كي لا تبقوا ضائعين في بحر الظلمات/ ميشيل كيلو
نص كتبه الكاتب “ميشيل كيلو” كوصية بعد اصابته بكوفيد 19 -كورونا- تتمنى أسرة صفحات سورية الشفاء والتعافي له
إلى الشعب السوري الذي أعتز به، وأنتمي إليه. إلى شابات سورية وشبابها، أمل المستقبل: هذه نصائح صادرة من قلبي، وعن تجربتي، وعن أملي بمستقبل أفضل لكل السوريين:
ـ لن يحرّركم أي هدف غير الحرية فتمسّكوا بها، في كل كبيرة وصغيرة، ولا تتخلّوا عنها أبدا، لأن فيها وحدها مصرع الاستبداد، فالحياة هي معنى للحرية، ولا معنى لحياةٍ بدون حرية. هذا أكثر شيء كان شعبنا وما زال يحتاج إليه، لاستعادة ذاته، وتأكيد هويته، وتحقيق معنى لكلمة المواطنة في وطننا..
ـ لا تنظروا إلى شعبكم ووطنكم من خلال أهوائكم وأيديولوجياتكم وهوياتكم، الآنية والضيقة والسطحية، بل انظروا إلى ذلك كله، من خلال شعبكم ووطنكم، عامل غنى وإثراء وتفاعل وتكامل وتعاضد، فالتقوا بمن يختلف معكم، بعيدا عن انحيازاتكم الهوياتية أو الأيدولوجية التي كانت تصوّره عدوا لكم، فيما عدونا جميعا هو الاستبداد الذي سلب حقوقنا وحرياتنا..
ـ لن تقهروا الاستبداد منفردين أو متفرقين .. لن تقهروه إذا لم تتّحدوا في إطار وطني، وعلى كلمة سواء، وأقصد على رؤيةٍ وطنيةٍ جامعةٍ .. رؤية غير هوياتية، وغير أيدولوجية، ففي وحدتكم خلاصكم، فتدبّروا ذلك، متغلّبين على كل الحساسيات والعصبيات والحسابات الشخصية والفئوية، مهما كان نوعها، أو تصنيفها..
ـ كي تصبحوا شعبا واحدا، يا بنات شعبنا وأبناءه، اعتمدوا معايير وطنية، وانبذوا العقليات الضدّية، والثأرية، في النظر إلى بعضكم وإلى أنفسكم، فالمجتمعات لا تصبح مجتمعات وفقا لذلك، وإنما هي تغدو مجتمعاتٍ حقا بواسطة عقد اجتماعي، واضح، ومحدّد، وشفاف يساوي بين كل المواطنين إزاء الدولة وأمام القانون، ويكفل حقوقهم وحرّياتهم وكراماتهم. هذا ما حاول النظام الحؤول دونه طوال العقود الماضية، وهذا ما يجب أن نسعى إليه، أي التحوّل إلى دولة مواطنين، والتحوّل إلى مجتمع، أي إلى شعب حقا، وبكل معنى الكلمة..
ـ لن تصبحوا شعبا واحدا ما دام نظام الأسد باقيا، وما دام يستطيع التلاعب بكم، بل إنكم ستبقون تدفعون أثمانا إقليمية ودولية كبيرة في سبيل حريتكم، فلا تتردّدوا في حثّ الخطى من أجل الخلاص منه نهائيا، ويأتي في مقدمة ذلك الوحدة، لعزل هذا النظام والتخلص منه نهائيا..
ـ التفّوا حول أصحاب المعرفة والفكر والمواقف النبيلة بينكم، فلديكم منهم كثر، استمعوا إليهم وخذوا بما يقترحونه، ولا تستخفّوا بمفكّر مجرّب، فهو جزء من زادكم، وثروتكم الرمزية، وجزء من تاريخكم.
ـ تستحق المرأة السورية الرائعة والشجاعة والصابرة كل التقدير والعرفان، فهي التي أعطت للثورة السورية طابعها الخاص والمتميز، منذ بداياتها، وقدّمت كل ما يمكنها، من تضحياتٍ وبطولاتٍ. لذا لا يمكن أن نبني سورية الجديدة بدون مكانة طبيعية للمرأة السورية، تضمن حقوقها ومكانتها السامية في المجتمع، هذا أقل تقدير لأمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا، فهم عنوان للحياة والكرامة.
ـ تحية لشباب سورية الشجعان الذين كسروا هيبة النظام بمظاهراتهم الجريئة التي واجهت هراوات الشبّيحة ورصاص أجهزة الأمن في مظاهراتهم السلمية، في امتداد مدن سورية وبلداتها وقراها، وكل المحبة للأطفال أبنائنا الذين حرموا من طفولتهم، ومن طمأنينتهم، فهذا ما حاولناه من أجل مستقبل أفضل لهم.
ـ كل التقدير والعرفان لكل فئات الشعب السوري الأخرى، المعلمين والأطباء والإعلاميين والمثقفين ورجال الدين والمهندسين والعمال والفلاحين، وكل الذين لعبوا دورا مشرّفا ورائدا في مقاومة النظام الأسدي، وفي الكفاح من أجل حرية شعبنا وكرامته.
ـ رجاءً، لا تنظروا إلى مصالحكم الخاصة بوصفها متعارضةً مع المصلحة العامة، فهي جزء، أو يجب أن تكون جزءاً، منها.. فما أهمية أن يحقّق المرء مصلحة خاصة ما، في وضع يكون فيه في سفينة غارقة أو مضطربة. السلامة العامة والازدهار العام والمساواة لكل السوريين خير ضمان لازدهارنا وتطوّرنا على الصعيد الشخصي.
ـ اعتمدوا أسساً صلبة وواضحة ومرنة للدولة، تستوعب الجميع،عربا وكردا وشركسا وتركمانا وأرمنا، وكل الإثنيات والمكوّنات، تسيرون عليها، ولا تكون محلّ خلاف بينكم، وإن تباينت قراءاتها بالنسبة لكم، لأن استقرارها يضمن استقرار الدولة الذي سيتوقف عليه نجاح الثورة، أسسا تقوم على الحرية والمواطنة المتساوية والديمقراطية، فهذا ما يكفل حقوق الجميع، والعدالة للجميع، لبناء سورية المستقبل.
ـ لا تنسوا يوما أن قضية فلسطين هي جزء من قضايانا الأساسية، ففلسطين قضية حرية وكرامة وعدالة، وقضية شعبنا، أيضا، كذلك، وتلك القيم السامية لا تتجزأ. كفاحنا مع شعب فلسطين جزءٌ من كفاحنا ضد الاستبداد، وبالعكس. ولتبق قضية استعادة الجولان في مقدّمة أجندتنا الوطنية.
ـ لم تتمكّن ثورتنا من تحقيق أهدافها، بسبب مشكلات داخلية، وارتهانات خارجية. وقد دفع شعبنا أثمانا باهظة طوال السنوات العشر الماضية. مع ذلك، فإن النظام، مع حليفيه الإيراني والروسي، لم ينتصر. فلنبق على تصميمنا، وعلى توقنا لاستعادة سوريتنا، بالخلاص من هذا النظام الذي صادر أكثر من نصف قرن من تاريخ بلدنا.
شعبنا يستحق السلام والحرية والعدالة. .. سورية الأفضل والأجمل بانتظاركم.
كتب الكاتب السوري، ميشيل كيلو، هذه الكلمات، وهو على سرير الشفاء في باريس، وتتمنّى له “العربي الجديد” أن يتجاوز مرضه سالما معافى، ويستأنف حضوره السياسي والثقافي والإعلامي.
العربي الجديد