سياسة

تطورات الموقف الإيراني من الأزمة في سورية -مقالات مختارة-

دولٌ عربيةٌ في الطريقِ إلى دمشق/ هشام ملحم

سعت دول عربية في الأسابيع الماضية الى تكثيف اتصالاتها الدبلوماسية والاستخباراتية مع نظام بشار الأسد في دمشق بهدف إعادة سوريا الى جامعة الدول العربية بعد عقد من طردها بسبب قمعها الدموي للانتفاضة الشعبية في أشهرها السلمية الأولى. إعادة سوريا الى الجامعة هو مقدمة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها، وإعادة الاعتبار لنظام الأسد، في غياب حل للنزاع، أو بالأحرى للنزاعات الدموية في سوريا. وهذا يعني عملياً التسليم بما يدعيه مؤيدو هذا النهج بحتمية انتصار نظام الأسد في مواجهاته الدموية مع القوى السياسية والعسكرية التي تسعى منذ 10 سنوات الى التخلص من نظام لم يتردد في استخدام كل الأسلحة الموجودة في ترسانته ضد المدنيين بما في ذلك الأسلحة الكيماوية.

حتى الآن لم يصدر عن الولايات المتحدة أو إسرائيل، أي مواقف معارضة لهذه الجهود التي تؤيدها روسيا بقوة، لإعادة سوريا الى الحظيرة العربية. الولايات المتحدة وإسرائيل معنيتان مباشرة بالنزاع السوري، حيث تقوم الطائرات الإسرائيلية دورياً بقصف مواقع القوى الإيرانية والميليشيات الشيعية المنتشرة في سوريا لدعم النظام، كما لا يزال للولايات المتحدة حوالى 800 عنصر عسكري في شمال شرقي سوريا.

وفي شهر آذار (مارس) الماضي، ازدادت وتيرة هذه الجهود لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، حين شجع هذه الدول على تطوير علاقاتها مع دمشق. وفي تطور لافت زار الفريق خالد الحميدان رئيس الاستخبارات العامة السعودية دمشق يوم الاثنين الماضي والتقى بنائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية اللواء علي المملوك الذي وصفته صحيفة “الغارديان” بمهندس سحق الثورة السورية ضد الأسد، وضابط الاتصال الرئيسي بالقوات الروسية المنتشرة في سوريا. ويعتبر اللقاء بين الحميدان والمملوك مقدمة لتحسن ملحوظ في العلاقات الثنائية من المتوقع الإعلان عنه بعد عطلة عيد الفطر.

وفي الشهر الماضي كرر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تأييده لعودة سوريا الى جامعة الدول العربية خلال اجتماعه بسكرتير الجامعة أحمد أبو الغيط في بغداد. وفي الأسبوع الماضي استضافت بغداد وزير النفط السوري.

وفي السنوات الماضية بدأ النظام السوري بكسر أو تخفيف عزلته العربية، حين بدأت دول عربية بإعادة فتح سفاراتها في دمشق، بعضها على مستوى السفير. وفي عام 2018 أعادت دولة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق، وتبعها الأردن في 2019، وتلتها سلطنة عمان في 2020. هذه الاتصالات الدبلوماسية وبدايات العلاقات الاقتصادية، تستمر مع بقاء العقوبات التي فرضتها جامعة الدول العربية ضد النظام السوري قبل 10 سنوات. ومع أن هذه الدول تتحدث عن ضرورة إيجاد حل سلمي للنزاع الدموي في سوريا، الا أنه لا توجد هناك أي مؤشرات في أن نظام الأسد يمكن ان يقبل بأي تسوية سياسية يمكن أن تضعف من سيطرته الكاملة على الأراضي التي تهيمن عليها قواته وقوات حلفائه.

ويقول مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر في حوار مع “النهار العربي” إن “الدول العربية التي تسعى الى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد في غياب عملية سلمية تشمل وضع دستور جديد وإشراك المعارضة في السلطة، تبرر عودتها الى دمشق بالقول إن ذلك ضروري لتحييد او ردع النفوذ التركي المتزايد في سوريا، وهذا أكثر ما يقلق دولة الإمارات العربية”. وأضاف شنكر “أن الإمارات والسعودية ومصر، ترى أن عودتها الى سوريا يمكن أن تحد ايضاً من نفوذ إيران ولو بشكل محدود”. وتابع شنكر أن الأردن يأمل “بإعادة بعض اللاجئين السوريين الذين لجأوا الى الأردن في بداية الانتفاضة، ولكن السبب الآني للتقارب هو اقتصادي”.

ويقول شينكر “إن الوضع الراهن تجاه سوريا يذكره بالأجواء السياسية خلال الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، وبداية الولاية الأولى للرئيس الأسبق باراك أوباما، وتحديداً المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط والذي نظمته ادارة الرئيس بوش في مدينة أنابوليس، بولاية ماريلاند في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007. وإضافة الى إسرائيل والسلطة الفلسطينية، شاركت في المؤتمر دول عربية وأبرزها السعودية ودول أخرى من المنطقة وخارجها، إضافة الى منظمات دولية. آنذاك اقنعت السعودية الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كونداليسا رايس بدعوة سوريا الى أنابوليس، على الرغم من العلاقات المتوترة آنذاك بين واشنطن ودمشق بسبب دعم سوريا للقوى التي كانت تحارب القوات الأميركية في العراق”. ويشير شينكر الى أن “مشاركة سوريا في المؤتمر فسرت في المنطقة على أنها مؤشر لتحسن العلاقات مع واشنطن. وفي نيسان (أبريل) 2007، قامت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي بزياردة دمشق والاجتماع بالرئيس الأسد وناقشت معه الأوضاع في العراق ولبنان ومحادثات السلام بين سوريا وإسرائيل”.

ويضيف شينكر أن “العلاقات مع دمشق بدأت تتحسن بالفعل مع بداية ولاية الرئيس باراك أوباما، في 2009 حيث بدأ السناتور الديموقراطي جون كيري باتصالات وزيارات الى دمشق كان يجتمع فيها مع الرئيس الأسد. وعقب ذلك، الجهود التي بذلها مبعوث الرئيس اوباما للشرق الأوسط السناتور المتقاعد جورج ميتشل ونائبه فريدريك هوف للتقدم بالمفاوضات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة والتي كانت تجري في تركيا، حين كانت علاقات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ببشار الأسد جيدة، وهي المباحثات التي حاولت واشنطن تطويرها أكثر، الى أن توقفت هذه المساعي مع بداية الانتفاضة السورية”.

ولكن ماذا عن موقف إدارة الرئيس جو بايدن من هذه المحاولات العربية لإعادة الاعتبار لنظام الاسد؟ يقول شينكر: “حتى الآن لم نرَ معارضة من ادارة الرئيس بايدن لما تفعله الدول العربية بشأن تطبيع العلاقات مع الأسد”. ويشير شينكر إلى أن “إدارة بايدن التي سارعت الى تعيين مبعوث أميركي خاص لليمن هو الدبلوماسي تيم ليندركينغ، وقبل أسابيع تعيين مبعوث خاص لمنطقة القرن الأفريقي، هو الدبلوماسي المتقاعد والسفير الأميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان، إلا انها لم تعين أي مبعوث لإحياء الجهود الدولية الرامية الى حل النزاع السوري وفقاً للقرارات الدولية”.

وحول كيفية تعامل إسرائيل مع هذه المحاولات العربية، يرى شينكر “أن هناك موقفاً إسرائيلياً ومصرياً غير واقعي، يأمل بأن تقوم روسيا ولو في شكل محدود باحتواء النفوذ الايراني في سوريا”. ويضيف شينكر أن “روسيا لا تمانع حين يقوم سلاح الجو الإسرائيلي، بالإغارة على مواقع الإيرانيين وحلفائهم في سوريا، طبعاً بعد أن يطلعوا الروس قبل دقائق من حدوث القصف، لتفادي أي تعقيدات مع روسيا”. ويرى شينكر أن “إسرائيل لن تعترض على عودة الدول العربية الى سوريا سياسياً واقتصادياً لأن ذلك لن يضر بمصالحها، واذا أدت هذه العودة العربية إلى سوريا ولو بشكل محدود للغاية الى زيادة الضغوط على تركيا وإيران، فإنها سترحب بذلك”.

طبعاً، كل هذه المحاولات والمناورات الإقليمية والدولية من المتوقع أن تصب في مصلحة نظام الأسد، لأنها ستؤدي عن قصد أو غير قصد الى تعزيز بقائه في السلطة، وكأن تضحيات الشعب السوري الهائلة لتقرير مصيره قد ذهبت سدى.

النهار العربي

—————————-

إعادة تأهيل الأسد: “الجامعة العربية” تحتضن منبوذاً/ ديفيد شينكر

تحليل موجز

ازدادت المساعي الرامية إلى إعادة دمج سوريا في “الجامعة العربية” رغم الجهود الوحشية التي قام بها النظام السوري وأسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 500,000 شخص. وتدفع المصالح الضيقة والتعب من الحرب العديد من الدول الأعضاء في “الجامعة العربية” إلى دعم الانتخابات المبكرة والتطبيع مع دمشق، لكن هذه المقاربة لن تؤدي سوى إلى تعزيز سيطرة الأسد ومساعدته على التهرب من المساءلة عن جرائم الحرب.

في الأسابيع الأخيرة، ازدادت المساعي الرامية إلى إعادة دمج سوريا في “جامعة الدول العربية”. وتم تعليق عضوية البلاد في المنظمة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، بعد ثمانية أشهر من الجهود الوحشية التي قام بها النظام السوري وأسفرت عن مقتل 5000 مدني. وبعد مرور عشر سنوات ومقتل ما يقدر بنحو 500,000 شخص، تتخذ العديد من الدول العربية – بتشجيع من روسيا – خطوات لإنهاء عزلة بشار الأسد واستعادة عضوية سوريا التي استمرت عقداً من الزمن. وعلى الرغم من أن “الجامعة العربية” هي منظمة قديمة وغير فعالة وغير جوهرية إلى حد كبير، إلا أن هذه الخطوة مهمة لما تحمله من معانٍ: استعداد أكبر من قبل دول المنطقة للتعاون مع الأسد سياسياً واقتصادياً. وتماشياً مع “قرار مجلس الأمن رقم 2254” (لعام 2015)، ربطت السياسة الأمريكية أي إعادة انخراط مماثلة بانتقال سياسي شرعي، لكن دول المنطقة قد تقّوض احتمالات التغيير الحقيقي من خلال الترحيب بعودة دمشق قبل الأوان.

زيادة الانخراط العربي

بعد تعليق عضوية سوريا لرفضها تنفيذ خطة “الجامعة العربية” للسلام في عام 2011، فرضت المنظمة سلسلة من العقوبات التي شملت حظر السفر على بعض كبار مسؤولي النظام ووضع قيود على الاستثمارات والتعامل مع “مصرف سوريا المركزي”. وباستثناء العراق ولبنان واليمن، قام جميع أعضاء “الجامعة العربية” بالمصادقة على هذه الإجراءات وفرضها جزئياً على الأقل على مدى عقد من الزمن، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى مخاوف من معاقبتهم من قبل الدول الغربية في حالة عدم امتثالهم للإجراءات.

ومع ذلك، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، بدأ عدد من الدول العربية بالضغط من أجل إنهاء تعليق عضوية سوريا، انطلاقاً من مقتضيات اقتصادية، والتعب من الحرب، والمنافسات الإقليمية، والشعور المتزايد بأن نظام الأسد قد انتصر [في الحرب الأهلية]. وعارض كبار مسؤولي إدارة ترامب هذه الجهود، لكن الاتصالات بين العواصم العربية ودمشق تكثفت مع ذلك بين عامي 2016 و 2020، حيث أعادت عدة دول فتح سفاراتها المغلقة وأعادت تعيين كبار الدبلوماسيين.

وكانت دولة الإمارات من بين أكثر هؤلاء المدافعين إصراراً. فعلى الرغم من دعمها للمتمردين في بادئ الأمر، أعادت أبوظبي فتح سفارتها في دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2018، ودعت منذ ذلك الحين إلى إعادة عضوية سوريا في “الجامعة العربية”. واكتسبت الفكرة مزيداً من الزخم في آذار/مارس بعد أن قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بجولة في دولة الإمارات ودول الخليج الأخرى. وفي مؤتمر صحفي مشترك خلال زيارة لافروف، استخف وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد بمقاربة واشنطن في الأمر وأعرب عن أسفه لأن القيود الاقتصادية الأمريكية مثل «قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا» “تجعل الأمر صعباً”. ثم دعا إلى إعادة إعمار سوريا ما بعد الحرب.

ولم تكن الإمارات وحيدة في اتباع هذا المسار، فقد:

    أعادت تونس فتح سفارتها في عام 2015، حيث أرسلت دبلوماسياً متوسط الشأن إلى دمشق.

    أعادت عُمان سفيرها إلى سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2020، لتكون أول دولة خليجية تقوم بذلك. وبعد خمسة أشهر، صرح السفير السوري المعتمد لدى مسقط بأن البلدين اتفقا على “تعزيز الاستثمارات” والتجارة.

    أرسل الأردن قائماً بالأعمال إلى دمشق في عام 2019، ليملأ بذلك منصباً بقي شاغراً منذ عام 2012.

    أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري الشهر الماضي أن القاهرة تدعم التطبيع العربي مع سوريا، بعد وقت قصير من لقائه مع لافروف.

    استضاف العراق وزير النفط السوري الأسبوع الماضي للتفاوض على صفقة لاستيراد الغاز الطبيعي المصري عبر سوريا.

    أرسلت المملكة العربية السعودية رئيس استخباراتها إلى دمشق لإجراء محادثات مع نظيره السوري في 3 أيار/مايو، في اجتماع وصفته صحيفة «الغارديان» البريطانية بأنه “الاجتماع الأول العلني من نوعه منذ اندلاع الحرب”. ووفقاً لبعض التقارير ناقشا إعادة فتح السفارتين.

    ستعقد مصر والعراق والأردن قريباً اجتماعاً في بغداد يركز على إعادة دمج سوريا في المنطقة، وفقاً لتقرير من نيسان/أبريل في صحيفة “الشرق الأوسط”.

ويبدو أن مجموعة من الدوافع الضيقة تقود هذه الجهود. فبالنسبة لدولة الإمارات، إن إعادة دمج الأسد وإعادة بناء سوريا تحملان وعداً بإنهاء انتشار القوات التركية في إدلب، حيث قام الخصم الإماراتي بنشر قواته لمنع تدفق المزيد من اللاجئين. ويبدو أن الأردن مدفوعاً في المقام الأول من رغبته في دعم اقتصاده، وإعادة اللاجئين، واستئناف النشاط التجاري المتسق، وإحياء النقل البري عبر سوريا في طريقه إلى تركيا وأوروبا. وفي هذا الصدد، لا تزال قيود «قانون قيصر» الذي أصدرته واشنطن تثير غضب عَمّان.

وعلى نطاق أوسع، يبدو أن المسؤولين المصريين يؤيدون الفكرة غير المؤكدة بأن عودة سوريا إلى “الجامعة العربية” ستعزز “عروبتها” تدريجياً، وبالتالي تُبعِد دمشق عن إيران الفارسية. ومن المحتمل أن تشارك دول أخرى في المنطقة وجهات نظر مماثلة. حتى أن بعض شخصيات الأمن القومي الإسرائيلي تقدّر بشكل غير محتمل أن روسيا قد تحد من الاجتياح الإيراني لسوريا ما بعد الحرب في ظل حكم الأسد.

كما يبدو أن معظم الدول العربية – وخاصة مصر – مستعدة لتصديق مسرحية الانتخابات الرئاسية الوشيكة في سوريا كدليل على التحوّل السياسي. فخلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في 12 نيسان/أبريل مع لافروف، أعلن وزير الخارجية شكري أن التصويت المزمع في 26 أيار/مايو سيسمح للشعب السوري “بتحديد مستقبله… وتشكيل حكومة تمثله”، على الرغم من حتمية النتائج المزوّرة لصالح الأسد.

تحدّي الأمم المتحدة وتجاهل جرائم الحرب

تتعارض جهود إعادة تأهيل نظام الأسد مع “قرار مجلس الأمن رقم 2254″، الذي ينص على ضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة بمشاركة المغتربين، وكتابة دستور جديد، فضلاً عن متطلبات أخرى لم تحققها سوريا بعد. وينص القرار أيضاً على التنفيذ الكامل لـ “بيان جنيف” الصادر في حزيران/يونيو 2012، والذي دعا إلى انتقال سياسي كامل إلى دولة سورية ديمقراطية غير طائفية تحترم حقوق الإنسان.

وبالإضافة إلى هذه الأهداف السياسية التي لا تزال بعيدة المنال، تتجاهل [مبادرة] إشراك الأسد أيضاً ضرورة محاسبة النظام على “انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”، على حد تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. ومن الناحية الفنية، لا ترقى هذه الانتهاكات إلى مستوى التعريف الدولي لـ “الإبادة الجماعية”، لكن “متحف ذكرى الهولوكوست” في الولايات المتحدة وصفها بأنها “جرائم وحشية ضد الإنسانية وجرائم حرب”. وخلال خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيسان/أبريل، كرر غوتيريس أن المسؤولين عن مثل هذه الجرائم – من بينها استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين – يجب ألا يفلتوا بعد الآن من العقاب. وأضاف: “يجب محاسبة الجناة”.

تهكّم “الجامعة العربية”

كان قرار “الجامعة العربية” لعام 2011 بتعليق عضوية سوريا مذهلاً في ذلك الوقت لأن المنظمة نادراً ما أبدت نفوراً من جرائم أعضائها ضد الإنسانية. ففي آذار/مارس 2009، على سبيل المثال، استضافت الرئيس السوداني عمر البشير في قمة قطر بعد أسابيع فقط من توجيه الاتهام إليه من قبل “المحكمة الجنائية الدولية” لإصداره أمر بقتل ما يقرب من 500 ألف مدني في دارفور.

وبعد عقد من الزمن، يبدو أن هذه الرغبة في التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان تعود إلى الواجهة. ففي 21 نيسان/أبريل، جُردت سوريا من حقوقها في التصويت في “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية”، وهو قرار أيدته 87 دولة عضو في “المنظمة”. ومع ذلك، امتنعت ثماني دول أعضاء في “الجامعة العربية” عن التصويت، من بينها الأردن، والعراق التي تعرّض سكانها الأكراد لهجمات كيماوية خلال عهد صدام حسين. وكانت فلسطين، التي هي عضو آخر في “الجامعة العربية”، من بين خمسة عشر صوتاً معارضاً، بانضمامها إلى دول أمثال إيران وروسيا. وحول موضوع آخر، لم تشجب “الجامعة العربية” الإبادة الجماعية التي تُرتكب ضد مسلمي الأويغور الصينيين في شينجيانغ. وعلى العكس من ذلك، أشارت بكين إلى أن “الجامعة العربية” أيّدت صراحة “موقف الصين العادل بشأن … شينجيانغ” خلال اجتماع “منتدى التعاون الصيني العربي” في تموز/يوليو 2020 في عَمّان.

التداعيات السياسية

على الرغم من عدم التزام العرب بـ “القرار رقم 2254” وفرص النجاح الضئيلة لذلك، يجب على واشنطن الاستمرار في الضغط من أجل إحداث تغيير في سوريا. ومن المسلّم به أن تعب دول المنطقة من الحرب وأزمة اللاجئين آخذة في الازدياد، لكن سوريا تحت حكم الأسد لن تكون أبداً ملاذاً آمناً لعودة هؤلاء الملايين من المنفيين. وبالمثل، فإن إعادة قبول سوريا في “الجامعة العربية” وتمويل إعادة الإعمار بعد الحرب لن يدفع الأسد إلى قطع العلاقة الاستراتيجية للنظام مع طهران التي استمرت أربعين عاماً. وبدلاً من ذلك، من شأن التطبيع مع دمشق أن يخفف ببساطة الضغط على النظام ويمكّنه من تعزيز سلطته.

وبغض النظر عن القبول المتزايد للأسد في العواصم العربية – وحتى في إسرائيل – فإن إعادة تأهيله ليست حتمية. بيد أنه من أجل الحيلولة دون انهيار الإجراءات المنصوص عليها في “القرار رقم 2254″، سيتعين على إدارة بايدن إعادة تأكيد قيادتها، من خلال تعيين مبعوث جديد أو مسؤول كبير آخر مخوّل لتنسيق النهج الدولي مع أوروبا ودول المنطقة.

ينبغي على واشنطن أيضاً أن ترفض الانتخابات الرئاسية الوشيكة التي ستجري في سوريا، والتي من المؤكد ستمنح الأسد فترة ولاية أخرى أمدها سبع سنوات حتى في الوقت الذي تحاول فيه الدول الأعضاء في “الجامعة العربية” وصفها بأنها “مرحلة انتقالية”. وبدلاً من ذلك، يجب على المسؤولين الأمريكيين العمل مع الشركاء الأوروبيين لتشكيل إجماع دولي فيما يتعلق بفشل الانتخابات في تلبية المتطلبات “الحرة والعادلة” المنصوص عليها في “القرار رقم 2254”.

وفي الوقت نفسه، ينبغي على الولايات المتحدة أن تزيد من جهودها الإنسانية في سوريا وأن تقنع دول الخليج التي تقود جهود التطبيع بتقديم مساعدات إضافية أيضاً، لا سيما في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام. ولا يزال الأسد يسيطر على دمشق وضواحيها، لكن قرارات استخدام الأسلحة الكيميائية وارتكاب فظائع جماعية أخرى ضد الشعب السوري تتجاوز الحدود ويجب أن تحول دون إعادة تأهيله. ومع ذلك، ففي هذه المرحلة، يمكن للولايات المتحدة وحدها منع حدوث ذلك.

ديفيد شينكر هو “زميل أقدم في برنامج توب” في معهد واشنطن. وشغل منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى في الفترة 2019-2021.

———————–

سوريا الأسد والكبتاغون والأقليات/ مهند الحاج علي

ليست الموجة المرتقبة من التطبيع العربي مع النظام السوري بالحدث الهين، حتى وإن كانت اليوم في طور المحادثات السرية أو “المراجعة”، كما وصفها دبلوماسي سوري أخيراً. وبالتأكيد لهذا التطبيع انعكاسات في لبنان، ويحق للبنانيين وسوريين وفلسطينيين أن يقلقوا من إعادة تعويم هذا النظام عربياً، وأدواره وأهدافه المحتملة في الإقليم. لكن وقبل الخوض في المخاوف وصحتها ومداها، علينا النظر في المعاني السياسية لهذا التطبيع العربي في حال حدوثه، والعودة المحتملة للنظام الى جامعة الدول العربية.

أولاً، التطبيع مع النظام يتزامن مع الانتخابات الرئاسية غير المعترف بها دولياً، كونها تتجاوز العملية السياسية وتُكرّس الأمر الواقع. عملياً، التطبيع العربي هو موافقة على تدمير العملية السياسية وتجاوزها، وتثبيت النظام السوري كممثل شرعي أوحد على الأراضي السورية.

ثانياً، التطبيع هو قبول أيضاً بالوقائع الديموغرافية المفروضة على الأرض.  9ملايين سوري اليوم يُقيمون تحت سيطرة النظام السوري، وفقاً لمركز “جسور” للدراسات. تقريباً، ضعفا هذا العدد خارج سيطرة النظام، والأرجح أن لا يعود عدد وازن من هؤلاء السوريين الى مناطقهم، والسبب بات واضحاً. ذاك أن سوريا “المفيدة” فيها غالبية من الأقليات غير السُنيّة، وتحوّل فيها السُنّة من غالبية ساحقة إلى أقلية كبيرة. والطائفة العلوية باتت أقلية وازنة ولها وجود كبير في العاصمة السورية.

وهذا الواقع هو نتاج جريمة تطهير عرقي من خلال التهجير والقتل والتدمير والتعذيب والتنكيل على مستويات لم يرها المشرق على هذا المستوى سوى في الأراضي الفلسطينية في حربي 1948 و1967.

التطبيع مع النظام السوري، بمعزل عن المسار السياسي ومتطلبات العملية الانتقالية، هو قبول بهذه الجريمة وبنتائجها الديموغرافية، بما يُشجع على تكرارها في المنطقة بأسرها، ويُخفف من وقع الضغوط من أجل عودة اللاجئين والتنازل سياسياً ودستورياً.

آثار التقارير عن هذا التطبيع، ولو لم تكتمل صورته بعد، بدت في رؤية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله اليوم بأن “مسار التعافي” بدأ في سوريا، رغم أن “الاستحقاق الأخطر” فيها اقتصادي، ولا يقتصر عليها، “وهي مصممة على الصمود والمواجهة”.

لكن المسار “الاقتصادي” هو لُب الموضوع أيضاً. بيد أن الصحيفة ذاتها (الغارديان البريطانية) التي كشفت عن الاجتماع بين رئيسي المخابرات السورية والسعودية، كتبت أيضاً عن تحول سوريا الى مقر لصناعة مخدر الكبتاغون في المنطقة. وهذا مسار متلازم مع لبنان الذي بات أيضاً في حالة اقتصادية يُرثى لها، تنعكس على قدرة الدولة على إدارة أي شيء في البلاد ومنها ضبط الحدود ومكافحة الجريمة. عملياً، التطبيع مع هذا النظام، هو قبول بدوره الاقتصادي الجديد، ذاك أن مسرح جريمة اسمه سوريا استحال مصنعاً للمخدرات على مستوى دولة. وهذه حالة مرشحة للاتساع، في ظل العقوبات الغربية الخانقة وتواصل الحرب والضربات الإسرائيلية. وسوريا اليوم قادرة، من خلال دورها الجديد، على تخريب جيل بأكمله في منطقة لا أفق مستقبلياً لها، بل تعدنا بمزيد من التضييق على الحريات واقتصادات غير منتجة وبطالة وفقر وعنف وصراعات متجددة.

صحيح أن الحرب السورية باتت شبه متوقفة وتقتصر على الأطراف، وأن النظام بات في طريقه للتعافي، كما قال نصر الله. إلا أن للتطبيع ثمناً باهظاً، أخلاقياً وسياسياً، لكن حصوله، وهو ربما مُرجح في ظل التحولات الإقليمية والمحادثات السرية في أكثر من مسار، لا بد أن يجعل المنطقة أقل أماناً.

المدن

—————————-

السعودية:الكلام عن محادثات مع دمشق “غير دقيق

قال مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية  السفير رائد القرملي الجمعة، إن “التقارير الإعلامية الأخيرة التي تفيد بأن رئيس الاستخبارات السعودية أجرى محادثات في دمشق غير دقيقة”.

وأوضح قرملي في تصريحات لوكالة “رويترز”، أن “سياسة بلاده تجاه سوريا لا تزال قائمة على دعم الشعب السوري وحل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة ووفق قرارات مجلس الأمن ومن أجل وحدة سوريا”.

وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد قالت إن رئيس المخابرات السعودية اللواء خالد الحميدان زار سوريا واجتمع باللواء السوري علي مملوك، مهندس الدفع لسحق السنوات الأولى للثورة المناهضة للأسد والمحاور الرئيسي مع القوات الروسية، التي كان لها نصيب كبير في الصراع منذ أيلول/سبتمبر 2015.

وأضافت أن الاجتماع الذي عُقد في العاصمة السورية الاثنين 3 أيار/مايو، يُنظر إليه على أنه مقدمة لانفراج وشيك بين خصمين إقليميين كانا على خلاف طوال مدة الصراع.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الرياض أن تطبيع العلاقات يمكن أن يبدأ بعد فترة وجيزة من عيد الفطر. وقال مسؤول سعودي: “لقد تم التخطيط لذلك منذ فترة لكن لم يتحرك شيء.. لقد تغيرت الأحداث إقليمياً وكان ذلك بمثابة الافتتاح”.

———————–

عودة عربية إلى سوريا أم عودة سورية إلى العرب/ فاروق يوسف

حين طُردت سوريا من الجامعة العربية كان ذلك إجراء خاطئا حاولت دول عربية من خلاله التغطية على الفشل المبيت لمبعوثي الجامعة إلى سوريا في العثور على ثغرة في جدار النظام.

كانت تلك الخطوة بداية لقطيعة مشؤومة انزلق النظام السوري بعدها إلى أسوأ مراحل تحالفه الاستراتيجي مع النظام الإيراني بعد أن كان قادرا عبر السنوات الماضية على ضبط ذلك التحالف بطريقة متوازنة.

من الواضح أن بشار الأسد شعر يومها بأن العرب قد خذلوه حين تخلّوا عنه وهم في حقيقة ما فعلوه قد تخلوا عن سوريا. ما حدث أن الجامعة العربية قد انجرفت وراء موقف عدائي لسوريا بما جعلها عاجزة عن القيام بدور الناصح الصادق والوسيط النزيه.

طردت الجامعة العربية سوريا من حضنها غير أنها في الوقت نفسه حرمت نفسها من الوجود في سوريا. ما كان ممكنا في حدوده الدنيا صار مستحيلا حين عوقبت سوريا في محاولة لتأديب نظامها.

كانت تلك خطوة غير قانونية. فسوريا التي هي عضو مؤسس في الجامعة العربية، هي ليست نظامها السياسي فالأنظمة تتغير أما الدول فإنها باقية. أما أن يتم الدمج بين النظام والدولة فإن ذلك إنما يشير إلى القفز على المسلّمات الجامعة من أجل الإعلاء من شأن ما يُفرّق. فحين يتم الاحتكام إلى الأنظمة بسياساتها وأمزجة قياداتها فإن ذلك يعني الذهاب إلى هاوية الخلافات.

وعن طريق فشل الجامعة العربية في احتواء سوريا فقدت الدول العربية حضورها المعنوي في دمشق. وهو ما جعلها غير قادرة على أن تقول رأيا قد يكون نافعا بالنسبة إلى النظام من أجل إنهاء أزمته التي كان تخلي العرب عن سوريا جزءا من أسباب استفحالها.

الموقف السيء الذي اتخذته الجامعة من سوريا كان دافعا رئيسا لكي يندفع النظام في سوريا في اتجاه الحضن الإيراني ولو أن العرب لم يخضعوا للضغوط التي مارسها هذا الطرف أو ذاك بنوايا مبيّتة فضحها الزمن في ما بعد لكانت سوريا حاضرة في صالات الجامعة العربية وأروقتها بكل تفاصيل أزمتها ولما سقطت في هاوية الإرهاب بعد التدخل الإيراني التركي المزدوج على جبهتين متقابلتين ومتناحرتين.

بتخليها عن سوريا هُزمت الجامعة العربية من داخلها. لقد سمحت لدولة عضو ليست أساسية بأن تقودها إلى موقع يقع خارج التاريخ بالنسبة إلى الشعب لسوري الذي كان ينتظر عربا يقفون معه في محنته لا أن يهملوه بحيث تكون الطرق كلها سالكة أمام التنظيمات والجماعات الإرهابية التي تم تمويلها من قبل تلك الدولة العربية الصغيرة التي حرّضت ضد سوريا.

هل ارتاح العرب يومها من الصداع السوري؟

إذا أردنا الحقيقة فإن النظام السياسي الحاكم في سوريا قد تعامل بغباء مع أزمته التي لم تكن وليدة يومها، غير أن النظام السياسي العربي ممثلا بالجامعة العربية كان هو الآخر قد أهدر فرصة عظيمة لكي يوقظ أحد أعضائه من سباته وغفلته محذرا إياه من طبول الحرب التي صارت تدق على بابه. كانت الجامعة العربية على علم لما يُخطط لسوريا بذريعة إسقاط نظامها السياسي. ولم يكن ذلك خافيا على النظام السياسي الحاكم في سوريا.

في ضوء كل تلك المعطيات فإن الجامعة العربية فقدت ما يبرر الثقة بها من أسباب حين تخلت عن سوريا، شعبا ودولة. لقد فعلتها من أجل أن تنفرد دولة عربية بعينها بالحل على الأراضي السورية. وهو حل قاد إلى عشر سنوات من الحرب المدمرة التي أحرقت الناس والحجارة ولم تبق للنظام فسحة أمل أو رجاء في لفتة عربية ذات قيمة.

الآن إذ تجري محاولات لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية يمكننا أن نتوقع أن تقابلها سوريا بالرفض. قد يقبل النظام بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دول عربية غير أنه لن يكون مسرورا بالعودة إلى الجامعة العربية التي خذلته في أسوأ لحظات غبائه وخذلت سوريا حين تعرضت للزلزال.

وهكذا يمكن القول إن عودة العرب إلى سوريا ممكنة فلا يملك النظام السياسي السوري سوى أن يرحّب بتلك العودة غير أن عودة سوريا إلى العرب تصدها عشر سنوات من الحرب القاسية التي لم يحضر العرب فيها إلا من خلال الدعم المالي الذي قدمته تلك الدولة الصغيرة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي دمرت سوريا الدولة وسلمت شعبها للقتل والنزوح والتشرد واللجوء.

لقد فقد العرب سوريا لذلك فإن استعادتها لن تتم عن طريق فتح أبواب الجامعة العربية أمامها.

كاتب عراقي

العرب

———————–

أي سوريا يمكن الرهان على إنقاذها../ خيرالله خيرالله

هناك كلام كثير بعضه حقيقي وبعضه الآخر مبالغات عن اندفاع عربي تدعمه روسيا، أو على الأصحّ بالتنسيق معها، في اتجاه إعادة تأهيل النظام السوري.. أو تأهيل سوريا. في النهاية لا أمل في إعادة تأهيل النظام فيما مطروح إمكان تأهيل سوريا على الرغم من كل التغييرات التي طرأت على البلد المقيم تحت خمسة احتلالات.

الأكيد أنّ هناك بحثا في مستقبل سوريا ووضعها في المنطقة، يشمل ذلك البحث عودة سوريا، في ظلّ النظام القائم، إلى احتلال مقعد جامعة الدول العربيّة. قد يكون مدير المخابرات السعوديّة خالد الحميدان زار دمشق أخيرا، وقد تكون الزيارة اقتصرت على وفد أمني سعودي جاء للبحث في قضايا عالقة بين سوريا والمملكة. بين القضايا التهريب، تهريب المخدرات خصوصا، ووضع سجناء سعوديين موجودين في سجون النظام كانوا بين الذين اعتقلوا مع إسلاميين آخرين في منطقة الغوطة القريبة من دمشق قبل سنوات عدّة.

ما هو مهمّ، أنّه عاجلا أم آجلا، هناك سؤال أوّل سيفرض نفسه بقوّة هل يمكن إعادة تأهيل النظام السوري؟ لكنّ السؤال الثاني الأهمّ، الذي يفترض بقاؤه في البال، هل يمكن فصل النظام السوري عن النظام في إيران.

تستحق سوريا الرهان عليها وعلى مستقبلها، علما أنّ النظام حقّق إنجازا ضخما يتمثل في الربط بين مصيره من جهة ومصير البلد من جهة أخرى. يبقى شعار “الأسد أو نحرق البلد” الشعار الأهمّ الذي رفعه النظام منذ اندلاع الثورة السورية قبل ما يزيد على عشر سنوات. من أجل بقاء بشّار في دمشق، يبدو كلّ شيء مسموحا، بما في ذلك تهجير السوريين من بيوتهم وأراضيهم إلى مناطق داخل سوريا وأخرى خارجها. ليس مهمّا مقتل ما يزيد على نصف مليون سوري. ليس مهمّا الاستعانة بالميليشيات التابعة لإيران لقتل السوريين وتهجيرهم وإجراء تغييرات ذات طبيعة ديموغرافيّة. ليس مهمّا الاستعانة بالروس لتحويل سوريا حقل تجارب لطائراتهم وأسلحتهم المختلفة التي يسعون إلى تسويقها في مختلف أنحاء العالم، أي حيث يوجد زبائن لتلك الأسلحة التي تحتاج موسكو يوميّا إلى إقناع الآخرين بفعاليتها. ليس مهمّا استخدام السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة لقتل السوريين. المهمّ بقاء النظام الذي ثار عليه السوريون نظرا إلى أنّهم يرفضون البقاء عبيدا إلى أبد الآبدين.

باختصار شديد، لا يمكن إعادة تأهيل النظام، بل يمكن الرهان على إعادة تأهيل سوريا. يحتاج ذلك قبل كلّ شيء إلى مؤتمر دولي. مهمّة مثل هذا المؤتمر إيجاد صيغة جديدة لسوريا بعيدا عن النظام القائم. مثل هذا المؤتمر يحتاج إلى توافق دولي على أن صلاحيّة النظام انتهت. في انتظار الوصول إلى مثل هذا التوافق ستبقى أميركا في شمال شرق سوريا حيث وضعت يدها مع الأكراد (قسد) على القسم الأكبر من الثروة المائيّة والزراعيّة والنفط والغاز، وستبقى تركيا في الشمال السوري حيث تعزّز وجودها يوميا وعينها على الأكراد، وستبقى روسيا في طول الساحل السوري وفي الجنوب حيث لم تستطع الإيفاء بوعدها بالنسبة إلى لجم الوجود الإيراني الذي لا يستهدف إقامة قواعد عسكريّة فحسب، بل يسعى أيضا لتغيير طبيعة المجتمع السوري في مناطق معيّنة خصوصا على طول الحدود مع لبنان. فوق ذلك كلّه، ستظل إسرائيل في الجولان المحتلّ منذ العام 1967 وستضرب في الداخل السوري حيثما تشاء وساعة تشاء وصولا إلى مناطق قريبة من حيث الوجود الروسي في اللاذقيّة ومحيطها.

يمكن الرهان على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا وهذا واجب عربي مرتبط بأمن الإقليم كلّه. لكنّ ما لا يمكن الرهان عليه هو فكّ العلاقة بين النظام السوري وإيران. لا تسمح طبيعة النظام بذلك. يؤكد استحالة فكّ العلاقة التي اختلفت طبيعتها ظاهرا، لكنّها بقيت على حالها في العمق بعد خلافة بشّار لوالده حافظ في السنة 2000، مدى تحكّم طهران بالقرار السوري. تكفي العودة إلى مذكرات عبدالحليم خدّام نائب الرئيس السوري في عهدي الأسد الأب والأسد الابن وقراءة ما بين السطور لاستنتاج أنّ حافظ الأسد كان في علاقته مع النظام الإيراني أكثر تعصّبا لمذهبه العلوي من بشّار وذلك على الرغم من تغطيته ذلك ببعض الشخصيّات السنّية التي أحاط نفسه بها. كان خدّام من بين هذه الشخصيّات، كما كان هناك رئيس الأركان حكمت الشهابي ووزير الدفاع مصطفى طلاس وآخرون. لكنّ حافظ الأسد كان شريكا، إلى جانب إيران، في الحرب العراقيّة – الإيرانية بين 1980 و1988 وكانت سوريا تستورد أسلحة من دول أوروبا الشرقيّة، من تشيكوسلوفاكيا وغيرها، وترسلها إلى إيران. إضافة إلى ذلك، كان حافظ الأسد وراء دخول “الحرس الثوري” إلى الأراضي اللبنانية في 1982 تمهيدا لتأسيس “حزب الله” وكان يدعو ضباطه، استنادا إلى خدام، إلى مساعدة “حزب الله”.

ليس صدفة أن تهبّ إيران لإنقاذ بشّار الأسد بعد ثورة الشعب السوري على نظامه الأقلّوي وليس صدفة أن تستعين “الجمهوريّة الإسلاميّة” بروسيا، عبر قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الذي اغتاله الأميركيون مطلع العام 2020، وذلك عندما عجزت في خريف العام 2015 عن إنقاذ النظام السوري..

تبدو العلاقة بين النظامين السوري والإيراني أكثر تعقيدا بكثير مما يعتقد. لم تدخل إيران إلى سوريا ولم تستثمر فيها مليارات الدولارات ولم تجر تغييرا ديموغرافيا من أجل الخروج بسهولة. تعتبر إيران أنّها وُجدت في سوريا لتبقى فيها وأن إخراجها يحتاج حربا.. أو سقوطا للنظام في طهران. على الرغم من ذلك، لا مفرّ من البحث عن وسائل من أجل إنقاذ سوريا. أي سوريا مطلوب إنقاذها وما الصيغة التي ستستقر عليها سوريا مستقبلا. الثابت أن سوريا في حاجة الى صيغة جديدة في حال كان مطلوبا أن تبقى موحّدة بطريقة أو بأخرى. ليس لبنان وحده الذي يحتاج إلى مؤتمر دولي من أجل إخراجه من أزمته العميقة ذات الطابع المصيري. ما ينطبق على لبنان ينطبق على سوريا أيضا التي أصرّ النظام فيها منذ العام 1975 على لعب كلّ الأدوار التخريبية في لبنان، وهي أدوار ارتدّت عليه في نهاية المطاف وعلى سوريا نفسها.

إعلامي لبناني

العرب

————————–

سورية: أوهام إنقاذ عربي/ ناصر السهلي

في أحد لقاءات رأس النظام السوري، بشار الأسد، في قصر المهاجرين بدمشق، مع “مجموعة الشباب العربي”، نقل عنه قوله في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، إن “العرب سيأتون إلى دمشق معتذرين”. مقولة جرى تلحينها وأداء تفاصيلها على شاشات وصفحات إعلام حقبتي غازي كنعان ورستم غزالي في بيروت، وفي دمشق نفسها. 

وفي تفاصيلها، مع الحديث عن “المؤامرة الكونية”، أن ثورة السوريين، التي كان الأسد نفى أصلاً احتمال حصولها في مقابلة مع “وول ستريت جورنال” في يناير/كانون الثاني من العام ذاته، لم تخرج إلا بسبب “الوهابية”، و”حلم الإمبراطورية العثمانية”، و”المواقف العروبية، وقول لا لأميركا”، لا بسبب الفساد والاستبداد وغياب الحرّيات. وغير بعيد عن خطاب المؤامرة، غُيّب نائب الرئيس فاروق الشرع، لمصلحة خطاب “مسؤول الدبلوماسية” الراحل وليد المعلم: “سنعطي العالم دروساً في الديمقراطية”، بعد دستور العام 2012. 

وعلى الرغم من عنتريات تصريحات وتسريبات قصر المهاجرين، آنذاك، لم تنقطع الوفود الخليجية والتركية (حتى العام 2012)، لتحاول بالدبلوماسية، والاستثمار المالي وبالنصائح، فتح أفق مختلف عن الرصاص المنهمر على المتظاهرين، من حوران إلى بانياس. بيد أن الأسد اختار عنوان صحيفة “الوطن”، عن أن “سورية لا تحتاج نصائح”. 

سورية التي تهرول إليها بعض الأنظمة، التي وصفها الأسد في العام 2006 بـ”أشباه رجال”، أحالها النظام الأمني، وحليفاه الروسي والإيراني، إلى بلد مهلهل، مستباح باحتلالات متعددة، ومقسّمٍ إلى مناطق نفوذ، ولا يغادره طيران الاحتلال الإسرائيلي. وعلى أنقاض مدن وشعب مهجّر، يأتي وهمٌ عربي آخر عن “احتواء” الأسد، لإبعاده عن النفوذ الإيراني.

هي سياسة جُرّبت قبل وبعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في العام 2005، والنتيجة صفرية. فطهران، الباحثة عبر أذرعها عن تحقيق مصالحها القومية الضيّقة، لا تتخلى ببساطة عن استثمارها الدامي، لا في دمشق ولا في عواصم غيرها، هذا عدا عن استثمارات موسكو وفق “عقيدة غروزني”، بل هي تجبر النظام الرسمي العربي على الرضوخ للأمر الواقع. 

كان أمام العرب فرص كثيرة للجم ضياع دمشق، كغيرها من العواصم، وذلك نقاش آخر يحتاج قبله إلى إعادة النظر في حالة عربية مفعولٍ بها، نتيجة الإصرار على قراءة حقوق البشر كمعول هدم لـ”الدولة”، حيث يُخلط عن قصد النظام بالدولة.  

وفي العموم، فإن نظام دمشق، المتجه إلى مسرحية انتخابية هزلية في “ديمقراطية جمهورية الوراثة”، يستحيل على أي جهد عربي إعادة تسويقه، لا بين السوريين ولا على المستوى الجنائي الدولي، مهما بدا تحقيق العدالة مؤجلاً. عدا عن استحالة عودة السوريين إلى ما كانوا عليه حتى العام 2010.

فثمة ثابت سوري مترسخ منذ العام 1979 بالتصاق النظام بإيران. والحق يُقال إنه لم يكن في خيال حافظ الأسد تحول “قلب العروبة النابض” إلى مربعات أمنية، يديرها “فيلق القدس” و”فيالق موسكو”، وتوابعهما متعددو الجنسيات. ولم يكن في خيال سوريي “الاستقلال” أن يجري احتفال “عيد الجلاء” في قاعدة محتل آخر، كروسيا، وأن تصير سيادة البلاد إلى مناطق نفوذ بين الروس والأميركيين والأتراك، وغيرهم، وأن يصير مبعوثو طهران وموسكو أصحاب “القرار العروبي الوطني”، وأن تفضل تل أبيب، تصريحاً وتلميحاً، استمرار حكم آل الأسد والديكتاتورية، وهذا التشظي الذي صنعته عقلية “الأسد أو نحرق البلد”.

في سورية، بعد العام 1973، حكايات يعرفها شعبها عن نظامهم الوظيفي في علاقاته الخليجية. في إعلام “الصمود والتصدي”، لم يكن الخليجيون سوى “الرجعية العربية”. وعلى الرغم من ذلك، ظلّت أعين مافيا الحكم دائماً على محافظ الخليج المالية. في بروتوكولات الزيارات الرسمية، كان لزاماً وضع زيارة إلى أطلال “القنيطرة المدمرة”، وظلّ المال الخليجي يتدفق على هذه الأطلال باسم “الصمود” وإعادة إعمار القنيطرة، التي مُنع أهلها من العودة إليها حتى يومنا.

اليوم، أمام نظام دمشق أطلال ممتدة من الشمال إلى الجنوب. وبقدر ما فعلت آلة التدمير “الوطنية”، ولاحقاً بمعاونة “عاصفة السوخوي” الروسية (التي تغنى بها إعلام “محور الممانعة”)، ستتوسع بكائيات “الحرص على الشعب السوري”، ومواجهة “مشاريع الإمبريالية”.

ويبقى الثابت كما كان سابقاً، مضافاً إليه أن “سورية الأسد” تحول نظامها إلى منسّق للاحتلالات، ووظيفته في حواضر سورية “التحكم بأسعار المواد الغذائية”، لا أكثر ولا أقل. ولا أحد يعلم ما إذا كان “المال الخليجي” سيقع مرة أخرى فريسة تجميل منجزات طهران، بعدما صنع التطهير الديمغرافي سورية أخرى، غير التي عرفوها سابقاً.

العربي الجديد

————————–

لماذا رفضت «مجموعة السبع» انتقاد «التطبيع» مع دمشق؟/ إبراهيم حميدي

النقاش الذي جرى بين وزراء خارجية «مجموعة السبع» في لندن، اليومين الماضيين، كشف بعض أوجه التغير في موقف أميركا وحلفائها إزاء الملف السوري، بحيث تبقى السياسة ذاتها، مع تغيير في شدة بذل الجهود لتنفيذها وتراجعها في سلم أولويات إدارة جو بايدن.

اقترح بعض الأطراف إضافة عبارة إلى البيان الختامي لاجتماع لندن، تتضمن إشارة إلى أن الوقت غير مناسب لـ«أي شكل من أشكال التطبيع» مع دمشق. واستند مساعدو بعض الوزراء المشاركين في اقتراحهم إلى بيانين سابقين صدرا في مناسبة الذكرى العاشرة للاحتجاجات السورية: الأول، من وزراء خارجية أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، والثاني من مفوض الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل. وتضمن البيانان القول إن «الانتخابات الرئاسية السورية المقترحة هذا العام لن تكون حرة ولا نزيهة، وينبغي ألا تؤدي إلى أي إجراء للتطبيع الدولي مع النظام السوري».

لكن الاقتراح قوبل بـ«مياه باردة» من فرنسا، وخرج البيان الختامي، بعد أول اجتماع مباشر من سنتين، بتركيز على نقاط معروفة في بيانات سابقة، تخص القرار «2254». الملف الكيماوي، المساعدات الإنسانية. أُضيفت إليها عبارة عمومية عن الانتخابات الرئاسية السورية المقررة في 26 من الشهر الحالي. وجاء في البيان أنه تماشياً مع القرار الدولي 2254 «نَحثُّ جميع الأطراف، لا سيما النظام، على المشاركة بشكل هادف في العملية السياسية الشاملة (…)، ما يشمل وقف إطلاق النار، وبيئة آمنة ومحايدة للسماح بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، لتمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وضمان مشاركة جميع السوريين، بما في ذلك أعضاء الشتات». وأضاف البيان: «فقط عندما تكون هناك عملية سياسية ذات مصداقية جارية بحزم، سننظر في المساعدة في إعادة إعمار سوريا»، من دون إشارة إلى التطبيع.

في المقابل، جرى التركيز من «مجموعة السبع» على البعدين الإنساني و«الكيماوي»، حيث أدان الوزراء «محاولات النظام وداعميه عرقلة وصول المساعدات الإنسانية المنتظمة والمستمرة إلى سوريا وداخلها». وتابع البيان: «ندين تسييس وصول المساعدات وإيصالها… ونؤيد بشدة إعادة تفويض المساعدة الإنسانية عبر الحدود حتى يتمكن المحتاجون من الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها»، كما «نحث النظام على التقيد بالتزاماته بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2118 (لعام 2013)، ونرحب بقرار منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بتعليق حقوق سوريا وامتيازاتها… إننا ملتزمون التزاماً راسخاً بمحاسبة المسؤولين عن استخدام الكيماوي، ونتعهد بدعم عمل آليات العدالة الجنائية والتحقيق الدولي المناسب والعدالة الانتقالية».

وينسجم هذا مع أولويات وضعتها إدارة بايدن؛ إذ إنه منذ وصوله إلى الحكم، طلب فريقه إجراء مراجعة للسياسة الخاصة بسوريا، من المفترض أن تنتهي هذا الشهر. واللافت أن مسؤولي الملف السوري في واشنطن يتجنبون المشاركة في اجتماعات علنية، خصوصاً السفير جيمس جيفري وجويل روبرن، فيما يشبه قطيعة مع النهج السابق في فريق إدارة دونالد ترمب، القائم على «الضغط الأقصى» على دمشق و«الصبر الاستراتيجي»، عبر استخدام أدوات منها العقوبات، ومنع الإعمار، وفرض العزلة على دمشق.

ومن الإشارات اللافتة إلى موقع الملف السوري في اهتمامات إدارة بايدن: أولاً، عدم تعيين مبعوث خاص لسوريا، وأن جيفري فيلتمان الذي كان مرشحاً لهذا الموقع، عين مبعوثاً للقرن الأفريقي. ثانياً، أن فريق بايدن تجنب القيام بدور قيادي وحملة مضادة ضد الحملة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أسابيع، للتشجيع على إعادة سوريا إلى «الحضن العربي»، لكن اكتفى بإيصال بعض الرسائل عبر الأقنية الدبلوماسية. ثالثاً، عدم صدور أي قائمة عقوبات جديدة بموجب «قانون قيصر» منذ وصول الإدارة الجديدة. رابعاً، عدم ذكر بايدن سوريا في أي من خطاباته الرسمية.

في المقابل، بدا واضحاً أن الأولويات في تنفيذ السياسة، تقع في مكان آخر، وتشمل ثلاثة محاور:

الأول، البعد الإنساني، عبر التركيز على التجديد لقرار مجلس الأمن بتقديم مساعدات إنسانية «عبر الحدود» في 10 يوليو (تموز) المقبل. ويعمل وزير الخارجية أنتوتي بلينكن على تمديد القرار لمدة سنة لثلاثة معابر (بدلاً من معبر واحد حالياً)، ويقول فريقه إن «اختبار روسيا سيكون في مدى موافقتها على تمديد القرار». ولمح دبلوماسيون إلى أن عدم فرض عقوبات جديدة، والإشارات الأميركية الأخرى، بما في ذلك إعفاء مواجهة «كورونا» والأدوية والغذاء من العقوبات، ترمي إلى تشجيع موسكو على تمديد قرار المساعدات عبر الحدود.

الثاني، الملف الكيماوي، عبر ممارسة ضغوط كبيرة على دمشق وموسكو لالتزام الاتفاق الروسي – الأميركي الموقّع بين الوزيرين لافروف وجون كيري في نهاية 2013. وإجابة دمشق على 19 سؤالاً كانت «منظمة الحظر» وجهتها إلى الحكومة السورية، فيما يخص البرنامج الكيماوي.

الثالث، محاربة «داعش»، عبر التأكد على أن خفض الوجود الأميركي في العراق والمنطقة لن يؤثر على استراتيجية منع ظهور التنظيم، حيث زاد اعتماد أميركا وحلفائها على القطع البحرية والطائرات لتوجيه الضربات لخلايا «داعش»، واستمرار الضغط لـ«منع ولادة جديدة» لها غرب العراق وشرق سوريا. يضاف إلى ذلك تقديم الدعم للحلفاء المحليين شرق الفرات في «قوات سوريا الديمقراطية»، ومنع موسكو وطهران ودمشق من «التمدد في هذه المناطق».

في هذه المحطات الثلاث يقع التركيز الأميركي الملموس، وعلى هذا الأساس يتصرف حلفاء واشنطن في أوروبا والعواصم العربية، إلى حين حدوث تطور كبير يتعلق بالتفاهم الأميركي – الروسي على إحياء مقاربة «خطوة – خطوة»، الذي يزيد صعوبته التوتر بين واشنطن وموسكو، وبين الأوروبيين والروس، أو تجديد «الاتفاق النووي»، مع بنود وانعكاسات تخص وجود إيران العسكري في سوريا.

الشرق الأوسط

—————————-

لبنان بين “قرف” لودريان و”هذيان” الأسد و”رغبة” نصر الله/ فارس خشّان

 هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها نشر أخبار عن لقاءات “سرية” بين “مسؤولين أمنيين” سعوديين وسوريين. قبل سنوات، كان “الحدث” خبرا معلوماتيا عن زيارة قام بها إلى الرياض نائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية اللواء علي مملوك. يوم الإثنين الأخير، كان “الحدث” أن رئيس المخابرات السعودية الفريق خالد الحميدان، هو من قام بزيارة مملوك، في دمشق.

وكما في المرة الأولى، كذلك هذه المرة تم تحميل هذه المعلومات كما هائلا من التحليلات التي بقيت ضمن المعقول في خصوص استشراف انعكاساتها على عدد من الملفات، ولكنها، بمجرد أن لامست الملف اللبناني، حلقت في فضاءات الذهول حتى لا نقول “الهذيان”، إذ سارع البعض الى اعتبار أن بشار الأسد يتهيأ لاستعادة ما فقده من نفوذ في “بلاد الأرز”.

تسند هذه “النبوءة” نفسها إلى عدد من “القواعد”، من بينها أن المملكة العربية السعودية التي أخرجت نفسها من دعم المعارضة السورية، قبل سنوات، ونأت بنفسها عن دعم “حلفائها” التقليديين في لبنان، تطمح إلى أن تقوي نفوذ الأسد حتى يضعف سيطرة إيران وأدواتها العسكرية على سوريا ولبنان، ويكون سدا “عربيا” في مواجهة التمدد التركي.

وتنطلق هذه “النبوءة” من وضعية لبنان الراهنة، إذ إنه تصدر، بسرعة البرق، قائمة “الدول الفاشلة”، وتاليا فهو بات بحاجة الى “وصاية خارجية”. وتغذي “النبوءة” نفسها من واقع دولي وإقليمي متغير، فالولايات المتحدة الأميركية لا تضع لبنان حتى في “ذيل” اهتماماتها، وإسرائيل التي تتطلع إلى توسيع علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، تبدي ارتياحها لروسيا في سوريا التي لا تكتفي بإتاحة المجال أمامها لضرب إيران ومنشآتها في سوريا، بل تسعى إلى عقد اتفاق سلام بينها وبين نظام الأسد الذي ساهمت، مرارا، في منع إسقاطه.

كل هذه الوقائع قد تكون صحيحة، ولكنها، بالمحصلة، لا تسمح باستشراف إعادة بشار الأسد “المنهك” و”المحتل” إلى لبنان، بل، يتم استعمالها، عن رغبة هنا وعن “هلع” هناك، تسويقا لتعزيز سيطرة “حزب الله” على البلاد، بحيث يتم تخيير اللبنانيين عموما ومعارضيه الذين باتت تتقدمهم بكركي خصوصا، بين حسن نصر الله وبشار الأسد.

وليس هناك من يصدق وجود فرق حقيقي بين نصر الله والأسد، فالاثنان “مرتهنان” لإرادة “الحرس الثوري الإيراني”، ولكن، في حمأة التغييرات الاستراتيجية في المنطقة التي أملاها وصول الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، ترسل الدول المعنية بهذه المتغيرات، رسائل “ود” إلى روسيا و”لفت انتباه” إلى الولايات المتحدة الأميركية، و”تحذير” إلى الاتحاد الأوروبي، على عتبة حلول الربع ساعة الأخيرة للبت بمصير الاتفاق النووي مع إيران.

وفيما تبذل روسيا كل ما في وسعها لتعويم نظام الأسد، فإن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي يرفضان كل تعويم للنظام السوري، بأي شكل من الأشكال، قبل التزامه بإحداث تغيير جذري، وفقا لمندرجات القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وإحالة جرائم الحرب ولا سيما الكيميائية منها، على المحاكم المختصة.

ولكن من أين للبنانيين ألا يصدقوا كل ما يثير هلعهم، وهم يلمسون، يوما بعد يوم، الانهيار الكامل لوطنهم وتحلل دولتهم؟

وها هي فرنسا، آخر الدول التي كانت مهتمة بإنقاذ لبنان، تخصص زيارة وزير خارجيتها جان إيف لودريان لبيروت، من أجل نفض يدها من الطبقة السياسية، وتاليا من التصور الإنقاذي الذي سبق أن أخذته على عاتقها.

إن متابعة كواليس هذه الزيارة تبين أن لودريان لم يثر موضوع تشكيل الحكومة، بشكل جدي، لا مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب ميشال عون ونبيه بري اللذين زارهما، ولا مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري الذي استقبله في مقر إقامته في قصر الصنوبر.

وقال لودريان للشخصيات التي التقاها، بصفتها ممثلة المجتمع المدني في لبنان، إنه التقى “الرؤساء الثلاثة”، بفعل الاضطرار البروتوكولي، وليس رغبة منه في ذلك.

لودريان الذي اختار عدم عقد أي اجتماع مع أي فئة سياسية ممثلة في البرلمان، أوصل لهم رسالة واضحة المضامين: جميعكم مسؤول عن شل المسار السياسي، وعن عدم السير بالإصلاحات المطلوبة، ونحن نعرفكم اسما اسما، ولم تعد أبواب فرنسا مفتوحة أمامكم، والآتي أعظم، سواء بما سوف نتخذه من إجراءات وطنية أو ما سوف نتفق عليه مع شركائنا الأوروبيين والدوليين.

والأهم من الإجراءات والعقوبات التي تحدث عنها لودريان، كان في تأكيده، قولا وسلوكا، أن بلاده لن تخرج من لبنان بل من منازل طبقتها السياسية، لتحصر اهتمامها في مساعدة المجتمع المدني لتساعده في مساعيه الرامية إلى “إيجاد بدائل”.

وفي إشارة لافتة، دعا القوى المنبثقة من “ثورة 17 أكتوبر” إلى توحيد جهودها تفعيلا لحضورها على الساحة اللبنانية، الأمر الذي يرفع من منسوب جاذبيتها في المنتديات الدولية، على اختلافها.

القول إن لبنان في خطر كبير، هو قول بات “كلاسيكيا”. قيل بكل لغات الأرض وعلى ألسنة الجميع. استعمله كثيرون لتحريض الطبقة السياسية على انتهاج درب التضحيات والتفاني، تحقيقا للإنقاذ، لكن أغلبية هذه الطبقة، أهملته لمصلحة صراعاتها وطموحاتها ومصالحها وصفقاتها وتبعياتها التي كانت هي السبب وراء وصول لبنان إلى الدرك الذي وصل إليه.

إن من يرمي وطنه، عن وعي، في جهنم، يفعل كل ما هو مذهل، ولهذا لا يعاب على أحد إن اعتبر أن هؤلاء الحكام هم جزء من مؤامرة تهدف إلى إعادة توكيل وصي قديم على لبنان، هو النظام السوري، أو تكريس وضعه في عهدة “الوصي البديل” وهو “حزب الله” بصفته نقطة التقاء بين مصالح إيران من جهة ومصالح النظام السوري من جهة أخرى.

من الواضح أن إعادة الاعتبار لمفهوم إنقاذ لبنان لم يعد بيد الطبقة السياسية الحاكمة، بل أضحى بيد المجتمع المدني عموما ومن يطلقون على أنفسهم لقب “ثوار” خصوصا.

إن المجتمع الدولي، بعد التغيير الحاصل في الموقف الفرنسي، يفتح ذراعيه للمجتمع المدني اللبناني، ولكن الأسئلة التي تقلق الجميع كثيرة: هل هذا المجتمع هو، في الممارسة، أفضل من الطبقة السياسية؟ وهل هو قادر على توحيد طاقاته؟ وهل يملك أدوات تنظيف نفسه من الاختراقات المحبطة لأي إنجاز؟ وهل يمكنه أن يعيد الثقة إلى الشعب ليعود إلى الشارع؟ هل هناك قوى مترددة يمكن أن تطل على الساحة وتقود المواجهة؟

الأجوبة عن هذه الأسئلة قادرة على رسم مستقبل لبنان، فإن كانت إيجابية فالضوء سيلوح في “آخر النفق”، وإن كانت سلبية، فبلاد الأرز تحكم على نفسها أن تذهب “فرق عملة” على طاولة الكبار.

الحرة

———————————

المنافع المتبادلة للتطبيع مع الأسد/ نزار السهلي

من إحدى مزايا التطبيع الراهن، بين نظام الأسد وعدد من الأنظمة العربية، التي يُسارع إلى إنجازها البعض في السر والعلن، أنها تُصدر شهادة وفاة لمفاهيم وأشكال العمل السياسي والاجتماعي والوطني، مفاهيم لم تعد تمتلك مقومات الحياة التي نعاها السوريون منذ اليوم الأول للثورة وهم ينظرون اليوم للجهود ” الجادة “من أجل تسيد نظام الأسد مرحلة جديدة من التحكم برقاب المجتمع السوري، والتي نعيش فصلها المخزي بانتخابات هزلية على تحطيم وتدمير المجتمع السوري، يُكرر فيها المندفعون للتطبيع مع الأسد على مسامع السوريين بأن أحد العوامل الدافعة نحو تسوية مع النظام “تغير الظروف “، ومن أجل استقرار سوريا ووحدتها وما إلى هنالك من شعارات تخفي وراءها كل أشكال النفاق الممارس على السوريين وقضيتهم.

هذه الادعاءات تعوزها الحصافة، بل وحتى الذكاء، فبالإضافة إلى أن الحس الشعبي السوري بعفويته، يدرك تلك الادعاءات الكاذبة، فإن الوقائع التي ما زالت قائمة على الأرض تنفي هذا الأمر باعتراف قادة حول العالم، وسياسيين وتقارير دولية وحقوقية تم من خلالها التيقن من حجم الجرائم المنسوبة مباشرة لنظام الأسد ومسؤوليته المباشرة عن مقتل وتهجير الملايين من السوريين، فضلاَ عن جرائم الحرب والإبادة ذات الصبغة العنصرية، وهي من أسطع الجرائم التي حاولت أنظمة التطبيع العربي مع الأسد ومع الصهيونية القفز عليها طيلة السنوات الماضية لأسباب عديدة منها :

القول بأن مرحلة انتهت من ثورة السوريين، يعني القول بمرحلة جديدة بدأت، فما هو الجديد الآخذ بالتشكل؟ نظرة على قدر من التدقيق في ظاهرة انتشار دعوات التطبيع مع نظام الأسد إقليمياً وعربياً من موسكو وطهران، وأبو ظبي والرياض والمنامة والقاهرة و بيروت، وبقية العواصم التي تتحين الفرصة؛ توضح بأننا أمام حالة جديدة آخذة بالتشكل العلني ضد حرية السوريين، فبعد سنوات من ممارسة نفاق الدعم اللفظي لتطلعاتهم في الحرية والكرامة، وممارسة الدعم السري والعلني لآلة النظام العسكرية والمادية، وتجسيد سياسة قهر اللاجئين السوريين في عواصم ومدن عربية، يشير كل ذلك إلى صيغة جديدة تمثل انعكاسا لاستمرار وحدة الاستبداد العربي، وتماسكه المعني بالتمسك بمنافع الطغاة والمستبدين بوظيفة القهر المستدام للعقل والإنسان العربي، وكلمة السر التي ارتكز عليها نظام الأسد في إمساكه مفتاح فرض وحشيته على السوريين، هي ما جرى من خلالها جذب شهية صهيونية وعربية باستدامة القمع والاحتلال والمضي بهما مستنداً إلى كلمة السر ذاتها، فرحلات التطبيع السري بين حميميم في اللاذقية وتل أبيب برعاية روسية، لا تختلف عن سرية الرسائل العربية المطبعة معه  لدعم إدامة بطش الأسدية.

هذه العناصر المحفزة لأنظمة عربية، كانت بالأمس محل تندر من محور الممانعة، من المؤامرة، وارتباطاتها المتصهينة التي كان يعزف نشيدها تستعيد اليوم ناظم الصلة فيما بينها بعد النجاح الجزئي للثورات المضادة، وتجعل من التطبيع العربي مع المؤسسة الصهيونية ضرورة للتطبيع مع الأسد، مما يوحد من إيقاع حركتها ويجعل من نشاطها تكاملياً استحضار الاستخلاص المأخوذ من تجربة الثورة السورية، بأن حجم التآمر على الشعب السوري وسط عالم متكامل من التآمر على الثورة، وهي عوالم تَضييع وتَمييع الأمور، وتعويمها، واستطرادا أغلقت موسكو وطهران والنظام في دمشق الممر الاجباري الوحيد، الذي لا بد منه للعبور نحو طريق آخر غير طريق الانحدار الذي فُتح بالتساهل مع جرائم الأسد والتطبيع معه، وصولاً لمهزلة إعادة انتخابه للتعمية على الجرائم والقفز على المطلب الأساس في نيل السوريين حريتهم وكرامتهم.

يبقى التمتع بالمنافع المتبادلة لبقاء نظام الأسد، والتطبيع معه من أنظمة عربية متصهينة وأخرى تتصهين، عوامل تضمن للمحتل الصهيوني تأمين موارد فاشيته، ولما تخلفه منفعة وجود الأسد كقوة باطشة وقاهرة على المجتمع تخدم نهاية المطاف نظرية القمع والسطوة والعدوان وتزوير الوقائع، ليصبح الأمر على نحو سخيف وسقيم في الإشارة للمفاهيم الكسيحة التي يتسلح بها نظام الأسد وحلفه العربي والإقليمي، ومن يقتات على تجارة وقحة، قامت بالأساس على سلعة الشعارات الفاسدة من “تحرير القدس” والاحتفاء بيومها وصواريخها الخُلبية، وحماية السيادة الوطنية ومقاومة المؤامرات إلى التذرع “بدعم” فلسطين والشعب السوري.

أخيراً، علينا الاعتراف بأن حجم مجافاة الواقع كبيرة جداً، كما أن الحلقات التي تضغط على عنق السوريين تضيق وتضيق، ولكننا نعي أن عوامل مقاومة نظام الأسد، ونهوض المجتمع السوري وثورته على نظامٍ متعرٍ هي أيضاً عديدة وستبقى تبعث على التفاؤل، ولعل اهتزاز الأسدية في المجتمع السوري تمثل نموذج على بواعث هذا التفاؤل والأمل، رغم العتمة تبقى تضحيات السوريين وأحلامهم في الحرية واسترداد الكرامة والمواطنة هي الباقية والمرعبة لأنظمة التطبيع مع الأسد والصهيونية، وعتمة الراهن مهما اشتدت لن تبدد هذا الحلم وهي منفعة سوريا والسوريين بكنس الطاغية.

——————-

عودة الصراع على سوريا!/ رضوان السيد

ما توقف الصراع على سوريا لكي يقال الآن إنه عاد. لكن تحضر في هذه الأسابيع عدة مناسبات يتعاظم فيها الحِراك في سوريا ومن حولها. فقد تحرك الروس في الأشهر الأخيرة خارج مثلث آستانا، واتجهوا نحو الأوروبيين ونحو العرب. وأظهروا اهتماماً مفاجئاً بالإصغاء لمقتضيات القرار الدولي رقم 2254 والمبعوث الدولي من أجل سوريا. لكن خلال التفاوض المضني مع الأوروبيين ومع المبعوث الدولي حتى مع الأميركيين، تشعبت الموضوعات. فما نجح الاجتماع الأخير في جنيف حيث لم يتغير موقف النظام السوري ولا موقف المعارضة. أما الأوروبيون والأميركيون فأظهروا اهتماماً بالشؤون الإنسانية وبتطبيق القرار الدولي، وبالتغيير الدستوري، وبالعودة الممكنة للاجئين والمهجَّرين وبإعادة الإعمار؛ وهي الأمور التي تبين لهم (كما تبين للأميركيين) أنه لم يحصل تقدمٌ فيها، وبالتالي لا فائدة من الانهماك في التفاصيل؛ بل إنهم عادوا للحديث عن آخر المرات التي استخدم فيها النظام السلاح الكيماوي ضد المناطق غير الخاضعة لسيطرته! وكانت وجهة نظرهم المعلنة أنّ التحركات الروسية كان المقصود الوحيد من ورائها التمهيد لإعادة انتخاب بشار الأسد للمرة الثالثة أو الرابعة… أو العاشرة. ولذلك أعلن المبعوث الدولي إلى سوريا أنه لا ضوء في نهاية النفق حتى الآن!

نعم، لقد حقّق الروس بعض النجاح في المجال العربي ولصالح نظام الأسد. فقد شكلوا مثلثاً أو ثالوثاً آخر للاعتناء بالشأن السوري مع كلٍ من تركيا وقطر. والمعروف أنّ هذين الطرفين أدنى لوجهة نظر المعارضة. لكن من ناحية أخرى نشّط الروس التواصل بين الدول العربية التي لها علاقاتٌ باقية أو مستجدة مع الأسد مثل مصر والإمارات والعراق والأردن. كما هناك حديثٌ عن إمكانية عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

إنما أيضاً وأيضاً وبالإضافة إلى حِراك الثابت الروسي، هناك الإدارة الأميركية الجديدة، فقد كانت إدارة ترمب شديدة السلبية تجاه بشار ونظامه، ويقال الأمر ذاته عن إدارة بايدن، لكنّ سياسات الإدارة الجديدة ما اتضحت معالمها بعد بشكلٍ يمكن الحكم عليه أو تحديد اتجاهه وما الذي يمكن البناء عليه.

ومع هذا وذاك وذلك، لنعُد إلى القوى الموجودة على الأرض في سوريا، وكيف يمكن أن تكون توجهاتها أو تتطور. هناك إلى جانب النظام وبشكل رئيسي إلى جانب الروس الإيرانيون وميليشياتهم المتعددة، وعندهم مراكز وقواعد واستيلاءات من جوار دمشق وإلى القلمون وحمص وحلب وإلى مساحة متوسعة على الحدود مع العراق. وهناك بالطبع الأتراك الذين يسيطرون على مساحة داخل الحدود مع سوريا، ويشاركون المعارضة المسلحة فيها. ثم هناك المناطق الكردية التي يحميها العسكر الأميركي، الذي يملك عشرات القواعد على الحدود مع العراق ومع الأردن. وإلى ذلك كله، هناك مدينة إدلب التي تسيطر عليها التنظيمات المسلحة وفي طليعتها «هيئة تحرير الشام» المتحورة عن «القاعدة»، وإلى تنظيمات مسلحة متشددة أخرى. ومن الحسنات القليلة للأوضاع في السنوات الأخيرة صمود وقف إطلاق النار باستثناء المناوشات الجوية والمدفعية ضد إدلب وجوارها، والتي تقوم بها الطائرات الروسية وقوات النظام الموجودة هنا وهناك.

ما هي مواقف كل هذه الجهات من الحراك الروسي الذي يبدو رئيسياً في هذه الفترة بالذات؟ وماذا يقول الإيرانيون أولاً؟ هم رسمياً مع النظام، لكنهم مصرون على الوجود العسكري والأمني والديموغرافي. وقد تحملوا ويتحملون مئات الغارات الإسرائيلية على مدى سنوات من دون أن يتزحزحوا. بل هم مصرون على التمدد جنوباً إلى حدود الأردن وإسرائيل، رغم انزعاج الروس من ذلك كما يقال. ثم ما هو موقف الأتراك الذين عندهم ألوف من القوات والمعدات والقواعد إضافة إلى عسكر المعارضة؟ ونحن نسأل هذين السؤالين، لأنّ كل محاولة للخروج من هذا المستنقع تستند بديهياً إلى أمرين؛ خروج كل القوات الأجنبية، وتدبير الإنفاق على إعادة الإعمار لاستعادة الاستقرار وإعادة اللاجئين. ثم بأي شروطٍ ينسحب الإيرانيون، وبأي شروطٍ ينسحب الأتراك؟ ومن هو الطرف الدولي أو العربي أو الأطراف التي تساومهم على ذلك؟

أما بقية الموجودين والفاعلين فمفتاح الحديث معهم الإصلاح السياسي بحسب القرار الدولي، وأعني بذلك الأكراد والمعارضة. وبالطبع، هؤلاء ليسوا فاعلين مستقلين، بل وراءهم الأميركيون والأتراك. وهذا إن لم ندخل في الحديث عن إدلب و«هيئة تحرير الشام» وأخواتها!

ولنلتفت إلى وجهات النظر العربية، ونحن نتحدث عن «وجهات نظر» باعتبار أنّ أحداً من العرب ليس موجوداً على الأرض. فحتى عراق الكاظمي غير موجود على الأرض السورية، بل الموجود ميليشيات من مختلف الجنسيات، منها العراقي واللبناني والأفغاني والباكستاني، وهؤلاء جميعاً لا تمتلك الحكومة العراقية نفوذاً بينهم، بل هم خالصو التبعية لإيران التي أنشأتهم ودربتهم وأرسلتهم!

العرب الذين ما يزالون يسلّمون بنظام الأسد للافتقار للبدائل، يريدون لسوريا وحدة الأرض، والعودة للاستقرار وإعادة الإعمار. فهل يستطيع النظام القائم رسمياً الإسهام بشيء من ذلك؟ بالطبع لا. فهو لو أراد ورغب في التوحيد والاستقرار ولو تحت سيطرته، فلا يمتلك القدرات وربما لا يمتلك الإرادة. حتى الجيش الباقي صارت بعض فِرقه تابعة للإيرانيين أو للروس. فهل يمكن للعرب مساعدته على استعادة قواه لتحقيق الأهداف السالفة الذكر ولو في المستقبل؟ وهل للنظام مصلحة في ذلك، وهذا بعد التسليم بالإمكانات وجوداً واستعمالاً؟ الأعباء والمسؤوليات ثقيلة وثقيلة جداً. هناك 12 مليون مهجَّر بالداخل والخارج. وهناك مليون بين قتيل ومعتقل. وهناك خراب حجمه 40 في المائة من مساحة البلاد. وهكذا، ما هي ميزة أو ميزات النظام القائم إذن؟

إنّ الواقع أنّ النظام الحالي الذي كان البادئ بإدخال الإيرانيين وميليشياتهم والروس وطيرانهم لإنقاذ نفسه ليس مغلول اليد والسلطة فقط، بل مغلول الإرادة والواقع أيضاً.

فهل يعني ذلك أنه لا أمل في إنقاذ سوريا، ولا دور للعرب في ذلك؟

الحق أنّ الدور العربي هو المفقود، وهو الضروري الوجود، أو هو الشرط لكل ما عداه. لكنّ شرط الوجود، وربما بعد فوات الأوان؛ التوافق الدولي أو الروسي – الأميركي. وهذا كله ليس مستحيلاً بالإصرار العربي كما حصل في السودان من قبل ويحصل في ليبيا الآن.

لا يستطيع أحدٌ تقدير الفائدة من وراء سلام سوريا واستقرارها مثل العراقيين واللبنانيين والأردنيين، ومن ورائهم سائر العرب، حتى الفلسطينيون! إنما لا بد من تصميم من العرب الكبار على إحقاق هذه الأهداف ودفع الدوليين بمجلس الأمن وخارجه باتجاهها.

لقد أهلكت سياسات المحاور وتدخلاتها المشرق العربي. وحضور العرب الكبار مع الدوليين أو من ورائهم ينبغي أن يشكّل مخرجاً من هذه المأساة التي تنخر في عظامنا كما نخرت فلسطين وما تزال.

————————

هل انتقلت حوارات الحميدان في بغداد إلى دمشق؟/ حازم عياد

نقلت صحيفة “رأي اليوم” عن مصادر سورية أن وفدا سعوديا يرأسه رئيس جهاز المخابرات خالد الحميدان التقى اليوم الثلاثاء 4 ايار مايو الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق كما التقى نائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية اللواء علي مملوك، ليتفق الطرفان على إعادة كافة العلاقات بين البلدين على أن يقوم الوفد السعودي بزيارة مطولة بعد عيد الفطر.

بحسب الصحيفة، فإن “الوفد السعودي أبلغ مضيفه السوري أن بلاده ترحب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وحضور مؤتمر القمة العربية المقبل في الجزائر في حال انعقاده.

ورغم انه لم يرد تأكيد او نفي لزيارة الوفد برئاسة رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان من المصادر السعودية أو السورية إلا ان نشاط الحميدان خلال الاسابيع القليلة الماضية يتسق مع هذا التوجه.

فتحركاته خلال الاسابيع القليلة الماضية لم تقتصر على سوريا اذ سبقه لقاء مسؤولين ايرانيين في بغداد بوساطة من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي موحيا بامتداد اثر الوساطة العراقية الى دمشق.

رغم التقارب الزمني بين الحدثين الا انه يصعب الجزم بوجود رابط مباشر بين مفاوضات بغداد الايرانية السعودية وبين لقاء الحميدان الرئيس السوري في دمشق!

ورغم الشكوك ونقص المعلومات تبقى إمكانية عقد اللقاء في دمشق كانعكاس لمفاوضات بغداد وامتداد لها، او كمحاولة لإبعاد دمشق عن طهران بدعم عودتها الى الجامعة العربية واشراكها في القمة العربية طموحاً يكاد يكون مستحيلًا في ضوء العلاقات الإستراتيجية الامنية العميقة بين طهران ودمشق.

التكهنات لن تقتصر على توسيع طاولة الحوار والمفاوضات بين طهران والسعودية لتشمل دمشق بعد بغداد؛ ذلك ان الزيارة بحد ذاتها تحمل رسالة لطهران بإمكانية الوصول الى تفاهمات في العديد من الساحات ومن ضمنها سوريا.

فسوريا الى جانب العراق تمثل نقاطاً ساخنة تتصادم فيها المصالح بين طهران والرياض وتتحول شيئا فشيئا الى ساحة لتصفية الخلافات وفتح الباب لمزيد من الحوارات التي تقع اليمن في بؤرتها.

التقارب مع سوريا والانفتاح على قيادتها تشترك فيه القاهرة التي ناقشت مؤخرا امكانية تصدير الغاز المصري الى العراق عبر الموانئ السورية.

وهو مقترح رغم صعوبة تنفيذه الا انه يحمل رسائل الهدف منها اعادة ربط دمشق وبغداد بالعالم العربي؛ وفتح المجال لمساحات مهملة للتعاون بين الدول العربية التي تعاني من تضخم في ازماتها وهشاشة تحالفاتها الاقليمية.

في المحصلة النهائية تبدو الانباء عن لقاءات مسؤولين سعوديين بالرئيس السوري معقولة جدا في ظل السياق الاقليمي المتغير الذي تضمن انفتاحا سعوديا على إيران والحوثيين في اليمن الذين راهن ولي العهد السعودي على عروبتهم لحل النزاع في اليمن؛ لذلك فإن من باب أولى ان يجد هذا الحوار طريقه الى دمشق اسوة بطهران والحوثيين في اليمن.

* حازم عياد كاتب صحفي أردني

المصدر | السبيل

—————————

التقارب السعودي السوري..كحدثٍ عربي وتحدٍ لبناني/ ساطع نور الدين

بين من يحلم بعودة حواجز “الجيش العربي السوري” الى مداخل بيروت، وبين من يخشى تجدد الاغتيالات في وسطها، ضاع البحث اللبناني عن طبيعة اللقاء السعودي السوري الاول من نوعه منذ عشر سنوات الذي شهدته دمشق في اليومين الماضيين. وهو بالتأكيد لم يكن لقاءً من أجل لبنان، او من دواعيه.. إلا ربما من زاوية واحدة، هي تحول الاراضي والحدود اللبنانية السائبة الى منصة لواحدة من أكبر حملات تهريب المخدرات_ السورية المنشأ_نحو بلدان الخليج العربي.

المرجح أن الوفد الامني السعودي لم يأت لهذا الغرض وحده، ولم يكن ليتم تسريب نبأ الزيارة  من دمشق لو أن الحوار الثنائي إقتصر على قضايا أمنية، لم ينقطع التباحث والتفاهم حولها يوماً، بين مختلف العواصم العربية وبين العاصمة السورية، التي إستقبلت على الدوام مسؤولين أمنيين من جميع الجنسيات العربية والاجنبية.. وتعاملت معهم بإعتبارهم رُسُلَ تطبيعٍ وتجديدٍ للعلاقات الثنائية، التي لا تزال تدور في فلك التكتم والتحفظ، مخافة إغضاب الغرب الاميركي والاوروبي، أو إغواء الروس أو الايرانيين بلا ثمن.

يصعب إدراج التقارب السعودي السوري، الذي لم يخرج الى العلن بعد، في خانة ذلك الحوار الذي بدأ في بغداد الشهر الماضي، بين الرياض وطهران، وإعتباره هامشاً من هوامشه، لأن الجانبين السعودي والايراني، لا يرغبان في ان تكون سوريا بالذات بنداً على جدول اعمال المساومة المفترضة بينهما. اليمن، أولوية أكثر أهمية، وأشد إلحاحاً لكل منهما. ولعل العبء اليمني كان ولا يزال من أهم دوافع ذاك الحوار الذي لم ينقطع، وإن كان لم يصل الى نتيجة مهمة بعد.

المعطى الوحيد الذي يمكن التوقف عنده الآن، هو أن ثمة إنعطافاً سعودياً حاسماً عن سياسة خارجية إتسمت في السنوات الخمس الماضية خاصة بالكثير من العشوائية، بل الهوجائية، التي إستمدت من إدارة الرئيس الاميركي السابق التشجيع والتحفيز، لتتورط في سلسلة من الأزمات والاخطاء، كانت حرب اليمن أهمها وأخطرها. لكن سوريا (ولبنان ايضاً)، لم تكن من عناوينها الرئيسية. حيث كانت الرياض قد تخلت عن دعم الثورة السورية، قبل ان تتدخل روسيا وإيران لحماية نظام بشار الاسد.. مثلما كانت قد أسقطت حلفاءها اللبنانيين الضعفاء أصلاً من حساباتها الاقليمية.

التطبيع السعودي مع النظام السوري، حصل في العامين 2014-2015، عندما كانت دمشق على وشك السقوط في أيدي المعارضة السورية، المدعومة بالتحديد من الرياض. ومنذ ذلك الحين، إنتهت الثورة، وضاع الأمل بالتغيير في سوريا.. ولم يبق لدى السعودية سوى وهم الرهان على أن روسيا يمكن ان ترث سوريا من الايرانيين وتخرجهم من أراضيها.. وهو ما ثبت حتى الآن، أنه كان فرصة إضافية للنظام لكي يناور بين موسكو وطهران، ويبتزهما معاً.

وعليه، يصبح الحوار السعودي السوري الذي لم ينقطع أصلاً، مجرد تنازل جديد تقدمه الرياض لكل من موسكو وطهران، لن يعيد نظام الاسد الى الصف العربي، كما توهمت ولا تزال تتوهم دول مثل مصر والامارات، التي سبقت السعودية الى مثل هذا التنازل ولم تحصد منه سوى إعلان النظام السوري، مثلا، أنه لن يطلب عودة سوريا الى الجامعة العربية، لأنه ينتظر أن تطلب الجامعة نفسها العودة الى سوريا!

والسؤال الآن، هو ما إذا كانت الانعطافة السعودية نحو إقفال ملفات الاضطراب والتوتر في السياسة الخارجية، هي صدى لنصائح أميركية أوروبية، وروسية أيضا، أم أنها مجرد إجتهاد خاص، يطوي مرحلة صعبة من العلاقات العربية، والاقليمية. في الحالتين، ثمة سعيٌ جديرٌ بالاهتمام، لإستخدام، أو على الاقل، لإستكشاف فرص الدبلوماسية، ولو بواسطة ضباط الأمن والاستخبارات حتى الآن.

وحده، الحوار مع نظام الاسد، أو بالاحرى تطويره، لن يؤتي ثماراً، بل سيزيد التعنت الإيراني، والانتهازية الروسية.. وسيطلق في إذهان لبنانيين كثيرين، أسوأ أنواع الكوابيس، من ال”سين سين”، الى غيرها من حروف الابجدية السياسية اللبنانية، المشوهة أصلاً، والتي لا تحتمل نصراً دبلوماسياً سورياً إيرانياً جديداً.

المدن

—————————–

تغيّرات جديدة في تركيا والشرق الأوسط/ توران قشلاقجي

تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرا سياسيا صامتا في الآونة الأخيرة. فالسياسة التي كانت متعبة ومرهقة بالنسبة إلى جميع البلدان في السنوات القليلة الماضية، يتم استبدالها من جديد بِسياسة براغماتية. وتراقب دول شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأسود والشرق الأوسط عن كثب العلاقات في ما بينها، وتتخذ قرارات جديدة، بناء على التوازنات المتغيرة. والظاهر أن هذا الأمر ينبئ بحدوث تغييرات جديدة في سياسة المنطقة.

يبدو أن الفراغ الجيوسياسي الناجم عن انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، سيستمر في فترة بايدن أيضا، ما يزيد من اهتمام القوى العالمية مثل الصين وروسيا في المنطقة، حيث تحاول بكين حماية شبكاتها التجارية بشكل استراتيجي، من خلال الاستثمارات الاقتصادية. في حين تتخذ موسكو خطوات لتحقيق مزيد من التقارب مع الدول العربية بعد إيران. وفي السياق ذاته، يستعد الاتحاد الأوروبي أيضا للتقارب مع تركيا من جديد.

وفي الوقت الذي يتعرض فيه المعسكر المناهض لإيران في الشرق الأوسط للضعف، يجبر الوضع الجديد دول الخليج وإسرائيل على تطوير علاقات جديدة. في خضم ذلك، يقود رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وساطة بين السعودية وإيران. ولا شك بأن تخفيف التوترات مع إيران، يبدو سهلا على دول الخليج، أمّا إسرائيل فإنها مضطرة لإيجاد دعم جديد ضد الجانب الإيراني. ومن المتوقع أن تعطي الولايات المتحدة الأولوية للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وحل قضية الميليشيات الشيعية والصواريخ الباليستية مع مرور الوقت. وستكون إسرائيل الدولة الأكثر انزعاجا من هذا الوضع. ويصبح تحسين العلاقات مع تركيا، في هذا السياق، أولوية لكل من الدول الخليجية وإسرائيل. فدول الخليج تشعر بالحاجة إلى فاعلين مثل تركيا وإسرائيل حتى لا تبقى ضعيفة في مواجهة النفوذ الإيراني. ويمكننا هنا الإشارة إلى فشل المساعي الخليجية بقيادة السعودية والإمارات لفرض وضع إقليمي جديد في عهد ترامب. وبينما تبدأ اليونان في التفاوض مع تركيا تحت ضغط من الاتحاد الأوروبي، تسعى إسرائيل إلى تطوير تعاون جديد مع مصر والسعودية ضد أنقرة. هذه الأحداث المهمة وتغير التوازنات والتهديدات الجديدة في المنطقة، جعلت تركيا تشعر بالحاجة إلى اتباع سياسة أكثر براغماتية، تأخذ في الاعتبار مصالحها واحتياجاتها قبل كل شيء. لقد حددت الدبلوماسية التركية خريطة طريق جديدة في ضوء هذه العوامل. وبناء على ذلك، ستتصرف تركيا من الآن فصاعدا «بشكل براغماتي» مع التحلي بالمرونة التي تتطلبها مصالحها، بجانب حفاظها على موقفها «المبدئي» تجاه بعض القضايا مثل الانقلابات العسكرية. وكانت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، خلال مقابلة شاملة مع قناة «خبر تورك» الشهر المنصرم، قد تضمنت رسائل مهمة وإيجابية في هذا الصدد. تحدث الوزير تشاووش أوغلو عن الطابع «المبدئي والبراغماتي» الذي لا يزال قائما في السياسة الخارجية التركية التقليدية، وأشار إلى أهمية اتباع مثل هذه الاستراتيجية في منطقتنا. وكما قال الوزير، فإن تركيا التي تنتهج سياسة متوازنة، قادرة على مواصلة علاقاتها وتعاونها الجيد مع بعض الدول رغم الخلافات القائمة. وأحدث مثال على ذلك، هو دخول العلاقات مع كل من مصر والسعودية إلى مسار التحسن وفقا لهذا النهج.

خلاصة الكلام، ينبغي أن لا نتوقع من الديناميكية الجديدة متعددة الفاعلين والقائمة على قضية معينة بذاتها في الشرق الأوسط، أن تخلق معادلة دائمة خلال وقت قصير. ومن الواضح أيضا أنه ستكون هناك دائما توترات ساخنة في منطقتنا، رغم التركيز على الدبلوماسية بالدرجة الأولى. ومن المؤكد أن أنقرة أحسنت استخدام قوتها الصلبة في مناطق الأزمات، خلال السنوات الخمس الماضية، وهي قادرة على تبني أدوار حاسمة في هذه اللعبة الإقليمية الجديدة. لقد حان الوقت بالنسبة إلى تركيا لانتهاج الدبلوماسية النشيطة والمرنة.

كاتب تركي

—————————-

بلومبيرغ: دور عراقي متزايد في الحوارات السعودية- الإيرانية.. وواشنطن راضية/ إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: نشر موقع “بلومبيرغ” تقريرا أعده خالد أنصاري وغولنار متولي وزينب فتاح، قالوا فيه إن العراق يقوم بدور الوسيط بين إيران ودول الخليج المنتجة للنفط بما فيها السعودية، وهو تحول من دور الضحية لنزاعات المنطقة، إلى لعب دور الوسيط لنزع فتيلها.

وعقد العراق في الأسابيع الماضية محادثات غير مباشرة بين السعودية وإيران ركزت على وقف الحرب في اليمن التي يدعم فيها البلدان الأطراف المتحاربة. وتنظر السعودية وحليفتها الإمارات لمصطفى الكاظمي، مدير المخابرات السابق والخبير في الشؤون الأمنية بالمنطقة، بأنه مستقل نسبيا عن إيران. ولهذا السبب استطاع بناء الثقة التي أعطته القدرة على تحقيق المحادثات حسب أربعة أشخاص على معرفة بالمجريات. كما أبقى الكاظمي على القنوات مفتوحة بين طهران وإدارة الرئيس جوزيف بايدن التي رحبت بالقنوات الدبلوماسية الجانبية للتعامل مع إيران، وذلك حسب شخصين من الجانب العراقي.

ونظرا لقرب نهاية الاتفاق لمراقبة المنشآت النووية الإيرانية في منتصف الشهر الحالي، فإن المحادثات المتعددة المسارات تعتبر مهمة. ويمكن للتواصل مع الأطراف الإقليمية أن يفتح المجال لإحياء الاتفاق النووي الذي خرج منه الرئيس دونالد ترامب، وتبعه هجمات على ممرات الملاحة الدولية والمنشآت النفطية السعودية ومعظمها حُمّلت لإيران مسؤوليتها.

وقال روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والخبير في شؤون الشرق الأوسط، إن الكاظمي قاد السياسة العراقية على الخطوط الأمامية للمواجهة الأوسع مع إيران ولعب أوراقه جيدا، و”رصيده مرتفع في الوقت الحالي في واشنطن”. ويحاول العراق الذي ظل عالقا وسط القوى الدولية والإقليمية تهدئة النزاعات التي تؤثر عليه مباشرة، خاصة أنه يعيد بناء نفسه بعد الغزو الأمريكي والحرب ضد تنظيم “الدولة”. ويحاول الكاظمي تقوية دوره على المسرح الدولي، حتى في الوقت الذي يتعامل فيه مع السياسة العراقية التي تتجاذبه أطرافها.

ولم يعترف أي من البلدين بالمحادثات، إلا أن السعودية وإيران ألمحتا إلى التواصل الإقليمي المتزايد. وبدأت المناقشات التي شارك فيها مسؤولو الاستخبارات، في ظل رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، ولكنها زادت في عهد الكاظمي. وهناك عدة جولات مخطط لها، حيث تركزت الأولى على جس النبض بشأن تقارب في المستقبل كما قال مسؤول عراقي بارز.

وقال رناد منصور، الزميل البارز ومدير مشروع مبادرة العراق بتشاتام هاوس في لندن: “تدفع الولايات المتحدة حلفاءها في الخليج للحديث مباشرة مع إيران“. وأضاف: “هذا جزء من نهج قائم على مسارين لدفع كل الأطراف المشاركة في العملية”.

ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق. وأحال نيد برايس، المتحدث باسمها الأسئلة التي وجهت إليه في 24 نيسان/ أبريل لبغداد والرياض. وتلاقت مظاهر القلق العالمية والإقليمية هذا الأسبوع من خلال زيارة وفد أمريكي رفيع إلى الشرق الأوسط بهدف تخفيف مظاهر قلق الحلفاء حول محاولات بايدن العودة للاتفاق النووي. ولطالما دعت دول الخليج لإشراكها في الدبلوماسية الدولية مع إيران، حتى يظل أي اتفاق معها مستداما.

ورحب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في زيارة له لبغداد الأسبوع الماضي بدور العراق، قائلا إن طهران تريد رؤية بغداد كلاعب رئيسي في شؤون المنطقة. وتقول دينا إسفنادياري، المستشارة البارزة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية، إن فشل محادثات فيينا يعني زيادة نشاط الميليشيات التي تدعمها إيران ومواصلة المتشددين رفض الاتفاق. وتحاول دول الخليج وإيران إحباط هذا عبر إجراء حوارات بينها. وتريد السعودية وإيران إنهاء الأزمات الإقليمية، فإيران تواجه ضغوطا اقتصادية متزايدة بسبب العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب. أما السعودية فهي قلقة من الهجمات الصاروخية المتزايدة التي يشنها الحوثيون الذي تدعمهم إيران في اليمن. ووجد العراق السعودية منفتحة أكثر للحوار مع إيران وتعتقد أن الكاظمي هو عامل في هذا. وبدا تغير المزاج في تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأسبوع الماضي التي قال فيها إن بلاده تعمل للبحث عن طرق لحل الخلافات مع إيران وألمح لجهود إقليمية لم يحددها.

وتصريحات بن سلمان تحول عن 2017 عندما هاجم القيادة الإيرانية واتهمها بمحاولة قيادة العالم الإسلامي وهدد بنقل الحرب إلى أراضيها بدلا من انتظار وصولها إلى السعودية.

——————————

العراق والمصالحة السعودية ـ الإيرانية/ أمير المفرجي

أصبح من الواضح لكل من له بصيرة وطنية وإخلاص للعراق، أن استمرار حالة الاختلال السياسي والاجتماعي، الذي أنتجته الصراعات الطائفية والمذهبية، كان نتيجة لتطور التنافس الأيديولوجي والعسكري للقوى الإقليمية الكبرى، التي ساهمت بتغيير معادلات التوازن الاجتماعي للأمة العراقية، عن طريق التدخل في شؤون البلاد، بما يسمى صراع الآخرين والحروب بالوكالة.

حيث تعد كل من إيران والسعودية القوتين الأساسيتين اللتين تسعيان في أن تكون كل منهما القوة الإقليمية العظمى الأولى في المنطقة، وفقاً لمفهوم الوجود الاستراتيجي، والحاجة لدور المكونات والثقافات في البلدان الضعيفة المتأثرة بأحد القطبين، لتثبيت وتوسيع أجندتها، كما هو الحال اليوم في العراق نتيجة لحالة انعدام التوازن السياسي والاجتماعي، الناتج من ضعفه وعدم أهليته في أن يكون القطب الثالث المنافس، أسوة بالمملكة العربية السعودية وإيران، بعد أن تم احتلاله وتقسيمه إلى بلد المكونات والطوائف عام 2003، وتوزيع ولاء هذه المكونات إلى الدول المجاورة، حسب منظور الاعتقاد المذهبي والطائفي، ومن ثم إعادة طريقة وطبيعة علاقته مع الغرب، من دولة ذات سيادة وعامل توازن استراتيجي، لمنطقة الشرق الأوسط، ومصدر اقتصادي واستراتيجي كبير للدول العظمى، ومنافس اقتصادي وتاريخي للقوى الإقليمية، إلى حاضنة ومصدر توسع للأهداف والاستراتيجيات الإقليمية.

ونتيجة لذلك أصبح العراق المحور الرئيسي في الصراع الإقليمي الدائر بين النظام الإيراني، والمملكة العربية السعودية، بعد أن تم إخراجه من دائرة التأثير والقرار الإقليمي، وإدخاله إلى دائرة التأثر الطائفي، ليصبح عاملا لنمو الإرهاب الديني السياسي الشيعي والسني المتطرف، في غياب رؤية وطنية مستقلة للنظام العراقي الحاكم، تتمثل في ضرورة إبعاد العراقيين عن دائرة صراع القوى الإقليمية، والسعي لإعادة بلاد الرافدين قوة شرق أوسطية مستقلة في شرق أوسط متعدد الأقطاب.

ورغم المحاولات العديدة التي يعلنها النظام السياسي العراقي الجديد بين الحين والآخر، الهادفة على ما يبدو، لإبعاد البلاد عن دائرة الصراع السعودي ـ الإيراني، وإظهار قابليته وقدرته في أن يكون القطب المستقل الثالث، كوسيط قادر على فرض الحلول، وإرضاء الطرفين، ودفع القطبين لعدم التدخل في أمور البلاد، عن طريق حروب الوكالة، وحثهما للتصالح في ما بينهما، من خلال العديد من الزيارات، التي قام بها رؤساء الحكومات العراقية المتتابعة، ابتداء من حيدر العبادي، وانتهاء بزيارة مصطفى الكاظمي، وقبوله استضافة الجانبين في العراق، وان تكون العاصمة بغداد المكان المناسب للوساطة بين البلدين المتصارعين، إلا ان عامل الهيمنة الإيرانية على النظام السياسي العراقي، والشروط التي فرضتها أحزاب إيران في العراق، سوف تدفع لا محالة الجانب السعودي، في حالة نجاح الوساطة العراقية، للقبول ببقاء النظام الطائفي الحالي، ومن ثم دعمه اقتصاديا وسياسيا ليكون في النهاية، العامل المساعد والوسيط الفاعل لعلاقة إيرانية ـ سعودية مشتركة، تضمن للرياض الحفاظ على مصالح المملكة الحيوية والاقتصادية الإقليمية، وتدفع في اتجاه إنهاء التدخل الإيراني العسكري المستمر، الذي فرضه نظام الولي الفقيه عن طريق ميليشيات الحوثي في اليمن، وعلى حساب استمرار العملية السياسية الطائفية، وبقاء الوجود الفارسي وأذرعه العسكرية في العراق.

وهذا ما قد يصب في صالح الاستراتيجية السعودية للخروج من أزمتها، خاصة أن مشاركة العراق المتأثر بإيران لحوار سعودي إيراني، سيساهم في إنهاء حرب اليمن التي أنهكت المملكة، وسيسمح للنظام الإيراني باستمرار احتلاله للعراق كرد للجميل. وبمعنى آخر تعزيز قدرة المملكة العربية السعودية للسيطرة على اليمن، مقابل تعزيز قدرة إيران للسيطرة على العراق.

وهنا لا بد من التأكيد وحسب مصادر في الحكومة العراقية نقلتها لشبكة CNN إن السعودية وإيران أجرتا محادثات أولية في العراق، تمهيدا لمحادثات دبلوماسية رفيعة المستوى، بعد زيارة مصطفى الكاظمي الأخيرة إلى الرياض، والتوقيع على العديد من الاتفاقيات الاقتصادية، والتزام السعودية بزيادة استثمارها إلى 3 مليارات دولار، مقابل قبول إيران إجراء محادثات مباشرة في ملف وقف دعم الحوثيين في اليمن. وهذا ما قد يصب ويتوافق مع السياسة الجديدة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، المتمثلة في أهمية إيجاد حل لأزمة الحوثيين ورؤيته لمستقبل النظام السياسي في العراق. يبدو واضحا ان قضايا الشرق الأوسط هي من أكثر القضايا التي تتأثر بتوجهات الإدارات الأمريكية، للدور الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ولسبب أن أغلبية الأنظمة تدين بالولاء الكامل للإدارة الأمريكية والغرب بصورة عامة، لأنها أتت برغبة منها، لتحقيق مصالحها في المنطقة. وهذا ما ينطبق على طبيعة نظام المكونات العرقية والطائفية في العراق، الذي تم بناؤه برغبة أمريكية ليكون قابلا للتأثر بأجندات الدول الإقليمية، التي كان لها الأثر الكبير في إنجاح مشروع تفتيت العراق، بعد ان كان يمثل بتاريخه وثرواته وثقافته العريقة السمحة، القطب المنافس للقطبين الإيراني والسعودي.

ثمة أقلية ترى أن جهود العراق للوساطة بين السعودية وإيران، قد تعيد هذا البلد الذي مزقته الحرب، لاعبا رئيسيا في المنطقة، للمساعدة في دفع عجلة هذه المصالحة إذا ما خلصت لنتائج إيجابية، حسب تقرير «بروكينغز» وأغلبية ترى أن العراق أضعف بكثير من أن يكون البلد المستقل القادر على الدفاع عن مصالحه، وفرض الرأي والنفوذ على الآخرين واتباع سياسة خارجية تتمثل في عدم الانحياز بين السعودية وإيران، وعلى المدى القريب. لا شك في أن الرؤية الأمريكية التي يحملها الرئيس الأمريكي الجديد تتوافق مع الإرادة السعودية ـ الإيرانية المشتركة للمصالحة، وإيجاد الحلول للحفاظ على المصالح والقبول بخريطة الشرق الأوسط، التي أعادت ترتيبها عملية الغزو الأمريكي، والتي أخرجت العراق من مربع الأقطاب المهمة المؤثرة، بحيث أصبح من الواضح أن العراق ونظامه الطائفي، الذي تديره إيران قد يصبح بمثابة كبش الفداء في ملف الحوثيين، الذي من المؤكد أن يكون أحد أهم بنود المصالحة السعودية ـ الإيرانية.

—————————-

التقارب السعودي مع الأسد: فصل من التحولات في سياسة الرياض/ أمين العاصي

سهّلت التطورات الإقليمية المتلاحقة تقارباً استخباراتياً بين المملكة العربية السعودية والنظام السوري الغارق بأزماته، إذ أكدت مصادر إعلامية متقاطعة أن رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان التقى، منذ أيام، رئيس مكتب الأمن القومي المشرف على الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري علي مملوك، في العاصمة السورية دمشق، وهو ما يعدّ إضعافاً لجبهة الرفض العربي لهذا النظام. وأوردت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، أول من أمس الثلاثاء، أن وفداً سعودياً برئاسة الحميدان زار دمشق، الإثنين الماضي، حيث كان في استقباله مملوك، وذلك في أول اجتماع يعرف من نوعه منذ اندلاع الثورة السورية، مطلع العام 2011. وقال مسؤول سعودي، فضل عدم الكشف عن هويته، وفق ما نقلت “ذا غارديان”: “لقد تم التخطيط لذلك اللقاء منذ فترة، لكن من دون أي تطور، ولكن تغيّرت الأحداث إقليمياً وكان ذلك بمثابة فرصة مواتية”.

وكانت مصادر إعلامية عربية قد سرّبت أن رئيس النظام بشار الأسد التقى الوفد السعودي، وأنه جرى التوصّل لتفاهم بإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، بعد عطلة عيد الفطر، كخطوة أولى لاستعادة العلاقات في المجالات كافة بين البلدين. كما أكدت هذه المصادر أن الجانب السعودي أبلغ الأسد بأن الرياض ترحّب بعودة سورية إلى الجامعة العربية، وحضور مؤتمر القمة العربية المقبل في الجزائر في حال انعقاده.

ولم يصدر حتى اللحظة تأكيد رسمي أو نفي من جانب النظام السوري أو الرياض للزيارة. بينما ذكر مصدر مطلع في العاصمة السورية دمشق، لـ”العربي الجديد”، أنّ النظام “تعمّد تسريب الأنباء عن هذا اللقاء”، الذي وصفه بـ”الأمني”، في محاولة واضحة للإيحاء للشارع الموالي بأنّ هناك تقارباً عربياً معه. ولفت المصدر إلى أنّ “علي مملوك كان قد زار السعودية في بداية العام الماضي، للبحث في قضايا أمنية بحتة، ولكن لم يحدث أي تقارب سياسي بين الجانبين عقب اللقاء”. وأشار المصدر إلى أن بشار الأسد “يحاول استعادة مقعد سورية في الجامعة العربية، ليحصل على اعتراف عربي بنتائج الانتخابات التي ستجري في 26 مايو/ أيار الحالي، والتي ستبقيه في السلطة حتى عام 2028″، مضيفاً أنّ “تسريب الأنباء عن هذه الزيارة يندرج ضمن هذا المسعى”.

من جانبه، لفت الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى وجود “تغيّر في لهجة السعودية وسياستها تجاه إيران أيضاً”. وأضاف: “العوامل التي تدفع المملكة لمثل هذا السلوك مرتبطة بخيبات أملها المتكررة من السياسة الأميركية، وتوجه الولايات المتحدة نحو تخفيف الأعباء عنها في الشرق الأوسط لمواجهة الصين”. ورأى سالم أن ذلك “يدفع السعودية لمحاولة التماهي مع الجهود الروسية في ما يتعلّق باعتماد النظام السوري في المنظومة الأمنية الإقليمية، للحدّ من النفوذ الإيراني في سورية”.

وجاءت زيارة الوفد السعودي إلى دمشق بعد أيام من تصريحات تلفزيونية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أشار فيها إلى أن بلاده “ترغب في إقامة علاقات طيبة ومميزة مع إيران”. كما تأتي الزيارة بعد تواتر أنباء عن لقاءات جرت بين مسؤولين أمنيين سعوديين وإيرانيين في بغداد بوساطة من رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، لتحسين العلاقات بين الرياض وطهران، وردم هوّة الخلاف بينهما حول العديد من الملفات.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “إذا صحت الأنباء عن زيارة الوفد السعودي إلى دمشق، فإن ذلك محبط”، مضيفاً: “إذا كان هدف الرياض إخراج إيران من سورية، فالنظام السوري لعبة بيد طهران، وتطبيع العلاقة مع هذا النظام يعكس فشل هذه السياسة، ويضعف الجبهة العربية ضد الأسد”. وتابع: “من المهم أن يصدر موقف أميركي صريح يوقف هذه التوجهات ويزيد الضغوط على الأسد، فالتطبيع مع النظام يجب أن تتخلله تنازلات وضمان تحقيق انتقال سياسي في سورية”.

ومرت العلاقة بين النظام السوري والسعودية بالعديد من المنعرجات منذ بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011، عندما حاولت الرياض دفع النظام إلى الانفتاح على مطالب السوريين بإحداث تغيير سياسي عميق في بلادهم. وكان رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشق رياض حجاب قد ذكر، في مقابلة مع قناة “الجزيرة”، في مارس/ آذار الماضي، أنّ العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، اتصل ببشار الأسد في بداية الثورة طالباً منه إحداث إصلاحات في البلاد، مشيراً إلى أنّ الأسد طلب 200 مليون دولار من الملك الراحل “ذهبت إلى حساب رئيس النظام الخاص، ولم تذهب إلى ميزانية الدولة”.

وكانت بداية القطيعة بين الرياض والنظام السوري في مارس عام 2012، عندما أغلقت المملكة سفارتها في دمشق بسبب تعنّت النظام ورفضه التجاوب مع الجهود العربية لحل الأزمة. ونشطت السعودية بعد ذلك في دعم المعارضة السورية من خلال “الائتلاف الوطني السوري” الذي كان قد تشكل في عام 2012.

ولكن الاهتمام السعودي بالملف السوري تراجع عقب وفاة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، منتصف عام 2015، إلى أن دفعت الرياض هيئات ومجالس وتيارات المعارضة السورية إلى عقد اجتماع في المملكة عُرف بـ”الرياض 1″، انبثقت عنه “الهيئة العليا للمفاوضات” التي تشرف على التفاوض مع النظام. وفي نهاية عام 2017، دعت وزارة الخارجية السعودية لاجتماع “الرياض 2″، الذي استبعد ألمع شخصيات المعارضة، وأبرزها رياض حجاب، الذي كان قد ترأس “الهيئة العليا للمفاوضات” في دورتها الأولى. ومارست الرياض ضغوطاً على المعارضة السورية لضم منصتي “موسكو” و”القاهرة” إلى هيئة التفاوض، وهو ما كان مقدمة لضغوط أكبر دفعت المعارضة السورية إلى الموافقة على البدء في التفاوض حول سلّة الدستور وتأجيل التفاوض حول الانتقال السياسي. وفي خطوة نُظر إليها باعتبارها محاولة سعودية للهيمنة على المعارضة السورية، التأم اجتماع، أواخر عام 2019، لمجموعة من المعارضين السوريين المستقلين انتخبوا ثمانية منهم لتمثيل المستقلين في هيئة التفاوض، وهو ما اعتبرته الأخيرة غير قانوني. وفي مطلع العام الحالي، تفاقمت الخلافات داخل “هيئة التفاوض”، وهو ما دفع الجانب السعودي إلى “تعليق عمل موظفي الهيئة”، التي تتخذ من الرياض مقراً لها منذ تأسيسها عام 2015.

العربي الجديد

———————–

رؤية أميركية جديدة لمستقبل العراق/ فاروق يوسف

“حكومة عراقية معادية للوجود الأميركي لن ترى النور في أي وقت”، ذلك هو القرار الذي يدفع بالأمور إلى أن تأخذ مساراً طبيعياً في العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق. فحكومة غير موالية لإيران هي ضمانة استمرار تلك العلاقة التي يجب أن لا تتعرض للهزات كما حدث في السنوات الأخيرة.

وبما أن الولايات المتحدة بحسب قياداتها العسكرية المشرفة على العمليات في المنطقة قد عقدت العزم على الإبقاء على العدد النوعي القليل من قواتها في العراق التي لن تنسحب بناء على قرار اتخذه مجلس النواب العراقي أو الضغط المباشر الذي تمارسه الميليشيات من خلال القيام بقصف القواعد التي تتواجد فيها تلك القوات، فإن السند القانوني لبقائها يجب أن يظل قائماً. فالقوات الأميركية موجودة في العراق بناء على اتفاق استراتيجي تم توقيعه مع الحكومة العراقية عام 2008 أي في الوقت الذي كان نوري المالكي رئيساً للوزراء قد أنهى جولته الأولى من الحرب الأهلية.

وما دام ذلك الاتفاق قد تم توقيعه مع الحكومة العراقية، فإن القوات الأميركية ستظل موجودة هناك إلى أن تقرر الحكومة عدم الحاجة إليها. وبما أن الأمر مرتبط بقرار حكومي فإن ذلك يمكن مناقشته بتمهل في الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي وفق المسؤولين الأميركيين. ولكن الأهم من ذلك ألا ترى الحكومة العراقية، أي حكومة جدوى من مراجعة اتفاق عام 2008، لا لشيء إلا لأن العراق لا يزال مخترقاً من قبل تنظيمات إرهابية، ليس “داعش” إلا تسمية عامة لها أو الإطار العام الذي يجمع بينها.

غير أن إصرار الولايات المتحدة على الإبقاء على قواتها العاملة في العراق يمكن اعتباره مؤشراً لرؤية أميركية جديدة لا للوجود الأميركي في المنطقة وحده، بل وأيضاً لمستقبل العراق في المرحلة التي ستلي توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران أو العودة إلى اتفاق عام 2015 بعد أن يجرى تحسينه بما يُهدئ من روع ومخاوف دول المنطقة وفي مقدمها إسرائيل والسعودية.

كانت الاستخبارات الأميركية قد أشاعت غير مرة أن معلوماتها تؤكد أن إيران كانت قد خططت أن يكون العراق ساحة لحربها المقبلة مع الولايات المتحدة. وهو ما يعني أن العراق سيكون عبارة عن منصة صواريخ كبيرة يتم من خلالها استهداف أراضي البلدين الصديقين للولايات المتحدة. العراق وليس سواه من مواقع النفوذ الإيراني هو الأشد خطراً على الأمن والاستقرار في المنطقة. تلك عقدة ينبغي تفكيكها بحذر لكن من غير التغاضي عنها وهو ما يستدعي أن لا تمر محادثات فيينا من غير أن يرافقها استعداد أميركي لمرحلة ما بعد الاتفاق.

إيران في حاجة للعودة إلى الاتفاق النووي بغض النظر عما تبديه من عناد ومن استعراضات على مستوى زيادة تخصيب اليورانيوم. ليست تلك الحاجة بعيدة من العقل السياسي الأميركي الذي يفاوض وتحت نظره ملفات عديدة يقف الملف العراقي في مقدمها لما له من أهمية على مستوى استعادة الولايات المتحدة لثقة حلفائها في المنطقة. فبغض النظر عما ينطوي عليه الاتفاق النووي من تحجيم لقدرة إيران على امتلاك السلاح النووي فإن هناك حاجة ماسة إلى أن تشعر دول المنطقة بالأمان وهو ما لا يمكن تحقيقه من غير الانتهاء من ملفات الميليشيات التابعة لإيران وبالأخص في العراق.

لن يُطلب من إيران طبعاً أن تحد من تدخلها في الشأن العراقي. ذلك طلب ممعن في سذاجته. فإيران لا تتحدث عن أحزاب وميليشيات تابعة لها في العراق بقدر ما تتحدث عن تيار مقاومة إسلامية يقف معها في جبهة واحدة ضد قوى الاستكبار العالمي. لذلك فإن الحوار معها في ذلك الشأن لن يكون ذات جدوى.

تحاول إيران أن تدفع بمسألة نفوذها في المنطقة إلى هامش المفاوضات مع الولايات المتحدة التي لن تتقدم خطوات مهمة على طريق رفع العقوبات عن إيران ما لم تكن متأكدة من سيطرتها على تلك المسألة التي لن يؤثر وجودها في الهامش على قوة تأثيرها على المفاوضات. فإيران ما قبل المفاوضات لن تكون هي نفسها إيران ما بعدها. ذلك هدف أميركي سيُعاد تدويره أثناء المفاوضات بطريقة مواربة. ما سيُعرض أمام إيران هذه المرة لا يشبه ما عُرض عليها عام 2015. فما من إغراءات اميركية، بل سيكون هناك تنازلات إيرانية.

ستكون إيران مضطرة لتقديم تنازلات بعد تجربة العقوبات المريرة التي مرت بها وهي تجربة ستظل تداعياتها قائمة في نواحي الحياة العامة، وأولى تلك التنازلات إنما تتعلق بتحجيم نفوذها في المنطقة وهو الأمر الذي يتطلب منها إعادة النظر في سياساتها العدوانية المستمدة من أطماع استعمارية، ليس لها محل في عصرنا.

