الكاتب وائل السوّاح: الحوار الأمريكي- الروسي قد يفتح طريق حل المأساة السورية
حوار: أسامة آغي
ينتظر السوريون حلًا سياسيًا تحمله تفاهمات دولية، فالأوضاع الصعبة التي يعيشون في ظلّها، تبدو وكأنها حصيلة صراعات الآخرين على الأرض السورية، خاصةً وأن الحل السياسي لم يعد يتعلق بأطراف النزاع، بقدر ارتباطه بالتفاهمات الدولية والإقليمية.
فيما يرتبط إنجاز الحل السياسي بعدة محددات، أبرزها طبيعة النظام السوري، ووضعه الحالي، ودور حلفائه.
عنب بلدي التقت الكاتب السوري، وائل السواح، المدير التنفيذي لمنظمة “مع العدالة” (PRO JUSTICE)، لسؤاله عن وجهة نظره في مصير الحل في سوريا.
نظام لا معقول
الحالة التي وصل إليها النظام السوري جرّاء حربه على شعبه، يمكن اعتبارها، بأنها حالة “غير معقولة”، وهذا ما جعل الكاتب وائل السواح، المدير التنفيذي لمنظمة “مع العدالة” في الولايات المتحدة الأمريكية، يعتقد أن النظام السوري استنفذ دوره بالمعنى التاريخي، منذ اغتياله رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، وهو انتهى كمرحلة منذ أول يوم خرج فيه السوريون في انتفاضتهم السلية في آذار 2011، بحسب رأيه.
ويرى السواح أن النظام السوري “ميت سريريًا”، وهو يعيش بفضل حلفائه (روسيا وإيران)، كما المريض الذي توقف دماغه وما زال قلبه يعمل على الأجهزة”.
وأضاف، “قال هيغل (فيلسوف ألماني) إن كل ما هو واقعي معقول، وكل ما هو معقول واقعي، أما النظام السوري فهو غير منطقي، وغير معقول”، وبالتالي، وفقًا للسواح، فإن وجود النظام “الواقعي” انتهى سياسيًا ومهماتيًا وفلسفيًا وأخلاقيًا، وهو غير “غير مقبول من الشعب ولا من محيطه، ولا من الأسرة الدولية”.
ويرى السواح “أن إيران مستعدة للاستمرار بمهمة إنعاش النظام، لأن همها إيديولوجي أكثر من كونه اقتصاديًا”.
أما فيما يخص الجانب الروسي، فيعتقد أن الروس وصلوا إلى حافة الكارثة، “وهم يائسون ليقبضوا ربح استثماراتهم، وهذا ممكن فقط من خلال إعادة الإعمار”.
ويرفض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية الدخول في أي عملية لإعادة الإعمار في سوريا، دون عملية سياسية كاملة.
وسبق أن سلمت روسيا حكومة النظام السوري ما قالت إنه “مشروع اقتصادي يشمل مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية”، بحسب ما أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، في أيلول 2020.
وأكد العمل لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري مع سوريا، وأن هنالك أكثر من 40 مشروعًا، فيما يتعلق بإعادة الإعمار قيد الدراسة في مجالات الطاقة والبنية التحتية ومحطات الطاقة الكهرومائية.
الحل أمريكي- روسي
خسر الروس الروس في منطقة الشرق الأوسط، كثيرًا من مواقعهم السابقة في العراق وليبيا ومصر وغيرها.
هذه النظرية دفعت الكاتب وائل السواح الذي يحمل إجازة في الأدب الانكليزي من جامعة “دمشق”، للاعتقاد بأن “سوريا هي المعقل الأخير للروس في المنطقة، ولروسيا مصالح في سوريا من ثلاث زوايا، اقتصادية وعسكرية وبيروقراطية”.
ويرى السواح أن مصالح روسيا الاقتصادية تتركز في مرفأ طرطوس، وفي استثمار الغاز والنفط السوري، وأن مصالحها العسكرية، تتركّز في استدامة العلاقة الاستراتيجية بين المؤسستين العسكريتين السورية والروسية، “أما البيروقراطية، فلطالما امتلكت موسكو نفوذها في الحكومة السورية ومع حزب البعث”.
وتعتبر روسيا داعمة للنظام السوري، خلال السنوات الماضية، سياسًا واقتصاديًا وعسكريًا، بحجة مكافحة الإرهاب والتصدي لما يصفه النظام بـ “المؤامرة”.
وبدأت خلال عام 2019، بالبحث عن فاتورة تدخلها ودعمها، فوقّعت مع النظام السوري عدة اتفاقيات في قطاعات حيوية وسيادية في الدولة، مثل استخراج الفوسفات والتنقيب عن النفط والغاز وإنشاء صوامع قمح.
كما سعت إلى توقيع اتفاقيات من أجل توسيع سيطرتها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
ومن هذه العقود، عقد مع شركة “ستروي ترانس غاز” (CTG) الروسية الخاصة، في نيسان 2019، نص على استثمار الشراكة في إدارة وتوسيع وتشغيل مرفأ “طرطوس” لمدة 49 عامًا.
من جانبٍ آخر، يرى السوّاح أن القوى الغربية لعبت لعبةً غير شريفة مع روسيا، حين أقنعتها بإضفاء الشرعية الدولية من خلال الأمم المتحدة على التدخل في ليبيا، ومن ثم وجدت روسيا نفسها خارج اللعبة، ولم يصلها نصيبها من الكعكة”.
لذا يعتقد السواح “أن روسيا تريد تثبيت نفسها في سوريا أولًا، وفي المنطقة ثانيًا، وتريد استعادة دورها القيادي في العالم، الذي بدأ يهتزّ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ونمو الدور الصيني بشكلٍ كبير”.
ويأمل السواح بعلاقة سياسية ناضجة وحوار أمريكي روسي، يمكن أن يفتح الطريق أمام حلٍ سياسي للمأساة السورية.
بايدن وقانون “قيصر”
وحول تطبيق قانون “قيصر” الامريكي للعقوبات بحق النظام السوري ومن يتعاون معه، قال وائل السواح لعنب بلدي، إن المسألة السورية لم تحتل في يوم من الأيام مركز الصدارة لدى الأمريكيين، بل كانت دائمًا جزءًا من مشكلة أكبر هي الصراع العربي الإسرائيلي، أو لبنان ومقتل الحريري، أو النفوذ الإيراني والملف النووي.
ويرى السواح أنه حين قامت الثورة السورية “وضع الكثير من السوريين آمالًا عريضة على إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ولكن سفير الولايات المتحدة في دمشق روبرت فورد، كان يكرّر دائمًا أن بلاده لن تتدخل كما فعلت في مصر وليبيا”.
وأضاف، “ثم جاء ترامب، فكانت سياسته في سوريا تقوم على الفوضى والارتجال وعدم الاتساق، فكان يوجه ضربة استعراضية إلى مطار فارغٍ في يوم، ثم يأمر قواته بالانسحاب في يومٍ آخر، ما اضطر قادته إلى الكذب عليه”.
وفي 7 من نيسان 2017، استهدفت القوات الأمريكية بـ 59 صاروخ “كروز” من طراز “توماهوك” مطار “الشعيرات” العسكري في ريف حمص.
وعُدت الضربة أول هجوم انفرادي لقوات الولايات المتحدة تعمد استهداف قوات النظام السوري، وبرر ترامب الضربة بقوله، “إن المصلحة الأمنية الوطنية الحيوية للولايات المتحدة هي منع وردع انتشار الأسلحة الكيماوية الفتاكة واستخدامها”.
وسبق أن هدد أوباما، النظام السوري، بضربة عسكرية واسعة في عام 2013 ردًا على استخدام الأسد السلاح الكيماوي لضرب المدنيين، قبل أن يتراجع بفعل قبول النظام السوري تسليم مخزون سلاحه إلى منظمة الأسلحة الكيماوية.
ويبدو السواح أكثر تفاؤلاً مع مجيء بايدن إلى البيت الأبيض، فهو يرى أن الأمور ستختلف إلى حد كبير، فالرجل ليس “هوائيًا ولا هاويًا” بحسب تعبيره، ويملك باعًا طويلًا في السياسة الخارجية، سواءً من خلال خبرته في مجلس الشيوخ أو من خلال شغله لمنصب نائب للرئيس في عهد أوباما.
ويعتقد السواح أن الملف السوري لا يزال جزءًا من صورة أكبر، ولا تزال واشنطن تنظر إليه من منظار طهران أو تل أبيب، “لذا لا يجب أن نأمل بدور أمريكي كبير في تغيير النظام، أو في مسار مساءلة حقيقية لمجرمي الحرب، ولكن حلًا سياسيًا يقوم من خلال التقارب الروسي الأمريكي، قد يكون هو الحل الممكن”.
عنب بلدي