العطش في سوريا… ورقة ضغط تركية لفرض شروطها السياسية
قالت الإدارة العامة لسدود الفرات، والتي تتبع “الإدارة الذاتيّة لشمال سوريا وشرقها” في بيان نشرته، في الثاني من آذار/ مارس، على صفحتها في فيسبوك، إن تركيا قامت مؤخرًا “بإنقاص كميات الوارد المائي المار في مجرى نهر الفرات، ليصبح متوسط الوارد خلال الفترة الماضيّة ومنذ أواخر شهر كانون الثاني/يناير 2021 أقل من ربع الكميّة المتفق عليها، بموجب الاتفاقيّة الموقعة بين الدول التي تتشارك مجرى النهر من المنبع إلى المصب، وهو وارد منخفض جدًا لا يلبي مطالب التشغيل والاستثمار لمثل هذه الفترة من السنة”.
وقامت تركيا خلال الشهر الفائت بتخفيض نسب تدفق المياه في نهر الفرات الواصلة إلى سوريا، بعد أن قامت في أيار/ مايو 2020 بتخفيض منسوب مياه النهر، لتصبح كمية المياه الواردة إلى سوريا مع مطلع تموز/ يونيو 2020 عند مستويات متدنيّة، مما دفع “الإدارة الذاتيّة” إلى مطالبة الأمم المتحدة بالضغط على تركيا لضخ المياه.
وأوردت صحيفة “عنب بلدي” الصادرة من تركيا على لسان أحد الفنيين العاملين في سد الفرات، بالقرب من مدينة الرقة في شمال سوريا، قوله إنّ الوارد المائي نحو الأراضي السوريّة انخفض إلى ما دون 200 متر مكعب في الثانيّة خلال عامي 2019 و2020، وذلك يعادل أقل من نصف الكميّة المتفق عليها بين سوريا وتركيا.
فيما قالت “آهين سويد”، الرئيسة المشتركة لمكتب الطاقة والاتصالات في “الإدارة الذاتية” في منشور على صفحتها الشخصيّة على موقع فيسبوك أرفقته بصور توضّح انخفاض مستوى المياه في نهر الفرات، إنّ “منسوب بحيرات السدود وصل لأدنى مستوياته منذ سنين”.
وكانت سويد قد صرحت قبل أسابيع لـموقع الحل إنّ “انخفاض الوارد المائي عبر نهر الفرات منذ نحو شهر، تسبّب بخفض منسوب المياه بشكل كبير في السدود الثلاثة (على الجانب السوري) من النهر، ما أثّر على عملية توليد الكهرباء في شمال شرقي سوريا”
استغلال تركي
يعد نهر الفرات أحد أطول الأنهار في العالم، وهو أكبر أنهار منطقة غرب آسيا، ينبع من تركيا ويصب في الخليج العربي بعد اتحاده مع نهر دجلة في شط العرب جنوب العراق، ويمر، فضلًا عن تركيا، في كلّ من سوريا والعراق.
تتحكم تركيا بمنسوب المياه الواصل إلى سوريا والعراق، واستغلت نفوذها في مرات عديدة بعد أن أقامت العديد من السدود على طول نهري الفرات ودجلة خلال سنوات القرن الماضي.
ففي نهايات القرن العشرين، وحين نفد صبر تركيا من احتضان نظام حافظ الأسد لقائد حزب العمال الكوردستاني عبد الله أوجلان، قامت بتهديد سوريا بشن حرب عسكريّة ضدّها، وأعلن مسؤولون أتراك حينها أنّ البلدين في حالة حرب غير معلنة، ولوحت تركيا بورقة المياه، فرفضت إجراء مفاوضات حول اتفاقية لتقاسم مياه نهر الفرات، وذلك بعد أن تسببت السدود التي بنتها، وتتحكم بها، في خفض تدفق المياه إلى سوريا، مما أدى في النهاية إلى طرد عبد الله أوجلان من الأراضي السوريّة واعتقاله من قبل الحكومة التركيّة وسجنه في جزيرة “إمرالي” تحت الحراسة المشدّدة، حيث ظل مسجونًا حتى اليوم.
الاتفاق السوري التركي
لا توجد اتفاقيات رسميّة بين البلدان الثلاثة على تقاسم مياه النهر. لكن وقعّت كلّ من سوريا وتركيا في العام 1987 اتفاقيّة مؤقتة لمدة خمس سنوات (ما زالت الاتفاقيّة ساريّة حتى اليوم كاتفاقيّة وحيدة موقّعة بين الجانبين) تضمن تدفق 500 متر مكعب في الثانية الواحدة من مياه نهر الفرات إلى سوريا. بعد ذلك بسنتين، وقعت سوريا والعراق اتفاقية تنص على أن تكون حصة العراق هي 52% من مياه الفرات. وبعد عدّة سنوات سجلت سوريا الاتفاقية المعقودة مع تركيا لدى الأمم المتحدة لضمان الحدّ الأدنى من حق سوريا والعراق في مياه النهر.
طالبت سوريا مرارًا بزيادة حصتها من مياه النهر المتدفقة من تركيا إلى 700 متر مكعب في الثانية إلّا أنّ المفاوضات السوريّة العراقيّة التركيّة المتكررة لم تسفر عن شيء.
الجدير بالذكر أن وزارة الموارد المائيّة العراقيّة أكدت مؤخرًا أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدعم إيجاد حل دائم لملف المياه بين بلاده والعراق، وذلك بعد معاناة العراق في السنوات الأخيرة من انخفاض متواصل في الإيرادات المائيّة عبر نهري دجلة والفرات، وهذا في الوقت الذي أتهم فيه أحمد أوسو، وهو المدير الإداري في سد الفرات في سوريا، في حديث له مع إذاعة الفراتيّة المحليّة، الحكومة التركيّة “بتعمد خفض منسوب المياه في نهر الفرات لزيادة الضغط على الإدارة الذاتيّة”، والتي يتحكم الأكراد بمعظم مؤسساتها ولا سيما قوات سوريا الديمقراطيّة (قسد) التي تخوض معارك في جبهات متعددة ضد تركيا والمليشيات المدعومة تركيًا.
رصيف 22