أبحاث

“الإخوان المسلمون” ومافيا تهريب المتطرفين/ منير أديب

تهريب المتطرفين إلى مناطق الصراع في سوريا وليبيا من التجارة الرابحة التي اعتمدت عليها حركة “الإخوان المسلمين” وحققت من ورائها مئات الملايين من الدولارات، فقد راجت هذه التجارة ما بين عامي 2014 و2018، بعد ذلك أصبح من العسير أن تستمر هذه التجارة في ظل الإغلاق الكامل للحدود المصرية أمام تحرك هؤلاء المتطرفين.

محمود حسين، الأمين العام لتنظيم “الإخوان المسلمين” هو المسؤول الأول عن تهريب هؤلاء المتطرفين، سواء إلى السودان ومنها ينطلقون إلى سوريا أو ليبيا، فقد كان السودان محطة رئيسية وجسراً يَعبر من خلاله هؤلاء المتطرفين إلى إفريقيا أو حتى المناطق الملتهبة في الشرق الأوسط، كما أن حسين نفسه يمثّل الممر الأساسي والجسر الذي يَعبر من خلاله هؤلاء المتطرفون إلى المناطق التي تشهد صراعاً مسلحاً.

الدور الذي كانت تقوم به حركة “الإخوان المسلمين” وأمينها العام يتمثل في تهريب هؤلاء المتطرفين نظير مقابل مادي يصل إلى 60 ألف جنية، ومقابل ولاء هذه المجموعات لـ”الإخوان” وولاء خاص لقادتهم الجدد على الضفة الأخرى، فإذا كنا نتحدث عن سوريا نكون نتحدث عن “جبهة النصرة” التي يُقاتل “الإخوان المسلمون” بجوارها أو معها وبتنسيق نظراً للأهداف المشتركة بينهما في ما يتعلق بإسقاط النظام السوري، أو حتى الأهداف الاقتصادية والأرباح التي حققتها الجماعة من وراء ذلك والولاءات التي تمتعت بها منذ فتح هذا الباب.

يحصل “الإخوان المسلمون” والعاملون في تسهيل هذه المهمات على مبلغ مالي من الشخص الذي يُبدي رغبته في القتال ومن التنظيم الذي يتم شحن هذا المقاتل إليه، الأموال التي يحصل عليها “الإخوان” من هذه التنظيمات لها مسوغات كثيرة يقبلها التنظيم الذي يتم شحن المقاتلين إليه، فهو في حاجه ماسة لهؤلاء المقاتلين، فضلاً عن الأموال التي يتم تحصيلها من الشخص الذي يرغب في ذلك وتصل إلى 60 ألف جنية، كما أشرنا سابقاً.

يمكن القول إن هؤلاء المتطرفين كانوا ينتقلون إلى السودان في عهد الرئيس عمر البشير، ثم صوماليلاند ثم سوريا فقبرص ثم ليبيا وأوغندا وكينيا، وهذه البلدان كلها فيها حواضن تربوية وعسكرية للتنظيم والمتحالفين معه، فقد تكون مكاناً للإقامة وقد تكون جسراً للعبور والإنتقال إلى غيرها وقد تكون بمثابة معسكر تأهيل وتدريب.

المتطرفون الذين كانوا يرغبون في السفر إلى ليبيا، كان يتم نقلهم إلى مطار مصراته، ومنها يتم نقلهم لمدينة درنة عبر وسيط وسيارات مجهزة لذلك، وكان يتم تسليمهم لعمر رفاعي سرور، وهو أحد قياديي مجلس شورى المجاهدين في درنة وزعيم “تنظيم أنصار الشريعه” وأحد المفتين الشرعيين لهذه التنظيمات، كما يُعد همزة الوصل للقتال في ليبيا.

