أبحث عنك في المدينة وقصائد أخرى/ رادنا فابياس
رادنا فابياس Radna Fabias شاعرة هولندية الجنسية سورينامية الأصل (مواليد 1983)، فازت مجموعتها الشّعرية الأولى “هابيتوس – Habitus” بجميع الجوائز الشّعرية الكبرى التي تُمنح للشّعر المكتوب باللغة الهولندية منذ صدورها في آذار/ مارس 2018. وبهذا تكون أوّل هولندية تحصد جميع الجوائز الكبرى للشِّعر في هولندا عن المجموعة ذاتها.
(ترجمها عن الهولندية: عماد فؤاد)
*****
أبحثُ عنكَ في المدينة
أبحث أولًا عن جسدكَ في المدينة
بالطّبع لا أجده، لكنّي لست متعجّلة
أفكِّكُ بصبر أجزاءً من أجسام المارّة لأبني بها فخورة جسدَكْ
كانت النتيجة مُرْضية
فقط يجب عليَّ أن أُلوِّنَها.
أبحثُ عن لونِكَ في الحجارة القديمة
لشارع ميِّت ومتّسخ
أبحثُ عنكَ في القضبان المصقولة
التي ينزلق القطار عليها
أبحثُ عنكَ في إسفلتٍ فَحْميٍّ كغُرابٍ
وفي كلِّ ما هو أسود.
أجدُكَ بين السّابعة والثّامنة صباحًا
على جلد أسلاك الكهرباء
فوق المدينة بأكملها
أقفُ مشدودةً على رؤوس أصابعي، ولا أتمكّن
من الوصول إليكْ.
أنتَ في شَعر المرأة الباكية في الكنيسة، في لِحَى الرِّجال الأتقياء، في نعل حذاء الفتاة على العشب، في إطارات نوافذ المبنى القديم حيث تعتدل عروس أمام عدسة مُصوِّر.
أجدُكَ في لحاء، جذوع، جذور الشَّجر
وبين رمال ثلاثة أماكن في البلد الذي وُلدتُ فيه،
لكن رجال الجمارك لن يسمحوا لي
أن آخذ لونك معي.
أجدُكَ في قاعدة الجسر السّفليّة على البحر
بالطّبع أجدك على البحر
أولًا في جناح نورس جائع
ثمّ فوق المياه
في الليل الذي يكتمل
ليُشبهَكْ.
*****
عروس
مثل كثير من النِّساءِ
عرفتُ دائمًا أنّي سأتزوَّجُ رجلًا
وسوف يكون أسود
لأنَّ هذا سيناسب ثوبي أكثر
مسألة تباين.
تمّت المراسيم داخل كنيسة
حيثُ تُمارس شعائر لم أومن بها
ارتدى الكاهن، مثل جميع النّساء الحاضرات، حجابًا
أبيض
وانتهت خطبته بسؤال: “مَن الذي سيتّصل
بالشّرطة”؟
على المذبح ترقدُ أشياءٌ
أعرفها منذ طفولتي
صبّارةٌ، فحمٌ متوهّج، فأسٌ لإزالة العشب الضّار
وحيوان ميّت
أغلب الظّن كلب شريد..
كانت الأرضيّة مُغطَّاة بدقيق الذّرة
ذكَّرني المكان بخيمة على الشَّاطئ
ورائحة البخور بعشيَّة عيد الميلاد.
رُسم صليب بمياه البحر
على رأسي المغطَّى بالرَّماد
ومَنحتُ وعدًا أبديًّا في لغة لا أتحدّثُها
تعلَّمتُ جُملتي هذه فقط.
قال العريس إنّ اللغة
لن تنفع في أكثر من ذلك
فيما نظرات المدعُوّين فارغة من المعنى.
لم أكن أرتدي حمَّالة صدر
فأخجلني أثر حلمتي النّاتئة في كذبتي
كذبتي البيضاء مُجسّدةٌ في فستان زفافي الأبيض
همس لي عريسي أنّ الزّواج مجرّد إجراء شكلي
فقط لطمأنة آبائنا.
غنّت النّساء أغنيةً عن براءتي المفقودة
فقدّمت اعتذاري لأنّ الجلسة طالت
وشكرتني حماتي المُحجّبة مقدَّمًا
على الأحفاد.
في طريقنا إلى الخروج
رشقنا المدعوّون بوابل من البذور والحبوب:
يانسون لليلة زفاف حُلوة (كما لو كنّا بحاجة إليه)
أرز، لأنّه مناسب، بذور السمسم الأسود، قال عريسي إنّه كان رمزًا مهمًّا
وعند الباب، أخيرًا، قبل أن نخرج من الكنيسة،
أمطرونا بالشَّعير
*****
مقاومة العاصفة
وَارِ الجسد
سَاوِ القدمين بالحجارة، صِلْها بذلك الشّيء تحت الأرض
حيث كلّ شيء يتنفّس هادئًا دون حركة
– جنَّتُكَ عميقة سماؤُكَ لدغة –
اِشْهق وازْفُر حتى تتماسك الحجارة
خُذ المعادن المُدَّخرة
وارْبط بها السَّاقين
ثبِّتهما بقوِّة في الحصى
واستخدم العنف عند الضَّرورة.
صُبَّ الخرسانة – افعل شيئًا –
استخدم العنف كلَّما استطعت
اضرب بجسم صلب دون غاية
وابْدأ من جديد إن سقط.
اُشْكُر الآلهة
واسْتمرّ مع الصّليب
اقْبِضْ عليه، ابْطِلْ مفعوله
الهدف هو منع تدفُّق الدّم قبل معالجة الجزء السُّفلي من البطن
من الممكن أن يتسبّب هذا في الكثير من المشاكل، لكن لا تقلق، يُمكن أيضًا أن يُخْنَقْ.
تحسُّبًا
صُبَّ في الحلق بعض الماء المثلج
انتظر حتى تنخفض درجة الحرارة الدّاخلية
قد يلزم تكرار هذا الإجراء.
ها هي العاصفة لم تعد قادرة على أن تطالك
اِشْفِق على الضّحايا
ويلٌ لهم ويلٌ لهم.
*****
قصّة قديمة لأشخاص وأشياء لا وجود لهم في الحياة الواقعيّة
الغرفةُ الأولى التي لا ننامُ فيها هي شجرةٌ جوفاء
ونحنُ نملٌ أبيض
نأكل طُرقَنا فنشعر بالظّلام
نبرة النّمل الأبيض في صوتِكَ تُخبرني أنّ “الموريِّين” (*)
هم الذين جلبوا الحضارة إلى الغرب
أسألُ عن موقفكَ فيما يتعلَّق بعرق المسيح، ربّنا يسوع المسيح
فتقول: بالطّبع كان أسود
لكن بقيّة القصّة غير صحيحة.
أنتَ لا ترى جيِّدًا
أنا مخطئة
ولا ألومَك
فالنَّمل الأبيض أعمى.
الغرفة الثّانية التي لا ننامُ فيها هي مكُّوكٌ فضائيّ
ونحن خارج الأرض
أرى مجسَّات استشعارك كأنَّها مخالب
والعكس صحيح
نحنُ مُقزِّزون
نحنُ كونيُّون
نحنُ رَطِبُون.
تخبرني أنّكَ عرفت رائد فضاء
سحقه ثقب أسود
لكنّك تنسى أفق الإدراك
فترى الفوضى في الهدم وأنا لا أقول شيئًا.
الغرفة التّالية بركان لكن يمكنني
المجازفة
تلتهم الحرارة نصفَ وجهكَ فأراكَ أخيرًا
من زاوية حادّة
مُرتعدًا.
في الغرفة الرّابعة ثمّة أخيرًا سرير
بطاولتين صغيرتين على جانبيه
ومنضدة للكتابة
ومتدليًّا من السّقف
كان يمكن لـ”العهد الجديد” في أيّة لحظة أن يسقط فوقنا
أنتَ تقدِّم لي خدَّك الآخر
وأنا ألعقه.
في الغرفة الخامسة تصنع من يديكَ كأسين: تعالي هنا،
اِبْقي، علينا أن نتزوّج
قلتَ لي إنَّني سائلة
وإنَّك تحبّ الأشياء التي تتدفّق من خلالك
قلتُ: بالطّبع أنا سوداء،
لكن بقيّة القصّة غير صحيحة.
الغرفة السّادسة التي لا ننامُ فيها تقع بين اللوبي
وغرفة الإفطار
موظّف الاستقبال ينظر إلى الهاتف يرنّ لكنّه لا يردّ
في غرفة الإفطار يرقد البيض المسلوق في صينية معدنية على سرير من حبوب البنّ
لا نفهم لماذا قام شخص ما في الخارج
بنقل المدينة
ها هي الآن تطفو فوق الغيوم
والأمر يبدو مُملًّا.
بخصوص الغرفة الأخيرة يتعيّن علينا السّير قليلًا للوصول من موقف السيّارات إلى مكتب الاستقبال، البلاط في الحمّام يتشقّق، الدّشُّ يُنقِّط، شَعرٌ يسدُّ فتحة الحوض، النّافذة لا تُفتح، المكيّف يُحدث الكثير من الجلبة، أغطية النّوم قصيرة، ولو وصل الإفطار إلى الفراش يكون وقت الغداء تقريبًا، لحم الخنزير المقدّد قاس، الأومليت ليس مَطهوًا كفاية، القهوة خفيفة، أنابيب المياه مُتعفّنة، شيء ما يقطر من ورق الحائط، لا توجد غلّاية للماء، ولا روب يُلبس بعد التّحمّم، مُجفِّف الشَّعر لا يعمل، والسَّاونا أسوأ، فلأجل ساعة واحدة في اليوم يتعيّن على الواحد الاتصال ليشغّلوها فتستغرق نصف ساعة على الأقل حتى تسخن، ثمّ إنَّ رائحة السَّاونا لا تشبه إطلاقًا رائحة الأوكالبتوس..
والسّرير
ناعم جدًا..
*****
بطاقة بريدية
عزيزي
وضعتُ أذني (حسب التّعليمات)
على البحر، لكن كلّ ما سمعته هو تحرّك الرِّمال..
*****
(*) مور Moren: مصطلح استخدمه المسيحيون الأوروبيّون للإشارة إلى السكان المسلمين في المغرب العربي، وشبه الجزيرة الأيبيرية وصقلية ومالطا، خلال العصور الوسطى. كان المور في البداية من السكان الأصليّين المغاربيّين الأمازيغ. لكن لاحقًا تم تطبيق الاسم أيضًا على العرب والأيبيريين المُعرَّبين.
المترجم: عماد فؤاد
ضفة ثالثة