منوعات

“أياد خفية” تدفن أبرز الأماكن المرتبطة بذاكرة الدمشقيين/ ضياء عودة

ودّع أهالي العاصمة السورية دمشق ليل، الثلاثاء، أبرز الأماكن المرتبطة بذاكرتهم منذ عقود، بعد أن أقدمت حكومة نظام بشار الأسد على هدم مقهى “الحجاز” التاريخي، لتنفيذ مشروع استثماري يتضمن بناء فندق بتصنيف خمس نجوم، ويحمل اسم “نيرفانا”.

وتعود ملكية المشروع لشركة سورية خاصة تدعى “شركة الحجاز للاستثمار السورية الخاصة”، وحسب ما رصد موقع “الحرة” فلا توجد أية معلومات تفصيلية عنها، سوى أنها تأسست في الخامس من مايو 2020، من قبل شخصيتين الأولى هي أحمد بن فاروق عباس والثانية فادي موفق حمادة، الأمر الذي اعتبره مراقبون بمثابة “أياد خفية”.

وفي تصريحات لوسائل إعلام النظام السوري الثلاثاء أوضح المدير العام للمؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، حسنين محمد علي أن “شركة الحجاز للاستثمار بدأت بتنفيذ مشروع سياحي يتضمن فندق 5 نجوم على أرض العقار”.

وأضاف علي أن ” أمر المباشرة جاء بعد أن تشكلت لجان من وزارة السياحة والمؤسسة بنهاية 2020″، مشيرا: “تم عرض موقع العقار 748 بمنطقة القنوات للاستثمار السياحي بالتنسيق مع وزارة السياحة بنهاية 2019 وتقدمت عام 2020 شركتين للاستثمار، ورسا العرض على شركة الحجاز للاستثمار بعد أن تشكلت لجان من وزارة السياحة والمؤسسة”.

من جانبه أوضح باسل، وهو مواطن يعيش في دمشق، أن عمليات الهدم طالت مبنى مقهى الحجاز كاملا، إلى جانب المحلات و”الأكشاك” الواقعة في محيطه.

ويضيف باسل الذي فضل عدم ذكر اسمه لموقع “الحرة”: “عمليات الهدم شوّهت المنطقة المحيطة بمحطة الحجاز، كون المقهى يقع بالقرب منها مباشرة. هناك تصور مؤكد لدى أهالي دمشق بأن مشروع الفندق لن ينجز على المدى القريب، وقد يلقى هذا المشروع ذات المصير للمشاريع الأخرى التي شهدتها العاصمة في السنوات الماضية والتي ماتزال حتى الآن على العضم”.

“وسط مركز دمشق التاريخي”

ومنذ أشهر كانت وزارة السياحة في حكومة نظام الأسد قد أنذرت المستثمرين للمقهى والأكشاك المحيطة به ومستثمر محطة وقود الحجاز أيضا بضرورة الإخلاء الكامل وتصفية أعمالهم، استعدادا لتنفيذ المشروع الذي بدأت أولى محطاته على الأرض الاثنين، حسب المواطن السوري باسل.

مقهى الحجاز الذي يقع في شارع النصر وسط دمشق، تحيط به من كافة الجوانب الأبنية التاريخية والأثرية، ولا ترتبط الصورة الخاصة به بأهالي دمشق فقط، بل بجميع أبناء المحافظات السورية، وأيضا الزوار العرب والأجانب الذين كانوا يرتادونه في كل زيارة لهم إلى العاصمة في السنوات الماضية.

المهندس محمد مظهر شربجي، الذي شغل سابقا رئيس شعبة المهندسين بريف دمشق يقول إن مشروع بناء الفندق في منطقة الحجاز كان قد طرح في عام 2010، من قبل مستثمرين سعوديين، لكنه توقف في ذلك الوقت بعد ضغوطات من قبل منظمة “اليونيسكو” على حكومة النظام السوري.

ويضيف شربجي في تصريحات لموقع “الحرة”: “الضغوطات آنذاك كان المحرك الأساسي له جمعية أصدقاء دمشق، والتي أصدرت دعوى بدورها بأن الفندق وفي حال تنفيذه سيزيل الأهمية التاريخية لمحطة الحجاز”.

وبناء على الدعوى التي رفعت هددت “اليونيسكو” حكومة الأسد بسحب شهادات الاعتراف الخاصة بموضوع الآثار والتاريخ في سوريا، ويشير شربجي: “المشروع لم ينفذ حينها على خلفية هذه الضغوطات”.

وتعود محطة الحجاز والمناطق المحيطة بها لملكية “المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي”. المناطق المحيطة تشمل المقهى والأكشاك والمطاعم، والأبنية الموجودة في شارع النصر الشهير.

ويعتبر شارع النصر من أبرز الشوارع في العاصمة دمشق، وكان يضم منذ عقود “مركز دمشق التاريخي”، والذي يشمل أبنية هيئة الإذاعة والتلفزيون وأخرى من أبنية المراكز القيادية.

