كتب الكترونية

تحميل كتاب “السيد لا أحد” لأحمد طيباوي

السيد “لا أحد” يختفي تاركاً وراءه عالماً مرتبكاً/ عارف حمزة

لا يتمهل الروائي الجزائري الشاب أحمد طيباوي (1980) وهو يسرد على القارئ روايته الجديدة “اختفاء السيد لا أحد”، الصادرة عن (منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف)، ربما لأن الشخصية الرئيسة في هذا العمل، السيد لا أحد، لا يعطيه الفرصة لالتقاط أنفاسه، بل كأن الطيباوي يفقد قدرته تلك وينصاع لمزاجية أوحياة تلك الشخصية.

منذ أول سطر في الرواية تبدو تلك الشخصية عنيفة وسادية وكذلك بلا رحمة. إذ يقول في مفتتحها، “أملك سكيناً في مطبخي، لم أكن في يوم من الأيام عدوانياً، لكنني أفكر جدياً في الاستعانة به خارج استخداماته المعتادة، إن استمر هذا الشيخ المقرف في ثرثرته. سأقطع لسانه، وعضواً آخر إذا لزم الأمر”. هذه العدوانية يُضاف إليها النزق والشر كلما أكمل القارئ القراءة، ولكن سطراً بعد آخر تقوم جملة “لم أكن في يوم من الأيام عدوانياً”، التي وردت في المفتتح، بتمديد دواخل تلك الشخصية أكثر، ثم تشرح لنا ماضيه، لنعثر على السيد لا أحد الذي يوجد في داخل كل أحد تعرض لظروف أقل سوءاً حتى مما مرت به تلك الشخصية. وبمتابعة القراءة نجد أن السيد لا أحد قد سكن في بيت صديقه مراد، الذي هاجر فجأة إلى ألمانيا، تاركاً والده المجاهد السابق المُقعد الآن في الشقة المقابلة لشقته، وفي عهدة هذا السيد لا أحد، الذي يعتبر أن “الوحدة سيئة ومخالطة الناس أسوأ”، والذي باع هاتفه بسبب العوز، ولم يكلم أحداً أكثر من خمس دقائق متواصلة لمدة عام كامل.

ماضيان وسيرتان

تنقسم هذه الرواية، التي تجري أحداثها في 120 صفحة فقط، إلى جزئين. في الجزء الأول نعثر على سيرة السيد لا أحد القصيرة خلال نشأته وتعليمه وماضيه ككل، بينما سيرته الراهنة في الاعتناء بوالد صديقه المقعد تأخذ الزمن كله. وكأن ماضي السيد لا أحد السابق على سكنه في شقة صديقه مراد كان عبارة عن فقاعات. كان ماضياً مر بسرعة وانتهى. بينما “ماضيه الجديد” الذي يُشكله خلال هذه الرواية هو ما يُمكن أخذه على محمل الجد. ولكن لو قرأنا هذا الجزء لرأينا أن “الماضي الجديد” أو السيرة الجديدة للسيد لا أحد لا أهمية لها أيضاً. وقد مضت أيضاً، وكان ذلك الماضي سيموت بشكل عادي، لولا أنه ترك وراءه جثة والد صديقه وهي تتعفن ميتة في الشقة التي في الطابق الأخير من بناء في منطقة شعبية.

في القسم الأول نعثر على مونولوغ طويل وشخصيات قليلة. مونولوغ السيد لا أحد وهو يحدثنا عن “عمي مبارك” صاحب المقهى أسفل البناء الذي يسكن فيه، الذي يشرب عنده في المقهى على الحساب. وكذلك عن بعض رواد المقهى القلائل، ومنهم الشيخ الذي يُريد استئجار الشقة منه ليستقبل زبائنه الذين يُريد شفاءهم من الجن والأمراض، على أن يتقاسما معاً ثمن المعاينة. ولكنه يخسر هذا المورد المادي بعد أن يضبط ذلك الشيخ، في أول معاينة، وهو في نزوة مع فتاة، كل ما نعرفه عنها أنها ترتدي قميص نوم أزرق. شخصيات قليلة تعيش في هذا الجزء، مثل الفتاة المراهقة التي تسكن في الشقة المقابلة للبناء الذي يسكن فيه.

حياة خفيفة وضيقة

يتحمل السيد لا أحد، وهو النزق الذي هرب من مشفى للأمراض النفسية بعد مساعدة من ممرضة بدينة وعدها بالزواج، المرض الدائم لوالد صديقه الذي ذهب إلى ألمانيا ونسي والده. تحمل ذلك لأنه كذلك بلا مأوى وبلا عمل. لا مورد له سوى راتب ذلك المجاهد الذي يتعفن في سريره بشكل بطيء.

تبدو حياة السيد لا أحد في هذا الجزء خفيفة وضيقة، وهي تجري في شقته وفي شقة المجاهد المقعد وفي المقهى وعلى الشرفة، لكنه ليس ذلك الشخص الإنساني الذي ينغمس في الاعتناء بوالد صديقه، بل يتمنى التخلص منه في أي وقت، والتحرر منه، على الرغم من أنه لا يدري ماذا سيفعل بحياته بعد أن يموت ذلك الشيخ، وقد يأتي ورثته الغامضون ويطردونه من ذلك المكان المجاني. يتمنى السيد لا أحد موت المجاهد، بل يتواصل مع مخبر الحي ليؤمن للمجاهد قبراً ليقوما بدفنه سراً. ويتواصل مع مبتزين آخرين للحصول على رواتب المجاهد في مركز البريد، فيأخذا منه ثلثي المال ويتركان له الثلث فقط. وهكذا نجد أن كل شيء قد يجري في ذلك القاع ضمن منظومة الفساد الكبيرة.

شخصيات جديدة

يبدأ الجزء الثاني باختفاء السيد لا أحد، وعثور الجيران على المجاهد العجوز ميتاً، بعد أن تبدأ جثته في التفسخ. ثم يبدأ البحث عن ذلك الشاب الذي كان مع ذلك المجاهد طوال الأشهر الأخيرة. وعلى الرغم من أن الطبابة الشرعية أثبتت بأن الموت كان طبيعياً، ولا حادث جنائياً في الأمر، إلا أن الضابط يتابع البحث عن السيد لا أحد، بخاصة مع تضارب أقوال الناس في المقهى والحي الذي سكن فيه. منهم من قال إنه شاب في الأربعينيات، ومنهم من قال إنه في السبعين من عمره! أوصاف متعددة ومختلفة من شخص لآخر. وكأن لا أحد التقى به. وكأن ذلك الشخص ذاب في شخصيات أخرى كثيرة. “قضية بسيطة، لكنها محيرة وقد لا تستحق أن تحظى بأي اهتمام خاص.. الانطباعات الأولية خطيرة، وقد تجعل المحقق سجيناً لها وتضلله. شيء ما يُحيره، ما معنى ألا يجد ما يستدل به على رجل كان يعيش وسط حي شعبي ثم لا يعثر على دليل واحد يوصله إليه؟ وتكون أكبر غنائمه، بعد ذهاب وإياب، أقوال متضاربة؟”.

في هذا القسم يقوم صاحب رواية “موت ناعم” بتمديد سير الشخصيات، ربما لأنها خضعت لتحقيقات محقق الشرطة، فصرنا نعثر على سيرة أوسع للمجاهد الميت “سليمان بن نوى” وهو من برج منايل، ويسكن خلال الرواية في حي شعبي في مدينة الرويبة. نعثر على حياة أوسع لصاحب المقهى وكذلك لرواده القلائل الذين كان لهم احتكاك بالسيد لا أحد، وكذلك الخادمة سعدية التي كانت تنظف بيت المجاهد قبل انتقالها الإجباري إلى مدينة أخرى. قالت للمحقق إنها لا تعرف اسم السيد لا أحد. إذا كان الشيخ يناديه مراد على اسم ابنه الغائب. “كان يتذمر من رعايته، لكنه لم يتخل عنه، وقد أدخله للمستشفى عندما ساءت حالته”.

سير أخرى

في الوقت الذي تتبدد سيرة السيد لا أحد، نعثر على سير أخرى لا علاقة لها بالحدث، ولكنها ليست من أجل زيادة صفحات الرواية. بالعكس، فالتكثيف هي ميزة قام بها صاحب رواية “مذكرات من وطن آخر”، ولكن هذه الميزة قد لا تكون في صالحه دائماً. القارئ النهم والفطن سيجد هذه الميزة لصالح العمل. وسيدخل في اللعبة التي لعبها المؤلف، حيث تتداخل كثير من الأمور والأحاديث لشخصيات مختلفة، وعلى ذلك القارئ أن ينتبه، ويقوم بفصل ما بدأ مع شخصية، وما انتهى مع شخصية أخرى.

أما القارئ العادي فقد يترك هذه الرواية سريعاً، ويضعها جانباً، ظاناً أن هناك أخطاء حوارية أو حتى في هيكلة الرواية نفسها.

ربما نزق الراوي الأساسي، وهو السيد لا أحد، قد أثر في كاتب العمل، فكتبها بتلك الطريقة التي قد تذكرنا ببعض أعمال صموئيل بيكيت.

إنها رواية تتحدث عن عالم من القاع البعيد عن الأضواء. عن الهامش الذي يُبدد حياة الناس في البطالة والفقر والعوز والاستغلال والعتمة. أناس كذلك يخافون أن يدلوا بأقوالهم في تحقيق ما، لكي لا يقعوا في أشياء هم بغنى عنها، ولن يعرفوا كيف سينجون من ذلك، فصاروا يتحدثون عن شخص وكأنه كان عند كل واحد منهم شخصية تختلف عن الآخر، لكن “الغريب أننا لم نعثر على أي بصمات (في الشقة) كأن من كان يعيش فيها كان مبتور الأصابع. ذهبتُ لأسأل صاحب دكان قريب (يقول المحقق)، ثم صاحب مقهى مجاور، كل يقول إنه رآه مرات قليلة، غير أن المحيّر هو أنهم يتحدثون عن أناس مختلفين”!

حتى نهاية رواية “اختفاء السيد لا أحد” تبدو مبتورة، على الرغم من أنها تشي بنهايات متعددة. فالطبيبة المطلقة هدى، التي عندها ولد، تبدأ البحث عن المحقق الذي اختفى. كان قد اتفق على الزواج منها، وهو مسرور بوجود طفل لديها، وهو العنين الذي طلقته زوجته لعدم الإنجاب. الطبيبة التي وقعت في غرام المحقق وعاشت معه ليلة جنونية ستبدأ البحث عنه لأنها تريد أن تخبره أنها حامل. وفي نهاية الرواية تذهب لحفل زواج صديقتها الممرضة البدينة، ويتصل بها محافظ الشرطة ويطلب منها الحضور فوراً. “ولم تنتبه لدخول العريس، لكنها عندما رفعت رأسها ورأته، عرفت أن الوقت تأخر كثيراً ليتدارك الجميع أي شيء”.

هكذا تنتهي الرواية وعلى القارئ أن يخمن إذا ما كان العريس هو حبيبها المحقق “رفيق” المختفي أم السيد لا أحد نفسه.

رواية “اختفاء السيد لا أحد” (التي فازت عن جدارة بجائزة نجيب محفوظ لهذا العام)  كأنها تبحث في تفسير غموض شخصية ما، فتذهب بالقارئ إلى الوقوع في غموض أكثر، في غموض حيوات كاملة، وفي غموض شخصيات تعيش على الخوف أو الابتزاز أو الفساد. رواية غامضة ومثيرة وربما نخبوية أيضاً. 

لتحميل الرواية من أحد الروابط التالية

اختفاء السيد لا أحد”/ أحمد طيباوي

اختفاء السيد لا أحد”/ أحمد طيباوي

“اختفاء السيد لا أحد”/ أحمد طيباوي

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى