رياض درار: منفتحون على كل القوى ويمكن لتركيا لعب دور في السلام
أجرى الحوار طارق صبح ومحمد حاج بكري
ينحدر رياض درار من مدينة دير الزور، ولد فيها في العام 1954، وحصل على بكالوريوس لغة عربية من جامعة دمشق، سافر بعدها إلى المملكة العربية السعودية، حيث درس ودرّس العربية، ليعود بعدها إلى سوريا ويعمل كداعية وإمام ومعلم للقرآن في مساجد دير الزور، إلى جانب عمله في الخطابة والنشاط الاجتماعي.
عُرف عن الشيخ رياض، كما يناديه المقربون منه، في بداية حياته الهوى الناصري، وبدأ نشاطه السياسي فعلياً منذ العام 2000، حيث التحق بلجان إحياء المجتمع المدني وبدأ النضال لأجل حقوق الأكراد في سوريا، واعتقل في العام 2004 على خلفية كلمة ألقاها في جنازة الزعيم الصوفي الكردي الشيخ معشوق الخزنوي، الذي اغتيل في أعقاب انتفاضة الأكراد في العام نفسه، فضلاً عن دوره في التحضير لمؤتمر المعارضة في دير الزور الذي عُقد في العام 2005 وعُرف باسم “ربيع دير الزور”، وحُكم عليه بالسجن لخمسة أعوام بتهمة التعاطف مع الانفصاليين الأكراد ومحاولة تقسيم البلاد، شهد خلالها الاستعصاء الذي حصل في سجن صيدنايا والمجزرة التي تلته، ليفرج عنه في حزيران من العام 2010.
مع اندلاع الثورة السورية، انخرط رياض درار في فعالياتها السياسية، وكان أحد المؤسسين لكتلة “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي” في تشرين الأول من العام 2011، واستقال منها في آب من العام 2014، وفي شباط من العام 2017، انتخب رئيساً مشتركاً لـ “مجلس سوريا الديمقراطية”، خلفاً للمعارض هيثم منّاع، وما زال في منصبه حتى الآن.
حين طلبنا من الأستاذ رياض درار إجراء هذا الحوار، أجاب “سأتحدث هكذا على السجية، دون مرجعية إلا خلفيتي السياسية والأخلاقية، وأعتبر أن المصداقية التي سأتحدث فيها هي وسيلتي لإيصال المعنى”، ونحن سنرفق إجاباته على أسئلتنا كما وردت منه.
عندما يذكر اسم الشيخ رياض درار أمام كثير من السوريين يتبادر إلى الذهن “مجلس سوريا الديمقراطية” والارتباط (البعض يقول هيمنة) مع حزب “الاتحاد الديمقراطي”، ومحاولة استبدال نظام شمولي بآخر عبر سلطة الأمر الواقع. كيف تفند هذا الاتهام؟
حزب “الاتحاد الديمقراطي” أحد الأحزاب المنضوية ضمن “مجلس سوريا الديمقراطية”، وله إمكانية الحديث عن التأسيس، لأنه الحزب الأكبر والأقوى، وتعرفت على ممثلي هذا الحزب في “هيئة التنسيق الوطنية”، عندما كنا في المكتب التنفيذي أنا والأستاذ صالح مسلم وآخرون.
التجربة علمتني أن أُنصف الناس وألا أتوقف عند التهم الملقاة، خاصة في أثناء الخصومات. تجربتي مع “الاتحاد الديمقراطي” بدأت منذ العام 2011 عندما كنت أؤسس فرع الهيئة في الحسكة، وكان التجاوب كبيراً، وكان الحزب يقوم بمهام حماية المنطقة والدفاع عنها، وبالتالي أنا أقوم بالتقييم من خلال هذه التجربة.
ولاحقاً أيضاً، كنت موجوداً في التواصل بعد خروجي من “هيئة التنسيق” وتشكيل “مجلس سوريا الديمقراطية”، الذي لم أنضو فيه مباشرة رغم أني أرسلت رسالة تهنئة، والأسباب لا أريد ذكرها، لأني كنت في المؤتمر الثاني البديل لمن وقف في وجه حضوري في المؤتمر الأول.
هذه التجربة هي تجربة مهمة جداً، ونأخذ اسم “الاتحاد الديمقراطي” كتعبير عن الهدف المنشود من هذا الحزب، لأنه يتحدث كحزب وتوجه سوري، رغم غالبيته الكردية، بدليل انسجامه مع مسار “هيئة التنسيق”، التي هي بغالبيتها من الأحزاب القومية العربية والماركسية والشيوعية.