 “وجه العاصمة الجميل”

المشروع المسمى بـ”نيرفانا” يخالف ما جاء في قانون الآثار السوري رقم (222) لعام 1963، والذي ينص على عدم إنشاء أبنية مرتفعة بجوار المناطق الأثرية، بينها منطقة الحجاز التي توصف بأنها “وجه العاصمة الجميل”.

وحسب ما أعلنت “المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي” في وقت سابق من عام 2020 فتبلغ مدة عقد استكماله ثلاث سنوات، ويتضمن فندق خمسة نجوم مكونا من 12 طابقا، ومجمعا تجاريا ومطعما وأربعة طوابق تحت الأرض.

وسيُنشأ على أرض مساحتها خمسة آلاف متر مربع بجوار المحطة، على أن تعود ملكية المجمع بالكامل بعد 45 سنة لـ”المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي”.

هدم مقهى الحجاز والأماكن المحيطة به أثار استياء من قبل السوريين، واعتبوا أن هذه الخطوة ستشوه عمارة المنطقة وستطغى على بناء محطة “الحجاز”، أبرز المناطق التاريخية والأثرية في العاصمة، والتي تطل على ساحة المرجة وسوق الحميدية وقلعة دمشق.

ووفق المهندس محمد مظهر شربجي فإن بناء الفندق في الوقت الحالي “يضرب بعرض الحائط ما ينص عليه قانون الآثار وما تؤكد عليه منظمة اليونيسكو، كونه سيكون على ارتفاع عال بـ12 طابقا”.

ويقول: “النظام وبخطواته الحالية يبدو أن لم ينس المشروع السابق الذي كان من المفترض أن يبنى خلف محطة الحجاز، ليلتف حاليا ويبدأ بإنشائه بالقرب منها على أنقاض المقهى”.

وعن الشركة المستثمرة للمشروع، يرى شربجي بأنها “شركة وهمية” قد يكون تصديرها مرتبط بـ”ديون مفروضة على الدولة، وفي إطار تصفية الحسابات”، كون جميع الأماكن الموجودة في شارع النصر تعتبر ذات ملكية خالصة لـ”مؤسسة الخط الحجازي” التابعة لحكومة النظام السوري.

وكانت حكومة النظام السوري قد عملت في الأعوام الثلاثة الماضية على تأسيس شركات متنوعة المجالات، وبحسب محللين اقتصاديين تصنّف في غالبيتها ضمن قائمة “الشركات الوهمية”.

ومن المرجح أن يكون الهدف من وراء هذه الشركات بيع تراخيصها لشركات أجنبية، إضافة إلى توقيعها شراكة مع شركات الدول المجاورة والداعمة للنظام، للدخول في عملية “غسيل العقوبات الاقتصادية”.

وسط أزمة اقتصادية “خانقة”

ما سبق من مشاريع استثمارية تشهدها العاصمة دمشق تتزامن مع أزمة اقتصادية خانقة تمر بها البلاد، حيث تستمر الليرة السورية سلسلة انهياراتها في سوق العملات الأجنبية، ووصلت الثلاثاء إلى حد 3910 مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وذلك وفق سعر الصرف الموازي.

وسبق وأن شهدت العاصمة في السنوات الماضية الإعلان عن سلسلة مشاريع استثمارية، في مقدمتها مشروع “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي” في جنوب دمشق، وهما مشروعان يديرهما رجال أعمال مقربون من النظام السوري، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي قد عملوا على إدراجهم في قوائم العقوبات المفروضة على الأسد.

وإلى جانب ذلك كانت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” في حكومة نظام الأسد قد صادقت، في أكتوبر 2020 على قرار يقضي بحل “شركة أبراج سورية” بشكل كامل، بعد 12 عاما، من توقيعها عقدا مع “محافظة دمشق” لإنشاء برجين في منطقة البرامكة.

شركات “بروكسي”

الصحفي الاستقصائي السوري، مختار الإبراهيم يرى أن “نيرفانا” لن تكون شركة لرجال أعمال جدد على الساحة الاقتصادية السورية، بل هي “واجهة لرجال أعمال معروفين، ومقربين من دوائر صنع القرار داخل النظام السوري”.

ويقول الإبراهيم في تصريحات لموقع “الحرة”: “في سوريا هناك مشاريع أقل أهمية وربحية من مشروع نيرفانا، ولا يسمح لأشخاص لا يمتلكون العلاقات والشركات مع صناع القرار على الاستثمار بها. كيف إذا بالمشروع الخاص بقلب دمشق القديمة؟”.

ويوضح الصحفي الاستقصائي أن مشروع منطقة الحجاز سيكون مربحا ويدر بأموال طائلة على من يستثمر به، مؤكدا أن القائمين عليه “رجال أعمال ذو سطوة وهم واجهات لرجال أعمال نافذين في النظام السوري”.

ويستبعد الإبراهيم أن تكون “شركة الحجاز للاستثمار السورية الخاصة” وهمية، معتبرا أنها حقيقية ويمكن تصنيفها ضمن ما يعرف بـ”شركات البروكسي والتي تعتبر واجهة أو وكيل لرجال أعمال حقيقيين قائمين ضمن هذه المنظومة”.

ضياء عودة – إسطنبول

الحرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى