مستقبل خيبات الأمل/ عمار المأمون
ما أتخيّله للمستقبل ليس ديستوبيًا، إن لم تحدث نهاية تمكّنت فئة محددة من النجاة بعدها. لن تتهدم الاسرة أو يلتهم الناس بعضهم البعض، بل سيكتفون بالتحديق في الفراغ.
صحفي مهتم بالشأن الثقافي، حاصل على ماجستير في الإعلام وليسانس في الدراسات المسرحيّة من جامعة دمشق، وماجستير في الدراسات الثقافيّة من جامعة السوربون. مختص في نظريات الأداء والصناعة الثقافيّة، يعمل في عدد من الصحف العربيّة والدوليّة.
هذا النص جزء من سلسلة الخيال العلمي.
لفترة طويلة لم تنتج بلادي، ولا لغتي، خيالًا علميًا، أولًا لأنّ التكنولوجيا لم تنشأ فيها ولم تهيمن الآلة بشكل كامل خارج قطاعات الإنتاج، ناهيك إنّ الحكايات الدينيّة تقدم نهايات واضحة لما سيحصل لاحقًا، هناك لحظة ما محددة تسبقها علامات وإشارات في هذه اللحظة وحين تأتي سينقلب العالم ويختلف جذريًا.
الأهم لفترة طويلة خضعت بلدي، سوريا، لحالة الاستثناء: قوانين طوارئ وأجهزة دولة نظّمت الطاعة وأسلوب إنتاجها، وضبطت السلطة بالعنف كلّ من حَاد عن السيناريو المرسوم مسبقًا.
ما أتخيّله للمستقبل ليس ديستوبيًا، إن لم تحدث نهاية تمكّنت فئة محددة من النجاة بعدها.
ما أظنّه في حال استمر الاستثناء أنّ المستقبل سيكون مليئًا بخيبات الأمل، لن يموت أحد أكثر ممن مات، لكن سيبدو الجميع أشبه بمن يسير في نومه، أو من يراوده حلم يقظة لا متناه، مجرّد تيار أوتوماتيكي يتحكم بالأفراد لأجل نجاته. كما لا أظن أنّ نهاية العالم ستكون عن طريق حدثٍ ربّاني أو عن طريق حادث يعطب العالم كما نراه، بل سينجو من نجا بصواريخهم إلى الخارج، والباقون الأفقر والأقل أهميةّ والمستثنون سيُتركون إلى مصيرهم.
لن تتهدم الاسرة أو يلتهم الناس بعضهم البعض، بل سيكتفون بالتحديق في الفراغ.
ستكون خيبة الامل هي النهاية الأشدّ قسوة، لا نجاة من هذا العالم، والعطل موجود لم يتغير. أظنّ ايضًا أنّ الزمن سيكون أبطأ، خصوصًا أنّ الواحد منّا سيستنزف ذكرياته، فلا جديد يتراكم سوى أحلام اليقظة التي، حسب ميرلو بونتي، يُمكن نقلها مشافهة لا سردًا، وفي عالم المستقبل لا أحد سيُصدّق ما يُقال.
في رواية بعنوان “أخبار الرازي” للتونسي “أيمن الدبوسي”، و حتى عند نهاية العالم التي تصورها الرواية، نتعرّف على سحليّة لا كانيّة (نسبة إلى جاك لاكان). تنصح هذه السحليّة بطل الرواية وتغيظه في ذات الوقت.
ربما بعد ثلاثمئة عام ستكون السحالي هي المسؤولة عن صحتنا النفسيّة، هي الوحيدة الناجية، سواء في الحكايات الدينيّة أو في التاريخ الطبيعي. هي الأقدر على نقل الحكمة إلينا. ربما لأنّ السحليّة اللاكانيّة كلّما حدقت في المرآة انحرفت و لم تصدق ما تراه، ببساطة لأنّ انعكاسها و حكاياتها ليست ملكها، فتعّلمت أن تغيّر جلدها لتترك أثرًا على إنّها في لحظة ما أرادت أن تغيّر ما تراه في المرآة.