سؤال ادلب مرة أخرى -التطورات الأخيرة، تحليلات ومقالات-
ماذا يريد الروس من فتح المعابر؟/ حسن النيفي
قدمت وزارة الدفاع الروسية مقترحاً جديداً يقضي بفتح ثلاثة معابر بين مناطق سيطرة نظام الأسد ومناطق سيطرة المعارضة، اثنان منهما في إدلب ( ميزناز – سراقب ) وواحد في شرقي حلب ( أبو الزندين)، ولعل أول ما يستدعي الوقوف حيال هكذا مقترح، هو أنه جاء مشفوعاً بالتبرير الذي تضمنه تصريح رئيس هيئة المصالحة في قاعدة حميميم ( ألكسندر كاربوف) الذي زعم أن الغاية من وراء فتح المعابر الثلاثة هو تخفيف وطأة الحالة الاقتصادية الضاغطة على المواطنين الموجودين في مناطق سيطرة المعارضة، ويالها من نزعة إنسانية عارمة، بل لعلها مفارقة ترقى إلى درجة النكتة، وكأن الذي كان يقصف مشفى الأتارب قبل يوم واحد من صدور المقترح الروسي هو طرف مجهول، وكذلك من قام باستهداف المدنيين في ساحة معبر باب الهوى قبل يوم واحد أيضاً هو طرف يجهله كاربوف، ولكن هذه المفارقة سوف تنكسر حدّتها حين نعلم أن منهج الكذب وقلب الوقائع وإيجاد الذرائع المناسبة للعدوان هو من صلب منهج الروس في تعاطيهم مع الشأن السوري، ألم يزعم بوتين حين أعلن عدوانه على الشعب السوري في 30 من أيلول 2015 ، بأن الهدف من وراء ذلك هو محاربة داعش فحسب؟.
واقع الحال يؤكّد أنه لا يمكن تبيان حقيقة مقترح وزارة الدفاع الروسية دون الرجوع إلى الجولة الخليجية التي قام بها وزير الخارجية الروسي لافروف في الحادي عشر من شهر آذار الجاري، وتكللت بلقاء ثلاثي ( تركي روسي قطري ) في الدوحة، وكان واضحاً أن ما يدفع لافروف نحو بعض الدول العربية هو السعي نحو إيجاد خرق في الموقف من الحصار المفروض على نظام الأسد، بغية إيجاد شرايين اقتصادية – تحت شعارات قد تبدو إنسانية – من شأنها أن توقف النزف الاقتصادي الذي يوشك على خنق النظام بالتدريج، إلّا أن تحقيق هذا المسعى قد اصطدم بالرفض النابع أصلاً من الحذر الخليجي تجاه أي محاولة مخالفة لقانون قيصر من جهة، ولربط أي انفتاح اقتصادي على نظام الأسد بانصياع الأخير للقرارات الدولية وتفاعله الجدّي مع العملية السياسية وفقاً للقرار 2254 ، من جهة أخرى، الأمر الذي حال دون وصول لافروف إلى مبتغاه من تلك الجولة، ولكن البحث الروسي عن حلول إسعافية من شأنها أن توقف انهيار الاقتصاد السوري ظل قائماً، ولكن اتجه نحو الداخل السوري الذي يمكن التعاطي معه من خلال الشراكة الروسية التركية، تلك الشراكة التي بدأت بالفعل منذ مطلع العام 2017 ، واتخذت مسار أستانا إطاراً رسمياً لها، ونظراً لتشابك المصالح بين أنقرة وموسكو، والتي لا يمكن حصرها في الشأن السوري فحسب، فإن ثمة هامشاً أمام الروس للمناورة التي تتخذ في غالب الأحيان شكل الابتزاز العسكري، ولعل حالة التصعيد التي شهدتها منطقة إدلب طوال الأسبوع الماضي إنْ هي إلّا تمهيد لهذا الابتزاز الذي يجهر به الروس بكل وقاحة: إن لم توافق تركيا على فتح المعابر، فسيكون الطيران الروسي على أهبة الاستعداد لمزيد من القتل والدمار والتهجير. وفي ظل غياب أي توضيح من الجانب التركي، فإن معظم المعطيات تشير إلى أن الاتفاق قد تم. ولئن كان من الصحيح عدم معرفة ما ستقدمه موسكو لأنقرة مقابل هذا الاتفاق، إلّا أن ما تريده موسكو يبدو في غاية الوضوح، ويمكن إيجازه بما يلي:
1 – عملية فتح المعابر بين مناطق النفوذ داخل الجغرافية السورية يمكن أن تتيح للنظام انتعاشاً اقتصادياً من خلال التجارة البينية التي تجري بعيداً عن قوانين قيصر، وخاصة أن النظام لديه شبكة واسعة من تجار الحروب المتحالفين معه، والذين يمتلكون علاقات خفية مع المافيات التجارية المحمية من كل سلطات الأمر الواقع.
2 – ربما يعتقد الروس أن تفعيل الحركة التجارية بين الأطراف المتنازعه من شأنه إنعاش قيمة الليرة السورية التي تشهد تدهوراً كبيراً، وخاصة أن مناطق سيطرة المعارضة بدأت منذ فترة بإبطال التعامل بالليرة السورية، وإقرار التعامل بالليرة التركية والدولار.
3 – يعتقد الروس والنظام معاً، أن استحقاق الانتخاب الرئاسي في الأشهر المقبلة، يوجب على النظام تقديم شيء ما، لحاضنته التي باتت شديدة التململ جراء الأزمة المعيشية الخانقة، وفي ظل غياب أي انفراج اقتصادي عن النظام في المدى المنظور، فيمكن لفتح شرايين اقتصادية، ولو كانت ضيقة المدى، أن تكون متنفساً مناسباً من حيث التوقيت لإجراء انتخابات الأسد.
4 – ثمة خصوصية مميزة لمعبر (أبو الزندين) الواقع على بعد 20 كم شرقي حلب، إذ يُعدّ الحد الفاصل بين مناطق سيطرة النظام، ومناطق سيطرة الجيش الوطني المتمركز في مدينة الباب، إذ يعتقد الروس أنهم إن تمكنوا من التحكم بهذا المعبر الواقع على طريق (m4 ) سوف يؤمن لهم الوصول إلى مدينة منبج التي تسيطر عليها قسد، ويمكن حينئذ التفكير بتنشيط خط تجاري بين سلطات قسد والنظام، إذ تبدو حاجة النظام شديدة إلى الاستفادة من الغلة الاقتصادية لشرقي الفرات ( الحبوب – النفط ).
مما لا شك فيه أن عجز موسكو عن إيجاد قنوات اقتصادية عربية أو دولية من شأنها إنعاش النظام أو انتشاله من حالة التدهور السريع، هو ما يدفعهم إلى الانعطاف نحو الداخل السوري للبحث عن وسائل إسعافية أخرى، وخاصة أن هذه الانعطافة – وفي ضوء المواقف الدولية الراهنة – لا تجعل الروس في مواجهة مع المجتمع الدولي، ولكن في مواجهة الشريك التركي الذي يحرص على ألّا تصل الخلافات مع موسكو إلى حد القطيعة أو التصادم.
وفي الوقت الذي كان الردّ الشعبي في مناطق المعارضة سريعاً وشديد الوضوح، متمثلاً بالرفض المطلق لفتح معابر جديدة مع مناطق نظام الأسد، ليس بدواعي رفض الانفتاح الاقتصادي مع سلطة الأسد فحسب، بل لدواعٍ أمنية كذلك، إلّا أن مواقف الكيانات الرسمية للمعارضة (العسكرية والسياسية) ما تزال غائبة حتى الآن، ربما بانتظار صدور موقف تركي يوضّح المضامين الخفية لهذا الاتفاق، إن كان ثمة مضامين خفية بالفعل.
تلفزيون سوريا
—————————-
لماذا يريد الروس فتح المعابر للنظام مع مناطق المعارضة السورية؟/ أمين العاصي
لم تدم محاولة روسيا الترويج لموافقة تركيا على طلب قدمته منذ أيام من أجل فتح ثلاثة معابر تربط مناطق المعارضة السورية في شمال البلاد مع مناطق النظام طويلاً، إذ جددت تركيا أمس الخميس، على لسان مسؤولين فيها تحدثوا لوكالة “رويترز”، نفيها مزاعم روسيا عن فتح معبرين حدوديين إلى شمال غرب سورية، بعدما كانت مصادر في وزارة الدفاع التركية قد أكدت لـ”العربي الجديد” أول من أمس أن المفاوضات لم تنته حول القضية، وأن الإعلان الروسي عن موافقة أنقرة لا يعدو عن كونه محاولة للضغط في هذا التجاه.
وتزامن نفي أنقرة مع تأكيد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس الخميس، عقب اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، أنه تم الاتفاق على العمل للحيلولة بدون انتهاك وقف إطلاق النار في شمال سورية والتعاون من أجل السيطرة على “الجماعات الإرهابية”.
ويأتي ذلك فيما يجمع الشارع السوري المعارض على رفض فتح معابر مع مناطق سيطرة النظام، وفق طلب روسي قدمته الى تركيا منذ أيام، لأن الأمر يندرج في سياق محاولات موسكو إنعاش اقتصاد نظام بشار الأسد المتهالك بسبب العقوبات الدولية، والذي وصل الى مستويات تنذر بـ”ثورة جياع” إذا استمر التدهور الاقتصادي.
وتجلى الرفض على شكل حملات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين معارضين، تدعو إلى رفض طلب روسيا، التي قصفت طائراتها الحربية، خلال الأيام القليلة الماضية، مرافق اقتصادية حيوية في مناطق سيطرة المعارضة السورية في محافظة إدلب وريف حلب الشمالي، في رسالة استباقية تشير إلى نيتها الاتجاه نحو التصعيد العسكري ضد مناطق المعارضة في حال رُفض طلبها.
وعبّر قادة عسكريون في المعارضة السورية عن رفضهم المطلق لفتح المعابر. وذكّر الرائد جميل الصالح، قائد فصيل “جيش العزة”، وهو من فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب، شمال غربي البلاد، في تغريدة، بمآسي السوريين في العديد من المناطق، وخاصة حمص وريف دمشق، نتيجة الحصار الذي ضربته قوات النظام والمليشيات الإيرانية المساندة لها عليها خلال سنوات الثورة، ضمن سياسة “الجوع أو الخضوع”. وفي السياق، عبّرت مجموعة من الضباط السوريين المنشقين عن قوات النظام والمنضوين في فصائل المعارضة السورية عن رفضهم فتح المعابر و”إنعاش من يقتل أطفالنا تحت أي غطاء”، مطالبين، في بيان، بتطبيق القرارات الدولية وإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام قبل التفكير بهذا الأمر. وذهب العميد أحمد رحال، وهو ضابط منشق عن قوات النظام، في تغريدة، إلى حد تخوين “كل فصيل يساهم، أو يعمل، أو يسمح، بفتح معبر وتأمين رئة يتنفس منها نظام الأسد المخنوق”.
من جهته، أكد مصطفى سيجري، القيادي في “الجيش الوطني” التابع للمعارضة السورية، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لم يُعرض علينا موضوع فتح المعابر مع النظام بشكل رسمي، سواء من قبل الجانب التركي أو الروسي، أو من أي جهة أخرى، ومن ثم فإنه من الصعب بناء موقف في الوقت الراهن”. واعتبر أنه في حال قُدم هذا الطلب سيعرض للنقاش، وسيكون لنا موقف معلن من هذه المسألة، سواء كان سلبياً أو إيجابياً.
وواجه النظام الرفض الشعبي والرسمي من قبل المعارضة السورية بفتح المعابر، بناء على طلب روسيا، بالتأكيد على أن المعابر “ستفتح بالبوط العسكري”، وفق عمر، رحمون عضو ما يسمّى بـ”لجنة المصالحة” التابعة للنظام السوري. من جانبها، ذكرت وكالة “سانا” أن النظام فتح، أمس الخميس، ممر ترنبة – سراقب بريف إدلب الشرقي “بهدف استقبال الأهالي الراغبين بالخروج من مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية إلى بلداتهم وقراهم المحررة من الإرهاب”، وفق تعبيرها.
وكانت روسيا قد حاولت، إلى جانب النظام، أكثر من مرة فتح المعابر مع مناطق سيطرة المعارضة، آخرها كان في فبراير/ شباط الماضي، إلا أن هذه المحاولات فشلت بسبب رفض السوريين التوجه إلى مناطق سيطرة النظام، خشية تعرضهم لعمليات انتقام سبق لأجهزة النظام الأمنية القيام بها على نطاق واسع بحق من عاد إلى هذه المناطق. وكان الجانب الروسي قد تقدم، الثلاثاء الماضي، بطلب إلى الجانب التركي، لفتح ثلاثة معابر تربط مناطق المعارضة السورية في شمال البلاد مع مناطق النظام، ابتداء من 25 مارس/ آذار الحالي، وهي سراقب، شرقي إدلب، وميزناز، غربي حلب، في منطقة “خفض التصعيد الرابعة”، وممر أبو الزندين المتاخم لمدينة الباب في منطقة “درع الفرات”، شرق حلب.
ويأتي الطلب الروسي قبيل أشهر من موعد انتخابات رئاسية ينوي النظام السوري تنظيمها وفق دستور عام 2012 لتثبيت بشار الأسد في السلطة، ما يعني أن الخطوة الروسية تأتي في سياق محاولات إعادة تأهيل الأسد من بوابة الاقتصاد، الذي ينوء تحت تأثير العقوبات الدولية، نتيجة المجازر التي ارتكبها النظام ورفضه الانصياع لقرارات الشرعية الدولية للتوصل لحل سياسي للقضية السورية. كما يعد الطلب الروسي محاولة لـ”التحايل” على قانون “قيصر” الأميركي، الذي فرض على مراحل، بدأت في منتصف العام الماضي، عقوبات مشددة على النظام، كون مناطق المعارضة السورية في شمال البلاد غير مشمولة بهذا القانون الذي يضغط بقوة على النظام واقتصاده. وقد أدى هذا الأمر إلى تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأميركي، ما تسبب بارتفاع جنوني للأسعار، ما ينذر باحتمال اندلاع حركات احتجاج، ربما تربك كل الحسابات الروسية. وترتبط مناطق سيطرة المعارضة السورية مع الجانب التركي بالعديد من المعابر، أبرزها باب الهوى في محافظة إدلب، وعفرين وباب السلامة والراعي في ريف حلب الشمالي، وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.
وأوضح الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات خالد تركاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن النظام السوري “يستفيد اقتصادياً بشكل كبير من فتح المعابر مع مناطق سيطرة المعارضة السورية في محافظة إدلب وريف حلب”. وأوضح أن هذه الفائدة ترتبط بتوفير السلع، باعتبار أن مناطق سيطرة المعارضة السورية مرتبطة جغرافياً مع تركيا، ومن ثم فإن مسألة إدخال السلع من خلال العديد من المعابر الحدودية سهلة. وبيّن أن “الحركة التجارية بين مناطق الشمال السوري والجانب التركي تجاوزت قيمتها ملياري دولار”، مشيراً إلى أن النظام “مضطر لاستيراد السلع من أماكن بعيدة عنه، مثل روسيا أو الصين أو إيران، وهذا يعني تكاليف مرتفعة جداً”. وأشار إلى أنه في حال فُتحت المعابر فإنه يمكن أن تدخل إلى مناطق النظام سلع ومواد غذائية تفتقر إليها، وخاصة القمح والزيوت والخضار، فضلاً عن وجود جانب سياسي من وراء فتح هذه المعابر. ووفق دراسة للمركز، نشرت أمس الخميس، فإن هناك 9.4 ملايين سوري يعيشون في مناطق سيطرة النظام حالياً، أي ما نسبته 62 في المائة من نسبة عدد سكان سورية، الذين قدرتهم الدراسة بأكثر من 19 مليون نسمة.
العربي الجديد
——————–
ماذا تريد روسيا من فتح المعابر في إدلب وحلب.. وما تأثير ذلك على المحرر؟
وكالة زيتون – تقرير
بشكل مفاجئ، وبعد جولة من التصعيد طالت مواقع حيوية ومناطق حدودية، أعلنت وزارة الدفاع عن عزمها افتتاح معابر بين المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، والمناطق المحررة في شمال غربي سوريا.
وبدأت القصة، حينما أعلن نائب مدير مركز “حميميم” في سوريا التابع لوزارة الدفاع الروسية، “ألكسندر كاربوف”، يوم الثلاثاء، أن بلاده قدمت مقترحاً لتركيا، يتمثل بفتح 3 معابر، “سراقب” و”ميزناز” شرق إدلب، و”أبو الزندين” بريف حلب (قرب مدينة الباب).
وعقب ساعات، أصدر “كاربوف” بياناً زعم خلاله أن بلاده وتركيا اتفقتا على فتح المعابر الثلاثة، اعتباراً من الخميس 25 آذار الحالي، مدعياً أن الخطوة ستسهم “في تحسين الأوضاع الاجتماعية وإزالة التوتر في المجتمع بسبب انقطاع الاتصالات العائلية وصعوبة الأحوال المعيشية”، حسب وصفه.
