تركيا تبتلع الفرات وبر الشام يترنح عطشاً/ دحام الأسعد
“ينخفض منسوب المياه يوماً بعد يوم. تتمثل الخطة بتعطيش السكان لجعلهم يدعمون تركيا…”، خَفّضت تركيا معدل تدفق نهر الفرات إلى البلدان المجاورة بنسبة 60%.
عادةً ما يكون شهر أيار/ مايو هو موسم الوفرة في مدينة الرقة، ويرجع الفضل في ذلك إلى نهر الفرات الذي يُغذي المحاصيل ويُساهم في التخفيف من حرارة الصيف المرتفعة.
لكن هذه السنة تشهد انخفاضاً كبيراً للغاية في منسوب النهر الذي ينبع من جبال طوروس في تركيا، ثم يشق طريقه عبر الأراضي السورية ثم العراقية قبل أن يصب في الخليج العربي في نهاية رحلته. وقد يُعرقل هذا الانخفاض الجهود المبذولة من أجل إعادة بناء المنطقة بعد طرد “داعش” منها في 2016.
يقول حسين عبود، الذي جاء للجلوس على ضفة النهر للترويح عن نفسه في ظهيرة يومٍ حار، “ولدتُ في الرقة وعشت فيها طوال سنين عمري الـ46، ولم يسبق أن رأيت منسوب النهر بهذا الانخفاض يوماً”.
تُوضح العلامات التي وضعها حسين على ضفتي النهر مدى الانخفاض الكبير الذي حدث. فقد انحسر مجرى النهر من عشرة أمتار إلى عشرين متراً في غضون أربعة أشهر، ما أدى إلى ظهور بعض الجزر النهرية.
يواصل حسين حديثه، بينما يجلس على كرسي بلاستيكي وتُلامس قدماه المياه، “تُحاول المدينة بأسرها التعافي من الحرب. وبسبب نقص المياه، صار كل من فيها يعانون مُجدداً. وتعاني أراض كثيرة من الجفاف لدرجة تتعذر معها زراعتها”.
سأل رجلٌ يقود جراراً زراعياً من مسافة بعيدة قليلاً نم مجرى النهر، وجاء مع ابناه لملء صهريج بالماء، “كيف سنواصل العيش هنا؟”.
وقال عثمان خلف، المتحدث باسم المجلس البلدي للرقة، إن العواقب وخيمة للغاية على سكان المدينة.
النَهر هو المصدر الرئيسي لمعظم مياه الشرب. ويعتمد المزارعون عليه في الري وتربية المواشي. وعصفت الأمراض بِقطعان الجاموس التي تُربى على ضفتي نهر الفرات. وحالياً، لا تتوافر الكهرباء في معظم قرى الرقة سوى من 6 إلى 8 ساعات في اليوم. وعادت مولدات الكهرباء القديمة التي تعمل بالديزل، بتكلفة لا يستطيع كثيرون تحملها، إلى الظهور في الشوارع.
يُوضح عبد الرزاق العلواني، المدير السابق للإدارة المسؤولة عن صيانة نهر الفرات، لصحيفة “ذا ناشيونال” أن منظومة العمل في حوض بلاد الرافدين خلال السنوات الأخيرة كانت ضمن الأسباب الرئيسية والمصدر الأساسي لتهديد خطير بخفض منسوب المياه في نهر الفرات.
فعلى حد قوله، بلغ إجمالي الموارد المائية التي استقبلتها سوريا من تركيا 50 مليار متر مكعب، في عام 2019، مع معدل تدفق لا يقل عن ألف متر مكعب في الثانية في المتوسط. يتقاسم العراق وسوريا حصة تبلغ 500 مليار متر مكعب في الثانية، وفي معظم الأحيان لا تتجاوز الموارد المائية 16 مليار متر مكعب سنوياً، مع الأخذ في الاعتبار الحد الأقصى المعتاد لسنوات الجفاف.
وعلى رغم أن عامي 2020 -2021 قد شهدا فترات جفاف شديدة وتأرجح معدل التدفق ما بين 200 إلى 700 متر مكعب في الثانية، يرجع ذلك إلى انخفاض منسوب المياه في المنبع وهو ما يشكل بدوره تهديداً خطيراً بخفض منسوب المياه في نهر الفرات.
يضيف عبد الرزاق أن الاحتباس الحراري وتبديد الموارد قد دمرا الهياكل الأساسية ولعبا دوراً رئيسياً في انخفاض معدل التدفق من تركيا. إنما ثمّة جانب جيوسياسي للمسألة أيضاً، وهو أمر تستغله الأطراف في النزاع السوري.
شيّدت تركيا، التي تتحكم في الموارد المائية، نحو 20 سداً على أراضيها منذ ثمانينات القرن الماضي على رغم اعتراض البلدان المجاورة على ذلك، ورفضت مناقشة مسألة المشاركة في إدارة الموارد المائية.
عام 1987، وقّعت تركيا وسوريا والعراق اتفاقية تعهدت تركيا بموجبها بإمداد سوريا بمعدلٍ سنويٍ لا يقل عن 500 متر مكعب في الثانية، ووافقت سوريا على تمرير 60 في المئة من تلك المياه إلى الأراضي العراقية.
تعيش عائلات نازحة في خيام، على طول مجرى نهر الفرات في غرب الرقة. وصل محمد محسن وأفراد من عشيرته من محافظة حماة – التي يُسيطر عليها النظام السوري – واستقروا في قرية السلحبية.
وقال محمد، الذي كان يجلس في خيمة ويرتدي الزي التقليدي: الجلباب الأبيض والشماغ الأحمر، “أتينا إلى هنا وعزمنا على عدم العودة. لكن منسوب المياه آخذ في الانخفاض منذ العام الماضي، وسوف نضطر إلى استخدام المضخات لري محاصيلنا. وإذا استمر الحال هكذا، سوف يُجبر الجميع على الرحيل مجدداً، لأبعد من ذلك”.
تشهد أنقرة أيضاً ربيعاً جافاً للغاية مع تضاؤل احتياطاتها المائية. لكن سوريا والعراق ينددان بهيمنة تركيا على المياه. يقول عثمان، “تريد تركيا إضعاف شوكة الإدارة الكردية في شمال سوريا. وإذا نفد الماء، فسوف ينقلب الناس عليها في نهاية المطاف”، مضيفاً، “تتمثل خطة تركيا المدروسة في نضوب الموارد المائية”.
وهذا هو رأي معظم سكان الرقة الذين تتوقف حياتهم على النهر.
“أردوغان هو السبب في كل ما يحدث”، على حد قول إبراهيم حسان (53 سنة)، وهو رجل ضخم ذو لحية سوداء كثيفة. يأتي إبراهيم إلى نهر الفرات ويُلقي شباكه محاولاً اصطياد بعض أسماك الشبّوط.
يقول إبراهيم، وهو أب لتسعة أبناء، “ينخفض منسوب المياه يوماً بعد يوم. تتمثل الخطة في تعطيش السكان لجعلهم يدعمون تركيا. إذ تخضع الرقة لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) ولا تستطيع أنقرة تحمل ذلك”.
طالبت “قسد”، وكذلك الحكومة السورية التي تفرض سيطرتها على الضفة الشرقية لنهر الفرات، تركيا بفتح بوابات سدودها لزيادة تدفق المياه إلى سوريا.
واصل إبراهيم حديثه قائلاً، “تأثر الصيد أيضاً. وتزداد وتيرة التصحر باطراد شديد. سيرجعنا هذا أربعين عاماً للوراء، فيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى المياه”. تأتي 90 في المئة من كهرباء المدينة من سد الطبقة المُشيد على نهر الفرات.
كما تعتمد مدينة الرقة في إمداداتها المائية على سد الطبقة، الذي يقع على بُعد 40 كيلومتراً من منبع مدينة الرقة. لكن منذ شهر كانون الأول/ دبسمبر، انخفض منسوب المياه في الخزان بما يزيد عن 5 أمتار.
يُوفر هذا السد الضخم، الذي بناه السوفيات في سبعينات القرن الماضي، المياه لسبعة ملايين شخص، ويُزود أجزاء كبيرة من شمال سوريا بالكهرباء. لا تزال 4 من أصل 8 توربينات صالحة للعمل، في حين دمر “داعش” الأخرى.
لكن عندما زرنا مدينة الطبقة في 12 أيار/ مايو، لم يكن هناك سوى توربين واحد فقط يعمل. ولا يزال هذا هو الوضع القائم إلى يومنا، بسبب التراجع الكبير في معدل تدفق النهر.
يُوضح ولات درويش، المدير الإقليمي لإدارة الموارد المائية ذلك قائلاً، “يُولد السد حالياً 120 ميغاوات من الكهرباء، مقارنة بـ450 ميغاوات في السابق”.
مضيفاً أن “معدل تدفق النهر تراجع من 500 متر مكعب في الثانية، وهو ما يتوافق مع المعدل المنصوص عليه في الاتفاقية التي وقّعتها البلدان الثلاثة، إلى 200 متر مكعب في الثانية. وتلك أزمة أسوأ من سابقتها. لأنه إذا استمر هذا الوضع، سنضطر إلى إيقاف آخر توربين عن العمل في غضون شهرين”.
يرى درويش، الموظف في الإدارة الكردية، أن “هذا النهر يُمثل حلقة وصل تاريخية بين مُجتمعات وحضارات مختلفة. تُحاربنا تركيا بسلاح الماء. وأملنا الوحيد هو أن يضغط المجتمع الدولي على تركيا حتى تفتح بوابات سدودها”.
هذه المادة تمت ترجمتها عن موقع لوبوان الفرنسي ولقراءة الموضوع الأصلي اضغط الرابط هنا
درج
نهر الفرات.. إجراءات تركية تنذر بـ”كارثة” في سوريا
الحرة – إسطنبول
مشاهد صادمة لنهر الفرات، تخرج من مناطق شمال وشرق سوريا، بعد انخفاض منسوبه في الأيام الماضية إلى أدنى مستوياته، بسبب إغلاق بوابات المياه من الأراضي التركية، بحسب اتهامات “الإدارة الذاتية” الكردية، ومعها حكومة نظام الأسد.
وتقول “الإدارة الذاتية” الذي يمر النهر العظيم من الأراضي التي تسيطر عليها، إن تركيا خفضت حصة سوريا من مياهه، منذ مطلع العام الحالي، ما أدى إلى انخفاض منسوب المجرى بشكل كبير، وذلك انعكس على سقاية الأراضي المزروعة من جهة وعلى توليد الطاقة الكهربائية من جهة أخرى.
بينما يضيف مسؤولون في حكومة نظام الأسد أن الانخفاض الكبير والمتسارع في منسوب مياه النهر أثّر على عمل “المعبر الطوفي العائم” لتسهيل انتقال المواطنين المقيمين في قرى وبلدات ريف دير الزور الشمالي، إضافة إلى تهديده عمل محطات مياه الشرب، التي تستمد مياهها من مجرى النهر.
وتقدر نسبة الانخفاض وفق كلا الجانبين بأكثر من خمسة أمتار من منسوب النهر، وتزيد على أربعة أمتار في بحيرة “سد تشرين”، أما في بحيرة “سد الفرات” (الأسد) تزيد نسبة الانخفاض على ثلاثة أمتار.
The Great Euphrates River is dry. The Great Euphrates River is CRYING without tears. No tears, no water, no life.
Death has been brought to soil, trees, humans, animals, and even stones due to stupid greedy man-made artificial dams for water control. Stop Water War! #SaveWater pic.twitter.com/Tb6sjnaAyI
— Abdulaziz Ramadan (Xoşewîst) (@ARamadan_DE) May 3, 2021
ما سبق وثقته صور وتسجيلات مصورة نشرها ناشطون من أبناء مناطق شرق سوريا، وأظهرت تحول أجزاء كبيرة من مجرى النهر إلى أراض قاحلة. هو مشهد وصف وكأن النهر تحول إلى “جدول ماء صغير” لا يكفي سوى لعيش الأسماك والكائنات النهرية الصغيرة.
“مجرى طويل واتفاقيات”
ينبع “الفرات” من تركيا ويعبر الأراضي السورية ليجري في الأراضي العراقية حيث يلتقي في جنوبها مع نهر دجلة، ليشكلا شط العرب.
وبعد دخوله سوريا عند مدينة جرابلس بريف حلب يمر النهر في الرقة وبعدها بدير الزور ثم يخرج من الأراضي السورية عند مدينة البوكمال ليدخل العراق عند مدينة القائم في الأنبار.
بعد ذلك يدخل النهر بابل إلى كربلاء ثم إلى النجف والديوانية فالمثنى ثم ذي قار ليشكل بعدها منطقة الأهوار جنوب العراق، وفي الجنوب يتحد معه نهر دجلة فيشكلان شط العرب الذي تجري مياهه مسافة 120 كيلومترا جنوبا لتصب في اعالي الخليج.
وقد يوضح التفصيل السابق المشهد الكامل لمجرى النهر، لكن آلية توزيع مياهه كانت قد أحكمتها اتفاقية بين تركيا وسوريا في عام 1987، والتي نصت آنذاك على تعهد الجانب التركي بأن يوفر معدلا سنويا يزيد عن 500 متر مكعب في الثانية للجانب السوري.
A rotting boat is seen on the shore in Al-Shaafi, in the Mesopotamian marshes some 80 kms south of the city of Basra in…
“الأهوار جنوب العراق”.. تغير المناخ وسدود تركيا وسوريا تهدد المنطقة المسالمة
ألقت صحيفة نيويورك تايمز الضوء على منطقة “الأهوار جنوب العراق” وهي مسطحات مائية تقع بالقرب من الحدود الجنوبية الشرقية لبلاد الرافدين، لتظهر وكأنها واحة في وسط الصحراء، لكنها تواجه خطر الجفاف من حين لآخر لعدة أسباب.
وعقب عامين من تلك الاتفاقية اتجه الجانب السوري لتوقيع اتفاقية مماثلة مع العراق (دولة المصب)، ونصت بأن تكون حصة الأخيرة الممررة لها عند الحدود السورية العراقية 58 بالمئة من مياه الفرات مقابل 42 بالمئة لسوريا.
“خرق وتعطيش”
منذ شهر يناير 2021 اتجه الجانب التركي لتخفيض حصة سوريا من مياه الفرات إلى مستويات متدنية بشكل كبير، بحسب “الإدارة الذاتية” الكردية، لتبلغ ما يقارب 200 متر مكعب من المياه في الثانية فقط، وهو الأمر الذي يعتبر “خرقا لاتفاقية 1987″، والتي نصت على أن تكون الحصة 500 متر مكعب في الثانية الواحدة.
المهندس جهاد بيرم، رئيس دائرة العمليات في سدّ تشرين (الذي يقع على نهر الفرات قرب كوباني) يقول في تصريحات لموقع “الحرة”: “منذ 27 من يناير الماضي انخفض منسوب مياه الفرات المتدفقة من الجانب التركي بشكل كبير، وبلغ بشكل وسطي 200 إلى 225 متر مكعب في الثانية”.
ويضيف بيرم: “ما سبق أدى إلى انخفاض منسوب البحيرات، ليصل قريبا من الحد الميت (320 م.م). هذا الرقم لا يمكن عنده تشغيل سد تشرين للحصول على الطاقة الكهربائية اللازمة ولو بالحد الأدنى”.
ويوضح بيرم أنهم اتجهوا في الأيام الماضية لتخفيض ساعات تشغيل الكهرباء من 16 ساعة إلى 8 ساعات، مشيرا إلى أن بحيرة نهر الفرات انخفض منسوبها أيضا بالنسبة لمستوى سطح البحر، ووصلت إلى حد 292 متر مكعب في اليوم، وهو رقم يهدد بتوقف سد الفرات عن الخدمة في حال تغيير الأرقام إلى حدود متدنية أخرى في الأيام المقبلة.
وكانت “هيئة الطاقة في إقليم الفرات والجزيرة” (التابعة للإدارة الذاتية الكردية) قد أعلنت أواخر أبريل الماضي عن تخفيض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، بسبب الانخفاض “الهائل” في منسوب مياه نهر الفرات.
يجف الفرات، فتجف قلوبنا..! #أطلقوا_حصة_سوريا_من_مياه_نهرالفرات
— Aged Choli (@AgedCholi) May 2, 2021
في المقابل نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن مصادر في حكومة النظام السوري، أن التيار الكهربائي انقطع عن محافظة الحسكة بشكل شبه تام منذ فجر الخميس الماضي بسبب توقف العمل في عنفات توليد الطاقة الكهربائية في سدي تشرين بريف حلب والفرات بريف الرقة.
وأوضحت المصادر أن عمل عنفات توليد الكهرباء يقتصر حاليا على عنفة واحدة، من أجل تغذية مطاحن الحبوب ومحطات ضخ مياه الشرب فقط.
“أضرار كارثية”
ولم تركيا على الاتهامات بشأن تخفيض حصة سوريا من مياه الفرات، وفي المقابل تحدثت وسائل إعلام أن البلاد تشهد أيضا في الوقت الحالي نقصا في المياه.
وسبق وأن قال مسؤولون أتراك إن أنقرة تعاني من نقص كبير في المياه، ما دفعها لتخفيض تدفق النهر مؤقتا، ورفضوا أن يكون تخفيض حصص المياه مرتبطا بأبعاد سياسية.
ويتخوف مراقبون ومزارعون في سوريا أن يؤدي نقص المياه إلى زعزعة استقرار مناطقهم، في وقت يستمر انخفاض مستوى المياه، وظهور مناطق جافة كانت في السابق جزءا من النهر.
الصحفي عكيد جولي يقيم في شرق سوريا ويقول في تصريحات لموقع “الحرة”: “نتيجة حبس المياه من الجانب التركي تحولت مساحات كبيرة من النهر المار في الأراضي السورية إلى جفاف بالتمام”.
يضيف جولي: “منذ بداية يناير الماضي وحتى الآن انخفض منسوب مياه النهر 4 أمتار، الأمر الذي نتج عن أضرار كارثية. أكثر من 50 بالمئة من أراضي كوباني تضررت بسبب جفاف مساحات كبيرة من النهر. هذه الأراضي كانت تعتمد بالسقاية على نهر الفرات”.
ويشير الصحفي السوري إلى أن الأضرار لا تقتصر على السقاية فقط، بل انسحبت إلى معدلات وصول الطاقة الكهربائية إلى منازل المدنيين.
ويتابع: “الكهرباء في مناطق شرق سوريا باتت تصل ساعة واحدة فقط، لأن عنفات السدود لم تعد تعمل بشكل كامل بسبب انخفاض منسوب المياه”.
“الضرر سيطال العراق”
في غضون ذلك أطلق ناشطون من شمال شرق سوريا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي عبر وسم “أطلقوا حصة سوريا من مياه الفرات” و”الفرات ينحسر”، وتداولوا عبرها صورا وتسجيلات مصور لانخفاض مستوى المياه، ليس فقط في الرقة بل في محافظة دير الزور أيضا.
وقد يسبب نقص المياه في حال استمرارية الحال المفروض إلى كارثة للزراعة المحلية السورية، خاصة أن مناطق شرق سوريا تعتمد بدرجة كبيرة على مياه نهر الفرات لري الأراضي المزروعة بالقمح والشعير والقطن.
واعتبر الصحفي عكيد جولي أن “المناطق الأكثر تضررا تلك الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية”.
نقص المياه يؤدي كارثة للزراعة المحلية السورية
أزمة مياه في مناطق الأكراد بسوريا.. وأصابع الاتهام تشير إلى تركيا
انخفض منسوب المياه في شمال سوريا بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة ما صعب على المزارعين في منطقة كوباني ذات الغالبية الكردية سقي حقولهم.
ويقول: “تركيا تستخدم هذا العمل كسلاح ضد قسد. بالنتيجة الأولى تلحق الضرر والأذى بالمدنيين العزل في الحسكة والرقة ودير الزور”، مضيفا: “أنقرة لا تضر الإدارة الذاتية وقسد بل المواطنين العزل”.
وتعتبر تركيا “قسد” جسما عسكريا مرتبطا بـ”حزب العمال الكردستاني” (pkk)، والذي تصنفه على قوائم الإرهاب. وتسيطر هذه القوات على مناطق واسعة من شمال شرق سوريا، بدءا من كوباني في ريف حلب وصولا إلى الحسكة في أقصى الشمال الشرق للبلاد.
من جانبه حذر المهندس جهاد بيرم من استمرارية انخفاض حصة سوريا من المياه، مشيرا إلى أن بحيرة الطبقة التي تزود المنطقة بمياه الري والشرب باتت مهددة بالخروج عن الخدمة، إذا ما انخفض منسوب المياه فيها إلى ما دون 298 متر مكعب من المياه.
ويضيف بيرم: “لغاية يوم الخميس الفائت كنا نمرر إلى العراق حوالي 400 متر مكعب من المياه في الثانية، لكننا سنتجه إلى تخفيضها في الأيام المقبلة في حال استمر الواقع كما هو”.
ويوضح المهندس: “العراق وصل له خبر تخفيف الحصة إلى ما دون 200 متر مكعب في الثانية. نحن اضطررنا إلى هذه الخطوة بسبب وصول مياه إلى مستويات متدنية”.
وفي 30 أبريل الماضي اتهم الرئيس المشترك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (الذراع السياسية لقسد)، رياض درار، تركيا باستخدام المياه كسلاح لتصبح المنطقة تحت طوعها، وحذر من تداعيات مخيفة في حال استمر حبس مياه نهر الفرات.
كما كشف درار عن أنهم سيطالبون فرنسا والدول الأوروبية بالضغط على تركيا.
وتحدث رئيس “مسد” في تصريحات له لوسائل إعلام كردية عن ردود “خجولة” على الرسائل والخطابات إلى الأمم المتحدة والمطالبات.
وقال: “منذ فترة تكرر تركيا مسألة حجز مياه نهر الفرات، وهذا الأمر مقصود به الإساءة لكل المنطقة لتصبح تحت طوعها وليدرك السوريون في مرحلة الضعف هذه أنه ليس لهم إلا أن يستعيدوا قرارهم، ليستطيعوا مواجهة هذا الضغط التركي عليهم”.
الحرة – إسطنبول
“الفرات ينحسر”… صرخة سورية ضد الممارسات التركية
أظهرت صور تداولها مواطنون سوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي انخفاضاً مرعباً وغير مسبوق في منسوب مياه نهر الفرات، بعدما قلصت تركيا نصيب سوريا من أطول وأهم الأنهار في البلاد من 500 متر في الثانية إلى 200 متر.
وفي مجموعة صور لم يتسن لـرصيف22 التاكد من صدقيتها بشكل مستقل، ظهرت عدة قرى سورية كانت وافرة المياه في تسعينيات القرن الماضي وقد جف ماؤها، كما انقطعت مياه الزراعة والتيار الكهربائي نتيجة انخفاض منسوب المياه أمام السدود السورية، التي باتت تعاني بعد بناء تركيا سد إليسو.
ودشن سوريون هاشتاغ #الفرات_ينحسر، للتعريف بالكارثة الانسانية التي حلت بالسكان الذين يعانون تحت وطأة الحرب الأهلية، مطالبين المجتمع الدولي بالضغط على تركيا للالتزام بالاتفاقية المبرمة مع دمشق والتي تحدد حصة سوريا.
وغرد أحمد عابدين،: “آطلقوا حصة سوريا من مياه نهر الفرات”. وكتبت السورية أليند على تويتر:”يا ناس بيعطشوا أكثر من 5 ملايين انسان”.
وقالت لمار محمد في تغريدة: “قامت تركيا بتخفيض واردات مياه نهر الفرات التي تتدفق إلى الجانب السوري، أردوغان يأمُر أتباعه بقطع مياه نهر الفرات بأستمرار ليُلحق الضرر بنا، فهناك كارثة بيئية سوف نواجهها بسبب سياسات أردوغان المتطرفة”.
انتهاك الاتفاقيات
تتجاهل تركيا الاتفاق المبرم مع سوريا والعراق عام 1987، والذي يقضي بضخ مياه الفرات إلى الأراضي السورية بمعدل يبلغ 500 متر مكعب في الثانية، على أن يصل إلى العراق 60٪ من تلك الكمية، لكن تراجع منسوب الضخ إلى حوالي 200 متر مكعب في الثانية بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أثر على إمدادات سوريا والعراق من النهر.
ويهدد خفض منسوب المياه حياة ملايين السوريين الذين يعتمدون على النهر كمصدر رئيس لمياه الشرب، ويؤدي بملايين المواطنين إلى المجاعة وبوار الأراضي وفقد خصوبتها بسبب تعرضها إلى الملوحة، إذ تنقطع المياه عن آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في حوض الفرات.
ورصد المرصد السوري انقطاع المياه عن مناطق واسعة في محافظتي الرقة ودير الزور، ووقوع أضرار كبيرة بالثروة الحيوانية والزراعية في مناطق الجزيرة السورية.
ويؤثر انخفاض منسوب المياه على السدود في توليد الكهرباء وتغذية المناطق بالطاقة، ناهيك بتأثيرها على الثروة السمكية بعدما أدى الانخفاض إلى نفوق كميات كبيرة من الأسماك والكائنات الحية في النهر.
وقال المرصد السوري إنه زيدت ساعات تقنين الكهرباء (قطع الكهرباء بشكل منظم) في مناطق من عين العرب (كوباني) وصرين بريف حلب، إلى عين عيسى وريف تل أبيض بالرقة، ووصل الأمر إلى قطع التيار نحو 17 ساعة في اليوم مقابل، وصولها من ست إلى سبع ساعات فحسب، وبررت الجهات المختصة زيادة ساعات انقطاع الكهرباء بخفض تركيا لمنسوب ضخ المياه إلى نهر الفرات في الجانب السوري.
وقالت وكالة “سبوتنيك” الروسية في 29 نيسان/أبريل الماضي إن التيار الكهربائي انقطع عن محافظة الحسكة السورية بشكل شبه تام، نتيجة توقف العمل في توربينات توليد الطاقة الكهربائية في سدي تشرين بريف حلب والفرات بريف الرقة وذلك نتيجة انخفاض منسوب نهر الفرات بشكل قياسي مع استمرار تركيا في حبس المياه خلف سدودها.
من جانبه، اشتكى الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية (الكردي)، الذي يدير منطقة الفرات، رياض درار بالقول إن تركيا تكرر مسألة حجز مياه نهر الفرات، لتصبح المنطقة كلها تحت طوعها، مشيراً إلى أن المشكلة تتعلق بالواقع السوري المتراجع، وبضعف الحكومة السورية التي لا تفكر إلا بوجودها واستمرارها وبقائها في المواقع التي هي فيها من دون الاختمام بـ”رعاية حقيقية لشعبها”.
واتهمت الحكومة السورية الرسمية (حكومة الأسد) تركيا في الأول من أيار/مايو الجاري، بالسيطرة على كميات كبيرة من مياه نهر الفرات ومنعه من الجريان باتجاه سوريا، “ما انعكس سلبا على الواقع المعيشي والزراعي في ريفي الرقة ودير الزور”.
وقال مسؤول سوري في محافظة الحسكة إن خفض تركيا لمياه نهر الفرات أدى إلى جفاف نهر الخابور وروافده، ما انعكس سلباً على الواقع الزراعي والخدمي.
دجلة والفرات يفقدان نصف مخزونهما…تركيا تعطِّش سوريا والعراق/ خالد سليمان
لا تقتصر آثار حجز تدفق المياه في الفرات على سوريا وحدها، فهناك العراق الواقع في نصف المأساة، حيث يأخذ النصيب الأكبر من الجفاف، بخاصة أن الأهوار الجنوبية في الناصرية والبصرة تتغذى على الفرات.
للمرة الأولى في تاريخه، انخفضت نسبة المياه في نهر الفرات في سوريا خمسة أمتار، فتوقفت محطات ري كثيرة عن الخدمة، ناهيك بتوقف محطات توليد الطاقة وتدهور بيئي غير مسبوق جراء حجز تدفق المياه من الجانب التُركي. وأظهرت صور نشرها نشطاء بيئيون ومنصات إعلامية محلية في مناطق الجزيرة السورية، جفاف مساحات واسعة من النهر، ما يلقي بعبئه على الزراعة وحياة أكثر من مليون ونصف المليون إنسان في المنطقة. وقد وثّق “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، “الجفاف على طول مجرى النهر الممتد من سد الفرات في الطبقة، وصولاً إلى سد المنصورة في الرقة”. لقد قامت تركيا هذا العام بحجز أكثر من نصف المياه المتدفقة الى سوريا وخزنها في السدود المشيدة على النهر الدولي، تحديداً سد أتاتورك العملاق. ففي الاتفاقيات الموقعة بين البلدين تبلغ حصة سوريا المائية 500 متر مكعب في الثانية، بينما لا يتجاوز التدفق الآن 200 متر مكعب في الثانية، ما يلوح الى حدوث كارثة بشرية وبيئية، إن لم تتدخل المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة لإنقاذ السوريين من العطش.
ولا تقتصر آثار حجز تدفق المياه في الفرات على سوريا وحدها، فهناك العراق الواقع في نصف المأساة، حيث يأخذ النصيب الأكبر من الجفاف، بخاصة أن الأهوار الجنوبية في الناصرية والبصرة تتغذى على الفرات. وقد انتعشت المسطحات المائية العراقية في السنوات الأخيرة جراء السيول وملء الخزانات المائية، ما أنعش الاقتصاد المحلي للمجتمعات الأهوارية التي تعتمد على تربية الجواميس وصيد الأسماك وصناعة بيوت القصب في نمط عيشها.
أثناء تأليفي كتاب “حرّاس المياه” عام 2019، تجولت مع الناشط البيئي ومدير “منظمة طبيعة العراق” جاسم الأسدي في هور الجبايش في محافظة ذي قار، وكان الهور على رغم الحر القائظ يعج بحركة السكان المحليين بقواربهم على سطح المياه الراكدة. قال لي الأسدي، ” يبدو أن الهور بصحة جيدة الآن، ولكن لا شيء يضمن المستقبل في ظل سياسات تركيا المائية”. تحدثت معه هذه الأيام وسألته عن أحوال الهور وسكانه، كان الحزن طاغياً على صوته وهو يتحدث عن جفاف غير مسبوق أصاب المسطح المائي جراء حبس المياه من الجانب التُركي. وقد نشر الأسدي صوراً له مع أطفال الهور على صفحته في “فايسبوك”، تظهر حجم الدمار الذي ألحقته سياسات الجارة “القاتلة” بكل شيء حي.
وبخصوص هذا الموقع الطبيعي المهم على لائحة التراث العالمي ومدى القلق الدولي على تعرضهِ للجفاف والتلوث، يسأل الأسدي: “متى ندرك حجم المخاطر جراء التصرف التركي في مجال المياه، وهل ثمة أمل في أننا قد وضعنا أكثر من سيناريو لمواجهة هذا التهديد اللاأخلاقي، للخروج بأقل الخسائر؟”. لا أحد يجيب على مثل هذا السؤال في العراق، ذلك أن البلد غارق في مستنقع الفساد والسلاح المنفلت “المُنضبط”. وقد زار رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في كانون الأول/ ديسمبر 2020 تركيا واكتفى بتبادل ابتسامات خجولة مع أردوغان في سهرة سلطانية ذكورية، أقامها هذا الأخير على شرف ضيفه العراقي، وكان الغائب الأكبر في الزيارة هو ملف الماء. كان يفترض يتم تخصيص الوقت الكافي لبحث القضايا المتعلقة بالمياه، ولكن أردوغان أنهى كل شيء بتصريح مقتضب أشار فيه الى عدم وجود مشكلات بشأن المياه، إنما هو لا يعترف أساساً بتعريف الأنهار الدولية لنهري دجلة والفرات. وبإمكان الكاظمي استشارة سفير حكومته في أنقرة، حسن الجنابي، حول هذا الأمر، فهو من اشتكى من عدم اعتراف تركيا بالقوانين الدولية المتعلقة بالمياه في مؤتمر دولي في مدينة لاهاي الهولندية بداية شهر شباط/ فبراير 2019. يا ترى هل يتذكر حسن الجنابي الكلام الذي قاله أمام الخبراء الدوليين بشأن سياسات تركيا المائية غير المنصفة تجاه العراق وحقوقه المائية؟ يا ترى هل يكشف رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي عن مضمون اجتماعه بالرئيس التركي أردوغان في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بشأن احترام القانون الدولي للمياه ومن ضمنه مفهوم الأنهار الدولية؟ وكان حسن الجنائي الذي كان يشغل منصب وزير الموارد المائية في ذلك الحين، حاضراً في الاجتماع.
ولئن ذاكرة الساسة العراقيين مصابة بالتغافل، يهم التذكير هنا بكلام أردوغان إذ قال لحيدر العبادي “لن نعطّش العراق، لكن دعكم من تسميات مثل الأنهار الدولية، حقوق المياه الدولية والمفاوضات”. والسبب هو أن التسميات المذكورة التي وضعها الاتفاق الإطاري للأمم المتحدة عام 1997، قديمة بالنسبة إلى المسؤولين الأتراك وعفا عليها الزمن. ولكن هل سيعفو الزمن عطش العراقيين؟
درج