سياسة

ماذا بعد انتخاب الطاغية -مقالات وتحليلات مختارة-

العالم ما زال يتسع لبشار الأسد!/ حازم الأمين

الانتخابات لم تكن سوى تظهير أخير للمهزلة، ذاك أننا حيال ما هو جوهري أكثر منها، حيال قبول العالم ببشار الأسد، وما ينطوي عليه هذا القبول من قسوة…

خطاب “النصر” الذي ألقاه بشار الأسد في أعقاب “فوزه” بمهزلة الانتخابات الرئاسية السورية يليق بالرئيس المنتخب، وما رتابته المتلعثمة سوى جزء من مشهد المهزلة التي شهدتها سوريا الأسبوع الفائت. فالرئيس، وفي أعقاب فوزه، أعطانا درساً عن الفارق بين الثورة والثور، ومارس على نحو أكثر بلادة هوايته العتيدة والرتيبة في شرح فروقات بين مفاهيم أقلعت المدارس الابتدائية عن تدريسها لتلامذتها. لكن الرئيس المنتخب شحنها بقدر من نزق الخاسرين لا الفائزين، ذاك أن الفائز حقاً في الانتخابات غالباً ما يبدي، وعلى سبيل الخبث، قدراً من السعة مهمتها توسيع تمثيله ليشمل الخصوم! لكن الرئيس، وكما قال قبل سنوات، يريد مجتمعاً “منسجماً”، وما الانتخاب سوى تقنية طرد لكل من لم ينتخب الرئيس. أما الفراغ الهائل الناجم عن طرد معظم السوريين من دولة بشار الأسد، فتتولى رأبه الأرقام العجائبية لعدد المصرح عنهم بأنهم انتخبوا الرئيس! إنهم نحو 14 مليون سوري من أصل أقل من 10 ملايين ناخب من المفترض منطقياً أنهم موجودون في ساحات الانتخاب!

لا بأس إذاً، فهذا دأب النظام مذ استولى على السلطة في سوريا، لكن الذهول في أعقاب الواقعة يفوق ما كان يعقب الانتخاب في الدورات السابقة، فالمهزلة هذه المرة تفوق أسلافها انكشافاً، ولا شك في أن لهذا الانكشاف وظيفة. فبشار الأسد يريد أن يقول إن بإمكانه إجراء انتخابات مهزلة، وإنه لن يقدم على أي تنازل لأي مطالب فيه، وهو استعان لإيصال هذه الرسالة بمراقبين من قبل مخدومه الروسي، وتولى مخدومه الآخر، أي الإيراني، توظيف ماكينته الإعلامية للاحتفال بـ”الديموقراطية المشرقية” التي تفوق ديموقراطية الغرب في صدق تمثيلها الشعوب الممانعة، بحسب ما قال وزير خارجية النظام.

ما يخيف هنا هو أن الغرب الذي عبر عن عدم اقتناعه بهذه الانتخابات عاد، وإن على نحو متفاوت، إلى التعامل معها بوصفها أمراً واقعاً. فرنسا مثلاً سمحت بالاقتراع في السفارة السورية في باريس، وهي وإن كانت لوحدها من فعلها، فهي خطوة ممهدة للعودة إلى ثقافة القبول، وأوروبا التي تضيق باللاجئين السوريين لم تعد برلماناتها محصنة من احتمالات التطبيع مع نظام سبق أن اعتبرته نظام قتل غير قابل للإصلاح.

لكن حتى هذه القابلية لم يستقبلها “الرئيس المنتخب” بما تقتضيه من خطوات تمهد للتطبيع مع النظام. بشار الأسد قال ها أنا ذا، لم أتغير قيد أنملة، وإذا أردتم قبولي، فعليكم أن تقبلوا بمزيد من المهازل الانتخابية. الرجل لم يخف وجهه، وقالها بمنتهى الوضوح. وهو فعل ذلك بموازاة مفاوضات أميركية- إيرانية في فيينا، وفي أعقاب “انتصارٍ” للمحور في غزة، وهو نال تبريكات من حليفيه اللبنانيين ميشال عون وجبران باسيل، ناهيك بتوزيع “حزب الله” الحلوى في القرى الشيعية في لبنان. وقالها أيضاً لدول الخليج التي استأنفت التطبيع مع نظامه وفتحت السفارات السورية في عواصمها أمام “المقترعين” السوريين!

أما رسالة الانتخابات للسوريين فلا جديد تحمله. بشار الأسد لا يريد عودة نحو سبعة ملايين سوري، ذاك أنهم، بحسب خطابه الأخير، خونة ولا سبيل لتسوية أوضاعهم، ومن بقي في سوريا عليه أن يتعايش مع صوره عائمة فوق جثث أكثر من نصف مليون سوري.

الانتخابات لم تكن سوى تظهير أخير للمهزلة، ذاك أننا حيال ما هو جوهري أكثر منها، حيال قبول العالم ببشار الأسد، وما ينطوي عليه هذا القبول من قسوة، ولكن أيضاً ما يعكسه من هشاشة نظام القيم الذي صدرت عنه دعاوى كانت أوهمتنا أن العالم لم يعد يتسع لنظام البعث! 

درج

————————-

سوريا التي ليست “محظوظة” كاليمن/ عمر قدور

انتهى شهر أيار من دون إعلان إدارة بايدن عن جديد في ما يخص سياسة إدارته في سوريا، وكان مقربون من دوائر صنع القرار في واشنطن قد توقعوا أن يشهد الشهر الانتهاءَ من بلورة السياسة الأمريكية مع تعيين مندوب أمريكي خاص منسجم معها. اختار بايدن مبعوثيه في العديد من الملفات الأخرى، كالملف النووي الكوري المتوقف منذ أيام ترامب ولا يُتوقع تحريكه قريباً، وفي منطقتنا اختار مبعوثه إلى اليمن بعد أسبوعين فقط من توليه منصبه، بينما اضطر النواب الديمقراطيون والجمهوريون مرتين إلى اتخاذ “توصية” لتذكيره بسوريا، وبقيت التوصيتان في أدراج مكتبه.

آنذاك وصف مسؤولو الإدارة تعيين المبعوث إلى اليمن بأنه “خطوة جديدة، لكنها شاقة، لإنهاء صراع استمر قرابة ست سنوات وحوّل البلاد إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم”. التوصيف الأخير لا جدال فيه، إذا عدّلنا في صياغته ليصبح اليمن واحداً من أسوأ أزمتين إنسانيتين في العالم، بالطبع إلى جانب سوريا. لكن، كما نعلم، لا تطلق الإدارات الأمريكية توصيفاتها الإنسانية توخياً للحقيقة، بل بما يتماشى مع نشاطها الديبلوماسي أو العسكري ويبررهما، أي أن اليمن صار في دائرة الاهتمام الأمريكي، اليمن الذي كان مهملاً أكثر من سوريا أيام ترامب. 

والنشاط المأمول هو ما دفع الأمم المتحدة إلى الترحيب فوراً بتعيين المبعوث الأمريكي، في حين سيُضطر مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا إلى استجداء الدعم والإرادة الدوليين مع كل جلسة إحاطة روتينية لمجلس الأمن، فهو مجرد موظف لا يمكنه التقدم في عمله مع غياب إرادة الفاعلين وعلى رأسهم واشنطن، ولا يستطيع من موقعه تسميتها كعاصمة لعدم الاكتراث المعلن بسوريا، ولا التململ من الخطابات والخطابات المضادة التي يتنصل بها كل طرف من مسؤولياته تجاه الكارثة السورية. كان ترامب أيضاً، جرياً على توجهاته المعادية للمنظمات الدولية، غير مكترث بنشاطات الأمم المتحدة الخاصة بسوريا، إلا أنه كان يعتمد سياسة نشطة عموماً، بصرف النظر عن رأينا بها وعن مزاجيته وتقلباته.

بالتأكيد لا توجد قاعدة في البيت الأبيض تقول: إما سوريا أو اليمن! قائمة السياسة الخارجية للقوة العظمى الأمريكية تتسع لاهتمامات قد تخطر في بالنا أو لا تخطر فيه، وسوريا موجودة فيها من دون أن تحظى بعنوان منفصل، وكذلك حال اليمن أيضاً. فالسياسة الأمريكية إزاء البلدين متصلة بعلاقة واشنطن بطهران، ومتصلة راهناً “وتقريباً خلال السنوات العشر الأخيرة” بالملف النووي الإيراني المهيمن بظله وظل الحرس الثوري الإيراني على البلدين.

من أثمان الاتفاق النووي التي دفعها أوباما إعطاءُ الضوء الأخضر لإيران وميليشياتها في سوريا، وأيضاً التغاضي عن استخدام السلاح الكيماوي ضد السوريين، لا لمرة وحيدة في آب2013 بل لعشرات المرات قبل وبعد صفقة الكيماوي المشينة والزائفة. استئناف مفاوضات النووي، وقبول إدارة بايدن بالعودة إلى التفاهمات القديمة ينطوي على ما لم يكن معلناً من قبل، ومنها التفاهمات الخاصة بسوريا، والعودة إلى ما يوصف بالانكفاء الأمريكي عن سوريا، وهو في الواقع ترجيح خفي لكفّة حلفاء بشار، وإن لم يصل الحال بعد إلى منحهم البد بأكمله.

لقد أتى بايدن إلى الرئاسة وفي مقدمة تطلعاته العودة إلى الاتفاق الذي انسحب منه سلفه، وتعيين مبعوث أمريكي مع الاهتمام بالتسوية في اليمن يعكس حرصه على التهدئة بين الرياض وطهران وإيجاد مناخ إقليمي مواتٍ للتقارب الأمريكي-الإيراني. بيت القصيد في الاهتمام باليمن طمأنة الرياض بأن واشنطن معنية بما يمس أمنها مباشرة، عبر البوابة اليمنية، لكنها غير معنية “كما كان الحال أيام ترامب” بالصراع الإقليمي الأوسع على النفوذ. بدعم التسوية في اليمن هناك دعوة للتعايش مجدداً مع النفوذ الإيراني الممثل بالحوثيين رغم انقلابهم على التسوية السابقة، وكان سلفه مدركاً لما سيحدث لذا سارع إلى وضع الحوثيين على لائحة الإرهاب الأمريكية، وحاول جعل مهمة بايدن أصعب بالاستخدام المفرط لسلاح العقوبات الاقتصادية، بما فيها لائحة عقوبات قيصر التي لم تطرأ عليها إضافة بعد مجيء بايدن.

في الشأن السوري لا حلفاء لواشنطن تضطر لمراعاتهم، وعلاقة إدارة بايدن بأردوغان متوترة أصلاً بسبب العديد من الملفات، أي أن إرضاء أنقرة “التي ترى سوريا من منظار هاجسها الكردي” لن يكون في أولوياته. على العموم من شبه المؤكد ألا ترقى سياسة بايدن لتلاقي تطلعات الإدارة الذاتية الكردية، ولن تلاقي حتى ما هو متوقع منها على أرضية تعاطف حزبه الديموقراطي مع الأكراد، وكان نواب الحزب قد انتقدوا مراراً سياسة ترامب التي رأوها منحازة لأنقرة على حساب الأكراد.

كاستفادة جانبية قد تأتي سياسة بايدن لصالح أنقرة بقدر ما تكون أسوأ للإدارة الذاتية، من ذلك مؤخراً سحب ترخيص شركة “دلتا كريسنت إنرجي” التي حصلت على موافقة إدارة ترامب للعمل في حقول النفط الخاضعة لسيطرة الإدارة. كان منح الشركة الترخيص فيه طمأنة للإدارة الذاتية لجهة بقاء القوات الأمريكية إلى أجل طويل، وأيضاً لجهة الحصول على إيرادات تقوي من سلطة الإدارة وتجعلها أكثر استقلالية في التفاصيل مما تكون عليه وهي تعتمد على المساعدات المالية الأمريكية. بتراجعها إزاء الإدارة الذاتية تدفع إدارة بايدن السلطة الكردية في اتجاه بشار وروسيا، وهذا خيار محبب لدى بعض الفاعلين ضمنها، وهو لا يزعج أنقرة التي تفضّله على بقاء الإدارة وسلطتها على حدودها. لا مفاجأة في أن بعض ما يرضي طهران وبشار في سوريا يرضي أنقرة أيضاً، تحديداً في الشق الكردي، لينال “الانكفاء الأمريكي” المدروس رضا القوى الفاعلة في سوريا باستثناء إسرائيل التي تطالب من جهتها بشريط أمني يفصل بينها وبين القوات والصواريخ الإيرانية في سوريا.

في غضون ذلك، تتحفنا إدارة بايدن ببعض التعليقات الخاصة بسوريا، ومنها اعتبار انتخابات بشار إهانةً للسوريين، وكأنما لا يكفيهم إحساسهم بالمهانة لتتبرع لهم القوة الأعظم بالتوضيح كأي متابع لا حيلة له. ربما، عندما يتضح مآل المفاوضات النووية الحالية، تعيّن إدارة بايدن مبعوثاً خاصاً بالملف السوري ليدلي بمثل هذه التصريحات، وتكون مهمته الأساسية إفهام المعارضة السورية أن إدارته لا ترى في سوريا أكثر من جزرة كان من المفيد حجزها أثناء التفاوض مع الطامعين فيها.

المدن

——————————-

التزوير والتأليب في لعبة إعادة تدوير الأسد/ عبد الباسط سيدا

لعبة إعادة التدوير التي أصر نظام بشار ورعاته على فرضها وتمريرها، بمختلف أساليب الاستفزاز والمكابرة، والاستهتار بالمشاعر والانتقادات؛ هذا فضلاً عن ارتكاب كل أشكال التزوير والتلفيق والتهديد والوعيد؛ هذه اللعبة – المهزلة إنما هي استمرار منطقي لنهج تسلطي رسّخ أسسه حافظ الأسد الذي أزاح سائر منافسيه في الحزب والجيش والدولة؛ وتمكّن من ربط أصحاب المصالح بنظامه عبر شبكةٍ من العلاقات المصلحية الأمنية التي تجذّرت مع الوقت، وباتت جزءاً من المنظومة الأمنية السلطوية التي تشكلت، لتكون من أدوات ترويج النظام داخلياً، وعلى المستويين، الإقليمي والدولي. ويُشار في هذا السياق إلى المؤسسات الدينية الرسمية بصورة خاصة، الإسلامية والمسيحية، وإلى النقابات والمنظمات الشعبية. هذا إلى جانب الجامعات، فضلاً عن التجار، سيما في كل من دمشق وحلب.

وقد استطاع النظام المعني تدجين معظم الأحزاب السياسية مقابل فتاتٍ سلطويٍّ ضمن إطار “الجبهة الوطنية التقدّمية” التي أسسها عام 1972، وضمّت الحزب الشيوعي، ومن ثم الأحزاب الشيوعية، والأحزاب القومية الاشتراكية والناصرية، لتكون واجهةً يقودها على الصعيد النظري حزب البعث؛ في حين أن جميع القرارات المفصلية كانت بيد حافظ الأسد نفسه الذي كان يستند، في عملية اتخاذ القرارات وتنفيذها، إلى شبكة معقدة من الأجهزة الأمنية التي كانت تبدو، أحيانا، وكأنها متنافسة ومتصارعة، ولكن الخطوط جميعها كانت تلتقي عند الأسد.

أما القوى والأحزاب التي رفضت السير في المشروع الأسدي؛ أو تلك التي وجد فيها حافظ الأسد نفسه خصماً لا يمكن التعايش معه، أو وجد فيها ضرورة الخصم، ليروّج نفسه بوصفه البديل الأفضل، فقد كان مصيرها الإبعاد والاعتقال والشيطنة، وإخراجها من دائرة الفعل والتأثير. ويُشار في هذا السياق إلى الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي (جمال أتاسي) والحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) وحزب العمل الشيوعي؛ إلى جانب الإخوان المسلمين. أما الأحزاب الكردية فكانت أصلاً أحزاباً مطلبية، لا تمتلك برامج تغيير السلطة، والوصول إلى الحكم، وإنما كانت تطالب بإيقاف العمل بالمشاريع التمييزية التي كان النظام قد فرضها على الكرد، فضلاً عن المطالبة بالاعتراف بالخصوصية الكردية والحقوق القومية الديمقراطية الكردية ضمن إطار وحدة الوطن والشعب.

ومع ذلك، حرصت الأجهزة الأمنية على اختراق معظم هذه الأحزاب، وعملت باستمرار على إحداث الانشقاقات فيها، حتى باتت تحت السيطرة، ولا تمثل حالة يمكن التوجس منها مستقبلاً. فالتزمت بالهامش المتاح، وظلت حريصة على عدم تجاوز الخطوط الحمراء المحددة من جانب النظام. ولإضفاء مزيد من الشرعية الشكلية على نظامه، اعتمد حافظ الأسد أسلوب تنظيم “الاستفتاءات الرئاسية” التي كانت تتمحور حول فرض تجديد البيعة للرئيس نفسه، وبالنسبة التي يحددها هو، حتى باتت هذه الاستفتاءات مناسبةً تعبويةً دورية، يعمل من خلالها النظام على شدّ عصب أنصاره، ويستهدف فرض روحية اليأس على المعارضين، حتى يصلوا إلى قناعةٍ ضمنيةٍ بأنه لا جدوى من عملية البحث عن البديل.

وبعد وفاة حافظ الأسد صيف عام 2000، توفرت لحظة حاسمة للقوى الديمقراطية السورية التي كان من المفروض أن تنسّق المواقف في ما بينها، وتتحرّك لتطالب بإصلاح حقيقي يضع نهاية سلمية للنظام الأمني الشمولي، غير أن نتائج جهود عقود من التفتيت والتشتيت مارستها الأجهزة الأمنية في مواجهة السوريين، على مستوى الأحزاب والنخب، وحتى على مستوى مؤسسات المجتمع الأهلي، بل على مستوى الأسر، والتغلغل في مختلف الأنحاء عبر جيش من المخبرين، ومن خلال منظمات حزب البعث الذي كان حافظ الأسد قد أعلنه “دستورياً” قائداً للدولة والمجتمع. كل هذه النتائج وغيرها حالت دون تمكّن النخب السورية التي كانت قد تحرّكت مطالبة بضرورة إحياء المجتمع المدني السوري، من تحقيق المطلوب المنتظر. وما أسهم في ذلك عدم وجود تجارب سياسية سورية تمحورت حول الوضع السوري الداخلي الوطني، وإنما كانت القوى السياسية، وحتى الشخصيات المثقفة ذات التوجهات السياسية مهتمة بالسياسات الخارجية، وتمارس نشاطها عبر البوابات الفلسطينية واللبنانية، والعراقية؛ وحتى من خلال البوابة السوفييتية. هذا في حين أن الهمّ السوري لم يكن يمثل أولوية أساسية بصورة عامة. ولعل كثيرين منا ما زالوا يتذكّرون، في هذا المجال، القول الذي كان يردّده الزعيم الشيوعي السوري، خالد بكداش، باستمرار، وخلاصته: إذا انطلقنا من الأوضاع الداخلية سنكون في المعارضة، ولكننا نحدد موقفنا من النظام استناداً إلى موقفه من الاتحاد السوفييتي.

تحرّك المثقفون السوريون في بداية حكم بشار الأسد (وارث الجمهورية)، وأصدروا بيان الـ 99؛ ومن ثم البيان الألفي؛ وإعلان دمشق – بيروت؛ ولكن سرعان ما توقفت تلك النشاطات، وتشتت أصحابها نتيجة ضغوط النظام وتهديداته. ولم تتمكّن تلك الجهود النخوبة من التحول إلى حامل اجتماعي فاعل، قادر على اختراق الشبكات المصلحية السلطوية التي كان النظام قد بناها في مختلف المناطق السورية، وفي المدن الكبرى تحديدا.

أما اللحظة الحاسمة الثانية، فقد كانت، بعد عقد من حكم بشار الأسد المستبد الفاسد المفسد، الذي مثل استمراراً للحقبة الأسدية الأولى؛ وذلك مع انطلاقة الثورة السورية في مارس/ آذار 2011؛ وهي الثورة التي جسّدت طموحات الشباب السوري، وتطلعهم نحو مستقبل أفضل، يتجاوز واقع انسداد الآفاق الذي كان النظام قد فرضه، باستبداده وفساده وإفساده، على المجتمع السوري بصورة عامة. ولكن بكل أسف لم تتمكّن القوى السورية السياسية، والتيارات الوطنية السورية، من التوافق على برنامج وطني يطمئن السوريين أولاً؛ فكانت الانقسامات والاتهامات والتحرّكات الاعتباطية العشوائية في مختلف الأنحاء؛ الأمر الذي بدّد الإمكانات الواعدة التي كانت قد تحققت بفعل تحركات الشباب من مختلف المكونات السورية، ومن مختلف الاتجاهات وفي مختلف الجهات السورية. وقد نجح النظام في تمرير استراتيجيته التي اعتمدها، منذ البداية، لمواجهة الثورة، وهي استراتيجية فرض العسكرة وإبعاد المكونات السورية الأخرى، ما عدا المكون العربي السني عن الثورة، وإغراق الثورة بجميع الوسائل بحشد من الفصائل الإسلاموية التي شكّلت تهديداً فعلياً على الثورة نفسها؛ وأدّت إلى توجّس معظم السوريين من القادم المجهول. وقد تمكّن النظام بالتنسيق الكامل مع راعيه الروسي، والجهود الميدانية من جانب حليفه الإيراني ومليشياته من استعادة السيطرة على مناطق كثيرة، كان قد اضطر للانسحاب منها، أو فقد السيطرة عليها. وخاض راعيه الروسي معركة شرسة في مجلس الأمن، وتشخص ذلك في الاستخدام المستمر لحق النقض (الفيتو) لإيقاف أي مشروع قرارٍ كان من شأنه إدانة النظام، ودفعه نحو القبول بعملية تغييرٍ سياسيةٍ فعلية.

ونحن إذ نحمّل المجتمع الدولي، لا سيما المجموعة الكبيرة التي أعلنت عن نفسها بوصفها مجموعة أصدقاء الشعب السوري مسؤولية عدم أخذ الموقف الحاسم في الموقف المناسب، وكان في مقدورها أن تفعل ذلك، إلى جانب مطالب الشعب السوري العادلة؛ ولكننا لا بد أن نتحمّل في المعارضة السورية المسؤولية؛ إذ انشغلنا بخلافاتٍ ثانويةٍ كانت بفعل التسابق نحو أدوار ومواقع مستقبلية، في حين أن الأمور لم تكن قد حسمت بعد. وقد بلغت الأمور ضمن المعارضة ذروة الخطورة، حينما تحرّكت مجموعاتٌ بعينها في مسارات مختلفة، من دون أي تنسيق أو استراتيجية بين السوريين أنفسهم، وإنما كانت تحرّكات تتم بناء على التنسيق مع القوى الإقليمية والدولية؛ أو بكلام أدقّ بناء على توجيهات (وتعليمات) القوى الإقليمية والدولية التي كان من المعروف أنها تتحرّك بناءً على حساباتها وأولوياتها ومصالحها.

وهكذا تم إفراغ مسار جنيف من مضمونه، وكان مسار أستانة الذي قزّم الموضوع السوري، وحصره ضمن “لجنة دستورية” لم ولن تصل إلى شيء، وهذا أمرٌ يعرفه جميع المشاركين. ومع ذلك يحرصون على اللجنة المعنية بطريقة تثير استغرابا واستفهاما كثيريْن.

لم تفاجئ عملية تدوير النظام التي تمّت أحداً، لأنها حصيلة منطقية لسلسلةٍ من التطورات والمتغيرات والتراجعات التي كانت سواء على صعيد المواقف الدولية، أم على صعيد الانقسامات الحادّة، والممارسات المستهجنة ضمن صفوف المعارضة “الرسمية”، والقوى الميدانية المحسوبة عليها. هذه حقيقة، ما لم نعترف بها لن نتمكّن من تقديم التوصيف الدقيق لما جرى، وسيجري، مستقبلاً. كما لن نتمكّن من تحديد المطلوب، لتجاوز الوضع غير المقبول الذي تعيشه المعارضة، بكل أجنحتها، الرسمية وغير الرسمية.

لقد استغل النظام الاستفتاء الذي وضعه على مقاسه لشد عصب أتباعه ومواليه والمستفيدين منه، غير آبهٍ بالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضغط على السوريين من جميع الجهات، وفي جميع المناطق؛ وغير مكترثٍ بواقع تحوّل سورية إلى مجموعة من مناطق النفوذ تتقاسمها القوى الإقليمية والدولية، فهو يصرّ على النصر الزائف الذي يتماهى مع الإبقاء على رأس النظام، وهي المعزوفة ذاتها التي تتكرّر في واقع منطقتنا، منذ رحيل الجيوش الاستعمارية وظهور وكلائها في دول المنطقة؛ وهذا ما يفسّر استمرارية أزماتنا، وانعدامية إنجازاتنا. أما الخطاب الذي ألقاه بشار الأسد ليسدل الستار على مسرحيته المبتذلة، فقد أكد مجدّدا نزوعه الفاشي التابع، وحرصه على البقاء على رأس النظام وبأي ثمن. فهو بعد أن سلّم البلاد إلى الروس والإيرانيين؛ وهجر أكثر من نصف السوريين؛ وتسبّب في قتل نحو مليون سوري، فضلاً عن مئات آلاف من المعتقلين والمغيبين؛ بالإضافة إلى تدمير البلد؛ مستعد اليوم لإشعال فتنةٍ كبرى بين السوريين، وهو يفعل ذلك بالتنسيق مع نظام ولي الفقيه الإيراني الذي يرى أن افضل وسيلة تمكّنه من التحكّم بسورية، أرضاً وشعباً، تتمثل في تمزيق ما قد تبقى من النسيج المجتمعي الوطني السوري المتهتك.

العربي الجديد

——————————

عن الانتخابات الرئاسية السورية ومغسلة السيارات التي كادت أن تدمرني/ أحمد الأحمد

قرع أحدهم باب غرفتي بشكل جنوني، وعندما فتحت له قال لي: “يللا قوم أنزل على المسيرة بساحة المدينة” ثم مشى في الممر وبدأ يصيح “الحيوان اللي ما نزل عالمسيرة ينزل فورًا”.

من قبيل المصادفة، تزامنت الانتخابات الرئاسية الماضية في سوريا (2014) مع فترة حسّاسة في حياتي، إذ كنتُ أخوض امتحانات التخرّج من جامعة دمشق، وأستهلك كل وقتي بين الكتب.

هذا النشاط في الدراسة لم يكن نابعًا من الرغبة بالتخرّج بقدر ما هو نتيجة حاجتي لقطع آخر الروابط مع “سوريا الأسد” ومغادرتها بأسرع وقت ممكن.

كنتُ أعيش حينها في الوحدة الأولى في المدينة الجامعية بدمشق، هذه الوحدة السكنية التي تطل على حي المزة الدمشقي، كانت متهالكة، الصرف الصحّي مسدود دائماً فيها ولا سبيل حتى لقضاء الحاجة في دورات مياهها، جدرانها المهترئة تبعث على التشاؤم والقلق المستمر، حتّى أن أحد مسؤولي المدينة الجامعية أخبرني حينها أن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين سكن فيها فترة من الزمن.

 لم أتحقّق من تلك المعلومة ولكنّها لا تبدو غريبة استنادًا لتهالك البناء.

مقابل باب المدينة الجامعية، وعلى أطلال شبابيك “الوحدة الأولى” كان هناك مغسلة سيارات عادية. كنت وما زلت أبغضها، وأكره تذكّر معاناتي معها، فمنذ أن بدأتْ التحضيرات للانتخابات الرئاسية، جلب صاحب هذه المغسلة مكبّرات صوت قويّة للغاية، وضعها في الشارع أمام باب مغسلته، وبدأ ببث أغانٍ بعثية ذات نفحة مناطقية وأخرى تمجّد الأسد على مدار الساعة.

على سبيل المثال كنتُ أستيقظ في الساعة السادسة صباحًا على صوت المغني علي الديك وهو يقول في أغنيته (تهنّا يا شعبي تهنّا بمحبة أسدنا) على أنغام موسيقاه الصاخبة التي بدت لي تلوّثًا سمعيًا خالصاً.

في فترة الظهيرة كان ايقاع الأغاني ينتقل إلى المطرب الطائفي بهاء اليوسف، الذي كان يغنّي لساعات مجموعة أغانٍ تدعو لتدمير وإبادة المدن السورية فوق رؤوس أهلها (يا بشار ومتلك مين.. أقصف جوبر مع عربين).. (كيفك فيا كيفك فيا.. يللا لنقصف داريا) وأشياء أخرى من هذا القبيل.

في المساء، كانت الأغاني التي تبث تضاعف من وتيرتها التحريضية والطائفية، فتتغنّى بالنصر على الأمويين وبأمجاد العباسيين في إسقاطات على السنة والشيعة في يومنا هذا، إضافةً إلى لطميات لم أكن أفهم منها الكثير.

على الضفاف الأخرى، كنت أجلس داخل غرفتي وأحاول إيجاد طريقة لأتمكّن من استئناف الدراسة في ظل هذه الفوضى الشعورية والموسيقية التي أعيشها. حاولت مرارًا النزول إلى المكتبة المركزية في باحة المدينة الجامعية ولكن الصوت كان أقوى هناك، حاولت التنقّل في حدائق المدينة الجامعية ولم يتغيّر شيء.

عندما ضاق بي الأمر وبكثير من الطلاب، قرّرنا التوجّه إلى مدير المدينة الجامعية وشرح مشكلتنا له، انطلاقًا من حاجتنا إلى بعض الهدوء لإتمام امتحاناتنا التي اقتربت. كان الذهاب إلى مدير المدينة الجامعية لمناقشة “انزعاجنا من الأغاني الوطنية” مغامرة بحد ذاتها إذ أنّها قد تقودنا نحو اتهام أنّنا “ضد الوطن” أو “معارضين للسيد الرئيس” أو أننا نحاول عرقلة العملية الانتخابية “الديمقراطية”، وفي سوريا كان من الممنوع إبداء أي انزعاج من النشاطات التي تمجّد الأسد سواء كانت مسيرات أو أغانٍ أو أي شيء من هذا القبيل.

تلقّينا وعودًا من مدير المدينة بأن يتحدّث مع صاحب المغسلة ولكنها بقيت وعوداً. لم يسمح لنا المدير بعدها بمراجعته في ذات الأمر، حتّى أنني صادفته ذات مرّة وتوجّهت إليه لأسأله عن صاحب المغسلة فكانت إجابته مقتضبة “ما مشي الحال”.

بعد أن غادرتُ سوريا عرفتُ عن طريق الصدفة أن مدير المدينة الجامعية حاول حينها حشد كل إمكانياته لإقناع صاحب المغسلة بتخفيض الصوت فقط لكن الأخير لم يستجب ولم يُعر مناشدات المدير أي اهتمام.

في أحد الأيام التي سبقت العملية الانتخابية، استيقظت صباحًا على ذات الأغاني، ولكن الصوت كان أقوى بكثير، شعرتُ لوهلة أن أحدًا ما وضع مكبر الصوت على نافذة غرفتي، وبينما كنت أفكّر في سبب قوّة الصوت، قُطعت أفكاري بعد أن بدأ أحد أعضاء “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” بقرع باب الغرفة بشكل جنوني، عندما فتحت له الباب قال لي: “يللا قوم أنزل على المسيرة بساحة المدينة” ثم مشى في الممر وبدأ يصيح “الحيوان اللي ما نزل عالمسيرة ينزل فورًا”.

لم يكن أمامي حل سوى أن نزلت إلى المسيرة وبعدها بدقائق غافلت عناصر الأمن وخرجت من المدينة الجامعية كلّها ولم أعد حتى المساء، وفي الأيام التالية بدأت أحزم حاجياتي وكتبي وأنطلق بها إلى حديقة تشرين القريبة لأدرس هناك، صحيح أن الحديقة كانت مكتظة بالجنود وعناصر الميليشيات الذين كانوا يتحرشون جسديًا ولفظيًا بالنساء أمام أعين الجميع دون أن يتمكّن أحدٌ من محاسبتهم، ولكن على الأقل لا أغان وطنية أو طائفية هنا، إنه المكان الأنسب للدراسة، أعترف الآن أنني تخرّجت من الجامعة في “سوريا الأسد” بفضل أضخم بؤرة تحرّش في سوريا.

قبل ساعات من مغادرة سوريا بلا عودة، مشيت بهدوء نحو مغسلة السيارات، أردت أن أرى للمرّة الأولى والأخيرة تلك الشخصية التي عجز الجميع عن إقناعها بتخفيض صوت الأغاني، كان صاحب المغسلة حينها يجلس أمام باب مغسلته مع مجموعة أشخاص يرتدون الألبسة العسكرية وحينها عرفتُ تمامًا لماذا فشل الجميع بالسيطرة عليه للتوقّف عن إزعاج الطلاب.

اليوم وبعد أن فاز الأسد بولاية رئاسية أخرى (يا للمفاجأة!) لا أجدُ فرقًا بين شخصية بشار الأسد وشخصية صاحب المغسلة، ففي “دولة الأسد” كان من المستحيل إقناع شخصُ عادي يملك مغسلة سيارات بالتوقّف عن وضع مصير الطلاب في خطر، فمن سينجح في إقناع بشار الأسد بالتوقّف عن “توارث الحكم” في القصر الجمهوري؟

درج

——————————–

مستقبل سورية بعد إعادة صناعة الأسد/ مهنا الحبيل

هل كان المسرح الكوميدي في إعادة صناعة بشار الأسد، ليُنصّب رئيساً على الشعب السوري، مفاجئا، أم كان ضمن تسلسل الأحداث الكبرى التي حاصرت الثورة السورية من حلفائها وأعدائها، ونتيجة متوقعة لما آلت إليه الأحداث، وبالذات منذ المنعطف الكبير، الذي حسم تصفية الثورة السورية في اتفاق سوتشي، وما صاحبه وسبقه من فتح الحرب الإرهابية الشاملة على شعب الثورة السورية.

الحقيقة أن صناعة ما حرصت عليه موسكو، من إعادة تأهيل الأسد، على الرغم من هزليّته وبشاعته، وحجم الإجرام فيه، إلّا أنه كان متوقعاً، وهذا لا يخفّف من حجم الخيانة العالمية، والنفاق الدولي، وخصوصا الغربي، الذي يقف أمام إجرام انقلاب ميانمار العسكري، ويسعى إلى محاصرته، فيما أبرز نظام إرهابي يحكم اليوم على الإطلاق في العالم يُعاد تأهيله. ولكن القضية الأهم هنا هي في تحديد معالم هذا المستوى الذي آلت إليه سورية، في عودة النظام دولياً من كل البوابات، ومنها البوابة الخليجية، وسقوط كل التوقعات بأن موسكو وطهران تحت الضغط، وتحتاج إلى نموذج جديد من داخل هيكل النظام يُستبدل به الأسد، فتبقى مساحة لشيء من التغيير في دورات المفاوضات التي تعقد باسم ممثلين عن قوى من الثورة والنظام.

لقد أسفر المسرح عن الحقيقة المُرّة التي توقعناها، منذ اتفاق سوتشي، أن الثورة تحت التصفية الميدانية ثم السياسية، يحكمها رعاة الاتفاق وتدخلهم في جسم النظام. أما العمل العسكري أو الأمني اليوم في المناطق الباقية خارج سلطة النظام، فهو يجري ضمن إدارة الرعاة أيضاً، سواء كانت في بقية الفصائل المجمّعة أو المناطق الكردية.

ولا يوجد اليوم قاعدة كفاح عسكري تملك أي متنفّس لها، في مواجهة النظام، وتعتمد المدافعة الميدانية في مجالها العسكري بحرية، وإنما تخضع هذه المناطق للحسابات التي تتنافس فيها أطراف اتفاق سوتشي وغيره. ولذلك، بالجملة، ما آلت إليه الأمور اليوم هو ضمن سياق تلك التصفية التي بالطبع لم تكن لتنجح، لولا الاختراق المبكر لسلاح الثورة، وجسمها السياسي، ذلك الاختراق الواسع الذي حوّلها إلى بطاقات متناثرة، بعد فترة قُدمت فيها صور الفداء والتضحية للمناضل السوري في الميدانين العسكري والمدني.

وأخطر ما في الأمر اليوم أن كل نسيج الثورة السورية، الميداني والسياسي، يُساق إلى مآل تصفية الثورة السياسي، من دون أن يكون للثورة أي تأثير، سواء طالت المرحلة الانتقالية أو قصرت. وبالتالي، المستفيد هنا هو نظام الأسد الإرهابي وحلفاؤه، وشركاء التصفية، كل ومصالحه القومية. وهذا يطرح سؤالاً مهماً: هل كان هناك خيار آخر لجسم الثورة السورية، وما تبقّى منها يُغيّر الموازين؟

نطرح، في المقابل، سؤالاً مختلفاً: هل تملك كل هذه النخب والهيئات، المقدّرة تضحياتها والمحترمة جهودها المخلصة، وخصوصا التي ظلت ترابط في الميدان، بحسب المساحة والطريقة المقررة من الحلفاء، لأجل ألا تتخلى عن فكرة الثورة السورية وحقوق الشهداء، قدرة على التأثير على ختام هذه الدورة من ثورة سورية؟ هنا قلنا دورة من الثورة، ولم نقل إن الثورة انتهت، فالجميع مؤمن بأن روح هذه الثورة وطموحها وما قدّم في سبيلها سيظل قائماً حتى يولد حلم الجيل الجديد من أبناء سورية، وتنتصر دماء الشهداء في دولة العدالة المدنية، المؤمنة بعروبتها ورسالتها الإسلامية. لكن المسرح اليوم مكشوف التوجه ومتسلسل الفصول، وقد تُرك تماماً لأجل وقائع وسيناريو أطراف الرعاية للنظام ولاتفاق سوتشي، ثم أُعيد تأهيل النظام لكي يتقاطر عليه من جديد المجتمع العربي والدولي. بمعنى أن المسرح الذي تشارك فيه أطراف ميدانية وسياسية من الثورة يتوجه لصالح النظام، والمكابرة في هذا الأمر لن تفيد روح الثورة الجديدة، ولا قرار إعادة بعثها المدني الذي توجد له قاعدة كبيرة من شباب سورية. بل نرصد اليوم كيف يرتدّ هذا الإحباط على جسم الثورة في احتقان اجتماعي خطير، وهي مقدمة سيستثمرها النظام في دوراتٍ مقبلة، حين يقرّر من يستقطب ومن يتركه للذوبان أو لحصار أطراف أخرى. ولذلك ما نطرحه، في المقابل، هو الانسحاب من كل مساحةٍ يستنزف فيها النظام الثورة وشعبها، إلى الخطوط الخلفية التي تمكّن حلم الثورة من إعادة تأهيل ذاتها واستقلالها المذبوح.

وهذا يحتاج إلى بناء جديد، وقبل ذلك فهم واقع المرحلة وأن إبقاء الصراع المسلح المفتوح، والذي هو خارج معركة الثورة عملياً اليوم بالكلية، ووضع اللاجئين الذي يستثمره النظام في غربتهم ومعاناتهم، وخصوصا في مخيمات اللجوء، ولا يُبالي بهم مطلقاً، فيما السيناريو الآخر مرشّح أن يصنع مسرحاً آخر لم يحسب له النظام ولا حلفاؤه حسابا، وهو أن تتحوّل فترة الانسحاب من العمل العسكري الحالي، الذي لا يخضع أصلاً لمدافعة لصالح الثورة، وسيَحسم واقعه رعاة الاتفاق وما يطرأ من شركاء آخرين.

في حين تأهيل اللاجئين في مناطقهم، حتى لو عاد بعضهم، وأُمّن آخرون، فهذا الهدوء لغربة السوريين، هو بوابة مختلفة تُفتح على النظام، بعد أن ظنّ أن الأمر قد حُسم له، فمكونات النظام ذاتها تتقوّى اليوم من حالة الصراع، والخطة الديمغرافية الإيرانية تتغوّل خلال هذه الحرب. ولذلك، يستفيد النظام من هذا الواقع الجغرافي والسياسي خارج سيطرته، فيما عودة اللاجئين أو جزء منهم، وعودة الحياة المدنية، هي في الحقيقة بداية تحدٍ كبير للنظام، سيواجه فيها مسؤوليات ترهقه، وهي اليوم تنهك شعب الثورة. ولن تجري هذه الحسابات بسهولة بالطبع، وسيتبجّح النظام بنصره المزعوم، لكنه في الحقيقة تحولٌ إلى أرضية جديدة، تنطلق فيها الثورة التي تحتاج إعادة تأسيس، في مساحةٍ مختلفةٍ تنتقل فيها من بقية الانتكاسات والتوظيف، إلى العودة إلى أصل الحلم الوطني لشعب سورية واستقلال المعارضة المدنية، وبدون استقلالٍ لن يولد الوطن الجديد.

العربي الجديد

—————————-

نصف مليون قتيل في سوريا

لا خلاف على فظاعة الحرب في سوريا وهمجيتها رغم الاختلاف البسيط في أرقام ضحايا الحرب السورية من منظمة حقوقية إلى آخرى، بسبب صعوبة التوثيق على الأرض من جهة والمعايير التي قد تختلف بشكل بسيط بين المنظمات من جهة ثانية.

وفي جهد توثيقي جديد، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، الثلاثاء، أنه تمكن مؤخراً  من توثيق اسم أكثر من 100 ألف شخص قضوا في الحرب ليتم إضافتهم إلى نحو 400 ألف ضحية وقتيل كانوا جرى توثيقهم في أوقات سابقة.

ووثق المرصد بذلك مقتل 494438 شخصاً منذ بدء النزاع في سوريا في آذار/مارس العام 2011، حين خرجت احتجاجات سلمية تطالب بالإصلاحات وإسقاط النظام قبل أن تواجهها السلطات بالقمع وتتحول إلى نزاع مسلح. وكان المرصد أحصى في آخر حصيلة نشرها في آذار/مارس الماضي مقتل أكثر من 388 ألف شخص.

بالمقابل ترى جهات حقوقية أخرى، مثل “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن عدد الضحايا الذين قضوا بالحرب يزيد عن مليون شخص معظهم مدنيين قتلتهم قوات النظام من خلال عمليات القصف العشوائي بالطائرات والبراميل المتفجرة التي كانت تستهدف تجمعات سكنية كبيرة، فيما ينفي نظام الأسد وحلفاؤه تلك الأرقام، مكتفياً باتهام قوى المعارضة وجهات متطرفة مثل تنظيم “داعش” الإرهابي بالوقوف وراء “مجارز” التي وقعت بحق المدنيين.

وقال “المرصد” في بيان أنه “مع تراجع وتيرة العمليات العسكرية في سوريا، وإيماناً بضرورة محاكمة جميع مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية عاجلاً أم آجلاً، ولاسيما قتلة أبناء الشعب السوري، كرس طاقم وفريق التوثيق ضمن المرصد قدراته وعمل على مدار الساعة بشكل مكثف منذ مطلع العام الجاري 2021، بغية توثيق الشهداء والقتلى ممن قضوا منذ انطلاق الثورة السورية العام 2011 وتأكد المرصد من مقتلهم واستشهادهم لكن لم يتسنى له سابقاً الحصول على التفاصيل الكاملة، يأتي ذلك رغم الصعاب والضغوط الكبيرة”.

وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة “فرانس برس” أن الأشهر لأخيرة التي شهدت هدوءاً غير مسبوق في النزاع، “أتاحت لنا فرصة لتوثيق عشرات آلاف القتلى، الذين كانت لدينا معلومات غير موثقة حولهم”، علماً أن هذه الإحصائية للخسائر البشرية والتي وثقها المرصد وفصل فيها فئات من فارقوا الحياة بين مدنيين وعسكريين من مختلف الأطراف الفاعلة في الصراع، لا تشمل أكثر من 47 ألف مواطن قتلوا تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري.

وسجل العام العاشر للحرب الأهلية أدنى حصيلة للقتلى منذ اندلاع النزاع، والأسبوع الماضي، أعيد انتخاب الرئيس بشار الأسد، كما كان متوقعاً، لولاية رابعة، في انتخابات رئاسية هي الثانية منذ اندلاع النزاع شككت قوى غربية ومعارضة بـ”نزاهتها”. وبفضل دعم عسكري حاسم من حليفيها إيران ثم روسيا، باتت قوات النظام تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد، فيما يعاني السوريون من تداعيات أزمة اقتصادية خانقة مع نضوب موارد الدولة وانهيار قيمة العملة المحلية، في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية.

المدن

———————

الاسد عندما يصارع الثيران/ ساطع نور الدين

في خطاب النصر بالانتخابات الرئاسية الذي وجهه مساء يوم الجمعة الماضي، أطلق الرئيس بشار الاسد سيلاً من الشتائم والتهديدات لمعارضيه السوريين وغير السوريين، يوحي بأنه كان عائداً من غرفة عمليات إحدى الجبهات العسكرية، بعدما نفذ هجوماً ناجحاً، ولم يكن خارجاً من قاعة إجتماعات سياسية، أدار من خلالها عملية إنتخابية معقدة إنتهت بالفوز على منافسيَن إنتحاريَين، وعلى خصوم لا تعوزهم الرغبة بالانتحار!

الحكم على ذلك الخطاب أو بالاحرى على مزاج الاسد الذي ألقاه، محيّر فعلاً. لم يكن من خطاباً إحتفالياً بالفوز يشبه الخطابات التقليدية التي يوجهها أي فائز بالانتخابات، فيشكر الناخبين الذين صوتوا له، ويتعهد لهم بتحقيق وعوده الانتخابية، ثم ينتقل على الفور الى التوكيد على أنه لن يكون رئيساً لأنصاره ومؤيديه فقط، بل أصبح، بعد إعلان النتائج، رئيساً لجميع أبناء الشعب، ويمد يد المصالحة والوحدة، ويوجه الدعوة الى العمل معاً من أجل إعادة بناء البلد..

لم يكن خطاباً للسلم، ولا للجنوح نحوه. كان بمثابة إعلان حرب. ينقض الموقف الرسمي  السابق للانتخابات والممهد لها والذي صيغ على أساس أن صفحة الحرب طويت تماماً. ترك الاسد الانطباع بأن الحرب التي مضت عليها عشر سنوات، وما زالت آثارها ظاهرة على جميع السوريين من دون إستثناء، بدأت للتو، أو هي على الاقل تدخل في طور جديد، في مواجهة “الخونة، والمرتزقة، والثيران..”، بحيث بدا وكأنه كان يحرض أنصاره ضمناً على التأهب لمعركة جديدة تهدف تصفية تلك الفئة من السوريين، مهما كان عددهم.

وهو بهذا المعنى خطاب تجديد الحرب، وليس طي صفحتها أو التعهد بوقفها، والتمهيد لإسكات لغة السلاح. وهو ليس غريباً عن جميع الخطابات التي وجهها الاسد على مدى السنوات العشر الماضية، والتي ترجمها أنصاره الى شعارات وهتافات حاملة لفكرة الابادة الجماعية للمعارضين على إختلافهم.. والتي كانت على الدوام تثير الذهول لإفتقارها الى أدنى حس بالمسؤولية عن الحرب، وبالرغبة الصادقة في إنهائها.

لعله أسلوب الاسد الخاص في التعبير عن الفرح ب”النصر”، وطريقته في التخاطب مع جمهوره، كما مع خصومه. وما يبدو أنه زلة لسان، قد يكون مجرد لغة سورية عادية، مكررة، تهدف الى تحفيز الأنصار وترهيب الاعداء.. وما يبدو أنه إلتزام صارم بتقاليد الخطابة الجماهيرية القديمة، التي كانت تختتم عادة بتوزيع السلاح على المستمعين، قد يكون مجرد مخطط لتوجيه المسؤولية عن الأزمة الكبرى التي تعيشها سوريا على جميع المستويات، الى “الثيران” المعارضين ومن لفّ لفّهم.

لكن صدى الخطاب في الداخل السوري، لم يكن على هذا القدر من التوتر. ثمة من دعا، صادقاً، الى ترقب خطاب القسم الذي سيوجهه الاسد في قاعة البرلمان السوري، على الرغم من التجارب السابقة لا تبشر.. ففيه الوعد الصادق، بالسلم والصلح، أو على الأقل إكمال المصارعة، ولكن بروح رياضية، مع “الثيران”. وثمة من دعا الاستعداد لعشر سنوات عجاف، لا تقتصر المعارك فيها على العلف.

أما في الخارج السوري، فإن قراءة خطاب النصر، لم تتوصل حتى الآن الى تقدير دقيق لما إذا كان التطبيع مع الاسد ونظامه، سيمضي قدماً، كما شاع قبل الانتخابات، في بعض العواصم العربية والاجنبية، التي كانت تترقب النتائج على أحر من الجمر، أم أن الرعب، أو حتى الحذر الذي أشاعه ذلك الخطاب سيصل الى تلك العواصم، ويعيدها الى جادة اليأس من إمكان التعامل مع ذلك النظام وفرص إصلاحه، أو كبح جموحه نحو تقديم نفسه كجبهة أمامية، روسية وإيرانية، في مواجهة الغرب، الذي لا يريد أصلاً، القتال في سوريا. 

 ما زال الوقت مبكراً لإصدار مثل هذا الحكم، ولا يمكن الاعتماد فقط على برقيات التهنئة التي وصلت الى دمشق، أو تلك التي كان الاسد يتوقعها، ولم تصل بعد. الوفود يمكن أن تتقاطر، في الموعد الذي يحدده الدستور السوري!       

المدن

————————–

قانون الاستثمار عند الأسد..طوق نجاة وهمي/ سمير طويل

دفعت جاذبية قانون الاستثمار الجديد الذي أصدره النظام السوري البعض إلى تخيّل وضع سوريا لو كان مثل هذا القانون الاستثنائي قد صدر قبل عام 2011 حين كان نظام الأسد يصر على “تطفيش” الكثيرين من رجال الإعمال ورؤوس الأموال، أو جعلهم تحت رحمة حيتانه أمثال مخلوف وشاليش وجابر والأسعد وغيرهم من مجموعة المستفيدين، الأمر الذي جعل الكثيرين من السوريين على حافة الفقر والتهميش ودفعهم للانخراط في الثورة على النظام عند اندلاعها.

ولكن نظام الأسد كعادته لا يأتي إلا متأخراً جداً، وتحديداً بعد خراب الأوضاع ومن هنا فلا عجب أن يصدر هذا القانون في ظل غياب اسم سوريا من خريطة الاستثمارات العربية والعالمية، وهذا ما أكده أحدث تقرير صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمارات.

ويأتي قانون الاستثمار هذا بشكله المشجع والاستثنائي، فيما الثقة في نظام الأسد معدومة، والمشهد الأخير للانتخابات يثبت أن قوانين النظام “الجميلة” في وادٍ والتطبيق في آخر، لأنه لا يمكن الاستثمار في اقتصاد يعاني من الدمار والخراب وانهيار البنى التحتية وعقوبات قيصر التي تحظر الكيانات والمؤسسات والشركات والمصارف العالمية من التعامل، فما الفائدة التي سيجنيها النظام السوري من الإصرار على إصدار قانون الاستثمار هذا؟

خدمة أمراء الحرب

ويؤكد الكاتب المتخصص بالشأن الاقتصادي مصطفى السيد في حديث لـ”المدن”، أن قانون الاستثمار الجديد تم تشريعه لخدمة طبقة أمراء الحرب لأن الوضع الأمني لن يشهد الاستقرار قبل بناء استقرار سياسي قائم على عدالة موثوقة للمجتمع الذي تم جرّه للدمار تحت شعار “الأسد أو نحرق البلد”، مضيفاً أنه “من الصعب خروج سوريا من دوامة العنف الاجتماعي حتى يتم تبديل هذا الشعار من طبقة النهب الوطني في سوريا”.

ويرى السيد أن قانون الاستثمار الجديد يأتي في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية ل”محاولة كسر الإرادة الأميركية” بتشديد الإجراءات الاقتصادية على “منظومة النهب المتوحشة في سوريا”. ويقول: “تبدي الإدارة الأميركية الجديدة مرونة أكثر تجاه عودة منظومة النهب في سوريا إلى ساحة التبادل الاقتصادي إذ أن عدداً من كبار أعضاء طبقة النهب في عهد الأسد الأب، قاموا باستثمار ما نهبوه في الولايات المتحدة، فيما اتجهت طبقة النهب في عهد بشار الأسد بشكل أكبر إلى أسواق الاستثمار في روسيا والنمسا وما كان يُعرف بأوروبا الشرقية سابقا وشرق آسيا فيما توجهت استثمارات أبناء المستشارة السياسية للأسد إلى الولايات المتحدة”.

ويتابع السيد: “هنا يمكن فهم تصريح بثينة شعبان الشهير لقناة الميادين عندما قالت: أنا اجتمعت مع زملاء مسؤولين عن الاقتصاد السوري، وقالوا لي إن الاقتصاد السوري أفضل بخمسين مرة مما كان عليه في عام 2011″. وأغلب الظن أن شعبان :كانت تتحدث عن استثمارات أبنائها بدقة إذ أن مؤشرات الاقتصاد السوري واضحة للسوريين ولكل المعنيين بالاقتصاد السوري و المراقبين و الدارسين”.

ويضيف السيد “أما بالنسبة للمستثمرين الروس فان سوريا بالنسبة لهم ليست بلداً أمناً خلال جيلين قادمين على الأقل و لن يجرؤ أي إيراني على الاستثمار في سوريا لأجيال عديدة ما لم تقم إيران بالاعتذار للشعب السوري عن المجازر التي ارتكبها الحرس الثوري الإيراني و المنظمات الطائفية”.

هل يتحدى المستثمرون العقوبات الدولية!

صحيح أن القانون رقم 18 يعد من القوانين الجاذبة للاستثمارات حول العالم، لأنه من الناحية النظرية فعّال، أما من الناحية العملية فلا قيمة له على الإطلاق بسبب الدمار والخراب في البنى التحتية، والانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي والغياب الكلي للأمن والاستقرار.

لو صدر هذا المرسوم قبل العام 2011 لأصبحت سوريا من أهم الدول جذباً للاستثمارات والمشاريع. وعلى الرغم من استخدام القانون الإعفاءات المالية كعامل مهم لجذب المستثمرين، إلا أن قيمته الحقيقية في ظل الظروف الحالية تكاد تكون معدومة، ومن المستحيل الرهان على أن يتحدى المستثمرون العقوبات الدولية وقانون قيصر مقابل الاستثمار في سوريا.

وحتى تاريخ صدور القانون رقم 18، كانت مرجعية الاستثمار في سوريا تتم وفق المرسوم رقم 8 لعام 2007 والذي فتح المجال لقيام مشاريع شوّهت الاستثمار واستنفذت الكثير من الموارد، كما ساهمت الكثير من المشاريع الاستثمارية في استنزاف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.

يضاف إلى كل هذا أن قانون الاستثمار رقم 8، والذي أنهى العمل بالقانون الشهير رقم 10 لعام 1991، ألغى شرط التصدير، مع العلم أن الحاجة للاستثمار في القطاع الصناعي كانت بهدفين الأول تأمين حاجة السوق المحلية من السلع والثاني تأمين القطع الأجنبي عبر التصدير، كما تميز القانون رقم 8 بوجود العديد من العراقيل والبيروقراطية، على الرغم من وجود النافذة الواحدة الأمر الذي دفع العديد من المستثمرين إلى تقديم طلب إلغاء التراخيص واضطر البعض الآخر إلى إغلاق المنشآت بصمت.

لهذا على ما يبدو فإن اللجنة المكلفة من قبل النظام السوري بإصدار القانون الجديد رقم 18 قامت بدراسة عـميقة وقامت باستنساخ قوانين الاستثمار في كل من الدول التالية: مصر، الجزائر، الأمارات، البحرين، عـُمان، تركيا، قطر، العـراق، الأردن، المغـرب، ليبيا، السودان، لبنان، تونس، الكويت، السعـودية، واقتبست من قوانينها الإعـفاءات التي تقدّمها بعـض الدول

تراجع الاستثمار بنسبة 99%

في العام 2009 بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر في سوريا حوالي 1400 مليون دولار، وبالرغم من هذه الأرقام إلا أن بياناته (أي الاستثمار الأجنبي) وصفت بعدم الدقة حيث كان يدخل إلى سوريا الكثير من الأموال بهدف استثمارها تحت اسم التحويلات.

وهنا يشير الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أنيس ل”المدن”، إلى أن نسبة تراجع الاستثمارات في سوريا بلغت 99 في المئة خلال عشر سنوات من العام 2009 وحتى العام 2019، وذلك وفق بيانات وأرقام هيئة الاستثمار السورية التابعة النظام، حيث أشار التقرير الثالث عشر للاستثمار عن التكلفة التقديرية للاستثمارات خلال عام 2019، والتي قدرت ب193 مليار ليرة، ما يقارب 65 مليون دولار فقط، بينما وصل حجم الاستثمار خلال العام 2009 إلى حوالي 500 مليار ليرة سورية،، ما يقارب 10 مليار دولار، أي أن مؤشر نمو الاستثمار “سالب” ونسبة التباطؤ بلغت 0.0065 في المئة، وهذا ما تؤكده الأرقام التي تحدثت عن هجرة أكثر 100 مليار دولار من رؤوس الأموال إلى خارج سوريا.

ويخشى المراقبون أن يقوم النظام من خلال القانون رقم 18 بدعم نفوذ رجال الأعمال الجدد من فئة “أمراء الحرب” أو إطلاق ذراع حلفاء النظام بشكل أكبر، ولهذا ركز القانون الجديد على تشجيع المستثمرين لجهة حل نزاعاتهم بشكل ودي قبل اللجوء إلى القضاء، أو عبر مركز تحكيم لدى اتحاد غرف التجارة السورية للنظر في المنازعات  الناشئة عن الاستثمار.

المدن

————————

على ماذا يبتهجون؟/ راتب شعبو

من حق العاقل أن يستغرب ابتهاج المبتهجين في سورية بنتائج “الانتخابات” الرئاسية. لا شك في أن هناك من شارك في الاحتفالات لأنه مستفيد من بقاء حال سورية على هذا الشكل الذي يسمح له بالمشاركة في النهب والتشبيح على الناس، وهؤلاء أقلية يهلّلون من قلوبهم كما تشاء لهم الأجهزة الأمنية ومتى شاءت. وهناك بؤساء يشاركون لأنهم يخافون من الأسوأ، من أن تضع هذه الأجهزة ملاحظاتٍ سوداء على سجّلاتهم يدفعون ثمنها تالياً من دماء قلوبهم. وهناك من يشاركون لمجرّد أن هناك احتفالاً ودبكةً بصرف النظر عن المناسبة، وهذا ينطبق على الشباب بنسبة كبيرة. ولكن هناك بؤساء يشاركون إما عن قناعة، وربما الأدقّ عن شعور بأن “الرئيس” يقف في وجه العالم كي يحميهم من خطر غامضٍ يتهدّدهم، خطر تجسّد، في لحظةٍ ما، بتنظيماتٍ إسلامية لا تتحمّل الاختلاف، وتهدّد نمط حياة الناس ومسالكهم اليومية المعتادة، أو أنهم يشاركون ويحتفلون من دون تفكيرٍ في سلوكهم هذا، وربما لا يجرؤون على التفكير به، لا بل يتّخذون، كما لو بصورةٍ غريزيةٍ تحت تأثير العجز والاعتياد، موقفاً سلبياً ممن يحرّض لديهم التفكير. هؤلاء ينساقون مع التيار العام، كما في المسالك الطقوسية التي تستقل عن التفكير، وهم يكرّرون عباراتٍ ثابتةٍ ومحفوظة من دون تفكير، ويبدون من الانفعال وحرارة “الصدق” ما تستوجبه الطقوس.

استغراب حفلة الابتهاج، عقب إعلان النتائج، ينبع من السؤال: هل كان أحد في سورية (أو خارج سورية) يشكّ لحظة في أن النتيجة ستكون على غير ما خرجت؟ هذا أمرٌ منتهٍ ومفروغ منه. حتى لو خرجت النتيجة (من باب الخيال والافتراض فقط) لصالح مرشّح من المرشّحين المسكينين الآخرين، لوجدنا الفائز خائفاً ومرتعداً، ولا يجرؤ على الاقتراب من القصر الرئاسي، ولا شك في أنه سوف يلعن الساعة التي فاز فيها، ويشكو من ناخبيه على ما أوصلوه إليه من خطر، وسوف يعتذر للوريث الجمهوري عن الفوز، ويتبرّع له بفوزه عن طيب خاطر، راجياً منه أن يخلّصه من هذه الورطة التي وجد نفسه فيها رئيساً لجهازٍ دولة مغلق في وجهه، ولا يملك مفتاحه سوى الوريث، فكيف “لدولة الأسد”، بجيشها ومخابراتها وبيروقراطيتها المنتقاة على الولاء، أن يقودها غريبٌ من خارج العائلة. وربما سارع هذا الفائز إلى طلب اللجوء السياسي على الفور إلى أي مكان في العالم يمكن أن يستقبله.

في مصر التي شهدت انتخابات ديمقراطية مراقبة ونزيهة إلى حد لا بأس به، وجد الرئيس المنتخب، محمد مرسي، نفسه ضعيفاً أمام جيش وبيروقراطية دولة غير مرحّبة به، وغير متعاونة، ولم يصمد على هذه الحال سوى سنة واحدة، من دون أن يلغي هذا مسؤوليته ومسؤوليه حزبه عما انتهى إليه الحال. فما بالك بمرشّح لا يملك شيئاً من القوة أمام “دولة الأسد”.

هذه البهجة الصاخبة في سورية، إذن، لا تعبر عن زوال قلق ما، كان يتهدّد نفوس المبتهجين قبل النتائج ثم زال بصدورها. المبتهجون، وغير المبتهجين، يعرفون النتيجة سلفاً، ومتأكّدون منها أكثر من تأكدهم من قدرتهم على تأمين العشاء لأولادهم. لماذا إذن الاحتفالات، وما هو مصدر البهجة؟ هل يحتفلون لأن في فوز الوريث سوف يتحقق ما يأملون به من تأمين الحاجات الأساسية لهم ولعائلاتهم، ومن صون كرامتهم من التشبيح ونقص الاعتبار والانتظار الطويل على الأبواب لتأمين أبسط حقوق الكائن البشري؟ هل يحتفلون لأن فوزه يصون كرامة الوطن من استباحة إسرائيل والقوى الخارجية الأخرى؟ هل يمكن أن يختلف ما بعد هذه الانتخابات الفارغة عمّا قبلها بما يبرّر الاحتفال؟ على العكس، يقول المنطق البسيط إن استمرار الوريث يعني استمرار المشكلات التي تعيشها سورية. باستمراره، سوف تستمر آلية حكمه وطاقم حكمه وسياساته القائمة على القمع الرهيب، وعلى تقسيم الشعب السوري لكي يواصل حكمه، والقائمة على استنزاف طاقة البلد في حروبٍ داخليةٍ، لا مصلحة فيها للشعب السوري أينما كان. ولا يمكن لعاقلٍ أن يأمل بنتائج مختلفة، حين تكون الأسباب واحدة.

هل يبتهجون لأن ثمّة انتصاراً ما؟ أين هو الانتصار؟ سورية مقسّمة، ومستباحة من خمسة جيوش كبرى، ومنبوذة دولياً، ونصف أهلها مشرّدون في الخيم وبلدان اللجوء، والباقون يعيش أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر، بحسب منظمة الصحة العالمية، وأكثر من نصف أطفال سورية بدون تعليم، بحسب منظمة “يونيسف” … الخ، أين هو النصر الذي يستدعي البهجة؟ وما تفسير الاحتفال باستمرار “حكمٍ” أوصل البلاد إلى هذه الكارثة؟

مهما يكن من أمر، هذا النوع من احتفالات التأييد يمكن أن ينقلب إلى نقيضه في لحظة واحدة. هذا ما يدركه أهل السلطة جيداً، وهو ما يفسّر الاستنفار الأمني المستمر، والمراقبة اللصيقة للناس في حياتهم وأعمالهم وما يكتبون على صفحاتهم. أمام التصويت بالدم والنسبة الخرافية للفوز، وهذا “الابتهاج” الغامر، المنطقي أن تكون طغمة الحكم مطمئنةً إلى حب الجماهير، وألا تخشى من رأيٍ يُقال في مجلس خاص أو في مقال ما أو على وسائل التواصل. لماذا إذن يحصون على “جمهورهم” أنفاسه، ويصرفون على تخويفه وضبطه أضعاف ما يصرفون على تعليمه وصحته؟

أما تجاه خطاب الفوز الذي يحطّ من موقع رئيس الجمهورية إلى أن يكون رئيس جمهور الرئيس، فلم يبق من مشاعر أمام السوريين، أينما كانوا، سوى الشعور بالعار.

العربي الجديد

——————-

فيلم سوري طويل/ حازم نهار

أرادت السلطة من محطة “الانتخابات” أن تعطي انطباعًا بطيّ صفحة السنوات العشر الماضية، وأن تمثِّل إعلانًا عن مرحلة جديدة أساسها “انتصاره” على “المؤامرة الكونية”، ولتؤدي دورًا في تثبيت فشل معارضي النظام من الأصناف جميعها، وكسر إرادتهم وتيئيسهم، ودورًا آخر في قهر الذين تجرؤوا عليه، فضلًا عن محاصرة الواقعين تحت سيطرته المباشرة، وتدجينهم وإعادة قولبتهم، وتحفيز مواليه على العمل، وإعطائهم أملًا بتغيّر الأوضاع نحو الأحسن. يؤمن النظام بأن “نصره” سيعيد قولبة كل شيء، حتى التاريخ ستُعاد قراءته بما يتوافق مع رؤية المنتصر. إعلان النصر هذا قد يساهم في تغيير رأي بعض من كانوا ضده أو إحباط بعضهم. يريد أن يقول، في اختصار، تعايشوا مع حقيقة وجودي واستمراري.

بعد الإعلان عن النتائج الرقمية لـ “الانتخابات”، تناولها كثيرون بالتحليل والنقاش بهدف إثبات لامنطقيّتها. في الحقيقة، إن المقاربة الرقمية لنتائج “الانتخابات” هي مقاربة بسيطة وساذجة، وتشبه المناقشات المستفيضة للمعارضة السورية بالردّ على إعلام السلطة عندما قال إن أهل الميدان خرجوا من أجل شكر ربهم على نعمة المطر وليس من أجل التظاهر ضد النظام. النظام يعرف أنه كاذب، ويعرف أن مواليه يعرفون أنه كاذب بقدر ما يعرف معارضوه، والدول الداعمة له أو المعترضة عليه تعرف كلها أنه كاذب، وهو يعرف أيضًا أنها تعرف كذبه. نحن في حفلة عامة من الكذب، يدركها الجميع، ويشارك فيها الجميع. من العبث مناقشة ما يصدر من النظام من باب إثبات كذبه ولامنطقيّته.

لا يهتم النظام أبدًا بأن تصدِّقه، بل على العكس؛ هو يتلذّذ، ويضحك ساخرًا، عندما يراك مستغرقًا أو منهمكًا في إثبات كذبه ولامنطقيّته. يريد أن يقول لمعارضيه: موتوا بغيظكم، إنني موجود ومستمر رغمًا عنكم، ورغم أنف منطقيّتكم. ولمواليه: أريد أن أكتشف فعليًا أنكم مقتنعون بي، وأنكم لا تكترثون لكذبي، بل أنكم تؤمنون إيمانًا عميقًا ونهائيًا بكذبي الفاضح، وتدافعون عنه. عندما تكذب السلطة بوضوح شديد، ويُضطر البشر إلى التظاهر بتصديقها، سينظرون إلى أنفسهم بدونية ويحتقرونها، وهذه غاية كل سلطة مستبدة؛ كلما زاد احتقار البشر لأنفسهم زادت نظرتهم تعظيمًا للسلطة. أيها المواطن يجب عليك أن تنظر إلى نفسك بدونية. يسمع كثيرون من الجامعيين في التدريب العسكري الجامعي هذه العبارة: “يا حضرة الطالب الحقير.. اعتز بنفسك”.

هذه اللامنطقيّة، وهذا الكذب العاري، ليسا نتيجة غباء أو عجز أبدًا. لو أراد النظام، بمساعدة أساتذة جامعاته واقتصادييه وإعلامييه، أن يقدم لك نتائج منطقية من دون أن تختلف نتيجة “الانتخابات”، لاستطاع ذلك من دون جهد أو تكلفة، لكنه فعليًا لا يريد. لم يسعَ النظام أبدًا، طوال حكمه، لأن يضع نفسه تحت خانة النقاش المنطقي أصلًا. إنه لا يسمح لك بأن تناقشه منطقيًا أو أن يكون محطَّ نقاش منطقي. لا يريد لعلاقتك به أن تكون منطقية مطلقًا. يريدك أن تؤمن به إلهًا فوق العقل والمنطق، والأرقام، والقانون، والزمن. يريد لعلاقتك به أن تكون خرافية، مبنية على القداسة، على الإيمان من دون تفكير. إذا فكرت للحظة سيبدأ مشوار نهاية النظام، ولذلك إذا فكرت سيقتلك أو ينفيك أو يسجنك أو يخفيك.

يسأل بعضهم: لماذا شارك السوريون في “الانتخابات” بصورة أكثر من ذي قبل؟ كيف لبعض البشر أن يناصر من أهدر حرياتهم، واستباحهم، اعتقالًا وتعذيبًا وترويعًا. وكثيرًا ما يجري اتهام المشاركين، على طريقة السلطة ذاتها، بتلقي مبالغ مادية مقابل أفعالهم. المصالح والمنافع المتبادلة واردة لكنها تبقى في نطاق ضيق، ولا تفسِّر الظاهرة. التفسير الأخلاقي للظاهرة قاصر ومضلِّل أيضًا، وهو تفسير بسيط وسطحي لظاهرة معقدة يتفاعل فيها السياسي والاقتصادي والنفسي… إلخ. التفسير الأخلاقي لا يصلح إلا في حالات ضيقة ومحدّدة. ربما كان السؤال الصحيح هو: لماذا أراد النظام إظهار السوريين وكأنهم شاركوا بفاعلية أكثر كثيرًا من ذي قبل؟

على العموم، ينبغي الانتباه إلى أن كثيرًا من السوريين، اليوم، يبحث عن نهاية ما لعقد كارثي، أو في الأحرى عن بداية لحياة تتوافر فيها مقومات العيش الأساسية، ولا يهم إن كانت مع الشيطان. هذا قانون حركة البشر والتاريخ، ولا تجوز مقاربة المسألة هذه أيضًا استنادًا إلى معايير أخلاقية أو دينية أو معتقدية. هناك حالة عامة من الخوف الشديد تدفع البشر إلى البحث عن خلاص ما، عن تغيير ما، عن أمل ما، خاصة في ظل الشعور بالخذلان من “المعارضات” و”الهيئات الثورية”، ومن الدول العربية والإقليمية، ومن أوروبا وأميركا، ومن الأمم المتحدة، والعالم كله. والبشر، عمومًا، يميلون إلى الانجذاب إلى المناطق التي يتوافر فيها حدّ أدنى من المؤسسات، حتى لو كانت ضعيفة أو عاجزة. يرغب البشر بوجود مشافٍ ومستوصفات ومدارس ومؤسسة مياه وشركة كهرباء وجامعات ومصارف وجهاز شرطة وهيئة قضائية وغيرها، لأن هذا كله يشعرهم بقدرٍ ما من الاستقرار والأمان.

تعتمد عملية إخضاع السلطة للآخر، البشر، بحسب ما يرى مصطفى حجازي، على ركيزتين متعاضدتين؛ سموّ قدر المتسلط، وانحطاط شأن المقهور. ولكي تستمر عملية الإخضاع، فإنها تحتاج دائمًا إلى ما يُغذِّي نرجسية السيّد، وهذه تحصل عبر المزيد من ممارسة العنف والتعسّف، مثلما تحتاج إلى الإمعان في إهانة الخاضع/المقهور واحتقاره. لنصبح أمام عالم ثنائي يُمثِّل فيه الأول صورة الإله، والثاني صورة النموذج الأدنى من البشر. أي يبدو المقهور في مرتبة أدنى تجعل التعاطف معه شيئًا أقرب إلى الخبل أو البلاهة، ومن ثم يبقى قهره دائمًا سلوكًا مقبولًا ومرحّبًا به. كانت “الانتخابات” وسيلة من وسائل تغذية نرجسية “السيد” من جهة، وأداةً لاحتقار الخاضعين والمقهورين من جهة أخرى. تراهن السلطات القمعية دائمًا على تأقلم المقهور مع احتقار السلطة له، ومن ثم تكيّفه مع احتقاره لنفسه، ما يدفعه إلى التعظيم من شأن المتسلِّط، والنظر إليه بوصفه كائنًا خارقًا له مطلق الحق بالسيادة، والتمتع بالامتيازات كافة.

ازدراء البشر ركيزة من ركائز العقيدة الفعلية للسلطة، ليس لمعارضيها فحسب، بل لمواليها أيضًا، إلى جانب رغبتها الشديدة في إيلام البشر وقهرهم. لذتها القصوى هي في قهرك، وأن تشعر أنك صغير الحجم جدًا، وضئيل القيمة جدًا. أنك لا شيء، وأنك صفر. إدلاء رأس النظام بصوته في مدينة دوما كان رسالة مزدوجة؛ أولًا يريد أن يقول إن هذا الشعب لا يُحكم إلا بالقتل، وثانيًا: لا أريدك أن تصدق أن أهل دوما معي، بل أريد أن أقهرك وأقهر أهل دوما. نظام مغرم بالجكارة والنكاية.

هناك أيضًا شيء يسمونه “التوحد مع المعتدي”؛ تعاطف المقهور مع القاهر. وهي ظاهرة فيها الكثير من المشاعر المتناقضة، المقهور معجب بالقاهر، يتضامن معه، يدافع عنه، يبرِّر له، ينضمّ إلى نشاطه وسلوكه. هذا التوحد مع سلوك المعتدي عملية دفاعية لا شعورية تهدف إلى حماية الذات من الأذى والبطش والتفكك، يتحول فيها المرء من السلبية أو الحيادية إلى الفاعلية والمشاركة في المنظومة المسيطرة للتقليل من الشعور بالقلق أو للتخفيف من الشعور بالانسحاق المريع للذات.

لا تكتفي السلطة القمعية بالتعبيرات الكلامية فحسب لإثبات الولاء لها. تريد تعبيرات جسدية تؤكِّد الولاء؛ حركات دالة، الرقص، الدبكة، الصراخ. تريدك أن ترقص؛ عندما ترقص ستخفّ حمولة العقل أو تطير، وهكذا ستقترب منها، وتصل إلى قلبها، على هيئة ما يفعل الصوفي تقربًا من الله. لكن ليس كل الرقص يأتي بإرغام السلطة وطلبها. بعض الرقص صادق، وبعضه منافق، وبعضه يأتي بحكم الهبل أو التفاهة، وبعضه بحكم العادة، وبعضه تحرِّكه هيستيريا الواقع، وبعضه بحكم الحاجة إلى الفرح، وبعضه لا عنوان له، وبعضه يكون تعبيرًا عن الألم؛ عندما يُذبح الديك يقوم بحركات غريبة، ومن يراه من بعيد يظنه يرقص، وهو في الواقع يقاوم الألم ويصارع الموت.

ما الذي سيحدث بعد “الانتخابات” على مستوى السياسة الداخلية؟ يُظهر تاريخ النظام السوري، وعقليّته، أنه لا يغيِّر سياساته الداخلية تحت الضغط، ولا يغيِّر إذا كان تغييره سيُفسَّر ضعفًا. وهو الآن بين خيارين أو احتمالين، إما أن يزيد من سياساته القمعية والفاشية أو أن يحدث تغييرات طفيفة أو إصلاحات محدودة لا تؤثر في استمراره وبقائه، وتعطي الإيهام ببداية جديدة. لسان حاله يقول: نحن نغيِّر التسميات ولا نغيِّر النهج؛ قانون الطوارئ كان أرحم من قانون مكافحة الإرهاب، وعملية الاستفتاء كانت أقل وطأة من “الانتخابات”.

الاحتمال الأول أكثر أرجحية، لأن النظام يفتقد، هذه المرة، إلى القدرة الذاتية على إجراء تغييرات محسوسة، لأسباب سياسية واقتصادية وقانونية وجغرافية وإقليمية ودولية، أو بشكل أدق لن يستطيع التغيير كثيرًا في مسارات الواقع، فهو وإن كان قد خرج منتصرًا، بحسب ما يدعي، وبحسب فهمه للانتصار، وعلى الرغم من كونه الطرف الأقوى في المعادلات الداخلية، إلا أنه خرج عاجزًا ومنهك القوى، ولا يستطيع أن يكون حرّ الإرادة فعليًا إلا في ممارسة القهر.

هنا نستطيع أن نفسِّر الحالة العصابية لخطاب النصر؛ كلما ازداد الخواء والعجز ازداد الصراخ والتطرف. في النهاية، تبدو احتمالات المستقبل مشابهة لما نجده في بلاد أخرى متأخرة؛ إما دولة فاشية تمعن في قهر المواطن، أو حرب داخلية دائمة لا ينتج عنها إلا مزيد من الدمار والتشظي. لا توجد معادلة لم يستثمر فيها النظام طوال السنوات الماضية. معادلته الرئيسة كانت إما أنا أو الفوضى، إما أنا أو حرق البلد. وفي السياق استخدم معادلات كثيرة مكملة؛ إما القبول بي أو النفي، إما التسليم أو الحصار، والخبز مقابل الولاء. إنه نظام العدمية؛ إما أن تموت أو تستمر في العيش بوصفك “لا شيء”.

ما زالت سورية غير مستقرة، وما زالت احتمالات خروجها من الفشل ضئيلة جدًا، وما زال السوريون يتحركون على أرض رملية، ولا يبدو أن شيئًا قد حُسم بصورة نهائية. في ساحة “المعارضات الرسمية”، وفي ساحة “الهيئات الثورية”، فضلًا عن “الجماعات المسلحة” كلها، هناك مهازل أخرى أيضًا، يكاد بعضها أن يكون مستنسخًا من المهزلة الكبرى، استبدادًا، وعقائدية، وتبعية، وتفاهة. الجماعات المعارضة في الأنظمة الشمولية لا تختلف كثيرًا عن الأنظمة الحاكمة من حيث خطابها وأدائها وطرائق تفكيرها. يبدو أن الأمل لن يتفتح إلا بولادة نخب ثقافية وسياسية ومدنية جديدة تتجاوز فعلًا الثقافة الديكتاتورية، وهذه تحتاج إلى جهد عظيم، ووقت طويل، في ظل هذا الفيلم السوري الطويل.

المدن

————————–

غرفة نوم القائد وقصة المجنّد “ميم”/ إياد الجعفري

قد لا تكون صدفة محضة، أن تتزامن عودة العمّ الضال –رفعت الأسد- إلى “حضن وطن” ابن أخيه، مع استعادة النظام لاستراتيجيات فرض الطاعة التي اتبعها في النصف الثاني من عهد حكم حافظ الأسد. فـ رفعت الذي أدى إحدى طقوس الطاعة لـ بشار الأسد، عبر مشهد “انتخابه” بالسفارة السورية في باريس، قبل أيام، كان الرجل ذاته الذي مثّل إقصاؤه عن الحكم، بدايةً لعهدٍ جديدٍ في حكم شقيقه، قبل 36 عاماً.

ويُمثّل العام 1985، فارقاً نوعياً على هذا الصعيد، إذ كان حافظ الأسد قد اطمئن تماماً إلى التخلص من أي تهديد جدّي لنظام حكمه من جانب قوى المعارضة المحلية، وتحديداً الأخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه، كان قد تخلص من تهديد مستجد لكرسي حكمه من جانب أخيه، رفعت الأسد، قبل ذلك بعامٍ واحدٍ فقط. لذا، شهد استفتاء العام 1985، تطوير استراتيجيات قديمة لفرض الطاعة، وإضافة أخرى جديدة إليها، بصورة لم يكن قد عرفها السوريون من قبل. حيث ظهر لأول مرة مصطلح “البيعة”. وشاعت مشاهد تقديمها بـ “الدم”. وتصاعدت ظاهرة تأليه الحاكم، والحض على إظهار الولاء والخضوع له، بأدوات الإكراه والتهديد، وصولاً إلى استفتاء العام 1992، الذي شهد عروضاً غير مسبوقة من التزلف، تحولت لاحقاً إلى سمة عامة لعلاقة السوريين بنظام حكمهم. فقد تعودوا على تقديم طقوس الطاعة، لتجنب المتاعب وحفظ أمنهم من أدوات النظام العقابية، بعد عقدٍ من الخيبة حيال أية آمال للتغيير في سوريا.

وبقيت غايات النظام من فرض التزلف في الطاعة على السوريين، غير مفهومة بشكل كافٍ، بالنسبة للكثير من الباحثين، الذين لجأووا لإسقاط نماذج مختلفة، من الأنظمة الشمولية، تارة الفاشية وتارة الشيوعية، من دون أن يفلحوا كثيراً في تقديم وصفٍ يلامس كل جوانب المشهدية الفريدة نسبياً، في سوريا. تلك التي يطلب فيها النظام من شعبه عروضاً بلاغية واستعراضية قد تكون مثيرة للسخرية في حين، ومخالفة للمنطق في أحيان أخرى، مع كم هائل من الإسفاف في الهالة الملقاة على الأسد الأب، كان النظام يعلم جيداً، أن السوريين في غالبيتهم العظمى، يسخرون منها بين جدران بيوتهم، بكمٍ هائلٍ من النكات السياسية، الزاخرة بأشكال المجاز المُعبّر.

ومن بين محاولات فك شفرة هذه الاستراتيجيات وغاياتها، كانت محاولة الباحثة الأمريكية ليزا وادين، في كتابها “السيطرة الغامضة – السياسة، الخطاب، والرموز في سورية المعاصرة”، تجربة غنية ومتفردة لجهة التركيز على جوانب من خصوصية المشهد السوري، مقارنة بمشاهد تاريخية مقارنة، قد لا تنطبق بشكل كافٍ عليه.

صدر كتاب وادين، عام 1999، وظهرت ترجمته للعربية في نهاية العقد الأول من القرن الحالي. ورغم أن وادين تتناول عهد الأسد الأب، إلا أن قارئ الكتاب لا يمكن إلا أن يتوقف ملياً عند استراتيجيات فرض الطاعة المستنسخة من ذلك العهد، والتي أعاد نظام الأسد الابن إحياءها في المسرحية الانتخابية الأخيرة.

وكي نفهم أكثر غايات النظام، علينا أن نسأل الأسئلة الصحيحة، لا الخاطئة. فأن نتساءل مثلاً، كم نسبة السوريين المقتنعين بخيار “الأسد”، من بين أولئك الذين “زحفوا” وفق وصف وزير خارجيته، لـ “انتخابه”، هو تساؤل في غير محله. فالنظام لا يعنيه أن يكون السوريون مقتنعين، ما يعنيه أن يكونوا مطيعين. بل هو فعلياً، لا يهمه المقتنعون أساساً به، بل ما يستهدفه هم أولئك الذين يعلم أنهم يظهرون غير ما يبطنون. فأولئك تحديداً، يريد منهم أن يظهروا أكبر قدر ممكن من الطاعة. فالطاعة الحقيقية هي طاعة الخاضع، وليست طاعة المقتنع. فالأخير، لا يطيع فعلياً، بل هو يتصرف من وحي قناعته، تلك التي تتبدل وفق المصالح أو الظروف. أما من يطيع، وهو مُكره، هو تحديداً النموذج الذي يريد النظام إعادة استنساخه وتعميمه في أوساط السوريين، بعد عقدٍ من الثورة عليه. فالطاعة الحقيقية تقوم على عدم التصديق. وكلما ترافقت مع تزلف وإسفاف، كلما أشارت أكثر إلى تمكن السلطة من فرض استمراريتها. هكذا يفكر نظام الأسد، الآن.

وبهذا الصدد، تروي ليزا وادين في كتابها، قصة يقول راويها إنها حدثت حقاً. وإن كان لا يمكن الجزم بحدوث هذه القصة بالفعل، إلا أنها تختزل الكثير من الرمزية القادرة على اختصار المشهد بسوريا عشية التسعينيات من القرن الماضي. وهو المشهد الذي يسعى النظام لنقل السوريين إليه، اليوم. تقول الرواية، إن مجنداً من أبناء المدن، رُمز له بـ “ميم”، كان قد اجتهد كي يحظى بالثقة داخل إحدى القطع العسكرية بالحرس الجمهوري، التي كان يخدم فيها، عام 1989. والحرس الجمهوري يومها، كان فرقة النخبة الموالية للنظام، المتخمة بالعناصر الموالين له بشدة. لكن المجند “ميم”، كان يُعامل –رغم محاولاته لاستجلاب الثقة- من زملائه وقادته، على أنه ليس جديراً بها، مما كان يثير الحنق في نفسه. وفي إحدى الليالي، زار قطعتهم العسكرية ضابط رفيع، ودخل إلى مهجع المجندين الذين انتصبوا باحترام له. فطلب الضابط منهم أن يرووا له أحلامهم بالليلة الفائتة. فتقدم المجند الأول، وقال له إنه رأى القائد – حافظ الأسد- في السماء وأنه وزملاؤه نصبوا سلالم من نار وصعدوا عليها كي يصلوا إليه. ومن ثم تقدم المجند الثاني، ليزاود عليه، وقال إنه رأى وجه القائد في السماء، وهو يعتصر الشمس بين يديه حتى تهاوت وسحقت، فحل الظلام على الأرض، لكن، في اللحظة التالية، سطع وجه القائد في السماء، وأرسل ضياءً ودفئاً على الأرض. وهكذا، توالى المجندون يروون أحلامهم المكذوبة والمبتذلة، والضابط يستمع إليها بارتياح وتشجيع كبير، إلى أن جاء دور المجند “ميم”، الذي تقدم إلى الضابط، وقال له: “لقد رأيت في منامي أمي عاهرة في غرفة نومك”. ولم يكد “ميم” ينهي رؤياه حتى انهال عليه زملاؤه بالضرب وكسّروا عظامه. ومن ثم تم تسريحه من الحرس الجمهوري.

تزخر تلك القصة، بالرمزية. فالضابط يمثّل القائد حافظ الأسد، والأم في خطاب النظام تقابل الأمة أو الوطن، مما يعني أن “ميم” أراد أن يقول إن وطنه مستباح من جانب حافظ الأسد. وهي رمزية فُهمت مباشرة من جانب زملائه وقادته، فتمت معاقبته، وتسريحه لاحقاً، تأكيداً على عدم الثقة به. لكن، بعيداً عن فعل التمرد الذي قام به “ميم”، يختصر عرض استجلاب الطاعة والتزلف من جانب الضابط، وتجاوب المجندين معه، المشهدية التي يريدها النظام تحديداً، في سوريا. فحينما يتزلف الناس في تمثيل الطاعة، ينعزلون عن بعضهم، نظراً لكم النفاق المستشري في أوساطهم، ويفقدون الثقة ببعضهم تماماً. وبذلك يفتت النظام أي احتمال لظهور حراك جماهيري ضده، ويفرض خطوطاً حمراء على السلوك والكلمة، ويُسخّف القيم السياسية الهامة، كالديمقراطية والانتخاب. تلك الاستراتيجية أثبتت فعاليتها قبل أكثر من عقدين، في ضمان استمرارية النظام وتوريث كرسي الحكم للجيل الثاني من العائلة. واليوم يحاول النظام استنساخها مجدداً.

 وفيما تتوخى غالبية السوريين الخاضعين للنظام، السلامة وتجنب أي مخاطر أمنية، عبر الاستجابة لعروض الطاعة المطلوبة منهم، ويسعى بعضهم لاقتناص مواقع مسؤولية داخل مؤسسات النظام عبر التزلف والإسفاف في تقديم هذه العروض، يتسببون فعلياً في خلق حالة من الديمومة لنظام الحكم ذاته، الذي يحط من شأنهم، وينال حتى من رغيف عيشهم. ذلك أن فاعلية سلطة النظام بسوريا تتحقق في تحويل القوة القمعية إلى قوة انضباطية، أقل كلفة. وبذلك يصبح الأسد قوياً، لأن الناس يتعاملون معه على أنه قويّ.

المدن

————————

مسرحية بشار الأسد الأخيرة/ ياسين أقطاي

عرض بشار الأسد مسرحية انتخابية مبتذلة بأبشع طرق التهكم والسخرية من الديمقراطية وإرادة الشعب، وهو الذي لم يقدم للشعب السوري طيلة عشر سنوات خلت سوى الدماء والتعذيب والدموع والجوع والفقر.

بالطبع كانت نتائج هذه المسرحية معلومة منذ البداية، كما أن المرشحَيْن الآخرَين على الأغلب هما أيضاً صوّتا لبشار، حيث لم يحُز هذان المرشحان سوى 5% من الأصوات تقريباً. وفي النهاية أعلن رئيس مجلس الشعب السوري حمود صباغ، أن رئيس النظام الحالي بشار الأسد فاز في الانتخابات بـ13 مليوناً و540 ألفاً و360 صوتاً، أي ما يعادل 95.1% من مجمل الأصوات.

بالطبع نتساءل أيّ جانب من جوانب المسرحية الانتخابية التي تمثل كوميديا مأساوية من البداية حتى النهاية، يمكن أن يقبله العقل والمنطق؟

بحسب ما قيل بأن مجموع الذين صوّتوا في الانتخابات وصل إلى 14 مليوناً و239 ألفاً و140 صوتاً، فإنّ هذا العدد يفوق عدد السوريين الذين كان يحق لهم التصويت قبل أن تبدأ الحرب حتى. إذن أين عثر على هذا الكم الكبير من السوريين، وكيف تم نقلهم إلى مراكز الاقتراع.

هناك العديد من المشاهد انتشرت لعمليات تصويت تثير الضحك والشفقة، أحد هذه المشاهد الكوميدية المأساوية لجندي يضع بصمات أصابعه على عشرات البطاقات الانتخابية، وزجّها في صندوق الاقتراع، أو موظف يجلس على كرسيه ويبصم عن الأشخاص الذين يظهرون أمامه يشاهدونه، وهناك العديد من المشاهد المخجلة الأخرى.

دعونا نكمل من حيث بدأنا حول مسألة عدد الناخبين السوريين المشاركين في الانتخابات، كم عدد السوريين برأيكم الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الأسد حاليّاً في سوريا، أي التي يمكنه فيها إنشاء مراكز اقتراع؟

لقد أشرنا من قبل مراراً إلى أنه منذ بداية الأزمة السورية هاجر 4 ملايين على الأقل إلى تركيا، و3 ملايين نحو لبنان والأردن، و1.2 مليون إلى ألمانيا، وما يقرب من مليون إلى باقي الدول الأوروبية. ولا يزال هناك 5 ملايين شخص يعيشون الآن خارج مناطق سيطرة النظام، في مناطق عمليات “نبع السلام” التركية، و”درع الفرات”، و”غصن الزيتون”. إضافة لكل ذلك هناك أيضاً المناطق الواقعة فعليّاً تحت سيطرة الولايات المتحدة، وهي مناطق لا تخضع لسيطرة النظام السوري على الإطلاق، ويتراوح عدد سكانها ما بين 2 إلى 3 ملايين.

هذا يعني أن ما لا يقل عن 15 مليون سوري يعيشون الآن خارج مناطق سيطرة النظام، وبما أن عدد السوريين قبل الأزمة السورية كان يبلغ 22 مليون نسمة، فمن الواضح أن ما لا يزيد عن 7 إلى 8 ملايين يعيشون الآن في مناطق سيطرة النظام السوري.

نحن نتحدث عن 7 إلى 8 ملايين كرقم إجمالي، وليس عدد الذين يحق لهم الانتخاب، الذي سيكون أقل بكثير من ذلك أصلاً، لكن ومع ذلك فإن النظام يقول إن إجمالي عدد أصوات الناخبين بلغ 14 مليوناً و239 ألفاً، ولذلك نقول إذا لم يكن النظام قد استورد مواطنين أجانب آخرين إلى سوريا فإن هذا الرقم يبقى مجرد جانب آخر من جوانب المهزلة الانتخابية.

في الواقع، تقوم العديد من الأنظمة العربية والشرق أوسطية بعمليات انتخابات استعراضية من أجل إظهار أنها تتمتع بديمقراطية ما. وفي أغلب الأحيان -إن لم يكن كلها- تُحدد النتائج قبل أن تُعقد الانتخابات أصلاً، بالطبع الهدف من هذه المسرحية الهزلية هو إضفاء “شرعية” على بقاء هذا النظام في الحكم، وفي الغالب يحصد نسبة 90% فما فوق.

وبالفعل تتبنى العديد من الأنظمة هذا النوع الساخر من الانتخابات، لدرجة أنه بات موضوعاً للتندر والضحك بين الناس.

تقول الطرفة الشهيرة، إن رئيساً أمريكياً فاز في الانتخابات لكنه لم يحصد أكثر من 51% فقط، التقى بعد فوزه بديكتاتور مصر الراحل حسني مبارك، وتعجب كيف يمكن له أن يحصل على نسب عالية جداً ويحكم لمدة 30 عاماً، ما جعل الرئيس الأمريكي يطلب من مبارك المساعدة في “تنظيم” الانتخابات، وبالفعل مبارك لم يرفض، بل لبّى هذا الطلب، وأرسل فريقه لمساعدة ذلك الرئيس الأمريكي، وعند فتح صناديق الاقتراع تبيّن أن حسني مبارك فاز بالرئاسة الأمريكية بنسبة 99%.

هناك نكتة أخرى أيضاً، عن ناخب أراد أن يفرغ غضبه في صندوق الاقتراع ويصوت بـ”لا”، إلا أنه بعدما فعل ذلك وخرج من دائرة الاقتراع اعتراه خوف شديد جعله يعود مرة أخرى نحو الصندوق، ليقول للمسؤولين هناك إنه يريد التحقق فيما لو كان أدلى بصوت خاطئ لم يكن يقصده. ردّ عليه المسؤولون بطريقة غاضبة “حسناً حسناً، نحن عرفنا ذلك وأصلحنا الخطأ نيابة عنك، لكن إياك أن تكرّر ذلك!”.

مئات النكات الأخرى التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال مسرحية الانتخابات السورية الأخيرة، تشير إلى أن ما حدث لم يكن نكتة في الواقع، بل حقيقة، أو بالأحرى أشارت إلى قدر يسير من الحقيقة.

يبقى الجزء المثير والمؤسف في الأمر هو أن هذه المسرحيات الرديئة التي تنظمها تلك الأنظمة يتم تقديمها تحت غطاء الديمقراطية. والأمر الأكثر سوءاً هو أن النقد الإسلامي لهذه الأنظمة يتم إظهاره على أنه نقد للديمقراطية. بحجة أن هذه الصور تقدم للناس الذين يعيشون في ظل حكم هذه الأنظمة على أنها هي الديمقراطية بحد ذاتها، ثم يطرحون سؤالاً: هل يمكن أن يتوافق الإسلام مع الديمقراطية أم لا؟ بالطبع الجواب “لا” في مخيلتهم.

ولذلك يكون من المحتم على الحركات الإسلامية التي تعيش في ظل حكم تلك الأنظمة أن تكون عدوّاً لديمقراطية هذه الأنظمة بشكل راديكالي عبر خطاباتها، إلا أن الديمقراطية في الواقع بعيدة عن هذه الأنظمة، ولا يمكن لمثل هذه الأنظمة أن تمثل الديمقراطية.

وفي النهاية نخرج أمام صورة حتمية قائمة على أن ما يسمّى بالحركات الإسلامية تهدف لتطبيق نظام غير ديمقراطي، بما أنها معادية للديمقراطية. وفي الحقيقة تعمل هذه الحركات الإسلامية -من غير أن تدرك- على تقوية أنظمة الاستبداد القائمة، وهذا بحد ذاته يشكل أحد أكثر مظاهر الحركة الإسلامية تناقضاً فيما يتعلق بالديمقراطية، حيث تحاول الحركات الإسلامية تفريغ غضبها جراء القمع الذي عانته من الأنظمة الاستبدادية الحالية، من خلال خطاب معارض أو مُعادٍ للديمقراطية.

عربي بوست

————————

مشهد عرضه بشار الأسد قبل 7 سنوات للأخضر الإبراهيمي وكرره لغير بيدرسن/ تيم الحاج

قبل سبع سنوات وفي مثل هذا اليوم (31 من أيار) انسحب المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي من مهمته كمبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، محمّلا بفشل  ذريع، كان ينسبه بشكل واضح إلى تعنّت نظام الأسد بموقفه الرافض للحل، لكن انتهاء مهمته وفق دبلوماسيين جاء بالدرجة الأولى اعتراضا  على إجراء بشار الأسد “انتخابات رئاسية” عام 2014، وتجديده سبع سنوات لنفسه، علم حينئذ الإبراهيمي أنها الضربة القاضية لجهوده في التوصل إلى حل في الملف السوري.

بين الأخضر الإبراهيمي وغير بيدرسن بشار الأسد يُمرر ما يريده

قال الأخضر الإبراهيمي عن انتخابات 2014 إنها “تنسف مفاوضات السلام الرامية لوضع حد للنزاع”، متهما نظام الأسد باللجوء إلى “مناورات تسويفية لتعطيل المحادثات”.

وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون أسفه لاستقالة الإبراهيمي، ووقف كي مون محتارا وفق تعبيره، يبحث عمّن يكمل المهمة في سوريا إلى أن عثر على ستيفان دي ميستورا في تموز 2014، حينئذ انتهت فورة الغضب الأممي والغربي من بشار الأسد الذي بدأ سبع سنين أخرى في مكايدة حاملي الحلول لسوريا.

اليوم يتكرر المشهد في 2021، فقبل أيام جدد بشار الأسد لنفسه ولاية رئاسية جديدة، قابلها رفض أميركي  وأوروبي وتخوف معتاد من الأمم المتحدة وأمينها أنطونيو غوتيرش.

لكن موقف المبعوث الأممي الحالي إلى سوريا، غير بيدرسن جاء مختلفا عن سلفه الإبراهيمي، إذ اكتفى الدبلوماسي النرويجي بالقول إنه “أحيط علما بالانتخابات الرئاسية التي تجري اليوم في سوريا تحت مظلة الدستور الحالي”، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة لا تشارك في تلك الانتخابات ولا تفويض لديها بذلك.

لم يحمل تصريح بيدرسن أي غضب تجاه هذا الإصرار من قبل النظام على نسف العملية السياسية، ولا يبدو أنه متحمس لتكرار موقف الإبراهيمي، بل كرر بيدرسن في تعليقه على الانتخابات موقف الأمم المتحدة الذي تلجأ إليه للتهرب من اتخاذ رد حاسم على خروقات الأسد، هذا الموقف بات واضحا وهو التأكيد على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، الصادر في كانون الأول 2015.

وفي الأساس تنص الفقرة الرابعة من القرار 2254 الذي جاء في 16 مادة على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، أما اللافت في القرار فهو أنه يدعم قيام انتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بدستور جديد، فـي غضون 18 شهرا تحـت إشراف الأمم المتحدة، ويعني هذا الكلام أن بشار الأسد نسف أيضا حتى هذا القرار عبر تجديده لنفسه سبع سنوات جديدة.

عند الحديث عن المبعوثين الأممين الأربعة إلى سوريا لا بد من ذكر التباين في مواقفهم وأدائهم، هذا التباين الذي لا شك أنه زاد من معاناة السوريين خلال العشر سنوات الماضية، إذ لم تأت مواقفهم بشكل موحد كي يسهل عليهم اختراق الجدران الصلبة التي يضعها نظام الأسد وداعميه (روسيا وإيران) في وجه مسيرة الحل السياسي.

فقد كان لكل  واحد منهم (كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا وغير بيدرسن) طريقته الخاصة في التعاطي مع القرارات الدولية ذات الصلة بالحل السوري، ولعل أخطرهم وأكثرهم ريبة كان وفق مراقبين، دي ميستورا الذي أثبتت مواقفه أنه ينساق إلى رغبات النظام وروسيا، ويأتي بمواقف متعالية على المعارضة السورية السياسية.

ففي زمنه شهدت سوريا عمليات تهجير قاسية على الشعب السوري، بدءا من حلب وصولا  إلى ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية والجنوب السوري وريفي حماة وإدلب، عمليات التهجير هذه جاءت من بوابة اجتماعات أستانا وخرائط خفض التصعيد الروسية.

إضافة إلى أن دي ميستورا كان عراب إحداث اختراقات في جسم المعارضة عبر فتح المجال لتوسعتها بشخصيات محسوبة في الأساس على النظام أو رروسيا أو جهة دولية أخرى كـ منصتي “موسكو” و”القاهرة”، ومع هؤلاء ابتكر هذا المبعوث الأممي فكرة السلال الأربع لتنفيذ بيان جنيف1 الذي يعد أهم قرار في مسيرة الثورة السورية؛ لأنه حصل على تأييد معظم اللاعبين الدوليين، بما فيهم روسيا، لكن سلال دي ميستورا زادت من تعقيدات تنفيذ هذا القرار الذي في الأصل يخضع منذ إصداره لتباين صارخ في فهمه بين أميركا وروسيا، فكلا الدولتين لديها طريقة في تفسيره.

وبالعودة إلى غير بيدرسن المبعوث الثاني الشاهد على إصرار الأسد على سحق العملية السياسية بضربة “الانتخابات الرئاسية”، فالرجل يبدو أنه مستمر في منصبه وينوي الاستمرار في اجتماعات “اللجنة الدستورية” هذا المسار الذي فشل في تحقيقه دي ميستورا، في الوقت الذي يؤكد فيه سوريون بأنها – أي اللجنة الدستورية- أداة يستخدمها النظام لإطالة أمد الأزمة، حيث يبرع فيها بالمماطلة.

تلفزيون سوريا

——————————-

هل يجب أخذ انتخابات الأسد على محمل الجدّ؟/ منهل عروب

واصلت المعارضة السورية تنديدها بالانتخابات الرئاسية التي يجريها نظام الأسد ووصفتها بغير شرعية. وفي حين يتعامل الناشطون مع الانتخابات كنكتة سمجة، من الصعب أخذها على محمل الجدّ، يواصل النظام تسجيل النقاط والتقدم نحو هدفه الحقيقي من الانتخابات خطوة تلو الأخرى.

نعرف جميعاً أن الأنظمة العربية تستأجر شركات أوروبية لإدارة السياسات الإعلامية والعلاقات العامة الخاصة بها، ونظام الأسد ليس استثناء. فالإعلامية السابقة في قناة الجزيرة لونا الشبل مديرة المكتب الإعلامي والسياسي في القصر الجمهوري والمستشارة الإعلامية الخاصة في رئاسة الجمهورية هي من يشرف على تلك العمليات. التعامل مع مثل تلك الشركات يكلف ملايين الدولارات مثل شركة بيل بوتينغر البريطانية، بينما دفعت أسماء الأسد خمسة آلاف دولار شهرياً لشركة براون لويد جيمس الأميركية لمدة خمس سنوات مقابل بضع مقالات! إذا كان الأسد مستعداً لدفع كل تلك المبالغ، فلماذا تخرج دعاياته الانتخابية بتلك الرداءة؟

في كتاب باترك سيل عن الأسد، بيّن المؤلّفُ مدى ما كان يتحلّى به الرئيس من الكفاءة والقدرة والحزم. ورغم أن سوريا كوطن وشعب واقتصاد انهار بشكل كبير، وأصبحت في عهده شبه دولة، إلا أن هذا الوضع لم يكن يثير انتباه باترك سيل؛ فعلى مدار 800 صفحة لم يحتل الوضع السوري الداخلي سوى إشارات عابرة عن الفساد وصدام مع فئة (صغيرة ومتعصبة) تدعى الإخوان المسلمين، صدام هامشي كانت نتيجته عدد من المجازر التي تجاوز ضحاياها 200000 سوري بين قتيل ومفقود، واعتقال عشرات آلاف آخرين في فروع أمن مرعبة ويمثلها رمز اسمه سجن تدمر الشهير … لا ندري ماذا يعني هنا قائد فذّ إذا لم ينهض ببلده! من الواضح أن هذا السؤال لم يكن يشغل الباحث الغربي، ولكن يبدو أنه لم يكن يشغل الأسد أيضاً.

في كتاب آخر هو الدولة “الدولة المتوحشة” لميشيل سورا، اتخذ فيه المؤلّف مساراً معاكساً وهو تسليط الضوء على سوريا الداخل، ليصل إلى نفس النتيجة: سوريا (بما هي دولة وشعب، تنمية ومستقبل) ليست على أجندة رئيسها الأسد!

بعد وفاة الأسد الأب أطلق الأسد الابن شعاره الشهير “مكافحة الفساد” و “مسيرة التطوير والتحديث”. وفيما تسابقت الصحافة الغربية على كيل المديح على الشاب الذي درس في بريطانيا وخطواته في ترسيخ عهد جديد من الديمقراطية الإصلاح، كان للصحافي البريطاني آلان جورج في كتابه “سوريا لا خبز ولا حرية” رأيٌ آخر: هذه الشعارات للاستهلاك المحلي فقط، فالقائد الجديد لم يكن جاداً في إصلاح الفساد الذي أفرزه حكم الوالد، ليخلص إلى نفس النتيجة: سوريا ليست على أجندة الأسد الابن أيضاً. ورغم أن الكتاب لم يأخذ حظّه من الانتشار، لكنه برهن أنه كان مُحقّاً في كل تفاصيله: إذا كان الأسد الأب حافظ على التقاليد المتبعة في منع إظهار الفساد والسرقة والتفاخر بها، فإن الأسد الابن لم يكن مضطراً لإخفائها، وهذا هو جوهر الإصلاح الاقتصادي الذي حصل في سوريا في الألفية الجديدة. وإذا كان المواطن السوري قد قَبِل مضطّراً وتحت تهديد السلاح بمعادلة: الخبز مقابل الحرية (حيث لم يتم استشارته، بل إرهابه وإرغامه)، فإن الأسد الابن اعتبر تلك القاعدة منتهية الصلاحية. وكانت خلاصة مسيرة التطوير والتحديث أن زاد النظام من توحشه وغدا السوري بلا حرية ولا خبز حسب الكاتب!.

بعد اغتيال الحريري ورغم العزلة الدولية الشديدة، إلا أنه استطاع اختراقها عن طريق فرنسا وتركيا، وبشكل غير مباشر المملكة العربية السعودية. بالنسبة للأسد كان هذا كافياً لإعادة تنشيط دورته المالية الخاصة بالعائلة ومصالحها، والتواصل الأمني والاقتصادي غير المعلن مع باقي الدول. ورغم تضرر الاقتصاد السوري من هذا الوضع المشوه، إلا أنه يبقى مجرد تفصيل لا يهم ولا يؤثر في نظام الأسد.

الاستفاضة في الشرح السابق تهدف إلى تدوير زاوية الرؤية في فهم النظام، وتبيان مدى وضوح خطته وواقعيتها، وبالتالي يمكننا تقييم أهدافه ومدى تحقّقها. فنظام الأسد بما هو “مافيا” لا يعنيه سوى تحقيق “الشرعية الشكلية” أمام المجتمع الدولي والدول ذات الشأن مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية؛ شرعية تعيد العلاقات الأمنية معهم، إضافة لغض البصر عن العلاقات المالية غير المباشرة التي تتيح له التنفس والاستمرار.

وضوح الخطة والرؤية في برنامج الأسد يتجلى في إطلاق شعار “الأمل بالعمل”. حيث تجاهلت الحملةُ الانتخابية العملَ المسلح وركزت على البدء بإعادة إعمار سوريا وإرساء الأمن والأمان. وهو ما يريد الغرب سماعه؛ لا ليقتنع به، بل ليتاح له المشاركة في تلك اللعبة والتحلل من تبعاتها الأخلاقية أمام جمهوره. هي رسالة موجهة في المقام الأول لليمين الأوروبي، لمساندته في الدعاية أن سوريا عادت بلداً طبيعياً أو شبه طبيعي لا فرق، ويمكن حل باقي الإشكالات، وبذلك تنزاح القضية الأساسية وهي إجرام الأسد وشرعية وجوده من الأصل إلى المرتبة الثانية، وهو ما يكفي الأسد في الوقت الراهن.

لقد حقّق الأسد عدداً من أهداف حملته الانتخابية: الكثير من الحديث عن سوريا الآمنة، حتى أنه تجري فيها انتخابات وبمشاركة معارضة الداخل. مشاركة فاعلة لنظام الأسد بالعملية السياسية، وقد أطلق عدداً من المعتقلين، وضمن مشاركة حقيقية للمرأة بترشيحها للانتخابات. هي انتخابات غير نزيهة، لكنها قابلة للتطوير: إنه أكثر من كافٍ لبلد من العالم الثالث، ومازال قادراً على حمايتنا من التطرف الإسلامي. أما التصريحات الإعلامية النارية التي تطلقها الولايات المتحدة والدول الأوروبية فلن تكون أقوى وأشد على الأسد من الخطوط الحمر التي رسموها من قبل!

تلفزيون سوريا

————————–

انتخابات الأسد ولعبة الصورة/ عدنان علي

المتابع لإعلام النظام السوري والإعلام الموالي له خلال فترة الانتخابات، ومن ثم تصريحات مسؤولي النظام، لا بد أن يلحظ تركيز الجميع على فكرة واحدة وهي “الحشود الجماهيرية” التي تهتف للقائد وتطالبه بمواصلة المسيرة. وحتى بشار نفسه، استشهد بتلك الحشود كدليل على شعبيته وحب الناس له، ورغبتهم في أن يكون رئيسا لهم.

والواقع أن لعبة “صناعة الحشود” أو “المسيرات المليونية” تتقنها كل الأنظمة الديكتاتورية، عبر وسائل ليست خافية على أحد بعضها ترغيب وجلها ترهيب، وقد عرفت سوريا مثل هذه الظاهرة عبر العقود الماضية من عهد حافظ الأسد وصولا إلى ابنه الوريث. كما عرفتها مصر والعراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية وغير العربية.

ومن المعلوم أن “حشد الجماهير” إنما يستهدف تقديم انطباع للرأي الجمعي الداخلي، وتصدير صورة للخارج بأن القائد هو موضع حب وتقدير شعبه، وهي لعبة يعلم الجميع أسرارها وفنونها ويدركون أنها كاذبة ومضللة، ولا تعكس حقيقة موقف الجمهور من السلطة السياسية التي تحكمه. بل إن الحاكم وأعوانه يعلمون أيضا حقيقة موقف شعبهم، حيث معظم الناس مجبرون على مداهنة السلطة بفعل الخوف، ومع ذلك فإن الجميع “يتواطؤون” على استمراء الكذبة والتصرف على أنها حقيقة، لأن مجاهرة أي طرف بموقفه الحقيقي ستعني “انهيار اللعبة”، وما قد يستتبع ذلك من مواجهة وصدام.

والواقع أن الماكينة الدعائية لنظام الأسد عجزت خلال الانتخابات الأخيرة حتى عن بلوغ هذه الدرجة من التكاذب، ولم تنجح في تأمين حشود يعتد بها إلا في منطقتين محسوبتين كلتيهما على النظام، أي اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى ساحة الأمويين في دمشق والتي من البديهي أن يتمكن النظام الذي يحكم قبضته الأمنية على العاصمة أن يحشد فيها، اعتمادا على مواليه الذين يستوطنون هناك منذ أمد بعيد، ناهيك عن فئة المنتفعين والموظفين المغلوبين على أمرهم.

أما في المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة النظام مثل حلب وشرق سوريا، فقد أخفق النظام في تأمين حشود كبيرة، وعوّض عن ذلك بالدبكات والرقصات التي تضم عددا محدودا من الناس بينما قاطعت محافظة درعا الواقعة نظريا تحت سيطرة النظام الانتخابات، بل وشهدت مظاهرات حاشدة ضده وضد الانتخابات ومثل ذلك حدث أيضا ولو بدرجة أقل في محافظتي القنيطرة والسويداء المجاورتين.

ومع إخفاق النظام حتى في حشد الحشود الجماهيرية، ولو بطرق الترهيب والترغيب لجأ إلى وسيلتين إضافيتين:

الوسيلة الأولى هي “تكبير الصورة”، وهي نظرية أشار إليها بشار الأسد منذ بداية الانتفاضة الشعبية في سوريا، حين ادعى أن المظاهرات التي كانت تخرج ضد نظامه آنذاك كانت أعداد المشاركين فيها محدودة، لكن يجري التلاعب بالكاميرا، والتركيز على الوسط بينما الأطراف خالية من الناس. وبالفعل هذا ما كان في مسيرات النظام خلال الانتخابات حيث تركز الكاميرا بلقطات بعيدة على وسط الحشد لكن من زوايا مختلفة، وحين تقترب أكثر لا بد أن يلحظ المرء وجود فراغات كبيرة بين الأفراد، يجري تغطيتها برفع الأعلام واللافتات.

وقد حافظت وسائل إعلام النظام وتلك التي تدور في فلكها طيلة فترة التحضير للانتخابات وفي يوم الانتخابات والأيام التالية على شاشة موحدة وثابتة تقريبا، تكرر صور الحشود الجماهرية وصور المضافات التي تحتفي بالانتخابات كرد على منتقدي إجرائها، وعلى “المبايعة” للأسد كرد على المشككين بشرعيته، والاتهامات التي توجه له بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية. حتى المحللين الذين استضافهم ذلك الإعلام لم يكونوا منشغلين بأية تحليلات سياسية ذات معنى، بل فقط بتفسير صورة الحشود وتحميلها المعاني التي يرغبون، بوصفها الدليل القاطع على شعبية النظام ورئيسه.

كما يلاحظ أيضا التركيز على “تنوع الصورة” من ناحية التوزع الجغرافي ليشمل قدر الإمكان كل المناطق التي تحت سيطرة النظام، والتنوع في الفئات التي تعرضها الصورة، حيث التركيز على مناطق المعارضة سابقا، ورجال الدين بهدف إعطاء انطباع أن “الرئيس” هو للجميع وليس لطائفة معينة، ومن هنا حرص الأسد على الإدلاء بصوته في يوم الانتخابات في مدينة دوما بالغوطة الشرقية، تلك المدينة التي ضربتها قواته عام 2013 بالسلاح الكيماوي ومن ثم هجرت معظم سكانها إلى الشمال السوري، وأحلت مكانهم سكانا جددا من الموالين للنظام.

والوسيلة الأخرى التي لجأ إليها النظام في مواجهة التشكيك بشرعية انتخاباته من جانب مجمل المجتمع الدولي، فضلا عن المعارضة السورية، هي التلاعب بالأرقام، والمبالغة المكشوفة في أعداد المشاركين في الانتخابات، والمصوتين لرئيس النظام والذين زاد عددهم ببضعة ملايين عن مجمل الموجودين فعليا في المناطق التي يسيطر عليها النظام، بمن فيهم الأطفال والرضع والبالغ عددهم نحو 9 ملايين شخص.

من الواضح أن نظام بشار الأسد بات يتصرف كمنتصر في الحرب. لكن حتى “المنتصر الذكي” كان سيتصرف بشكل مختلف، كي يساعد نفسه وحليفته روسيا على إعادة تعويم نفسه، مثل إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين والانفتاح على اللاجئين في دول الجوار.. الخ.. بدل ذلك، استخدم النظام الأساليب نفسها التي درج عليها منذ أكثر من نصف قرن وهي الاعتماد على الصورة كتعويض عن الشرعية. صورة “الحشد الجماهيري” في الساحات وصورة الناس التي تهتف وتدبك وتصفق، وصورة التنفيذ الحرفي للدستور والقانون الذي وضعه هو نفسه، وأضاف إلى ذلك وجود مرشحين منافسين.. الخ.  كلها صور معلبة هدفها ترويجي كتعويض عن النقص فيما هو حقيقي ومطالب به من شعبه ومن المجتمع الدولي.

ما يساعد النظام على استمراء هذه اللعبة، إدراكه عدم وجود أي ضغط جدي عليه من الخارج. وطبعا عينه على واشنطن، حيث الرسائل التي تصله أن إدارة بايدن مشغولة فقط بعقد صفقة مع إيران، ولا يعنيها شيء آخر. والصفقة التي يجري الحديث عنها ستكون لصالح النظام طبعا، لأن التوافق بين واشنطن وطهران سيعني بيع سوريا وغير سوريا لإيران، لأن الشيء الوحيد المقدس في المنطقة عند هذه الإدارة، وكل إدارة أميركية، هو إسرائيل وما عدا ذلك قابل للمساومة.

———————–

أسئلة معلقة على حائط الوطن/ بسام يوسف

خرج الفلسطينيون في كل أنحاء فلسطين المحتلة، تضامناً مع إخوتهم سكان حي “الشيخ جراح” الذين تُصادر بيوتهم، ومع “غزة” التي كانت تقصف بوحشية من قبل المحتل الإسرائيلي، ولم يكن للتصنيفات التي يعتمدها الساسة أو الباحثون عن عرب الضفة، أو عرب 48 أو. أو.. أي معنى، كانت الهوية الفلسطينية هي الراية الجامعة التي التف حولها الفلسطينيون.

وأنا أتابع هذه الوقفة الفلسطينية الجامعة، تمنيت للحظة لو أن سوريا كانت محتلة من محتل خارجي وللحظات أعقبت هذه الأمنية، أحسّست بالعار كما لو أنني ضُبطت وأنا أمارس فعلا يقارب الفضيحة، وبعد أن تأكّدت من أن ما أفكر فيه لن يعرفه أحد سواي، أزحت جانباً كتلة الشعارات المقدسة التي لا يجوز أن تمس، والصالحة لكل زمان ومكان والتي لا يأتيها الباطل من أي جهة، وتركت نفسي تمضي في تساؤلاتها.

ما الذي يُمكن أن يفعله الاحتلال، أي احتلال، بسوريا وشعبها أفظع وأشنع مما فعله حافظ الأسد وبعده ابنه بها؟

إذا كان لي أن ألخّص تعريف الاحتلال بعبارة واحدة، فأنا أميل لتعريفه بأنه سلب إرادة شعب ما من قبل جهة خارجية سواء عبر الاحتلال المباشر أو بدونه، مع ما يترتب على هذا السلب من نهب الاقتصاد وطمس الهوية وتدمير الثقافة وتزوير التاريخ وتهجير فئات واسعة من السكان واستبدالهم بغيرهم، أو استملاك بيوتهم وأراضيهم بأساليب غير شرعية.. إلخ.

بدلالة هذا التعريف للاحتلال يُمكن تعريف التحرر أو الاستقلال أو السيادة بأنه امتلاك الشعب لقراره، وقدرته على حماية هذا القرار، وإن لم تكن القدرة على حماية القرار متحققة فإن السعي لامتلاكها هو مهمة هذه الشعوب وحكوماتها وقادتها.

هنا يبرز سؤال آخر، وهو: هل يمكن إذاً قياس التحرر أو الاستقلال أو السيادة على مقياس امتلاك الشعوب لقرارها، وإن كان هذا القياس جائزاً فمن هي الدول غير المحتلة في عالمنا العربي؟

في مشهد آخر له دلالاته البالغة أيضاً والذي عمَّ مناطق سيطرة النظام السوري طوال الشهر المنصرم وأقصد مظاهر سوْق الناس (مرغمين أم غير مرغمين) إلى ساحات الإذلال، والتظاهر بفرح كاذب مبالغ فيه لجموع تعيش أسوأ محنة في العالم، بدا المشهد من ألفه إلى يائه غريباً وعبثياً وفي وجهه الآخر بدا صادماً ويبعث على الحزن والقهر، هذا المشهد قادني إلى السؤال الفجيعة:

    لو كانت سوريا محتلة من جهة خارجية، هل كان السوريون سيقبلون الذهاب إلى هذه المهانة المعلنة التي يرتبها محتلهم؟

بعبارة أخرى، هل كان السوريون سيحتملون كل هذا القهر والعبثية، لو كان من يقوم بها محتل؟

المشهد الأخير الذي توّج المشهد الذي سبقه والذي تجلى بخطاب “النصر” الذي ألقاه بشار الأسد، بعد إعلان نتائج مسرحية الانتخابات كان أشد المشاهد غرابة وابتذالاً وفيه قال بشار الأسد بوضوح وصراحة شديدين:

    “أنا الوطن”.

    أيّها السوريون، لقد انتصرتم، لأنني باقٍ في موقع الرئاسة، انسوا جوعكم ودماركم وخراب وطنكم انسوا قتلاكم ومستقبل أولادكم ولقمة خبزكم المغمسة بالقهر، واحتفلوا فلقد انتصرتم والدليل أنني ألقي الآن خطاب الفائز في انتخابات الرئاسة.

    أيّها السوريون من وقف معي هو الوطني ومن وقف ضدي هو الخائن، ولن يكون له مكان في مملكتي.

    السوري هو من يواليني ويصوت لي ومن يرفضني ليس سوريا حتى وإن حمل جواز سفر سوري.

    أيّها السوريون ابقوا في خدمتي فأنا غاية وجودكم ومعناه.

هل سبق لطاغية في العالم أن فعل بشعب ما فعله بشار الأسد بالسوريين؟

والوجه الآخر للسؤال: هو هل يجرؤ محتل ما على القول لشعب محتل من قبله: أنا وطنكم وأنا معنى وجوهر وجودكم؟

بالعودة إلى سؤال الاحتلال ودلالة خروج الفلسطينيين على كامل مساحة فلسطين لإعلاء هويتهم الفلسطينية، بما فيهم الأجيال التي ولدت وشاخت في ظل الاحتلال، أو ما يعرف بمناطق ال 48، فإنّ الرسالة التي تُعيد تعريف كثير من المصطلحات والمفاهيم حول الهوية والوطن والاحتلال هي: إن خطر الاحتلال على الشعوب قد يكون أقل بكثير من خطر الطغاة على شعوبهم.

ليست دعوة لقبول الاحتلال ولا للهدنة معه، بل هي دعوة للتبصر بمخاطر الطغاة وفداحة ما يترتب على بقائهم في موقع السلطة.

73 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي لم تستطع أن تقسّم الشعب الفلسطيني إلى شعبين، لكن بشار الأسد فعلها، فلم يقسّم السوريين وحسب بل وجعل منهم أعداء وأشعل حرباً بينهم وها هو يمضي إلى ما هو أفظع، عندما يصنفهم إلى خائن ووطني وعندما يجعل من المحتل وطنياً ومن السوري الذي يقف ضده عميلاً وخائناً.

هل يمكن القول: إن انهاء آثار الاحتلال وتعافي الشعب المحتَل، قد يكون أسهل من إنهاء آثار الطغيان؟ وإن الشعوب الخارجة من تحت حكم المحتل هي أكثر قدرة على امتلاك تاريخها وقرارها من الشعوب التي عانت من حكم طغاتها؟

يقودنا هذا إلى سؤال آخر، هل تصبح الوصاية الدولية على سوريا مبرّرة في حال استمرار بشار الأسد في حكم سوريا؟ وأنه من الأفضل للسوريين أن يكونوا تحت وصاية دولية من أن يظلوا تحت حكم بشار الأسد؟

إنها مجرد أسئلة ربما تدور في رأس الآلاف، وبل ملايين من السوريين الباحثين عن الخلاص.

————————

سورية وسلطات الأمر الواقع/ خالد المطلق

الفهرس

أولًا- مقدمة

ثانيًا- مناطق سيطرة النظام

ثالثًا- مناطق سيطرة “الجيش الوطني”

رابعًا- مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”

خامسًا- مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”

سادسًا- الأسباب والحلول

سابعًا- خاتمة

أولًا- مقدمة:     

تعيش سورية أسوأ حالاتها منذ عصور، إذ يعيش شعبها في كل المناطق بلا استثناء بمستوى غير مسبوق من انعدام الأمن، بمختلف مسمياته وأصنافه، وفي مقدمته الأمن الغذائي والأمن الاقتصادي الذي وصل إلى حافة الانهيار، فضلًا عن الأمن الفكري الذي يعانيه الشعب السوري، ويتعرض من خلاله للترهيب لمنع أي تحرك قد يساعد في تغيير الواقع المرير، ولتحقيق أكبر عملية تزوير في التاريخ، من حيث طمس الحقائق والقفز من فوقها لفرض أمر واقع قديم جديد بالقوة على الشعب السوري، في محاولة لإعادة إنتاج نظام الأسد الفاقد للشرعية الشعبية والأخلاقية، ضاربين عرض الحائط بكل هذه الجرائم التي ارتكبها هذا النظام العصابة بحق الشعب السوري، النظام الذي لم يترك نوعًا من أنواع الجرائم إلا ارتكبها بحق السوريين، من قتل واعتقال وتهجير وتنكيل وقصف بكل أنواع الأسلحة، وعلى رأسها سلاح الطيران والسلاح الكيمياوي الذي تم استخدامه عشرات المرات على الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، بالإضافة إلى انتهاك أعراض السوريين في الشوارع والساحات والسجون، وبنظرة سريعة على واقع الحال في كل المناطق السورية، يتبين للمتابع أن ثمة لغزًا يثير شغف كثير من السوريين وغيرهم لمعرفة سببه، ويتمثل في تشابه واقع حال الشعب السوري، في مناطق سيطرة الأسد وعصاباته مع باقي المناطق الخارجة عن سيطرته التي يسيطر عليها الأكراد الانفصاليون، والأخرى التي يسيطر عليها “الجيش الوطني”، والمناطق التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، ولعل المفارقة العجيبة أن من يحكم هذه المناطق هم نفسهم من ثار على الأسد وعصاباته، ومن المفترض أن لا يقوم هؤلاء بالممارسات التي يقوم بها من ثاروا عليه، ومن المفترض أنهم أبناء الثورة السورية وأبناء هذا الشعب الذي بات يرزح تحت حكم هؤلاء الذين قلّدوا الأسد في ممارساته الإجرامية، فقتلوا واعتقلوا ونكّلوا بأحرار الثورة، ونهبوا قوت حاضنة الثورة ومصادر رزقهم، بل كانوا الذراع الطولى في يد الأسد وأسياده وحلفائه في تهجير قسم كبير من السوريين من مدنهم ومناطقهم وقراهم ومنازلهم، وللإجابة على هذا التساؤل المشروع وحلّ هذا اللغز، لا بدّ من دراسة الظروف الموضوعية التي تحيط في كل منطقة من هذه المناطق، في ظل وجود شرعيات مطعون في شرعيتها، ومن ثم يمكن أن نحدد السبب الحقيقي وراء تردي أوضاع الشعب السوري في جميع تلك المناطق، وسأعمل على طرح حلول لهذه المعضلة التي يواجهها الشعب السوري على مختلف مشاربه.

ثانيًا- مناطق سيطرة الأسد:

منذ انطلاق الثورة السورية، كان جُلّ اهتمام الأسد ومؤسسات الدولة الرسمية، وبخاصة العسكرية والأمنية، هو مواجهة المنتفضين من الشعب السوري بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، وكان الهاجس الأكبر لهذه المؤسسات حماية العاصمة ومراكز المدن في باقي المحافظات ومؤسسات الدولة فيها، وهذا احتاج إلى جهد كبير وإمكانات لوجستية ضخمة، كي تساعد هذه القوات في استمرارية تنفيذ مهماتها، ومن هنا، لم يكترث الأسد لحاضنته الشعبية ومن هم في مناطق سيطرته، فعمّ الفساد وازداد الفقر وكثرت الجرائم وانعدم الأمن والأمان وقلّت المواد التموينية وشحّت مياه الشرب وبدأ انقطاع الكهرباء فترات طويلة، وفُقدت كثير من الخدمات التي تُشعر المواطن بالأمان، وكان هذا كله نتيجة إصابات معظم المؤسسات الخدمية بالشلل الجزئي، وتحولت هذه المناطق إلى كانتونات معزولة، وزاد من هذا الوضع المزري تسلّط أجهزة الأمن وعناصر الجيش داخل المدن وحولها على المواطنين، بذريعة حفظ الأمن، فازدادت الجرائم الجنائية التي كان يرتكب معظمها هؤلاء العناصر، وانتشرت السرقات، وأخذ هؤلاء في ابتزاز السكان المحليين في دخولهم وخروجهم من تلك المناطق أو فرض “أتاوات” على أصحاب منازل الأحياء التي تقع تحت سيطرتهم، بذريعة حفظ أمن هؤلاء المساكين ومنع جهات أخرى من الاعتداء عليهم، وكان هذا كله نتيجة استخدام القيادة اللامركزية في قيادة عناصر الجيش والأمن، وأصبح قائد الحاجز في أحد الأحياء هو الحاكم بأمر الأسد دون حسيب أو رقيب، يسرق ويقتل ويعذب ويغتصب ويعتقل أي مواطن، بسبب أو بدون سبب؛ فتحولت هذه المناطق إلى سجون كبيرة مباح فيها كلّ شيء للجلادين، وتطورت الأمور بُعيد دخول الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الطائفية للمدن، وتحولت معاناة أبناء هذه المناطق إلى معاناة مضاعفة قاهرة، خاصة أنها تمس المعتقدات الدينية لسكان تلك المناطق، فبدأت تلك الميليشيات في ممارسة طقوسها الدينية في الشوارع والأسواق وحول الحُسينيات التي انتشرت بشكل كبير دون رقيب أو حسيب، بتواطؤ واضح وضوء أخضر من الأسد وأجهزته الأمنية، ضاربة عرض الحائط بالمعتقدات الدينية والانتماءات الطائفية والعرقية والاثنية لسكان تلك المناطق، وازداد الأمر سوءًا بُعيد تطبيق قرارات الأمم المتحدة، ومنها قانون قيصر الذي فرض حصارًا اقتصاديًا على النظام السوري، فازدادت معاناة المواطنين أضعافًا مضاعفة، وظهرت أزمات المواد الغذائية الأساسية، كالخبز والطحين والمحروقات والسكر والأرز وغيرها من المواد الضرورية واللازمة لاستمرار حياة المواطن السوري، وبهذه المعاناة وبتخطيط محكم من المحتلّ الإيراني، انتشرت المخدرات، وبدأنا نشاهد مراكز لترويج هذه الآفة الفتاكة في أحياء دمشق وأزقتها في ظاهرة غير مسبوقة، فضلًا عن انتشار الانحلال الأخلاقي بكل أشكاله، بذريعة تأمين الحد الأدنى من القوت اليومي للمواطن، هذا كلّه أدى إلى الفوضى العارمة المدروسة في تلك المناطق، وفقد المواطن السوري في تلك المناطق الشعور بالأمان، وأصبح يكافح من أجل البقاء حيًا، وبدأ يلهث وراء تأمين متطلبات أسرته بشكل يومي متجاهلًا مستقبله ومستقبل أطفاله المجهول. ونستطيع أن نقول بأن من أتحدث عنهم يشكلون أكثر من تسعين في المئة من السوريين الرازحين تحت حكم الأسد والميليشيات الإيرانية، أما القلة القليلة الباقية من هؤلاء، فمعظمهم من الأسرة الحاكمة وما حولها من تجّار ورجال دين ومسؤولين في الدولة وضباط أمن وجيش وعائلاتهم، ويومًا بعد يوم، تزداد معاناة هؤلاء المساكين الذين قبلوا أن يبقوا تحت سلطةٍ اعتقدوا أنها ستحقق لهم الأمن والأمان، لكنّ رهانهم كان خاسرًا في الوقت الذي لم يعد بإمكانهم التحرك أو القيام بوجه هذه العصابة المجرمة، نتيجة القبضة الأمنية الفولاذية، فقبلوا مرغمين بالأمر الواقع بانتظار أن يحدث ما يغير الحال ويقلب الطاولة على من أوصلهم إلى هذه الحالة المزرية. 

ثالثًا- مناطق سيطرة الجيش الوطني:

بُعيدَ استقرار الخارطة الجغرافية للمناطق المحررة في منطقتين: الأولى تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، وتشمل مدينة إدلب وما حولها؛ والمنطقة الثانية يسيطر عليها “الجيش الوطني” وتضم مناطق شرق الفرات، وبعد توقف الأعمال القتالية على جبهات جيش الأسد؛ حاول المسؤولون عن هذا الجيش ترتيب صفوفه وتنظيمه، إلا أنهم فشلوا في ذلك، على الأقلّ أمنيًا، بسبب الاختراقات التي حدثت من خلالها عدد من العمليات الإرهابية، كالمفخخات والاغتيالات والاقتتال البيني بين الفصائل المنتمية إلى هذا الجيش، ومع ذلك تبقى تلك المناطق أفضل بكثير من مناطق سيطرة الأسد والميليشيات التابعة له.

وعلى الرغم من وجود كثير من المؤسسات الخيرية وتوفر المواد التموينية الأساسية، فإن الأمن الغذائي لتلك المناطق ما زال في حده الأدنى، في ظلّ الفساد المستشري في مؤسسات المعارضة الرسمية والذي أدى إلى مساهمة التجار في زيادة معاناة السوريين القابعين في تلك المناطق تحت حكم المعارضة، التي لم تستطع أن تقدّم نموذجًا مطورًا يمكن أن يُطمئن حاضنة الثورة، نموذج يمكن من خلاله طرح حلول سريعة وخطط استراتيجية ترفع المستوى المعيشة للمواطن في تلك المناطق، والتغلب على حالة الفقر والعوز الذي يمكن أن يكون له آثار أمنية واجتماعية خطيرة على حاضنة الثورة واستقرار تلك المناطق، وقد خلق ذلك تذمرًا كبيرًا في صفوف الشعب الثائر النازح إلى تلك المناطق، وأعتقد أن هذا هو الهدف المنشود الذي سعى له من سمح لمن المفترض أن يكونوا سندًا لأهلهم وحاضنتهم الثورية بالقيام بتلك الممارسات، ويبدو أن الهدف من ذلك كلّه دفع أبناء الشعب السوري الثائر إلى الترحم على سنين ما قبل الثورة، من حيث يدري أو لا يدري، وأعتقد أن هذه الممارسات لم تأتِ من فراغ؛ فتوقّف جبهات القتال مع ميليشيات الأسد، وإفقار عناصر الجيش الوطني وعائلاتهم، يؤكد إصرار المعارضة السورية بمؤسساتها الرسمية على تفريغ الثورة من شبابها ومقاتليها، ومن ثمّ تفكيك قوتها الحقيقية تمهيدًا لفرض حلول سياسية تخدم مصالحهم الخاصة ومصالح مشغليهم.

رابعًا- مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام:

منذ بداية الثورة وبناءً على خطّة محكمة، هندسها قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، حرص الأسد على منع وصول المتظاهرين السلميين إلى مراكز المدن، خاصة العاصمة دمشق، ونجح في ذلك إلا أن محافظتي الرقة وإدلب كانتا استثناءً لتلك الاستراتيجية، والسبب -كما اتضح لاحقًا من خلال الأحداث- هو تمكين “داعش” من السيطرة على مدينة الرقة وما حولها، وتمكين جبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” من السيطرة على إدلب وما حولها، وإقامة التنظيمين إماراتهم الإسلامية في مراكز تلك المدن، وهذا حقق للأسد خدمة جليلة، وأكد ما ذهب إليه الأسد وحلفائه في نظرية محاربة الإرهاب، وبعد طرد “داعش” من الرقة ومعظم المناطق التي سيطرت عليها، بقيت هيئة تحرير الشام تسيطر على مدينة إدلب وما حولها بقوة السلاح، واضعة أبناء تلك المنطقة والمهجرين إليها من باقي المناطق السورية بالقوة والحديد والنار تحت سيطرتها، وتمارس عليهم أبشع أنواع الاستبداد تحت غطاء الدين والشريعة الإسلامية، ولا شك أن الإسلام براء من هؤلاء ومشغليهم كبراءة الذئب من دم يوسف، فسجونهم مليئة بالأحرار وبكل من يتفّوه ولو بكلمة تتناول ممارسات التنظيم، فضلًا عن الفساد الإداري والاقتصادي وممارسات مقصودة لبقاء الأمن الغذائي في أدنى درجاته، لكن الحق يقال إن التنظيم فرض سيطرته الأمنية بشكل عام على مناطق نفوذه التي لم تشهد نسبيًا حوادث أمنية، كالتي حدثت في باقي المناطق السورية، إلا أن عملية تكميم الأفواه والترهيب الممنهج والتعاون الاقتصادي الصريح والواضح مع ميليشيات الأسد يؤكد المهمة الموكلة لهذا التنظيم من مصنعيه ومشغليه، وتتركز حول محاربة فصائل الجيش الحر والقضاء عليها، وحصر الشعب الثائر في منطقة إدلب وممارسة الاضطهاد عليه لإركاعه وزرع اليأس في نفوس أبنائه، تمهيدًا لإعادته إلى حظيرة الأسد، ويمكن أن نقول بأن السوريين الذين هم في مناطق سيطرة تنظيم هيئة تحرير الشام كانوا يوجدون مبررًا للممارسات القمعية للهيئة عليهم، أثناء قتال الأخيرة على الجبهات، إلا أن تراجع الهيئة وتسليمها كثيرًا من المناطق للنظام جعل هذه الحجة في مهب الريح، وساعد كثيرًا في ظهور احتجاجات، وتجلى ذلك في التظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت ضد فتح المعابر بين المناطق المحررة ومناطق ميليشيات الأسد، وعلى الرغم من المحاولات الإعلامية الحثيثة لإظهار التنظيم بمظهر الحرص على المصالح، كظهور الجولاني في بعض المناطق وتحدثه للناس هناك، فإن هذه الحيلة سرعان ما تكشفها اتصالات التنظيم العلنية مع الأمريكان وغيرهم، في الوقت الذي يقام الحد على كل من يتهم باتصاله مع أي جهة غربية كافرة، بحسب مصطلحات أمراء التنظيم وشرعييهم.

خامسًا- مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية:

لا تختلف مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” كثيرًا عن مثيلاتها من المناطق المحكومة بقوة السلاح؛ فواقع الحال في تلك المناطق يمتاز بالكثير من السلبيات  سواء كانت هذه السلبيات خدمة لمصلحة قوة الأمر الواقع أو نتيجة الممارسات العنصرية لهذه القوة، على سكان تلك المناطق الذين ينتمون إلى المكون العربي، أو نتيجة توغل “داعش” في هذه المناطق وقيامها بعمليات انتقامية من تلك السلطات، وما يميز تلك المناطق توفر المواد الغذائية الأساسية لأغلب سكانها، لكن أغلب السكان المحليين لا يستطيعون شراء تلك المواد بسبب انعدام الموارد المادية وانتشار البطالة بنسب عالية، وعلى الرغم من ذلك نجد أن الأمن الغذائي ليس بالمستوى المطلوب، بالإضافة إلى عدم استقرار الأمن الاقتصادي، على الرغم من توفر الموارد الطبيعية بكثرة كالبترول والقمح، حيث إن عائدات هذه الموارد يسيطر عليها قادة “قوات سوريا الديمقراطية” ومشغلوهم، هذا كلّه أدى إلى تذمر أبناء تلك المناطق ورفع صوتهم بوجه سلطات الأمر الواقع والتي قوبلت بالاعتقالات التعسفية والتغييب القسري للناشطين، ولكلّ من يخالف سياسية سلطة الأمر الواقع هناك، وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة لسلطات “قوات سوريا الديمقراطية” لاستقطاب العشائر العربية المكون الرئيس لشعب تلك المناطق، فإنهم فشلوا في ذلك، نتيجة وجود عدد كبير من زعماء العشائر الذين انحازوا إلى الثورة والذين يعتبروا بيضة القبان في تلك المنطقة، والقليل من العشائر التي ما زالت تؤيد الأسد وقوات (قسد)، وبهذا تكون تلك المناطق تعيش في ظل حلول مؤقتة لا استقرار فيها، ويبدو أن هذا أيضًا متفق عليه، بين الأطراف الموجودة في تلك المنطقة ونظام الأسد وحلفائه، بانتظار حلول معلبة تضمن مصالح سلطات الأمر الواقع في تلك المناطق قد يكون أحدها عودة تلك المناطق إلى حضن الأسد.

سادسًا- الأسباب والحلول:

1. الأسباب:

من المعروف أن الدولة الفاشلة أو التي في طريقها للفشل دائمًا تستدعي الأجنبي لإعادة الشرعية لتلك الدولة والاعتراف بها دوليًا، من خلال إظهار السيطرة على نصف أراضي الدولة، وكسب تأييد نصف سكان تلك الدولة، وهذا ما فعله الأسد منذ بداية ثورة الشعب السوري عليه وعلى نظامه، فاستدعى الإيراني وحزب الله اللبناني على عجل، وعندما فشل في إعادة السيطرة على المناطق التي فقدها، استدعى القوات الروسية واستطاع إعادة السيطرة على كثير من المناطق المحررة، وبقيت منطقتان خارج إطار سيطرته، تكفلت قوات التحالف وعلى رأسهم القوات الأميركية، بواحدة منها، بحجة مكافحة إرهاب تنظيم “داعش”، وتكفلت تركيا في الأخرى لحماية حدودها من خطر التنظيمات الراديكالية وقوات سورية الديمقراطية، وبهذا تكون تلك الدول قد ساهمت من بشكل غير مباشر في إعطاء الصبغة الشرعية لنظام الأسد، وفي الوقت نفسه، هُيّئت الظروف المناسبة لسلطات الأمر الواقع ممن يشغلونهم من السوريين، لتنفيذ مخطط الضغط على الشعب الموجود في تلك المناطق، من خلال إفقاره وربطه بالسلة الغذائية، وصولًا إلى افتقاده للأمن بمختلف مسمياته، بالتوازي مع تفكيك الفصائل التي كانت تحارب الأسد طوال ثماني سنوات، وأعتقد أن هذا هو السبب الحقيقي للممارسات التي يقوم بها الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية، كسلطات غير شرعية في مناطق سيطرتها، بهدف إيصال الشعب السوري إلى مرحلة اليأس والقبول بأي حلّ يُفرض عليه، حتى لو لم يتحقق جزء كبير من الأهداف التي خرج من أجلها مكرهًا ومتغافلًا عن التضحيات الجسام التي قدّمها في سبيل تحقيق هذه الأهداف.

2. الحلول:

عند كتابة الدستور لأي دولة من دول العالم، يُعتمد بشكلٍ واضحٍ وصريح على مبدأ رئيسي يقول: “شرعية الدستور والحاكم يجب أن تُستمدّ من الشعب”، وبما أن الأسد فقدَ شرعيته في الحكم، على الرغم من استخدامه مختلف الوسائل المشروعة وغير مشروعة للبقاء في السلطة، ومنها الاستعانة بالأجنبي، لفرض سلطة أمر واقع في المناطق الخارجة عن سيطرته، ونجح في ذلك إلى حد كبير، وإذا أردنا أن نُفقد الأسد هذه الخاصية فلا بدّ من العمل أولًا على الوقوف في وجه سلطات الأمر الواقع التي فرضتها الدول الأجنبية بقوة السلاح، وذلك بتنظيم الحراك السلمي من تظاهرات ونشاطات تعكس الواقع الحقيقي للشعب السوري الثائر، وإيصال هذا الواقع إلى أصحاب القرار في العالم ومواطنيهم بكل السبل، والضغط على هذه القيادات بكل الطرق للتنحي وتسليم السلطة في تلك المناطق للوطنيين من أبناء الشعب السوري الثائر، وبالتالي سحب تمثيل سلطات الأمر الواقع للشعب الثائر، وبهذا نكون قد أفقدنا الأسدَ وحلفاءه ورقة غاية في الأهمية، وهي ورقة ننزع من خلالها شرعية التفاوض مع ممثلي الثورة، كما ينبغي العمل بكل الوسائل لوقف التفاوض والمشاركة في المؤتمرات والنشاطات التي فيها ممثلون للأسد، وبهذا نُفقد الأسد شرعيته التي استمدها من الشخصيات والأحزاب التي تسلّقت على الثورة السورية، وقامت بتحقيق مصالحها الخاصة والحزبية ومصالح مشغليها على حساب دماء الشعب السوري ومعاناته والتي تصبّ في بقاء الأسد ونظامه، أما الخطوة الثانية، وهي الأهم، فتستدعي منا -كسوريين بمختلف توجهاتنا وانتماءاتنا أينما كنّا، في الداخل بمناطق سيطرة الأسد أو خارجها وأيضًا خارج سورية- التواصل فيما بيننا، وتغليب المصلحة الوطنية على كل المصالح الحزبية والمناطقية والطائفية، ورفع شعار “الوطن فوق الجميع”، بُعيد ذلك؛ يمكن إعلان العصيان المدني في المناطق السورية كافة حتى تحقيق مطالب الشعب وتنحي بشار الأسد وزمرته الحاكمة، واتخاذ الإجراءات الدستورية لانتقال السلطة للنخب الوطنية من مختلف مشارب الشعب السوري لقيادة البلاد وإعادتها إلى الحياة الطبيعية، ولتتحقق بعد ذلك حرية التعبير والديمقراطية وبناء نظام سياسي يلبّي رغبات الشعب السوري ليقوده إلى الازدهار واللحاق بالحضارة في أسرع وقت ممكن.

سابعًا- خاتمة:

خلاصة القول إن محاولات السلطة مهما كانت قوية، ومهما كانت القوى المعارضة لهذه السلطة ضعيفة فلن تستطيع فرض نفسها كقوة أمر واقع من دون شرعية يمنحها الشعب لها، ولو اضطر الشعب إلى أن يقبل بهذه السلطة تحت ضغط التهديد والقمع، فإنّ هذا لن يستمر طويلًا، وإذا ما تحقق الاستقرار مؤقتًا، فلن يعطي شرعية لتلك السلطة، وبما أن الحرية والكرامة والعدل والديمقراطية لا يمكن أن تُنتزع من أي نظام دكتاتوري في العالم، فلا بدّ من العمل والتضحية وإيجاد السبل الكفيلة لتحقيق تطلعات الشعوب، وعلى رأسها الشعب السوري العظيم، وإزاحة سلطات الأمر الواقع التي تمارس الإرهاب المنظّم ضد مواطنيها في كلّ المناطق، ضاربة بعرض الحائط كلّ القوانين والأعراف الدولية، وأعتقد جازمًا أن الشعب السوري إن استطاع الانتصار على أعدائه ومشغليهم، وتحقيق الأهداف التي خرج منها أو جزء منها، فسيكون نموذجًا فريدًا من نوعه ومثالًا يحتذى به للشعوب المقهورة، لرفض سلطات الأمر الواقع التي تحكمه والتي على الأغلب كانت وستبقى مصدرًا رئيسيًا لإفقاره، كما هي سلطات الأمر الواقع في باقي البلدان المتخلفة التي تتسلط على شعوبها وتنهب ثروات البلاد، والأهم من ذلك تمنع تلك الشعوب من مواكبة التطور ومواكبة التقدم بمختلف المجالات ومن اللحاق بركب الحضارة والعيش بسلام.

مركز حرمون

——————————

اكتمال مهزلة انتخابات الأسد/ عمر كوش

استكمل نظام الأسد فصول مهزلة انتخاباته الرئاسية بإعلان رئيس مجلس المصفقين للنظام، المسمى زوراً مجلس الشعب، حمودة الصباغ، عن فوز بشار الأسد بنسبة 95.1% من الأصوات، بالرغم مما أثارته من رفض واستنكار غالبية السوريين واستهجان المهتمين بالشأن السوري، إلى جانب الرفض الدولي الواسع بالنظر إلى عدم نزاهتها وشرعيتها، وعن كونها جرت في ظل الأوضاع الكارثية التي ألمّت بسوريا نتيجة ممارسات ونهج النظام واستمرار معاناة السوريون، سواء في الداخل المقسم أم في بلاد اللجوء والشتات، مما ارتكبه النظام من مجازر وجرائم بحقهم، وتشريد أكثر من نصف سكان سوريا من أماكن سكنهم، ما بين نازح ولاجئ، وقتل مئات الآلاف منهم إلى جانب مئات آلاف المعوقين والمشوهين والمعتقلين، والدمار والخراب الهائل الذي لحق بمعظم المدن والبلدات والقرى السورية.

ولم تختلف المهزلة الانتخابية هذه المرة عن سابقاتها التي اعتاد إجراءَها نظامُ الأسد بنسختيه، الأب والابن، حيث أعدّتها وأخرجتها أجهزة النظام الأمنية والتشبيحية، وبرعاية وإسناد كاملَين من طرف حلفاء النظام في النظامَين الروسي والإيراني، وبالتالي ليس جديداً القول إنها كانت مفبركة ومقصودة، وإنها شكلت مهزلة بجميع فصولها، كونها لا تفترق عن سائر المهازل الانتخابية لهذا النظام، ليس فقط من حيث أنها كانت معروفة النتيجة قبل أن تجرى، ومحسومة سلفاً لصالح رأس النظام، بل لأن نظرة بسيطة على الأرقام والنسب المعلنة تبيّن مدى التزوير والفبركة التي طالتها بشكل فاضح، فقد أعلن رئيس برلمان النظام، أن الأسد حصل على 13 مليوناً و540 ألفاً و860 صوتاً، أي ما نسبته 95.1 % من عدد الأصوات الصحيحة، في حين أن المرشح محمود مرعي حصل على 470 ألفاً و276 صوتاً، بنسبة 3.3 % من الأصوات، والمرشح عبد الله عبد الله حصل على 213 ألفاً و968 صوتاً بنسبة 1.5 %، أي أن إجمالي عدد المصوتين في داخل سوريا وخارجها، وصل إلى أكثر من 14 مليوناً و239 ألف ناخب من أصل 18.1 مليون شخص يحق لهم الانتخاب، بنسبة مشاركة وصلت إلى 78.64 %.

ولا يعقل أن يصوت أكثر من 14 مليون سوري في هذه المهزلة الانتخابية، لأن تقديرات عديدة تشير إلى أن الإجمالي المفترض لتعداد السكان السوريين في عام 2021، لا يتجاوز 26 مليوناً، بقي منهم في سوريا نحو 16.5 مليون سوري، يتوزعون ما بين مناطق سيطرة النظام والمناطق الخارجة عن سيطرته، بحيث لا يتجاوز عدد السوريين في مناطق سيطرة النظام 9.4 ملايين، في حين أن عددهم في مناطق سيطرة فصائل المعارضة في مناطق شمال غربي سوريا يصل إلى أكثر من 4 ملايين سوري، أما في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سوريا فيبلغ عددهم نحو 3 ملايين سوري. كما أن هنالك أكثر من 3.5 ملايين سوري في تركيا ولم يشاركوا في المهزلة الانتخابية، فضلاً عن ملايين آخرين في بلدان اللجوء والشتات لم يشاركوا كذلك. يضاف إلى ذلك المقاطعة الواسعة لأهالي المنطقة الجنوبية في سوريا ورفضهم المشاركة في المهزلة الانتخابية الأسدية، وخاصة في محافظة درعا، حيث خرجت مظاهرات رافضة لها في مختلف أنحائها، وانتشرت دعوات لمقاطعتها في معظم مدنها وبلداتها، ووصل الأمر إلى شن هجمات على بعض المراكز الانتخابية قبل انطلاق عمليات التصويت، الأمر الذي أجبر النظام على إغلاق بعضها.

وإذا ألقينا نظرة على النسبة المئوية التي زوّرتها وفبركتها أجهزة النظام لإعلان فوز الأسد، وبلغت 95.1%، نجد أنها تفوق النسبة التي قيل إنها بلغت 88.7% في عام 2014، والتي كانت لافتة في انخفاضها مقارنة بالنسب التي اعتاد النظام الأسدي فبركتها، حيث كانت قرابة 97 % في عام 2007، ونحو 99.7 في استفتاء عام 2000 بعد توريثه الحكم إثر والده، الذي منحته فبركات نظامه نسبة 100% في عام 1985، والنسبة ذاتها في عام 1999، و99.9% في عام 1991، وكذلك في عام 1978.

وكان الإكراه سيداً في الحثّ والدفع باتجاه استكمال مهزلة الانتخابات الأسدية، حيث أبلغت سلطات النظام وأجهزته الأمنية جميع الموظفين والعاملين في دوائر الدولة وقطاعاتها بضرورة مشاركتهم، فضلاً عن عمليات التزوير الواسعة التي أظهرتها فيديوهات مسرّبة من أماكن عدة في الداخل السوري، لكن ليس ذلك فقط ما ميزها، بل الصفاقة المنقطعة النظير التي وسمت كل فصولها، إلى جانب الإذلال الذي طال المؤيدين كي يظهروا مزيدا من الولاء والانصياع لإرادة النظام الأسدي الديكتاتوري، وتجديد تأكيدهم أو تمثيلهم للولاء المطلق له. ووصلت الصفاقة إلى حدّ قيام رأس النظام الديكتاتوري بتمثيل مشهد الإدلاء بصوته في مدينة دوما، بوصفها كانت أحد أهم معاقل الثورة، وإحدى البلدات التي ارتكب فيها واحدة من مجازر الكيماوي، والأنكى من ذلك ما تشدق به في خطابه الفاشي بعد اكتمال مهزلته الانتخابية.

ولا تنحصر أهداف النظام من مهزلته الانتخابية الرئاسية في محاولة استرجاع شرعيته المفقودة في الداخل والخارج، فهو يدرك تماماً أنه يفتقدها، وهو بالأصل لم يكن يمتلكها منذ قيام الأسد الأب بانقلابه العسكري عام 1970، لذلك تتجاوز أهدافه مسألة الشرعية إلى ضرب أي ممكنات لحل سياسي، والأهم هو سعيه إلى تجديد وتوسيع قاعدة الموالين له، وإخضاع كل من يسكن في مناطق سيطرته لسطوته، عبر إظهارهم مختلف أشكال وطقوس الطاعة له، بوصفها نظاماً ديكتاتورياً قائماً على أنتاج ما سمّته، ليزا وادين، المطاوعة، (أي فرض الطاعة) من خلال المشاركة الإجبارية في أشكال الامتثال الزائفة الجليّة، سواء لأولئك الذين يخترعون المظاهر أم لأولئك الذين يستهلكونها.

وتمتد أهداف النظام من مهزلته الانتخابية لتطاول مسألة توفير ذريعة للنظام الروسي، الذي لا يفترق عن نظام الأسد في عدائه للديمقراطية، كي يتشدق ساسته بديمقراطية نظام الأسد، ويحاولون الذودَ عنها أمام ساسة الغرب الذين اعترضوا على مهزلته، ولن يجد الساسة الروس حرجاً في تكرار أكاذيبهم ومقولاتهم عن ديموقراطية وتنافسية انتخابات الأسد، بل سيدعون الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية كي تتعلم من نظام الأسد كيفية إجراء انتخابات ديمقراطية لديها.

تلفزيون سوريا

———————

الانتخابات.. واللاهوت السلطاني/ محمد حبش

انقضى (العرس) الانتخابي، بكلّ دبكاته ورقصاته وفجوره وآثامه، والتعبير بالعرس الديمقراطي تعبير وطني بعثي أصيل، وعلى الرغم من معناه المُهين الذي يختصر مطالب الوطن ومآسيه بدبكة، فإن القوم يفضلونه على كلّ الألقاب؛ فالوطن مجرد زواج متعة يقيمه الغالب على المغلوبين، ولا شيء آخر، أما المليون قتيل وجريح ومفقود، والعشرة ملايين مشرد، والأحد عشر ألف جثة من المعذبين المصوّرة في فروع المخابرات، فهي مجرد تفاصيل هامشية في هذا العرس الوطني، وهم مجرد أدوات خطابية تتقدم بها منظمات حقوق الإنسان الإمبريالية والصهيونية. أما الشعب فهو متحد تمامًا، وليس له إلا مطلب واحد وهو كرسي القائد!!

وبدلًا من رسائل التوحّد والمصالحة التي يوجهها الرؤساء عادة بعد انتهاء المنافسات الانتخابية؛ فقد كُتب خطاب “النصر” بلغة شتائمية سوقية شوارعية، حيث إن الأسد يصنّف شعبَه إلى “ثيران وثوّار”، فمن أيّده فهو “ثائر”، ومن عارضه فهو “ثور”، وهذا هو شكل سوريا الجديدة!!

ولكن الجانب الأكثر سقوطًا في هذه المعركة اللئيمة هو العِمامة التي كوّرها السلطان، وكانت أبرز الحاضرين في المهرجان الأسود، وظهر تنافس غير مسبوق لتقديم أشكال من الطاعة والولاء، لم يطلبها المستبد نفسه، ولم ترد في معقول ولا منقول، وظهرت فنون من الدبكة والهتاف، صُممت لتتساوق مع الجبّة والعِمامة، والمفاجأة في هذا المهرجان الجديد أن يعتلي منبر الأموي مَن يصرّح مباشرة بدعوة العمائم لفعل كل شيء في خدمة السلطان ذي الأخلاق الإلهية!!

العمامة شعار يرتديه رجل الدين للتعبير عن مجموعة القيم البيضاء التي ينادي بها الإسلام، وعلى رأسها الصدق والثبات على الحق والخوف من الله، والمعنى الأكثر دهشًا في العمامة أنها كانت تمثّل الكفن الحاضر للفقيه، حين يدعى إلى الباطل فيأباه ويقول بشجاعة: كفَني معي، وماذا يصنع أعدائي بي: سجني خلوة، ونفيي سياحة، وموتي شهادة!!

إنه لمشهدٌ مأساوي أن تتأمل في الفقيه السلطاني ونهاياته المأساوية، ولا أريد أن أتحوّل إلى رداح يكرر الغضب الفيسبوكي والتويتري، ولكنني أسأل أصحاب هذه العمائم المشاركة في الدبكة: هل شعروا بمليون سوري بين جريح وقتيل ومفقود؟! وبعشرة ملايين سوري أُخرجوا من ديارهم، خسروا بيوتهم وأموالهم وأهاليهم بسبب وجود هذا الشخص في الحكم؟

هل شعروا بأنهم يكرسون بشكل عملي استمرار هذا الواقع الأسود الذي تعيشه سورية، منذ اندلعت الحرب قبل عشرة سنين وأوصلتنا إلى هذا القاع الذي صارت فيه سورية معزولة عن كل دول العالم، وصار شعبُها الأفقر بين كل دول العالم بلا منازع، وفق كل المؤشرات الدولية، حيث لا يزيد راتب الأستاذ الجامعي عن ثلاثين دولارًا شهريًا، بينما هو أجر الساعة الدرسية الواحدة في أفقر بلد في العالم!

هل يعلم هؤلاء أنهم يبيعون مبادئهم وقيمهم، وأن الأجيال القادمة ستلعن هذه الثقافات التي قدّمت الإسلام نفسه صورة استخذاء وعجز وبلاهة، يعجز عن خطاب الحرية والكرامة والعدالة، ويقوم دون حياء بالتبرير لمن سلبه حريته وكرامته، تحت عنوان طاعة وليّ الأمر والصلاة وراء كل بر وفاجر!

ولكن هل هذا الاستخذاء المهين قدرٌ كُتب على أهل العمائم، وباتوا في موقع “إلا مَن أُكره وقلبُه مطمئن بالإيمان”؟! وهل هناك نموذج آخر لعمامة الكرامة المتسامية على المصالح والهوى؟

رحل خلال بداية الثورة الإمامان الجليلان إبراهيم سلقيني ووهبة الزحيلي، وهما أكبر فقيهين سوريين في القرن الحالي من دون منازع، ولا يمكن لأيّ فقيه أن يجاريهما علمًا ولا فقهًا ولا استقامة، وقد شهد كل منهما الأيام المريرة القاسية، وكانت السلطة تدفع إليهما بأشكال وألوان للانخراط في المعركة الإعلامية، وفق الشروط التي يريدون، ولكنهما حفظا كرامة العمامة، ونجحا في أن يضيفا إلى سجل العمامة في تاريخ المقاومة والحرية والكرامة رصيدًا جديدًا.

لقد حظي هذا الموقف باحترام الأحرار والشرفاء في العالم، ولكنه كان باستمرار محلّ نقد عمائم السلطان، الذين يتبادلون كلمات الحكمة والمداراة والمداهنة: “رحمهما الله! ما فائدة العناد والتعالي؟ لقد تم حرمانهما من المنبر والمحراب والإعلام، ولو أطلّوا على الإعلام وتحدثوا في الصلاة والصيام، لانتفع بهم الناس، بدل أن ينعزلوا عن الحياة ويعيشوا في الظل ويموتوا غمًا”!!

ولكن السؤال الحريّ بالجواب: ما فائدة تعليم الفقه والتلاوة، إذا كانت قيم الإسلام العليا في الحرية والكرامة ممنوعة؟! وما فائدة تخريج أجيال من الواعظين الذين ينشؤون على منطق اسمعُوا وأطيعُوا، ولو أكلوا أموالكم وضربوا أبشاركم وسرقوا حقوقكم وعفشوا بيوتكم وشردوا إخوانكم؟

ليست مسؤولية الأحرار أن يغيّروا العالم، ولكن عليهم ألّا يكونوا جزءًا من سقوطه، وأن يحفظوا مكان العمامة مخزنًا للصدق والنبل والطهارة، لا أداة في هوى السياسة والاستبداد.

مركز حرمون

——————————

حين تصبح “الديمقراطية” وبالًا على الناس/ راتب شعبو

أشخاص يمشون أمام لوحات إعلانية لحملة انتخابية لرأس النظام السوري، وهو مرشح للانتخابات الرئاسية، دمشق 25 أيار/ مايو 2021. لؤي بشارة، وكالة فرانس برس.

حجم الخط + –

تحت ضغط العالم الديمقراطي الذي هاجم سياسيوه وصحفيوه ومنظماته الحقوقية النظامَ السوري الدكتاتوري، لأنه يحتفظ في سجونه بعدد كبير من المعتقلين السياسيين “دون أن يوجه لهم تهمًا ودون أن يقدمهم إلى محاكمة”؛ قرّر حافظ الأسد في مطلع العام 1992، أي عقب تفكك الاتحاد السوفيتي وما عرف باسم المنظومة الاشتراكية، أن يصبح ديمقراطيًا في موضوع المعتقلين السياسيين، وأن يستجيب للمعايير الديمقراطية ويريح باله من ضغوط ديمقراطيي العالم، بشأن ملف السياسيين المعتقلين عرفيًا في سورية. رأسمال الموضوع هو أن يوجه تهمًا للمعتقلين ويحيلهم إلى المحاكم، أين هي المشكلة؟ ولماذا لا يفعل ذلك ويكسب راحة البال، وينال ربما بعض المديح الديمقراطي أيضًا؟ هناك بنكٌ جاهز من التهم التي يمكن لصقها على أي معتقل، وهناك محاكم استثنائية ذات أحكام غير قابلة للطعن وجاهزة للعمل.

على طريق الديمقراطية والتحرر وحقوق الإنسان، تحركت الدولة الأسدية التي تستطيع أن تكون ما تشاؤون لها أن تكون: تريدون اشتراكية نحن لها، تريدون ديمقراطية نحن أهلها، نحن أهل السلم كما الحرب، وأهل العلمانية كما الإسلامية. وكما يمكننا أن نكون أهل التوقيف العرفي، كذلك يمكننا أن نكون أهل السجن عبر المحاكم والقانون، بمقدورنا أن نجرّم المعتقلين السياسيين الذين يسميهم البعض “معتقلي رأي”، ونحيلهم إلى جناة، وفق القانون ووفق أحكام صادرة عن محاكم تحمل أسماء مهيبة.

هكذا نشطت الديمقراطية الأسدية فجأة، انطلقت سيارات ذات قضبان وشباك حديدية تنقل المعتقلين من كل السجون الموزعة في البلد، إلى المحكمة الشهيرة، محكمة أمن الدولة العليا. قضاة خدم، ومحامون عاجزون، ومتهمون بائسون، وأقفاص اتهام، وشرطة مدنية، وأهالي يلوّحون من بعيد لأبنائهم المسروقين منهم. والنتيجة أحكام “قانونية” لم تكتف بما صادره السجن سلفًا من حياة هؤلاء المعتقلين، بل صادرت ما تبقى من حياتهم، عبر أحكام الحجر والتجريد من الحقوق المدنية التي جعلت من أحيلوا إلى المحكمة في حال أسوأ من الاعتقال العرفي، ذلك أن نهاية الحُكم لم تكن تعني دائمًا نهاية الحجز، بل فتح حساب عرفي جديد، فيصبح المعتقل السياسي محكومًا وموقوفًا عرفيًا في الوقت نفسه. وعليه؛ صار يمكن لوزير خارجية الأسد (فاروق الشرع) أن يقول في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا 1993، إنه لا يوجد في سورية أي معتقل سياسي، و”ليس في سجوننا سوى مجرمي الحق العام”.

تحوّل المعتقلون إلى مجرمين، والشرطي الذي كان يسأل المعتقل عن “تهمته” صار يسأله عن “جرمه”. هذه مثلًا إحدى ثمار الضغط الديمقراطي الذي لا يرى عمق المشكلة.

اليوم، أيضًا يدفع السوريون ضريبة الصورة الديمقراطية المطلوبة. كالعادة، كل البضاعة الديمقراطية متوفرة، تعدّد مرشحين؟ موجود. صور مرشحين في الشوارع؟ موجود. شعارات للحملات الانتخابية؟ موجود. إقبال جماهيري؟ موجود، ليس فقط في سورية بل في لبنان أيضًا وفي دول المنفى، السوريون يتركون البلد ولا يتركون الأسد. احتفالات ودبكات؟ موجود. ماذا بعد؟

العالم الديمقراطي لا يريد من دكتاتور أن يقول أنا دكتاتوركم فاقبلوني، الأفضل أن يقول أنا دكتاتوركم فانتخبوني. على هذا، يوظف ثقل الدولة المتاح كاملًا لرسم الصورة.

ما قبل السلطات “التقدمية” كان للصوت الانتخابي ثمن يتقاضاه الناخب، وكان يؤخذ هذا على تلك الديمقراطية، اليوم أصبح الصوت الانتخابي بلا ثمن، أصبح على السوري أن يدفع صوته الانتخابي لتلافي الأسوأ، ولدرء مخاطر التهديدات المعلنة. مهما ساءت الحال، هناك دائمًا ما هو أسوأ. أصبح الصوت الانتخابي مصيبة فعلية على السوري، ليس داخل مناطق نظام الأسد فقط بل خارجها أيضًا. بات التهديد بالعواقب الوخيمة لعدم المشاركة هو البديل عن شراء الأصوات، أي أصبحت فترة شراء الأصوات في الأيام الخوالي ما قبل بروز ظاهرة السلطات “التقدمية”، فترة مشتهاة في هذه المرحلة، مرحلة ديمقراطية الترهيب.

في لبنان، يُهدَّد اللاجئون (من قبل حلفاء “الوريث” الذي يقيم الديمقراطية بمهارة تضاهي مهارته في حرق البلد) بتسويد عيشهم وحرق خيمهم ومنعهم من “حق العودة” وبهدلة من تبقى من أهاليهم في سورية.. إلخ، ما لم يشاركوا في “العرس الديمقراطي”. وحين يذهب هؤلاء، يسوقهم الخوف والرعب، كي يدفعوا الضرر عن أنفسهم، يقعون في معركة غير منتظرة مع لبنانيين من خصوم الوريث، ممن لا يدركون المأزق الذي يعيشه هؤلاء اللاجئون، فتبدو لهم الصورة هكذا: (إذا كنتم تحبونه وتريدونه، فانقلعوا لعنده). وتكون النتيجة تكسيرًا وجرحى ومهانين ومتوفى واحدًا، كما نقلت الأخبار. كل هذا خدمة للصورة الديمقراطية التي ينبغي عرضها. لا يهمّ إذا كانت الصورة مرسومة بالدم والقهر والدموع وعذاب الأرواح والنفوس. المهم رسم الصورة وعرضها، ثم استخدام تعبير الرئيس المنتخب بدلًا من الرئيس المفروض أو القسري أو الدكتاتور أو الإجباري أو الغاصب أو أي صفة من هذا النوع.

الحقيقة إنه يمكن للدول النافذة في العالم أن تفرض أنظمة حكم دكتاتورية، وأن تقوض أنظمة ديمقراطية ناشئة، لكن الخارج لا يمكن أن يفرض ديمقراطية على بلد، وفي حالات كثيرة، كالتي عشناها ونعيشها في سورية مع نظام عائلة الأسد، يحول النظام الضغط “الديمقراطي” الخارجي إلى عبء إضافي على الناس.

أفضل لأيّ شعبٍ يحكمه دكتاتور، أن يعلن هذا أنه دكتاتور صراحة، من أن يكون دكتاتورًا ويريد أن يظهر ديمقراطيًا ومنتخبًا ومهتمًا بمعايير الديمقراطية. أما في سورية فنحن أمام حالة أشدّ تعقيدًا، فالشخص الذي ورث السلطة ثم دمّر البلد شرّ تدمير، وتسبب في تمزيق المجتمع السوري وتشريد السوريين وانهيار الاقتصاد السوري، يريد أن يقول للعالم إنه يحكم بإرادة السوريين!! إلى الانحطاط السياسي، يضاف انحطاط أخلاقي مشين.

مركز حرمون

——————————

مستويات جديدة من الاستبداد وإنكار الواقع/ مصطفى القاسم

ستعيش «سوريا الأسد» كما يحلو لبعض القوم فيها تسميتها مستويات جديدة أعلى، بل تكاد تكون الأعلى على الإطلاق من الاستبداد وإنكار الواقع.

فبشار الأسد ابن حافظ، ذلك الذي نشأ في قصر رئاسي وترعرع فيه خلال العقود الأولى من طفولته وشبابه، وحصل خلال ذلك على حظ وافر من دلال ومحاباة المحيطين به، ونفاق وتزلّف وصحبة الفتيات الجميلات والرفاق المرفّهين المدللين أبناء الطبقة المخمليّة من كبار مسؤولي النظام الفاسدين ورجال الأعمال المقربين، وفقا للصور المنقولة من تلك الفترة… مع كل ما مارسه هؤلاء من مغازلة ومداهنة ومجاملات لذلك الفتى البسيط في ملكاته العقلية -وفقا لذات الصور المذكورة- قد ترك أثره على نشأته وعلى أسلوب حياته فيما بعد.

لقد عمل بشار الأسد في الرئاسة على الإطاحة بمن حملوا اسم الحرس القديم، ثم أحلّ محلهم رفاق الطفولة والشباب كمحافظين ومديرين ووزراء أحيانا، كما استعان برفاق أخيه المتوفى باسل ولا سيما في المواقع العسكرية والأجهزة الأمنية.. ولا ننسى أن كل هؤلاء من رفاق الصبا والشباب قد عاشوا حياتهم في طبقة خاصة، منفصلين كلّياً عن الشعب وأفكاره وتطلعاته وآماله وأحلامه وآلامه أيضاً.

وأثبتت ممارسات هؤلاء، بما فيهم بشار نفسه هذا الانفصال، فقد مارسوا الاستعلاء على عامة الناس، وتسلّطوا على أموال الدولة والمواطنين، ونسجوا العلاقات المالية مع حلقات مقرّبة مختارة تميّزها الانتهازية واستغلال سلطة القرار التي تمتعوا بها، وراحت قرارتهم تخدم مشاريعهم الخاصة، ومارسوا تبييض أموال المسؤولين الناجمة عن الفساد الذي باتت السلطة تمتدحه بقولها: «الفساد نظام حياة»!

وفي الحقيقة فقد جعل نظام الأسد الأب من الفساد ظاهرة عامة منتشرة، لكن نظام الأسد الابن كرّس الفساد كأسلوب حياة وحيد ومتنفّس لها، لذلك حافظ على رواتب وأجور العاملين في الدولة وعناصر أجهزة الأمن والجيش دون المستوى الحقيقي لتكاليف المعيشة، دافعا بهؤلاء إلى السعي لمصادر دخل إضافية مارسها معظمهم -بعلم السلطات- من خلال استغلال وظيفته العامة ومهمته المسندة له للحصول على العطايا والرشاوى، وصولا إلى عرقلة مصالح غيره من المواطنين لابتزازهم، ومن ثم اختلاق الجرائم ونسبتها إليهم لتجريدهم من أموالهم وممتلكاتهم.

ولئن كان يطول استعراض ما آلت إليه نتائج سياسات النظام هذه، إلّا أن بشار الأسد الجالس على قمة الهرم، والذي تصبّ جميع أقنية الفساد في حسابه نتيجة، كان لديه سلطة مستبدة تتعاظم وحساب يتضّخم وفقر شعبي يتفاقم. يترافق ذلك مع تجديد الولاية له بالأدوات والوسائل نفسها التي أجلسته على كرسي الرئاسة، دون خطط لحل المشكلات أو مساع لتخفيف الأزمات أو جدّية إصلاح تتجاوز الخطابات، وترافق ذلك جميعه مع بطش واستبداد وقمع متزايد. فالرئيس العاجز عن الخروج من جلده والتفوّق على ذاته والتغلّب على أمراضه النفسية وآفاته، كانت سياساته القائمة على القبضة الحديدية تثير النقمة العارمة وتبعث على توفّر مقومات الثورة، ولم يكن في ذلك كله بحاجة إلى «المؤامرة الكونية» «الممولة خليجيا» وتقوم بها «الجماعات الإرهابية»…!

لقد ازداد ضعف بشار الأسد عبر السنين وعجزه ومشكلاته النفسية وأمراضه، وتصدّى لذلك بتضخيم شخصيته و«الأنا» التي زرعها فيه دلال الصبا ونفاق الدوائر المحيطة بالمسؤول. ثم جاءت الثورة الشعبية، واستجداء التدخّل الإيراني والروسي، وتسلّط هؤلاء واستغلالهم، والمواقف الدولية المناهضة لسياساته، وشق بعض ميليشياته لعصى طاعته واستقوائهم بروسيا أو إيران.. جاء كل ذلك ليجعله ينشد الدعم المعنوي والنفسي من خلال مسرحية انتخابات هزيلة وهزلية، علّه يكون فيها -على ما فيها من علل- بعض الدعم المعنوي لنفسه الواهنة، وهذا ما ينشده جميع المستبدين الديكتاتوريين من تنظيمهم للانتخابات والاستفتاء، مع ما يشترطونه فيها من احتفالات مبالغ فيها تتخللها الطبول والدبكة والنخّ وتقبيل الصور والركوع والسجود لها والتأليه أيضاً.

وحيث إن المسؤولين جميعاً وفي مقدمتهم رئيسهم يعلمون أن علامات الحب والخضوع التي أظهرها الناس علامات كاذبة، وأن جروح هؤلاء وحاجاتهم ستعود إلى الظهور قريباً جداً، وأنهم عاجزين بمواجهتها، فإنهم وبعد انتهاء احتفالاتهم  يتابعون من جديد بطشهم واستعلاءهم بشكل يفوق ما كان سابقاً، دون التخلّي عن فسادهم الذي تقلّصت مصادر إشباعه بعد التنازل عن ثروات البلاد ومشاريعها، وتتضخم لدى زعيمهم عقده النفسية وأمراضه وذهانه، ويصل إلى مستويات أعلى وأعلى، وأحيانا الأعلى من التضخّم وطلب الخضوع والتعبّد وتقديم الولاء وتقبّل الآلام دون تذمّر، وإلّا فالحديد والنار والتعذيب والموت هو المصير.

وإن غداً لناظره قريب

————————–

الأسد المتحور/ بشير البكر

بشار الأسد في الرئاسة الرابعة يختلف عنه في الرئاسات الثلاث السابقة. والفارق الذي لن يطل الوقت حتى يظهر على نحو ملحوظ هو ما بين الرئاستين الثالثة والرابعة. ففي الثالثة عام 2014 كان قد تورط في الحرب على الشعب السوري، وبدأ يخسر مساحات واسعة من سوريا، وتعاظمت قوة داعش، والتي سيطرت على مساحات واسعة من سوريا والعراق، الأمر الذي خلط الأوراق. وفي الدورة الحالية الرابعة يتجه لجني ثمار الحرب، والعمل على ترجمة نتائجها، وكانت الإشارة الأولى إلى ذلك التصويت من مدينة دوما التي ارتكب فيها ثاني أهم مجازره الكيماوية في عام 2015 وسقط فيها 110 قتلى. وأراد من ذلك أن يوجه رسالة قوية للداخل والخارج يكشف فيها عن الوجه الجديد الذي سيرافقه في الولاية الرابعة، وجه مجرم الحرب الذي فرض نفسه رئيسا على جزء من السوريين رغم رفض أغلبية السوريين له، والتشكيك بشرعية انتخاباته من قبل قوى دولية مثل الولايات المتحدة، وبعض دول أوروبا المؤثرة، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا.

تفاوتت مستويات ردود الفعل على الأسد في انتخابات الدورة الرابعة، ويمكن لنا أن ندرجها في ثلاثة. الأول هو التشكيك بشرعيتها من قبل الدول الغربية الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والثاني هو الصمت والترحيب الضمني، كما هو حال أغلبية الدول العربية. والثالث هو الترحيب من قبل روسيا وإيران، الراعيتين الفعليتين اللتين استثمرتا في جرائم النظام ووفرتا له التغطية السياسية والدعم المادي من موقع الشريكتين، وهو ما يرتب عليهما أعباء كبيرة في المرحلة المقبلة من أجل إعادة تأهيله وتسويقه من جديد. وهذه لن تكون مهمة سهلة في جميع الأحوال ولكنها لن تكون مستحيلة. وإلى حين إجراء الانتخابات كان الرهان ممكنا على تسوية ما يتم فيها إبعاد الأسد من خلال عملية سياسية ضمن تفاهم دولي وإقليمي، ولكن هذا الاحتمال بات بعيدا، وأصبح خلفنا، وأي بحث يتعلق بمصير الأسد من الآن فصاعدا، سيكون على أسس جديدة ومختلفة، ترتبط قبل كل شيء بموازين قوى دولية وإقليمية خاضعة للترتيبات التي يعمل من أجلها المحور الروسي الإيراني، ولا تلقى معارضة فعلية من أميركا وأوروبا.

وإذا أمعنا النظر في الوضع العربي المحيط بسوريا، فإننا لن نجد سوى استمرار العجز والاستنكاف عن لعب دور فاعل في المسألة السورية، يقود إلى إنتاج معادلة يتم فيها استعادة الملف السوري من أجل التوصل إلى تسوية سورية تحفظ وحدة سوريا، وتضع حدا لطموح الأسد في عودة قريبة إلى الجامعة العربية كخطوة أولى نحو استعادة الشرعية المفقودة، بل إن الحال العربي الراهن يلعب لصالح الأسد، فالدول العربية الأساسية مثل مصر والسعودية والمغرب والجزائر والعراق تميل إلى فتح أبواب الجامعة أمام الأسد، وهناك دول أخرى تنادي وتعمل علانية من أجل ذلك مثل الإمارات وسلطنة عمان وتونس والسودان، وبالتالي فإن الكفة تميل لصالح رفع الحظر الذي جرى فرضه على النظام عام 2012 من خلال تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية.

وعلى العموم هناك أربعة عوامل أساسية تتحكم بالموقف وتشكل مفاتيح وعقد تعويم الأسد. الأول يرتبط بالمفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني، والتي تسارعت وتقدمت بصورة ملحوظة في الشهرين الأخيرين. وبات من المرجح التوصل إلى اتفاق نهائي في غضون الأشهر المقبلة ما لم تحصل تطورات تقلب الطاولة. وفي حال اتفاق واشنطن وطهران، فإن وضع الأسد سوف يصبح مرتاحا مثلما كان عليه بعد اتفاق إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عام 2015، حين أفرجت الولايات المتحدة عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة. وإذا بدأت مرحلة جديدة من رفع العقوبات عن إيران سيكون الأسد من بين أكبر المستفيدين من ذلك. والعامل الثاني مرهون بالتفاهمات الروسية الإسرائيلية من حول جنوب سوريا وحضور إيران القوي هناك. وهذا أمر يتوقف على قدرة موسكو للضغط على إيران من أجل القبول بترتيبات أمنية لطمأنة إسرائيل، وهو ليس بالصعب كثيرا في حال نالت طهران قسطا مجزيا من الصفقة. والعامل الثالث يتعلق بشمال غربي سوريا. وتبقى هذه المنطقة رهن التفاهمات الروسية التركية، وبعد مواجهات عسكرية مديدة في عامي 2019 و2020 هدأت الجبهات، وبقيت عدة مسائل معلقة منها وضع هيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب، والتي تسيطر على مساحات واسعة من محافظة إدلب وريف حلب، ولا يمكن تسوية هذه المشكلة من دون تفاهم يرضي تركيا التي تحتفظ بقوة عسكرية كبيرة في هذه المنطقة، وهي على تحالف مع الجيش الوطني المشكل من بقايا فصائل الجيش الحر، ويتجاوز تعداده 100 ألف مقاتل.

أما العامل الرابع، فهو يتلخص بسيطرة قوات سوريا الديموقراطية على ثلث مساحة سوريا في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور بدعم أميركي عسكري وسياسي، وفي الوقت ذاته هناك دور كبير لتركيا في هذه المنطقة، وفي هذه الحالة يستدعي الأمر اتفاق النظام مع قسد، وهذا ليس بالأمر الصعب، إلا أنه يحتاج إلى ضوء أخضر أميركي، وتفاهم أميركي تركي يقدم ضمانات لأنقرة.

إن الانتخابات التي وصفتها أوساط سورية معارضة ودولية بأنها مسرحية هزلية هي أخطر من ذلك بكثير، لأنها مقدمة لإعادة إنتاج الأسد في غياب موقف دولي، ومباركة عربية، وعجز سوري.

————————–

المازوشية والأناقة…في انتخاب بشار الأسد/ جديع دوارة.

غالبا ما توصف الانتخابات بالمسرحية، بسبب تهديد الناس والموظفين بلقمة العيش، واستخدام الطلاب، والتزوير، والاحالة للظروف القاهرة، والتي يستحيل ان تنتج انتخابات نزيهة اصلاً، هذا كله معروف، وهو لا يهم النظام بقدر ما يهمه هو اجراء الانتخابات بحد ذاتها، حدوثها على الارض قولا وفعلا وعلى مرأى العالم والقوى التي تحشد ضده، بل ربما ان بشار الاسد يستحسن كثرة الاعداء والقائلين بعدم شرعيتها، ما يجعل نشوته بالنصر اعظم وأهم شأنا.

في نظرة سريعة للمشهد الانتخابي في سوريا لابد من الاعتراف بالحقائق التي تترتب على هكذا عملية بكل جرأة وموضوعية، محاولا أن لا نكرر المعزوفات السابقة عن المسرحية الهزلية، فنحن اليوم امام كوميديا سوداء تقطر الماً ودماً، تصل لدرجة ان القاتل يتأبط زوجته ويمشي الهوينا بجنازة القتلى، لا بل ويجد من يصفق له ويعانقه.

الانتصار: الدلالة الاولى والمعزى الاهم للنظام هو تأكيد الانتصار، وفرض ارادته، بوسائل “سلمية”، الانتخابات كما يقدمها النظام – تنافسية –شفافة –عادلة- نزيهة- فهي من حيث الشكل تشبه، ما ينادي ويطالب به الخصوم، ولسان حاله يقول ان ادواتكم ومدنيتكم وديمقراطيتكم تتوجني رئيسا شرعيا، لقد كنت القائد المنتصر بلغة الحرب والسلاح وتحت شعار “الاسد او نحرق البلد”، وانا اليوم المنتصر تحت شعار “الامل بالعمل”،  اي ان سوريا والسوريين يريدونني حاكما متوجا عليهم، وما زلت قادراً على ادارتها بالطريقة المعتادة.

التأييد: ربما لن يكفي ان نقول بأن العملية الانتخابية تجري فقط بفضل قوة نظام الاسد، فهو اليوم ليس كما الامس، ونحن لا نكف عن الترديد بأن النظام في اضعف حالاته ويعاني من ازمات متراكمة ولم يعد في جعبته ما يقدمه للناس، والظروف داخل حدود سوريا -التي يسيطر عليها-  بمعايير الاقتصاد والاجتماع توصف بالجحيم، فكيف لهؤلاء الذين يتقلبون على نار الجحيم  ان يشاركوا في انتخاب قاتلهم، هل نحن أمام مازوشية جماعية انتقاما من الفشل في ايجاد خيار افضل لسوريا..! والا كيف يجد نظام الاسد في سوريا لاعبين وكومبارس، يأدون نفس الادوار القديمة ويجددون العهد، ويعقدون الدبكة وينصبون خيم الولاء والتأييد..!

 الجواب الواقعي والمباشر مع حذف بعض التفاصيل حول قصص الاكراه، هو الاعتراف بكل بساطة ومرارة، بأن في سوريا ما زال هناك كتلة وازنة من البشر تعتقد ان مصيرها مرتبط بمصير النظام وان من واجبهم تأييده بكل علله وعلاته فهو بالنسبة لهم ما زال الافضل فعلا، وكل المشاريع الاخرى ليست أحسن حالا منه ولن تجلب لهم الافضل، سنقرأ هذا في لدى الكثير من اصحاب العمامات والمرجعيات الدينية ولدى البسطاء، كما سنجده  في انتعاش الهياكل القديمة للبعث والمخبرين، والقادمين الجدد للسلطة، وتجار الحروب، هو مشهد ليس لخروج “العنقاء من الرماد” بل لخروج -الديناصور المريض- الذي اعتقد العالم بأنه انقرض منذ الالف السنيين.

الفشل: قراءة انتصار بشار الاسد بدلالة فشل البدائل التي قادتها ودعت اليها القوى المعارضة، وهذا يشمل قوى المعارضة السورية، عسكرية ومدنية -على ضعفها -من خلفها القوى الداعمة اقليميا وعالميا، فشلها او عدم اتفاقها او تواطؤها، كل هذه المصطلحات  تقود الى نتيجة واحدة هي ان الحل السياسي الذي كان يعول عليه لجلب نظام مختلف(او بدرجة اقل لفرض تغيير له معنى) يفتح صيرورة للتحول الديمقراطي في البلاد قد انتهى الى خيبة، واصبح في خبر كان.

الابتعاد: حين انتصر النظام عسكريا، واسقط مناطق سيطرة المعارضة المسلحة واحدة تلو الاخرى، وخاصة حين استعاد سيطرته على محيط دمشق وحلب، وان كان الثمن المزيد من الارتهان للقوى الداعمة –روسيا وايران- وصل لدرجة سخرية وسائل الاعلام من بشار الاسد- رغم هذا فإن النظام تقدم -في المحصلة العامة لمشهد القوى التي تتصارع داخل وعلى سوريا- الى مواقع جديدة جعلته اقوى، وكلما زادت قوته -منطقيا- يصبح اقدر على فرض ارادته، ويبتعد عن تقديم تنازلات، والقبول بحلول تفرض عليه، بكلام اخر يصبح أبعد عن الحل السياسي الدولي المنتظر، واليوم تأتي محطة الانتخابات، لتضيف للأسد معطى آخر لقوته وغطرسته، وتجعله يبتعد أميال عن القبول بالحل السياسي المنتظر، والذي مازالت تتمسك بحباله وملحقاته (لجنة دستورية وغيرها) المعارضة، بدلالة الداعمين لها، تغذي الاوهام بأنه سيرضخ لإرادة دولية لا احد يعرف ماهيتها، ارادة ضبابية لا تذهب ابعد من مصالحها الضيقة وحدود دولها، وعلى المقلب الاخر ان انتصار بشار الاسد وبصرف النظر عن شرعية الاستحقاق، سيصب في خانة تحصين مواقعه أمام حلفائه، بوجه اي ضغوط محتملة من روسيا بشكل خاص.

التأهيل: اكثر من ذلك، العملية الانتخابية اليوم، ستجعل من بشار الاسد جاهزاً لإعادة التأهيل عربيا، وربما في وقت لاحق دوليا، ستعطي لكل المتهافتين لمد يد العون له -لأسباب مختلفة- ذرائع وحجج للقبول به، واعادة انتاجه.

في المحصلة لهذه القراءة الاولية يمكن القول ان انتخاب الاسد اليوم تكرس نصره وتعززه بوسائل غير عسكرية، وتعيد ربط الكتلة المؤيدة-الوازنة- به من جديد، وتعقد المهمة –الفاشلة لغاية الان- للمعارضة والقوى الدولية في ايجاد حل او مخرج، وتجعل النظام بالمحصلة ابعد عن القبول بحلول “سياسية” تفرض عليه، ومبررا لمن يريد اعادة “تدويره”.

لقد مشى الاسد اليوم في دوما، وبدى في الصورة مدنيا حضاريا برفقة زوجته فائقة الاناقة، وزعوا الابتسامات، ونالوا التصفيق والترحيب، في مشهد رمزي سريالي، يقول للعالم: لست انا قاتل الاطفال، لست انا الاسد الكيماوي، وانظروا هؤلاء الذين يعانقونني هم ما تبقى من اهل دوما يباركون انتخابي لأنني انا ولست انتم املهم بالمستقبل، في مشهد رمزي سريالي-سادي.

صحفي سوري، مواليد 1967، عمل في موقع سيريا نيوز حتى عام 2010، وفي مجلة “الاقتصادي” حتى منتصف 2011. معتقل سياسي تسع سنوات (1989 – 1998).

موقع نواة موقع حر وكافة المواد تعبر عن رأي الكاتب.

—————————-

دبيكة تحت الطلب/ بسام جوهر.

شخصياً أحب الدبكة، وأرى أنها فن ورقص شعبي جميل، يتقنها معظم السوريين، وقلما توجد مناسبة للفرح تخلو من الدبكة، هذا التراث المحبب أصبح مع مرور الزمن رمزاً لمناسبات الأفراح في بلاد الشام أو ما كان يُسمّى سوريا الطبيعية. ولا تكون حلقات الدبكة جميلة إلا بوجود الصبايا والشباب، الذين يرون أنها مناسبة لرمي بعض العادات والتقاليد جانباَ، وخاصة تلك التي تحدّ من التقاء الشباب والصبايا، حيث يُمسك الشب بيد الصبية وتتشابك الأيدي وتلتقي النظرات وتلتحم الأكتاف وتسري حرارة لذيذة في أجسام الدبيكة تزيل تعب اليوم وتجدد النشاط وتجعل للحياة طعماً أخر.

وشخصياً أيضاً، كنت وما زلت، أحب مناسبات الأفراح وأسجل حضور دائم فيها، حتى لو كان عندي فحص أو مذاكرة أو أي عمل مهم، وقلما تجدني في مناسبات العزاء والأحزان، إلا الضروري منها، حتى أن أبي، رحمه الله، لم يعد يدعوني لمرافقته إلى مناسبات العزاء والأتراح.

لكن رمز الفساد في سوريا أبى إلا أن يُفسد كل شيء، حتى الدبكة، وأبى إلا أن يجعل كل المناسبات تشبهه وتخدم مصالحه، فهو لا يروق له أن يرى الناس تعبر عن فرحها دون أن يكون له نصيب، وهو لا يعرف معنى الفرح بانتهاء موسم الحصاد وجمع غلة الموسم، ولا يستوعب أن يكون للناس أفراحهم الخاصة في مناسبات الزواج والطهور والنجاح والأعياد التي تلم الأهل والأصحاب. لذلك كان لابد من استغلال رمز الفرح هذا وتحويله إلى مناسبة لتقديم فروض الطاعة والتضرّع إلى إرضاء ذلك المسخ الذي يتلذذ بقتل الناس وإهانتهم يومياً من خلال رؤيتهم يصفون طوابير أمام حاجاتهم الأساسية من خبز وغاز وكهرباء وماء وبنزين وغيرها.

أيام زمان، وخاصة في القرى، حيث العمل في الحقل ينال من الإنسان، لكنه يذهب إلى الدبكة ويشارك بها بحماسة رغم التعب وتراه منتشياً وعلامات الفرح ظاهرة على وجهه، يدفعه إلى ذلك دافع ذاتي وقناعة أن مشاركة من يحب أفراحهم تجلب السعادة له وللآخرين.

لكن دبيكة العصر الأسدي مختلفون بحركاتهم ونظراتهم ودوافعهم، ويعرفون بقرارة نفسهم، أن لا دافع ذاتي وراء مشاركتهم في تلك المهزلة، ويدركون أن حالهم لن يتغير، وليس هناك غلة تنتظرهم ، ولن يحصلوا إلا على كلمات جوفاء اعتادوا على سماعها منذ بداية الحقبة الأسدية، عن الصمود والتصدي وشد الأحزمة على البطون وكلمات جديدة عن الفرق بين الثورة والثور.

دبيكة العصر الأسدي يمكن تسميتهم دبيكة من يتلذذ بالحرمان أو دبيكة تحت الطلب، فهم موجودون في كل المناسبات التي يطلبها المسخ، لا يهم نوع المناسبة أو أهميتها، المهم هو إداء واجب الدبكة والتأكيد على النخ، لأن الدبكة بدون نخ لا تكفي وربما تكون ضرب من ضروب التأفف وإظهار ما في القلوب.

عندما استهدف الرئيس الأمريكي ترامب بصواريخه مطار التيفور العسكري، تم عقد حلقات الدبكة للاحتفال بالانتصار على صواريخ ترامب التي سقطت قبل أن تحقق أهدافها!!!، وعندما تصل طائرات وصواريخ اسرائيل كل مكان في سوريا، تُعقد حلقات الدبكة للاحتفال بالاحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين!!!، وعندما تعلن وسائل إعلام المعتوه أنها (خلصت)، تُعقد حلقات الدبكة للاحتفال بالنصر على المتآمرين والمندسين، هذا عدا عن مناسبات تجديد البيعة والبصم بالدم وقانون قيصر وغيرها من المهازل التي اعتدنا على رؤيتها خلال الحقبة الأسدية الطويلة.

الحقيقة لا أعرف شعور هذا الدبيك عندما يعود إلى بيته بعد كل مناسبة، وقد أنهك التعب جسمه (من كتر النخ)، ولا يجد كهرباء ولا غاز وربما حتى الخبز، كما لا أعرف شعوره عندما يدخل بيته وتقع عيناه على صورة ابنه أو أخوه أو أبوه، المعلقة على الجدار والذي قتل في سبيل من كان يدبك وينخ له.

دبيكة تحت الطلب جاهزون دائماً لتحويل أية هزيمة إلى انتصارٍ مدوٍ، والمشكلة في سوريا أن هؤلاء الدبيكة لا يقتصرون على المنتفعين من النظام ودائرة الموالاة، بل تتعداهم إلى شريحة اجتماعية ليست بالقليلة تحت حجج وذرائع مختلفة مثل الخوف والتقية والعين لا تقاوم مخرز و(الأيد اللي ما فيك عيها، بوسها وادعِ عليه بالكسر). إلى آخر ما هنالك من حجج وذرائع تجعل  الانسان  يتقبّل الذل والهوان  بكل رضا عن انفس وبكل رحابة صدر.

الحقيقة أن وجود هؤلاء في سوريا هو مشكلة بحد ذاتها، وبالتأكيد هم ضحايا ولا يدركون أنهم أداة بيد الذئب المفترس الذي يتربع على جثث ضحاياه  ويصدّر انتصاراته المزعومة للداخل والخارج.

ومع ذلك سأبقى أحب الدبكة، دبكتنا نحن الذين نذهب إلى الدبكة بدافع ذاتي وبقصد الفرح ومشاركة الآخرين أفراحهم بعيداً عن النخ والنفاق.

بسام جوهر

ضابط ومعتقل سياسي سابق.

—————————

ماذا بعد فوز الأسد؟/ رقية العبادي

أحلم بوطن ديمقراطي من دون خيام رقص وحلقات دبكة وهتافات عبودية، من دون معتقلات تعج بأصحاب القضايا المحقة والوطن الجميل.

انتهت الانتخابات المهزلة في سوريا.

منذ إعلان مجلس الشعب السوري موعد الانتخابات وترشيح  ثلاثة أشخاص لمنصب الرئاسة، واللافتات تملأ الشوارع، تعرض صور الرئيس الذي تلطخت يداه بدماء الشعب، وعبارات “الأسد خيارنا”، وكأن من بقي في الأفرع الأمنية يستطيع أن يختار غيره.

نصبوا الخيام في الساحات التي سرقوها من الثوار، والتي كانت شاهدة على حناجر أصحاب الحق، وصدحت بهتافات ضد نظام الأسد وما يمارسه من حقد وظلم وقمع على أبناء البلد، وحولوها إلى حلقات دبكة ورقص لا تتوقف، على رغم أن الجميع يعلمون مسبقاً أن المشهدية ليست سوى مسرحية هزلية وأن المرشحين الآخرين ليسوا سوى كومبارس، أو بهارات إضافية لمهزلة سميت عرساً ديموقراطياً، فوق أرض وطن تم تدميره بشكل شبه كامل، نصف شعبه هُجِّر والنصف الآخر توزع بين من لا قوة له، ومن يعبد الديكتاتور.

في نيسان/ أبريل 2007، زار بشار الأسد محافظة دير الزور، التي لم تطأ قدما أبيه أرضها، وهي الزيارة الأولى مذ حكم “حزب البعث” سوريا لأكثر من 40 عاماً. وقتها امتلأت الساحات بالجماهير المرحبة بذلك الشاب الذي كانت مضت على رئاسته دورة واحدة بعد وفاة الأسد الأب، ولربما كان أهالي دير الزور يأملون حينها، بأن تحظى محافظتهم ببعض الاهتمام بعد تهميشها لوقت طويل، لكن تلك الأماني خابت، فلم يلُح في الأفق ما يشي بأن شيئاً سيتغير، وخصوصاً بعد انتهاء الأعراس الوطنية التي توجتها الهتافات للأسد الابن.

أذكر يوم تلك الزيارة أنني تغيبت عن الدوام الجامعة، بسبب حالتي الصحية، لكن الفضول استفزني. كنت أسمع زمامير السيارات، والهتافات تصدح في شارع بيتنا، فركضت إلى شرفة المنزل لاستراق النظر إلى هذا الاستقبال الكبير المزيف، لكن لا شيء كان يشبع فضولي. فتحت التلفزيون، وشاهدت صاحب العينين الزرقاوين، حسبما كان يلقبه محبوه، متباهين بأن من يحكم سوريا شاب صغير درس في لندن، لذلك سوف يكمل مسيرة التحديث والتطوير، التي أمست مسيرة التدمير والتهجير.

ما كان يشغل بالي في تلك اللحظات، هو ما الذي سوف يقوله للجماهير؟ والأكثر من ذلك هو “كيف صار هيك وزارنا؟، ونحن المحافظة التي يتعبرها نائية، فعلى رغم أن خيراتها وثرواتها تكاد تكفي سوريا، إلا أنها لا تكفي عائلة الأسد.

خرج الابن على الجماهير يتحدث عن المقاومة، وكيف علينا أن نساعد إخواننا في العراق ليتجاوزوا محنتهم. تذكرت يومها أولاد جيراننا الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة، وكيف ذهبوا للقتال في حرب العراق عام 2003، يوم فتحت الحدود العراقية- السورية أمامهم من دون توجيه أو ردع، وحتى من دون تزويدهم بالسلاح، فكان أن أغرتهم كلمات المقاومة ودمرت أحلامهم وشبابهم تلك الحروب.

قطع مشاهدتي الخطاب المنافق، اتصال هاتفي من أصدقائي الذين استطاعوا الهرب من تلك المسيرات الإجبارية، وفضلوا زيارتي على وقوفهم في الساحات المزيفة وسوقهم كالأغنام. قالت لي صديقتي منار، “بدك نوقف بهذا الشوب، ونستنى يطلع علينا يلوّح بإيدو، خلص راح ينجح بالاستفتاء”، لم يخِب توقُّع صديقتي ولا جميع الحشود التي وقفت تهتف له، ففي 27 أيار/ مايو 2007 فاز بشار الأسد بالرئاسة مرة أخرى بنتيجة 95.9 في المئة بكل ديموقراطية حسبما قيل لنا.

في انتخابات عام 2014، كنتُ قد خرجت من المعتقل، وكانت مضت على الثورة السورية -وقتها- أربع سنوات عجّت أيامها بالكثير من الدمار والضحايا والمعتقلين والمهجرين. الهتاف تحوّل إلى عبودية، والابن إلى إله يسجد كثيرون أمام صورته فيما يقبّلها آخرون كادوا يصلّون له. لكن، ماذا حل بالبلد؟

أخبرت والدتي- آنذاك- أنهم أخذوا هوياتنا في المعتقل لننتخب، فلماذا عليّ أن أعيد انتخابه مرة أخرى؟ قالت لي: سوف يعلمون أنك لم تنتخبي إذا لم يروا الحبر الأزرق على إبهامك.

في الصباح أغلقت جميع مداخل الحي ومخارجه، حيث كنت أقيم في دمشق، وأجبر عناصر الأمن الناس على الدخول إلى مركز الاقتراع، حينها وعلى رغم دخولي ذلك المركز لأنني لن أستطيع الهروب من تلك المهزلة، إلا أنني لم أنتخب، بل كتبت على الورقة التي وضعتها في الصندوق (يسقط الأسد). خرجت يومها وكانت نشوة النصر التي لم أستطع أن أعبّر عنها تتملّكني، وأحسست أنني انتصرت على ديموقراطيتهم،  مع أنهم تجاهلوا أو تعمّدوا تجاهل وضع الحبر الأزرق على إصبعي، فربما  أملوا بأن أزور مراكز اقتراع أخرى، وفي الحالتين سيحصل الابن على أعلى نسبة تصويت من دون منافسة.

في الحقيقة لم تعنِ لي الانتخابات في بلدي شيئاً، ولم أحلم يوماً بأن أملك بطاقة انتخابية، لا من أجل مجلس الشعب ولا من أجل الرئاسة، وهو ما يشعرني بشيء من السعادة لأنني أدركت في وقت مبكر، أننا نحن السوريين والسوريات بأصواتنا، وحقوقنا، وأحلامنا، تمت سرقتنا منذ وصول “حزب البعث” إلى الحكم في سوريا.

أحلم دائماً بوطن أستطيع فيه أن أرفض ما أشاء وأتقبل ما أريد، أتظاهر فيه ضد الفاسدين والسارقين، من دون رهبة الفروع الأمنية والخوف منها. أحلم بوطن ديمقراطي من دون خيام رقص وحلقات دبكة وهتافات عبودية، من دون معتقلات تعج بأصحاب القضايا المحقة والوطن الجميل.

——————–

=================

تحديث 02 حزيران 2021

————————-

النظام السوري .. المستثمرُ الأدهى في الخراب/ عبير نصر

بينما كانت عمليةُ التوريث تتمّ بسهولةٍ ويُسرٍ لافتين للنظر، والتي باركها حشدٌ من الزعماء العرب والوفود الأجنبية الذين حضروا للتعزيةِ بوفاة حافظ الأسد، وحرصوا على عقدِ اجتماعاتٍ منفردة مع نجله الذي لم يكن خلال مراسم التعزية والوفاة يملك أيَّ صفةٍ رسمية بعد، كان سوريون كثيرون يردّدون ما قاله الشاعر العباسي دعبل الخزاعي يوماً: خليفةٌ مات لم يحزنْ له أحد/ وآخر قام لم يفرحْ به أحد.

وسرعان ما قدّمتِ المستجداتُ الدولية والإقليمية حبلَ النجاة لبشار الأسد الذي اتخذ سياساتٍ خارجيةً جلبت له ضغوطاً دولية كبيرة، أهمها أحداث “11 سبتمبر” عام 2001، وما أعقبها من إعلان أميركا الحرب على الإرهاب، الذي أتبعته بغزوها لأفغانستان، ثم غزو العراق عام 2003 وما رافقه من تهديداتٍ أميركية لسورية، ثم صدور قرار مجلس الأمن 1559 القاضي بانسحاب الجيش السوري من لبنان، عام 2004، قبل عام من اغتيال رفيق الحريري. ومنحت كلُّ هذه التطورات الدراماتيكية رخصةَ حياةٍ جديدة للنظام السوري، فكان أكبر المحظوظين من متغيّراتٍ أفرزتها النتائجُ السلبية لحرب العراق، وتزايد التوتر في فلسطين. وتمكن من استيلاد وطنيةٍ سوريةٍ ذات طبيعة سلبية وضديّة. باعتماد ديناميكيات التخويف من الحصار الأميركي ومن الوطنية اللبنانية المناهضة للسياسة السورية (14 آذار التي أخرجتْ جيشه من لبنان). لكن العوائدَ الأثمن جاءت بها الفوضى العراقية التي أعقبت إسقاط صدّام حسين، بوصفها البديل الوحيد أمام سورية إذا ما سقط. أما الحكمة وراء هذا كله فكانت إبقاء الأمور على حالها تجنّباً للطوفان.

وبعد تحسّن وضع النظام السوري دولياً واقليمياً، بدأ انفتاحٌ دولي على مملكة الصمت. كما أدّى وصول باراك أوباما إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة إلى اتباع سياسةِ الانخراط مع سورية. وإثر ذلك، طرأ تحسنٌ على العلاقاتِ السورية السعودية التي تأزمت بعد اغتيال الحريري في لبنان. كما بدأت جولةٌ جديدةٌ من المفاوضات السريّة بين سورية واسرائيل برعايةٍ تركية. وعلى التوازي، مضى التحالف السوري الإيراني ليزدادَ قوّة. بيد أنّ الانتصاراتِ السورية بقيت خارجيةً فقط، واستمرت تُقيم على داخلٍ مجوّف ومُفرغ. وما بين منتصف 2006 و2008 مارستِ السلطةُ هجمةً أمنيةً جديدة على الإصلاحيين الوطنيين، فسُجن أو أعيد إلى السجون عشراتُ الصحافيين والكتاب وناشطِي حقوق الإنسان. وتكثّفتِ الرقابةُ على الإنترنت، وتتالى حجب المواقع الإلكترونية.

كلّ هذا القمع كان في الحقيقة يمهد لمرحلةٍ جديدة تجسّدت لاحقاً بقيام الثورة السورية التي كانت لتكون ضربة قاضية للنظام المستبدّ، لولا أنّه استفاد من نوباتِ الهلع التي انتابت العالم من الإشعاع الذي ولّدته انتفاضةُ السوريين، ومن إمكانية انتقاله إلى بلدان المحيط وإحداث التغيير، ما سيؤثر على ميزان القوى العالمي، نظراً إلى حساسيةِ المنطقة وأهميتها في موازين القوى. ولذلك عمل الجميعُ على إجهاضها ومحاولة حرفها عن مسارها. وحين فشلوا في إيقافها، عملوا بشكلٍ ممنهج على نخرها من الداخل، ونصّبوا عملاءهم في صدارة المشهد. وأصبحتْ جميعُ الأطراف تتصارع فيما بينها لتأمين مصالحها، بل ويقتتلون بدماء الشعب السوري المقهور، ويستثمرون معاناته.

وبعد 2011، لم تكن الانتخاباتُ السورية، النيابية والرئاسية، سوى إخراج كاريكاتيري لوضعٍ بلغ ذروةَ الاستعصاء، عبر تفاقم مضطردٍ لمسرحيةِ “محاولةِ التوازن” تغطيةً لواقعِ الهزيمة للنظام السوري، منذ سقوط أول نقطة دم، فالإيرانيون متمسّكون بسياسةِ تعفين الأجواء في عموم المنطقة عبر الشحن الطائفي، كما تمثّل سورية ركيزةً أساسيةً في مشروعهم الإقليمي، وجسراً حيوياً يربطهم بالحليف الإستراتيجي الآخر حزب الله اللبناني. في المقابل، لدى موسكو مصالح اقتصادية وعسكرية كبيرة، خصوصاً القاعدة العسكرية التابعة للبحرية الروسية في مدينة طرطوس. كما أنّ وجودها في سورية أشبه برسالةٍ إلى العالم، مفادها بأن روسيا لا تزال قوة يُعتدُّ بها على الساحة الدولية. وبالتالي، تفرض ترشيح الأسد بغية ضمان وهم شرعية وجودها، وبغية المراهنة على تحسين أوراقها التفاوضية في أيّة صفقةٍ محتملة. يُذكر أنّ موسكو تصدّت بـ”الفيتو” في مجلس الأمن 12 مرة لحماية الأسد من القرارات الغربية. ومنحتْه وطهران مساعداتٍ اقتصاديةً لتعويض تأثير العقوبات والحرب، فطبعت روسيا مذكراتٍ مصرفية سورية للالتفاف على عقوبات الاتحاد الأوروبي، في حين وافقت إيران على تقديم قروضٍ لسورية بقيمة ملايين الدولارات، والتي سدّدتْ ثمنَ الأسلحة والرواتب، وأبقتِ الدولةَ المتعثرة متماسكة.

مرّة أخرى، لعب الحظّ في دعم النظام ضد الثورة السورية. وخلال مرحلة التحضير لتشكيل جسمٍ سياسي، يقوم بمهمةِ قيادة الثورة محلياً ودولياً، كان الغربالُ الدولي يعمل من دون هوادة بعينٍ راصدةٍ للأشخاص وللمواقف، وبدأت مرحلةُ الاستقطاب من القوى الاقليمية كافة، التي عملت، بشكلٍ ممنهجٍ ومدروس، على منع السوريين من فرز قيادةٍ حقيقية للثورة سياسياً وعسكرياً، والتركيز على العناصر الهشّة والمطواعة لسهولة السيطرة عليهم وتوجيههم وفق المطلوب، يمكن التخلّص منهم بسهولة، وفي أية لحظة. فتشكلتْ معارضةٌ كمنتجٍ غير وطني، يهدف إلى دحرجةِ الشعب السوري البائس إلى مواجهةٍ غير متكافئةٍ مع النظام الفاشي.

ولا أحد أكثر حرفيةً ودهاءً من النظام السوري في استثمار الوقائع والمعطيات، مهما بلغتْ درجةُ تعقيدها لمصلحته. وسورية التي تتحكّم بها عملياً أكبر قوتين عالميتين (روسيا وأميركا)، وأقوى ثلاث قوى إقليمية (إيران وتركيا وإسرائيل)، بقيت نظرياً بيد الأسد الذي استفاد من تقاطع عوامل داخلية، أبرزها تحكّمه بالقوات الأمنية والعسكرية، وخارجية في مقدمتها تلكؤ الغرب في استخدام القوة ضده، مقابل دعم عسكري حاسم من إيران ثم روسيا. يضاف إلى ذلك الصبر والتلاعب بعامل الوقت. كما استثمر الورقة الأكثر أهميةً وحساسية، فشل المعارضة السورية، على اختلاف مكوّناتها، في توحيدِ صفوفها وتقديمِ بديلٍ جدّي عن النظام. وأسهم تصاعدُ نفوذ التنظيمات المتشدّدة، لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، منذ العام 2014، في إضعافِ المعارضة سياسياً وعسكرياً. ومع استقطاب التنظيم آلاف المقاتلين الأجانب وتنفيذه هجماتٍ دامية في الخارج، انصبّ تركيز المجتمع الدولي، بقيادة واشنطن، على دعمِ الفصائل الكردية (بقيت خارج تكتّل المعارضة) وحلفائها لمواجهة الجهاديين، عوضاً عن دعم خصوم الأسد.

وساهمت عسكرةُ المعارضة السورية المهيمنة على صدارةِ المشهد التمثيلي للثورةِ السورية إلى تثبيت رواية النظام في الدفاع عن نفسه ضد الإرهاب. وبالتالي، نتائج وحصائل سلوك المعارضة لم تكن عدمية فحسب، بل سلبية ومتآمرة إرضاءً لمشغليهم. لذا نجح النظامُ نجاحاً ساحقاً في تفتيتها وشيطنتها. ومنذ البداية، أطلق سراح آلاف الجهاديين، على أمل تزعمهم التمرّد حتى يصدّقَ العالمُ كذبةَ أنّه عنفُ إسلاميين متشدّدين. وفي الحقيقة، جلّ المجهود العسكري للنظام استهدف المعارضة المعتدلة، وليس “داعش” وأخواتها، إذ كانت الأخيرة تسيطر على مناطق بعيدة أقصى الشرق، أما الثوار فكانوا يهدّدون معاقله الرئيسة في الغرب، كي لا يتبقى أمام العالم سوى “داعش” والنظام للاختيار بينهما. واليوم، وسط مُماطلةٍ وتعقيدٍ مقصودين لمجريات الحلّ السياسي من النظام السوري وحلفائه، يكشِفُ إعلان الأسد عن ترشُّحه لولايةٍ رئاسية ثانية دستورياً ورابعة فعلياً، ومن ثم فوزه، أنّ ملف الصراع قد وصل إلى نهايته، وأنّ مرحلةً جديدة من الخراب قد بدأت في سورية، ينبغي استثمارها في ظلّ مناخاتِ الصراع والاستبداد، والاستقطابات المذهبية والإثنية والمناطقية.

العربي الجديد

————————-

ثقل دم ذلك المحور/ أرنست خوري

لطالما تمّ تجاهل عامل العدوى في علمَي السياسة والاجتماع. وما الذي يفسر، غير عدوى السمجين، أن يكون بين أطراف محور روسيا ــ إيران ــ سورية ــ الصين ــ فنزويلا ــ بيلاروسيا ــ كوريا الشمالية… (باب الانتساب مفتوح لدول وجماعات) هذا الكم من المشتركات، وأبرزها ثقل الدم؟ يقول وزير الخارجية السورية فيصل المقداد إن ذلك الذي حصل في سورية، يوم 26 مايو/ أيار الماضي (انتخابات!) “أفضل بآلاف المرات من الانتخابات الأميركية المهزلة التي اطلعتم عليها”، فتجد ملهم المقداد، سيرغي لافروف (من هو ملهم المقداد فعلاً، لافروف أم محمد جواد ظريف؟)، يزايد عليه من موسكو، فيحذر جو بايدن من أن روسيا تريد أن تبحث خلال الاجتماع الأول بين فلاديمير بوتين وبايدن (في 16 يونيو/ حزيران الحالي في جنيف)، مسألتَي حقوق الإنسان في الولايات المتحدة والملاحقات القضائية بحق المشاركين في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير الماضي. قبل حكمتَي المقداد ولافروف، أمكن إيراد مئات الأقوال الخالدة التي تسابق على إطلاقها زعماء في أطراف ومراكز المحور المذكور. أحداث السترات الصفراء في فرنسا قبل عامين، شكلت محطة مركزية لمسؤولين وفاعلين في المعسكر الأسود لكي يسخروا من “أكذوبة الديمقراطية الغربية”. أحداث الكابيتول والانتخابات الأميركية كانت مناسبة ليتسابق العباقرة إياهم إلى الاحتفال بانتصار الغوغاء وموت الديمقراطية، ولم يستوعبوا أنها كانت على العكس تماماً، إنجازاً لها؛ فيها، أطيح رئيس شعبوي معادٍ للديمقراطية، وانتصر المنطق على العنصريين واستتبت الأمور رغم ما فيها من مصائب تشكل دافعاً للدفاع عن الليبرالية لا فرصة لذمّها ولإثبات أن التسلط هو الدواء مثلما يعتبر رموز التحالف العالمي الذي يجمع ما بين أنظمة يشكل بقاءها في القرن الواحد والعشرين إهانة للإنسانية. والحِكَم المسجلة بأسماء مسؤولي هذه الأنظمة تمر في ما بين قنوات المحور بما يشبه الترجمة الفورية. ذات يوم، صعد علي خامنئي إلى منبره، وخصص خطبة لشتم لقاحَي فايزر وأسترازينيكا “لدفع الضرر عن الشعب الإيراني” ومنع استيرادهما، فخرج فوراً حسن نصرالله (هل هو فعلاً مصاب بكورونا؟) بخطاب ضد “اللقاح الأميركي” (هكذا سمّاه) الذي جزم بأنه لن يتلقاه.

صفة ثقل الدم ليست تخفيفاً عن جرم حامليها، بل لا بد أن يكون لها مقياس دقيق في طب النفس. قبل أيام، خطفت سلطات بيلاروسيا طائرة كان عليها صحافي منشق، وأنزلتها على أراضيها لاعتقال أبرز معارضي سلطة ألكسندر لوكاشينكو، المهووس بتقليد فلاديمير بوتين في كل تفصيل. ولمّا ضاقت أحوال الرجل أمام استفظاع العالم فعلته، سحب من جيبه أكذوبة لم تأخذ حقها من التنديد في العالم: الطائرة تلقت تهديداً بتفجيرها من قبل حركة “حماس”! نحن أمام هذا الحدّ من الشر عند هؤلاء إلى درجة أن سيرغي لافروف إياه، الذي يطالب اليوم بمعلومات شفافة عن أحوال حقوق الإنسان في أميركا وعن محاكمة رعاع ترامب، “صُعق” من المواقف العالمية التي نددت باختطاف طائرة “راين إير” من قبل استخبارات لوكاشينكو. وهل يعقل ألا يُصعق من سلوك كهذا، وزير خارجية سلطة تستفيق وتنام على تصفية معارضيها خارج الحدود وداخلها؟

أيام قليلة ونتفرج على مأثرة جديدة في إيران. في 18 الشهر الحالي، سنكون أمام اقتراع على الرئاسة سيقولون إنه أفضل بمليارات المرات من الانتخابات الأميركية. هناك، لن ننتظر ولن نحتار ولن تتسبب آليات الفرز وإعادة الفرز وعدد المراقبين والقوانين الناظمة للاستحقاق بأي صداع. تقدم 590 مرشحاً بأوراقهم، فقبل خامنئي 5 منهم مع أن الفارق بين المرشحين هو في ضآلة الاختلاف بين ثقل الدم والسماجة.

آه يا كيم جونغ أون، متى يحين دور انتخاباتك فتلقننا درساً في الديمقراطية؟

العربي الجديد

———————–

سورية .. حسابات النظام ورهاناته/ مروان قبلان

تقف سورية، بعد الانتخابات الصورية التي جرت الأسبوع الماضي، أمام مرحلةٍ جديدةٍ عنوانها “العطالة والجمود”، فالنظام الذي أجرى “انتخاباته” بطريقةٍ استعراضيةٍ أراد منها إعلان “انتصار”، معياره الوحيد هو استمراره، لا يعطي أي مؤشّر على استعداده لأي تسوية سياسية تخرج البلد من أزمتها الوجودية، تعيد بناء الدولة على أسسٍ توافقية، وتكفل وحدتها الترابية. واقع الحال يفيد بأن النظام يذهب في الاتجاه المعاكس، عبر الاستمرار في اعتماد الحل الأمني الذي لا يتقن غيره في التعاطي مع أزمته، والرهان على التغيرات الإقليمية والدولية لإعادة تأهيله، ولو جزئيا، وتحسين الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرته.

تمثل هذه الثلاثية استراتيجية النظام، وجوهر رهاناته، للمرحلة المقبلة، فهو يطمح إلى استعادة مناطق في الشمال والشمال الغربي خصوصا، باعتبارها التهديد الأكبر الذي يواجهه، إذ ما زالت المعارضة تمتلك وجودا عسكريا كبيرا فيها، وتتصل عبرها بحليفها الاقليمي الأكبر (تركيا). وبالفعل، تُظهر مؤشّرات أن النظام يفكّر بعمل عسكري كبير في إدلب، ويراهن على أن روسيا سوف تدعمه هذه المرّة بسبب التدهور الكبير في علاقاتها بواشنطن، وتضعضع الموقف الاستراتيجي التركي على خلفية توتر العلاقة مع إدارة الرئيس بايدن، وهو عكس ما كان عليه الحال في الهجوم الكبير الأخير على إدلب أواخر العام 2019، وأسفر عن اتفاق الخامس من مارس/ آذار 2020 بين موسكو وأنقرة. في ذلك الوقت، وقفت ادارة ترامب بقوة وراء تركيا، فأحجمت موسكو عن دعم المليشيات الإيرانية التي قادت المعركة، وتركتها مكشوفةً أمام الطائرات المسيرة التركية ففتكت بها.

يقدّر النظام أن في استطاعته استعادة أجزاء من شرق الفرات أيضا، إما من خلال تفاهم مع الأميركيين والأكراد، بحيث يحصل على بعض حقول النفط، مقابل تنسيقٍ ما ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وربما إعادة فتح المعابر الحدودية مع العراق وتركيا لإيصال المساعدات الإنسانية، أو عبر التفاهم مع تركيا التي تتفق مع روسيا وإيران بشأن ضرورة إخراج الأميركيين من المنطقة. يراهن النظام أيضا على أن أجندة الديمقراطيين وأولوياتهم في المنطقة تصب باتجاه إعادة تأهيله، ويرى أن إدارة بايدن ليست سوى استمرارٍ لإدارة أوباما التي لم تؤمن يوما بالمعارضة السورية، ولا بقدرتها على إنتاج بديل واقعي، قادر على حكم البلاد، كما أبدت استعدادا دائما للتضحية بها، لصالح التفاهم مع ايران، وأن إعادة واشنطن النظر في سياساتها في المنطقة، سوف تدفع باتجاه تطبيع عربي وإقليمي معه، فتركيا بات همها الأول إفشال مسعى إدارة بايدن لإقامة إدارة ذاتية كردية شرق الفرات. أما السعودية التي باتت حرب اليمن كابوسها الأكبر، فقد بدأت حوارا مع إيران (ومع النظام) استباقا لاتفاق أميركي – إيراني محتمل. يطمح النظام أخيرا إلى الاستفادة من تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين، وجعل سورية جزءاً من مشروع الحزام والطريق للحصول على دعم صيني كبير في عملية إعادة الاعمار، وهو أمر سيحفّز المال الخليجي للدخول على الخط.

هذه هي حسابات النظام ورهاناته، وهي تبدو على السطح ممكنةً لكنها تقوم في العمق على قراءة تبسيطية ومتناقضة للوضعين، الإقليمي والدولي. فاذا تركنا جانبا النقاش بشأن الإمكانات والقدرات العسكرية والمالية التي تتطلبها معركة كبيرة بحجم إدلب، من المستبعد أن تلتزم الولايات المتحدة التي بات الجانب الإنساني عنوان سياستها في سورية، أو أوروبا، الصمت تجاه الكارثة التي قد يخلفها هجوم على منطقة تؤوي نحو أربعة ملايين إنسان، نصفهم لاجئون. فوق ذلك، بات الوضع السوري مرتبطا بشدّة بحسابات روسيا الاستراتيجية الكبرى، وعلاقاتها الإقليمية والدولية. وهي، إذ تحشد الآن على الحدود مع أوكرانيا وأوروبا، في غنىً عن فتح جبهة جديدة في شرق المتوسط مع تركيا التي ستحظى قطعًا، في ضوء التوتر مع موسكو، بدعم أوروبي أميركي يخلّ بجهود الكرملين لإبعادها عنهم. النظام يقرأ أيضا أكثر مما ينبغي في التغيرات المحتملة في السياسات الأميركية تجاه المنطقة، وينطلق من تفكير رغبوي أكثر منه واقعي، ففي ظلّ التوتر المتزايد مع روسيا والصين، لا تبدو إدارة بايدن في وضع يسمح لها بأكثر من إعادة ترسيم، وليس تغيير، تحالفاتها الإقليمية والدولية. ولن تحصل عملية إعادة الإعمار، على الأرجح، على نطاقٍ واسع في غياب استقرار سياسي وأمني، واستمرار العقوبات الأميركية والأوروبية. هذا يعني أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد الممكن للخروج من عنق الزجاجة. البديل هو استمرار الجمود بانتظار تغيرٍ ما، يقلب الموازين، وهو أمرٌ محتملٌ.

العربي الجديد

————————–

تلميع الأسد عربياً..قيصر يعرقل تزاوج الاستبداد والخوف

نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريراً حول الانتخابات الرئاسية السورية تحت عنوان “الأسد صديق العرب مجدداً” تناولت من خلاله التقارب العربي مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وسكوت الدول الأوربية عن التجاوزات خلال الانتخابات، وكيف تحاول بعض الدول العربية تلميع صورة الأسد.

ووصفت المجلة الانتخابات بالمسرحية، فهي جرت في ظل أجواء غير ديمقراطية، ولم يكن هناك أدنى شكّ بإعادة انتخاب الأسد لولاية رابعة.

واستطلعت المجلة آراء بعض السوريين من الانتخابات الأخيرة، حيث وصف محمد وهو من حيّ الميدان في دمشق الانتخابات ب”النكتة”، بينما وصفها المحامي أحمد، والذي فرّ من دير الزور السورية إلى السويد، ب”الوهمية”، و”الخالية من الشرعية” في ظلّ غياب المراقبين الدوليين. بدورها وصفت سارة وهي من الطائفة العلوية ولاجئة إلى إيطاليا، الانتخابات ب”عرض دمى يتحكم بها الأسد بنفسه.”

وخلال حملته الانتخابية استخدم الأسد شعار “الأمل بالعمل”، في إشارة إلى تركيز نظامه على إعادة إعمار سوريا، كما حاول الأسد بحسب المجلة، أن يظهر للعالم كيف أن المؤسسات السورية ما زالت تعمل، وهي قادرة على إجراء الانتخابات الرئاسية بطريقة آمنة، ويمكن بذلك عودة السوريين إلى بلدهم.

وعلى ما يبدو فقد انطلت المسرحية السورية على بعض الدول العربية وخاصة الخليجية منها، حتى أن أصدقاء سوريا بدؤوا بالضغط باتجاه تخفيف العقوبات الأميركية على دمشق، فالأسد قد عزز قبضته الأمنية والسياسية بعد الانتخابات الأخيرة، ولكن يبقى السؤال: هل التقارب هذا سيحصل في مكان آخر؟.

ووضعت المجلة التعاطي مع الأسد ك”حليف” في وجه طموحات الدول غير العربية في المنطقة كتركيا وإيران، رغم أنه لسنوات عديدة كان شخصاً غير مرغوب به، إلا أن صورته بدأت تُلمّع في البلدان العربية، حيث فتحت الإمارات أبواب سفارتها في دمشق، واعتبرت أن الأسد شخص مفيد في التحالف المناهض لتركيا وجماعة الإخوان المسلمين.

وقال المحلل في معهد “نيو لاينز” في واشنطن نيكولاس هيراس إن “الدول العربية التي تشعر بالقلق من أي احتجاجات مسلحة في بلدها تحاول الاستفادة من خبرات الأسد الاستبدادية”.

بدورها قدمت السعودية مبادرات في محاولة منها لإغراء الأسد لفك شراكته مع إيران، بينما وجدت دول عربية أخرى في الأسد شريكاً في مواجهة الإسلاميين من جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وتحاول السعودية والإمارات دفع تكاليف إعادة إعمار سوريا والسعي إلى التعاون الاستخباراتي لمواجهة الإسلاميين، وتقليص الدور الإيراني في الأراضي العربية.

بدوره يقول مستشار المخاطر الجيوسياسية سامي حمدي إن الأسد محبط من تقويض وكالته من قبل موسكو وطهران. ويضيف أن التوسع التركي جعل من الأسد شخصاً مقبولاً، إذ بدّل التوسع التركي أولويات الدول الخليجية.

ومع التقارب الخليجي مع سوريا، تبقى قطر الدولة الوحيدة التي تقف ضد الأسد، ولا تزال على موقفها الرسمي الرافض للأسد.

ويرى الرئيس التنفيذي لمركز تحليلات دول الخليج جورجيو كافيرو إنه لا يعتقد أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستعاقب الحكومات العربية لقبول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. لكنه أضاف أنه لا يعتقد أيضاً أن بايدن سيرفع العقوبات بموجب قانون قيصر ويسمح بالاستثمار في سوريا.

ويتابع كافييرو: “نتيجة هذه العقوبات المعوقة التي فرضتها الولايات المتحدة على دمشق، أعتقد أن إيران ستكون في وضع قوي لاستغلال الوضع وتعزيز نفوذها في سوريا. هذا سبب رئيسي لعدم ارتياح بعض دول مجلس التعاون الخليجي لاستمرار إدارة بايدن في فرض عقوبات عهد ترامب على دمشق”.

وقالت “فورين بوليسي”: “يؤكد عدد متزايد من مراقبي واشنطن أيضاً أنه نظراً لأن إدارة بايدن حريصة على التمحور في آسيا والقيام بأقل قدر ممكن في الشرق الأوسط، فقد قررت تسليم معظم عمليات صنع القرار إلى الجهات الفاعلة الإقليمية، طالما أنه يمكنها تأمين المصالح المشتركة”.

لقد استسلمت الولايات المتحدة بالفعل لحقيقة أنه لا توجد طرق قابلة للتطبيق للإطاحة بنظام الأسد وهي الآن تستكشف جدوى إنشاء “نموذج عراقي يُمنح فيه الأكراد الحكم الذاتي وبالتالي يكونون بمثابة نفوذ أميركي”.

وأكدت المجلة أن الانتخابات الأخيرة في سوريا المنقسمة أظهرت أن الأسد ربما يوافق على

الوضع الراهن إذا أنهى ذلك وضعه المنبوذ عربياً وقال للغرب أن الأولوية للاستقرار على حساب الديمقراطية. ويأمل الأسد أن تنظر واشنطن في الاتجاه الآخر بينما هو يحاول إعادة بناء الدولة الممزقة. لكن ليس من الواضح بعد ما إذا كانت إدارة بايدن ستنظر حتى في نهج تدريجي لتخفيف العقوبات مقابل الإصلاح. في كلتا الحالتين، فإن الدول العربية المنغمسة في مخاوفها الأمنية والإقليمية لديها أسبابها الخاصة لمواصلة الوقوف إلى جانب الأسد.

المدن

———————-

الأسد انتقم من رافضي التصويت له..بزجّهم في السجون

وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان  ما لا يقل عن 162 حالة اعتقال تعسفي خلال شهر أيار/مايو، إضافة إلى تسجيل عشرات آلاف حالات حجز للحرية لساعات استهدفت عشرات آلاف الطلاب والعاملين في مؤسسات حكومية لإجبارهم على التصويت لصالح بشار الأسد.

وسجّلت الشبكة ضمن تقريرها، 34 حادثة من عمليات الاعتقال والاحتجاز التي استهدفت مدنيين على خلفية عدم مشاركتهم وتصويتهم لصالح بشار الأسد، ترافقت مع مصادرة الهويات الشخصية وتهديدات بالاعتقال إن لم يذهبوا للتصويت للأسد.

وأوضح التقرير الذي جاء في 35 صفحة، أن معظم حوادث الاعتقال في سوريا تتم من دون مذكرة قضائية لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة، وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية.

كما وثّق التقرير في الشهر نفسه ما لا يقل عن 162 حالة اعتقال تعسفي بينها 5 أطفال على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، تحوّل 111 منهم إلى مختفين قسرياً، حيث اعتقل النظام 97 شخصاً بينهم 3 أطفال، في حين احتجزت قوات سوريا الديمقراطية 48 بينهم طفلان. كما ذكر التقرير أن الجيش الوطني احتجز 11 مدنياً، أما هيئة تحرير الشام فقد احتجزت 6 مدنيين.

واستعرض التقرير توزّع حالات الاعتقال التعسفي في أيار/ مايو بحسب المحافظات، حيث كان أكثرها في محافظة دير الزور، تلتها طرطوس.

وبحسب التقرير فإن  قوات النظام لم تتوقف عن ملاحقة واستهداف المدنيين في مناطق سيطرتها على خلفية معارضتهم السياسية وآرائهم المكفولة بالدستور السوري والقانون الدولي.

وقال التقرير إن من خلفيات الاعتقال والاحتجاز التي سجلت في أيار/مايو، استمرار قوات النظام بملاحقة واعتقال الأشخاص الذين أجروا تسوية لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها أن وقَّعت اتفاقات تسوية مع النظام.

وتركّزت هذه الاعتقالات في محافظتي ريف دمشق ودرعا. كما سُجلت عمليات اعتقال عشوائية بحق مواطنين في محافظة حماة، يُعتقد أنها جرت بناءً على تقارير أمنية كيدية بسبب مواقفهم المعارضة للنظام. كما رصد التقرير عمليات اعتقال لمدنيين في محافظة دمشق على خلفية ترديدهم عبارات مناوئة للنظام، وتمزيق صور بشار الأسد.

وعلى صعيد منفصل سجل التقرير إفراج النظام عن ما لا يقل عن 76 شخصاً بينهم 17 سيدة من المدنيين والموظفين الحكوميين والإعلاميين والطلاب الجامعيين والسياسيين ممن قاموا بانتقاد الفساد والأوضاع المعيشية في مناطق سيطرته. وقد تراوحت مدة اعتقال معظمهم ما بين شهرين إلى ستة أشهر، إضافةً إلى  إخلاء قوات النظام سبيل 54 شخصاً، بينهم 3 أطفال وسيدة، وذلك بعد انتهاء أحكامهم التعسفية.

———————

رئيس فاشل خارج الزمن السوري/ فاروق يوسف

حين تم تعيين بشار الأسد عام 2000 رئيسا لسوريا، خلفا لوالده، كان ذلك فرضا حزبيا شاركت فيه الأجهزة الأمنية بأنواعها. لم يكن رأي الشعب ليميل إلا إلى السلم الأهلي الذي راهن الحزب على أن الأسد الشاب هو ضمانته.

كان الحزب الحاكم مهتمّا في حقيقة الأمر بسلمه الداخلي. فكان الرهان على بشار لا ينطوي على مغامرة قد تدخل البلاد في متاهة خلافات داخل الحزب ستمتد بالضرورة إلى الأجهزة الأمنية التي ارتبطت سمعتها بالقمع المبالغ فيه فيما لو حل شخص آخر محله.

كان رضا الشعب من رضا الحزب بعد ثلاثين سنة من حكم حافظ الأسد الذي لا يمكن الوثوق بشعبيته حتى لو كان ملاكا. فالرئاسة وظيفة يمكن أن تستهلك عبر الزمن. لذلك فقد قام النظام الديمقراطي بوضع سقف لها لا يتجاوز الثماني سنوات. بعدها تحل السخرية المشبعة بالملل والضجر والشعور بأن شيئا من الرثاثة قد تسلل إلى مفاصل الدولة.

لذلك سعى الأسد الشاب إلى تجديد شباب الدولة. لكنه ذهب في اتجاه يمكن اعتباره تزيينيّاً ما دام لم يمس صلاحيات الحزب ولا يحد من تغوّل الأجهزة الأمنية. وهو ما جعل عهد الرئيس الجديد يبدو كما لو أنه امتداد لعهد الرئيس الذي سبقه. كان حافظ الأسد يحكم من قبره وما كان بشار إلا واجهة، تبين في ما بعد أن وجودها لم يكن كفيلا بضمان السلم الأهلي.

عام 2011 فشل الرجل في أول تجربة عنيفة يواجهها حين عجز عن احتواء الحراك الشعبي الذي أصرّ السوريون على سلميته عبر ستة أشهر من القتل والعنف الذي لم يكن استعماله مبررا.

كان السوريون يتطلعون إلى أن يكون الرئيس الشاب وسيطا بينهم وبين الدولة وليس خصما يواجههم بأسلحة دولة صارت ثقيلة بوجودها ورثة بسلوكها ومستهلكة بمعالجاتها. غير أنه خذلهم منذ الخطاب الأول في تعليقه على أحداث درعا وما تلاها حين تعامل معهم باعتبارهم شعبا غير ناضج ولم تعنه تجربته في الحياة على فهم التطورات التي شهدتها وتشهدها الحياة السياسية في سوريا.

صدم بشار الأسد الشعب بتعاليه وتثاقفه ونبرة السخرية في صوته. للأسف شخص من نوعه لن يكون غير قادر على تقدير المسؤولية التي يضطلع بها ولا الموقع الذي يخاطب الآخرين من خلاله وحسب بل هو غير قادر على أن يرى الشعب بعين الابن لا بمنظار الحاكم المستبد.

لم يكن الشعب الذي تربّى في دولة حافظ الأسد قد اتخذ حتى تلك اللحظة موقفا سلبيا من الرئيس غير أن الرئيس نفسه كان قد حسم خياراته فانحاز إلى جانب مؤسسته القمعية ولم يخيّب ظن الحزب به. كان أقل ما يوصف به أنه ارتضى لنفسه أن يكون دمية يحرّكها الحزب والأجهزة الأمنية من غير أن يكون لفلسفته القائمة على الحذلقة اللغوية الفارغة أي تأثير على الأحداث.

كان بشار رئيسا في نظام رئاسي مع وقف التنفيذ.

عام 2011 فشل الرجل في أول تجربة عنيفة يواجهها حين عجز عن احتواء الحراك الشعبي الذي أصرّ السوريون على سلميته عبر ستة أشهر من القتل والعنف الذي لم يكن استعماله مبررا

ذلك لا يعني أنه كان بريئا من القرارات التي تم اتخاذها في اللحظات الحرجة بقدر ما يعني أن امتناعه وعزوفه عن التعامل مع الشعب باعتباره رئيسا منتخبا قد أدى إلى أن تكون كل القرارات سيّئة بما يتماشى مع مصلحة الحزب والأجهزة الأمنية. كان دائما الوارث الذي تم تعيينه في منصب لم يكن له لولا حاجة الحزب والأجهزة الأمنية إلى ذلك.

للأسف لم تكن سوريا تستحق ذلك.

فبالرغم من أن العنف الذي مارسه حافظ الأسد وهو عنف ناعم ولم يكن صاخبا إلا في حالة حماة عام 1982 فإن المجتمع المدني في مختلف المدن السورية الكبرى كان متقدما على الدولة وسابقا لها وكان من الممكن للدولة أن تتحرّر من ثقلها ورثاثتها لو أنها قامت بتلبية حاجات ذلك المجتمع المعاصر والوطني في الوقت نفسه.

كانت سوريا المجتمع المدني تتوقع من الرئيس الشاب أن يصحّح مسار الدولة المرتكز خطاً على الحزب في علاقة غير صحيحة كانت الأجهزة الأمنية قد وفرت لها كل سبل الحماية. غير أنه لم يفعل ولن يفعل بالرغم من أن وجوده في الرئاسة لثلاث دورات قد وضعه في مختبر جحيم غير مسبوق انتهى إلى أن يُمحى الجزء الأعظم من سوريا تحت ركام من الخرائب فيما عشرة ملايين من السوريين تتوزع بين اللجوء والنزوح والتهجير الداخلي.

نتيجة سيئة لا يفخر بها أحد.

من الغريب فعلا أن يُسر بشار الأسد لكونه رئيسا للمرة الرابعة.

كان الأولى بالرئيس الأسد أن يرأف بنفسه ويكون صريحا معها ويتقاسم الفشل مع الشعب فيتخلى عن ذلك الوهم الذي اسمه الرئاسة.

————————–

نصف مليون قتيل خلال عقد من الحرب السورية

بينهم 27 ألفاً من فصائل متطرفة… وموسكو تتحدث عن جهود غربية لتخفيف مواقف الجولاني

بيروت – لندن: «الشرق الأوسط»

أسفرت الحرب في سوريا عن مقتل نحو نصف مليون شخص؛ بينهم أكثر من مائة ألف تمكن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مؤخراً من توثيقهم، في حصيلة جديدة للنزاع المستمر منذ أكثر من 10 سنوات.

ووثق «المرصد» مقتل 494.438 شخص منذ بدء النزاع في سوريا في مارس (آذار) عام 2011 حين خرجت احتجاجات سلمية تطالب بالإصلاحات وإسقاط النظام قبل أن تواجهها السلطات بالقمع وتتحول إلى نزاع مسلح.

وكان «المرصد» أحصى في آخر حصيلة نشرها في ذكرى اندلاع النزاع في مارس الماضي مقتل أكثر من 388 ألف شخص.

وأوضح مدير «المرصد»، رامي عبد الرحمن، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الأشهر لأخيرة، التي شهدت هدوءاً غير مسبوق في النزاع، «أتاحت لنا فرصة لتوثيق عشرات آلاف القتلى، الذين كانت لدينا معلومات غير موثقة حولهم».

ومنذ مطلع العام الحالي، تمكن «المرصد» من توثيق مقتل 105.015 شخص. وأوضح عبد الرحمن أن غالبية هؤلاء قضوا بين نهاية عام 2012 ونهاية 2015؛ وبينهم 42 ألفاً و103 مدنيين، فارق جزء كبير منهم الحياة تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري.

وتراجعت حدة المعارك في سوريا منذ أكثر من عام خصوصاً جراء اتفاق روسي – تركي لوقف إطلاق النار في منطقة إدلب ومحيطها في شمال غربي البلاد، إثر هجوم واسع لقوات النظام بدعم من موسكو، ومن ثم في ظل تداعيات تفشي فيروس «كورونا».

وسجل العام العاشر للحرب أدنى حصيلة للقتلى منذ اندلاع النزاع.

وتتضمن حصيلة القتلى الأخيرة 159.774 مدني؛ بينهم أكثر من 25 ألف طفل. وقتل غالبية المدنيين جراء هجمات عسكرية لقوات النظام السوري والمجموعات الموالية لها.

وبين القتلى أكثر من 168 ألف مقاتل من قوات النظام والمجموعات الموالية لها؛ أكثر من نصفهم من الجنود السوريين، فضلاً عن 79 ألفاً و844 قتيلاً من الفصائل المقاتلة، و27 ألفاً و765 آخرين من مجموعات متطرفة بينها «هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)»، و40 ألفاً و628 عنصراً من تنظيم «داعش».

ووثق «المرصد» مقتل 57 ألفاً و567 في معتقلات النظام وسجونه، فيما لا يزال يعمل على توثيق مقتل أكثر من 47 ألفاً أيضاً تحت التعذيب وجراء ظروف السجون السيئة.

ولا يزال مصير عشرات الآلاف من المفقودين والمخطوفين لدى أطراف النزاع كافة مجهولاً.

وبفضل دعم عسكري حاسم من حليفيها إيران ثم روسيا، باتت القوات الحكومية تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد، فيما يعاني السوريون من تداعيات أزمة اقتصادية خانقة مع نضوب موارد الدولة وانهيار قيمة العملة المحلية، في ظل عقوبات اقتصادية غربية.

وتسيطر «هيئة تحرير الشام» على نحو نصف مساحة محافظة إدلب ومناطق محاذية لها، فيما تقع مناطق حدودية في شمال حلب تحت سيطرة القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها. وتسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» والإدارة الذاتية الكردية على مناطق واسعة في شرق وشمال شرقي البلاد.

وأدت 10 سنوات من الحرب إلى دمار البنى التحتية واستنزاف الاقتصاد ونزوح وتشريد أكثر من نصف سكان سوريا داخل البلاد وخارجها.

والأسبوع الماضي، أعيد انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد، كما كان متوقعاً، لولاية رابعة، في انتخابات رئاسية هي الثانية منذ اندلاع النزاع. وقد شككت قوى غربية ومعارضة في «نزاهتها». وحاز الأسد، وفق السلطات، 95.1 في المائة من الأصوات.

ويرى محللون أن نتيجة الانتخابات شكلت «المسمار الأخير في نعش» الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل سياسي ينهي النزاع الدامي، كما أنها رسالة من الأسد بأن «أحلام إطاحته تلاشت».

إلى ذلك، قال موقع «روسيا اليوم» إن وزارة الخارجية البريطانية «رفضت التعليق على تقرير روسي حول لقاء بين ممثل عن هيئة الاستخبارات الخارجية البريطانية (MI – 6)، وزعيم تنظيم (جبهة النصرة)، أبو محمد الجولاني، في سوريا».

وقال متحدث باسم الوزارة، رداً على سؤال من وكالة «تاس» الروسية، التي نشرت التقرير الاثنين، حول اللقاء: «لن نقدم أي تعليقات بشأن هذا الموضوع».

ونقلت «تاس»، الاثنين، عن مصدر دبلوماسي في موسكو أن «لقاءً عقد مؤخراً بين زعيم التحالف الإرهابي الدولي (هيئة تحرير الشام) قائد (جبهة النصرة)، أبو محمد الجولاني، وممثل (MI – 6) البريطانية، المبعوث الخاص البريطاني الأسبق إلى ليبيا، جوناثان باويل». وأوضح المتحدث أن اللقاء أجري مؤخراً في منطقة إدلب لخفض التصعيد بالقرب من معبر باب الهوى على الحدود السورية – التركية، مشيراً إلى أن المحادثات كان في صلبها موضوع إمكانية شطب اسم «هيئة تحرير الشام» من قائمة التنظيمات الإرهابية.

يذكر أن باويل دبلوماسي بريطاني سابق ويرأس مجموعة مستقلة تعمل في مجالات الوساطة بين أطراف النزاعات في أماكن مختلفة، ولا علاقة رسمية له مع الحكومة أو مؤسساتها.

—————————–

من هم المشايخ الذين دعوا لبشار بالحفظ؟/ مصطفى عباس

كل مظاهر الاحتفال المبالغ بها أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أو ما سموه “العرس الوطني” الذي أقيم على أنقاض الوطن قد مرت مرور الكرام، كعادةٍ درج النظام عليها منذ نصف قرن، ولا شيء جديد، فهذه التمثيلية لا تمل مخابرات الأسد من تكرارها، وإن اختلف ممثلو الكومبارس مع كل بيعة في عهد الأب ووريثه.

لكن المشهد الذي بدا غير عادي وغير مألوف هو المشايخ الذين كانوا يسيرون إلى الانتخابات فيما يشبه العراضة، ويدعون الله أن يحفظ بشار الأسد! في مشهد يستحق التوقف عنده كثيراً، فالخطباء مجبرون على الدعاء على المنابر، ومن لا يدعو لبشار يتم فصله مباشرة، وجرجرته بين فروع المخابرات، وهؤلاء هنا مكرهون وربما ينطبق عليهم حكم “إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان” ولكن أن ينبري الشيوخ الذين ينبغي أن يكونوا في طليعة الداعين للحق والعدل بالدعاء لحاكم مجرم سفاح في هكذا مشهد، لعمري إنها لقمة الخزي والعار، فضلاً عن الفسوق والنفاق، وهذا ما لا يمكن تبريره أو إيجاد مسوغ له، وقد سارع شيخ قراء الشام كرَيِّم راجح للتنديد بهم وبسلوكهم، واصفاً إياهم بمشايخ السلطان الضالين والمضلين، وبأنهم باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم.

كانت استراتيجية النظام الأخيرة إظهار المكون الذي يمثل غالبية الشعب السوري بأنه مؤيد للنظام، وكانت كاميرات النظام ووسائل إعلامه ومنصاته على وسائل التواصل الاجتماعي تسلط الضوء بعدسة مكبرة على هذه الفئة ومناطقها بالذات، وتظهر الاحتفالات الصاخبة وما يرافقها من حلقات الدبكة الوطنية، فبشار الأسد اقترع في مدينة دوما التي قصفها بالكيماوي وهجر أهلها، وتعمد إعلامه إظهار شيخ دوماني ملتحٍ خلفه، وأضخم حفلات النظام أقيمت في حي بابا عمرو الحمصي الشهير، والذي كان من أول الأحياء التي هجر أهلها عام 2012.

ولا يأتي دعاء هؤلاء المشايخ وتصويرهم ونشره على نطاق واسع إلا ضمن هذه الاستراتيجية.. مشايخ يُقال إنهم من جماعة الشيخ الصوفي أحمد عادل خورشيد المعروف بـ “أبو النور”، المتوفى عام 2010، وهذه الجماعة كان حتى مشايخ السلطان يعتبرونها مهرطقة ومن غلاة الصوفية، وكانوا يتندرون كثيراً على شيخها أبو النور الذي كان يوزع ما يشبه صكوك الغفران على أتباعه، ويقول في فيديو شهير إنه رأى في المنام أنه وجماعته كانوا في الجنة وكانت امرأتان تريدان اللحاق بهم فمنعهما الحرس من الملائكة، ولكن عندما قالتا إنهما من جماعة الشيخ أبو النور تم فتح الأبواب على مصراعيها لهما!

هذه الجماعة التي تعرف بأنها تعطي المريد كماً كبيراً من الأوراد والأذكار لكي يرددها ويبتعد عن جو الحياة العامة، في مظهر من مظاهر السلبية والتواكل. وقد كان لي في المدرسة صديق من هذه الجماعة، وكان يردد ببغائياً كثيراً من الأذكار، استعداداً لكي يسلموه الطريقة، بمعنى أنه سيصبح عضواً فيها ويسلك طريقها. وأذكر ذات مرة أن أحد الأصدقاء قد شتم الشيخ أبو النور خورشيد، فانفعل صديقنا المريد وغضب وشتم الدين كردة فعل على شتم شيخه!

كثير من الطرق الصوفية كان لها موقف سلبي من الثورة السورية، فهي مرتبطة ارتباطا شبه عضوي بالنظام الذي أعاد ترتيبها منذ نصف قرن على هواه، حتى جعلها تشعر كما الأقليات أن أي تغيير لنظام الحكم سيضعفها ويلغي امتيازاتها، فسيف السلفية والإخوان دائماً مشهر في وجه هذه الجماعات، التي بالأساس تؤمن بمبدأ ولاية المتغلب القائم على “السمع والطاعة لولي الأمر”، ولا تحبذ أبداً الثورة على الظالم لو مهما بلغ الظلم مبلغه.

لا شك أن حال رجال الدين ينعكس على المجتمع، فلكم أن تتخيلوا بلداً فيها شيوخ ذوو نفوذ على شاكلة جماعة أبو النور خورشيد.

كانت أمي في بداية التسعينات متأثرة كثيراً بمواعظ الشهير “مروان شيخو” وقد بدأت تلتزم دينياً نتيجتها، وخصوصاً برنامجه الإذاعي الذي كان يبث في رمضان بعد أذان المغرب “حديث الإفطار” الذي كانت لا تفوته، وبلغ من شدة تأثر أمي أنها دعت جارتنا أمل القادمة من القرداحة للاستماع لهذا الشيخ والداعية المؤثر، ورغم أن مروان شيخو قد أسبغ على حافظ الأسد كثيرا من الصفات كـ “الرئيس المؤمن” مثلاً، ولكن جارتنا أمل لم ترَ في شيخو إلا منافقا، وعندما أصرت أمي، قالت لها أمل بكل ثقة إنكِ لا تعرفين شيئاً وإن شيخو عربيد وإن “بطحته هالقد” بمعنى أنه سكير خمير، ربما يكون لدى جارتنا السابقة معلومات استخبارية فهي من عظام رقبة النظام.

الآن بعدما رأينا ما رأينا، باتت هناك قناعة أن كثيراً من رجال الدين قد ربّوا على عين النظام، ولهم أدوار مرسومة بدقة، ما أن يتجاوزوها حتى تأذن نهايتهم التي لا يريدونها.. نهاية ما هي إلا مستمسك عن انحراف سلوكي وأخلاقي يكون لدى أجهزة الاستخبارات عن هذا الداعية أو ذاك المسؤول، يظهر فيما لو خالفوا التعليمات والتوجيهات.

———————————-

السلوك الاحتفالي الزائف في المسرحية الانتخابية/ طلال المصطفى

عبّر بعض السوريين المعارضين عن صدمتهم الاندهاشية، في وسائل التواصل الاجتماعي، من بعض المشاهدات الاحتفالية المبالغ فيها في مناطق النظام، في فترة الحملة الانتخابية لرئاسة الجمهورية وإعلان فوز بشار الأسد، وقد عبّر البعض عن العجز في تفسير هذا السلوك الاحتفالي من قبل بعض السوريين الذين فقدوا أعزّ الأشخاص عليهم، من خلال القتل والاعتقال الجماعي، من قبل هذا النظام السياسي الذي يحتفل باستمراره في القتل والاعتقال للسورين كافة، وقد يكون المحتفلون بعض ضحاياه في المستقبل القريب، إضافة إلى فقدانهم للحد الأدنى من مقومات الحياة من طعام وأمن.

 في محاولة علمية لتفسير هذا السلوك الاحتفالي لهؤلاء السوريين، لا بدّ من تحليل البنية النفسية الاجتماعية للشخصيات المحتفلة بهذه المناسبات السياسية، التي ينسق ويجند النظام السوري مؤسسات الدولة السورية كافة لها مسبقًا.

في البداية، لا بدّ من الاعتراف بالازدواجية الشخصية المتغلغلة في البنية النفسية والاجتماعية لهؤلاء المحتفلين في هذه المسرحية الانتخابية، حيث يعيشون حالة صراع بين قيم ومثل عليا متوفرة في شخصيتهم، وفي الوقت نفسه لديهم استعداد للانحراف والتخلي عنها في الوقت الذي يجدون فيه خطرًا يحيط بهم كالاعتقال والموت أو التهجير، لذلك تجدهم يشاركون في هذه الاحتفالات لتجنب هذه الأخطار.

في مقابلة أولية لنماذج من هذه الشخصيات السورية في أثناء هذه الاحتفالات، تجدها تميل إلى إبراز عناصر القوة والغلبة تجاه السوريين الآخرين في احتفالاتهم، وفي الوقت نفسه، يشكون من ظلم وقهر مؤسسات النظام السوري وخاصة الأمنية؛ فالعاملون في مؤسسات الحكومة يشتكون من هواجس الفصل من العمل وانقطاع الدخل المالي الذي يكاد يؤمن لهم لقمة الخبز، والمزارع يشتكي من الامتناع من تزويده بالمحروقات اللازمة لسقاية محصوله الزراعي، والصناعي يشتكي من قلة المواد الأولية لمنشئته الصناعية، حتى النساء تشتكي من هواجس منع استلام ربطة الخبز عن طريق البطاقة الذكية المخصصة لكل عائلة، وكذلك حال غيرهم ….

لذلك نجد أن مبررات مشاركاتهم الاحتفالية مع النظام بالانتخابات التي يدرك السوريون كافة عدم شرعيتها ونزاهتها، هي الخوف من القتل والاعتقال، وفي الوقت نفسه هم يرغبون في أن يكونوا مصدر قوة وخوف للآخرين، كونهم يعلنون موالاتهم للنظام الحاكم، إضافة إلى حالة (النوستالجيا) التي أصابت العديد من السوريين، بعد ثورة 2011 الناتجة عن الإحباط الذي تغلغل في شخصياتهم، بعد الفشل في إسقاط النظام الذي كان سقوطه قاب قوسين أو أدنى بالنسبة إلى معظم السوريين، وبالتالي الحنين إلى العودة إلى ما هو معتاد من سلوكيات احتفالية، تُظهر الولاء للنظام السوري والشعور بالأمن والاستقرار كما كان قبل 2011، بحسب اعتقادهم.

كذلك كان لطبيعة النظام السوري الاستبدادية الذي يحكم منذ خمسة عقود دورٌ في تنشئة معظم السوريين على الخضوع وعدم الاقتراب من معارضة السلطة أو نقدها، لذلك تمحورت تنشئتهم على الكوابح والحدود والخطوط الحمراء التي زرعت في نفوسهم المخاوف من التفكير المنطقي والحرّ والاحتجاج، كنتيجة طبيعية لهذا الاستبداد الوحشي الذي اعتاد قتل واعتقال من يخرج على سلطته، وهذا ما ساعد في نكوص بعض السوريين عن الثورة والمعارضة، والعودة إلى احتفالات النظام السوري المعتادة قبل 2011.

نلحظ في السنوات الأخيرة التي تلت الثورة، ومن بعدها الحرب، وجود ثلاثة أنماط من السلوك السياسي لدى السوريين بالتعاطي مع الشأن السياسي السوري: الأول أصحاب السلوك الرافض للتغيير الذين وقفوا إلى جانب النظام وقاتلوا إلى جانبه المحتجين والمتظاهرين من الأيام الأولى لثورة 2011، الذين يشكّلون النمط الثاني من السوريين الذين تشتتوا في المعتقلات والقتل والتهجير القسري خارج سورية، والنمط الثالث هم أصحاب السلوك الذين يرغبون في التغيير ويتعاطفون مع المحتجين، ويتمنون أن يكونوا معهم، ولكنهم في الوقت نفسه لا يرغبون في الاصطدام مع النظام السوري حتى لا ينالوا ما نال المعارضين والمحتجين من اعتقال وموت وتهجير قسري خارج سورية.

في ضوء ما تقدّم، أصبح السوريون أمام نمطين من السلوك السياسي في مناطق النظام السوري: الأول نمط متشبع بقيم الموالاة للسلطة والخضوع لها، وقد عبّر عن ذلك في هذه السلوكيات الاحتفالية المبالغ فيها، والنمط الثاني نمط سلوكي جديد يتبنى قيم التغيير والحرية، وقد أصبح معظمه خارج سورية، أو اضطر إلى الاختفاء في البيوت في احتفالات النظام، لذلك بدا للمشاهدين من خارج سورية أن السوريين كافة يوالون هذا النظام، من خلال التعبير عن ذلك بهذه الاحتفالات الانتخابية المبالغ فيها.

أيضًا، يمكن الاستفادة بتفسير هذا السلوك الاحتفالي بما أشار إليه الأكاديمي الأميركي (دافيد باتريك هوتون) في بحثه «علم نفس الطاعة» بـ “الطاعة السياسية” أي ما يجعل الأفراد يطيعون سلطة عليا مثل النظام الاستبدادي حتى لو كانت هذه الطاعة المطلقة  تتناقض مع القيم والأخلاق المثلى التي يتبنونها نظريًا.

استنادًا إلى العديد من النظريات النفسية والاجتماعية؛ يمكن تفسير هذا السلوك الاحتفالي في المسرحية الانتخابية الهابطة التي أنجزها النظام السوري على أنقاض المدن السورية والمقابر الجماعية وغياب ملايين السوريين نتيجة التهجير الممنهج من قبله، بالآتي:

    تبين أن هناك علاقة بين السلوك السياسي (الاحتفالي) والشعور بالقوة داخليًا التي افتقدها بعض السوريين المواليين للنظام السوري خلال الثورة والحرب في السنوات العشرة الأخيرة.

    يمكن الربط بين السلوك السياسي الاحتفالي لدى هؤلاء المحتفلين، وبين النزعة السلطوية المتغلغلة في التكوين النفسي لبنية شخصيتهم التي يمكن التعبير عنها وبروزها في مناسبات احتفالية كهذه.

    كذلك يمكن تفسير هذا (السلوك الاحتفالي) كظاهرة سائدة لدى بعض السوريين، بالشعور بالعجز واليأس واللاجدوى من الثورة والتغيير، بعد الفشل الذي أصابها في السنوات العشرة الأخيرة، أي انهيار شعور الفرد بارتباطه بالمجتمع السوري، لذلك يلجأ إلى الميل للارتباط بمؤسسات النظام السوري، وخاصة الأمنية الفاعلة في الأنساق الاجتماعية السورية كافة.

    أيضًا يمكن تفسير هذا السلوك الاحتفالي بأنه تعويض عن الحاجة غير المشبعة إلى تقدير الذات (الشخصية) لدى بعض السوريين، لذلك نلحظ اعتماد النظام على الشخصيات المتصدعة أخلاقيًا واجتماعيًا، فهي الأكثر قدرة على الطاعة المطلقة في خدمته.

    كذلك يمكن تفسير هذه الظاهرة بالجمود العقائدي لدى البعض، الذين يرفضون كل الأفكار التي تتعارض مع معتقداتهم التي اعتادوها، والذين لا يتقبلون إلا الأفكار الصادرة عن القيادة (الحكيمة)، على حد تعبيرهم، باعتبارها الأكثر دراية منهم.

    أيضًا يمكن تفسير قبول النظام السوري بهذا السلوك الاحتفالي الزائف المبالغ به، وهو الذي يدرك جيدًا أن معظم السوريين معارضون ورافضون له، بالعقاب والإذلال على نيّاتهم المعارضة له.

أعتقد أن على المعارضة السورية أنّ تدركَ أن هذه الاحتفالات الانتخابية الخلبية هي من صناعة النظام السوري، ولذلك عليها أن تجد الأساليب والوسائل السياسية الجديدة للتواصل السياسي والتفاعل مع هؤلاء المحتفلين من السوريين، وخاصة المغلوبين على أمرهم، وعدم التخلّي عنهم وعدم تركهم في خانة النظام السوري، كما يرغب ويفعل من أجل ذلك، والابتعاد عن لغة الشتائم اتجاههم، التي اعتاد النظام السوري ممارستها تجاه المعارضة كردة فعل عليها.

—————————–

فورين بوليسي”: لهذه الأسباب حصل “الأسد” على دعم دول عربية

نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريراً، تمحور حول وقوف بعض الدول العربية إلى جانب نظام الأسد في سوريا، وتحدث عن أسباب دعم هذه الدول للنظام خلال السنوات الماضية.

تقول المجلة إنه قبل عدة سنوات كان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، شخصاً غير مرغوب فيه في العالم العربي، لكن الآن بدأت عزلته تنتهي بالفعل، وأعادت بعض الدول العربية علاقتها معه.

عودة نظام الأسد للجامعة العربية مسألة وقت فقط. وأكدت أن المعارضين السابقين لعودة سوريا للجامعة أصبحوا يعاملونه أيضاً كحليف ضد طموحات الدول غير العربية في المنطقة، بما في ذلك تركيا وإيران.

وكانت الجامعة علقت عضوية سوريا في 2011.

خلال الشهور الماضية، وطدت الإمارات ومصر علاقاتها مع نظام الأسد. فقد فتحت الإمارات أبواب سفارتها في دمشق العام الماضي.

وأشارت المجلة إلى أنه مع دعم روسيا عسكرياً للنظام وتراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، مما يضمن بقاء الأسد، رآه الإماراتيون كعضو مفيد في تحالف مناهض لتركيا وجماعة الإخوان المسلمين.

وقال المحلل البارز في معهد نيولاينز، نيكولاس هيراس، إن “الدول العربية التي تشعر بالقلق من أن يصبح شعوبها مضطربة وتتحول إلى معارضة مسلحة ضدها، مهتمة الآن بتعلم الحرف التقليدية الاستبدادية من نظام الأسد”.

من جانبها، قدمت السعودية مبادرات لإغراء الأسد بعيداً عن شراكته الاستراتيجية مع إيران. كما وجدت الدول العربية الأسد حليفاً لمواجهة الإسلاميين السياسيين من جماعة الإخوان المسلمين، والحد من نفوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وبحسب المجلة الأميركية، يريد السعوديون والإماراتيون دفع تكاليف إعادة إعمار سوريا والسعي إلى التعاون الاستخباراتي مع الأجهزة الأمنية السورية لاحتواء الإسلاميين السياسيين المحليين، فضلاً عن استخدام المساعدة المالية لمواجهة النفوذ الإيراني في الأراضي العربية.

و قال مستشار المخاطر الجيوسياسية في المملكة المتحدة، سامي حمدي، إن الأسد محبط بالفعل من تقويض نفوذه من قبل موسكو وطهران، مشيراً إلى أن هذه التحالفات الجديدة ستعطيه مساحة للعب ضد روسيا وإيران.

وأضاف حمدي “بدأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على نحو متزايد في تبني خطاب قومي عربي ويعتقد أنه قد يكون من الممكن كسر الروابط بين إيران وحلفائها العرب من خلال مناشدة القواسم المشتركة العربية المتمحورة حول العرق”. وتابع: “كما غيّر توسع تركيا أيضاً أولويات دول الخليج وجعل الأسد حليفاً محتملاً”.

وذكرت مراسلة المجلة في الشرق الأوسط، أنشال فوهرا، أن العديد من المسؤولين السوريين أخبروها في عام 2017 أن “الأشقاء العرب” سيدفعون الملايين اللازمة لإعادة الإعمار. وأضافت أنه بعد عام، أكد لها مصادر لبنانية مقربة من النظام السوري أن السعوديين بدأوا تعاوناً استخباراتياً مع الأسد.

في أوائل الشهر الماضي، كشفت تقارير عن اجتماع بين رئيس المخابرات العامة السعودية، الفريق الركن خالد الحميدان، ونظيره السوري اللواء علي مملوك.

وتعتبر قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي تقف ضد الأسد، لكن الخبراء يقولون إنه حتى الدوحة تدرك أنه لا يوجد الكثير لتكسبه من معارضة الأسد.

وقال جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها واشنطن، إنه لا يعتقد أن إدارة بايدن ستعاقب الحكومات العربية لقبول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. لكنه أضاف أنه لا يعتقد أيضاً أن بايدن سيرفع العقوبات بموجب قانون قيصر، ولن يسمح بالاستثمار في سوريا.

وتابع كافييرو: “نتيجة هذه العقوبات المعوقة التي فرضتها الولايات المتحدة على دمشق، أعتقد أن إيران ستكون في وضع قوي لاستغلال الوضع وتعزيز نفوذها في سوريا”. وأوضح “هذا سبب رئيسي لعدم ارتياح بعض دول مجلس التعاون الخليجي لاستمرار إدارة بايدن في فرض عقوبات عهد ترامب على دمشق”.

وذكر تقرير المجلة الذي ترجمه موقع “الحرّة” أن واشنطن “استسلمت بالفعل لحقيقة أنه لا توجد طرق قابلة للتطبيق للإطاحة بنظام الأسد”، وأشارت إلى أنها “تفكر في إنشاء نموذج العراق في سوريا، يُمنح فيه الأكراد الحكم الذاتي وبالتالي يكونون بمثابة نفوذ أميركي على السياسة السورية، بنفس الطريقة التي يعمل بها كردستان العراق كوسيلة ضغط أميركية على بغداد”.

وأكدت أن الانتخابات الأخيرة في سوريا المنقسمة أظهرت أن الأسد ربما يوافق على الوضع الراهن إذا أنهى ذلك وضعه المنبوذ.

————————

وفد روسي سرّي واتصال من علي مملوك… كيف شاركت السويداء في الانتخابات؟/ سامر مختار

بعد فشل الوفد الروسي في إقناع الشيخ حكمت الهجري بتشجيع الأهالي على الذهاب إلى صناديق الاقتراع والمشاركة بالانتخابات، بدأ النظام السوري باتباع أسلوب التهديد والترهيب.

“بعد دعوات وبيانات كثيرة من نشطاء وشباب معارضين للنظام السوري في محافظة السويداء بعدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، قام وفد روسي بزيارة الشيخ حكمت الهجري في السويداء، وطلبوا منه إبداء رأيه بموضوع الانتخابات، وتشجيع الناس على المشاركة بها.

زيارة الوفد الروسي كانت شبه سرية. لكن، بعدما انتشر خبر الزيارة في المدينة صرَّح الهجري، والذي يعتبر “شيخ العقل” الطائفة الدرزية؛ بأن هذه الزيارة لم تكن تخص موضوع الانتخابات الرئاسية، إنما الوضع العام في السويداء، ولم يضف بتصريحه أي تفاصيل حول الانتخابات.

لكن باطنياً، ومن خلال الذين كانوا هناك أثناء زيارة الروس الشيخ الهجري، فإن الأخير رفض المشاركة في الانتخابات ودعوة الناس إليها، وأخذ موقفاً حيادياً، انطلاقاً من كونه رجل دين لا سياسة، وهذا الكلام تم تصديره في ساحة المحافظة، ووصل إلى أكبر عدد من الفئات التي يمكن الوصول إليها، والمهتمة بالشأن العام”.

هكذا يروي الناشط المدني عزّام الحاج (اسم مستعار) من محافظة السويداء لـ”درج”، عن كواليس الانتخابات الرئاسية في المدينة.

حاول النظام السوري استرضاء الأهالي ووجهاء المدينة تارة، وتهديدهم تارة أخرى من أجل إرغامهم على المشاركة في الانتخابات الرئاسية في سوريا.

شهدت محافظة السويداء تحولات كثيرة على مستوى الحراك المدني السلمي منذ بداية عام 2020، إثر تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وسوء الخدمات، إضافة إلى الفلتان الأمني، وعمليات اختطاف مدنيين ما زالت المحافظة تعاني منها إلى الآن.

فحملة “بدنا نعيش” أطلقها نشطاء مدنيون في السويداء منتصف كانون الثاني/ يناير 2020، واقتصرت شعاراتها على تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية مثل شعار “تركنالكن السياسة… تركولنا خبزاتنا”، أو كتابة “بدنا نعيش” على رغيف الخبز، أو شعار ” مطالبنا شعبية… ما بدنا حرامية” في إشارة إلى فساد المسؤولين الحكوميين.

إلا أن الاحتجاجات في السويداء تصاعدت أكثر في حزيران/ يونيو 2020 وتحول الشعار من “بدنا نعيش” إلى “الشعب يريد إسقاط النظام” والمطالبة برحيل بشار الأسد.

وعلى رغم أن حال المحافظة بقيت على سوئها، لكنها باتت تشكل مصدر قلق واستفزاز للنظام السوري، الذي لم يتوقع أن تجرؤ محافظة أو مدينة خاضعة لسيطرته أو سيطرة أجهزته الأمنية، على الخروج بتظاهرات ضده وتطالب برحيله، كما أن الاحتجاجات في السويداء أخذت طابعاً سلمياً ومدنياً، ما يذكر النظام بانطلاق الاحتجاجات السلمية في عموم البلاد مطلع آذار/ مارس 2011.

لم يتحسن الوضع المعيشي لا في السويداء ولا في بقية المدن الخاضعة لسيطرة النظام السوري، واستمر الفلتان الأمني وانتهاكات العصابات التابعة لأجهزة الأمن، كما أن شبكة “السويداء 24” توثق عمليات الاختطاف شهرية في المحافظة، وقد وثقت 13 عملية خطف في السويداء في الشهر الأول من عام 2021، و9 أخرى في شباط/ فبراير، و8 حالات في آذار، و9 في نيسان.

استرضاء وتهديدات

حاول النظام السوري استرضاء الأهالي ووجهاء المدينة تارة، وتهديدهم تارة أخرى من أجل إرغامهم على المشاركة في الانتخابات الرئاسية في سوريا.

فبعد فشل الوفد الروسي في إقناع الشيخ حكمت الهجري بتشجيع الأهالي على الذهاب إلى صناديق الاقتراع والمشاركة بالانتخابات، بدأ النظام السوري باتباع أسلوب التهديد والترهيب. 

يقول عزّام الحاج: “علمنا أن اللواء علي مملوك، نائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية الأسبق، اتصل بالشيخ جربوع، شيخ العقل الثاني في المحافظة، واستدعاه إلى دمشق (لا معلومات مؤكدة إن كان الشيخ زار علي مملوك في دمشق أم أن الموضوع اقتصر على مكالمة هاتفية، أو تم إرسال مبعوث باسمه) وكان الطلب، هو خروجه لدعوة الناس للانتخابات، وتحية الرئيس بشار الأسد”.

ويتابع: “بالطبع كان هناك نوع من الرفض من قبل الشيخ يوسف جربوع، فوجهت تهديدات له وللمحافظة. لذلك كان موقف الشيخ يوسف إلى حد ما ديبلوماسياً، إذ خرج بمقابلة تلفزيونية، ودعا الناس إلى المشاركة بالانتخابات فقط، من دون ذكر أي اسم أو تلميح لأحد، وقال إن الانتخابات حق للمواطن، ودستورياً من حق المواطنين المشاركة بالانتخابات والإدلاء بأصواتهم”.

حين صدرت أسماء المرشحين ازداد الوضع سوءاً في السويداء، وأصبح الناس يجاهرون بالقول إن الانتخابات التي تجرى هي عبارة عن مهزلة حقيقية من ناحية العدد الكبير الذي تقدم للترشح في الانتخابات الرئاسية، ومن تم اختيارهم لخوض المنافسة.

وعبَّرت شريحة من الشباب في السويداء عن رفضها الانتخابات بتمزيق صور قديمة للانتخابات من ضمنها صور الرئيس بشار الأسد، التي تم تطليخ بعضها بالطلاء الأحمر، في إشارة إلى أنه قاتل وأن يديه ملطختان بالدم.  يقول عزّام: “هذه الصور قد تكفلت بها مادياً ميليشيات الدفاع الوطني في محافظة السويداء، وكانت تكلفة الصورة الواحدة 4 ملايين ليرة سورية، وتم تمزيقها، إلا أن الدفاع الوطني رفع غيرها إنما حذر، وفي بعض الأماكن المكشوفة والتي يصعب الوصول إليها وتمزيقها، وطبعت صور بأحجام صغيرة للمرشحين الاثنين، وصورة ضخمة وكبيرة جداً للمرشح الثالث بشار الأسد، بعضها كان يغطي مباني حكومية كاملة”.

في ما بعد، كانت هناك محاولة لإرضاء الناس في السويداء، من خلال الإعلان عن بعض الإصلاحات، وطرح مشكلات المحافظة، منها مشكلة المياه، والتي كان يعاني منها الأهالي منذ فترة طويلة، لكنها ازدادت سوءاً في الأشهر الماضية، فلجأ الأهالي إلى الشارع للتصعيد.

حملة من “أجل الهيب”

تزامنت أزمات السويداء المعيشية والخدمية مع مقتل شاب من قرية “أم الرمان” التابعة لمنطقة صلخد على أيدي الأجهزة الأمنية، ما دفع الشباب والنشطاء في السويداء إلى تنظيم حملة “من أجل الهيب”، احتجاجاً على قتل الشاب. واتهمت الحملة الجهات الأمنية بالفساد والتصرفات العشوائية وحماية العصابات التي تتاجر بالمخدرات.

وتعاظمت حملة “لأجل الهيب” في ساحة المحافظة، وحصلت على تأييد مجتمعي واسع، واستهدفت الحملة بانتقادتها، وجهاء وشخصيات اجتماعية ودينية مؤثرة، وما زالت الحملة مستمرة إلى الآن، والتي دعت إلى تفعيل دور القضاء والقانون في المنطقة.

يعلق عزَّام على هذه الحملة بقوله: “خلال هذه الفترة كان الوضع صعباً جداً على أجهزة السلطة، والتي حاولت خلال اجتماعات مغلقة مع وجهاء المدينة أن يقنعوا أهالي المدينة بأن القائمين على حملة ” من أجل الهيب” إرهابيون يريدون التخريب وتوريط أهالي المحافظة، لكن لم يستطيعوا ذلك، لأن الردّ كان من الناس بأن هؤلاء الشباب هم طلاب جامعيون يحاولون حماية أنفسهم وعائلتهم، ومطالبتهم بتفعيل دور القانون والقضاء وكفّ القبضة الأمنية عن المدينة، وهي مطالب محقة”.

اختفاء موقت لعصابات الأجهزة الأمنية ووعود بالإصلاحات

مع بداية أيار/ مايو 2021، وتزامناً مع حملة الانتخابات الرئاسية، اختفت العصابات التابعة للأجهزة الأمنية نسبياً من السويداء، حتى تنقلاتهم في الشوارع بالأماكن العامة باتت محصورة ببعض الأماكن ونادرة، لكنهم لم يختفوا نهائياً. وبالطبع كان اختفاء هذه العصابات في هذه الفترة، محاولة لطمأنة أهالي المحافظة، وتشجيعهم على المشاركة في الانتخابات.

كما زار وزير الموارد المائية الدكتور تمام محمد رعد والتقى القائمين على الهيئات الإدارية والاجتماعية. يقول عزام إنه “خلال الاجتماع تمت مواجهة الوزير والمسؤولين عن مديرية المياه في المحافظة، وكشف ملف الفساد، وكان رد الوزير أنه ستكون هناك إصلاحات حقيقية وستتم محاسبة الكوادر على تقصيرها.

وقبل ثلاثة أيام على موعد الانتخابات، زار رئيس مجلس الوزارء حسين عرنوس برفقة 13 وزيراً محافظة السويداء، وأعلن عرنوس عن منح الحكومة السورية5 مليارات ليرة سورية لدعم محافظة السويداء موزعة على عدد من الدوائر الحكومية”.

يقول عزّام: “موضوع منح خمس مليارات ليرة سورية لم يأخذه كثيرون في المنطقة على محمل الجد، واعتبروه وعوداً كاذبة، كغيرها من الوعود التي سمعوها سابقاً، وباتت كلها مثيرة للسخرية”.

من ذهب لينتخب؟

الصحافية هالة سلام، من مدينة السويداء توضح لـ”درج”: ” الأيام التي سبقت موعد الانتخابات، كانت هناك دعوات للتظاهر والاحتجاج ضد ما اعتبره أهالي السويداء مهزلة الانتخابات، لكن لم يكتب لهذه الاحتجاجات النجاح، فالسويداء كانت قد امتلأت بالشبيحة ورجال الأمن، ما جعل فكرة الخروج والتظاهر صعبة جداً,

وللأسف أجريت الانتخابات في السويداء، بفضل شريحة (عم تدبك وترقص) فرحاً بالانتخابات، كما أن هناك شريحة شاركت بالانتخابات مرغمة، وحتى الذين كانوا يرقصون ربما هم مرغمون أيضاً”.

وأضافت: “تم تشييد أكثر من خيمة لإقامة فعاليات الانتخابات داخلها تحت مسمى (خيمة وطن)، كالخيمة التي أقيمت في مقر حزب البعث في المحافظة، وبالطبع تم إنشاء الخيمة داخل سور الحزب وليس خارجه، خوفاً من تمزيقها. كما تم إنشاء خيمة في فرع الأمن السياسي، وفرع أمن الدولة، على رغم أن إقامة خيمة لتنظيم الانتخابات ليست من مهمات هذين الفرعين. وهؤلاء تحديداً هم المهتمون بالانتخابات في محافظة السويداء. إضافة إلى الموظفين والعمال المضطرين رغماً عنهم للذهاب والانتخاب، إذ تحاربهم الدولة بلقمة عيشهم ورواتبهم الزهيدة. عدا هؤلاء لا أحد مهم بهذه الانتخابات”.

وبحسب شبكة السويداء 24، فإن “موظفاً في مديرية الخدمات بالسويداء، فضل عدم ذكر اسمه، قال للسويداء 24 إنهم تلقوا تحذيرات شفوية من الإدارة قبل أيام، بالفصل من وظيفتهم في حال لم يشاركوا في التصويت بالانتخابات الرئاسية، أو حتى إذا تخلفوا عن حضور احتفالات (خيمة وطن)، التي أقامتها السلطة دعماً للأسد”.

كما أكد الموظف “أنه مع زملاء له، كانوا مجبرين على حضور الاحتفالات التي أقامها حزب البعث”، مشيراً إلى أن جميع موظفي الدوائر الحكومية يعانون من الضغوط نفسها، ومعظمهم مجبرون على المشاركة، خوفاً من قطع مصدر رزقهم، وهو إجراء اتخذته الحكومة بحق عشرات الموظفين في السويداء على خلفية آرائهم السياسية”.

———————————–

إيران وسوريا… وكوريا الشمالية/ خيرالله خيرالله

هناك فارق بين الانتخابات الرئاسية في سوريا وتلك التي ستجري في إيران الشهر المقبل. في “الجمهورية الإسلامية” حيث فرض “المرشد” علي خامنئي مرشّحه إبراهيم رئيسي، المعروف بتشدّده، ليكون خليفة حسن روحاني، هناك في إيران محاولة لإنقاذ النظام من داخل النظام.  هل هذا ممكن؟ هذا السؤال سيطرح نفسه بحدّة في المستقبل القريب في ظلّ رهان إيراني على أن الإدارة الأميركية مصرّة على العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران الموقع صيف العام 2015 في عهد باراك أوباما.

سيكون الرهان الإيراني، رهان “المرشد” أوّلا على جني ثمار العودة إلى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة. يظلّ رهان “المرشد”، في أساسه، على رفع العقوبات الأميركية، وإن جزئيا، ووصول إيران إلى المليارات من الدولارات تستخدمها في الداخل من أجل تحسين وضع المواطن العادي الذي يعاني من تدهور الوضع الاقتصادي إلى درجة كبيرة.

إضافة إلى ذلك، عبر التمهيد لتولي إبراهيم رئيسي، وهو رجل “المرشد” رئاسة الجمهورية، تجري محاولة لإدخال تعديلات جذريّة على طبيعة النظام من أجل إنقاذه. ما خطّط له خامنئي يندرج في سياق واضح يصبّ في تمكين نجل “المرشد” ويدعى مجتبي من خلافة والده.

ليس سرّا أن “المرشد” هو كلّ شيء في نظام ولاية الفقيه الذي أسسه آية الله الخميني، وهو النظام الذي يتحكّم بإيران منذ العام 1979 حين فرض دستورا لا علاقة له بالديمقراطية، اعتمد احترام مقاييس ومواصفات معيّنة يلتزمها كلّ من يتولّى موقعا رسميا. من الواضح أنّ الخميني، الذي وضع إيران في عهدة رجال دين يؤمنون بنظرياته، في مقدّمها ولاية الفقيه، استبعد أفراد عائلته من الخلافة. كان متوقّعا أن يحل مكانه في مرحلة معيّنة حسين منتظري، خصوصا في مرحلة ما بعد انكشاف فضيحة “إيران غيت” التي تضمنت حصول إيران على أسلحة إسرائيلية في أثناء حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي. لكنّ منتظري تعرّض لحملة قادها هاشمي رفسنجاني أدت إلى إزاحته مع كبار مساعديه الذين كشفوا “إيران غيت”. ساعد ذلك في حلول خامنئي في موقع الوليّ الفقيه إثر وفاة الخميني في العام 1989.

في كلّ الأحوال، تبدو إيران مقبلة على تغييرات داخلية تمسّ طبيعة النظام يريد خامنئي تفاديها عبر توريث ابنه وجعله في موقع “المرشد”. هل ينجح في ذلك؟ الأكيد أنّه سينجح نسبيا، في غياب مفاجأة كبيرة، نظرا إلى أنّه يمتلك كل السلطات في “الجمهورية الإسلامية” وهو الآمر الناهي في كلّ صغيرة وكبيرة. ما ليس أكيدا بقاء النظام الإيراني على حاله عندما يحلّ مجتبي خامنئي مكان والده الذي لم يكن يمتلك أصلا المؤهلّات الدينية التي تسمح له بخلافة الخميني. سيكون التحدي الجديد في إيران من نوع مختلف عن تلك التي تواجه النظام السوري الذي استطاع منذ ما يزيد على عشرين عاما اعتماد مبدأ التوريث. يختزل سؤال واحد التحدي الذي يواجه نظام الوليّ الفقيه: هل في استطاعة إيران أن تصبح كوريا شماليّة أخرى، أي نظام جمهوري قائم على التوريث؟

سبقت سوريا إيران في اعتماد التوريث. سبقتها في تقليد كوريا الشمالية التي استطاع فيها كيم إيل سونغ تأسيس سلالة وتوريث نجله الذي ورّث بدوره نجله كيم جونغ أون. لا يزال خامنئي يحاول توريث نجله. استطاع النظام الكوري بلوغ الجيل الثالث من عائلة كيم. استطاع النظام السوري بلوغ الجيل الثاني في السنة 2000. نراه حاليا في طريق سعي بشّار إلى توريث نجله حافظ في يوم من الأيّام. مهّد لذلك بالقضاء على الطموحات السياسية لآل مخلوف الذين كانوا شركاء في السلطة في ظلّ صعود نجم أسماء الأخرس الأسد.

يبقى الفارق الأكبر بين إيران وسوريا أنّ إيران لا تزال موجودة ولدى علي خامنئي ما يورثه لنجله. في المقابل، لم يعد يوجد بلد اسمه سوريا كي يتمكّن بشّار من توريثه لنجله حافظ.

أصرّ النظام السوري على تنظيم انتخابات رئاسية وذلك كي يضفي شرعيّة على نظام لم يمتلك يوما أيّ شرعيّة من أي نوع وذلك منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح في الثامن من آذار – مارس 1963 بالمحاولة الأخيرة لإنقاذ سوريا وعودتها دولة طبيعية.

لا يمكن البناء على نظام ولد من رحم انقلاب عسكري كان وراءه حزب البعث، بكلّ تخلّفه، ثم مجموعة من الضباط العلويين، بعد انقلاب 23 شباط – فبراير 1966، وصولا إلى تفرّد حافظ الأسد بالسلطة ابتداء من 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970. أقام حافظ الأسد نظاما خاصا به مستعينا ببعض المظاهر مثل سنّة الريف السوري وذلك من أجل تغطيّة علويّة السلطة. تمكّن من تقليد كوريا الشماليّة التي كان معجبا بها أشدّ الإعجاب، خصوصا أن كيم إيل سونغ نجح نجاحا منقطع النظير في تحويل الكوريين في الشمال إلى مجرّد عبيد لديه. كان مطلوبا من السوريين البقاء عبيدا، إلى أبد الآبدين، لولا ثورتهم المستمرّة التي بدأت في آذار – مارس 2011، أي منذ ما يزيد على عشر سنوات.

الفارق بكل بساطة أن لدى إيران أملا بأن تتحوّل إلى كوريا شمالية أخرى. ذلك ممكن إذا أخذنا في الاعتبار الدعم الصيني من جهة والسعي إلى امتلاك السلاح النووي من جهة أخرى.

لماذا لا أمل لسوريا باستكمال التحوّل إلى كوريا شمالية حقيقية؟ يعود ذلك إلى سبب في غاية البساطة. يتمثّل هذا السبب في أن سوريا تحت خمسة احتلالات هي الإيراني والروسي والتركي والأميركي والإسرائيلي. أكثر من ذلك، لا يريد بشّار الأسد أخذ العلم بما حلّ بالبنية التحتية السورية.

عندما يعترض الأميركيون والأوروبيون على الانتخابات الرئاسية السورية، إنّما يضعون فيتو على إعادة إعمار سوريا ما دام النظام القائم موجودا. هل يستطيع بشّار الأسد استيعاب أنّ النظام السوري انتهى وأنّ المهمة الوحيدة التي يؤديها واضحة كلّ الوضوح. تتمثّل هذه المهمّة في تفتيت سوريا كي لا تقوم لها قيامة في يوم من الأيّام…

إعلامي لبناني

—————————-

===================

العالم ما زال يتسع لبشار الأسد!/ حازم الأمين

الانتخابات لم تكن سوى تظهير أخير للمهزلة، ذاك أننا حيال ما هو جوهري أكثر منها، حيال قبول العالم ببشار الأسد، وما ينطوي عليه هذا القبول من قسوة…

خطاب “النصر” الذي ألقاه بشار الأسد في أعقاب “فوزه” بمهزلة الانتخابات الرئاسية السورية يليق بالرئيس المنتخب، وما رتابته المتلعثمة سوى جزء من مشهد المهزلة التي شهدتها سوريا الأسبوع الفائت. فالرئيس، وفي أعقاب فوزه، أعطانا درساً عن الفارق بين الثورة والثور، ومارس على نحو أكثر بلادة هوايته العتيدة والرتيبة في شرح فروقات بين مفاهيم أقلعت المدارس الابتدائية عن تدريسها لتلامذتها. لكن الرئيس المنتخب شحنها بقدر من نزق الخاسرين لا الفائزين، ذاك أن الفائز حقاً في الانتخابات غالباً ما يبدي، وعلى سبيل الخبث، قدراً من السعة مهمتها توسيع تمثيله ليشمل الخصوم! لكن الرئيس، وكما قال قبل سنوات، يريد مجتمعاً “منسجماً”، وما الانتخاب سوى تقنية طرد لكل من لم ينتخب الرئيس. أما الفراغ الهائل الناجم عن طرد معظم السوريين من دولة بشار الأسد، فتتولى رأبه الأرقام العجائبية لعدد المصرح عنهم بأنهم انتخبوا الرئيس! إنهم نحو 14 مليون سوري من أصل أقل من 10 ملايين ناخب من المفترض منطقياً أنهم موجودون في ساحات الانتخاب!

لا بأس إذاً، فهذا دأب النظام مذ استولى على السلطة في سوريا، لكن الذهول في أعقاب الواقعة يفوق ما كان يعقب الانتخاب في الدورات السابقة، فالمهزلة هذه المرة تفوق أسلافها انكشافاً، ولا شك في أن لهذا الانكشاف وظيفة. فبشار الأسد يريد أن يقول إن بإمكانه إجراء انتخابات مهزلة، وإنه لن يقدم على أي تنازل لأي مطالب فيه، وهو استعان لإيصال هذه الرسالة بمراقبين من قبل مخدومه الروسي، وتولى مخدومه الآخر، أي الإيراني، توظيف ماكينته الإعلامية للاحتفال بـ”الديموقراطية المشرقية” التي تفوق ديموقراطية الغرب في صدق تمثيلها الشعوب الممانعة، بحسب ما قال وزير خارجية النظام.

ما يخيف هنا هو أن الغرب الذي عبر عن عدم اقتناعه بهذه الانتخابات عاد، وإن على نحو متفاوت، إلى التعامل معها بوصفها أمراً واقعاً. فرنسا مثلاً سمحت بالاقتراع في السفارة السورية في باريس، وهي وإن كانت لوحدها من فعلها، فهي خطوة ممهدة للعودة إلى ثقافة القبول، وأوروبا التي تضيق باللاجئين السوريين لم تعد برلماناتها محصنة من احتمالات التطبيع مع نظام سبق أن اعتبرته نظام قتل غير قابل للإصلاح.

لكن حتى هذه القابلية لم يستقبلها “الرئيس المنتخب” بما تقتضيه من خطوات تمهد للتطبيع مع النظام. بشار الأسد قال ها أنا ذا، لم أتغير قيد أنملة، وإذا أردتم قبولي، فعليكم أن تقبلوا بمزيد من المهازل الانتخابية. الرجل لم يخف وجهه، وقالها بمنتهى الوضوح. وهو فعل ذلك بموازاة مفاوضات أميركية- إيرانية في فيينا، وفي أعقاب “انتصارٍ” للمحور في غزة، وهو نال تبريكات من حليفيه اللبنانيين ميشال عون وجبران باسيل، ناهيك بتوزيع “حزب الله” الحلوى في القرى الشيعية في لبنان. وقالها أيضاً لدول الخليج التي استأنفت التطبيع مع نظامه وفتحت السفارات السورية في عواصمها أمام “المقترعين” السوريين!

أما رسالة الانتخابات للسوريين فلا جديد تحمله. بشار الأسد لا يريد عودة نحو سبعة ملايين سوري، ذاك أنهم، بحسب خطابه الأخير، خونة ولا سبيل لتسوية أوضاعهم، ومن بقي في سوريا عليه أن يتعايش مع صوره عائمة فوق جثث أكثر من نصف مليون سوري.

الانتخابات لم تكن سوى تظهير أخير للمهزلة، ذاك أننا حيال ما هو جوهري أكثر منها، حيال قبول العالم ببشار الأسد، وما ينطوي عليه هذا القبول من قسوة، ولكن أيضاً ما يعكسه من هشاشة نظام القيم الذي صدرت عنه دعاوى كانت أوهمتنا أن العالم لم يعد يتسع لنظام البعث! 

درج

————————-

سوريا التي ليست “محظوظة” كاليمن/ عمر قدور

انتهى شهر أيار من دون إعلان إدارة بايدن عن جديد في ما يخص سياسة إدارته في سوريا، وكان مقربون من دوائر صنع القرار في واشنطن قد توقعوا أن يشهد الشهر الانتهاءَ من بلورة السياسة الأمريكية مع تعيين مندوب أمريكي خاص منسجم معها. اختار بايدن مبعوثيه في العديد من الملفات الأخرى، كالملف النووي الكوري المتوقف منذ أيام ترامب ولا يُتوقع تحريكه قريباً، وفي منطقتنا اختار مبعوثه إلى اليمن بعد أسبوعين فقط من توليه منصبه، بينما اضطر النواب الديمقراطيون والجمهوريون مرتين إلى اتخاذ “توصية” لتذكيره بسوريا، وبقيت التوصيتان في أدراج مكتبه.

آنذاك وصف مسؤولو الإدارة تعيين المبعوث إلى اليمن بأنه “خطوة جديدة، لكنها شاقة، لإنهاء صراع استمر قرابة ست سنوات وحوّل البلاد إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم”. التوصيف الأخير لا جدال فيه، إذا عدّلنا في صياغته ليصبح اليمن واحداً من أسوأ أزمتين إنسانيتين في العالم، بالطبع إلى جانب سوريا. لكن، كما نعلم، لا تطلق الإدارات الأمريكية توصيفاتها الإنسانية توخياً للحقيقة، بل بما يتماشى مع نشاطها الديبلوماسي أو العسكري ويبررهما، أي أن اليمن صار في دائرة الاهتمام الأمريكي، اليمن الذي كان مهملاً أكثر من سوريا أيام ترامب. 

والنشاط المأمول هو ما دفع الأمم المتحدة إلى الترحيب فوراً بتعيين المبعوث الأمريكي، في حين سيُضطر مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا إلى استجداء الدعم والإرادة الدوليين مع كل جلسة إحاطة روتينية لمجلس الأمن، فهو مجرد موظف لا يمكنه التقدم في عمله مع غياب إرادة الفاعلين وعلى رأسهم واشنطن، ولا يستطيع من موقعه تسميتها كعاصمة لعدم الاكتراث المعلن بسوريا، ولا التململ من الخطابات والخطابات المضادة التي يتنصل بها كل طرف من مسؤولياته تجاه الكارثة السورية. كان ترامب أيضاً، جرياً على توجهاته المعادية للمنظمات الدولية، غير مكترث بنشاطات الأمم المتحدة الخاصة بسوريا، إلا أنه كان يعتمد سياسة نشطة عموماً، بصرف النظر عن رأينا بها وعن مزاجيته وتقلباته.

بالتأكيد لا توجد قاعدة في البيت الأبيض تقول: إما سوريا أو اليمن! قائمة السياسة الخارجية للقوة العظمى الأمريكية تتسع لاهتمامات قد تخطر في بالنا أو لا تخطر فيه، وسوريا موجودة فيها من دون أن تحظى بعنوان منفصل، وكذلك حال اليمن أيضاً. فالسياسة الأمريكية إزاء البلدين متصلة بعلاقة واشنطن بطهران، ومتصلة راهناً “وتقريباً خلال السنوات العشر الأخيرة” بالملف النووي الإيراني المهيمن بظله وظل الحرس الثوري الإيراني على البلدين.

من أثمان الاتفاق النووي التي دفعها أوباما إعطاءُ الضوء الأخضر لإيران وميليشياتها في سوريا، وأيضاً التغاضي عن استخدام السلاح الكيماوي ضد السوريين، لا لمرة وحيدة في آب2013 بل لعشرات المرات قبل وبعد صفقة الكيماوي المشينة والزائفة. استئناف مفاوضات النووي، وقبول إدارة بايدن بالعودة إلى التفاهمات القديمة ينطوي على ما لم يكن معلناً من قبل، ومنها التفاهمات الخاصة بسوريا، والعودة إلى ما يوصف بالانكفاء الأمريكي عن سوريا، وهو في الواقع ترجيح خفي لكفّة حلفاء بشار، وإن لم يصل الحال بعد إلى منحهم البد بأكمله.

لقد أتى بايدن إلى الرئاسة وفي مقدمة تطلعاته العودة إلى الاتفاق الذي انسحب منه سلفه، وتعيين مبعوث أمريكي مع الاهتمام بالتسوية في اليمن يعكس حرصه على التهدئة بين الرياض وطهران وإيجاد مناخ إقليمي مواتٍ للتقارب الأمريكي-الإيراني. بيت القصيد في الاهتمام باليمن طمأنة الرياض بأن واشنطن معنية بما يمس أمنها مباشرة، عبر البوابة اليمنية، لكنها غير معنية “كما كان الحال أيام ترامب” بالصراع الإقليمي الأوسع على النفوذ. بدعم التسوية في اليمن هناك دعوة للتعايش مجدداً مع النفوذ الإيراني الممثل بالحوثيين رغم انقلابهم على التسوية السابقة، وكان سلفه مدركاً لما سيحدث لذا سارع إلى وضع الحوثيين على لائحة الإرهاب الأمريكية، وحاول جعل مهمة بايدن أصعب بالاستخدام المفرط لسلاح العقوبات الاقتصادية، بما فيها لائحة عقوبات قيصر التي لم تطرأ عليها إضافة بعد مجيء بايدن.

في الشأن السوري لا حلفاء لواشنطن تضطر لمراعاتهم، وعلاقة إدارة بايدن بأردوغان متوترة أصلاً بسبب العديد من الملفات، أي أن إرضاء أنقرة “التي ترى سوريا من منظار هاجسها الكردي” لن يكون في أولوياته. على العموم من شبه المؤكد ألا ترقى سياسة بايدن لتلاقي تطلعات الإدارة الذاتية الكردية، ولن تلاقي حتى ما هو متوقع منها على أرضية تعاطف حزبه الديموقراطي مع الأكراد، وكان نواب الحزب قد انتقدوا مراراً سياسة ترامب التي رأوها منحازة لأنقرة على حساب الأكراد.

كاستفادة جانبية قد تأتي سياسة بايدن لصالح أنقرة بقدر ما تكون أسوأ للإدارة الذاتية، من ذلك مؤخراً سحب ترخيص شركة “دلتا كريسنت إنرجي” التي حصلت على موافقة إدارة ترامب للعمل في حقول النفط الخاضعة لسيطرة الإدارة. كان منح الشركة الترخيص فيه طمأنة للإدارة الذاتية لجهة بقاء القوات الأمريكية إلى أجل طويل، وأيضاً لجهة الحصول على إيرادات تقوي من سلطة الإدارة وتجعلها أكثر استقلالية في التفاصيل مما تكون عليه وهي تعتمد على المساعدات المالية الأمريكية. بتراجعها إزاء الإدارة الذاتية تدفع إدارة بايدن السلطة الكردية في اتجاه بشار وروسيا، وهذا خيار محبب لدى بعض الفاعلين ضمنها، وهو لا يزعج أنقرة التي تفضّله على بقاء الإدارة وسلطتها على حدودها. لا مفاجأة في أن بعض ما يرضي طهران وبشار في سوريا يرضي أنقرة أيضاً، تحديداً في الشق الكردي، لينال “الانكفاء الأمريكي” المدروس رضا القوى الفاعلة في سوريا باستثناء إسرائيل التي تطالب من جهتها بشريط أمني يفصل بينها وبين القوات والصواريخ الإيرانية في سوريا.

في غضون ذلك، تتحفنا إدارة بايدن ببعض التعليقات الخاصة بسوريا، ومنها اعتبار انتخابات بشار إهانةً للسوريين، وكأنما لا يكفيهم إحساسهم بالمهانة لتتبرع لهم القوة الأعظم بالتوضيح كأي متابع لا حيلة له. ربما، عندما يتضح مآل المفاوضات النووية الحالية، تعيّن إدارة بايدن مبعوثاً خاصاً بالملف السوري ليدلي بمثل هذه التصريحات، وتكون مهمته الأساسية إفهام المعارضة السورية أن إدارته لا ترى في سوريا أكثر من جزرة كان من المفيد حجزها أثناء التفاوض مع الطامعين فيها.

المدن

——————————-

التزوير والتأليب في لعبة إعادة تدوير الأسد/ عبد الباسط سيدا

لعبة إعادة التدوير التي أصر نظام بشار ورعاته على فرضها وتمريرها، بمختلف أساليب الاستفزاز والمكابرة، والاستهتار بالمشاعر والانتقادات؛ هذا فضلاً عن ارتكاب كل أشكال التزوير والتلفيق والتهديد والوعيد؛ هذه اللعبة – المهزلة إنما هي استمرار منطقي لنهج تسلطي رسّخ أسسه حافظ الأسد الذي أزاح سائر منافسيه في الحزب والجيش والدولة؛ وتمكّن من ربط أصحاب المصالح بنظامه عبر شبكةٍ من العلاقات المصلحية الأمنية التي تجذّرت مع الوقت، وباتت جزءاً من المنظومة الأمنية السلطوية التي تشكلت، لتكون من أدوات ترويج النظام داخلياً، وعلى المستويين، الإقليمي والدولي. ويُشار في هذا السياق إلى المؤسسات الدينية الرسمية بصورة خاصة، الإسلامية والمسيحية، وإلى النقابات والمنظمات الشعبية. هذا إلى جانب الجامعات، فضلاً عن التجار، سيما في كل من دمشق وحلب.

وقد استطاع النظام المعني تدجين معظم الأحزاب السياسية مقابل فتاتٍ سلطويٍّ ضمن إطار “الجبهة الوطنية التقدّمية” التي أسسها عام 1972، وضمّت الحزب الشيوعي، ومن ثم الأحزاب الشيوعية، والأحزاب القومية الاشتراكية والناصرية، لتكون واجهةً يقودها على الصعيد النظري حزب البعث؛ في حين أن جميع القرارات المفصلية كانت بيد حافظ الأسد نفسه الذي كان يستند، في عملية اتخاذ القرارات وتنفيذها، إلى شبكة معقدة من الأجهزة الأمنية التي كانت تبدو، أحيانا، وكأنها متنافسة ومتصارعة، ولكن الخطوط جميعها كانت تلتقي عند الأسد.

أما القوى والأحزاب التي رفضت السير في المشروع الأسدي؛ أو تلك التي وجد فيها حافظ الأسد نفسه خصماً لا يمكن التعايش معه، أو وجد فيها ضرورة الخصم، ليروّج نفسه بوصفه البديل الأفضل، فقد كان مصيرها الإبعاد والاعتقال والشيطنة، وإخراجها من دائرة الفعل والتأثير. ويُشار في هذا السياق إلى الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي (جمال أتاسي) والحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) وحزب العمل الشيوعي؛ إلى جانب الإخوان المسلمين. أما الأحزاب الكردية فكانت أصلاً أحزاباً مطلبية، لا تمتلك برامج تغيير السلطة، والوصول إلى الحكم، وإنما كانت تطالب بإيقاف العمل بالمشاريع التمييزية التي كان النظام قد فرضها على الكرد، فضلاً عن المطالبة بالاعتراف بالخصوصية الكردية والحقوق القومية الديمقراطية الكردية ضمن إطار وحدة الوطن والشعب.

ومع ذلك، حرصت الأجهزة الأمنية على اختراق معظم هذه الأحزاب، وعملت باستمرار على إحداث الانشقاقات فيها، حتى باتت تحت السيطرة، ولا تمثل حالة يمكن التوجس منها مستقبلاً. فالتزمت بالهامش المتاح، وظلت حريصة على عدم تجاوز الخطوط الحمراء المحددة من جانب النظام. ولإضفاء مزيد من الشرعية الشكلية على نظامه، اعتمد حافظ الأسد أسلوب تنظيم “الاستفتاءات الرئاسية” التي كانت تتمحور حول فرض تجديد البيعة للرئيس نفسه، وبالنسبة التي يحددها هو، حتى باتت هذه الاستفتاءات مناسبةً تعبويةً دورية، يعمل من خلالها النظام على شدّ عصب أنصاره، ويستهدف فرض روحية اليأس على المعارضين، حتى يصلوا إلى قناعةٍ ضمنيةٍ بأنه لا جدوى من عملية البحث عن البديل.

وبعد وفاة حافظ الأسد صيف عام 2000، توفرت لحظة حاسمة للقوى الديمقراطية السورية التي كان من المفروض أن تنسّق المواقف في ما بينها، وتتحرّك لتطالب بإصلاح حقيقي يضع نهاية سلمية للنظام الأمني الشمولي، غير أن نتائج جهود عقود من التفتيت والتشتيت مارستها الأجهزة الأمنية في مواجهة السوريين، على مستوى الأحزاب والنخب، وحتى على مستوى مؤسسات المجتمع الأهلي، بل على مستوى الأسر، والتغلغل في مختلف الأنحاء عبر جيش من المخبرين، ومن خلال منظمات حزب البعث الذي كان حافظ الأسد قد أعلنه “دستورياً” قائداً للدولة والمجتمع. كل هذه النتائج وغيرها حالت دون تمكّن النخب السورية التي كانت قد تحرّكت مطالبة بضرورة إحياء المجتمع المدني السوري، من تحقيق المطلوب المنتظر. وما أسهم في ذلك عدم وجود تجارب سياسية سورية تمحورت حول الوضع السوري الداخلي الوطني، وإنما كانت القوى السياسية، وحتى الشخصيات المثقفة ذات التوجهات السياسية مهتمة بالسياسات الخارجية، وتمارس نشاطها عبر البوابات الفلسطينية واللبنانية، والعراقية؛ وحتى من خلال البوابة السوفييتية. هذا في حين أن الهمّ السوري لم يكن يمثل أولوية أساسية بصورة عامة. ولعل كثيرين منا ما زالوا يتذكّرون، في هذا المجال، القول الذي كان يردّده الزعيم الشيوعي السوري، خالد بكداش، باستمرار، وخلاصته: إذا انطلقنا من الأوضاع الداخلية سنكون في المعارضة، ولكننا نحدد موقفنا من النظام استناداً إلى موقفه من الاتحاد السوفييتي.

تحرّك المثقفون السوريون في بداية حكم بشار الأسد (وارث الجمهورية)، وأصدروا بيان الـ 99؛ ومن ثم البيان الألفي؛ وإعلان دمشق – بيروت؛ ولكن سرعان ما توقفت تلك النشاطات، وتشتت أصحابها نتيجة ضغوط النظام وتهديداته. ولم تتمكّن تلك الجهود النخوبة من التحول إلى حامل اجتماعي فاعل، قادر على اختراق الشبكات المصلحية السلطوية التي كان النظام قد بناها في مختلف المناطق السورية، وفي المدن الكبرى تحديدا.

أما اللحظة الحاسمة الثانية، فقد كانت، بعد عقد من حكم بشار الأسد المستبد الفاسد المفسد، الذي مثل استمراراً للحقبة الأسدية الأولى؛ وذلك مع انطلاقة الثورة السورية في مارس/ آذار 2011؛ وهي الثورة التي جسّدت طموحات الشباب السوري، وتطلعهم نحو مستقبل أفضل، يتجاوز واقع انسداد الآفاق الذي كان النظام قد فرضه، باستبداده وفساده وإفساده، على المجتمع السوري بصورة عامة. ولكن بكل أسف لم تتمكّن القوى السورية السياسية، والتيارات الوطنية السورية، من التوافق على برنامج وطني يطمئن السوريين أولاً؛ فكانت الانقسامات والاتهامات والتحرّكات الاعتباطية العشوائية في مختلف الأنحاء؛ الأمر الذي بدّد الإمكانات الواعدة التي كانت قد تحققت بفعل تحركات الشباب من مختلف المكونات السورية، ومن مختلف الاتجاهات وفي مختلف الجهات السورية. وقد نجح النظام في تمرير استراتيجيته التي اعتمدها، منذ البداية، لمواجهة الثورة، وهي استراتيجية فرض العسكرة وإبعاد المكونات السورية الأخرى، ما عدا المكون العربي السني عن الثورة، وإغراق الثورة بجميع الوسائل بحشد من الفصائل الإسلاموية التي شكّلت تهديداً فعلياً على الثورة نفسها؛ وأدّت إلى توجّس معظم السوريين من القادم المجهول. وقد تمكّن النظام بالتنسيق الكامل مع راعيه الروسي، والجهود الميدانية من جانب حليفه الإيراني ومليشياته من استعادة السيطرة على مناطق كثيرة، كان قد اضطر للانسحاب منها، أو فقد السيطرة عليها. وخاض راعيه الروسي معركة شرسة في مجلس الأمن، وتشخص ذلك في الاستخدام المستمر لحق النقض (الفيتو) لإيقاف أي مشروع قرارٍ كان من شأنه إدانة النظام، ودفعه نحو القبول بعملية تغييرٍ سياسيةٍ فعلية.

ونحن إذ نحمّل المجتمع الدولي، لا سيما المجموعة الكبيرة التي أعلنت عن نفسها بوصفها مجموعة أصدقاء الشعب السوري مسؤولية عدم أخذ الموقف الحاسم في الموقف المناسب، وكان في مقدورها أن تفعل ذلك، إلى جانب مطالب الشعب السوري العادلة؛ ولكننا لا بد أن نتحمّل في المعارضة السورية المسؤولية؛ إذ انشغلنا بخلافاتٍ ثانويةٍ كانت بفعل التسابق نحو أدوار ومواقع مستقبلية، في حين أن الأمور لم تكن قد حسمت بعد. وقد بلغت الأمور ضمن المعارضة ذروة الخطورة، حينما تحرّكت مجموعاتٌ بعينها في مسارات مختلفة، من دون أي تنسيق أو استراتيجية بين السوريين أنفسهم، وإنما كانت تحرّكات تتم بناء على التنسيق مع القوى الإقليمية والدولية؛ أو بكلام أدقّ بناء على توجيهات (وتعليمات) القوى الإقليمية والدولية التي كان من المعروف أنها تتحرّك بناءً على حساباتها وأولوياتها ومصالحها.

وهكذا تم إفراغ مسار جنيف من مضمونه، وكان مسار أستانة الذي قزّم الموضوع السوري، وحصره ضمن “لجنة دستورية” لم ولن تصل إلى شيء، وهذا أمرٌ يعرفه جميع المشاركين. ومع ذلك يحرصون على اللجنة المعنية بطريقة تثير استغرابا واستفهاما كثيريْن.

لم تفاجئ عملية تدوير النظام التي تمّت أحداً، لأنها حصيلة منطقية لسلسلةٍ من التطورات والمتغيرات والتراجعات التي كانت سواء على صعيد المواقف الدولية، أم على صعيد الانقسامات الحادّة، والممارسات المستهجنة ضمن صفوف المعارضة “الرسمية”، والقوى الميدانية المحسوبة عليها. هذه حقيقة، ما لم نعترف بها لن نتمكّن من تقديم التوصيف الدقيق لما جرى، وسيجري، مستقبلاً. كما لن نتمكّن من تحديد المطلوب، لتجاوز الوضع غير المقبول الذي تعيشه المعارضة، بكل أجنحتها، الرسمية وغير الرسمية.

لقد استغل النظام الاستفتاء الذي وضعه على مقاسه لشد عصب أتباعه ومواليه والمستفيدين منه، غير آبهٍ بالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضغط على السوريين من جميع الجهات، وفي جميع المناطق؛ وغير مكترثٍ بواقع تحوّل سورية إلى مجموعة من مناطق النفوذ تتقاسمها القوى الإقليمية والدولية، فهو يصرّ على النصر الزائف الذي يتماهى مع الإبقاء على رأس النظام، وهي المعزوفة ذاتها التي تتكرّر في واقع منطقتنا، منذ رحيل الجيوش الاستعمارية وظهور وكلائها في دول المنطقة؛ وهذا ما يفسّر استمرارية أزماتنا، وانعدامية إنجازاتنا. أما الخطاب الذي ألقاه بشار الأسد ليسدل الستار على مسرحيته المبتذلة، فقد أكد مجدّدا نزوعه الفاشي التابع، وحرصه على البقاء على رأس النظام وبأي ثمن. فهو بعد أن سلّم البلاد إلى الروس والإيرانيين؛ وهجر أكثر من نصف السوريين؛ وتسبّب في قتل نحو مليون سوري، فضلاً عن مئات آلاف من المعتقلين والمغيبين؛ بالإضافة إلى تدمير البلد؛ مستعد اليوم لإشعال فتنةٍ كبرى بين السوريين، وهو يفعل ذلك بالتنسيق مع نظام ولي الفقيه الإيراني الذي يرى أن افضل وسيلة تمكّنه من التحكّم بسورية، أرضاً وشعباً، تتمثل في تمزيق ما قد تبقى من النسيج المجتمعي الوطني السوري المتهتك.

العربي الجديد

——————————

عن الانتخابات الرئاسية السورية ومغسلة السيارات التي كادت أن تدمرني/ أحمد الأحمد

قرع أحدهم باب غرفتي بشكل جنوني، وعندما فتحت له قال لي: “يللا قوم أنزل على المسيرة بساحة المدينة” ثم مشى في الممر وبدأ يصيح “الحيوان اللي ما نزل عالمسيرة ينزل فورًا”.

من قبيل المصادفة، تزامنت الانتخابات الرئاسية الماضية في سوريا (2014) مع فترة حسّاسة في حياتي، إذ كنتُ أخوض امتحانات التخرّج من جامعة دمشق، وأستهلك كل وقتي بين الكتب.

هذا النشاط في الدراسة لم يكن نابعًا من الرغبة بالتخرّج بقدر ما هو نتيجة حاجتي لقطع آخر الروابط مع “سوريا الأسد” ومغادرتها بأسرع وقت ممكن.

كنتُ أعيش حينها في الوحدة الأولى في المدينة الجامعية بدمشق، هذه الوحدة السكنية التي تطل على حي المزة الدمشقي، كانت متهالكة، الصرف الصحّي مسدود دائماً فيها ولا سبيل حتى لقضاء الحاجة في دورات مياهها، جدرانها المهترئة تبعث على التشاؤم والقلق المستمر، حتّى أن أحد مسؤولي المدينة الجامعية أخبرني حينها أن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين سكن فيها فترة من الزمن.

 لم أتحقّق من تلك المعلومة ولكنّها لا تبدو غريبة استنادًا لتهالك البناء.

مقابل باب المدينة الجامعية، وعلى أطلال شبابيك “الوحدة الأولى” كان هناك مغسلة سيارات عادية. كنت وما زلت أبغضها، وأكره تذكّر معاناتي معها، فمنذ أن بدأتْ التحضيرات للانتخابات الرئاسية، جلب صاحب هذه المغسلة مكبّرات صوت قويّة للغاية، وضعها في الشارع أمام باب مغسلته، وبدأ ببث أغانٍ بعثية ذات نفحة مناطقية وأخرى تمجّد الأسد على مدار الساعة.

على سبيل المثال كنتُ أستيقظ في الساعة السادسة صباحًا على صوت المغني علي الديك وهو يقول في أغنيته (تهنّا يا شعبي تهنّا بمحبة أسدنا) على أنغام موسيقاه الصاخبة التي بدت لي تلوّثًا سمعيًا خالصاً.

في فترة الظهيرة كان ايقاع الأغاني ينتقل إلى المطرب الطائفي بهاء اليوسف، الذي كان يغنّي لساعات مجموعة أغانٍ تدعو لتدمير وإبادة المدن السورية فوق رؤوس أهلها (يا بشار ومتلك مين.. أقصف جوبر مع عربين).. (كيفك فيا كيفك فيا.. يللا لنقصف داريا) وأشياء أخرى من هذا القبيل.

في المساء، كانت الأغاني التي تبث تضاعف من وتيرتها التحريضية والطائفية، فتتغنّى بالنصر على الأمويين وبأمجاد العباسيين في إسقاطات على السنة والشيعة في يومنا هذا، إضافةً إلى لطميات لم أكن أفهم منها الكثير.

على الضفاف الأخرى، كنت أجلس داخل غرفتي وأحاول إيجاد طريقة لأتمكّن من استئناف الدراسة في ظل هذه الفوضى الشعورية والموسيقية التي أعيشها. حاولت مرارًا النزول إلى المكتبة المركزية في باحة المدينة الجامعية ولكن الصوت كان أقوى هناك، حاولت التنقّل في حدائق المدينة الجامعية ولم يتغيّر شيء.

عندما ضاق بي الأمر وبكثير من الطلاب، قرّرنا التوجّه إلى مدير المدينة الجامعية وشرح مشكلتنا له، انطلاقًا من حاجتنا إلى بعض الهدوء لإتمام امتحاناتنا التي اقتربت. كان الذهاب إلى مدير المدينة الجامعية لمناقشة “انزعاجنا من الأغاني الوطنية” مغامرة بحد ذاتها إذ أنّها قد تقودنا نحو اتهام أنّنا “ضد الوطن” أو “معارضين للسيد الرئيس” أو أننا نحاول عرقلة العملية الانتخابية “الديمقراطية”، وفي سوريا كان من الممنوع إبداء أي انزعاج من النشاطات التي تمجّد الأسد سواء كانت مسيرات أو أغانٍ أو أي شيء من هذا القبيل.

تلقّينا وعودًا من مدير المدينة بأن يتحدّث مع صاحب المغسلة ولكنها بقيت وعوداً. لم يسمح لنا المدير بعدها بمراجعته في ذات الأمر، حتّى أنني صادفته ذات مرّة وتوجّهت إليه لأسأله عن صاحب المغسلة فكانت إجابته مقتضبة “ما مشي الحال”.

بعد أن غادرتُ سوريا عرفتُ عن طريق الصدفة أن مدير المدينة الجامعية حاول حينها حشد كل إمكانياته لإقناع صاحب المغسلة بتخفيض الصوت فقط لكن الأخير لم يستجب ولم يُعر مناشدات المدير أي اهتمام.

في أحد الأيام التي سبقت العملية الانتخابية، استيقظت صباحًا على ذات الأغاني، ولكن الصوت كان أقوى بكثير، شعرتُ لوهلة أن أحدًا ما وضع مكبر الصوت على نافذة غرفتي، وبينما كنت أفكّر في سبب قوّة الصوت، قُطعت أفكاري بعد أن بدأ أحد أعضاء “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” بقرع باب الغرفة بشكل جنوني، عندما فتحت له الباب قال لي: “يللا قوم أنزل على المسيرة بساحة المدينة” ثم مشى في الممر وبدأ يصيح “الحيوان اللي ما نزل عالمسيرة ينزل فورًا”.

لم يكن أمامي حل سوى أن نزلت إلى المسيرة وبعدها بدقائق غافلت عناصر الأمن وخرجت من المدينة الجامعية كلّها ولم أعد حتى المساء، وفي الأيام التالية بدأت أحزم حاجياتي وكتبي وأنطلق بها إلى حديقة تشرين القريبة لأدرس هناك، صحيح أن الحديقة كانت مكتظة بالجنود وعناصر الميليشيات الذين كانوا يتحرشون جسديًا ولفظيًا بالنساء أمام أعين الجميع دون أن يتمكّن أحدٌ من محاسبتهم، ولكن على الأقل لا أغان وطنية أو طائفية هنا، إنه المكان الأنسب للدراسة، أعترف الآن أنني تخرّجت من الجامعة في “سوريا الأسد” بفضل أضخم بؤرة تحرّش في سوريا.

قبل ساعات من مغادرة سوريا بلا عودة، مشيت بهدوء نحو مغسلة السيارات، أردت أن أرى للمرّة الأولى والأخيرة تلك الشخصية التي عجز الجميع عن إقناعها بتخفيض صوت الأغاني، كان صاحب المغسلة حينها يجلس أمام باب مغسلته مع مجموعة أشخاص يرتدون الألبسة العسكرية وحينها عرفتُ تمامًا لماذا فشل الجميع بالسيطرة عليه للتوقّف عن إزعاج الطلاب.

اليوم وبعد أن فاز الأسد بولاية رئاسية أخرى (يا للمفاجأة!) لا أجدُ فرقًا بين شخصية بشار الأسد وشخصية صاحب المغسلة، ففي “دولة الأسد” كان من المستحيل إقناع شخصُ عادي يملك مغسلة سيارات بالتوقّف عن وضع مصير الطلاب في خطر، فمن سينجح في إقناع بشار الأسد بالتوقّف عن “توارث الحكم” في القصر الجمهوري؟

درج

——————————–

مستقبل سورية بعد إعادة صناعة الأسد/ مهنا الحبيل

هل كان المسرح الكوميدي في إعادة صناعة بشار الأسد، ليُنصّب رئيساً على الشعب السوري، مفاجئا، أم كان ضمن تسلسل الأحداث الكبرى التي حاصرت الثورة السورية من حلفائها وأعدائها، ونتيجة متوقعة لما آلت إليه الأحداث، وبالذات منذ المنعطف الكبير، الذي حسم تصفية الثورة السورية في اتفاق سوتشي، وما صاحبه وسبقه من فتح الحرب الإرهابية الشاملة على شعب الثورة السورية.

الحقيقة أن صناعة ما حرصت عليه موسكو، من إعادة تأهيل الأسد، على الرغم من هزليّته وبشاعته، وحجم الإجرام فيه، إلّا أنه كان متوقعاً، وهذا لا يخفّف من حجم الخيانة العالمية، والنفاق الدولي، وخصوصا الغربي، الذي يقف أمام إجرام انقلاب ميانمار العسكري، ويسعى إلى محاصرته، فيما أبرز نظام إرهابي يحكم اليوم على الإطلاق في العالم يُعاد تأهيله. ولكن القضية الأهم هنا هي في تحديد معالم هذا المستوى الذي آلت إليه سورية، في عودة النظام دولياً من كل البوابات، ومنها البوابة الخليجية، وسقوط كل التوقعات بأن موسكو وطهران تحت الضغط، وتحتاج إلى نموذج جديد من داخل هيكل النظام يُستبدل به الأسد، فتبقى مساحة لشيء من التغيير في دورات المفاوضات التي تعقد باسم ممثلين عن قوى من الثورة والنظام.

لقد أسفر المسرح عن الحقيقة المُرّة التي توقعناها، منذ اتفاق سوتشي، أن الثورة تحت التصفية الميدانية ثم السياسية، يحكمها رعاة الاتفاق وتدخلهم في جسم النظام. أما العمل العسكري أو الأمني اليوم في المناطق الباقية خارج سلطة النظام، فهو يجري ضمن إدارة الرعاة أيضاً، سواء كانت في بقية الفصائل المجمّعة أو المناطق الكردية.

ولا يوجد اليوم قاعدة كفاح عسكري تملك أي متنفّس لها، في مواجهة النظام، وتعتمد المدافعة الميدانية في مجالها العسكري بحرية، وإنما تخضع هذه المناطق للحسابات التي تتنافس فيها أطراف اتفاق سوتشي وغيره. ولذلك، بالجملة، ما آلت إليه الأمور اليوم هو ضمن سياق تلك التصفية التي بالطبع لم تكن لتنجح، لولا الاختراق المبكر لسلاح الثورة، وجسمها السياسي، ذلك الاختراق الواسع الذي حوّلها إلى بطاقات متناثرة، بعد فترة قُدمت فيها صور الفداء والتضحية للمناضل السوري في الميدانين العسكري والمدني.

وأخطر ما في الأمر اليوم أن كل نسيج الثورة السورية، الميداني والسياسي، يُساق إلى مآل تصفية الثورة السياسي، من دون أن يكون للثورة أي تأثير، سواء طالت المرحلة الانتقالية أو قصرت. وبالتالي، المستفيد هنا هو نظام الأسد الإرهابي وحلفاؤه، وشركاء التصفية، كل ومصالحه القومية. وهذا يطرح سؤالاً مهماً: هل كان هناك خيار آخر لجسم الثورة السورية، وما تبقّى منها يُغيّر الموازين؟

نطرح، في المقابل، سؤالاً مختلفاً: هل تملك كل هذه النخب والهيئات، المقدّرة تضحياتها والمحترمة جهودها المخلصة، وخصوصا التي ظلت ترابط في الميدان، بحسب المساحة والطريقة المقررة من الحلفاء، لأجل ألا تتخلى عن فكرة الثورة السورية وحقوق الشهداء، قدرة على التأثير على ختام هذه الدورة من ثورة سورية؟ هنا قلنا دورة من الثورة، ولم نقل إن الثورة انتهت، فالجميع مؤمن بأن روح هذه الثورة وطموحها وما قدّم في سبيلها سيظل قائماً حتى يولد حلم الجيل الجديد من أبناء سورية، وتنتصر دماء الشهداء في دولة العدالة المدنية، المؤمنة بعروبتها ورسالتها الإسلامية. لكن المسرح اليوم مكشوف التوجه ومتسلسل الفصول، وقد تُرك تماماً لأجل وقائع وسيناريو أطراف الرعاية للنظام ولاتفاق سوتشي، ثم أُعيد تأهيل النظام لكي يتقاطر عليه من جديد المجتمع العربي والدولي. بمعنى أن المسرح الذي تشارك فيه أطراف ميدانية وسياسية من الثورة يتوجه لصالح النظام، والمكابرة في هذا الأمر لن تفيد روح الثورة الجديدة، ولا قرار إعادة بعثها المدني الذي توجد له قاعدة كبيرة من شباب سورية. بل نرصد اليوم كيف يرتدّ هذا الإحباط على جسم الثورة في احتقان اجتماعي خطير، وهي مقدمة سيستثمرها النظام في دوراتٍ مقبلة، حين يقرّر من يستقطب ومن يتركه للذوبان أو لحصار أطراف أخرى. ولذلك ما نطرحه، في المقابل، هو الانسحاب من كل مساحةٍ يستنزف فيها النظام الثورة وشعبها، إلى الخطوط الخلفية التي تمكّن حلم الثورة من إعادة تأهيل ذاتها واستقلالها المذبوح.

وهذا يحتاج إلى بناء جديد، وقبل ذلك فهم واقع المرحلة وأن إبقاء الصراع المسلح المفتوح، والذي هو خارج معركة الثورة عملياً اليوم بالكلية، ووضع اللاجئين الذي يستثمره النظام في غربتهم ومعاناتهم، وخصوصا في مخيمات اللجوء، ولا يُبالي بهم مطلقاً، فيما السيناريو الآخر مرشّح أن يصنع مسرحاً آخر لم يحسب له النظام ولا حلفاؤه حسابا، وهو أن تتحوّل فترة الانسحاب من العمل العسكري الحالي، الذي لا يخضع أصلاً لمدافعة لصالح الثورة، وسيَحسم واقعه رعاة الاتفاق وما يطرأ من شركاء آخرين.

في حين تأهيل اللاجئين في مناطقهم، حتى لو عاد بعضهم، وأُمّن آخرون، فهذا الهدوء لغربة السوريين، هو بوابة مختلفة تُفتح على النظام، بعد أن ظنّ أن الأمر قد حُسم له، فمكونات النظام ذاتها تتقوّى اليوم من حالة الصراع، والخطة الديمغرافية الإيرانية تتغوّل خلال هذه الحرب. ولذلك، يستفيد النظام من هذا الواقع الجغرافي والسياسي خارج سيطرته، فيما عودة اللاجئين أو جزء منهم، وعودة الحياة المدنية، هي في الحقيقة بداية تحدٍ كبير للنظام، سيواجه فيها مسؤوليات ترهقه، وهي اليوم تنهك شعب الثورة. ولن تجري هذه الحسابات بسهولة بالطبع، وسيتبجّح النظام بنصره المزعوم، لكنه في الحقيقة تحولٌ إلى أرضية جديدة، تنطلق فيها الثورة التي تحتاج إعادة تأسيس، في مساحةٍ مختلفةٍ تنتقل فيها من بقية الانتكاسات والتوظيف، إلى العودة إلى أصل الحلم الوطني لشعب سورية واستقلال المعارضة المدنية، وبدون استقلالٍ لن يولد الوطن الجديد.

العربي الجديد

—————————-

نصف مليون قتيل في سوريا

لا خلاف على فظاعة الحرب في سوريا وهمجيتها رغم الاختلاف البسيط في أرقام ضحايا الحرب السورية من منظمة حقوقية إلى آخرى، بسبب صعوبة التوثيق على الأرض من جهة والمعايير التي قد تختلف بشكل بسيط بين المنظمات من جهة ثانية.

وفي جهد توثيقي جديد، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، الثلاثاء، أنه تمكن مؤخراً  من توثيق اسم أكثر من 100 ألف شخص قضوا في الحرب ليتم إضافتهم إلى نحو 400 ألف ضحية وقتيل كانوا جرى توثيقهم في أوقات سابقة.

ووثق المرصد بذلك مقتل 494438 شخصاً منذ بدء النزاع في سوريا في آذار/مارس العام 2011، حين خرجت احتجاجات سلمية تطالب بالإصلاحات وإسقاط النظام قبل أن تواجهها السلطات بالقمع وتتحول إلى نزاع مسلح. وكان المرصد أحصى في آخر حصيلة نشرها في آذار/مارس الماضي مقتل أكثر من 388 ألف شخص.

بالمقابل ترى جهات حقوقية أخرى، مثل “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن عدد الضحايا الذين قضوا بالحرب يزيد عن مليون شخص معظهم مدنيين قتلتهم قوات النظام من خلال عمليات القصف العشوائي بالطائرات والبراميل المتفجرة التي كانت تستهدف تجمعات سكنية كبيرة، فيما ينفي نظام الأسد وحلفاؤه تلك الأرقام، مكتفياً باتهام قوى المعارضة وجهات متطرفة مثل تنظيم “داعش” الإرهابي بالوقوف وراء “مجارز” التي وقعت بحق المدنيين.

وقال “المرصد” في بيان أنه “مع تراجع وتيرة العمليات العسكرية في سوريا، وإيماناً بضرورة محاكمة جميع مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية عاجلاً أم آجلاً، ولاسيما قتلة أبناء الشعب السوري، كرس طاقم وفريق التوثيق ضمن المرصد قدراته وعمل على مدار الساعة بشكل مكثف منذ مطلع العام الجاري 2021، بغية توثيق الشهداء والقتلى ممن قضوا منذ انطلاق الثورة السورية العام 2011 وتأكد المرصد من مقتلهم واستشهادهم لكن لم يتسنى له سابقاً الحصول على التفاصيل الكاملة، يأتي ذلك رغم الصعاب والضغوط الكبيرة”.

وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة “فرانس برس” أن الأشهر لأخيرة التي شهدت هدوءاً غير مسبوق في النزاع، “أتاحت لنا فرصة لتوثيق عشرات آلاف القتلى، الذين كانت لدينا معلومات غير موثقة حولهم”، علماً أن هذه الإحصائية للخسائر البشرية والتي وثقها المرصد وفصل فيها فئات من فارقوا الحياة بين مدنيين وعسكريين من مختلف الأطراف الفاعلة في الصراع، لا تشمل أكثر من 47 ألف مواطن قتلوا تحت التعذيب في معتقلات النظام السوري.

وسجل العام العاشر للحرب الأهلية أدنى حصيلة للقتلى منذ اندلاع النزاع، والأسبوع الماضي، أعيد انتخاب الرئيس بشار الأسد، كما كان متوقعاً، لولاية رابعة، في انتخابات رئاسية هي الثانية منذ اندلاع النزاع شككت قوى غربية ومعارضة بـ”نزاهتها”. وبفضل دعم عسكري حاسم من حليفيها إيران ثم روسيا، باتت قوات النظام تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد، فيما يعاني السوريون من تداعيات أزمة اقتصادية خانقة مع نضوب موارد الدولة وانهيار قيمة العملة المحلية، في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية.

المدن

———————

الاسد عندما يصارع الثيران/ ساطع نور الدين

في خطاب النصر بالانتخابات الرئاسية الذي وجهه مساء يوم الجمعة الماضي، أطلق الرئيس بشار الاسد سيلاً من الشتائم والتهديدات لمعارضيه السوريين وغير السوريين، يوحي بأنه كان عائداً من غرفة عمليات إحدى الجبهات العسكرية، بعدما نفذ هجوماً ناجحاً، ولم يكن خارجاً من قاعة إجتماعات سياسية، أدار من خلالها عملية إنتخابية معقدة إنتهت بالفوز على منافسيَن إنتحاريَين، وعلى خصوم لا تعوزهم الرغبة بالانتحار!

الحكم على ذلك الخطاب أو بالاحرى على مزاج الاسد الذي ألقاه، محيّر فعلاً. لم يكن من خطاباً إحتفالياً بالفوز يشبه الخطابات التقليدية التي يوجهها أي فائز بالانتخابات، فيشكر الناخبين الذين صوتوا له، ويتعهد لهم بتحقيق وعوده الانتخابية، ثم ينتقل على الفور الى التوكيد على أنه لن يكون رئيساً لأنصاره ومؤيديه فقط، بل أصبح، بعد إعلان النتائج، رئيساً لجميع أبناء الشعب، ويمد يد المصالحة والوحدة، ويوجه الدعوة الى العمل معاً من أجل إعادة بناء البلد..

لم يكن خطاباً للسلم، ولا للجنوح نحوه. كان بمثابة إعلان حرب. ينقض الموقف الرسمي  السابق للانتخابات والممهد لها والذي صيغ على أساس أن صفحة الحرب طويت تماماً. ترك الاسد الانطباع بأن الحرب التي مضت عليها عشر سنوات، وما زالت آثارها ظاهرة على جميع السوريين من دون إستثناء، بدأت للتو، أو هي على الاقل تدخل في طور جديد، في مواجهة “الخونة، والمرتزقة، والثيران..”، بحيث بدا وكأنه كان يحرض أنصاره ضمناً على التأهب لمعركة جديدة تهدف تصفية تلك الفئة من السوريين، مهما كان عددهم.

وهو بهذا المعنى خطاب تجديد الحرب، وليس طي صفحتها أو التعهد بوقفها، والتمهيد لإسكات لغة السلاح. وهو ليس غريباً عن جميع الخطابات التي وجهها الاسد على مدى السنوات العشر الماضية، والتي ترجمها أنصاره الى شعارات وهتافات حاملة لفكرة الابادة الجماعية للمعارضين على إختلافهم.. والتي كانت على الدوام تثير الذهول لإفتقارها الى أدنى حس بالمسؤولية عن الحرب، وبالرغبة الصادقة في إنهائها.

لعله أسلوب الاسد الخاص في التعبير عن الفرح ب”النصر”، وطريقته في التخاطب مع جمهوره، كما مع خصومه. وما يبدو أنه زلة لسان، قد يكون مجرد لغة سورية عادية، مكررة، تهدف الى تحفيز الأنصار وترهيب الاعداء.. وما يبدو أنه إلتزام صارم بتقاليد الخطابة الجماهيرية القديمة، التي كانت تختتم عادة بتوزيع السلاح على المستمعين، قد يكون مجرد مخطط لتوجيه المسؤولية عن الأزمة الكبرى التي تعيشها سوريا على جميع المستويات، الى “الثيران” المعارضين ومن لفّ لفّهم.

لكن صدى الخطاب في الداخل السوري، لم يكن على هذا القدر من التوتر. ثمة من دعا، صادقاً، الى ترقب خطاب القسم الذي سيوجهه الاسد في قاعة البرلمان السوري، على الرغم من التجارب السابقة لا تبشر.. ففيه الوعد الصادق، بالسلم والصلح، أو على الأقل إكمال المصارعة، ولكن بروح رياضية، مع “الثيران”. وثمة من دعا الاستعداد لعشر سنوات عجاف، لا تقتصر المعارك فيها على العلف.

أما في الخارج السوري، فإن قراءة خطاب النصر، لم تتوصل حتى الآن الى تقدير دقيق لما إذا كان التطبيع مع الاسد ونظامه، سيمضي قدماً، كما شاع قبل الانتخابات، في بعض العواصم العربية والاجنبية، التي كانت تترقب النتائج على أحر من الجمر، أم أن الرعب، أو حتى الحذر الذي أشاعه ذلك الخطاب سيصل الى تلك العواصم، ويعيدها الى جادة اليأس من إمكان التعامل مع ذلك النظام وفرص إصلاحه، أو كبح جموحه نحو تقديم نفسه كجبهة أمامية، روسية وإيرانية، في مواجهة الغرب، الذي لا يريد أصلاً، القتال في سوريا. 

 ما زال الوقت مبكراً لإصدار مثل هذا الحكم، ولا يمكن الاعتماد فقط على برقيات التهنئة التي وصلت الى دمشق، أو تلك التي كان الاسد يتوقعها، ولم تصل بعد. الوفود يمكن أن تتقاطر، في الموعد الذي يحدده الدستور السوري!       

المدن

————————–

قانون الاستثمار عند الأسد..طوق نجاة وهمي/ سمير طويل

دفعت جاذبية قانون الاستثمار الجديد الذي أصدره النظام السوري البعض إلى تخيّل وضع سوريا لو كان مثل هذا القانون الاستثنائي قد صدر قبل عام 2011 حين كان نظام الأسد يصر على “تطفيش” الكثيرين من رجال الإعمال ورؤوس الأموال، أو جعلهم تحت رحمة حيتانه أمثال مخلوف وشاليش وجابر والأسعد وغيرهم من مجموعة المستفيدين، الأمر الذي جعل الكثيرين من السوريين على حافة الفقر والتهميش ودفعهم للانخراط في الثورة على النظام عند اندلاعها.

ولكن نظام الأسد كعادته لا يأتي إلا متأخراً جداً، وتحديداً بعد خراب الأوضاع ومن هنا فلا عجب أن يصدر هذا القانون في ظل غياب اسم سوريا من خريطة الاستثمارات العربية والعالمية، وهذا ما أكده أحدث تقرير صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمارات.

ويأتي قانون الاستثمار هذا بشكله المشجع والاستثنائي، فيما الثقة في نظام الأسد معدومة، والمشهد الأخير للانتخابات يثبت أن قوانين النظام “الجميلة” في وادٍ والتطبيق في آخر، لأنه لا يمكن الاستثمار في اقتصاد يعاني من الدمار والخراب وانهيار البنى التحتية وعقوبات قيصر التي تحظر الكيانات والمؤسسات والشركات والمصارف العالمية من التعامل، فما الفائدة التي سيجنيها النظام السوري من الإصرار على إصدار قانون الاستثمار هذا؟

خدمة أمراء الحرب

ويؤكد الكاتب المتخصص بالشأن الاقتصادي مصطفى السيد في حديث لـ”المدن”، أن قانون الاستثمار الجديد تم تشريعه لخدمة طبقة أمراء الحرب لأن الوضع الأمني لن يشهد الاستقرار قبل بناء استقرار سياسي قائم على عدالة موثوقة للمجتمع الذي تم جرّه للدمار تحت شعار “الأسد أو نحرق البلد”، مضيفاً أنه “من الصعب خروج سوريا من دوامة العنف الاجتماعي حتى يتم تبديل هذا الشعار من طبقة النهب الوطني في سوريا”.

ويرى السيد أن قانون الاستثمار الجديد يأتي في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية ل”محاولة كسر الإرادة الأميركية” بتشديد الإجراءات الاقتصادية على “منظومة النهب المتوحشة في سوريا”. ويقول: “تبدي الإدارة الأميركية الجديدة مرونة أكثر تجاه عودة منظومة النهب في سوريا إلى ساحة التبادل الاقتصادي إذ أن عدداً من كبار أعضاء طبقة النهب في عهد الأسد الأب، قاموا باستثمار ما نهبوه في الولايات المتحدة، فيما اتجهت طبقة النهب في عهد بشار الأسد بشكل أكبر إلى أسواق الاستثمار في روسيا والنمسا وما كان يُعرف بأوروبا الشرقية سابقا وشرق آسيا فيما توجهت استثمارات أبناء المستشارة السياسية للأسد إلى الولايات المتحدة”.

ويتابع السيد: “هنا يمكن فهم تصريح بثينة شعبان الشهير لقناة الميادين عندما قالت: أنا اجتمعت مع زملاء مسؤولين عن الاقتصاد السوري، وقالوا لي إن الاقتصاد السوري أفضل بخمسين مرة مما كان عليه في عام 2011″. وأغلب الظن أن شعبان :كانت تتحدث عن استثمارات أبنائها بدقة إذ أن مؤشرات الاقتصاد السوري واضحة للسوريين ولكل المعنيين بالاقتصاد السوري و المراقبين و الدارسين”.

ويضيف السيد “أما بالنسبة للمستثمرين الروس فان سوريا بالنسبة لهم ليست بلداً أمناً خلال جيلين قادمين على الأقل و لن يجرؤ أي إيراني على الاستثمار في سوريا لأجيال عديدة ما لم تقم إيران بالاعتذار للشعب السوري عن المجازر التي ارتكبها الحرس الثوري الإيراني و المنظمات الطائفية”.

هل يتحدى المستثمرون العقوبات الدولية!

صحيح أن القانون رقم 18 يعد من القوانين الجاذبة للاستثمارات حول العالم، لأنه من الناحية النظرية فعّال، أما من الناحية العملية فلا قيمة له على الإطلاق بسبب الدمار والخراب في البنى التحتية، والانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي والغياب الكلي للأمن والاستقرار.

لو صدر هذا المرسوم قبل العام 2011 لأصبحت سوريا من أهم الدول جذباً للاستثمارات والمشاريع. وعلى الرغم من استخدام القانون الإعفاءات المالية كعامل مهم لجذب المستثمرين، إلا أن قيمته الحقيقية في ظل الظروف الحالية تكاد تكون معدومة، ومن المستحيل الرهان على أن يتحدى المستثمرون العقوبات الدولية وقانون قيصر مقابل الاستثمار في سوريا.

وحتى تاريخ صدور القانون رقم 18، كانت مرجعية الاستثمار في سوريا تتم وفق المرسوم رقم 8 لعام 2007 والذي فتح المجال لقيام مشاريع شوّهت الاستثمار واستنفذت الكثير من الموارد، كما ساهمت الكثير من المشاريع الاستثمارية في استنزاف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.

يضاف إلى كل هذا أن قانون الاستثمار رقم 8، والذي أنهى العمل بالقانون الشهير رقم 10 لعام 1991، ألغى شرط التصدير، مع العلم أن الحاجة للاستثمار في القطاع الصناعي كانت بهدفين الأول تأمين حاجة السوق المحلية من السلع والثاني تأمين القطع الأجنبي عبر التصدير، كما تميز القانون رقم 8 بوجود العديد من العراقيل والبيروقراطية، على الرغم من وجود النافذة الواحدة الأمر الذي دفع العديد من المستثمرين إلى تقديم طلب إلغاء التراخيص واضطر البعض الآخر إلى إغلاق المنشآت بصمت.

لهذا على ما يبدو فإن اللجنة المكلفة من قبل النظام السوري بإصدار القانون الجديد رقم 18 قامت بدراسة عـميقة وقامت باستنساخ قوانين الاستثمار في كل من الدول التالية: مصر، الجزائر، الأمارات، البحرين، عـُمان، تركيا، قطر، العـراق، الأردن، المغـرب، ليبيا، السودان، لبنان، تونس، الكويت، السعـودية، واقتبست من قوانينها الإعـفاءات التي تقدّمها بعـض الدول

تراجع الاستثمار بنسبة 99%

في العام 2009 بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر في سوريا حوالي 1400 مليون دولار، وبالرغم من هذه الأرقام إلا أن بياناته (أي الاستثمار الأجنبي) وصفت بعدم الدقة حيث كان يدخل إلى سوريا الكثير من الأموال بهدف استثمارها تحت اسم التحويلات.

وهنا يشير الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أنيس ل”المدن”، إلى أن نسبة تراجع الاستثمارات في سوريا بلغت 99 في المئة خلال عشر سنوات من العام 2009 وحتى العام 2019، وذلك وفق بيانات وأرقام هيئة الاستثمار السورية التابعة النظام، حيث أشار التقرير الثالث عشر للاستثمار عن التكلفة التقديرية للاستثمارات خلال عام 2019، والتي قدرت ب193 مليار ليرة، ما يقارب 65 مليون دولار فقط، بينما وصل حجم الاستثمار خلال العام 2009 إلى حوالي 500 مليار ليرة سورية،، ما يقارب 10 مليار دولار، أي أن مؤشر نمو الاستثمار “سالب” ونسبة التباطؤ بلغت 0.0065 في المئة، وهذا ما تؤكده الأرقام التي تحدثت عن هجرة أكثر 100 مليار دولار من رؤوس الأموال إلى خارج سوريا.

ويخشى المراقبون أن يقوم النظام من خلال القانون رقم 18 بدعم نفوذ رجال الأعمال الجدد من فئة “أمراء الحرب” أو إطلاق ذراع حلفاء النظام بشكل أكبر، ولهذا ركز القانون الجديد على تشجيع المستثمرين لجهة حل نزاعاتهم بشكل ودي قبل اللجوء إلى القضاء، أو عبر مركز تحكيم لدى اتحاد غرف التجارة السورية للنظر في المنازعات  الناشئة عن الاستثمار.

المدن

————————

على ماذا يبتهجون؟/ راتب شعبو

من حق العاقل أن يستغرب ابتهاج المبتهجين في سورية بنتائج “الانتخابات” الرئاسية. لا شك في أن هناك من شارك في الاحتفالات لأنه مستفيد من بقاء حال سورية على هذا الشكل الذي يسمح له بالمشاركة في النهب والتشبيح على الناس، وهؤلاء أقلية يهلّلون من قلوبهم كما تشاء لهم الأجهزة الأمنية ومتى شاءت. وهناك بؤساء يشاركون لأنهم يخافون من الأسوأ، من أن تضع هذه الأجهزة ملاحظاتٍ سوداء على سجّلاتهم يدفعون ثمنها تالياً من دماء قلوبهم. وهناك من يشاركون لمجرّد أن هناك احتفالاً ودبكةً بصرف النظر عن المناسبة، وهذا ينطبق على الشباب بنسبة كبيرة. ولكن هناك بؤساء يشاركون إما عن قناعة، وربما الأدقّ عن شعور بأن “الرئيس” يقف في وجه العالم كي يحميهم من خطر غامضٍ يتهدّدهم، خطر تجسّد، في لحظةٍ ما، بتنظيماتٍ إسلامية لا تتحمّل الاختلاف، وتهدّد نمط حياة الناس ومسالكهم اليومية المعتادة، أو أنهم يشاركون ويحتفلون من دون تفكيرٍ في سلوكهم هذا، وربما لا يجرؤون على التفكير به، لا بل يتّخذون، كما لو بصورةٍ غريزيةٍ تحت تأثير العجز والاعتياد، موقفاً سلبياً ممن يحرّض لديهم التفكير. هؤلاء ينساقون مع التيار العام، كما في المسالك الطقوسية التي تستقل عن التفكير، وهم يكرّرون عباراتٍ ثابتةٍ ومحفوظة من دون تفكير، ويبدون من الانفعال وحرارة “الصدق” ما تستوجبه الطقوس.

استغراب حفلة الابتهاج، عقب إعلان النتائج، ينبع من السؤال: هل كان أحد في سورية (أو خارج سورية) يشكّ لحظة في أن النتيجة ستكون على غير ما خرجت؟ هذا أمرٌ منتهٍ ومفروغ منه. حتى لو خرجت النتيجة (من باب الخيال والافتراض فقط) لصالح مرشّح من المرشّحين المسكينين الآخرين، لوجدنا الفائز خائفاً ومرتعداً، ولا يجرؤ على الاقتراب من القصر الرئاسي، ولا شك في أنه سوف يلعن الساعة التي فاز فيها، ويشكو من ناخبيه على ما أوصلوه إليه من خطر، وسوف يعتذر للوريث الجمهوري عن الفوز، ويتبرّع له بفوزه عن طيب خاطر، راجياً منه أن يخلّصه من هذه الورطة التي وجد نفسه فيها رئيساً لجهازٍ دولة مغلق في وجهه، ولا يملك مفتاحه سوى الوريث، فكيف “لدولة الأسد”، بجيشها ومخابراتها وبيروقراطيتها المنتقاة على الولاء، أن يقودها غريبٌ من خارج العائلة. وربما سارع هذا الفائز إلى طلب اللجوء السياسي على الفور إلى أي مكان في العالم يمكن أن يستقبله.

في مصر التي شهدت انتخابات ديمقراطية مراقبة ونزيهة إلى حد لا بأس به، وجد الرئيس المنتخب، محمد مرسي، نفسه ضعيفاً أمام جيش وبيروقراطية دولة غير مرحّبة به، وغير متعاونة، ولم يصمد على هذه الحال سوى سنة واحدة، من دون أن يلغي هذا مسؤوليته ومسؤوليه حزبه عما انتهى إليه الحال. فما بالك بمرشّح لا يملك شيئاً من القوة أمام “دولة الأسد”.

هذه البهجة الصاخبة في سورية، إذن، لا تعبر عن زوال قلق ما، كان يتهدّد نفوس المبتهجين قبل النتائج ثم زال بصدورها. المبتهجون، وغير المبتهجين، يعرفون النتيجة سلفاً، ومتأكّدون منها أكثر من تأكدهم من قدرتهم على تأمين العشاء لأولادهم. لماذا إذن الاحتفالات، وما هو مصدر البهجة؟ هل يحتفلون لأن في فوز الوريث سوف يتحقق ما يأملون به من تأمين الحاجات الأساسية لهم ولعائلاتهم، ومن صون كرامتهم من التشبيح ونقص الاعتبار والانتظار الطويل على الأبواب لتأمين أبسط حقوق الكائن البشري؟ هل يحتفلون لأن فوزه يصون كرامة الوطن من استباحة إسرائيل والقوى الخارجية الأخرى؟ هل يمكن أن يختلف ما بعد هذه الانتخابات الفارغة عمّا قبلها بما يبرّر الاحتفال؟ على العكس، يقول المنطق البسيط إن استمرار الوريث يعني استمرار المشكلات التي تعيشها سورية. باستمراره، سوف تستمر آلية حكمه وطاقم حكمه وسياساته القائمة على القمع الرهيب، وعلى تقسيم الشعب السوري لكي يواصل حكمه، والقائمة على استنزاف طاقة البلد في حروبٍ داخليةٍ، لا مصلحة فيها للشعب السوري أينما كان. ولا يمكن لعاقلٍ أن يأمل بنتائج مختلفة، حين تكون الأسباب واحدة.

هل يبتهجون لأن ثمّة انتصاراً ما؟ أين هو الانتصار؟ سورية مقسّمة، ومستباحة من خمسة جيوش كبرى، ومنبوذة دولياً، ونصف أهلها مشرّدون في الخيم وبلدان اللجوء، والباقون يعيش أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر، بحسب منظمة الصحة العالمية، وأكثر من نصف أطفال سورية بدون تعليم، بحسب منظمة “يونيسف” … الخ، أين هو النصر الذي يستدعي البهجة؟ وما تفسير الاحتفال باستمرار “حكمٍ” أوصل البلاد إلى هذه الكارثة؟

مهما يكن من أمر، هذا النوع من احتفالات التأييد يمكن أن ينقلب إلى نقيضه في لحظة واحدة. هذا ما يدركه أهل السلطة جيداً، وهو ما يفسّر الاستنفار الأمني المستمر، والمراقبة اللصيقة للناس في حياتهم وأعمالهم وما يكتبون على صفحاتهم. أمام التصويت بالدم والنسبة الخرافية للفوز، وهذا “الابتهاج” الغامر، المنطقي أن تكون طغمة الحكم مطمئنةً إلى حب الجماهير، وألا تخشى من رأيٍ يُقال في مجلس خاص أو في مقال ما أو على وسائل التواصل. لماذا إذن يحصون على “جمهورهم” أنفاسه، ويصرفون على تخويفه وضبطه أضعاف ما يصرفون على تعليمه وصحته؟

أما تجاه خطاب الفوز الذي يحطّ من موقع رئيس الجمهورية إلى أن يكون رئيس جمهور الرئيس، فلم يبق من مشاعر أمام السوريين، أينما كانوا، سوى الشعور بالعار.

العربي الجديد

——————-

فيلم سوري طويل/ حازم نهار

أرادت السلطة من محطة “الانتخابات” أن تعطي انطباعًا بطيّ صفحة السنوات العشر الماضية، وأن تمثِّل إعلانًا عن مرحلة جديدة أساسها “انتصاره” على “المؤامرة الكونية”، ولتؤدي دورًا في تثبيت فشل معارضي النظام من الأصناف جميعها، وكسر إرادتهم وتيئيسهم، ودورًا آخر في قهر الذين تجرؤوا عليه، فضلًا عن محاصرة الواقعين تحت سيطرته المباشرة، وتدجينهم وإعادة قولبتهم، وتحفيز مواليه على العمل، وإعطائهم أملًا بتغيّر الأوضاع نحو الأحسن. يؤمن النظام بأن “نصره” سيعيد قولبة كل شيء، حتى التاريخ ستُعاد قراءته بما يتوافق مع رؤية المنتصر. إعلان النصر هذا قد يساهم في تغيير رأي بعض من كانوا ضده أو إحباط بعضهم. يريد أن يقول، في اختصار، تعايشوا مع حقيقة وجودي واستمراري.

بعد الإعلان عن النتائج الرقمية لـ “الانتخابات”، تناولها كثيرون بالتحليل والنقاش بهدف إثبات لامنطقيّتها. في الحقيقة، إن المقاربة الرقمية لنتائج “الانتخابات” هي مقاربة بسيطة وساذجة، وتشبه المناقشات المستفيضة للمعارضة السورية بالردّ على إعلام السلطة عندما قال إن أهل الميدان خرجوا من أجل شكر ربهم على نعمة المطر وليس من أجل التظاهر ضد النظام. النظام يعرف أنه كاذب، ويعرف أن مواليه يعرفون أنه كاذب بقدر ما يعرف معارضوه، والدول الداعمة له أو المعترضة عليه تعرف كلها أنه كاذب، وهو يعرف أيضًا أنها تعرف كذبه. نحن في حفلة عامة من الكذب، يدركها الجميع، ويشارك فيها الجميع. من العبث مناقشة ما يصدر من النظام من باب إثبات كذبه ولامنطقيّته.

لا يهتم النظام أبدًا بأن تصدِّقه، بل على العكس؛ هو يتلذّذ، ويضحك ساخرًا، عندما يراك مستغرقًا أو منهمكًا في إثبات كذبه ولامنطقيّته. يريد أن يقول لمعارضيه: موتوا بغيظكم، إنني موجود ومستمر رغمًا عنكم، ورغم أنف منطقيّتكم. ولمواليه: أريد أن أكتشف فعليًا أنكم مقتنعون بي، وأنكم لا تكترثون لكذبي، بل أنكم تؤمنون إيمانًا عميقًا ونهائيًا بكذبي الفاضح، وتدافعون عنه. عندما تكذب السلطة بوضوح شديد، ويُضطر البشر إلى التظاهر بتصديقها، سينظرون إلى أنفسهم بدونية ويحتقرونها، وهذه غاية كل سلطة مستبدة؛ كلما زاد احتقار البشر لأنفسهم زادت نظرتهم تعظيمًا للسلطة. أيها المواطن يجب عليك أن تنظر إلى نفسك بدونية. يسمع كثيرون من الجامعيين في التدريب العسكري الجامعي هذه العبارة: “يا حضرة الطالب الحقير.. اعتز بنفسك”.

هذه اللامنطقيّة، وهذا الكذب العاري، ليسا نتيجة غباء أو عجز أبدًا. لو أراد النظام، بمساعدة أساتذة جامعاته واقتصادييه وإعلامييه، أن يقدم لك نتائج منطقية من دون أن تختلف نتيجة “الانتخابات”، لاستطاع ذلك من دون جهد أو تكلفة، لكنه فعليًا لا يريد. لم يسعَ النظام أبدًا، طوال حكمه، لأن يضع نفسه تحت خانة النقاش المنطقي أصلًا. إنه لا يسمح لك بأن تناقشه منطقيًا أو أن يكون محطَّ نقاش منطقي. لا يريد لعلاقتك به أن تكون منطقية مطلقًا. يريدك أن تؤمن به إلهًا فوق العقل والمنطق، والأرقام، والقانون، والزمن. يريد لعلاقتك به أن تكون خرافية، مبنية على القداسة، على الإيمان من دون تفكير. إذا فكرت للحظة سيبدأ مشوار نهاية النظام، ولذلك إذا فكرت سيقتلك أو ينفيك أو يسجنك أو يخفيك.

يسأل بعضهم: لماذا شارك السوريون في “الانتخابات” بصورة أكثر من ذي قبل؟ كيف لبعض البشر أن يناصر من أهدر حرياتهم، واستباحهم، اعتقالًا وتعذيبًا وترويعًا. وكثيرًا ما يجري اتهام المشاركين، على طريقة السلطة ذاتها، بتلقي مبالغ مادية مقابل أفعالهم. المصالح والمنافع المتبادلة واردة لكنها تبقى في نطاق ضيق، ولا تفسِّر الظاهرة. التفسير الأخلاقي للظاهرة قاصر ومضلِّل أيضًا، وهو تفسير بسيط وسطحي لظاهرة معقدة يتفاعل فيها السياسي والاقتصادي والنفسي… إلخ. التفسير الأخلاقي لا يصلح إلا في حالات ضيقة ومحدّدة. ربما كان السؤال الصحيح هو: لماذا أراد النظام إظهار السوريين وكأنهم شاركوا بفاعلية أكثر كثيرًا من ذي قبل؟

على العموم، ينبغي الانتباه إلى أن كثيرًا من السوريين، اليوم، يبحث عن نهاية ما لعقد كارثي، أو في الأحرى عن بداية لحياة تتوافر فيها مقومات العيش الأساسية، ولا يهم إن كانت مع الشيطان. هذا قانون حركة البشر والتاريخ، ولا تجوز مقاربة المسألة هذه أيضًا استنادًا إلى معايير أخلاقية أو دينية أو معتقدية. هناك حالة عامة من الخوف الشديد تدفع البشر إلى البحث عن خلاص ما، عن تغيير ما، عن أمل ما، خاصة في ظل الشعور بالخذلان من “المعارضات” و”الهيئات الثورية”، ومن الدول العربية والإقليمية، ومن أوروبا وأميركا، ومن الأمم المتحدة، والعالم كله. والبشر، عمومًا، يميلون إلى الانجذاب إلى المناطق التي يتوافر فيها حدّ أدنى من المؤسسات، حتى لو كانت ضعيفة أو عاجزة. يرغب البشر بوجود مشافٍ ومستوصفات ومدارس ومؤسسة مياه وشركة كهرباء وجامعات ومصارف وجهاز شرطة وهيئة قضائية وغيرها، لأن هذا كله يشعرهم بقدرٍ ما من الاستقرار والأمان.

تعتمد عملية إخضاع السلطة للآخر، البشر، بحسب ما يرى مصطفى حجازي، على ركيزتين متعاضدتين؛ سموّ قدر المتسلط، وانحطاط شأن المقهور. ولكي تستمر عملية الإخضاع، فإنها تحتاج دائمًا إلى ما يُغذِّي نرجسية السيّد، وهذه تحصل عبر المزيد من ممارسة العنف والتعسّف، مثلما تحتاج إلى الإمعان في إهانة الخاضع/المقهور واحتقاره. لنصبح أمام عالم ثنائي يُمثِّل فيه الأول صورة الإله، والثاني صورة النموذج الأدنى من البشر. أي يبدو المقهور في مرتبة أدنى تجعل التعاطف معه شيئًا أقرب إلى الخبل أو البلاهة، ومن ثم يبقى قهره دائمًا سلوكًا مقبولًا ومرحّبًا به. كانت “الانتخابات” وسيلة من وسائل تغذية نرجسية “السيد” من جهة، وأداةً لاحتقار الخاضعين والمقهورين من جهة أخرى. تراهن السلطات القمعية دائمًا على تأقلم المقهور مع احتقار السلطة له، ومن ثم تكيّفه مع احتقاره لنفسه، ما يدفعه إلى التعظيم من شأن المتسلِّط، والنظر إليه بوصفه كائنًا خارقًا له مطلق الحق بالسيادة، والتمتع بالامتيازات كافة.

ازدراء البشر ركيزة من ركائز العقيدة الفعلية للسلطة، ليس لمعارضيها فحسب، بل لمواليها أيضًا، إلى جانب رغبتها الشديدة في إيلام البشر وقهرهم. لذتها القصوى هي في قهرك، وأن تشعر أنك صغير الحجم جدًا، وضئيل القيمة جدًا. أنك لا شيء، وأنك صفر. إدلاء رأس النظام بصوته في مدينة دوما كان رسالة مزدوجة؛ أولًا يريد أن يقول إن هذا الشعب لا يُحكم إلا بالقتل، وثانيًا: لا أريدك أن تصدق أن أهل دوما معي، بل أريد أن أقهرك وأقهر أهل دوما. نظام مغرم بالجكارة والنكاية.

هناك أيضًا شيء يسمونه “التوحد مع المعتدي”؛ تعاطف المقهور مع القاهر. وهي ظاهرة فيها الكثير من المشاعر المتناقضة، المقهور معجب بالقاهر، يتضامن معه، يدافع عنه، يبرِّر له، ينضمّ إلى نشاطه وسلوكه. هذا التوحد مع سلوك المعتدي عملية دفاعية لا شعورية تهدف إلى حماية الذات من الأذى والبطش والتفكك، يتحول فيها المرء من السلبية أو الحيادية إلى الفاعلية والمشاركة في المنظومة المسيطرة للتقليل من الشعور بالقلق أو للتخفيف من الشعور بالانسحاق المريع للذات.

لا تكتفي السلطة القمعية بالتعبيرات الكلامية فحسب لإثبات الولاء لها. تريد تعبيرات جسدية تؤكِّد الولاء؛ حركات دالة، الرقص، الدبكة، الصراخ. تريدك أن ترقص؛ عندما ترقص ستخفّ حمولة العقل أو تطير، وهكذا ستقترب منها، وتصل إلى قلبها، على هيئة ما يفعل الصوفي تقربًا من الله. لكن ليس كل الرقص يأتي بإرغام السلطة وطلبها. بعض الرقص صادق، وبعضه منافق، وبعضه يأتي بحكم الهبل أو التفاهة، وبعضه بحكم العادة، وبعضه تحرِّكه هيستيريا الواقع، وبعضه بحكم الحاجة إلى الفرح، وبعضه لا عنوان له، وبعضه يكون تعبيرًا عن الألم؛ عندما يُذبح الديك يقوم بحركات غريبة، ومن يراه من بعيد يظنه يرقص، وهو في الواقع يقاوم الألم ويصارع الموت.

ما الذي سيحدث بعد “الانتخابات” على مستوى السياسة الداخلية؟ يُظهر تاريخ النظام السوري، وعقليّته، أنه لا يغيِّر سياساته الداخلية تحت الضغط، ولا يغيِّر إذا كان تغييره سيُفسَّر ضعفًا. وهو الآن بين خيارين أو احتمالين، إما أن يزيد من سياساته القمعية والفاشية أو أن يحدث تغييرات طفيفة أو إصلاحات محدودة لا تؤثر في استمراره وبقائه، وتعطي الإيهام ببداية جديدة. لسان حاله يقول: نحن نغيِّر التسميات ولا نغيِّر النهج؛ قانون الطوارئ كان أرحم من قانون مكافحة الإرهاب، وعملية الاستفتاء كانت أقل وطأة من “الانتخابات”.

الاحتمال الأول أكثر أرجحية، لأن النظام يفتقد، هذه المرة، إلى القدرة الذاتية على إجراء تغييرات محسوسة، لأسباب سياسية واقتصادية وقانونية وجغرافية وإقليمية ودولية، أو بشكل أدق لن يستطيع التغيير كثيرًا في مسارات الواقع، فهو وإن كان قد خرج منتصرًا، بحسب ما يدعي، وبحسب فهمه للانتصار، وعلى الرغم من كونه الطرف الأقوى في المعادلات الداخلية، إلا أنه خرج عاجزًا ومنهك القوى، ولا يستطيع أن يكون حرّ الإرادة فعليًا إلا في ممارسة القهر.

هنا نستطيع أن نفسِّر الحالة العصابية لخطاب النصر؛ كلما ازداد الخواء والعجز ازداد الصراخ والتطرف. في النهاية، تبدو احتمالات المستقبل مشابهة لما نجده في بلاد أخرى متأخرة؛ إما دولة فاشية تمعن في قهر المواطن، أو حرب داخلية دائمة لا ينتج عنها إلا مزيد من الدمار والتشظي. لا توجد معادلة لم يستثمر فيها النظام طوال السنوات الماضية. معادلته الرئيسة كانت إما أنا أو الفوضى، إما أنا أو حرق البلد. وفي السياق استخدم معادلات كثيرة مكملة؛ إما القبول بي أو النفي، إما التسليم أو الحصار، والخبز مقابل الولاء. إنه نظام العدمية؛ إما أن تموت أو تستمر في العيش بوصفك “لا شيء”.

ما زالت سورية غير مستقرة، وما زالت احتمالات خروجها من الفشل ضئيلة جدًا، وما زال السوريون يتحركون على أرض رملية، ولا يبدو أن شيئًا قد حُسم بصورة نهائية. في ساحة “المعارضات الرسمية”، وفي ساحة “الهيئات الثورية”، فضلًا عن “الجماعات المسلحة” كلها، هناك مهازل أخرى أيضًا، يكاد بعضها أن يكون مستنسخًا من المهزلة الكبرى، استبدادًا، وعقائدية، وتبعية، وتفاهة. الجماعات المعارضة في الأنظمة الشمولية لا تختلف كثيرًا عن الأنظمة الحاكمة من حيث خطابها وأدائها وطرائق تفكيرها. يبدو أن الأمل لن يتفتح إلا بولادة نخب ثقافية وسياسية ومدنية جديدة تتجاوز فعلًا الثقافة الديكتاتورية، وهذه تحتاج إلى جهد عظيم، ووقت طويل، في ظل هذا الفيلم السوري الطويل.

المدن

————————–

غرفة نوم القائد وقصة المجنّد “ميم”/ إياد الجعفري

قد لا تكون صدفة محضة، أن تتزامن عودة العمّ الضال –رفعت الأسد- إلى “حضن وطن” ابن أخيه، مع استعادة النظام لاستراتيجيات فرض الطاعة التي اتبعها في النصف الثاني من عهد حكم حافظ الأسد. فـ رفعت الذي أدى إحدى طقوس الطاعة لـ بشار الأسد، عبر مشهد “انتخابه” بالسفارة السورية في باريس، قبل أيام، كان الرجل ذاته الذي مثّل إقصاؤه عن الحكم، بدايةً لعهدٍ جديدٍ في حكم شقيقه، قبل 36 عاماً.

ويُمثّل العام 1985، فارقاً نوعياً على هذا الصعيد، إذ كان حافظ الأسد قد اطمئن تماماً إلى التخلص من أي تهديد جدّي لنظام حكمه من جانب قوى المعارضة المحلية، وتحديداً الأخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه، كان قد تخلص من تهديد مستجد لكرسي حكمه من جانب أخيه، رفعت الأسد، قبل ذلك بعامٍ واحدٍ فقط. لذا، شهد استفتاء العام 1985، تطوير استراتيجيات قديمة لفرض الطاعة، وإضافة أخرى جديدة إليها، بصورة لم يكن قد عرفها السوريون من قبل. حيث ظهر لأول مرة مصطلح “البيعة”. وشاعت مشاهد تقديمها بـ “الدم”. وتصاعدت ظاهرة تأليه الحاكم، والحض على إظهار الولاء والخضوع له، بأدوات الإكراه والتهديد، وصولاً إلى استفتاء العام 1992، الذي شهد عروضاً غير مسبوقة من التزلف، تحولت لاحقاً إلى سمة عامة لعلاقة السوريين بنظام حكمهم. فقد تعودوا على تقديم طقوس الطاعة، لتجنب المتاعب وحفظ أمنهم من أدوات النظام العقابية، بعد عقدٍ من الخيبة حيال أية آمال للتغيير في سوريا.

وبقيت غايات النظام من فرض التزلف في الطاعة على السوريين، غير مفهومة بشكل كافٍ، بالنسبة للكثير من الباحثين، الذين لجأووا لإسقاط نماذج مختلفة، من الأنظمة الشمولية، تارة الفاشية وتارة الشيوعية، من دون أن يفلحوا كثيراً في تقديم وصفٍ يلامس كل جوانب المشهدية الفريدة نسبياً، في سوريا. تلك التي يطلب فيها النظام من شعبه عروضاً بلاغية واستعراضية قد تكون مثيرة للسخرية في حين، ومخالفة للمنطق في أحيان أخرى، مع كم هائل من الإسفاف في الهالة الملقاة على الأسد الأب، كان النظام يعلم جيداً، أن السوريين في غالبيتهم العظمى، يسخرون منها بين جدران بيوتهم، بكمٍ هائلٍ من النكات السياسية، الزاخرة بأشكال المجاز المُعبّر.

ومن بين محاولات فك شفرة هذه الاستراتيجيات وغاياتها، كانت محاولة الباحثة الأمريكية ليزا وادين، في كتابها “السيطرة الغامضة – السياسة، الخطاب، والرموز في سورية المعاصرة”، تجربة غنية ومتفردة لجهة التركيز على جوانب من خصوصية المشهد السوري، مقارنة بمشاهد تاريخية مقارنة، قد لا تنطبق بشكل كافٍ عليه.

صدر كتاب وادين، عام 1999، وظهرت ترجمته للعربية في نهاية العقد الأول من القرن الحالي. ورغم أن وادين تتناول عهد الأسد الأب، إلا أن قارئ الكتاب لا يمكن إلا أن يتوقف ملياً عند استراتيجيات فرض الطاعة المستنسخة من ذلك العهد، والتي أعاد نظام الأسد الابن إحياءها في المسرحية الانتخابية الأخيرة.

وكي نفهم أكثر غايات النظام، علينا أن نسأل الأسئلة الصحيحة، لا الخاطئة. فأن نتساءل مثلاً، كم نسبة السوريين المقتنعين بخيار “الأسد”، من بين أولئك الذين “زحفوا” وفق وصف وزير خارجيته، لـ “انتخابه”، هو تساؤل في غير محله. فالنظام لا يعنيه أن يكون السوريون مقتنعين، ما يعنيه أن يكونوا مطيعين. بل هو فعلياً، لا يهمه المقتنعون أساساً به، بل ما يستهدفه هم أولئك الذين يعلم أنهم يظهرون غير ما يبطنون. فأولئك تحديداً، يريد منهم أن يظهروا أكبر قدر ممكن من الطاعة. فالطاعة الحقيقية هي طاعة الخاضع، وليست طاعة المقتنع. فالأخير، لا يطيع فعلياً، بل هو يتصرف من وحي قناعته، تلك التي تتبدل وفق المصالح أو الظروف. أما من يطيع، وهو مُكره، هو تحديداً النموذج الذي يريد النظام إعادة استنساخه وتعميمه في أوساط السوريين، بعد عقدٍ من الثورة عليه. فالطاعة الحقيقية تقوم على عدم التصديق. وكلما ترافقت مع تزلف وإسفاف، كلما أشارت أكثر إلى تمكن السلطة من فرض استمراريتها. هكذا يفكر نظام الأسد، الآن.

وبهذا الصدد، تروي ليزا وادين في كتابها، قصة يقول راويها إنها حدثت حقاً. وإن كان لا يمكن الجزم بحدوث هذه القصة بالفعل، إلا أنها تختزل الكثير من الرمزية القادرة على اختصار المشهد بسوريا عشية التسعينيات من القرن الماضي. وهو المشهد الذي يسعى النظام لنقل السوريين إليه، اليوم. تقول الرواية، إن مجنداً من أبناء المدن، رُمز له بـ “ميم”، كان قد اجتهد كي يحظى بالثقة داخل إحدى القطع العسكرية بالحرس الجمهوري، التي كان يخدم فيها، عام 1989. والحرس الجمهوري يومها، كان فرقة النخبة الموالية للنظام، المتخمة بالعناصر الموالين له بشدة. لكن المجند “ميم”، كان يُعامل –رغم محاولاته لاستجلاب الثقة- من زملائه وقادته، على أنه ليس جديراً بها، مما كان يثير الحنق في نفسه. وفي إحدى الليالي، زار قطعتهم العسكرية ضابط رفيع، ودخل إلى مهجع المجندين الذين انتصبوا باحترام له. فطلب الضابط منهم أن يرووا له أحلامهم بالليلة الفائتة. فتقدم المجند الأول، وقال له إنه رأى القائد – حافظ الأسد- في السماء وأنه وزملاؤه نصبوا سلالم من نار وصعدوا عليها كي يصلوا إليه. ومن ثم تقدم المجند الثاني، ليزاود عليه، وقال إنه رأى وجه القائد في السماء، وهو يعتصر الشمس بين يديه حتى تهاوت وسحقت، فحل الظلام على الأرض، لكن، في اللحظة التالية، سطع وجه القائد في السماء، وأرسل ضياءً ودفئاً على الأرض. وهكذا، توالى المجندون يروون أحلامهم المكذوبة والمبتذلة، والضابط يستمع إليها بارتياح وتشجيع كبير، إلى أن جاء دور المجند “ميم”، الذي تقدم إلى الضابط، وقال له: “لقد رأيت في منامي أمي عاهرة في غرفة نومك”. ولم يكد “ميم” ينهي رؤياه حتى انهال عليه زملاؤه بالضرب وكسّروا عظامه. ومن ثم تم تسريحه من الحرس الجمهوري.

تزخر تلك القصة، بالرمزية. فالضابط يمثّل القائد حافظ الأسد، والأم في خطاب النظام تقابل الأمة أو الوطن، مما يعني أن “ميم” أراد أن يقول إن وطنه مستباح من جانب حافظ الأسد. وهي رمزية فُهمت مباشرة من جانب زملائه وقادته، فتمت معاقبته، وتسريحه لاحقاً، تأكيداً على عدم الثقة به. لكن، بعيداً عن فعل التمرد الذي قام به “ميم”، يختصر عرض استجلاب الطاعة والتزلف من جانب الضابط، وتجاوب المجندين معه، المشهدية التي يريدها النظام تحديداً، في سوريا. فحينما يتزلف الناس في تمثيل الطاعة، ينعزلون عن بعضهم، نظراً لكم النفاق المستشري في أوساطهم، ويفقدون الثقة ببعضهم تماماً. وبذلك يفتت النظام أي احتمال لظهور حراك جماهيري ضده، ويفرض خطوطاً حمراء على السلوك والكلمة، ويُسخّف القيم السياسية الهامة، كالديمقراطية والانتخاب. تلك الاستراتيجية أثبتت فعاليتها قبل أكثر من عقدين، في ضمان استمرارية النظام وتوريث كرسي الحكم للجيل الثاني من العائلة. واليوم يحاول النظام استنساخها مجدداً.

 وفيما تتوخى غالبية السوريين الخاضعين للنظام، السلامة وتجنب أي مخاطر أمنية، عبر الاستجابة لعروض الطاعة المطلوبة منهم، ويسعى بعضهم لاقتناص مواقع مسؤولية داخل مؤسسات النظام عبر التزلف والإسفاف في تقديم هذه العروض، يتسببون فعلياً في خلق حالة من الديمومة لنظام الحكم ذاته، الذي يحط من شأنهم، وينال حتى من رغيف عيشهم. ذلك أن فاعلية سلطة النظام بسوريا تتحقق في تحويل القوة القمعية إلى قوة انضباطية، أقل كلفة. وبذلك يصبح الأسد قوياً، لأن الناس يتعاملون معه على أنه قويّ.

المدن

————————

مسرحية بشار الأسد الأخيرة/ ياسين أقطاي

عرض بشار الأسد مسرحية انتخابية مبتذلة بأبشع طرق التهكم والسخرية من الديمقراطية وإرادة الشعب، وهو الذي لم يقدم للشعب السوري طيلة عشر سنوات خلت سوى الدماء والتعذيب والدموع والجوع والفقر.

بالطبع كانت نتائج هذه المسرحية معلومة منذ البداية، كما أن المرشحَيْن الآخرَين على الأغلب هما أيضاً صوّتا لبشار، حيث لم يحُز هذان المرشحان سوى 5% من الأصوات تقريباً. وفي النهاية أعلن رئيس مجلس الشعب السوري حمود صباغ، أن رئيس النظام الحالي بشار الأسد فاز في الانتخابات بـ13 مليوناً و540 ألفاً و360 صوتاً، أي ما يعادل 95.1% من مجمل الأصوات.

بالطبع نتساءل أيّ جانب من جوانب المسرحية الانتخابية التي تمثل كوميديا مأساوية من البداية حتى النهاية، يمكن أن يقبله العقل والمنطق؟

بحسب ما قيل بأن مجموع الذين صوّتوا في الانتخابات وصل إلى 14 مليوناً و239 ألفاً و140 صوتاً، فإنّ هذا العدد يفوق عدد السوريين الذين كان يحق لهم التصويت قبل أن تبدأ الحرب حتى. إذن أين عثر على هذا الكم الكبير من السوريين، وكيف تم نقلهم إلى مراكز الاقتراع.

هناك العديد من المشاهد انتشرت لعمليات تصويت تثير الضحك والشفقة، أحد هذه المشاهد الكوميدية المأساوية لجندي يضع بصمات أصابعه على عشرات البطاقات الانتخابية، وزجّها في صندوق الاقتراع، أو موظف يجلس على كرسيه ويبصم عن الأشخاص الذين يظهرون أمامه يشاهدونه، وهناك العديد من المشاهد المخجلة الأخرى.

دعونا نكمل من حيث بدأنا حول مسألة عدد الناخبين السوريين المشاركين في الانتخابات، كم عدد السوريين برأيكم الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الأسد حاليّاً في سوريا، أي التي يمكنه فيها إنشاء مراكز اقتراع؟

لقد أشرنا من قبل مراراً إلى أنه منذ بداية الأزمة السورية هاجر 4 ملايين على الأقل إلى تركيا، و3 ملايين نحو لبنان والأردن، و1.2 مليون إلى ألمانيا، وما يقرب من مليون إلى باقي الدول الأوروبية. ولا يزال هناك 5 ملايين شخص يعيشون الآن خارج مناطق سيطرة النظام، في مناطق عمليات “نبع السلام” التركية، و”درع الفرات”، و”غصن الزيتون”. إضافة لكل ذلك هناك أيضاً المناطق الواقعة فعليّاً تحت سيطرة الولايات المتحدة، وهي مناطق لا تخضع لسيطرة النظام السوري على الإطلاق، ويتراوح عدد سكانها ما بين 2 إلى 3 ملايين.

هذا يعني أن ما لا يقل عن 15 مليون سوري يعيشون الآن خارج مناطق سيطرة النظام، وبما أن عدد السوريين قبل الأزمة السورية كان يبلغ 22 مليون نسمة، فمن الواضح أن ما لا يزيد عن 7 إلى 8 ملايين يعيشون الآن في مناطق سيطرة النظام السوري.

نحن نتحدث عن 7 إلى 8 ملايين كرقم إجمالي، وليس عدد الذين يحق لهم الانتخاب، الذي سيكون أقل بكثير من ذلك أصلاً، لكن ومع ذلك فإن النظام يقول إن إجمالي عدد أصوات الناخبين بلغ 14 مليوناً و239 ألفاً، ولذلك نقول إذا لم يكن النظام قد استورد مواطنين أجانب آخرين إلى سوريا فإن هذا الرقم يبقى مجرد جانب آخر من جوانب المهزلة الانتخابية.

في الواقع، تقوم العديد من الأنظمة العربية والشرق أوسطية بعمليات انتخابات استعراضية من أجل إظهار أنها تتمتع بديمقراطية ما. وفي أغلب الأحيان -إن لم يكن كلها- تُحدد النتائج قبل أن تُعقد الانتخابات أصلاً، بالطبع الهدف من هذه المسرحية الهزلية هو إضفاء “شرعية” على بقاء هذا النظام في الحكم، وفي الغالب يحصد نسبة 90% فما فوق.

وبالفعل تتبنى العديد من الأنظمة هذا النوع الساخر من الانتخابات، لدرجة أنه بات موضوعاً للتندر والضحك بين الناس.

تقول الطرفة الشهيرة، إن رئيساً أمريكياً فاز في الانتخابات لكنه لم يحصد أكثر من 51% فقط، التقى بعد فوزه بديكتاتور مصر الراحل حسني مبارك، وتعجب كيف يمكن له أن يحصل على نسب عالية جداً ويحكم لمدة 30 عاماً، ما جعل الرئيس الأمريكي يطلب من مبارك المساعدة في “تنظيم” الانتخابات، وبالفعل مبارك لم يرفض، بل لبّى هذا الطلب، وأرسل فريقه لمساعدة ذلك الرئيس الأمريكي، وعند فتح صناديق الاقتراع تبيّن أن حسني مبارك فاز بالرئاسة الأمريكية بنسبة 99%.

هناك نكتة أخرى أيضاً، عن ناخب أراد أن يفرغ غضبه في صندوق الاقتراع ويصوت بـ”لا”، إلا أنه بعدما فعل ذلك وخرج من دائرة الاقتراع اعتراه خوف شديد جعله يعود مرة أخرى نحو الصندوق، ليقول للمسؤولين هناك إنه يريد التحقق فيما لو كان أدلى بصوت خاطئ لم يكن يقصده. ردّ عليه المسؤولون بطريقة غاضبة “حسناً حسناً، نحن عرفنا ذلك وأصلحنا الخطأ نيابة عنك، لكن إياك أن تكرّر ذلك!”.

مئات النكات الأخرى التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال مسرحية الانتخابات السورية الأخيرة، تشير إلى أن ما حدث لم يكن نكتة في الواقع، بل حقيقة، أو بالأحرى أشارت إلى قدر يسير من الحقيقة.

يبقى الجزء المثير والمؤسف في الأمر هو أن هذه المسرحيات الرديئة التي تنظمها تلك الأنظمة يتم تقديمها تحت غطاء الديمقراطية. والأمر الأكثر سوءاً هو أن النقد الإسلامي لهذه الأنظمة يتم إظهاره على أنه نقد للديمقراطية. بحجة أن هذه الصور تقدم للناس الذين يعيشون في ظل حكم هذه الأنظمة على أنها هي الديمقراطية بحد ذاتها، ثم يطرحون سؤالاً: هل يمكن أن يتوافق الإسلام مع الديمقراطية أم لا؟ بالطبع الجواب “لا” في مخيلتهم.

ولذلك يكون من المحتم على الحركات الإسلامية التي تعيش في ظل حكم تلك الأنظمة أن تكون عدوّاً لديمقراطية هذه الأنظمة بشكل راديكالي عبر خطاباتها، إلا أن الديمقراطية في الواقع بعيدة عن هذه الأنظمة، ولا يمكن لمثل هذه الأنظمة أن تمثل الديمقراطية.

وفي النهاية نخرج أمام صورة حتمية قائمة على أن ما يسمّى بالحركات الإسلامية تهدف لتطبيق نظام غير ديمقراطي، بما أنها معادية للديمقراطية. وفي الحقيقة تعمل هذه الحركات الإسلامية -من غير أن تدرك- على تقوية أنظمة الاستبداد القائمة، وهذا بحد ذاته يشكل أحد أكثر مظاهر الحركة الإسلامية تناقضاً فيما يتعلق بالديمقراطية، حيث تحاول الحركات الإسلامية تفريغ غضبها جراء القمع الذي عانته من الأنظمة الاستبدادية الحالية، من خلال خطاب معارض أو مُعادٍ للديمقراطية.

عربي بوست

————————

مشهد عرضه بشار الأسد قبل 7 سنوات للأخضر الإبراهيمي وكرره لغير بيدرسن/ تيم الحاج

قبل سبع سنوات وفي مثل هذا اليوم (31 من أيار) انسحب المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي من مهمته كمبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، محمّلا بفشل  ذريع، كان ينسبه بشكل واضح إلى تعنّت نظام الأسد بموقفه الرافض للحل، لكن انتهاء مهمته وفق دبلوماسيين جاء بالدرجة الأولى اعتراضا  على إجراء بشار الأسد “انتخابات رئاسية” عام 2014، وتجديده سبع سنوات لنفسه، علم حينئذ الإبراهيمي أنها الضربة القاضية لجهوده في التوصل إلى حل في الملف السوري.

بين الأخضر الإبراهيمي وغير بيدرسن بشار الأسد يُمرر ما يريده

قال الأخضر الإبراهيمي عن انتخابات 2014 إنها “تنسف مفاوضات السلام الرامية لوضع حد للنزاع”، متهما نظام الأسد باللجوء إلى “مناورات تسويفية لتعطيل المحادثات”.

وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون أسفه لاستقالة الإبراهيمي، ووقف كي مون محتارا وفق تعبيره، يبحث عمّن يكمل المهمة في سوريا إلى أن عثر على ستيفان دي ميستورا في تموز 2014، حينئذ انتهت فورة الغضب الأممي والغربي من بشار الأسد الذي بدأ سبع سنين أخرى في مكايدة حاملي الحلول لسوريا.

اليوم يتكرر المشهد في 2021، فقبل أيام جدد بشار الأسد لنفسه ولاية رئاسية جديدة، قابلها رفض أميركي  وأوروبي وتخوف معتاد من الأمم المتحدة وأمينها أنطونيو غوتيرش.

لكن موقف المبعوث الأممي الحالي إلى سوريا، غير بيدرسن جاء مختلفا عن سلفه الإبراهيمي، إذ اكتفى الدبلوماسي النرويجي بالقول إنه “أحيط علما بالانتخابات الرئاسية التي تجري اليوم في سوريا تحت مظلة الدستور الحالي”، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة لا تشارك في تلك الانتخابات ولا تفويض لديها بذلك.

لم يحمل تصريح بيدرسن أي غضب تجاه هذا الإصرار من قبل النظام على نسف العملية السياسية، ولا يبدو أنه متحمس لتكرار موقف الإبراهيمي، بل كرر بيدرسن في تعليقه على الانتخابات موقف الأمم المتحدة الذي تلجأ إليه للتهرب من اتخاذ رد حاسم على خروقات الأسد، هذا الموقف بات واضحا وهو التأكيد على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، الصادر في كانون الأول 2015.

وفي الأساس تنص الفقرة الرابعة من القرار 2254 الذي جاء في 16 مادة على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، أما اللافت في القرار فهو أنه يدعم قيام انتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بدستور جديد، فـي غضون 18 شهرا تحـت إشراف الأمم المتحدة، ويعني هذا الكلام أن بشار الأسد نسف أيضا حتى هذا القرار عبر تجديده لنفسه سبع سنوات جديدة.

عند الحديث عن المبعوثين الأممين الأربعة إلى سوريا لا بد من ذكر التباين في مواقفهم وأدائهم، هذا التباين الذي لا شك أنه زاد من معاناة السوريين خلال العشر سنوات الماضية، إذ لم تأت مواقفهم بشكل موحد كي يسهل عليهم اختراق الجدران الصلبة التي يضعها نظام الأسد وداعميه (روسيا وإيران) في وجه مسيرة الحل السياسي.

فقد كان لكل  واحد منهم (كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا وغير بيدرسن) طريقته الخاصة في التعاطي مع القرارات الدولية ذات الصلة بالحل السوري، ولعل أخطرهم وأكثرهم ريبة كان وفق مراقبين، دي ميستورا الذي أثبتت مواقفه أنه ينساق إلى رغبات النظام وروسيا، ويأتي بمواقف متعالية على المعارضة السورية السياسية.

ففي زمنه شهدت سوريا عمليات تهجير قاسية على الشعب السوري، بدءا من حلب وصولا  إلى ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية والجنوب السوري وريفي حماة وإدلب، عمليات التهجير هذه جاءت من بوابة اجتماعات أستانا وخرائط خفض التصعيد الروسية.

إضافة إلى أن دي ميستورا كان عراب إحداث اختراقات في جسم المعارضة عبر فتح المجال لتوسعتها بشخصيات محسوبة في الأساس على النظام أو رروسيا أو جهة دولية أخرى كـ منصتي “موسكو” و”القاهرة”، ومع هؤلاء ابتكر هذا المبعوث الأممي فكرة السلال الأربع لتنفيذ بيان جنيف1 الذي يعد أهم قرار في مسيرة الثورة السورية؛ لأنه حصل على تأييد معظم اللاعبين الدوليين، بما فيهم روسيا، لكن سلال دي ميستورا زادت من تعقيدات تنفيذ هذا القرار الذي في الأصل يخضع منذ إصداره لتباين صارخ في فهمه بين أميركا وروسيا، فكلا الدولتين لديها طريقة في تفسيره.

وبالعودة إلى غير بيدرسن المبعوث الثاني الشاهد على إصرار الأسد على سحق العملية السياسية بضربة “الانتخابات الرئاسية”، فالرجل يبدو أنه مستمر في منصبه وينوي الاستمرار في اجتماعات “اللجنة الدستورية” هذا المسار الذي فشل في تحقيقه دي ميستورا، في الوقت الذي يؤكد فيه سوريون بأنها – أي اللجنة الدستورية- أداة يستخدمها النظام لإطالة أمد الأزمة، حيث يبرع فيها بالمماطلة.

تلفزيون سوريا

——————————-

هل يجب أخذ انتخابات الأسد على محمل الجدّ؟/ منهل عروب

واصلت المعارضة السورية تنديدها بالانتخابات الرئاسية التي يجريها نظام الأسد ووصفتها بغير شرعية. وفي حين يتعامل الناشطون مع الانتخابات كنكتة سمجة، من الصعب أخذها على محمل الجدّ، يواصل النظام تسجيل النقاط والتقدم نحو هدفه الحقيقي من الانتخابات خطوة تلو الأخرى.

نعرف جميعاً أن الأنظمة العربية تستأجر شركات أوروبية لإدارة السياسات الإعلامية والعلاقات العامة الخاصة بها، ونظام الأسد ليس استثناء. فالإعلامية السابقة في قناة الجزيرة لونا الشبل مديرة المكتب الإعلامي والسياسي في القصر الجمهوري والمستشارة الإعلامية الخاصة في رئاسة الجمهورية هي من يشرف على تلك العمليات. التعامل مع مثل تلك الشركات يكلف ملايين الدولارات مثل شركة بيل بوتينغر البريطانية، بينما دفعت أسماء الأسد خمسة آلاف دولار شهرياً لشركة براون لويد جيمس الأميركية لمدة خمس سنوات مقابل بضع مقالات! إذا كان الأسد مستعداً لدفع كل تلك المبالغ، فلماذا تخرج دعاياته الانتخابية بتلك الرداءة؟

في كتاب باترك سيل عن الأسد، بيّن المؤلّفُ مدى ما كان يتحلّى به الرئيس من الكفاءة والقدرة والحزم. ورغم أن سوريا كوطن وشعب واقتصاد انهار بشكل كبير، وأصبحت في عهده شبه دولة، إلا أن هذا الوضع لم يكن يثير انتباه باترك سيل؛ فعلى مدار 800 صفحة لم يحتل الوضع السوري الداخلي سوى إشارات عابرة عن الفساد وصدام مع فئة (صغيرة ومتعصبة) تدعى الإخوان المسلمين، صدام هامشي كانت نتيجته عدد من المجازر التي تجاوز ضحاياها 200000 سوري بين قتيل ومفقود، واعتقال عشرات آلاف آخرين في فروع أمن مرعبة ويمثلها رمز اسمه سجن تدمر الشهير … لا ندري ماذا يعني هنا قائد فذّ إذا لم ينهض ببلده! من الواضح أن هذا السؤال لم يكن يشغل الباحث الغربي، ولكن يبدو أنه لم يكن يشغل الأسد أيضاً.

في كتاب آخر هو الدولة “الدولة المتوحشة” لميشيل سورا، اتخذ فيه المؤلّف مساراً معاكساً وهو تسليط الضوء على سوريا الداخل، ليصل إلى نفس النتيجة: سوريا (بما هي دولة وشعب، تنمية ومستقبل) ليست على أجندة رئيسها الأسد!

بعد وفاة الأسد الأب أطلق الأسد الابن شعاره الشهير “مكافحة الفساد” و “مسيرة التطوير والتحديث”. وفيما تسابقت الصحافة الغربية على كيل المديح على الشاب الذي درس في بريطانيا وخطواته في ترسيخ عهد جديد من الديمقراطية الإصلاح، كان للصحافي البريطاني آلان جورج في كتابه “سوريا لا خبز ولا حرية” رأيٌ آخر: هذه الشعارات للاستهلاك المحلي فقط، فالقائد الجديد لم يكن جاداً في إصلاح الفساد الذي أفرزه حكم الوالد، ليخلص إلى نفس النتيجة: سوريا ليست على أجندة الأسد الابن أيضاً. ورغم أن الكتاب لم يأخذ حظّه من الانتشار، لكنه برهن أنه كان مُحقّاً في كل تفاصيله: إذا كان الأسد الأب حافظ على التقاليد المتبعة في منع إظهار الفساد والسرقة والتفاخر بها، فإن الأسد الابن لم يكن مضطراً لإخفائها، وهذا هو جوهر الإصلاح الاقتصادي الذي حصل في سوريا في الألفية الجديدة. وإذا كان المواطن السوري قد قَبِل مضطّراً وتحت تهديد السلاح بمعادلة: الخبز مقابل الحرية (حيث لم يتم استشارته، بل إرهابه وإرغامه)، فإن الأسد الابن اعتبر تلك القاعدة منتهية الصلاحية. وكانت خلاصة مسيرة التطوير والتحديث أن زاد النظام من توحشه وغدا السوري بلا حرية ولا خبز حسب الكاتب!.

بعد اغتيال الحريري ورغم العزلة الدولية الشديدة، إلا أنه استطاع اختراقها عن طريق فرنسا وتركيا، وبشكل غير مباشر المملكة العربية السعودية. بالنسبة للأسد كان هذا كافياً لإعادة تنشيط دورته المالية الخاصة بالعائلة ومصالحها، والتواصل الأمني والاقتصادي غير المعلن مع باقي الدول. ورغم تضرر الاقتصاد السوري من هذا الوضع المشوه، إلا أنه يبقى مجرد تفصيل لا يهم ولا يؤثر في نظام الأسد.

الاستفاضة في الشرح السابق تهدف إلى تدوير زاوية الرؤية في فهم النظام، وتبيان مدى وضوح خطته وواقعيتها، وبالتالي يمكننا تقييم أهدافه ومدى تحقّقها. فنظام الأسد بما هو “مافيا” لا يعنيه سوى تحقيق “الشرعية الشكلية” أمام المجتمع الدولي والدول ذات الشأن مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية؛ شرعية تعيد العلاقات الأمنية معهم، إضافة لغض البصر عن العلاقات المالية غير المباشرة التي تتيح له التنفس والاستمرار.

وضوح الخطة والرؤية في برنامج الأسد يتجلى في إطلاق شعار “الأمل بالعمل”. حيث تجاهلت الحملةُ الانتخابية العملَ المسلح وركزت على البدء بإعادة إعمار سوريا وإرساء الأمن والأمان. وهو ما يريد الغرب سماعه؛ لا ليقتنع به، بل ليتاح له المشاركة في تلك اللعبة والتحلل من تبعاتها الأخلاقية أمام جمهوره. هي رسالة موجهة في المقام الأول لليمين الأوروبي، لمساندته في الدعاية أن سوريا عادت بلداً طبيعياً أو شبه طبيعي لا فرق، ويمكن حل باقي الإشكالات، وبذلك تنزاح القضية الأساسية وهي إجرام الأسد وشرعية وجوده من الأصل إلى المرتبة الثانية، وهو ما يكفي الأسد في الوقت الراهن.

لقد حقّق الأسد عدداً من أهداف حملته الانتخابية: الكثير من الحديث عن سوريا الآمنة، حتى أنه تجري فيها انتخابات وبمشاركة معارضة الداخل. مشاركة فاعلة لنظام الأسد بالعملية السياسية، وقد أطلق عدداً من المعتقلين، وضمن مشاركة حقيقية للمرأة بترشيحها للانتخابات. هي انتخابات غير نزيهة، لكنها قابلة للتطوير: إنه أكثر من كافٍ لبلد من العالم الثالث، ومازال قادراً على حمايتنا من التطرف الإسلامي. أما التصريحات الإعلامية النارية التي تطلقها الولايات المتحدة والدول الأوروبية فلن تكون أقوى وأشد على الأسد من الخطوط الحمر التي رسموها من قبل!

تلفزيون سوريا

————————–

انتخابات الأسد ولعبة الصورة/ عدنان علي

المتابع لإعلام النظام السوري والإعلام الموالي له خلال فترة الانتخابات، ومن ثم تصريحات مسؤولي النظام، لا بد أن يلحظ تركيز الجميع على فكرة واحدة وهي “الحشود الجماهيرية” التي تهتف للقائد وتطالبه بمواصلة المسيرة. وحتى بشار نفسه، استشهد بتلك الحشود كدليل على شعبيته وحب الناس له، ورغبتهم في أن يكون رئيسا لهم.

والواقع أن لعبة “صناعة الحشود” أو “المسيرات المليونية” تتقنها كل الأنظمة الديكتاتورية، عبر وسائل ليست خافية على أحد بعضها ترغيب وجلها ترهيب، وقد عرفت سوريا مثل هذه الظاهرة عبر العقود الماضية من عهد حافظ الأسد وصولا إلى ابنه الوريث. كما عرفتها مصر والعراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية وغير العربية.

ومن المعلوم أن “حشد الجماهير” إنما يستهدف تقديم انطباع للرأي الجمعي الداخلي، وتصدير صورة للخارج بأن القائد هو موضع حب وتقدير شعبه، وهي لعبة يعلم الجميع أسرارها وفنونها ويدركون أنها كاذبة ومضللة، ولا تعكس حقيقة موقف الجمهور من السلطة السياسية التي تحكمه. بل إن الحاكم وأعوانه يعلمون أيضا حقيقة موقف شعبهم، حيث معظم الناس مجبرون على مداهنة السلطة بفعل الخوف، ومع ذلك فإن الجميع “يتواطؤون” على استمراء الكذبة والتصرف على أنها حقيقة، لأن مجاهرة أي طرف بموقفه الحقيقي ستعني “انهيار اللعبة”، وما قد يستتبع ذلك من مواجهة وصدام.

والواقع أن الماكينة الدعائية لنظام الأسد عجزت خلال الانتخابات الأخيرة حتى عن بلوغ هذه الدرجة من التكاذب، ولم تنجح في تأمين حشود يعتد بها إلا في منطقتين محسوبتين كلتيهما على النظام، أي اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى ساحة الأمويين في دمشق والتي من البديهي أن يتمكن النظام الذي يحكم قبضته الأمنية على العاصمة أن يحشد فيها، اعتمادا على مواليه الذين يستوطنون هناك منذ أمد بعيد، ناهيك عن فئة المنتفعين والموظفين المغلوبين على أمرهم.

أما في المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة النظام مثل حلب وشرق سوريا، فقد أخفق النظام في تأمين حشود كبيرة، وعوّض عن ذلك بالدبكات والرقصات التي تضم عددا محدودا من الناس بينما قاطعت محافظة درعا الواقعة نظريا تحت سيطرة النظام الانتخابات، بل وشهدت مظاهرات حاشدة ضده وضد الانتخابات ومثل ذلك حدث أيضا ولو بدرجة أقل في محافظتي القنيطرة والسويداء المجاورتين.

ومع إخفاق النظام حتى في حشد الحشود الجماهيرية، ولو بطرق الترهيب والترغيب لجأ إلى وسيلتين إضافيتين:

الوسيلة الأولى هي “تكبير الصورة”، وهي نظرية أشار إليها بشار الأسد منذ بداية الانتفاضة الشعبية في سوريا، حين ادعى أن المظاهرات التي كانت تخرج ضد نظامه آنذاك كانت أعداد المشاركين فيها محدودة، لكن يجري التلاعب بالكاميرا، والتركيز على الوسط بينما الأطراف خالية من الناس. وبالفعل هذا ما كان في مسيرات النظام خلال الانتخابات حيث تركز الكاميرا بلقطات بعيدة على وسط الحشد لكن من زوايا مختلفة، وحين تقترب أكثر لا بد أن يلحظ المرء وجود فراغات كبيرة بين الأفراد، يجري تغطيتها برفع الأعلام واللافتات.

وقد حافظت وسائل إعلام النظام وتلك التي تدور في فلكها طيلة فترة التحضير للانتخابات وفي يوم الانتخابات والأيام التالية على شاشة موحدة وثابتة تقريبا، تكرر صور الحشود الجماهرية وصور المضافات التي تحتفي بالانتخابات كرد على منتقدي إجرائها، وعلى “المبايعة” للأسد كرد على المشككين بشرعيته، والاتهامات التي توجه له بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية. حتى المحللين الذين استضافهم ذلك الإعلام لم يكونوا منشغلين بأية تحليلات سياسية ذات معنى، بل فقط بتفسير صورة الحشود وتحميلها المعاني التي يرغبون، بوصفها الدليل القاطع على شعبية النظام ورئيسه.

كما يلاحظ أيضا التركيز على “تنوع الصورة” من ناحية التوزع الجغرافي ليشمل قدر الإمكان كل المناطق التي تحت سيطرة النظام، والتنوع في الفئات التي تعرضها الصورة، حيث التركيز على مناطق المعارضة سابقا، ورجال الدين بهدف إعطاء انطباع أن “الرئيس” هو للجميع وليس لطائفة معينة، ومن هنا حرص الأسد على الإدلاء بصوته في يوم الانتخابات في مدينة دوما بالغوطة الشرقية، تلك المدينة التي ضربتها قواته عام 2013 بالسلاح الكيماوي ومن ثم هجرت معظم سكانها إلى الشمال السوري، وأحلت مكانهم سكانا جددا من الموالين للنظام.

والوسيلة الأخرى التي لجأ إليها النظام في مواجهة التشكيك بشرعية انتخاباته من جانب مجمل المجتمع الدولي، فضلا عن المعارضة السورية، هي التلاعب بالأرقام، والمبالغة المكشوفة في أعداد المشاركين في الانتخابات، والمصوتين لرئيس النظام والذين زاد عددهم ببضعة ملايين عن مجمل الموجودين فعليا في المناطق التي يسيطر عليها النظام، بمن فيهم الأطفال والرضع والبالغ عددهم نحو 9 ملايين شخص.

من الواضح أن نظام بشار الأسد بات يتصرف كمنتصر في الحرب. لكن حتى “المنتصر الذكي” كان سيتصرف بشكل مختلف، كي يساعد نفسه وحليفته روسيا على إعادة تعويم نفسه، مثل إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين والانفتاح على اللاجئين في دول الجوار.. الخ.. بدل ذلك، استخدم النظام الأساليب نفسها التي درج عليها منذ أكثر من نصف قرن وهي الاعتماد على الصورة كتعويض عن الشرعية. صورة “الحشد الجماهيري” في الساحات وصورة الناس التي تهتف وتدبك وتصفق، وصورة التنفيذ الحرفي للدستور والقانون الذي وضعه هو نفسه، وأضاف إلى ذلك وجود مرشحين منافسين.. الخ.  كلها صور معلبة هدفها ترويجي كتعويض عن النقص فيما هو حقيقي ومطالب به من شعبه ومن المجتمع الدولي.

ما يساعد النظام على استمراء هذه اللعبة، إدراكه عدم وجود أي ضغط جدي عليه من الخارج. وطبعا عينه على واشنطن، حيث الرسائل التي تصله أن إدارة بايدن مشغولة فقط بعقد صفقة مع إيران، ولا يعنيها شيء آخر. والصفقة التي يجري الحديث عنها ستكون لصالح النظام طبعا، لأن التوافق بين واشنطن وطهران سيعني بيع سوريا وغير سوريا لإيران، لأن الشيء الوحيد المقدس في المنطقة عند هذه الإدارة، وكل إدارة أميركية، هو إسرائيل وما عدا ذلك قابل للمساومة.

———————–

أسئلة معلقة على حائط الوطن/ بسام يوسف

خرج الفلسطينيون في كل أنحاء فلسطين المحتلة، تضامناً مع إخوتهم سكان حي “الشيخ جراح” الذين تُصادر بيوتهم، ومع “غزة” التي كانت تقصف بوحشية من قبل المحتل الإسرائيلي، ولم يكن للتصنيفات التي يعتمدها الساسة أو الباحثون عن عرب الضفة، أو عرب 48 أو. أو.. أي معنى، كانت الهوية الفلسطينية هي الراية الجامعة التي التف حولها الفلسطينيون.

وأنا أتابع هذه الوقفة الفلسطينية الجامعة، تمنيت للحظة لو أن سوريا كانت محتلة من محتل خارجي وللحظات أعقبت هذه الأمنية، أحسّست بالعار كما لو أنني ضُبطت وأنا أمارس فعلا يقارب الفضيحة، وبعد أن تأكّدت من أن ما أفكر فيه لن يعرفه أحد سواي، أزحت جانباً كتلة الشعارات المقدسة التي لا يجوز أن تمس، والصالحة لكل زمان ومكان والتي لا يأتيها الباطل من أي جهة، وتركت نفسي تمضي في تساؤلاتها.

ما الذي يُمكن أن يفعله الاحتلال، أي احتلال، بسوريا وشعبها أفظع وأشنع مما فعله حافظ الأسد وبعده ابنه بها؟

إذا كان لي أن ألخّص تعريف الاحتلال بعبارة واحدة، فأنا أميل لتعريفه بأنه سلب إرادة شعب ما من قبل جهة خارجية سواء عبر الاحتلال المباشر أو بدونه، مع ما يترتب على هذا السلب من نهب الاقتصاد وطمس الهوية وتدمير الثقافة وتزوير التاريخ وتهجير فئات واسعة من السكان واستبدالهم بغيرهم، أو استملاك بيوتهم وأراضيهم بأساليب غير شرعية.. إلخ.

بدلالة هذا التعريف للاحتلال يُمكن تعريف التحرر أو الاستقلال أو السيادة بأنه امتلاك الشعب لقراره، وقدرته على حماية هذا القرار، وإن لم تكن القدرة على حماية القرار متحققة فإن السعي لامتلاكها هو مهمة هذه الشعوب وحكوماتها وقادتها.

هنا يبرز سؤال آخر، وهو: هل يمكن إذاً قياس التحرر أو الاستقلال أو السيادة على مقياس امتلاك الشعوب لقرارها، وإن كان هذا القياس جائزاً فمن هي الدول غير المحتلة في عالمنا العربي؟

في مشهد آخر له دلالاته البالغة أيضاً والذي عمَّ مناطق سيطرة النظام السوري طوال الشهر المنصرم وأقصد مظاهر سوْق الناس (مرغمين أم غير مرغمين) إلى ساحات الإذلال، والتظاهر بفرح كاذب مبالغ فيه لجموع تعيش أسوأ محنة في العالم، بدا المشهد من ألفه إلى يائه غريباً وعبثياً وفي وجهه الآخر بدا صادماً ويبعث على الحزن والقهر، هذا المشهد قادني إلى السؤال الفجيعة:

    لو كانت سوريا محتلة من جهة خارجية، هل كان السوريون سيقبلون الذهاب إلى هذه المهانة المعلنة التي يرتبها محتلهم؟

بعبارة أخرى، هل كان السوريون سيحتملون كل هذا القهر والعبثية، لو كان من يقوم بها محتل؟

المشهد الأخير الذي توّج المشهد الذي سبقه والذي تجلى بخطاب “النصر” الذي ألقاه بشار الأسد، بعد إعلان نتائج مسرحية الانتخابات كان أشد المشاهد غرابة وابتذالاً وفيه قال بشار الأسد بوضوح وصراحة شديدين:

    “أنا الوطن”.

    أيّها السوريون، لقد انتصرتم، لأنني باقٍ في موقع الرئاسة، انسوا جوعكم ودماركم وخراب وطنكم انسوا قتلاكم ومستقبل أولادكم ولقمة خبزكم المغمسة بالقهر، واحتفلوا فلقد انتصرتم والدليل أنني ألقي الآن خطاب الفائز في انتخابات الرئاسة.

    أيّها السوريون من وقف معي هو الوطني ومن وقف ضدي هو الخائن، ولن يكون له مكان في مملكتي.

    السوري هو من يواليني ويصوت لي ومن يرفضني ليس سوريا حتى وإن حمل جواز سفر سوري.

    أيّها السوريون ابقوا في خدمتي فأنا غاية وجودكم ومعناه.

هل سبق لطاغية في العالم أن فعل بشعب ما فعله بشار الأسد بالسوريين؟

والوجه الآخر للسؤال: هو هل يجرؤ محتل ما على القول لشعب محتل من قبله: أنا وطنكم وأنا معنى وجوهر وجودكم؟

بالعودة إلى سؤال الاحتلال ودلالة خروج الفلسطينيين على كامل مساحة فلسطين لإعلاء هويتهم الفلسطينية، بما فيهم الأجيال التي ولدت وشاخت في ظل الاحتلال، أو ما يعرف بمناطق ال 48، فإنّ الرسالة التي تُعيد تعريف كثير من المصطلحات والمفاهيم حول الهوية والوطن والاحتلال هي: إن خطر الاحتلال على الشعوب قد يكون أقل بكثير من خطر الطغاة على شعوبهم.

ليست دعوة لقبول الاحتلال ولا للهدنة معه، بل هي دعوة للتبصر بمخاطر الطغاة وفداحة ما يترتب على بقائهم في موقع السلطة.

73 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي لم تستطع أن تقسّم الشعب الفلسطيني إلى شعبين، لكن بشار الأسد فعلها، فلم يقسّم السوريين وحسب بل وجعل منهم أعداء وأشعل حرباً بينهم وها هو يمضي إلى ما هو أفظع، عندما يصنفهم إلى خائن ووطني وعندما يجعل من المحتل وطنياً ومن السوري الذي يقف ضده عميلاً وخائناً.

هل يمكن القول: إن انهاء آثار الاحتلال وتعافي الشعب المحتَل، قد يكون أسهل من إنهاء آثار الطغيان؟ وإن الشعوب الخارجة من تحت حكم المحتل هي أكثر قدرة على امتلاك تاريخها وقرارها من الشعوب التي عانت من حكم طغاتها؟

يقودنا هذا إلى سؤال آخر، هل تصبح الوصاية الدولية على سوريا مبرّرة في حال استمرار بشار الأسد في حكم سوريا؟ وأنه من الأفضل للسوريين أن يكونوا تحت وصاية دولية من أن يظلوا تحت حكم بشار الأسد؟

إنها مجرد أسئلة ربما تدور في رأس الآلاف، وبل ملايين من السوريين الباحثين عن الخلاص.

————————

سورية وسلطات الأمر الواقع/ خالد المطلق

الفهرس

أولًا- مقدمة

ثانيًا- مناطق سيطرة النظام

ثالثًا- مناطق سيطرة “الجيش الوطني”

رابعًا- مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”

خامسًا- مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”

سادسًا- الأسباب والحلول

سابعًا- خاتمة

أولًا- مقدمة:     

تعيش سورية أسوأ حالاتها منذ عصور، إذ يعيش شعبها في كل المناطق بلا استثناء بمستوى غير مسبوق من انعدام الأمن، بمختلف مسمياته وأصنافه، وفي مقدمته الأمن الغذائي والأمن الاقتصادي الذي وصل إلى حافة الانهيار، فضلًا عن الأمن الفكري الذي يعانيه الشعب السوري، ويتعرض من خلاله للترهيب لمنع أي تحرك قد يساعد في تغيير الواقع المرير، ولتحقيق أكبر عملية تزوير في التاريخ، من حيث طمس الحقائق والقفز من فوقها لفرض أمر واقع قديم جديد بالقوة على الشعب السوري، في محاولة لإعادة إنتاج نظام الأسد الفاقد للشرعية الشعبية والأخلاقية، ضاربين عرض الحائط بكل هذه الجرائم التي ارتكبها هذا النظام العصابة بحق الشعب السوري، النظام الذي لم يترك نوعًا من أنواع الجرائم إلا ارتكبها بحق السوريين، من قتل واعتقال وتهجير وتنكيل وقصف بكل أنواع الأسلحة، وعلى رأسها سلاح الطيران والسلاح الكيمياوي الذي تم استخدامه عشرات المرات على الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، بالإضافة إلى انتهاك أعراض السوريين في الشوارع والساحات والسجون، وبنظرة سريعة على واقع الحال في كل المناطق السورية، يتبين للمتابع أن ثمة لغزًا يثير شغف كثير من السوريين وغيرهم لمعرفة سببه، ويتمثل في تشابه واقع حال الشعب السوري، في مناطق سيطرة الأسد وعصاباته مع باقي المناطق الخارجة عن سيطرته التي يسيطر عليها الأكراد الانفصاليون، والأخرى التي يسيطر عليها “الجيش الوطني”، والمناطق التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، ولعل المفارقة العجيبة أن من يحكم هذه المناطق هم نفسهم من ثار على الأسد وعصاباته، ومن المفترض أن لا يقوم هؤلاء بالممارسات التي يقوم بها من ثاروا عليه، ومن المفترض أنهم أبناء الثورة السورية وأبناء هذا الشعب الذي بات يرزح تحت حكم هؤلاء الذين قلّدوا الأسد في ممارساته الإجرامية، فقتلوا واعتقلوا ونكّلوا بأحرار الثورة، ونهبوا قوت حاضنة الثورة ومصادر رزقهم، بل كانوا الذراع الطولى في يد الأسد وأسياده وحلفائه في تهجير قسم كبير من السوريين من مدنهم ومناطقهم وقراهم ومنازلهم، وللإجابة على هذا التساؤل المشروع وحلّ هذا اللغز، لا بدّ من دراسة الظروف الموضوعية التي تحيط في كل منطقة من هذه المناطق، في ظل وجود شرعيات مطعون في شرعيتها، ومن ثم يمكن أن نحدد السبب الحقيقي وراء تردي أوضاع الشعب السوري في جميع تلك المناطق، وسأعمل على طرح حلول لهذه المعضلة التي يواجهها الشعب السوري على مختلف مشاربه.

ثانيًا- مناطق سيطرة الأسد:

منذ انطلاق الثورة السورية، كان جُلّ اهتمام الأسد ومؤسسات الدولة الرسمية، وبخاصة العسكرية والأمنية، هو مواجهة المنتفضين من الشعب السوري بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، وكان الهاجس الأكبر لهذه المؤسسات حماية العاصمة ومراكز المدن في باقي المحافظات ومؤسسات الدولة فيها، وهذا احتاج إلى جهد كبير وإمكانات لوجستية ضخمة، كي تساعد هذه القوات في استمرارية تنفيذ مهماتها، ومن هنا، لم يكترث الأسد لحاضنته الشعبية ومن هم في مناطق سيطرته، فعمّ الفساد وازداد الفقر وكثرت الجرائم وانعدم الأمن والأمان وقلّت المواد التموينية وشحّت مياه الشرب وبدأ انقطاع الكهرباء فترات طويلة، وفُقدت كثير من الخدمات التي تُشعر المواطن بالأمان، وكان هذا كله نتيجة إصابات معظم المؤسسات الخدمية بالشلل الجزئي، وتحولت هذه المناطق إلى كانتونات معزولة، وزاد من هذا الوضع المزري تسلّط أجهزة الأمن وعناصر الجيش داخل المدن وحولها على المواطنين، بذريعة حفظ الأمن، فازدادت الجرائم الجنائية التي كان يرتكب معظمها هؤلاء العناصر، وانتشرت السرقات، وأخذ هؤلاء في ابتزاز السكان المحليين في دخولهم وخروجهم من تلك المناطق أو فرض “أتاوات” على أصحاب منازل الأحياء التي تقع تحت سيطرتهم، بذريعة حفظ أمن هؤلاء المساكين ومنع جهات أخرى من الاعتداء عليهم، وكان هذا كله نتيجة استخدام القيادة اللامركزية في قيادة عناصر الجيش والأمن، وأصبح قائد الحاجز في أحد الأحياء هو الحاكم بأمر الأسد دون حسيب أو رقيب، يسرق ويقتل ويعذب ويغتصب ويعتقل أي مواطن، بسبب أو بدون سبب؛ فتحولت هذه المناطق إلى سجون كبيرة مباح فيها كلّ شيء للجلادين، وتطورت الأمور بُعيد دخول الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الطائفية للمدن، وتحولت معاناة أبناء هذه المناطق إلى معاناة مضاعفة قاهرة، خاصة أنها تمس المعتقدات الدينية لسكان تلك المناطق، فبدأت تلك الميليشيات في ممارسة طقوسها الدينية في الشوارع والأسواق وحول الحُسينيات التي انتشرت بشكل كبير دون رقيب أو حسيب، بتواطؤ واضح وضوء أخضر من الأسد وأجهزته الأمنية، ضاربة عرض الحائط بالمعتقدات الدينية والانتماءات الطائفية والعرقية والاثنية لسكان تلك المناطق، وازداد الأمر سوءًا بُعيد تطبيق قرارات الأمم المتحدة، ومنها قانون قيصر الذي فرض حصارًا اقتصاديًا على النظام السوري، فازدادت معاناة المواطنين أضعافًا مضاعفة، وظهرت أزمات المواد الغذائية الأساسية، كالخبز والطحين والمحروقات والسكر والأرز وغيرها من المواد الضرورية واللازمة لاستمرار حياة المواطن السوري، وبهذه المعاناة وبتخطيط محكم من المحتلّ الإيراني، انتشرت المخدرات، وبدأنا نشاهد مراكز لترويج هذه الآفة الفتاكة في أحياء دمشق وأزقتها في ظاهرة غير مسبوقة، فضلًا عن انتشار الانحلال الأخلاقي بكل أشكاله، بذريعة تأمين الحد الأدنى من القوت اليومي للمواطن، هذا كلّه أدى إلى الفوضى العارمة المدروسة في تلك المناطق، وفقد المواطن السوري في تلك المناطق الشعور بالأمان، وأصبح يكافح من أجل البقاء حيًا، وبدأ يلهث وراء تأمين متطلبات أسرته بشكل يومي متجاهلًا مستقبله ومستقبل أطفاله المجهول. ونستطيع أن نقول بأن من أتحدث عنهم يشكلون أكثر من تسعين في المئة من السوريين الرازحين تحت حكم الأسد والميليشيات الإيرانية، أما القلة القليلة الباقية من هؤلاء، فمعظمهم من الأسرة الحاكمة وما حولها من تجّار ورجال دين ومسؤولين في الدولة وضباط أمن وجيش وعائلاتهم، ويومًا بعد يوم، تزداد معاناة هؤلاء المساكين الذين قبلوا أن يبقوا تحت سلطةٍ اعتقدوا أنها ستحقق لهم الأمن والأمان، لكنّ رهانهم كان خاسرًا في الوقت الذي لم يعد بإمكانهم التحرك أو القيام بوجه هذه العصابة المجرمة، نتيجة القبضة الأمنية الفولاذية، فقبلوا مرغمين بالأمر الواقع بانتظار أن يحدث ما يغير الحال ويقلب الطاولة على من أوصلهم إلى هذه الحالة المزرية. 

ثالثًا- مناطق سيطرة الجيش الوطني:

بُعيدَ استقرار الخارطة الجغرافية للمناطق المحررة في منطقتين: الأولى تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، وتشمل مدينة إدلب وما حولها؛ والمنطقة الثانية يسيطر عليها “الجيش الوطني” وتضم مناطق شرق الفرات، وبعد توقف الأعمال القتالية على جبهات جيش الأسد؛ حاول المسؤولون عن هذا الجيش ترتيب صفوفه وتنظيمه، إلا أنهم فشلوا في ذلك، على الأقلّ أمنيًا، بسبب الاختراقات التي حدثت من خلالها عدد من العمليات الإرهابية، كالمفخخات والاغتيالات والاقتتال البيني بين الفصائل المنتمية إلى هذا الجيش، ومع ذلك تبقى تلك المناطق أفضل بكثير من مناطق سيطرة الأسد والميليشيات التابعة له.

وعلى الرغم من وجود كثير من المؤسسات الخيرية وتوفر المواد التموينية الأساسية، فإن الأمن الغذائي لتلك المناطق ما زال في حده الأدنى، في ظلّ الفساد المستشري في مؤسسات المعارضة الرسمية والذي أدى إلى مساهمة التجار في زيادة معاناة السوريين القابعين في تلك المناطق تحت حكم المعارضة، التي لم تستطع أن تقدّم نموذجًا مطورًا يمكن أن يُطمئن حاضنة الثورة، نموذج يمكن من خلاله طرح حلول سريعة وخطط استراتيجية ترفع المستوى المعيشة للمواطن في تلك المناطق، والتغلب على حالة الفقر والعوز الذي يمكن أن يكون له آثار أمنية واجتماعية خطيرة على حاضنة الثورة واستقرار تلك المناطق، وقد خلق ذلك تذمرًا كبيرًا في صفوف الشعب الثائر النازح إلى تلك المناطق، وأعتقد أن هذا هو الهدف المنشود الذي سعى له من سمح لمن المفترض أن يكونوا سندًا لأهلهم وحاضنتهم الثورية بالقيام بتلك الممارسات، ويبدو أن الهدف من ذلك كلّه دفع أبناء الشعب السوري الثائر إلى الترحم على سنين ما قبل الثورة، من حيث يدري أو لا يدري، وأعتقد أن هذه الممارسات لم تأتِ من فراغ؛ فتوقّف جبهات القتال مع ميليشيات الأسد، وإفقار عناصر الجيش الوطني وعائلاتهم، يؤكد إصرار المعارضة السورية بمؤسساتها الرسمية على تفريغ الثورة من شبابها ومقاتليها، ومن ثمّ تفكيك قوتها الحقيقية تمهيدًا لفرض حلول سياسية تخدم مصالحهم الخاصة ومصالح مشغليهم.

رابعًا- مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام:

منذ بداية الثورة وبناءً على خطّة محكمة، هندسها قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، حرص الأسد على منع وصول المتظاهرين السلميين إلى مراكز المدن، خاصة العاصمة دمشق، ونجح في ذلك إلا أن محافظتي الرقة وإدلب كانتا استثناءً لتلك الاستراتيجية، والسبب -كما اتضح لاحقًا من خلال الأحداث- هو تمكين “داعش” من السيطرة على مدينة الرقة وما حولها، وتمكين جبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” من السيطرة على إدلب وما حولها، وإقامة التنظيمين إماراتهم الإسلامية في مراكز تلك المدن، وهذا حقق للأسد خدمة جليلة، وأكد ما ذهب إليه الأسد وحلفائه في نظرية محاربة الإرهاب، وبعد طرد “داعش” من الرقة ومعظم المناطق التي سيطرت عليها، بقيت هيئة تحرير الشام تسيطر على مدينة إدلب وما حولها بقوة السلاح، واضعة أبناء تلك المنطقة والمهجرين إليها من باقي المناطق السورية بالقوة والحديد والنار تحت سيطرتها، وتمارس عليهم أبشع أنواع الاستبداد تحت غطاء الدين والشريعة الإسلامية، ولا شك أن الإسلام براء من هؤلاء ومشغليهم كبراءة الذئب من دم يوسف، فسجونهم مليئة بالأحرار وبكل من يتفّوه ولو بكلمة تتناول ممارسات التنظيم، فضلًا عن الفساد الإداري والاقتصادي وممارسات مقصودة لبقاء الأمن الغذائي في أدنى درجاته، لكن الحق يقال إن التنظيم فرض سيطرته الأمنية بشكل عام على مناطق نفوذه التي لم تشهد نسبيًا حوادث أمنية، كالتي حدثت في باقي المناطق السورية، إلا أن عملية تكميم الأفواه والترهيب الممنهج والتعاون الاقتصادي الصريح والواضح مع ميليشيات الأسد يؤكد المهمة الموكلة لهذا التنظيم من مصنعيه ومشغليه، وتتركز حول محاربة فصائل الجيش الحر والقضاء عليها، وحصر الشعب الثائر في منطقة إدلب وممارسة الاضطهاد عليه لإركاعه وزرع اليأس في نفوس أبنائه، تمهيدًا لإعادته إلى حظيرة الأسد، ويمكن أن نقول بأن السوريين الذين هم في مناطق سيطرة تنظيم هيئة تحرير الشام كانوا يوجدون مبررًا للممارسات القمعية للهيئة عليهم، أثناء قتال الأخيرة على الجبهات، إلا أن تراجع الهيئة وتسليمها كثيرًا من المناطق للنظام جعل هذه الحجة في مهب الريح، وساعد كثيرًا في ظهور احتجاجات، وتجلى ذلك في التظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت ضد فتح المعابر بين المناطق المحررة ومناطق ميليشيات الأسد، وعلى الرغم من المحاولات الإعلامية الحثيثة لإظهار التنظيم بمظهر الحرص على المصالح، كظهور الجولاني في بعض المناطق وتحدثه للناس هناك، فإن هذه الحيلة سرعان ما تكشفها اتصالات التنظيم العلنية مع الأمريكان وغيرهم، في الوقت الذي يقام الحد على كل من يتهم باتصاله مع أي جهة غربية كافرة، بحسب مصطلحات أمراء التنظيم وشرعييهم.

خامسًا- مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية:

لا تختلف مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” كثيرًا عن مثيلاتها من المناطق المحكومة بقوة السلاح؛ فواقع الحال في تلك المناطق يمتاز بالكثير من السلبيات  سواء كانت هذه السلبيات خدمة لمصلحة قوة الأمر الواقع أو نتيجة الممارسات العنصرية لهذه القوة، على سكان تلك المناطق الذين ينتمون إلى المكون العربي، أو نتيجة توغل “داعش” في هذه المناطق وقيامها بعمليات انتقامية من تلك السلطات، وما يميز تلك المناطق توفر المواد الغذائية الأساسية لأغلب سكانها، لكن أغلب السكان المحليين لا يستطيعون شراء تلك المواد بسبب انعدام الموارد المادية وانتشار البطالة بنسب عالية، وعلى الرغم من ذلك نجد أن الأمن الغذائي ليس بالمستوى المطلوب، بالإضافة إلى عدم استقرار الأمن الاقتصادي، على الرغم من توفر الموارد الطبيعية بكثرة كالبترول والقمح، حيث إن عائدات هذه الموارد يسيطر عليها قادة “قوات سوريا الديمقراطية” ومشغلوهم، هذا كلّه أدى إلى تذمر أبناء تلك المناطق ورفع صوتهم بوجه سلطات الأمر الواقع والتي قوبلت بالاعتقالات التعسفية والتغييب القسري للناشطين، ولكلّ من يخالف سياسية سلطة الأمر الواقع هناك، وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة لسلطات “قوات سوريا الديمقراطية” لاستقطاب العشائر العربية المكون الرئيس لشعب تلك المناطق، فإنهم فشلوا في ذلك، نتيجة وجود عدد كبير من زعماء العشائر الذين انحازوا إلى الثورة والذين يعتبروا بيضة القبان في تلك المنطقة، والقليل من العشائر التي ما زالت تؤيد الأسد وقوات (قسد)، وبهذا تكون تلك المناطق تعيش في ظل حلول مؤقتة لا استقرار فيها، ويبدو أن هذا أيضًا متفق عليه، بين الأطراف الموجودة في تلك المنطقة ونظام الأسد وحلفائه، بانتظار حلول معلبة تضمن مصالح سلطات الأمر الواقع في تلك المناطق قد يكون أحدها عودة تلك المناطق إلى حضن الأسد.

سادسًا- الأسباب والحلول:

1. الأسباب:

من المعروف أن الدولة الفاشلة أو التي في طريقها للفشل دائمًا تستدعي الأجنبي لإعادة الشرعية لتلك الدولة والاعتراف بها دوليًا، من خلال إظهار السيطرة على نصف أراضي الدولة، وكسب تأييد نصف سكان تلك الدولة، وهذا ما فعله الأسد منذ بداية ثورة الشعب السوري عليه وعلى نظامه، فاستدعى الإيراني وحزب الله اللبناني على عجل، وعندما فشل في إعادة السيطرة على المناطق التي فقدها، استدعى القوات الروسية واستطاع إعادة السيطرة على كثير من المناطق المحررة، وبقيت منطقتان خارج إطار سيطرته، تكفلت قوات التحالف وعلى رأسهم القوات الأميركية، بواحدة منها، بحجة مكافحة إرهاب تنظيم “داعش”، وتكفلت تركيا في الأخرى لحماية حدودها من خطر التنظيمات الراديكالية وقوات سورية الديمقراطية، وبهذا تكون تلك الدول قد ساهمت من بشكل غير مباشر في إعطاء الصبغة الشرعية لنظام الأسد، وفي الوقت نفسه، هُيّئت الظروف المناسبة لسلطات الأمر الواقع ممن يشغلونهم من السوريين، لتنفيذ مخطط الضغط على الشعب الموجود في تلك المناطق، من خلال إفقاره وربطه بالسلة الغذائية، وصولًا إلى افتقاده للأمن بمختلف مسمياته، بالتوازي مع تفكيك الفصائل التي كانت تحارب الأسد طوال ثماني سنوات، وأعتقد أن هذا هو السبب الحقيقي للممارسات التي يقوم بها الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية، كسلطات غير شرعية في مناطق سيطرتها، بهدف إيصال الشعب السوري إلى مرحلة اليأس والقبول بأي حلّ يُفرض عليه، حتى لو لم يتحقق جزء كبير من الأهداف التي خرج من أجلها مكرهًا ومتغافلًا عن التضحيات الجسام التي قدّمها في سبيل تحقيق هذه الأهداف.

2. الحلول:

عند كتابة الدستور لأي دولة من دول العالم، يُعتمد بشكلٍ واضحٍ وصريح على مبدأ رئيسي يقول: “شرعية الدستور والحاكم يجب أن تُستمدّ من الشعب”، وبما أن الأسد فقدَ شرعيته في الحكم، على الرغم من استخدامه مختلف الوسائل المشروعة وغير مشروعة للبقاء في السلطة، ومنها الاستعانة بالأجنبي، لفرض سلطة أمر واقع في المناطق الخارجة عن سيطرته، ونجح في ذلك إلى حد كبير، وإذا أردنا أن نُفقد الأسد هذه الخاصية فلا بدّ من العمل أولًا على الوقوف في وجه سلطات الأمر الواقع التي فرضتها الدول الأجنبية بقوة السلاح، وذلك بتنظيم الحراك السلمي من تظاهرات ونشاطات تعكس الواقع الحقيقي للشعب السوري الثائر، وإيصال هذا الواقع إلى أصحاب القرار في العالم ومواطنيهم بكل السبل، والضغط على هذه القيادات بكل الطرق للتنحي وتسليم السلطة في تلك المناطق للوطنيين من أبناء الشعب السوري الثائر، وبالتالي سحب تمثيل سلطات الأمر الواقع للشعب الثائر، وبهذا نكون قد أفقدنا الأسدَ وحلفاءه ورقة غاية في الأهمية، وهي ورقة ننزع من خلالها شرعية التفاوض مع ممثلي الثورة، كما ينبغي العمل بكل الوسائل لوقف التفاوض والمشاركة في المؤتمرات والنشاطات التي فيها ممثلون للأسد، وبهذا نُفقد الأسد شرعيته التي استمدها من الشخصيات والأحزاب التي تسلّقت على الثورة السورية، وقامت بتحقيق مصالحها الخاصة والحزبية ومصالح مشغليها على حساب دماء الشعب السوري ومعاناته والتي تصبّ في بقاء الأسد ونظامه، أما الخطوة الثانية، وهي الأهم، فتستدعي منا -كسوريين بمختلف توجهاتنا وانتماءاتنا أينما كنّا، في الداخل بمناطق سيطرة الأسد أو خارجها وأيضًا خارج سورية- التواصل فيما بيننا، وتغليب المصلحة الوطنية على كل المصالح الحزبية والمناطقية والطائفية، ورفع شعار “الوطن فوق الجميع”، بُعيد ذلك؛ يمكن إعلان العصيان المدني في المناطق السورية كافة حتى تحقيق مطالب الشعب وتنحي بشار الأسد وزمرته الحاكمة، واتخاذ الإجراءات الدستورية لانتقال السلطة للنخب الوطنية من مختلف مشارب الشعب السوري لقيادة البلاد وإعادتها إلى الحياة الطبيعية، ولتتحقق بعد ذلك حرية التعبير والديمقراطية وبناء نظام سياسي يلبّي رغبات الشعب السوري ليقوده إلى الازدهار واللحاق بالحضارة في أسرع وقت ممكن.

سابعًا- خاتمة:

خلاصة القول إن محاولات السلطة مهما كانت قوية، ومهما كانت القوى المعارضة لهذه السلطة ضعيفة فلن تستطيع فرض نفسها كقوة أمر واقع من دون شرعية يمنحها الشعب لها، ولو اضطر الشعب إلى أن يقبل بهذه السلطة تحت ضغط التهديد والقمع، فإنّ هذا لن يستمر طويلًا، وإذا ما تحقق الاستقرار مؤقتًا، فلن يعطي شرعية لتلك السلطة، وبما أن الحرية والكرامة والعدل والديمقراطية لا يمكن أن تُنتزع من أي نظام دكتاتوري في العالم، فلا بدّ من العمل والتضحية وإيجاد السبل الكفيلة لتحقيق تطلعات الشعوب، وعلى رأسها الشعب السوري العظيم، وإزاحة سلطات الأمر الواقع التي تمارس الإرهاب المنظّم ضد مواطنيها في كلّ المناطق، ضاربة بعرض الحائط كلّ القوانين والأعراف الدولية، وأعتقد جازمًا أن الشعب السوري إن استطاع الانتصار على أعدائه ومشغليهم، وتحقيق الأهداف التي خرج منها أو جزء منها، فسيكون نموذجًا فريدًا من نوعه ومثالًا يحتذى به للشعوب المقهورة، لرفض سلطات الأمر الواقع التي تحكمه والتي على الأغلب كانت وستبقى مصدرًا رئيسيًا لإفقاره، كما هي سلطات الأمر الواقع في باقي البلدان المتخلفة التي تتسلط على شعوبها وتنهب ثروات البلاد، والأهم من ذلك تمنع تلك الشعوب من مواكبة التطور ومواكبة التقدم بمختلف المجالات ومن اللحاق بركب الحضارة والعيش بسلام.

مركز حرمون

——————————

اكتمال مهزلة انتخابات الأسد/ عمر كوش

استكمل نظام الأسد فصول مهزلة انتخاباته الرئاسية بإعلان رئيس مجلس المصفقين للنظام، المسمى زوراً مجلس الشعب، حمودة الصباغ، عن فوز بشار الأسد بنسبة 95.1% من الأصوات، بالرغم مما أثارته من رفض واستنكار غالبية السوريين واستهجان المهتمين بالشأن السوري، إلى جانب الرفض الدولي الواسع بالنظر إلى عدم نزاهتها وشرعيتها، وعن كونها جرت في ظل الأوضاع الكارثية التي ألمّت بسوريا نتيجة ممارسات ونهج النظام واستمرار معاناة السوريون، سواء في الداخل المقسم أم في بلاد اللجوء والشتات، مما ارتكبه النظام من مجازر وجرائم بحقهم، وتشريد أكثر من نصف سكان سوريا من أماكن سكنهم، ما بين نازح ولاجئ، وقتل مئات الآلاف منهم إلى جانب مئات آلاف المعوقين والمشوهين والمعتقلين، والدمار والخراب الهائل الذي لحق بمعظم المدن والبلدات والقرى السورية.

ولم تختلف المهزلة الانتخابية هذه المرة عن سابقاتها التي اعتاد إجراءَها نظامُ الأسد بنسختيه، الأب والابن، حيث أعدّتها وأخرجتها أجهزة النظام الأمنية والتشبيحية، وبرعاية وإسناد كاملَين من طرف حلفاء النظام في النظامَين الروسي والإيراني، وبالتالي ليس جديداً القول إنها كانت مفبركة ومقصودة، وإنها شكلت مهزلة بجميع فصولها، كونها لا تفترق عن سائر المهازل الانتخابية لهذا النظام، ليس فقط من حيث أنها كانت معروفة النتيجة قبل أن تجرى، ومحسومة سلفاً لصالح رأس النظام، بل لأن نظرة بسيطة على الأرقام والنسب المعلنة تبيّن مدى التزوير والفبركة التي طالتها بشكل فاضح، فقد أعلن رئيس برلمان النظام، أن الأسد حصل على 13 مليوناً و540 ألفاً و860 صوتاً، أي ما نسبته 95.1 % من عدد الأصوات الصحيحة، في حين أن المرشح محمود مرعي حصل على 470 ألفاً و276 صوتاً، بنسبة 3.3 % من الأصوات، والمرشح عبد الله عبد الله حصل على 213 ألفاً و968 صوتاً بنسبة 1.5 %، أي أن إجمالي عدد المصوتين في داخل سوريا وخارجها، وصل إلى أكثر من 14 مليوناً و239 ألف ناخب من أصل 18.1 مليون شخص يحق لهم الانتخاب، بنسبة مشاركة وصلت إلى 78.64 %.

ولا يعقل أن يصوت أكثر من 14 مليون سوري في هذه المهزلة الانتخابية، لأن تقديرات عديدة تشير إلى أن الإجمالي المفترض لتعداد السكان السوريين في عام 2021، لا يتجاوز 26 مليوناً، بقي منهم في سوريا نحو 16.5 مليون سوري، يتوزعون ما بين مناطق سيطرة النظام والمناطق الخارجة عن سيطرته، بحيث لا يتجاوز عدد السوريين في مناطق سيطرة النظام 9.4 ملايين، في حين أن عددهم في مناطق سيطرة فصائل المعارضة في مناطق شمال غربي سوريا يصل إلى أكثر من 4 ملايين سوري، أما في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سوريا فيبلغ عددهم نحو 3 ملايين سوري. كما أن هنالك أكثر من 3.5 ملايين سوري في تركيا ولم يشاركوا في المهزلة الانتخابية، فضلاً عن ملايين آخرين في بلدان اللجوء والشتات لم يشاركوا كذلك. يضاف إلى ذلك المقاطعة الواسعة لأهالي المنطقة الجنوبية في سوريا ورفضهم المشاركة في المهزلة الانتخابية الأسدية، وخاصة في محافظة درعا، حيث خرجت مظاهرات رافضة لها في مختلف أنحائها، وانتشرت دعوات لمقاطعتها في معظم مدنها وبلداتها، ووصل الأمر إلى شن هجمات على بعض المراكز الانتخابية قبل انطلاق عمليات التصويت، الأمر الذي أجبر النظام على إغلاق بعضها.

وإذا ألقينا نظرة على النسبة المئوية التي زوّرتها وفبركتها أجهزة النظام لإعلان فوز الأسد، وبلغت 95.1%، نجد أنها تفوق النسبة التي قيل إنها بلغت 88.7% في عام 2014، والتي كانت لافتة في انخفاضها مقارنة بالنسب التي اعتاد النظام الأسدي فبركتها، حيث كانت قرابة 97 % في عام 2007، ونحو 99.7 في استفتاء عام 2000 بعد توريثه الحكم إثر والده، الذي منحته فبركات نظامه نسبة 100% في عام 1985، والنسبة ذاتها في عام 1999، و99.9% في عام 1991، وكذلك في عام 1978.

وكان الإكراه سيداً في الحثّ والدفع باتجاه استكمال مهزلة الانتخابات الأسدية، حيث أبلغت سلطات النظام وأجهزته الأمنية جميع الموظفين والعاملين في دوائر الدولة وقطاعاتها بضرورة مشاركتهم، فضلاً عن عمليات التزوير الواسعة التي أظهرتها فيديوهات مسرّبة من أماكن عدة في الداخل السوري، لكن ليس ذلك فقط ما ميزها، بل الصفاقة المنقطعة النظير التي وسمت كل فصولها، إلى جانب الإذلال الذي طال المؤيدين كي يظهروا مزيدا من الولاء والانصياع لإرادة النظام الأسدي الديكتاتوري، وتجديد تأكيدهم أو تمثيلهم للولاء المطلق له. ووصلت الصفاقة إلى حدّ قيام رأس النظام الديكتاتوري بتمثيل مشهد الإدلاء بصوته في مدينة دوما، بوصفها كانت أحد أهم معاقل الثورة، وإحدى البلدات التي ارتكب فيها واحدة من مجازر الكيماوي، والأنكى من ذلك ما تشدق به في خطابه الفاشي بعد اكتمال مهزلته الانتخابية.

ولا تنحصر أهداف النظام من مهزلته الانتخابية الرئاسية في محاولة استرجاع شرعيته المفقودة في الداخل والخارج، فهو يدرك تماماً أنه يفتقدها، وهو بالأصل لم يكن يمتلكها منذ قيام الأسد الأب بانقلابه العسكري عام 1970، لذلك تتجاوز أهدافه مسألة الشرعية إلى ضرب أي ممكنات لحل سياسي، والأهم هو سعيه إلى تجديد وتوسيع قاعدة الموالين له، وإخضاع كل من يسكن في مناطق سيطرته لسطوته، عبر إظهارهم مختلف أشكال وطقوس الطاعة له، بوصفها نظاماً ديكتاتورياً قائماً على أنتاج ما سمّته، ليزا وادين، المطاوعة، (أي فرض الطاعة) من خلال المشاركة الإجبارية في أشكال الامتثال الزائفة الجليّة، سواء لأولئك الذين يخترعون المظاهر أم لأولئك الذين يستهلكونها.

وتمتد أهداف النظام من مهزلته الانتخابية لتطاول مسألة توفير ذريعة للنظام الروسي، الذي لا يفترق عن نظام الأسد في عدائه للديمقراطية، كي يتشدق ساسته بديمقراطية نظام الأسد، ويحاولون الذودَ عنها أمام ساسة الغرب الذين اعترضوا على مهزلته، ولن يجد الساسة الروس حرجاً في تكرار أكاذيبهم ومقولاتهم عن ديموقراطية وتنافسية انتخابات الأسد، بل سيدعون الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية كي تتعلم من نظام الأسد كيفية إجراء انتخابات ديمقراطية لديها.

تلفزيون سوريا

———————

الانتخابات.. واللاهوت السلطاني/ محمد حبش

انقضى (العرس) الانتخابي، بكلّ دبكاته ورقصاته وفجوره وآثامه، والتعبير بالعرس الديمقراطي تعبير وطني بعثي أصيل، وعلى الرغم من معناه المُهين الذي يختصر مطالب الوطن ومآسيه بدبكة، فإن القوم يفضلونه على كلّ الألقاب؛ فالوطن مجرد زواج متعة يقيمه الغالب على المغلوبين، ولا شيء آخر، أما المليون قتيل وجريح ومفقود، والعشرة ملايين مشرد، والأحد عشر ألف جثة من المعذبين المصوّرة في فروع المخابرات، فهي مجرد تفاصيل هامشية في هذا العرس الوطني، وهم مجرد أدوات خطابية تتقدم بها منظمات حقوق الإنسان الإمبريالية والصهيونية. أما الشعب فهو متحد تمامًا، وليس له إلا مطلب واحد وهو كرسي القائد!!

وبدلًا من رسائل التوحّد والمصالحة التي يوجهها الرؤساء عادة بعد انتهاء المنافسات الانتخابية؛ فقد كُتب خطاب “النصر” بلغة شتائمية سوقية شوارعية، حيث إن الأسد يصنّف شعبَه إلى “ثيران وثوّار”، فمن أيّده فهو “ثائر”، ومن عارضه فهو “ثور”، وهذا هو شكل سوريا الجديدة!!

ولكن الجانب الأكثر سقوطًا في هذه المعركة اللئيمة هو العِمامة التي كوّرها السلطان، وكانت أبرز الحاضرين في المهرجان الأسود، وظهر تنافس غير مسبوق لتقديم أشكال من الطاعة والولاء، لم يطلبها المستبد نفسه، ولم ترد في معقول ولا منقول، وظهرت فنون من الدبكة والهتاف، صُممت لتتساوق مع الجبّة والعِمامة، والمفاجأة في هذا المهرجان الجديد أن يعتلي منبر الأموي مَن يصرّح مباشرة بدعوة العمائم لفعل كل شيء في خدمة السلطان ذي الأخلاق الإلهية!!

العمامة شعار يرتديه رجل الدين للتعبير عن مجموعة القيم البيضاء التي ينادي بها الإسلام، وعلى رأسها الصدق والثبات على الحق والخوف من الله، والمعنى الأكثر دهشًا في العمامة أنها كانت تمثّل الكفن الحاضر للفقيه، حين يدعى إلى الباطل فيأباه ويقول بشجاعة: كفَني معي، وماذا يصنع أعدائي بي: سجني خلوة، ونفيي سياحة، وموتي شهادة!!

إنه لمشهدٌ مأساوي أن تتأمل في الفقيه السلطاني ونهاياته المأساوية، ولا أريد أن أتحوّل إلى رداح يكرر الغضب الفيسبوكي والتويتري، ولكنني أسأل أصحاب هذه العمائم المشاركة في الدبكة: هل شعروا بمليون سوري بين جريح وقتيل ومفقود؟! وبعشرة ملايين سوري أُخرجوا من ديارهم، خسروا بيوتهم وأموالهم وأهاليهم بسبب وجود هذا الشخص في الحكم؟

هل شعروا بأنهم يكرسون بشكل عملي استمرار هذا الواقع الأسود الذي تعيشه سورية، منذ اندلعت الحرب قبل عشرة سنين وأوصلتنا إلى هذا القاع الذي صارت فيه سورية معزولة عن كل دول العالم، وصار شعبُها الأفقر بين كل دول العالم بلا منازع، وفق كل المؤشرات الدولية، حيث لا يزيد راتب الأستاذ الجامعي عن ثلاثين دولارًا شهريًا، بينما هو أجر الساعة الدرسية الواحدة في أفقر بلد في العالم!

هل يعلم هؤلاء أنهم يبيعون مبادئهم وقيمهم، وأن الأجيال القادمة ستلعن هذه الثقافات التي قدّمت الإسلام نفسه صورة استخذاء وعجز وبلاهة، يعجز عن خطاب الحرية والكرامة والعدالة، ويقوم دون حياء بالتبرير لمن سلبه حريته وكرامته، تحت عنوان طاعة وليّ الأمر والصلاة وراء كل بر وفاجر!

ولكن هل هذا الاستخذاء المهين قدرٌ كُتب على أهل العمائم، وباتوا في موقع “إلا مَن أُكره وقلبُه مطمئن بالإيمان”؟! وهل هناك نموذج آخر لعمامة الكرامة المتسامية على المصالح والهوى؟

رحل خلال بداية الثورة الإمامان الجليلان إبراهيم سلقيني ووهبة الزحيلي، وهما أكبر فقيهين سوريين في القرن الحالي من دون منازع، ولا يمكن لأيّ فقيه أن يجاريهما علمًا ولا فقهًا ولا استقامة، وقد شهد كل منهما الأيام المريرة القاسية، وكانت السلطة تدفع إليهما بأشكال وألوان للانخراط في المعركة الإعلامية، وفق الشروط التي يريدون، ولكنهما حفظا كرامة العمامة، ونجحا في أن يضيفا إلى سجل العمامة في تاريخ المقاومة والحرية والكرامة رصيدًا جديدًا.

لقد حظي هذا الموقف باحترام الأحرار والشرفاء في العالم، ولكنه كان باستمرار محلّ نقد عمائم السلطان، الذين يتبادلون كلمات الحكمة والمداراة والمداهنة: “رحمهما الله! ما فائدة العناد والتعالي؟ لقد تم حرمانهما من المنبر والمحراب والإعلام، ولو أطلّوا على الإعلام وتحدثوا في الصلاة والصيام، لانتفع بهم الناس، بدل أن ينعزلوا عن الحياة ويعيشوا في الظل ويموتوا غمًا”!!

ولكن السؤال الحريّ بالجواب: ما فائدة تعليم الفقه والتلاوة، إذا كانت قيم الإسلام العليا في الحرية والكرامة ممنوعة؟! وما فائدة تخريج أجيال من الواعظين الذين ينشؤون على منطق اسمعُوا وأطيعُوا، ولو أكلوا أموالكم وضربوا أبشاركم وسرقوا حقوقكم وعفشوا بيوتكم وشردوا إخوانكم؟

ليست مسؤولية الأحرار أن يغيّروا العالم، ولكن عليهم ألّا يكونوا جزءًا من سقوطه، وأن يحفظوا مكان العمامة مخزنًا للصدق والنبل والطهارة، لا أداة في هوى السياسة والاستبداد.

مركز حرمون

——————————

حين تصبح “الديمقراطية” وبالًا على الناس/ راتب شعبو

أشخاص يمشون أمام لوحات إعلانية لحملة انتخابية لرأس النظام السوري، وهو مرشح للانتخابات الرئاسية، دمشق 25 أيار/ مايو 2021. لؤي بشارة، وكالة فرانس برس.

حجم الخط + –

تحت ضغط العالم الديمقراطي الذي هاجم سياسيوه وصحفيوه ومنظماته الحقوقية النظامَ السوري الدكتاتوري، لأنه يحتفظ في سجونه بعدد كبير من المعتقلين السياسيين “دون أن يوجه لهم تهمًا ودون أن يقدمهم إلى محاكمة”؛ قرّر حافظ الأسد في مطلع العام 1992، أي عقب تفكك الاتحاد السوفيتي وما عرف باسم المنظومة الاشتراكية، أن يصبح ديمقراطيًا في موضوع المعتقلين السياسيين، وأن يستجيب للمعايير الديمقراطية ويريح باله من ضغوط ديمقراطيي العالم، بشأن ملف السياسيين المعتقلين عرفيًا في سورية. رأسمال الموضوع هو أن يوجه تهمًا للمعتقلين ويحيلهم إلى المحاكم، أين هي المشكلة؟ ولماذا لا يفعل ذلك ويكسب راحة البال، وينال ربما بعض المديح الديمقراطي أيضًا؟ هناك بنكٌ جاهز من التهم التي يمكن لصقها على أي معتقل، وهناك محاكم استثنائية ذات أحكام غير قابلة للطعن وجاهزة للعمل.

على طريق الديمقراطية والتحرر وحقوق الإنسان، تحركت الدولة الأسدية التي تستطيع أن تكون ما تشاؤون لها أن تكون: تريدون اشتراكية نحن لها، تريدون ديمقراطية نحن أهلها، نحن أهل السلم كما الحرب، وأهل العلمانية كما الإسلامية. وكما يمكننا أن نكون أهل التوقيف العرفي، كذلك يمكننا أن نكون أهل السجن عبر المحاكم والقانون، بمقدورنا أن نجرّم المعتقلين السياسيين الذين يسميهم البعض “معتقلي رأي”، ونحيلهم إلى جناة، وفق القانون ووفق أحكام صادرة عن محاكم تحمل أسماء مهيبة.

هكذا نشطت الديمقراطية الأسدية فجأة، انطلقت سيارات ذات قضبان وشباك حديدية تنقل المعتقلين من كل السجون الموزعة في البلد، إلى المحكمة الشهيرة، محكمة أمن الدولة العليا. قضاة خدم، ومحامون عاجزون، ومتهمون بائسون، وأقفاص اتهام، وشرطة مدنية، وأهالي يلوّحون من بعيد لأبنائهم المسروقين منهم. والنتيجة أحكام “قانونية” لم تكتف بما صادره السجن سلفًا من حياة هؤلاء المعتقلين، بل صادرت ما تبقى من حياتهم، عبر أحكام الحجر والتجريد من الحقوق المدنية التي جعلت من أحيلوا إلى المحكمة في حال أسوأ من الاعتقال العرفي، ذلك أن نهاية الحُكم لم تكن تعني دائمًا نهاية الحجز، بل فتح حساب عرفي جديد، فيصبح المعتقل السياسي محكومًا وموقوفًا عرفيًا في الوقت نفسه. وعليه؛ صار يمكن لوزير خارجية الأسد (فاروق الشرع) أن يقول في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا 1993، إنه لا يوجد في سورية أي معتقل سياسي، و”ليس في سجوننا سوى مجرمي الحق العام”.

تحوّل المعتقلون إلى مجرمين، والشرطي الذي كان يسأل المعتقل عن “تهمته” صار يسأله عن “جرمه”. هذه مثلًا إحدى ثمار الضغط الديمقراطي الذي لا يرى عمق المشكلة.

اليوم، أيضًا يدفع السوريون ضريبة الصورة الديمقراطية المطلوبة. كالعادة، كل البضاعة الديمقراطية متوفرة، تعدّد مرشحين؟ موجود. صور مرشحين في الشوارع؟ موجود. شعارات للحملات الانتخابية؟ موجود. إقبال جماهيري؟ موجود، ليس فقط في سورية بل في لبنان أيضًا وفي دول المنفى، السوريون يتركون البلد ولا يتركون الأسد. احتفالات ودبكات؟ موجود. ماذا بعد؟

العالم الديمقراطي لا يريد من دكتاتور أن يقول أنا دكتاتوركم فاقبلوني، الأفضل أن يقول أنا دكتاتوركم فانتخبوني. على هذا، يوظف ثقل الدولة المتاح كاملًا لرسم الصورة.

ما قبل السلطات “التقدمية” كان للصوت الانتخابي ثمن يتقاضاه الناخب، وكان يؤخذ هذا على تلك الديمقراطية، اليوم أصبح الصوت الانتخابي بلا ثمن، أصبح على السوري أن يدفع صوته الانتخابي لتلافي الأسوأ، ولدرء مخاطر التهديدات المعلنة. مهما ساءت الحال، هناك دائمًا ما هو أسوأ. أصبح الصوت الانتخابي مصيبة فعلية على السوري، ليس داخل مناطق نظام الأسد فقط بل خارجها أيضًا. بات التهديد بالعواقب الوخيمة لعدم المشاركة هو البديل عن شراء الأصوات، أي أصبحت فترة شراء الأصوات في الأيام الخوالي ما قبل بروز ظاهرة السلطات “التقدمية”، فترة مشتهاة في هذه المرحلة، مرحلة ديمقراطية الترهيب.

في لبنان، يُهدَّد اللاجئون (من قبل حلفاء “الوريث” الذي يقيم الديمقراطية بمهارة تضاهي مهارته في حرق البلد) بتسويد عيشهم وحرق خيمهم ومنعهم من “حق العودة” وبهدلة من تبقى من أهاليهم في سورية.. إلخ، ما لم يشاركوا في “العرس الديمقراطي”. وحين يذهب هؤلاء، يسوقهم الخوف والرعب، كي يدفعوا الضرر عن أنفسهم، يقعون في معركة غير منتظرة مع لبنانيين من خصوم الوريث، ممن لا يدركون المأزق الذي يعيشه هؤلاء اللاجئون، فتبدو لهم الصورة هكذا: (إذا كنتم تحبونه وتريدونه، فانقلعوا لعنده). وتكون النتيجة تكسيرًا وجرحى ومهانين ومتوفى واحدًا، كما نقلت الأخبار. كل هذا خدمة للصورة الديمقراطية التي ينبغي عرضها. لا يهمّ إذا كانت الصورة مرسومة بالدم والقهر والدموع وعذاب الأرواح والنفوس. المهم رسم الصورة وعرضها، ثم استخدام تعبير الرئيس المنتخب بدلًا من الرئيس المفروض أو القسري أو الدكتاتور أو الإجباري أو الغاصب أو أي صفة من هذا النوع.

الحقيقة إنه يمكن للدول النافذة في العالم أن تفرض أنظمة حكم دكتاتورية، وأن تقوض أنظمة ديمقراطية ناشئة، لكن الخارج لا يمكن أن يفرض ديمقراطية على بلد، وفي حالات كثيرة، كالتي عشناها ونعيشها في سورية مع نظام عائلة الأسد، يحول النظام الضغط “الديمقراطي” الخارجي إلى عبء إضافي على الناس.

أفضل لأيّ شعبٍ يحكمه دكتاتور، أن يعلن هذا أنه دكتاتور صراحة، من أن يكون دكتاتورًا ويريد أن يظهر ديمقراطيًا ومنتخبًا ومهتمًا بمعايير الديمقراطية. أما في سورية فنحن أمام حالة أشدّ تعقيدًا، فالشخص الذي ورث السلطة ثم دمّر البلد شرّ تدمير، وتسبب في تمزيق المجتمع السوري وتشريد السوريين وانهيار الاقتصاد السوري، يريد أن يقول للعالم إنه يحكم بإرادة السوريين!! إلى الانحطاط السياسي، يضاف انحطاط أخلاقي مشين.

مركز حرمون

——————————

مستويات جديدة من الاستبداد وإنكار الواقع/ مصطفى القاسم

ستعيش «سوريا الأسد» كما يحلو لبعض القوم فيها تسميتها مستويات جديدة أعلى، بل تكاد تكون الأعلى على الإطلاق من الاستبداد وإنكار الواقع.

فبشار الأسد ابن حافظ، ذلك الذي نشأ في قصر رئاسي وترعرع فيه خلال العقود الأولى من طفولته وشبابه، وحصل خلال ذلك على حظ وافر من دلال ومحاباة المحيطين به، ونفاق وتزلّف وصحبة الفتيات الجميلات والرفاق المرفّهين المدللين أبناء الطبقة المخمليّة من كبار مسؤولي النظام الفاسدين ورجال الأعمال المقربين، وفقا للصور المنقولة من تلك الفترة… مع كل ما مارسه هؤلاء من مغازلة ومداهنة ومجاملات لذلك الفتى البسيط في ملكاته العقلية -وفقا لذات الصور المذكورة- قد ترك أثره على نشأته وعلى أسلوب حياته فيما بعد.

لقد عمل بشار الأسد في الرئاسة على الإطاحة بمن حملوا اسم الحرس القديم، ثم أحلّ محلهم رفاق الطفولة والشباب كمحافظين ومديرين ووزراء أحيانا، كما استعان برفاق أخيه المتوفى باسل ولا سيما في المواقع العسكرية والأجهزة الأمنية.. ولا ننسى أن كل هؤلاء من رفاق الصبا والشباب قد عاشوا حياتهم في طبقة خاصة، منفصلين كلّياً عن الشعب وأفكاره وتطلعاته وآماله وأحلامه وآلامه أيضاً.

وأثبتت ممارسات هؤلاء، بما فيهم بشار نفسه هذا الانفصال، فقد مارسوا الاستعلاء على عامة الناس، وتسلّطوا على أموال الدولة والمواطنين، ونسجوا العلاقات المالية مع حلقات مقرّبة مختارة تميّزها الانتهازية واستغلال سلطة القرار التي تمتعوا بها، وراحت قرارتهم تخدم مشاريعهم الخاصة، ومارسوا تبييض أموال المسؤولين الناجمة عن الفساد الذي باتت السلطة تمتدحه بقولها: «الفساد نظام حياة»!

وفي الحقيقة فقد جعل نظام الأسد الأب من الفساد ظاهرة عامة منتشرة، لكن نظام الأسد الابن كرّس الفساد كأسلوب حياة وحيد ومتنفّس لها، لذلك حافظ على رواتب وأجور العاملين في الدولة وعناصر أجهزة الأمن والجيش دون المستوى الحقيقي لتكاليف المعيشة، دافعا بهؤلاء إلى السعي لمصادر دخل إضافية مارسها معظمهم -بعلم السلطات- من خلال استغلال وظيفته العامة ومهمته المسندة له للحصول على العطايا والرشاوى، وصولا إلى عرقلة مصالح غيره من المواطنين لابتزازهم، ومن ثم اختلاق الجرائم ونسبتها إليهم لتجريدهم من أموالهم وممتلكاتهم.

ولئن كان يطول استعراض ما آلت إليه نتائج سياسات النظام هذه، إلّا أن بشار الأسد الجالس على قمة الهرم، والذي تصبّ جميع أقنية الفساد في حسابه نتيجة، كان لديه سلطة مستبدة تتعاظم وحساب يتضّخم وفقر شعبي يتفاقم. يترافق ذلك مع تجديد الولاية له بالأدوات والوسائل نفسها التي أجلسته على كرسي الرئاسة، دون خطط لحل المشكلات أو مساع لتخفيف الأزمات أو جدّية إصلاح تتجاوز الخطابات، وترافق ذلك جميعه مع بطش واستبداد وقمع متزايد. فالرئيس العاجز عن الخروج من جلده والتفوّق على ذاته والتغلّب على أمراضه النفسية وآفاته، كانت سياساته القائمة على القبضة الحديدية تثير النقمة العارمة وتبعث على توفّر مقومات الثورة، ولم يكن في ذلك كله بحاجة إلى «المؤامرة الكونية» «الممولة خليجيا» وتقوم بها «الجماعات الإرهابية»…!

لقد ازداد ضعف بشار الأسد عبر السنين وعجزه ومشكلاته النفسية وأمراضه، وتصدّى لذلك بتضخيم شخصيته و«الأنا» التي زرعها فيه دلال الصبا ونفاق الدوائر المحيطة بالمسؤول. ثم جاءت الثورة الشعبية، واستجداء التدخّل الإيراني والروسي، وتسلّط هؤلاء واستغلالهم، والمواقف الدولية المناهضة لسياساته، وشق بعض ميليشياته لعصى طاعته واستقوائهم بروسيا أو إيران.. جاء كل ذلك ليجعله ينشد الدعم المعنوي والنفسي من خلال مسرحية انتخابات هزيلة وهزلية، علّه يكون فيها -على ما فيها من علل- بعض الدعم المعنوي لنفسه الواهنة، وهذا ما ينشده جميع المستبدين الديكتاتوريين من تنظيمهم للانتخابات والاستفتاء، مع ما يشترطونه فيها من احتفالات مبالغ فيها تتخللها الطبول والدبكة والنخّ وتقبيل الصور والركوع والسجود لها والتأليه أيضاً.

وحيث إن المسؤولين جميعاً وفي مقدمتهم رئيسهم يعلمون أن علامات الحب والخضوع التي أظهرها الناس علامات كاذبة، وأن جروح هؤلاء وحاجاتهم ستعود إلى الظهور قريباً جداً، وأنهم عاجزين بمواجهتها، فإنهم وبعد انتهاء احتفالاتهم  يتابعون من جديد بطشهم واستعلاءهم بشكل يفوق ما كان سابقاً، دون التخلّي عن فسادهم الذي تقلّصت مصادر إشباعه بعد التنازل عن ثروات البلاد ومشاريعها، وتتضخم لدى زعيمهم عقده النفسية وأمراضه وذهانه، ويصل إلى مستويات أعلى وأعلى، وأحيانا الأعلى من التضخّم وطلب الخضوع والتعبّد وتقديم الولاء وتقبّل الآلام دون تذمّر، وإلّا فالحديد والنار والتعذيب والموت هو المصير.

وإن غداً لناظره قريب

————————–

الأسد المتحور/ بشير البكر

بشار الأسد في الرئاسة الرابعة يختلف عنه في الرئاسات الثلاث السابقة. والفارق الذي لن يطل الوقت حتى يظهر على نحو ملحوظ هو ما بين الرئاستين الثالثة والرابعة. ففي الثالثة عام 2014 كان قد تورط في الحرب على الشعب السوري، وبدأ يخسر مساحات واسعة من سوريا، وتعاظمت قوة داعش، والتي سيطرت على مساحات واسعة من سوريا والعراق، الأمر الذي خلط الأوراق. وفي الدورة الحالية الرابعة يتجه لجني ثمار الحرب، والعمل على ترجمة نتائجها، وكانت الإشارة الأولى إلى ذلك التصويت من مدينة دوما التي ارتكب فيها ثاني أهم مجازره الكيماوية في عام 2015 وسقط فيها 110 قتلى. وأراد من ذلك أن يوجه رسالة قوية للداخل والخارج يكشف فيها عن الوجه الجديد الذي سيرافقه في الولاية الرابعة، وجه مجرم الحرب الذي فرض نفسه رئيسا على جزء من السوريين رغم رفض أغلبية السوريين له، والتشكيك بشرعية انتخاباته من قبل قوى دولية مثل الولايات المتحدة، وبعض دول أوروبا المؤثرة، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا.

تفاوتت مستويات ردود الفعل على الأسد في انتخابات الدورة الرابعة، ويمكن لنا أن ندرجها في ثلاثة. الأول هو التشكيك بشرعيتها من قبل الدول الغربية الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والثاني هو الصمت والترحيب الضمني، كما هو حال أغلبية الدول العربية. والثالث هو الترحيب من قبل روسيا وإيران، الراعيتين الفعليتين اللتين استثمرتا في جرائم النظام ووفرتا له التغطية السياسية والدعم المادي من موقع الشريكتين، وهو ما يرتب عليهما أعباء كبيرة في المرحلة المقبلة من أجل إعادة تأهيله وتسويقه من جديد. وهذه لن تكون مهمة سهلة في جميع الأحوال ولكنها لن تكون مستحيلة. وإلى حين إجراء الانتخابات كان الرهان ممكنا على تسوية ما يتم فيها إبعاد الأسد من خلال عملية سياسية ضمن تفاهم دولي وإقليمي، ولكن هذا الاحتمال بات بعيدا، وأصبح خلفنا، وأي بحث يتعلق بمصير الأسد من الآن فصاعدا، سيكون على أسس جديدة ومختلفة، ترتبط قبل كل شيء بموازين قوى دولية وإقليمية خاضعة للترتيبات التي يعمل من أجلها المحور الروسي الإيراني، ولا تلقى معارضة فعلية من أميركا وأوروبا.

وإذا أمعنا النظر في الوضع العربي المحيط بسوريا، فإننا لن نجد سوى استمرار العجز والاستنكاف عن لعب دور فاعل في المسألة السورية، يقود إلى إنتاج معادلة يتم فيها استعادة الملف السوري من أجل التوصل إلى تسوية سورية تحفظ وحدة سوريا، وتضع حدا لطموح الأسد في عودة قريبة إلى الجامعة العربية كخطوة أولى نحو استعادة الشرعية المفقودة، بل إن الحال العربي الراهن يلعب لصالح الأسد، فالدول العربية الأساسية مثل مصر والسعودية والمغرب والجزائر والعراق تميل إلى فتح أبواب الجامعة أمام الأسد، وهناك دول أخرى تنادي وتعمل علانية من أجل ذلك مثل الإمارات وسلطنة عمان وتونس والسودان، وبالتالي فإن الكفة تميل لصالح رفع الحظر الذي جرى فرضه على النظام عام 2012 من خلال تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية.

وعلى العموم هناك أربعة عوامل أساسية تتحكم بالموقف وتشكل مفاتيح وعقد تعويم الأسد. الأول يرتبط بالمفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني، والتي تسارعت وتقدمت بصورة ملحوظة في الشهرين الأخيرين. وبات من المرجح التوصل إلى اتفاق نهائي في غضون الأشهر المقبلة ما لم تحصل تطورات تقلب الطاولة. وفي حال اتفاق واشنطن وطهران، فإن وضع الأسد سوف يصبح مرتاحا مثلما كان عليه بعد اتفاق إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عام 2015، حين أفرجت الولايات المتحدة عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة. وإذا بدأت مرحلة جديدة من رفع العقوبات عن إيران سيكون الأسد من بين أكبر المستفيدين من ذلك. والعامل الثاني مرهون بالتفاهمات الروسية الإسرائيلية من حول جنوب سوريا وحضور إيران القوي هناك. وهذا أمر يتوقف على قدرة موسكو للضغط على إيران من أجل القبول بترتيبات أمنية لطمأنة إسرائيل، وهو ليس بالصعب كثيرا في حال نالت طهران قسطا مجزيا من الصفقة. والعامل الثالث يتعلق بشمال غربي سوريا. وتبقى هذه المنطقة رهن التفاهمات الروسية التركية، وبعد مواجهات عسكرية مديدة في عامي 2019 و2020 هدأت الجبهات، وبقيت عدة مسائل معلقة منها وضع هيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب، والتي تسيطر على مساحات واسعة من محافظة إدلب وريف حلب، ولا يمكن تسوية هذه المشكلة من دون تفاهم يرضي تركيا التي تحتفظ بقوة عسكرية كبيرة في هذه المنطقة، وهي على تحالف مع الجيش الوطني المشكل من بقايا فصائل الجيش الحر، ويتجاوز تعداده 100 ألف مقاتل.

أما العامل الرابع، فهو يتلخص بسيطرة قوات سوريا الديموقراطية على ثلث مساحة سوريا في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور بدعم أميركي عسكري وسياسي، وفي الوقت ذاته هناك دور كبير لتركيا في هذه المنطقة، وفي هذه الحالة يستدعي الأمر اتفاق النظام مع قسد، وهذا ليس بالأمر الصعب، إلا أنه يحتاج إلى ضوء أخضر أميركي، وتفاهم أميركي تركي يقدم ضمانات لأنقرة.

إن الانتخابات التي وصفتها أوساط سورية معارضة ودولية بأنها مسرحية هزلية هي أخطر من ذلك بكثير، لأنها مقدمة لإعادة إنتاج الأسد في غياب موقف دولي، ومباركة عربية، وعجز سوري.

————————–

المازوشية والأناقة…في انتخاب بشار الأسد/ جديع دوارة.

غالبا ما توصف الانتخابات بالمسرحية، بسبب تهديد الناس والموظفين بلقمة العيش، واستخدام الطلاب، والتزوير، والاحالة للظروف القاهرة، والتي يستحيل ان تنتج انتخابات نزيهة اصلاً، هذا كله معروف، وهو لا يهم النظام بقدر ما يهمه هو اجراء الانتخابات بحد ذاتها، حدوثها على الارض قولا وفعلا وعلى مرأى العالم والقوى التي تحشد ضده، بل ربما ان بشار الاسد يستحسن كثرة الاعداء والقائلين بعدم شرعيتها، ما يجعل نشوته بالنصر اعظم وأهم شأنا.

في نظرة سريعة للمشهد الانتخابي في سوريا لابد من الاعتراف بالحقائق التي تترتب على هكذا عملية بكل جرأة وموضوعية، محاولا أن لا نكرر المعزوفات السابقة عن المسرحية الهزلية، فنحن اليوم امام كوميديا سوداء تقطر الماً ودماً، تصل لدرجة ان القاتل يتأبط زوجته ويمشي الهوينا بجنازة القتلى، لا بل ويجد من يصفق له ويعانقه.

الانتصار: الدلالة الاولى والمعزى الاهم للنظام هو تأكيد الانتصار، وفرض ارادته، بوسائل “سلمية”، الانتخابات كما يقدمها النظام – تنافسية –شفافة –عادلة- نزيهة- فهي من حيث الشكل تشبه، ما ينادي ويطالب به الخصوم، ولسان حاله يقول ان ادواتكم ومدنيتكم وديمقراطيتكم تتوجني رئيسا شرعيا، لقد كنت القائد المنتصر بلغة الحرب والسلاح وتحت شعار “الاسد او نحرق البلد”، وانا اليوم المنتصر تحت شعار “الامل بالعمل”،  اي ان سوريا والسوريين يريدونني حاكما متوجا عليهم، وما زلت قادراً على ادارتها بالطريقة المعتادة.

التأييد: ربما لن يكفي ان نقول بأن العملية الانتخابية تجري فقط بفضل قوة نظام الاسد، فهو اليوم ليس كما الامس، ونحن لا نكف عن الترديد بأن النظام في اضعف حالاته ويعاني من ازمات متراكمة ولم يعد في جعبته ما يقدمه للناس، والظروف داخل حدود سوريا -التي يسيطر عليها-  بمعايير الاقتصاد والاجتماع توصف بالجحيم، فكيف لهؤلاء الذين يتقلبون على نار الجحيم  ان يشاركوا في انتخاب قاتلهم، هل نحن أمام مازوشية جماعية انتقاما من الفشل في ايجاد خيار افضل لسوريا..! والا كيف يجد نظام الاسد في سوريا لاعبين وكومبارس، يأدون نفس الادوار القديمة ويجددون العهد، ويعقدون الدبكة وينصبون خيم الولاء والتأييد..!

 الجواب الواقعي والمباشر مع حذف بعض التفاصيل حول قصص الاكراه، هو الاعتراف بكل بساطة ومرارة، بأن في سوريا ما زال هناك كتلة وازنة من البشر تعتقد ان مصيرها مرتبط بمصير النظام وان من واجبهم تأييده بكل علله وعلاته فهو بالنسبة لهم ما زال الافضل فعلا، وكل المشاريع الاخرى ليست أحسن حالا منه ولن تجلب لهم الافضل، سنقرأ هذا في لدى الكثير من اصحاب العمامات والمرجعيات الدينية ولدى البسطاء، كما سنجده  في انتعاش الهياكل القديمة للبعث والمخبرين، والقادمين الجدد للسلطة، وتجار الحروب، هو مشهد ليس لخروج “العنقاء من الرماد” بل لخروج -الديناصور المريض- الذي اعتقد العالم بأنه انقرض منذ الالف السنيين.

الفشل: قراءة انتصار بشار الاسد بدلالة فشل البدائل التي قادتها ودعت اليها القوى المعارضة، وهذا يشمل قوى المعارضة السورية، عسكرية ومدنية -على ضعفها -من خلفها القوى الداعمة اقليميا وعالميا، فشلها او عدم اتفاقها او تواطؤها، كل هذه المصطلحات  تقود الى نتيجة واحدة هي ان الحل السياسي الذي كان يعول عليه لجلب نظام مختلف(او بدرجة اقل لفرض تغيير له معنى) يفتح صيرورة للتحول الديمقراطي في البلاد قد انتهى الى خيبة، واصبح في خبر كان.

الابتعاد: حين انتصر النظام عسكريا، واسقط مناطق سيطرة المعارضة المسلحة واحدة تلو الاخرى، وخاصة حين استعاد سيطرته على محيط دمشق وحلب، وان كان الثمن المزيد من الارتهان للقوى الداعمة –روسيا وايران- وصل لدرجة سخرية وسائل الاعلام من بشار الاسد- رغم هذا فإن النظام تقدم -في المحصلة العامة لمشهد القوى التي تتصارع داخل وعلى سوريا- الى مواقع جديدة جعلته اقوى، وكلما زادت قوته -منطقيا- يصبح اقدر على فرض ارادته، ويبتعد عن تقديم تنازلات، والقبول بحلول تفرض عليه، بكلام اخر يصبح أبعد عن الحل السياسي الدولي المنتظر، واليوم تأتي محطة الانتخابات، لتضيف للأسد معطى آخر لقوته وغطرسته، وتجعله يبتعد أميال عن القبول بالحل السياسي المنتظر، والذي مازالت تتمسك بحباله وملحقاته (لجنة دستورية وغيرها) المعارضة، بدلالة الداعمين لها، تغذي الاوهام بأنه سيرضخ لإرادة دولية لا احد يعرف ماهيتها، ارادة ضبابية لا تذهب ابعد من مصالحها الضيقة وحدود دولها، وعلى المقلب الاخر ان انتصار بشار الاسد وبصرف النظر عن شرعية الاستحقاق، سيصب في خانة تحصين مواقعه أمام حلفائه، بوجه اي ضغوط محتملة من روسيا بشكل خاص.

التأهيل: اكثر من ذلك، العملية الانتخابية اليوم، ستجعل من بشار الاسد جاهزاً لإعادة التأهيل عربيا، وربما في وقت لاحق دوليا، ستعطي لكل المتهافتين لمد يد العون له -لأسباب مختلفة- ذرائع وحجج للقبول به، واعادة انتاجه.

في المحصلة لهذه القراءة الاولية يمكن القول ان انتخاب الاسد اليوم تكرس نصره وتعززه بوسائل غير عسكرية، وتعيد ربط الكتلة المؤيدة-الوازنة- به من جديد، وتعقد المهمة –الفاشلة لغاية الان- للمعارضة والقوى الدولية في ايجاد حل او مخرج، وتجعل النظام بالمحصلة ابعد عن القبول بحلول “سياسية” تفرض عليه، ومبررا لمن يريد اعادة “تدويره”.

لقد مشى الاسد اليوم في دوما، وبدى في الصورة مدنيا حضاريا برفقة زوجته فائقة الاناقة، وزعوا الابتسامات، ونالوا التصفيق والترحيب، في مشهد رمزي سريالي، يقول للعالم: لست انا قاتل الاطفال، لست انا الاسد الكيماوي، وانظروا هؤلاء الذين يعانقونني هم ما تبقى من اهل دوما يباركون انتخابي لأنني انا ولست انتم املهم بالمستقبل، في مشهد رمزي سريالي-سادي.

صحفي سوري، مواليد 1967، عمل في موقع سيريا نيوز حتى عام 2010، وفي مجلة “الاقتصادي” حتى منتصف 2011. معتقل سياسي تسع سنوات (1989 – 1998).

موقع نواة موقع حر وكافة المواد تعبر عن رأي الكاتب.

—————————-

دبيكة تحت الطلب/ بسام جوهر.

شخصياً أحب الدبكة، وأرى أنها فن ورقص شعبي جميل، يتقنها معظم السوريين، وقلما توجد مناسبة للفرح تخلو من الدبكة، هذا التراث المحبب أصبح مع مرور الزمن رمزاً لمناسبات الأفراح في بلاد الشام أو ما كان يُسمّى سوريا الطبيعية. ولا تكون حلقات الدبكة جميلة إلا بوجود الصبايا والشباب، الذين يرون أنها مناسبة لرمي بعض العادات والتقاليد جانباَ، وخاصة تلك التي تحدّ من التقاء الشباب والصبايا، حيث يُمسك الشب بيد الصبية وتتشابك الأيدي وتلتقي النظرات وتلتحم الأكتاف وتسري حرارة لذيذة في أجسام الدبيكة تزيل تعب اليوم وتجدد النشاط وتجعل للحياة طعماً أخر.

وشخصياً أيضاً، كنت وما زلت، أحب مناسبات الأفراح وأسجل حضور دائم فيها، حتى لو كان عندي فحص أو مذاكرة أو أي عمل مهم، وقلما تجدني في مناسبات العزاء والأحزان، إلا الضروري منها، حتى أن أبي، رحمه الله، لم يعد يدعوني لمرافقته إلى مناسبات العزاء والأتراح.

لكن رمز الفساد في سوريا أبى إلا أن يُفسد كل شيء، حتى الدبكة، وأبى إلا أن يجعل كل المناسبات تشبهه وتخدم مصالحه، فهو لا يروق له أن يرى الناس تعبر عن فرحها دون أن يكون له نصيب، وهو لا يعرف معنى الفرح بانتهاء موسم الحصاد وجمع غلة الموسم، ولا يستوعب أن يكون للناس أفراحهم الخاصة في مناسبات الزواج والطهور والنجاح والأعياد التي تلم الأهل والأصحاب. لذلك كان لابد من استغلال رمز الفرح هذا وتحويله إلى مناسبة لتقديم فروض الطاعة والتضرّع إلى إرضاء ذلك المسخ الذي يتلذذ بقتل الناس وإهانتهم يومياً من خلال رؤيتهم يصفون طوابير أمام حاجاتهم الأساسية من خبز وغاز وكهرباء وماء وبنزين وغيرها.

أيام زمان، وخاصة في القرى، حيث العمل في الحقل ينال من الإنسان، لكنه يذهب إلى الدبكة ويشارك بها بحماسة رغم التعب وتراه منتشياً وعلامات الفرح ظاهرة على وجهه، يدفعه إلى ذلك دافع ذاتي وقناعة أن مشاركة من يحب أفراحهم تجلب السعادة له وللآخرين.

لكن دبيكة العصر الأسدي مختلفون بحركاتهم ونظراتهم ودوافعهم، ويعرفون بقرارة نفسهم، أن لا دافع ذاتي وراء مشاركتهم في تلك المهزلة، ويدركون أن حالهم لن يتغير، وليس هناك غلة تنتظرهم ، ولن يحصلوا إلا على كلمات جوفاء اعتادوا على سماعها منذ بداية الحقبة الأسدية، عن الصمود والتصدي وشد الأحزمة على البطون وكلمات جديدة عن الفرق بين الثورة والثور.

دبيكة العصر الأسدي يمكن تسميتهم دبيكة من يتلذذ بالحرمان أو دبيكة تحت الطلب، فهم موجودون في كل المناسبات التي يطلبها المسخ، لا يهم نوع المناسبة أو أهميتها، المهم هو إداء واجب الدبكة والتأكيد على النخ، لأن الدبكة بدون نخ لا تكفي وربما تكون ضرب من ضروب التأفف وإظهار ما في القلوب.

عندما استهدف الرئيس الأمريكي ترامب بصواريخه مطار التيفور العسكري، تم عقد حلقات الدبكة للاحتفال بالانتصار على صواريخ ترامب التي سقطت قبل أن تحقق أهدافها!!!، وعندما تصل طائرات وصواريخ اسرائيل كل مكان في سوريا، تُعقد حلقات الدبكة للاحتفال بالاحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين!!!، وعندما تعلن وسائل إعلام المعتوه أنها (خلصت)، تُعقد حلقات الدبكة للاحتفال بالنصر على المتآمرين والمندسين، هذا عدا عن مناسبات تجديد البيعة والبصم بالدم وقانون قيصر وغيرها من المهازل التي اعتدنا على رؤيتها خلال الحقبة الأسدية الطويلة.

الحقيقة لا أعرف شعور هذا الدبيك عندما يعود إلى بيته بعد كل مناسبة، وقد أنهك التعب جسمه (من كتر النخ)، ولا يجد كهرباء ولا غاز وربما حتى الخبز، كما لا أعرف شعوره عندما يدخل بيته وتقع عيناه على صورة ابنه أو أخوه أو أبوه، المعلقة على الجدار والذي قتل في سبيل من كان يدبك وينخ له.

دبيكة تحت الطلب جاهزون دائماً لتحويل أية هزيمة إلى انتصارٍ مدوٍ، والمشكلة في سوريا أن هؤلاء الدبيكة لا يقتصرون على المنتفعين من النظام ودائرة الموالاة، بل تتعداهم إلى شريحة اجتماعية ليست بالقليلة تحت حجج وذرائع مختلفة مثل الخوف والتقية والعين لا تقاوم مخرز و(الأيد اللي ما فيك عيها، بوسها وادعِ عليه بالكسر). إلى آخر ما هنالك من حجج وذرائع تجعل  الانسان  يتقبّل الذل والهوان  بكل رضا عن انفس وبكل رحابة صدر.

الحقيقة أن وجود هؤلاء في سوريا هو مشكلة بحد ذاتها، وبالتأكيد هم ضحايا ولا يدركون أنهم أداة بيد الذئب المفترس الذي يتربع على جثث ضحاياه  ويصدّر انتصاراته المزعومة للداخل والخارج.

ومع ذلك سأبقى أحب الدبكة، دبكتنا نحن الذين نذهب إلى الدبكة بدافع ذاتي وبقصد الفرح ومشاركة الآخرين أفراحهم بعيداً عن النخ والنفاق.

بسام جوهر

ضابط ومعتقل سياسي سابق.

—————————

ماذا بعد فوز الأسد؟/ رقية العبادي

أحلم بوطن ديمقراطي من دون خيام رقص وحلقات دبكة وهتافات عبودية، من دون معتقلات تعج بأصحاب القضايا المحقة والوطن الجميل.

انتهت الانتخابات المهزلة في سوريا.

منذ إعلان مجلس الشعب السوري موعد الانتخابات وترشيح  ثلاثة أشخاص لمنصب الرئاسة، واللافتات تملأ الشوارع، تعرض صور الرئيس الذي تلطخت يداه بدماء الشعب، وعبارات “الأسد خيارنا”، وكأن من بقي في الأفرع الأمنية يستطيع أن يختار غيره.

نصبوا الخيام في الساحات التي سرقوها من الثوار، والتي كانت شاهدة على حناجر أصحاب الحق، وصدحت بهتافات ضد نظام الأسد وما يمارسه من حقد وظلم وقمع على أبناء البلد، وحولوها إلى حلقات دبكة ورقص لا تتوقف، على رغم أن الجميع يعلمون مسبقاً أن المشهدية ليست سوى مسرحية هزلية وأن المرشحين الآخرين ليسوا سوى كومبارس، أو بهارات إضافية لمهزلة سميت عرساً ديموقراطياً، فوق أرض وطن تم تدميره بشكل شبه كامل، نصف شعبه هُجِّر والنصف الآخر توزع بين من لا قوة له، ومن يعبد الديكتاتور.

في نيسان/ أبريل 2007، زار بشار الأسد محافظة دير الزور، التي لم تطأ قدما أبيه أرضها، وهي الزيارة الأولى مذ حكم “حزب البعث” سوريا لأكثر من 40 عاماً. وقتها امتلأت الساحات بالجماهير المرحبة بذلك الشاب الذي كانت مضت على رئاسته دورة واحدة بعد وفاة الأسد الأب، ولربما كان أهالي دير الزور يأملون حينها، بأن تحظى محافظتهم ببعض الاهتمام بعد تهميشها لوقت طويل، لكن تلك الأماني خابت، فلم يلُح في الأفق ما يشي بأن شيئاً سيتغير، وخصوصاً بعد انتهاء الأعراس الوطنية التي توجتها الهتافات للأسد الابن.

أذكر يوم تلك الزيارة أنني تغيبت عن الدوام الجامعة، بسبب حالتي الصحية، لكن الفضول استفزني. كنت أسمع زمامير السيارات، والهتافات تصدح في شارع بيتنا، فركضت إلى شرفة المنزل لاستراق النظر إلى هذا الاستقبال الكبير المزيف، لكن لا شيء كان يشبع فضولي. فتحت التلفزيون، وشاهدت صاحب العينين الزرقاوين، حسبما كان يلقبه محبوه، متباهين بأن من يحكم سوريا شاب صغير درس في لندن، لذلك سوف يكمل مسيرة التحديث والتطوير، التي أمست مسيرة التدمير والتهجير.

ما كان يشغل بالي في تلك اللحظات، هو ما الذي سوف يقوله للجماهير؟ والأكثر من ذلك هو “كيف صار هيك وزارنا؟، ونحن المحافظة التي يتعبرها نائية، فعلى رغم أن خيراتها وثرواتها تكاد تكفي سوريا، إلا أنها لا تكفي عائلة الأسد.

خرج الابن على الجماهير يتحدث عن المقاومة، وكيف علينا أن نساعد إخواننا في العراق ليتجاوزوا محنتهم. تذكرت يومها أولاد جيراننا الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة، وكيف ذهبوا للقتال في حرب العراق عام 2003، يوم فتحت الحدود العراقية- السورية أمامهم من دون توجيه أو ردع، وحتى من دون تزويدهم بالسلاح، فكان أن أغرتهم كلمات المقاومة ودمرت أحلامهم وشبابهم تلك الحروب.

قطع مشاهدتي الخطاب المنافق، اتصال هاتفي من أصدقائي الذين استطاعوا الهرب من تلك المسيرات الإجبارية، وفضلوا زيارتي على وقوفهم في الساحات المزيفة وسوقهم كالأغنام. قالت لي صديقتي منار، “بدك نوقف بهذا الشوب، ونستنى يطلع علينا يلوّح بإيدو، خلص راح ينجح بالاستفتاء”، لم يخِب توقُّع صديقتي ولا جميع الحشود التي وقفت تهتف له، ففي 27 أيار/ مايو 2007 فاز بشار الأسد بالرئاسة مرة أخرى بنتيجة 95.9 في المئة بكل ديموقراطية حسبما قيل لنا.

في انتخابات عام 2014، كنتُ قد خرجت من المعتقل، وكانت مضت على الثورة السورية -وقتها- أربع سنوات عجّت أيامها بالكثير من الدمار والضحايا والمعتقلين والمهجرين. الهتاف تحوّل إلى عبودية، والابن إلى إله يسجد كثيرون أمام صورته فيما يقبّلها آخرون كادوا يصلّون له. لكن، ماذا حل بالبلد؟

أخبرت والدتي- آنذاك- أنهم أخذوا هوياتنا في المعتقل لننتخب، فلماذا عليّ أن أعيد انتخابه مرة أخرى؟ قالت لي: سوف يعلمون أنك لم تنتخبي إذا لم يروا الحبر الأزرق على إبهامك.

في الصباح أغلقت جميع مداخل الحي ومخارجه، حيث كنت أقيم في دمشق، وأجبر عناصر الأمن الناس على الدخول إلى مركز الاقتراع، حينها وعلى رغم دخولي ذلك المركز لأنني لن أستطيع الهروب من تلك المهزلة، إلا أنني لم أنتخب، بل كتبت على الورقة التي وضعتها في الصندوق (يسقط الأسد). خرجت يومها وكانت نشوة النصر التي لم أستطع أن أعبّر عنها تتملّكني، وأحسست أنني انتصرت على ديموقراطيتهم،  مع أنهم تجاهلوا أو تعمّدوا تجاهل وضع الحبر الأزرق على إصبعي، فربما  أملوا بأن أزور مراكز اقتراع أخرى، وفي الحالتين سيحصل الابن على أعلى نسبة تصويت من دون منافسة.

في الحقيقة لم تعنِ لي الانتخابات في بلدي شيئاً، ولم أحلم يوماً بأن أملك بطاقة انتخابية، لا من أجل مجلس الشعب ولا من أجل الرئاسة، وهو ما يشعرني بشيء من السعادة لأنني أدركت في وقت مبكر، أننا نحن السوريين والسوريات بأصواتنا، وحقوقنا، وأحلامنا، تمت سرقتنا منذ وصول “حزب البعث” إلى الحكم في سوريا.

أحلم دائماً بوطن أستطيع فيه أن أرفض ما أشاء وأتقبل ما أريد، أتظاهر فيه ضد الفاسدين والسارقين، من دون رهبة الفروع الأمنية والخوف منها. أحلم بوطن ديمقراطي من دون خيام رقص وحلقات دبكة وهتافات عبودية، من دون معتقلات تعج بأصحاب القضايا المحقة والوطن الجميل.

——————–

=========================

تحديث 05 حزيران 2021

—————————-

الانتخابات الرئاسية السورية:محطة عابرة في سياق أزمة متواصلة

المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات

أجرى النظام السوري، بدعم من حلفائه في روسيا وإيران، في 26 أيار/ مايو 2021، انتخابات رئاسية شارك فيها إلى جانب رئيسه بشار الأسد، مرشحان اثنان مغموران يمكن وصفهما بالصوريَّين، هما محمود مرعي وعبد الله سلوم. وفي اليوم التالي، 27 أيار/ مايو، أعلن رئيس “مجلس الشعب”، حمودة صباغ، عن فوز الأسد بولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية للجمهورية العربية السورية بنسبة 95.2 في المئة من الأصوات، بينما حصل مرعي على أكثر من 3 في المئة بقليل، وسلوم على 1.5 في المئة. ورغم أن النتائج بدت كأنها مُعدّة قبل الاقتراع، فإن النظام تعامل مع هذه الانتخابات ونتائجها باعتبارها “إعلان نصر” بعد حرب استمرت نحو عشر سنوات خاضها ضد السوريين الذين انتفضوا على حكمه، وقد حرص الأسد على الإدلاء بصوته في مدينة دوما التي تحمل رمزية كبيرة في الثورة السورية، حيث حاصرها النظام طوال الفترة 2012-2018، وقصفها بالسلاح الكيماوي في آب/ أغسطس 2013، قبل أن يدخلها بدعم روسي – إيراني عام 2018، ويجبر أعدادًا كبيرة من أهلها الرافضين الرضوخ لحكمه على الخروج إلى مناطق المعارضة في الشمال السوري.

الانتخابات الرئاسية كعملية إجرائية

أصرّ النظام على إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن مواعيدها، أي خلال 60-90 يومًا من انتهاء ولاية الرئيس القائم، كما تنص على ذلك الفقرة الأولى من المادة 85 من دستور عام 2012، وذلك رغم الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها هذه الانتخابات من قوى دولية مختلفة، باعتبار أنها يجب أن تأتي تتويجًا لحل سياسي، وضمن الظروف الكفيلة بإجرائها في بيئة حرة ونزيهة، وبحيث يشارك فيها جميع السوريين الذين يملكون حق الاقتراع، داخل سورية وخارجها. في حين أن هذه الانتخابات جرت تحت سيطرة أجهزة النظام الأمنية المناقضة لأيّ حرية ونزاهة، حتى شكلية، وغيَّبت أكثر من نصف الشعب السوري قسريًا بسبب ظروف الحرب والنزوح والتهجير، حيث اشترط النظام أن يكون التصويت فقط من حق السوريين الموجودين في الخارج ممن يملكون أوراقًا ثبوتية، وغادروا البلاد بصورة شرعية عبر أحد المنافذ الحدودية التي يسيطر عليها؛ أما النصف الآخر الموجود في مناطق سيطرته فلا يملك حرية التعبير عن إرادته، وهو ما كان واضحًا في عمليات إجبار الناس على الاقتراع وتفتيش الأصابع للتحقق من عدم مقاطعتهم الانتخابات والتحقيق مع من لم ينتخب أو يعبّر عن ابتهاجه بالمناسبة.

كانت مبادرات الحل السياسي جميعًا التي تعاملت مع الأزمة السورية، بما فيها المبادرة العربية الأولى في 10 أيلول/ سبتمبر 2011، والمبادرة العربية الثانية في 22 كانون الثاني/ يناير 2012، وخطة كوفي عنان في نيسان/ أبريل 2012، وبيان جنيف 1 في 30 حزيران/ يونيو 2012، وأخيرًا قرار مجلس الأمن رقم 2254 في كانون الأول/ ديسمبر 2015، على اختلاف تفاصيلها، تربط إجراء الانتخابات بحل سياسي وحكومة انتقالية أو حكومة وحدة وطنية تشرف على تنظيمها. وحتى المسار الدستوري الذي أنشأته روسيا بموجب مسار أستانا ومؤتمر سوتشي في كانون الثاني/ يناير 2018، كان يُفهم منه أن الانتخابات ستُجرى بعد الاتفاق على مسودة الدستور عبر اللجنة الدستورية التي توافقت الدول الراعية لمسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران) على تشكيلها، إلا أن روسيا فاجأت الجميع بفصلها بين المسارين (إجراء الانتخابات والاتفاق على مسودة الدستور)، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال زيارته إلى دمشق في أيلول/ سبتمبر 2020، وهو كلام يناقض موقفًا سابقًا له عندما تحدّث في حزيران/ يونيو 2018 عن ضرورة أن يحدد الشعب السوري مستقبل بلاده، “عبر انتخابات جديدة حرة ونزيهة، على أساس دستور جديد للبلاد”.

كان واضحًا خلال جولات المفاوضات الخمس التي عقدتها اللجنة الدستورية في الفترة بين الاتفاق على تشكيلها في أيلول/ سبتمبر 2019 وربيع 2021، أن استراتيجية النظام هي كسب الوقت، وللدقة إضاعة الوقت، وصولًا إلى موعد إجراء الانتخابات التي أراد عبرها الإعلان عن رفضه لأي حل، أو حتى تسوية، والقضاء على أي فرصة للوصول إلى حل سياسي مع المعارضة.

قصة الأرقام

مثل كل الأنظمة السلطوية، يولي النظام السوري أهمية كبرى للأرقام المرتبطة بالانتخابات، سواء أكانت متعلقة بنسب المشاركة أم التأييد، ويعتبرها مقياسًا لشرعيته التي قد يخدشها انخفاض نسب التأييد أو المشاركة فيها. ومنذ الانتخابات الرئاسية الأولى (الاستفتاء) التي فاز فيها حافظ الأسد بـ 99.2 في المئة عام 1971، ما زالت نسب التأييد العالية تمثّل القاعدة في الجولات الانتخابية الرئاسية الثماني التي جاءت بعدها، إذ لم تقلّ في أيّ مرة عن 95 في المئة، ووصلت في أربعٍ منها إلى 99.9 في المئة، باستثناء انتخابات عام 2014، التي فاز فيها بشار الأسد بنسبة 88 في المئة من الأصوات، وكانت أول انتخابات بموجب دستور عام 2012 الذي اضطر النظام تحت ضغط الثورة التي اندلعت عام 2011 إلى وضعه، وإنهاء تقليد الاستفتاءات، حيث يكون الرئيسُ المرشحَ الأوحد، باعتباره الأمين العام لحزب البعث الذي كان بموجب المادة 8 من دستور 1973 “الحزب القائد للدولة والمجتمع”، والقبول بمبدأ التعددية، وأن الرئيس هو واحد من بين مرشحين آخرين يتنافسون على كرسي الرئاسة، وإن صار التقليد يعتمد على اختيار مرشحين مغمورين، في محاكاة للنموذجين المصري والتونسي قبل ثورات 2011، في خطوة شكلية إجرائية غرضها التظاهر بتحقيق شرط التعددية وادّعاء أن الانتخابات شرعية، من دون تهديد فرص الرئيس بفوز ساحق.

مع ذلك، فقد جاءت الأرقام المعلنة في نتائج الانتخابات الأخيرة خارج حدود المعقول، إذ أثارت نسب الاقتراع والمشاركة التي أعلنها رئيس مجلس الشعب السوري جدلًا واسعًا حول صدقيتها؛ فادّعى أن نسبة المشاركة في الانتخابات هي 78.64 في المئة ممن يحق لهم التصويت من الشعب السوري في الداخل والخارج، والبالغ عددهم 14.239.140  نسمة، وقد عكست هذه الأرقام رؤية النظام ورفضه الاعتراف بالواقع الذي أفرزته الأزمة وفق المحددات الثلاثة الرئيسة (عدد المواليد، وعدد الوفيات، والهجرة واللجوء الناجمان عن الحرب) التي أنتجت قطيعة ديموغرافية كاملة مع الوضع السابق على الأزمة. وتقدّر كل التقارير والإحصاءات الدولية والمحلية أن عدد السوريين الذين يقيمون في سورية في مناطق النظام والمعارضة ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، “قسد”، لا يتجاوز 16.5 مليون نسمة، موزعين كما يلي: 3 ملايين في مناطق “قسد”، ونحو 4 ملايين في مناطق المعارضة، وأكثر من 9 ملايين بقليل في مناطق سيطرة النظام. وتقدر أغلب الإحصاءات أن عدد من تتجاوز أعمارهم 18 عامًا ممن يحق لهم التصويت في مناطق سيطرة النظام لا يتجاوز 6 ملايين نسمة. في حين قُدّر عدد النواحي التي وزعت عليها صناديق الاقتراع بـ 270 ناحية، أقيمت الانتخابات في 154 منها، وجرت مقاطعتها مع وجود صناديق في 46 ناحية أبرزها في درعا والسويداء، أما الـ 70 ناحية المتبقية فتظهر نتائج الانتخابات عدم وجود صناديق اقتراع فيها لعدم قدرة النظام على الوصول إليها لأنها تقع خارج سيطرته، ومن ثم فقد جرت فيها مقاطعة للانتخابات، وأبرز هذه المناطق هي إدلب والحسكة والرقة ودير الزور وأجزاء من حلب واللاذقية. وبذلك تزيف النتائج التي أعلن عنها النظام الأعداد التقريبية لعدد المقترعين في المناطق التي يسيطر عليها من إجمالي المساحة السورية وتزوّرها بمضاعفتها.

ورغم أنه كان واضحًا أن هذه الأرقام سوف تكون أحد أسباب التشكيك الإضافية في نزاهة الانتخابات، التي بلغت حد السخرية، فإن النظام كان مهتمًا أكثر بمكايدة خصومه وتحدّيهم أنه ما زال قادرًا على فرض نفسه بالتزوير رغم كل الفظائع التي ارتكبها في حق شعبه. والواقع أن النظام أراد من هذه الانتخابات، بدءًا بحملات المرشحين وانتهاء بالنتائج، وما بينهما من مشاهد الحشود في الساحات والشوارع التي تهتف للأسد وتبايعه “على السير خلفه”، إرسال رسالة إلى المجتمع السوري والمجتمع الدولي تُعلن نهاية مرحلة الثورة السورية وإعلان انتصاره بحكم الفرض بالقوة، ولو كانت قوة دولة أجنبية، وبدء عملية تأهيله على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ما عبّر عنه الأسد في خطاب “فوزه” قائلًا “الرسالة للأعداء وصلت، والمهمة الوطنية أُنجزت”.

تداعيات الانتخابات الرئاسية على الحل السياسي

جاءت هذه الانتخابات الرئاسية لتمثل ضربة قاضية للجهود السياسية لحل الأزمة، والتي تركزت في السنوات الأخيرة في محاولات مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غيرد بيدرسون، تحقيق خرق في جدار الأزمة من خلال المسار الدستوري، الذي فرضه الروس بالاتفاق مع الأتراك والإيرانيين في مسار أستانا ومخرجات مؤتمر سوتشي عام 2018؛ إذ تجعل الانتخابات التي مددت حكم بشار الأسد سبع سنوات جديدة أيَّ مسعى في هذا الاتجاه عبثيًا، كما تُضعف فرص تطبيق القرار 2254 الذي ينص على إنشاء هيئة حكم انتقالي تضع دستورًا يتم على أساسه إجراء انتخابات يشارك فيها جميع السوريين داخل سورية وخارجها، وتكون بمنزلة المحطة الأخيرة في طريق حل الأزمة. وفي هذا الصدد اعتبر بيدرسون أن هذه الانتخابات ليست جزءًا من مسار الحل السياسي في سورية.

لقد سعى النظام من خلال “انتخاباته” إلى إرسال رسائل عدة، أهمها: الإيحاء إلى أنصاره وحلفائه بأنه انتصر، وأن الأزمة صارت وراءه، وأن المرحلة القادمة هي مرحلة إعادة التأهيل والعودة إلى الساحة الدولية، والإيحاء لخصومه بأنهم خسروا وبات عليهم أن يتعاملوا معه على هذا الأساس، وأن محاولاتهم إطاحته فشلت؛ بهذا المعنى تهدف هذه الانتخابات إلى تعميم حالة من الإحباط واليأس بين أفراد المجتمع السوري المعارض، بما يؤدي إلى استسلامهم وتسليمهم ببقاء نظام الحكم، وأن عليهم ألّا ينتظروا الحصول على أي تنازل، مهما كان صغيرًا، بل على العكس، قرأ الأسد الانتخابات باعتبارها تفويضًا له لاستكمال معركته ضد السوريين الذين ثاروا عليه، وقد بدا ذلك واضحًا في “خطاب الفوز”، إذ قسّم الشعب السوري إلى قسمين، يمثل الأول، كما قال، “أسمى معاني “الوطنية”؛ تلك التي لا تتغير بوصلتها عن النظام سواء بالسلاح أو بالاقتراع، واصفًا جمهور مؤيديه “بالثوار (الحقيقيين)” ، في حين وصف خصومه بالخيانة، وتوعّدهم بالشدة والملاحقة.

خاتمة

رغم الأجواء الاحتفالية التي بثّها النظام خلال الحملة الانتخابية للتغطية على رفض جزء كبير من السوريين للانتخابات، وطعْنِ عددٍ من دول العالم بشرعيتها، ورفض الأمم المتحدة اعتبارها خطوةً في اتجاه الحل السياسي، ومحاولة رفع معنويات مؤيديه بأن العالم سوف يضطر بعد هذه الانتخابات إلى التعامل معه والانفتاح عليه والتخفيف، من ثم، من وطأة العقوبات الاقتصادية التي فعلت فعلها في مناطقه، فإن كل ذلك لن يغيّر من حقيقة أن الأزمة السورية ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها احتمال تجدّد الصراع، وأن النظام لن يستطيع تحت أي ظرف، ما خلا الدخول في تسوية سياسية، استعادة السيطرة على الأجزاء التي فقدها من البلاد في الشمال والشمال الغربي والشمال الشرقي والجنوب الشرقي، والتي تمثل بمجموعها أكثر من ثلث مساحة البلاد، وتضم الجزء الأكبر من ثرواتها الطبيعية، وأنه لن يتمكن أيضًا من فرض قبضته الأمنية حتى في المناطق الخاضعة لسيطرته في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية فيها وتفاقم الأزمات المعيشية وارتفاع معدلات الفقر والجهل والجريمة. بهذا المعنى ستكون “الانتخابات” مجرد محطة عابرة في سياق أزمة مستمرة لن تنتهي إلا بحل سياسي، وهي مسؤولية مشتركة بين السوريين والفاعلين الإقليميين والدوليين الرئيسين في الأزمة السورية التي ينبغي إعادة توكيدها على الساحة الدولية باعتبارها قضية سياسية وطنية ينبغي إيجاد حل سياسي لها، وليست مجرد عمليات إغاثة إنسانية، أو قضية لاجئين أو قضية مكافحة إرهاب يفرضها على المجتمع الدولي وجود تنظيم إرهابي مثل “داعش”.

المدن

—————————-

تخلّفُ بشار اللغوي وتخلّفنا معه/ عمر قدور

كان من الدلائل الإيجابية لو لم يستدرج بشار الأسد، في خطاب نصره الانتخابي قبل أسبوع، ردود أفعال معارضين له انساقت وراء المستوى المتخلف الذي تميز به الخطاب. ولا يُقصد بهذه الملاحظة أن يدّعي المعارضون ترفعاً كاذباً عن الرد، أو ترفعاً كاذباً عن الشتيمة بما أن الخطاب حفل بالشتائم، لكن يُقصد بها نوعية الرد ونوعية الشتائم والبنية اللغوية لهما، البنية التي كان يُفترض “أو يُستحسن في أدنى الأحوال” ألا تأتي متخلفة وألا تستخدم أدوات الخطاب نفسه.

في مستهل الثورة بدأ بشار بتشبيه الثائرين بالمندسين، ثم بالجراثيم. حينها شاعت على وسائل التواصل الاجتماعي عبارات من نوع “أنا مندس” أو “أنا جرثومة”، وكانت محمولة على روح التحدي، التحدي الذي يحمله مؤمنون بالثورة آنذاك، والتحدي المتأتي من وجود نسبة كبيرة من مستخدمي تلك العبارات في سوريا. اليوم لا معنى لقول البعض “انا ثور” أو وضع صورة ثور على البروفايل، رداً على تشبيه بشار الثوار بالثيران، فالذين فعلوا ذلك يعيشون خارج مناطق سيطرة بشار، في سوريا أو غيرها من البلدان، أي أن التحدي المعلن على هذا النحو هو أجوف فوق أنه يستنسخ كليشيه تعود إلى زمن “غابر”.

من جهته، كانت مفهومةً الأسباب التي دفعت بشار إلى شتم الثائرين وكأن الثورة حدث طازج، فهو ضمن إنكاره الواقع لم يستوعب قيام سوريين بالثورة عليه، ويريد في كل مناسبة التأكيد على عمالتهم وارتزاقهم وعلى أنهم سوريون بجوازات سفرهم لا بانتمائهم. أيضاَ من مصلحة بشار التصويب على دريئة الثورة “التي اهترأت أصلاً من كثرة المصوِّبين عليها”، فهو بذلك يؤكد على أن المعركة “كما في بدئها” بينه وبين “خونة ومرتزقة وثيران.. إلخ”، ويغطي على الميليشيات وقوى الاحتلال التي استجلبها وعلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ ليس هو ولا خصومه من السوريين من يقرر مصيرها. من هذه الزاوية الضيقة، يلاقي بشار بعضاً من الخصوم يصرّ بدوره على أن الثورة باقية، ولا سند له سوى مثابرته على تأكيد مقولته!

لا داعي للخوض مجدداً في تهافت المستوى اللغوي الأسدي، إلا بقدر ما يصيب التهافت أولئك الذين يطرحون أنفسهم وقيَمهم في الجانب المقابل، وبقدر ما يوحي بأنه سمة مشتركة آتية من تربية واحدة لم تمح آثارها بعد. من ذلك ألا يكون بشار متفرداً مع جماعته بارتكابات لغوية يعتقد أنها ذات معنى، أو ذات جاذبية، أو ذات عمق، أو مثيرة للضحك كطرفة أو نكتة مبتكرة. لقد استخدم بشار القرابة اللغوية “الظاهرية والقسرية” بين الثورة والثيران، ليستخدم بعدها القرابة بين الثور والعلف، وهو تصوير متخلف لغوياً، ومن مستوى لا يتجاوز سن المراهقة، من دون الدخول في كونه لا يليق بمنصب رئاسة بما أن الحديث عن السيادة شكلي بحكم الاحتلالات الموجودة في البلد.

المصيبة أن لبعض المعارضين أسبقية على بشار باستخدام مخزون لغوي متخلف للنيل من بشار، أو لنقد المعارضة نفسها. مثلاً، تبدو كلمة “العلف” التي استخدمها مأخوذة من خصوم للائتلاف واظبوا على تسميته بـ”الاعتلاف”، أو آخرين واظبوا على تحريف كلمة “ناشط” إلى “ناشت”! هنا أيضاً نعثر على ما يظنه أصحابه لعباً لغوياً ماهراً، بل باباً من أبواب السخرية التي يفترضون أنها تثير قهقهات المتلقي مثلما تثير غيظ مَن يوجّه إليهم الهجاء. تنضوي في الإطار ذاته تلك المواظبة على السخرية من عيب في النطق لدى بشار، فإذا حدث الأمر لمرة على سبيل النكتة فإن النكتة تفقد قدرتها على الإضحاك لدى عموم المتلقين، وخاصة لدى من يعاني منهم من مشاكل في النطق. المصيبة أن ترويج نوع سطحي مبتذل من السخرية يكون على حساب استكشاف مواضع أخرى لها لا يبخل بها الخصم في حالتنا، والبقاء على ما هو سطحي وسمج ومكرر سيكون من طينة التخلف اللغوي للخصم.

في مثال آخر، كان خطاب بشار المعدّ والمكتوب مضحكاً عندما يقول: هو الفرق بين ثائر يتشرب الشرف وثور يُعلف بالعلف.. بين ثائر نهجه عز وفخار وثور يهوى الذل والعار.. بين ثائر يركع لخالقه وثور يخر ساجداً أمام الدولار! المقارنة الأخيرة، لو قالها الجولاني أو البغدادي، لكان لها نصيب من المعنى. لكن بخلاف تفاهة المعنى أو غيابه، المضحك “لوهلة فحسب” هو استخدام السجع المتخلف الذي نفترض جميعاً أنه أصبح من ماضي اللغة أو طفولتها، لكننا ما إن نتذكر سماجات لغوية مشابهة في مقلب المعارضة حتى تفقد اللحظة فرادتها لصالحِ مشتركٍ لا يثير بتخلفه الضحك بل يخلّف المرارة والتأسّي على رسوخ المشترك أو بقاء شيء من مفاعيله حتى الآن.

نجح بشار “على الأرجح من دون قصد” في استجرار ردود من المستوى نفسه وبمفرداته هو، ولئن كان تخلف المستوى اللغوي وتهافته دليلاً على خواء تركيبة لا مشروع لها سوى الاحتفاظ بالسلطة فإن استخدام المعيار ذاته غير مبشر في المقلب المقابل. اللغة لا تقوم فقط بمعناها أو بدلالاتها المباشرة، هي أيضاً دلالة على مستخدميها، وهي قد تكون نظاماً متماسكاً متيناً أو بنية متردية متخلفة، وقد تكون ثورة من منطلق القطع مع ما سبق. ليس المطلوب من الثائرين على بشار التعفف التقليدي “المزعوم عادة” عن البذاءة “بمفهومها التقليدي”، المأمول هو تعفف عن الرداءة.

من المفهوم أن ينجح بشار، بشتائمه التي استهلكت تقريباً نصف كلمته الأخيرة وحيزاً معتبراً من خطاباته السابقة، في استفزاز المعارضين والثائرين عليه للرد. من المفهوم أيضاً أن يضعهم أمام معضلة، فمن أباد وتسبب بمقتل ما لا يقل عن نصف مليون سوري، إلى آخر قائمة الجرائم المعروفة، يستعصي على الشتيمة بمعناها التقليدي، من دون أن ننسب إليه عدم الاكتراث بتلقي الشتائم كحال السياسيين عموماً. العبرة هي في المقدرة على الامتناع عن الأدوات الأسدية، وفي استذكار نقدي للّغة التي كانت مفروضة على الجميع، في المدارس والجامعات والتلفزيونات والمسلسلات..، أي الخلاصة اللغوية التي تُوِّجت بـ”خطاب النصر”، والتخلص من تلك السماجة والسطحية دفعة واحدة.

المدن

—————————–

أخطاءٌ شائعةٌ في خطابِ الأسد الأخير/ كارمن كريم

سيدي الرئيس أعلم أنك تحبُّ شعبك وتفكر به، لذلك تنادي أكثر من نصفه بالثيران والمرتزقة، وهذا كرم من حضرتك، أن ترانا هكذا نحن الملايين الذين امتلكوا حلماً ببلد أفضل وحياة خالية من الذلّ والديكتاتورية.

سيدي الرئيس أعلم أنك تحبُّ شعبك وتفكر به لذلك تنادي أكثر من نصفه بالثيران والمرتزقة، وهذا كرم من حضرتك، أن ترانا هكذا نحن الملايين الذين امتلكوا حلماً ببلد أفضل وحياة خالية من الذلّ والديكتاتورية. سيدي الرئيس، خطابكَ الأخير بعد فوزك “المستحق” أثّر بي ولذلك وجدت من الواجب الردَّ عليه، أعلم أن هذا الرد لن يرقى لخطابكم، الذي كان مثالاً يحتذى به في تفاني قائد لشعبه المهجّر والمعتقل والمغيّب.

في البداية أرجو أن تعذر خطابي المتواضع فلن يكون بمستوى لغتك، فأنا واحدة من الثوار الذين لا ينعتون أبناء شعبهم بالثيران، فقط لأنهم لم يصفقوا لحضرتك ولن يقبلوا بالذل، فلتعذر لغتنا المتواضعة والخالية من الدم. 9 دقائق احتوت على الكثير من الرسائل والشماتة والموت ورفض الآخر ولا أقصد بالآخر تنظيم الدولة “داعش” أو ما يسمى بالإرهاب بل أقصد فيه “نحن”، أنا وأصدقائي ومعنا الثائرون من الطلاب والعمال البسطاء والمفكرون والأطباء والموظفون والكتّاب والصحافيون والفلاحون وسائقو الباصات والمهندسون، إننا كُثرٌ لكنكَ تحاول تجاهلنا على الدوام، نحن نعلم مدى الخوف الذي تستشعره بوجودنا، ولذلك قصدتنا نحن تحديداً وبدوتَ شديد الخبث وأنت تعلن نصرك لسبع سنوات مقبلة.

بدأتَ خطابك بمناداتنا أخوتك، أكنت تقصد الجائعين تحديداً؟ الذين لا يستطيعون إطعام أطفالهم أو شراء فاكهة لهم في حال طلبوا؟ لا أعلم من هم أخوتك تحديداً، أتقصدُ أفراد عائلتي الذين أُخذَتْ بطاقاتهم الشخصية قسراً وتم التصويت لك من خلالها، من دون سؤالهم من تريدون رئيساً؟ هذا الفوز المهيب الذي شاهدناه بأم أعيننا، منحك إياه مؤيدون وعناصر تابعون لك يبصمون على عشرات الأوراق بإصبع واحدة، تأييداً لك، ليس من الغريب أن تكون نسبة أصواتهم أكثر من 95 في المئة تخيل لو ضربنا كلّ شخص حولك بعشرة أو عشرين؟ سيغدو لدينا ثلاثة شعوب إضافية من السوريين!

سيدي الرئيس هناك عبارات كثيرة أوردتها ويجب التوقف عندها ملياً، غير مفردة “ثيران”. قلتَ: “أعدتم للثورة ألقها، وأنقذتم سمعتها”، أكنت تقصد الأعراس الوطنية وحلقات “الدبكة” في الخيم؟ ولكي أوضح لك الفرق في حال كنت تجهل تعريف الثورة، فهي محاولة الجماهير تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية، هي الانتفاض بوجه شروطٍ غير إنسانية تطلعاً للأفضل، هي رفضٌ للديكتاتور الذي تمثله أنت تحديداً، لا تعني الثورة أن نرقص وندبك للديكتاتور، هذه فروق جوهرية، لا بدّ أن تنتبه إليها أكثر في خطابات مقبلة.

تحدثت عن “ثورة لسان وقلم وعمل وسلاح”، هل تعلم أن لا ثورة لسان وقلم في سوريا وفي حال أردتُ مخاطبتك باسمي الحقيقي أو انتقاد أي جهة فسيتم اعتقالي وتعذيبي وربما أموت، فقط لو أردت استخدام لساني ومناقشتك في خطابك الأخير، فهل يمكن تحديد القلم الذي قصدته؟ أهو قلم حرية الرأي أم القلم الذي توقّع فيه على بيع أرضنا وخيراتنا وموتنا؟

تحدثت بثقة عن ثورتك المزعومة التي عنوانها “الشرف ضد كل ساقط ارتضى لنفسه أن يكون مطية يمتطيها الآخرون”، بعيداً من السياسة، ألم تجد من مصطلح “مطية” و”يمتطيها” مفردتين لا تليقان برئيس للبلاد، ولا حتى لخطاب سياسي عنوانه الفوز الرئاسي المستحق؟ ألم تشعر بالخجل وأنت تردد هذه الكلمات؟ ألم يكن الأجدر بك استبدالها بدعوات لحوار مع الآخر المختلف؟ أدرك أنه من السذاجة تنبيهك إلى زلات كهذه، في النهاية هي عبارات مختارة بدقة، تدركُ تماماً أنك قاتلٌ يستلذ بانتصارٍ سحبه من حناجرنا ومن أسرّة أطفالنا وبيوتنا المهدمة، نحن الذين يجرؤون على التفكير، نستطيع فهم رسائلك بوضوح شديد، لتختم عبارة المطايا بقولك “يمتطيها الآخرون ليصلوا إلى حيث يشاؤون”، كان عليك تحديد الآخرين أكثر، روسيا مثلاً التي بات لها في أرضنا أكثر مما لنا فيها، إيران وهي تزحف ملتهمة الشام القديمة، يجب أن تكون أكثر تحديداً في مرات أخرى.

إضافة إلى وجود بدهيات سقطت من خطابك كعبارة “اختيار الشعب لي لأقوم بخدمته”، هل تصدق حقاً أن السوريين اختاروك، وعلى رغم أنني أحترم خيار البعض بتأييدك، لكنني أشعر بالشفقة عليهم في الوقت ذاته، في بعض الأحيان يتسلل الديكتاتور إلى كل مفاصل الحياة حتى نعجز عن رؤيته، فلا صورة غيره، الخوف يفعل الكثير والتدجين يطلق عشرات الأعراس الوطنية، ثم ماذا تعني بخدمته؟ هناك شتان بين تحسين الأوضاع السياسية والمعيشية لشعب وبين رميه بالبراميل وقتله، الخدمة تعني تحسين الحياة وليس إنهاءها، هذا خطأ آخر كان عليك صياغته بطريقة أفضل.

تختم عبارة المطايا بقولك “يمتطيها الآخرون ليصلوا إلى حيث يشاؤون”، كان عليك تحديد الآخرين أكثر، روسيا مثلاً التي بات لها في أرضنا أكثر مما لنا فيها، إيران وهي تزحف ملتهمة الشام القديمة، يجب أن تكون أكثر تحديداً في مرات أخرى.

وبالانتقال إلى الجزء الشعري من الخطاب الذي ألصقته وسط الخطاب، ربما أردت الظهور كشاعر، فالشعراء قريبون من الناس، يحبونهم بالفطرة، لكن قصيدتك كانت ركيكة للغاية، كُتِبَتْ بقواف من هنا وهناك وبعد تأكيدك إعادتنا نحن الشعب الجائع إلى تعريف الوطنية وهذا يعني من وجهة نظرك إعادة تعريف الخيانة، لكن للأسف لم يكن واضحاً الرابط بين إعادة تعريف الوطنية الذي يعيد تعريف الخيانة، اجعل جملك أكثر بساطة لاحقاً، فكان يكفي قولك: “سأبقى رئيساً لسوريا على رغم قمعي الثورة وتهجيري وقتلي الآلاف”. أمّا جملك الشعرية التي أسمح لنفسي بتكرارها:

“وبينهما ما سمي ثورة ثوار وما شهدناه من ثوران ثيران

هو فرق ما بين ثائر يتشرب الشرف… وثور يعلف بالعلف

بين ثائر نهجه عز وفخار… وثور يهوى الذلّ والعار

وما بين ثائر يركع لخالقه… وثور يخرّ ساجداً أمام الدولار”.

سيسعد الكثير من البسطاء بهذه الكلمات ويجدونك شاعراً فذاً، تؤثر القافية في العقول وتجعلها ترقص، فكيف لو قالها رئيسٌ انتُخِب انتخاباً شعبياً “مستحقاً”، لكن أودّ إخبارك أن هذا النوع من الشعر بات قديماً ولا يعوّل عليه، بخاصة أنه غير موزون ويعتمد على القافية الطنانة وحسب، أقول هذا من باب النصح من أجل خطاباتك اللاحقة، حين تفوز المرة تلو الأخرى، إضافة إلى أنك استخدمت مرة أخرى كلمات لا تليق بمخاطبة شعب ولا تليق بك كرئيس، “يُعلف بالعلف”، كيف خطر في بالك هكذا مصطلح؟ أم أنك أردت قافية على كلمة “شرف” وحسب!

في النهاية وجهتَ الكثير من التحايا، منها لمن لم يستطع التصويت بسبب البلطجة ومنها إلى السوريين في المغترب الذين صوتوا، على رغم المسافات، وهم السوريون أنفسهم الذين فرّوا بسبب الاقتتال والظروف المعيشية السيئة، آلاف الشباب الذين فروا من الخدمة العسكرية، هل شعرت بالسعادة بعدما رأيت أثر قمعك العابر للحدود؟ نعم قد لا يجبر أحد الآخر على انتخابك، لكن الخوف منك وسنوات من التعذيب والحكايات المرعبة تكفي لإجبار كثيرين على التصويت.

أخيراً انتبه لعينيك أكثر، لقد كانتا حائرتين وضعيفتين، على رغم محاولتك تفخيم بعض الجمل والكلمات من باب إرهاب “أعداء الوطن” والذين هم نحن في أي حال، انتبه لعينيك، كانتا تقولان بوضوحٍ أنك قاتل وهذا ما ستعجز على الدوام عن إخفائ

درج

———————————

انتخابات الأسد في الميزان الدولي ومستقبل سوريا/ منير الربيع

إعلان نتائج الانتخابات السورية عن فوز بشار الأسد، هو الإعلان الصريح عن استمرار الأزمة وتأبيدها، بل الارتكاز إلى معادلة طرحها النظام عن نفسه بعبارة “الأسد للأبد”. فمعه أزمة سوريا ستكون أبدية، ولا معادلة أخرى لانتخابه غير معادلة غرق سوريا في الدوامة ذاتها وإطالة زمن المتاهة.

الأعمق من المشهد المباشر والهشّ لإعلان النتائج أو برقيات التهنئة التي تلقاها الأسد وتشير إلى أنه الوحيد القادر على إنهاء الأزمة السورية، وما تنطوي عليه تلك النظرة من تفاهة سياسية أو عمى ناتج عن حقد وضعف هو إلقاء نظرة على المواقف الدولية. وهنا لا بد من الإشارة إلى وجود تواطؤ دولي وإقليمي واضح، كل المواقف الاعتراضية سواء كانت أميركية أو أوروبية لم تعبّر عن نفسها بشكل عملي وحقيقي، إنما مواقف لرفع العتب. بمقارنة بسيطة بين المواقف الدولية الشاجبة والرافضة في انتخابات العام 2014 والمواقف الهزيلة اليوم يظهر الفرق.

بكل الأحوال وبدون الغوص في تفاصيل مملة، فإن ما جرى لا يعني أن المأساة السورية ستجد طريقها إلى الحلّ، لكنها في المقابل تؤكد ان الأسد لا يمكن أن يكون عراب هذا الحلّ، إنما كل هذه المواقف تشير إلى استمرار الأزمة والانهيارات، وغياب أي محاولة حلّ أو مسار تسوية حقيقي. لما تعتبره القوى الدولية يمثل مصلحة استراتيجية لها في هذه المرحلة، هذا الواقع أيضاً يناسب النظام السوري الذي يستثمر بكل هذا الخراب. مصلحة النظام باستمرار مسار الاستنزاف، لأنه لا يمكن الذهاب إلى حلّ وبقائه بصيغته الحالية، فأي حلّ برعاية دولية سيؤدي إلى متغيرات تضعف النظام وتدخل عناصر جديدة من المعارضة إلى الحكم.

من ظواهر التواطؤ الدولي أيضاً، هو استمرار التمدد الإيراني في سوريا، على إيقاع وجود مفاوضات أميركية روسية إسرائيلية لبحث الأزمة السورية والنفوذ الإيراني في مناطق سورية استراتيجية. بداية  لا يمكن لتمدد النفوذ الإيراني أن يتحقق في سوريا، ويتوسع باتجاه مناطق شرق الفرات، بنتيجة جهد إيراني ذاتي، بل بتواطؤ دولي وإقليمي، هذا الوجود الإيراني يلبي مصلحة دولية وإقليمية، تحت اعتبار أنه لا يمكن لطهران التحكم بسوريا، إنما هي القوة الوحيدة القادرة على منع إعادة تشكل سوريا من جديد، وإعادة بناء الدولة فيها. تحت هذا العنوان يكمن تقاطع المصالح بين طهران وبعض القوى الدولية، وكأنها حصيلة لتقاطع هذه المصالح في ظل غياب أي اتفاق، واستمرار التعقيد الذي يعتري الملف السوري.

على الرغم من السيطرة الروسية بشكل شبه كامل، لم يحصل هناك أي إقرار دولي بأن المرجعية الوحيدة في سوريا هي روسيا، في المقابل يغيب أي تصور أميركي لحلّ الأزمة، وكلما تقدم الروس بمبادرة باتجاه واشنطن لبحث الملف السوري، يرفض الأميركيون البحث فيه ما يثير استفزاز الروس واستغرابهم. ولذلك نتيجة واضحة لأن الوضع السوري لا يقلق أي جهة دولية بالمعنى الدولي والإقليمي، فمثلاً في ظل ما جرى مؤخراً في غزة والمعركة التي خيضت، لم يكن هناك أي موقف سوري ولا أي تأثير، بينما تحولت الأنظار إلى حزب الله ولبنان إلى ساحة متفاعلة مع تطورات المعركة. هذا أكبر المؤشرات على سحب سوريا من ميدان التأثير والتفاعل، بما يلبي مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا. إيران ليست بعيدة عن هذه المعطيات، خصوصاً أنها تقدم نموذجاً تهدوياً، تشير من خلاله إلى أن سوريا لن تكون قاعدة لشن المعارك ولا متلائمة مع صيغة فتح الجبهات، وإعلان غير مباشر لالتزامها مقتضيات التفاهمات الروسية-الإسرائيلية بشأن سوريا.

ستكون نتيجة الانتخابات السورية ورقة في يد فلاديمير بوتين باجتماع القمة الذي سيعقده مع الرئيس الأميركي جو بايدن في السادس عشر من الشهر الحالي. هو اللقاء الذي تفتح فيه كل الملفات كما كان الحال بالنسبة إلى لقاء ترامب وبوتين في هلسنكي سابقاً، ونتجت عنه تطورات كثيرة ترتبط بالملف السوري. بنتيجة هذا اللقاء وما سينتج عنه، لا بد من مراقبة مسار العلاقات العربية مع النظام، إذ تؤكد المعلومات أنه بعد زيارة الوفد السعودي إلى دمشق دخلت واشنطن مجدداً على الخط وعملت على تجميد الاندفاعة بانتظار بلورة اتفاق أميركي روسي. تماهياً مع كل هذه التطورات، تبقى المسؤولية ملقاة على عاتق السوريين المعارضين، والذين يغيبون بشكل كامل فيما يعمل بشار الأسد على الإعداد لثورة مضادة.

فقوى المعارضة السورية على اختلاف توجهاتها وتضاربها، لم تقم بأي حركة سياسية جدية، لإعلان موقف معين ولو من الناحية النظرية أو الشكلية، ولم تنجح في تقديم أي تصور لمجموعة بديلة عن النظام أو بالحدّ الأدنى قادرة على الدخول في حوار متكافئ معه يجعلها حاضرة في أي مباحثات حول التسوية، بعض هذه القوى أصبح في حالة احتراق أو بعيداً عن التأثير بسبب الارتباط بحسابات وتوجهات بعيدة كل البعد عن الواقع السوري. ولا بد من إعادة إنتاج منظومة سياسية معارضة تضم معارضين من مختلف الاتجاهات عبر تشكيل لجان تنسيق وتواصل فيما بينهم ولو كانوا في دول متعارضة الأهداف والتوجهات، لأنها فرصتهم الوحيدة للعودة إلى المشهد ولإثبات حقهم ووجودهم السياسي.

تلفزيون سوريا

————————————-

رسائل انتخابات الأسد/ فراس علاوي

خيب بشار الأسد أمل داعميه فلم يكن خطاب الفوز أو النصر كما أُريد له أن يكون، إذ لم يكن الخطاب سياسياً ولا شعبياً ولا حتى شعبوياً براغماتياً، ولم يحقق ما أرادت له روسيا وإيران من خلال دعمها للنظام.

فالروس أرادوا من خلال دعم انتخابات نظام الأسد، استخدام النظام وتعويمه دولياً كورقة سياسية بيدهم في صراعهم مع الغرب الأوروبي والولايات المتحدة، إذ أن بقاء بشار الأسد في السلطة يعني أن الروس يتحكمون بمعظم مفاصل القرار السياسي السوري، وبالتالي يريد الروس من ضغطهم على المجتمع الدولي من أجل تعويم نظام الأسد وفرضه كأمر واقع، ضمان التمدد الروسي والبقاء طويل الأمد في سوريا.

الإيرانيون وعلى عكس الروس يستخدمون بشار الأسد كورقة مفاوضات مع الأميركان، وبالوقت ذاته يتمسكون بشخص بشار الأسد كأحد أركان استراتيجية إيران بالتوسع في المحيط الإقليمي والعربي بشكل خاص.

ومن خلال الدعم الروسي الإيراني والاعتراض الخجول من الولايات المتحدة والأوربيين وصمت المنظمات الدولية، مضى نظام الأسد بانتخاباته التي تخالف القرار 2254 الذي يعتبره المجتمع الدولي أساس الحل السياسي في سوريا، بل وحاول تصديره للعالم على أنه عملية ديموقراطية تامة الأركان من خلال عدة رسائل للخارج والداخل.

لم تكن كما يبدو للوهلة الأولى رسائل بشار الأسد موجهة للحكومات الغربية، إذ أنه ترك هذه المهمة فيما يبدو للروس والصينيين حيث تعمل الدولتان على تعويم النظام دولياً، وقد حققتا بعض النجاح من خلال قبوله في بعض مجالس الأمم المتحدة والتي كان آخرها منظمة الصحة العالمية، فيما يسعى الإيرانيون لاستخدام ورقة تعويمه كأحد شروطهم في الوصول لصيغة جديدة ومعدلة من الاتفاق النووي مع الأميركان.

خارجياً وجه بشار الأسد رسالته لمعارضيه بشكل مباشر حين هاجمهم بلغة بعيدة كل البعد عن الدبلوماسية، فكانت لهجته أقرب لزعيم ميليشيا يتحدث لمقاتليه متوعداً أعداءه وموجهاً لهم سيلاً من الشتائم والكلمات النابية وهذا ما جعل خطابه مخيباً بالنسبة للروس، فلم يكن على مستوى النصر الذي كانوا يمنون النفس به.

داخلياً كان تركيز النظام واضحاً على تجاوز مرحلة الحديث عن الخسائر التي تعرض لها خلال سنوات الثورة العشر وكذلك الابتعاد عن الحديث عن إعادة الإعمار، ومحاولة إظهار الولاء الكبير لشخص بشار الأسد لذلك كان هناك مبالغة بإظهار التأييد والاحتفاء وكأنه كان يريد أن يثبت لنفسه قبل الآخرين بأنه لازال يملك تأييد حاضنته برغم طوابير الجوع المنتشرة والنقص الحاد في أبرز المتطلبات الحياتية، بالمقابل كانت صور الاحتفالات والمبالغة في إظهارها من قبل الموجودين في مناطق سيطرة النظام نوعاً من التمرد على الواقع المعاش لا الواقع المفروض، وكأن المحتفلين كانوا يقولون للسوريين الآخرين نحن أيضاَ مازلنا على قيد الحياة ونستطيع الاحتفال وإن كان احتفالاً بحياة جلادنا.

يريد بشار الأسد بصورة خاصة إظهار سطوته وبالوقت ذاته قبوله لدى السوريين، لذلك كانت رسالته التي نفذتها أجهزته الأمنية بكل دقة بقبول عدد كبير من المترشحين حتى وصل الأمر لشكل يشبه الفنتازيا، أراد النظام من خلالها القول إنه موجود وأراد بشار الأسد أن يقول إنه سينتصر مهما كان عدد منافسيه، فلا يهم النظام بالوقت الحالي تحسين صورته لدى الغرب فهو يدرك بأن ما يقوم به مكشوف للجميع وأنه لا يمر على الناس البسطاء فكيف على حكومات ودول.

يدرك بشار الأسد أنه بات معزولاً داخل محيطه وأن محاولة تعويمه ترتبط بتفاهمات دولية معقدة لذلك آثر أن يكون خطابه موجهاً للسوريين معارضين ومؤيدين، وهذا سبب استخدامه لغة بعيدة عن الدبلوماسية فلم يكن براغماتياً في التعامل ويستغل لحظة فوزه المزعوم ليتحصل على نقاط إضافية ضد معارضيه، بل استخدم الهجوم اللفظي في محاولة منه للحط من قيمتهم، وهو يذكرنا بالشخص الذي لم يستطع أن يصرع خصمه فعلا صوته بالسباب كي يظهر تفوقه.

تلفزيون سوريا

—————————————-

تعدين وتدوير بشار الأسد/ علي سفر

وأخيراً، ستعقد القمة المرتقبة بين زعيمي أقوى دولتين في العالم يوم 16 من هذا الشهر في جنيف، وستُحل عقدة انتظار بوتين، الذي يواجه ربما للمرة الأولى، رئيساً أميركياً لا تُعرف نواياه، أو على الأقل لا يشبه ترامب الذي كان يعلن أفكاره على مدار الساعة عبر تصريح هنا وتغريدة هناك.

لقد مرت عليه شهور خمس ثقيلة جداً، فمنذ تاريخ تولى بايدن منصبه في 20 من يناير/كانون الثاني، لم يبدِ الأخير اهتماماً أو رغبة بلقائه. لا بل زاد في طنبور هواجسه نغماً، حينما اتهمه في منتصف آذار الماضي بأنه قاتل، وحذره بأنه سيدفع ثمن أفعاله.

لكن رجل موسكو بجلده السميك، لم يتوقف عند الإهانة كثيراً، وسوى استدعاء السفير الروسي في الولايات المتحدة “للتشاور”، لم يحدث أمر خطير مستجد في سياق العلاقات الفاترة أصلاً بين الطرفين، والتي تمضي منذ زمن طويل وفق نوابض العقوبات الأميركية، ولا شيء آخر.

صبر سيد الكرملين على بلادة بايدن، أو لنقل تحمله للبرودة الأميركية غير المسبوقة، هو جزء من سياق لعبة عض الأصابع التقليدية بين البلدين.

لكن تورط روسيا في الأعمال القذرة حول العالم، يوماً بعد يوم، يجعل ملفات التعاون في أزمة كورونا، وقضايا أممية كأزمة المناخ، مدخلاً مبسطاً للدخول في الملفات الأعمق العالقة بينهما، كقضايا معاهدات الحد من التسلح النووي، والاتفاق على منع التسلح في القطب الشمالي، وصولاً إلى القضايا الأكثر إشكالية التي  تزيد من عقوبات الغرب عليها، كملف روسيا البيضاء الأخير ولاسيما قصة اختطاف المعارضين، ومسألة المعارض ألكسي نفالني، وشؤون كوريا الشمالية وطريقة التعاطي مع ملفها النووي، والاتفاق النووي مع إيران، ومشكلة شرق أوكرانيا، وأخيراً، الملف المزمن: سوريا.

لقد خاطب الحكومات الغربية بالإيحاء ومنذ سنوات: تعالوا نناقش كل شيء، وفي النهاية، وبعد الاتفاق، نتباحث بشأن سوريا، ومصير بشار الأسد. بينما يرد هؤلاء: لنعكس السياق، من أجل اختبار الجدية، ليكن التخلص من الأسد بادرة حسن نية، ولننطلق بعدها.

لكن بوتين يظن أنه يمتلك مساحة واسعة للمناورة، في هذه المسألة وحدها، فهو يستطيع أن يأتي بالدب الروسي ليعيش في هذه المساحة، أو ليقضي فيها سباتاً مديداً، متمدداً براحته، طالما أن لا شيء سيزعجه.

فالأثمان التي يحتاجها لإنفاذ سياسته في سوريا، ولاسيما حماية نظام بشار الأسد من السقوط، ما تزال بسيطة، ويمكن تحملها على المستوى المحلي.

إذ لا وجود لقتلى في صفوف القوات التي تم نشرها في أماكن شبه آمنة في سوريا، وإذا حصل ذلك وسقط منها البعض، فإن أعداد القتلى في المناورات التدريبية الشهرية تتجاوز أعداد كل الذين أودى بهم التدخل العسكري المستمر منذ أيلول 2015؛ (112 قتيلاً بحسب النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، أندريه كراسوف، في منتصف آذار الفائت)

كما أن الكلفة المادية العالية، تبدو غير ذات تأثير على المستوى العام، فسوريا بالنسبة لإطار العمليات العسكرية للجيش الروسي، أقرب إلى موسكو من شبه جزيرة كاماشاتكا أو سخالين.

ورغم أن ثمة أحاديث كثيرة جرى تداولها هنا وهناك، عن أن التكاليف المفترضة لعملية التدخل تعهد بدفعها محمد بن زايد، ولم يتم تأكيدها بشكل عملي، إلا أن المكاسب التي تحدث عنها، وأعاد التذكير بها قبل أيام، في رسالة التهنئة، التي أرسلها إلى بشار الأسد بمناسبة “فوزه” بالانتخابات، تركزت على تجارب الأسلحة ضد الأهداف الحية.

وهذه فرصة نادرة لا تقدر بثمن، سيتمسك بها أي مسؤول عسكري، فكيف إذا كان ديكتاتوراً أرعنَ بعقلية مافيوية كبوتين، إذ لا يمكن العثور في كل الأزمنة على حاكم كبشار الأسد يمنح جيشاً غريباً فرصة التدرب وتجربة أسلحته بأجساد أفراد شعبه، وبأملاكهم وأراضيهم.

لقد نظر إلى بشار منذ البداية على أنه قطعة عملة إلكترونية من نوع بتكوين رخيصة، يمكن تملكها وتركها إلى وقت الحاجة، وجعلها بذاتها تقرر ثمنها. رغم معرفته أن صناعة (تعدين) مثل هذه العملة، تحتاج إلى جهود هائلة وطاقة جبارة لتشغيل الحواسيب العملاقة التي تنجز شيفراتها السرية.

لكن (العالم الديموقراطي) أي أوروبا والولايات المتحدة، بكل الرؤساء والحكومات الذين تعاقبوا خلال العقد المنصرم، لم يكونوا مهجوسين بسوريا، وكذلك لم يهتموا لا بخسائر الروس ولا بأرباحهم.

واتخذ هؤلاء إجراءات جعلت من قيمة الأسد كعملة إلكترونية صفراً، عبر سلسلة طويلة من العقوبات والإجراءات الكابحة.

وفي المحصلة، بات على بوتين أن يعيد تدوير بشار الأسد، فيقنع الآخرين بأنه شرعي، وأن ثمة من يؤيده، وأن التغليف الجيد يمكن أن يغطي هنات وأخطاء التصنيع! فمن ذهبوا إلى الصناديق حتى وإن كانوا جموعاً من المنكوبين الهائمين هم سوريون، صحيح أنهم بلا حول ولا قوة ولكن يمكن لهم أن يتحملوا مثل هذا الحال السيء سبع سنوات أخرى، طالما أن الصفقة لم تتم، وبالتالي فإن الآخرين الذين لا يمنحون الرئيس الروسي ما يريد هم شركاء في أذية السوريين.

مشكلة هذا النهج هنا ليست أخلاقية، فالأخلاق هي آخر ما يتم النظر فيه في سياق التجارة، والأخذ والعطاء، ولغات ولهجات المصالح الإقليمية والدولية، بل هي في أن مبدأ المراهنة على العملة الرديئة يخرب الاقتصاد، فكيف إذا كانت إلكترونية مستهلكة، وبشيفرات وأكواد مكشوفة ومفضوحة، يظن بوتين أن لديه بضاعة ثمينة، بينما يرى العالم أن كنزه الثمين، ليس سوى كتلة قذارة، ولا أحد يريد أن يتسخ بها؟!

تلفزيون سوريا

—————————————-

موسكو:انتخابات مبكرة في سوريا..خيار محتمل

أعلن نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أن إجراء انتخابات مبكرة في سوريا “خيار محتمل” في حال نجاح الحكومة والمعارضة هناك في تنسيق وإجراء إصلاح دستوري.

وقال بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا، للصحافيين على هامش أعمال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي الخميس: “إذا توصلت الأطراف السورية إلى اتفاق وتم تثبيت نتائج عملها، فمن الممكن إجراء انتخابات وفقاً للدستور الجديد أو الإصلاح الدستوري، وقد يحدث ذلك بشكل مبكر وليس بعد سبع سنوات، حسب مقتضيات الدستور الحالي، لكن هذا الأمر يتطلب توافقاً بين السوريين”.

وأكد الدبلوماسي الروسي أن هناك خططاً لعقد اجتماع جديد بصيغة “أستانا” في عاصمة كازاخستان مدينة نور سلطان حتى نهاية حزيران/يونيو، لافتاً إلى أن موسكو ستجري الأسبوع القادم اتصالات مع تركيا وإيران بهذا الصدد.

كما أعرب بوغدانوف عن أمل موسكو في أن يتمكن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن من تنظيم اجتماع جديد للجنة الدستورية السورية في المستقبل القريب، مذكراً بأن فكرة عقد هذا الاجتماع قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في سوريا مؤخرا طُرحت أصلاً.

وفاز رئيس النظام السوري بشار الأسد بولاية جديدة من سبع سنوات في انتخابات وُصفت ب”المسرحية الهزلية” بسبب غياب التنافس وتغييب قسم كبير من الشعب السوري.

وحصل الأسد بحسب النتائج التي أعلنها مجلس الشعب التابع للنظام، على 13.5 مليون صوت، وهو رقم يفوق بكثير عدد الذي يحق لهم الاقتراع في المناطق التي يسيطر عليها الأسد.

—————————-

أربعة أصدقاء يودّعون خامسهم على وقع الاحتفال بعهد جديد للسفاح/ صهيب الأحمد

“اليوم توزيع الخبز ببلاش بس للمنتخبين، انتخبت؟”، أجبته بالنفي وهممت بالخروج، فسألني أحد العساكر إذا كنت سأنتخب أم لا، قلت له مبتسماً، “مو شايفني بالشورت والشحاطة، معقول فوت انتخب هيك؟”، تسارعت خطواتي إلى الخارج وابتسامة ساخرة على وجهي من شدة الشتائم في دماغي.

مضت أيام لم أخرج فيها من المنزل إلا مرات معدودة، أنتظر انتهاء الانتخابات الرئاسية، تسيطر علي حالة من الضحك. لم أكن أعلم أن أحد مراكز الاقتراع يقع في مواجهة منزلي، إلا حين تلقيت اتصالاً من صديقتي تخبرني أنهم عادوا إلى توزيع الخبز من دون البطاقة الذكية في المكان المعتاد. خرجت لإحضار الخبز الذي لم يجد طريقه إلى بيتي منذ 4 أيام، وصلت إلى المكان المعتاد في الشارع فلم أجد سيارة الخبز، الناس يمشون بجانبي وبأيديهم خبزهم. تبعت مصدر الخبز كفأر يجري إلى المصيدة، رفعت رأسي لأجد اثنين من العساكر، لم أعهد وجودهما على باب المبنى حيث سيارة الخبز. اعتدت التصرف بحنكة وسرعة في هذه المواقف، صافحتهما ودخلت فوراً إلى الموزع وطلبت خبزاً، “اليوم توزيع الخبز ببلاش بس للمنتخبين، انتخبت؟”، أجبته بالنفي وهممت بالخروج، فسألني أحد العساكر إذا كنت سأنتخب أم لا، قلت له مبتسماً “مو شايفني بالشورت والشحاطة، معقول فوت انتخب هيك؟”، تسارعت خطواتي إلى الخارج وابتسامة ساخرة على وجهي من شدة الشتائم في دماغي.

هكذا طُحِنَ دماغي مع بقية أصدقائي، بالسخرية والضحك واجتياز المواقف بالحذف، لا قدرة على الحزن ولا الغضب ولا المحاسبة ولا حتى على اتخاذ المواقف المبدئية التي دفعنا، ودفع معظم من حولنا، ثمنها بمقابل مخيب للآمال، فلو احتد الموقف أكثر، لدخلت وانتخبت ببساطة وأخبرت أصدقائي بالموقف وضحكنا جميعاً من شدة غُبننا ثم حذفنا الذكرى.

في الساعة الثامنة مساءً ذهبت إلى صديقي الذي اعتدت وأصدقائي على اللقاء في بيته من دون موعد، يتبعني بعد نصف ساعة صديق آخر برفقة شخص جديد، نجلس ونتحدث قليلاً ثم يذكر الشخص الجديد أنه أُجبِر على وضع 3 لافتات للرئيس في البلدة، ويتابع بشتيمة لبشار الأسد، ثم يبرر من دون أن يطلب منه أحد ذلك، “أخي نحنا منشتغل بالعقارات، بخربوا علينا كل شغلنا، ومو أول مرة بتصير، بيبعتولك (طرطور الفرع) بيعمل جولة عكل المحلات، بحسسك انو عم يشحد منك (مساهمتك) شحادة، ابن الحرام بيعرف أنو إذا خجلته ورجع معه اسمك عالورقة السودا بضيعلك مستقبلك، عطيته 250 ألف بعد ما بازرته شوي وصرفته”.

الشاب الجديد يبحث عن أحد ليتحدث ساخراً عن الغضب الذي في داخله، إن كنت سألومه فالأفضل أن ألوم نفسي أيضاً، علي أن أنصرف الآن، فقد اقترب موعد الاجتماع الذي نعقده أنا وبعض الأصدقاء أسبوعياً على تطبيق “الزوم” لمناقشة الأحداث السياسية والبحث عما يمكن فعله. أعتذر من الأصدقاء مستفسراً عن الوقت، يخرج الشاب الجديد جواله ويطلعني بالوقت، أقول في رأسي “جبروك تحط لافتات لحضرته، مين جبرك تحطه خلفية لجوالك”، أشتمه ثم أشعر بالغضب “أنا لا أبرئ نفسي بشتمه، أنا لم أنتخب ولكنني أعلم يقيناً أنني لو حوصرت لانتخبت”.

يبدأ اجتماع “الزوم”، أذناي في الاجتماع وعيناي على مركز الاقتراع، تحدثوا عن القضية الفلسطينية، تحدثوا عن الهيئة العليا للمفاوضات، تحدثوا عن الإدارة الذاتية والإرادة الشعبية، وعن التشكيلات المعارضة التي نبذتهم نتيجة الخلاف على اندفاعهم كشباب للاستيلاء على المراكز القيادية وتمسك القيادات القديمة بمواقعها، وتطفيش الفئة الشبابية واحداً تلو الآخر. كل ذلك وعلى مرأى عيني مبنى مركز الاقتراع الذي ما زال “على العضم” سامحاً لي برؤية كل ما يحصل داخله، لم أستطع منع نفسي من مقاطعة حديثهم بفتح الكاميرا وتوجيهها إلى مركز الاقتراع ومشاركتهم مشهد إفراغ صناديق الاقتراع في أكياس نايلون ونقلها إلى سيارة “سوزوكي” على باب المبنى في الساعة الواحدة والنصف ليلاً، ضحكوا وسخروا بشدة، “إنهم غاضبون مثلي تماماً”.

اليوم الثاني بعد للانتخابات صباحاً، ألبس ثيابي وأتوجه إلى عملي، سائق النقل الداخلي العام يفحص أصابع الركاب “النقل اليوم ببلاش لصاحب الإصبع الأزرق”، أشتمه في رأسي وأدفع له 200 ليرة “خلي الباقي الك” أقول له.

الحافلة تعجّ بصور بشار الأسد، الشوارع كذلك، السيارات أيضاً، الحواجز، الحدائق، المطاعم، “الكازيات”، أنظر يميناً أراه ضاحكاً، أنظر يساراً أراه عابساً، أنظر أمامي أراه متفلسفاً، أنظر خلفي أراه عسكرياً. أصل إلى المكان الذي أعمل فيه أجده قد حوصر بالصور واللافتات، أشعر بالإرهاق والتعب، أشتم “طرطور الفرع” على جهوده، أتهرب من الدوام بأخذ إجازة وأعود إلى البيت، رأسي بجوالي كل الطريق ألعب الشطرنج أملاً بتحييد المشاعر من دون جدوى، أصل إلى المنزل في العاشرة صباحاً، إلى النوم فوراً.

السادسة مساءً أستيقظ للمرة العاشرة، الجوال يرن، صديقتي تتصل وتسألني إذا ما كنت أريد المجيء إلى منزلها، فهناك سهرة لتوديع أحد الأصدقاء المسافرين إلى ألمانيا، أعرف تماماً أنني لا أريد الذهاب، ولكنها تشير إلي بأن اليوم هو موعد إعلان نتائج الانتخابات، وأن إطلاق الرصاص طاول منزلي أكثر من مرة في مناسبات مشابهة.

أنهض من فراشي، أستحم وألبس ثيابي، ثم أتوجّه إلى منزل صديقتي، أربعة أصدقاء يودعون خامسهم بعد العشرين الذين سبقوه على وقع إطلاق الرصاص احتفالاً بعهد جديد للسفاح.

درج

—————————-

درعا إذ تعود لترفع صوتها في وجه الأسد/ مها غزال

تحرر الأهالي من السطوة الاقتصادية لنظام الأسد، وباتوا يعتمدون بشكل أكبر على مصادر أخرى للعيش سواء على العمل الخاص ولا سيما في القطاع الزراعي، أو الاعتماد على دعم أقاربهم من المغتربين…

من جديد ومن أمام الجامع العمري، عادت درعا لترفع صوتها بوجه نظام الأسد، وترفع شعارها أن لا مستقبل للسوريين مع القاتل، في تظاهرات استمرت طوال أيام، انتهت بإحراق مركز انتخابي في درعا لتكون رسالتها الأخيرة والواضحة بعدم شرعية الانتخابات، التي  منحت الأسد فرصة رئاسية رابعة.

تعيش درعا وضعاً معقداً للغاية منذ عام 2018، أي منذ اتفاق التسوية بين فصائل الجيش الحر المقاتلة في درعا وبين نظام الأسد بدعم روسيا، وكفلت الأخيرة تخفيف القبضة الأمنية في المحافظة والإفراج عن المعتقلين، مع سحب قسم من السلاح الثقيل الموجود بيد الفصائل وبقاء بعضه بيد ما عرف بـ”فصائل التسوية”، ونصت بنود الاتفاق على تسليم المعابر الحدودية لقوات الأسد، ودخول مؤسسات الدولة إلى المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام سابقاً، وعودة الموظفين إلى أعمالهم، إضافة إلى تسوية أوضاع المسلحين والمطلوبين من أبناء المحافظة، وإعطاء مهلة ستة أشهر للمكلفين بالخدمة الإلزامية، كفرصة للالتحاق بها.

تنصل نظام الأسد من الوعود التي قطعها في اتفاق التسوية، واستمر بالاعتقالات، ولم يسمح بعودة الموظفين إلى أعمالهم، وتعامل بشكل فظ مع ملف المعتقلين، وتجاهل التسويات التي تم توقيعها مع أهالي درعا، ولم ترفع القبضة الأمنية عنهم، كل هذا ساهم إلى حد كبير في الحفاظ على البركان الذي بقي يغلي تحت رماد التسوية.

ووفقاً لبنود التسوية، استطاعت درعا، أن تمنع تهجير أعداد كبيرة من سكانها، حيث لم يتم تهجير أكثر من ثلاثة آلاف شخص نحو ادلب، وعلى رغم أهمية هؤلاء الأشخاص إذ كان معظمهم من رموز وقادة الحراك الثوري في المحافظة، إلا أن وجودهم الرمزي حافظ على زخم الحراك الثوري، وساعدت في ذلك طبيعة المجتمع العشائرية وآليات التعويض السريعة التي اتخذها المجتمع لإفراز قادة ورموز جدد.

البيروقراطية والفساد والرغبة بالانتقام من أهالي درعا، كانت بين عوامل دفعت النظام إلى تعطيل عودة الموظفين إلى أعمالهم في المؤسسات الحكومية، لكن الأمر انقلب عليه سلباً عليه، إذ تحرر الأهالي من السطوة الاقتصادية لنظام الأسد، وباتوا يعتمدون بشكل أكبر على مصادر أخرى للعيش سواء على العمل الخاص ولا سيما في القطاع الزراعي، أو الاعتماد على دعم أقاربهم من المغتربين، وشكل هذا الدعم عامل قوة، بخاصة أن أكثر من 30 في المئة من أهالي درعا مغتربون في دول الخليج وبينهم رجال أعمال نافذون يعملون على دعم أهلهم بالمال وبالعلاقات السياسية والديبلوماسية أيضاً.

ولاشك ان الاخيرة، كانت بين عوامل ساهمت بتشكيل الفيلق الخامس من جانب القوات الروسية في سوريا ليكون ذراعًا لها في الجنوب السوري بقيادة أحمد العودة، القائد السابق لاحد فصائل الجيش الحر في درعا، وانقسم اهالي درعا في الموقف من هذا التشكيل، حيث رأى فيه البعض، أنه أضعف قوة المعارضة في درعا، وقدم خدمات للروس على حساب أهالي حوران، ورأى بعض آخر، أن الفيلق الخامس شكل عنصر حماية للمدنيين من توحش وتغول نظام الأسد في المنطقة، كما أن الرواتب التي يتقاضاها جنود الفيلق، والتي تصل إلى نصف مليون دولار، تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، كما أن المهمة المعلنة للفيلق لا تناقض التوجهات العامة لأهالي المنطقة، إذ نص اتفاق الفيلق مع الروس على أنه معني بشكل مباشر بمحاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وجبهة “النصرة”.

 وعلى رغم أن الروس أصروا في الاتفاق، على امتناع الفيلق عن القيام بأي عمليات عسكرية ضد قوات الأسد، فإن قيادة الفيلق أكدت، أنه إذا حدثت أي مواجهة بين نظام الأسد وأهالي درعا، فإنه يقف بجانب الأهالي ضد النظام، وتكرس ذلك واقعياً مرات عدة، الأمر الذي عبر عن خروج جزئي للفيلق من اطار السيطرة الروسية، وكان آخر تعبيرات هذا الخروج، رفض الفيلق حماية المراكز الانتخابية لنظام الأسد، ما جعل الروس يوقفون صرف رواتب جنوده في الفترة الأخيرة، وهو أمر قد تكون له تداعيات خطيرة إذا لم يحله الروس بشكل سريع.

ومما لاشك فيه، أن ما حصل راهناً في علاقة الفيلق مع الروس، يتصل بواقع معارضة نظام الأسد التي اتصفت بها درعا منذ اندلاع الثورة عام 2011، ويحاول أهلها الحفاظ على هذه الروح ما أمكن، فيرفضون سوق أبنائهم للخدمة في جيش الأسد خارج المحافظة، كما أنهم يحافظون على حدود معقولة من حراك مدني، يبرز موقفه المعارض للنظام، وتندرج الموجة الأخيرة من التظاهرات في هذا السياق، وتأكيد المحتوى المدني والسلمي في مناطق سعى النظام بكل ما يملك من قوة إلى إخضاعها.

غير أن المشكلة الرئيسية لما يحدث في درعا من حراك وتحركات، تكمن في أنه مفصول عن بقية المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، ولا يحظى باهتمام جدي من جماعات المعارضة، التي تعاني من ضعف شديد، وتخصص ما تبقى من طاقتها المحدودة للاهتمام بمناطق الشمال الغربي، التي تشهد صراعات بين أطراف تجسد سلطات الأمر الواقع الموزعة عملياً بين “هيئة تحرير الشام” وفصائل مسلحة مقربة من تركيا، وهي موضع الاهتمام الأول بالنسبة إلى القوى المتدخلة والمتابعة للقضية السورية، وكلها حيثيات تحتم على اطراف المعارضة ومناصري القضية السورية الاهتمام أكثر بأوضاع درعا وما يحصل فيها، لتأكيد صورة أقرب إلى الحقيقة المعروفة عن ثورة السوريين، التي لا تتصل بالتطرف والتشدد والجماعات الإرهابية.

——————————–

مقاومتان .. يسارية وإسلامية/ دلال البزري

لم يأتِ الممانعون من فراغ. الجمهورية الإسلامية الإيرانية قبْلتهم ومحورهم، صحيح. لكن أيضاً، لم يكن لها أن تُحتَضن لولا “البيئات المناسبة” لذلك. ليست البيئة المذهبية وحسب، إنّما الأخرى، الأوسع، خصوصاً تلك التي تضم يساريين في أطرافها: أكانوا سابقين أم متأخرين. ومن بينهم تجد الأنشط تنظيراً، وغالباً الأشدّ تعصباً و”إخلاصاً” للممانعة، مقارنة بالمذهبيين أنفسهم. هذه الكيمياء الخاصة بين الدولة الإسلامية وفلول اليسار القديم ليست سحرية تماماً، إنّما لها جذور قديمة في الماضي القريب لهذه الفلول. جذور القرابة الفكرية والمسلكية القائمة بين الاثنين. وإليك بعض وجوهها:

أولاً: في الأخلاق السياسية. مثلما هو المقاوٍم الممانِع الآن، كان اليساري في الستينيات والسبعينيات وبعض الثمانينيات، صاحب طبائع خاصة. الحماسة الشديدة لموقفه، لموقف حزبه، أو الجماعة الأوسع حولهما. لا تخلو كلماته أو خطب قادته من عبارات النخوة والشكيمة والبطولة. وهذه الحرارة كانت تمدّ متلقّيها بطاقة خاصة، بنوع من التكبّر، أو حتى الوقاحة مع كلّ مختلف بالرأي أو التوجه. وهذا سلوكٌ طاول نواحي شخصية من العلاقة بين الأصحاب أو الأصدقاء، وسهّل، كما يسهَل الآن مع الممانعين، إلصاق تهمة الخيانة أو العمالة أو الجاسوسية لصالح “العدو” فيما تعريف هذا الأخير في الحالتين، السابقة والحاضرة، هو نفسه: الصهيونية، والإمبريالية الأميركية.

ذلك أنّ اليساري، مثل الممانِع اليوم، لم يؤمن إلاّ بالسلاح. في أيامه، كان اليساري يرى أنّ الجيوش العربية خذلت الأمة. وها نحن نحمل السلاح، نتدرّب عليه، نخزّنه، يخضع العسكر من بيننا لدورات مدفعية أو استراتيجيا في الاتحاد السوفييتي أو كوبا. نرفض مشاريع السلام التي تقدّمها الإمبريالية: مشروع روجرز للسلام (1970). ومن أهم بنوده انسحاب إسرائيل من أراض احتلتها عام 1961 (وليس 1967). وافق عليه جمال عبد الناصر قبل وفاته بشهرين. كنا نؤمن بأنّنا نصنع عالماً جديداً على أنقاض خطايا الماضي القريب وأخطائه. كان الزمن السابق إلى “مزبلة التاريخ”. ونحن… نحن وحدنا، نفتتح حقبة جديدة في التاريخ. ننزل إلى الشوارع في تظاهراتٍ صاخبةٍ رفضاً لهذا المشروع، متزيّنين بالسلاح، مؤمنين على طول الخط بأنّنا سوف ننتصر، وقريباً جداً. والآن، حمَلة الشعلة الممانِعون لا يريدون سماع كلمة سلام. ومن حظهم أنّ مقرّرات أوسلو فشلت كلّها. فانقضّوا بسلاحهم على السلام انقضاض الذئب على النعجة، بعنجهية المؤمن بصحة “خطه السياسي” وبدوره صانع التاريخ أو باني التحرير.

تقسيم العالم بين معسكرين: واحدة أخرى من نقاط التشابه بين المقاومتَين، هي تلك الثنائية الحادّة المنظّمة لحركة البشر على هذا الكوكب. كما هو حاصل اليوم، مع الممانِع، كان لدى اليساري “خير” يمثله هو، مقابل “شر” يمثله خصومه. وقتها، كان هناك ما يهوِّن هذا الانقسام. العالم كلّه كان يسير على إيقاع الحرب الباردة الدائرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي: الأولى بصفتها “عدوة الشعوب” والثاني “صديق الشعوب”.

بقيت الثنائية حيّة في الفكر الممانع، وربما أكثر حدّة من سابقاتها. ظلّ العالم عنده منقسماً بين أميركا عدوة الشعوب وإيران صديقتها، من دون النظر لتحول السوفييت إلى روس قوميين إمبراطوريين. والاثنان، إيران وروسيا، باتا في عداد أعداء الشعوب واقعياً. محتلون أرضها، قاتلون مواطنيها، قاصفون مدارسها ومستشفياتها وأفرانها، محاصِرون، مجوِّعون… متحكّمون بعروشها، متصارعون على نفوذهم في أجهزتها وقياداتها، مشترِكون مع النظام بارتكاب جرائم حرب، أو ساكتون عنها…

احتقار الكيانات القُطرية، إهمالها أو الاستهتار بها، نظراً لكونها “مصْطنعة” ثمرة الاتفاقات بين المستعمِرين السابقين. كنا في زمن المقاومة اليسارية، نحتقر بلداننا. نراها صغيرةً علينا، فيما نحن ذوو أفق عربي أممي أوسع. النشيد الوطني نسخر منه ومن كلماته “المائعة”. والعلم الوطني، ننْعت أرْزته بـ”القرْنَبيطة”. لا تفعل الممانعة شيئاً مختلفاً عندما تُسقط التفكير في أزماتٍ “محلية” خانقة، أو في إصلاح شيءٍ ما في الأراضي أو الكيانات المهترئة التي تسيطر عليها.

لكنْ ثمّة اختلاف واضح: العلاقة بين المقاوِم اليساري ونظام حافظ الأسد لم تكن على هذه “العضوية” التي تتسم بها العلاقة بين الممانِعين ووريثه بشار. كانت مغمّسة بالدم. لا يمحو آثارها ذلك الالتباس، من أنّ هذا النظام تارة هو “قلعة الصمود” وتارة أخرى هو مصدر قرارات الاغتيال أو الاعتقال أو الخطف لكلّ من تسوّل له نفسه بأن يكون “مستقلاً” بقراره. بل حتى الفصائل الممانِعة تعرّضت، في بداية صعودها، إلى مقتلة على يد النظام السوري. وهذه الواقعة تحديداً: هجوم قوات سورية خاصة على ثكنة فتح الله التابعة لحزب الله عام 1987 في أثناء حرب المخيمات، إذ كان الحزب يدعم الفلسطينيين ضد حركة أمل، التابعة لسورية، والمأمورة وقتها بخوض هذه الحرب. اليوم طبعاً، لا يمكن للمرء أن يتخيّل نوعاً كهذا من الاشتباك. إذ باتَ حزب الله أقوى من النظام السوري، فقُبلته الإيرانية تحتل شيئاً كبيراً من سورية “المفيدة”. أي أنّ نظامها أقوى من النظام السوري. هو الذي أنقذه من السقوط. وهذه حصانةٌ لا تتحلّى بها كلّ الأطراف، وإنْ كانت ممانِعة.

التيار اليساري التقدّمي المقاوِم خسر معركته نهائياً في صيف 1982. التلاحم اللبناني الفلسطيني انتهى، فاختلفت المصائر، بين موزَّع على أنحاء الأرض كافة، أو راضٍ بالإقامة في أيّ دولة عربية، وشتات يتعاظم… كما انهار التيار القومي العربي بعد معركة 1967، كذلك انهار التيار التقدّمي اليساري، فكان فراغ، أملته الثورة الإسلامية الإيرانية، بالذي نعرفه من تأطير وتمويل وتلقين ديني – مذهبي. وتلك المفارقة، من أنّ السلاح بقي على الكتف، بشعاراته وأهدافه وخطابه. لكنّ الأيديولوجيا صارت في مكان آخر، هو النقيض. من يسارية إلى إسلامية.

والأرجح أنّ الأمر لا يختلف كثيراً الآن في فلسطين، بعدما هُزمت “فتح” سلمياً، بأن فشلت مشاريع “أوسلو” التي وقّع عليها ياسر عرفات عام 1993، فصارت “حماس” وعلى يسارها “الجهاد الإسلامي” تحمل ما حمله أوائل الفدائيين الفلسطينيين من سلاح، وتعتنق فكر “الإخوان المسلمين” وتستمد من إيران صواريخها وتقنياتها، ومحكومة بمجاورة مصر وإسرائيل.

قد تستقر العلاقة بين إيران والولايات المتحدة على اتفاق أو افتراق، على النووي وعلى “مناطق النفوذ”. ساعتئذ، قد تربح الممانعة أدواراً وسلطة، أو تخسرهما. لكنّها في الحالتين سوف تضعف في ميدان “النضال من أجل تحرير كلّ فلسطين”. ومع بداية نهايتها هذه، سوف تُضاف قشرة جديدة على طبقات التجارب التي لم تجرِ مراجعتها، إلاّ لماماً.

العربي الجديد

————————-

بعد إعادة إنتاج النظام السوري… الخارجية الروسية تطرح مشروع إجراء انتخابات مبكرة/ هبة محمد

في محاولة روسية لاستخدام الانتخابات الرئاسية كورقة سياسية للتفاوض عليها أمام المجتمع الدولي، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن إجراء انتخابات مبكرة في سوريا خيار محتمل في حال نجاح الحكومة والمعارضة في تنسيق وإجراء إصلاح دستوري.

واعتبر بوغدانوف (وهو المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا) للصحافيين على هامش أعمال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي الخميس: «إذا توصلت الأطراف السورية إلى اتفاق وسيتم تثبيت نتائج عملها، فمن الممكن إجراء انتخابات وفقاً للدستور الجديد أو الإصلاح الدستوري، وقد يحدث ذلك بشكل مبكر وليس بعد سبع سنوات، حسب مقتضيات الدستور الحالي، لكن هذا الأمر يتطلب توافقاً بين السوريين». وحول اجتماعات اللجنة الدستورية، أكد الدبلوماسي الروسي أن هناك خططاً لعقد اجتماع جديد بصيغة «أستانة» في عاصمة كازاخستان مدينة نور سلطان نهاية حزيران/يونيو الجاري، لافتًا إلى أن موسكو ستجري الأسبوع المقبل اتصالات مع تركيا وإيران بهذا الصدد.

مركز جسور للدراسات الاستراتيجية اعتبر أن البلاد مقبلة فعلاً على احتمال إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في سوريا، بناء على اتفاق بين روسي – أمريكي، ونشر المركز قراءة له الخميس قال فيها «يُمكن ألا تتجاوز ولاية بشار الأسد عامين أو ثلاثة، لتعقبها انتخابات رئاسية مبكرة بناء على اتفاق بين روسيا والولايات المتّحدة». ويقضي الاتفاق وفق «جسور» «بتسريع عمل اللجنة الدستورية وإعلان دستور جديد في فترة تتراوح بين 6 و12 شهراً يتم خلالها تحديد موعد الانتخابات بعد 18 شهراً».

تسويق روسي

مدير مركز جسور للدراسات، المستشار السياسي محمد سرميني اعتبر أن روسيا حاولت خلال الفترة السابقة للاستحقاق الرئاسي، تسويق الانتخابات السورية، والعمل على تأجيلها مقابل أن تكون هناك انفراجة على مستوى الحصار الاقتصادي، وقال سرميني لـ«القدس العربي» «هذا ما حاولت موسكو تسويقه من خلال زيارتها دول الخليج ودول المنطقة وبعض الدول الأوروبية».

وعلى هذا الأساس، وعندما لم تجد موسكو أي تجاوب لدى المجتمع الدولي وبالتحديد دول المنطقة سواء بعدم الرغبة بتطبيع العلاقات مع النظام السوري، أو رفض التجاوب دون موافقة أمريكية، وهذا لم يحصل، «ذهبت موسكو إلى إجراء انتخابات رئاسية ومن بعد ذلك محاولة إعادة انتاج ورقة النظام من أجل إعادة تسويق هذه الورقة للتفاوض عليها مرة أخرى» حسب سرميني.

وقبيل اجتماع بوتين – وبادين المقرر في السادس عشر من هذا الشهر، كان تصريح وزارة الخارجية الروسية بأنه يمكن أن يكون هناك انتخابات مبكرة بعد عام أو عامين.

كما أعرب بوغدانوف عن أمل موسكو في أن يتمكن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن من تنظيم اجتماع جديد للجنة الدستورية السورية في المستقبل القريب، مذكراً بأن فكرة طرحت أصلاً لعقد هذا الاجتماع قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في سوريا مؤخراً.

ولكشف مكامن خطورة المقاربة الروسية، بيّن خبراء ومراقبون أنه، في حال كانت هذه المقاربة تستند إلى وقائع حقيقية وصحيحة، فهذا يعني أن من سيتعاطى مع الخطة الروسية صراحة أو ضمناً قد اعترف بشرعية «انتخابات» بشار الأسد، ومنحه صك البراءة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وفي هذا الإطار قال الخبير السياسي والقانوني المحامي عبد الناصر حوشان عضو هيئة القانونيين السوريين إن أي اعتراف بالانتخابات السورية الشكلية، لا يغيّر من أن «ما جرى في هذه المهزلة هو أكبر جريمة تزوير في تاريخ سوريا ولا يمكن لا للمجتمع الدولي ولا للأمم المتحدة أن تضفي أي شرعية على جريمة جنائية معاقب عليها في الدستور والقانون الوطني السوري».

دوافع ومواقف

فهذه الانتخابات وفق وصف المتحدث لـ«القدس العربي»: «جريمة دستورية لأنها تخالف أحكام الدستور وتجعل بشار الأسد متهماً بجريمة الخيانة العظمى لأنه حنث بقسمه ولم يحافظ ولم يحمِ الدستور، ولم يحترم القانون، ولم يحافظ على الشعب والأرض، بل زاد على ذلك أن قام بتزوير إرادة الشعب وسكت عن تزوير السجلات الرسمية الأساسية للدولة والتي هي مناط الثقة العامة بالدولة ومؤسساتها «سجل الأحوال المدنية العام، وبيانات المكتب المركزي للإحصاء، وبيانات السجل الانتخابي العام».

كما أنها «جريمة جزائية من الجرائم المخلة بالثقة العامة التي نص عليها المشرِّع في الباب الخامس من قانون العقوبات باب التزوير المنصوص عنها بالمواد 427 وما بعدها من قانون العقوبات العام، والمواد 108 إلى 117 من قانون الانتخابات رقم 5 لعام 2014. فالشرعية الدولية شرعية تبعية للشرعية الوطنية وجوداً او عدماً وهذه الشرعية مصدرها الشعب كله وليس جزءاً او فئة منه وفق المادة الثانية من الدستور».

وعلى ضوء ما تقدم، يقول عضو هيئة القانونيين السوريين المحامي عبد الناصر حوشان، إنه يتوجب على السوريين رفض أي نوع من المقاربات أو المبادرات أو الطروحات التي تتضمن اعترافاً صريحاً او ضمنياً بشرعية بشار الأسد او الاعتراف بجريمة تزوير الانتخابات سواء في البيانات والسجلات الأساسية لها او في عمليات الترشيح والترشح او عمليات الاقتراع او في نتائج هذه «المهزلة».

حديث القيادة الروسية، حول انتخابات رئاسية مبكرة في سوريا، فتح الأبواب أمام التكهنات حول أهدافها، إذ يرى البعض أنه من الأولى لموسكو أن تصرح علانية بأن الانتخابات الرئاسية غير شرعية، ويستوجب التوافق من قبل اللجنة الدستورية على دستور جديد خلال مدة زمنية محددة ليصار بعدها لانتخابات رئاسية مبكرة.

ورأى المحامي حوشان أن السبب في المبادرة الآن، هو الموقف الدولي الحاسم من عدم الاعتراف بانتخابات بشار الأسد، حيث «انتظرت روسيا حتى تقيس مدى جدية المواقف الدولية لتبني عليها هذه المقاربة للالتفاف على الموقف الدولي، واختراقه من خلال هذا الطعم لأنها ترى أن قبول التعامل مع هذا الطرح سيكون اعترافا فعليا ببشار الأسد وانتخاباته».

المشروع الروسي بطبيعة الحال، ليس عبثياً أو كردة فعل بل هو وفق المتحدث «مشروع مدروس وهو ضمن مجموعة الخيارات التكتيكية للمقاربة الروسية لعملية الحل السياسي الذي يتم التفاوض حوله بين المعارضة والنظام».

وحول فرص نجاح المشروع الروسي، قال إنه يتوقف على موقف المعارضة من هذا الطرح، وأبدى المحامي اعتقاده بأن المعارضة «في وضع لا يمكنها الرفض لأنها تريد تسجيل أي اختراق لحالة الاستعصاء القائمة في العملية السياسية».

———————

روسيا توظف المساعدات الدولية للسوريين لمحاولة تعويم النظام/ أمين العاصي

بدأت الولايات المتحدة الأميركية تحركات دبلوماسية من أجل تمديد العمل بآليات دولية لإدخال مساعدات إلى الشمال الغربي من سورية، حيث تضم محافظة إدلب ومحيطها نحو 4 ملايين مهددين بكارثة في حال انقطاع هذه المساعدات، في حال اعتراض الجانب الروسي على استمرار دخول المساعدات عبر معبر حدودي مع تركيا.

وبحثت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، في أنقرة الأربعاء الماضي، مع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إزالة العوائق التي تحول دون إيصال المساعدات الإنسانية الأممية عبر تركيا، قبل أن تتوجه إلى الحدود السورية لإجراء زيارات ولقاءات مع ناشطين في الحقل الإنساني والإغاثي. وتأتي هذه الزيارة قبل أيام من نقاش سيجريه مجلس الأمن لتمديد السماح بدخول المساعدات الأممية إلى سورية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والذي ينتهي سريان صلاحية إدخال المساعدات عبره قريباً.

وتقلص عدد المعابر الإنسانية التي كانت تنقل الأمم المتحدة عبرها مساعداتها إلى سورية منذ العام 2014 من أربعة منافذ إلى ثلاثة، هي باب السلامة، وباب الهوى مع تركيا، ومعبر اليعربية مع العراق، ثم إلى معبر واحد العام الماضي (باب الهوى) الواقع ضمن محافظة إدلب شمال غربي البلاد، حيث تهدد روسيا والصين باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار المقبل الذي سيطرح في مجلس الأمن لتمديد دخول المساعدات.

واعتبر فريق “منسقو استجابة سورية” معبر باب الهوى “الشريان الوحيد للشمال السوري”، مشيراً، في بيان أمس الخميس، إلى أنه “في حال عدم تجديد آلية التفويض بدخول المساعدات الإنسانية، ستشهد المنطقة انهياراً كاملاً في النواحي الإنسانية والاقتصادية”. وأوضح أن عدم التجديد يعني “حرمان أكثر من 1.8 مليون نسمة من المساعدات الغذائية، وأكثر من 2.3 مليون نسمة من الحصول على المياه النظيفة والصالحة للشرب، وانقطاع دعم مادة الخبز في مئات المخيمات، وحرمان أكثر من مليون نسمة من الحصول على الخبز بشكل يومي”. وبيّن الفريق أن عدم التجديد سوف “يقلص عدد المستشفيات والنقاط الطبية الفعالة في الوقت الحالي إلى أقل من النصف في المرحلة الأولى، وأكثر من 80 في المائة ستغلق في المرحلة الثانية”، و”انخفاض دعم المخيمات إلى أقل من 25 في المائة، وعجز المنظمات الإنسانية عن تقديم الدعم لإصلاح الأضرار ضمن المخيمات”، و”ازدياد أعداد الإصابات بفيروس كورونا إلى مستويات قياسية، بسبب حرمان المراكز الطبية من تقديم خدماتها الطبية، إضافة إلى توقف دعم مشاريع النظافة، وتحديداً ضمن المخيمات”.

ومن النواحي الاقتصادية، بحسب الفريق، فإن عدم التجديد يؤدي إلى “ارتفاع معدلات البطالة خلال المرحلة الأولى بنسبة 40 في المائة، والمرحلة الثانية بنسبة 20 في المائة”، و”ارتفاع أسعار المواد والسلع الأساسية بنسب متفاوتة، أبرزها المواد الغذائية بنسبة 300 في المائة، والمواد غير الغذائية بنسبة 200 في المائة. أما مادة الخبز فستسجل ارتفاعاً بنسبة 400 في المائة”. وأوضح، في بيان، أن لعدم التجديد آثاراً أخرى، منها “انخفاض ملحوظ بالموارد المتاحة ضمن الشمال السوري وعدم قدرة الموارد الحالية على تلبية احتياجات المنطقة، حيث لن تستطيع الحركة التجارية تأمين النقص الحاصل، خاصةً مع عدم قدرة عشرات الآلاف من المدنيين على تأمين احتياجاتهم اليومية”.

وفي حديث مع “العربي الجديد” بيّن مدير فريق “منسقو الاستجابة” محمد حلاج أن المساعدات الدولية عبر آلية التفويض “تشكل 60 في المائة من مقومات الحياة للمدنيين في شمال غربي سورية”. وأوضح أنه في حال عدم تجديد الآلية بسبب فيتو روسي ستكون هناك كارثة إنسانية. ولفت إلى أن هناك خيارات في حال لم ينجح مجلس الأمن بتجديد آلية إدخال المساعدات، منها “عودة المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة إلى ما قبل القرار 2165 في العام 2014 من خلال العمل بشكل خارج نطاق آلية التفويض، وتحويل التمويل الخاص بوكالات الأمم المتحدة، إلى منظمات دولية غير حكومية، تقوم بتوزيع الدعم المقدم إلى الجهات المحلية”. ومن الخيارات الأخرى، بحسب الحلاج، “إنشاء صندوق للتمويل الإنساني خاص بسورية، بدلاً من صندوق التمويل الإنساني الخاص بالأمم المتحدة، وإنشاء كتل تنسيق رئيسية موزعة على مناطق سورية الخارجة عن سيطرة النظام”.

وتعتبر روسيا هذه الآلية انتهاكاً لسيادة النظام على البلاد، مطالبة بإدخال المساعدات عبر معابر يسيطر عليها هذا النظام، بينما ترفض باقي دول مجلس الأمن التوجه الروسي، لإدراكها أنه سيمنع أي مساعدة دولية من الوصول إلى مناطق خارج سيطرته. كما يهدف الجانب الروسي من حصر إدخال المساعدات عبر معابر يسيطر عليها إلى محاصرة الشمال الغربي من سورية، في خطوة للسيطرة على المنطقة. ويسيطر النظام على معابر حدودية عدة، هي جديدة يابوس مع لبنان، ونصيب مع الأردن، والبوكمال مع الجانب العراقي. وتسيطر المعارضة على معابر باب السلامة وباب الهوى وتل أبيض مع الجانب التركي، بينما تسيطر “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي يمثل الأكراد عمودها الفقري، على معبر اليعربية مع العراق. ولكن كل هذه الأطراف استحدثت العديد من المعابر غير النظامية لأهداف عسكرية واقتصادية.

وفي يوليو/تموز الماضي، استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لتقليص عدد نقاط إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، التي لا تتطلب موافقة دمشق، من 4 إلى معبر واحد، هو باب الهوى مع تركيا. ويأتي التوجه الروسي في سياق محاولات إعادة تعويم النظام وترميم شرعيته، من خلال حصر التعامل الدولي معه بما يخص المساعدات الإنسانية. وكانت الدول المانحة جمعت، خلال اجتماعات النسخة الخامسة من “مؤتمر بروكسل من أجل سورية” التي عقدت أواخر مارس/آذار الماضي، نحو 6.6 مليارات دولار أميركي لعامي 2021 و2022، لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين في قطاعات مختلفة، في مقدمتها الصحة والتعليم والإغاثة الإنسانية. وسيكون جزء كبير من هذه المخصصات، ضمن المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود، والمهددة بتعطيل آلية التجديد لها من خلال روسيا في مجلس الأمن. وتعهدت قطر بتقديم مساعدات بقيمة 100 مليون دولار للمساعدة في تخفيف وطأة الكارثة الإنسانية في سورية. كما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن بلاده ستقدم مساعدات إنسانية جديدة بأكثر من 596 مليون دولار. واعتبر بلينكن، وقتها، أن المساعدات تهدف إلى تقديم العون للكثير من السوريين في الداخل، والذين يقدر عددهم بنحو 13.4 مليون نسمة، وكذلك مساعدة 5.6 ملايين لاجئ سوري في تركيا، ولبنان، والأردن، والعراق ومصر. أما ألمانيا، فتعهدت بتقديم أكثر من 1.7 مليار يورو. وكانت الأمم المتحدة دعت إلى تقديم تبرعات لا تقل عن 10 مليارات دولار لهذا الغرض.

ومن المتوقع أن يحاول الجانب الروسي فرض شروط معينة على أميركا وتركيا من أجل تمرير قرار تمديد السماح بدخول المساعدات الأممية إلى سورية عبر معبر باب الهوى. ومن المرجح أن تطالب موسكو بزيادة حصة النظام السوري من بترول منطقة شرقي نهر الفرات، التي تقع تحت سيطرة “قسد” وتضم أكبر حقول وآبار النفط والغاز. كما تضغط موسكو على أنقرة لفتح معابر داخلية بين مناطق النظام والمعارضة في الشمال لتنشيط اقتصاد النظام المتهالك. وتطالب بفتح ثلاثة معابر في شمال سورية، اثنان في محافظة إدلب وواحد في ريف حلب الشمالي. وحاولت في مارس الماضي فتحها، إلا أنها لم تجد تجاوباً من الجانب التركي المتحكم بالمنطقة بشكل كامل. وكان عقد في الدوحة في مارس اجتماع ضم وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ونظيريه الروسي سيرغي لافروف، والتركي مولود جاووش أوغلو، لبحث ملفات في القضية السورية منها الملف الإنساني. وكانت مصادر مطلعة ذكرت أن الجانب الروسي طرح في الاجتماع مسألة حصر المساعدات الدولية بالنظام السوري، وهو ما رفضه الجانبان التركي والقطري.

—————————

القوات” يدين رسالة عون الى الأسد

تحولت مفاعيل المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب السابق انطوان زهرا للحديث عن الدعوى القضائية التي تقدم بها حزب “القوات اللبنانية” ضد الرئيس السوري بشار الاسد ونظامه بتهمة خطف وتعذيب قتل لبنانيين، إلى إدانة لبنانية لرئيس الجمهورية ميشال عون، على خلفية ارسال رسالة تهنئة للأسد لمناسبة فوزه بالانتخابات.

    #بالقوة_راجعين

    ٦٢٧ معتقل ، ٦٢٧ لبناني ، ٦٢٧ مظلوم، ٦٢٧ حرقة قلب. pic.twitter.com/6npuC0o3uE

    — Dany El Hajj (@DanyElHajj7) June 4, 2021

دان جمهور “القوات” خطوة عون، وسجل نقطة في مرمى العهد، حين فرق الجمهور بين من يهنئ الأسد على فوزه بالانتخابات، وبين من يقاضيه بتهمة تغييب 627 لبنانياً في سجونه ما زالوا مفقودين من نهاية الحرب اللبنانية.

    لح نرجع نتلاقى لح نرجع نتوحد

    وعد علينا ✋#بالقوة_راجعين pic.twitter.com/klOOuCIFL4

    — ABM (@ABM84672606) June 4, 2021

    ناس عم بتهني بشار بالرأسة و في باقبية سجونوا لبنانية مظلومين #بالقوة_راجعين pic.twitter.com/YFX4wizYwU

    — Ji.Bé🇱🇧 (@JB23033479) June 4, 2021

غرد كثيرون من جمهور “القوات” تحت هذا وسم “بالقوة راجعين”. وتعهد الحزب بإعادة المفقودين اللبنانيين في السجون السورية. وقال مغرد: “إذا غيرنا نساكم، نحنا ما نسينا وما رح ننسى مهما طال الزمن”.

    الفرق كل الفرق بين رئيس وتيار يهنئون الجزار بشار الأسد بالقول له : “سددوا الله خطاكم..”

    وبين من ادعى عليه في لبنان ورفع قضية ال ٦٢٢ معتقلاً في سجونه الى المحافل العربية والدولية#بالقوة_راجعين pic.twitter.com/Itv5rRzf8e

    — CHARBEL EID 🇱🇧 (@MECHARBELEID) June 4, 2021

    @UNHumanRights @UN

    We have 622 Lebanese prisoners in the Syrian prisons who were kidnaped and detained by force years ago

    Our Lebanese officials forgot about them and they are not taking any step to bring them back

    We ask your help for the sake of their families #بالقوة_راجعين pic.twitter.com/LVxQpwafax

    — Elie Estephan (@mastermind1971) June 4, 2021

————————–

الكيماوي السوري:مساع دولية جديدة للتحقيق..تعرقلها روسيا

أفاد المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية فرناندو أرياس أن خبراء المنظمة حققوا في 77 زعماً ضد سوريا، وخلصوا إلى أنه في 17 حالة كان من المحتمل أو المؤكد استخدام أسلحة كيماوية.

ووصف أرياس ذلك بأنه “حقيقة مقلقة” قائلاً: “بعد ثماني سنوات من انضمام سوريا إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، التي تمنع إنتاج أو استخدام مثل هذه الأسلحة، لا تزال هناك أسئلة كثيرة حول إعلانها الأولي عن أسلحتها ومخزوناتها وسوابقها وبرنامجها المستمر”.

وقال إن “منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ستتناول قضية جديدة في مشاوراتها المقبلة مع سوريا، وهي وجود غاز جديد للأسلحة الكيماوية عُثر عليه في عينات تم جمعها من حاويات تخزين كبيرة في أيلول / سبتمبر 2020”.

وتابع أرياس إنه أرسل خطاباً يبلغ النظام السوري بأنه ينوي إرسال فريق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية للنظر في هذه المسألة خلال الفترة من من 18 أيار/مايو إلى 1 حزيران/يونيو، وطلب تأشيرات لكنه لم يتلق رداً. وقال إنه أبلغ دمشق بأنه سيؤجل الوصول إلى 28 أيار. وفي ظل عدم وجود رد سوري بحلول 26 أيار/مايو، فقد تم تأجيل المهمة حتى إشعار آخر.

وتحدث مدير المنظمة عن البعثة المتعلقة بالهجوم الكيماوي على مدينة دوما في الغوطة الشرقية في 7 نيسان/أبريل 2018، مؤكداً أنها “لا تزال موضع اهتمام الدول الأعضاء، بما في ذلك في مجلس الأمن”.

وقال إن تقرير البعثة الأول الصادر في آذار من العام 2019 خلص إلى أن “هناك أسباباً معقولة تدعو إلى الاعتقاد باستخدام غاز الكلور كسلاح، بعد إصدار تقرير بعثات تقصي الحقائق”.

وذكر مدير المنظمة أن نظام الأسد عمل على عرقلة عمل فريق تقييم طلبت المنظمة إيفاده إلى دمشق، وذلك عبر عدم تأكيد الطلب قبل وقت كافٍ يسمح لها بإتمام التحضيرات لإجرائها، وطلب تغييره بعد ذلك، وإلى الآن تنتظر الأمانة رد النظام.

من جهتها دعت الممثلة السامية لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو إلى الوحدة في مجلس الأمن الدولي من أجل “إعادة تأسيس القاعدة ضد الأسلحة الكيماوية” في سوريا، قائلة إن “هناك حاجة ملحة، ليس فقط لتحديد، بل ومحاسبة، كل من استخدم أسلحة كيماوية في انتهاك للقانون الدولي”.

وفي كلمة أمام جلسة لمجلس الأمن تناولت استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، قالت ناكاميتسو إن قدرة الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية على إيفاد مهمات إلى سوريا لا تزال تتأثر بتطور جائحة كوفيد-19.

وأضافت أنه “بالنظر إلى الثغرات وأوجه عدم الاتساق والتباينات التي لا تزال غير محسومة، لا يزال يتعذر في هذه المرحلة، اعتبار الإعلان الذي قدمته الجمهورية العربية السورية دقيقاً ومكتملاً، وفقاً ما تقضي به اتفاقية الأسلحة الكيماوية”.

وتعرضت سوريا لضغوط للانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية في أيلول/سبتمبر 2013 من قبل حليفتها الوثيقة روسيا بعد هجوم قاتل بالأسلحة الكيماوية ألقى الغرب باللوم فيه على نظام الأسد. وبحلول آب/أغسطس 2014، أعلن نظام الأسد أن تدمير الأسلحة الكيماوية قد اكتمل. لكن إعلان النظام الأولي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية ظل محل خلاف.

وفي نيسان/أبريل 2020، ألقى محققو منظمة حظر الأسلحة الكيماوية باللوم على النظام السوري في ثلاث هجمات كيماوية عام 2017.

وانتقدت روسيا بشدة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ومحققوها واتهمتهم بارتكاب أخطاء واقعية وفنية، والتصرف تحت ضغط الدول الغربية. وواصل سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الهجوم، متهماً المنظمة باستخدام معلومات “من مصادر متحيزة معارضة للحكومة السورية” بجمع الأدلة عن بعد والاعتماد على “شهود زائفين”.

وقال إن الغرض من اجتماع المجلس لم يكن “استجواب” آرياس من خلال طرح أسئلة “غير مريحة”، كما قال بعض أعضاء المجلس، ولكن “للعمل بشكل جماعي لتحسين الوضع المؤسف الذي نشب في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية”.

وقال السفير الروسي إنه تفاجأ بتعبير أرياس عن دهشته من عدم تعاون سوريا مع فريق تحقيق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية المكلف بتحديد المسؤولية عن الهجمات الكيماوية. وقال نيبينزيا: “ليس من المستغرب أن سوريا لم تعترف قط بشرعية المجموعة، ولا نحن كذلك… تأسست المجموعة بشكل غير شرعي. لا يمكنك أن تتوقع أن سوريا ستتعاون معها”.

وردت سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة باربرا وودوارد قائلة إن “حقائق هذه القضية واضحة”. وقالت: “هناك 20 مسألة لم يتم حلها في الإعلان السوري الأولي عن الأسلحة الكيماوية، وهو أمر مقلق للغاية، نسبت الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية ثماني هجمات بالأسلحة الكيماوية إلى النظام السوري. من الواضح أن النظام يحتفظ بأسلحة كيماوية ومستعد لاستخدامها”.

من جهته، قال نائب السفير الأميركي ريتشارد ميلز: “لا يمكن لأي قدر من المعلومات المضللة – التي تتبناها سوريا ومؤيديها قليلي العدد جداً- أن ينفي أو يقلل من مصداقية الأدلة التي قدمتها لنا منظمة حظر الأسلحة الكيماوية”. وأضاف “يواصل نظام الأسد  بدعم من روسيا  تجاهل دعوات المجتمع الدولي للكشف الكامل عن برنامجه للأسلحة الكيماوية وتدميرها بشكل يمكن التحقق منه”.

————————–

البادية السورية:مقتل مستشار من الحرس الثوري..وإستهداف ميليشيا إيرانية

أعلنت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية مقتل مستشار في ميليشيا “الحرس الثوري” الإيراني ومرافقه على الطريق بين مدينتي دير الزور وتدمر.

وقالت الوكالة إن المستشار في الحرس حسن عبد الله زاده ومرافقه محسن عباسي، قتلا بكمين نصبه تنظيم “داعش” أثناء خروجهما من مدينة دير الزور شرقي سوريا باتجاه مدينة تدمر وسط البلاد.

وأوضحت الوكالة أن حسن عبد الله زاده، هو نجل الجنرال عبد الله زاده الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات في قوى الأمن الإيرانية.

ونشرت وكالة “مهر” الإيرانية صوراً للقتيلين، إحداها لعبد الله زاده مع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أميركية بالقرب من مطار بغداد مطلع العام الفائت.

وتشهد المنطقة بين أرياف دير الزور وحمص وحماة وبادية تدمر حملة جويّة وبريّة جديدة لروسيا وقوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية ضد “داعش”، بسبب ازدياد الهجمات التي تعرضت تلك الأطراف لها في عموم مناطق البادية، وينفذ التنظيم بشكل شبه يومي هجمات على قوات النظام والميليشيات الإيرانية في المنطقة.

والأربعاء، قُتل وأصيب عناصر مِن ميليشيا “فاطميون” الأفغانية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بهجومٍ نفّذه مجهولون، في بادية حمص. وقالت مصادر محلية إن مسلّحين مجهولين فجّروا عبوتين ناسفتين بدورية عسكرية لميليشيا “فاطميون” في محيط بلدة السخنة شرقي حمص، خلال خروج الدورية مِن نقطتها في المنطقة.

———————–

قمة بوتين ـ بايدن… وإغاثة السوريين/ إبراهيم حميدي

«إغاثة السوريين»، هو أحد العناصر الأربعة الواضحة في سياسة إدارة الرئيس جو بايدن في سوريا. هناك أولويات البقاء العسكري في شرق الفرات لـضمان هزيمة «داعش»، واستمرار الضغط على دمشق في ملف السلاح الكيماوي، إضافة إلى دعم خطابي لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 ومساعٍ دبلوماسية لمنع «التطبيع» مع الحكومة السورية، لكن ملف المساعدات الإنسانية «العابرة للحدود» السورية، كان الأكثر حضوراً في ذهن الفريق، وبات بمثابة النافذة التي تطل منها إدارة بايدن على المسرح السوري.

أميركا تراهن على أن يحصل الرئيس بايدن على موافقة الرئيس فلاديمير بوتين لدى لقائهما في جنيف في 16 الشهر الجاري، على ألا يستخدم حق النقض (فيتو) في نيويورك على تمديد قرار مجلس الأمن 2533 الذي يسمح بتقديم مساعدات «عبر الحدود» لدى انتهاء ولاية القرار الحالي في 11 يوليو (تموز) المقبل.

إن العنصر الوحيد الذي تكرر في البيانات الرسمية لأعضاء فريق بايدن خلال اتصالاتهم مع نظرائهم وحلفائهم، يتعلق بالمساعدات الإنسانية وضمان وصولها للسوريين. وخلال مؤتمر المانحين في بروكسل في مارس (آذار) الماضي، كلّف بايدن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس – غرينفيلد بتمثيل حكومته فيها وإعلانها مساعدات إضافية، بحيث وصل إجمالي قيمتها إلى نحو 13 مليار دولار أميركي خلال عشر سنوات من الصراع السوري.

كما أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن مخصصاً للمساعدات الإنسانية في شهر مارس الماضي، لإعطاء زخم لهذا الملف. كما أنه أثار هذا الملف لدى لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف تمهيداً لقمة بوتين – بايدن. وفي سياق التحركات الأميركية، جاءت زيارة توماس – غرينفيلد إلى تركيا ولقاؤها المتحدث باسم الرئيس التركي إبراهيم قالن في أنقرة أول من أمس، باعتبار أن تركيا هي البوابة لشمال سوريا، حيث يعيش أكثر من 3.5 مليون نازح ومواطن سوري.

وعندما أقر مجلس الأمن القرار 2165 في 2014، نص على إيصال المساعدات «عبر حدود» تركيا والعراق والأردن إلى سوريا، لكن روسيا لم توافق في يوليو العام الماضي، سوى على معبر واحد هو «باب الهوى» بين تركيا وإدلب، للضغط على الدول الغربية، التي وفرت نحو خمسين مليار دولار أميركي لدعم المساعدات، لتركيز عملها في دمشق ومناطق الحكومة. لكن إدارة بايدن وضعت نصب أعينها إعادة فتح ثلاثة معابر: اثنان مع تركيا، وثالث بين شرق الفرات والعراق. وشن دبلوماسيون أميركيون حملة لتوفير دعم للرغبة الأميركية.

وإذ بدأ الكرملين يرسل في الفترة الأخيرة إشارات إلى الرغبة في استخدام «الفيتو» ضد قرار تمديد التفويض للمساعدات عبر معبر حدودي واحد، ردّ البيت الأبيض بتقديم «حوافز» لتليين الموقف الروسي. وفي موازاة حشد الدعم بين الحلفاء، سعت واشنطن إلى إرسال إشارات تشجيع لموسكو، شملت سلسلة من الخطوات، بينها عدم إصدار إدارة بايدن أي قائمة عقوبات جديدة بموجب «قانون قيصر»، وتقديم استثناءات من العقوبات للمواد الطبية والغذائية والإنسانية ومحاربة «كورونا»، إضافة إلى عدم معارضة مواد إغاثية تأتي من دول عربية لدمشق. وكانت الخطوة الأخيرة بأن الحكومة الأميركية ألغت استثناء كان مُنح لشركة «ديلتا كريسنت إنيرجي» لاستثمار النفط في مناطق شرق الفرات الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» الحليفة لواشنطن. وأرفق الجيش الأميركي هذه الخطوات، بتعزيز وجوده شرق الفرات ودعم قواته بآليات تردع محاولات روسية للتحرش بها.

إلى الآن، لم تصل إلى واشنطن إشارات واضحة إزاء اتجاه قرار موسكو. واضح أنها ستسمع القرار في قمة جنيف في حال بقي وقت لطرح الملف السوري، لمعرفة ما إذا كان بوتين يقدر «الحوافز الإنسانية» الآتية من واشنطن أو يتحدى «الانتشار العسكري» المعزز قرب قواته شرق الفرات.

———————–

الخارجية الروسية لا تستبعد انتخابات مبكرة في سوريا

دمشق تشارك في اجتماع «الصحة العالمية»

موسكو – لندن: «الشرق الأوسط»

أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن إجراء انتخابات مبكرة في سوريا خيار محتمل في حال نجاح الحكومة والمعارضة هناك في تنسيق وإجراء إصلاح دستوري.

وقال بوغدانوف، وهو المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، للصحافيين على هامش أعمال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي الخميس: «إذا توصلت الأطراف السورية إلى اتفاق وسيتم تثبيت نتائج عملها، فمن الممكن إجراء انتخابات وفقا للدستور الجديد أو الإصلاح الدستوري، وقد يحدث ذلك بشكل مبكر وليس بعد سبع سنوات، حسب مقتضيات الدستور الحالي، لكن هذا الأمر يتطلب توافقا بين السوريين».

وأكد الدبلوماسي الروسي أن هناك خططا لعقد اجتماع جديد بصيغة آستانة في عاصمة كازاخستان مدينة نور سلطان حتى نهاية يونيو (حزيران) الجاري، لافتا إلى أن موسكو ستجري الأسبوع القادم اتصالات مع تركيا وإيران.

كما أعرب بوغدانوف عن أمل موسكو في أن يتمكن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن من تنظيم اجتماع جديد للجنة الدستورية السورية في المستقبل القريب، مذكرا بأن فكرة طرحت أصلا لعقد هذا الاجتماع قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في سوريا مؤخرا.

وأضاف أن المساعدات الإنسانية الروسية يتم إرسالها إلى سوريا «باستمرار». ونقلت وكالة «نوفوستي» عن بوغدانوف قوله إن «عمليات تسليم المساعدات مستمرة بلا نهاية، والوفود تسافر طوال الوقت وتقدم الدعم والمساعدة».

وردا على سؤال حول ما إذا كان يجري العمل حاليا على تجهيز إمدادات جديدة من القمح الروسي إلى سوريا، أشار بوغدانوف إلى أن «كل شيء يتم على النحو المناسب».

في هذا المجال، أعلنت الحكومة السورية أنها «حريصة على شراء كل حبة قمح» وهددت أنها لن تتساهل مع من يتاجر بالمادة وسط نقص كبير في الإنتاج الفعلي عن الذي كان مخططا. وقال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك طلال البرازي إن القمح من المواد الاستراتيجية وإن «من يقوم بالاتجار به سيتعرض لأشد العقوبات».

وخلال جولة تهدف للاطلاع على واقع استجرار وشراء المحصول، قال البرازي من حلب إن الحكومة حريصة على شراء الأقماح بالسعر المحدد، وتقديم التسهيلات اللازمة للفلاحين.

وأشار إلى أنها حريصة على «منع تسرب أي حبة قمح من خلال تسديد قيم المحصول بشكل مباشر وخلال مدة زمنية قصيرة» وقال إنه «لن يتم التساهل بحق كل من يتاجر بمحصول القمح ويحاول تهريبه كونه محصولا استراتيجيا، وسيتعرض للعقوبات الرادعة وفق المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021». كما نقلت وزارة التجارة عن محافظ حلب حسين دياب «الحرص التام على تسلم كل حبة قمح وتقديم كامل التسهيلات، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق».

إلى ذلك، سجلت سوريا مشاركتها الأولى في أعمال المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية وذلك في الدورة 149 التي تقام افتراضيا.

وعقد المجلس التنفيذي للمنظمة دورته بحضور 34 دولة، وتأتي المشاركة السورية بعد أيام على انتخاب جمعية الصحة العالمية لسوريا بالإجماع عضوا في المجلس التنفيذي للمنظمة ممثلة عن إقليم شرق المتوسط، لمدة 3 سنوات. وفي كلمة له خلال أعمال المجلس، قال وزير الصحة السوري حسن الغباش إن بلاده «تؤمن بالعمل وفق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وتحرص على تحمل مسؤولياتها في المجلس والعمل الفاعل والبناء في إطار العمل متعدد الأطراف لدعم جهود التنمية المستدامة».

ودعا إلى «توفير المساعدات اللازمة للدول الأعضاء لتعزيز قدرتها على بناء أنظمة صحية مرنة ومتطورة ولا سيما في ظل جائحة (كوفيد – 19)»، وشدد على «ضرورة التزام كل الدول الأعضاء باحترام حقوق الإنسان والعمل وفق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي واحترام سيادة الشعوب واستقلاليتها»، حسب ما نقلت وكالة سانا.

————————-

مسؤولة أميركية تعلن من تركيا توفير 200 مليون دولار للسوريين

أنقرة: سعيد عبد الرازق

أعلنت تركيا أن عملياتها العسكرية في سوريا والعراق ستستمر للحفاظ على أمنها، في وقت قالت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إن الولايات المتحدة ستوفر تمويلاً إضافياً من أجل السوريين بقيمة 200 مليون دولار.

وأضافت توماس غرينفيلد أن 4 من بين كل 5 أشخاص في الشمال السوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وهناك الملايين في محافظة إدلب (شمال غربي سوريا) يحتاجون إلى المساعدات.

وأشارت غرينفيلد، خلال زيارة إلى مركز برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في قضاء ريحانلي بولاية هطاي الحدودية مع سوريا في جنوب تركيا، أمس (الخميس)، حيث التقت نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، مارك كاتس، والعاملين في مؤسسات الإغاثة الإنسانية للاطلاع على أعمال المركز، إلى أن معبر جيلفا جوزو الحدودي التركي هو الخيار الأفضل حالياً للمجتمع الدولي لإيصال المساعدات إلى المحتاجين في سوريا، وأنه من بين المعابر القليلة التي بقيت مفتوحة للدخول إلى سوريا، وإذا تم إغلاقه، فسوف يتسبب ذلك في كثير من الظلم.

ودعت توماس غرينفيلد الأمم المتحدة إلى ضمان إرسال المساعدات الإنسانية واللقاحات المضادة لفيروس «كورونا» والمستلزمات الطبية لإنهاء المآسي التي يعيشها السوريون. وعبرت عن شكرها للحكومة التركية حيال استضافتها للاجئين السوريين، فضلاً عن دعمها للأنشطة التي يمارسها «مركز برنامج الأغذية العالمي».

وأكّدت توماس غرينفيلد أن واشنطن تجري مباحثات مع مجلس الأمن وتركيا وروسيا من أجل فتح معابر جديدة خاصة بالمساعدات الإنسانية إلى سوريا.

من جانبه، قال نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، مارك كاتس، إن السلطات التركية لم توقف المساعدات الإنسانية بالمنطقة إطلاقاً خلال فترة الوباء، وسمحت بإيصال المساعدات حتى خلال فترة إغلاق المعابر الحدودية، في إطار تدابير مكافحة فيروس «كورونا».

كانت توماس غرينفيلد ناقشت مع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، في أنقرة، أول من أمس، حيثيات الصراع المستمر في سوريا والقضايا الإنسانية والأمنية ذات الصلة في المنطقة، وأكدت «أهمية قيام مجلس الأمن الدولي بإعادة تفويض وتوسيع وصول المساعدات الإنسانية الأممية العابرة للحدود والمنقذة لحياة السوريين».

وتختتم تركيا، اليوم (الجمعة)، زيارة لتركيا استغرقت 3 أيام تجري خلالها مباحثات مع مسؤولين أتراك رفيعي المستوى، حول تعزيز العلاقات بين البلدين، والتحديات العالمية، وتطوير التعاون بشأن سوريا.

في غضون ذلك، أكد مجلس الأمن التركي عزم أنقرة على مواصلة العمليات العسكرية خارج الحدود في كل من سوريا والعراق.

وقال المجلس، في بيان ليل الأربعاء – الخميس، عقب اجتماعه برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان، إن العمليات العسكرية العابرة للحدود التي نفذتها القوات التركية للقضاء على ما وصفه بـ«الإرهاب» جرت بهدف «إرساء الأمن والسلام في أراضي دول الجوار وتركيا»، مؤكداً أن تلك العمليات سوف تستمر.

وأضاف البيان أن تركيا تحترم سيادة ووحدة أراضي دول الجوار، لكنها ستحتفظ بموقفها من قضية محاربة الإرهاب داخل حدود تركيا وخارجها.

وتابع أن «عملياتنا العسكرية للقضاء على التنظيمات الإرهابية على طول حدودنا الجنوبية وضمان الأمن الحدودي ستتواصل في الفترة المقبلة، وأن الحديث يدور عن كل العمليات، بما في ذلك خلف الحدود الجنوبية، حيث ستستمر بشكل كامل وموسع».

في سياق متصل، قالت وزارة الدفاع التركية، في بيان أمس، إن القوات التركية قتلت 3 من مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات تحالف شوريا الديمقراطية (قسد)، في المنطقة المعروفة بـ«نبع السلام» التي تسيطر عليها مع الفصائل الموالية لها في شمال شرقي سوريا.

وذكر البيان أن أحد تلك العناصر حاول تنفيذ هجوم بواسطة دراجة نارية مفخخة ضد نقطة تفتيش تركية في منطقة «نبع السلام»، فيما حاول الآخران التسلل إلى المنطقة من الجهة الجنوبية.

————————-

 «نكسة» لحلفاء أميركا في شمال سوريا

تل أبيب تقصف «موقعاً متقدماً» لدمشق في الجولان

أنقرة: سعيد عبد الرازق – إدلب: فراس كرم – القامشلي: كمال شيخو

تعرضت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة من أميركا، أمس لـ«نكسة» لدى موافقة «المجلس العسكري} لمنبج التابع لها، على التخلي عن قانون خاص بـ«التجنيد الإجباري» بعد احتجاجات قُتل فيها خمسة متظاهرين.

وقال القائد العام لـ«مجلس منبج العسكري»، محمد أبو عادل لـ«الشرق الأوسط»، إنه تم بعد اجتماع مع وجهاء منبج «إيقاف العمل بحملة واجب الدفاع الذاتي في منبج وريفها وإحالة الملف إلى الدراسة والنقاش، على أن يتم إطلاق سراح جميع المعتقلين في الأحداث الأخيرة، وتشكيل لجنة للتحقيق والتقصي في الحيثيات التي تم فيها إطلاق النار، ومحاسبة كل مَن كان متورطاً في تلك التجاوزات».

وقال ناشط ميداني، إنه «شاهد دخول رتل عسكري تابع لقاعدة حميميم وعناصر من (قسد) إلى منبج»، في محاولة من الأخيرة الاستعانة بالجانب الروسي لتهدئة الأوضاع في المدينة التي تحولت مسرحاً لـ«لقاء الأطراف الخارجية والداخلية في الحرب الدائرة، بما فيها جيوش أميركا وروسيا وتركيا وسوريا».

على صعيد آخر، بحث المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين والمندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد في أنقرة أمس تطورات الملف السوري.

وانتقد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، قائلاً إن «تركيا تعلم مع من يتعاون ماكرون في سوريا»، في إشارة إلى دعم «وحدات حماية الشعب» الكردية.

من جهة آخرى، أعلنت إسرائيل تدمير «نقطة مراقبة متقدمة» للجيش السوري في الجولان.

———————

تفاهم بين أهالي منبج و«الإدارة المدنية» لإلغاء التجنيد الإجباري

تركيا دفعت بمقاتلين في اتجاه المدينة بريف حلب

القامشلي: كمال شيخو – إدلب: فراس كرم

تراجعت «الإدارة المدنية» في منبج ومجلسها العسكري عن قانون خاص بالتجنيد الذاتي، وسط استمرار المباحثات بين وجهاء المنطقة وشيوخ العشائر وقادة الحراك المدني مع مسؤولي الإدارة والمجلس العسكري، في سبيل تهدئة الأوضاع، بعد احتجاجات قُتِل فيها خمسة أشخاص.

وقال محمد أبو عادل القائد العام لـ«مجلس منبج العسكري» لـ«الشرق الأوسط»، إنهم عقدوا اجتماعاً أمس مع وجهاء المدينة وشيوخها وأبناء المنطقة، وقرروا إيقاف العمل بحملة واجب الدفاع الذاتي في منبج وريفها وإحالتها إلى الدراسة والنقاش، «على أن يتم إطلاق سراح جميع المعتقلين في الأحداث الأخيرة، وتشكيل لجنة للتحقيق والتقصي في الحيثيات التي تم فيها إطلاق النار، ومحاسبة كل مَن كان متورطاً في تلك التجاوزات»، وأضاف القيادي العسكري أن الإدارة المدنية والعسكرية وشيوخ العشائر، «ونزولاً عند رغبات ومقترحات وجهاء وشيوخ العشائر، وبهدف الحفاظ على أمن واستقرار البلد والسلم الأهلي والتعايش المشترك، وحرصاً على وأد الفتنة وحقن الدماء تم إيقاف العمل بواجب التجنيد الإجباري».

في السياق، أعلن قادة الحراك السلمي، وكبادرة حسن نية لقبول الوساطة، إيقاف جميع الاحتجاجات وإمهال الإدارة ومجلسها العسكري والوجهاء حتى يوم الجمعة، 11 يونيو (حزيران)، ونشرت صفحة «منبج الشعب» مطالب الحراك المدني على أن يتم تنفيذ جميع البنود التي تم الاتفاق عليها في اجتماع الوجهاء مع قيادة «قسد»، أمس، إضافة إلى عقد صلح «بين الإدارة الذاتية مع جميع أهالي الضحايا الذين سقطوا في التظاهرات وتلبية شروطهم ومطالبيهم»، إلى جانب معالجة جرحى الاحتجاجات على نفقة الإدارة، «وتوفير المحروقات والغاز المنزلي والإسمنت بسعر مقبول، وفصل الفاسدين والمفسدين ممن يعطلون شؤون المواطنين، وعدم ملاحقة أو اعتقال أو محاسبة أي شخص شارك أو دعم الاحتجاجات، وفتح المعابر أمام الحركة التجارية».

واتهم رئيس المجلس التشريعي في منبج، محمد علي العبو، «أيادي خبيثة بالسعي إلى خلق الفتنة وضرب الأمن والاستقرار في المدينة». وأشار المسؤول المدني إلى أن سوريا عموماً ومناطق شمال شرقي البلاد خصوصاً تمر بمرحلة صعبة وحرجة من عدم الاستقرار السياسي والحصار من كل الاتجاهات، «نحن جزء من سوريا، ومنبج تحظى بأهمية كبيرة من خلال موقعها الجغرافي، والتجانس الموجود بين أطيافها ومكوناتها وحالة الاستقرار التي وصلت إليها، وهذا الأمر لا يحلو للكثيرين، المتربصين بأمن واستقرار مدينتنا»، منوهاً بخروج عدد من الأهالي للتعبير مطالبهم «وفيما سارت الأمور في مسارها الصحيح، حاولت بعض الأيدي التي لا تريد تحقيق هذه المطالب زرع الفتنة بين الشعب، والتحريض على التخريب والسعي لضرب استقرار المدينة، وخلق فوضى بين أهلها».

وقال ناشط ميداني إنه «شوهد دخول رتل عسكري تابع للقوات الروسية يضم عدداً من السيارات العسكرية والمدرعات برفقة عناصر من قسد إلى مدينة منبج»، في محاولة من الأخيرة الاستعانة بالجانب الروسي لتهدئة الأوضاع في المدينة والقرى المجاورة وعقد مباحثات مع عدد من شيوخ العشائر في مركز مدينة منبج، من بينهم إبراهيم سيلاش، شيخ عشيرة أبو سعيد، والضغط على شيوخ ووجهاء العشائر في المنطقة وفرض سياسة الأمر الواقع.

من جهته، قال الناشط مروان الحلبي إن الفيلق الثالث التابع لـ«الجيش الوطني السوري» المدعوم من تركيا، دفع بتعزيزات عسكرية «آليات عسكرية ومقاتلين» إلى خطوط التماس مع منطقة منبج شمال حلب، لمراقبة تطورات المشهد في المنطقة، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن تجري مفاوضات بين «قسد» والنظام السوري لتسليم الأخير منطقة منبج، ما لم تستطِع «قسد» السيطرة على الموقف.

تتبع مدينة منبج محافظة حلب وتبعد عنها نحو 80 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي، كما تبعد نحو 40 كيلومتراً فقط عن الحدود التركيّة، تحولت بعد 10 سنوات من اندلاع الانتفاضة السورية إلى مسرح للقاء الأطراف الخارجية والداخلية في الحرب الدائرة، بما فيها الجيش الأميركي الذي يدعم مجلسها العسكري، ويفصل بين قوات الأخيرة مع فصائل «الجيش الحر» ومسلحي الجيش الوطني المدعومة من الجيش التركي المنتشرة في شطرها الغربي، وتعد نقطة التقاء القوات الروسية والقوات النظامية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، وتنتشر في جهتها الغربية الجنوبية، وهذه الجيوش تتصارع للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية المطلة على الطريق الدولي السريع (M4)، وتشكل نقطة أتصال بين ثلاثة محافظات، وهي حلب والرقة والحسكة.

—————————

14 مليون صوت وبشار حانق/ محمود الوهب

أدرك من استمع إلى خطاب بشار الأسد، بُعَيْدَ الانتهاء مما سميت مهزلة الانتخابات، من اللغة البذيئة التي استخدمها، كم هو مقهور وحانق. ما يعبِّر عن حجم الرعب الذي يعبث بداخله، ويلفُّ مستقبله الغائم في ظل تحدّيات الأوضاع السورية التي صنعها بيديه، أو بسبب رعونته التي قادت البلاد إلى ما هي عليه. تنتظر حلولاً، ولكن لا حلول بوجوده، فتراه مرتبكاً بائساً أمام انكشاف عورات النظام الذي يرأسه، فعلى الرغم من حجم الاحتقار الذي أبداه وأجهزته الأمنية والعسكرية والحزبية، للشعب السوري وفئاته كافة، من خلال محاولات تصغيره، وإذلاله بجعله يمارس تفاهات لوازم انتخاباته التي تجاوزت أبسط القيم الأخلاقية، فقد جعل المواطن يمارس، بإرهاب أدوات النظام، أفعالاً لم يكن ليفعلها لو أنه يمتلك حرّيته، وحقه بالدفاع عنها. ولم يكتف النظام بمخبري الأجهزة والشبّيحة و”زلم” أثرياء الحرب، بل ألزم رجال الدين الذين يفترض أنهم يمثلون قيماً أخلاقية تتسم بالقدسية، فسيَّرهم بمظاهرات، كالشبّيحة والطبّالبين وسواهما، يتضرّعون إلى الله، بأسلوب شعبوي، أن يحفظ لهم قائدهم. وأتبع ذلك بحفلات دبك ورقص وتهريج، وتمجيد للرئيس الذي لا مثيل له إلا في الدول المشبعة تخلفاً واستبداداً. وكان أبوه قد أخذ أسلوب تلك الانتخابات عن كوريا الشمالية المأخوذة أصلاً من شكل انتخابات الاتحاد السوفييتي السابق، وكانت سبباً في إسقاطه إضافة إلى أسباب عديدة أخرى! وعلى الرغم من وجود مرشّحين خلَّبيين كثر بقي منهم اثنان، تصدَّق عليهما بحفنة أصواتٍ تكاد ألّا تذكر ليشير إلى الفارق الكبير بينه وبين أي مرشّح آخر من أبناء الشعب، وكأن هؤلاء في أسوأ حالاتهم مقطوعون من غصنٍ يابس، فلا أهل لهم، ولا أصحاب، ولا أسر أو عائلات أو أنصارا يمنحونهم مقداراً معقولاً من الأصوات.. والحقيقة أن المرشَّحَيْن ارتضيا على نفسيهما أن يكونا ذلك القرد الذي كنا نتفرج عليه، أيام زمان، إذ كان “القرداتي” يدور به على تجمّعات الناس، ليجمع بعض النقود مقابل حركاتٍ يؤدّيها القرد. وليس ذلك فقط، بل جاءت كل خطوة قامت بها تلك الأجهزة هزيلة، وأعطت عكس مبتغاها. حتى إنَّ بصمات الدم التي قام بها بعض العسكريين كشفت عن حالة التباهي بالغشّ والتزوير دونما أي خجل أو اعتبار لأية قيمة قانونية أو اجتماعية أو أخلاقية.

جمع متابعون حجم الأصوات التي نالها، وطرحوا وقسموا وقارنوا، ثم تبينوا أنها فاقت عدد سكان سورية كباراً وصغاراً، حتى إنَّ عدد سكان سورية نفسه قد ازداد ليبلغ الضعف أو دونه بقليل. وتجدر الإشارة إلى أنَّ ترامب وبايدن حصلا مجتمعين في انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على نسبة 40% من عدد سكان الولايات المتحدة البالغ نحو 320 مليون نسمة، وهؤلاء هم الذين يحق لهم الانتخاب، علماً أن المجتمع السوري أكثر شباباً، فأعمار من هم دون سن الانتخاب أكثرية، يعني أن نسبة من يحق له الانتخاب أقل من الأرقام التي ظهرت. وإذا ما افترضنا أن انتخابات الأسد كانت حامية بالقدر نفسه، ونزيهة بالمعايير ذاتها، فيكون عدد سكان سورية أكثر من 35 مليون إنسان من دون حساب أكثر من 12 مليون مهجر، تحت طائلة الموت، أو مقيم خارج مناطق سيطرته لنظامه، فهؤلاء جميعاً، في عُرْفِ بشار، ثيران هائجة وخونة وعبيد للدولار، كما وصفهم خطابه!

يعلم الأسد قبل غيره أن تدمير سورية الذي جرى على يديه، وأيدي من وصفهم بالإخوة، (الروس والإيرانيين)، لأن هؤلاء طالبوه بإجراء انتخاباتٍ حرّة وديمقراطية، تسمح بتداول السلطة، ولا أحد يعرف ما الذي أخافه حينذاك، إذا كان قادراً بالفعل على حيازة 14 مليون صوت حلال، وليدفع جيشه لمواجهة المطالبين بالانتخابات الحرة! ثم ليدير ظهره للمبادرات العربية التي لم يكن جوهرها غير اللجوء للانتخابات الديمقراطية حلاً سورياً سورياً.

لغة بشار الأسد في ذلك الخطاب، وعلى الرغم من كل الارتياح الذي ظهر على وجهه المحسَّن بالبوتكس، أكّدت أن النظام فشل في تجميل صورته، فلم يستطع تمويه عملية الانتخابات لتكون طبيعية. وإذا كان أمر تزوير الانتخابات لا يهمه، إذ هي تجري على هذا الشكل منذ تولى والده السلطة. وتؤكد لغة الخطاب الغاضبة أن النظام يقف اليوم وجهاً لوجه أمام الاستحقاق السوري المؤجّل.. وهو إعادة الإعمار، وترحيل الاحتلالات، واستعادة ثلث الأراضي السورية بثرواتها الجمّة من شاغليها ومستثمريها! وإعادة لم شمل السوريين على أرض وطنهم، التي هي في صلب الحلول المنتظرة، وإن كان الخطاب يحمل، في نبرة تخوينه، فكرة الاستغناء عن المهجّرين. وقد يبدو هذا الأمر طبيعياً لمن لم يفهم الوطن إلا مزرعة له ولأسرته وللضاربين بسيفه. أما إذا كان يعوِّل على الروس، وعلى حدوث اتفاق بين أميركا وإيران، لتعود الأخيرة، وقد استردّت أنفاسها، ومع عودة العرب الذاهبين إلى التطبيع معه، ومع إسرائيل، يمكنه الاستغناء عن المهجّرين أجمعين، وتقديم شيء ما لهؤلاء الذين دبكوا، ورقصوا، وتصاغروا أكثر مما ينبغي، فتلك أيضاً مجرّد أوهام يكذّبها الواقع.

وأخيراً، إذا كان خطاب رأس النظام السوري يوضح أن الانتخابات لم تفكك له العقد، فلا شكّ أن الأمر منوط بموازين القوى الدولية، وبمصالحها، وبمدى احترام الدول الكبرى قرارات الأمم المتحدة، وخصوصا القرار 2254. بيد أن الأمر مرتبط أيضاً بما يمكن أن تبدو عليه المعارضة من وحدة وتماسك ومرونة تحالفات، وتأكيد وحدة سورية أرضاً وشعباً، والتفاف حول شعاراتٍ ديمقراطيةٍ تحقق المواطنة الكاملة، وتعمل في إطار تلك الوحدة على تجاوز أي لونٍ من ألوان التمييز بين المواطنين من الذي كان سائداً زمن الاستبداد، فعلى إنجاز ذلك يتوقف الكثير، ولا مجال للانتظار، فالزمن لا يرحم.

العربي الجديد

————————–

الأمم المتحدة تحذر من كارثة في سوريا إذا أغلق معبر المساعدات

قال مسؤول إغاثة كبير بالأمم المتحدة، الخميس 3 يونيو (حزيران)، إن ملايين الأشخاص في شمال غربي سوريا سيواجهون كارثة إذا لم تنجح الأمم المتحدة في تمديد عمليات الإغاثة الإنسانية عبر الحدود الشهر المقبل.

وهناك نحو ثلاثة ملايين، كثير منهم شردهم القتال في أماكن أخرى بسوريا خلال الصراع الممتد منذ عشر سنوات، يلوذون بالمنطقة القريبة من الحدود مع تركيا بعيداً من سيطرة نظام بشار الأسد.

واقتصر إدخال المساعدات عبر الحدود مع تركيا في العام الماضي على منفذ واحد بعد اعتراض روسيا والصين، صاحبتا حق النقض (الفيتو) بمجلس الأمن الدولي، على تجديد العبور عبر منافذ أخرى. وتلوح مواجهة جديدة في الشهر المقبل، عندما يحين موعد تجديد تفويض العمليات.

كارثة محتملة

وقال مارك كتس، نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية المعني بالملف السوري، “ستكون كارثة إذا لم يتم تمديد العمل بقرار مجلس الأمن. نعلم أن الناس ستعاني بحق”.

وأضاف كتس لوكالة “رويترز” عند مركز تقديم مساعدات في بلدة ريحانلي الحدودية التركية، “نتوقع من المجلس أن يجعل احتياجات المدنيين في المقدمة… في شمال غربي سوريا هناك بعض من أشد الناس احتياجاً على مستوى العالم”.

وحالياً تعبر نحو ألف شاحنة تابعة للأمم المتحدة إلى داخل سوريا شهرياً، لتوصيل الطعام والإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية عبر منفذ باب الهوى وهو الوحيد المفتوح، في محاولة لتلبية احتياجات أربعة من بين كل خمسة أشخاص في شمال غربي سوريا.

“قسوة لا مبرر لها”

وقالت سفيرة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، للصحافيين خلال زيارة للمنطقة، “هذا هو شريان حياتهم”. وأضافت، “على مدى عام ونصف العام استطاع بعض أعضاء مجلس الأمن بشكل مخجل إغلاق معبرين آخرين إلى سوريا”. وتابعت قائلةً، “باب الهوى هو بالفعل كل ما تبقى… إذا تم إغلاقه ستكون هذه قسوة لا مبرر لها”.

وبعد إعلان مساعدات إضافية بقيمة 240 مليون دولار للسوريين والدول المستضيفة لهم، قالت غرينفيلد إنها ترغب أيضاً في العمل مع روسيا على إيجاد سبل لتوصيل المساعدات عبر خطوط التماس مع المناطق الخاضعة للنظام السوري.

نقص في التمويل

وتتهم روسيا، الداعمة للأسد، الدول الغربية بتجاهل الدور الذي قد تعلبه الإمدادات التي قد تعبر من دمشق.

وقال كتس للمبعوثة الأميركية في إفادة قرب الحدود، “أمضينا أكثر من عام في التفاوض مع كلا الجانبين لتمرير المساعدات عبر الخطوط الفاصلة وعبر الحدود”. وأضاف، “على الرغم من كل جهودنا لم ننجح في تمرير ولو شاحنة واحدة عبر الخطوط الفاصلة (مع مناطق النظام). هذا ليس بسبب عدم المحاولة من جانب الأمم المتحدة لكن بسبب أنها منطقة حرب”.

وأشار كتس إلى أنه بجانب الصعوبات المتعلقة بالقيود على التنقل، فإن عمليات المساعدة تعاني من نقص التمويل. وقال لغرينفيلد، “ما نحتاج إليه بشدة هو زيادة التمويل. نحتاج الوصول بصورة أكبر وليس أقل”.

————————

موسم صيد انتخابي في دوما/ سعيد سامر بلبيسي

يمشي على مهل متفقداً ما أنجز من دمار، متبخترا مع عقيلته وهو يرسم على وجهه ضحكة تشوّه الوجود.

“نعم هنا قتلنا وأشعنا البغض ونثرنا الأشلاء. هنا جربنا طرقا مختلفة من القتل، منها الغاز الذي نهب أحلام وأعمار الأطفال”. يضحك مع زوجته وهو يشير الى بيوت كانت تضمّ أرواحاً وعائلات ومستقبلاً حاول الانبلاج، لكنه مسحها بلمح البصر، هكذا بإشارة صغيرة منه.

يضحك ويقول مستهزئا: “إنهم ملكي، وأنا لي القرار في حياتهم وموتهم. نعم هي مدن الصناديق التي أنظر إليها من الأعلى. وحين لا يعجبني ذاك النسق من الأبنية فليذهب إلى الجحيم بمن فيه”. يضحك ويهمس في أذنها: أنظري كم هم خانعون وقد جعلت الذل عادة لديهم، هم أناس لا يمكن احتمالهم حتى في ولائهم، فمن لم يمت بالقذائف والرصاص، سنقتله جوعاً، وكمداً على أطفاله وعائلته. سيختارون ما أرى، وما أريد، وما أرغب بالتأكيد، لا لن يختاروا وإنما سيفعلون ما يؤمرون به.

هي تلك اللوحة الفنيّة من ضمن مجموعته التي يسودها احمرار القتل وسواد الكره، وتراكم الحقد. نكاد لا نصدق أن بشراً يستطيع تشكيلها، كيف يتباهى القاتل بجريمته؟ كيف يجبر الضحايا على الانصياع  والاستسلام لما فعله بهم؟ أو.. كيف يسوقهم إلى مذبحة يليها الامتهان وهم صاغرون؟

يعود بالمجتمع البشري إلى بدائيته، يعلن أنه المسيطر ولن يقف في وجهه أحد، ومن يفعل بعد كل هذا الفتك؟ فعلياً لم يتبق أحد. يعي تماماً أنّه ليس الأقوى، لكنه يستعين بالكثرة على الشجاعة، وبالخديعة والكذب. هو يشيع جواً موبوءاً بالمقت والإذعان. يقف بينهم ويلقي بكلماته الجزافية ولا يملك مَن حوله إلا التصفيق والإعجاب، متواطئين أو مرغمين، فالمهم أن يلقى التقديس الذي يستحقه، الإكبار الذي يجده في ركل جثث الأطفال والنساء، والتعالي فوق عذابات الناس ومعاناتهم، مرخياً على حياتهم قهراً وحرمان.

هو الواحد ولا سواه، ينطق بما لم ينطق به مخلوق من قبل! يشرح الواضح من الأشياء جميعها، يفسّر المفسّر، يلقي بتعليماته متوعّداً، ويكمل أسطوانة الصمود والانتصار. نعم لقد انتصر، فقد نجح في تشبثه بالحكم وليس من الضروري أو المهم اعتراف أحدهم بهذا، لا بل من المهم أن لا يكون مقبولاً لأحد. هو لم يعتد أن يُرضي أحد سوى من كان سبباً لبقائه في سدّة الحكم. أما هؤلاء الرعاع تحت جناحه، فهو ليس بحاجة إلا لخضوعهم وتقبّلهم ظلماً يكيله لهم كل يوم وساعة.

يعظهم دائماً لئلا يغيب عن بالهم تسيّده وجبروته، وتكون عظاته مبطنة بوعيد لا يخفى على أحد. لا نعرف عن أسماء أمراضه الكثيرة، لكن ليس أولها ساديةُ الاستمتاع بالعذاب والأنين والظلم، ولن يكون آخرها شيزوفرينيا جنون العظمة، حيث هو ولا سواه من يستطيع أن يكون كفؤاً في كل شيء، وكل ما عداه هم له سدن، نعم هو أو لا أحد.

لزوجته مظهر جميل يخفي في ثناياه تلك الشراسة الغير واضحة المعالم. شكل هلامي مسموم ينساب عبر شقوق الوجع، يفاقمها، لم تمر بجرح للناس إلا وألهبت فيه قروحاً والتهابات. يشعر من يقابلها بوطأة ضباب ثقيل، هو مزيج من ذاك التناقض في كلمات الأمل الصادرة عن تعابير جامدة، متركّزة بنظرة متفحصّة تنمّ عن معنى كامن  ينضح بمجهوليّة النوايا، وذاك الإحساس بالسطوة العمياء في إصابتها لحيز غير معلوم. ولعل الحكم القاسي بما يخصّها نابع عن مشاركتها الحكم على نحو غير خفي، يتوضّح ذلك في النشاطات والجمعيات والاجتماعات وإلقاء المواعظ والتعليمات.

في انعدام مبررات استحقاق القيادة على أساس منطقي أو عقلاني، يتم اعتماد النهج التقليدي في الصمود أمام المؤامرات العالمية، والتي تستهدف البلاد بشخص القائد، لا بل تحقيقه الانتصار تلو الآخر على قوى عظمى، والذي يتمثّل بالبقاء حاكماً. وكذلك تحقيق النصر على قوى داخلية تحاول النيل من المجتمع والناس بشخصه، هو ذات المبرر لإحكام سطوة أمنية تقمع وتهدد وتبتلي الناس في كل نواحي حياتهم وتضرب بيد من حديد. كم سمعنا عن الظلم والهوان والمعتقلات والتعذيب؟ كم يتربصون بالبسطاء والضعفاء، وكل يريد أن يحيا كانسان، أو يفكر؟

إطلاق اليد بدون أيّ رادع، وبالأخص الأخلاقي، يمنح العته شكلاً بهيميا، ولابد أن يكون الناس له من الشاكرين على سحقهم واستبداده بهم، بل لا بد أن يشعروا بالإجلال لئلا يبطش بهم فوق بطشه ذاك. نعم لقد نافس أعتى المفكرين والفلاسفة في سعيهم لإثبات أن مفاهيم الانسانية تتجلّى بالقيم الأخلاقية التي تسعى إليها المجتمعات لتعلو إلى مقام الحضارة. لقد قلب المعادلة الانسانية رأساً على عقب وأعمل بالقيم القتل تلو الاقصاء ليبقى. هو يضع المدن والناس على الطاولة أمامه ويلعب مع زوجته كإله النّرد، يضحكون لسوء حظ من وقع عليه الاختيار لرفعه عن الرقعة نهائياً. لا يهم كم الدماء التي ستهرق، أو الأرواح التي ستزهق. هي لعبة يتسلّى بها مع زوجه لإمضاء الوقت فقط، وإتمام مهمّة لعبة الحكم، ولا يملّ منها أبداً، دائماً لابد من ضحايا، فلا يوجد سهولة أو تساهل في القيادة.

كان والده يمارس الحكم بجدّيّة، لم  يره  أحد يضحك إلا ماندر بابتسامة فيها الوعيد والتهديد، وتنم عن مكنون الحقد واستنفار العداء لأي نمط لم يعهده، أو لم يكن في الحسبان. كان رصيناً في قتله، واضحاً في استهدافه أعدائه من المثقفين والثوريين، وكذلك البسطاء المطالبين بالحرية والكرامة والعيش بسلام. حاصرهم وأشار عليهم بوضوح، وأعمل فيهم القتل والتدمير بكلّ صلابة. أما هو، فينظر لصورة والده ويضحك قائلاً: “لا ياأبي ما هكذا تورد جموع الشعب، الجميع هو عدو أو تابع أو أداة، لا وضوح للصورة ولا ثبات، الكل مشكوك بأمره ولا أمان لأحد، ولن يبق سواي وسأعيد شريط القتل دائماً لئلا يكون لي أحد بالمرصاد”.

في إعلان النصر على الضحية في معقل قتلها، شيء ما يستنفر الإنسانية جمعاء على نحو عام كما على نحو خاص، إذ كيف يتهادى المجرم بين أجساد ضحاياه مبتسماً وكأن حفل الصيد انتهى كما أراد؟ أم هي رياضة يمارسها ويستمر في احترافها دون أن يخفي رحمته بالمهللين من الضحايا، فقط لأنه تم تأجيل صيدهم إلى جولة أخرى؟

حكاية ما انحكت

————————

وكالة: اتفاق أمريكي- تركي في وجه “فيتو” روسي محتمل حول سورية

توصلت الولايات المتحدة وتركيا إلى اتفاق، أمس الأربعاء، ينص على العمل من أجل ضمان إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى الشمال السوري.

وذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية في تقرير لها أن واشنطن وأنقرة اتحدتا لإحباط المحاولات الروسية الرامية إلى عرقلة وتقويض القرار الأممي المتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها في الداخل السوري.

وبحسب الوكالة تم الاتفاق بين الجانبين خلال زيارة أجرتها المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إلى تركيا، التقت خلالها بمتحدث الرئاسية التركية، إبراهيم قالن وكبار المسؤولين الأتراك.

وأضافت أنه تم التوصل لاتفاق خلال الاجتماع يقضي بـ “العمل المشترك لضمان إيصال المساعدات الإنسانية دون انقطاع إلى شمال سورية”، وذلك بعد أن أشارت روسيا إلى أنها قد تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد تمديد مساعدات الأمم المتحدة المرسلة عبر الحدود التركية، بحسب “بلومبيرغ”.

وكانت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أجرت زيارة إلى تركيا، أمس الأربعاء، في جولة تستمر ليومين لبحث الاحتياجات الإنسانية “الملحّة” في سورية.

ومن المقرر أن تلتقي توماس غرينفيلد مع شركاء في المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة التي تقدم المساعدات للسوريين في الداخل، كما ستلتقي بمجموعة من اللاجئين السوريين للاستماع إلى تجاربهم بشكل مباشر، وسط توقعات بزيارتها لمناطق حدودية مع محافظة إدلب السورية.

ولم يتم الإعلان رسمياً عن اتفاق تركي- أمريكي فيما يخص المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، إلا أن الرئاسية التركية أصدرت بياناً حول زيارة المندوبة الأمريكية لتركيا، قالت فيه إنه تم التأكيد بين الجانبين على “إزالة العقبات من أجل إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود من تركيا إلى سورية عن طريق الأمم المتحدة، وضرورة بذل جهود مشتركة بهذا الصدد”.

ويأتي ذلك قبل أسابيع من تصويت مجلس الأمن على تمديد تفويض الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى الشمال السوري، والذي ينتهي العمل به في يوليو/ تموز المقبل.

وتسود مخاوف لدى العاملين في القطاع الإنساني من “فيتو” روسي- صيني في مجلس الأمن، قد يعطل القرار الأممي أو يقوض العمل به، ما يزيد من سوء الأوضاع الإنسانية لملايين السوريين في الشمال السوري.

يُشار إلى أن مجلس الأمن مدد العام الماضي قرار إدخال المساعدات إلى سورية، عبر معبر “باب الهوى” الحدودي فقط، والواصل بين إدلب والأراضي التركية، وذلك بعد ثلاثة أيام من تعطيل روسي- صيني، لمشروع قرار يتيح إدخال المساعدات عبر ثلاثة معابر، هي: باب السلامة، باب الهوى، معبر اليعربية مع العراق.

—————————–

ما وراء التقارب بين السعودية والنظام السوري

“أمر لا بد منه”، “حتمية”، “أمر حيوي”… تعددت العبارات الصادرة عن مسؤولين عرب في ما خص إعادة العلاقات مع النظام السوري، بعد قطيعة حدثت معه إثر قمعه العنيف للاحتجاجات الشعبية… وفي آخر فصول هذا “التراجع” تأتي خطوات السعودية التي أرسلت رئيس جهازها الاستخباري إلى دمشق، في زيارة غير معلنة، كما استقبلت وزير السياحة السوري مؤخراً في الرياض للمشاركة في اجتماع دولي.

مع ذلك، يعتبر محللون أن تقارب دول الخليج مع الأسد لن يخرج عن الإطار الدبلوماسي، طالما بقيت العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري قائمة، لأنها تقيّد وتعرقل إقامة علاقات مع دمشق.

في الرابع من أيار/ مايو، كشف مراسل صحيفة “الغارديان” البريطانية في الشرق الأوسط مارتن شولوف أن رئيس المخابرات السعودية سافر إلى دمشق للقاء نظيره السوري، في أول اجتماع معروف من نوعه منذ اندلاع الحرب السورية قبل نحو عقد من الزمن.

واعتبر شولوف أن الاجتماع الذي عُقد في العاصمة السورية في الثالث من أيار/مايو هو مقدمة لانفراج وشيك في العلاقة بين خصمين إقليميين كانا على خلاف طوال العقد الماضي.

ونقل عن مسؤول سعودي طلب عدم الكشف عن هويته قوله إن هذا التقارب “كان مخططاً له منذ وقت طويل، ولكن لم تتحرك الأمور”، مضيفاً: “تغيّرت مجريات الأمور إقليمياً ما سمح بهذه الخطوة الافتتاحية”.

لم يكن اللقاء بين مسؤولين صغار. فقد قاد الوفد السعودي رئيس إدارة المخابرات العامة في البلاد اللواء خالد حميدان، واستقبله نظيره السوري الجنرال علي مملوك، مهندس سحق الانتفاضة المناهضة للأسد والمحاور الرئيسي للقوات الروسية المتواجدة في سوريا.

وتزامنت الزيارة مع إرسال مسؤولين إيرانيين، في أواخر آذار/ مارس، رسالة إلى القيادة السعودية، من خلال مبعوث عراقي، أشاروا فيها إلى أن بلادهم تريد إنهاء الاحتكاك مع المملكة، بدءاً من اليمن، كما نوقشت مسألة خفض تصعيد التوترات في العراق وسوريا خلال محادثات بين الجانبين.

في تعليقه على الأمر، وبعد تنويهه إلى أن بلاده لم تعلن أي شيء في هذا الصدد، قال الكاتب السعودي عادل الحميدان إن “الغارديان” أشارت في تقريرها المذكور إلى أن تطبيع السعودية لعلاقاتها مع سوريا سيحدث عقب عيد الفطر، وهو ما لم يحدث.

وأضاف لرصيف22: “لم يحدث أي تغيير حتى لدى الجانب السوري. لا تزال ذات النبرة”، مستطرداً: “من الطبيعي أن يحدث تقارب طبعاً. نرى التغيير في كامل المنطقة في مرحلة ما بعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. رأينا التغيير مع تركيا وقطر. حتى إيران أرسلت رسالة تهدئة”.

هذا التحفّظ على قراءة رسائل الزيارة لا يظهر في حديث المؤيدين للنظام السوري، إذا يعتبر أستاذ العلاقات الدولية السوري عوني الحمصي أن “سوريا انتصرت، وعليه، فإن هذا التقارب سيحدث بحكم الضرورة والواقع بعد أن دحرت الإرهاب”.

ويقول الحمصي لرصيف22: “في كل الأحوال، دمشق دائماً تسعى إلى إيجاد علاقات مميزة مع جميع الأطراف الدولية، وتكون هذه العلاقة مبنية على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل”.

ويضيف: “الأطراف الشريكة في المخطط المعادي لسوريا بدأت تعيد حساباتها وخاصة أن المشروع الإخواني الممزوج بالعثمانية الجديدة المتمثل في النظام التركي الحالي بدأ يشكل خطراً على جميع الدول في المنطقة، والدليل أنه بدأ يعتقد بأن لديه فائضاً من القوة الإرهابية ويريد استثمارها في ليبيا وآسيا الوسطى ويهدد الاتحاد الأوروبي، إلخ. والأهم من ذلك ضرب الأمن القومي العربي، خاصة مع التدخل في ليبيا، أي في غرب السعودية ومصر”.

في المقابل، يبدي رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فاضل عبد الغني اعتقاده بأن السعودية لا تريد عودة العلاقات مع الأسد، مضيفاً أن “التعاون الاستخباري غالباً ما يكون قائماً ومستمراً بين مختلف دول العالم ولا علاقة له بالأمور السياسية”.

ويقول لرصيف22: “الإعلام السوري في العاصمة هو مَن يسرّب هذه المعلومات وهو مَن يحتفي بأتفه مسؤول يأتي إلى دمشق، من أجل التسويق للنظام، ولو نظرنا إلى الدول التي لها علاقات معه، فهي أقل الدول في سلّم الديمقراطية”.

يعبّر عبد الغني عن امتعاضه من خطوة عودة العلاقات السياسية بين البلدين لو صحّت، وإنْ كان يستبعدها. ويعتبر أن عودة العلاقات مع النظام السوري هي أمر مشين للسعودية “نظراً لاستمرار انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات القتل والتعذيب والاختفاء القسري”.

لماذا عودة هذه العلاقات؟

يرى مارتن شولوف أن هذه الخطوة ستكون بمثابة دفعة كبيرة للأسد، الذي تشبث بالسلطة بدعم من روسيا وإيران مع انهيار سوريا من حوله، بعدما كانت الرياض مركزية في خطة الإطاحة به، من خلال تسليح القوات المناهضة له.

ويضيف أن التغيير في السياسة السعودية تجاه الصراع في سوريا بدأ بالفعل عام 2015، بعدما تدخلت روسيا في الحرب السورية وغيرت مسارها، وهو ما دفع بحليفيها الإقليميين، مصر والإمارات، إلى التقارب مع دمشق.

وأعادت الإمارات والبحرين علاقاتهما الرسمية مع النظام السوري أواخر عام 2018، بينما عيّنت عمان، التي لم تقطع علاقاتها مع دمشق، سفيراً لها في دمشق العام الماضي.

وفي تقرير نشره الباحثان الأمريكي جورجيو كافييرو والفرنسي ألكسندر لانغلوا في “منتدى الخليج الدولي”، في 27 أيار/ مايو، أكدا أن هذه القرارات تُظهر توجهاً عاماً في دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء قطر) نحو دعم عودة سوريا إلى الحظيرة الدبلوماسية العربية. وبرأيهما، يشكل إشراك السعودية في هذا الإجماع المتزايد بين الحكومات العربية انتصاراً دبلوماسياً كبيراً للأسد وداعميه، إيران وروسيا.

ونقلا عن محلل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى معهد “ستراتفور” رايان بوهل قوله: “إنني أميل إلى النظر إليه على أنه نسخة مما يحاول الإماراتيون القيام به في سوريا”، كما نقلا عن الأستاذ في جامعة ميشيغان جوان كول قوله إن الإمارات “مهدت الطريق” لاستعادة العلاقات السعودية السورية.

ويشير الكاتبان إلى الاعتقاد السائد وهو أن كثيرين في الخليج يرون أنه ما لم تحاول بلدانهم إغراء سوريا بالعودة إلى حظيرة العالم العربي، فإن الإيرانيين والأتراك سيعززون نفوذهم.

هذا ما يراه أيضاً الحميدان. يقول لرصيف22: “أنا شخصياً أرى في عودة سوريا إلى محيطها العربي أمراً هاماً جداً بالتزامن مع عودة العراق، ولإنهاء التوغل الإيراني والتركي فيها”.

من جانبه، قال مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما الدكتور جوشوا لانديس: “أدى الانقسام والضعف العربي إلى فراغ تسللت عبره تركيا وإيران”، وأضاف: “الطريقة الوحيدة لعكس هذا المسار هو بإعادة بناء الوحدة والقوة العربية”.

مع ذلك، يحذّر المحاضر في كلية الدراسات الأمنية في “كينغز كولدج”، أندرياس كريغ من أن التحرك السعودي سيكون مصحوباً بمخاطر كبيرة لأنه من الواضح أن السعوديين بحاجة إلى أن يكونوا متنبهين لواقع أن الأوروبيين والأمريكيين ليسوا مستعدين بعد لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، لذلك عليهم أن يخطوا بحذر.

وعليه، ستحتاج الرياض إلى تبنّي نهج دقيق يحفز دمشق على الابتعاد عن نفوذ طهران، دون أن تحتضن الأسد إلى درجة خلق مشاكل مع العواصم الغربية.

ويقول كافييرو ولانغلوا: “قد تدفع المخاوف من احتمال غضب شركاء المملكة الغربيين المسؤولين السعوديين إلى التحرك ببطء وحذر عند التعامل مع نظام الأسد. علاوة على ذلك، فإن عقوبات ‘قانون قيصر’ تعقّد أي حافز حقيقي لتعميق العلاقات لأن هذه العقوبات تمنع فرص تمويل إعادة الإعمار وهي المكافأة التي يمكن أن تقدّمها الرياض”.

ويضيفان: “بالنظر إلى المستقبل، من المحتمل أن تكون العلاقات السعودية السورية، مثل العلاقات الإماراتية السورية، غير اقتصادية وذات طبيعة دبلوماسية في الغالب ما لم تخفف واشنطن عقوباتها على دمشق”.

في سياق موازٍ، كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد أشاد بالحوار السعودي الإيراني خلال مقابلة مع “فايننشال تايمز”، لكنه لفت إلى أن المسؤولين الأمريكيين لم يدفعوا إلى عقد هذه المحادثات مباشرة.

وفي تقرير نشره مراسل مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في بيروت، أنشال فوهرا، في الأول من حزيران/ يونيو، أكد أن أصدقاء سوريا العرب بدأوا الآن، بعد أن عززت الانتخابات من قبضة الأسد على السلطة، بالضغط في الولايات المتحدة من أجل تخفيف العقوبات عن دمشق، كاشفاً أن مصادر لبنانية مقربة من النظام السوري أبلغته منذ عام 2018 أن السعوديين بدأوا تعاوناً استخبارياً مع الأسد.

وأشار إلى أن السعودية قدّمت إغراءت للأسد ليبتعد عن شراكته الاستراتيجية مع إيران، وأن “السعوديين والإماراتيين يريدون دفع تكاليف إعادة إعمار سوريا والسعي إلى تعاون استخباري مع الأجهزة الأمنية السورية لاحتواء الإسلاميين السياسيين المحليين”.

وقال مستشار المخاطر الجيوسياسية المقيم في المملكة المتحدة سامي حمدي للمجلة الأمريكية، إن الأسد محبط بالفعل من تقويض حكمه من قبل موسكو وحتى من قبل طهران، وإن وجود مزيد من الحلفاء سيمنحه مساحة أكبر للتحرك بين هذه الأطراف.

وأضاف حمدي: “بدأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على نحو متزايد بتبني خطاب قومي عربي ويعتقد أنه قد يكون من الممكن كسر الروابط بين إيران وحلفائها العرب”.

أما المحلل السياسي نيكولاس هيراس، فقد علّق بأن “الدول العربية التي تشعر بالقلق من أن تصبح شعوبها مضطربة وتتحول إلى معارضة مسلحة ضدها مهتمة الآن بتعلم الحرف التقليدية الاستبدادية من نظام الأسد”.

رصيف 22

———————–

سورية: جولة جديدة لمسار أستانة قبل نهاية الشهر الجاري/ عدنان أحمد

بحث المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، الوضع السوري وقضية المساعدات الإنسانية والتسوية السياسية مع نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، فيما أعلنت موسكو أن الجولة المقبلة من مسار “أستانة” حول سورية ستُعقَد في كازاخستان قبل نهاية الشهر الحالي.

وذكرت الخارجية الروسية، في بيان لها، أن فيرشينين وبيدرسون ناقشا بشكل مفصل، خلال اتصال هاتفي الوضع الحالي في سورية، وفق ما نقلت وكالة “إنترفاكس” الروسية، مضيفة أن الجانبين أكدا ضرورة “تكثيف المساعدات الإنسانية، ودفع عملية التسوية السياسية، على أساس احترام سيادة البلاد واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.

وكان المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، قد قال إن الجولة الـ 16 من مسار “أستانة” حول سورية ستعقد مع الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران) في العاصمة الكازاخية، نور سلطان، قبل نهاية حزيران الحالي.

وأضاف بوغدانوف، في تصريحات للصحافيين على هامش معرض سانت بطرسبرغ الدولي، أول أمس الخميس، أن الجانب الروسي سيجري الأسبوع المقبل اتصالات مع شركائه الإيرانيين والأتراك بشأن هذه المسألة، وفق ما نقلت عنه وكالة “تاس” الروسية.

ووفق بوغدانوف، تتوقع موسكو أن يُعقد اجتماع جديد للجنة المصغرة التابعة للجنة الدستورية السورية “في المستقبل القريب”، معرباً عن أمله أن يحدد بيدرسون موعد انعقاد اللجنة، حيث كانت هناك فكرة لعقد الاجتماع قبل الانتخابات في سورية.

تقارير عربية

الانتخابات المبكرة في سورية: شروط روسية تعجيزية لإجرائها

وصرّح بوغدانوف، الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية الروسي، قبل يومين بأنّ من الممكن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في سورية، إذا اتفق النظام السوري والمعارضة على دستور جديد، ونفذتا إصلاحات دستورية.

وعقدت الدول الضامنة لمسار “أستانة” في فبراير شباط الماضي، الجولة الـ 15 من المحادثات التي جرت في مدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود، وتضمن بيانها الختامي الحفاظ على اتفاق موسكو في إدلب شمال غربيّ سورية، دون تحقيق أي تقدم.

ومنذ نهاية مارس/ آذار الماضي، يجري الإعداد لجولة جديدة من أعمال اللجنة الدستورية السورية، التي تضمّ ثلاثة وفود (المعارضة والنظام والمجتمع المدني)، بهدف وضع دستور جديد لسورية، ولكن حتى الآن لم يُتَّفَق على موعد محدد لإجراء الجولة السادسة منها.

—————————–

سوريا بعد إنتخابات الأسد: أسئلة إعادة الإعمار/ بسام مقداد

ليست إنتخابات الأسد بذاتها هي، التي تحتم العودة إليها مجدداً ، بل هو التساؤل عما إن كانت ستحمل تغييراً  ما في الوضع الراهن للصراع، أم أنها، وبشرعية مموهة بديموقراطية وهمية ، مجرد تثبيت لمواقع الأسد فيه. سيناريو الإنتخابات عينه ما كان يستحق الإلتفات إليه منذ الإعلان عن الإنتخابات، إذ أنه سيناريو لا يمت إلى الإنتخابات بصلة ولا إلى الديموقراطية، حيث كانت النتائج و”المنافسين” ونسب فوز الأسد فيها مرسومة سلفاً. والسؤال، بالطبع، ليس إذا كان الصراع سوف يتواصل فصولاً أم لا، فالتطور العسكري للصراع رسّخ لدى النظام قناعته بالخيار العسكري لحل جميع القضايا، لكن السؤال هو عن الثمن  الذي سيستمر السوريون في دفعه، وكيف سيستثمر الإيرانيون والروس وسواهم من الأطراف الخارجيين في “الإنتصار” الجديد للأسد .

رئيس نقابة “التضامن الصحافي” الروسية إيغور ياكافنوكو نشر في موقع “kasparov” المعارض نصاً بعنوان “إتحاد البلدان غير الطبيعية. البلدان، التي أصيبت بعدوى الفاشية من روسيا بوتين، تصبح حليفة لها”. قال ياكافنوكو أن نسبة الأصوات، التي أعلن الأسد حصوله عليها، تتطابق تماماً مع النسبة التي أعلنها هتلر في الإستفتاء، الذي نظمه على خروج ألمانيا من “عصبة الأمم” العام 1933. ورأى أن الإنتخابات جرت في ظل مذبحة الشعب السوري ، التي ارتكبها بوتين مع زميله السوري، وهجرت 7 ملايين إنسان ودمرت البنية التحتية وقضت على الإقتصاد السوري .

في برقية التهنئة ، التي وجهها الرئيس الصيني جين بينغ للأسد، أعرب عن إستعداد الصين لتقديم الدعم لسوريا، وتطوير التعاون الصيني السوري لمستوى جديد. ورأى مدير معهد الشرق الأقصى في أكاديمية العلوم الروسية ألكسي ماسلوف في كلام جين بينغ، بأن الصين وعدت في الحقيقة بالمساهمة فقط في العمليات الإنسانية من عملية إعلدة بناء سوريا ، مثل إستقبال الطلاب السوريين في جامعاتها. وهي ولن تشارك في إعادة بناء البنية التحتية: الطرق، المدن، ولن تقدم القروض لهذا الغرض، بل معنية في الإستثمار في المشاريع النفطية وبناء مصافي البترول في المنطقة، ولن تستثمر في هذه المشاريع في سوريا إلا بعد أن تتأكد من سيادة الأمن فيها، حسب موقع الصحيفة الإلكترونية “gazeta.ru” الروسي .

ويرى الخبير أن ثمة بعض التعاون بين الصين وروسيا في هذه المسألة، ويعتقد بأن الصين لن تدوس على المصالح الروسية في هذا المجال، لأن موسكو كانت تنوي سابقاً تقديم المساعدة الإنسانية لسوريا، من دون أن يوضح متى كانت تنوي ذلك ، قبل التدخل العسكري أم في أثنائه .

وتقول المستشرقة يلينا سابونينا للصحيفة ، بأن روسيا معنية في أن تستثمر الصين في سوريا ، وهي التي تُعتبر أحد البلدان القليلة المتوفرة لديها أموال طائلة. وترى أنه ليس بوسع بلد بمفرده أن يعيد إحياء الإقتصاد السوري، ولذلك فإن رغبة الصين بالتعاون مع سوريا مفيدة،  ليس سياسياً فحسب، بل وإقتصادياً أيضاً. والأوروبيون الواقعون تحت ضغط الولايات المتحدة ليسوا مستعجلين لمساعدة سوريا ، ولذلك يمكن القول أن لدى دمشق الآن أملاً وحيداً في روسيا والصين وبلدان الخليج العربية ، التي تعيد إحياء علاقاتها بسوريا .

البروفسور في معهد العلاقات الدولية في الخارجية الروسية سيرغي لوزيانين يقول للصحيفة ايضاً ، بأن علاقات التعاون الإقليمي بين الصين وروسيا في الشرق الأوسط وبلدان شمال إفريقيا قد تنشطت بعد العملية الروسية في سوريا. ورأى أن إهتمام الصين بسوريا عائد لخطر المنظمات الإسلامية الإرهابية المتطرفة في  منطقة الويغور، مما يدعوها لأن  تنشط الآن في سوريا أمنياً وإقتصادياً بالتعاون مع روسيا أو بمفردها. ولم يستبعد أن تظهر في سوريا شركات عسكرية صينية خاصة تعمل بموجب عقود .

 ويرى لوزيانين أن إنتخاب الآسد سوف يجعل العلاقات الصينية السورية، التي “على مستوى لا بأس به” الآن، أفضل أيضاً. كما يرى أن هذا الإنتخاب سوف يؤدي إلى “تحسن معين” في إستقرار الوضع، مما سيؤدي إلى تنشيط السياسة الإقتصادية الصينية حيال سوريا .

موقع “DW” الألماني الناطق بالروسية، نشر بعد يومين من إعلان نتائج الانتخابات  نصاً بعنوان “ما المنتظر من الأسد”، قال فيه بأن الأسد إنتصر مجدداً في الإنتخابات السورية ، وتساءل كيف سيؤثر هذا على الوضع، وماذا سيجري في سوريا لاحقاً ؟ ويشير إلى أن العملية الإنتخابية برمتها ــــــــ من إختيار المرشحين إلى فرز الأصوات ــــــ جرت بإشراف الأسد ، الذي يحاول شرعنة سلطته بواسطتها .

ينقل الموقع عن خبير مؤسسة “العلم والسياسة” الألمانية غيدو شتاينبرغ قوله بأن ليس لدى الأسد حافز لإعتماد الحل السياسي، طالما أنه يسيطر على ما يسيطر عليه من سوريا بالخيار العسكري .

وتقول كريستين هلبرغ الخبيرة بالشؤون السورية للموقع بأن الأسد مرتبط بروسيا وإيران، اللتين ساعدتاه في الإحتفاظ بالسلطة، وتنتظران الأن مكافأتهما. وهما تريان في سوريا “نوعاً من الغنيمة التي تتقاسمناها”،  وتتصارعان على النفوذ وسط الجيش السوري وأجهزة المخابرات والشرطة. سوريا لم تعد بلداً ذا سيادة. لقد إستثمرت فيها روسيا كثيراً ــــ سياسياً وعسكرياً، ويرى فيها بوتين نوعاً من “المدين المضطرب”، حيث من الواضح أن روسيا لن تستطيع بمفردها إستعادة الإستقرار إليها. الأمن في سوريا غير مستقر برأي الكثيرين، فالدولة الإسلامية “لم تغادر” سوريا، والآلاف من الإرهابيين لا يزالون يتخفون  في منطقة الحدود السورية العراقية ، والوجود الإيراني “حطر كبير” .

وينقل الموقع عن الخبيرة توسعها في توصيف الوضع الإقتصادي المنهار و”المعيشي الرهيب” في سوريا، الذي يجبر روسيا على البحث عن حلفاء لإعادة إعمار سوريا. ويعتبر بوتين ، برأيها،  أن لجنة الدستور السوري يجب أن تحرك الغرب لإقامة علاقات مع دمشق، ويقترح على أوروبا إعادة المهجرين السوريين إلى وطنهم ، لكن الأسد لا يريد ذلك ، وانتزع منهم بيوتهم ، ويستمر في إخفاء منتقدي نظامه .

وتشير هلبرغ إلى أن منظمات إنسانية كثيرة في أوروبا تريد مساعدة السوريين، لكنها يجب أن تحذر من أن تصل المساعدات إلى سوريا عبر الهيئات القريبة من النظام، مما سيعني دعم النظام وتعزيز المؤسسات، التي إنتفض ضدها السوريون. أوروبا تريد أن يعود المزيد من المهجرين السوريين إلى ديارهم ، لكن هذا لن يحصل طالما أن الأسد يحكم سوريا بهذه الطرق . وبدلاً من ذلك يجب أن تفرض عقوبات على مؤسسات وافراد محددين، والنقاش يجب أن يتم مع المجتمع المدني ، وتمويل إعادة إعمار سوريا لا ينبغي أن يكون إلا وفق شروط محددة .

المدن

——————————-

جمهورية أسماء الأسد تتمدد/ مهند الحاج علي

قبل يومين، نشر موقع “التقرير السوري” الاقتصادي أن مستثمرين سوريين، بعضهم على صلة بأسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري، أسسوا شركة ستستحوذ على ثالث رخصة خليوي في سوريا، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2001، أي قبل عشرين عاماً.

الشركة اسمها “وفا تيليكوم”، وهي وفقاً لتلفزيون سوريا، تضم شركات عدة (مُؤسسة) وهي: “ABC l.l.c” و”IBC advanced”،  و”IBC technology”، و”IBC telecom”،  و”tele space”، و”tell you”، ومقرها جميعاً في دمشق.

وأسماء سبق أن دخلت مجال الاتصالات في سوريا، في أعقاب النزاع بين زوجها الرئيس السوري ورامي مخلوف، والمحاولات الجارية لتقويض نفوذ الأخير. حينها تردد أن أسماء تقف وراء النزاع العلني. ذاك أن “محكمة القضاء الإداري الدائرة الرابعة بدمشق” أصدرت قراراً في شباط (فبراير) الماضي فرضت بموجبه الحراسة القضائية على شركة “MTN سوريا” للاتصالات، وهي المشغل الثاني للخلوي بعد شركة “سيرياتل”. كان لافتاً حينها أن القرار المنشور من “مجلس الدولة في سوريا” سمى شركة “تيلي انفست ليمتد” ممثلة برئيس مجلس إدارتها حارساً قضائياً لهذه المهمة بأجر شهري قدره عشرة ملايين ليرة سورية (2700 دولار أميركي وفق سعر الصرف الموازي). الشركة مملوكة لمحسوبين على أسماء الأسد، وبالتالي ستصير الأخيرة خليفة رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري، في مجال الاتصالات.

طبعاً، هذا الكلام يُعزز النظرية القائلة إن أسماء باتت صاحبة نفوذ واسع في الاقتصاد والسياسة أيضاً، إذ تبني امبراطورية اقتصادية لا بد أن تُمثل عاملاً مساعداً لحافظ بشار الأسد حين يتولى مقاليد الحكم خلفاً لوالده. في حال واجه حافظ الصغير انتفاضة شعبية، لن يكون عليه أن يتصل بابن خاله للحصول على الدعم بشكل مشروط ومتقطع، بل بإمكانه طلب المليارات في اتصال مع الماما مباشرة.

صحيح أن أسماء تدخل في المجال الاقتصادي مباشرة، وتبني نفوذاً خاصاً بها، من دون الاعتماد على أبناء أشقائها، كما فعلت أنيسة مخلوف. لكن لهذا النفوذ محاذير كثيرة في نظام كهذا، سيما مع شخصية من نوع أسماء، لجهة خلفيتها الاجتماعية وبيئتها غير السورية.

من الواضح أن نفوذ أسماء بدأ يظهر الى العلن بعد وفاة أنيسة مخلوف مطلع عام 2016، ما يعني أن غياب الوالدة الجامعة للعائلة، فتح المجال أمام هذا النمو “غير الطبيعي”. بيد أن أنيسة كانت مؤثرة على مواقع النفوذ المختلفة في العائلة، وأبناء أشقائها فيهم رجل أعمال مثل رامي، وأيضاً قادة أمن كحافظ مخلوف مثلاً. كما تضم العائلة أيضاً أصحاب نفوذ لا يخلون من الطموح والنفوذ في العسكر والأمن مثل قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد.  هل يقبل ماهر بهذا القدر من النفوذ؟ بالتأكيد لا، سيما أن للرجل طموحاً اقتصادياً ومالياً وسياسياً أيضاً.

ولا تملك أسماء كما يبدو، وعياً كاملاً لطبيعة النظام، على مستويي العائلة والطائفة أيضاً. إقدام إحدى جمعيات أسماء على اصدار هويات خارج مؤسسات الدولة للمتضررين من حرائق اللاذقية، كان لافتاً لجهة تجاوزها التوازنات الداخلية. هل تقبل عائلة الأسد بهذا النفوذ على حساب آل مخلوف؟ حتى إن أسماء في محاولتها الاستحواذ على القليل المنتج في الاقتصاد السوري، تُزاحم إيران وربما روسيا أيضاً. ولمثل هذه الخطوات، تبعات في الأمن والسياسة.

وأسماء فيها من سمات أبناء وبنات العائلات الثرية، أي أنها ترغب في اقتناء اللوحات والأحذية الباهظة الثمن، وهو ما كان واضحاً في رسائلها الالكترونية المسربة. ومثل هذا الشره للانفاق عبء على صاحبه، إذ يُغيّب المنطق والحسابات الداخلية، ويفتح الباب أمام نشوء عداوات وأحقاد عائلية.

وفي الطائفة أيضاً، ستُواجه أسماء صعوبات، إذ باتت سوريا، بعد الحرب وعمليات التطهير الطائفي فيها، أكثر علوية مما كانت قبل 10 سنوات. هل تتسع سوريا “المفيدة” الخارجة من حرب وحشية، لنفوذ سيدة من أصول حمصية ترعرعت في غرب لندن؟ الأرجح لا.

خلال سنوات قليلة، قد يجد بشار الأسد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما احتواء دور زوجته في الاقتصاد والسياسة قبل فوات الأوان، أو مواجهة تحد جديد من داخل العائلة والطائفة يُضاف الى متاعبه الكثيرة.

 ——————————-

ترقيع خطابات الأسد الفارغة..”تحرير الأرض” بدل إنعاش الاقتصاد/ عقيل حسين

اعتبرت بثينة شعبان، مستشارة رئيس النظام السوري بشار الأسد، أن أولوية النظام في المرحلة القادمة هي “تحرير الآراضي المحتلة” والعمل على استعادة العلاقات مع الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع سوريا خلال السنوات الماضية “متى كانت هذه الدول مستعدة لعودتها”.

جاء ذلك في لقاء مع قناة “الميادين”، خصص للحديث عن التوجهات العامة للنظام بعد الانتخابات الرئيسية، بعد أن خلا خطاب الأسد الذي أعقب إعلان فوزه بدورة جديدة مدتها سبع سنوات، من أي إشارة إلى ملامح سياسة النظام القادمة، محلياً وخارجياً.

وكانت كلمة الأسد قد قوبلت بانتقادات حادة حتى من جانب أوساط في روسيا، الحليفة الرئيسية للنظام، بسبب خلوها من أي إشارة إلى الأوضاع الاقتصادية وخطط تحسنها، حيث اقتصر الخطاب على التهجم على المعارضة وتوجيه الشتائم لها وتكرار مصطلحات التخوين والعمالة.

لكن شعبان فشلت هي الأخرى في تقديم أي إضافة مهمة تتعلق بالشأن الاقتصادي، وكررت إلى حد كبير مضمون خطاب الأسد لكن بلهجة أقل حدة، مكتفية بالكشف عن تغييرات حكومية قادمة، إلى جانب السعي لدعم القطاع الصناعي والزراعي في مناطق سيطرة النظام، دون تحديد أي آليات.

أمر يعتبره المستشار الاقتصادي بسام القاضي أنه “متوقع وطبيعي” في ظل معرفة النظام أن ليس لديه القدرة على فعل أي شيء لحل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها، وانعكست تدهوراً كبيراً على حياة السكان في مناطق سيطرته.

ويضيف في حديث ل”المدن”، أن “كل شيء اليوم خارج سيطرة الأسد، فلا موارد البلاد ولا مقدراتها تحت إمرته، كما أن النظام لا يمتلك الخبراء القادرين على إنتاج حلول للتخفيف على الأقل من أعراض الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سوريا”.

ويوضح أن “التضخم يزداد ونسب البطالة تجاوزت ال80 في المئة وهو رقم مرعب، أدى لأن يكون 90 في المئة من السكان تحت خط الفقر، وهذا طبيعي جداً إذا كان راتب رئيس الوزراء يعادل 60 دولاراً، وراتب الوزير أقل من 45.. بمعنى أن دخل الوزير أقل من دولارين في اليوم، وهذا بتعريف البنك الدولي يضعه تحت خط الفقر، فما الذي يمكن أن يفعله رئيس دولة تسبب في إيصال دخل المواطن إلى ما بين 15-30 دولاراً في الشهر؟”.

ويرى القاضي أن “كل شيء في سوريا يشير بوضوح إلى أن النظام سيظل عاجزاً عن تأمين المتطلبات الأساسية للحياة، وفي مقدمتها الوقود والكهرباء، وبالتالي فنحن أمام نظام غير متوازن، واضح عليه الإرهاق والعجز، وبالتالي ليس أمامه سوى تجاهل هذه الأوضاع والاختباء وراء شعارات متضخمة تهرب من الوضع الداخلي إلى العالم الخارجي”.

وكانت شعبان قدر ردت على سؤال لبرنامج “لعبة الأمم” حول سبب خلو كلمة الأسد من الإشارة إلى التوجهات العامة للنظام في المرحلة القادمة قائلة إن “هذه التوجهات بدأت ولم تنتظر خطاب القسم”، موضحة أنها كانت حاضرة من خلال شعار “الأمل بالعمل الذي فسّره الرئيس بلقائه رجال الأعمال القادمين من حلب وتأكيده على الصناعة والزراعة، والمشاريع الصغيرة”.

ورأت شعبان أن “الأسد لا ينتظر المناسبات لإطلاق المبادرات، ولذلك لم ألحظ انقطاعاً في التفكير بما يجب أن يكون، فالعمل مستمر وملامح المرحلة القادمة هي أن تحرير الأراضي التي تحت الاحتلال أولوية” حسب قولها.

وفي ما يتعلق بموقف الدول الغربية الذي ترفض الاعتراف بشرعية النظام ونتائج الانتخابات التي أجراها، وتشترط التوصل إلى حل سياسي قبل البدء بعملية إعادة الإعمار، هاجمت شعبان هذه الدول، ورأت أن شرعية الأسد أتت من ” الحشود الشعبية التي خرجت تأييداً” لانتخابه.

أمر يجمع المراقبون على أنه مجرد وهمٍ يحاول النظام تسويقه بين مؤيديه، أما عملياً فلا يمكن البدء بعملية إعادة الإعمار قبل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، وهو ما لا يمكن أن يحدث قبل إنجاز تسوية سياسية وفق القرار الدولي 2245، بينما يؤكد المستشار القاضي أن ما قالته شعبان “مجرد شعارات منفصلة عن الواقع”.

ويضيف “لم يكن مفاجئاً أن يتهرب رأس النظام من الحديث عن الواقع الاقتصادي وسبل الخروج من النفق المظلم، وبالتالي لم يكن متوقعاً أن تقدم مستشارته شيئاً مفيداً بهذا الخصوص، ومن الطبيعي أن تفشل في ترقيع خطاب الأسد على هذا الصعيد، إذ ليس لدى هذا النظام ما يقدمه، وحتى الوعود بات يتهرب من التصريح بها نتيجة تراكم العجز عن تحقيق أي منها على مدار أكثر من عقد قاد فيها البلاد من كارثة إلى أخرى”.

المدن

————————–

هل يمكن إعادة تعويم النظام عالميّاً؟/ عمار ديوب

إن دعم أمريكا وإسرائيل للنظام السوري هو السبب الجذري في بقائه من قبل، والآن تعويمه وتأهيله مجدّداً لحكم سوريا. ا

الفكرة السابقة لا تكترث جديّاً للدعم الإيراني والروسي، رغم أنّه هو من أنقذ النظام مرّاتٍ من الرحيل؛ وفي هذا فقط يمكن قراءة غياب الدعم الأمريكي للثورة والمعارضة. ولكن وللحق، هل من عاقلٍ يعتقد أن أمريكا ستدعم انتصار ثورةٍ شعبية؟ خطاب الأسد الأخير، وخفوت الرفض لانتخابه مجدّداً من الغرب، وتأخر أمريكا في تعيين مندوبٍ خاص بالإدارة في سوريا، يدعم حجج القائلين، إنّ التعويم قاب قوسين أو أكثر.

هناك ما يشبه الإجماع في تحليل الشأن السوري، ويؤكد أنّ تغيير هذا الشأن صار مرتبطاً بالتوافقات الإقليمية والدولية؛ المقصد أن لا تغيير جاد في تأهيل النظام أو إسقاطه دون تغييراتٍ فعليّة في تلك التوافقات. السؤال هنا: هل حدثت تغيّراتٍ في تلك التوافقات، لينبري بعض المحلّلين، ويؤكد أن النظام السوري أعيد تأهيله، وعليكم الإقرار بذلك؟ وحتى قبل خطاب “الانتصار” قيل ذلك الكلام.

لا شك أن واقع المعارضة السورية، وواقع “الثورة” وغياب المعارضة عن التأثير، ووجود روسيا وإيران خلف النظام، يدفع نحو فكرة التأهيل؛ لكن هذا المعطى ليس كل اللوحة السورية. اللوحة هذه تؤكد رفض أمريكا والغرب للانتخابات تلك، ورفض إعطاء سوريا لروسيا قبل التوصّل إلى صفقة حقيقية بينهم ومع روسيا، ومفتاحها تخفيف الحضور الإيراني، وإحداث تغييرات في بنية النظام، ومراعاة القرارات الدولية الرافضة لاستمرار النظام كما هو، وهناك قضايا دولية كثيرة تلاحقه. لا يكفي هنا الاستعانة بفكرة أن النظام لم يطرد من الهيئات الدولية، ليصار للقول إنّ الغرب سيقبله من جديد، وكما هو.

نضيف إلى ذلك، أنّ روسيا ذاتُها معاقبة أمريكيا وكذلك إيران، وهذا لا يخفف منه “اللهوجة” التحليلية في أن إيران سترفع عنها العقوبات وستتلقى مليارات الدولارات، وستظل سطوتها الإقليمية حاضرة. هذا ليس بتحليلٍ جادٍ للواقع، فالتوقيع على الاتفاق النووي لن يكون دون شروطٍ تضعِف من التمدّد الإقليمي لإيران، وكذلك لن يغير اللقاء المرتقب بين بايدن وبوتين الكثير من المعطيات، وفي حال كانت هناك ملفات جادة للنقاش، فلا يمكن لأمريكا أن تتجاهل القرارات الدولية والقضايا المرفوعة على النظام السوري أمام المحاكم الدولية وسواها.

وبالتالي، لا يمكن شطب السنوات بين 2011 و2021، وكأنّها من بنات الخيال الجامح؛ هذا لا ينسجم مع التحليل السياسي الصائب للعلاقات بين الدول، وطبعاً لا يعتمد الأمر على صحوة أخلاقية أو التذرّع بحقوق الإنسان، كما قيل إن بايدن يراعيها في سياساته الدولية؛ القضية تكمن في تعذّر التأهيل، نظراً لكثرة الوقائع التي لا يمكن شطبها أو تمييعها.

إنّ سياسات الغرب إزاء الشعب السوري وثورته، قد لا تدفع نحو تشدّدٍ ضد روسيا وإيران، والأخيرتان لن تغيرا كثيراً من سياساتهما، سيما على ضوء دعمهما الانتخابات الأخيرة، وتتفيه القرارات الدولية لجهة التغيير السياسي. وبالتالي، ورغم الحديث عن الاتفاق النووي، ولقاء بايدن وبوتين، فإنّ الأوضاع قد تستمر على حالها. أغلب الظن، سيستمر تفكك الوضع السوري، وليس فقط التفكك بمعنى تبعية إدارة قسد لأمريكا، والفصائل المعارضة لتركيا، وتحكم هيئة تحرير الشام بإدلب، بل وكذلك التأزم الشديد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمناطق تحت سيطرة النظام.

لا يمكن للتفكير العقلاني نسيان أنّ فاتورة الحرب تتجاوز الخمسمائة مليار، وهذه لن يدفعها أحدٌ للنظام السوري أو لروسيا، وهناك قانون قيصر مسلّط على رقاب حلفاء النظام، والخليج، ويمكننا إضافة هشاشة الوضع الأمني، وكذلك لم تحدث تغييرات كبرى في سياسات النظام الحالي، والتي لا ثقة بها إقليمياً ودولياً. وهنا لا يمكن القول بأنّ أمريكا هي فقط المانعة للإمارات أو السعودية من تدفق الأموال إلى سوريا. الإمارات متحالفة مع إسرائيل، وهناك تنسيق ومشاورات، ولنفترض أن إسرائيل تريد تأهيل النظام السوري، فهل يمكنها أن تفعل ذلك، وإيران تتواجد في سوريا وعلى حدودها، ورفضت كل الاقتراحات بالابتعاد عن تلك الحدود؟ هذه حجة إضافية للاسترخاء في تحليل الشأن السوري.

هناك تأزمٌ شديد في وضع النظام السوري، حيث يتأثر بسياستين متعارضتين دولياً، أمريكا وروسيا، ووضع إقليمي قلق ولم يستقر بعد؛ فهناك تعارضات بين تركيا وإيران وتنعكس على الأرض السورية، والوضع بين تركيا ومصر لم يتغير، وهناك شروط إسرائيل، وهي مؤثرة على روسيا وأمريكا، ونضيف تعارض المصالح بين روسيا وإيران، والاختلاف في مراكز الثقل الأساسية في السلطة ذاتها.

إذاً، لا يشكل خطاب الرئيس بشار الأسد جديداً عمّا سلفه؛ فكافة خطاباته ومنذ 2011، في الإطار نفسه؛ إطار الخيار الأمني والعسكري وتجاهل ما أصبحت عليه سوريا من احتلالٍ خارجي متعدد، وتهجير قرابة نصف سكانها، والدمار الهائل، وضرورة تبني خطاب جديد يتجه به للموالاة والمعارضة. إن الخطاب الحربي ذاك، لا يفيده في تأهيل النظام من جديد، ولا يفيد روسيا في تسليم أمريكا لها سوريا. وبالتالي، وربما من مساوئ قدر السوريين، أن الخيار الممكن حالياً هو استمرار الاستنقاع، والتفكك، وربما بعض الحروب الفاشلة ضد إدلب أو الحسكة أو في درعا وسواها، ولكن لن تكون حروباً حقيقية؛ فروسيا لن تدعمها ضد تركيا ولن تفتح معركة ضد أمريكا، وشروط إسرائيل واضحة، ولا سيما لجهة تحجيم الوجود الإيراني بشكل كبير.

الانتخابات الرئاسية وخطاب “الانتصار” يقودنا للقول إنّ ذلك الخطاب وواقع المعارضة لا يشيان بتغييرٍ في السياسات تجاه الوضع السوري؛ وهذا من أسوأ ما تواجهه سوريا، وأكثر مما تحبذه الدول الداعمة للنظام ولمعارضته المكرّسة. الممكن في سوريا إذاً، استمرار التفكك والاستنقاع والتأزم، ويظلُّ الحلّ بيد الخارج المختلف.

—————————

بثلاثة تحركات.. روسيا تعيد تفعيل “لعبة التسوية السياسية” في سورية

شهدت الأيام الماضية حراكاً روسياً لإعادة تفعيل “لعبة التسوية السياسية” في سورية، في خطوة لافتة جاءت بعد أيام من الانتخابات الرئاسية التي نظمها نظام الأسد في البلاد في السادس والعشرين من أيار/مايو الماضي.

وتمثل الحراك الروسي بتصريحات لمسؤولين روس حاولوا فيها تحريك المسارات السياسية الخاصة بالملف السوري، بينها مسار “أستانة”، مسار اللجنة الدستورية، إلى جانب الحديث عن شخص بشار الأسد وإمكانية إجراء انتخابات مبكرة في حال التوصل إلى دستور جديد.

وذكرت وكالة “تاس” الروسية، اليوم السبت أن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين ناقش مع المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسون عملية “التسوية السياسية” في سورية.

وقالت الوكالة إن النقاشات تركزت أيضاً على “ضرورة دفع مسار اللجنة الدستورية في جنيف”.

ما سبق جاء بعد تصريحات لنائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف أعلن فيها أن الجولة 16 من مسار أستانة ستعقد قبل نهاية شهر حزيران/يونيو الحالي.

وقال بوغدانوف لوسائل إعلام روسية قبل يومين: “الجانب الروسي سيجري الأسبوع المقبل اتصالات مع الشركاء الإيرانيين والأتراك حول ذلك”.

وكان لافتاً من حديث بوغدانوف تركيزه على “الانتخابات الرئاسية” في سورية، مشيراً إلى إمكانية انعقاد انتخابات مبكرة في حال اتفق النظام والمعارضة على دستور جديد، ضمن أعمال “اللجنة الدستورية السورية”.

وتحاول روسيا من تصريحها الأخير تخفيف الاحتقان الغربي ضد العملية الانتخابية الأخيرة، عبر المرواغة بالعودة إلى العملية السياسية المتمثلة بـ “اللجنة الدستورية” ومحادثات “أستانة”.

ويأتي ما سبق في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى اللقاء المرتقب الذي سيجمع الرئيس الأمريكي، جو بايدن ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين.

وقالت وسائل إعلام أمريكية، اليوم السبت إن الملف السوري سيكون على طاولة النقاشات بين الرئيسين، إلى جانب ملفات أخرى.

ولا تزال أعمال “اللجنة الدستورية” معلقة إلى الآن، منذ انتهاء الجولة الخامسة في يناير/ كانون الثاني الماضي.

وبينما يتحدث نظام الأسد عن “نزاهة وديمقراطية” العملية الانتخابية الأخيرة، تقول دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، بأنها “غير شرعية”، على اعتبار أن شريحة كبيرة من السوريين في الخارج لم تشارك فيها.

وانعقدت “الانتخابات” في ظل واقع اقتصادي متردي يعصف بالمناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، نتيجة انهيار الليرة السورية وارتفاع أسعار المواد الأساسية، إلى جانب أزمات معيشية وعلى رأسها أزمة الخبز والبنزين والكهرباء.

—————————–

خطاب الأسد وبذاءة المشهد/ عالية منصور

… وانتهت مهزلة الانتخابات في سوريا الأسد، وأطل الأسد ليخاطب من سماهم بالجماهير، ومن البديهي أنه عندما يكون النظام الحاكم في أي دولة كنظام الأسد، يختفي مفهوم المواطن والمواطنة ليحل محله مفهوم الجماهير.

أطل الأسد على جماهيره وأبدع كعادته منذ استلامه السلطة بتوزيع الاتهامات والشتائم، حتى يكاد لا يخلو خطاب للأسد من الشتائم والتخوين، كما لم يخلُ من “الأستذة”. يقول بشار لمن انتخبه: “لقد أعدتم تعريفَ الوطنية وهذا يعني بشكل تلقائي إعادة تعريف الخيانة”.

تحدث عن الثيران والثور والثورة والعلف. لغة شوارعية تليق به تماماً مهما حاول أن يتجمل، ولكن الحكاية كلها تكمن أن بشار الأسد لا يشعر بحاجة إلى أن يتجمل، طبعاً ما عدا عمليات التجميل الخارجية التي أجراها مؤخراً.

اختزل بشار الأسد سوريا بشخصه. لم يحاول أن يجامل المجتمع الدولي وتجاهل كل ما قيل خلال السنوات الأخيرة عن الحلول السياسية، مؤكدا أن إعادة انتخابه “ظاهرة تحد غير مسبوق لأعداء الوطن” وأعداء الوطن في هذه الحالة هو كل من لم يشارك بإعادة انتخابه، وكل من ثار عليه وأيضاً كل الدول التي رفضت الاعتراف بشرعية هذه الانتخابات.

لم يكن خطاب الأسد مجرد خطاب نصر، بل هو خطاب إصرار على استمرار الحرب على كل من عارضه ويعارضه، ممزوجاً بألفاظ اعتدناها منه. يقول بشار في خطابه إن ما قام به مواطنوه خلال الانتخابات الرئاسية السورية هو بمثابة “ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى حقيقي لا مجازي، ثورة ضد الإرهاب والخيانة والانحطاط الأخلاقي”، إصرار على أن كل من لم يشارك بمبايعته هو خائن وإرهابي. وحتى الأرقام التي أعلن النظام أنها عدد المواطنين الذين صوتوا للأسد، عدا عن كمية النفاق والتزوير والتضخيم فيها، إلا أنها أيضا إصرار آخر من قبل هذه النظام أن كل من هو خارج سوريا وخارج سيطرة النظام لا يعتبر سورياً أو على حد تعبير بشار “حملة الجواز السوري”، وهي عبارة خطيرة جداً وتنم عن أن بشار الذي بشر منذ سنوات بالشعب المتجانس، فإنه عمل جاهداً لتهجير من يراه لا يتفق مع الخضوع له ولسلطته المطلقة، فكل ما حدث في سورية من تدمير وقتل وتهجير كان للوصول لهذه اللحظة، حيث سوريا المفيدة التي يسكنها الشعب المتجانس، شعب بشار الأسد أو القابلين للخضوع له، هم السوريون بينما ملايين المهجرين هم مجرد حملة جواز سفر سوري، أن هذا التعريف بحد ذاته يعتبر جريمة إضافية تضاف لسجله الحافل بجرائم الحرب.

لقد تحدى بشار العالم من خلال الأرقام التي أعلنها قائلاً أن “الكلمة لي” ولا مجال بعد اليوم للحديث عن أي مفاوضات أو مباحثات، ولا حتى حل لموضوع اللاجئين والنازحين، علما أن أرقام بشار هي أكبر من عدد الذين يعيشون في مناطق سيطرته، حيث إن التقديرات تشير إلى أن العدد الكلي لمن يعيشون تحت سلطة بشار لا يزيدون عن 9 ملايين نسمة بمن فيهم الأطفال، بينما أعلن النظام أن عدد من صوت له بلغ أكثر من 14 مليون نسمة، والمفارقة أن بشار يعلم أن كل العالم يعرف أنه يكذب ومع ذلك فإنه وككل المرضى السيكوباتيين يستمتع بجريمته بتلذذ ووحشية تبدت من بين أسنانه وهو يتلفظ بشتائمه على السوريين وغيرهم.

واليوم وبعد مضي نحو أسبوع على خطابه، أعلنت الخارجية الروسية أن انتخابات مبكرة في سوريا ممكنة في حال اتفاق النظام والمعارضة على وضع دستور جديد، وبذلك تحاول روسيا أن تخدر موجة الغضب التي سادت في أوساط دول العالم التي رفضت الاعتراف بشرعية انتخابات بشار، فروسيا التي عطلت الحل السياسي طيلة عشر سنوات، ممعنة في إصرارها على إلغاء كل خريطة الحل الأممية وفق القرار 2254، وممعنة في مكافأة المجرم على جرائمه، وكل ما تحتاج اليه هو معارضة تقبل أن تستمر بهذه المهزلة، وتكون جزءاً من جماهير الأسد.

—————————-

==================

تحديث 06 حزيران 2021

—————————–

ما بعد انتخابات الأسد:هل نحن أمام مرحلة جديدة؟/ بكر صدقي

الأبدية التي طالما وٌصِفَ، أو وصف نفسه، بها النظام الأسدي، أو بالأحرى “الحقبة الأسدية” في تاريخ سوريا، لا تتعارض مع انقسامها إلى مراحل متتالية، حتى لو كان ذلك فقط استجابةً لتغيرات من خارج النظام، تغيرات “طبيعية” كمرض حافظ أسد في العام 1984 حين وجد النظام نفسه في مواجهة تمرد رفعت الأسد، أو موته، في حزيران 2000؛ أو تحديات داخلية كتمرد الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين بين 1979- 1982؛ أو خارجية كبداية الحرب الأهلية في لبنان 1975، أو الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، أو الاحتلال العراقي للكويت وما تلاه من تداعيات، أو تفكك الاتحاد السوفييتي، أو هجمات 11 أيلول 2001 على نيويورك واشنطن وما أدى إليه من احتلال العراق؛ أو تداعيات خطيرة تسبب بها بنفسه كقراره باغتيال رفيق الحريري… هذه الأحداث وغيرها شكلت مفاصل مهمة قسمت الحقبة الأسدية المديدة إلى مراحل لها سمات تختلف بها عما قبلها وما بعدها.

فهل هناك تغيرات متوقعة، في الفترة القادمة، قد تبرر اعتبار الانتخابات الرئاسية التي جرت في “سورية الأسد” الأسبوع الماضي، بداية مرحلة جديدة في الصراع السوري، أم أن كل شيء سيكرر نفسه كما كان قبلها، ولن يحدث أي تغيير إلا بمفاجآت غير محسوبة؟

هناك مستويان يمكن البحث فيهما عن مؤشرات لتغييرات قادمة (أو عدمها)، أولهما ما يتعلق بمجيء إدارة أميركية جديدة لم تعلن بعد عن تغيير يذكر في سياستها تجاه سوريا، وثانيهما يتعلق بمسار “العملية الانتخابية” نفسها، ما قبلها من تحضيرات، وما حدث في الصناديق وحولها، وما تلاها من أجواء احتفالية مبالغ بها.

مضت الآن قرابة خمسة أشهر على بداية ولاية إدارة جو بايدن، ولم يتم تعيين ممثل خاص لسوريا، وهو ما يعني بذاته أن سوريا ليست على سلم أولويات الإدارة الأميركية، وذلك بخلاف اليمن على سبيل المثال الذي أعلنت واشنطن إنهاء الحرب فيها أولوية. كما اتضح من تصريحات بعض أركان الإدارة والتحركات الدبلوماسية أن واشنطن مهتمة فقط بالعمل من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سوريا. وهو ما يعني أن إدارة بايدن تحاول التغطية على سلبيتها في التعامل مع المشكلة السورية (وهي مشكلة سياسية أساساً) بـ”إرضاء ضميرها” إنسانياً. أظن أنه من السذاجة انتظار ما يتجاوز ذلك من هذه الإدارة، إلا إذا حدث شيء مفاجئ من شأنه أن يرغم الأميركيين على التعامل مع المشكلة السورية كحالة طوارئ، حدث من نوع ارتكاب النظام لمجزرة جديدة بالسلاح الكيماوي مثلاً. أو إذا بادرت روسيا إلى تقديم تنازلات للوصول إلى توافق مع واشنطن بشأن الالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، أي القبول بالانتقال السياسي. وهذا تغيير روسي، إذا حدث، لا أميركي.

على المستوى الميداني لا يتوقع، في المدى المنظور، حدوث تغيرات كبيرة في خارطة الانقسام القائمة بين الدويلات السورية الثلاث الرئيسية، مناطق النظام وشرق الفرات والمناطق التركية في الشمال، وإن كان النظام سيستمر في حربه المتقطعة ضد منطقة “خفض التصعيد” الرابعة في محافظة إدلب وجوارها، فالتفاهمات الروسية – التركية هي التي ستضبط إيقاع الوضع فيها، وإن كانت العلاقات بين هذين الفاعلين ليست في أفضل أحوالها حالياً، لكن وصولها إلى انقلاب دراماتيكي ليس بين التوقعات.

يبقى إذن أن “برنامج النظام” للفترة القادمة هو العامل الوحيد الذي يجب التدقيق فيه لمعرفة هل نحن أمام مرحلة جديدة أم لا. صحيح أن النظام المهترئ وفاقد الاستقلالية تجاه حلفائه الأقوياء، ليس في وضع يسمح له بوضع وتطبيق برنامج عمل بعيداً عن إملاءات وتدخلات أولئك الحلفاء، لكن يبقى أن لديه رغبة في رسم ملامح المستقبل، وقاعدة اجتماعية من الموالين المتمسكين ببقائه. فهل قدمت الفترة الانتخابية مؤشرات لبرنامج عمل يستجيب لصورة “سورية الأسد” كما يريدها النظام وبما يستجيب لآمال قاعدته الاجتماعية؟

لعل أول الجديد في الحملة الانتخابية وما تلاها هو المظاهر الاحتفالية المبالغ بها، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تضغط بثقلها على الموالين وغير الموالين. من المنطقي، والحال هذا، أن نشكك في تعبير تلك المظاهر عن المشاعر الحقيقية للموالين، وأن ننسبها إلى إرادة مركزية قاهرة للناس. فبشار الذي سبق واعتبر الانتقادات المطلبية والشكاوى الاقتصادية الصادرة من الموالاة، في السنتين الماضيتين، ما يماثل الخيانة الوطنية، لن يتسامح بعد الآن مع أي مظهر من مظاهر التذمر. وفي كلمته بالغة العدوانية التي وجهها إلى قاعدته الاجتماعية، في أعقاب “فوزه” في الانتخابات، كان واضحاً بما يكفي لكي يتوقف النق بشأن انخفاض مستوى المعيشة وشروطها في البيئة الموالية، بصورة تامة.

كذلك كانت الأرقام المعلنة بشأن نسبة المشاركة في الانتخابات وعدد الأصوات التي حصل عليها، فاضحة في زيفها إلى درجة أنها كانت رسالة شديدة القسوة مفادها: “هذه الأرقام والنسب كاذبة، وأعرف أنكم تعرفون أنها كاذبة، ومع ذلك خياركم الوحيد هو التظاهر بأنكم تصدقونها”. فالنظام لا يهمه أن يصدقه محكوموه، بل يريدهم أن يتظاهروا بذلك وبـ”فرحتهم الكبيرة” بفوزه، بوصفه إعلان طاعة عمياء ورضوخ بلا حدود، كما صاغت ذلك الكاتبة الأميركية ليزا وادين في كتابها الشهير “السيطرة الغامضة”.

نقطة أخرى كانت مهمة، في الفترة الانتخابية، هي إدلاء كل من رفعت الأسد وعلي دوبا بصوتيهما علناً، وما يعنيه ذلك من مباركة من داخل العائلة والطائفة والنظام لبقاء بشار في السلطة وبشروطه. رفعت الذي لم يعترف بشرعية التوريث وكانت قناته التلفزيونية تبث محتوى معارضاً، وعلي دوبا الذي كان مختفياً في الظل، يظهران فجأةً على وسائل التواصل وهما يدليان بصوتيهما في انتخابات يعرفان أنه لا قيمة لمشاركتهما فيها كما لمشاركة جميع من شاركوا. خاصةً أن هذه المباركة قد جاءت بعد إقصاء رامي مخلوف وانشقاق هذا الأخير.

قد يقول قائل إن كل هذه الأمور لا تشكل مؤشرات لمرحلة جديدة مختلفة عن سابقاتها، ولا جديد في صورة “سورية الأسد” كما يريد النظام أن يرسمها بعد الانتخابات. لكنني سأزعم أن الرسالة التي انطوت عليها مسرحية الانتخابات بكل عناصرها المذكورة أعلاه، توجهت إلى جميع العناوين المعنية: القاعدة الاجتماعية للنظام أولاً، ثم سائر السوريين بمن فيهم المعارضون الذين تم إسقاط وطنيتهم وجنسيتهم، والدول الفاعلة، روسيا وأميركا والغرب والدول العربية، والأمم المتحدة، وفحواها ادعاء الشرعية الوطنية، وأن لا خيار أمامهم جميعاً غير الاعتراف بها وقبوله كما هو بلا شروط، بما في ذلك رفض نتائج أي “عملية سياسية” حتى لو كانت من نوع اجتماعات اللجنة الدستورية، ناهيكم عن قرارات مجلس الأمن.

هذا ما لم نره في انتخابات العام 2014، بل هو جديد تماماً. كذلك لا يَعِد النظام بالعودة إلى ما قبل آذار 2011، بل إلى مرحلة ما بعد مجازر حماه وسجن تدمر في 1982، تلك الفترة المظلمة التي امتدت إلى العام 2000، حين كان السوريون جميعاً تحت خطر دائم من وشاية واشٍ قد يدمر حياتهم، وتغولت أجهزة المخابرات بصورة غير مسبوقة. فإذا استتب الأمر للنظام، ولم يتعرض لإرغامات خارجية، وبخاصة من روسيا، فمن المحتمل أن تتحقق النبوءة المشؤومة التي أطلقها مصطفى خليفة، مؤلف رواية “القوقعة” في مقالة له نشرها في العام 2012، ويصور فيها بلداً محكوماً بالرعب.

ما لم يتوقعه خليفه في مقالته هو انقسام سوريا بين احتلالات عدة، أهمها احتلال الحليف الروسي الذي يملك مصير النظام، خادشاً بذلك تلك الصورة الكابوسية.

  المدن

  ——————————–

فركة أذن” روسية للأسد/ عبسي سميسم

قد يقرأ بعضهم تصريح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، حول إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في سورية إذا توافقت المعارضة والنظام على ذلك، باعتباره نقلة نوعية في الموقف الروسي تجاه الصراع السوري، بعد عشرة أعوام من اندلاعه وتقديم موسكو كل أنواع الدعم لبشار الأسد لمواصلة الحرب ضد معارضيه.

بيد أن إعادة حسابات بسيطة، والنظر إلى توقيت هذا التصريح، الذي جاء بعد الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام، وتغطية موسكو لإعادة انتخاب بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة، وما تخلل كلام بوغدانوف عن إمكانية القبول بطرح سخّرت موسكو كل طاقاتها في سبيل عدم تحقيقه طوال سنوات الحرب، سيجعل قراءة الموقف تحتاج إلى العودة للخلف، لتفسير هذا التغيير.

حقيقة، ليس من تبدّل في موقف روسيا، والأسد خيارها الرئيس ولا يمكن القبول بغيره إلا بصفقة كبيرة مع الغرب، لم تتجلَ حتى إرهاصاتها بعد، لكن الروس اختاروا هذا التوقيت لتصريح بوغدانوف، في الوقت الذي ينتشي فيه الأسد “بانتصاره” في الانتخابات بمساعدتهم، ليوصلوا له رسالة مفادها: إن بقاءك في الحكم لسبع سنوات، كما تعتقد، أمر مرتبط بموقف منا، وعندما نقبل بالحل سنأتي بك إليه صاغراً، دون أن يكون لديك رفاهية التفكير بخيارات.

يريد الروس أن يضبطوا إيقاع تصرفات الأسد، قبل أن يشذ منتشياً بفوزه نحو إيران، فلا يزال صراع النفوذ بين الروس والإيرانيين قائماً على الأرض السورية، وهو صراع يحمل سعياً من الطرفين نحو السيطرة على مواقع حيوية اقتصادية، كالموانئ وحقول النفط وحتى المنافذ الحدودية. ولا تزال موسكو تعرقل مشاريع طهران الراغبة في الوصول إلى البحر، مثلاً، وتحقيق انتشار أكبر في مناطق الساحل السوري، على الرغم من مباركة الأسد لذلك، في فترة من الفترات.

“فركة الأذن” الروسية للأسد، تعد استباقية من قبل الروس، وهي خفيفة نوعاً ما، وقد يزيدون عيارها في حال أقدم الأسد على ما لا يعجبهم. صيف العام الماضي، كان الأسد يهم بتسليم ميناء اللاذقية لإيران بصفقة استثمارية كبيرة، منعتها روسيا في اللحظات الأخيرة، وحدّت من الوجود الإيراني في الميناء، لكنها عمدت إلى “فرك أذن” الأسد بقوة بعد ذلك، حين التقى سكرتيرها في الأمم المتحدة بمجموعة من العلويين المعارضين للنظام في الخارج، بالتزامن مع بدء تنفيذ عقوبات “قيصر” وتهديدها لكيان النظام، حينها قال الروس للأسد: إذا كنت تعتقد بأننا نفضّل العلويين في السلطة، فنحن نعرف غيرك منهم، وقد اجتمعنا معهم كذلك.

وعلى هذا، لا يمكن تصديق حدوث تحوّل كبير في موقف موسكو، تجاه الأزمة السورية، فيما الروس أساساً أحد أركان زيادة كارثيتها، وتصريح بوغدانوف يأتي في سياق حسابات داخلية بين الأسد وداعميه، ليس للسوريين، ولا حتى مسارات الحل، أي علاقة بها.

العربي الجديد

————————–

ما بعد فوز الأسد في انتخاباته/ عمر كوش

بعد اكتمال مهزلة الانتخابات الرئاسية السورية، بالإعلان عن فوز بشار الأسد فيها بنسبة 95.1%، بات السؤال يطاول مرحلة ما بعد هذا “الفوز”، وماذا سيقدم لسورية وللسوريين بعد كل هذا الدمار الكارثي الذي تسبب به؟ تقود أبسط الإجابات إلى استشراف أثر هذا الفوز على ما ستؤول إليه الأمور في الوضع الداخلي، الذي يطاول معيشة السوريين في مناطق سيطرة النظام، والذي يشهد تدهوراً متزايداً في الأوضاع الحياتية للناس، في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الأساسية، وانهيار سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وتدهور القدرة الشرائية، وفقدان الأمان والأمن، وتسلط المافيات والمليشيات وأجهزة الأمن على حياة السوريين وسوى ذلك.

وبدلاً من العمل على التخفيف من ثقل معاناة السوريين في الداخل، سارع وزير المالية في حكومة النظام، فور الإعلان عن فوز الأسد بانتخاباته، إلى الكشف عن توجّه إلى تعديل قانون ضريبة الدخل، بذريعة الحدّ من ظاهرة التهرّب الضريبي، ما ينذر بتصاعد الضغوط الاقتصادية على غالبية السوريين من أصحاب الدخل المحدود وغيرهم، عبر تحميلهم أعباء ضريبية جديدة، وما يستتبعها من زيادة في أسعار السلع والمواد المنتجة محلياً والمستوردة من الخارج، فضلاً عن أن تعديل قانون ضريبة الدخل يدخل في إطار محاولات النظام التنصل من مسؤولياته أمام تدهور الأوضاع المعيشية للسوريين، وتحميلها إلى الذين لا يدفعون الضرائب.

ويبدو أن نظام الأسد غير قادر على تقديم أي شيء يمكنه أن يُحسّن من أوضاع الناس الخانقة في مناطق سيطرته على المستوى المعاشي، كونه لا يملك الموارد ولا الإرادة ولا المقومات لتحقيق ذلك، فقد خسر معظم الموارد من نفط وغاز في منطقة الجزيرة السورية بعد أن سيطرت عليها “قوات سوريا الديمقراطية” بحماية أميركية، وراح يعتمد على تغريم السوريين وفرض الأتاوات والضرائب عليهم. والأهم أنه ليس من أولويات النظام الأسد تحسين أوضاع السوريين، وحتى الموالين من بينهم. لذلك لم يحمل خطاب الأسد الذي رفع شعار “الأمل بالعمل” في حملته الانتخابية، بعد الفوز، أي مؤشّر على إمكانية تجسيده لتحسين أوضاع السوريين، حيث لم يعلن عن أي خطة أو برنامج لبداية مرحلة العمل من أجل ذلك، بل كان خطابه حافلا بالشتائم والتهديدات لمعارضيه السوريين وغير السوريين. وقسّم فيه السوريين، وفق منطقه الفاشي، إلى “وطنيين” و”خونة”، معلناً أن المرحلة الجديدة هي الدخول في مواجهة “الخونة”، و”الثيران” “المرتزقة”، و”فاقدي الشرف حاملي جواز سفر سوري”، الأمر الذي يشي بأن النظام لن يختلف تعامله مع السوريين، ولن يحيد أبدا عن النهج الإقصائي والدموي الذي بدأه منذ انطلاق الثورة السورية منتصف مارس/ آذار 2011، وأفضى إلى قتل أكثر من نصف مليون سوري، وتدمير معظم حواضر سورية، وتشريد أكثر من نصف شعبها.

وفي ظل معطيات الوضع السوري الحالي الذي يسيطر الجمود عليه وسط توازنات القوى المسيطرة على الأرض، بفضل داعميها الدوليين والإقليميين، فإن بقاء المشهد من دون تطورات كبيرة لا ينفي أنه غير مرشح للتغير في بعض المناطق، خصوصا في الشمال السوري، نظراً إلى إمكانية وجود ديناميات للتغير فيها، على الرغم من أنه ليس من المرجّح أن تحدث تطورات، في المدى المنظور، باتجاه حسم عسكري لصالح النظام، ولا باتجاه إيجاد حلّ سياسي للقضية السورية. وبالتالي لن يؤثر فوز الأسد على الواقع السوري المقسم بين مناطق سلطات الأمر الواقع الثلاث، بما فيها سلطة النظام. كما أن من الصعب حدوث اختراق في مواقف الدول والقوى المتدخلة في الشأن السوري، حيث إن استمرار الدعم الروسي والإيراني والصيني لبشار الأسد دفعه إلى عدم الاكتراث بمواقف الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وإلى أن يتمادى في السخرية من بيان وزراء خارجيتها الذي وصف انتخابات الأسد الرئاسية بأنها “غير شرعية” و”مزيفة”، و”ليست انتخابات حرّة ولا نزيهة”، وإلى التبجح في الرد عليهم بالقول “قيمة آرائكم صفر، وقيمتكم عشرة أصفار”.

ربما يراهن الأسد على تغير المواقف العربية حيال نظامه، خصوصا بعد الاتصالات والخطوات التطبيعية من بعض الأنظمة العربية الخليجية، وبالتحديد الإمارات وعُمان، والتي حاول إعلام النظام تضخيمها للإيحاء بأن مرحلة ما بعد فوز الأسد في انتخاباته ستُحدث اختراقاً في عودة العلاقات مع بعض الأنظمة العربية، والرجوع إلى “الحضن العربي”، وخصوصا بعد زيارة وزير السياحة السوري الرياض، وسط ما تردد عن انفتاح سعودي لإعادة العلاقات مع النظام على مستوى منخفض، على خلفية الزعم إن إعادتها تعطي السعودية فرصة للتنافس مع النفوذ الإيراني داخل سورية، لكن الأمر قد لا يتعدّى محاولات تدوير الخلافات بين أنظمة دول المنطقة، خصوصا بعد المفاوضات السرية بين السعودية وإيران، ومحاولات السعودية التخلص من تبعات حرب اليمن. وبالتالي، لن يتقدّم التطبيع مع الأسد ونظامه، حسب ما شاع قبل الانتخابات في عواصم عربية وأجنبية.

ولا يغيب عن الأذهان دعم الساسة الروس لفوز الأسد في انتخاباته، كونه يوفر لهم حجّة لاستمرار وجودهم العسكري في سورية وبقائهم أصحاب اليد الطولى فيها، ويوفّر أيضاً حجّة سياسية لهم للاستمرار في الدفاع عنه أمام المحافل الدولية، ولتوظيفه في سياق مساعيهم من أجل تعويم النظام عربياً ودولياً، لكنه لن يفضي إلى مساعدته للخلاص من أزماته، بالنظر إلى أن أي مساعدات اقتصادية له من أي جهة كانت ستصطدم بقانون قيصر الأميركي، الذي رهنها بانخراط النظام في الحل السياسي. وبالتالي، ما يسعى الروس إليه من مكاسب واستثمارات في عملية إعادة الإعمار ستبقى مهمةً مستحيلةً، كونها مرتبطة بالتسوية السياسية، لذا عليهم التفكير خارج تمنياته ومخططاتهم التي يرغبون في تنفيذها.

في المقابل، لا مؤشّرات على تغير مواقف الولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي حيال نظام الأسد ورفضها انتخابات الأسد ونتائجها. وبالتالي، لن يشكل فوز الأسد بانتخاباته أي حافز نحو حدوث تغيرات في التعامل مع القضية السورية على مختلف المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، الأمر الذي ينذر باستمرار الأوضاع المأساوية، واستمرار تفاقم الكارثة التي ألمّت بسورية والسوريين.

العربي الجديدة

—————————

خيارات تركيا بعد الانتخابات السورية: توسيع النفوذ العسكري والسياسي/ عماد كركص

مع إجراء النظام السوري الانتخابات الرئاسية، وتمديد حكم بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات، يُتوقع أن تعيد الأطراف المتدخلة في الصراع السوري حساباتها. فمن جهة يعتبر تعنّت الأسد في إجراء الانتخابات، على الرغم من الرفض الدولي، حدثاً قد يفرض تغييراً على معادلة الحل السوري في الأروقة الدولية، ومن جهة أخرى سيكون محطة لمراجعة الأطراف الدولية والإقليمية المتدخلة في الشأن السوري لحساباتها، التي باتت معقدة أكثر من ذي قبل، لا سيما الدول التي بات لها في البلاد تواجد عسكري ومناطق نفوذ، كالجارة تركيا.

وتمد تركيا نفوذها شمال البلاد على مساحات واسعة شرقاً وغرباً. فعلاوة على كونها تعتبر ضامناً للمعارضة عن مناطق الشمال الغربي، كإدلب ومحيطها، أو ما يعرف بـ”منطقة خفض التصعيد الرابعة”، التي قضم النظام وحلفاؤه أجزاء منها، على الرغم من التواجد العسكري التركي، بالإضافة إلى مناطق ريف حلب الشمالي وعفرين التي يظهر النفوذ التركي فيها مدنياً وعسكرياً بشكل واضح، فإن حضورها شرقي الفرات، من خلال سيطرتها على مساحة ممتدة بين مدينتي رأس العين غربي الحسكة وتل أبيض شمال شرق الرقة، فتح شهيتها على التوغل أكثر شرقي الفرات على حساب “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وفي حين بات الأسد يطمع، بدعم من حلفائه، لتوسيع قاعدة ما يعتبره انتصاراً سياسياً في الانتخابات، لتحقيق نصر عسكري، فإن خياراته ستتجه نحو مناطق النفوذ التركي في الشمال، ما سيجعل أنقرة تعيد حساباتها للتعامل مع مواجهة الأسد، الباقي في الحكم، على الأقل حالياً، لترتيب أوراقها بناء على هذا المتغير.

وفي هذا الإطار، رأى عضو حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، يوسف كاتب أوغلو، المقرب من حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، أن “أنقرة لا تنظر لهذه الانتخابات إلا على اعتبارها مهزلة فاقدة للشرعية والنزاهة، ولا يمكن البناء عليها”. وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”، أن موقف بلاده كان واضحاً في الأعوام الأخيرة، وينص على أنه “في حال فشلت الخيارات السياسية لحل الأزمة فلا بد من اللجوء للخيارات العسكرية لفرض ما يجب فرضه بالقوة، وهي تضغط بالقوة على المجتمع الدولي الذي تواطأ على الشعب السوري بالتسويف والتدليس، لاتخاذ خيارات وإجراءات أكثر صرامة حيال النظام”.

وأشار كاتب أوغلو إلى أن تركيا “معنية بحماية أمنها القومي والحفاظ على سلامة أراضيها، من خلال حدودها الممتدة على طول نحو 900 كيلومتر مع سورية، وأيضاً تأمين مناطق آمنة للسوريين، ولا سيما المناطق التي هي الآن تحت الحماية التركية، للحد من توسيع عمليات التغيير الديمغرافي وتهجير السكان، كما حصل في مناطق عديدة في سورية”. وأضاف: “أيضاً فإن تركيا فرضت نفسها في المعادلة السورية كطرف رئيس، من خلال العمليات العسكرية التي قامت بها في ريف حلب وإدلب وشرق الفرات، وبالتالي بات لها وجود من منطلق قوي، يحتم على جميع الأطراف مراجعتها في أي شكل للتسوية السورية، التي لن تقبلها أنقرة إلا بما يتناسب مع تطلعات السوريين”.

وأشار كاتب أوغلو إلى أن استراتيجية تركيا في سورية ستعتمد على محوريين أساسيين: الأول تثبيت وتوسيع رقعة وقف إطلاق النار، الذي أبرم بين الروس والأتراك حول إدلب في مارس/آذار من العام الماضي، وعلى هذا فإن الاتفاقيات بين أنقرة وموسكو واضحة، وعلى المسؤولين في روسيا إجبار النظام على الانسحاب إلى ما وراء النقاط التركية في إدلب، وإفراغ منطقة خفض التصعيد من وجود قوات النظام والمليشيات، ليصار لأنقرة بسط الأمن فيها، وتعزيزها بالجانب الخدمي والمدني بعد إعادة المهجرين، وإيقاف جريمة التغيير الديمغرافي التي طبقها النظام، بدعم من حلفائه، فيما تصر الحكومة على إعادة الناس إلى إدلب ومحيطها بأي خيار كان، وتحقيق انسحاب النظام، وهذا سيبقى مطلباً تركياً إلى حين تنفيذه. أما المحور الثاني، فيكمن بمحافظة أنقرة على حماية أمنها القومي، والتركيز على عدم السماح بإنشاء “كانتون” أو دويلة كردية في سورية، تسعى إليه التنظيمات الكردية الانفصالية بدعم من القوى الغربية، وهذا الكيان ليس له وظيفة سوى تفتيت دول المنطقة، كهدف رئيس للسياسات الغربية، وفق قوله. وأكد كاتب أوغلو أن حكومة بلاده “لا يمكن لها التفكير في تغيير العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع النظام، على خلفية هذه الانتخابات، التي تعتبرها حكومة أنقرة مسرحية هزلية، لتعويم مجرم لا يمكن تعويمه بأي طريقة كانت”.

من جهته، رأى الصحافي التركي إسلام أوزكان أن أنقرة “حددت سياستها في سورية بناء على محورين، رداً على الشراكة الأميركية مع الأكراد. الأول تحويل مثلث أعزاز – جرابلس – الباب وإدلب، التي تحكم فيها هيئة تحرير الشام وجهاديون آخرون، إلى منطقة عازلة ضد دمشق. والثاني تحويل المنطقة بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً داخل حدود ما يسميه الممر الكردي إلى ممر مناهض لوحدات حماية الشعب الكردية. في غضون ذلك، بالإضافة إلى خيبة الأمل التي سببتها الشراكة الأميركية الكردية في أنقرة، دفعت حادثة إسقاط الطائرة الروسية ومقتل السفير الروسي في أنقرة (أندريه كارلوف) إلى التعامل مع اللعبة الروسية والتفاهم معها”.

وأضاف أوزكان، في حديث لـ”العربي الجديد”: “من ناحية أخرى شاركت تركيا في مفاوضات أستانة مع روسيا وإيران على هذا الأساس، وحصلت عملية “غصن الزيتون” في عفرين وعملية “نبع السلام” في تل أبيض ورأس العين بأهداف مناهضة لوحدات حماية الشعب الكردية”. واعتبر أن “هذه العملية الأخيرة المشتركة بين المعارضة السورية وتركيا، سمحت للجيش السوري وقوات الشرطة العسكرية الروسية بزيادة سيطرتها في شرق الفرات، بعد اتفاق جديد تم التوصل إليه بين أنقرة وموسكو، بعد أن أوقفت واشنطن العملية العسكرية الأخيرة للجيش التركي”. ولفت إلى أن أنقرة “تصر الآن على خطة الممر البالغ عمقه 30 كيلومتراً، وتهدف لتمديد هذا الممر من دون انقطاع من إدلب وعفرين إلى ضفاف نهر دجلة في الشرق”، لكنه رأى أنه “من الصعب أن يمتد الجيش التركي إلى ما وراء هذه المناطق في ظل المعادلات الدولية والإقليمية، خصوصاً السياسات الجديدة التي تتبعها الولايات المتحدة”.

أما الصحافي السوري-التركي عبد الله سليمان أوغلو، فلا يعتقد أن تغييراً سيحصل في الموقف التركي تجاه نظام الأسد. وأشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “موقف أنقرة لم يتغير في الانتخابات السابقة، فالنظام فاقد الشرعية والأهلية بنظر الحكومة التركية، ولا حل للمسألة السورية بوجود الأسد، ومن دون تطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة، والتي تقوم على مرحلة الانتقال السياسي وهيئة حكم انتقالي، تُجري انتخابات حرة ونزيهة بمشاركة الجميع وتوافق الجهات الفاعلة”. أما بالنسبة للسيطرة الجغرافية ومناطق النفوذ، فرأى سليمان أوغلو أنه “لن يكون هناك تغيير كبير طالما يوجد توافق روسي تركي، والأتراك يرغبون بإبقاء الوضع على ما هو عليه مستقرا نسبياً، مع مساعي دبلوماسية للدفع باتجاه حل سياسي دائم. وتركيا تؤكد مع ذلك ضرورة استعادة تل رفعت ومحيطها ومنبج لإعادة المهجرين إليها، وتخفيف العبء على المناطق التي هي تحت الإشراف والنفوذ التركي”.

وتُعتبر أنقرة من أبرز الفاعلين في الصراع السوري لصالح المعارضة السورية. ومنذ العام 2016، بدأت تركيا سلسلة عمليات عسكرية بهدف حماية حدودها من تعاظم تواجد التنظيمات الكردية، لا سيما شمال شرقي سورية، ومن ثم تدخلت، إلى جانب قوات المعارضة، في وجه قوات النظام لوقف تقدّمه في إدلب، ونشرت قواتها بكثرة هناك، وواجهت النظام في ما سمتها عملية “درع الربيع” ربيع العام الماضي والتي توقفت باتفاق بينها وبين روسيا. جاء ذلك بعد أن تساهلت مع عمليات تقدم النظام وحلفائه، الذين قضموا جزءاً كبيراً من منطقة جغرافية تعتبر وفق الاتفاقات التركية – الروسية تحت الحماية والنفوذ التركي، بموجب تفاهمات قمة سوتشي للعام 2018 بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان، الأمر الذي يدفع تركيا إلى المطالبة بتطبيقه وانسحاب قوات النظام والمليشيات إلى ما وراء نقاطه العسكرية التي كانت تحيط بتلك المنطقة، قبل سحب معظمها.

العربي الجديد

————————–

أربعة أصدقاء يودّعون خامسهم على وقع الاحتفال بعهد جديد للسفاح/ صهيب الأحمد

“اليوم توزيع الخبز ببلاش بس للمنتخبين، انتخبت؟”، أجبته بالنفي وهممت بالخروج، فسألني أحد العساكر إذا كنت سأنتخب أم لا، قلت له مبتسماً، “مو شايفني بالشورت والشحاطة، معقول فوت انتخب هيك؟”، تسارعت خطواتي إلى الخارج وابتسامة ساخرة على وجهي من شدة الشتائم في دماغي.

مضت أيام لم أخرج فيها من المنزل إلا مرات معدودة، أنتظر انتهاء الانتخابات الرئاسية، تسيطر علي حالة من الضحك. لم أكن أعلم أن أحد مراكز الاقتراع يقع في مواجهة منزلي، إلا حين تلقيت اتصالاً من صديقتي تخبرني أنهم عادوا إلى توزيع الخبز من دون البطاقة الذكية في المكان المعتاد. خرجت لإحضار الخبز الذي لم يجد طريقه إلى بيتي منذ 4 أيام، وصلت إلى المكان المعتاد في الشارع فلم أجد سيارة الخبز، الناس يمشون بجانبي وبأيديهم خبزهم. تبعت مصدر الخبز كفأر يجري إلى المصيدة، رفعت رأسي لأجد اثنين من العساكر، لم أعهد وجودهما على باب المبنى حيث سيارة الخبز. اعتدت التصرف بحنكة وسرعة في هذه المواقف، صافحتهما ودخلت فوراً إلى الموزع وطلبت خبزاً، “اليوم توزيع الخبز ببلاش بس للمنتخبين، انتخبت؟”، أجبته بالنفي وهممت بالخروج، فسألني أحد العساكر إذا كنت سأنتخب أم لا، قلت له مبتسماً “مو شايفني بالشورت والشحاطة، معقول فوت انتخب هيك؟”، تسارعت خطواتي إلى الخارج وابتسامة ساخرة على وجهي من شدة الشتائم في دماغي.

هكذا طُحِنَ دماغي مع بقية أصدقائي، بالسخرية والضحك واجتياز المواقف بالحذف، لا قدرة على الحزن ولا الغضب ولا المحاسبة ولا حتى على اتخاذ المواقف المبدئية التي دفعنا، ودفع معظم من حولنا، ثمنها بمقابل مخيب للآمال، فلو احتد الموقف أكثر، لدخلت وانتخبت ببساطة وأخبرت أصدقائي بالموقف وضحكنا جميعاً من شدة غُبننا ثم حذفنا الذكرى.

في الساعة الثامنة مساءً ذهبت إلى صديقي الذي اعتدت وأصدقائي على اللقاء في بيته من دون موعد، يتبعني بعد نصف ساعة صديق آخر برفقة شخص جديد، نجلس ونتحدث قليلاً ثم يذكر الشخص الجديد أنه أُجبِر على وضع 3 لافتات للرئيس في البلدة، ويتابع بشتيمة لبشار الأسد، ثم يبرر من دون أن يطلب منه أحد ذلك، “أخي نحنا منشتغل بالعقارات، بخربوا علينا كل شغلنا، ومو أول مرة بتصير، بيبعتولك (طرطور الفرع) بيعمل جولة عكل المحلات، بحسسك انو عم يشحد منك (مساهمتك) شحادة، ابن الحرام بيعرف أنو إذا خجلته ورجع معه اسمك عالورقة السودا بضيعلك مستقبلك، عطيته 250 ألف بعد ما بازرته شوي وصرفته”.

الشاب الجديد يبحث عن أحد ليتحدث ساخراً عن الغضب الذي في داخله، إن كنت سألومه فالأفضل أن ألوم نفسي أيضاً، علي أن أنصرف الآن، فقد اقترب موعد الاجتماع الذي نعقده أنا وبعض الأصدقاء أسبوعياً على تطبيق “الزوم” لمناقشة الأحداث السياسية والبحث عما يمكن فعله. أعتذر من الأصدقاء مستفسراً عن الوقت، يخرج الشاب الجديد جواله ويطلعني بالوقت، أقول في رأسي “جبروك تحط لافتات لحضرته، مين جبرك تحطه خلفية لجوالك”، أشتمه ثم أشعر بالغضب “أنا لا أبرئ نفسي بشتمه، أنا لم أنتخب ولكنني أعلم يقيناً أنني لو حوصرت لانتخبت”.

يبدأ اجتماع “الزوم”، أذناي في الاجتماع وعيناي على مركز الاقتراع، تحدثوا عن القضية الفلسطينية، تحدثوا عن الهيئة العليا للمفاوضات، تحدثوا عن الإدارة الذاتية والإرادة الشعبية، وعن التشكيلات المعارضة التي نبذتهم نتيجة الخلاف على اندفاعهم كشباب للاستيلاء على المراكز القيادية وتمسك القيادات القديمة بمواقعها، وتطفيش الفئة الشبابية واحداً تلو الآخر. كل ذلك وعلى مرأى عيني مبنى مركز الاقتراع الذي ما زال “على العضم” سامحاً لي برؤية كل ما يحصل داخله، لم أستطع منع نفسي من مقاطعة حديثهم بفتح الكاميرا وتوجيهها إلى مركز الاقتراع ومشاركتهم مشهد إفراغ صناديق الاقتراع في أكياس نايلون ونقلها إلى سيارة “سوزوكي” على باب المبنى في الساعة الواحدة والنصف ليلاً، ضحكوا وسخروا بشدة، “إنهم غاضبون مثلي تماماً”.

اليوم الثاني بعد للانتخابات صباحاً، ألبس ثيابي وأتوجه إلى عملي، سائق النقل الداخلي العام يفحص أصابع الركاب “النقل اليوم ببلاش لصاحب الإصبع الأزرق”، أشتمه في رأسي وأدفع له 200 ليرة “خلي الباقي الك” أقول له.

الحافلة تعجّ بصور بشار الأسد، الشوارع كذلك، السيارات أيضاً، الحواجز، الحدائق، المطاعم، “الكازيات”، أنظر يميناً أراه ضاحكاً، أنظر يساراً أراه عابساً، أنظر أمامي أراه متفلسفاً، أنظر خلفي أراه عسكرياً. أصل إلى المكان الذي أعمل فيه أجده قد حوصر بالصور واللافتات، أشعر بالإرهاق والتعب، أشتم “طرطور الفرع” على جهوده، أتهرب من الدوام بأخذ إجازة وأعود إلى البيت، رأسي بجوالي كل الطريق ألعب الشطرنج أملاً بتحييد المشاعر من دون جدوى، أصل إلى المنزل في العاشرة صباحاً، إلى النوم فوراً.

السادسة مساءً أستيقظ للمرة العاشرة، الجوال يرن، صديقتي تتصل وتسألني إذا ما كنت أريد المجيء إلى منزلها، فهناك سهرة لتوديع أحد الأصدقاء المسافرين إلى ألمانيا، أعرف تماماً أنني لا أريد الذهاب، ولكنها تشير إلي بأن اليوم هو موعد إعلان نتائج الانتخابات، وأن إطلاق الرصاص طاول منزلي أكثر من مرة في مناسبات مشابهة.

أنهض من فراشي، أستحم وألبس ثيابي، ثم أتوجّه إلى منزل صديقتي، أربعة أصدقاء يودعون خامسهم بعد العشرين الذين سبقوه على وقع إطلاق الرصاص احتفالاً بعهد جديد للسفاح.

————————–

المخدرات تفكك بالمجتمع السوري وتتسبب في جرائم متوحشة

بث اعترافات صادمة لأم استخدمت جثة جنينها في نقل مواد مخدرة

بطلاقة صادمة تلت امرأة سورية {اعترافها} أمام كاميرا وزارة الداخلية بدمشق، وقالت دون تلعثم إنها كانت تستخدم جثة جنينها المجمدة لنقل المواد المخدرة والاتجار بها في مدينة دمشق.

وأظهر الفيديو الذي تضمن مشاهد تمثيلية، ظل امرأة خلف القضبان تروي حيثيات إقدامها على إجهاض نفسها في الشهر الثامن بتناول حبوب ساعدتها في ذلك، ثم أخذت جثة الجنين من المستشفى بزعم دفنها، إلا أنها احتفظت بالجثة الصغيرة في ثلاجة منزلها بريف دمشق، كي تستخدمها في نقل الكوكايين والهيروين أثناء عملية البيع، حيث كانت تدس المواد المخدرة في ثنايا ملابس الجنين وداخل شق أحدثته في ظهره، في طريقة غير مسبوقة، تجاوزت قدرة الخيال البشري على تصور إقدام أم على هذا الاستغلال الجرمي الصادم، حيث أكدت المتهمة إعادة الجثة إلى الثلاجة بعد كل استخدام، إلى أن وقعت في أيدي أجهزة مكافحة المخدرات الأمنية، خلال إحدى عمليات المداهمة. ولم يذكر تقرير وزارة الداخلية منذ متى تستخدم هذه السيدة جنينها.

وسبق لموقع «Numbeo Crime Index» المتخصص بمؤشرات الجريمة حول العالم أن صنف سوريا في المرتبة الأولى عربياً والتاسعة عالمياً، بارتفاع معدلات الجريمة لعام 2021، واضعاً دمشق في المرتبة الثانية بعد كابل بمعدلات الجريمة في المدن الآسيوية.

المتهمة باستغلال جثة جنينها اعترفت أيضاً بتعاطيها المخدرات منذ 5 سنوات، بتشجيع من زوجها المدمن عليها والمتاجر بها، ومع تحولها لمدمنة وكي تتمكن، حسب اعترافها، من تأمين المخدرات لنفسها، أصبحت تتاجر بها، عبر استخدام جثة جنينها المجهض.

فيديو الاعترافات الذي بثته وزارة الداخلية بدمشق عبر حسابها في {فيسبوك} هزّ العاصمة السورية، ورغم أن أخبار الجرائم المروعة باتت مادة يومية في الإعلام المحلي، فإن هذه الجريمة «شكلت صدمة شديدة لتنافيها مع غريزة الأمومة التي تعد من أقوى الغرائز الأساسية في الطبيعة»، حسبما قال لـ{الشرق الأوسط} مواطن شاهد {اعترافات} الأم. وأضاف أن «تعاطي المخدرات السبب الأول في ارتكاب جرائم تفوق بتوحشها التصور البشري إضافة إلى عوامل أخرى مثل فوضى انتشار السلاح وانفلات الشبيحة». وأشار إلى أن {هناك كثيراً من الجرائم غير مسبوقة في سوريا ارتكبت بدم بارد، كذبح حفيد لجدته وذبح ابن لأمه لأسباب مالية، وأب لطفلته، وابن لأبيه… وشهدنا خلال العام الماضي جرائم مروعة بعضها قام مرتكبوها بسرد وقائعها في اعترافات متلفزة وكأن أحداً آخر قام بها».

وكشف تقرير صدر في مايو (أيار) الماضي عن مؤسسة «كور» لتكييف السياسات العالمية مع المجتمعات الهشة، أن إنتاج الحبوب المخدرة وزراعة الحشيش يتم على امتداد الأراضي السورية، في مختلف مناطق السيطرة، وبين التقرير أن تهريب الحبوب والمواد المخدرة يتم بشكل رئيسي في مناطق سيطرة النظام، في ريف حمص الغربي والقلمون، بينما يزرع القنب في جنوب ووسط سوريا. كما تنتشر زراعة الحشيش بشكل رئيسي في (شمال شرقي سوريا) الواقعة تحت سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية) وبكميات أقل في مناطق المعارضة المدعومة من تركيا (شمال حلب) والتي تدخل إليها الحبوب المخدرة تهريباً من مناطق سيطرة النظام السوري (جنوباً).

ومنذ مطلع يونيو (حزيران) الجاري، أعلنت وزارة الداخلية بدمشق عن إلقاء القبض على أكثر من 50 شخصاً بتهم بارتكاب جرائم قتل وسرقة في دمشق وحلب وطرطوس وحمص والقنيطرة، وذلك في مدة لا تتجاوز الأسبوع، وبين المقبوض عليهم أفراد عصابة من 21 شخصاً في حلب وأفراد عصابة أخرى من 12 شخصاً في طرطوس و7 في دمشق. وكان جميع الموقوفين ينشطون في تجارة وترويج المخدرات. كما تم إلقاء القبض على سيدتين في جريمتين متشابهتين ومنفصلتين أقدمتا فيهما على قتل زوجيهما لمساعدة عشيقيهما: الجريمة الأولى وقعت في حمص وكشف عنها قبل ستة أيام، مثلت فيها القاتلة دور الضحية بالاتفاق مع عشيقها الذي وجه إليها طعنات غير قاتلة لإبعاد الشبهات بعد أن قتل زوجها وسرق أمواله، والجريمة الثانية وقعت في دمشق وكشف عنها قبل يومين وأقدم فيها العشيق على تقطيع جثة الزوج ورميها في بئر بمنطقة العدوي وسط دمشق.

كما تم تسجيل سبع جرائم قتل في محافظة الرقة، منذ بداية العام الجاري؛ من بينها قتل الزوجة والأمهات بسبب تعاطي القاتل جرعة زائدة من الحبوب المخدرة.

الشرق الأوسط

—————————————–

الإدمان يتربص بالشباب السوري.. تفاصيل تهريب المخدرات وزراعة الحشيش

المخدرات أصبحت من أبرز آثار الحرب الدائرة في سوريا، إذ انتعشت تجارتها وترويجها بين الشباب في مناطق مختلفة من البلاد، فيما اعتبرها المرصد السوري لحقوق الإنسان ظاهرة تنمو تدريجيا حتى باتت تنتشر بشكل واسع وملحوظ في مناطق الشمال السوري التي تديرها “حكومة الإنقاذ” بالتحديد.

إدمان

ونقل المرصد عن أحد العاملين بمركز متخصص في محاربة الإدمان بإدلب قوله، إن المركز يستقبل بشكل شهري من 30 إلى 40 حالة تقريبا يعانون من حالات الإدمان بشكل عام من أرياف إدلب وحلب.

ولفت الرجل إلى أن بعض الشباب السوري أصبح يتعاطى الأدوية المهدئة والمهلوسات، زيادة على إدمانه على الكحول والمخدرات.

وكشف أن المركز الذي يعمل به، يقوم على استقبال المدمن وعلاجه، بإعطائه أولا أدوية معينة لتخليص جسمه من تأثير المخدرات لفترة تصل إلى 15 يوما، ثم ينقل لمصحة يقوم عليها أخصائيون يتابعون حالته حتى الشفاء التام.

ومن بين حالات الإدمان الأكثر انتشارا “هناك الإدمان على الحشيش بنسبة كبيرة، ثم يأتي بعد ذلك الإدمان على أدوية مثل الترامادول والكبتاغون، والذي يشبه تأثيرها لحد كبير نتائج وتأثير المخدرات” وفق التقرير.

شهادة

التقرير تضمن أيضا شهادة أحد المدمنين والذي يبلغ 35 عاما.

وقال الرجل الذي كان ينتمي لما يعرف بحركة “أحرار الشام الإسلامية” وبات متعافيا من الإدمان على حبوب الهلوسة والحشيش، إن بداية تعلقه وإدمانه كانت على حبوب الهلوسة التي كان يأخذها أحيانا في حالات اشتداد القصف والمعارك ضد قوات النظام.

ويقول إنه كان يحصل عليها من أحد الأشخاص الذي كان يبيعها بشكل علني، ثم انتقل به الحال لتعاطي المهدئات في العام 2016 عندما تعرض لحادث في سيارته أدت لعدة كسور في قدميه، دخل على إثرها المشفى، ثم بدأ بتناول أدوية مهدئة منها “ترامادول” لفترة طويلة حتى صعب عليه تركها.

وأضاف أنه بعد ذلك، بدأ بتعاطي الحشيش الذي كان يحصل عليه من أحد قياديي الحركة.

ويقول الرجل: “منذ مطلع العام الفائت 2020 بدأت بالتعافي من المخدرات التي أضاعت صحتي، وتركت العمل في المجال العسكري، وبدأت العمل بالتجارة الحرة وأحاول نسيان كل ما حدث”.

مصدرها

وتزرع مادة الحشيش بشكل سري في منطقة سهل الغاب في ريف حماة الغربي بإشراف قياديين معروفين حينها في”حركة أحرار الشام”.

وعن مصادر المخدرات التي تنتشر في الشمال السوري، يقول أحد النشطاء الإعلاميين من مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي، في حديثه للمرصد إن المصدر الأساسي للمخدرات من مناطق سيطرة النظام، ويتم تهريبهاً لمناطق الشمال السوري، ومن تركيا أيضا يتم تهريب جزء منها، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

ويضيف، أن مادة الحشيش تزرع بشكل سري حتى هذه اللحظة في عدة مناطق في أرياف حلب وإدلب، حيث وصلت منذ فترة معلومات تفيد بالعثور على أرض لزراعة الحشيش في مدينة دركوش في ريف إدلب الغربي، وفي شمال حلب تزرع هذه المادة بإشراف قيادات الفصائل الموالية لتركيا.

الأسباب

ويشرح الناشط أسباب انتشار المخدرات في المنطقة حيث يقول إن منها “غياب الرقابة والفوضى الأمنية، وانتشار الصيدليات غير المرخصة التي تبيع بعض أنواع الأدوية التي تنافس المخدرات في تأثيرها، والفساد الذي عم جميع المناطق في الشمال السوري”.

وأضاف أن الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على الفصائل وقياداتها التي تساهم لحد كبير في انتشار المخدرات وخصوصا الحشيش، عبر زراعته والتغاضي عن تجارتها.

مناطق النظام

وتتزايد ظاهرة انتشار المواد المخدرة في عموم مناطق النظام السوري، في ظل حالة الفلتان الأمني التي شهدتها معظم المناطق السّورية التي جعلت من هذه التجارة أمراً اعتيادياً وسهل التّداول وأمام العلن، في انتهاكٍ صارخ لجميع المواثيق الدّولية، حسب المرصد.

ويتم تصريف المخدرات من خلال تجار أو عبر وسطاء يعملون في مجال بيع المخدرات، بشكل سري، وعن طريق مركبات ووسائط نقل عامة وخاصة، وذلك بعد الحرص على تمويهها.

وتنتشر المخدرات في معظم المحافظات السّورية وخاصة في المناطق الخاضعة لسّيطرة النّظام السّوري، لاسيما في المناطق الجنوبية كالسّويداء ودرعا والقنيطرة والعاصمة دمشق وريفها.

وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد نشرت تقريرا وصف سوريا بأنها “دولة مخدرات”، حيث بات تصنيع مخدر الكبتاغون في قلب أراضي النظام السوري مصجر كسب مالي كبير لاقتصاد منهار بعد سنوات الحرب والدمار التي قتلت وهجرت ملايين السوريين وهدمت المدن والأحياء السكنية.

أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، السبت، مقتل 23 عنصرا على الأقل من قوات النظام السوري على يد تنظيم داعش شرقي البلاد، وذلك خلال فترة لم تتجاوز 48 ساعة.

وأوضح المرصد أن قتلى النظام السوري قد سقطوا في أماكن مختلفة  في مناطق بادية حمص الشرقية مرورًا ببادية حماة ودير الزور ووصولًا إلى بادية الرقة.

وذكر المرصد أن من بين القتلى، ضابط في الحرس الثوري الإيراني ومرافقه، من الجنسية الإيرانية، بعد أن جرى استهدافهم بالأسلحة الرشاشة أثناء مرورهم على الطريق تدمر – دير الزور وسط سوريا.

وقال المرصد إنه وثق في وقت سابق، من اليوم السبت، مقتل 3 عناصر من القوات الحكومية عقب انفجار لغم زرعه تنظيم داعش في منطقة وادي أبيض  ببادية السخنة شرقي حمص،ما أسفر عن  مقتل عنصرين آخرين أيضا. 

وفجر أمس الجمعة،  شن مسحلون من داعش هجوماً على مواقع ونقاط لقوات النظام والميليشيات الموالية لها في منطقة فيضة ابن موينع بريف دير الزور الشرقي، مما أدى إلى مقتل 5 عناصر من الجنود السوريين والمسلحين الموالين لهم، بالإضافة لمقتل اثنين من عناصر التنظيم الإرهابي.

كما قتل 7 من قوات النظام السوري والمسلحين الموالين لها بينهم ضابط برتبة عميد، في هجوم مباغت لعناصر داعش في بادية السخنة الواقعة بأقصى ريف حمص الشرقي قرب الحدود الإدارية مع دير الزور.

وبذلك بلغت حصيلة الخسائر البشرية خلال الفترة الممتدة من 24 مارس 2019 وحتى اللحظة، 1458 قتيلا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم اثنين من الروس على الأقل، بالإضافة إلى مصرع 152 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية، وفق إحصائيات المرصد.

وقد قتل جمعيهم خلال هجمات وتفجيرات وكمائن لتنظيم داعش في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء وحماة وحلب.

الحرة – دبي

——————————–

انتخاب الأسد! لزوم ما لا يلزم.. ماذا عن لبنان؟/ منى فياض

ينشغل الرأي العام اللبناني باقتراب موعد الانتخابات. بدأ العد العكسي، البعض يتحضر لخوضها، والبعض الآخر، الممسك بالسلطة، يقتنص الانهيار الاقتصادي لرشوة الجماهير التعسة؛ وبعد “شدّ وتنحيط” سيقرّون “البطاقة التموينية”، التي لا نعرف من سيستفيد منها وبأموال من؟ 

أما صناديق الإعاشة، أفضل أنواع الرشوة الانتخابية في هذه الاوقات العصيبة؛ فيتنافسون على توزيعها. افتتح البازار حزب الله. سيدحر الجوع كما العدو. 

يواكب كل ذلك ضغط المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات في موعدها. طبعاً الانتخابات هي احد شروط ضمان الديموقراطية. لكنها ولو طبقت دورياً، لا تضمن وحدها الديموقراطية. فضمان الديموقراطية الحقيقي، يكون في استعادة البرلمان وظائفه التي وجد من أجلها، أي التشاور والتقويم والتدقيق والوقاية. وفي قيام الحكومة بواجباتها بنزاهة. ناهيك عن فصل السلطات واستقلالية القضاء. وعندما لا تطبق هذه الشروط على جميع مؤسسات الدولة، تصبح مجرد هيئات للعرقلة، كما هي حال البرلمان اللبناني والحكومة والرئاسة. 

أما قانون انتخاب العام 2018 اللقيط، الذي فُصِّل على قياس الطبقة الحاكمة، وجعل المعركة داخل كل طائفة ومن ثم بين الطوائف. في مخالفة صريحة للدستور الذي ينتخب فيه المواطن نوابه من جميع الطوائف والنائب يصبح نائبا عن الامة وليس نائبا عن طائفته.

مؤخراً، في بازار البحث عن “شرعية مفترضة” لحكم غير شرعي، مُثِّلَت مسرحية هزلية، أعادت “انتخاب” بشار الأسد. في ظل عدم اعتراف دولي و6 ملايين لاجيء خارج سوريا، و6 ملايين نازح داخلها، ومليون و400 الف قتيل ومئات الآف السجناء، أجريت انتخابات ونجح الاسد.

رئيس الجمهورية اللبنانية سارع الى تهنئته بإعادة انتخابه بدل توجيه السؤال عن ال 622 معتقلاً الموثقين من وزارة الداخلية ومن مؤسسات الامم المتحدة. وكان أنكر وجودهم عندما أُحرجه تحرك المحررين من سجون الاسد مطالبينه بالافراج عنهم. 

يذكر علي ابو دهن، السجين المحرّر، ان هؤلاء أعداد من تجرّأ أهلهم على الاعلان عن وجودهم في اقبية الاسد، إذ ان الأعداد أكبر من ذلك. ويخرج دورياً سجيناً متوفي، كما حصل مع نبيل خير الذي أرسل جثمانه منذ اسابيع قليلة.

ويسرد أيضاً ابو دهن عما حصل معهم عام 1990 عندما كانوا في بداية اعتقالهم في سجن تدمر. وكانوا في حالة مزرية دون شعر او رموش ووزن أضخمهم لا يتعدى 60 كلغ. جاءهم ضابط وطلب منهم ان يكتبوا بدمهم رسالة يطالبون فيها إعادة انتخابه علّه يعفو عنهم. جيء لهم بقصاصات ورق ودبابيس. أدموا اصابعهم ودبجوا رسالة: سيادة الرئيس المفدّى و و و. لكنهم اكتشفوا ان هذا يتطلب كميات من الدم غير متوفرة في ابدانهم العجفاء. فاختصروا بعدة كلمات رسائل الدم المطلوبة مادحين مستعطفين متذللين، وجمعوها في رزمة ودقّوا على باب الزنزانة لتسليمها للسجان، الذي جاء فمزّق القصاصات التي أفرغوا دمهم عليها وشتمهم قائلاً: سيادة الرئيس ناطركم يا .. هذا فقط لإهانتكم.

يحكي عمر الشغري، الشاب الرائع الخارج من جحيم صيدنايا، في فيديو لبرنامج سردة: في صيدنايا سجنان، واحد أبيض وواحد أحمر، الأحمر مطلي بدم السجناء.

 يطبّق الأسد نصيحة الملكة “تي” لابنها الفرعون اخناتون الذي لم يتمتع بالقسوة: “لا تحرص على حبهم، انه أمر غير مجد، اجعلهم يخافونك لتكون طاعتهم عمياء”. 

في الأيام الأخيرة يتم تداول عدة فيديوهات تصور كيف حصل الاقتراع في سوريا، قائد الفرقة يقترع عن فرقته كاملة بوضع صور للبطاقات المفلوشة أمامه ويوقّع عنهم والسلام. هكذا تجري الانتخابات في سوريا. 

الحال ليس أفضل كثيراً في لبنان، فبدل إفراغ السجن للأبدان من دمها وحياتها لإخضاعها، أداروا الانهيار الاقتصادي والاجتماعي التام. تسببوا بالهجرة بدل التهجير. تسببوا بالتجويع الجماعي وإنعدام فرص الطبابة والتعليم. تعطّلت المستشفيات وهرّب الدواء وانحدر التعليم. 

وفضائح الانتخابات الاخيرة لا تزال في الذاكرة، حيث أظهرت عشرات الفيديوهات كيفية استبدال صناديق اقتراع بغيرها مزورة. عدد كبير من المرشحين لم يجدوا حتى أصواتهم الشخصية في صندوقة الاقتراع، ومناطق كان حاصل الاقتراع فيها أكبر من عدد الناخبين. إضافة إلى تمديد فترة الاقتراع حتى منتصف الليل في مناطق حزب الله البقاعية. بانتظار أن تمتلئ الصناديق بما يضمن نجاح مرشحي الحزب الالهي. بتغطية من وزارة الداخلية.

فيما عدا عدم صلاحية قانون الانتخاب، هناك تخوف من عدم نزاهتها خصوصاً ان الاقتراع في مكان الولادة ، مع ما يستتبع ذلك من رقابة أهلية وترغيب وتهديد للضغط على الناخبين وتخويفهم. 

التمويل نفسه يسمح باستخدام المال السياسي ويسوّغ الفساد. كيفية تشكيل اللوائح أيضاً، فالترشح يتم افراديا ومن ثم يتم البحث عن لائحة. بينما يفترض ان تتشكل اللوائح مسبقاً مع برامج واضحة ويتم الترشح والاقتراع على أساسها. فالتنافس ينحصر بين اللوائح وليس بين الافراد في اللوائح.

ثم تخيلوا معي دولة قادرة على إجراء انتخابات وتمويلها في ظل الواقع الذي نعيشه. فقدان الوقود، نفاذ الورق والحبر في المحاكم ومؤسسات الدولة ما يهدد بالشلل التام. ناهيك عن الاستعراض العسكري الذي قام به الحزب القومي في الحمرا وهدد في وضح النهار باغتيال جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، بعد أن فاخر باغتيال بشير الجميل. أمام أعين قوى الأمن والجمهور المستنكر. فسارعت حركة أمل، التي يترأسها رئيس البرلمان، بعمل mimetisme  باستعراض عسكري أيضاً. ولقد دأبت الاحزاب، وأصلها ميليشياوي، على الاستعراضات العسكرية لإثبات قوتها.

فهل هناك ضرب لهيبة الدولة، وإرعاب للمواطنين أكثر من ذلك؟ وستجرى انتخابات نيابية في ظل دولة تتغاضى عن مثل هؤلاء ولا تقوم بأي إجراء قانوني؟! وبرعاية قضاة يستخدمون سلاح الشعبوية ضد بعضهم البعض فيتظاهر من أجلهم، جمهور زبائني ؟؟ ولا نزال بانتظار نتائج التحقيق بأكبر ثالث انفجار كوني بعد ما يقرب العام!!

أما رئيس نقابة المحامين، الصامت عن الاستعراض، نجده ينبرى للدفاع عن المحامي رامي علّيق الذي اشتغل “بادي غارد” لعرّاضات غادة عون، التي انتهكت القوانين والدستور، في معرض دفاعها عنهما؟؟؟ 

فهل يمكن إجراء انتخابات نزيهة فعلياً في ظل مثل هذه الدولة فاقدة السيادة وتحت سلاح خاضع لدولة أجنبية؟ 

مع  طبقة سياسية ينطبق عليها وصف محمد المنسي قنديل، في روايته “يوم غائم في البر الغربي”، عندما وصف التقاء جميع الفتوات في بيت “وش البركة” للدعارة: فيتقابل كل الفتوات الذين لا يكفون عن العراك في الحواري الضيقة، يتفقون داخل الدار على تقسيم الحصص وفرض الاتاوات، وتبارك البنات بأجسادهن هذه الاتفاقيات….

تكثر في هذا الوضع النقاشات بين المواطنين اللبنانيين، حول كيفية مواجهة الاستحقاقات الانتخابية القادمة:

هل يمكن أن تتوحد المعارضة في ائتلاف يجمع التيارات والقوى الثورية، على مجموع المقاعد في مواجهة السلطة؟ 

هل يمكن التعاون مع جزء من الطبقة السياسية السيادية التقليدية ، التي يتوضح كل يوم مدى انغماسها وشراكتها مع العهد وحزب الله؟

هل يجب مقاطعة الانتخابات؟

هل يجب طلب حماية دولية؟ هل يلبي المجتمع الدولي طلب حماية السيادة والرقابة على نزاهة الانتخابات؟

كل الاحتمالات والاقتراحات مطروحة بانتظار المتغيرات الدولية والاقليمية.

————————

الدولة العلوية الاستبدادية/ عدنان عبد الرزاق

ترى، هل الأفعال الطائفية المستمرة بأشكال وأطوار متصاعدة بسورية، هي الجريمة. أم ردة الفعل عليها والتصدي لها؟!

لأن مجرد تبيان الحال وما آل إليه الخلل ببنية الدولة والحكومة والأجهزة الأمنية والجيش، ينعت الموصّف، وإن بهدف بحثي أو وطني، بالطائفي؟!

وهل من الطائفية بمكان، إن تم توصيف سلوك نظام بشار الأسد الذي تعتبر الدوافع الطائفية، أسه وأساسه، سواء بالتوظيف أو البعثات أو الميزات قبل الثورة، أو القتل والقصف والتهجير بعد عام 2011؟!

أم أن الطائفية المدمرة بأداء نظام يدعي العلمانية حيناً والقومية معظم الأحايين، وما عدم التوصيف مخافة الاتهام بالطائفية، إلا هروب وجبن وخيانة للعلمية والواقع والوطن.

بعيداً عن الكلام الفضفاض والاتهامية، ربما الأدلة هي الفيصل، رغم المخاطر، حتى من التطرق إلى هذا الفخ المدمّر الذي حفره من عيّن الأسد الأب بمنصبه، ليؤدي الأسدان، الدور الوظيفي، بكل دقة ومنهجية وعداء.

لن نتطرق إلى الوزراء ومعاونيهم والمديرين العامين، ونسبة العلويين بتلك المناصب إلى نسبتهم من السوريين، رغم أنه بتلك المقاربة، أحد أهم أسباب ما وصل إليه السوريون، من فساد وإحباط.

ببساطة، ليقيننا المطلق أن القرار والسطوة بسوريا الأسد، لا تعود لشاغلي كراسي تلك المناصب، وما يقال كنكات بين السوريين، إن المساعد “أبو علي” يملي على مدير عام وربما وزير، هي حقيقة لمسها السوريون وعلى مدى خمسين عاماً.

لذا، قد يكون البحث بمناصب إدارات وأفرع الأمن وقيادات فيالق وفرق الجيش، هو الأقرب لعكس الواقع الطائفي الذي تعيشه سوريا منذ ما سمي “اللجنة العسكرية” وانقلاب 1966 وتبلور بوضوح بعد انقلاب حافظ الأسد عام 1970 ليخرج للعلن والاستقواء مطلع الثمانينات، بعد الاصطدام مع حركة الطليعة التي يحسبها النظام على حركة الإخوان المسلمين وتنكر الحركة تبعيتها لها…ويأخذ الشكل المافيوي الهرمي، ورأسه بشار، من بعد الثورة السورية عام 2011.

تعتبر سوريا وباعتراف قياداتها، دولة أمنية بامتياز، فهي محكومة من نحو 4 أفرع أمن بكل محافظة “إن فرضنا أن لكل شعبة أو إدارة فرعا، عدا ما يتفرع من أفرع تخصصية كالمعلومات والخارجي …”، وتتبع تلك الأفرع لإدارة أمن الدولة أو المخابرات العامة، وشعب والأمن السياسي والأمن العسكري والمخابرات الجوية، ومن المفترض، ولو نظرياً، تتبع تلك الشعب والإدارة إلى الأمن القومي أو ما يسمى الوطني لاحقاً.

ولو فكر أي باحث محايد استعراض أسماء ومناطق وانتماء رؤساء الأفرع والشعب والإدارة، فسيجد أن نسبة العلويين وعلى الأقل، توازي نسبة نجاح بشار الأسد بالانتخابات”95.1%”، وكذا بالنسبة لقادة الفيالق والفرق العسكرية ورؤساء الأركان وضباط أمن الفرق والوحدات العسكرية.

قصارى القول: هنْدس حافظ الأسد ومنذ وصوله للسلطة إثر انقلاب “التصحيح” الجيش والأمن على أساس الولاء لـ”القائد” وليس للوطن، وبدأ بعلونة تلك المواقع بالتدرج ولكن على نحو سريع وعلاني.

ويعرف أهل التخصص السوريون، أن الأسد الأب لم يلوّن مراكز القيادة بلون علوي عام فحسب، بل كان للانتماء العشائري ضمن الطائفة العلوية، دور وأهمية، فقبيلة الأسد “الكلبية” لها الوزن والحظوة الأكبر، لتأتي قبيلة زوجته أنيسة مخلوف “الحدادين” ثانياً وهكذا، لنرى إبعاد “الحيدريين والمرشديين” تقريباً عن مواقع السلطة، إذ تقول دراسة لمركز “عمران” أصدرها العام الماضي، إنه ونتيجة الاستقصاء عن أهم 40 مركزاً في الجيش السوري، توصلت الدراسة إلى أن من يشغل هذه المراكز الحساسة هم ضباط من الطائفة العلوية، من القائد العام ووزير الدفاع مروراً بقادة الفيالق العسكرية وقادة الفرق وأجهزة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع، وقبيلياً أو عشائرياً ضمن الطائفة العلوية التي لا تزيد نسبتها بسوريا عن 12% كحد أقصى، يسيطر ضباط اللاذقية على 58% من المناصب القيادية، بينما يسيطر ضباط طرطوس على 17%، وضباط حمص على 15%، في حين يسيطر ضباط حماه على 10%.

وأما سبب نكء هذا الجرح النازف للوطنية والأمل اليوم، هو ما قرأناه بالأمس عن تنقلات بمراكز كبيرة لـ 20 قيادياً بالجيش العلوي وليس السوري، فوجدنا تعيين “اللواء مفيد حسن” بمنصب قائد “الفيلق الأول”، قادما من منصب قائد “الفرقة الخامسة”، وينحدر من “بشلاما” في ريف اللاذقية، وتعيين “اللواء أيوب الحمد” رئيس أركان “الفيلق الأول”، وكان يشغل منصب قائد “الفرقة الثانية ساحلية”، وينحدر من “مصياف” وتعيين “اللواء عبد المجيد محمد” بمنصب رئيس أركان “الفيلق الثالث”، والذي كان يشغل قائد “الفرقة 18” وينحدر من “بسنديانا” قرب “جبلة”، وتعيين “اللواء سهيل أسعد” بمنصب قائد “الفرقة الخامسة”، حيث كان يشغل منصب نائب “الفرقة الخامسة”، وينحدر من قرية “شين” في ريف حمص، وتعيين “اللواء عساف نيساني” قائداً لـ”الفرقة الثامنة” ورئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في حماة، “نيساني” كان يشغل نائب قائد “فرقة 8″، وينحدر من “مصياف” و تكليف “اللواء عدنان ابراهيم” بمهمة قيادة “الفرقة الثانية”، قادما من منصب نائب الفرقة نفسها، وتعيين “اللواء سهيل عباس”، نائب لقائد “الفرقة 18″، و”عباس” كان يشغل رئيس أركان “الفرقة الثامنة”.

نهاية القول: أذكر منذ مطلع الثورة قصصاً وحكايا وحوادث لا تحصى، عن طائفية الجيش والأمن وانتمائهما للقائد وليس للوطن، ومما لا أنساه، نقاشاً جرى مع “العقيد أبو جعفر” خلال جلسة، وقت قال لي غاضباً “ليك يا أستاذ، نحن نفتح التلفزيون، الرئيس بشار موجود ساكتين..ولكن إذا صار للسيد الرئيس شي فقسماً بالله الشام تنحرقها” وكلام الرفيق أبي جعفر، تترجم علانياً وأمام كاميرات الموبايل وكان يرسل للجميع لهدف أدركناه لاحقاً، بدأ  من “مين ربك ولااا” وانتهى قبل أيام، خلال الاحتفال بنصر الأسد المؤزر بمنصب رئيس الدولة، بهتافات علانية لـ”الدولة العلوية”.

مرة أخرى، ليس من الطائفية بمكان التطرق لهذا الانزياح الخطر والمافيوية العلانية، بل الجريمة بالصمت عن جر سوريا برمتها إلى المستنقع الطائفي عملياً، وإن كان التبجح بالوطنية والعلمانية على المنابر.

 ولعل بتصريح وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف منذ مارس/آذار 2012، تأكيداً على التوافق على أكثر الشعارات، عدمية ووجودية بآن، وقت رفعه جيش وأمن الأسد على الجدران والأسطح” الأسد أو نحرق البلد”.

فرئيس الدبلوماسية الروسية قالها لإذاعة ” كوميرسانت اف أم” الروسية: “لن نسمح بوصول حكم سني في سوريا، لإنّ الصراع يدور في المنطقة كلها، وإذا سقط النظام الحالي في سوريا، فستنبثق رغبة قوية وتُمارس ضغوط هائلة من جانب بعض بلدان المنطقة من أجل إقامة نظام سنِّي في سوريا، ولا تراودني أي شكوك بهذا الصدد. ويقلقنا في هذا الوضع مصير المسيحيين، وهناك أقليات أخرى كالأكراد والعلويين وكذلك الدروز”.

كما أعلن بشار الأسد ما هو أوقح ومراراً، ابتداء من أن السوريين ليسوا هم من يمتلكون الجواز السوري، ومن ثم بالسعي للتجانس وتغيير الديموغرافيا وصولاً للذي قد نراه قريباً، من لجوء الأسد لتقسيم سوريا ليبقى على كرسي أبيه، ولو على سوريا العلوية أو ما تسمى تلطيفاً، بسوريا المفيدة.

ربما من المفيد والوطنية بآن، النظر لسوريا على أنها ديكتاتورية والسعي والكفاح لتحررها من الاستبداد، وعدم الانجرار لمستنقع الطائفية ولو بالذكر، بيد ما نراه من بيع وتجييش وقتل وتغيير ديموغرافي، يجعل من وقف “علونة الدولة” أولوية، لأن خطورتها على المستقبل والأجيال ووحدة سوريا، أكثر حتى من ديكتاتوريتها.

———————-

====================

تحديث 07 حزيران 2021

——————————-

عن الفصام السلطوي السوري/ اكرم البني

إذا نظرنا مجازاً إلى المشهد السياسي السوري من قناة التعريف العلمي البسيط للفصام بصفته “اضطراباً عقلياً شديداً في التفكير والسلوك، يشوه فيه المرضى الحقائق والأحداث والعلاقات مع الآخرين، ويفسرون الواقع بشكل غير منطقي عبر أشكال من الهلوسات والأوهام” فإن خير تشخيص لما يعانيه النظام السوري اليوم، هو حالة فصام مزمنة، وأعراضها ليست جديدة بل قديمة قدم استيلاء هذا النوع من الحكام على السلطة، لكنها تظهر الآن بشكل فاقع ومثير للألم والسخرية في آن معاً، والأمثلة كثيرة.

أليس نوعاً من الهلوسة حديث غير مسؤول سوري عن أن الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً هي عرس للديمقراطية، وأن الدول الغربية تحسد السوريين على نعمة الحياة الديمقراطية التي يعيشون في كنفها، كذا؟! وماذا يقال عن إعلان وزير خارجية النظام بأن الانتخابات السورية أفضل بآلاف المرات من الانتخابات الأمريكية، التي وصفها بالمهزلة ووصف عمليات التصويت في السفارات السورية بأنها رائعة جداً وجرت في أجواء من الحرية والديمقراطية؟

بلا شك، يعرف القاصي قبل الداني أن الانتخابات السورية مجرد مسرحيات مفبركة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالديمقراطية، وأن السوريين محرومون منذ عقود، في ظل ديكتاتورية عسكرية، من حقوقهم الإنسانية المشروعة وأبسطها حقهم في اختيار حكامهم، وعادة ما يساقون كالخراف لممارسة طقوس الاستفتاءات المذلة، تحت وطأة الإرهاب والقمع أو التهديد بحرمانهم من لقمة عيشهم، فكيف الحال حين تجري الانتخابات اليوم فوق دماء مئات ألوف القتلى والمفقودين وملايين المنكوبين والمشردين؟ وما الدافع الذي يجبر المهجرين واللاجئين، إذا استثنينا هيصتهم المتعمدة في لبنان، على انتخاب من هجرهم وشردهم، سوى خشية القلة من الحساب والعقاب عند العودة إلى البلاد؟ وهل تصح مقارنة المهزلة السورية بالانتخابات الأمريكية التي تمت تحت رقابة الصحافة والإعلام ودورهما الحر في كشف أحشاء المجتمع الأمريكي، بينما يفتقد المجتمع السوري للحد الأدنى من هوامش النقد وحق التعبير عن الرأي، وصل الأمر إلى اعتقال أشد الموالين حماسة عندما تجاوزوا الخطوط المرسومة ولنتذكر ما حل بالمذيعة السلطوية هالة الجرف؟

ثم أي توهم وهلوسة، اعتبار ما يجري في سورية مؤامرة كونية ضد السلطة، وأن العالم بقضه وقضيضه يتحد للنيل منها، ربما غيرة وحسداً، كذا؟ أو حين يعلن غير مسؤول سوري أن الدول الغربية إنما تعاقب وتعزل نفسها ليس إلا، حين تفرض عقوبات اقتصادية على سورية وتحاول عزلها، كاظماً غيظه مما سببته هذه العقوبات من ضعف وتهتك اقتصاديين، وغافلاً عن محاولات السلطة نفسها استجداء تلك الدول كي تمد يد العون لإعادة إعمار ما دمر؟ وهل من دليل على ضغط العزلة على النظام أوضح من تلهفه لاستقبال أي زائر رسمي، ولنتذكر ظواهر التطبيل والتزمير لزيارة عمر البشير قبل أن تطيح به ثورة السودانيين، ثم مظاهر الحفاوة والاحتفاء المبالغ بهما بزيارة رئيس ابخازيا لدمشق؟!

وأي فصام وانفصام عن الواقع حين يتجرأ نظام توغل عميقاً في التدمير والفتك والتنكيل بالسوريين، على تناسي ما ارتكبته أياديه الآثمة، ويندفع مثلاً للتنديد بمقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد بعدما جثا شرطي أبيض على عنقه، وأيضاً ببعض الاعتقالات التي جرت في غير مدينة أمريكية ضد المتظاهرين، ويعتبر ذلك كبرى الكبائر وان من يصمت عنها يخون انسانيته؟ أو حين تستنفر وسائل إعلامه كمن فقدت أعصابها وهي تدين محاصرة إسرائيل للمصلين في باحة المسجد الأقصى، والاعتقالات في حي الشيخ جراح؟ والأنكى حين يتبجح غير مسؤول سوري بأشد عبارات الإدانة للعدوان الإسرائيلي على غزة ولما سببه القصف الجوي من دمار وضحايا خلال عشرة أيام، طبعاً وعلى الرغم من بشاعة ووحشية هذا العدوان، لكنه يبدو أشبه بلعب أطفال مقارنة بما سببه القصف السلطوي المديد ولسنوات عديدة من ضحايا وخراب، ليس ضد عدو خارجي بل ضد أبناء الشعب السوري؟

وآخر الهلوسات أن يفرد التلفزيون السلطوي مؤخراً مساحة خاصة لمناقشة ظاهرة التسول في الصين وأوروبا، ويطالب بضرورة وضع خطط للحد من هذه الظاهرة، ما أثار موجة سخرية كبيرة، بين أوساط الموالين للنظام نفسه، الذي يتجاهل المآسي والأزمات التي يعاني منها السوريون وشدة عوزهم وفاقتهم، ويتغافل عن تحويل غالبيتهم إلى متسولين، ظاهرياً أو بصورة مقنعة، ربطاً بالتراجع المريع لقدرتهم الشرائية جراء الانهيار المتسارع لليرة السورية، وعدم توفر أدنى مقومات الحياة، كالخبز والكهرباء والمحروقات والرعاية الصحية، عدا عن عذابهم اليومي ووقوفهم لساعات في طوابير الانتظار أمام الأفران ومحطات الوقود.

ويبدو أن ما يعزز حالة الفصام في تشخيص وتفسير مواقف النظام السوري وسلوكه، وجود ما يشبه العادة أو التقليد درج تكريسهما طيلة عقود في البلاد وجوهرهما التعاطي السلبي والفوقي مع المجتمع وعدم إعطاء قيمة تذكر لرأي المواطن أو لاحترام عقله وملكته النقدية، بما هو استخفاف مريع بالبشر والتعامل معهم على أنهم جهلة لا يفقهون شيئاً ولا يعرفون ما يجري، بل يجب أن لا يعرفوا، من دون اعتبار للفرص الكبيرة التي باتت تتيحها عشرات الفضائيات ومواقع الانترنت لتمكين الناس من متابعة ما يحدث في بلدهم أو في العالم وربما بأدق التفاصيل، الأمر الذي شجع أحد المربين الأفاضل ليكسر حاجز الحياد والصمت ويخاطب هكذا نظام وقد بلغ السيل الزبى: كفى أيها المرائي أن ترى القشة التي في عين الآخر، ولا ترى القذى الذي في عينك!

————————————-

علي دوبا ينتخب بشار الأسد/ صبحي حديدي

أنصار النظام السوري نشروا، مؤخراً، شريط فيديو يصوّر العماد المتقاعد علي دوبا وهو يدلي بصوته في مهزلة إعادة «انتخاب» مجرم الحرب الكيماوي بشار الأسد، والمرء يتساءل حقاً أيّ عقول بلهاء غبية، ونفوس مريضة شائهة، دفعتهم إلى تصوير (ثمّ نشر!) لقطات تشكّل فضيحة صارخة؛ ما خلا أنّ طقوس عبادة الفرد الأسدي، خاصة في مناطق الولاء الأعمى والعشوائي للنظام، يمكن أن تقلب الجوانب الفضائحية المخزية إلى أخرى تمجيدية وتكبيرية.

الشريط قصير، لا يزيد عن دقيقتين في النسخة التي رأيتها، ويُظهر «سيادة العماد» جالساً على كرسي، وأحد موظفي الصندوق يعطيه ورقة الاقتراع، فيحار دوبا حول ما يتوجب أن يفعله بها، حتى يدله الموظف على صورة الأسد، فلا يضع علامة الموافقة عليها بل يكتفي بالتوقيع! ثم يعطونه المغلف فيتبرّع موظف آخر بدسّ الورقة فيه، وسط دعوات من حوله تقول «الله يطوّل بعمرك سيادة العماد» وهتاف من الموظف بأنّ «هذا الظرف لازم نحتفظ فيه ذكرى للأبد».

تلك مشاهد لا تلتقط عزيز قوم ذلّ، كما قد يلوح للوهلة الأولى، لأنّ دوبا ما يزال يتنقل بين دمشق ولندن وقرفيص (ضيعته الساحلية التي تطلّ على نهر السن، حيث يربض قصره المنيف الذي ينافس قصور صدام حسين)، ويواصل التمتع بالملايين التي نهبها وكدسها خلال 30 سنة من خدمة حافظ الأسد و»الحركة التصحيحية» من موقعه كرئيس لشعبة المخابرات العسكرية. صحيح، في المقابل، أنّ الأسد الأب أقصاه عن رئاسة الشعبة ضمن ترتيبات بيت النظام الداخلي في التمهيد لتوريث الأسد الابن، إذ أنّ دوبا (على شاكلة أمثال رفعت الأسد وعلي حيدر ومحمد الخولي وشفيق فياض…) كان في عداد الضباع الأشرس التي كان مقدّراً لها أن تنقضّ على الفتى الغرّ بشار ساعة يغيب الأب، ناطور الضباع الأكبر. ولكن دوبا ظلّ موالياً للنظام بعد الإطاحة به وفي أحلك الساعات، خاصة بعد انتفاضة آذار (مارس) 2011.

عكست مشاهد الفيديو طرازاً من الخرف، ذي الصلة بالشيخوخة (88 سنة)، أو وطأة الويسكي والسيغار الكوبي (بين هوايات العماد)، أو ما اقترفت اليدان من أفانين التعذيب بحقّ آلاف السجناء السياسيين، أو ما وقّعت من أوامر التصفية المباشرة، أو ما انتهت إليه من عزلة الجلاد السفاح. لكنه طراز السطح أوّلاً، ذاك الذي يعكس أيضاً مستويات انحطاط الولاء للنظام ولشخوص آل الأسد لدى هذه الشريحة من الأنصار و»الشبيحة»، على امتداد مناطق سيطرة النظام ولكن في تلك الضِيَع والبلدات الساحلية على وجه الخصوص. لم يتنبه، والأحرى القول: لم يكترث، مصوّرو الشريط بمساخر مثل عجز «العماد» عن التمييز بين التأشير والتوقيع تحت صورة الأسد في بطاقة الاقتراع، أو عن إعلانهم الاحتفاظ بالمغلف في دلالة على أنهم سوف يميزونه بعدئذ عن سواه، أو في حمل الصندوق إليه، أو الدعاء له… ثمة، في الولاء الراهن لآل الأسد ما يتجاوز عبادة الفرد إلى ابتذال طقوس العبادة والهبوط بها إلى حضيض فظيع مضحك في آن.

من جانبي، كمواطن سوري، لم أستفظع ولم أضحك، إلا أنّ شريط الفيديو أعادني إلى إلى ذاكرة رضا حداد (1954- 1996) الرفيق والصديق وشهيد اعتقال دام 15 سنة في أقبية أجهزة الأمن وسجون النظام؛ وهنا فقرات من شهادته الشهيرة التي تصف دور دوبا في تعذيبه:

ـ «كان اللواء علي دوبا أمهر منه [العميد هشام بختيار] بكثير في السباب والشتائم… ولا غرابة في ذلك فهو رئيسه.. وبعد أن ثار غضبه، أخذ علي دوبا يكلمني ويركلني بقدميه.. وقال: «والله يا كلب، يا إبن الشرمـ(…)، إذا ما اعترفت، لأحضر زوجتك، هالشرمـ(…) وأعريها قدامك هون وأفعل فيها…».

ـ «غبتُ عن الوعي مرة أخرى.. وصحوت لأجد نفسي ممدداً على الأرض.. وقد ربطوا بأصابع يدي ورجلي سلكين كهربائيين.. وبدأ التيار يسري في جسدي وأنا ممدد على أرض مبللة بالماء.. العميد بختيار يقف عند رأسي.. واللواء علي دوبا يجلس على كرسي. للحظات قليلة استطعت مشاهدته من خلال فرجة تحت عصبة العينين السوداء لأني كنت في وضعية استلقاء كاملة. كان يرتدي بنطالاً سكرياً حريرياً.. يضع رجلاً على رجل وفي فمه سيكار ضخم.. ويحمل في يده كأساً من الويسكي».

ـ وقف علي دوبا مغتاظاً من عدم وصوله إلى أية نتائج مرجوة لمعلومات لا أملك منها شيئاً، وأخذ يركل رأسي بحذائه بقسوة ويدوس على رقبتي و يدخل مقدمة حذائه في حلقي وهو يقول غاضباً: «بدي موتك يا عرص يا إبن الشرمـ(…)، تريد أن تموت بطلاً سألبي لك رغبتك، موت يا شرمـ(…) يا إبن العاهرة». وسمعت شتائم لم أسمعها طيلة حياتي من بشر. ثم تناول خيزرانة وأخذ يضربني بها على مختلف أنحاء جسدي.. وهشام يشاركه الضرب بكابل نحاسي.. لقد فقد صوابه، تكسرت عصاه، تناول الكابل من يد هشام وأخذ يتابع ضربي بشكل هستيري».

ماذا كان غبرييل غارسيا ماركيز سيقول في المقارنة بين مشاهد التوحش ومشاهد «الانتخاب»، إذا شاء المجازفة بأيّ تخييل يخصّ خريف بطاركة آل الأسد؟

القدس العربي

——————————–

هل الأسد بين ملفات بايدن و”القاتل”؟/ سميرة المسالمة

يتزامن كلّ لقاء قمة أول، بين رئيسي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، مع ضجيج الأزمات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية التي تسبقها، إلّا أنّها هذه المرّة تتحقق وسط أجواء متوترة بين شخصي الرئيسين الأميركي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، وليس فقط بين سياستيهما في إدارة بلادهما، وملفات الأمن العالمي والقضايا والملفات العالقة بينهما، ومنها الملف السوري الذي كان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد أودعه كاملاً في عهدة روسيا، مكتفياً بالرقابة عن بعد، ووضع خطوط تماسّ قابلة للانفجار، كما حدث أكثر من مرة في وجه محاولات روسية وإيرانية في شمال شرق سورية.

وفيما يصعب التكهن بما يمكن توقعه من لقاء بايدن بمن وصفه بـ”القاتل”، أي بوتين، أو وافق على وصفه بـ”القاتل” في لقائه مع شبكة “إيه بي سي”، إلا أنّ الأنظار ستّتجه إلى قمة جنيف في 16 يونيو/ حزيران الحالي، وهي غير مراهن عليها لتحقيق كثير من التقدم في ردم الخلافات البينية، وفكفكة عقد الملفات، ومنها قضية مراقبة الأسلحة النووية، وملفا إيران وكوريا الشمالية النوويان، وقضايا مناخية وصحية، في مقدمتها جائحة كورونا. ولا بدّ من أنّها لن تتغاضى عن قضية بيلاروسيا ونظامها واعتقال المعارضين.

وعلى الرغم من عدم وضوح موقف الإدارة الأميركية وخطتها في إدارة ملف سورية، فإنّ بوتين، كعادته السابقة في لقاءاته مع الرئيس السابق ترامب، أعدّ أوراق اعتماده من جديد في سورية، مستنداً إلى واقع أولويات الرئيس الأميركي بايدن التي أعلنها في خطاب فوزه في الانتخابات، وتجاهله قضايا الشرق الأوسط، ومنها سورية، ما يمكن فهمه تمديداً لسياسة ترك الملف في عهدة روسيا، حالياً على الأقل، بينما تنتهي الإدارة الأميركية من مباحثات فيينا مع إيران بخصوص الملف النووي وتوابعه في المنطقة، وهو قد يثمر ما من شأنه تغيير خريطة الوجود الأجنبي في سورية، وتبدل أدوار اللاعبين في الصراع على سورية.

ووفق ذلك، يحمل بوتين معه إلى لقاء جنيف (بما يخص الشأن السوري) نتائج انتخابات بشار الأسد التي جرت في 26 مايو/ أيار الماضي، ومشاهد عودة الرعب الأمني إلى نفوس السوريين، وتأكيد قدرته على إعادة سورية إلى ما قبل 2011 من الناحية الأمنية، من دون النظر إلى تقلص خريطتها الجغرافية، وتقسيمها إلى ثلاث دويلات، تقع حصة نظام الأسد وروسيا وإيران على نحو 62%، وداخلها تقع مدينة درعا التي تعود الهيمنة فيها إلى لجنة المصالحة من أهالي وفصائل مسلحة مع روسيا، حيث لا سلطة أمنية حقيقية للنظام فيها، وهذا ما أفسح المجال لدرعا، وبعض المناطق في ريفها، لمنع وضع صناديق انتخابية في مراكز كثيرة وتعطيل عملية إجراء “انتخابات” بشار الأسد فيها. وتسيطر قوى تابعة لتركيا على نحو 11%، بينما يسيطر الأكراد بدعم أميركي على نحو 27%.

يبرّر هذا الملف المعدّ مسبقاً تجاهل بوتين كلّ أنواع النقد الغربي والأميركي، وحتى السوري التي صدرت بحق شرعية انتخابات بشار الأسد، واصطناع ديمقراطيتها، سواء قبل الانتخابات أو بعدها، حيث الالتفات إلى مثل تلك الانتقادات ينزع منه إحدى أهم أدوات المساومة التي يعتقد أنّها قد تفيده في ملفات أخرى، للمقايضة أو للمساومة، خصوصاً في ظلّ احتمالات التقارب الأميركي – الإيراني الذي يُخشى أن يتم على حساب مصالح روسيا في سورية والمنطقة.

ويمكن قراءة التقارب الروسي – الإسرائيلي والتنسيق بين روسيا وإسرائيل من زاوية مصالحهما المشتركة وتبادل الخدمات لإبعاد إيران عن المنطقة، سواء باستمرار الضغط الإسرائيلي وضربات إسرائيل لأنشطة إيران في سورية تحت عين أجهزة الرصد الروسية وتجاهلها من جهة، أو بفعل التجييش الشعبي الرافض لسياساتها في تشييع المنطقة من جهة أخرى. وفي كلّ الأحوال، يعني روسيا التفرّد بالملف السوري، وإبعاد إيران عن السباق لمناصفتها في استثمار الصراع الحالي في سورية.

التخلي، الذي أحدثته سياسة الديمقراطيين في عهد باراك أوباما، عن سورية من تغاضيها عن الخطوط الحمر التي وضعتها بوجه النظام السوري، وتسهيل دخول روسيا العسكري إلى سورية عام 2015، والاتفاق السري في 9 سبتمبر/ أيلول 2016 بين وزيري خارجية البلدين، الأميركي جون كيري، والروسي سيرغي لافروف (تحت مسمى الحدّ من العنف واستعادة وصول المساعدات الإنسانية وإقامة مركز التنفيذ المشترك بينهما)، وترك المجال لروسيا في إدارة الصراع داخل النظام السوري، وبين النظام ومعارضته المسلحة، وبين موسكو وأنقرة وطهران، وصناعة مسار آستانة التفاوضي من خارج القرارات الدولية، من بيان جنيف، وصولاً إلى قرار مجلس الأمن 2254، يجعل كلّه من سقف التوقعات السورية تجاه اللقاء المرتقب بين الرئيسين منخفضاً أكثر من سقف الوطن السوري الذي انهار فوق رؤوس الأبرياء تحت عين الإدارة الأميركية الديمقراطية السابقة، وخلال إدارة الجمهوري ترامب، وربما استمر في ذلك، في ظل إدارة بايدن الديمقراطية.

لم تكن لقاءات بوتين واتصالاته مع رئيسي الولايات المتحدة الأميركية السابقين، أوباما وترامب، في ما يخص سورية، في أيّ منها في خدمة القضية السورية، ومطالب الحرية، على الرغم من التهليل لنتائجها واتفاقاتها، بل منحت روسيا مزيداً من مساحة التدخل في ملف الصراع على سورية وفي سورية. وخلال الأعوام السبعة الماضية، نقلت موسكو الصراع من صراع شامل سياسي وقانوني ومسلح بين نظام سوري ومعارضة إلى مسلح فقط بين النظام مع داعميه (روسيا وإيران)، في مواجهة فصائل معارضة له مدعومة من دول عربية وإقليمية، ثم حيدت الدعم العربي، لتبقى الفصائل المدعومة من تركيا طرفاً يقابل النظام، وبذلك أهدرت الجهود الدولية في تفعيل مسار مفاوضات جنيف وفقاً للقرار 2254، وقزّمته إلى لجنة دستورية مشتركة بين منصّات “معارضة” مختلفة في مواجهة النظام المتصلب ضدها. ما يعني أنّ فرصة شرعنة وجود بشار الأسد الفائز بأصوات 95.1% بانتخاباتٍ لم يشارك فيها نصف الشعب السوري، وبتجاوزاتٍ حدثت تحت أعين الكاميرات، تتساوى اليوم مع فرص رغبة “المعارضة” السورية في إعادة إحياء العملية الدستورية في جنيف، التي تريدها اليوم موسكو أكثر من أيّ شيء آخر، لأنّها من الهدايا التي يريد بوتين تقديمها لبايدن على أنّها خطوة باتجاه تحقيق القرار 2254، وإعادة إحياء العملية السياسية التي استبقتها موسكو بتصريحات “خلّبية” عن إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في حال الوصول إلى توافق على دستور جديد، وهو ما سيحصل خلال سنوات، سواء مع المعارضة أو من دونها، لأنّه السبيل الدستوري الوحيد لعودة الأسد بعد انتهاء ولايته الحالية لحكم سورية.

العربي الجديد

————————–

من أنيسة إلى أسماء ومن الأخ إلى الأب/ عمر قدور

ما أن يُعلن عن صفقة أو حدث اقتصادي خاص بالسلطة وأعوانها حتى تتجه الأنظار إلى أسماء الأسد، تتحرى حضورها في الصفقة الجديدة بواسطة أحد من عائلتها “آل الأخرس” أو من أعوانها الذين يديرون شبكة مصالحها الاقتصادية. العديد من المحللين السياسيين تجاوز ما نعرفه عن صعود أسماء لتُطرح كبديل عن زوجها، وفي الحد الأدنى تُصوَّر كسيدة متحكمة بالقصر ومَن فيه وبالقرارات الكبرى الصادرة عنه، طبعاً ضمن الحيز المتروك من الوصيين الروسي والإيراني. ابحثْ عن أسماء؛ لعله العنوان الأكثر تواتراً وتشويقاً منذ وفاة حماتها أنيسة مخلوف قبل خمس سنوات.

بالطبع لم تُخترع أسماء الأخرس وتأثيرها، ولا بد لتأثيرها أن يكون فيه ما هو موروث من حضور وتأثير أنيسة مخلوف اللذين بقيا بعيداً عن الأضواء والبهرجة الإعلامية، ولا بد أن يكون أيضاً على حساب شقيق زوجها ماهر الأسد. ذلك لا يستدعي أن تُعزى إليها قدرات متميزة من الدهاء، فهي ليست دليلة التي احتالت على شمشون وجرّدته من مكمن قوته، ولا هي “كما قد يراها متضررون من صعودها” دليلة المحتالة في سيرة “دليلة والزيبق”. الحدود التي يرسمها لها الوضع في سوريا لن تتسع أو تضيق بحسب مهاراتها، فالواقع لا يسمح لها بأن تتجاوز كونها زوجة رئيس وأماً لرئيس، إذا سُمح دولياً بالشق الثاني.

فاعلية نساء القصر حاضرة في الوجدان العام تاريخياً، وفيها ما فيها من التشويق والإثارة والصواب، وهي تبرز عادة وبقوة عندما يكون هناك تغير أساسي في تركيبة الحكم، التغير الذي يمكن وصفه بالانتقال من حكم الأخ إلى حكم الأب. هو، بعبارة أخرى، الانتقال من التوريث الأفقي إلى العمودي. سوريا الآن مع أسماء الأسد في الانتقال للمرة الثانية من الأفقي إلى العمودي، المرة الأولى كانت في منتصف الثمانينات مع إقصاء رفعت الأسد.

بالعودة إلى الوراء، يحضر اسم ناعسة، أم الشقيقين حافظ ورفعت. الحادثة الأشهر المرتبطة باسمها هي ما يروى عن طلب حافظ منها المجيء إلى بيت رفعت لشدة تأثيرها عليه، أثناء ما عُرف بمحاولة انقلابه على أخيه المريض، ثم ذهاب حافظ رفقة ابنه باسل إلى بيت رفعت ليُحسم الخلاف “بحضور الأم ومشاركتها” بإنهاء تمرد رفعت، ثم ليبادر حافظ إلى إقصائه وإبعاده إلى فرنسا. حتى ذلك الوقت كان لناعسة دور الأم الذي يجمع الأخوين، وكان ذلك عهد “الأخ” حافظ الأسد بمشاركة أساسية من “الأخ” رفعت الذي يُنظر إليه كوريث مؤكد.

في عهد حافظ “الأخ” كان اللقب الدارج هو “أبو سليمان”، حيث تكنّى “بما لا يخلو من مغزى” باسم جده، في حين غاب نهائياً اسم أبيه المتوفى علي، بخلاف ناعسة التي يُحكى عن تأثيرها على أبنائها. حينئذ لم يكن الابن باسل معروفاً من قبل السوريين، بينما كان رفعت “القائد أبو دريد” يتكنى باسم ابنه. بإشهار باسل ولياً للعهد، سترث أنيسة من حماتها مكانة أم الرئيس، فوق موقعها الذي لم يكن بارزاً إعلامياً كزوجة رئيس، وفي واحد من أهم مظاهر الانتقال ستحصل عائلتها “آل مخلوف” على مكانة في السلطة لم تكن متاحة بوجود رفعت كوريث. لقد انتقل ثقل السلطة من عائلة ناعسة إلى أسرة حافظ، وهو وصف يأخذ في الاعتبار تغييب الأبناء لأبيهم علي الأسد.

كانت الألقاب التي تُغدق على حافظ الأسد كثيرة جداً ومتعددة، إلا أن واحداً منها سيتم التركيز عليه مع إقصاء رفعت والشروع في تقديم الوريث الابن هو لقب “الأب القائد”. لم يعد حافظ أخاً أكبر، لقد صار الأب، والذي تمتد أبوته طوعاً أو قسراً لتشمل السوريين. للأخ “كما نعلم” أخوة قد ينافسونه، وحتى إذا كانوا أصغر منه فهم ليسوا طوع سلطته كالأبناء، ذلك عهد انتهى بمدلولاته العائلية الضيقة، ومدلولاته على مستوى البلاد.

بوجود العديد من الأبناء، الذكور تحديداً، ستعود الأسرة لتتوسع، سنكون أمام العائلة من جديد، وأمام احتمالات التوريث الأفقي مرة أخرى. هكذا سيعود حكم الأخ ثانية، منذ كان باسل مرشحاً للرئاسة وإلى جانبه شقيقه ماهر، لتذكّر صورة الاثنين معاً بحافظ ورفعت، وحينها كان بشار خارج الحسابات المنصبة أساساً على إمساك الوريثين بالمخابرات والجيش. لكن بفضل وفاة باسل سيحتل مكانه، ليستقر ثقل الحلقة الأضيق للسلطة ضمن العائلة، مضافاً إليها الشقيق المقرَّب لأنيسة وأبنائه حتى وفاتها.

التناوب بين حكم الأخ وحكم الأب، أو بين التوريث الأفقي والعمودي، هو سمة سلطات التوريث عموماً منذ العهود الإمبراطورية، والتوريث الأفقي يشغل مساحة هي الأقل زمنياً، وغالباً ما تلعب المصادفة دورها كأن يكون الحاكم بلا أولاد ذكور. ربما كان التوريث الأفقي لحكم آل سعود من الأطول زمنياً بما يزيد عن ستة عقود، وهو انتهى إلى التوريث العمودي، وكذلك هي حالات التوريث الأخرى في المنطقة، فالملك الأردني حسين قبل وفاته حرم شقيقه من وراثة العرش ليجعلها بين ابنيه، وعاود الملك الحالي الانتقال من التوريث الأفقي إلى العمودي بحرمان أخيه من ولاية العهد. تاريخياً لم يكن هذا التحول يمر دائماً بيسر، ومن الأمثلة الشهيرة صراع الشقيقين الأمين والمأمون بعد وفاة والدهما هارون الرشيد.

في ختام مسابقة محلية، في أيلول 2019، ظهر كريم بشار الأسد “ابن الخمسة عشر عاماً آنذاك” مرتدياً الزي العسكري، وكأنه في محاكاة مبكرة جداً لعمه ماهر ولعم أبيه رفعت! أي، إذا سارت الرياح كالمعتاد وكما تشتهي أسماء، فستكون بعد سنوات أماً لشقيقين “حافظ وكريم” يتنازعان على العرش، وفي أقوى حال لها ستكون قادرة على تأجيل النزاع حتى وفاتها، وعلى فرض تقاسم سلمي للسلطة والثروة قد لا يغيب عنه أفراد من عائلتها “الأخرس”. تشغل أسماء الصدارة الإعلامية لتغيير روتيني دوري في نظام التوريث، وهذا أقصى طموح لها، فالعديد من الأنظمة الديموقراطية العتيدة لم يصل بعد إلى وجود امرأة في سدة الرئاسة. أما في أنظمة التوريث فتبرز النساء في فترة التحول، وعندما يتطلب احتكار السلطة والثورة إقصاءَ الشركاء الأقربين، كتأكيد على ضرورة أن تضيق النواة الصلبة للسلطة كلما اتسعت لأسباب بيولوجية.

المدن

—————————–

سقى الله أيام زمان!/ اكرم البني

والزمان عام 1954 حين آثر الرئيس السوري أديب الشيشكلي تقديم استقالته كي يجنب البلاد الحرب الأهلية، والجيش السوري الانقسام، بعد أن علم بانقلاب مجموعة من الضباط عليه وتقدمهم صوب العاصمة دمشق. لقد اختار التنازل عن السلطة والمنفى طوعياً، وذلك على الرغم من امتلاكه فرصة استخدام القوة ضدهم، فقد كان مسيطراً على قسم من الجيش يدين له بالولاء، خاصة من سلاح المدرعات والطيران! واللافت أنه ختم رسالة استقالته والتخلي عن الحكم بعبارته الشهيرة: “لن أسمح لجندي سوري أن يوجه بندقيته لجندي آخر بسببي” مقدراً كما أثير وقتئذٍ، البنية الهشة للمجتمع، والتنافسات المناطقية التي كانت تحكمه، وما يحيط بالوطن من أطماع خارجية، تضع مستقبله في موقع الخطر، في حال دفعت الأمور صوب مسارات حادة ودموية.

ما يحصل هذه الأيام في سوريا هو النقيض تماماً، حيث يبدي رأس النظام إصراراً شديداً على فرض نفسه رئيساً من جديد في انتخابات يدرك الجميع صوريتها وهزليتها، وأنها تتم فوق دماء الناس وأرواحهم وآلامهم، تحدوها عشر سنوات من الاستباحة والقتل والاعتقالات والتشريد، والأنكى أن هذا الإصرار، الذي ينتهك حق الشعب السوري في تقرير مصيره واختيار السلطة القادرة على معالجة ما حصل من خراب ومآسٍ، يفضي إلى التفريط بما يمكن أن يتوفر من فرص دولية لإعادة الإعمار، وتالياً لاستعادة وجه الوطن من براثن الاحتلال والتفكك وإنقاذ شعب جائع من جحيم المعاناة المعيشية والإنسانية.

ليس في الطغمة السورية الحاكمة من يتحسب اليوم لشيء سوى الحفاظ على منصبه وامتيازاته، وليس هناك من يمتلك الشجاعة ليضحي بنفسه أو على الأقل بمنصبه، ليمنح الشعب فرصة جديدة للعيش وليعيد للوطن كرامته، فالقيمون على السلطة لا يهمهم الشعب والوطن إلا بقدر ما يعزز تسلطهم وفسادهم وامتيازاتهم… سلطة أوصلت البلاد والعباد إلى الحضيض وجعلت غالبية السوريين جوعى وفي حالة عوز وفقر إن داخل البلاد أو بين المشردين واللاجئين، تاركة ملايين الأطفال عرضة للجهل والمرض والضياع… سلطة استجرت، دفاعاً عن كرسي الحكم، مختلف أشكال التدخل الخارجي، فمكنت الأجنبي، الروسي والإيراني، من التحكم بالبلاد وإخضاع مستقبلها للعبة التنافس الإقليمي والعالمي، وسهلت تنامي مجموعات إسلاموية إرهابية غريبة عن مجتمعنا لتعيث بأجندتها المتطرفة، فتكاً وتنكيلاً بثورة السوريين وحيواتهم… سلطة ارتضت تغيير خارطة سورية إرضاءً لصديقها السابق أردوغان، فحذفت منها لواء اسكندرون السليب، واكتفت بتسيير مظاهرات باردة، رداً على اعتبار الجولان المحتل جزءاً من أراضي إسرائيل… بينما ما كان لأحد أن يتجرأ ويستسهل التفريط بقطعة أرض من بلده، لولا الوضع المأسوي الذي أوصلت السلطة، الوطن والمجتمع إليه.

واستدراكاً، فإن فضيحة صغيرة أو إهمالاً وتقصيراً في أداء الواجب هو سبب كاف يدفع غير مسؤول في غالبية البلدان الغربية إلى تقديم استقالته ومنح غيره الفرصة للسير بالشأن العام نحو الأفضل، أما في بلدنا فلا تأبه رموز الطغمة الحاكمة أو تشعر بأي ذنب عن مسؤوليتها تجاه الكارثة الإنسانية التي وصلنا إليها، بل ماذا يمكن أن يوصف سلوك نظام رفع جهاراً شعار “إما أنا أو أحرق البلد” وعمل قاصداً كي يكون صوت السلاح هو الصوت الوحيد المسموع بكل ما يمكن أن يخلفه من قتل وتدمير؟ وكيف يمكن أن ينظر إلى ما حل بالجيش الوطني، حين أتخم بالفساد والطائفية ووظف ضد الشعب، وسخرت أسلحته الفتاكة، ليس لمواجهة العدو الخارجي، بل للنيل من إرادة سوريين طالبوا بحقوقهم المشروعة؟ والأسوأ ماذا يمكن أن يقال عن نظام رفض تقديم التنازلات البسيطة أمام شعبه واستسهل دفاعاً عن كرسي الحكم تشجيع وشحن روح التنابذ، وتحويل البلاد إلى مرتع للصراعات البينية، ولمعارك طائفية وأثنية، محفوفة بتفشي مفزع للغة الحقد والانتقام، وبإنتاج مقولات بغيضة تدعو لتدمير الآخر المختلف وإفنائه، أقل ما توصف بأنها، غير مألوفة إنسانياً، وتكشف عن توحش وهمجية غريبة عن روح الشعب السوري وتاريخه.

والزمان أيضاً عام 1962 عندما اعترض بعض المحتجين موكب خالد العظم، وكان رئيساً للوزراء وقتئذ، خلال زياراته لإحدى المدن السورية، ورشقوه بوابل من البندورة والبيض الفاسد، وقتئذ لم تتأخر قوات الأمن عن محاصرة المحتجين واعتقال بعضهم، ولكن خالد العظم لم يرحه ذلك، وبادر وهو لا يزال في القطار العائد إلى دمشق بطرح السؤال على مرافقيه: ماذا فعلتم بالمحتجين؟ فكان الجواب، أنهم قد أودعوا السجن.. فأمر بإطلاق سراحهم فوراً، رافضاً كل الذرائع التي سيقت لتسويغ الاعتقال “بأنهم قد أساؤوا لشخصه ولهيبة الدولة ومكانتها، وبأن ما قاموا به سيشجع آخرين على مزيد من الإساءة والشغب”.. واستدرك محتجاً “أين حق الناس إذن في التعبير عن مواقفهم وعما يجيش في نفوسهم” مضيفاً بحزم ” أن الرد على ما ارتكبوه ليس القمع بل المزيد من الديمقراطية، المزيد من الديمقراطية”.

اليوم، وفي حضرة هذا السلوك النبيل لخالد العظم، بأي عين يمكن النظر إلى هذا التوغل السلطوي الوحشي، بل المزيد من التوغل الوحشي، في القهر والفتك لسحق بشر مسالمين… إلى الرصاص الحي الذي تم توجيهه إلى صدور الفتيان العارية في المظاهرات السلمية التي عمت أرجاء البلاد لشهور عديدة… إلى التصعيد العنفي بالقصف والتدمير العشوائيين واستخدام الأسلحة المحرمة لقتل وتشريد الملايين من السوريين… إلى ذاك التغييب القسري والاعتقال على الشبهة والمحاكمات الميدانية وما سرب من تفنن سلطوي في ابتكار أشنع وسائل القهر وأكثرها رعباً لتعذيب السجناء وإذلالهم وقتلهم. وتالياً إلى مئات آلاف الأسر التي لا تزال تبحث عن أبنائها المفقودين في السجون والمعتقلات… وقبلها إلى عشرات آلاف المعتقلين الذين دمر النظام أغنى سنوات شبابهم في السجون بذريعة “النيل من هيبة الدولة ” … ألا… سقى الله أيام زمان!

———————————–

في انسحاب أميركا من الشرق الأوسط/ سامر خير أحمد

خلطت الحرب الإسرائيلية أخيراً على غزة الأوراق الأميركية المتعلقة بترك منطقة الشرق الأوسط، وخفض اهتمامها السياسي بها إلى جانب سحب قواتها العسكرية منها، لصالح التركيز على منطقة المحيط الهادئ، استعداداً لمستقبل ساخن في مواجهة القوة الصينية الصاعدة في تلك المنطقة من العالم. فقد أظهرت الحرب، أكثر من أي وقت مضى، أن إيران ستكون القوة المرشحة لملء الفراغ الأميركي، بفضل تمدّدها إلى كل البؤر الساخنة المحيطة بحلفائها التقليديين في المنطقة، وتحوّلها من خلال علاقتها غير المعلنة مع المقاومة في غزة، إلى قوة ضغط عسكرية على إسرائيل، التي ما زالت الولايات المتحدة تعتبر صلتها بها مصلحة وطنية استراتيجية. وهذا يعني أنه لن يكون مجدياً للولايات المتحدة الاكتفاء بالدعم العسكري لإسرائيل، كما يقول أنصار انسحابها من الشرق الأوسط، إذ لا بد من مواصلة الاهتمام السياسي، والوجود الميداني، مع تبدّل موازين القوى في المنطقة، حتى وإن كان تبدّلاً طفيفاً.

ثم إن التحالف الإيراني الصيني الذي أُعلن عنه في الأسابيع الماضية، عبر توقيع اتفاقية تعاون اقتصادي وسياسي مدّتها 25 عاماً، وكلفتها المالية 400 مليار دولار، يعني أن خروج الولايات المتحدة من المنطقة لمواجهة الصين في شرق آسيا سيتيح للصين أن تتدخل في الشرق الأوسط، ما يشكل ضغطاً على الولايات المتحدة وحلفائها يخلخل الخطط الأميركية، هذا فضلاً عن أنه سيضعف حلفاءها الأوروبيين في مواجهة روسيا المتمركزة على ضفاف المتوسط، في وقتٍ يسعى الرئيس بايدن إلى ترميم الشقوق التي أحدثتها سياسة سلفه ترامب في علاقات بلاده مع أوروبا.

إسرائيل، التي تخشى ذلك الانسحاب الأميركي المتوقع، لا بد أن توظف حربها مع حركة حماس لإقناع الإدارة الأميركية بالبقاء في المنطقة، وقد فعل نتنياهو ذلك فعلاً، حين حذّر الأميركيين من ترك المنطقة لـ”الإرهاب”، وجاء على أن الدول العربية اكتشفت، أخيراً، أن إسرائيل صديقة لها لا عدوة، وهذا يعني، من وجهة نظره، أن “أجواء السلام” المستجدّة هذه تستحق الدعم الأميركي في مواجهة تزايد النفوذ الإيراني.

في الولايات المتحدة، كان دعاة الانسحاب من الشرق الأوسط يروّجون فكرتهم بالقول إن الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط تراجعت كثيراً بالنسبة لبلادهم، فمعظم الطاقة التي تستهلكها أميركا اليوم ليس مصدرها نفط الشرق الأوسط. أما إسرائيل فقد باتت قادرةً بما يكفي على الدفاع عن نفسها، وتبدو محاولة إقامة السلام بينها وبين الفلسطينيين عبثاً لا طائل من ورائه، فما الداعي للوجود المكلف مالياً في تلك المنطقة من العالم؟ وسيكون منطقياً أن يكتشف هؤلاء، بعد الحرب أخيراً على غزة، أن المصالح الاستراتيجية لا تُقاس بهذه الموازين، فخروج الولايات المتحدة يعني دخول إيران والصين وروسيا، وتهديد أوروبا، ما يعني خسارات مضاعفة ومكلفة لنفوذ الولايات المتحدة.

صحيح أن الرئيس الأميركي بايدن افتتح عهده بتعيينات مكثفة في المناصب المعنية بشرق آسيا والصين، وبدت إدارته، حتى ما قبل الحرب على غزة، الأقل اهتماماً، مقارنة بالإدارات الأميركية السابقة بالتواصل مع الدول شرق الأوسطية، بما في ذلك إسرائيل، إذ جرى أول اتصال هاتفي بين نتنياهو وبايدن بعد نحو شهر من تولي الأخير منصبه، إلا أن الدبلوماسية الأميركية وجدت نفسها متورّطة فجأة بالأحداث المتسارعة التي تلت تهديد الفلسطينيين بالتهجير من حي الشيخ جرّاح في القدس، وهو الحال نفسه الذي خبره بايدن جيداً حين كان نائباً للرئيس باراك أوباما، وعجزت إدارته عن الخروج من الشرق الأوسط وسط اندلاع ثورات الربيع العربي، وبروز حركات العنف التي تنسب نفسها للإسلام، إذ لا بد أن يكتشف بايدن، هذه المرة أيضاً، أن ما لم تفعله بلاده يوم كانت القوة العظمى الوحيدة في العالم، المتحكمة بالسياسة والاقتصاد، لا يمكنها أن تفعله الآن، وقد باتت مسألة تعدّد الأقطاب العالمية على أعتاب التحقق.

بالنسبة للصين، من الطبيعي أن يُثير تركيز الولايات المتحدة على شرق آسيا مخاوفها. صحيح أن الصين يمكن أن تستفيد من خروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، عبر تمدّد نفوذ حلفائها، لكنها ستكون أكثر سعادة لو ظلت الولايات المتحدة غارقة في وحل الشرق الأوسط، وبعيدة عن تهديد نفوذها السياسي والعسكري في شرق آسيا، وطموحها المستمر إلى توسيعه. تدرك الصين أن علاقاتها مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، بمن فيهم إسرائيل والدول العربية، لا يمكن أن ترتقي إلى صفة العلاقات الاستراتيجية التي تكون عنصراً مؤثراً في التنافس الأميركي الصيني، على الرغم من توسّعها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة مع السعودية والإمارات مثلاً، إذ ما تزال هذه العلاقات وستبقى متركزة في الجوانب التجارية والاقتصادية، دون السياسية، ولا يمكن للصين أن تسعى إلى ملء الفراغ الأميركي بنفسها.

من أجل مزيد من الموضوعية، لا تسعى الصين، في الأصل، إلى استعداء الولايات المتحدة، وتفضل لو أتيح لها أن تواصل نموها الاقتصادي بعيداً عن العداء الأميركي كما ظلت تفعل على مدار العقود الأربعة الماضية، فضلاً عن تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في آسيا وأفريقيا من دون أن تظهر بصورة العدو للولايات المتحدة. لكن هذا الحال يبدو متعذّراً منذ باتت الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم قبل نحو عقد، وهذا يعني أنها مضطرّة لخوض هذه الحرب الباردة: إلهاء أميركا عن شرق آسيا، وجرّها من جديد إلى الشرق الأوسط!

——————————-

إعادة تأهيل تاجر مخدرات غير تائب/ غازي دحمان

يتهيأ بشار الأسد، بعد إنجازه عملية انتخابية مزورة بكل المقاييس، إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات مع دول الإقليم، تأسيساً على تحوّله، بناء على الانتخابات الموصوفة، إلى حاكم شرعي، يحظى بدعم السوريين، وبوصفه السلطة الشرعية الوحيدة على الجغرافيا السورية وسكانها، حيث تكتمل به أضلاع الدولة، الكيان السياسي الحداثي، الذي لا يجد الخارج مفرّاً من الاعتراف به، وغير ذلك يعتبر مخالفاً للقوانين الدولية المرعية.

لم تكن المشكلة مع بشار الأسد، في أي يوم، مدى شرعيته، فالعالم كله، بأنظمته الليبرالية والمحافظة، يعرف كيفية وصول عائلة الأسد إلى السلطة واستمرارها بها طوال هذه العقود، وكانت الدول قد تكيّفت مع هذا الوضع وقبلته، تحت حجج وذرائع كثيرة، لكن المشكّلة أن الأسد قد أوجد مع الزمن، وربما نتيجة استهتاره بالرأي العام العالمي، دولة خارجة عن المنطق والقانون والقيم الأخلاقية، بحيث يصعب التعامل معها، من دون التنازل عن الحد الأدنى من القيم العالمية.

تحتل دولة الأسد التي يسعى إلى تقديمها للخارج، بوصفها غطاء لشرعية قيادته، أدنى درجات المؤشرات الدولية في مختلف المجالات، تقع في مؤشّر الديمقراطية في المرتبة 164 من أصل 167 دولة، وفي مؤشّر السعادة 149 من أصل 156، وفي مؤشّر الحقوق السياسية المرتبة 210 من أصل 210، وفي مؤشّر الفساد المرتبة الثالثة بعد الصومال وجنوب السودان من أصل 179، وفي مؤشّر السلام المرتبة الأخيرة من أصل 163، وفي مؤشّر البلد الجيد، الذي يقوم على قياس دور كل دولة في إفادة العالم والجنس البشري من خلال سياساته ومساهماته في مواجهة التحدّيات التي تواجه البشرية، احتلت سورية المرتبة 155 من بين 163. المؤشّر الوحيد الذي تبدو فيه دولة الأسد متقدمة، إلى درجة أنها تحتل المرتبة الأولى فيه، هو صناعة المخدّرات وتجارتها، وهو ما دفع وسائل إعلام غربية كثيرة إلى إعادة تسمية سورية “دولة المخدّرات”، انطلاقاً من الطبيعة المؤسسية لهذه التجارة، وعلاقتها بالشبكات الإجرامية العابرة للحدود في العالم.

وعلى الرغم من أن تجارة المخدرات مهنة قديمة لدى نظام الأسد، إذ صنّفت وزارة الخارجية الأميركية سورية دولة مخدّرات خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث جنت الشخصيات العسكرية والأمنية والنظامية في دمشق أرباحًا هائلة من تجارة المخدّرات، إلا أنها شهدت قفزات قياسية منذ بداية الثورة السورية، فقد دمّر الأسد الهيكلية الاقتصادية السورية، وفق خطةٍ مدروسةٍ، هدفها إفقار السوريين وتهجيرهم، وأحلّ مكانها نمطاً اقتصادياً جديداً يقوم على أنشطة متنوعة، مثل الاتجار بالبشر، والدعارة، وتهريب الأعضاء، ونهب القطع الأثرية، وابتزاز السكان. وتتقدم صناعة المخدّرات وتجارتها قائمة هذا الاقتصاد الجديد، أو درّة منتجات دولة الأسد، حسب دراسة لمركز التحليل والبحوث العملياتية البحثي، والذي يركز على الوضع في سورية.

وعلى الرغم من الكميات الكبيرة من المخدّرات التي جرى ضبطها في أماكن متفرقة من أوروبا والبلدان العربية، أكدت مصادر إعلامية أن حجم تجارة الأسد من المخدّرات تبلغ بحدود 16 مليار دولار سنوياً، وأن كمية الإنتاج التي تنتجها شبكة من المصانع يفوق عددها الستين مصنعاً وورشة، كبيرة إلى درجة أن أسواق بعض الدول الخليجية التي تعدّ من الأهداف الكبرى لتجارة الأسد بالمخدرات باتت مشبعةً في الوقت الراهن. وتجمع مختلف التقارير على أن عائلة الأسد، بالإضافة إلى الأجهزة التي يشرف عليها الأسد (الفرقة الرابعة، والحرس الجمهوري، والمخابرات الجوية والعسكرية) هي المحتكر الأساسي لصناعة المخدّرات وتجارتها، ما يعني أن بشار الأسد هو المشرف بشكل شخصي على هذه التجارة، ذلك أن هذه الأجهزة هي المسؤولة، بالدرجة الأولى، عن أي تحرّك يحصل في البلاد، كما يضع قادتها، مع الأسد، الخطط والبرامج الخاصة بضبط البلاد والإمساك بزمام الأمور فيها. والمشكلة أن الأسد من غير المقدّر له أن يتوب عن هذه التجارة، وهو لا يحاول حتى طمأنة الخارج بأنه قد يعمل على الأقل على ضبط صناعة المخدرات وتجارتها ومحاربتهما، وتحديداً إلى الأسواق العربية، فما هو المغري في إعادة تأهيله والتواصل معه؟ ألا يعني ذلك تأييداً لسياساته وتشجيعه على المضي بها؟. وإعادة تأهيل الأسد، وفق هذه الشروط وفي هذه الظروف، لن يكون لها سوى معنى واحد، الرضوخ لأزعر غير مستعد لتغيير سلوكه، ويطلب من الآخرين أن يقبلوه على وضعه، وأن يحلوا بأنفسهم، ما استطاعوا، من المشكلات التي سيخلفها لهم، في سياق ممارسته سياساته التي يرى أنها تمثل النموذج الأفضل لتحقيق مصالحه الخاصة.

ليس ثمّة عذر لأيٍّ من الأطراف الإقليمية والدولية القول إن الأسد جيد لأنه لا يقتل إلا السوريين، إذ تثبت قوائم مضبوطات المخدّرات في الإقليم، من مصر إلى السعودية وتركيا والأردن، أن الأسد أرسل شحنات الموت إلى جميع بلدان الإقليم، ولم يستثن أحداً، ولم يضع اعتباراً لمواقف هذه الدول التي يدعو بعضها إلى وقف مقاطعة نظامه، أو حتى يدعمه دبلوماسياً ومادياً وعسكرياً، فالعصابات، وليست الأنظمة السياسية، وحدها من لا يتأثر بهذه الاعتبارات.

العربي الجديد

———————————

خطاب الأسد وبذاءة المشهد/ عالية منصور

… وانتهت مهزلة الانتخابات في سوريا الأسد، وأطل الأسد ليخاطب من سماهم بالجماهير، ومن البديهي أنه عندما يكون النظام الحاكم في أي دولة كنظام الأسد، يختفي مفهوم المواطن والمواطنة ليحل محله مفهوم الجماهير.

أطل الأسد على جماهيره وأبدع كعادته منذ استلامه السلطة بتوزيع الاتهامات والشتائم، حتى يكاد لا يخلو خطاب للأسد من الشتائم والتخوين، كما لم يخلُ من “الأستذة”. يقول بشار لمن انتخبه: “لقد أعدتم تعريفَ الوطنية وهذا يعني بشكل تلقائي إعادة تعريف الخيانة”.

تحدث عن الثيران والثور والثورة والعلف. لغة شوارعية تليق به تماماً مهما حاول أن يتجمل، ولكن الحكاية كلها تكمن أن بشار الأسد لا يشعر بحاجة إلى أن يتجمل، طبعاً ما عدا عمليات التجميل الخارجية التي أجراها مؤخراً.

اختزل بشار الأسد سوريا بشخصه. لم يحاول أن يجامل المجتمع الدولي وتجاهل كل ما قيل خلال السنوات الأخيرة عن الحلول السياسية، مؤكدا أن إعادة انتخابه “ظاهرة تحد غير مسبوق لأعداء الوطن” وأعداء الوطن في هذه الحالة هو كل من لم يشارك بإعادة انتخابه، وكل من ثار عليه وأيضاً كل الدول التي رفضت الاعتراف بشرعية هذه الانتخابات.

لم يكن خطاب الأسد مجرد خطاب نصر، بل هو خطاب إصرار على استمرار الحرب على كل من عارضه ويعارضه، ممزوجاً بألفاظ اعتدناها منه. يقول بشار في خطابه إن ما قام به مواطنوه خلال الانتخابات الرئاسية السورية هو بمثابة “ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى حقيقي لا مجازي، ثورة ضد الإرهاب والخيانة والانحطاط الأخلاقي”، إصرار على أن كل من لم يشارك بمبايعته هو خائن وإرهابي. وحتى الأرقام التي أعلن النظام أنها عدد المواطنين الذين صوتوا للأسد، عدا عن كمية النفاق والتزوير والتضخيم فيها، إلا أنها أيضا إصرار آخر من قبل هذه النظام أن كل من هو خارج سوريا وخارج سيطرة النظام لا يعتبر سورياً أو على حد تعبير بشار “حملة الجواز السوري”، وهي عبارة خطيرة جداً وتنم عن أن بشار الذي بشر منذ سنوات بالشعب المتجانس، فإنه عمل جاهداً لتهجير من يراه لا يتفق مع الخضوع له ولسلطته المطلقة، فكل ما حدث في سورية من تدمير وقتل وتهجير كان للوصول لهذه اللحظة، حيث سوريا المفيدة التي يسكنها الشعب المتجانس، شعب بشار الأسد أو القابلين للخضوع له، هم السوريون بينما ملايين المهجرين هم مجرد حملة جواز سفر سوري، أن هذا التعريف بحد ذاته يعتبر جريمة إضافية تضاف لسجله الحافل بجرائم الحرب.

لقد تحدى بشار العالم من خلال الأرقام التي أعلنها قائلاً أن “الكلمة لي” ولا مجال بعد اليوم للحديث عن أي مفاوضات أو مباحثات، ولا حتى حل لموضوع اللاجئين والنازحين، علما أن أرقام بشار هي أكبر من عدد الذين يعيشون في مناطق سيطرته، حيث إن التقديرات تشير إلى أن العدد الكلي لمن يعيشون تحت سلطة بشار لا يزيدون عن 9 ملايين نسمة بمن فيهم الأطفال، بينما أعلن النظام أن عدد من صوت له بلغ أكثر من 14 مليون نسمة، والمفارقة أن بشار يعلم أن كل العالم يعرف أنه يكذب ومع ذلك فإنه وككل المرضى السيكوباتيين يستمتع بجريمته بتلذذ ووحشية تبدت من بين أسنانه وهو يتلفظ بشتائمه على السوريين وغيرهم.

واليوم وبعد مضي نحو أسبوع على خطابه، أعلنت الخارجية الروسية أن انتخابات مبكرة في سوريا ممكنة في حال اتفاق النظام والمعارضة على وضع دستور جديد، وبذلك تحاول روسيا أن تخدر موجة الغضب التي سادت في أوساط دول العالم التي رفضت الاعتراف بشرعية انتخابات بشار، فروسيا التي عطلت الحل السياسي طيلة عشر سنوات، ممعنة في إصرارها على إلغاء كل خريطة الحل الأممية وفق القرار 2254، وممعنة في مكافأة المجرم على جرائمه، وكل ما تحتاج اليه هو معارضة تقبل أن تستمر بهذه المهزلة، وتكون جزءاً من جماهير الأسد.

————————–

جبران وسورياستان/ الراجح

يقول الأديب الفلسطيني إميل حبيبي: “السخرية سلاح يهز عروش الظالمين”.

وماذا غير السخرية مما جرى في سورياستان الأسد من انتخابات تأخذنا نتائجها إلى السخرية، لكنها بالحقيقة تراجيديا شعب قُتل وهُجّر وسُرِقت أملاكه وأحلامه، وبانتخابات تساوى فيها تقريباً عدد أصوات الاموات بأصوات “الأحياء”، ومع هذا أرسل جبران باسيل برقية تهنئة لبشار الأسد عقب الإعلان عن فوز الأخير بولاية رابعة وبنسبة 95,1% بالمئة من الأصوات أحياء وأمواتاً.

واعتبر باسيل أن “اعادة انتخاب الأسد رئيساً لسوريا مؤشر على ثقة الشعب السوري به” كَون أبناء الحسكة ومعظم مناطق الشمال السوري وأبناء درعا واللاجئين في تركيا ولبنان وألمانيا والأردن ليسوا من الشعب السوري. وأمل باسيل بأن يقود الأسد ما وصفه ڊ”مسيرة إعادة إعمار سوريا” ربما كما أعاد باسيل وتياره والرئاسة إعادة إعمار المرفأ وما رافقه من دمار لأكثر من نصف العاصمة بيروت… والأهم أن باسيل أراده أن يثبت استقرار سوريا وإعادتها إلى مكانها ومكانتها في العالم العربي وشرق المتوسط خاصة، كي تتساوى سوريا مع ما حققه “العهد القوي” من استقرار ومكانة عظيمة للبنان في العالم العربي خصوصاً من دون نسيان شرق المتوسط والعالم أجمع… وللدلالة على أهمية رسالة باسيل ولتأكيدها أقدم له ولحليفه الأسد قراءة في كتاب “نزلاء العتمة” للروائي الأردني أحمد محافظة

يبدأ الروائي الأردني…

عندما يحوّل الطغاة الحياة إلى موت…

تدور أحداث الرواية على مستويين أحدهما علوي والآخر سفلي، أي بالتوازي بين الحياة والموت حيث تتحول المقبرة إلى مكان يضج بالحياة وصخبها.

الحقيقة هي مسرح الأحداث. الأبطال هربوا من الحياة إلى الموت ليكملوا احلامهم المجهضة وينالوا حرية حُرموا منها في حياة يسودها الطغاة والقتلة والفاسدون.

بطل القصة معتقل سياسي في ظل نظام أمني عربي وقد يكون في مكان آخر، لا أهمية لذلك فالطغيان مدان أنّى كان، فالإدانة للفعل بالمطلق…

ويتوالى السرد فيأخذنا إلى حيث المعتقل، حيث يفقد السجين هويته ليتحول إلى رقم مجرد من إنسانيته. ويصبح الألم هو الزمن الذي يعرفه والوجوه المقنعة هي عالمه. فيصبح الموت هو البديل، ويا لفظاعة هذا البديل… يا لحياة يكون الموت أفضل منها!

المستوى الآخر أي العالم السفلي، عالم المقابر، حيث يتحول فيه بعض الناس إلى وكلاء الله على الأرض فيفرضون رؤيتهم وفهمهم على الآخرين فيفسدون الحياة والموت أيضاً.

أخيراً في رواية “نزلاء العتمة” يظهر الموت موازياً للحياة، وفي الأنظمة القمعية يتحوّل إلى بديل ربما أكثر حرية. وهذا وجع لا ينتهي وفاجعة كبرى…

جبران باسيل اقرأ رواية نزلاء العتمة.

—————————-

نكتة سوداء/ علي نون

صارت نكتة سوداء لا تسرّ خاطر أحد، تلك الفضيحة المسماة انتخابات رئاسية في سوريا بشار الأسد… وهي على سماجتها تضيف إلى مخزون التواريخ السورية (أي غير المسبوقة) شيئًا من التهتك المصاحب لفحوى الخطاب والأداء البعثيين الأسديين، منذ إلقاء القبض على الكيان السوري وأخذ أهله رهائن بصفة رعايا في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي.

والتواريخ السورية في دولة الأسد كثيرة ومتعددة، أبرزها وأكثرها حضوراً هو الأساس المشابه لصنوه في بعث العراق وصدّامه، أي اختصار الدولة بكل أحوالها وأدوارها بالحزب. واختصار الحزب بالطغمة الأمنية العسكرية بداية، ثم اختصار الدولة والحزب والطغمة بالعائلة وحدها، ثم اختصار ذلك النسيج برمته بشخص القائد الخالد والواحد… من ذلك المخزون تناسلت بضاعة الهرطقات والمسخرات والتوريات، ونمت بإصرار وعناد لا يأبه روادهما وأبطالهما بأي سؤال أو جدال أو خفر أو حياء أو أخذ بالاعتبار شيئًا يقال له في عوالم الحاضر غرباً وشرقاً “رأياً عاماً” أو أي شيء له صلة ما بالآخر ورأيه.

في دولة التهتك والسفور هذه تعطى التوريات ريادة وسلطاناً، فيقال إن هناك أشياء دولتية (مهضومة!) تشبه مثيلاتها في معظم دول الأرض: برلمان! وحكومة! وقضاء! ووزارات! ومحاكم! ومؤسسات…الخ وصولاً إلى زبدة الهذر في دولة الأسد المتمثلة بمثلبتي الانتخابات أولاً والرئاسية ثانياً! ومع ذلك فإن التجربة السورية ليست وليدة نتاجات محلية برغم أشياء البعث وأصحابه، وأولها العروبة والوحدة والحرية ثم درة التاج المرتجى في البنيان النظامي: الاشتراكية بقضها وقضيضها ودفعة واحدة من دون مرحليات ودورات الزمان والخطط الخمسية والعشرية ومن دون (طبعاً) انتظار تعديل طبيعة الإنتاج بعد تغيير أدوات ذلك الإنتاج !

وعلى منوال الأصل في دول المنظومة الاشتراكية العظمى، يغزل نسيج المصطلحات المحاكية للموجود في دول الضد، أدلجة وأنظمة… ويشطح النفاق المؤدلج بفخامة: دولة الحزب الواحد تلهج بالحرية! ودولة الاستبداد البوليسي والأمني تلهج بالديمقراطية! ودولة الأجهزة القمعية والاستخباراتية تلهج بالمؤسسات! ودولة الحزب المرصوص تلهج بالانتخابات! ودولة التعليمة السافرة والآمرة تلهج بالإعلام! ودولة التقنين والإفقار تلهج بالرخاء! ودولة العوالم السفلية والأقبية ومعسكرات الاعتقال والتعذيب تلهج بالسعادة! ودولة الزعيم والقائد تلهج بالمجالس البرلمانية! وتعطى هذه توصيفات جليلة كأن تكون مجلساً للشعب أو للأمة أو للشورى! ثم يصار إلى شحذ الهمم على مدار الأيام والأزمان لمواجهة عدو دائم الوجود والحضور والاستعداد للزحف والقضاء على مكتسبات الثورة وإنجازاتها! ولا بأس بتعديل صفة هذا العدو وطبيعته، حسب مقتضيات المرحلة وشروطها بحيث يكون هذا العدو تارة طبقياً رجعياً، وتارة مرتداً زنديقا، وتارة أجنبياً طامعاً بالخيرات والنتاجات الوفيرات كما بالثروات الظاهرات والمخفيات! عدا بطبيعة الحال في سوريا ودول الطوق، عن المحتل الذي لم يتوان في ظلال دولة البعث عن استئناف احتلاله لما بقي بعد عام النكبة.

في دولة التهتك والعبث هذه، لا يتورع كبير السلطة وصاحبها عن الفتك التهكمي بقيم العالم الآخر، الطبيعي والبشري والإنساني والمحتكم إلى العدل والحرية وتداول السلطة والاستناد إلى صندوق الانتخابات في ذلك وليس إلى صندوق الرصاص…كي يقول إنه هنا بأصوات ناخبين وليس بأصوات الصواريخ! وهو الذي يريد من ذلك رمي النفاق بالنفاق! ومعاملة السوريين الضحايا بالمنطق نفسه، الذي سمح له أولاً وأساساً بأن يقتلهم ويهجرهم ويخرب بيوتهم وأرزاقهم من دون خشية من حساب خارجي فعلي! ومن دون قلق من تدبير زجري دولي أخير… صاحب التهتك الذي أمعن في وظيفته يظهر أكثر حنكة من نظيره الآفل في البعث العراقي وأكثر استعداداً لتثبيت وظيفته الكبرى بحماية مصالح إسرائيل ومن يعنيهم أمرها حتى لو لم يبق في سوريا حجر على حجر وبشر قرب بشر… وحتى لو لم يعد لديه فعلياً وعملياً ما يعينه على أداء تلك الوظيفة، وحتى لو تقلصت سلطته إلى حدود مكان وجوده الجسدي الحسي المباشر! يعرف أنه يتهتك، ويعرف أنهم في الغرب أساساً، يعرفون أنه يتهتك! لكنه مثلهم في اعتماد القياسات المناسبة للحكم على الديكتاتور المستبد ومنتهك حقوق الإنسان: يأخذ راحته في الفتك والاستبداد بالسوريين لأنهم في عرفه كما في أعراف دول الرقابة والقرار ومأموري شرطة الأخلاق، لا يستحقون وهم بالملايين، ما يستحقه منشق أو معارض روسي أو بيلاروسي أو صيني واحد! …يلعب معهم بأدواتهم لكن على طريقته، ويعرف سلفاً أن من لم يسمح بمحاسبته على قتله نحو مليون مواطن وتهجير عشرة ملايين واستخدام الأسلحة المحرمة بكل مشتقاتها الكيماوية والسميَة والغازّية، لن يتوقف قليلاً أو كثيراً عند مهزلة الانتخابات وإعلانه الفوز بنسبة ٩٥ في المئة من أصوات الناخبين… يستطيع أن “يجادل ” بأن هذه النسبة تبقى، على الأقل ، دون المئة بالمئة التي يستحقها أولا ًوالتي حصل عليها صدام حسين في زمانه ثانياً !

——————————-

لافروف في كتابه: هذا رأيُنا بالأسد/سامي كليب

                    ” نحن أمة مهذّبة،تأملات في السياسة الخارجية الروسية”، تحت هذا العنوان كتب وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف رؤية شاملة ودقيقة للدبلوماسية الروسية الحالية في العالم، منتقدا بشدة قلب الأنظمة بالقوة، ومتهما الغرب بمساعدة او غض الطرف عن داعش والنصرة، ومتهما أيضا تركيا بتمرير مقاتلي التنظيمين ” الارهابيين” ، ومقدّما رواية لافتة عن الوضعين السوري والعراقي حيث يربطهما ربطا وثيقا، بما في ذلك نظرة موسكو للعلاقة مع الرئيس السوري بشار الأسد ومستقبله على رأس السلطة.

الكتاب الذي صدر بلغته الروسية ثم الانكليزية في العام 2020، صار حاليا باللغة العربية في مكتبات كثيرة ( والبعض ترجم العنوان ب نحن شعب مهذّب) ، وفيه اضافة الى ما تقدم، شرح تحليلي لواقع ومستقبل التوازنات الدولية، وقلق لافت على المسيحية وعلى مسيحيي الشرق والذين يعلّق لافروف أهمية لافتة عليهم.

أخترت لكم أبرز المقاطع وانشرها كما هي :

    في محاولة للحفاظ على هيمنتهم، تصرّف شركاؤنا الغربيون للأسف بإسلوب أخرق في العراق ، وتحت ذرائع كاذبة، ثم أطاحوا بالرئيس العراقي صدام حسين، ولم يكن هناك إرهاب ولا داعش في عهده، وظهرت داعش بعد الغزو الأميركي للعراق ، وقد إعترف مؤخرا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأن داعش نشأت بعد التدخل في  العام 2003 . أرادوا إعادة تشكيل العراق وفقا لاعتقاداتهم، فنقلوا حميع المهام الى الأغلبية الشيعية، ثم طردوا السنّة من الجيش والأجهزة الأمنية والشرطة ومن جميع مؤسسات إنفاذ القانون وكان معظم المطرودين يمتلكون قيادة ممتازة للأسلحة ولا يعرفون شيئا آخر، لهذا فإن العامود الفقري لداعش هم الضباط السابقون في جيش صدام حسين الذين لا علاقة لهم بالايديولوجيا الاسلامية والراديكالية والتطرف.

    شركاؤنا الغربيون أرداوا في العراق إيصال الشيعة الى السلطة من أجل الإطاحة بالسنة،وهم يحاولون في سوريا الإطاحة ببشار الأسد من أجل جلب السنة الى السلطة. بينما سورية لا تتكون من المسلمين الشيعة والسنة فقط، وانما هي مهد المسيحية.

    ان الوضع في سورية والعراق مترابط، ففي كلتا الحالتين، نحن نتعامل مع عواقب ما يُسمى بتصدير الديمقراطية والتدخل الخارجي من أجل القضاء على الأنظمة غير المرغوب فيها.

    إن عدد المسيحيين يتضاءل بصورة سريعة في سورية والعراق. إننا قلقون للغاية من خروج المسيحيين، وهذا يقنعني مرة أخرى بأن القيم الحالية التي يتم تصديرها من أوروبا هي قيم ما بعد المسيحية، وقد تم التركيز على الإطاحة بما يسمى الأنظمة الاستبدادية التي لا تنسجم مع مفهوم وفئات المصافحين والخاضعين للفلسفة الليبرالية. إن أوروبا التي رفضت ان تشير في دساتيرها الى جذورها المسيحية لا تهتم بالمسيحيين، وإن اعتقادي الراسخ هو أنه بمجرد نسيان جذورك الأخلقية والروحية فأنك ستصبح قريبا غير مبال بالجذور الروحية والقيم الأخلاقية للآخرين.

الأسد والمعارضة

على الرغم من أن الجميع قد أدركوا بأنه لن تكون هناك عملية سياسية بدون بشّار الأسد، وإن قرار مجلس الأمن والقرارات التي اتُّخذت بشأن سورية منذ العام 2012، بمشاركتنا الفعّالة والإستباقية، لا تحتوي على أي طلب أو تلميح بأن الرئيس الأسد يجب أن يرحل، بل على العكس من ذلك، فقد قيل بأن الشعب السوري وحده هو الذي يقرر مصيره، وان العملية السياسية يجب أن تكون شاملة لجميع قوى المجتمع السوري، دون استثناء عرقيا وسياسيا وطائفيا وكذلك أطياف المعارضة، على الرغم من ذلك فكلما كنت التقي وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان يسألني عمّا يجب القيام به، فاذكّرُه بخطواتنا، ومنها حين اعتمدنا مع وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في حزيران/يونيو 2012 وكذلك مع الأوروبيين والصينيين والعرب والأتراك بيان جنيف، لكن الأميركيين رفضوه الاقتراحات في مجلس الأمن لأنه لم يُذكر فيها بانه ينبغي على الرئيس السوري التنحي والا ستكون عقوبات عليه..

سألتُ :” اين مكتوب ذلك، لقد جلسنا في جنيف لمدة 7 ساعات ولم نذكر شيئا عن هذا ” وخلال المناقشات سألت جون كيري أيضا :” لماذا ترتكبون الخطأ مرتين، في العراق عام 2003 والآن في سورية بعد ليبيا، فأجابني بأنه في خلال غزو العراق كان سيناتورا وقد صوّت ضد الغزو، أنه أمر جيد اذاً، وباراك أوباما كان أيضا ضد ذلك في حينه، لكن ليبيا في خلال حكم كلينتون كانت خطأ ايضا، لقد انتهكوا وثيقة مجلس الأمن، التي كانت تهدف فقط الى أغلاق السماء وعدم السماح للطائرات الليبية بالطيران، لكنهم قصفوا وقتلوا العقيد معمر القذافي بوحشية، والآن هناك أرهابيون كثيرون في ليبيا، ومن هناك يتدفّق المقاتلون، والأسلحة، التي تصل أيضا الى جمهورية مالي وجمهورية افريقيا الوسطى وتشاد..”

    لم تقترح روسيا على الرئيس الأسد التنحّي، لقد قرأت الشائعات حول أن المرحوم رئيس مديرية المخابرات العامة في ههيئة الأركان العام للقوات المسلّحة الروسية، ايغور سرغون، سافر الى دمشق واقترح على الرئيس السوري التنحي، هذا غير صحيح البتّة. فهذا الحديث مع الأسد لم يكن ضروريا وهو كان يتحادث مع الرئيس فلاديمير بوتين مباشرة .

    كشف رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين ماهية اتفاقه مع الرئيس السوري، فهو أعلن مرارا وتكرارا، بأن الرئيس الأسد وافق على محادثات مع المعارضة بما فيها المسلّحة، ووافق على تشكيل أوسع جبهة من الجيش السوري ووحداته ووحدات المعارضة الوطنية لمكافحة الارهاب على الأرض، والذين سيكونون مستعدين لمحاربة داعش والنصرة. كذلك إتفق الرئيسان على أن الرئيس بشار الأسد، وفي سياق العملية السياسية التي سيُرسل اليها وفدا، سيكون مستعدّا للنظر في الصلاحيات السياسية، والتي أدرجت في المحصّلة النهائية في قرارات مجموعة فيينا وقرار مجلس الأمن 2254، لذلك نؤكد أنه لم يطلب أي شخص ( الأسد) اللجوء السياسي ولم يقترح أي شخص مثل هذا الأمر.

    في جميع قرارت الأمم المتحدة التي اتُّخذت بالإجماع في السنوات الأخيرة، ثمة نصوص واضحة تقول ان السوريين وحدهم هم المخولون بتحديد مصير بلدهم في اطار الحوار الشامل وبمشاركة جميع الجماعات العرقية والطائفية والسياسية في هذه الدولة، وان جميع الأطراف الخارجية بما فيها روسيا وأميركا وبلدان المنطقة، هي وفقا لقرارات الأمم المتحدة، مدعوة الى تهيئة جميع الظروف لمثل هذا الحوار الشامل وقد حقّقنا ذلك تماما.

    نحن نقول ان الحل المثالي بالنسبة لسورية والعراق وليبيا هو بالاتحاد وتدمير الارهابيين وتنظيم انتخابات حرّة، ومن ثم ترك هذه الدول وشأنها، لكن شركاءنا يقولون ( وهو ما قاله لنا مثلا وزير الخارجية الاميركي جون كيري) أنهم يمكن ان يتحدوا معنا في ضرب الارهاب، لكن قبل ذلك يحب الاتفاق على اننا سنزيح الرئيس بشار الأسد، ونحن نسألهم : لماذا؟ فيجيبون: إنه دكتاتور وان 80 بالمئة من السكان لا يقبلون به ويقفون ضده، فنقترح عليهم تنظيم الكفاح سريعا ضد الارهاب وتنظيم انتخابات حرة على الفور ولندع هؤلاء ال 80 بالمئة يزيحون رئيسهم بطريقة ديمقراطية خلال التصويت، فيقولون لنا ان هذا يأخذ وقتا طويلا، ويجب القيام بذلك الآن، لماذا؟ لا أحد يعلم.

    سالنا شركاءنا من سيكون بديلا عن الرئيس السوري بشّار الأسد، ومن يضمن الآن بأنكم لن تطيحوا به بطريقة ما، ولن يحدث الشيء نفسه الذي حدث في ليبيا، حيث هناك زعيم استبدادي لم يكن محبوبا، ولكن في خلال ولايته لم يكن هناك ارهابيون على الإطلاق؟ صحيح أنه فرض نظاما صارما، ولكن الليبيين ازدهروا اقتصاديا واجتماعيا، فكان هناك بنزين شبه مجّاني، ودراسة مجّانية في أي مؤسسة تعليمية، وكان لديهم الكثير من المال والشعب قليل والنفط كثير، فتمت ازالته. لقد أصبحت ليبيا مرتعا للارهاب، وبلدا يمر عبره المسلحون والاسلحة جنوبا الى افريقيا والى الشمال، هم الذين يقلقون اوروبا والان الجميع يعاني، لأن ليبيا الموحدة ما عادت موحّدة .

    إن العراق وليبيا وسوريا لم ينكسروا، وعند الأميركيين حكمة تقول :” ان لم يكن الشيء مكسورا فلا تصلحه”، هذه الدول بدأت بالاصلاح، ويقول الأوروبيون انه من اجل حل مشكلة النازحين واللاجئين ووقف تدفقهم فمن الضروري استعادة النظام في هذه الدول، واعتقد انه في كل مكان وجد تدّخل أو محاولات لذلك، وكانت قوية ووقحة، سيكون من الممكن من خلال الحوار ومن خلال اشراك قادة هذه الدول في المحادثات أن يتحولوا بشكل أو بآخر الى شركاء . لقد اعتاد شركاؤنا الأوروبيون حل مشكلات هذه المجتمعات بالطريقة التي اعتادوا العيش بها هم انفسهم، ويعتقدون أن الجميع يجب أن يعيشوا هكذا. وبحسب تقاليد تعود الى قرون غابرة، فان أصدقاءنا الانجلوسكسونيين يقومون بتحديد من هو البلد :” ذو السمعة الحسنة” ومن هو ” المنبوذ” ، وهم يشعرون، بانه حين يصبح العالم متعدد الأقطاب، فانهم يفقدون القدرة على تقدير الآخرين، وهذا سؤال فلسفي، ونحن نتعامل معه بصبر، ولكن الأمر بالنسبة لهم مؤلف للاسف.

هذا غيضٌ من فيض الاسرار والتحليلات والرؤى الإستراتيجية التي يقدّمها سيرغي لافروف في كتابه المهم وهو يشرح فيه أيضا بالتفصيل كيف كان يهب الأميركيون ضد روسيا حين تقصف الارهابيين بذريعة انها تطال أيضا المعارضة المعتدلة، ويقول كنا نطلب منهم فصلها عن الارهابيين ونطلب أيضا ان تعطينا أماكنهم لكن نجنبهم ذلك لكن الاميركيين لا يفعلون.

الكتاب ممتاز لفهم السياسة الخارجية الروسية بقلم أحد أكثر الدبلوماسيين الروسي حنكة وثقافة وذكاء في تاريخ روسيا، فمن خلاله نكون نظرة عميقة  للأوضاع الراهنة أو للمستقبل ورؤية موسكو لها ، لكن المؤسف هو ان الترجمة العربية للكتاب والصادرة عن دار الرافدين في بيروت، زاخرة بالأخطاء وتراكيب الجمل والقواعد والإملاء، حبّذا لو يصار الى تصحيح كل ذلك في نسخة منقّحة خصوصا ان بعض الجمل تبدو وكأنها منقولة بشكلها الأصلي عن الانكليزية او الروسية دون مواءمتها مع اللغة العربية، فيصعب فهمها.

———————————

هل دخل الملف السوري في البازار الأميركي – الإيراني؟/ عماد كركص

شكوك وتساؤلات عدة باتت تحيط بالموقف الأميركي حيال القضية السورية، بعد وصول إدارة الرئيس جو بايدن للبيت الأبيض قبل نحو 5 أشهر. وعمّق إجراء النظام السوري للانتخابات، بتحدٍ واضح للمجتمع الدولي والدول الغربية، على رأسهم الولايات المتحدة، بدون موقف صارم من قبلها، من تلك الشكوك. وتزايدت التساؤلات حول ما ستكون عليه سياسة إدارة بايدن حيال سورية في المرحلة المقبلة، أي بعد الانتخابات ونجاح بشار الأسد فيها.

وعلاوة على تناقص الحماسة والاهتمام الأميركيين بالأزمة السورية، بخلاف ما كان عليه الحال في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ولو جزئياً، فإن إدارة بايدن أوقفت الإجراءات العقابية الأميركية على النظام منذ وصولها للسلطة في واشنطن، ولا سيما تلك المقوننة منها بموجب “قانون قيصر” للعقوبات، الذي أصدره ترامب نهاية العام 2019 وطبقه منتصف العام الماضي، وضيق من خلاله الخناق على النظام اقتصادياً ودبلوماسياً.

وفي موازاة ذلك، زاد النظام أخيراً من نبرة التحدي حيال الفاعلين الدوليين المطالبين برحيله. وتوضح ذلك في خطاب الأسد الأخير الذي أعلن فيه الفوز في الانتخابات، المطعون بشرعيتها ونزاهتها. وبدا الأسد كأنه متحرر من الضغوط عليه، ما جعله يرفع نبرة التحدي، بعد تمرير الانتخابات دون ضجة دولية بما يشبه “الانتصار” بالنسبة له. وربما يكون الأسد قد قرأ في عدم صدور عقوبات أميركية على نظامه منذ تولي بايدن للسلطة، تراجعاً في الاهتمام الأميركي حيال سورية، والضغط عليه في آن، في حين بات الحديث عن صفقة لإدارة بايدن مع إيران، عنوانها الأبرز “الملف النووي الإيراني”، مطروحاً، ليكون الملف السوري في “بازارها”. وبات مختصون في شؤون الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، من باحثين وكتاب وحتى نواب في الكونغرس، يصوبون على خطر إقدام إدارة بايدن على غض النظر عن توسع إيران في سورية، وزيادة دعمها للأسد، بدون روادع أميركية، ضمن تلك الصفقة.

وشهدت واشنطن، الأسبوع الماضي، حضوراً للملف السوري على لسان مسؤوليها. وأكد مسؤول في وزارة الخارجية، لم يكشف عن اسمه، خلال مؤتمر صحافي هاتفي، أن بلاده ليس لديها أي نية لتطبيع العلاقات مع النظام، وذلك بعد الإعلان عن فوز الأسد، معتبراً أن الانتخابات “ليست حرة ولا نزيهة” طالما لم تجر بموجب دستور جديد وإشراف الأمم المتحدة ومشاركة اللاجئين. ووجه ثلاثة نواب جمهوريين، أخيراً، رسالة إلى وزيري الخارجية أنتوني بلينكن والخزانة جانيت يلين، اتهموا فيها إدارة بايدن بالفشل في فرض مزيد من العقوبات على النظام السوري بوصفه الحليف الأبرز لإيران في الشرق الأوسط. واتهم النواب في الرسالة، التي نقلتها قناة “فوكس نيوز” الإدارة الأميركية بغض النظر عن تزويد إيران للنظام بالنفط عبر البحر، ما يعد انتهاكاً لـ”قانون قيصر” للعقوبات الذي فرضته الإدارة السابقة. واعتبروا أن عدم مواصلة إدارة بايدن العقوبات على النظام، تندرج ضمن صفقة العودة إلى ملف الاتفاق النووي مع إيران. وطلبوا توضيحات حول سبب رفض الإدارة الحالية فرض عقوبات على النظام بموجب “قانون قيصر”، وما إذا كانت انخرطت في محادثات أو تنازلات، أو وضعت أي خطط لرفع العقوبات عن نظام الأسد.

وعلى الرغم من عدم تفاؤله بإحداث نقلة نوعية في الموقف الأميركي تجاه سورية، على خلفية إصرار النظام على إجراء الانتخابات وتمرير فوز الأسد فيها، بتحدٍ واضح للمجتمع الدولي، رأى الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، المقيم في واشنطن، أن “أي اتفاق أميركي – إيراني، لا يكفي لحل الأزمة السورية، نظراً للوجود العسكري التركي والروسي، بالإضافة إلى وجود مشكلة التنظيمات الكردية بالنسبة إلى تركيا وكذلك مشكلة (جبهة) النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) للغرب عموماً”. وقال، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن الجزئية المتعلقة بإيران والولايات المتحدة في سورية لها علاقة بثلاث نقاط رئيسية، أولاً، التواجد العسكري الإيراني في البلاد بشكل عام، وثانياً، الصواريخ الإيرانية التي تهدد إسرائيل والموجودة في سورية، وثالثاً، حل مشكلة انتشار المليشيات المرتبطة بإيران و”الحرس الثوري”، مثل “حركة النجباء” و”الحشد الشعبي” وغيرها في سورية، بالإضافة إلى “حزب الله” اللبناني. وأعرب بربندي عن اعتقاده أن “إيران لن ترضى بسحب مليشياتها والموافقة على بقاء تركيا على سبيل المثال”، مضيفاً: أن “ما ذكرته بعض الصحف عن صفقة هو تبسيط أو تسخيف للحل وتسويق أفكار النظام، فالحل في سورية برأيي إقليمي ــ دولي، وليس ثنائياً”. وأشار إلى أنه “من المؤكد أن التواصل بين واشنطن وإيران سيفتح قنوات حوار جدية، لكنه لا يعني أن الحل قريب، لأن كل الدول، التي لديها قوات عسكرية، لها مصالح ونفوذ يجب أخذها بعين الاعتبار، باستثناء الشعب السوري، الذي ابتلاه الله بنظام ومعارضة تشعر وكأنهما يعملان لصالح الآخر”.

واعتبر سفير الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في الولايات المتحدة قتيبة إدلبي أن موقف الإدارة الأميركية الحالي من القضية السورية “غير مطمئن”. وأشار، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنه “على الرغم من الرسائل الإيجابية التي ترسلها الإدارة الأميركية من خلال البيانات والتصريحات، إلا أن الواقع داخل الإدارة يعطي إشارات مختلفة تماماً”. وأوضح أنه “لم يتم بعد تعيين مبعوث دائم مسؤول عن الملف السوري، بينما تم تخفيض مستوى إدارة الملف لدرجة أن هناك شخصاً واحداً فقط معنياً بالملف السوري في البيت الأبيض، ويديره مع ملفات أخرى (منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك الذي استقال في 2018 من منصبه كمبعوث أميركي للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” احتجاجاً على إعلان ترامب الانسحاب من شمال سورية). ومن جهة أخرى نجد تراخٍيا في الحفاظ على النفوذ الأميركي في الملف السوري من خلال التراخي في تنفيذ عقوبات قيصر، عبر السماح للسفن الإيرانية المحملة بالوقود بالوصول الى الشواطئ السورية، والتراخي مع بعض القوى الإقليمية في تطبيع علاقاتها مع النظام، وعدم إضافة أي قوائم جديدة لملف عقوبات قيصر منذ بداية العام الحالي”.

ونوه إدلبي إلى أنه “على الصعيد الدبلوماسي، تبدو الإدارة الأميركية مستعدة للتخلي عن باقي نفوذها، فهناك إشارات إلى أنها مستعدة للتخفيف من العقوبات مقابل تمديد قرار المعابر الإنسانية، مثلاً. وبالنتيجة، يبدو أكثر فأكثر أننا هنا في واشنطن بالذات، وكسوريين بشكل عام، في موضع دفاعي للحفاظ على ما حققناه سياسياً خلال الأعوام الماضية”. ولفت إلى أن “ملف الانتقال السياسي والمفاوضات في طريق مسدود حالياً، وهناك إيمان لدى الإدارة الحالية بعدم جدية روسيا أو النظام لتقديم أي تنازل في المفاوضات. ويترافق ذلك مع حالة من التململ من عدم جدوى المسارات الحالية، وهناك جهود للبحث عن مسارات جديدة، ولكنها ليست جدية بما يكفي لتحريك الملف بشكل جيد. وفرصتنا كسوريين اليوم، تكمن بمحاولة تعزيز فرص هذا الحراك من خلال إثبات أنفسنا كقوة قادرة على تقديم نموذج حوكمي يجسد الأهداف التي خرج السوريون من أجلها، ويضمن نوعاً من الاستقرار لهم في مناطق الشمال الغربي من البلاد، ويقدم نموذجاً يقنع السوريين والعالم للاستثمار بهذا النموذج”.

وتنطلق هذه المخاوف بالنسبة السوريين المناوئين للأسد على المستوى الرسمي والشعبي، من إدراكهم للسياسة الأميركية القائمة على عدم تطابق الأقوال بالأفعال في التعامل مع الملفات الخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط، والأزمة السورية تحديداً طوال 10 أعوام على اندلاعها. وتبقى صحة هذه النظرية من عدمها محط طرح مشروع ومقبول، حتى إثبات عكسها، ربما، في مرحلة مقبلة.

العربي الجديد

——————————–

تصعيد في إدلب يستبق “معركة المعابر” في مجلس الأمن/ أمين العاصي

تشير المعطيات الميدانية في الشمال الغربي من سورية إلى أن محافظة إدلب قد تشهد تصعيداً عسكرياً من قبل قوات النظام السوري والجانب الروسي خلال الأيام المقبلة، قبيل بدء مجلس الأمن الدولي مداولاته من أجل تجديد آلية التفويض بدخول المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى الواقع تحت سيطرة المعارضة، وهو ما ترفضه روسيا. وكان لافتاً قيام مدفعية الجيش التركي المتمركزة في محافظة إدلب بالرد فجر أمس الإثنين على مصدر قذائف سقطت على قرى في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، من معسكر جورين التابع لقوات النظام، والذي يُوصف بـ”نبع الموت” لكونه المصدر الرئيسي لأغلب القذائف الصاروخية التي تقتل مدنيين في ريف إدلب الغربي.

وشهد الشمال الغربي من سورية أمس الاثنين تصعيداً محدوداً من قبل قوات النظام التي قصفت بالمدفعية بلدتي معراتا وبليون في جبل الزاوية الواقع في ريف إدلب الجنوبي، وهو ما أدى إلى مقتل مدني وإصابة آخرين. وبيّن ناشطون محليون أن قوات النظام صعّدت من قصفها الصاروخي والمدفعي خلال اليومين الأخيرين على قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي، مشيرين إلى أن الشمال الغربي من سورية يشهد حركة كثيفة لطائرات الاستطلاع الروسية والإيرانية بهدف رصد أهداف. كما بيّنت مصادر في فصائل المعارضة أن القوات الروسية والتابعة للنظام استهدفت الأحد منطقة جبل الزاوية، خصوصاً القرى القريبة من خط الاشتباك مع فصائل المعارضة.

وحول دلالات القصف التركي لأكبر معسكرات قوات النظام في المنطقة، أشار ناجي مصطفى، المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، وهي أكبر تجمّع لفصائل المعارضة في إدلب، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن هذا القصف “يأتي في سياق الرد على الخروقات اليومية لقوات النظام التي وسّعت أخيراً من خرق اتفاق وقف التصعيد”، مضيفاً: “قوات المعارضة ستقوم بالرد على الخروقات واستهداف المواقع العسكرية التي تخرج منها القذائف الصاروخية”.

وفي السياق، يبدو أن الجانب التركي يتحسب لتصعيد عسكري من قِبل قوات النظام قبيل استحقاقين مهمين هما الجولة المقبلة من اجتماعات مسار أستانة، وتصويت مجلس الأمن الدولي على التمديد لآلية إدخال المساعدات الدولية إلى الشمال الغربي من سورية. وفي هذا الصدد، ذكرت مصادر في فصائل المعارضة السورية أن الجيش التركي سحب خلال الأيام الماضية جميع الآليات العسكرية والجنود من داخل نقطته العسكرية المتمركزة في بلدة رام حمدان إلى نقطتين في بلدتي البارة وكنصفرة ضمن منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، وذلك لتدعيم نقاط القوات التركية الموجودة في المنطقة، والقريبة من خطوط التماس مع قوات النظام. ولطالما حاولت هذه القوات السيطرة على كامل ريف إدلب الواقع جنوب الطريق الدولي الذي يربط الساحل السوري غربي البلاد بمدينة حلب كبرى مدن الشمال ولكنها فشلت. ومنذ الربع الأول من العام الماضي، نشر الجيش التركي آلاف الجنود في عشرات النقاط العسكرية في عموم محافظة إدلب، في خطوة هدفها ردع قوات النظام عن التقدّم أكثر في عمق هذه المحافظة.

وجرت عادة النظام والجانب الروسي على تصعيد الوضع العسكري في الشمال الغربي قبيل كل جولة من محادثات مسار أستانة في العاصمة الكازاخية. وكانت وزارة الخارجية الكازاخية قد أعلنت أواخر الشهر الماضي أن الجولة المقبلة سوف تنعقد في العاصمة نور سلطان خلال وقت لاحق من الصيف المقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف انتشار فيروس كورونا، وفق بيان لها. وكانت الجولة 15 من هذا المسار عُقدت في فبراير/شباط الماضي في مدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود، مدد خلالها الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار (روسيا، تركيا، إيران) اتفاق وقف إطلاق النار في الشمال الغربي من سورية. لكن هذه الجولة كانت مخيّبة للآمال كونها لم تتطرق لمصير أكثر من مليون نازح نتيجة تقدّم قوات النظام بدعم روسي في بدايات عام 2020 في أرياف حلب وإدلب.

ولا يمكن عزل التصعيد في محافظة إدلب من قِبل النظام والجانب الروسي عن مجمل التطورات السياسية الخاصة بالملف السوري، ولا سيما مداولات مجلس الأمن المرتقبة من أجل تمديد العمل بآليات دولية لإدخال مساعدات إلى الشمال الغربي من سورية والتي تنتهي منتصف العام الحالي. وتعتبر روسيا هذه الآلية انتهاكاً لسيادة النظام على البلاد، مطالبة بإدخال المساعدات عبر معابر يسيطر عليها هذا النظام، بينما ترفض باقي دول مجلس الأمن التوجه الروسي. ووصفت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، ما سيجري في مجلس الأمن الدولي بـ”معركة المعابر”، في إشارة واضحة إلى أن المجلس سيشهد فيتو روسياً على قرار التمديد. ونقلت الصحيفة عن مندوب النظام لدى الأمم المتحدة بسام صباغ، رفض نظامه التمديد لآلية إدخال المساعدات إلى الشمال الغربي من سورية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، مطالباً بـ”أن تكون دمشق هي مركز العمل الإنساني”.

وتتحرك الولايات المتحدة دبلوماسياً من أجل التمديد لهذه الآلية، وزارت منذ أيام المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، الحدود التركية السورية، والتقت مع فعاليات إنسانية وإغاثية، وهو ما أثار النظام والروس معاً، وأدى إلى بدء تصعيد عسكري. وربما يبحث الجانب الروسي عن صفقة مع الجانب الأميركي مقابل تمرير قرار التمديد في مجلس الأمن، تتضمّن فتح المعابر الداخلية وزيادة كمية المحروقات التي يحصل عليها النظام من منطقة شرقي الفرات الواقعة تحت نفوذ واشنطن.

من جهته، رأى القيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال غربي البلاد، العقيد مصطفى البكور، أن الهدف من وراء التصعيد العسكري توجيه رسائل روسية للولايات المتحدة بأن لموسكو اليد الطولى في سورية قبيل القمة المرتقبة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن والمقررة خلال الشهر الحالي. وأضاف البكور، في حديث مع “العربي الجديد”: “يريد الروس إيصال رسالة للأميركيين أن أي دور يمكن أن يلعبوه يجب أن يمر من خلالهم”. ولم يستبعد البكور أن يكون التصعيد مرتبطاً إلى حد بعيد بالحراك الدبلوماسي المتوقع في مجلس الأمن خلال هذا الشهر والشهر المقبل حول تمديد العمل بآلية إدخال المساعدات إلى الشمال الغربي من سورية، مضيفاً: “القصف المدفعي تصاعد بعد زيارة المندوبة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد الحدود التركية السورية، واطّلاعها على أوضاع المخيمات”.

——————————

مشروعون أميركيون يطالبون بالضغط لإعادة فتح المعابر مع سوريا

بينما يستعد مجلس الأمن للتصويت على تجديد قراره رقم 2533، والذي يسمح حالياً بالتوصيل المؤقت للمساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى الحدودي في شمال غرب سوريا، وجه رؤساء لجان العلاقات الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين رسالة إلى وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، حثوه فيها على بذل جهوده وكل ما بوسعه للضغط على روسيا والصين لتمديد الإذن الممنوح للأمم المتّحدة لاستخدام معبر باب الهوى لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وأن يشمل إعادة فتح معبري باب السلام واليعربية.

ووقع على الرسالة كل من رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب عن الحزب الجمهوري، مايكل ماكول، ورئيس مجلس الإدارة عن الحزب الديمقراطي، غريغوري دبليو ميكس، والسيناتوران البارزان، الجمهوري جيم ريش، والديمقراطي بوب مينينديز.

ورفض الموقعون التطبيع الدولي مع نظام الأسد مطالبين الإدارة الأميركية بـ “مضاعفة جهودها لمعارضته، ولتنفيذ الصارم لقانون قيصر لحماية المدنيين”، مؤكدين أنه “لا يمكن أن يكون هناك عمل كالمعتاد بينما الأسد القاتل لا يزال في السلطة”.

 وقالت الرسالة إنه “بدون الوصول عبر الحدود، يجب على وكالات الأمم المتحدة الاعتماد على عمليات التسليم عبر الخطوط الخطرة وغير الموثوقة، والتي يمكن لنظام الأسد أن يعرقلها في أي وقت”. وأشارت إلى أن “استعادة النطاق الكامل لعمليات المساعدة عبر الحدود أمر أساسي للتخفيف من المزيد من التدهور في هذه الكارثة الإنسانية، ويساعد في صد جهود الكرملين لتقويض قدرة مجلس الأمن الدولي على دعم السلام والأمن الدوليين”.

13 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات

وبحسب الرسالة فإن أكثر من 13 مليون سوري بحاجة  إلى مساعدات إنسانية، بينما يعاني أكثر من 12.4 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، فضلاً عن تسبب جائحة “كورونا”، وسوء الإدارة الاقتصادية المزمن لنظام الأسد، بتفاقم الكارثة الإنسانية.

ودعا النواب الأميركيون إدارة بلادهم إلى “العمل مع شركاء ذوي الرأي نفسه للضغط بشكل جماعي على روسيا والصين لعدم استخدام حق النقض لإنهاء الإذن بتسليم المساعدات عبر الحدود”، مؤكدين على أن ذلك يجب أن يكون “أولوية متضافرة للحكومة الأميركية بكاملها”.

ووصف المشرعون الأميركيون الحملة الروسية لإنهاء إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود بأنها “جزء من جهد أكبر للحفاظ على وصول شرق البحر الأبيض المتوسط، وتشجيع المجتمع الدولي على إعادة تأهيل نظام الأسد، وفتح الباب أمام تمويل إعادة الإعمار الذي من شأنه أن يرسخ نظام الأسد في السلطة، ويؤمن لروسيا موطئ قدم استراتيجي في المنطقة”.

وأضافوا أنه “في ظل استمرار نظام الأسد والفظائع الروسية والإيرانية، يجب أن نعارض بشدة أي جهود لتطبيع جرائمهم ضد الشعب السوري، وعلى الولايات المتحدة الاستمرار في التأكيد على الانتقال السياسي ووقف إطلاق النار على النحو المطلوب وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، باعتباره المسار الشرعي للمضي قدماً في العملية السياسية والانتقال إلى الديمقراطية في سوريا”.

وطالب النواب إدارة بايدن بتقديم توضيحات حول عدم فرضها عقوبات على نظام الأسد بموجب “قانون قيصر”، رغم مضي أكثر من مئة يوم على تولي مهامها، موضحين أن إدارة الرئيس السابق ترامب استخدمت “قانون قيصر” لفرض ما مجموعُه ست حزم عقوبات مختلفة على نظام الأسد وداعميه، إلا أن إدارة الرئيس بايدن رفضت فرض أي عقوبات.

وأكدت الرسالة أن النواب الموقعين على الرسالة وزملاءهم في “لجنة الدراسة الجمهورية” ملتزمون بالتحقيق والكشف عن أي تخفيف للعقوبات يتم تقديمه لإيران وحلفائها كجزء من جهود الإدارة الحالية لإعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، بشأن الاتفاق النووي.

وكان السفير الأميركي في الأمم المتحدة جيفري بريسكوت كشف أن الولايات المتحدة تعمل على فتح معابر إضافية أمام إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا، وليس فقط تمديد آلية إدخالها من معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا.

وأضاف بريسكوت أن الإدارة الأميركية والمسؤولين الأميركيين يؤكدون على بذل جهود إضافية لمعالجة مسألة الإغاثة في سوريا.

وأشار إلى إعلان بلاده عن تقديم 240 مليون دولار، ليصل حجم المساعدات التي تعهدت بها الولايات المتحدة إلى نحو نصف مليار دولار، ليس فقط لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين عبر المعابر الحدودية وإنما لمساعدة الدول المضيفة.

وسلّط بريسكوت الضوء على أهمية المعبر الحدودي “باب الهوى” بين تركيا وسوريا، حيث يمر 1000 شاحنة شهرياً لنقل مساعدات إنسانية خصوصاً لسكان الشمال السوري، موضحاً أن الأمم المتحدة أكدت زيادة حاجة السوريين للمساعدة بنسبة 20 في المئة مقارنة بالعام الماضي، واصفاً المعبر بأنه مسألة حياة أو موت بالنسبة لثلاثة ملايين سوري، محذراً من أن كثيراً من الناس سيموتون إذا أغلق.

—————————–

وفد تركي في روسيا..معابر الشمال السوري ومعاركه

يجري وفد تركي دبلوماسي واستخباراتي مباحثات في موسكو، مع نظرائهم الروس، حول الملفين السوري والليبي.

وحسب وزارة الخارجية التركية، التقى نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال الاثنين، نظيره الروسي ميخائيل بوغدانوف، وبحثا عدداً من القضايا الإقليمية.

وقال المحلل السياسي التركي حمزة تكين إن الاجتماع يأتي في إطار بحث أنقرة عن صيغة شاملة للحل في سوريا، وخصوصاً بعد الإشارة الروسية إلى إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في سوريا.

ووصف تكين أجواء الاجتماع ب”الإيجابية”، نافياً في الوقت ذاته، أن يكون الاجتماع قد ركّز على ما وصفها ب”الآليات البسيطة المحددة”، المتعلقة بالواقع الميداني العسكري في إدلب.

من جانب آخر، كشف تكين المقرب من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، في حديثه ل”المدن”، عن تحضيرات تجريها بلاده استعداداً لعملية عسكرية ضد التنظيمات “الإرهابية” التابعة لحزب “العمال الكردستاني” في الشمال السوري، قد تبدأ في حال فشل اللقاء المرتقب بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي جو بايدن، في بروكسل في 14 حزيران/يونيو على هامش قمة حلف شمال الأطلسي.

وأضاف تكين أنه لا بد من التنسيق مع الجانب الروسي بهذا الخصوص، كما حصل سابقاً في العمليات العسكرية التي خاضها الجيش التركي في الشمال السوري.

ومقابل ذلك، تؤكد مصادر، أنه لا يمكن فصل الاجتماع التركي-الروسي عن التسخين الحاصل في جبهات إدلب الجنوبية، واشتداد القصف من جانب قوات النظام، رغم سريان وقف إطلاق النار منذ آذار/مارس 2020.

وتلفت إلى ملف “باب الهوى” الذي يُعتبر واحداً من الملفات الإشكالية، بحيث تريد روسيا وقف إدخال المساعدات الأممية عبره إلى الشمال السوري، وهو ما يزيد من الأعباء الإنسانية والإغاثية على تركيا.

ميدانياً، جددت قوات النظام الثلاثاء، قصفها المدفعي والصاروخي على قرى جنوبي إدلب، في تصعيد دخل يومه الرابع، وأفادت مصادر محلية ل”المدن”، أن قصف النظام المدفعي امتد إلى مناطق في ريف حلب الغربي.

————————–

الأسد ليس حامي المسيحيين..بدليل خسائرهم وهجراتهم

ناقشت مجلة “ناشونال إنترست” في تقرير وضع المسيحيين في سوريا، وكيف أثرت الحرب عليهم تحديداً من ناحية الهجرة، وركزت المجلة على مسعى النظام الذي يحاول أظهار نفسه على أنه حامي المسيحية في الشرق.

وأشارت المجلة في التقرير الذي حمل عنوان: “محنة اختفاء المسيحيين السوريين”، إلى أن الأسد يحاول تصوير نفسه على أنه حامي المجتمع المسيحي السوري خلال سنوات الحرب التي شهدتها البلاد، مسلطاً الضوء على التهديدات التي تمثلها العديد من الجماعات المتشددة المنتشرة في سوريا.

لأكثر من عقد من الزمن، تمزقت سوريا بسبب المواجهات العسكرية بين أطراف النزاع، بينما كان التركيز الدولي على وضع المسيحيين في العراق، فيما لا يتم الكشف عن الوضع المسيحي في سوريا.

كان المسيحيون في سوريا حتى أواخر ستينيات القرن الماضي يقدرون بحوالي 30 في المئة من عدد السكان، لتتضاءل النسبة منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 إلى 10 في المئة. وانخفضت أعداد المسيحيين من 2.2 مليون قبل الحرب إلى أقل من 677 ألفاً حالياً، وفقاً لمؤشر اضطهاد المسيحيين في البلدان العالمية، الذي نشرته المنظمة غير الحكومية  “أوبن دورز”.

ويرى المنشق السوري والخبير الاقتصادي ورئيس منظمة “مسيحيون سوريون من أجل السلام” أيمن عبد النور أن “النظام ليس حامياً للأقلية”، مشدداً على أن النظام يستخدم تلك البطاقة للمساومة وتقديم المساعدة والتلاعب بالغرب وخاصة المسيحيين المحافظين.

ويعتبر عبد النور أنه في بداية الحرب، كان العديد من المسيحيين يؤيدون الأسد، إلا أنّهم أدركوا أنّه لن يوفر لهم الحماية، وذلك بعد نحو 4 إلى 5 سنوات من بداية الحرب. وتقدّر نسبة المسيحيين في سوريا حالياً بأقل من 5 في المئة من السكان، إذ انخفض عددهم من نحو 900 ألف قبل الصراع إلى أقل من 400 ألف حالياً، بحسب عبد النور.

وتتواجد في سوريا كنائس أثرية عدّة، اعتُبر العديد منها ملاذاً آمناً، بينما تم تفجير كنائس أخرى.

وأعلن الأسد قبل أسابيع فوزه بالانتخابات الرئاسية، ليخرج العديد من الموالين له للاحتفال “بالنصر” بمن فيهم عدد من المنتمين إلى طائفة الروم الأرثوذكس. ولكن بالنسبة لقسم آخر من المسيحيين السوريين، فإن هذا يعني تضاؤل الأمل بالعودة إلى الوطن في الوقت القريب. ومع ذلك، كانت فترة الأسد محفوفة أيضاً بالولاءات المعقدة للمسيحيين، بالنظر إلى أن النظام السوري يفتخر بأنه حامٍ للأقلية المسيحية.

ويعزز موقف الأسد العلني كمدافع عن المسيحيين بفكرة أنه هو أيضاً من الأقلية العلوية. والتي تبلغ نحو 17 في المئة من السكان. ويشكل المسلمون السنة الأغلبية، بنحو 74 في المئة من تعداد السكان المتضائل.

وقالت “ناشونال إنترست” إنه من خلال تسليط الضوء على التهديد الذي تمثله العديد من الجماعات الإرهابية والمتطرفة والمتشددة العاملة على الأراضي السورية، يصوّر الأسد نفسه على أنه حامي المجتمع المسيحي. وقد تفاقم هذا الموقف مع صعود تنظيم داعش في مساحات شاسعة من البلاد منذ نحو ثماني سنوات. بالإضافة إلى ذلك، عززت روسيا حليفة الأسد دورها كحامية مزعومة للمسيحية.

ويدعم العديد من المسيحيين السوريين الأسد لأنهم يعتقدون أنه الخيار الأفضل، وأن البديل هو التطرف وهذا سيكون أسوأ بالنسبة للمسيحيين.

وترى المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة “انترناشيونال كريستيان كونسيرن” كلير إيفانز أن النظام يقدم حماية زائفة للمسيحيين، ولكن في نهاية المطاف يضع المسيحيين في وضع صعب، فأياً كان من يؤيدون سياسياً، سوف يتعرضون للتهديد والمعاقبة، ولهذا يقدمون الولاء للأقوى بهدف الحماية فقط.

مع ذلك، يسارع نشطاء حقوق الإنسان السوريين إلى تسليط الضوء على أن حياة الغالبية العظمى من المسيحيين انقلبت رأساً على عقب بسبب نظام الأسد وليس الجماعات الإرهابية.

وذكر تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان صادر عام 2019 بعنوان “استهداف أماكن العبادة المسيحية في سوريا تهديد للتراث العالمي”، أن النظام “يتحمل المسؤولية الأساسية عن 61 في المئة من استهداف أماكن العبادة المسيحية في سوريا”.

وخلال سنوات الصراع، تمّ توثيق ما لا يقل عن 124 هجوماً على دور العبادة المسيحية بين آذار/مارس 2011 وأيلول/سبتمبر 2019، خمسة وسبعون هجوماً منها كان على يد قوات النظام السوري، وعشرة على يد تنظيم “داعش”، في حين كانت “هيئة تحرير الشام” مسؤولة عن هجومين آخرين.

وأكد تقرير “ناشونال إنترست”، أن ترسانة الأسلحة العائدة لقوات الأسد أحدثت الضرر الأكبر مقارنة بفصائل المعارضة المسلحة الأخرى. وأشار إلى أن “استهداف دور العبادة المسيحية هو شكل من أشكال الترهيب ضد الأقلية المسيحية في سوريا ووسيلة لتهجيرهم”، مشدداً على أن قوات النظام غير مبالية بالأضرار التي يُلحقها بالدولة السورية، بما في ذلك تاريخ الأمة والتراث الحضاري الذي يعود إلى آلاف السنين”.

ويشدد مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فاضل عبد الغني على أن “أولئك الذين ما زالوا يدعمون الأسد في الغالب يفعلون ذلك بدافع الخوف، فالحرية غائبة عن سوريا”.

ويشير دعاة حقوق الإنسان إلى أن المسيحيين يلقون المصير نفسه كأي مواطن سوري يثير غضب الحكومة، كما أنهم يتعرضون بشكل روتيني للسجن التعسفي والاختفاء القسري والوقوع في مرمى نيران الصراع.

ومما يزيد من تفاقم محنتهم الآن، الظروف غير المستقرة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد والقوات المعارضة المدعومة من تركيا. علاوة على ذلك، فإن الظروف الاقتصادية المتدهورة والفقر الناجم عن جائحة كورونا جعلت الوضع لا يطاق بالنسبة للسوريين، مما دفع أولئك الذين صمدوا لفترة طويلة إلى الهرب.

وقالت إيفانز: “لدينا العديد من حالات الاضطهاد في المناطق الكردية حيث تم الاستيلاء على منازل المسيحيين، أو استهدفتهم الجماعات الكردية بعنف. وفي بعض الحالات، انسحب المسلحون الأكراد ليترك المسيحيون لمصيرهم مع الجماعات المسلحة”، مضيفة “يعيش العديد من هذه العائلات في ظروف يرثى لها دون أمل أو رغبة في العودة إلى ديارهم في ظل الظروف الحالية، وما علينا سوى أن نرى كيف ستنخفض الأرقام في الأشهر والسنوات القادمة، وما هو الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في الحفاظ على المسيحية”.

ورغم أن الحرب قد انتهت في أجزاء واسعة من سوريا، إلا أن الأزمة الاقتصادية تفاقمت لأسباب عديدة أهمّها العقوبات الدولية، تحديداً الأميركية منها، التي أثّرت سلباً على السكان أولاً قبل أن تطال نظام الأسد، بحسب بنيامين بلانشارد، مدير منظمة “أس أو أس كريستيان دوريون” غير الحكومية، الناشطة في مجال الدفاع عن المسيحيين. كما يعتبر أن”العقوبات تدفع السوريين إلى الهجرة، خصوصا المسيحيين، لأن الأقليات هي الفئات الأكثر هشاشة وحساسية في أي أزمة”.

——————————-

المعابر الداخلية في سوريا..تجارة التهريب المزدهرة

نشرت مؤسسة “جسور للدراسات” تقريراً عن المعابر بين أطراف النزاع على الخريطة السورية والتي باتت توصف بالمعابر الداخلية. كما نشرت خريطة حددت بشكل تقريبي أهم منافذ التهريب بين مختلف المناطق.

وبحسب المؤسسة فإن النظام السوري عمل منذ منتصف 2011 على استخدام سياسة حصار الأحياء التي شهدت حراكاً معارضاً في مختلف مناطق سوريا، وترك منفذاً أو أكثر لاتصال هذه الأحياء مع محيطها، وتحكَّم بالتالي بحركة مرور الأفراد والسلع، ثم مع بداية عام 2012، توسّعت سياسة الحصار لتصبح أكثر منهجية وأوسع نطاقاً.

ونتيجة وجود بعض السلع المهمة لمدينة دمشق لدى الغوطة الشرقية كالحليب ومنتجاته، وبسبب الحاجة الماسة لأهالي الغوطة لمختلف أنواع المواد الغذائية الأخرى، نشأت علاقة تجارية بين مناطق الغوطة الشرقية ودمشق عبر معبر متحكم به من طرفي السيطرة، وغالباً ما تمَّ إيقاف أو فتح هذا المعبر بناءً على تطور النزاع، وفي معظم المناطق المحاصرة كان الطرف الأقوى دائماً هو الطرف الذي قام بعملية فرض الحصار، حيث تحكم النظام السوري في معظم الأحيان بالمساعدات الإنسانية والسلع وحركة الأفراد.

وإلى جانب المعابر التي نشأت نتيجة الحصار، فقد ظهرت معابر بين مناطق السيطرة المختلفة، والتي انقسمت في البداية بين مناطق سيطرة النظام وسيطرة فصائل المعارضة، ثم ظهرت بعد ذلك مناطق سيطرة تنظيم داعش ووحدات الحماية الكردية (والتي أصبحت تالياً تحت اسم مناطق الإدارة الذاتية وبحماية قوات سورية الديمقراطية قسد التي أنشِئت لاحقاً).

المعابر الداخلية في سوريا

وأضافت “جسور” أن العلاقات التجارية وحركة الأفراد بين هذه المناطق لم تنقطع حتى في أصعب الظروف، ففي كل منطقة من هذه المناطق ميزة نسبية لا تتوافر في المناطق الأخرى مما ولَّد تبادلاً تجارياً شبه تام، ونتيجة العلاقات الاجتماعية والمصالح الاقتصادية للأفراد صار انتقالهم عبر هذه المناطق أمراً طبيعياً رغم مخاطره.

وقالت المؤسسة إن المقايضة استُخدمت في كثير من حالات التبادل في سوريا، مع تراجع دور النقود وأهميتها، فربما تتوافر النقود دون توافر السلع، والبائع أصبح أقل اهتماماً بالنقود لصالح الاهتمام بالسلع.

المعابر بين النظام وقسد

رأت الدراسة أن قسد تمتعت ببراغماتية نسبية ساهمت في خلق تجارة وتعاون بينها وبين مختلف الأطراف، حيث تتشابك مناطق سيطرة الإدارة الذاتية مع مناطق سيطرة النظام السوري، مما عزّز إيجاد منافذ عمدت قسد إلى ضبطها لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.

ولاحظت الدراسة وجود 15 معبراً بين مناطق سيطرة قسد ومناطق سيطرة النظام، خمسة منها على الأقل تعد معابر رسمية تتدفق منها السلع بين الطرفين. ويعد معبر “التايهة” (جنوب غرب مدينة منبج) و”الهورة” (شرق مدينة الطبقة) أبرز المعابر بين الطرفين، وهما معبران حيويان بالنسبة  للنظام، إذ تمر قواته من خلالها إلى مناطق سيطرته داخل مناطق قسد، كما يحصل عبرهما على المحروقات.

المعابر بين النظام السوري وقسد

وتتمثل أهمية هذه المعابر لقسد من خلال الموارد المتأتية منه، وإمكانية الضغط على النظام من خلاله. كما يوجد معابر أخرى تستخدم بشكل رئيسي من قبل المدنيين، كما هو الحال في معبر “شنان” الذي يصل محافظة الرقة المسيطر عليها من قبل قسد بمناطق سيطرة النظام، ويعد المعبر رئيسياً في نقل السلع والبضائع، خاصة الخفيفة منها. ومثل معبر شنان، يوجد معبر “شعيب الذكر” الذي يصل مناطق قسد بمناطق سيطرة النظام في حلب، والتي تأتي الحاجة له من قبل الأفراد لإجراء لإجراء عمليات إدارية وتجارية واجتماعية.

المعابر بين النظام والمعارضة

رأت الدراسة أن سيولة الحركة في جانب المدنيين في المعابر الفاصلة بين المناطق التي يسيطر النظام وتلك التي تسيطر عليها المعارضة، أقلً منها مقارنة مع حالة مناطق سيطرة قسد، حيث تقتصر حركة المدنيين على الموظفين وبعض الطلاب، وغالباً ما يتعرض بعضهم للاعتقال أو الإهانة، ولكن الحركة التجارية مستمرة في أغلب الأوقات. فمعبر “قلعة المضيق” الذي سيطر عليه النظام عام 2019، كان يساهم في حركة تجارية واسعة، كما حافظت قوات المعارضة وقوات النظام لسنوات طويلة على وجود وسطاء تجاريين بين الطرفين.

لكن مع تمايز هؤلاء الوسطاء وانحيازهم لطرف على حساب الآخر، فقد ضعفت الحركة التجارية التي تتدفق أحياناً عبر معابر التهريب أو من خلال فتح مؤقت لكل من معبر “ميزنار” أو معبر “سراقب” كما يتم استخدام معبر “أبو الزندين” قرب مدينة الباب لاستقبال المهجرين من مناطق النظام في أغلب الأوقات وكذلك لعمليات تجارية غير رسمية، وغالباً ما يتم استخدام المعابر بين مناطق قسد ومناطق المعارضة كمعابر وسيطة لتحرك السلع والأفراد من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة أو العكس مروراً بمناطق قسد.

المعابر بين قسد والمعارضة

يعتبر معبر “عون الدادات” قرب جرابلس هو المعبر الرسمي لتدفق السلع والأفراد بين مناطق قسد ومناطق المعارضة، ويدخل عبر المعبر المحروقات والمواد الغذائية والإلكترونيات وغيرها من السلع المهمة للطرفين، كما توجد معابر تهريب أخرى أقل أهمية وأكثر ضبطاً، كما هو الحال في معبر “أم جلود” وذلك لحساسية الوضع بين الطرفين، واتهام كل منهما للآخر بزعزعة الأمن في مناطقه.

المعابر بين المعارضة السورية وقسد

وتتمتع مناطق قسد بأهمية كبيرة للمعارضة لنقل البضائع من وإلى مناطق النظام وأحياناً لإقامة علاقات تجارية مع العراق.

وخلصت مؤسسة “جسور للدراسات” إلى أن المعابر تُميز بين مناطق السيطرة بعضها عن بعض، حيث تُعد نقاطاً فاصلة بين هذه المناطق من جهة ومركزاً لإثبات للسيطرة والتحكم من قبل الجهة المسيطرة، كما تعد المعابر مورداً هاماً  للدخل للجهة المسيطرة عليها، حيث يتم تحصيل رسوم عبور للأفراد والسلع والسيارات، وتميل الجهات المسيطرة دائماً لتطوير هذه المعابر لأسباب تتعلق بالموارد المتحصلة منها.

وأضافت المؤسسة أن المعابر الداخلية تعد نقاط تبادل تجارية هامة لجميع الأطراف، بحيث يتم إجراء صفقات رابجة ومفيدة للسكان والتجار في المناطق المختلفة، ويتم تأمين السلع المطلوبة لدى كل طرف، كما تمثل المعابر نقاط عبور للأفراد لإجراء عمليات إدارية وزيارات اجتماعية وتطوير الأعمال بين مندوبي هذه الأعمال، وأحياناً كمركز لتسهيل عملية التفاوض بين هذه الأطراف، حيث يمكن أن تُستخدم للضغط على الطرف الآخر أو لجلوس وسطاء من الطرفين عند هذه المعابر كنقطة محايدة.

وختمت المؤسسة أن مستقبل هذه المعابر يرتبط بتطور الأعمال العسكرية وخطوط السيطرة على أرض الواقع، ورغم أن خطوط التماس بين أطراف النزاع باتت شبة ثابتة منذ سنوات، إلا أنها قابلة للتحول والتبدل. لذلك فإن المعابر لم تكن نقاطاً ثابتة، وهي تتحرك مع كل عملية تغيير في الحدود ومراكز السيطرة.

————————–

خيبة في دمشق من تراجع مستوى الخدمات بعد «تحسن انتخابي»

ترصد أوضاع المعيشة في العاصمة السورية

أُصيب كثير من أهالي دمشق بخيبة، جراء عدم دوام حالة التحسن في الخدمات الأساسية الحكومية التي حصلت خلال فترة الحملات الانتخابية لمنصب رئاسة الجمهورية، وعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل تلك الحملات بعد إعلان نتائج الانتخابات.

وخلال حملات انتخابية للمرشحين، استمرت أكثر من أسبوع وسبقت الانتخابات التي جرت في 26 مايو (أيار) الماضي، شهدت التغذية الكهربائية في غالبية مناطق دمشق تحسنا ملحوظا، إذ انقلب برنامج التقنين من 4 ساعات قطع وساعتي وصل إلى 4 ساعات وصل مقابل ساعتي قطع، واستمر ضخ مياه الشرب إلى منازل المواطنين على مدار 24 ساعة.

كما شهدت تلك الفترة مواظبة عمال النظافة على رفع القمامة من الشوارع الرئيسية والفرعية والجادات بشكل يومي أكثر من مرة، واستقرارا نوعا ما في أسعار الخضراوات والفاكهة والعديد من المواد الغذائية التي يعاني أغلبية الناس من ارتفاعها بشكل كبير.

لكن بعد يوم واحد من الإعلان عن نتائج الانتخابات في 29 الشهر نفسه بفوز الرئيس بشار الأسد بولاية رابعة، بعد حصوله على 95.1 في المائة من أصوات الناخبين، عاد الوضع إلى ما كان عليه فيما يتعلق ببرنامج التقنين الخاص بالتغذية الكهربائية (من خلال 4 ساعات قطع وساعتي وصل)، وبعدها بيومين ساء الوضع أكثر وأصبح البرنامج في كثير من المناطق (4 ساعات قطع وساعتي وصل) مع تخلل فترة الوصل عمليات قطع تصل إلى 3 – 4 مرات وتستمر الواحدة ما بين 15 – 20 دقيقة.

وأدى الأمر إلى حصول استياء لدى معظم أوساط الأهالي، ويقول لـ«الشرق الأوسط» مدرس ثانوي: «الناس تعرف أن الهدف (من التحسن في الخدمات) الإيحاء للناس المنهكة من الغلاء وفقدان كل مقومات الحياة الأساسية، بأن الوضع بشكل عام ذاهب للتحسن وتحفيزها على المشاركة في عملية التصويت»، ويضيف، «لكن ما حصل بعد الانتخابات يثبت عكس ما روجوا له، وأن الوضع ذاهب إلى الأسوأ»، ويتابع، «ما يحصل يؤكد أن لا أمل بأي تحسن والناس ستنهك أكثر بسبب تفاقم أزمات الكهرباء والغاز والخبز والماء والمواصلات و… باختصار هي (هذه) مو (ليست) عشية أبدا».

طالب جامعي من جهته، يتحدث بطريقة لا تخلو من السخرية عما يحصل، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كان همهم حشد الناس (في يوم الانتخابات) وتصويرها، وفعلا بطرقهم المعهودة تم ذلك»، ويضيف «أيضا همهم كان عرض هذه الحشود على الشاشات ومشاهدتها من قبل أغلبية الناس والأمر يحتاج إلى كهرباء ولذلك جرى تحسين التيار، الآن يبدو أنهم يحسمون ساعات الوصل الزائد التي تمت خلال الحملات الانتخابية ويوم الانتخابات!».

وإذ كانت عملية ضخ مياه الشرب إلى منازل المواطنين قبل وخلال الحملات الانتخابية تتم على مدار 24 ساعة، أعلنت محافظة دمشق منذ أيام عن برنامج تقنين لكافة مناطق العاصمة دمشق، يتضمن قطعها لساعات معينة وضخها في ساعات محددة، علما بأن مسؤولين حكوميين أكدوا في تصريحات سابقة أن غزارة الينابيع في منطقة «عين الفيجة» بريف العاصمة التي يجري تغذية مناطق دمشق منها جيدة جدا لهذا العام.

وأكثر ما فاجأ الأهالي، وزاد من صعوبة حياتهم المعيشية، هو تضاعف أسعار الخضراوات والفاكهة ما بين 3 – 4 مرات عما كانت عليه خلال الحملات الانتخابية، حيث شهدت خلالها الأسعار نوعا من استقرار.

ويصل سعر الكيلوغرام الواحد من «البازلاء» حاليا إلى 3500 ليرة سورية بعدما استقر خلال الحملات الانتخابية ما بين ألف وألف و200 ليرة، ووصل سعر الكيلوغرام من «الفاصولياء» الخضراء إلى 4 آلاف بعدما كان ما بين 1500 – 2000 ليرة سورية، بينما كان الكيلوغرام من «البندورة» ما بين 400 – 500 ليرة سورية، ويبلغ حاليا 800 ليرة، والخيار كان ما بين 400 – 600 ليرة على حين يصل حاليا إلى ألف ليرة.

وعلى حين كان الكيلوغرام الواحد من المشمش خلال فترة الحملات الانتخابية ما بين 1500 – 2000 ليرة سورية، حلق حاليا إلى ما بين 4000 – 5000 بينما يصل سعر الدراق حاليا إلى 5000 آلاف بعدما كان بنحو 2000.

وفي ظل هذه الحالة، تشهد معظم أسواق العاصمة دمشق قلة في المعروضات من خضراوات وفاكهة ومعظمها من النوع الوسط والسيئ، بينما تراجعت حركة الشراء من قبل المواطنين إلى حد كبير.

وانسحب الأمر أيضا على الأفران التي عادت إليها حاليا مظاهر الازدحام الكبير واستفحلت عمليات بيع الخبز على الأرصفة بكثافة وبأسعار للحزمة الواحدة (فيها 7 أرغفة) تصل إلى ألف ليرة (عشرة أضعاف السعر الحكومي)، بعدما شهدت الأفران خلال فترة الحملات الانتخابية شيئا من التنظيم وجرى ملاحقة باعة الأرصفة، حيث انخفض حينها سعر الربطة على الرصيف إلى ما بين 500 – 600 ليرة.

ويعيش أكثر من 90 في المائة من المقيمين داخل مناطق سيطرة الحكومة تحت خط الفقر، وتزداد مشكلة الجوع يوماً بعد آخر، مع تواصل فقدان مداخيل العائلات الشهرية جزءاً كبيراً من قيمتها، بسبب الانهيار القياسي لسعر صرف الليرة أمام الدولار والذي يسجل حالياً ما بين 3100 – 3200 بعدما كان ما بين 45 – 50 ليرة في عام 2010.

وباتت أغلبية المواطنين في مناطق سيطرة الحكومة تعيش أوضاعاً معيشية مزرية للغاية بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، خصوصاً المواد الغذائية، حيث ارتفعت أكثر 40 مرة، بينما لا يتعدى متوسط الراتب الشهري لموظفي القطاع العام 20 دولاراً، ولموظفي القطاع الخاص 50 دولاراً، بعدما كان راتب الموظف الحكومي قبل سنوات الحرب نحو 600 دولار.

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن العائلة المكونة من خمسة أفراد في ظل هذه الأوضاع تحتاج إلى مليون ليرة لتعيش بشكل متوسط.

————————-

=================

تحديث 10 حزيران 2021

—————————-

لا استثمارات خليجية إلى سوريا..قريباً/ إياد الجعفري

إذا كان هناك في دمشق أو موسكو، من يراهن على دفقة قريبة من الاستثمارات الخليجية إلى سوريا، عليه أن يعيد النظر في قراءته. فكل من قطر والسعودية أرسلتا رسالة متزامنة، وواضحة، لا لبس فيها. أن لا انفتاح من هاتين الدولتين، على الأقل، حيال نظام الأسد، في المدى المتوسط. ولا يبدو أن تلك الرسالة تخص الدوحة والرياض فقط، بل هناك مؤشر لا يمكن إغفاله، يجعل من أبوظبي، طرفاً فيها أيضاً.

هذا ما يمكن أن نفهمه من تصريحات وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومندوب السعودية الدائم بنيويورك. واللافت أن تلك التصريحات تزامنت في التوقيت، وكذلك في الجهة التي تم تمريرها من خلالها. إذ كانت التصريحات لصالح وسائل إعلام روسية. مما يعني أن المقصود إيصال الرسالة إلى موسكو، مباشرةً. كما جاءت في أعقاب كلام مستشارة الاسد، بثينة شعبان، عن جهود جارية لتحسين العلاقات مع الرياض، التي شاع أنها ستفتتح سفارتها في دمشق، بعيد عيد الفطر، مباشرةً.

وهكذا تعرضت تلك الجهود التي تحدثت عنها شعبان، لانتكاسة من المتوقع أن تُخيّب آمال الروس بانفتاح خليجي على الأسد، يمدّه بسبل الحياة الاقتصادية عبر الاستثمار. كما وستُخيّب آمال نظام الأسد التي كانت قد ارتفعت للغاية إثر جولة سيرغي لافروف الخليجية، والتي شملت قطر والسعودية والإمارات، في آذار/مارس الفائت.

لكن لماذا قررت قطر والسعودية، على الأقل، فرملة أي انفتاح على الأسد؟ هناك أجوبة عديدة يمكن تقديمها لهذا التساؤل، منها الفيتو الأمريكي الذي ما يزال قائماً بخصوص ذلك، أو انتظار نتائج المفاوضات الثنائية الجارية بين الرياض وطهران، أو حتى انتظار نتائج مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني. لكن من بين كل تلك الأجوبة، يوحي توجيه تصريحات المسؤوليَن في قطر والسعودية، لوسائل إعلام روسية تحديداً، أن الدولتين كانتا تنتظران خطوات روسية ما، تجعل أي انفتاح، سعودي بصورة خاصة، على الأسد، يحظى بحوافز مجزية. وهو ما لم يتحقق. وقد يكون ذلك مرتبطاً بصورة أساسية، بعرض القوة الذي نظّمه الأسد خلال مسرحية الانتخابات الأخيرة، والذي يوحي بأن النظام كان على قناعة بقدرته على تحصيل المكاسب من دون أي تنازلات.

ويبقى السؤال: هل شعرت السعودية تحديداً بضآلة جدوى استخدام الاستثمار الاقتصادي، كأداة للاستثمار السياسي على الساحة السورية، فقادها ذلك لتعليق انفتاحها المأمول على الأسد؟ الجواب، نعم. بل كان من المفاجئ أن تراهن السعودية ودول خليجية أخرى على دور نوعي للاستثمار، بغاية التأثير في السياسة بدمشق. فالموارد والقطاعات الاقتصادية السورية الرئيسية، والمثيرة للاهتمام، باتت في مجملها، في قبضة الروس والإيرانيين، بموجب اتفاقيات رسمية موقّعة من رأس النظام. وحتى القطاع السياحي، الذي روّج نظام الأسد للاستثمار فيه -إما عبر زيارة وزير السياحة التابع لحكومته إلى الرياض في نهاية الشهر الفائت، أو من خلال اجتماعات الدورة الـ/131/ لمجلس إدارة اتحاد الغرف العربية المُنعقد حالياً في دبي- يواجه تحدياً مرتبطاً بضبابية المشهد المتعلق بنفوذ اللاعبين الرئيسيين في مناطق سيطرة النظام. فهناك النظام ذاته، الضعيف تجاه الإرادة الروسية والإيرانية، والذي يُصدر من حين لآخر قرارات تطاول أموال واستثمارات رجال أعمال محليين، بذرائع شتى. وهناك الصراع البارد وتغير موازين القوى المستمر، بين روسيا وإيران، على الساحة السورية. ما سبق يجعل أي استثمار كبير في سوريا، مجازفة مكشوفة، ومعرضة بشدة للخسارة.

وبهذا الصدد، لا يخدم قانون الاستثمار الجديد الذي أصدره الأسد، الشهر الفائت، كثيراً، في تخفيف المخاوف الاستثمارية العربية في سوريا، رغم ما احتواه من إعفاءات ضريبية وجمركية نوعية، وصلت إلى 75% في بعض المطارح. ذلك أن المهم ليس القانون، بل من يطبق القانون. فهل تحوي سوريا بيئة قانونية رشيدة يمكن الركون إليها؟ الجواب نجده جلياً، في عزوف الغالبية العظمى من المستثمرين السوريين المغتربين عن العودة بأموالهم إلى البلاد، رغم كل المناشدات التي صدرت عن النظام في السنوات الثلاث الأخيرة.

وفي السياق، قد يكون من المفيد أن نعرّج على ما قِيل عن بعض الاستثمارات الخليجية العائدة إلى سوريا، بالسنوات الأخيرة. آخر تلك الأخبار، كان الإعلان عن تأسيس مصرف “بيمو السعودي الفرنسي للتمويل الأصغر”، في نيسان/أبريل الفائت. وهو خبر شابه الكثير من اللغط، إذ شاع في وسائل الإعلام المعارضة السورية، أن السعودية قررت التوسع مصرفياً في سوريا. وقد يكون سبب اللغط الرئيس عدم صدور نفي من البنك السعودي الفرنسي، ذلك أن الأخير باع حصته في بنك “بيمو سوريا”، منذ العام 2011، بعيد اندلاع الثورة بأشهر قليلة. لذا فإن بنك بيمو السعودي الفرنسي، الآن، هو بنك سوري خاص، يخلو من استثمار سعودي مباشر.

وعلى غرار ذلك، كانت الضجة التي رافقت الإعلان عن قيام “الشركة الكويتية – السورية القابضة”، عام 2018، بشراء قطعة أرض بريف دمشق، بمشاركة بعض المستثمرين السوريين، بقيمة 12 مليون دولار. وهي ضجة مفتعلة من إعلام النظام، ذلك لأن شراء الأرض حادثة قديمة، لكن الإعلان عنها كان في ذلك التوقيت.

وحتى لو افترضنا أن شراء تلك الأرض كان محاولة “كويتية” لسبر فرص الاستثمار في السوق السورية، قبل ثلاث سنوات، فإننا نستطيع الجزم بأن تلك المحاولة كانت يتيمة، ولم تتكرر حتى الآن، ناهيك عن كونها متواضعة للغاية مقارنة بحجم الاستثمارات الخليجية في سوريا قبل الثورة عام 2011، والتي كانت تقدر بأكثر من 30 مليار دولار أمريكي.

وبطبيعة الحال، لا ينفي ما سبق، توق بعض المستثمرين الخليجيين، لخوض غمار الاستثمار مجدداً في سوريا، وإن بحذر، في ضوء الدعاية المكثفة للنظام عن استقرار الأوضاع في البلاد لصالحه. لكن ذلك يتطلب غطاءً من حكومات الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المستثمرين، كي لا يقعوا فريسة لعقوبات قانون “قيصر” الأمريكي. وهو سيف ما يزال مسلطاً على رقبة كل راغب بتجربة حظه على الساحة السورية، بصورة تجعل هذه التجربة غير جذابة.

وبذلك نخلص إلى نتيجة مفادها، أن لا أموال أو استثمارات خليجية في طريقها إلى سوريا، في المدى القريب والمتوسط. فالملف السوري سيدخل ثلاجة الانتظار، ويُهمّش لصالح ملفات أكثر أولوية منه، في نظر معظم اللاعبين بالمنطقة.

———————————–

تقسيم سوريا: الصالحون والآثمون/ علي سفر

لم يخفِ بشار الأسد في أي وقت استياءه ممن غادروا البلاد بعيداً عن قبضة أجهزته الأمنية، لكنه في كلمته التي وجهها لمؤيديه، بعد إعلان فوزه المزعوم برئاسة البلاد، قبل أيام، أعلن بشكل صريح وواضح، أن السوريين -بالنسبة له- ليسوا سوى جماعتين، واحدة “وطنية” تؤيده، وأخرى خائنة لا تكتفي بمعاداته وحسب، بل أيضاً “تركع للدولار”!

ثنائية الداخل والخارج التي فرضتها ظروف الثورة، وكذلك الحرب على الثائرين، تحضر في ثنايا كلام رئيس النظام، رغم أنه يشير لوجود مؤيدين له في الخارج، ولا يتحدث في المقابل عن مناكفين له في الداخل.

فالسياق الذي يرمي إلى تقليل عدد المعارضين وجعلهم بلا قيمة أو تأثير، يقتضي منه أيضاً أن ينزع عنهم كينونتهم البشرية، فيصبحون “ثيراناً” بدلاً من ثواراً، فضلاً عن كونهم -بحسب كلامه-“عملاء وأزلام”!

قبل ذلك سيتحدث القائمون على “الانتخابات” عن رقم كبير غير منطقي لعدد المشاركين فيها (من أدلى بصوته 14 مليوناً و239 ألفاً و140 ناخباً بنسبة 64 ،78 بالمئة)!

ورغم أن هذه الأرقام قد جرى دحضها من قبل عدة جهات قانونية وحقوقية، إلا أن جذر الموضوع يعود إلى مبدأ وضع كتلتي الداخل والخارج في كفتي ميزان، والعمل على تثقيل الأولى، وتخفيف حجم ووزن الثانية.

التبسيط الساذج، الذي يعمل وفقه النظام ومؤيديه وداعميه، ولاسيما روسيا، التي دخلت ومنذ وقت طويل في صراع معلوماتي ودبلوماسي مع الأوروبيين، حول أعداد اللاجئين وضرورة إعادتهم إلى وطنهم ولو بالقوة!

يتسرب كثيراً إلى مساحات مواقع التواصل الاجتماعي، فيجري نقاش هنا أو هناك، والسؤال عمن يمكن لأصواتهم وشعاراتهم السياسية، أن تعبر عن الجميع؟!

فهل يستطيع الذين يقيمون خارج سوريا أن يتحدثوا باسم الكل؟

أم أن عدم تعرض هؤلاء للظروف ذاتها، التي يعيشها أولئك الذين بقوا في الداخل، يحجب عنهم حقهم، في أن يتحدثوا كمواطنين كاملي الأهلية؟!

ومن هذا الفضاء ينتقل الحديث، ليصبح جزءاً من خطاب يتبناه بعض معارضي النظام أنفسهم، ممن قرروا أن يواجهوه، ضمن شروط البقاء القاسية، فيتبنون صيغة تأثيمية للآخرين في الخارج، تتشابه مع ذات الصيغة التي طرحها الأسد في كلمته البائسة، فيصبح الآثمون عملاء للأجندات الخارجية! حيث تتكرر لدى هؤلاء وغيرهم عبارات عامة تتحدث عن الدعم الخليجي والتركي والأميركي والأوروبي للقوى السياسية، التي تعمل على تحقيق أهداف الثورة، التي يتبناها غالبية من يرون مستقبل البلاد دون بشار وزمرته، وتبنتها القوى الإقليمية والدولية في صيغة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية!

مسألة الدعم الخارجي، حتى وإن جاءت تحت إطار القرار الأممي المذكور أعلاه، وصارت كقميص عثمان، تستخدم من قبل البعض لسحب الحقوق السياسية والمواطنة من المعارضين في الخارج!

يمكن، وبقليل من الجهد، الرد عليها، وعلى من يتمترسون خلفها، فالنظام نفسه، يستأثر بكل مقدرات الدولة، لا بل إنه يجرّم كل من يحصل على تمويل خارجي، حتى وإن كان العمل الذي يقوم به غير سياسي، والجميع يعرف أن كل التمويلات الحالية، والمساعدات التي تأتي من خارج سوريا، ومن المؤسسات الدولية تحديداً، تستولي عليها مؤسسات أسماء الأسد!

وفي الوقت نفسه، لا تقدم الدولة الأسدية تاريخياً أي مال للقوى السياسية المستقلة، وتكتفي بمنح الأحزاب المنضوية في الجبهة الوطنية التقدمية بعض الجعالات التي تكرس تبعيتها لحزب البعث!

طبعاً، الحديث عن الدعم الخارجي، يبدأ بالإشارة إلى حصول من ينالونه على الرفاهية: “معارضة فنادق خمس نجوم، تجلس تحت المكيفات، إلخ”. ويصل في النهاية إلى جعلهم عملاء للجهات التي تدعمهم، فيصبح هؤلاء قطريين أو سعوديين أو إماراتيين، أو أتراكاً أو عملاء للولايات المتحدة، أو للأوروبيين!

فالصياغات التي تتهم الآخرين بتهم جاهزة، لا يمكن أن تؤسس خطاب نزع الشرعية عنهم، إلا من خلال جعلهم خونة، ينفذون أجندات الأعداء، ويبيعون القرار الوطني لجهات إقليمية أو دولية!

وهنا يُلاحظ أن صيغة الاتهام كانت غير عادلة في غالبية الأحيان، فحين يجري سوق الاتهامات من قبل بعض المعارضين في الداخل، ضد هذه الجهة أو تلك، يتم السكوت عن الدعم الإيراني والروسي للنظام!

والعمالة لدى المؤيدين ولدى الآخرين الذين يجرمون “جماعة الخارج” ترتبط بالجغرافيا معظم الأحيان، وتحديداً بالحيز الذي لا يمكن لقوات النظام أو أجهزته الأمنية السيطرة عليه!

وكما في كل شيء، يجري وضع الجميع في سلة واحدة، ويتم تجاهل أن المعارضة ليست كتلة أسمنتية صماء واحدة، بل هي متعددة، تتعدد مواردها، من التمويل الذاتي، وصولاً إلى التمويل الدولي، مروراً بالدعم المالي والعسكري لقوى الأمر الواقع على الأرض، واستغلالها للموارد المحلية، إن كان في الشمال الشرقي (مناطق الإدارة الذاتية) أو الشمال الغربي (مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام)!

تبعاً لما سبق، يمكن الجزم بأن تقسيم السوريين ضمن معادلة الداخل والخارج ليس بريئاً تماماً من غايات لا يخفيها رأس النظام، فهو يريد مجتمعاً متجانساً، يصبح فيه الذين يعيشون في مناطق سيطرته رهائن، لا يملكون من أمرهم شيئاً سوى أن يشاركوا في تأبيد سيطرة حكم العائلة، والامتثال له، والقبول باستمرار الزمن الأسدي إلى الأبد، بينما يتم شطب البقية، وكأنهم مجرد خطأ في أرقام المعادلة!

تلفزيون سوريا

————————————–

سوريا المنسية..على جدول أعمال قمة بايدن-بوتين

أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن الرئيس جو بايدن سيبحث القضايا المتعلقة بسوريا خلال القمة المزمعة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي ستنعقد في جنيف في 16 حزيران/يونيو.

وأكد سوليفان أن “موقفنا من قضية وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا واضح جداً، نعتقد أنه يجب أن تكون هناك ممرات إنسانية لوصول المساعدات وإنقاذ الأرواح، وهذا بالتأكيد سيناقشه الرئيسان”.

من جانبه وجّه رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور بوب مينينديز انتقاداً لاذعاً لرئيس النظام السوري بشار الأسد وللرئيس الروسي. وقال مينينديز: “نحن نتعامل مع دولة مافيا يديرها سلطوي شرير ودائرته الداخلية الفاسدة، إنها دولة غير عادية. نحن نتعامل مع مشروع إجرامي وليس مع حكومة ديمقراطية. وكما قال الرئيس بايدن، عندما يتعلق الأمر ببوتين، فإننا نتعامل مع قاتل لا يرحم. يجب أن نتصرف وفقًا لذلك”.

وأضاف “أنا أقدّر رغبة إدارة بايدن في علاقة مستقرة ويمكن التنبؤ بها مع روسيا ولكن في بعض الأحيان لا يمكننا اختيار ظروف مشاركتنا. عندما نقّيم سلوك روسيا في السنوات الأخيرة، نرى أنها في كل ساحة، اختار بوتين التصعيد على الاستقرار”، مطالباً بمحاسبة بوتين على أفعاله، خصوصاً أن “روسيا تواصل مساعدة وتحريض نظام الأسد الوحشي والإجرامي فقط لتأمين مصالحها الخاصة، أي الوصول العسكري إلى البحر الأبيض المتوسط الذي يمكن من خلاله تهديد اًلجناح الجنوبي للأوروبيين”.

واستشهد مينينديز بتقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان والتي قالت إن الأنشطة العسكرية الروسية في سوريا تسببت في سقوط قرابة 18 ألف ضحية، بينهم 8 آلاف مدني، واصفاً تلك الأنشطة بجرائم الحرب.

وفي السياق، قالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إن “العالم نسي الحرب المستمرة في سوريا منذ 10 سنوات”، مشيرة إلى أنها “ما زالت قادرة على إشعال الفوضى في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا”.

وأوضحت الصحيفة أن نظام الأسد “نشر الوهم بأنهم حصن علماني ضد التطرف الديني في المنطقة، إلا أنه في الواقع حاضن لهذه القوى السامة، ويقدم نفسه كقوة مضادة”، معتبرة أنه “أسهم بإطلاق تنظيم الداعش بعد أن أفرغ سجونه من الجهاديين عام 2011، وراهن على أنهم سيخطفون التمرد ضده”.

وأردفت الصحيفة أن الأسد كان “محاصراً في دولة متقلصة، واستعاد السيطرة على نحو 70 في المئة من سوريا، إلا أن مساحات شاسعة من البلاد يسيطر عليها أمراء الحرب والفاسدون المتحالفون مع النظام”.

وأكدت الصحيفة أن “عائلة الأسد بؤرة عدم استقرار في المنطقة”. وتوجهت إلى بايدن قائلة إن “السبيل الوحيد للمضي قدماً هو اتفاق إقليمي جديد في الشرق الأوسط بين السعودية وإيران، مع هيكل أمني متفق عليه خارجياً، ما يسمح بتوفر أموال إعادة الإعمار في سوريا، التي يمكن أن تستفيد منها دول الخليج العربي لتنويع مصادرها بعيداً عن النفط”.

المدن

——————————–

لماذا تحتاج أميركا إلى دور عربي شرق أوسطي؟/ منير الربيع

تسير منطقة الشرق الأوسط إلى رسم وقائع وملامح جديدة، على وقع المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، واشنطن وتل أبيب، أميركا وإيران، السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. إنها المرة الأولى التي تبرز فيها رغبة أميركية بدور عربي مباشر بالقضية الفلسطينية، والمرحلة المقبلة ستبرز دورا كبيرا للمملكة العربية السعودية يتعلق بهذا الملف، ما يعني العودة عن سياسة التخلي العربي عن فلسطين، ستكون واشنطن بحاجة إلى الاستنجاد بالتدخل العربي، لأن هذا ما تفرضه الوقائع الاجتماعية والثقافية، وعوامل الجغرافيا السياسية. هناك حاجة أميركية قصوى للديناميكية العربية، تخلق القدرة على الاستثمار في التوازنات وإدارتها، لأن أبرز مشكلة وقعت في المنطقة، هي اختلال التوازن وغياب المساحة العربية عن الفعل والتأثير.

الخلاف الأميركي الإسرائيلي ينعكس تحوّلاً هائلاً لدى يهود الولايات المتحدة الأميركية، الذين ظهر تغير جوهري في مواقفهم غير متعاطف أو مؤيد لمشاريع إسرائيل، بالإضافة إلى خلاف كبير حول آلية تعاطي نتنياهو مع الأميركيين، إنها المرة الأولى التي يتم فيها تقديم مشروع قانون يدين إسرائيل، بغض النظر عن أنه لم يمرّ. وهذا يعكس مدى التحول داخل أميركا. في المقابل يفرض الموضوع الفلسطيني نفسه بنفسه، ما يؤدي إلى تغيير كل آلية التعاطي الأميركية السابقة مع فلسطين. والتغير الأساسي الذي حصل هو أنه في السابق كانت سياسة إضعاف الدول العربية ونظامها الإقليمي وأدوارها لتمرير المشروع، والذي تجلّى باتفاق أبراهام أو صفقة القرن، الذي لم يؤد إلى اطمئنان إسرائيلي، فكان مصيره السقوط، وهذا ينعكس أيضاً في آلية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي لم تنفع كل عجرفة نتنياهو وألاعيبه في الحفاظ على موقعه، لا بل أكثر من ذلك أصبح الأميركيون في حاجة إلى التحرر من أعبائه وأثقاله، ولا يمكن نفي دورهم الأساسي في تركيب الحكومة الجديدة لطي صفحة نتنياهو فقط مع علمهم أن هذه الحكومة الهجينة لن تكون ذات عمر طويل، إنما ستسقط خلال فترة قصيرة وستذهب إسرائيل إلى انتخابات جديدة.

هناك مسار يحكمه سقف “التسوية” أو المفاوضات، أو “حلّ الدولتين” لا بد من العودة إليها، بالرغم من أن هذه الحكومة يمينية، لا بد أن ترتبط بتغيير في السياسات التي كان يتبعها نتنياهو مع ترامب. وكانت أبرز المؤشرات على هذا التغير هو آلية التعاطي الأميركي مع المفاوضات الإيرانية، والتي أصرّ الأميركيون على السير فيها بمعزل عن الموقف الإسرائيلي، وهو أمر دفع بنتنياهو إلى التصريح بشكل علني عن المفاضلة بين مصلحة إسرائيل وتوجهات أميركا. وهذا سيلعب دوراً أساسياً في الانقلاب على مسار ترامب ما سينعكس مجدداً على المقاربات العربية، وسيدفع الأميركيين إلى انتهاج سياسة تسعى إلى تماسك الحلفاء العرب معها، من دون إنهاء القضية الفلسطينية، لأن المنطقة لا تحتمل الأسلوب الذي كان ينتهجه ترامب ونتنياهو. خصوصاً أن تلك الخطوات كانت ستؤدي إلى انفجارات اجتماعية، وأمنية، وعسكرية، وسياسية.

سياسة بايدن أعطت نفساً لكثير من الدول العربية، أولها مصر، بالإضافة إلى دور قطر، واستعادة الأردن للاضطلاع بدور أيضاً خصوصاً أنه كان من أبرز المستهدفين باتفاق أبراهام. سيؤدي ذلك إلى بروز أطراف جديدة في لعب دور مقرر في المرحلة المقبلة، قد تكون مصر هي صاحبة هذا الدور بعد كل محاولات تهميشها، وهذا ما فرضته الوقائع الميدانية في الحرب الأخيرة، التي فرضت أيضاً حاجة كبيرة للدور المصري. ما يقود إلى خلاصة جديدة، أن المسألة ليست إيرانية أميركية، فلا يمكن لإيران الذهاب بعيداً بالدخول في الموضوع الفلسطيني، لأنه سيربكهم، إنما تريد إيران فقط الحصول على مكاسب من دون تحمّل تبعات سياسية.

قمة بايدن بوتين ستكون مفصلية في رسم ملامح واتجاهات الأوضاع في المنطقة، إنها الحركة الدولية الأساسية الأولى لبايدن، والتي من خلالها سيستعيد وضعه الأوروبي من خلال بحث التمدد الروسي في أوروبا في حين بوتين سيتحدث عن ملف النورد ستريم 2، الذي يعتبره عنصراً مهدداً للمصالح الاستراتيجية الروسية وسيطالب بإزالة العقوبات، بالإضافة إلى المحادثات النووية، والملف الإيراني، والذي سيكون مرتبطاً حتماً بالوضع السوري. في المقابل، تستميت إيران في سبيل الحصول على أي مبالغ مالية ولذلك تهدف إلى رفع العقوبات. كل العمليات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي تستهدف سفن أو حافلات إيرانية لن تردّ عليها طهران لتمرير الاتفاق.

الازدواجية الأميركية في التعاطي مع إسرائيل، تنعكس ازدواجيات متعددة مع ملفات أخرى، وهو مسار تنتهجه دول أخرى لا سيما في الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أن الانتخابات السورية غير شرعية ولا يمكن الاعتراف بها، بينما التواصل يتزايد بين هذه الدول والنظام السوري، وصولاً إلى التفكير في آلية الانفتاح على النظام. زار وفد فرنسي ثان العاصمة السورية دمشق، في محاولة أوروبية لجس نبض ردود الفعل لعملية الانفتاح، بينما الأميركيون يقولون إن الحل العسكري غير قائم إنما لا بد من اللجوء إلى الحلول السياسية، وهذا ما يفتح الأبواب أمام الحوارات بين القوى، والدول المتعارضة والمتضاربة والمتخاصمة.

 البت بالملف السوري سيكون مستقبلاً، وبعد الاتفاق النووي، هناك وهم بالقدرة على إخراج إيران من سوريا، وهذا أصبح من سابع المستحيلات، بل ستحتفظ بحصتها السورية بالاحتفاظ بالنفوذ على الأرض والديمغرافيا وداخل كل المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولكن في المقابل، سيبرز دور عربي أيضاً على الساحة السورية، يكون فاعلاً، مؤثراً ومقرراً في عملية إعادة التسوية والتوازن، ولو أن الأسد بقي في موقعه، يستحيل أن يبقى بالشكل الذي هو فيه، إنما الاتجاه سيكون إلى تشكيل حكومة بصلاحيات معززة يتحقق فيها التوازن بين النظام، والقوى الاجتماعية والسياسية والعسكرية الداخلية والخارجية، تحت هذا الباب جاء تصريح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عن إعادة إجراء الانتخابات في سوريا، وهو فقط في إطار استدراج العروض الخارجية، وإرسال رسالة إلى الأسد بأنه ليس أبدياً وغير مطلق الصلاحيات، وعليه أن يكون مرناً في مقاربة التحولات التي لا بد لها أن تفرض.

تلفزيون سوريا

لقاءات حزيران الدولية.. والملف السوري/ محمد شيخ يوسف

مع تنفس العالم الصعداء وبدء رؤية الضوء في نهاية النفق المظلم لوباء كورونا، وترافق ذلك مع الرفع التدريجي عن الحظر والسياحة والسفر، وتصاعد حملات التلقيح، تشهد الأيام المقبلة لقاءات دولية عديدة، ومناقشة ملفات عديدة مختلفة، منها بالتأكيد الملف السوري الذي بات يعتبر من أهم المحطات الدولية إضافة للملفات الأخرى، مع اكتسابه طابعا دوليا ونقاط توافق واختلاف إقليمية وبين أقطاب العالم، وبات الملف السوري أيضا ميدانا للمساومات والتقلبات والمصالح مع الأسف، بين الدول المختلفة وخاصة الدولتين الأهم المؤثرتين روسيا والولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الأولى، وتليهما دول الإقليم ودول الاتحاد الأوروبي.

ومخطئ من يظن أن هذه اللقاءات الدولية تتجاهل التطورات في سوريا، بل على العكس أطراف هذه اللقاءات بالطبع معنية بشكل مباشر بالتطورات الجارية في سوريا، وهذه اللقاءات هي القمة الأميركية البريطانية، وقمة الناتو، والقمة الأميركية الروسية، والقمة التركية الأميركية، والقمة الأوروبية، والقمة الأميركية الأوروبية، حيث تبدأ جولة الرئيس الأميركي الأسبوع المقبل، وتشمل 3 محطات في أوروبا، أولها المملكة المتحدة لحضور اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع، ثم بلجيكا لحضور قمة الناتو، وأخيرا سويسرا للاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما سيلتقي برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في 10 من حزيران، في أول لقاء شخصي بينهما منذ تولي الرئيس الأميركي منصبه.

كما يعقد بايدن اجتماعات ثنائية مع قادة آخرين، على هامش قمة دول “مجموعة السبع” في المملكة المتحدة، من بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وفي 14 من الشهر ينتقل إلى بلجيكا لحضور قمة الناتو، وهناك يعقد قمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويختتم بايدن رحلته في جنيف، حيث يلتقي في 16 من حزيران مع رئيس الاتحاد السويسري غاي بارميلين، قبل قمته المرتقبة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم نفسه، وعلى صعيد آخر تعقد القمة الأميركية الأوروبية في 15 من حزيران، ويتبع كل هذه اللقاءات مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا في 23 من حزيران، ويعقد في 25-26 من الشهر نفسه اجتماع زعماء دول الاتحاد الأوروبي.

ومن الواضح من هذه اللقاءات الدولية، أن أطرافها معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بما يجري في سوريا، فأميركا موجودة على الأرض ولها قوى تدعمها شرقي الفرات متمثلة بقوات قسد، وروسيا أيضا حاضرة بقوة على الأرض وتدعم النظام، وتركيا موجودة على الأرض وتدعم قوى المعارضة والشعب السوري، والاتحاد الأوروبي ودول الناتو مهتمة بالاستقرار في سوريا وبملف المهجرين واللاجئين، كما أن هذه الدول معنية بمفاوضات الملف النووي الإيراني، وإيران موجودة على الأرض السورية بدعم النظام عبر الميليشيات المذهبية والمستشارين العسكريين، وكل هذه الدول ستجد فرصة من أجل مناقشة الملفات العالقة الثنائية والإقليمية والدولية، وما يهمنا كسوريين الجزء المتعلق من هذه اللقاءات جراء التطورات الجارية على الأرض السورية.

وقبيل هذه اللقاءات عاد مجددا إلى الأضواء موضوعان مهمان يهمان الشعب السوري بشكل مباشر، وخاصة الموجودين في منطقة إدلب، الأول يتعلق بالتهديدات من قبل النظام بالتصعيد في هذه المنطقة بعد انتهاء مهزلة الانتخابات الرئاسية، والثاني يتعلق بموضوع تمديد الآلية الدولية لعبور المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى والاستعداد للتصدي للموقف الروسي المطالب بحصر تقديم المساعدات عبر النظام، وهو ما لا تقبل به الدول الأخرى، ويلحق بهاذين الموضوعين قضايا ثانية أخرى مثل الحراك الشعبي في منبج، والمطالب الشعبية هناك بخروج قوات قسد من المنطقة، ودخول قوى المعارضة، ومحاولة النظام استغلال ذلك بدعم روسي من أجل فرض سيطرته عليها، فضلا عن موضوع النفط شرقي الفرات.

ومن المؤكد أن التوازنات على الأرض والتوافقات الدولية ما لم تحصل بين الدول والأطراف المعينة، لن يتم الانتقال إلى مرحلة الحل السياسي الحقيقي بين الأطراف السورية فيما يشبه التطورات التي حصلت على الساحة الليبية، وبالحديث عن الموضوعين المهمين، وفيما يخص بداية بملف الهجوم على إدلب، من الواضح أن تركيا وبتنسيق مع أميركا والاتحاد الأوروبي لن تسمح بحصول أي خرق في المنطقة وتعمل على الاستمرار بالحفاظ على الهدوء بشكل عام، يدعمها إضافة لتحالفاتها الدولية ودبلوماسيتها وجودها الميداني القوي على الأرض، وتشكيل درع عازل فولاذي في المنطقة، ستجعل عملية التقدم من قبل قوات النظام والميليشيات الداعمة لها أمرا مستحيلا، وستقود مباشرة للمواجهة مع تركيا، كما أن طائرات النظام لا تستطيع التحليق في المنطقة، لأن تركيا ستكون في مواجهتها، لذلك تدهور الأوضاع في هذه المنطقة لن يكون في حال حصول أي تطورات، إلا عبر قصف جوي روسي في حال تدهورت الأوضاع وانهارت الاتفاقات وهو يحمل أيضا أبعادا خطيرة على التحالفات التركية الروسية في المنطقة.

وفيما يرتبط بملف الآلية الدولية لإدخال المساعدات، يبدو أن الأمور معقدة أكثر في هذا الملف، ومن الواضح أن أميركا تطالب بإعادة فتح ممرات باتجاه مناطق شرقي الفرات، والحفاظ على معبر باب الهوى، وهو مطلب غربي مهم لجهة تحفيز الأطراف المانحة بظل وجود آلية قانونية دولية معترف بها تخلصهم من أي مسؤوليات وتبعات قانونية، ولكن يطرح الإصرار الأميركي لفتح  المعابر نفسها شرقي الفرات، تساؤلات عن الهدف الأميركي المرتبط بالنفط إلى جانب المساعدات الإنسانية، فأي معابر في هذه المنطقة ستؤدي إلى شرعنة الحركة التجارية فيها ومنها عبور النفط، فيما تطالب روسيا بحصر دخول المساعدات الإنسانية عبر النظام في محاولة لإنعاشه وتأهيله دوليا، أو على الأقل تحقيق مكاسب نفطية لصالح النظام، أو عبر فتح معابر تجارية أخرى بين منطقة إدلب ومناطق النظام، من أجل تخفيف الضغط على النظام بعد فشله بشكل كبير في تحقيق الخدمات الأساسية للموجودين في مناطق سيطرته، ولذلك سيكون هذا الملف هو الملف الأبرز الحاضر في المناقشات الجارية على اعتبار أن التصويت على تمديد الآلية الدولية سيكون بعد انتهاء هذه اللقاءات الدولية في تموز/يوليو المقبل.

أما موضوع منبج فسيكون حاضرا في النقاشات وخاصة بين تركيا وأميركا من جهة، وروسيا وأميركا من جهة أخرى، حيث تطالب تركيا بقوة ومنذ فترة طويلة بأن تسيطر قوى المعارضة على منبج وتنضم إلى المناطق الأخرى، في تعزيز لمنع عمليات النزوح، في ظل رفض شعبي كبير للعودة إلى سيطرة النظام، وفي ظل رفض شعبي أيضا لوجود قوات قسد التي تمارس سياسات تعسفية تستهدف أبناء المنطقة، وستكون التظاهرات الأخيرة حاضرة، والرد العنيف من قبل قوات قسد والشبيهة بممارسات النظام وذلك في المفاوضات الجارية، وستسعى تركيا بقوة كبيرة من أجل أن تعود منبج لحاضنة قوى المعارضة.

ولعل الموضوع الأبرز أيضا هو موضوع النفط، ويبدو أن التوافق عليه ربما سيقود إلى تعزيز العملية السياسية، لأن روسيا وتركيا وبعض الدول ترفض احتكار قوات قسد للنفط وعائداته، وتطالب هذه الدول بتسخير عائدات النفط من أجل عملية إعادة الإعمار وصرفها على النازحين والمهجرين، وتنمية المناطق الآمنة في نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون وإدلب، بأن تكون عائدات النفط للشعب السوري وهو ما تدفع به تركيا بشكل أكبر، فيما تطالب به روسيا من أجل إعادة الإعمار ودعم النظام، ولا يبدو أن أميركا مستعدة حاليا من أجل منح النفط لهذه الأطراف، وستبقيه بيد قوات قسد من أجل تمويل وجودها، رغم أن هذه القوات لا تقدم أي خدمات للسوريين المقيمين في هذه المناطق، ولا تنعكس عليهم عائدات النفط.

وإزاء هذه اللقاءات، من المؤكد أن ثمة توافقات ربما ستحصل حيال هذه الملف، وستظهر نتائج هذه اللقاءات على الأرض تباعا اعتبارا من الشهر المقبل وصولا إلى الخريف، وتدفع روسيا بمواقف معتدلة ورسائل للدول الغربية قبيل هذه الاجتماعات، من قبيل الحديث عن الانتخابات في حال توافق السوريون نظاما ومعارضة على دستور جديد، ومحاولة إحياء اجتماعات اللجنة الدستورية، وعقد لقاء للدول الضامنة، وكل هذه المحاولات تستبق هذه اللقاءات وصولا إلى تحرك العملية السياسية بناء على التوافقات التي يمكن أن تجري في هذه اللقاءات، والتي يتوجب على السوريين متابعتها بشكل جيد، وعلى المعارضة محاولة مخاطبة الأطراف المجتمعة من أجل تقديم فرضيات ورؤى غالبية الشعب السوري.

———————————

مباحثات روسية-تركية حول سورية: المعابر الداخلية مقابل آلية المساعدات؟/ أمين العاصي

مع اقتراب موعد مداولات مجلس الأمن الدولي من أجل تجديد آلية التفويض بدخول المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى، الواقع تحت سيطرة المعارضة، شرع الجانبان التركي والروسي في محادثات جديدة حول الملف السوري، يمكن أن تفضي الى تفاهمات تدفع موسكو إلى الموافقة على تمرير قرار التجديد.

ولكن من الواضح أن موسكو تبحث عن مكاسب على الأرض لقاء موافقتها لصالح النظام السوري، وهو ما تناولته مشاورات جرت على مستوى الخبراء، في مقر وزارة الخارجية الروسية، الثلاثاء الماضي. ومثل نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، وفد موسكو في المشاورات، فيما مثل نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال وفد أنقرة. ووفق موقع “روسيا اليوم”، فقد بحث الجانبان الاستعدادات للاجتماع الدولي الـ16 حول سورية بصيغة أستانة، والمقرر خلال الصيف الراهن. كما تم تبادل الآراء في طرق المساعدة في تنشيط العملية السياسية السورية، بما في ذلك عمل اللجنة الدستورية في جنيف وفق القرار الدولي رقم 2254.

وتسبق هذه المحادثات اجتماعات مجلس الأمن الدولي، والمتوقع أن تجرى في 10 يوليو/تموز المقبل، من أجل تمديد العمل بآليات دولية لإدخال مساعدات إلى الشمال الغربي من سورية، والتي تنتهي قريباً. وأعلنت موسكو على لسان مسؤولين رفيعي المستوى رفضها التمديد لهذه الآلية المعمول بها منذ العام 2014، لأنها تعد “انتهاكاً لسيادة النظام” وفق التصور الروسي. ولكن الوقائع تشير إلى أن موسكو تريد حصر إدخال المساعدات عبر معابر يسيطر النظام عليها، في محاولة لإعادة تأهيله دولياً. وفي حال فشلها في ذلك، تبحث روسيا عن مكاسب للنظام، وخاصة على الصعيد الاقتصادي، من قبيل فتح المعابر الداخلية التي تصل بين مناطق النظام والمعارضة في الشمال السوري. كما تريد المزيد من تدفق المحروقات والحبوب من الشمال الشرقي من سورية، للتخفيف من أزمات النظام الاقتصادية التي تفاقمت خلال العامين الأخيرين.

روسيا

وتملك روسيا أوراق ضغط على الجانب التركي، وخاصة لجهة فتح الباب مجدداً أمام تصعيد عسكري في الشمال الغربي من سورية، الذي يضم نحو 4 ملايين مدني، شبيه بالتصعيد الذي حدث في الربع الأول من العام الماضي، والذي خسرت فصائل المعارضة خلاله الكثير من المناطق في أرياف حماة وحلب وإدلب. وقد صعّدت موسكو عسكرياً بشكل محدود خلال الأيام القليلة الماضية، بينما عزز الجيش التركي مواقعه، ونقاط انتشاره، في ريف إدلب الجنوبي، في خطوة ربما تدل على خشية تركية من تقدم بري من قبل قوات النظام في حال فشل المحادثات في موسكو.

وفي المقابل يملك الجانب التركي ورقة مهمة بيده، وهي المعابر الداخلية مع النظام في محافظة إدلب، وفي ريف حلب الشمالي، والتي من شأنها، في حال فُتحت، إنعاش جوانب في اقتصاد النظام المتهالك. وأوضح طه عودة أوغلو، وهو باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الوفد التركي الذي زار موسكو بذل جهوداً كبيرة من أجل إقناع المسؤولين الروس بعدم استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد قرار تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود”. وأضاف “لوح الوفد التركي بأوراق ضغط يمكن تحريكها ضد روسيا في حال استخدمت موسكو حق النقض في مجلس الأمن، بإظهار القدرة العسكرية لتركيا، عبر استهداف قوات النظام السوري في الشمال السوري، مشيراً إلى أن “هناك أوراق ضغط أخرى، في ليبيا وأوكرانيا والقرم، وأوراقا أخرى تستخدمها تركيا ضد روسيا على الساحة السورية”.

وتطالب روسيا بإعادة فتح معبري سراقب وميزناز في ريف إدلب، ومعبر أبو زيدين في ريف حلب الشمالي. وكانت أعلنت في مارس/آذار الماضي عن اتفاق مع الجانب التركي لفتح هذه المعابر، لكن لم يحدث ذلك على أرض الواقع. وفي هذا الصدد، رأى الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات خالد تركاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “المعابر الداخلية مهمة للنظام لتنشيط التجارة”، موضحاً أن النظام يأخذ من ريفي إدلب وحلب، زيت الزيتون، وخضاراً وفواكه وملبوسات، وأحياناً قطع سيارات ومواد بناء، ويرسل في المقابل سلعا غذائية تقليدية كثيرة، ليحصل على قطع أجنبي من مناطق المعارضة. وأشار تركاوي إلى أن “روسيا تريد أن يكون النظام السوري مركز مرور هذه المساعدات الدولية والمتحكم بتوزيعها”، مشيراً إلى أنه في حال حصل هذا الأمر، فإن النظام سيمتلك القدرة على حصار مناطق المعارضة في إدلب وريف حلب، كما فعل خلال سنوات الثورة بالعديد من المناطق السورية.

العربي الجديد

——————–

سوريا… لا تقلّ خطورة عن اليمن/ سميح صعب

تتقاطع الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، بينما تزداد صعوبة العزل في ما بينها. ثمة قضايا تفرض نفسها على غرار الحرب التي انفجرت في غزة، وانتفاضة فلسطينيي حي الشيخ جراح في القدس، بينما الأزمة السورية لا يمكن استبعادها من الأجندات الإقليمية والدولية، ردحاً آخر من الزمان، في ظل أقسى حصار يتعرض له السوريون، الذين دفعوا أفدح الأثمان في الحرب التي مضى عليها عقد ونيف من الزمن. والأزمة السورية عكست حالها على لبنان، وأتاحت لطبقته السياسية أن تجلب عليه ويلات أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ عام 1850، وفق تقرير لصندوق النقد الدولي صدر قبل أيام.

صحيح أن الاهتمام الأميركي ينصبّ على ملفي إيران واليمن. لكن بقية القضايا، لا يمكن إهمالها وتجاهلها أو إرجاؤها إلى آماد بعيدة. وإذا كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تنطلق لوقف الحرب في اليمن، من المنطلق الإنساني، وفق ما تصرح به، فإن الأوضاع الحياتية للسوريين واللبنانيين، ليست أفضل كثيراً من الأحوال المزرية التي يعيشها اليمنيون بسبب الحرب.

وكما هو ثابت، فإن المقاربات الأميركية منذ عشرة أعوام، أخفقت في إيجاد الحلول للأزمة السورية. و”قانون قيصر” الأميركي الذي بدأ سريانه قبل عام من الآن، زاد من معاناة السوريين العاديين، وأثر أيضاً في لبنان والأردن والعراق. والعقوبات التي ينص عليها القانون، طالت الشعب السوري لا النظام، مثل حال الكثير من العقوبات الأميركية المفروضة على دول في العالم، تطال شعوب هذه الدول أكثر مما تؤثر في حكوماتها.

وعلى ما يبدو، لم تنتهِ إدارة بايدن بعد من المراجعة التي تجريها لسياساتها في سوريا. وتكتفي واشنطن الآن بالتركيز على فتح المزيد من المعابر بين تركيا والشمال السوري لإدخال المساعدات الإنسانية. ولهذه الغاية، تخوض جدلاً حاداً مع روسيا والصين لاستصدار قرار من مجلس الأمن بفتح ثلاثة معابر بين تركيا وسوريا، بدلاً من معبر واحد كما هو الوضع الآن.

والسؤال: لماذا لا يمتد النقاش بين أميركا وروسيا إلى البحث في الوسائل الكفيلة بتقدم الحل السياسي في سوريا، بدل اقتصار الأمر على كيفية إدخال المساعدات الإنسانية فقط إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا والمعارضة الموالية لها، ولمناطق تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”؟ بينما السوريون في بقية المناطق يخضعون للعقوبات الأميركية والأوروبية، وحال معظمهم ليست بأفضل من تلك التي يعيشها أقرانهم في مناطق أخرى.

وكما انفجرت حرب غزة في وجه إدارة بايدن، التي وجدت نفسها مضطرة للتدخل على نحو سريع لإطفاء حريق كان يهدّد بالامتداد إلى حرب أوسع تتورط فيها الولايات المتحدة، فإن الأزمة السورية تختزن الكثير من عوامل التفجير، التي يمكن أن تعيد خلط الأوراق. فتنظيم “داعش” موجود في الصحراء السورية ويخوض حرب استنزاف ضد القوات النظامية في أرياف الرقة وحماة ودير الزور. و”هيئة تحرير الشام” تبسط هيمنتها وتطبّق قوانينها على المناطق التي تسيطر عليها في محافظة إدلب، كما أن تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم “القاعدة” لا يزال موجوداً في إدلب وله أجندته الجهادية الخاصة به. وكذلك هو حال “الحزب الإسلامي التركستاني”.

وفي الوقت نفسه، تعاني “الإدارة الذاتية” الكردية في مناطق سيطرتها من احتكاكات متواصلة مع العشائر العربية، ولم تستطع برغم الدعم الأميركي لها من تحقيق حالة من الاستقرار في مناطقها، شبيهة على الأقل بتلك التي حققها الأكراد في شمال العراق.

الوضع السوري برمّته، في حاجة إلى تحريك عجلة الحل السياسي، الذي لا يملك مفاتيحه سوى واشنطن وموسكو. وتشكل القمة الأميركية – الروسية التي ستعقد في جنيف في 16 الشهر الجاري، مناسبة للتوصل إلى تفاهمات بين بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول سوريا.

سوريا تبقى بركاناً يمكن أن ينفجر في أي لحظة، إن لم يتم تداركها بعملية سياسية ترعاها واشنطن وموسكو. لا يمكن أميركا حل أزمة في الشرق الأوسط وإدارة الظهر لأزمات أخرى لا تقل خطورة عن أزمة اليمن.

النهار العربي

—————————-

========================

تحديث 13 حزيران 2021

—————————-

هل هناك تريث عربي في «التطبيع» مع دمشق؟

إبراهيم حميدي

قبل أسابيع، بدا أن قطار «التطبيع» العربي وضع على مساريه، الثنائي والجمعي، في طريقه إلى دمشق. هناك من ظن، أن سرعة القطار تزيد عما حصل في نهاية 2018، بعد فتح سفارة الإمارات في العاصمة السورية وبدء إحصاء عدد الدول الداعمة لعودة دمشق إلى الخيمة العربية في القاهرة.

وفي الأسابيع الماضية، صدرت تصريحات من مسؤولين سوريين، بينهم وزير الخارجية فيصل المقداد والمستشارة الخاصة في القصر الرئاسي بثينة شعبان، وانتشرت تسريبات آتية من دمشق، عن اختراقات عربية كبيرة باتجاه دمشق: زيارات رفيعة لمسؤولين أمنيين عرب، وقرب فتح سفارات، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتوقع اتصالات هاتفية من قادة عرب بالرئيس بشار الأسد لتهنئه بعد إعلان دمشق فوزه بالرئاسة لولاية جديدة. أُضيف إلى ذلك ضخ إعلامي عن اتصالات سرية دبلوماسية أوروبية مع دمشق، وحديث عن فتح سفارات ووصول سفراء إليها، ورسالة من المقداد إلى بعض نظرائه الأوروبيين.

وبالفعل، حصلت زيارات أمنية؛ إذ قامت شخصية أمنية سورية رفيعة بزيارة إلى القاهرة وغيرها، وكان هناك صمت عربي وعدم توجيه انتقادات مسبقة للانتخابات الرئاسية، مثلما حصل في 2014، كما وصلت مساعدات عربية إنسانية وطبية. إلى ذلك، قام دبلوماسيون أوروبيون يقيمون في بيروت بزيارات إلى دمشق. كما أن واشنطن قدمت استثناءات من العقوبات لأسباب إنسانية وطبية. لكن كثيراً مما قيل عن مضامين «رسائل الغزل» العربية لم يحصل. لماذا؟

بداية، من الواضح أن هذه الاتصالات العربية مع دمشق لا تزال في بداياتها، وهي خاضعة لاختبارات كثيرة. لذلك؛ من الطبيعي أن يبقى كل طرف متمسكاً بمواقفه السابقة: دمشق بشروطها لقبول «التطبيع»، والدول العربية بمطالبها لتوفير إجماع داعم لـ«التطبيع». هنا، لا بد من وضع الملف السوري في السياق الإقليمي والدولي الأوسع. فهناك انتخابات رئاسية إيرانية في 18 الشهر الحالي، وهناك استعراض – استفزاز قوة إيراني في الإقليم، ومفاوضات مع القوى الكبرى حول «الملف النووي». أيضاً، هناك قمة الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن في جنيف يوم الأربعاء المقبل. وسوريا، «جزرة» أو «عصا» في هذه التطورات والإشارات المتبادلة بين الفاعلين.

ولدى تفحص الإطار الثاني، السوري – العربي، يبدو أن دمشق لا تزال على موقفها. فقد حمل «اقتراع» الرئيس الأسد في دوما، ثم «خطاب النصر»، الكثير من الإشارات الرمزية في النظر إلى «شروط قبول التطبيع». ولا شك أن «الرسائل الرمزية» تركت آثارها في محاولات التقارب. كما أظهرت المشاورات الأمنية الأولية عمق الفجوة بين المواقف.

ففي بداية 2019، اشترطت دمشق على الجامعة العربية أن تبدأ من جانبها مسار إعادة سوريا إلى الجامعة، بل إن الحكومة السورية رفضت تقديم مذكرة لطلب رفع تجميد العضوية المعلن في نهاية 2011. ونُقل عن مسؤولين سوريين قولهم «على العرب العودة إلى دمشق – حضن العروبة، وليس العكس. لن نقدم مذكرة لطلب إعادة العضوية. أنتم قدموا طلباً وسندرسه». ويبدو أن أحد الاجتماعات التي عقدت في القاهرة في الأيام الأخيرة، كشف عن أن الموقف ما زال على حاله.

وهناك من يذهب أبعد من ذلك، إلى القول إنه حتى في أمور تنفيذية تخص التعاون لمحاربة عمليات تهريب المخدرات والإرهاب، التي تعاني منها دول عربية، فإن مسؤولين أمنيين سوريين صبوا ماءً بارداً على طلبات في هذا الخصوص. وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين، إن «التهريب بات مصدراً أساسياً في اقتصاد الظل السوري، في ضوء وجود العقوبات الغربية، وهو يدر مليارات الدولارات الأميركية، ولن يكون سهلاً التخلي عنه في ضوء تنامي دور شبكات أثرياء الحرب الجدد والحاجة إليهم وإلى أموالهم حالياً».

ضمن هذا السياق، جاءت النصائح الأميركية إلى الأوروبيين، والأوروبية – الأميركية إلى العرب. صحيح أن إدارة بايدن خفضت سقف مطالبها في سوريا، وتوقفت عن فرض العقوبات على دمشق، وأن الملف السوري ليس أولوية لفريق بايدن الذي يركز فيه على ملفين: المساعدات الإنسانية عبر الحدود، واستمرار هزيمة «داعش» شرق الفرات. وهذان خيطان سوريان على سجادة بايدن – بوتين في جنيف. لكن النصائح الأميركية إلى العرب كانت بأن «التطبيع ليس مفيداً حالياً»، و«يجب ألا يحصل دون أي ثمن». طبعاً، «الثمن» الأميركي من دمشق تغير، ولم يعد «تغيير النظام» ولا «هيئة حكم انتقالية»، بل انخفض إلى «تغيير سلوك النظام»، ما يشمل «وقفاً شاملاً للنار في سوريا، وإطلاق معتقلين سياسيين، وإعادة كريمة للاجئين والنازحين، والتعامل بإيجابية مع الإصلاح السياسي والدستوري»…. ليس أكثر. كما وصلت النصائح ذاتها إلى بروكسل، عبر التأكيد على ضرورة «تماسك الموقف الأوروبي بعدم التطبيع وعدم المساهمة بإعمار سوريا، ما لم تتحقق الشروط المتوافق عليها».

كل هذا وضع «التطبيع» على نار هادئة، بانتظار لقاء بوتين – بايدن، والقمة الأميركية – التركية ونتائج حشد بايدن لحلفائه خلال جولته الأوروبية، والفائز بالانتخابات الإيرانية وصفقة المفاوضات مع القوى الكبرى حول «النووي». لا شك، أن سرعة توجه القطار العربي إلى دمشق، ستحدد في لقاء وزراء خارجية «المجموعة المصغرة» الدولية – العربية بقيادة أميركا، على هامش مؤتمر التحالف الدولي ضد «داعش» في روما في 28 من الشهر الحالي.

الشرق الاوسط

——————————

سوريا.. التي ذهبت مع الريح/ غازي دحمان

في وقت قريب، لن يكون هناك ذكر لبلد اسمه سوريا، إلا بوصفها جهة مصدّرة للاجئين، وقد تصبح في مخيال الشعوب بلادا ومساحات من ريح وقيظ غير صالحة للحياة الآدمية، أو جزرا نائية تقع تحت سيطرة القراصنة، وتسكنها كائنات غرائبية مختلفة.

مرّ على السوريين عقد كامل من العذاب، عاشوا خلاله كل ألوان الألم وأشكال المعاناة، أكلوا أوراق الشجر وطبخوا ألواح الصبار، وقفوا نهارات بطولها ليحصلوا على بضع أرغفة خبز، نسوا الدفء في الشتاء والتكييف في الصيف. والجيل الجديد، يعني من هم حتى سن 14 عاماً، لم يتذوقوا طعم المشمش والدراق والكرز، وهي منتجات تنتجها سوريا منذ الأزل، ومرّ كبار السن أمام بسطات الحلويات، وربما تباهوا أمام أحفادهم بأنهم كانوا يأكلون في السابق من هذه الأصناف.

لدى كل شعوب الدنيا تكون حياة الأجيال الجديدة أفضل بما لا يقاس مع الأجيال التي سبقتهم، بسبب التطوّر والوفرة في السلع الاستهلاكية، وكذلك توفّر السيولة وتطوّر طرق ووسائل تحصيل الأموال من جيل لأخر. وعادة ما يغبط أبناء الجيل السابق الجيلَ الجديد على ما يتوفر له من رفاهية لم يكن ممكناً الحصول عليها في السابق، باستثناء سوريا فالعملية معكوسة، حيث عادت الحياة إلى زمن لم يعرفه السوريون ولم يسمعوا عنه حتى في حكايات الجدات.

هذا الانقلاب في نمط الحياة وطرق الاستهلاك، بالإضافة إلى الشعور الدائم بالتهديد، وانعدام الأمان والطمأنينة، وما يرافق ذلك من سياسات متعمّدة لإذلال كرامة الناس وسحق معنوياتهم، في ظل انعدام كامل للقوانين، وتحوّل كل من يعمل مع السلطات إلى أنصاف آلهة لا يمكن حتى النظر في عيونهم، وليس مساءلتهم، تضع الناس أمام خيارين: إما تهيئة النفس لما هو أحط من ذلك بكثير، لأن الأفضل هو الراهن بكل عيوبه ومساوئه، وإما الرحيل، وهو خيار لم يعد متاحاً بسهولة.

على ذلك، لم يكن مستغرباً ما خلصت إليه دراسة استقصائية، نشرها مركز “السياسات وبحوث العمليات (OPC)؛ من أن “ثلثي سكان دمشق يرغبون بالهجرة، وتمنعهم عن تحقيق تلك الرغبة تكاليف التنقل. فمثلاً بات الوصول إلى تركيا يكلف أكثر من ثلاثة آلاف دولار للشخص، بل إن الانتقال من دمشق إلى إدلب، والتي رغم كل ظروفها الصعبة باتت جنة بالمقارنة مع دمشق، بات يكلف الشخص الواحد أكثر من ألف دولار، في بلاد لا يتجاوز مرتب الشخص في القطاعين العام والخاص أكثر من ثلاثين دولارا!

إزاء ذلك، هل ثمّة أفق أمام السوريين؟ إذ لا الظروف المعيشية التي يحيونها يمكن التكيّف معها طول العمر، ولا الرحيل عن سوريا هو حل لملايين السوريين، وليس في الحاضر السوري سوى بشار الأسد، ومن خلفه بوتين الذي لا يرى في سوريا إلا حقل رماية لتجريب أسلحته، وحقول نفط وغاز ومناجم فوسفات لإشباع نهم المافيا التي تحيط به.. وخامنئي إيران، الذي لا يرى في سوريا إلا فرصة لتعديل الميزان الديمغرافي والديني لصالح الشيعة في المنطقة.

دعونا نتخيل استمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه الآن عقداً أخر من الزمان، حيث المعطيات نفسها ما زالت موجودة، ولا مؤشرات لحدوث متغيرات فارقة، طالما أن الوضع الحالي واستمراره يتوافقان مع مصالح الفاعلين الخارجيين والداخليين، ترى أين ستصبح سوريا؟

من غير المتوقع حصول تغييرات مهمة في المواقف الدولية ولا حتى العربية تجاه سوريا في ظل وجود بشار الأسد، حتى الأنظمة التي تدعمه لأسباب تتعلق بخوفها من الثورات، لن تستطيع تقديم شيء مهم له، بسبب الانحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه وتحوّله من مستبد إلى مجرم حرب وتاجر مخدرات، باستثناء دعم سياسي أجوف، لن ينتشل سوريا من ظروفها. كما أنه ليس من مصلحة إيران وروسيا تغيير الظروف في سوريا للأفضل، حتى لو توفرت لهما الأموال لفعل ذلك، لتأثير ذلك على مشاريعهما الجيوسياسية وخططهما المستقبلية، وهما معنيتان بقدر من الدعم يحافظ على بشار الأسد في السلطة، من خلال شحنة نفط من هنا وشحنة قمح من هناك.

النتيجة الطبيعية لكل ذلك، هي تآكل سوريا واستمرار نزيف شعبها وثرواتها، فكل يوم تضيق سوريا على من تبقى من ساكنيها، في العيش والأمان والاستقرار، عن اليوم الذي سبقه، وكل يوم تتحوّل هذه البلاد إلى هشيم ستأنف حتى الريح من أخذه في طريقها.

عربي21

غازي دحمان

كاتب سوري

——————————

مسرحية انتخابات بشار الأسد الرئاسية: حقيقة الولاء والشرعية في سوريا

من خلال إعادة انتخابه سعى رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى إخضاع المواطنين السوريين والحصول على المال من الخارج – فهو بحاجة إليهما من أجل الحفاظ على سلطته. تحليل الصحفية الألمانية كريستين هيلبيرغ.

الفوز بنسبة مائة في المائة – ما ادّعاه لنفسه أبوه حافظ الأسد في عام 1999، لم يعد يجرؤ على فعله اليوم ابنه بشار؛ الذي اكتفى بنسبة خمسة وتسعين في المائة، فمن المفترض في آخر المطاف أن تبدو انتخابات ديمقراطية وهذا يتطلب وجود مرشَّحين معارضين.

من المعروف أنَّ عملية الاقتراع في سوريا لا تفي بمعايير الانتخابات الحرة والنزيهة، وهذا ليس رأي وزراء الخارجية الغربيين فقط، بل هو معلومة سياسية أساسية.

خمسون عامًا من نظام الحزب الواحد تحت حكم نفس العشيرة ومن دون وجود لحرية التعبير والصحافة ومن دون وجود لمشاركة مستقلة من جانب المجتمع المدني، بل مع وجود أجهزة استخبارات في كلِّ مكان وتعذيب ممنهج ومؤسَّسات حكومية استولى عليها النظام من أجل الحفاظ على السلطة – في ظلِّ هذه الظروف فإنَّ العملية الانتخابية تخضع منذ اعتماد المرشَّحين وحتى فرز الأصوات لسيطرة الحكَّام.

لا توجد في سوريا أية هيئة مستقلة يمكنها أن تضمن سير الانتخابات بحرية؛ أمَّا “مراقبو الانتخابات” التابعون للأسد القادمون من روسيا وإيران والصين وفنزويلا فهم جزء من هذه المسرحية.

ولاء في الداخل وشرعية نحو الخارج

ولماذا إذًا كلُّ هذا؟ لماذا إنفاق كلّ هذا المال على ملصقات تحمل صور بشار الأسد بحجم أكبر بكثير من الحجم الطبيعي وعلى الحفلات الانتخابية في حين أنَّ نحو تسعين في المائة من الناس الموجودين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام يعيشون في فقر؟

هتافات أنصار الأسد في دمشق. يعرف السوريون والسوريات أنَّ “إظهار الولاء في دولة بوليسية يضمن لهم بقاءهم، ويمنحهم إمكانية الوصول إلى المساعدات أو الحصول على تصاريح من أجهزة المخابرات”، مثلما تكتب كريستين هيلبيرغ في تحليلها: “لا يهتم الحكَّام بحقيقة أنَّ هذا الولاء مُفتعل، وما يهمهم هو ضرورة أن يلعب رعاياهم دورهم بشكل يُعتمد عليه وألَّا يُشكِّكوا في الحكم بشكل علني”.

تُحقِّق هذه الانتخابات هدفًا مزدوجًا: فهي تفرض الولاء في الداخل وتخلق الشرعية نحو الخارج. والأسد يحتاجهما من أجل تحويل انتصاره العسكري المحقَّق من قِبَل روسيا وإيران إلى حالة استقرار سياسي واقتصادي. وذلك لأنَّ الفقر في مناطق النظام بات أكبر بكثير من أي وقت: إذ إنَّ التضخُّم وارتفاع الأسعار والبنية التحتية المدمَّرة من قِبَل سلاح الجو الروسي والسوري تجعل الحياة اليومية لا تطاق للناس.

وبالرغم من أنَّ الغرب يقوم بتزويد السوريين بالمساعدات الإنسانية -يدفع الاتِّحاد الأوروبي والولايات المتَّحدة الأمريكية ثمانين في المائة من مساعدات الأمم المتَّحدة لسوريا- لكنه يرفض تمويل النظام لإعادة الإعمار. أمَّا موسكو وطهران فلا تملكان الأموال الخاصة بذلك. ولكن من دون وجود استثمارات أجنبية لم يعد بإمكان الأسد دفع أجور مؤيديه وقد بات عرضة للضغوط.

في الأشهر الماضية، انتقد العشراتُ من أنصار النظام (صحافيون وقضاة وموظفون حكوميون) سوء الإدارة والفساد على وسائل التواصل الاجتماعي. وكونهم جزءًا من النظام فهم يشاهدون كيف يقوم الأشخاص الذين يُبقُون الأسد في السلطة بإثراء أنفسهم من خلال الرشاوى والتهريب وأعمال السوق السوداء وتجارة المخدرات وتسويق المساعدات الإنسانية.

لقد حوَّلت عقود من الكليبتوقراطية (حكم اللصوص) سوريا إلى دولة مافيا. تم اعتقال المنتقدين، ولكن أطلاق سراحهم ضمن إطار عفو – في الوقت المناسب تمامًا للانتخابات. هذا الاعتقال مجرَّد درس لهم، ففي نهاية المطاف لا يريد النظام إثارة شعبه ضدَّه.

وفي الجنوب ليس من السهل احتواء المعارضة. وفي درعا، حيث اندلعت أولى الاحتجاجات الكبرى عام 2011، تم في يوم الانتخابات رفعُ لافتة كُتب عليها “لا يوجد مستقبل للسوريين مع قاتل”. وقد انتقد ممثِّلو العشائر والشخصيات المؤثِّرة في المحافظة الانتخابات قبل إجرائها ووصفوها بأنَّها غير شرعية، ونتيجة لذلك أغلق النظام مراكز الاقتراع هناك.

وفي المقابل، يظهر في أماكن أخرى كيف يحاول السوريون والسوريات إثبات ولائهم بطريقة شعائرية – أي من خلال تركهم “منظِّمي الانتخابات” يصوِّتون بدلًا عنهم. يمكن ملاحظة ذلك في مقطع فيديو يتم تداوله على الإنترنت منذ عدة أيَّام ويبدو أنَّه مصوَّر في مركز اقتراع سوري. يظهر فيه الرجل خلف صندوق الاقتراع وهو يضع علامة على المربع بجانب اسم الأسد على أوراق الاقتراع التي يضعها في مغلف ويسلمها “للناخبين” من فوق الطاولة أو يضعها هو بنفسه في صندوق الاقتراع البلاستيكي، ثم يُعيد بطاقات الهوية بعد تدوين المعلومات الشخصية.

الولاء يضمن البقاء

والناس في سوريا لم يعتادوا إلَّا على مثل هذه الانتخابات. وهم يعرفون أنَّ إظهار الولاء في دولة بوليسية يضمن لهم بقاءهم، ويمنحهم إمكانية الوصول إلى المساعدات أو الحصول على تصاريح من أجهزة المخابرات. ومن جانبهم لا يهتم الحكَّام بحقيقة أنَّ هذا الولاء مُفتعل، وما يهمهم هو ضرورة أن يلعب رعاياهم دورهم بشكل يُعتمد عليه وألَّا يُشكِّكوا في الحكم بشكل علني.

يوجد بطبيعة الحال موالون حقيقيون – فالمستفيدون من النظام وهياكله يهتفون له عن قناعة. والآخرون غير القادرين على مغادرة البلاد يتصرَّفون بدافع الخوف واليأس. وقد ترسَّخ لدى الكثيرين استنتاج مفاده أنَّ الأسد يرتكب أفعالًا مروِّعة ولكنه لن يتخلى عن السلطة، بحيث أنَّ الأفضل لهم أن يتصالحوا مع نظامه طالما لا يوجد بديل ملموس.

والهدف من ذلك هو أن تظهر نحو الخارج صورة رئيس ثابت حاصل على شرعيته من قِبَل الشعب، لا يمكن تجاوزه بعد عشر سنوات من الحرب. ولقد بدأت هذه الخطة تؤتي ثمارها في المنطقة. فقد باتت جامعة الدول العربية تفكِّر في إعادة قبول سوريا مرة أخرى في عضويتها، وذلك أيضًا حتى لا تُتْرَك سوريا للمنافسين الإقليميين إيران وتركيا.

فرز الأصوات في مركز انتخابي: في بعض مراكز الاقتراع ترك السوريون “منظِّمي الانتخابات” يصوِّتون بدلًا عنهم، مثلما تكتب كريستين هيلبيرغ. يظهر في مقطع فيديو متداول على الإنترنت -ويبدو أنَّه مصوَّر في مركز اقتراع سوري- رجلٌ خلف صندوق الاقتراع وهو يضع علامة على المربع بجانب اسم الأسد على أوراق الاقتراع التي يضعها في مغلف ويسلمها “للناخبين” من فوق الطاولة أو يضعها هو بنفسه في صندوق الاقتراع البلاستيكي. بعد عقود من حكم آل الأسد اعتاد السوريون على إثبات ولائهم بطريقة شعائرية.

لقد أعادت دولة الإمارات العربية المتَّحدة فتح بعثتها الدبلوماسية في دمشق وأرسلت عُمان سفيرًا. وكذلك تتقدَّم عملية إعادة تأهيل الأسد المدفوعة من قِبَل روسيا في أوروبا أيضًا – انتقدت كلّ من المجر وجمهورية التشيك وبلغاريا ورومانيا بشكل متزايد سياسة العزلة التي يفرضها الاتِّحاد الأوروبي على سوريا، وكذلك صنَّفت الدنماركُ دمشقَ على أنَّها آمنة وباتت تريد إعادة السوريين إليها.

الأسد مستمر في توسيع سلطته

وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ إعادة انتخاب الأسد تقوِّض عمل اللجنة الدستورية السورية في جنيف. وبعد سنوات من المفاوضات غير المجدية، كانت هذه اللجنة آخر ما تبقى من العملية السياسية التي تقودها الأمم المتَّحدة. وبحسب قرار الأمم المتَّحدة رقم 2254 كان يجب أولًا إصدار دستور جديد ومن ثم إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتَّحدة. لقد شلّ الأسدُ هذه اللجنةَ من أجل كسب الوقت – واستطاع خلال سبع سنين توطيد سلطته ولم يضطر إلى تقديم أية تنازلات.

من المنتظر أن يفوز الأسد في المرحلة التالية يوم العاشر من تموز/يوليو 2021، حيث سيقرر مجلس الأمن الدولي في شأن تمديد المساعدة عبر الحدود عن طريق آخر معبر حدودي متبقٍ بين سوريا وتركيا. لقد استخدمت روسيا حق الفيتو لإغلاق ثلاثة معابر حدودية أخرى كانت تسمح بإيصال مساعدات الأمم المتَّحدة إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام – وكانت نتيجة ذلك كارثية على المنطقة الشمال شرقية الخاضعة لإدارة الأكراد ومحافظة إدلب في الشمال الغربي، الخاضعة لسيطرة معارضي الأسد.

ومن أجل تحسين أوضاع الناس هناك، يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يعرض على نظيره الروسي فلاديمير بوتين صفقة – وفقًا لموقع المونيتور الإخباري: يبتعد الأمريكيون عن إنتاج النفط في المناطق الكردية، وهو ما ضمنته موسكو لنفسها في صفقة أبرمتها مع النظام. وفي المقابل توافق روسيا على إعادة فتح معبر اليعربية الحدودي، الذي كان يضمن حتى نهاية عام 2019 وصول الإمدادات الإنسانية عبر العراق. ومثلما ذكرت الإدارة الأمريكية الجديدة فإنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية غير معنية بالنفط بل بالناس – على العكس مما كان يدَّعيه الرئيس الأمريكي السابق ترامب.

من غير المؤكَّد إن كان فلاديمير بوتين سيقبل هذه الصفقة. لذلك هناك خوف من أن تتوقَّف جميع المساعدات عبر الحدود، وهذا يعني أنَّ جميع الإمدادات الإنسانية يجب عندئذ أن تمر عبر دمشق. وقد يمنح ذلك الأسد المزيد من التأثير لإخضاع بقية البلاد.

كريستين هيلبيرغ

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع ديرهاوبتشتاتبريف / موقع قنطرة 2021

‏‪ar.Qantara.de

—————————–

النظام يرفض تمديد آلية المساعدات الإنسانية للشمال السوري

حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من استخدام روسيا لحق النقض الفيتو ضد تمديد آلية إدخال المساعدات إلى سوريا والتي نصّ عليها قرار الأمم المتحدة رقم 2504. بينما أعلن النظام السوري رفض تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، معتبراً أن هذه الآلية تمثل “انتهاكاً للقانون الدولي ولحرمة الحدود والأراضي السورية وابتزازاً سياسياً وإنسانياً”.

وطالبت “هيومن رايتس ووتش” مجلس الأمن بتجديد الإذن لإجراء العمليات بالكامل عبر الحدود في المنطقة عبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المتبقى لإدخال المساعدات. كما طالبت بالسماح باستئناف تدفق المساعدات من العراق إلى شمال شرقي سوريا عندما تنتهي صلاحية القرار الحالي للمجلس في 10 تموز/يونيو 2021.

وقال المدير المساعد لقسم شؤون الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش جيري سيمبسون، إن “إغلاق شريان الحياة الأممي الوحيد المتبقي في شمال غربي سوريا سيعزل ملايين الناس عن المساعدات ويُفجّر كارثة إنسانية”. وأضاف أنه “ينبغي أن يتلقى سكان شمال غربي سوريا، وملايين آخرين في الشمال الشرقي، المساعدة، بما في ذلك لقاحات فيروس كورونا وإمدادات الرعاية الصحية الأساسية الأخرى، عبر جميع الطرق الممكنة”.

من جهته، استهجن وفد النظام السوري لدى الأمم المتحدة تصريحات المندوبة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد التي شددت على ضرورة تمديد آلية إدخال المساعدات وفتح معابر إضافية. ووصف الوفد في بيان، تصريحات غرينفيلد بأنها “عدائية وتندرج في إطار حملة دعائية مكشوفة تقودها بلادها وحلفاؤها من الدول الغربية لتمديد مفاعيل قرار آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود”.

وأضاف أنه “في الوقت الذي تدّعي فيه الدول الغربية الحرص على تلبية احتياجات السوريين من خلال هذه الآلية، فإنها تهدد بقطع تمويلها لأنشطة الأمم المتحدة الإنسانية في سوريا في حال عدم تمديد هذه الآلية”.

وكان مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جايك سوليفان قد أعلن أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيبحث القضايا المتعلقة بسوريا خلال القمة المزمعة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال: “ستكون سوريا على جدول الأعمال. موقفنا من قضية وصول المساعدات الإنسانية واضح جدا”. وتابع: “نعتقد أنه يجب أن يكون هناك ممرات إنسانية في سوريا لوصول المساعدات وإنقاذ الأرواح، وهذا بالتأكيد سيناقشه الرئيسان”.

وكشفت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية عن عزم بايدن الضغط على بوتين، لتقديم تنازلات بخصوص القضية السورية، خلال قمة ستعقد بينهما الأسبوع المقبل. وأضافت أن الإدارة الأميركية تعتزم الضغط على روسيا للقبول باستمرار إدخال المساعدات إلى الشمال السوري وفتح منافذ جديدة للغرض ذاته.

ويعتمد معظم سكان شمال غربي سوريا البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة، بمن فيهم ما لا يقل عن 2.6 مليون نازح، على المساعدات الإنسانية، والتي تصل حالياً عبر معبر باب الهوى. وفي كانون الثاني/ديسمبر 2020، ألغى مجلس الأمن التفويض الممنوح للأمم المتحدة باستخدام معبر اليعربية الحدودي بين العراق وشمال شرقي سوريا، ما أضعف قدرة منظمات الإغاثة على دعم نظام الرعاية الصحية المتعثر هناك والتصدي لجائحة كورونا.

————————

لماذا خنق اللاجئون السوريون أنفسهم؟/ يوسف بزي

السجناء لديهم حلم بديهي واحد: الخروج. ويتفق معظم من كتب عن “سوريا الأسد” يوماً على أن هذه البلاد سجن كبير. بل وأسوأ السجون في العالم.

حين شاعت عبارة “الوطن ليس فندقاً نغادره..” في أوساط السوريين المنتفضين على الأسد، وقد بدأت براميله بالسقوط على رؤوسهم، بدت العبارة شديدة التصنّع في الوطنية. بل إن الوطنية نفسها ظهرت وكأنها قيمة أرفع شأناً من حياة المواطنين وأمنهم وكرامتهم. كانت دعوة لتقبّل أي مصير سيء والخضوع للموت نفسه في معظم الأحيان.. فقط من أجل رفض الهجرة أو الهرب. وعلى الأرجح، كان من أطلق هذه العبارة ومن تبناها إما عديم الحساسية تجاه الأهوال التي أصابت السكان وإما بعيد جداً عن أي خطر أو تهديد، أو ربما انتحاري بأجساد الآخرين وأرواحهم.

على أي حال، ووفق أرقام العام 2018، خرج نحو 13 مليون سوري من بيوتهم، نصفهم تقريباً تحولوا إلى “نازحين” داخل سوريا، ونصفهم انتشر في دول الجوار وأوروبا. وهؤلاء يشكّلون أكثر من ستين بالمئة من مجمل سكان سوريا قبل العام 2011. وبمعنى آخر، كانت سوريا بالنسبة لهم “فندقاً” في الجحيم.

بالطبع، كانت مهزلة أعداد المقترعين في انتخابات الأسد، تدلّ أن النظام “يملك” أصواتهم حتى ولو كانوا قاطنين في آلاسكا.. أو مدفونين في مقابر جماعية.

وأظن أن المعضلة الكبيرة تبدّت هنا، أي في “تمكين” بشار الأسد من امتلاك ملايين الأصوات، ولو غشاً وتزييفاً وكذباً فاحشاً. ليس مهماً أن العالم كله، وحتى حلفاء الأسد، يعرف التزوير الشامل في أعداد المقترعين كما في الاقتراع نفسه، وأن الانتخابات كلها بدت مهانة متعمّدة للسوريين. لكن الأهم هنا هو انعدام الاعتراض الفعلي لمن هم خارج سوريا، وتخليهم شبه الطوعي عن أصواتهم.

استطاع النظام بسهولة فائقة “التشبيح” على ملايين السوريين مصادراً أصواتهم من دون أي مقاومة فعلية. لماذا وكيف؟

في لبنان مثلاً، شارك في الانتخابات خمسون ألفاً فقط من أصل مجمل السوريين المقيمين على أراضيه (وهم بحدود مليون لاجئ أو غير لاجئ). مع ذلك، ظهر أن الخمسين ألفاً هم سوريو لبنان. هم الصورة والفعل والحضور والتعبير. أما مئات الآلاف فتحولوا إلى أشباح.. بلا صوت.

هذا المشهد يعبّر باختزال مرعب معنى السلطة الأسدية والعلاقة معها. لكنه يعبّر أيضاً لا عن هزيمة الثورة وحسب، بل عن اضمحلال السياسة في سوريا. “انتصار” الأسد هو هنا: موت المعارضة.

يقول ياسين الحاج صالح في كتابه الأخير، “الفظيع وتمثيله” (دار الجديد): يُظهر العقد الفائت أنه ليس هناك سياسة في ما يُظن أنها السياسة في سوريا (وربما في نطاق أوسع حولها). بقدر كبير تنحلُّ السياسة المتعارف عليها في التعذيب والحرب التعذيبيّة من طرف الحكم الأسديّ وحُماته، وفي الدين وأهله و”الجهاد” (وهو تعذيب وتغييب، وليس حربًا فقط) عند الإسلاميين، وفي خنق الذات وأشباه الذات عند المعارضة التقليديّة.

“خنق الذات” حدث على نطاق يشمل ملايين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا وسائر أصقاع العالم. وهذا بتقديري أشد “الفظاعات” التي أصاب بها الأسد خصومه.

ببساطة، كان يمكن خارج سوريا تنظيم انتخابات مضادة بالتوقيت نفسه، والاقتراع لكلمة “حرية”، أو “سوريا” مثلاً، تشمل بلاد اللجوء، وتحت إشراف كل من يرغب من جمعيات ومؤسسات دولية. كان يمكن وضع الصناديق على مبعدة أمتار من سفارات النظام. وكان يمكن ابتكار الكثير من المبادرات.. وصولاً إلى العنيفة منها، ولو إلقاء حجر على زجاج سفارة.

لا يتعلق الأمر فقط بحادثة الانتخابات، إنما بحقيقة خنق الذات صوتاً وجسماً وإسماً وهوية وسياسة. فاليوم، بعد عشر سنوات على الحرب والتهجير الكبير، تبدو الثورة (للأسف) وكأنها كانت ذريعة للخروج من السجن الكبير.. هروب وحسب. اقتلاع ذاتي وتخلٍّ بوصفهما شرط النجاة الوحيد. هذا ما تحاشاه الفلسطينيون لأكثر من 73 عاماً. وهذا ما يحتاج إلى نقاش آخر، في التشابه والاختلاف بين الاحتلال الأسدي والاحتلال الإسرائيلي.

المدن

——————————-

الأسد.. الانتصار بين الوهم والحقيقة/ مصلح مصلح

في خطاب النصر الذي ألقاه الأسد بمناسبة إعادة تنصيبه ملكًا على “إمارة العائلة” التي ورثها عن السيد الوالد، يلمس المراقب حرصًا مرضيًا لدى الرجل على تغنيه بالنصر أضعاف مضاعفة على تغنيه بالبطولة التي قادت إليه. ذلك أن الإشادة بالبطولة على الرغم ما فيها من مكابدة وشقاء وتضحية، تضطر صاحبها للإشادة بمعسكر الأصدقاء، وتلزمه بتقاسم النصر أو الإنجاز المتحقق بين عدد كبير من المساهمين المستحقين، الأمر الذي يجعلها متعارضة مع فكرة المستبد عن النصر، الذي يصر على التعامل معه بوصفه إنجازًا خاصًا به وحده، أو امتدادًا لذاته الكبرى التي لا تقبل تقاسم الحقائق العظيمة وحقائق الخلق والفعل مع غيرها من الذوات الأخرى.

منذ أن نجح حافظ الأسد بتأسيس نظام حكمه العائلي، وهو يحرص على ربطه بالنصر، أو على نحو أدق بالتغلب، ذلك أن التأسيس ذاته ما هو إلا سلسلة طويلة من إخضاع المحكومين وتحويلهم إلى رعايا أو مهزومين، الأمر الذي يظهر الحرب أو القمع الشامل مكونًا جوهريًا من مكونات حكم العائلة الحاكمة، حيث إن أي تراخٍ في قبضتها لا يعني في وعيها سوى استبدال الهزيمة بالنصر، بكل ما يعنيه ذلك من خسارة لفردوسه الأعلى “إمارة العائلة”، التي لا يمكن التنازل عن أحقية حكمها أو تملكها إلّا بالنزال والمقارعة. من هنا فإن احتفال الأسد بالانتصار لم يعنِ له سوى شيء واحد؛ استمراره في حكم البلد، وبالتالي هزيمة المشاريع التي راهنت على زوال حكمه أثر القرار الأممي 2254، المتضمن إمكانية زعزعة وجوده الكوني القائم في أعماق حكمه الاستبدادي الذي يرعاه بكل جارحة من جوارحه.

لا يأتي بشار إلى النصر ليحتفل بقدرته على الإفلات من مكر التاريخ، الذي حكم على المستبدين بالزوال، بقدر ما يأتي وفي ذهنه شيء آخر عنوانه الانتقام من صنّاعه، وهم في حالتنا هذه الناس العاديون. لذا نراه لا يترك مناسبة تذكر إلا وقد استغلها للحط من شأن وقيمة خصومه عبر إصراره لتنسيبهم إلى المسوخ، سواء تلك التي تنتمي لعوالم الدرك الأسفل السفلي كالجراثيم والطفيليات، أو إلى عوالم العالم الخرافي حيث يتبدى المعارضون أو المحتجون لسياسته، على شكل كائنات أسطورية تحمل في داخلها بذور الدمار للحضارة والاجتماع الإنسانيين، وما كل ذلك سوى رغبته العارمة في تهيئة الأجواء النفسية للعمل على إبادتهم، وإزالتهم من الوجود العياني دون وازع من ضمير أو التزام أخلاقي.

في إطار سعيه المحموم لشيطنة خصومه وتحقيرهم، ينحدر الأسد دون أن يدري إلى مصاف صانعي الانتصارات التافهة، إذ كيف يمكن لرجل عظيم مثله أن يدعي الانتصار الإلهي، فيما لا يتعدى الطابع الوجودي لخصومه طابع الكائنات المجهرية أو المسوخ. وهو الأمر الذي لن يجد له حلًا إلا بتحويل في وضعيات أولئك الخصوم، من كونهم خصومًا فعليين يتمتعون بإرادة حرة إلى مجرد أدوات في آلة شر عظمية، سيحرص على تنسيبها للكوني، كي تليق بعظمة نصره المزعوم.

يجادل البعض أن الأسد في ترسيمه لنفسه ملكًا لسبع سنوات تالية قد حقّق نصرًا مؤزرًا على خصومه اللدودين، لم يمنعه من رفعه إلى مستوى النصر الإلهي، الذي يليق بالمصلحين الكبار أو الأنبياء العظام على النحو الذي تختزله عبارة الصفح النبوية “من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن”، سوى عجزه في القدرة على التسامح مع خصومه، الذي ما أن رآهم في وضعية الهزيمة تلك حتى زينت له نفسه الأمارة بالسوء الهجوم عليهم من باب الثيران والعلف والخوار، الأمر الذي يدفع المرء للتساؤل عن حقيقة الانتصار، الذي يمكن للمستبد أن ينهض به في حالة نجاحه في إعادة ترسيمه نفسه حاكمًا مطلقًا من جديد.

إن القول بانتصار بشار الأسد نوع من العبث، ذلك أن فكرة الانتصار في الصراعات السياسية التي تدور حول الحقوق الفردية للمحكومين لا يمكن أن تفهم إلا ضمن علاقتها بالحرية، أو في مدى قرب الناس أو بعدهم عن حقوقهم كمواطنين كاملي الأهلية. أما التعامل مع الغلبة التي حققها بشار الأسد على شعبه، بلغة الانتصار، إنما هو افتتاء على الحقيقية، فشتان بين إعادة تثبيت المستبد لنفسه حاكمًا أوحدَ مطلق الصلاحيات، وبين النصر الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها، ويجعل من الحاكم مجرد عضو في مؤسسة حديثة هي الدولة.  

يحق لبشار الأسد أن يزهو بانتصاراته، وبقدرته على إعادة تنصيب نفسه ملكًا لسبع سنوات قادمة، إلا أنه من المبالغة القول إنه قد ربح الحرب، ذلك أن رِبْح الحرب وبغض النظر عن عدالتها أو افتقارها إلى الحق، يتعلق أول ما يتعلق بقدرة المنتصر على إعادة ما دمرته الحرب، كما قدرته على إدارة الموارد المتبقية لديه بفعالية وكفاءة  كي يضمن الحد الأدنى من المستوى المعيشي لمحكوميه في الفترة القادمة. فما الذي تبقى لدى الأسد المنتصر من موارد ليدير بها شؤون الناس التي شاءت الظروف أن يقعوا تحت قبضته، في حين تشير كل التوقعات إلى انحدار البلاد إلى مستوى المجاعة، التي يعجز فيها الناس من الحصول على حصتهم من الخبز إلا عن طريق البطاقة الذكية، وعلى حصتهم من الزيت إلا عبر القليل من الغرامات.

يستطيع بشار أن يفاخر بالنصر ويطلق عقيرته تجاه خصومه بالسباب والشتائم كيفما شاء، إلا أنه لن يستطيع الهروب من حقيقته، تحوله من رئيس “إمارة عائلية” إلى مجرم حرب، مدان بـ 900  ألف وثيقة وآلاف صور التعذيب تحت الموت وركام القرى والبلدات والمدن. كما يستطيع التفاخر بوضعيته كمستبد لا يفعل شيئًا سوى معاينة مشاعر المحكومين، وأحاسيسهم بالدونية والتعاسة، ومن ثم تثمير كل ذلك الخراب ليدعم به سياسته العدوانية المنفلته من كل عقل ومنطق وحكمة.

————————–

هل تسفر قمّة بوتين وبايدن عن إبرام صفقة حول سوريا؟

تتوجّه الأنظار صوب القمة المرتقبة للرئيسين الأمريكي والروسي الأسبوع المقبل في مدينة جنيف السويسرية، وانصب اهتمام المتابعين على ما يمكن أن يقرره الرئيسان بشأن القضية السورية. في هذا الصدد اعتبر مقال نشره موقع فورين بوليسي أن واشنطن وحدها تستطيع توجيه الصراع السوري نحو الحل، إذا عززت المحادثات الثنائية مع موسكو، كما اعتبر  ذات المقال أن القمة المزمع عقدها بين الرئيسين “تمثل الظرف الأمثل لواشنطن لإبرام صفقة بشأن سوريا”.

واعتبرت كاتبة المقال، لينا الخطيب مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاتام هاوس، أن “موافقة بايدن على عقد القمة يمثل استجابة لغرور روسيا، واعترافًا بمكانتها الاستراتيجية عقب تدخلها لدعم النظام السوري 2015، وهو أمر يمكن أن يمهد الطريق للانخراط الأمريكي الروسي في سوريا بما يتجاوز المحادثات على المستوى الوزاري التي كانت تجري خلف الأبواب المغلقة”.

وبالرغم من الخلافات الحادة بين موسكو وواشنطن، رجّح المقال، احتمال تسوية أمريكية روسية بشأن الملف السوري، ولتحقيق ذلك، يجب على الولايات المتحدة، حسب الكاتبة “اتباع نهج العصا والجزرة الذي يستفيد من نقاط ضعف روسيا، وكذلك على الرغبات الروسية التي لا تضر بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة”.

وردّ المقال أسباب عدم أخذ روسيا لعملية السلام في سوريا التي تقودها الأمم المتحدة على محمل الجد إلى عدم وجود ضغط سياسي أو عسكري كبير على روسيا لإجبارها على تقديم تنازلات. ولذلك ظلت موسكو تواصل المماطلات لأن هدف الكرملين هو دفع المجتمع الدولي في نهاية المطاف إلى قبول الأسد بحكم الأمر الواقع وتطبيع العلاقات مع نظامه.

كما اعتبر مقال فورين بوليسي بأن  فك الارتباط الدبلوماسي الغربي عن سوريا ساعد روسيا على مدى العقد الماضي في مواصلة نهج الممطالة، لكن كاتبة المقال عادت لتقول بأن بإمكان إدارة بايدن تغيير هذا الوضع الراهن، معتقدة أنه من المرجح أن تقبل روسيا بالتضحية برئاسة الأسد، ولكن فقط مقابل الحفاظ على درجة من النفوذ لنفسها في سوريا. وأنه بمجرد اتفاق واشنطن وموسكو على مكونات هذا الحل الوسط، يجب إعادة صياغة عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة لتصبح آلية لتنفيذ اتفاق السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا.

وأضافت الكاتبة أنه “يجب أن تستند أي صفقة من هذا القبيل إلى دعم تشكيل بديل سياسي وعسكري واقتصادي شرعي لنظام الأسد”، وأن هذا الأمر “يستلزم قبول روسيا تشكيل حكومة انتقالية في سوريا تتألف من عناصر من النظام الحالي – لكن من خارج عائلة الأسد – وعناصر من مجموعات معارضة مختلفة والمجتمع المدني. بعبارة أخرى، ستكون نتيجة الصفقة الأمريكية الروسية هي تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254”.

—————————–

الأسد صديق للعالم العربي من جديد/ أنكال فوهرا

ترجمة أحمد عيشة

أعداء سورية السابقون يرحّبون بعودتها بعد عشرة أعوام من الحرب ومعارضة عودتها

التصويت في سورية ليس سرّيًا ولا مُصانًا. في 26 أيار/ مايو الماضي، أجرى النظام وجوقته انتخابات، ولم يكن هناك أدنى شك في عودة الأسد إلى الكرسيّ؛ فالأسد سيفوز بفترة رئاسية رابعة، ولذلك لم تكن النتيجة موضع تفكير واهتمام من أحد في البلد.

محمد من حيّ الميدان بدمشق قال عن تلك الانتخابات “إنها مهزلة”. وأحمد، وهو محامٍ سوريّ فرّ من دير الزور إلى السويد، وصفها بأنها “انتخابات مزيّفة”، بعيدة عن الشرعية في غياب المراقبين الدوليين. أما يارا، وهي سيدة سورية علويّة سعت إلى اللجوء في إيطاليا، فقد وصفتها بأنها “مسرح دمى”، والأسد يتحكم في كل الخيوط. هؤلاء الثلاثة طلبوا أن يُذكر حديثهم تحت أسماء مستعارة، خوفًا من انتقام النظام ومن الذراع الطويلة لأجهزته الأمنية.

طوال الأعوام العشرة، استخدم الأسد القوة الغاشمة لإخماد انتفاضة بدأت بالدعوات إلى الحرية والديمقراطية. إن أولئك الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام مشغولون الآن بكيفية شراء الخبز، وإطعام أسرهم، والنجاة من الانهيار الاقتصادي الذي تفاقم على مدى العام الماضي. وهؤلاء الذين فرّوا منذ ذلك الحين من سورية يسارعون للاندماج في البلدان المضيفة، للحد من فرص ترحيلهم. لقد تخلى السوريون في كل مكان عن الأمل في أن الديمقراطية تشكّل احتمالًا ممكنًا ضمن المدى قصير الأمد لبلادهم، أو أنهم سوف يتخلصون قريبًا من رئيس أثبت استعداده لتحويل جزء كبير من بلاده إلى أنقاض مقابل مجرد البقاء في السلطة.

وفي الوقت نفسه، كان الأسد يبتسم وهو يدلي بصوته في دُوما، بالقرب من دمشق. وبالرغم من غياب أي توقعات وآمال لدى السوريين بإجراء الانتخابات، فقد استخدم الأسد في الحملة الانتخابية شعار “الأمل بالعمل”، للإشارة إلى تحوّل نظامه في التركيز من الحرب إلى إعادة الإعمار. ومن خلال إجراء الانتخابات، حاول أن يظهر للعالم أن المؤسسات السورية تعمل بشكل جيد، وأن البلد الذي يستطيع إجراء انتخابات آمنة هو أيضًا مكانٌ آمن للاجئين ليعودوا إليه.

إنها بطبيعة الحال تمثيلية، ومع ذلك يبدو أن البلدان العربية متعاطفة معها، وخاصة في الخليج. بل إن أصدقاء سورية العرب بدؤوا الآن، بعدما عززت الانتخابات قبضة الأسد على السلطة، في الضغط في الولايات المتحدة من أجل تخفيف العقوبات التي تفرضها على نظامه. إن عزلة الأسد تنتهي بالفعل في العالم العربي؛ والسؤال الحاضر: هل ستسير أماكن أخرى على خطى ذلك التقارب؟

إلى أعوام قليلة مضت، كان الأسد لا يزال شخصية غير مرغوبة (persona non grata) في العالم العربي. الآن يُعاد تأهيله بالكامل تقريبًا. ويبدو أن عودة النظام، كعضو يتمتع بمكانة جيّدة في جامعة الدول العربية التي علّقت عضوية سورية في عام 2011، هي مسألة وقت، وكان لبنان والعراق والجزائر والسودان دائمًا من الأنظمة المؤيدة لعودتها، وسعوا إلى إلغاء الحظر المفروض. ولكن خصوم سورية السابقين، الذين تجمعوا في وقت ما ضد الأسد، أصبحوا الآن يعاملونه أيضًا كحليف ضد طموحات الدول غير العربية في المنطقة: تركيا وإيران.

وقد توطّدت العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة ومصر وسورية؛ فالإمارات العربية المتحدة فتحت أبواب سفارتها في دمشق العام الماضي. وكانت تقدّم الملاذ للنُخب السورية، ومنهم رجال أعمال كبار وأفراد من أسرة الأسد، حتى أثناء الحرب في سورية، كما قدّمت المساعدة للمتمردين، ولكنها ابتعدت بوضوح عن توفير الأسلحة. ومع دعم روسيا للنظام عسكريًا، وتراجع الولايات المتحدة عن المنطقة، بما يضمن بقاء الأسد، رأى الإماراتيون في النظام عنصرًا مفيدًا في تحالف معادٍ لتركيا وللإخوان المسلمين. نيكولاس هيراس، وهو محلل بارز في معهد نيولاينز، قال إن “الدول العربية التي تشعر بالقلق من أن يصبح سكانها مستائين، وأن يتحولوا إلى معارضة مسلحة ضدهم، هي الآن مهتمة بتعلّم الاستبداد من نظام الأسد.

ومن ناحية أخرى، قدّمت المملكة العربية السعودية مبادرات لإغراء الأسد بالابتعاد عن شراكته الاستراتيجية مع إيران. كما وجدت الدول العربية قضية مشتركة مع الأسد في التعامل مع الإسلاميين السياسيين المتمثلين في جماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة موجودة في عموم البلدان العربية نظمت كثيرًا من المعارضة ضد النظام الحاكم، وتشكل التهديد الأكثر فتكًا لاستمرار عدد من ممالك الخليج. ويأمل أصدقاء سورية العرب أن يتضافروا، من أجل الحد من نفوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان مؤيدًا لجماعة الإخوان المسلمين، تاريخيًا.

ويريد السعوديون والإماراتيون أن يدفعوا ثمن إعادة إعمار سورية، وأن يسعوا إلى التعاون الاستخباراتي مع الأجهزة الأمنية السورية لاحتواء الإسلاميين السياسيين المحليين، فضلًا عن استخدام المساعدات المالية كقوة دفع لاحتواء أثر إيران في الأراضي العربية. سامي حمدي، وهو خبير استشاري في مجال المخاطر الجيوسياسية في المملكة المتحدة، قال إن الأسد يشعر بالإحباط بالفعل إزاء تقويض إرادته من قِبَل موسكو، ومن طهران. وسيفسح له مزيد من الحلفاء مجالًا للتلاعب ضد بعضهم البعض. وقال حمدي: “إن محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بدأ يتبنى بشكل متزايد خطابًا قوميًا عربيًا، ويعتقد أنه قد يكون من الممكن قطع الروابط بين إيران وحلفائها العرب، من خلال مناشدته للقواسم العرقية العربية المشتركة. وقد أدى توسع تركيا أيضًا إلى تغيير أولويات دول الخليج، وجعل الأسد رصيدًا محتملًا”.

ربما كان الانفراج السياسي بين سورية ومنافسيها العرب السابقين قد بدأ منذ فترة طويلة. في عام 2017، وفي زيارة إلى سورية، أخبرني كثيرٌ من المسؤولين السوريين أن “أشقاءهم العرب” سيدفعون الملايين اللازمة لإعادة الإعمار. وقد أثارت تلك الأخبار غضبي آنذاك، حيث كانت بعض الجماعات المدعومة من السعودية لا تزال تحارب النظام في المناطق القريبة من دمشق. بعد عام، أخبرتني مصادر لبنانية مقربة من النظام السوري أن السعوديين بدؤوا التعاون الاستخباراتي مع الأسد. كان من السابق لأوانه أن نصدّقهم، والآن قد بدأ التعاون. وفي أوائل الشهر الماضي، أشار اجتماع بين رئيس مديرية الاستخبارات العامة في المملكة العربية السعودية الفريق خالد الحميدان، ونظيره السوري اللواء علي مملوك، إلى مثل هذا التقارب. قطَر هي الدولة العربية الوحيدة التي تصمد بموقفها ضد الأسد، ولكن الخبراء يقولون إن الدوحة أيضًا تدرك أنه لا يمكن كسب الكثير بمقاومة ما لا مفرّ منه، على الرغم من أن قطر تحافظ رسميًا على عدم موافقتها.

قد ينتهي نبذ الأسد في العالم العربي، ولكن هذا لن يترجَم بالضرورة إلى تمويل لإعادة الإعمار. كان لدى السعوديين والإماراتيين نفوذ على دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق، لكنهم اليوم يكافحون من أجل الحفاظ على علاقة جيدة مع خليفته جو بايدن.

جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لتحليلات دول الخليج، وهو خبيرٌ استشاري جيوسياسي في واشنطن، قال إنه لا يعتقد أن إدارة بايدن سوف تعاقب الحكومات العربية لقبولها عودة سورية مجددًا إلى الجامعة العربية. لكنه أضاف أنه لا يعتقد أيضًا أن بايدن سوف يرفع العقوبات المفروضة بموجب قانون القيصر ويسمح بالاستثمار في سورية. وقال: “نتيجة لهذه العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على دمشق، أعتقد أن إيران ستكون في وضع قوي يسمح لها باستغلال الوضع وزيادة توطيد نفوذها في سورية. هذا سبب أساسي لعدم سعادة بعض دول مجلس التعاون الخليجي باستمرار إدارة بايدن في فرض هذه العقوبات التي أقرتها إدارة ترامب على دمشق”.

يزعم عدد يتزايد من المراقبين في واشنطن أن إدارة بايدن، بما أنها حريصة على توجيه تركيزها نحو آسيا والقيام بأقل قدر ممكن من العمل في الشرق الأوسط، قررت تسليم أغلب عمليات صنع القرار إلى الجهات الفاعلة الإقليمية، ما دامت قادرة على تأمين مصالحها. وأضاف حمدي: “لقد توصلت الولايات المتحدة بالفعل إلى حقيقة مفادها أنه لا توجد طرق قابلة للتطبيق لإطاحة نظام الأسد، وهي الآن تستكشف جدوى خلق نموذج العراق، وإمكانية استمراريته، حيث يمنَح فيه الأكراد الحكم الذاتي، ويعملون كقوة مؤثرة لصالح الولايات المتحدة على السياسة في دمشق، بالطريقة التي تعمل بها كردستان العراق كعامل نفوذ للولايات المتحدة على بغداد”.

والواقع أن الانتخابات التي أجريت في سورية المقسَمة أظهرت أن الأسد قد يوافق على الوضع الراهن، وهو انقسام بين ثلاث جهات، إذا كان ذلك ينهي وضعه المنبوذ. وفي النهاية، وكما فضّل الغرب الاستقرار على الديمقراطية، ومنحه الأولوية في دول عربية أخرى، فإن الأسد وحلفاءه يأملون في أن تنظر الولايات المتحدة إلى الاتجاه الآخر، بينما يعيدون بناء الدولة التي مزقتها الحرب. وليس من الواضح حتى الآن موقف إدارة بايدن: هل ستنظر في نهج تدريجي لتخفيف العقوبات في مقابل الإصلاح أم لا. وفي كلتا الحالتين، فإن الدول العربية المستغرَقَة في مخاوفها الأمنية ورعاية تطلعاتها الإقليمية لديها أسبابها الخاصة لمواصلة الوقوف إلى جانب الأسد.

اسم المقال الأصلي         Assad Is Friends With the Arab World Again

الكاتب   أنكال فوهرا، Anchal Vohra

مكان النشر وتاريخه          فورين بوليسي، FP، 1/6/2021

رابط المقال         https://bit.ly/2T6tJg5

عدد الكلمات       1293

ترجمة   وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

الكاتب editor Hossein

—————————

المأساة المنسيّة للمسيحيين السوريين…هل الأسد حقاً حامي الأقلية؟ / نورا عامر

في ظل التهديد الذي يشكله الكثير من الجماعات الإرهابية المتطرفة في سوريا، دأب الرئيس السوري بشار الأسد على تصوير نفسه على أنَّه “حامي المسيحيين” في الشرق.

وفي وقت يستأثر تعرض المسيحيين في العراق المجاور للخطر باهتمام دولي واسع، تقول الكاتبة هولي ماكاي في مجلة “الناشيونال إنترست” إنَّ أحداً لم يلق الضوء على تراجع عدد المسيحيين في سوريا.

وفي أواخر ستينات القرن العشرين، كان المسيحيون يشكلون حوالي 30 في المئة من السكان. ومع اندلاع الحرب السورية التي استمرت10  سنوات، تراجع عددهم إلى 10 في المئة. وبالتالي، انخفض عدد المسيحيين من 2,2 مليون قبل الحرب، إلى أقل من 677 ألفاً اليوم، وفقاً لمنظمة “أبواب مفتوحة”.

وشدد المنشقّ أيمن عبد النور، رئيس منظمة “مسيحيون سوريون من أجل السلام” على “أنَّ النظام ليس حامياً للأقلية، بل يستخدم هذه الورقة لمساومة الغرب والتلاعب به والحصول على مساعدات”، مضيفاً أنَّ الكثير من المسيحيين أيَّد الأسد في بداية الحرب، إلا أنَّه تراجع بعد أربع أو خمس سنوات، إدراكاً منه أن النظام لن يوفر له الحماية.

ومع ذلك، تمنح النصوص الدينية سوريا مكانة خاصة، إذ اعتنق القديس بولس المسيحية في طريقه إلى دمشق. إلا أنَّ هذا التاريخ بات مهدداً، وبعدما اعتبرت الكنائس القديمة ملاذاً من الاضطرابات، استهدفتها تفجيرات مدمّرة عرّضت وجودها للخطر.

والشهر الماضي، أعلن الأسد نفسه فائزاً بولاية رئاسية رابعة، على خطى والده الرئيس السابق حافظ الأسد، الذي ترأس الدولة لحوالي ثلاثين سنة. ودفع “نصره” الموالين، ومنهم المنتمون إلى طائفة الروم الأرثوذكس، إلى الشوارع للاحتفال.

وفي المقابل، شعر المسيحيون الذين فروا من الحرب بأمل ضئيل في العودة إلى وطنهم عن قريب. ومع ذلك، ظهرت خلال فترة ولاية الأسد ولاءات معقدة للمسيحيين، نظراً إلى أن دمشق لطالما افتخرت بأنها حامية للأقلية المسيحية.

وعزز الأسد موقفه العلني كمدافع عن المسيحيين، استناداً إلى فكرة أنه ينتمي بدوره إلى الطائفة العلوية التي تمثل أقلية، إذ إنَّها تشكل حوالي 17 في المئة من السكان، مقابل حوالي 74 في المئة من السنة.

وأشارت المجلة الأميركية إلى أنَّ الأسد، من خلال إلقاء الضوء على التهديد الذي يمثله الكثير من الجماعات الإرهابية المتطرفة في سوريا، يحاول تصوير نفسه على أنه حامي المجتمع المسيحي. وتفاقم هذا الموقف مع صعود تنظيم “داعش” في مساحات شاسعة من البلاد منذ عام 2014. إلى ذلك، عززت روسيا الحليفة دورها كحامية مزعومة للمسيحية.

وأوضحت كلير إيفانز، المديرة الإقليمية في منظمة “قلق مسيحي دولي”، أنَّ الكثير من المسيحيين السوريين يدعم الأسد، معتقدين أنَّه الخيار الأكثر أماناً، وأنَّ البديل الإسلامي يزيد الوضع سوءاً، مضيفة أنَّ آخرين يجدون أن النظام يعد بحماية كاذبة.

 ومع ذلك، يسعى الناشطون السوريون المدافعون عن حقوق الإنسان إلى إلقاء الضوء على انقلاب حياة الغالبية العظمى من المسيحيين رأساً على عقب بسبب نظام الأسد، لا الجماعات الإرهابية.

وذكر تقرير صادر عام 2019 عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان بعنوان “استهداف أماكن العبادة المسيحية في سوريا يشكل تهديداً للتراث العالمي”، أنَّ الحكومة تتحمل مسؤولية 61 في المئة من الهجمات على أماكن العبادة المسيحية في سوريا.

ووثّق حوالي 124 هجوماً على دور عبادة مسيحية نفذته الجهات الرئيسية في سوريا بين آذار (مارس) 2011 وأيلول (سبتمبر) 2019، 75 منها كانت على يد قوات النظام السوري، وعشرة على يد “داعش”، في وقت تتحمل “هيئة تحرير الشام” مسؤولة هجومين آخرين.

وأكد التقرير أنَّ ترسانة الأسلحة التابعة لقوات النظام أحدثت أكبر الأضرار بالمباني والمحتويات، مقارنة بالفصائل المسلحة الأخرى. وأشار إلى أن “استهداف دور العبادة يعتبر شكلاً من أشكال الترهيب ضد الأقلية المسيحية في سوريا ووسيلة لتهجيرها”، مؤكداً أنَّ السلطات غير مبالية بالأضرار التي طاولت البلاد، وتاريخ الأمة والتراث الحضاري الذي يعود إلى آلاف السنين.

وأعلن مدافعون آخرون عن حقوق الإنسان أنَّ المسيحيين، كغيرهم من المواطنين الذين يثيرون انزعاج الحكومة، يتعرضون بانتظام للسجن التعسفي والاختفاء وغيرهما من التهديدات.

وجاءت الظروف غير المستقرة في  شمال  شرق البلاد بين الأكراد والأتراك لتزيد من محنة السوريين. إلى ذلك، أدى الاقتصاد المتدهور والفقر الناتج من تفشي جائحة كورونا وفرض العقوبات الأميركية الخانقة إلى تفاقم الأزمة وتهجير المواطنين، ولا سيما المسيحيين منهم، لأن الأقليات تبقى الفئات الأكثر هشاشة في الأزمات.

النهار العربي

——————————-

الوتيرة البطيئة وغير المؤكدة للتقارب السعودي السوري/ صموئيل راماني

حتى لو عمد الجانبان في النهاية إلى تطبيع العلاقات ، فإن دمشق تواجه صراعًا شاقًا للعودة إلى جامعة الدول العربية.

وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني (وسط) يحضر مؤتمرا سياحيا في العاصمة السعودية الرياض ، في 26 مايو 2021 ، على الرغم من العلاقات المتوترة بين البلدين. – فايز نور الدين / وكالة فرانس برس عبر غيتي إيماجز

في 26 مايو ، أصبح وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني أول مسؤول حكومي سوري يزور المملكة العربية السعودية منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011. وأثارت رحلة مارتيني التكهنات حول تطبيع بين الرياض ودمشق ، حيث تزامنت مع سلسلة من التطورات الإيجابية في العلاقات السورية السعودية. في 3 مايو ، التقى رئيس المخابرات السعودية الفريق خالد حميدان بنظيره السوري علي مملوك في دمشق. بعد ساعات من وصول مارتيني إلى الرياض ، أعربت بثينة شعبان ، المستشارة البارزة للرئيس السوري بشار الأسد ، عن تفاؤلها بشأن انفراج سريع في محادثات التطبيع السورية السعودية. 

على الرغم من هذه التطورات ، هناك أسباب للشك في إحياء سريع للعلاقات. منذ أن أقر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان  في مقابلة أجريت معه في آذار / مارس 2018 أن “بشار باقٍ” ، كانت هناك محاولات فاشلة متكررة لتسهيل التطبيع بين سوريا والمملكة العربية السعودية.  شهدت إحدى هذه المحاولات في عام 2018 عرض المملكة العربية السعودية استثمارات لإعادة الإعمار لسوريا إذا انفصل الأسد عن إيران وحزب الله. إن عدم استعداد المملكة العربية السعودية لمحاكاة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ، اللتين أعادت فتح سفارتيهما في دمشق في ديسمبر 2018 ، يؤكد على الطريق الشاق نحو التقارب بين الرياض ودمشق.

في حين أن الأحداث الأخيرة قد تكون أكثر من مجرد فجر كاذب ، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو إعادة تدريجي للعلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وسوريا. قال معلق سعودي على صلة وثيقة بالعائلة الحاكمة للمونيتور إن التطبيع السريع بين السعودية وسوريا غير مرجح بسبب المشاعر المعادية للأسد في المملكة. وأشار المعلق إلى أن هذه المشاعر تعود إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في عام 2005 واشتدت بسبب التغطية الإعلامية السعودية للصراع السوري ، “التي غطت على نطاق واسع فظائع الأسد وصورت النظام العلوي على أنه مرتد”. جادل المعلق بأن الإمارات يمكن أن تتجاهل المشاعر المعادية للأسد بسهولة أكبر من السعودية ، حيث يتكون سكان الإمارات في الغالب من رعايا أجانب غير عرب.

ردد هارون الأسود ، الصحفي السوري المقيم في تركيا ، هذه الآراء في مقابلة مع المونيتور. وتوقع أسود أن “العلاقات بين الرياض ودمشق لن تعود فجأة” لكنه قال إن سلسلة الإشاعات والتسريبات “ستمهد الطريق لعودة العلاقات تدريجياً بين البلدين دون إحداث صدمة للرأي العام”. أسود واثق من أن تطبيع السعودية مع سوريا سيمضي قدماً في نهاية المطاف لأن “المعارضة السورية أثبتت فشلها” ولا تستطيع الرياض “الاستثمار في المتمردين الذين يعملون كمرتزقة في ليبيا وأذربيجان بدلاً من مواجهة التوسع الإيراني في سوريا”.

حتى لو قامت الرياض ودمشق في نهاية المطاف بتطبيع العلاقات ، فإن سوريا تواجه صراعًا شاقًا للعودة إلى جامعة الدول العربية ومن غير المرجح أن تتلقى استثمارات سعودية في إعادة الإعمار.

جادلت مصر والإمارات مرارًا وتكرارًا بأن تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية قد ألحق ضرراً أكثر مما ينفع. وتتفق الدول العربية التي ظلت على اتصال دائم مع دمشق ، مثل العراق والجزائر وعمان ، مع هذا الرأي. قد يعزز دخول المملكة العربية السعودية إلى الكتلة المؤيدة للانخراط قبول الأسد في المنطقة ، لكن من غير المرجح أن يغير مواقف قطر والكويت.

في 12 مارس ، قال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن أسباب  طرد الأسد من جامعة الدول العربية لا تزال قائمة ، وفي 30 مايو  أكد أن  قطر ليس لديها خطط للتطبيع مع سوريا. أصرت الكويت في 2018 على أنها لن تعيد فتح سفارتها في دمشق ما لم تمنحها الجامعة العربية الضوء الأخضر. جهود الكويت لجمع التبرعات للمساعدات الإنسانية لسوريا تزيد من تعقيد قدرتها على احتضان نظام الأسد.

قد يؤدي إعادة انتخاب بشار الأسد لولاية أخرى مدتها سبع سنوات إلى إضعاف مواقف قطر والكويت بمرور الوقت ، لكن ليس هناك ما يضمن أن أعضاء جامعة الدول العربية سوف يتحدون حول إعادة الأسد.

آفاق الاستثمار السعودي في سوريا ضئيلة بنفس القدر. تشكل عقوبات قانون قيصر لحماية المدنيين عقبة رئيسية أمام الاستثمار السعودي في سوريا. انتقد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد علانية هذه العقوبات لأنها تقيد مشاركة القطاع الخاص في إعادة إعمار سوريا. ومع ذلك ، رفضت الولايات المتحدة  انتقادات أبو ظبي وأصرت على أن عقوبات قانون قيصر يجب أن تظل سارية حتى يتم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في سوريا. بسبب عدم شعبية محمد بن سلمان في الكونغرس الأمريكي والعلاقة الفاترة مع إدارة بايدن ، من غير المرجح أن تكون المملكة العربية السعودية أكثر نجاحًا من الإمارات العربية المتحدة في تغيير رأي الولايات المتحدة بشأن قانون قيصر. 

حتى لو أدى اختراق غير متوقع في المفاوضات الدستورية السورية إلى قيام الولايات المتحدة بإعادة النظر في عقوباتها على دمشق ، فإن المملكة العربية السعودية وسوريا تشعران بالقلق من عواقب التعاون الاقتصادي. كما تشعر المملكة العربية السعودية بالقلق من أن الاستثمارات في الاقتصاد السوري ستوفر عن غير قصد فوائد مادية لإيران. قال بسام بربندي ، دبلوماسي سوري سابق ، لـ “المونيتور” إن المملكة العربية السعودية حاولت سابقًا مواجهة النفوذ الإيراني في لبنان والعراق “من خلال دعم القادة السياسيين المعتدلين من الشيعة والسنة وفشلت”. وقال برابندي إنه يعتقد أن الدعم السعودي للأسد “سيمكن إيران بالمجان”.

ينظر المسؤولون السوريون إلى المملكة العربية السعودية بارتياب شديد ومن غير المرجح أن يقبلوا الاستثمارات السعودية إذا أضعفت التحالف السوري الإيراني. قال السفير الروسي السابق لدى المملكة العربية السعودية ، أندريه باكلانوف ، الذي تعامل مع الأسد خلال المراحل الأولى من الحرب الأهلية ، لـ “المونيتور”: “يشعر الكثير من الناس في سوريا بالإهانة من الموقف الغادر للرياض” ، مضيفًا “لن يسهل على السعودية استعادة مصداقيتها في سوريا “. يتذكر باكلانوف أن الأسد ينظر إلى الدعم السعودي للمعارضة السورية على أنه عمل جاحد ، حيث تحالفت سوريا مع المملكة العربية السعودية ضد العراق خلال حرب الخليج 1990-1991.

إذا لم المملكة العربية السعودية إصلاح سياساتها التقييدية على تأشيرات الحج العمرة  و تأشيرات العمل  للمواطنين السوريين، وعدم الثقة دمشق من الرياض المرجح تستمر. 

بعد عقد من الصراع السوري ، لدى الأسد مجموعة أكبر من الشركاء في العالم العربي أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2011. ومن شأن تطبيع العلاقات السعودية السورية أن يعزز مزاعم الأسد بأنه لم يعد معزولاً عن المجتمع الدولي ولكنه لن يفعل الكثير لتحسين الآفاق الاقتصادية السيئة بشكل متزايد لسوريا أو تشجيع المجتمع الدولي على دعم عملية إعادة الإعمار السورية بقيادة الأسد.

موقع المونيتور

————————–

السوريون وإحياء الاتفاق النووي مع إيران/ أكرم البني

هي مفارقة لافتة، أن غالبية السوريين على اختلاف اصطفافاتهم، يتفقون، وإن كان من مقدمات وأهداف متباينة، على أن النجاح في إحياء الاتفاق النووي مع إيران سيكون له تأثير كبير على واقع بلادهم ومستقبلها، ما داموا يتفقون على أن إيران باتت طرفاً فاعلاً ومؤثراً بحيواتهم ومصيرهم، وأنها لن تكون بعد إحياء الاتفاق النووي كما قبله، بل ستمتلك فرصة كبيرة لالتقاط الأنفاس وللإفادة من رفع العقوبات، وتحرير صادراتها وأموالها المجمدة، لترميم اقتصادها المتهالك وتوفير الإمكانات اللازمة كي تمضي قدماً في تحقيق مطامعها الإقليمية، وخاصة تعزيز دورها التدخلي في سوريا.

لا يخفى على أحد فرح السلطة وتهليل بعض أعوانها، بما يحصل من تقدم في مفاوضات فيينا، معولين أن يشكل ذلك مناخاً جديداً يخفف حدة الضغوط الغربية عليهم وخاصة تداعيات قانون قيصر! هذا فضلاً على رهانهم بأن يفتح إحياء الاتفاق النووي الباب على متغيرات تعيد ترتيب الأوراق وتخلق تحولات في التفاعلات السياسية الجارية في الدوائر الغربية والعربية حول الموقف من النظام السوري، بما يضعف دور المتشددين ويشجع دعاة الانفتاح والتعاطي الاحتوائي معه.

وما يزيد «هيصة» الفرح والتهليل أن يعتبر ساسة النظام السوري ومؤيدوه أن إحياء الاتفاق النووي سوف يمكّن إيران وميليشياتها من قطع الطريق على أي محاولة لتغيير توازنات القوى التي فرضت في البلاد لمصلحة أركان السلطة القائمة، كأولوية أرسيت دعائمها منذ أكثر من 30 عاماً، وتجلت مؤخراً بالدعم المطلق للانتخابات الرئاسية، كما برزت خلال السنوات الأخيرة بمساندة غير محدودة للطغمة الحاكمة وتشجيعها على الاستمرار في العنف وعلى رفض تقديم أي تنازلات لتفعيل مستلزمات الحل السياسي، ربطاً بإطلاق دور «الحرس الثوري» وميليشياته و«حزب الله» للفتك بالسوريين وإجهاض ثورتهم.

أما المعارضة السورية التي تدرك حجم التكافل والتنسيق بين حكام دمشق وملالي طهران، ودور الأخيرين في تمكين النظام ومنع سقوطه، فهي تخشى أن يفضي التوافق حول الملف النووي، لمزيد من تراجع اهتمام الغرب بمعاناتها، ولتمادي إيران في تدخلها بالشأن السوري، ما يقوّي المعسكر الرافض للمعالجة السياسية، ويطلق رصاصة الرحمة على مفاوضات السلام، ومحاولات تفعيل قرارات الشرعية الدولية، وأبرزها القرار 2254.

ومن بين المعارضين من يدعو إلى عدم إعطاء قيمة لإحياء الاتفاق النووي، لأنه لن يغيّر برأيه من جوهر الأمور، معتقداً أن حكام إيران بغضّ النظر عن قدرتهم الاقتصادية والصعوبات التي تعترضهم، لن يفرطوا، كعادتهم، في الحلقة السورية بصفتها إحدى الحلقات الرئيسية من نفوذهم الإقليمي، كما لن يتراجعوا عن استراتيجية تصدير ثورتهم الإسلاموية ومد أذرعهم التدخلية عبر العزف على وتر العصبية المذهبية وولاية الفقيه، حتى لو ألحق ذلك أفدح الأضرار بشروط حياة غالبية الإيرانيين المسحوقين وبحاجاتهم، ويزيد الطين بلة ميل الإدارة الأميركية الجديدة لتهميش الملف السوري، وإعطاء أهمية قصوى لتجديد التوافق النووي حتى لو تم ذلك على حساب الصمت عن أنشطة إيران التدخلية، مستحضرين الفرص الكبيرة التي قدّمتها واشنطن لطهران ومكّنتها موضوعياً من تمرير مشروعاتها التوسعية، وأوضحها موقفها السلبي من تدخل «الحرس الثوري» والميليشيا الموالية له في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وغض النظر عما أنتجه ذلك من ظواهر الإرهاب والقتل والاغتيالات وتسعير النزاعات المذهبية والطائفية.

وفي المقابل، ثمة مخاوف لدى كثير من السوريين على اختلاف مناطق وجودهم، من أن يفضي الانفتاح الغربي على إيران إلى تعميق دورها في سوريا اقتصادياً واجتماعياً، ما ينعكس سلباً عليهم، وعلى شروط حياتهم وممتلكاتهم وقدرتهم على إدارة شؤونهم، وهم الذين خبروا بأن أي انتعاش لإيران يعني مزيداً من تحكمها بالموارد والثروات السورية وحرمان أصحابها منها، والأسوأ مزيد من التوغل والاستباحة للبلاد، متوسلة تفعيل دور «حزب الله» وغيره من الميليشيات الأجنبية لهتك بنية المجتمع السوري وتفكيكها، ربطاً بتنشيط خطط التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، وباستغلال حالة الفقر والعوز لنشر المذهب الشيعي، والأسوأ عمليات التجنيس التي تجري على قدم وساق للإيرانيين؛ حيث بات هؤلاء المجنسون ينتشرون انتشار الفطر، في مناطق الحدود الشرقية وفي الأماكن المحيطة بما يعرف بالمراقد الدينية.

يتساءل السوريون البسطاء وهم يراقبون اللهفة الأميركية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، ألم تدرك الولايات المتحدة بعد، ماهية حكام طهران أم أنها لا تريد أن تدرك؟ وهل هي لا تعي حقاً بأن مثل هذه الطغمة الآيديولوجية لن تتراجع أبداً عن مراميها مهما كانت الاشتراطات الغربية في الملف النووي، بدليل ما راكمته من خبرات ووسائط خلال سنوات كثيرة من إبرام الاتفاق النووي القديم، مكّنتها بسرعة لافتة من رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى حدود مقلقة؟ وكيف لا يزال يخفى عنها أن هدف ملالي طهران هو رفع العقوبات أساساً وربح الوقت للمضي سراً في مخططهم بحيث يضعون العالم أمام واقع جديد عنوانه امتلاكهم السلاح النووي؟

بينما يتساءل آخرون، هل يصدّق فعلاً بعض صناع القرار في واشنطن ما يروّجونه عن أن إكراه إيران على توقيع اتفاق نووي جديد سوف يجبرها، كي لا تخسر المكاسب التي حصلت عليها، على لعب دور إيجابي لمعالجة بؤر التوتر في المنطقة، بما في ذلك مساعدتهم في الضغط على النظام السوري لحضّه على المشاركة في العملية السياسية؟ أليس معروفاً لديهم الجنوح المزمن لقادة إيران ضد السلام والاستقرار في المنطقة، وأنهم اعتاشوا منذ قيامهم بثورتهم الإسلاموية في ثمانينات القرن العشرين وحتى يومنا هذا على تغذية الحروب وبؤر التوتر والصراع لبسط نفوذهم؟

أخيراً، هي مفارقة لافتة أيضاً، أمام حالة التغافل الأميركي، أن يستشعر هؤلاء السوريون البسطاء مبكراً مرامي حكام طهران لبعث مشروعهم الإمبراطوري، ولإجبار العالم على الاعتراف بمكانة تتجاوز حقوقهم ووزنهم، متوسلين، مرة أولى، دأبهم على امتلاك السلاح النووي وغيره من الأسلحة المحرمة دولياً، ومرة ثانية، نهجاً تدخلياً سافراً لمدّ نفوذهم إقليمياً عبر خلق أذرع وميليشيات إرهابية كما الحال في العراق واليمن وسوريا ولبنان، لتخريب مجتمعاتها والسيطرة عليها، ولعلهم على بساطتهم استشعروا مبكراً أيضاً، حقيقة أن لجم الاندفاعة الإيرانية لامتلاك السلاح النووي هو صنو تقليم أصابع نفوذها في المنطقة، وأنه لا يمكن فصل هذا عن ذاك.

الشرق الأوسط

——————————————

الوتيرة البطيئة وغير المؤكدة للتقارب السعودي السوري/ صموئيل راماني

حتى لو عمد الجانبان في النهاية إلى تطبيع العلاقات ، فإن دمشق تواجه صراعًا شاقًا للعودة إلى جامعة الدول العربية.

وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني (وسط) يحضر مؤتمرا سياحيا في العاصمة السعودية الرياض ، في 26 مايو 2021 ، على الرغم من العلاقات المتوترة بين البلدين. – فايز نور الدين / وكالة فرانس برس عبر غيتي إيماجز

في 26 مايو ، أصبح وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني أول مسؤول حكومي سوري يزور المملكة العربية السعودية منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011. وأثارت رحلة مارتيني التكهنات حول تطبيع بين الرياض ودمشق ، حيث تزامنت مع سلسلة من التطورات الإيجابية في العلاقات السورية السعودية. في 3 مايو ، التقى رئيس المخابرات السعودية الفريق خالد حميدان بنظيره السوري علي مملوك في دمشق. بعد ساعات من وصول مارتيني إلى الرياض ، أعربت بثينة شعبان ، المستشارة البارزة للرئيس السوري بشار الأسد ، عن تفاؤلها بشأن انفراج سريع في محادثات التطبيع السورية السعودية. 

على الرغم من هذه التطورات ، هناك أسباب للشك في إحياء سريع للعلاقات. منذ أن أقر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان  في مقابلة أجريت معه في آذار / مارس 2018 أن “بشار باقٍ” ، كانت هناك محاولات فاشلة متكررة لتسهيل التطبيع بين سوريا والمملكة العربية السعودية.  شهدت إحدى هذه المحاولات في عام 2018 عرض المملكة العربية السعودية استثمارات لإعادة الإعمار لسوريا إذا انفصل الأسد عن إيران وحزب الله. إن عدم استعداد المملكة العربية السعودية لمحاكاة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ، اللتين أعادت فتح سفارتيهما في دمشق في ديسمبر 2018 ، يؤكد على الطريق الشاق نحو التقارب بين الرياض ودمشق.

في حين أن الأحداث الأخيرة قد تكون أكثر من مجرد فجر كاذب ، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو إعادة تدريجي للعلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وسوريا. قال معلق سعودي على صلة وثيقة بالعائلة الحاكمة للمونيتور إن التطبيع السريع بين السعودية وسوريا غير مرجح بسبب المشاعر المعادية للأسد في المملكة. وأشار المعلق إلى أن هذه المشاعر تعود إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في عام 2005 واشتدت بسبب التغطية الإعلامية السعودية للصراع السوري ، “التي غطت على نطاق واسع فظائع الأسد وصورت النظام العلوي على أنه مرتد”. جادل المعلق بأن الإمارات يمكن أن تتجاهل المشاعر المعادية للأسد بسهولة أكبر من السعودية ، حيث يتكون سكان الإمارات في الغالب من رعايا أجانب غير عرب.

ردد هارون الأسود ، الصحفي السوري المقيم في تركيا ، هذه الآراء في مقابلة مع المونيتور. وتوقع أسود أن “العلاقات بين الرياض ودمشق لن تعود فجأة” لكنه قال إن سلسلة الإشاعات والتسريبات “ستمهد الطريق لعودة العلاقات تدريجياً بين البلدين دون إحداث صدمة للرأي العام”. أسود واثق من أن تطبيع السعودية مع سوريا سيمضي قدماً في نهاية المطاف لأن “المعارضة السورية أثبتت فشلها” ولا تستطيع الرياض “الاستثمار في المتمردين الذين يعملون كمرتزقة في ليبيا وأذربيجان بدلاً من مواجهة التوسع الإيراني في سوريا”.

حتى لو قامت الرياض ودمشق في نهاية المطاف بتطبيع العلاقات ، فإن سوريا تواجه صراعًا شاقًا للعودة إلى جامعة الدول العربية ومن غير المرجح أن تتلقى استثمارات سعودية في إعادة الإعمار.

جادلت مصر والإمارات مرارًا وتكرارًا بأن تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية قد ألحق ضرراً أكثر مما ينفع. وتتفق الدول العربية التي ظلت على اتصال دائم مع دمشق ، مثل العراق والجزائر وعمان ، مع هذا الرأي. قد يعزز دخول المملكة العربية السعودية إلى الكتلة المؤيدة للانخراط قبول الأسد في المنطقة ، لكن من غير المرجح أن يغير مواقف قطر والكويت.

في 12 مارس ، قال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن أسباب  طرد الأسد من جامعة الدول العربية لا تزال قائمة ، وفي 30 مايو  أكد أن  قطر ليس لديها خطط للتطبيع مع سوريا. أصرت الكويت في 2018 على أنها لن تعيد فتح سفارتها في دمشق ما لم تمنحها الجامعة العربية الضوء الأخضر. جهود الكويت لجمع التبرعات للمساعدات الإنسانية لسوريا تزيد من تعقيد قدرتها على احتضان نظام الأسد.

قد يؤدي إعادة انتخاب بشار الأسد لولاية أخرى مدتها سبع سنوات إلى إضعاف مواقف قطر والكويت بمرور الوقت ، لكن ليس هناك ما يضمن أن أعضاء جامعة الدول العربية سوف يتحدون حول إعادة الأسد.

آفاق الاستثمار السعودي في سوريا ضئيلة بنفس القدر. تشكل عقوبات قانون قيصر لحماية المدنيين عقبة رئيسية أمام الاستثمار السعودي في سوريا. انتقد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد علانية هذه العقوبات لأنها تقيد مشاركة القطاع الخاص في إعادة إعمار سوريا. ومع ذلك ، رفضت الولايات المتحدة  انتقادات أبو ظبي وأصرت على أن عقوبات قانون قيصر يجب أن تظل سارية حتى يتم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في سوريا. بسبب عدم شعبية محمد بن سلمان في الكونغرس الأمريكي والعلاقة الفاترة مع إدارة بايدن ، من غير المرجح أن تكون المملكة العربية السعودية أكثر نجاحًا من الإمارات العربية المتحدة في تغيير رأي الولايات المتحدة بشأن قانون قيصر.  

حتى لو أدى اختراق غير متوقع في المفاوضات الدستورية السورية إلى قيام الولايات المتحدة بإعادة النظر في عقوباتها على دمشق ، فإن المملكة العربية السعودية وسوريا تشعران بالقلق من عواقب التعاون الاقتصادي. كما تشعر المملكة العربية السعودية بالقلق من أن الاستثمارات في الاقتصاد السوري ستوفر عن غير قصد فوائد مادية لإيران. قال بسام بربندي ، دبلوماسي سوري سابق ، لـ “المونيتور” إن المملكة العربية السعودية حاولت سابقًا مواجهة النفوذ الإيراني في لبنان والعراق “من خلال دعم القادة السياسيين المعتدلين من الشيعة والسنة وفشلت”. وقال برابندي إنه يعتقد أن الدعم السعودي للأسد “سيمكن إيران بالمجان”.

ينظر المسؤولون السوريون إلى المملكة العربية السعودية بارتياب شديد ومن غير المرجح أن يقبلوا الاستثمارات السعودية إذا أضعفت التحالف السوري الإيراني. قال السفير الروسي السابق لدى المملكة العربية السعودية ، أندريه باكلانوف ، الذي تعامل مع الأسد خلال المراحل الأولى من الحرب الأهلية ، لـ “المونيتور”: “يشعر الكثير من الناس في سوريا بالإهانة من الموقف الغادر للرياض” ، مضيفًا “لن يسهل على السعودية استعادة مصداقيتها في سوريا “. يتذكر باكلانوف أن الأسد ينظر إلى الدعم السعودي للمعارضة السورية على أنه عمل جاحد ، حيث تحالفت سوريا مع المملكة العربية السعودية ضد العراق خلال حرب الخليج 1990-1991.

إذا لم المملكة العربية السعودية إصلاح سياساتها التقييدية على تأشيرات الحج العمرة  و تأشيرات العمل  للمواطنين السوريين، وعدم الثقة دمشق من الرياض المرجح تستمر. 

بعد عقد من الصراع السوري ، لدى الأسد مجموعة أكبر من الشركاء في العالم العربي أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2011. ومن شأن تطبيع العلاقات السعودية السورية أن يعزز مزاعم الأسد بأنه لم يعد معزولاً عن المجتمع الدولي ولكنه لن يفعل الكثير لتحسين الآفاق الاقتصادية السيئة بشكل متزايد لسوريا أو تشجيع المجتمع الدولي على دعم عملية إعادة الإعمار السورية بقيادة الأسد.

موقع المونيتور

————————

========================

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button