واللافت في بيان “كاربوف” الأول، قوله إن المعابر الثلاثة “ستساهم في عملية إيصال المساعدات الإنسانية”، في وقت يشارف به تفويض مجلس الأمن الدولي لآلية دخول المساعدات إلى سوريا عبر الحدود على الانتهاء، مما يؤكد وجود رغبة لدى روسيا بعرقلة تجديد الآلية، والتمهيد لذلك بفتح معابر مع النظام.
وكان المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي “فاسيلي نيبينزيا”، طالب في أواخر شهر شباط الماضي، بإلغاء آلية دخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود، بحجة عدم وجود أساس للحفاظ عليها، ودعا إلى حصر إيصال المساعدات بنظام الأسد، كما ألمح إلى أن بلاده ستستخدم حق النقض “الفيتو” ضد قرار تمديدها في تموز المقبل.
إعلان روسيا عن رغبتها بفتح المعابر، جاء بعد تصعيد عسكري كبير، شهدته محافظة إدلب الأسبوع الحالي، تمثل بقصف مشفى “الأتارب” بريف حلب الغربي، وارتكاب مجزرة بين صفوف المدنيين الذين كانوا داخله، وقصف مخيمات النازحين في “قاح” شمال إدلب بصاروخ بالستي، إضافة إلى شن الطائرات الروسية غارات جوية على محيط مدينة “سرمدا” ومعبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا.
وفي هذا السياق، نفت مصادر تركية توصل أنقرة وموسكو لاتفاق حول فتح المعابر، وأكدت أن الجانب التركي لا يزال يفاوض نظيره الروسي على العرض المقدم، وأن الحديث الإعلامي الروسي هدفه الضغط على تركيا للوصول إلى اتفاق مشترك، وذلك وفقاً لما نقل موقع “العربي الجديد” عنها.
وحول أسباب هذه الخطوة الروسية، رأى المستشار القانوني “خالد شبيب” مدير المعهد العالي للقضاء في إدلب، أن موسكو تسعى للاستفادة من أي عودة للمدنيين النازحين، من خلال استخدامهم في الانتخابات التي يخطط النظام لإجرائها الصيف المقبل، “بغطاء الإنسانية، سواء شبع الناخبون أم لم يشبعوا”.
وأشار “شبيب” في حديث لـ”وكالة زيتون” إلى أن موسكو تسعى أيضاً إلى الالتفاف على قانون “قيصر” كون المناطق المحررة لا تخضع لإجراءات القانون، وتمرير البضائع الإيرانية والروسية عبر المناطق المحررة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام.
وأضاف أن روسيا هي من أغلقت في السابق المعابر التي كانت موجودة في المنطقة، والآن تريد من خلال طلب إعادة فتحها، مساعدة نظام الأسد بتخفيف الضغط الاقتصادي الذي يعاني منه، والحيلولة دون انهياره بشكل عامودي ومفاجئ بسبب تنفيذ قانون قيصر.
وحذر “شبيب” من خطورة هذه الخطوة، كونها تمثل اختراقاً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً للمناطق المحررة، وستساهم في نشر نظام الأسد للمخدرات في المنطقة، فضلاً عن كونها خدمة للنظام من خلال نقل البضائع له دون التعرض لقانون قيصر، داعياً الأهالي إلى الخروج بمظاهرات شعبية ترفض فتح المعابر لأي سبب كان.
من جانبه، قال السياسي السوري “لبيب نحاس” إن أولوية روسيا من فتح المعابر هي إنقاذ النظام اقتصادياً وتعويمه سياسياً، محذراً من أن فتحها سيؤدي إلى ارتفاع مستوى الاختراق الأمني للمناطق المحررة وزيادة الاغتيالات والعمليات التخريبية.
وأشار “نحاس” إلى أن روسيا تعمل منذ فترة طويلة على منع دخول المساعدات الإنسانية الدولية إلى سوريا عن طريق “باب الهوى”، ومن المتوقع أن تستعمل “الفيتو” لمنع تمديد دخولها، ومع فتح المعابر سيسهل تبرير دخول المساعدات من دمشق حصراً وسيضطر السوريون في الشمال لاستلام المساعدات من النظام عن طريق المعابر.
وأضاف في حديث لـ”وكالة زيتون”: “حصر المساعدات الإنسانية الدولية بيد نظام مجرم كيماوي هو جريمة بحد ذاتها، وخطوة لمحاولة إعادة إنعاشه أمام السوريين وأمام المجتمع الدولي، على الرغم من أن المساعدات الإنسانية الدولية يتم توزيعها على أطراف عسكرية وأمنية تقوم بقمع وقتل السوريين”.
وشدد على أن روسيا تهدف أيضاً من وراء هذه الحركة، إلى تشجيع الهجرة العكسية باتجاه مناطق سيطرة النظام، خاصة وأنه لم تسجل بعد الحملة الأخيرة على إدلب أي عودة حقيقية للسوريين إلى المدن والقرى التي استولى عليها نظام الأسد بمساعدة الروس، وهذه هزيمة شعبية وسياسية كبيرة تؤكد افتقار النظام ومشروعه لأي شرعية أو ثقة بين السوريين.
وتابع “نحاس”: “التطبيع مع النظام يجب أن يكون خطاً أحمراً، على أي مستوى كان وتحت أي مسمى أو ذريعة، سواء تطبيع بينه وبين السوريين خارج المناطق المحتلة أو مع أطراف إقليمية أو دولية، ويجب أن نرفضه دائماً ونحذر منه ونشرح حقيقته، النظام انتهى فعلياً والسؤال هو هل سيتمكنون من إعادة تعويمه؟”.
ولاقى إعلان فتح المعابر مع نظام الأسد، رفضاً كبيراً من قبل سكان المنطقة وناشطيها، الذين أطلقوا هاشتاغ #لا_للمعابر_مع_النظام ، والذي تصدر موقع “تويتر” خلال ساعات قليلة، كما نظم سكان مدن “عفرين” و”اعزاز” و”سجو” شمال حلب، وقفات احتجاجية ترفض هذه الخطوة، وتؤكد أن فتح المعابر هو طوق النجاة للنظام، الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة.
وتفاعل العديد من الناشطين والشخصيات الثورية مع وسم #لا_للمعابر_مع_النظام ، وكتب الرائد “يوسف حمود” المتحدث باسم الجيش الوطني السوري: ”بالنسبة لي لأن تفشل كل الحلول الدولية، ولأن تقسم سوريا مليون قطعة، أسهل من أن يفتح معبر تجاري واحد مع النظام وقاتلنا بوتين”.
وقال الرائد “جميل الصالح” قائد جيش العزة: “من يستطيع أن ينسي أهل حمص عندما تناولوا لحم القطط، وأطفال داريا الذين فارقوا الحياة لنقص الحليب، وأهالي الغوطة عندما أكلوا حشائش، وأهالي عين الفيجة الذين حلموا بالدواء، وموت المعتقلين تحت التعذيب جوعاً.. حتى النقاش بفتح المعابر خيانة للدين والدماء والأعراض.. لا لفتح المعابر”.
الإعلامي “هادي العبد الله” قال في تغريدة: “تنتشر أنباء عن إعادة فتح معابر بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة الأسد بالوقت الذي يعيش فيه الأسد أسوأ أيامه إقتصادياً.. افتتاح المعابر في هذا التوقيت هو إعادة إنعاش للمجرم وإهانة لتضحيات المهجّرين الذين ينتظرون فتح معارك لا معابر لاستعادة مدنهم وبلداتهم”.
وغرد الصحفي “خالد الخطيب” قائلاً: ”فتح المعابر مع نظام الأسد ربما يمهد لمرحلة تصبح فيها المناطق المحررة شمال غربي سوريا تحت رحمة النظام من ناحية الدعم الإنساني، ولروسيا أهداف أخرى ربما ستظهر لاحقاً في حال استجابت الفصائل للطلب، لكن السؤال كيف سيكون رد الروس ونظام الأسد في حال تمت عرقلة عمليات فتح المعابر”.
بدوره، قال القيادي في فرقة المعتصم التابعة للجيش الوطني “الفاروق أبو بكر”: ”المستفيد الوحيد من فتح المعابر بين مناطقنا والمناطق المحتلة من الميليشيات الروسية هو نظام الأسد، والجميع يعرف الوضع الاقتصادي الذي يمر به بشارالأسد ونظامه.. وأي محاولة لافتتاح المعابر هي لإنعاش النظام الميت سريرياً والأموال التي سيجنيها من المعابر ستتحول لصواريخ لقتلنا”.
القيادي في الجبهة الوطنية للتحرير “وسام قسوم” كتب: ”فتح المعابر إهدار لكرامة السوريين، وتغييب قرارهم في سبيل تطويع الشعب وإهدار كرامته، وتطبيع اقتصادي مع النظام، وتحايل على قانون قيصر الذي فرضته أمريكا، واستجابة لقانون قيصر روسيا القاتل بوتين”.
من جانبه، قال النقيب “محمود محمود” القيادي في جيش العزة: ”لنسمي الأمور بمسمياتها دون مواربة، إن فتح المعابر مع النظام خيانة علنية وصريحة للثورة وثوارها وشهداءها، فلا يجوز لاشرعاً ولا عرفاً ولا مروءةً مساعدة النظام اقتصادياً تحت أي إعتبار أو حجة ولو سويت بنا الأرض، فما الفرق بين دعم النظام بالأسلحة والذخائر وبين دعمه بالطعام والشراب لقتلنا”.
وأكد الدكتور “عبد المنعم زين الدين” أنه ”من أضرار فتح المعابر مع النظام المجرم التسبب بإيقاف المساعدات الإنسانية من المعابر الخاصة بالمحرر وتحويلها لسلطة النظام وروسيا لسرقتها، وتحسين وضع النظام الاقتصادي المنهار، ناهيك عن المفاسد والأضرار الأمنية والسياسية وغيرها على الثورة”.
وفي هذا السياق، أصدر 13 ضابطاً من بينهم الرائد “يوسف حمود” والنقيب “ناجي مصطفى” المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير، بياناً مشتركاً أكدوا فيه رفضهم القاطع لفتح المعابر التي تطالب بها روسيا، ورفض إنعاش النظام لأي سبب كان.
وشدد البيان على أن القبول بذلك “خيانة لدماء شهدائنا وعذابات معتقلينا الذين ضحوا بحياتهم وحريتهم لإسقاط هذا النظام المجرم وتحقيق دولة الكرامة والعدالة والحرية”، مشيراً إلى تعنت النظام وروسيا ورفضهم للقرارات الدولية، وأهمها اطلاق سراح المعتقليين، وتسبب سياساته بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في سوريا.
————————
إدلب المنسية لا تُنسى/ ربا حبوش
قبل انطلاق الثورة السورية، أقام نظام الأسد مهرجاناً في محافظة إدلب، سماه المدن المنسية! وهذه ليست بطرفة.
ليست إدلب مدينة على هامش التاريخ بل إنها من أقدم المدن وأغناها بالآثار، إذ تحوي ثلث آثار سوريا، بعدد من المواقع الأثرية بلغ 760 موقعاً أثرياً مسجَّلاً، تعود إلى حِقَب زمنية مختلفة، أهمها كنيسة قلب لوزة وآثار جبل سمعان، وتشمل 40 قرية أثرية مسجلة على لائحة التراث العالمي، كما تضم محافظة إدلب أكثر من 200 تل أثري، تشكل 50% من التلال الأثرية السورية.
محافظة إدلب تضم أيضاً العدد الأكبر من المدن “المنسية” أو “الميتة” التي سُمّيت بهذا الاسم لأن سكانها هجروها منذ أكثر من ألف عام، ويعود تاريخها إلى ما بين القرنين الأول والسابع للميلاد من الحقبة البيزنطية، وقد وضعتها منظمة اليونيسكو على قائمة التراث العالمي.
لن أدخل في التفاصيل والآثار التاريخية في إدلب فهي تحتاج إلى متخصصين في الآثار للحديث عنها، وليس هذا جوهر حديثي هنا، لكن بعد انقلاب حافظ الأسد واستيلائه على السلطة تحولت كل المحافظة فعلًا إلى إدلب المنسية حيث كادت تكون ممسوحة من الخارطة، وهذا المسح تجلى في إهمال إدلب على كل الأصعدة صحياً واجتماعياً واقتصادياً، فقد كانت إدلب في عهد نظام الأسد تفتقر للحدود الدنيا من العناية والتنمية والاهتمام وكأنها ليست جزءاً من سورية. ونهج المسح ليس غريباً على هذا النظام، فوزير خارجيته المعلم مسح أوروبا كلها من الخارطة بداية الثورة، وهذه ليست طُرفة أيضا !
وبعد انطلاق الثورة السورية والتحاق أهل إدلب بركب الثورة والمظاهرات السلمية ومن ثم الحراك العسكري، ومشاركة أبنائها مع الجيش الحر بشهادة الكثيرين في تحرير معظم المناطق السورية، ظن أهل إدلب أن الوضع سيكون مختلفاً، وصحيح أن إدلب لم تعد منسية وتتصدر عناوين الأخبار حتى أصبح رؤساء وقادة العالم يتحدثون عن إدلب، خاصة بعد عمليات التهجير بالباصات الخضراء من كل المناطق التي حملت آلاف السوريين المهجّرين قسراً من مناطقهم إلى إدلب وأريافها، حيث استقبل أهل إدلب المهجّرين وأصبحت المحافظة “سورية مصغرة” إلا أن هذا لم يشفع لأهلها بعد سيطرة سلطة الأمر الواقع عليها، لتعود إدلب متروكة تحت قبضة الجهات المسيطرة عليها كعقاب لأهلها على ذنب لم يرتكبوه، فمعظم الدول أوقفت المساعدات عن ساكنيها بسبب سلطة الأمر الواقع المسيطرة عليها، بل إن روسيا والنظام يقومان بهجمات وقصف على المحافظة بحجة وجود جهات متطرفة فيها علماً أن هذه الهجمات العسكرية لا تستهدف إلا المدنيين والمرافق الحيوية والخدمية والأسواق والمشافي فقط!
عقد كامل مر على انطلاق ثورتنا، إلا أنها ليست مجهولة المستقبل، فهاهم السوريون من أهالي إدلب والمهجّرون قسراً من كل المناطق يملؤون الشوارع والساحات بمظاهرات عمت كل الأراضي المحررة مطالبين بإسقاط المجرم ومحاسبته، مجددين العهد سائرين على خطا شهداء الحرية والكرامة، منادين بسورية الديمقراطية التعددية يسودها العدل والقانون؛ ليقولوا للعالم إنَّ إدلب هي ذاكرة كلّ سوري حر.
نحن السوريين مستمرون في العمل وكلنا ثقة ويقين أن هذه الثورة ستحقق أهدافها وسنبني سورية الدولة القادرة على أن تفتح صفحة جديدة وتؤسس لحياة كريمة لنا وللأجيال القادمة.
والآن بعد كل سنوات المعاناة وما مر على أهالي إدلب، هناك أسئلة ملحة لا إجابة عليها، إلى متى سيستمر المجتمع الدولي بمعاقبة أهالي إدلب على ذنوب لم يرتكبوها؟ وإلى متى سيبقى أهالي إدلب يعانون من سلطة الأمر الواقع ويحرمون من أدنى مقومات الحياة في حين أن شرق الفرات يعامل معاملة مختلفة بالرغم من وجود سلطات أمر واقع تقوم بانتهاكات لحقوق الإنسان وتغيير ديموغرافي وتهجير السكان الأصليين وتجنيد الأطفال على مسمع ومرأى من المجتمع الدولي دون أن يحرك ساكناً، ولم ينقطع الدعم عن تلك المناطق، علما أننا لا نريد أن ينقطع الدعم عن المدنيين في أي بقعة من سورية، ولكن كل ما يناشده أهل إدلب هو أن يعاملوا بالمثل وأن يسمع صوتهم وألا يتم تصنيفهم أسوة بسلطة الفئة المسيطرة على المنطقة، فهل يصنف المدنيون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وسيطرة تنظيم PYD تبعاً لمن يسيطر عليهم؟! أما آن لهذا العالم أن يسمع، وأن يزيل الغشاوة عن عينيه!
إدلب اليوم باتت في مركز سورية الحرة ديمغرافياً وسياسياً وإعلامياً ولن يقبل التاريخ أي ذرائع خاوية في استهدافها أو إهمالها أو التغاضي عن ملايين السوريين الأحرار الذين اختاروها حضناً لهم ريثما يتموا ثورتهم ويعودوا إلى ديارهم كراماً منصورين.
وستبقى إدلب الغائب الحاضر في تاريخ شعب يكتب فجر مستقبل سورية التي نحلم وحلم بها شهداؤنا من قبل.
تلفزيون سوريا
———————-
ستة أعوام على تحرير إدلب: غموض مستقبل المدينة بعد تعثر المسار التفاوضي/ عماد كركص
لم تدم فرحة أهالي إدلب والمعارضة السورية المسلحة التي سيطرت عليها وأخرجتها من سيطرة النظام في مثل هذه الأيام قبل ستة أعوام طويلاً، فسرعان ما دخلت المحافظة بدوامة جديدة من العنف، سواء بالقصف المتواصل من قبل النظام وحلفائه بالمدفعية والطيران، ومن ثم بدء العمليات العسكرية للسيطرة عليها بعد التدخل الروسي المباشر في البلاد، الذي أدخل المحافظة بمسارات تفاوضية، كانت أشبه باللعبة السياسية، لقضم أجزاء واسعة من إدلب ومحيطها، بهدف السيطرة عليها كاملة بشكل تدريجي.
“هيئة تحرير الشام” والإحراج التركي
بعد السيطرة على المدينة مباشرة عبر تحالف عسكري من فصائل المعارضة، عرف حينها بـ”جيش الفتح”، أخذت “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) تفرض نفوذها على إدلب، للتحكم بها مدنياً وعسكرياً، الأمر الذي شكّل ذريعة للنظام والروس والإيرانيين، بالتحرك للسيطرة عليها بحجة مكافحة “الجماعات الإرهابية”، ما أحرج الموقف التركي وفصائل المعارضة الأخرى المقاتلة في إدلب ومحيطها.
قبل بدء معارك المعارضة للسيطرة على مدينة إدلب، في آذار/مارس من العام 2015، كانت الأجزاء الجنوبية من المحافظة وحتى وسطها وجنوبها الغربي والشرقي تخضع بشكل كامل لسيطرة المعارضة، ولم يتبقَ من المحافظة سوى مركزها (مدينة إدلب) ومحيطها، ومدينتي أريحا وجسر الشغور، في الوسط والشمال الغربي منها.
وخلال معارك السيطرة على تلك الأجزاء المتبقية من المحافظة، تلقت المعارضة دعماً تركيا كبيراً، فبدأت المعارك بقطع خطوط الإمداد، ومن ثم سيطرت على قلب المحافظة (مدينة إدلب) وانطلقت بعدها للسيطرة على مدينة جسر الشغور ومحيطها، ومن ثم السيطرة على مدينة أريحا ومحطيها، وكل ذلك في زمن قياسي لم يتعدَ الشهرين.
التدخل العسكري الروسي
لم تمضِ سوى بضعة أشهر، على سيطرة المعارضة على إدلب، حتى جاء التدخل الروسي المباشر في سورية، في أيلول/سبتمبر من عام 2015، حينها بدأت روسيا حملة جوية تصاعدت بشكل تدريجي، طاولت كافة مدن محافظة إدلب وبلداتها. وفي نهاية عام 2016، ومع تعقد الحل السياسي للقضية السورية بشكل عام، أطلقت روسيا مسار أستانة التفاوضي للحل بصبغة عسكرية، شاركت فيه كل من إيران وتركيا، وفيما بعد تركز لمعالجة الوضع في إدلب التي يشار إليها بـ”منطقة خفض التصعيد الرابعة”، وتضم كامل محافظة إدلب، وأجزاء من أرياف حماة الشمالية والغربية، وحلب الغربية والجنوبية، بالإضافة إلى ريف اللاذقية الشرقي.
تبعت ذلك عدة اتفاقات بين تركيا وروسيا، سرعان ما نقضتها قوات النظام وميليشيات إيرانية وأخرى مدعومة من إيران في معارك بدأت في نيسان/إبريل من عام 2019، فقضم النظام وحلفاؤه بإسناد جوي روسي كامل جنوبي تلك المنطقة، وكانوا يتقدمون نحو عمق إدلب، لولا التدخل المباشر من قبل الأتراك إلى جانب المعارضة، وتوقفت المعارك باتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في آذار/مارس من العام الماضي.
آلاف النازحين ووضع داخلي صعب
خلفت تلك المعارك مئات القتلى من المدنيين، وكانت الكارثة الكبرى هي خسارة حوالي 1.7 مليون نازح لمنازلهم التي هجروا منها نتيجة السيطرة على مدنهم وقراهم من قبل قوات النظام وحلفائها، لا يزالون يعانون ظروفاً صعبة في المخيمات الشمالية ومناطق النزوح، وباتت تركيا تحت ضغط المطالبة بالوفاء بالتزاماتها وبالعودة إلى “اتفاق سوتشي”، وتطبيق حدوده الجغرافية، ما يعني إبعاد النظام عن المناطق التي قضمها بدعم روسي وإيراني، سلماً أو حرباً.
ويشير الناشط المدني، محمد الحسيني، إلى أن الوضع الميداني في إدلب، مركز المحافظة ومحيطها، وما تبقى عموماً تحت سيطرة المعارضة، معقد للغاية، على عدة صعد؛ اقتصادياً ومعيشياً وخدمياً وحتى على الجانب السياسي، موضحاً في حديث لـ”العربي الجديد” أنه علاوة على “المشكلة التي سببها نزوح مئات الآلاف من الناس، ما أدى لتفشي البطالة والفقر وسط اكتظاظ سكاني كبير؛ تبرز مشكلة تفرد “هيئة تحرير الشام” بالتحكم في إدلب، ما سبب حالة من الضغط على الناس، سواء بعدم القيام باللازم حيال تسيير الشؤون الخدمية، ومصادرة الحراك الثوري ليكون تحت أعين القوى الأمنية للهيئة، أو متابعتها على الأقل.
ويضيف الحسيني، أن “ذلك جعل الحراك ضعيفاً أمام بوح الشارع برأيه حيال القضايا المهمة، سيما أن الهيئة باتت، بشكل أو بآخر، جزءاً من اتفاق إدلب بين الروس والأتراك، وهذا ما توضح من خلال حماية الهيئة للدوريات الروسية – التركية في إدلب”، مشيراً إلى أنه “رغم أن الهيئة باتت مؤخراً تميل لتحسين صورتها وتعديل سلوكها بشكل مختلف، بهدف تصدير نفسها للمجتمع الدولي، بوصفها جزءاً من الحل؛ فإن ذلك يتطلب منها تعديل سلوكها في الداخل”.
ترتيب أوراق
لم تتحرك تركيا جدياً في إبعاد النظام بعد توقف المعارك وسط المطالبات الشعبية الكبيرة، لكنها بدأت بترتيب أوراقها وأوراق المعارضة العسكرية في إدلب بشكل أكثر تنظيماً، بما يضمن عدم تمدد النظام وحلفائه مستقبلاً في عمق إدلب، فعززت قواتها هناك بعد أن أبدى النظام مع الروس نوايا للتقدم والسيطرة على الطريق الدولية “أم 4″، كما عمدت تركيا إلى إعادة تنظيم المعارضة بتقريب “الجبهة الوطنية للتحرير”، كبرى فصائل إدلب، منها، استعداداً للاحتمالات المتوقعة.
وأمام ذلك، يبقى مصير المحافظة بعد أعوام من السيطرة عليها، ومن ثم خسارة أجزاء منها لصالح النظام، غامضاً، ينتظر جهوداً دولية وغربية إلى جانب الجهود التركية لحله بشكل كامل.
العربي الجديد
—————————-
تصعيد القصف على إدلب بالتزامن مع مؤتمر بروكسل واجتماع مجلس الأمن بشأن سورية/ محمد الأحمد
شنت الطائرات الحربية الروسية، اليوم الإثنين، غارات جوية استهدفت الأطراف الغربية لمدينة إدلب، شمال غربي سورية، فيما كثفت قوات النظام من قصفها المدفعي والصاروخي الذي طاول ما يزيد على 15 بلدة وقرية جنوبي إدلب، ضمن ما يُعرف بمنطقة “خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها). يأتي ذلك بالتزامن مع اجتماعات مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع الإنساني في سورية، ومؤتمر بروكسل (الخامس) للمانحين.
وقال الناشط الإعلامي عبد العزيز قيطاز إنّ الطائرات الحربية الروسية شنّت أربع غارات جوية بصواريخ شديدة الانفجار، استهدفت المزارع المحيطة ببلدة عين شيب، ومحيط قرية مرتين، غربي مدينة إدلب، دون تسجيل أي إصابة تذكر.
وأكد قيطاز، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ رتلاً عسكرياً للقوات التركية توقف في بلدة حزانو، شمالي محافظة إدلب، بسبب الغارات الروسية على المنطقة، حيث كان متجهاً إلى نقاط الجيش التركي، جنوب غربي إدلب.
وأضاف أنّ “قوات النظام كثفت من قصفها المدفعي والصاروخي منذ ساعات الصباح الأولى، اليوم الإثنين، مستهدفة أكثر من 15 بلدة وقرية جنوبي إدلب وغربي حماة، بالإضافة لاستهداف خيمة للنازحين في تل القرقور، ضمن منطقة سهل الغاب غرب حماة، واقتصرت الأضرار على الماديات، بالتزامن مع تحليق خمس طائرات استطلاع في أجواء المحافظة، اثنتان منها روسيتان، وطائرتان إيرانية وتركية، وطائرة تابعة للتحالف الدولي.
من جهة أخرى، أوضح بيان فريق “منسقو استجابة سورية”، الصادر ظهر اليوم الإثنين، أنّ قوات النظام السوري وروسيا شنت أكثر من ست حملات عسكرية على مناطق شمال غربي سورية منذ توقيع اتفاق سوتشي عام 2018، نزح بسببها أكثر من نصف سكان المنطقة، معظمهم يعيشون في مخيمات بدائية تفتقر إلى أدنى المقومات الإنسانية، ليزيد عددها عن أكثر من 1304 مخيمات.
وأضاف البيان أنّ “عمليات النزوح رافقها تدمير واسع النطاق في المنشآت والبنى التحتية خلال الحملات العسكرية المتعاقبة على محافظة إدلب”، مؤكداً أن عدد المنشآت المستهدفة منذ توقيع اتفاق سوتشي وصل إلى أكثر من 700 منشأة تضمنت مدارس ومشافي وأسواقاً شعبية ومراكز خدمية ومراكز إيواء للنازحين، ما زاد من عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في مناطق شمال غربي سورية إلى أكثر من 80% من أصل أربعة ملايين مدني يعيشون في المنطقة المذكورة.
ولفت الفريق إلى أنّ إيقاف إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال غرب سورية سيتسبب في زيادة معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة في المنطقة، وبازدياد حالات سوء التغذية الحاد عند الأطفال والأمهات بشكل أكبر من النسب السابقة، وبانهيارات اقتصادية متعاقبة، وخاصةً مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفقدان الليرة السورية قيمتها الشرائية، وازدياد عدد القاطنين في المخيمات، نتيجة لجوء الآلاف من المدنيين إلى الاستقرار فيها وعجزهم الكامل عن التوفيق بين المأوى والغذاء.
وحذر الفريق من تفاقم الأزمة الإنسانية في سورية عامةً وفي شمال غرب سورية على الأخص تبعًا لإجراءات منع المساعدات، ما يتسبب بكارثة إنسانية قد تحل بالمدنيين، كما حث على ضرورة الالتزام بقوانين الحرب لتسهيل إيصال المساعدات إلى المدنيين، وذلك عبر تسهيل المرور السريع للمساعدات وعدم التدخل فيها بشكل تعسفي بما يضمن حرية تنقل العاملين في المجال الإنساني.
ويرأس وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن اجتماعاً رفيع المستوى في مجلس الأمن في نيويورك، مساء اليوم الإثنين، بشأن الوضع الإنساني في سورية، وسيقدم خلاله كل من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، والمديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، هنريتا فور، إحاطتيهما حول آخر المستجدات المتعلقة بالأوضاع الإنسانية في سورية.
ما انطلق مؤتمر بروكسل بتنظيم مركزي من العاصمة البلجيكية للمانحين حول “دعم مستقبل سورية والمنطقة”، اليوم الإثنين، بشكل افتراضي بسبب القيود المفروضة في ظل جائحة كورونا، برئاسة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بهدف الاستمرار في دعم الشعب السوري وحشد المجتمع الدولي لدعم حل سياسي شامل وموثوق للصراع في سورية، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن الأممي رقم 2254.
————————
“تحرير الشام” تعدم ثلاث نساء ورجلاً في إدلب و”مغاوير الثورة” تجري تدريبات عسكرية في محيط التنف/ محمد الأحمد
نفذت “هيئة تحرير الشام”، يوم الإثنين، حكم الإعدام تحت مسمى (القصاص)، بحق ثلاث سيدات ورجل وسط مدينة إدلب، رمياً بالحجارة، فيما عثر الأهالي على جثتين لشابين مقتولين بالرصاص، في حادثين منفصلين على أطراف مدينة سلقين، وأطراف بلدة الدانا شمالي محافظة إدلب، شمال غربي سورية.
وقالت مصادر مقربة من “هيئة تحرير الشام” لـ “العربي الجديد” إن الجهاز الأمني التابعة لها نفذ صباح الإثنين حكم الإعدام رجماً بالحجارة حتى الموت، بحق ثلاث سيدات ورجل بالقرب من وسط مدينة إدلب، بتهمتي الزنى والشروع بالقتل.
في غضون ذلك، عثر الأهالي على جثة تعود لشاب وجد مقتولاً برصاص مجهولين وممثلاً بجثته، يوم الإثنين، على الطريق الواصل بين بلدتي الدانا – ترمانين شمالي محافظة إدلب. وأكد الناشط الإعلامي سعد زيدان لـ “العربي الجديد” أنه على الفور تم نقل الجثة بعد العثور عليها من قبل الأهالي للطبابة الشرعية في محافظة إدلب.
وبحسب زيدان فقد أُحرق الشاب بعد إطلاق النار عليه، مضيفاً: “تم التعرف عليه من قبل ذويه بعد وجود خاتم في إصبعه دل على هويته، وتعود الجثة للشاب عبد القادر الحلو المنحدر من مدينة دارة عزة غرب محافظة حلب”.
كما عثر الأهالي عصر الإثنين، على جثة شاب مقتولاً أيضاً برصاص مجهولين، ومرمياً على حافة أحد الطرقات الواصلة بين مدينتي سلقين – كفرتخاريم شمالي محافظة إدلب، بالقرب من الحدود السورية التركية. وعملت فرق الإسعاف في المنطقة على نقل الجثة للطبابة الشرعية في مدينة إدلب، للكشف عن ملابسات القتل، والتعرف على جثة القتيل من قبل ذويه.
من جهة أخرى، قال الناشط الإعلامي، علي حاج سليمان، لـ “العربي الجديد” إن قوات النظام والمليشيات المساندة لها كثفت من قصفها المدفعي والصاروخي مساء الإثنين، مستهدفة قرى وبلدات، بينين، والرويحة، وفركيا، وشنان، والبارة، وكفرحايا، وبسامس، وبليون، ومشون، وكنصفرة، وكفرعويد، والفطيرة، وسفوهن، وفليفل، والزيارة، والمشيك، والعنكاوي، والحلوبة، وجميعها تقع جنوبي إدلب غربي حماة، ضمن ما يعرف بـ “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها)، دون تسجيل أي إصابة تذكر.
جنوب شرقي سورية، أجرى فصيل “مغاوير الثورة” التابع لـ “الجيش الحر” والمتمركز في قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، في منطقة الـ(55) على المثلث الحدودي لسورية والعراق والأردن، تدريبات عسكرية مكثفة، يوم الإثنين، بالاشتراك مع قوات التحالف المتواجدة ضمن القاعدة، لضمان حماية المنطقة من عدم عودة ظهور “داعش”. وأشار المتحدث باسم التحالف الدولي، واين ماروتو، في تغريدة له على “تويتر” إلى أن التدريبات القتالية التي أُجريت بالاشتراك مع مغاوير الثورة، هدفها الاستعداد للدفاع ضد التهديد الذي تشكله فلول تنظيم “داعش” حول قاعدة التنف، مؤكداً “استمرار الشراكات والتدريبات حتى نجاح هذه المهمة”.
The @MaghaweirThowra conducted a joint combat training to stand ready to defend against the threat posed by Daesh remnants in & around At-Tanf Garrison. CJTFOIR’s partnerships are key to the continued success of the mission to #DefeatDaesh. #StrongerTogether https://t.co/LwaTo6EV2E
— OIR Spokesman Col. Wayne Marotto (@OIRSpox) March 29, 2021
في سياق منفصل، أوضح الناشط الإعلامي، أحمد الشبلي، المختص بتوثيق الجرائم والانتهاكات في محافظة الرقة والمنطقة الشرقية من سورية لـ “العربي الجديد” أن طفلة تبلغ من العمر ثمانية أعوام، قضت يوم الإثنين، إثر انفجار لغم أرضي من مخلفات تنظيم “داعش” جنوبي قرية هنيدة التابعة لمنطقة صاوي بريف الرقة الغربي.
وأوضح الشبلي لـ “العربي الجديد” أن عبوة ناسفة أخرى انفجرت بمحل تجاري وسط مدينة رأس العين شمال محافظة الحسكة، أحدثت دماراً واسعاً، دون وقوع أي إصابة تذكر.
كما أشار إلى أن الشرطة العسكرية الروسية سيرت دورية مشتركة مع الجيش التركي في منطقة عين العرب بريف حلب الشرقي، وتألفت الدورية من ثماني عربات مصفحة للطرفين، رافقتها مروحيتان روسيتان، وانطلقت من قرية غريب وصولاً إلى قرية خانة التابعة لمدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي.
وفي شمالي حلب، قصفت قوات الجيش التركي، مساء الاثنين، مواقع عسكرية لـ “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، المتمركزة في مطار منغ العسكري، وقرية عين دقنة بريف حلب الشمالي، وسبقها قصف صاروخي لـ “قسد” استهدف الطريق الواصل بين مدينتي أعزاز – عفرين شمال حلب، دون تسجيل أي إصابة تذكر. وكانت فصائل “الجيش الوطني” المعارض، قد نفذت صباح الاثنين عملية نوعية على مواقع “قسد” على خطوط التماس الفاصلة بين الطرفين في قرية مرعناز شمال حلب، أدت لمقتل وجرح 10 عناصر من “قسد”، بالإضافة لمقتل عنصرين من “الجيش الوطني”، دون إحراز أي تقدم يذكر للطرفين.
—————————
إدلب بعد 6 أعوام من طرد النظام: عنف متواصل/ عبسي سميسم
يعيش أهالي إدلب السورية بعد ست سنوات من سيطرة المعارضة عليها، في دوامة جديدة من العنف، إذ يجدون أنفسهم عالقين بين التفلت الأمني وتسلط “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) على المحافظة، والتي استخدمت ما سمي بـ”حكومة الإنقاذ” كذراع لها للسيطرة على كل المرافق الخدمية، وبين التصعيد المتواصل من النظام السوري وحلفائه، أكان باستمرار القصف بالمدفعية والطيران، أو من خلال العمليات العسكرية للسيطرة على المنطقة بدعم روسي.
أما المسارات التفاوضية حول المحافظة، فكانت أشبه باللعبة السياسية، استغلها الروس لقضم أجزاء واسعة من إدلب ومحيطها، بهدف تحقيق هدفهم بالسيطرة عليها كاملة بشكل تدريجي، الأمر الذي لا يزال محط مخاوف المعارضة والأهالي في إدلب. أما تركيا، التي قدّمت الدعم للمعارضة لتحرير مركز محافظة إدلب ومحيطها، فلم تتحرك جدياً لإيجاد حل جذري لـ”هيئة تحرير الشام”، فيما دخلت في مسارات تفاوضية مع روسيا حول المحافظة أسفرت في النهاية عن خسارة المعارضة أجزاء واسعة من الأراضي التي كانت تحت سيطرتها لصالح النظام، ومليشيات تسانده.
تحكّم “تحرير الشام”
عملت “هيئة تحرير الشام” بعد سيطرة المعارضة على فصائل المحافظة نهاية مارس/آذار 2015، على فرض نفوذها على إدلب، للتحكم بها مدنياً وعسكرياً، وهو ما شكّل ذريعة للنظام والروس والإيرانيين للتحرك عسكرياً باتجاه المنطقة بحجة مكافحة الجماعات الإرهابية، ما أحرج الموقف التركي وفصائل المعارضة الأخرى المقاتلة في إدلب ومحيطها. وفعلاً تقدّم الروس في معارك بدأت منذ العام 2019 وانتهت في مارس/آذار من العام الماضي، باتفاق روسي-تركي لوقف إطلاق النار، بعد أن خسرت المعارضة في تلك المعارك أجزاء واسعة من المحافظة ومحيطها، لا سيما جنوباً، والتي كانت أساساً تحت سيطرة المعارضة.
كما أثرت سيطرة “تحرير الشام” على الوضع المعيشي للسكان المدنيين الذين تخلصوا من نظام الأسد الذي كان يطبق قبضته الأمنية على المدنيين، ليخضعواً مجدداً لسيطرة تنظيم راديكالي يتدخل بتفاصيل حياتهم اليومية. فبعد انتزاع إدلب من سيطرة النظام استُبدلت الفروع الأمنية بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما استُبدلت المحاكم المدنية بمحاكم شرعية من دون أي دور لمحامي الدفاع. وفي هذا السياق، نفذ جهاز الأمن العام التابع لـ”تحرير الشام” يوم الإثنين الماضي، حكماً بالإعدام رجماً بالحجارة بحق ثلاث سيدات ورجل وسط مدينة إدلب، بتهمة الزنى والقتل. كما عثر الأهالي على جثتين لشابين مقتولين برصاص مجهولين، في حادثتين منفصلتين على أطراف مدينة سلقين، وأطراف بلدة الدانا شمال محافظة إدلب، الإثنين، ما يشير إلى تدهور الوضع الأمني في عموم المحافظة.
كما حاربت الهيئة الناشطين المدنيين الذين خرجوا بثورة ضد الظلم من أجل بناء دولة قانون، فتمت تصفية الكثير منهم وتكفير آخرين بسبب دعوتهم لبناء مجتمع ديمقراطي. ولم يتوقف الأمر عند الوضع الأمني الذي ازداد سوءاً بل تعداه إلى الوضع الخدمي، فسيطرت الهيئة على كل المرافق الخدمية وبدأت باستثمارها من أجل تمويل نفسها ذاتياً على حساب المدنيين، وبأسعار لا طاقة لهم على تحمّلها. فأصبحت الوكيل الحصري لبيع الكهرباء والاتصالات وحتى استولت على مهنة الصرافة، ولم تسمح بممارستها إلا من خلالها. كما اعتمدت الهيئة على الغرامات كوسيلة لجني الأموال، فمنعت الأعراس في الصالات من دون أن تغلقها ولكنها فرضت غرامات كبيرة على من يقيم عرساً في صالة، كما منعت حيازة التبغ فيما سمحت للتجار باستيراده من أجل فرض غرامات على تجار المفرق والمواطنين الذين يضبطون ومعهم علب سجائر.
وقال الشاب محمود الخالد المقيم في مدينة إدلب، لـ”العربي الجديد”، إن “تحرير الشام” هيمنت أمنياً وعسكرياً على مدينة إدلب منذ دخولها المدينة عام 2014، وحتى اليوم، موضحاً أن الهيئة تدعي أن جهاز الأمن العام في محافظة إدلب هو من كافة الفصائل العسكرية، لكن الواقع غير ذلك أبداً، فجهاز الأمن العام تتحكّم به الهيئة وتديره مع وجود قسم صغير من باقي الفصائل ليس لها أي قرار في مهمات جهاز الأمن. وأضاف الخالد أن “هيئة تحرير الشام بين الحين والآخر تعمل بشكل متعمد على تسيير أرتال عسكرية داخل مدينة إدلب، إما بحجة حملة أمنية، أو بحجة استعراض عسكري، ولكن الهدف الرئيسي هو ترهيب المدنيين، من أجل عدم الانتفاض في وجه الهيئة، لا سيما أن عناصرها قمعوا تظاهرات عدة في مدينة إدلب، طالبت بإسقاط زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني”.
وأشار الخالد إلى أن “تحرير الشام” فرضت سلطتها على كامل المرافق الحيوية في المدينة والحركة التجارية والأسواق والتجار ومحلات الصرافة والحوالات، عن طريق الذراع المدني التابع لها “حكومة الإنقاذ”، ومنعت أي شركة أو صيدلية أو معمل يتم افتتاحه من دون ترخيص من “الإنقاذ” والموافقة عليه بعد دراسة عن المشروع.
من جهته، أكد حسن جبارة المقيم في مدينة إدلب، لـ”العربي الجديد”، أن “تحرير الشام” حالياً لم تختلف بتعاملها وتدخلها بشؤون المدنيين عن تعاملها حين كانت تسمى “جبهة النصرة”، مضيفاً “نتعامل معها كسلطة أمر واقع، فنحن غير راضين عن الطريقة التي سيطرت بها من خلال القضاء على فصائل الجيش الحر، والقبضة الأمنية الكبيرة وتفردها بالأمور المدنية عبر حكومة الإنقاذ، إلا أنها أصبحت أمراً واقعاً وبتنا مرغمين على التعامل معها”. ولفت إلى أن “النسبة الكبرى من الأهالي تدرك هذا الأمر جيداً لكن سوء الأوضاع المعيشية وانتشار مخيمات النزوح و الكثير من المشاكل الحياتية الأخرى تجعل الناس يسكتون أو يغضون الطرف عن هذا الأمر”.
ومما يزيد معاناة المدنيين في محافظة إدلب هو اتخاذ النظام والروس، “تحرير الشام” كذريعة لقصف المحافظة بشكل دائم، وكانت الكارثة الكبرى في المحافظة خسارة حوالي 1.7 مليون نازح لمنازلهم التي هُجروا منها نتيجة السيطرة على مدنهم وقراهم من قبل قوات النظام وحلفائها، ولا يزالون يعانون ظروفاً صعبة في المخيمات الشمالية ومناطق النزوح، وسط انعدام فرص العمل وندرة المساعدات الإنسانية، في ظل أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة تعيشها البلاد.
الدور التركي
أمام هذا الواقع، باتت تركيا تحت ضغط المطالبة بالوقوف عند التزاماتها، بالعودة إلى اتفاق سوتشي، وتطبيق حدوده الجغرافية، ما يعني إبعاد النظام عن المناطق التي قضمها بدعم روسي وإيراني، سلماً أو حرباً. كما تواجه تركيا مطالبا بالتحرك الجدي لإيجاد حل جذري لـ”تحرير الشام” ووضع حلول لتنظيم الوضع الأمني والخدمي في المحافظة.
في المقابل، فإنها بدأت بترتيب أوراقها وأوراق المعارضة العسكرية في إدلب بشكل أكثر تنظيماً، لضمان عدم تمدد النظام وحلفائه مستقبلاً في عمق إدلب. فأنشأت من خلال نقاط عسكرية تابعة لجيشها جداراً نارياً في مواجهة النظام على خطوط التماس، بعد أن أبدى النظام مع الروس نوايا للتقدّم والسيطرة على الطريق الدولي “أم 4″، انطلاقاً من جبل الزاوية جنوب إدلب. وزجت أنقرة إلى ذلك الجدار بالآلاف من مقاتلي جيشها، وتحديداً من قوات “الكوماندوس”، وزودت تلك النقاط بأسلحة وعتاد هجومي يصعب على النظام وقواته مواجهته.
كما عمدت تركيا إلى إعادة تنظيم المعارضة ولا سيما “الجبهة الوطنية للتحرير”، وهي تحالف عسكري يضم العديد من الفصائل في إدلب، بهدف تنظيم صفوفها استعداداً للسيناريوهات المقبلة. بيد أن عقدة السيطرة الواسعة لـ”تحرير الشام” على مساحات من إدلب، لا تزال تحرج أنقرة، أمام الروس والإيرانيين من جهة، والمجتمع الدولي من جهة أخرى.
وفي ظل هذه الأجواء، يبقى مصير المحافظة غامضاً، وينتظر جهوداً دولية وغربية إلى جانب تركيا لحله بشكل كامل، وإنهاء معاناة المدنيين في المحافظة من ويلات تسلط الهيئة ومن ويلات الحرب.
العربي الجديد
———————————
النظام السوري يفتعل توترات أمنية لقضم مناطق “التسويات”/ ريان محمد
يبدو أن النظام السوري يحاول تكرار مشهد قضمه لمناطق “التسويات” تحت ذرائع أمنية، بهدف تفريغها من المناهضين له، كمقدمة لإعادة سطوته الأمنية عليها. وتشهد كناكر بريف دمشق الغربي توتراً أمنياً، بعد اتهام النظام لعناصر من فصائل “التسوية” في البلدة بمحاولة القيام بأعمال أمنية في دمشق، في حين يحاول الروس الضغط على المجتمع المحلي لعدم التصعيد والذهاب باتجاه عقد “تسوية” جديدة مع النظام، الأمر الذي يثير قلق الأهالي من احتمال عودة سطوته عليهم.
وقال أبو محمد عاشور (52 سنة)، الذي فضل عدم ذكر اسمه صراحة لأسباب أمنية، لـ”العربي الجديد”، إن “الوضع في كناكر ليس جيداً، فكثير من العائلات لديها أفراد مطلوبون من قبل النظام أو معتقلون، وعودة سيطرة النظام على البلدة ستجعلنا جميعاً في خطر”. وأضاف “هناك الكثير من الشبان المستنكفين عن الخدمة العسكرية في البلدة، والنظام والروس يساومون الأهالي على ملف التجنيد. الروس يريدون تشكيل مليشيا تتبع لهم عبر “الفيلق الخامس”، والنظام يريد إجبار الشبان على الخدمة في صفوفه. وكل ذلك لكسر إرادتهم واخضاعهم لسيطرتهما”.
وكان وفد روسي طالب وجهاء كناكر، السبت الماضي، خلال اجتماع عقد في مبنى البلدية، بتهدئة الأوضاع في المنطقة، محذراً من إدخال البلدة في توترات أمنية جديدة، في حين كرر الوجهاء وممثلون عن فصيل “ألوية الفرقان” وأعضاء لجنة “المصالحة” مطالبهم بإطلاق سراح المعتقلين. وجاء التدخل الروسي عقب تصعيد النظام أمنياً والحصار الجزئي الذي فرضه على البلدة، حيث وضع قائمة مكونة من 100 شخص للاعتقال في فبراير/شباط الماضي، في حين كان فرض في يناير/كانون الثاني الماضي حصاراً على البلدة، وقصفها بالمدفعية والرشاشات الثقيلة، قبل أن يعود الهدوء النسبي ليخيم عليها.
وكان عدد من الضباط الروس التابعين إلى “مركز المصالحة الروسي” ومقره في دمشق، ومعهم عدد من ضباط قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري، عقدوا ثلاثة اجتماعات متتالية في كناكر مطلع العام الحالي، اثنان منها مع ممثلي فصائل مسلحة معارضة أجرت “تسويات” مع النظام، والثالث عُقد بحضور أعضاء “لجنة المصالحة” ووجهاء البلدة. وأهم ما عرضه الوفد الروسي في الاجتماعات هو إعادة طرح تشكيل قوة عسكرية محلية ضمن ما يسمى “الفيلق الخامس”، تتبع للقوات الروسية بشكل مباشر، وتضم المنشقّين عن قوات النظام وعناصر “التسويات” من أبناء البلدة، مقابل فتح ملف المعتقلين والمغيبين قسراً. كما أعلن النظام، منتصف الشهر الحالي، إحباطه استهداف مدينة دمشق من قبل 6 أشخاص، كانوا يخططون للقيام بعمليات تفجير عبر الأحزمة الناسفة، قتل ثلاثة منهم في حين تم إلقاء القبض على ثلاثة آخرين، هم من أبناء بلدتي زاكي وكناكر.
يشار إلى أن النظام فشل في إجراء “مصالحة” حقيقية في مناطق المعارضة التي سيطر عليها، عقب توافق إقليمي وبرعاية روسية، حيث واصل محاصرة هذه المناطق، وأبقى على من أجرى “تسوية” أمنية عرضة للاعتقال، فيما يواصل سكان تلك المناطق رفضهم عودة سطوة النظام، وخاصة الأمنية. وكان العشرات من أبناء كناكر تظاهروا، الجمعة الماضي، في ذكرى إحياء انطلاق الثورة في العام 2011.
كما ينتهج النظام ذات السياسة في مناطق “التسويات” في درعا والقنيطرة، كان آخرها الأحداث التي شهدتها بلدة مزيريب، الأمر الذي تطور إلى الصدام المسلح، ما تسبب بمقتل وجرح نحو 30 عنصراً من القوات النظامية، في وقت تتواصل فيه عمليات اغتيال قيادات وعناصر سابقة من الفصائل المسلحة المعارضة، أو حتى المشاركين في هيئات معارضة، الأمر الذي يعتبره ناشطون محليون في درعا سياسة لتفريغ المنطقة من كوادرها القيادية. وقد يكون خروج العديد من التظاهرات في مناطق “التسويات” تطالب بإسقاط النظام والإفراج عن المعتقلين، مؤشراً واضحاً على فشل الروس والنظام في بناء مصالحات حقيقية، وإيجاد حلول حقيقية للأزمة السورية، ما يهدد بإعادة انفجار الأوضاع في تلك المناطق بأي وقت.
يذكر أن منطقة كناكر كغيرها من مناطق “التسويات” تشهد، منذ إعادة سيطرة النظام عليها، توترات أمنية على خلفية خرق قوات النظام لتعهداته وحتى “التسويات” التي يجريها، في ظل مواصلة قواته الاعتقالات والتجنيد الإجباري والابتزاز والحصار، وكان آخرها في فبراير الماضي، بسبب قتل القوات النظامية شاباً من البلدة رفض الخدمة العسكرية.
العربي الجديد
————————–
روسيا تتهم المعارضة السورية بمنع المدنيين من الخروج عبر المعابر وتبحث مع تركيا تطورات إدلب/ محمد الأحمد
اتهمت قناة “روسيا اليوم”، نقلاً عن مراسليها في سورية، اليوم الخميس، فصائل المعارضة السورية الموجودة في منطقة “خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها)، ومناطق درع الفرات، شمال شرقي حلب، بتهديد المدنيين في حال الخروج من الممرات الإنسانية التي أعلن عن فتحها النظام السوري، صباح اليوم.
