منوعات

أنطونيو سليمان وتحولات السوري دون سرواله/ عمار المأمون

لم يعد الممثل الإباحي السوري أنطونيو سليمان حديث الفضاء العام، بالرغم من دخوله عالم الاحتراف، وتعامله الواضح مع عدد من شركات الإنتاج، وتعاونه مع عدد من الممثلات الإباحيات ذوات الشهرة المتوسطة.

يغيظ سليمان متابعيه عبر نشر يومياته الجنسية في تويتر وسناب تشات، لكن الدخول إلى عالمه الكوميدي والغرائزي يتطلب اشتراكاً شهرياً ليس بالقليل “حوالي الثلاثين دولاراً”، ويتضح للمتابع أن سليمان يستهدف دول الخليج عبر اللهجة الساخرة التي يتبنّاها، والفيديوهات التي يشرح فيها كيفية الاشتراك في قنواته المتعددة، مخاطباً الجمهور القادر على الدفع، متبنياً المخيّلة السطحية التي تقول إن دول الخليج ورجالها هم الأكثر دفعاً للنقود في سبيل الجنس، ذات المقاربة التي اتبعتها الممثلة الإباحية التي خفت نجمها، دانا العتيبي.

انفتح سليمان على العديد من الموضوعات التي يرى أنها “مثيرة” كـ”الدياثة، الأمهات والبنات، طرد الجن بالنيك…”، والعديد من المتخيّلات البورنوغرافية التي أضاف لها نكهة “عربية” تصل حد البارودي أحياناً، كما عمل على استضافة مؤديات عربيات أو يتحدثن العربية، لنرى أنفسنا أمام منتج بورنوغرافي يخاطب المخيلة العربية، أجساد وكلمات تشابه المشاهدين، أولئك المعتادين إما على التسريبات الهاوية أو الإنتاج البورنوغرافي الذي ينفي العربي، أو يحوله إلى فئة فيتيشية فقط.

نكتب عن سليمان الآن بسبب التحول الذي يمرّ به، العديد من أفلامه الآن تصور في البرازيل، كما أنه غيّر تسريحة شعره وبيّض أسنانه، وأصبح في أرشيفه الإباحي مئات الساعات من الرهز واللعب واللعق، الأهم، أطلق سليمان مؤخراً أغنيته الأولى “قام قام” التي، حتى لحظة كتابة المقال، شهدت ما يزيد عن المليون مشاهدة على اليوتوب.

لعنة الغرق وشهوة اللحم المؤغلم

الأغنية الجديدة “قام قام” من إنتاج وإخراج وتأليف وأداء أنطونيو سليمان، الرجل الواحد الذي يمسك بزمام الشهرة منذ بدأ، إذ يقول إنه بهاتفه النقال وعلى سريره الشخصي دخل عالم المشاهير. لكن المثير للاهتمام أن الفيديو كليب يبدأ بلقطة لسليمان في قارب، وحيداً وسط البحر، الجسد الإباحي السوري يحاكي الجسد الغارق أو المهدد بالغرق، الجسد المتكرر ظهوره في نشرات الأخبار والأفلام، الجسد الذي لم ينج والتهمه البحر غرقاً.

يفعّل التهديد بالغرق الحلم، بل أن ركوب البحر نفسه رهان على حلم يراود كل من قرر الرهان على الماء، لكن سليمان يأخذ هذا الحلم إلى صورته الأشدّ، إذ يُرمى حبل النجاة إلى سليمان، ليصعد سفينة مليئة بنساء يطعمنه الكاتو والفواكه، ثم ينتقل إلى فيلا. يقظة سليمان في الحلم ترافقها ألحان الموسيقا الشعبية، الزمر والأورغ وتكرار اللازمة الشعرية: “يا فوفو خلينا نشوفو”.

يقدم لنا سليمان أغنية لا تحوي دلالات إباحية واضحة، بل يردد “قام قام”. من الذي قام؟ ذكره؟ السوري من غرقه؟ حُلم سليمان ذكوري بامتياز. يخاطب جمهوراً إباحياً خفياً، لا نعرفه، جمهور يقبع في ظلام يحافظ على سرية هويته، لكنه في هذه الأغنية، يفتح المجال لفئة أوسع وإمكانية “ظهوره” خارج الحيّز البورنوغرافي، فصيغة الأغنية لا تختلف عن تلك التي تدعى بالأغاني الهابطة، احتفاء بالذكورة المفرطة، وفرة النساء وأثر الكاريزما الذكورية التي، بـ”سحرها” الوهمي، قادرة على أسر كل من حولها وطرد كل من لا يؤمن بالفحولة الفردانية للممثل الإباحي.