محمود حسين، كان يقوم بإرسال مقاتلي التنظيم إلى السودان بعد اعتمادهم للتأهيل، وكان يتم ذلك بالتنسيق مع مسؤول “الإخوان المسلمين” في السودان، محمد الحلوجي، قبل أن يتوفى في إسطنبول منذ فترة، ويعمد الحلوجي على توفير المسكن وكل ما يخص تدريب هؤلاء الوافدين وتأهيلهم، وفي حال خروج البعض على ترتيبات الجماعة وعدم إنصياعه لقراراتها بما لا يتماشى مع إشتراطات التنظيم وبيعته قبل السفر، يتم إبلاغ السلطات السودانية بأن الشخص ينتمي لتنظيم “داعش” فيتم إلقاء القبض عليه، وهذه طريقة للتخلص منه بعد رفع الغطاء عنه.

بعد الثورة السودانية وإحكام السلطات المصرية غلق الحدود أصبحت مهمة هؤلاء المتطرفين صعبة، وأصبحوا محاصرين، وهو ما انعكس على هذه التجارة ما بعد عام 2018. صحيح أن هذه التجارة ما زالت تعمل ولكنها لا تعتمد في شكل أساسي على المصريين بعد التاريخ المذكور وإن كان المصريون الموجودون في تركيا يمثلون رافداً في التجارة حتى الآن.

يقوم تنظيم “الإخوان المسلمين” بعملية غسيل دماغ من خلال التأهيل الجديد للمجموعات التي يقومون بشحنها إلى مناطق الصراع، وهنا يمكن القول، إن حركة “الإخوان المسلمين” قامت بإعداد هؤلاء الشباب ونقلهم عبر مندوب من “جبهة النصرة” ما بين الحدود السورية والتركية، كما أن المكتب العام لـ”الإخوان” أو مكتب إدارة الأزمة “سابقاًَ” أو اللجان النوعية لـ”الإخوان” تقوم بالإعداد النفسي والتربوي والعسكري للمجموعات المقاتلة سواء التي ترغب في السفر لهذه المناطق، أو التي ترغب في استئتاف القتال في مصر ضمن الميليشيات المسلحة مع حركتي “سواعد مصر” (حسم) و”لواء الثورة” وغيرها من هذه الميليشيات المسلحه.

الشيخ محمد الصغير، أحد قيادات الجماعة الإسلامية المسلحة في مصر، وعضو مجلس شورى حزب “البناء والتنمية”، الذراع السياسية للجماعة، أحد أهم عرّابي المتطرفين إلى الدول المشار إليها من خلال نجله عبدالرحيم، الذي دب الخلاف بينهما مدة عامين إنتهى بصلح تدخل فيه أحد قيادات الجماعة الإسلامية، سافر على خلفيته الشيخ الصغير إلى إسطنبول وهادي نجله بشقة تمليك وإتمام مراسم الزفاف ومن ثم تم استئناف التعاون في هذا الملف.

عبدالرحيم محمد الصغير، أحد أهم الوجوه التي ساعدت وما زالت في سفر المقاتلين إلى “جبهة النصرة” في سوريا، تم بالتنسيق مع عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية قبل وفاته، رفاعي طه، واستمر بالتنسيق مع والده، الذي أزعجه عمل ابنه مع المخابرات التركية، بينما الوالد كان يعمل لحساب المخابرات القطرية بحكم إقامته في الدوحه وارتباط مصالحه مع الزعيم الروحي لـ”الإخوان المسلمين” يوسف القرضاوي ومكتبه، وسرعان ما تراضى الطرفان وأتفقا على الخطوط العريضة الخاصة بتسهيل مهمة المقاتلين حتى يلتحقوا بدرب التنظيمات المتطرفة التي تعمل في مناطق الصراع المسلحه.

عمر إبراهيم الديب، أحد أهم ضحايا عبدالرحيم محمد الصغير، وقد تم تأهيل الشخص المذكور وتجهيزه لتنفيذ عمليات مسلحة في مصر، ودور نجل الصغير هنا اقتصر على تأهيل هؤلاء المتطرفين وإعدادهم للقتال في مصر، إلا أنه قُتل في إشتباكات أمنية عندما حاولت أجهزة الأمن إلقاء القبض عليه فأطلق عليها النار، وتسبب ذلك في مقتله… فعبدالرحيم الصغير أعدّ عدداً كبيراً من المقاتلين وأشرف على سفرهم إلى مدينة درنة الليبية أيضاً، قبل تحريرها، وهو ما مهد الطريق أمام عمل هشام عشماوي وتنظيم “المرابطون”، الذي ضم عدداً كبيراً من المصريين في توقيت سابق، وقد كان حريصاً على تنفيذ عمليات مسلحة ضد أهداف مصرية ومصريين.

عبدالرحيم الصغير شاب صغير في نهاية العشرينات، ولكنه يتمتع بروح جهادية بحكم النشأة، فقد أخذ مسلك والده، ولكن كان عملياً في تنفيذ الأفكار التكفيرية منذ وقت مبكر، وهو يعمل لصالح تنظيمي “القاعدة” و”جبهة النصرة”، ولعله يمثل همزة الوصل بين والده الذي ينتمي بولائه لأجهزة الإستخبارات القطرية، وبولائه هو للإستخبارات التركية بحكم إقامته في تركيا من ناحية ومساعدتها له في تسهيل سفر المتطرفين خارج الحدود التركية من ناحية أخرى.

ثمة تنسيق تم وما زال بين مجموعة المهربين أو من يعملون في شحن هؤلاء المتطرفين والحكومة التركية، فهذه المجموعات تعمل تحت عين وإمرة أجهزة الإستخبارات التركية، التي تقوم بتسهيل مهمة هؤلاء المتطرفين وتسهيل مهمة من يعملون على إعدادهم ونقلهم إلى الضفة الأخرى من القتال، وهنا يمكن القول، إن تركيا نجحت على مدار عقد كامل من اختطاف كل الجماعات المتطرفة وإختطاف القرار بداخلها وتوظيف هذه التنظيمات التي تتواجد على أراضيها لصالح مشروعها السياسي والأمني، وقد يكون ذلك إجابة على السؤال المطروح دائماً، ما هو السبب وراء إستضافة قادة وأمراء هذه التنظيمات على أراضيها.

وهنا يمكن القول إن تركيا ما زالت ساحة مفتوحه لعمل مافيا تهريب المتطرفين، وقد ارتضت لنفسها أن تكون كذلك، فليس عبثاً أن تُقيم هذه التنظيمات على أراضيها بدءاً من تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية “داعش” و”القاعدة” وإنتهاءً بـ”الإخوان المسلمين” ومروراً بالميليشيات المسلحة مثل حركتي “حسم” و”لواء الثورة” وتنظيمات أخرى تعمل في سوريا مثل “جبهة النصرة” والعديد من التنظيمات المحلية والإقليمية الأخرى وما أكثرها.

ربما يكون هدف تهريب المتطرفين لمناطق الصراع المسلح التي ينشطون فيها، العمل على تحقيق الأهداف السياسية والتي تتمثل في إسقاط النظام السوري، وقد يكون دعم حلفائهم في ليبيا، أو دعم مفهوم الجهاد، كما يفهمه هؤلاء ويؤيدونه، ولكنّ ثمة هدفاً اقتصادياً حققت الجماعة وقادتها من ورائه نفعاً مالياً منقطع النظير، بخاصة أنها تتعامل في شكل أساسي مع تنظيم “جبهة النصرة” أو “أحرار الشام”، وهو تنظيم غني بالمال حيث يمتلك آبار بترول سيطر وما زال عليها، فضلاً عن الأموال التي يتحصل عليها من مصارف أخرى تجعله ينفق ببذخ على استقطاب هؤلاء المقاتلين، على اعتبار أنه يمثل التحدي الأكبر للمقاتلين في سوريا.

الوضع السياسي في تركيا أتاح لـ”الإخوان المسلمين” وغيرهم أن ينشطوا في هذه التجارة، فتركيا داعم أساسي في تسهيل سفر المتطرفين، وبالتالي أصبحت تركيا بمثابة معسكر كبير لهؤلاء المتطرفين، كما أن حرية حركة الأموال بداخلها أدت إلى رواج هذه التجارة واستمرارها.

النهار العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى