تغلغل إيران في سوريا..يتخطى قدرة إسرائيل على المواجهة
ترى مجلة “ناشونال إنترست” الأميركية أن تغلغل إيران داخل سوريا عسكرياً واقتصادياً، بات من الصعب على إسرائيل مواجهته، خصوصاً مع ضعف نظام بشار الأسد واعتماده على الإيرانيين، بشكل كبير لا يسمح له بالطلب منهم بالخروج من البلاد.
وتعتبر المجلة في تقرير لبريت سوديتيك وجورجيو كافييرو بعنوان: “هل تستطيع إيران اقتلاع الوجود الإيراني في سوريا”، أن على إسرائيل أن تعتمد سياسات جديدة في مواجهة المشروع الإيراني في سوريا، بعدما تبيّن أن الغارات المتفرقة التي تشنّها لم تُضعف قدرات إيران وميليشياتها داخل سوريا.
منذ اندلاع الأزمة السورية قبل عقد من الزمن، شارك عدد لا يحصى من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في الصراع. كانت إيران وإسرائيل مفتاحاً بينهم. لسنوات عديدة، تحدّى هذان العدوّان بعضهما البعض في سوريا، حيث تعيش كل من طهران وتل أبيب مخاطر كبيرة بشكل لا تصدق.
مع انتهاء الحرب الأهلية تدريجياً ومع ظهور نظام بشار الأسد “منتصراً”، قد يضطر الإسرائيليون في النهاية إلى قبول النفوذ الإيراني الكبير في سوريا ما بعد الصراع، كحقيقة واقعة. ومع ذلك، يبدو أن تل أبيب مصممة على عدم قبول هذا الواقع، مما يشير إلى أن سوريا يمكن أن تظل نقطة ساخنة في الأعمال العدائية الإيرانية-الإسرائيلية لسنوات قادمة.
بالنسبة لإيران، فإن إبقاء نظام الأسد في السلطة هو مصلحة أمنية وطنية رئيسية وضرورية لضمان بقاء أحد الحلفاء الإقليميين الوحيدين للجمهورية الإسلامية. يعتقد المسؤولون في طهران أن سقوط البعث في أيدي القوات المعادية لها سيهدد بشكل خطير نفوذ إيران الإقليمي وعمقها الاستراتيجي من خلال احتمال قطع وصول طهران إلى “حزب الله” في لبنان، وهو الورقة الإيرانية الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية في المنطقة العربية.
تساعد هذه التصورات في تفسير سبب استثمار طهران الكثير من الدماء والأموال في سوريا في مواجهة “المتمردين المعتدلين” والجهات الفاعلة الأكثر تطرفاً، مثل تنظيم “داعش” والجماعات المرتبطة بالقاعدة، التي يشكل تهديدات وجودية لحكومة الأسد.
وترى إسرائيل أن ترسّخ إيران المتزايد على حدودها الشمالية أمر غير مقبول. على الرغم من كونها “محايدة” رسمياً في الحرب السورية، إلا أن النشاط الإيراني المتزايد في البلاد دفع تل أبيب إلى رسم “خطوطها الحمراء” واتخاذ إجراءات عسكرية تهدف إلى مواجهة إيران وحلفائها في سوريا. قصفت إسرائيل أهدافاً مرتبطة بإيران في سوريا آلاف المرات خلال الحرب. وتبنت استراتيجية “جز العشب” لإضعاف يد إيران من خلال تنفيذ غارات جوية مستمرة ضد مقاتلي الحرس الثوري وميليشيات شيعية مختلفة مدعومة من طهران مثل حزب الله ولواء فاطميون.
نفّذ الإسرائيليون هذه الضربات بدعم من واشنطن. بدءاً من رئاسة دونالد ترامب واستمراراً مع الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض، تبادلت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية حول أهداف في سوريا مع إسرائيل ونفذّت أيضاً ضرباتها الخاصة على الأصول المرتبطة بإيران في سوريا.
حدث أول استخدام للإدارة الجديدة للقوة العسكرية في 25 شباط/فبراير، عندما شنّ الجيش الأميركي غارات جوية على منشآت تابعة لكتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء العراقيين في البوكمال، الواقعة بالقرب من الحدود العراقية. وبحسب ما ورد، قتلت هذه الضربات ما يقرب من عشرين مسلحاً. رسمياً، جاءت هذه الضربات رداً على هجوم 15 شباط الصاروخي على القوات الأميركية في العراق.
أثّرت سنوات من الغارات الإسرائيلية، التي بدأت في عام 2013، على التحركات الإيرانية في سوريا، مما أعاق قدرة طهران على نقل الأسلحة والتكنولوجيا إلى وكلائها في لبنان وسوريا من خلال استهداف مستودعات الأسلحة والبنية التحتية اللوجستية الأخرى.
في الآونة الأخيرة، أشارت التقارير إلى أن إسرائيل تشن حملة ضد تهريب النفط الإيراني، بما في ذلك استخدام الألغام الأرضية لضرب ما يقرب من 12 سفينة إيرانية تحمل نفطاً غير مشروع إلى سوريا. لقد أحبطت هذه الهجمات طهران وأجبرت الميليشيات الإيرانية على إعادة توجيه تكتيكاتها العملياتية، على سبيل المثال، الاختباء في الأحياء السكنية وبناء التحصينات تحت الأرض. ومع ذلك ، فشلت مثل هذه الهجمات الإسرائيلية في الإضرار بشكل كبير بمصالح إيران الأساسية في سوريا.