في تعدد المياه

ينتهي “الحلم” بأنطونيو على الشاطئ، وبالرغم من أنه مغمى عليه إثر الغرق، لكن استيقاظه يكون إثر صب سطل مياه عليه، وهنا تتعدد المياه (هناك اختلاف على جمع المياه، أمواه أم أمواء)، فهناك ماء الغرق/الحلم مفعّل الفانتازم الذي يغرق فيه الحالم باللحم المؤغلم، مُترنماً على موسيقاه المفضلة، وهناك ماء اليقظة، يضربه غريب على جسد الغريق ليصحوا الأخير على الحقيقة، التي مفادها أنه نجا غريباً في أرض لا يعرفها وناس لا ينطق لغتهم (كحالة الممثلات اللاتي يرهزهن واللاتي لا يفهمن ما يقول).

وأيضاً، هناك ماء الرجال، ذاك المختزن في جسد أنطونيو، الذي يُكبّ عادة على اللحم المؤغلم، والذي تدلله الأغنية و تداريه. ونهاية، هناك ماء المشاهدين، الذكور الذي يخاطبهم سليمان ويحاكي فانتازماتهم، ماء دفين واقتصادي يراهن سليمان على الربح منه.

الذكورة الإباحية

يتحرك سليمان في الأغنية وفي أفلامه ضمن الذكورة الإباحية الفائقة، والسيناريوهات التقليدية: اتهامات للنساء بالخيانة واستحقاق النيك تأديباً، إذ يستخدم الجنس كوسيلة للهيمنة و”كسر العين”، يرافقه أداء إباحي أقل من عادي، وتركيز على الشرج بوصفه الأشد جذباً للجمهور، فتحة مواربة بين التحليل والتحريم، مهرب الخائفين ومتعة الإباحيين.

يتبناها سليمان ويقدم نفسه كمنتصر، الشيخ طارد الأرواح، بديل الزوج المشبِع لشهوات المرأة، نموذج الفحولة أمام أقرانه الضعفاء، فسليمان الذي بلغ السادسة والعشرين الآن، يستثمر في أرض قاحلة، الإنتاج البورنوغرافي العربي الموجّه للعرب قطاع لم يقربه أحد، والأهم، كون سليمان رجلاً.

فالأمر مقبول نسبياً، فنحن نعرف وجهه، بعكس “خطيبته” التي تظهر معه في العديد من الأفلام وهي مقنّعة، لا نعرف عنها شيئاً سوى جسدها وصوتها، وكأنه حتى في البورنو هناك وازع اجتماعي، فهي خطيبته المختفية التي لا يشفع لها شيء، فالتهديد بالعنف ما زال حاضراً، لا يحميها إلا قناع أسود يخفي عينيها، بعكس أنطونيو، الذي يتبختر رجلاً، مهرازاً، يأخذنا معه في يوميات جنسية تفعّل المخيلة البورنوغرافية، خصوصاً أن صيغة اليوميات تجعله على تماس مع المتصفّح السريع للمواقع الإباحية، كبسولات من المتعة تختزل الحكاية في ثلاث أو أربع لقطات، تخاطب الفضول والرغبة إلى حد دفع المال.

خيبة الأمل الإيروتيكية

حاولت إجراء لقاء صحفي مع أنطونيو سليمان في ذات اليوم الذي نشر فيه شريطه الأول، الذي اختُزل الآن بعبارة “هل ترغبين ببعض من النبيذ؟”، رفض سليمان اللقاء في حال لم أدفع له، غضبت لحظتها، فمن هذا الذي يرفض الحديث معي أنا الذي حاورت العديد من الشخصيات الثقافية “مجاناً”.

لكن ما فهمته لاحقاً أن سليمان كان سيخيب أملي كما خيب أمل الكثيرين، كنا نراهن على هذا الشاب ذي الـ 19 عاماً حينها، والعصامي حسب قوله، بأن يخاطب الفانتازم الذي نمتلكه عن البورنوغرافيا والإيروتيكيا العربية، تلك الحكايات التي نقرأها في الكتب و”نتخيل” أنها تصلح مادة بورنوغرافية.

سليمان لم يقترب من هذا التراث، بل اعتمد صيغة الإنتاج التقليدية والحكايات المرتبطة بها، صحيح هناك بعض الخصوصية المحلية والباروديات القادمة من المنطقة، كالمشهد الذي يقول فيه أنه سيضاجع إيرانية انتقاماً لسوريا، أو سينتقم من داعش عبر نكح النساء المنتمين لهم.

لكن سليمان لم ينصع حتى لرغباتنا أو متخيلاتنا، اختار السوق الأسهل والمربح، والجمهور المحتار بمائه، والذي خاطبه سليمان بلغته وذكوريته وشتائمه وبذائته التي لا نسمعها في أي مكان آخر، إلا في أعمال أنطونيو سليمان، محافظاً على الوهم القائل بأن التراث العربي يحوي كنزاً بورنوغرافياً ما زال بانتظار أن يتبناه أحد ما.

رصيف 22

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى