهم، إذ لم نعد نراه نشطاً في خدمتهم وخدمة قضيتهم.
ومع أننا نأمل أن يعود الائتلاف لدوره في تمثيل تطلعات القضية السورية سياسياً، لكن نراه مع هيئة التفاوض، قد فشلوا في تمثيل مطالب الثورة السورية، وأدائهم لا يتناسب مع التضحيات العظيمة و تطلعات السوريين الطامحين بالخلاص من الطغيان وبناء دولة ديمقراطية.