الاهتمام في الداخل السوري يجعلنا نفكر أن حزب “الاتحاد الديمقراطي” وكل مسار خرج عنه هو مسار يعمل من أجل سوريا موحدة، لكن من خلال حواراتي وأحاديثي، كان هناك تفكير كيف يمكن التعامل مع الخصوصية الكردية في سوريا؟ وكان السؤال الدائم للمعارضة قولوا لنا ماذا يمكن أن تعطونا خلافاً للنظام الذي منعنا من المشاركة والحضور وقيّد حياتنا في السياسة والمجتمع؟
المعارضة لم تجب على هذا السؤال، مما دعا مسار الحزب للتوجه باتجاه إعداد قوة للمقاومة باسم “وحدات حماية الشعب”، و”ووحدات حماية المرأة”، والذي جعلها تستمر هو ظروف سوريا التي عانت من الفوضى، فكان هذا الحزب، المنظم عقائدياً وعقلياً، بمقدوره الاستمرار بالمسير في هدفه والدفاع عن المنطقة وتحريرها من “تنظيم الدولة”، وصولاً إلى التحالف مع قوات “التحالف الدولي”، وإنشاء قوة عسكرية سورية باسم “قوات سوريا الديمقراطية”، التي نشأت قبل تأسيس “مجلس سوريا الديمقراطية”.
ولذلك الهدف أصبح واضحاً بأن الحزب يعمل من أجل سوريا موحدة، وأنا كعربي، عملت في أحزاب قومية عربية وكنت جزءاً من مسار الطليعة العربية وفكري من مؤسسي الفكر القومي العربي، أعتقد أن الحق الكردي في الوجود وفي المشاركة وفي التعبير هو كحقي كعربي، وإذا لم أفكر كذلك أكون قد خنت قضيتي أولاً.
كيف تصفون علاقاتكم مع مختلف التشكيلات السياسية للمعارضة السورية، داخل سوريا وخارجها، وهل هناك محاولات لرأب الصدع في هذه العلاقة؟
“مجلس سوريا الديمقراطية” تشكيل منفتح على كل القوى السياسية الديمقراطية، وحاولنا عبر مؤتمرات الحوار السوري – السوري، التي أقيمت في الأعوام 2017 و2018، وبعد ذلك في الورشات التي أقيمت في أوروبا وهي 6 ورشات في عواصم أوروبية، الانفتاح على القوى السياسية والشخصيات الديمقراطية.
محاولات رأب الصدع مستمرة، بدليل دعوتنا، مع آخرين، لعقد مؤتمر القوى الديمقراطية والمشاركة فيه بفاعلية، ومن أجل توحيده وتوحيد الديمقراطيين في منصة ديمقراطية سورية، تستطيع أن تقيم التوازن مع القوى التي أصبحت مسيطرة، سواء باسم القومية العربية أو الدينية الإسلامية.
ووجود قوة ديمقراطية وازنة يمكنه تعديل الميزان في الاستحقاقات المستقبلية أو التي نواجهها أو التي نصنعها، نحن مع التوجه الديمقراطي، ونبني هذا التوجه على أساس التدرّج، لأن ليس كل من طرح الديمقراطية هدفاً أو تحدث بها، هو ديمقراطي بالمعنى الكامل، فالديمقراطية مراحل، ويمكن أن نصل إليها بالتدرّج، وهذا هو تقييمنا للعمل السياسي والعلاقات السياسية.
بعد عشر سنوات وجمود متواصل.. كيف ترون مسارات الحل السياسي، وأي منها يلبّي تطلعات الشعب السوري؟
الشعب السوري قام بثورة حقيقية تستحق، ضمن الأهداف المعلنة لها، أن تُسجّل ضمن الثورات المميزة، ولكنها انحرفت عن مسارها بسبب ضعف إدارتها، المنوط بالمعارضة التي حملت هم هذه الإدارة.
فشلت المعارضة ولم تصل إلى مبتغاها، والثورة ستستمر، صحيح أنها لم تنجز أهدافها في الحركة الأولى، وربما تعيش الآن استعصاء، لكن هذا يستوجب لاحقاً قراءة جديدة لمسار ثورة جديدة على النظام والمعارضة نفسيهما، لتشكيل مسار يمكن أن ينجز الأهداف، وبالتالي، فإن تطلعات الشعب السوري تمر بصعوبات، لكن يمكن أن تأتي لاحقاً.