في المقابلات التي أجراها الكاتبان، اتفق خبراء إيرانيون بارزون على أنه لا يوجد دليل يثبت أن هذه الآلاف من الضربات الإسرائيلية قد أضعفت بشكل كبير تصميم إيران أو قوّضت بشدة قدراتها العملياتية في سوريا.
جادلت سينا توسي من المجلس القومي الإيراني-الأميركي بأنه “بينما حققت إسرائيل بعض المكاسب من خلال هذه الحملة التكتيكية المحدودة، فإن إيران تلعب اللعبة الطويلة في سوريا وقد عززت موقعها الإقليمي استراتيجياً”. وتؤكد دينا اسفندياري التي تقدم المشورة لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمجموعة الأزمات الدولية، أن “الهجوم الإسرائيلي على المواقع الإيرانية في سوريا هو مصدر إزعاج وإشكالية لطهران” وإن لم يكن له “تأثير كبير”.
فيما أوضح روزبه بارسي، رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد السويدي للشؤون الدولية ، أنه “يبدو لي أن للهجمات بعض التأثير لكن الوجود الإيراني (اللوجستيات، والبنية التحتية، وما إلى ذلك) متطور جداً بحيث لن يتأذى بشكل جدي من غارة هنا أو هناك”.
قد تؤدي الأعمال العدائية الإسرائيلية ضد العسكريين الإيرانيين والمصالح في سوريا إلى تعزيز تصميم طهران على مواصلة ما يُسمّى بأجندة “المقاومة” في بلاد الشام. وقالت إسفندياري إن الضربات الإسرائيلية أعطت الإيرانيين “سبباً لمواصلة رهانهم في المنطقة للوقوف في وجه القوى المتحاربة مثل الإسرائيليين. يبدو أيضاً أنهم حريصون على عدم نشر ذلك كثيراً لأن ذلك من شأنه أن يفرض عليهم الرد بطريقة أكثر وضوحاً وعلنية، ويريدون تجنب ذلك”.
مع استمرار النظام السوري في تعزيز قوّته، هناك سبب لتوقع ضعف قدرة إسرائيل على ضرب أهداف مرتبطة بإيران في سوريا مع الإفلات من العقاب. وأوضحت جينا توسي أنه من المرجح أن يكون هذا هو الحال في حالة تحرك صيغة أستانة إلى الأمام مع نظام سياسي جديد ينشأ في دمشق يعتمد على اتفاق لتقاسم السلطة بدعم إيراني وروسي وتركي.
من المحتمل أن يكون إحدى نتائج الصراع السوري المستمر منذ عقد من الزمن، نفوذ إيراني أقوى في هذا البلد الذي مزقته الحرب. يأخذ هذا التأثير شكل الروابط الاقتصادية العميقة بين إيران وسوريا، فضلاً عن البصمة العسكرية الثقيلة للحرس الثوري الإيراني. من غير المرجح أن تقضي الضربات الجوية الإسرائيلية أو حتى تضعفه بشدة. هذا بسبب تماسك قوة إيران في سوريا. حكومة الأسد المنتصرة إلى حد كبير، والتي تدين بالكثير لطهران، ليست في وضع يمكنها من مطالبة الإيرانيين بالرحيل.
كما يمكن أن يتسع النفوذ الاقتصادي الإيراني في سوريا، خاصة وأن الإدارة الأميركية الجديدة تحافظ على قانون “قيصر” للعقوبات. هذه العقوبات التي بدأت خلال العام الأخير من رئاسة دونالد ترامب، تعزل سوريا عن جزء كبير من الاقتصاد الدولي. ستكون طهران، التي تضررت بالفعل من العقوبات ومنقطعة إلى حد كبير عن الاقتصاد العالمي، في وضع قوي للاستفادة من الاعتماد الاقتصادي المتزايد لسوريا عليها، لا سيما مع دخول البلاد مرحلة إعادة الإعمار.
في الوقت نفسه، من المرجح أن يواصل الحرس الثوري ومختلف الميليشيات الإيرانية الحفاظ على وجودهم القوي في سوريا. الجمهورية الإسلامية تفرض المزيد من الردع على إسرائيل، مما يحد من حرية تل أبيب في ضرب الأصول المرتبطة بإيران في المنطقة، وكذلك داخل إيران نفسها. تعود النجاحات العسكرية الإيرانية في سوريا جزئياً إلى أن الميليشيات غير الإيرانية من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان وأماكن أخرى يمكن الاستغناء عنها نسبياً بالنسبة للمسؤولين الإيرانيين. تمكنت القيادة الإيرانية من نشر هؤلاء المقاتلين في سوريا دون الحاجة إلى دفع أي ثمن سياسي في طهران.
مع تعزيز إيران نفوذها في سوريا، يبدو أن إسرائيل تفتقر إلى استراتيجية سياسية قابلة للتطبيق للتعامل مع ما قد يأتي بعد ذلك في فترة ما بعد الصراع في سوريا. على خلفية عودة محتملة للولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي قد يخفف الاحتكاك بين واشنطن وطهران، قد ترى إسرائيل أن هناك حاجة إلى إعادة تعديل سياساتها تجاه سوريا. في هذا السياق، على تل أبيب، حسب تقرير المجلة، أن تفكر في طرق أكثر واقعية لحماية المصالح الأمنية الإسرائيلية على المدى الطويل تجاه سوريا ، والتي لا يمكن أن تعتمد إلى أجل غير مسمى على استراتيجية “جز العشب”.
المدن