وكان النظام السوري قد افتتح اليوم، وبمشاركة الشرطة العسكرية الروسية، معبر بلدة الترنبة المحاذية لمدينة سراقب، شرقي محافظة إدلب، عند تقاطع الطريقين الدوليين “أم 4، أم 5″، ومعبر أبو الزندين بالقرب من مدينة الباب، شرقي حلب، شمال غربي البلاد.
وأشارت إلى أن المعابر لم تسجل أي حالة خروج من إدلب وحلب إلى مناطق سيطرة النظام السوري منذ افتتاحها صباح اليوم، فيما طالب الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني” المعارض الولايات المتحدة بالضغط على “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) لمنعها من إمداد النظام بالمحروقات.
إلى ذلك، نفى الناشط الإعلامي والمصور في إدلب سعد زيدان وجود أي حركة سير للمدنيين من المناطق المحررة على الأوتوستراد الدولي (حلب – اللاذقية)، إلى بلدة الترنبة المتاخمة لمدينة سراقب، شرقي محافظة إدلب.
وأكد زيدان لـ”العربي الجديد”، أنه لا توجد أي حواجز عسكرية لفصائل المعارضة على الطريق من مدينة أريحا، غربي إدلب، وصولاً إلى خطوط التماس مع قوات النظام في الترنبة، شرقي إدلب، لمنع المدنيين من الدخول إلى مناطق سيطرة النظام، على عكس ما تناولته وكالة روسية، مضيفاً: “المدنيون الموجودون في المناطق المحررة هم ضد قرار فتح المعابر مع النظام، بعدما دمر منازلهم وهجرهم من مدنهم وقراهم وسرقها”.
من جهته، نفى أيضاً رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى جميع الأخبار التي تناقلتها بعض المواقع الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي عن افتتاح معابر بين المناطق المحررة ومناطق النظام التي وصفها بـ”المحتلة”.
وأكد مصطفى عدم صحة هذه الأخبار جملة وتفصيلاً، وأشار في تغريدة له نشرها على حسابه الرسمي في “تويتر”، ظهر اليوم الخميس، إلى أن “الحكومة السورية المؤقتة لن تتنازل أبداً عن ثوابت ثورتنا المباركة ولن تحيد إطلاقاً عن مطالب شعبنا الأبي”.
تناقلت بعض المواقع الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي أخباراً غير دقيقة عن افتتاح معابر بين المناطق المحررة والمناطق المحتلة. نؤكد عدم صحة هذه الأخبار جملة وتفصيلاً وأن الحكومة السورية المؤقتة لن تتنازل أبداً عن ثوابت ثورتنا المباركة ولن تحيد إطلاقاً عن مطالب شعبنا الأبي.
— Abdurrahman Mustafa (@STMAbdurrahman) March 25, 2021
وقال الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني” الحليف لتركيا، الرائد يوسف حمود، اليوم الخميس، إن “بعض الأقلام الإعلامية المغرضة والغير مسؤولة تتناقل أخباراً بأنّ الجانب الأميركي قام بالإيعاز لتركيا من أجل عدم فتح المعابر بين المناطق المحررة والمناطق المحتلة تحت سلطة روسيا وإيران والأسد”، جازماً أن تلك الأخبار “لا صحة لها نهائياً”.
ولفت الناطق الرسمي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن الجانب الأميركي هو المُشرف الرئيسي ضمن المناطق التي تُسيطر عليها “قسد”، وباعتباره هو الداعم لتنظيم لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، وجناحه العسكري “قوات سورية الديمقراطية” (قسد).
الشرطة الروسية في درعا (محمد يوسف/فرانس برس)
وأضاف حمود: “بما أن الجانب الأميركي يصدر للإعلام أنه هو الذي ضغط على تركيا من أجل إغلاق المعابر بين مناطق المعارضة السورية والنظام وعدم السماح بفتنتها، يجب عليه أيضاً الضغط على قسد ومنعها من إمداد النظام بالمحروقات”.
ولفت إلى أنه معروف لدى الجميع أن شركة “القاطرجي” التابعة للنظام، أبرمت عدة صفقات وعقود مع “قسد” لإمداد النظام بالمحروقات، مشيراً إلى أن الكمية التي يحتاجها النظام من محروقات لتشغيل دوائره الحكومة تُقدر بنحو ما بين 100 و110 آلاف برميل نفط يومياً، والقسم الأكبر من المواد النفطية المطلوبة يحصل عليها النظام عبر شركة القاطرجي من مناطق سيطرة قسد التي يُشرف عليها الجانب الأميركي.
ويوم أمس، الأربعاء، نفى مصدران تركيان رفيعان تحدثا لـ”العربي الجديد”، توصل أنقرة وموسكو إلى أي اتفاق بفتح ثلاثة معابر في منطقتي إدلب وحلب، شمال غربيّ سورية، إذ أكد مصدر عسكري أن تركيا، بالفعل، تلقت عرضاً روسياً من أجل فتح المعابر، لكنه نفى حصول أي اتفاق على ذلك.
وشدد المصدر على أن الجانب التركي لا يزال يفاوض نظيره الروسي على العرض المقدم، معتبراً أن الحديث الإعلامي الروسي هو للضغط على أنقرة للوصول إلى اتفاق مشترك. كذلك نفى مصدر في وزارة الخارجية التركية الأنباء الإعلامية بشأن حصول أي اتفاق، موضحاً أن هذه الأنباء “غير صحيحة”.
من جهة أخرى، بحث وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، عصر اليوم الخميس، مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، خروقات قوات النظام السوري في “منطقة خفض التصعيد” بإدلب، مؤكداً أنه اتفق مع نظيره الروسي، خلال اتصال هاتفي، على اتخاذ إجراءات متبادلة بخصوص انتهاكات قوات النظام.
وأكد أكار أن مباحثاته مع شويغو كانت “بناءة”، بحسب ما ذكرته وكالة “الأناضول” الرسمية، نقلاً عن وزارة الدفاع التركية.
————————-
سوريا: مظاهرات شعبية ودعوات لمظاهرات مليونية اليوم رفضًا للمقترح الروسي بفتح معابر مع النظام في الشمال/ هبة محمد
وسط مقاطعة عسكرية ودعوات أهلية للتظاهر في إدلب وحلب شمال وشمال غربي سوريا، رفضاً للمقترح الروسي الرامي إلى افتتاح المنافذ والمعابر مع مناطق سيطرة النظام السوري، نفى رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى ما تناقلته وسائل إعلام محلية ومواقع التواصل الاجتماعي الأنباء المتداولة حول افتتاح معابر شمال غربي سوريا.
وقال رئيس الحكومة السورية المؤقتة: «تناقلت بعض المواقع الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي أخباراً غير دقيقة عن افتتاح معابر بين المناطق المحررة والمناطق المحتلة». وأوضح قائلاً: نؤكد عدم صحة هذه الأخبار جملة وتفصيلاً وأن الحكومة السورية المؤقتة لن تتنازل أبداً عن ثوابت ثورتنا المباركة ولن تحيد إطلاقاً عن مطالب شعبنا الأبي. كما نقلت رويترز عن مسؤولين أمن أتراك قولهم «إن إعلان روسيا فتح معبرين حدوديين إلى شمال غربي سوريا غير صحيح».
وذكرت وسائل إعلام النظام الرسمية أن محافظة إدلب افتتحت «بالتنسيق مع وحدات الجيش العربي السوري والهلال الأحمر العربي السوري اليوم ممر ترنبة سراقب في منطقة سراقب في ريف إدلب الشرقي بهدف استقبال الأهالي الراغبين في الخروج.. إلى بلداتهم وقراهم».
ونقلت سانا عن محافظ إدلب محمد نتوف قوله «إن المحافظة قامت بتجهيز طاقم طبي كامل مع عيادة متنقلة وسيارة إسعاف عند الممر لاستقبال الأهالي الراغبين بالخروج وتقديم الخدمات الطبية اللازمة فيما جهز الهلال الأحمر العربي السوري فرقاً إضافية ستكون مهمتها تقديم المساعدة». وأشار نتوف إلى وجود تنسيق مع الجانب الروسي و»تقديم كامل التسهيلات لضمان نقلهم إلى حماة ومن ثم عودتهم إلى قراهم المحررة».
وقال محمد وتي مدير فرع الهلال الأحمر إن فريقاً من «الهلال الأحمر العربي السوري يتواجد على مدار 24 ساعة على الممر الإنساني وهو جاهز لتقديم الخدمات الإغاثية والطبية الكاملة للأهالي الراغبين بالخروج عبر هذا الممر إلى مراكز الإقامة المؤقتة في مدينة حماة».
وفي المقابل، قال المرصد السوري لحقوق الانسان، إن رفضًا كبيرًا يسود الأوساط العسكرية المقاتلة في المنطقة الممتدة من جبال اللاذقية الشمالية الشرقية، وصولاً إلى الضواحي الشمالية الغربية لمدينة حلب مروراً بريفي حماة وإدلب، رفضاً للاتفاق الروسي – التركي حول فتح معابر في إدلب وحلب بين مناطق الفصائل والجهاديين من طرف، ومناطق النظام من طرف آخر. وأطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الأربعاء، وسم «لا للمعابر مع الطواغيت» و«شريان الحياة للنظام هو فتح المعابر» كما خرجت مظاهرات في كل من عفرين وإعزاز في ريف حلب، ومدينة إدلب، معتبرين أن المقترح الروسي سيكون له أثر سلبي على المناطق الخاضعة لنفوذ الفصائل، وسيرفع العزلة عن النظام الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، بفعل العقوبات الدولية.
كما دعا الناشطون لمظاهرات مليونية اليوم الجمعة ترفض مطالب موسكو بـ«فتح المعابر وإنعاش النظام بعد تهاوي ليرته» وفقًا للشعارات المتداولة. فيما تداول الناشطون صوراً للمدنيين أثناء حصار النظام لهم ومكابدتهم الموت لاسيما في أرياف دمشق وغوطتيها الشرقية والغربية، ومحافظة حمص وأحيائها القديمة.
وعبّرت قيادات عسكرية ضمن الجبهة الوطنية للتحرير وقائد فصيل جيش العزة وقيادات عسكرية أخرى عن رفضهم لفتح معابر عبر بيانات ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال الرائد جميل الصالح، قائد فصيل «جيش العزة» في تغريدة له على موقع تويتر «من يستطيع أن ينسى أهل حمص عندما تناولوا لحم القطط وأطفال داريا الذين فارقوا الحياة لنقص الحليب، وأهالي الغوطة عندما أكلوا حشائش، وأهالي عين الفيجة الذين حلموا بالدواء، وموت المعتقلين تحت التعذيب جوعاً»، وأضاف «حتى النقاش بفتح المعابر خيانة للدين والدماء والأعراض».
كما قال الناطق العسكري باسم «الجيش الوطني السوري» الرائد يوسف حمود، في تغريدة له على حسابه الرسمي عبر تويتر «بالنسبة لي، لأن تفشل كل الحلول الدولية ولأن تقسم سوريا مليون قطعة، أسهل من أن يفتح معبر تجاري واحد مع عصابة النظام وقاتلنا بوتين حيث ما زال البهرزي جاثماً على صدر البلد».
موجة الغضب، تزامنت مع إعلان وزارة الدفاع الروسية عن توصلها إلى اتفاق مع الجانب التركي لإعادة فتح 3 معابر في منطقتي إدلب وحلب شمال سوريا لتخفيف صعوبة الأوضاع الإنسانية في الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا.
وقال نائب مدير مركز حميميم لمصالحة الأطراف المتحاربة في سوريا والتابع لوزارة الدفاع الروسية، اللواء البحري ألكسندر كاربوف، خلال مؤتمر صحافي عقده الأربعاء، إنه بهدف رفع حالة العزل وعمليا إزالة الحصار الداخلي للمدنيين، تم اتخاذ قرار لفتح معبري سراقب وميزناز في منطقة إدلب لخفض التصعيد ومعبر أبو الزندين في منطقة مدينة حلب. وأضاف كاربوف: «نعتقد أن هذا الإجراء يمثل عرضاً مباشراً لالتزامنا بالتسوية السلمية للأزمة السورية على المجتمعين المحلي والدولي». وأوضح نائب مدير مركز حميميم أن هذه الخطوة ستسهم «في تحسين الأوضاع الاجتماعية وإزالة التوتر في المجتمع بسبب انقطاع الاتصالات العائلية وصعوبة الأحوال المعيشية».
—————————-
تركيا ترفض الضغط الروسي:لا موافقة على فتح المعابر السورية
غداة إعلان وسائل إعلام روسية وسورية أن موسكو اتفقت مع أنقرة على فتح معبري سراقب وميزنار شرق إدلب، ومعبر أبو الزندين شمال حلب، أكد مسؤول تركي بارز معني بالملف السوري أن بلاده “رفضت أصلاً طلب روسيا في هذا الشأن”.
ونقلت وكالة “رويترز” الخميس عن مسؤولي أمن تركيين، قولهما إن إعلان روسيا فتح معبرين حدودين شمال غربي سوريا غير صحيح.
وكان لافتاً عدم ذكر بيان صدر إثر اتصال هاتفي أجراه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع نظيره الروسي سيرغي شويغو موضوع فتح المعابر، واكتفى بتوضيح أن الإتصال “بحث خروق قوات النظام السوري في إدلب، وجرى الإتفاق بعد محادثات بناءة على اتخاذ إجراءات متبادلة في شأنها”.
وصباحاً، تحدثت وكالة أنباء النظام “سانا” عن فتح معبر إنساني في منطقة سراقب ل”السماح بخروج المدنيين من منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب وما حولها) إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية”، من دون أن تُظهر الصور التي نشرتها أي مدني على المعبر.
ونقلت عن محافظ المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في إدلب محمد نتوف أن “المحافظة جهزت طاقماً طبياً كاملاً مع عيادة متنقلة وسيارة إسعاف عند الممر لإستقبال الأهالي الراغبين في الخروج، وتقديم الخدمات الطبية اللازمة لهم، فيما أرسل الهلال الأحمر السوري فرقاً إضافية لتقديم المساعدة”.
من جهتها، تحدثت صحيفة “الوطن” عن فتح معبر أبو الزندي، لكن مصادر أخرى تحدثت عن تحركات رافضة لفتح معابر في مناطق سيطرة فصائل المعارضة. ونقل أحد المصادر خبر رفض مجموعة من الضباط المنشقين عن النظام تنفيذ هذا الإجراء، وأشار آخر الى خروج تظاهرات في مدينتي عفرين وأعزاز بريف حلب ومدينة إدلب رفعت لافتات “لا لفتح المعابر”، و”فتح المعابر خيانة لدماء الشهداء”.
ووصف رئيس “الحكومة السورية الموقتة” عبد الرحمن مصطفى التقارير عن فتح المعابر بأنها “غير دقيقة وغير صحيحة جملة وتفصيلاً”، مؤكداً أن الحكومة السورية الموقتة “لن تتنازل أبداً عن ثوابت ثورتنا المباركة، ولن تحيد إطلاقاً عن مطالب شعبنا الأبي”.
———————-
نزوح السوريين… هدف للنزاع ووسيلة للسيطرة
تقارير تتحدث عن «تطهير عرقي» وتهجير لمدنيين
أفادت تقارير بأن نزوح السوريين ليس مجرد نتاج عرضي للنزاع، بل هو هدف من أهدافه، ووسيلة استراتيجية لتعزيز السيطرة الإقليمية والسياسية، مشيرة إلى أن النزوح الناجم عن «التطهير العرقي» قد يغير ربما بشكل دائم، الجغرافيا.
وأفاد «مركز جسور للدراسات» بأنه، في منتصف عام 2011، كان عدد السكّان الذين يوجَدون في سوريا يُقدّر رسمياً بأكثر من 21 مليون نسمة، بمعدّل نمو قدره 1.7 في المائة، وأنه في عام 2021 «طرأ تغيّر كبير على عدد السكّان في سوريا نتيجة النزاع الذي اندلع عام 2011، بعدما استخدم النظام السوري العنف المفرط ضد الاحتجاجات السلمية، وتجاذبت الأطراف السيطرة، وجرت عمليات تهجير واتفاقات أفضت إلى خروج أعداد من السكان، كما دفعت الظروف الاقتصادية والمعيشية عدداً كبيراً من الأشخاص للخروج من سوريا».
هكذا بات إجمالي عدد السوريين يزيد على 26 مليون نسمة بقليل موزعين على مناطق وفئات مختلفة، منهم نحو 16 مليوناً داخل البلاد، وقرابة 9 ملايين خارجها، إضافة إلى أكثر من مليون شخص بين مفقود وقتيل، ذلك بناء على «بيانات المهجرين والمقيمين خارج سوريا في مرحلة ما بعد 2011»، استناداً إلى «بيانات الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، وبيانات رسمية من الدول التي يقيم فيها السوريون، ومصدر محلي واحد على الأقل في كل بلد من البلدان، بالإضافة إلى ترجيحات الخبراء»، حسب المركز. وأشار إلى أن 57 في المائة من السوريين يعيشون في مناطق النظام التي تشكل نحو 65 في المائة من مساحة البلاد، مقابل 24 في مناطق المعارضة التي تشكل حوالى 10 في المائة من سوريا، و19 في المائة في مناطق «الإدارة الذاتية» شرق الفرات.
وكان «المركز السوري لبحوث السياسات» قال في تقرير إن النزاع «أثر تأثيراً خطيراً في الخصائص السكانية في سوريا، إذ تبين المؤشرات الديموغرافية التغير الجذري في هذه الخصائص من جوانب مختلفة»، بداية، تغيَّر اتجاه معدل النمو السكاني من مستويات مرتفعة قبل النزاع إلى معدلات نمو سكاني سلبية؛ فقد انخفض عدد السكان داخل سوريا بنسبة 2.3 و2.9 و1.9 في المائة في الأعوام 2015 و2016 و2017 على التوالي، فبلغ 19.22 مليون نسمة، في عام 2017. ومع ذلك، شهد عاما 2018 و2019 نمواً إيجابياً، مع زيادة سكانية بلغت 0.9 في المائة في 2018 و1.1 في 2019؛ حيث بلغ عدد السكان 19.6 مليون في عام 2019.
ونتج الانخفاض العام في عدد السكان، حسب المركز، من ثلاثة عوامل: أولاً: الارتفاع الحاد في معدلات الوفيات، بسبب ارتفاع أعداد ضحايا الحرب. ثانياً، انخفاض معدلات الولادات، الذي تراجع من 38.8 إلى 25 لكل 1000 من السكان بين العامين 2010 و2017.
وهذا يتناقض مع كثير من الأبحاث والاتجاهات السائدة، التي تشير إلى زيادة معدل الخصوبة، في أثناء الحرب، خاصة بين النازحين، وزيادة معدل الولادات. ثالثاً، ارتفاع معدلات الهجرة واللجوء إلى الخارج، إذ قدر عدد اللاجئين في دول الجوار بأكثر من 5 ملايين، ونتيجة لذلك ارتفعت معدلات الهجرة الصافية من 4 لكل ألف في 2010 إلى 70.5 لكل ألف في 2013، ثم تقلصت تدريجياً إلى 34.3 لكل ألف عام 2017.
ومن الخصائص الديموغرافية المستجدة تغير تركيب النوع الاجتماعي، أي نسبة الذكور إلى الإناث، لجهة زيادة نسبة الإناث، نتيجة لعوامل مختلفة، منها زيادة عدد وفيات الذكور مقارنة بالإناث، وتأثير النزوح واللجوء، خاصة الذكور في سن العمل، الذين يعتبرون موضوعاً للتجنيد أو الخطف أو الاعتقال.
فوفقاً للدراسة، بلغت نسبة الإناث من إجمالي السكان غير النازحين 51 في المائة، في حين بلغت نسبة النساء إلى الذكور، بين النازحين داخليا، 57 في المائة. كما تغير التركيب العمري للسكان، فانخفضت نسبة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و39 عاماً، لا سيما بين النازحين، إما نتيجة للهجرة القسرية المرتبطة بظروف الحرب وإما هرباً من التجنيد في الجيش، أو نتيجة المشاركة في العمليات العسكرية أو ازدياد عدد الضحايا بينهم.
——————————
موسكو تنتزع من أنقرة «معابر» لحلب وإدلب
لجنة في «الشيوخ» الأميركي تقر مشروع قانون لمحاسبة النظام السوري
موسكو: رائد جبر – أنقرة: سعيد عبد الرازق – واشنطن: رنا أبتر
انتزعت موسكو أمس من أنقرة موافقتها على فتح ثلاثة «معابر إنسانية» لحلب وإدلب في شمال غربي سوريا.
وأعلن نائب مدير مركز «حميميم» لمصالحة الأطراف المتناحرة في سوريا ألكسندر كاربوف، في إفادة صحافية أمس، أن فتح المعابر؛ «يهدف إلى رفع حالة العزل وتخفيف حالة الحصار الداخلي التي يعاني منها المدنيون». ووفقاً للاتفاق، تم فتح معبري سراقب وميزناز في منطقة إدلب لخفض التصعيد ومعبر أبو زيدين في حلب مع مناطق النظام في حماة وحلب.
وأعرب المسؤول العسكري الروسي عن قناعته بأن «هذا الإجراء يعرض بشكل مباشر على الصعيدين الداخلي المحلي والدولي التزامنا مع الشركاء في تركيا التسوية السلمية للأزمة السورية».
وأوضح نائب مدير المركز التابع لوزارة الدفاع الروسية أن هذه الخطوة ستسهم «في تحسين الأوضاع الاجتماعية وإزالة التوتر في المجتمع بسبب انقطاع الاتصالات العائلية وصعوبة الأحوال المعيشية».
واللافت أن هذا التطور فضلاً عن أنه حمل إشارة إلى قلق الطرفين الروسي والتركي بسبب تصاعد التذمر والاحتجاجات داخل منطقة خفض التصعيد، شكل أول محاولة مشتركة لمحاصرة التباينات التي تزايدت خلال الفترة الأخيرة بين موسكو وأنقرة حول الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب ومحيطها.
على صعيد آخر، أقرت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قرار يدعو إلى محاسبة النظام السوري على جرائمه. ومررت اللجنة بإجماع كل أعضاء اللجنة الديمقراطيين والجمهوريين مشروع القرار الذي طرح في الذكرى العاشرة للاحتجاجات في سوريا.
ورحّب رئيس اللجنة الديمقراطي بوب مننديز وزعيم الجمهوريين جيم ريش بالدعم الكبير الذي حصل عليه المشروع.
————————
روسيا تعلن اتفاقاً مع تركيا لفتح 3 «معابر إنسانية» شمال غربي سوريا
قصف واشتباكات في ريف إدلب بين قوات النظام وفصائل معارضة
موسكو: رائد جبر- أنقرة: سعيد عبد الرازق – القامشلي: كمال شيخو
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، التوصل إلى اتفاق مع تركيا لإعادة فتح 3 معابر في منطقتي إدلب وحلب شمال سوريا؛ بهدف «تخفيف صعوبة الأوضاع الإنسانية في الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا».
وجاء التطور مع تواصل التصعيد الميداني في منطقة خفض التصعيد، وبروز مؤشرات إلى تزايد التباينات بين موسكو وأنقرة حول ترتيبات الوضع في المنطقة.
وأعلن نائب مدير مركز «حميميم» لمصالحة الأطراف المتناحرة في سوريا ألكسندر كاربوف، في إفادة صحافية أمس، أن الطرفين اتفقا على إعادة فتح المعابر؛ «بهدف رفع حالة العزل وتخفيف حالة الحصار الداخلي التي يعاني منها المدنيون»، ووفقاً للاتفاق، فقد تمت إعادة فتح معبري سراقب وميزناز في منطقة إدلب لخفض التصعيد ومعبر أبو زيدين في حلب.
وأعرب المسؤول العسكري الروسي عن قناعة بأن «هذا الإجراء يعرض بشكل مباشر على الصعيدين الداخلي المحلي والدولي التزامنا مع الشركاء في تركيا بالتسوية السلمية للأزمة السورية». وأوضح نائب مدير المركز التابع لوزارة الدفاع الروسية أن هذه الخطوة ستسهم «في تحسين الأوضاع الاجتماعية وإزالة التوتر في المجتمع بسبب انقطاع الاتصالات العائلية وصعوبة الأحوال المعيشية».
وكانت هذه المناطق شهدت، خلال الأسابيع الأخيرة، احتجاجات متكررة للسكان على خلفية تدهور الأوضاع الإنسانية، تم فضها من قِبل التشكيلات العسكرية الموالية لتركيا.
وقدمت موسكو، الثلاثاء، اقتراحاً بفتح المعابر على الجانب التركي، وجاء في بيان أصدره مركز المصالحة أن «الاقتراح يشمل إطلاق عمليتي إيصال الشاحنات الإنسانية وخروج النازحين عبر الممرات اعتباراً من 25 مارس (آذار)».
واللافت، أن التطور فضلاً عن أنه حمل إشارة إلى قلق الطرفين الروسي والتركي بسبب تصاعد التذمر والاحتجاجات داخل منطقة خفض التصعيد، فإنه شكل أول محاولة مشتركة لمحاصرة التباينات التي تزايدت خلال الفترة الأخيرة بين موسكو وأنقرة حول الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب ومحيطها. وعكس تعليق كاربوف قبل الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق أن موسكو لم تكن واثقة من استجابة الجانب التركي للاقتراح الروسي، إذ قال المسؤول العسكري الروسي للصحافيين: «للأسف الشديد لا يوجد لدي أي معلومات فيما يخص الرد التركي حول الإجراءات التي تم اتخاذها، لكنني أتطلع لمشاركة الجانب التركي في هذا الأمر، انطلاقاً من قناعاته الخاصة، ومن فهم ضرورة تحسين الوضع بالنسبة إلى السكان المدنيين».
وكانت وسائل إعلام روسية ركزت، خلال الأيام الأخيرة، على تزايد النقاط الخلافية بين موسكو وأنقرة، مع حرص الجانبين على عدم الإعلان رسمياً عن الخلافات. وأشارت مصادر روسية مطلعة إلى أن «الاتفاقات بين رئيسي روسيا وتركيا، فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان، بشأن سوريا مهددة بالتعطيل».
ولفتت وسائل إعلام إلى أن «المعارضة السورية تتهم القوات الروسية بقصف إدلب. وفي الوقت نفسه، تطلب أنقرة من موسكو وقف هجمات القوات الموالية للحكومة السورية في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا. ولدى موسكو أيضاً أسباب لمطالبة تركيا الالتزام بالاتفاقيات. ففي ليلة الأحد، قصف سلاح الجو التركي محافظة الرقة لأول مرة منذ 17 شهراً، كما أن القوات الروسية غير راضية عن أفعال التشكيلات الموالية لتركيا».
كما ذكرت صحيفة «كوميرسانت» الرصينة أنه «لدى كل من موسكو وأنقرة شكاوى بشأن تنفيذ الاتفاقات الموقعة على المستوى الرئاسي».
لكن الصحيفة لاحظت أن «موسكو تحاول على أعلى المستويات، التظاهر بأن كل شيء لا يزال مستقراً في العلاقات مع أنقرة، رغم الصعوبات القائمة. وقد أشار وزير الدفاع سيرغي شويغو، في مقابلة صحافية أخيراً، إلى أن روسيا وتركيا تنجحان في إيجاد حلول وسط حتى حين يبدو ذلك مستحيلاً».
وجاء التوصل إلى الاتفاق حول فتح المعابر مع تواصل الاشتباكات بين القوات النظامية والمعارضة في إدلب في شمال غربي سوريا. وواصلت القوات الحكومية قصفها الصاروخي على جنوب إدلب، واستهدفت مناطق في سفوهن والبارة وكنصفرة وفليفل وبينين والرويحة، إلى جانب محيط قليدين والعنكاوي بسهل الغاب شمال غربي حماة، في حين شهدت محاور التماس بسهل الغاب، استهدافات متبادلة بالرشاشات الثقيلة بين قوات النظام والفصائل، من دون معلومات عن خسائر بشرية.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن عنصراً في قوات الدفاع الوطني الموالية للنظام، قُتل متأثراً بجراحه التي أصيب بها جراء استهدافه مع مجموعة عناصر، بصاروخ حراري، على محور قرية بسرطون بريف حلب. وفي ريف اللاذقية، قُتل عنصر في قوات النظام متأثراً بجراحه التي أصيب بها جراء انفجار لغم أرضي قرب محاور القتال.
وقال المرصد إن قتيلين آخرين من قوات النظام قُتلا بانفجار لغم على جبهات القتال بريف اللاذقية الشمالي.
في الوقت ذاته، وقعت اشتباكات في الساعات الأولى من صباح أمس (الأربعاء) على محور كفر كلبين بريف أعزاز، شمال حلب، بين الفصائل الموالية لتركيا وتحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المنتشرة في المنطق.
إلى ذلك، تجددت الاشتباكات، مساء يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، بين «قوات سوريا الديمقراطية» والجيش التركي وفصائل سورية موالية بالريف الشمالي لبلدة عين عيسى الاستراتيجية الواقعة شمالي سوريا.
وقال رياض الخلف قائد «مجلس تل أبيض العسكري» المنضوي تحت راية قوات «قسد» إن قواته «ردت على الانتهاكات وأفشلت محاولات التسلل، إلا أن الوضع لا يزال متوتراً بمحيط عين عيسى»، مشيراً إلى أن العمليات مترافقة مع قصف عنيف بقذائف الهاون والمدفعية التركية إلى جانب قصف صاروخي من الطيران الحربي.
وانتقدت القيادية ليلى مشو رئيسة «مقاطعة تل أبيض» بالإدارة الذاتية، الموقف الروسي. وقالت: «الجيش الروسي تعهد بحماية المدنيين الذين عادوا إلى ممتلكاتهم في قريتي صيدا والمعلك، ومثل كل مرة عرضت حياتهم للخطر، حيث تم استهدافهم بشكل مباشر تمريراً لمصالحها مع الاحتلال التركي».
————————–
أنقرة تنفي الاتفاق مع موسكو على معابر إدلب وحلب
حمّلت دمشق و«قسد» مسؤولية التصعيد في شمال سوريا
سعيد عبد الرازق – القامشلي: كمال شيخو
نفت مصادر عسكرية تركية توصل أنقرة وموسكو إلى اتفاق على إعادة فتح 3 معابر في محافظتي إدلب وحلب بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام في شمال غربي سوريا. وقالت المصادر إن «المزاعم التي تحدثت عن التوصل إلى اتفاق مع الجانب التركي، بخصوص فتح 3 معابر بإدلب وحلب، لا تعكس الحقيقة».
ونقلت وكالة «الأناضول» التركية الرسمية عن المصادر التي لم تسمها أن الغارات الجوية، وهجمات النظام على إدلب، واستهداف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لمنطقتي عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» الخاضعتين لسيطرة تركيا وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها «لا تزال مستمرة، عبر محاولات التسلل وتفجير السيارات المفخخة».
وأضافت المصادر أن روسيا عرضت، في فبراير (شباط) الماضي، تشكيل معبر تجاري يستخدمه سكان المنطقة عبر افتتاح معابر أبو الزندين في حلب وسراقب وميزناز في إدلب وحلب، موضحة أن معبر أبو الزندين الواقع في منطقة عملية «درع الفرات» في حلب مغلق في الأساس منذ تنفيذ عملية «درع الربيع» في إدلب، في أواخر فبراير (شباط) 2020، ولا يزال مغلقاً حتى اليوم.
وأوضحت المصادر أنه جرى التخطيط لفتح معبر سراقب في 18 أبريل (نيسان) 2020، ومعبر ميزناز في 30 من الشهر ذاته، لكن ذلك لم يتحقق بسبب احتجاجات الأهالي في إدلب ضد النظام، مشيرة إلى أن روسيا أعلنت في 22 فبراير (شباط) الماضي فتح المعابر من جانب واحد، وبقيت مفتوحة لمدة يومين، لكن هذه الفترة لم تشهد أي طلب للعبور من منطقة خفض التصعيد بإدلب ومنطقة عملية «درع الفرات» إلى منطقة سيطرة النظام.
وأكدت المصادر العسكرية التركية أن ممرات العبور التي افتتحت في أوقات سابقة بالمنطقة «لم تشهد استخداماً كثيفاً أيضاً، وأن أهالي المنطقة لا يمكن أن يشعروا بالأمان في ظل استمرار الغارات الجوية، وهجمات النظام على إدلب، وهجمات (قسد) من خلال التحرش ومحاولات التسلل وتفجير السيارات المفخخة، على منطقتي عمليتي (درع الفرات) و(غصن الزيتون)، انطلاقاً من منطقتي تل رفعت ومنبج».
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت، الأربعاء، عن توصلها إلى اتفاق مع الجانب التركي لإعادة فتح معبري سراقب وميزناز في إدلب، وأبو الزندين، في حل يهدف إلى تخفيف صعوبة الأوضاع الإنسانية هناك.
وقال النظام السوري، الخميس، إنه تم فتح معبري سراقب في إدلب وأبو الزندين في حلب، مع مناطق سيطرة المعارضة، في حين أكدت المعارضة عدم حصول أي اتفاق على فتح المعابر. وأكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، العمل مع نظيره الروسي سيرغي شويغو للحيلولة دون استمرار انتهاكات وقف إطلاق النار في إدلب، الموقع في 5 مارس (آذار) 2020 بين تركيا وروسيا، والعمل على إرساء وقف دائم لإطلاق النار في شمال سوريا.
واحتج الأهالي على فتح المعابر مع النظام، ولم يخرج أحد منهم حتى الآن، بينما تقول وسائل الإعلام الروسية والسورية التابعة للنظام والموالية له إن من وصفتهم بـ«المجموعات الإرهابية» منعت وصول الأهالي إلى تلك المعابر.
وفي السياق، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بوقوع قصف متبادل، أمس (الجمعة)، بين قوات النظام والمعارضة، على محاور سفوهن والفطيرة والبارة وفليفل في ريف إدلب الجنوبي، وسط استهدافات متبادلة بين الطرفين بالرشاشات الثقيلة على محور العمقية بسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي. كما استهدفت قوات النظام بالرشاشات الثقيلة أيضاً أماكن في كفرعمة بريف حلب الغربي، فيما قصفت مناطق في محيط قليدين والعنكاوي بسهل الغاب، دون معلومات عن خسائر بشرية.
ومن ناحية أخرى، ساد هدوء حذر محاور التماس في ريف تل تمر ضمن محافظة الحسكة، بعد الاشتباكات العنيفة والقصف المكثف في المنطقة ليل أول من أمس، بين الفصائل الموالية لأنقرة من جانب و«قسد» من جانب آخر، عقب هجوم للفصائل على مواقع «قسد»، بإسناد صاروخي مكثف، وسط استنفار من قبل «قسد» تحسباً لهجوم مباغت جديد.
ومن جهته، قال مسؤول في «مجلس سوريا الديمقراطية» إن اتفاق المعابر الثلاثة بمناطق حلب وإدلب بين موسكو وأنقرة «يهدف إلى استبدال الحركة التجارية بين مناطق الإدارة الذاتية الواقعة شمال شرقي سوريا مع مناطق الحكومة السورية، لربطها بمناطق المعارضة المسلحة، وتطبيق عملي لنتائج الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية تركيا وقطر وروسيا بداية الشهر الحالي».
وقال سلام حسين، عضو مكتب العلاقات العامة، إن الاتفاق «رضوخ للأمر الواقع، وقبول بالاحتلالات والتقسيمات العسكرية المفروضة على الجغرافيا السورية».
وتفرض الحكومة السورية منذ قرابة أسبوع قيوداً على الحركة التجارية وتنقل المدنيين في 3 معابر رئيسية تربطها مع مناطق الإدارة الذاتية. ونقل تجار وسكان محليون أن معابر الرقة والطبقة ومنبج التي تربطها مع مناطق النظام شبه متوقفة منذ أيام، وهو ما انعكس بشكل كبير على أسعار الخضراوات والفواكه والمواد الأساسية الآتية من العاصمة دمشق التي ارتفعت بنسبة تجاوزت 200 في المائة.
————————
معارك على «نوافذ» سوريا… و«جيوبها»/ إبراهيم حميدي
استعجل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فتح «معركة نوافذ سوريا» مع روسيا في مجلس الأمن قبل انتهاء ولاية قرار دولي يسمح بإيصال المساعدات عبر الحدود السورية – التركية، بالتزامن مع معارك عدة تخاض على «معابر» بين مناطق النفوذ الثلاث في سوريا… و«جيوبها»
في 11 يوليو (تموز) العام الماضي، مدد مجلس الأمن بعد «حرب مسودات» بين أميركا وحلفائها وروسيا وشركائها، لمدة سنة قراراً دولياً ذا الرقم 2533 لإيصال المساعدات الإنسانية «عبر الحدود»، لكن بعد خفض عدد المعابر إلى واحد فقط هو باب الهوى بين إدلب وجنوب تركيا، بدلاً من معابر كانت موجودة مع العراق والأردن منذ صدور القرار 2165 في 2014. موسكو، وافقت على التمديد بعد تنازل من دول غربية، ضمن خطة روسية للضغط كي تتعامل الدول الأخرى مع دمشق ممراً لمساعدات الأمم المتحدة.
استبقت موسكو قرب انتهاء ولاية القرار 2533، وأبلغت دولاً غربية أنها ستصوت ضد مشروع قرار جديد لتمديد ولاية «المساعدات عبر الحدود»، قائلة إن المساعدات يجب أن ترسل إلى الأمم المتحدة في دمشق، ضمن تصور روسي واسع يدفع باتجاه «شرعنة التعامل مع الحكومة السورية» واعتبار الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الفترة نفسها (مع مناقشات متعلقة بالقرار الدولي) قبل انتهاء ولاية الرئيس بشار الأسد في 17 يوليو المقبل، نقطة تحول لـ«طي صفحة السنوات العشر الماضية».
و«عسكرت» موسكو موقفها ضد تمديد القرار الدولي، بقصف معبر باب الهوى الأسبوع الماضي، الذي يستعمل عادة بوابة تتجمع فيه شاحنات المساعدات الأممية لإفراغها ثم نقلها إلى شاحنات أخرى لإرسال المساعدات إلى شمال سوريا، حيث يوجد نحو أربعة ملايين سوري قسم كبير منهم من النازحين.
وكانت روسيا عقدت مؤتمراً للاجئين في دمشق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي؛ لدفع الدول لتحول الأموال المخصصة لدعم اللاجئين في دول الجوار إلى دمشق، و«فشلت في تحقيق هدفها» بعد مقاطعة الأمم المتحدة هذا المؤتمر وإصدار بيانات للمقاطعة و«رفض اللاجئين العودة قبل توفر ظروف كريمة وحرة للعودة». وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إن برامج دعم اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر التي تستضيف 85 في المائة من 5.5 مليون لاجئ، تحتاج إلى 5.8 مليار دولار. وأضاف «إذا لم نتمكن من توفير موارد كافية لهذه البرامج، لا يمكننا استبعاد المزيد من التحركات السكانية. رأينا قوارب تبحر من لبنان إلى قبرص».
والأمم المتحدة تلقت العام الماضي 53 في المائة من التمويل المطلوب، مقارنة بأكثر من 60 في المائة في عام 2018. ويعتبر مؤتمر بروكسل للمانحين الذي يعقد يوم الثلاثاء، ورغم أن التوقعات تفيد بانخفاض التعهدات إلى حدود 4.9 مليار دولار أميركي بعدما بلغت 5.5 مليار في مؤتمر العام الماضي، فإن المؤتمر لا يزال المنصة الوحيدة لتوفير الدعم للاجئين السوريين في دول الجوار ويحصد تعهدات تفوق التزامات في مؤتمرات لازمات أخرى في العالم.
الوزير بلينكن لن يحضر مؤتمر بروكسل، لكنه سيترأس وفد بلاده إلى اجتماع في مجلس الأمن مخصص للحالة الإنسانية يوم الاثنين المقبل، خلال ترؤس أميركا الدورة الشهرية لاجتماعات مجلس الأمن. ورغم أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تزال في طور مراجعتها للسياسة السورية، فإن أمرين واضحان، الأول: البقاء عسكرياً شرق الفرات واستمرار جهود منع ظهور «داعش»؛ لذلك فإن بلينكن دعا إلى اجتماع وزاري للمجموعة المصغرة لنظرائه في التحالف الدولي ضد «داعش» الذي يضم 83 دولة ومنظمة يوم الثلاثاء المقبل. الآخر، تقديم المساعدات الإنسانية إلى سوريين، حيث إن أميركا قدمت نحو 13 مليار دولار أميركي للسوريين منذ 2012، وهي ستقدم التزاماتها في مؤتمر المانحين في بروكسل يوم الثلاثاء المقبل.
في موازاة «معركة المعابر الحدودية»، هناك صراع خفي على «المعابر» بين «الجيوب الثلاثة»، علماً بأن قوات الحكومة تسيطر فقط على 15 في المائة من حدود سوريا، وأن الـ85 في المائة الباقية خاضعة لسيطرة حلفاء دمشق وخصومها، بما في ذلك من سلطات الأمر الواقع في مناطق النفوذ الأخرى التي تسيطر أيضاً على معظم البوابات الحدودية الـ19 بين سوريا والدول المجاورة.
وتُخاض «المعارك» في منطقتين على «معابر»، بين مناطق شرق الفرات ومناطق الحكومة وبين مناطق معارضة في إدلب والحكومة، إذ إن قاعدة حميميم أعلنت قبل يومين عن «اتفاق» لفتح ثلاثة معابر: واحد بين منطقة «درع الفرات» الخاضعة لسيطرة فصائل موالية لأنقرة شمال البلاد وبين حلب. اثنان بين إدلب الخاضعة لسيطرة الجيش التركي وفصائل موالية وريف حماة، لكن سرعان ما نفت أنقرة حصول هذا «الاتفاق»، وقالت إن المفاوضات جارية لفتح «معابر تجارية» وليس «إنسانية».
لا شك أن «المعابر التجارية» التي كان نص عليها اتفاق «خفض التصعيد» بين روسيا وتركيا قبل ثلاث سنوات، تتضمن الكثير من الأبعاد السياسية بين «منطقة النفوذ التركية» وباقي المناطق السورية. أيضاً، تتضمن هدفاً آخر، وهو تعزيز «التبادل التجاري» بين هاتين «المنطقتين» (شمال – جنوب) بدلاً من الذي كان موجوداً بين مناطق «الإدارة الذاتية» الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من أميركا شرق الفرات وبين العمق السوري عبر ثلاثة معابر في الرقة والطبقة ومنبج (شرق – غرب). وهناك من قال إنه لم تكن صدفة، أن الحديث عن فتح «معابر» في الشمال تزامن مع إغلاق ثلاثة معابر في الشرق.
الشرق الأوسط
———————
معابر إضافية لتقوية فيروس النظام القاتل!/ عقيل حسين
أثار إعلان روسيا الاتفاق مع تركيا على فتح ثلاثة معابر جديدة بين مناطق سيطرة النظام والمناطق الخاضعة للمعارضة جدلاً واسعاً في الأوساط الثورية، ورغم نفي أنقرة هذا الإعلان بشكل رسمي، إلا أن الكثيرين عبروا عن تخوفهم من هذه الخطوة ورفضهم لها، مبررين ذلك بأسباب عدة وجيهة.
استمرار التخوف مع وجود النفي التركي ليس سببه أن أنقرة تحدثت فقط عن عدم التوصل لاتفاق بعد مع الجانب الروسي، وبالتالي فإن ذلك يعني أن الفكرة ما زالت قائمة ويمكن أن تتحول إلى أمر واقع لاحقاً طالما أن التفاوض حولها يجري، بل والأهم أن السوريين باتوا أكثر ميلاً للاعتقاد، بحكم التجارب، أن هناك اتفاقات بين الجانبين الروسي والتركي لا يتم الإعلان عنها بشكل مباشر لكنها تأخذ طريقها إلى التطبيق تدريجياً بعد أن تبدأ على شكل تسريبات إعلامية أو بالونات اختبار.
والواقع فإن إمكانية أن يتوصل الطرفان إلى مثل هذا الاتفاق تبدو واردة جداً بالنظر إلى البيان الختامي الذي صدر عن اجتماع الدوحة الثلاثي قبل أكثر من أسبوع، والذي ضم وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا بالإضافة إلى قطر، حيث ركز البيان على البعد الإنساني للقضية السورية، وضرورة العمل على مقاربة الملف من خلال هذه الحالة.
لكن ما الذي يثير القلق في افتتاح معابر يفترض أن الغاية منها في النهاية (إنسانية) وأن الهدف من وضعها في الخدمة هو تسهيل عملية التنقل بين مناطق سيطرتي النظام والمعارضة، وتسهيل عمليات التبادل التجاري، خاصة وأنه ليس هناك من يقول بضرورة الفصل بين المنطقتين اللتين يعيش فيهما بالنهاية مواطنون سوريون من حقهم الوصول إلى كل نقطة من الأرض السورية، كما أن التبادل التجاري بين الطرفين أمر قائم بالفعل من خلال عمليات التهريب الواسعة والمعابر غير الرسمية؟
لكن الحال أنه بينما لا يوجد من يعترض على ضرورة العمل من أجل تخفيف المعاناة التي يعيشها السوريون على طول مساحة البلاد وعرضها، إلا أن الخشية من استثمار هذه المعاناة بهدف تحقيق أهداف سياسية تصب في النهاية بصالح النظام هو ما يثير تحفظات ومخاوف الكثيرين، خاصة وأن الاستراتيجية الروسية باتت أكثر وضوحاً في هذا السياق، وقد عبر عن ذلك بوضوح أكبر هذه المرة المتحدث باسم قاعدة حميميم العسكرية الروسية خلال إعلانه عن اتفاق المعابر هذا، عندما قال إن هذه الخطوة يمكن أن تسهم في كسر الحواجز النفسية بين السوريين، وهو بذلك يقصد بين النظام والمعارضة لا بين المواطنين العاديين.
إلا أنه تحت الستار الإنساني الذي تعرضه روسيا يختبأ مسعى واضح نحو حصر المساعدات الإنسانية المخصصة لمناطق سيطرة المعارضة بمناطق سيطرة النظام، بعد أن تمكنت سابقاً من حصر دخولها من خلال منفذ حدودي واحد فقط هو معبر باب الهوى، وعليه فإنه لو تم تطبيق الخطوة الجديدة التي تريدها موسكو، فإن ذلك سيؤدي ليس فقط إلى تحكم كامل من قبل النظام بالمساعدات المخصصة لمناطق المعارضة، بل وإلى السطو عليها وسرقتها بكل تأكيد، وبالتالي الحصول بشكل مجاني على أداة ضغط جديدة لاستخدامها ضد المعارضة من أجل إجبارها على تقديم تنازلات.
الأمر الآخر الذي يتوقع أن يترتب على افتتاح مثل هذه المعابر، هو تحولها إلى متنفس للنظام يخفف من خلالها الضغط الخانق الذي يعاني منه من جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، بعد أن سدت بوجهه معظم المنافذ الأخرى، وتم تضييق الباقي منها، وكان الجميع يطالب بمثل هذه الخطوة بل ويدعمها لولا اليقين الحاسم بأن النظام سيعمل على توظيف واردات مناطقه من تركيا في خدمة فساد أجهزته وكبار مسؤوليه ورجالاته، الذين سينتقلون على الفور للهيمنة على السوق الجديدة التي ستفتح أمامهم، وإضافة وسيلة أخرى جديدة يثري من خلالها تجار الحروب والأزمات الذين هم اليوم أعمدة النظام بل النظام ذاته، الأمر الذي لا ينعكس إيجابياً بأي حال على المواطن العادي.
كما ستوفر المعابر المشرعة كميات كبيرة من العملة الصعبة التي ستتدفق على سوق النظام وخزائنه قادمة من المناطق المحررة، فتسهم في إنعاشه، كما وتقدم خدمة سياسية كبيرة بالنسبة له ولحلفائه الساعين إلى رفع العقوبات عنه، بالقول إنه إذا كانت المعارضة والضحايا الذين تم فرض العقوبات من أجل إجبار النظام على تقديم تنازلات سياسية لهم، والإفراج عن معتقليهم أو الكشف عن مصيرهم، هم أول من يخرقون هذه العقوبات فلماذا الإصرار عليها إذاً؟!!
مرة أخرى نجد أنفسنا مضطرين إلى التأكيد على أن الأزمة الإنسانية الخانقة لا يعيشها السوريون في مناطق النظام فحسب، بل في كل أنحاء البلاد، وهذه الأزمة لا يمكن على الإطلاق حلها بدون إزالة أسبابها، والسبب الرئيسي لها هو النظام الذي تستميت روسيا من أجل إعادة تأهليه، رغم أنها تتباكى على السوريين وتتذرع بالعمل على التخفيف من معاناتهم الإنسانية، فكيف يمكن معالجة المرض بالإبقاء على الفيروس الذي تسبب به، لا بل وبتقويته وزيادة مناعته؟!
إن حل المأساة الإنسانية لا يتم بالالتفاف عليها وتجاهل سببها الرئيس وهو النظام، وهذا الحل واضح للجميع يبدأ عندما يتم تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسوريا، وهو وحده ما سيفتح الباب بحق من أجل وضع حد لهذه المأساة، وكل ما عدا ذلك هو تكريس لها وتضحية بما تبقى من سوريا والسوريين على مذبح النظام.
————————
سوريا: لماذا ترفض المعارضة فتح المعابر الداخلية مع النظام؟/ منهل باريش
عاد الجدل حول فتح المعابر الداخلية بين مناطق سيطرة النظام وسيطرة المعارضة إلى الواجهة، بعد شهر على إعلان مركز المصالحة في حميميم افتتاح معبر الترنبة-سراقب. حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية عبر المركز الروسي لمصالحة الأطراف المتحاربة في سوريا، وقال نائب مدير المركز، اللواء ألكسندر كاربوف، الثلاثاء، في بيان له: «فيما يتعلق بالوضع الإنساني الصعب في المناطق السورية التي تسيطر عليها القوات المسلحة التركية، أرسل المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة مقترحا إلى الجانب التركي لاستئناف عمل نقطتي تفتيش سراقب وميزناز في إدلب وحاجز أبو الزندين في محافظة حلب». مضيفاً أن المقترح تضمن «تنظيم دخول البضائع الإنسانية وخروج اللاجئين اعتبارًا من 25 آذار (مارس)». واتهمت وسائل إعلام النظام وروسيا فصائل المعارضة بمنع المدنيين من الوصول إلى المعابر. وتزامنت تلك المزاعم مع احتجاجات واسعة في عموم الشمال السوري ضد فتح المعابر مع مناطق سيطرة النظام.