فعلى سبيل المثال، التغيرات استمرت في الثورة الفرنسية، حتى إنه عاد نظام الحكم الملكي أكثر من مرة، ومع ذلك الهم الذي حمله الشعب في ثورته الأولى بقي مستمراً حتى حقق إنجازه أخيراً، وهذا ما نتطلع إليه، والشعب السوري الآن يبني نفسه ويتعلم.
الحل السياسي قد لا يكون منجزاً كما تهوى الثورة التي قامت، لكن ربما يكون هناك تفاهمات تُوصل إلى حلول جزئية، والأهم في هذه التفاهمات هو وقف النظام القائم عن مساره، ورسم مسار لنظام جديد، قد يكون خليطاً، لكنه سوف يعطي تغييراً لاحقاً في الأهداف وفي المسار ثم في الإنجاز.
ماذا عن هيئة المفاوضات واللجنة الدستورية؟
تشكيل هيئة المفاوضات واللجنة الدستورية تراجع عن تنفيذ أهداف مقررات “جنيف 1″، التي كانت كافية ووافية لتغير حقيقي في المسار السياسي والحل الديمقراطي والوطني، والتراجع كان نتيجة ضعف أداء المعارضة وتدخل القوى الدولية والإقليمية، التي كانت تبحث عن حصص لها.
أعتقد أن المسار الآن يدار خارج حضور السوريين، لأنهم بقوا في الواجهة فقط لتمرير الوقت وتحقيق مزيد من المكاسب والحصص لهذه القوى الدولية والإقليمية، التي استطاعت أن تحقق مكاسبها، والآن تحاول تثبيتها بمرور الوقت على حساب مسار يتقدمه ممثلو المعارضة باسم “هيئة التفاوض” أو باسم “اللجنة الدستورية”، التي باعتقادي لم تحقق شيئاً، لأن الحضور الروسي والإيراني يزيد من عنجهية نظام الأسد، والتردد الأميركي والتركي يجعل المعارضة غير مستقرة وغير قادرة على الإنجاز، ومن هنا فإن القرار هو خارج يد السوريين الآن، ويحتاج إلى اتفاق بين القوى المتدخلة.
لا أحد يستطيع الإنكار بأن القوى الإقليمية والدولية هي من تمسك بالملف السوري، وتسير الأطراف السورية وفق مصالحها والتوازنات فيما بينها. كيف ترون الوضع في سوريا وفق تفاهمات هذه القوى ومقترحاتها للمسارات السياسية؟
تدخل القوى الإقليمية والدولية والبحث عن مصالحها في الصراع السوري أنجز مساره إلى حد بعيد، وبقيت بعض التفاهمات للوصول إلى هذا الإنجاز متمثلة في دور تريده روسيا بالاتفاق مع تركيا وإيران، وهو إخراج أميركا من سوريا، ما يجعل سوريا ملعباً لروسيا يمكّنها من اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية كهدايا لصالح تركيا أو إيران، وهذا جزء من التنافس الروسي الأميركي.
باعتقادي الآن، أن السوريين لا يستطيعون فعل شيء إلا في حالة واحدة، وهي أن يدوسوا على جراحاتهم وصراعاتهم الماضية، ويمدوا يد بناء الثقة لمسار جديد، وهذا يتطلب التنازل عن المصالح الشخصية والأهداف الجزئية والارتهان للقوى الخارجية، عندها فقط يمكن للسوريين أن يشكّلوا رافعة لعملهم تجعل المسار الدولي والإقليمي يرتبط بأهدافهم الجديدة.
كسوريين، نحتاج إلى دافع حقيقي يجمعنا، فنحن ما زلنا نتوجه وفق مصالحنا، ومع نهاية هذه المصالح، نستطيع تشكيل قوة موحدة، وبناء إدارة خاصة بنا، عندها ستسير وراءنا الدول من كل الاتجاهات.
كيف ترون دعوة “هيئة التنسيق” لعقد مؤتمرها وتشكيل “الجبهة الوطنية الديمقراطية”، وهل وجهت لكم دعوة للمشاركة؟
كنا مع “هيئة التنسيق الوطنية” في تواصل وحوار مستمر خلال الشهور الماضية، وصلنا فيها إلى تفاهمات أساسية، وبقيت بعض التفاهمات خارج إطار العمل السياسي وتدخل في عمل “الإدارة الذاتية”، وتركنا الأمر موصولاً بها في حال اتفقنا على تفاهمات سياسية وأخرجنا ورقة للتفاهم السياسي، لذلك نحن في الانتظار.
أما فيما يخص مؤتمر “الجبهة الوطنية الديمقراطية – جود”، نحن لسنا مشاركين فيه ولا مدعوين لسببين، الأول أن هذا المؤتمر وأوراقه ومساره الذي طرحته “هيئة التنسيق” كان مطروحاً منذ فترة طويلة، ودخلت فيه أطراف وخرجت منه أخرى، والأطراف الموجودة حالياً هي فقط المدعوة لحضوره.
السبب الثاني، أنه نحن لدينا منذ سنتين طرح بنفس الاتجاه، الدعوة لمؤتمر القوى الديمقراطية، وهو ثلاثة لقاءات فيزيائية في سوريا باسم “الحوار السوري – السوري”، وست ورشات في أوروبا، واللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر ما زالت مستمرة.
وأعتقد أن “هيئة التنسيق” بعد أن تنجز مؤتمرها، تستطيع التفاهم مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر القوى الديمقراطية والتوصل لتفاهمات بخصوصه.
صرحتم منذ وقت قريب بأن اقتراح “المجلس العسكري” قد يكون مدخلاً لحل شامل للأزمة الحالية، ما هي رؤيتكم لهذا المجلس، وكيف يمكن أن تشارك “قوات سوريا الديمقراطية” فيه باعتبارها الجناح العسكري للمجلس؟
باعتقادي أن المجلس العسكري فيما لو تم الاتفاق حول إنجازه وتشكيله يمكن أن يكون عاملاً محرضاً لتحقيق التفاهمات الدولية وإنجاز هيئة حكم انتقالي، لأن المجلس العسكري إذا بدأ عمله سيكون هناك فصل مباشر لدور رئاسة الدولة وتعليقها، وسيكون هذا المجلس بمثابة انقلاب، لكنه مقبول دولياً لإنجاز مهمة عملية في مسار الحل السياسي، بدلاً من التعقيد الذي يؤكد على بقاء النظام بشكله الحالي وترقيعه للحل وتمريره للوقت بلا مبرر، ويمكن للمجلس العسكري أن يحقق إنجازاً بإعادة دور القوات المسلحة والأمن لتصبح هناك بيئة آمنة يمكن أن يتم فيها الإنجاز السياسي.
ودور “قوات سوريا الديمقراطية” هو نفس الهدف الذي طرحته منذ البداية، أنها ستكون جزءاً من الجيش السوري بعد التسوية، ما يعني أن مشاركة ممثلين عن “قوات سوريا الديمقراطية” في هذا المجلس هو مشاركة في رسم الجسم العسكري وكيفية الحضور فيه، وهو توجه آخر لتكون كل فعاليات الأجسام السورية مشاركة في الحل السياسي.
ما هي حدود علاقتكم في “مجلس سوريا الديمقراطية” بالمفاوضات الكردية – الكردية، ومن يعرقل التوصل إلى حل يجمع الأحزاب الكردية؟
أحزاب الوحدة الوطنية الكردية في غالبيتها أعضاء في “مجلس سوريا الديمقراطية”، وهي التي تتفاوض مع “المجلس الوطني الكردي”، و”مجلس سوريا الديمقراطية” مؤمن تماماً بهذه التفاهمات كوسيلة لتوحيد الصف الكردي الذي يمكن أن يوحد وراءه قوى المعارضة السورية، لأن هذين الجسمين موجودان في مكانين مختلفين الآن، فالمجلس الوطني الكردي موجود في قائمة الائتلاف، والتفاهمات معه يمكن أن تقود إلى تفاهمات مع “الائتلاف الوطني” وممثليه في توحيد صف المعارضة.
نحن في “مجلس سوريا الديمقراطية” ندعم هذه المفاوضات وندفع إليها، وطالبنا بها في مؤتمرات عدة قبل حتى قبل أن تبدأ، لكن يبدو أن هناك موانع تعرقل الاستمرار، وننتظر أن نعي جميعاً هذا الهدف وأن نتنازل عن بعض شروطنا من أجل مصالح الجميع.
يعتبر الشيخ رياض درار من وجوه ربيع دمشق، ويُعرف عنه الانفتاح على الآخر مهما كان مختلفاً ضمن إطار الديمقراطية، برأيك، كيف يمكن مقاربة وجهات النظر بين التيارات الكردية والمعارضة السورية؟
يمكننا الحديث عن توافقات القوى الديمقراطية فيما بينها باستمرار، لأنها هي الأقرب لقبول الآخر وللتسويات وللبناء على تحقيق مصالح الجميع، ومسار العمل الديمقراطي هو الذي ينجز الأهداف التي لا تتوقف عند حدود الانتماءات الإيديولوجية التي أدت على صراع في لحظة ما.
وباعتبار ذلك، يمكن الحديث عن أن التيارات الكردية الموجودة إذا اتفقت ستكون رافعة لما هي رافد للمعارضة السورية، فالمعارضة تحتاج إلى القوة الكردية وتحتاج إلى أدائها المنظم، وتحتاج إلى عمقها في التجربة.
وأضرب مثلاً في ذلك عندما عقدنا مؤتمر محيميدة في أيار 2005 (الذي يعُرف بإعلان دير الزور)، دعونا أحزاباً كردية لهدفين، لأنها أحزاب سورية أولاً ولأن لها قدرة منظمة نستطيع أن نستفيد منها، بسبب التشتت الفكري والسياسي لدى القوى السورية الأخرى.
نحنا عشنا مواتاً سياسياً، وكنا نحتاج لهذه التجربة، وأعتقد الآن بعد فشل تجربة المعارضة نحتاج إلى هذا الدور الإيجابي للقوى الكردية الموجودة، لأن الجميع سيعمل في صورة سوريتهم المشتركة، فالهويات في المرحلة القادمة هي مواقف ثقافية والصراع السياسي هو صراع قوى تعمل من أجل إنجاز الحل السياسي في سوريا والبناء المشترك للجميع على أساس سوريتهم.
أجريت عدة جولات للحوار بينكم وبين النظام، وتحدثت تقارير عن توافق على بعض الملفات وخلاف على كثير غيرها، أين وصل هذا الحوار، وماذا تريدون منه بالضبط؟
أجرينا بالفعل عدة لقاءات مع النظام بهدف بناء الثقة، لأن الإنجاز لا يكون من دون بناء الثقة، والتوافق يكون على الأهداف، لكن لم نصل إلى ذلك، لأن النظام يريد أن يعود كما كان متغوّلاً في الدولة والمجتمع، ويريد أن يعطي مكاسب صغيرة للكردي ككرد دون أن يحقق إنجازاً حقيقياً لأهداف الوطن وأهدف السوريين في هذا الوطن، لذلك رفض المفاوضون أن يكون هناك ثمن لأهدافهم الوطنية.
كان هناك إمكانية لتشكيل لجان في عدة مسائل في مجال الخدمات، يمكن أن تنجز شيئاً من بناء الثقة، وتتعلق بالسجل المدني لحاجات الناس إليه، وفي مواضيع الصحة والتربية والتعليم، وأيضاً في قضيتي الكهرباء والماء من خلال تحقيق إنجاز في سد الفرات يمكن أن يصلح ما تخرب بسبب “تنظيم الدولة”.
النظام لا يريد التوصل إلى إنجاز لأنه يبحث عن سلطة وعلم وصورة وخضوع الآخرين لما يمليه، ولذلك كل دعواتنا لمسائل بناء الثقة لم تعطِ نتيجة، وهذا يستوجب منا دائماً أن نطالب وألا نتوقف، لأنه بالنتيجة لا بد للأحداث وللأيام وللصعوبات التي يعاني منها النظام أن تكسر هذا الحاجز الذي يقف وراءه متعنتاً ومحاولاً أن يكسب الوقت.
دعوتم لضم أحزاب وتشكيلات سياسية جديدة إلى “مجلس سوريا الديمقراطية”، أين وصلتم في ذلك، وما الهدف من هذه التوسعة؟
إن تواصلنا مع القوى والأحزاب السورية من أجل انضمامها إلى “مجلس سوريا الديمقراطية” هو بهدف المشاركة الحقيقية لجميع مكونات المجتمع، لأن توجهنا هو دائماً إلى الأحزاب والقوى الديمقراطية والعربية الموجودة في الضفة الأخرى، وبمشاركتها يمكن أن نتجاوز التهمة التي تتكرر بأن هناك أهدافا تتعلق بالاستقلال والانفصال للقوى كردية من وراء هذا المشروع.
إن المشاركة تعني أننا جميعاً كسوريين لنا توجه مشترك وواحد وهو تحقيق أهداف الثورة السورية، وأن تبقى سوريا موحدة، وأن يكون هناك بناء جديد لشكل النظام الذي نريده نظاماً لا مركزياً، ونموذجاً ديمقراطياً حقيقياً عبر التحولات المرحلية نحو الديمقراطية.
ولذلك توجهنا أيضاً هو قائم باتجاه القوى الديمقراطية، وفي الفترة الأخيرة كان هناك أكثر من إنجاز لدينا بانضمام عدد لا بأس به من الأحزاب والقوى، من بينها “الجمعية الوطنية”، التي كانت امتداداً لـ “مجموعة عمل قرطبة”، وشكّلت رافداً قوياً وإيجابياً لوجود عدد لا بأس به من النخب الثقافية فيها، ولامتدادها في داخل الوطن حيث لها وجود في دمشق ومحيطها وفي حمص وحلب.
هذه القوى أيضاً هي مجموعة من الأحزاب والمكونات، ولديها نشاط عبر مؤتمرات عديدة أنجزت فيها الكثير من المهام، فالمشاركة معها هو إنجاز جديد لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” سيتبعه المزيد من الحوارات مع قوى أخرى.
تتهمكم العشائر في الجزيرة السورية بإشعال الفتنة فيما بينها، وتهميش بعض العشائر على حساب أخرى، وفرض أيديولوجيا على أبناء المنطقة، كيف ترون هذه الاتهامات؟
لم تستطع أي قوة أن تجمع العشائر كما فعلنا، ومؤتمر العشائر الذي جرى في أيار من العام 2019 في عين عيسى تجاوز حضوره ستة آلاف مشارك، والحقيقة لم يكن هناك مطلب للعشائر إلا وتحقق، وما زالت الأمور تسير بنفس السيرورة، ولا يوجد أي فكر يمكن أن يفرض على هذه العشائر لأننا نعلم معنى الأعراف والتقاليد ولا توجد أيديولوجيا محددة تُفرض عليها، لأن الأيديولوجيا تعمل من أجل بناء القوى السياسية والأحزاب، بينما العشائر لها دور آخر وحضور آخر وهو حضور اجتماعي مهم لا يمكن تجاوزه.
والفتنة التي تحصل هي بسبب الخروقات التي تأتي من جهة النظام، ونحن اكتشفنا مجموعة من الخلايا التي ساهمت في اغتيال عناصر من العشائر بهدف إثارة الفتنة.
كما أن هناك مشروعا عشائريا آخر يلعب دوراً مخرباً، توجد أساساته الآن في مجلس العشائر المدعوم من المعارضة ويريد تخريب التفاهمات الموجودة في المنطقة، ولا مبرر لذلك لأن هذا التخريب سينقلب وسينعكس على أبناء العمومة والخؤولة، ويسيئون إلى الدم الواحد المشترك بلا معنى أو طعم.
أهداف توحيد العمل السياسي والعشائري هو أن نبني مجتمعاً مشتركاً في قواعد المصالح المشتركة، ومن دون إثارة النعرات على أساس الولاءات الموجودة عند البعض.
تؤكد “الإدارة الذاتية” أنها تقوم باستثمار النفط في منطقة الجزيرة لصالح أبناء المنطقة وإقامة مشاريع تخدمهم، لكن هناك من يقول إن ملف النفط هو بيد واشنطن وفق تفاهمات وقعتها شركات نفط أميركية معكم، أين ملف النفط الآن، ومن يتحكم به، وفيمَ تستخدم موارده، وما هي حدود صلاحية الشركات الأميركية فيه؟
النفط ثروة وطنية يجب أن يعم نفعها على الجميع، لكن علينا أن نعلم أن آبار النفط حالياً بسبب سوء الاستخدام ليست بالإنجاز والإنتاج الكبير، ولذلك فإن مردودها لا يمكن أن يكون بالمعنى المتصور بأن هناك فائضاً بسبب استثمار هذا النفط.
في الحقيقة هناك إمكانية بسيطة تخدم المجتمع المحلي، وبعض الإنجاز باتجاه السوريين في مناطق أخرى، وهو خدمة مشتركة للجميع.
نحن لا نرد على التطاولات التي تتحدث عن نهب النفط، لأن الحقيقة غير ذلك، أما كيف يستثمر، وهل الوجود الأميركي مؤثر في ذلك، في الحقيقة لا يؤثر الوجود الأميركي على هذا الاستخدام على الإطلاق، ولا توجد شركات الآن تدير هذا الاستخدام لأن الاتفاقات لم تُعط إنجازها بعد.
نتمنى أن يكون هناك إمكانية لإعداد آبار نفط بشكل جيد واستخراجه بما ينفع، لأن عدد الموظفين الذين يستفيدون من استثمار هذا النفط يزيد على 350 ألف، وأعتقد في حال إنجازه سيزيد عدد المنتفعين أكثر وأكثر، مما يعني استقرار المنطقة وحسن الاستثمار باتجاه المحيط الذي يقدم نفعاً لبقية السوريين في المناطق الأخرى.
صدرت تصريحات عن عدة شخصيات كردية، وُصف بعضها بـ “الخجولة” و”المواربة”، حول إمكانية فتح الحوار مع تركيا حول قضايا المنطقة. هل أنتم جادون فعلاً في الحوار مع تركيا، وما المعايير اللازمة لتحقيق ذلك؟
أولاً تركيا هي جارة لسوريا، وتمتلك أطول حدود مع سوريا، وهذه الحدود غالبية سكانها من الكرد.
إن المسألة الكردية في تركيا ليس بالضرورة أن تكون ذات المسألة التي تتعلق بالكرد السوريين، وأهداف الكرد السوريين غير الأهداف التي ينشدها الكرد في تركيا، والصراع القائم في تركيا بين “حزب العمال الكردستاني” والحكومة التركية هو صراع من التاريخ، واستمراره الآن بسبب عدم السعي لحل سياسي.
وتركيا عندما تريد أن تتوجه بالتهم لمناطق الشمال السوري، ووصف القائمين على مسار الكرد بالإرهاب هي تريد أن تبرر لقواتها المقاتلة البعد الأخلاقي للقتال، باتهامهم بأنهم يتبعون لـ “حزب العمال الكردستاني”، وهذه حقيقة غير موجودة، وتهمة لا تحقق أهداف الأتراك في هذه المنطقة بقدر ما تسيء للعلاقات على الحدود، وهناك سعي واضح جداً لاقتطاع جزء من الأرض السورية لصالح سياسات القيادة الحاكمة، وأيضاً لغاية إنجاز الحضور على طاولة المفاوضات المستقبلية.
نحن نؤكد أننا لا نريد أي إساءة لتركيا، ولا الاعتداء على الحدود، ولا على الأمن القومي التركي، ونحترم حقوق تركيا في حماية الأمن القومي لها، ولكننا أيضاً نبحث عن الأمن القومي السوري.
إن أبناء المنطقة يريدون أماناً واستقراراً، لا تهديدات عبر تخويف غير موجود، والمسار الذي ترسمه القوى الكردية مع القوى العربية والسريانية الآشورية والتركمان وغيرها في المنطقة هو من أجل رسم صورة لسوريا الجديدة يشارك فيها الكرد السوريون، وبما يعنيه مفهوم المشاركة، وليس التهم المتجاوزة التي تتحدث عن تقسيم وانفصال وما إلى ذلك.
نرى أن تركيا في حال تفهمها للدور المناط سواء كان لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” أو الكرد السوريين في مسارهم الحالي، يمكنها أن تلعب دوراً تأسيسياً في إقامة السلام، وتستطيع أن تتبنى تواصلاً بين قوى المعارضة و”مجلس سوريا الديمقراطية”، وتستطيع أن تبني تفاهمات من أجل إعادة المهجرين إلى مناطق مما يؤدي إلى الاستقرار.
نعتقد أن تركيا يمكن أن تقوم بذلك، ونحن نعمل أيضاً على ذلك بتصريحاتنا وننتظر التجاوب من الطرف التركي.
تطالبون بشكل مستمر بترجمة الشراكة العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية إلى اعتراف سياسي بكم، وأطلقت عدة شخصيات من المجلس مطالبات لإدارة بايدن باعتماد ممثل سياسي للمجلس في واشنطن، ما رؤية الإدارة الأميركية لهذا المطلب؟ وأنتم ماذا تريدون منه؟
يوجد مكتب لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” في واشنطن، ينسق العلاقات ويتواصل مع الشخصيات السياسية هناك، والحقيقة نحن نأمل من الولايات المتحدة المزيد من الاعتراف لتحقيق وجود وحضور فاعل في النشاطات السياسية وفي كافة أعمال الحل السياسي.
الوعود كانت مستمرة في تحقيق ذلك بعد إنجاز التحرير من “تنظيم الدولة”، وننتظر من إدارة جو بايدن أن يكون هناك مزيد من التمثيل والمشاركة.
نحن نأمل أن تحقق الولايات المتحدة حضورها في سوريا من أجل الحل السياسي، نعلم أن سياسات الدولة غير سياسات الأحزاب والأفكار والتجمعات، لكن نحن مشروع سوري ينشد الحضور في الفعاليات السياسية وينشد دعم موقفه من أجل شكل سوريا الجديد الذي ننشده.
كسياسي ولك خلفية دينية وتوصف بالعلماني والديمقراطي، كيف ترى موقع حركات الإسلام السياسي في مستقبل سوريا؟
إن وجود الحركات الأحادية سواء كانت دينية أو قومية هو ضرر كبير في بناء الدول، لأنها بالنتيجة هي أسباب لنشوء صراعات لا تتوقف، ولذلك الحل الديمقراطي هو الذي يمكن أن ينجح في الدول المتحضرة وفي المشاريع المتحضرة أيضاً، وحضور القوى الديمقراطية يجب أن يكون علمانياً، لأن العلمانية تعني الفصل بين الدين والأيديولوجيات وبين الدولة.
فالدولة مسار خدمي لا يمكن أن يتدخل في الأديان، ولا يمكن أن يرسم السياسات على أساس مرجعياتها بقدر ما أن الأديان يجب أن تمثّل الحضور الأخلاقي والضميري للأفراد، وبالتالي فإن وظيفة الأديان يجب أن تكون في المجتمع وليس في السياسة، وحركات الإسلام السياسي لم تتوقف، وخرجت في فترة كان شعارها أن تعيد الخلافة وتعيد دولة الإسلام وهيبتها، علماً أنه لم تكن هناك دولة للإسلام بالمعنى الحقيقي، بل كانت هناك دول بمرجعيات عائلية أو مرجعيات قبائلية، مثل الدولة الأموية والدولة العباسية ودولة المماليك ودولة العثمانيين، وكلها لم تكن دولاً إسلامية بالمعنى الصحيح.
الإسلام في مضمونه ليس دعوة من أجل إقامة الدولة، بل هو دعوة من أجل فضائل الدعوة نفسها حتى تمتد للشعور الأخلاقي والبناء الذي يقوم على الحريات وعلى القيم في المجتمعات، ومن هنا، أعتقد أن أي مشاركة في بناء الدولة للإسلام السياسي هو مشروع تنافس يقوم على الصراع وإلغاء الآخر، فالتعددية هي القوة الصحيحة للدولة والاحترام الثقافي للجميع وأيضاً قبول الجميع بكل مرجعياتهم في الحضور المجتمعي في الدولة الواحدة.
هل ترى انفراجاً من أي نوع في قضية المعتقلين والمغيبين قسرياً؟
المغيبون والمعتقلون ألمنا الدائم والمستمر، إن حل مشكلة المغيبين والمعتقلين يمكن أن تكون بمزيد من الضغط الدولي لأن الجميع ساهم في الاعتقال وفي تغييب الأفراد والعناصر.
فالضغط الدولي هو الذي يؤسس لمشروع الإفراج عن الجميع لدى الجميع، وهذا الأمر يجب أن يكون مخرجاً أخلاقياً للتفاهمات السياسية والحل السياسي المنشود.
هل من الممكن أن يؤدي تدهور الوضع الاقتصادي داخل سوريا إلى أي حراك مستقبلي؟
استمرار الحصار بالتأكيد يمكن أن يؤدي إلى انفجار، فالضغط المستمر الذي يعاني منه السوريون في الداخل، مثل الجوع وانعدام الأمان والخوف المستمر، لابد له أن يؤدي إلى نتيجة، وبسبب القوة القهرية الموجودة لدى النظام أعتقد أن الأمر سيكون صعباً لكنه بين حالتين إما الموت وإما الموت، فلا بد للناس أن تنتفض وهذه هي طبيعة الأمور.
كيف ترى الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، ومحاولات تعويم نظام الأسد؟
بغياب الحل السياسي وغياب أي فعاليات يستطيع النظام أن يجدد الانتخابات، ولكنها ستكون مهزلة جديدة كما هي الانتخابات في كل مجريات الحدث السوري، الرئاسية والبرلمانية وحتى الإدارات المحلية.
الآن لا توجد صورة حقيقية عما تسمى انتخابات، هي إما استفتاء قهري وقسري، وإما تعيينات باسم الانتخابات، وبالنتيجة هذا الأمر لا يمكن أن يعتمد ولا يمكن أن يكون شرعياً، خاصة أن السوريين اليوم في كل أصقاع الأرض، ويزيد عدد النازحين والمهجرين عن نصف سكان سوريا وربما أكثر من ذلك.
تلفزيون سوريا