ونقل موقع روسيا اليوم عن نائب محافظ إدلب في حكومة النظام السوري، فادي سعدون أن تركيا «قدمت ضمانات بعدم تعطيل الاتفاق الذي تم التوصل إليه لفتح معابر في محافظتي إدلب وحلب». وأوضح السعدون أن أحد المعابر الثلاثة (سراقب) التي تم الإعلان عن افتتاحها اليوم، كان قد افتتح في شباط (فبراير) الماضي إلا أن الفصائل المسلحة في إدلب عطلت تطبيقه، ومنعت الأهالي من العبور واستهدفت المعبر بقذائف الهاون».
غضب ضد المعابر
لاقت التصريحات الروسية حول فتح المعابر احتجاجا في إدلب وحلب، وأطلق نشطاء سوريون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و»فيسبوك» رفضاً لمقترح فتح المعابر. وأطلق النشطاء هاشتاغ «لا للمعابر مع النظام». ودعا بعض الفاعلين المحليين إلى وقفة احتجاجية في مدينة إدلب، وربطوا فتح المعابر بعودتهم إلى مناطقهم وانسحاب قوات النظام إلى ما قبل عملية ربيع 2019 التي شنها النظام بدعم من روسيا وإيران في منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وجوارها، مستندين بذلك إلى تصريح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في شباط (فبراير) 2020 حيث أشار إلى ضرورة انسحاب النظام إلى حدود منطقة خفض التصعيد، ومن فحوى حديثه أطلق شعار إلى «ما بعد مورك» في أشارة إلى ضرورة سحب قوات النظام من كامل المنطقة التي تقدم فيها في ربيع وصيف 2019 وشتاء 2020.
ونفى رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى الادعاءات الروسية «حول افتتاح معابر بين المناطق المحررة والمناطق المحتلة» واصفاً ما تم تناقله بـ»الأخبار غير الدقيقة».
في سياق متصل، شرح وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري أسباب رفض المعارضة فتح المعابر ومنها «تسهيل دخول الإرهابيين عملاء النظام والميليشيات المعادية لتنفيذ أعمال إرهابية لزعزعة استقرار المنطقة المحررة.. وتسهيل عملية التغيير الديموغرافي». مضيفا أن فتح المعابر يساهم «في انعاش اقتصاد النظام المشلول وتحسّينه قبل الانتخابات» موضحا بأن النظام لا يملك العملة الصعبة فهو غير قادر على استيراد المواد الأساسية، لذلك سيقوم بتأمينها عن طريق المناطق المحررة مقابل عملته المنتهية، وحذر وزير المالية في تصريح صحافي نشرته الدائرية الإعلامية في الحكومة المؤقتة من أن فتح المعابر «سيعرض المنطقة لخطر عقوبات قانون حماية المدنيين (قيصر) وارتفاع الأسعار بالمناطق المحررة بشكل كبير».
ورفض ضباط عسكريون في المعارضة فتح المعابر مع النظام، وأشار الضباط في بيان وقعه 13 من أبرز الضباط المقاتلين والذي تلقت «القدس العربي» نسخة منه، إلى أنهم لا يقبلون تحت أي غطاء أن يكونوا «سبباً في انعاش من يقتل أطفالنا وإعطاؤه الترياق لكي يستمر في قتلنا وإذا كنا نقبل بذلك فهي خيانة لدماء الشهداء وعذابات معتقلينا الذين ضحوا بحياتهم وحريتهم لإسقاط هذا النظام وتحقيق دولة الكرامة والعدالة والحرية». وعلق النقيب مصطفى معراتي، أحد الموقعين على البيان لـ»القدس العربي» على قضية المعابر معتبرا أنها «إضافة لانعاش النظام اقتصاديا فهي مقدمة لمشروع روسي ستطرحه لإلغاء المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى وإدخالها حصرا عن طريق النظام، إضافة لكونه التفافا على قانون قيصر».
في حين فضل الجيش الوطني عدم التعليق على موضوع المعابر، ونوه قائد جيش العزة، الرائد جميل الصالح إلى مآسي السوريين نتيجة الحصار الذي فرضته قوات النظام والميليشيات الإيرانية في حمص وريف دمشق ضمن سياسة «الجوع أو الخضوع».
ولفت عضو الهيئة السياسية في محافظة إدلب، المحامي رضوان الأطرش إلى أن طرح قضية فتح المعابر على الطريقة الروسية هي «محاولة جديدة لحرف الأنظار من جديد بعد اختراعها المسار الدستوري ومناطق خفض التصعيد».
الرد التركي
امتنعت أنقرة عن الرد المباشر والصريح على التصريحات الروسية بخصوص المعابر، واقتصر رد فعلها على تصريح إعلامي لمسؤولين تركيين لوكالة «رويترز» نفيا خلاله اتفاق أنقرة مع موسكو على فتح المعابر الثلاثة. وعادت وكالة «سبوتنيك» الروسية وأكدت على الاتفاق بين الجانبين على ذلك. ونقلت الوكالة، الخميس، عن الدفاع الروسية أن الهدف من فتح المعابر هو «تخفيف صعوبة الأوضاع الإنسانية في الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا».
وتسعى روسيا إلى إحراج تركيا والضغط عليها من خلال قضية المعابر، وتحاول ربط المسألة بقضية إعادة تشغيل طريق الترانزيت حلب-اللاذقية/ M4 حسب اتفاق سوتشي.
إن النظر لقضية فتح المعابر مع النظام بوصفه جريمة وخيانة، هو موقف مستجد في صفوف المعارضين والنشطاء، فالمعابر الداخلية بين مناطق السيطرة ليست أمرأ طارئا أو حديثا. فقد وجدت لضرورات اقتصادية ورغبة من الطرفين باستمرار دورة الحياة. ومن الوهم التبرير بأن المعبر قادر على إنقاذ النظام اقتصادياً، فحدوده مع لبنان والعراق لم تتوقف ولم يستطع حلفاؤه في البلدين من إنقاذه رغم كل ما يفعلون.
وهنا على المعارضة التركيز في نقاشها على المسألة السياسية والأمنية بدل إطلاق الشعارات، لأن أغلب تلك الأصوات وخصوصا أصوات المعارضة السياسية ستختفي في حال موافقة الجانب التركي، وهذا ما يفسر صمت قيادة الجيش الوطني والجبهة الوطنية للتحرير وهيئة تحرير الشام عن التعليق على الأمر، لانهم يعلمون أن القرار في أنقرة وليس في إدلب أو إعزاز. فمع رغبة تحرير الشام بفتح معبري سراقب ومزناز سابقا، كان الدور التركي هو الحاسم في منع فتح المعبر وليس الحركة الاحتجاجية ودماء المعتصمين التي سالت بسلاح أمنيي تحرير الشام.
وعليه، تتحمل المعارضة السياسية وقيادة الجيش الوطني مصارحة المهجرين من أراضيهم في أرياف حماة الشمالي وإدلب الشرقي وحلب الجنوبي أنه انسحاب نقاط المراقبة التركية من مكانها قد أنهى حلم العودة لأمد غير قصير. إضافة إلى أن تركيا غير قادرة على منع عملية قضم جديدة في حال قررت روسيا ذلك، وعلى المعارضة أن تصحو من غفوتها وتدرك أن تركيا لن تنجر إلى صدام مع روسيا، حتى لو سيطر النظام على إدلب كلها.
وهنا تصبح أي مبادرة تؤجل أو تبعد شبح العملية العسكرية مهمة للغاية وضرورية على اعتبار أنها لن تدخل الشمال بموجة تهجير جديدة، حتى لو كانت فتح المعابر والطرقات، ورغم معرفتنا المسبقة أن أكثر المستفيدين هي هيئة «تحرير الشام» التي ستجني واردات المعابر في إدلب.
القدس العربي»
————————
فتح المعابر.. رهان خاسر لإنعاش النظام/ محمد شيخ يوسف
بعد أن وقعت تركيا وروسيا اتفاقية في موسكو للتهدئة في إدلب، في الخامس من آذار/مارس من العام الماضي، وذلك خلال لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، جرى الحديث بشكل مكثف بين وفود البلدين من أجل فتح معابر لعودة النازحين، وجرى تحديد 3 معابر تشمل المناطق المجاورة لإدلب، أو ما تبقى من المناطق التي تحت سيطرة المعارضة، وكانت معظم التوقعات تشير إلى إمكانية التوافق لإعادة النازحين والمهجرين، في ظل ضغوط تركية كبيرة، ولكن كانت العقبة الأساسية تعود إلى الضمانات المقدمة للعائدين، حيث كان المقترح الروسي هو تسويات أسوة بالتي جرت في غوطة دمشق الشرقية ومناطق جنوب البلاد وأرياف حمص وحماة، إلا أن الجانب التركي لم يكن ليقبل بتلك الضمانات التي لا ترضي النازحين ولا تأمن حياتهم، وفي تلك الفترة كانت لا تزال نقاط المراقبة منتشرة على حدود اتفاقية سوتشي وقادرة على توفير الأمن والضمانة للعائدين في حال تدعيمها.
هذه التوافقات من أجل فتح المعابر لم تكن المحاولات الروسية الأولى، بل كان هناك حديث في اجتماعات أستانة بنسخها السادسة والسابعة وما تلاها، من رغبة روسية لتطبيع الأوضاع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية بين مناطق النظام والمعارضة، وهو ما سيؤدي بحسب وجهة النظر الروسية إلى عودة الحياة إلى طبيعتها من خلال عبور الناس، وحثهم على المصالحة مع النظام، وإنهاء وجود المعارضة عبر الترغيب بجذب الناس للعودة لمناطق سيطرة النظام، والاستفادة من الخدمات المتوفرة، والمقصود منها بالطبع توفير النظام لخدمات الأوراق الثبوتية التي يستغلها من أجل ابتزاز المواطنين السوريين، ويحرمهم من أبسط مقوماتهم، ولكن تلك المحاولات الروسية كانت واضحة بشكل كبير للمعارضة وللضامن التركي الذي كان بدأ بتهيئة وتهدئة الأوضاع في المناطق الآمنة، وتنفيذ المشروعات الخدمية وإعادة الإعمار، وبالطبع انعكاس ذلك على الأوضاع في المناطق الآمنة وإدلب من الناحية الخدمية والاقتصادية.
روسيا تواصل سعيها هذا حتى الآن، وأعيد طرح موضوع عودة النازحين والمهجرين لمناطقهم، فتارة يتهم الدول المجاورة والدول الغربية بتسييس عودتهم، وتارة يتهم الفصائل بقصف المعابر منعا لعبورهم، وكل ذلك لتغطية فشله في إقناع النازحين بالعودة، نظرا لأن النظام يواصل الفشل في تقديم حلول خدمية، وفي ظل تسخير مقدرات الدولة للحل العسكري وحسب، وكان من نتيجة ذلك انعكاس هذا التوجه على الأوضاع الاقتصادية، فضلا عن السلوك الذي لم يرضِ الدول الغربية، فاستمرت العقوبات السابقة وفرضت عقوبات جديدة، وكل ذلك فاقم الأوضاع الخدمية والاقتصادية لمناطق سيطرة النظام، وفي ظل السعي الروسي لشرعنة النظام مجددا وإعادة إحيائه، تهدف موسكو فضلا عن إعادة النازحين، إلى فتح المعابر للحركة التجارية ما ينعكس بشكل إيجابي على مناطق النظام، وتشكل أي عودة لأي نازح مكسبا من أجل إكساب النظام صوتا في الانتخابات الرئاسية التي دافع عنها بشدة المبعوث الروسي ألكسندر لافرنتييف في اجتماعات أستانة 15 الأخيرة في مدينة سوتشي الروسية.
كما أن روسيا عملت على طرح موضوع النفط في مؤتمرات مسار أستانة، وكذلك في اجتماع الدوحة، خاصة أن النظام حاليا يفشل في الحصول على أي شحنات نفطية من مناطق سيطرة قسد بسبب الخط الأحمر الأميركي، ومناطق المعارضة تتمتع بتوفر المشتقات النفطية وبأسعار تعتبر مقبولة، في حين مناطق النظام تعيش أزمة خانقة وارتفاعا في الأسعار، وهو ما سبب غضبا روسيا من هذا الواقع، وفي ظل تمنع موسكو عن قصف قوات قسد المحسوبة على أميركا، تستهدف قوى المعارضة وتستقوي عليها، وترغب من تركيا لعب دور في هذا الإطار وتضغط عليها، ولسان حالها كيف يمكن أن تتمتع مناطق المعارضة ومناطق سيطرة قسد بتوفر المستلزمات الحياتية وأهمها النفط ويحرم النظام منها.
وكالة الأناضول التركية الرسمية، أكدت بالاستناد لمصادر تركية صحة الطرح الروسي قبل أكثر من عام، وأنه بالفعل هناك مطالب جديدة لا تزال قيد التفاوض بين الطرفين، وتركيا ترفض بالطبع فتح المعابر بهذه الطريقة، لأنها أساسا لا تأمن على المواطنين في حال عودتهم، ولا ترغب بإعادة شرعية النظام بل تفضل الضغط عليه للتقدم أكثر في الحل السياسي، ويكتسب الموقف التركي دعما غربيا وأميركيا، خاصة أن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على النظام وفق قانون قيصر، ولن تكون هناك موافقة تركية طالما أن هناك خروقات وعدم ضبط للنظام ولقوات قسد بالاتفاقيات الموقعة وقواعد التهدئة، وانعكاس الأمن على الأرض، وبالتالي يمكن القول إن تركيا تربط موافقتها على فتح المعابر بتحقيق استقرار على الأرض ومكاسب تنعكس على واقع المناطق المحررة، وهي مكاسب اقتصادية وعسكرية وسياسية، وموقفها مدعوم غربيا وحتى عربيا.
وإزاء الوضع الحالي، تتوجه أنظار السوريين إلى تطورات هذا الملف أيضا على اعتبار أن موسكو في حال عدم حصولها على ما تريد تعمل على التصعيد ميدانيا، خاصة أن مجلس الأمن سيصوت بعد 3 أشهر على موضوع تمديد توصيل المساعدات إلى مناطق سوريا عبر معبر باب الهوى، وهنا أمام موسكو خياران في هذا الملف، إما التصعيد الميداني عبر مزيد من القصف واستهداف المناطق الحيوية والبنية التحتية، وقصف مناطق المعارضة وصولا إلى المناطق القريبة من معبر باب الهوى، وقصف الشاحنات، وأيضا التصعيد في جبهة عين عيسى للضغط على الجانب التركي، وإما التصويت بالفيتو أمام تمرير قرار التمديد لتوصيل المساعدات عبر معبر باب الهوى، والمقايضة على التمديد بفتح المعابر، وفي حال رجحت موسكو التصعيد الميداني فإن الأوضاع ربما تتأزم بمواجهة مع الجانب التركي، وربما مع الجانب الأميركي أيضا، الذي لديه موقف حازم في هذا الملف.
بالمقابل فإن تركيا تحدثت بوضوح أن أي تصعيد ميداني سيقابله استهداف مؤلم لقوات النظام والميليشيات الداعمة له، لأن الواقع الميداني على الأرض مختلف حاليا من ناحية حجم القوات العسكرية والوجود النوعي للقوات التركية، وتدرك روسيا حجم التهديدات التركية حيث استهدفت بشكل مؤثر قوات النظام قبل أكثر من عام، كما أن تركيا وعلى غير المعتاد في عمليات التصعيد السابقة، صرحت بشكل فوري عن الاستهدافات الحاصلة عبر وزارة الدفاع، والتهديد بالرد عليها، وهذا ما يؤكد أن الخروقات والتصعيد هذه المرة مختلفة عن المرات السابقة، ولن تتمكن موسكو من التصعيد في إدلب بسهولة، وبالتالي ربما يتم اللجوء للتصعيد شرق الفرات.
أما الظروف التي من الممكن أن تدفع أنقرة للموافقة على فتح المعابر، فهي المكاسب الأمنية التي يمكن تحقيقها في المناطق الآمنة، وبالدرجة الأولى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وإدلب، خاصة أن العناصر التابعة لقوات قسد تستغل عدم تطبيق روسيا للتوافقات مع تركيا وضبط هذه العناصر والمناطق، للتسلسل إلى المناطق الآمنة، وتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف المدنيين، حيث إن تركيا تصر على ضبط هذه العناصر ومنع تسللها، فضلا عن مكاسب أخرى اقتصادية وسياسية تتعلق بالحل السياسي، والتهدئة الشاملة التي تمنع أي خروقات، وكل ما سبق سيؤدي بطبيعة الحال إلى هدوء الأوضاع في البلاد تمهيدا للانتقال السياسي، ولذلك فإن أنقرة سترفض فتح هذه المعابر إلا بالشروط السابقة، وبمقابل ذلك فإن استمرار الخروقات واستهداف البنية التحتية وقوى المعارضة المحسوبة على أنقرة، سيقابلها رد تركي كبير ومؤلم على قوات النظام، باستهداف واسع النطاق وبشكل ساحق، ولكن تركيا عملت بشكل دائم على تفضيل الحلول الدبلوماسية دون اللجوء للتصعيد، على عكس الجانب الروسي الذي يجنح دائما للتصعيد قبيل الدبلوماسية.
تلفزيون سوريا
——————————
=======================