غير أن ذلك لن يكون كافياً للسماح للولايات المتحدة بانجاز رؤيتها الجديدة لمستقبل العراق على أرض الواقع. ذلك لأن إيران ستخلف وراءها جيوشاً متناحرة من الميليشيات التي لن تتمكن أي حكومة عراقية من ضبط حركتها وتجريدها من أسلحتها. وقد يكون النشاط الميليشيوي ضد حكومة الكاظمي مقدمة لصراع طويل لن يُحسم لصالح الدولة إلا إذا كانت الرؤية الأميركية شاملة ولا تكتفي بالمبادرة الإيرانية التي لن تكون في كل الأحوال مؤشراً على حسن نية

النهار العربي

————————

حقيقة إيران في تسجيلات ظريف/ عمار ديوب

أكّد وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، ما يقوله أغلبية المحلّلين من أنّ الحرس الثوري والولي الفقيه، هما الحاكم الفعلي لإيران، داخلياً وخارجياً. وبخصوص العرب أنّ قائد فيلق القدس في الحرس الثوري (السابق) قاسم سليماني، هو المقرّر في ما يخص الدواخل العربية، وهذا كان قبل مقتله، والآن هناك قراءات جديدة عن تلك العلاقة. لطّف ظريف الأمر، قائلاً: الميداني يتحكم بالدبلوماسي، ويجب أن ينتهي ذلك لصالح التوافق بينهما، وتحت إشراف الولي الفقيه (المرشد الإيراني علي خامنئي)… وتوضح التسريبات غير المعدّة للنشر أزمة النظام الإيراني؛ فالحرس الثوري هو الأساس، وبالتالي كلّ المنتمين للحياة السياسية خارجه، وعموم الشعب الإيراني، متضرّرون من هذه الحيثية. هناك فرق جذري بين الشعب، الذي انتفض كثيراً في الأعوام الأخيرة، والطبقة السياسية التي تتذمّر من هيمنة الحرس الثوري، لكنّها تطأطئ الرأس له، وللولي الفقيه. ولن أقول إنّ هناك أدواراً مرسومة والجناحان يقومان بتنفيذها؛ لا .. هناك أكثر من صراع انفتح بين الطرفين، وليس آخره قمعُ الجناح الإصلاحي بعد الانتخابات الرئاسية 2009، وكذلك تقديم ظريف نفسه الاستقالة حين عَلِمَ من الإعلام بزيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، طهران 2019، بينما دبلوماسياً يجب أن يكون الأمر من اختصاص وزارته.

أصبحت حادثة التسجيلات قضية النقاش الأولى داخل إيران، وكذلك عالمياً، لما تضمنته من قضايا، تُظهر التأزّم الشديد داخل النظام الإيراني، والذي أصبح يتمحور بأكمله لصالح الجناح المتطرّف وتهميش كلّ مظاهر الحياة السياسية “النظامية”. خطورة ذلك لا تتأتّى من إعاقة الجناح المتطرّف الحياة السياسية، بل من العزلة الداخلية المستمرة للنظام والعزلة الخارجية أيضاً؛ إذ لا يمكن للعالم أن يتعايش طويلاً مع نظامٍ كهذا، وإن حصل ذلك، فسيكون عبر تشديد العقوبات عليه من الغرب وانفتاحه التبعي لصالح روسيا والصين. النظام الإيراني، وبدلاً من أن ينظُر لعُريه بالمرآة جيداً، أي عبر أحوال شعبه، والمنطقة وعلى قدم المساواة، يجاهر بسيطرته على دول عربية عديدة، ويتشدّد قامعاً الانتفاضات الداخلية والخارجية. الجناح الإصلاحي، الذي يطأطئ رأسه كثيراً سيكون أول الهاربين من سفينة الولي الفقيه، حينما تتعرّض لأزمةٍ شديدة. ليست هناك أزمة حالياً يمكن أن يعوّل عليها؛ لا قضية الضغوط الأميركية، خصوصاً من أجل اتفاق نووي جديد، وليست هناك ضغوط إقليمية رافضة الوجود الإيراني، وكذلك لم تستطع الانتفاضات الأخيرة الاستمرارية. في ظلّ وضعيةٍ كهذه، ستظل إيران، منها الجناح الإصلاحي، تحت هيمنة الحرس الثوري، والأخير يحميه الولي الفقيه، ويكفي قادة الحرس الاسم منه، إذ إنّ رحيل خامنئي، كما تقول تقارير كثيرة بسبب مرضه أو هرمه، لن يغيّر في الأمر شيئاً.

لا يمكن للعرب وسواهم استغلال التأزّم الشديد في النظام الإيراني؛ فالأنظمة العربية أصبحت بلا وزن إقليمياً وعالمياً، لا سيما بعد احتلال أميركا وإيران، العراق عام 2003، وانعدام الحس الوطني لديها بعد الثورات الشعبية 2011 حين ضحّت بالشعوب، ورفضت التنازل لها ببعض الحقوق، وارتضت التبعية لصالح الخارج. كذلك، هرولت أنظمة إلى إسرائيل من أجل حمايتها من إيران، وبسبب تعرّضها لابتزازٍ شديد من الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، والآن تتعرّض لتضييق جديد مع محاولة الرئيس جو بايدن اعتماد الديمقراطية وحقوق الإنسان أحد المقاييس في إدارة العلاقات مع العالم. لا تمتلك الأنظمة العربية بتلويناتها كافة أيّ مشروعٍ قوميٍّ للتقارب في ما بينها، وهي تَحكم شعوبها بالقمع أو بديمقراطية ضعيفة. إذاً، لا يمكن للأنظمة العربية أن تستفيد من ضعف الدولة الإيرانية، وكذلك لن تستفيد من مشكلاتٍ كبرى أصبحت تقف أمام الدولة التركية، وقد راحت الحريات فيها تتقلص، وتزيد من قمع الأكراد، حتى وصلت إلى رفع الحصانة عن نواب حزب الشعوب الكردي!

ليست المشكلة فقط في طبيعة الأنظمة العربية القمعية والناهبة، بل كذلك في معارضاتها المكرّسة، التي بدورها لا تحوز على مشاريعٍ وطنية للتغيير الجذري أو الإصلاحي حتى. يمكن ملاحظة حالة العراق ولبنان، البلدين اللذين ينتفضان منذ أكثر من عام، لكنّ انتفاضاتهما تضعف وتتهاوى، على الرغم من أن وضع البلدين يستدعى تلك الانتفاضات. قصدتُ أنّ غياب معارضات عربية وطنية وجادّة يؤدي إلى غياب أيّ تنسيق بين شعوب المنطقة، ومنها الإيراني، ويسمح للنظام هناك بإعادة إنتاج نفسه والبقاء في الدواخل العربية، والإمعان في تطييفها وتخريب أيّ مشاريع نهضوية، ونهب ثرواتها كما يحصل في العراق وسورية.

على الرغم من الملاحظات أعلاه، واستناداً إليها، نرى أنّ أزمة النظام الإيراني لن تتغير، والجناح المتشدّد فيه لن يتراجع، ولن تستطيع إيران الهروب عبر تبعيتها للصين، كما في الاتفاقية الاقتصادية الموقعة أخيراً معها، ولا نحو روسيا. منطقتنا، ووجود إسرائيل فيها، يدفعان الأميركيين والأوروبيين إلى سياسات شبه ثابتة، وتؤدّي إلى بقاء النظام الإيراني معاقباً، وربما تدفعه إلى تسليم بعض البلدان العربية إلى أهلها، كاليمن مثلاً، والتخفيف من حضوره في بقية الدواخل العربية. ليس هناك من تعويلٍ على سياسات الأنظمة العربية للاستفادة من أزمة النظام الإيراني؛ فهي أكثر تأزّماً منه، ومنها من يقيم صلات قوية معه، وهناك الآن فرصةٌ جديدةٌ لإعادة العلاقات الخليجية مع إيران.

مشروعٌ واحدٌ فقط قد يغير مما يسمى بشرقٍ أوسطي جديد، هو مشروع شعوب المنطقة؛ فكلّ الشعوب متضرّرة من الأنظمة، ويستوي في ذلك الإيرانيون والأتراك والأكراد والعرب، بل فقراء إسرائيل. هنا فقط يمكن تفعيل العمل الإقليمي وتغيير وجهته الحالية، والتنسيق بين شعوب المنطقة. لا خيار آخر لشعوب المنطقة، وأنظمتها تزداد تأزّماً، ولن يتغير هذا التأزّم إلّا عبر التقارب والتنسيق بينها. نعم، ليس هناك إلّا التنسيق بين شعوب منطقتنا، وحركاتها السياسية والنقابية والشبابية سبيلاً للاستفادة من تأزّمات النظام الإيراني الشديدة، وكذلك التركي والإسرائيلي، وقبل الجميع هناك تأزمات النظام العربي.

تُظهر تسجيلات ظريف مجدّداً حقيقة إيران المأزومة، فهل هناك من يستفيد منها؟

العربي الجديد

—————————–

التسريبات الصوتية عن كيري وظريف ومالها من دلالات/ نجاة السعيد

“بينما كنت وزيراً للخارجية أقدم المشورة لدونالد ترامب، كان وزير المناخ في إدارة بايدن ووزير الخارجية السابق جون كيري في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، يقوم بنفس الدور لكنه كان مستشاراً لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف،” هذا ما ذكره مايك بومبيو، في مقابلة مع شان هانيتي على قناة فوكس نيوز يوم الثلاثاء الموافق 27 أبريل، تعليقا علة تسريب إيران لما قاله كيري لظريف. وبدل ما نجد تحقيق وزارة العدل مع كيري بخصوص هذه الفضيحة التي تعد خيانة عظمى نجد محققون فيدراليون يفتشون صباح يوم 28 أبريل منزل ومكتب رودي جولياني، المحامي الشخصي للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بحجة خرق قوانين الضغط السياسي لصالح مسؤولين ورجال أعمال أوكرانيين ضد جو بايدن عندما كان يستعد لسباق الرئاسة الأميركية.

هذا يرجعنا إلى نقطتين: أولا، إن المصالح الحزبية في أميركا أصبحت أهم من المصالح الوطنية وثانيا، تسريب هذه المقابلة الصوتية لظريف التي أجريت من بضعة أشهر قبل وقت قصير من الانتخابات الرئاسية في البلاد، التي ستكون في 18 يونيو، لها دلالات ليس فقط للإطاحة بظريف بل التحول من الدبلوماسية الناعمة ومعسكر التسويق والعلاقات العامة للنظام إلى معسكر أكثر صلابة وحدة مستغلين وجود إدارة بايدن.

فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الأحد الموافق 25 أبريل أن جون كيري أبلغ جواد ظريف أن “إسرائيل هاجمت المصالح الإيرانية في سوريا 200 مرة على الأقل”. لم يوضح ظريف متى شارك كيري المعلومات معه، لكن الذي اتضح أن كيري التقى مراراً مع ظريف أثناء وبعد توليه منصب كبير الدبلوماسيين الأميركيين، ومعنى ذلك أن كيري شارك معلومات استخباراتية أميركية وإسرائيلية حساسة مع خصم كبير. فمهما تمت المحاولات لتغطية هذه التسريبات فهي مثيرة للشك، فقد غرد كيري يوم 26 أبريل ونكر ما جاء بالتسريبات الصوتية لظريف: “يمكنني أن أخبركم أن هذه القصة وهذه المزاعم خاطئة بشكل لا لبس فيه. لم يحدث هذا قط – سواء عندما كنت وزيرا للخارجية أو منذ ذلك الحين”. ولو فرضنا أن وزير الخارجية الإيراني “كاذب” و “مزاعمه خاطئة” على حد قول وزير الخارجية الأميركي السابق، فكيف يمكن قبوله كعضو أساسي في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني؟ 

أما من ناحية وزير الخارجية الإيراني تدل التسريبات على أمرين: أولاً، أوضح ظريف أن النزعة العسكرية الخفية وراء المظهر المدني للحكومة ستصبح أقوى بكثير بعد الانتخابات المقبلة، وربما يقودها فوز مرشح تابع للحرس الثوري الإسلامي. ثانياً، كشف عن مدى دور موسكو في سياسة إيران الإقليمية وعلاقتها الوثيقة بقادة الحرس الثوري الإيراني والسياسيين المحافظين، متهماً صراحة فيلق القدس – أقوى فرع في الحرس الثوري الإيراني – بأنه “يتأثر بشدة بروسيا ويتعاون معها”.

كذلك في التسجيل، أوضح ظريف أن روسيا تريد وقف الصفقة النووية، وانتقد العلاقات المنفصلة بين الجنرال في الحرس الثوري الإسلامي، قاسم سليماني، وروسيا.  فقد شرح ظريف بالتفصيل هذه البنية السياسية في المقابلة المسربة، واصفاً كيف أن قاسم سليماني – القائد العسكري الراحل الذي أوصل فيلق القدس إلى مستويات غير مسبوقة من الشهرة والنفوذ قبل مقتله العام الماضي – أنه “ضحى بالدبلوماسية” من أجل ساحة المعركة وليس العكس، في إشارة إلى العمليات العسكرية التي انتشرت في أنحاء المنطقة.

إضافة إلى ذلك، من خلال التسريبات، أكد ظريف أنه “لا توجد سيادة مزدوجة في إيران”، فالنظام يعتمد على السيادة الوحيدة وهو “آية الله” علي خامنئي، وهو ليس فقط المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية ولكن أيضاً القائد العام للقوات المسلحة، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني.

فقد افترض العديد من المراقبين للشأن الإيراني وصناع السياسة الغربيين منذ فترة طويلة أن النظام السياسي في البلاد يقوم على أساس السيادة المزدوجة بين مركزي قوة: أحدهما الإصلاحيين والذي يعتقد أنه يتكون من مؤسسات ديمقراطية مدعومة من الطبقات الوسطى القريبة للغرب، والآخر المحافظين والذي يضم مؤسسات غير ديمقراطية وصناع قرار موجهين من قبل المرشد الأعلى ويكون بمثابة العمود الأيديولوجي الضيق الأفق للنظام المناهض للغرب. وعلى هذا الأساس، سعى المسؤولون الغربيون في كثير من الأحيان إلى فتح قنوات مع معسكر الإصلاحيين من أجل إيجاد مخرج من الأزمات الإقليمية المختلفة، لكن في الواقع معسكر الإصلاحيين ما هو إلا فريق التسويق والعلاقات العامة للتبرير والدفاع عن الخيارات السياسية للحرس الثوري الإيراني والمرشد الأعلى خامنئي في الخارج.  

إن ما حدث يجعلنا أمام عدة تساؤلات: إذا تم تسريب معلومات حساسة لأهم حليف لأميركا من مسؤول دبلوماسي أميركي للنظام الخصم والرائد في زعزعة الاستقرار في المنطقة، فكيف يمكن للدول العربية الثقة بإدارة بايدن وألا يتم تسريب معلوماتهم الاستخباراتية بنفس الطريقة؟ أيضاً نجد سياسة أميركا الخارجية تجاه إيران تحولت من الضغوط القصوى التي اتبعت في إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى سياسة الدبلوماسية القصوى التي تمارس الآن في عهد جو بايدن، لكن كيف يمكن تحقيق أي مخرج للأزمات الإقليمية المختلفة من خلال هذه السياسة إذا كان النظام الإيراني سيتجه نحو المعسكر الأكثر صلابة في سياساته، وربما يكون ذلك قريباً خاصة لو فاز مرشح تابع للحرس الثوري الإسلامي في الانتخابات القادمة؟ وغير هذا كله حسب ما جاء في التسجيلات المسربة لظريف أنه لا فرق بين المعسكرين: الإصلاحي والمحافظ، فكيف يمكن ممارسة دبلوماسية مع نظام كل مؤسساته تحت سيطرة المرشد الأعلى المعادي للغرب؟

الحرة

———————————

جواد ظريف يعيش أسوأ كوابيسه : التسريبات كشفت التناحر بين السياسة والعسكر في إيران/ بادية فحص

التسريبات قضت على تجربته القيادية الفريدة للديبلوماسية الإيرانية، فهناك نواب ومسؤولون وعسكريون ورجال دين، طالبوا باستجوابه ومحاكمته بتهمة الخيانة وتجاوز الخطوط الحمر للجمهورية الإسلامية، كما ارتفعت أصوات تدعوه إلى الاعتذار من عائلة قاسم سليماني…

تتوالى ارتدادات الهزة، التي أحدثها الملف الصوتي المسرب لوزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، والذي تحدث فيه، على مدى ثلاث ساعات، مع الصحافي المقرب من رئيس الجمهورية حسن روحاني، سعيد ليلاز.

تسريبات ليلاز كشفت ما كان يدور في الخفاء عن الدور الطاغي لقائد فيلق القدس في تنظيم الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني الذي قتل بغارة أميركية عام 2020، في رسم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، وتهميش دوره طيلة ثماني سنوات، وإفشال كل إنجازاته الديبلوماسية.

على أن أهم ما أحدثته هزّة التسريبات، أنها نقلت التصادم الحاصل بين الإدارة السياسية والمؤسسة العسكرية من الكواليس إلى السطح، وفضحت التناحر البارد بين رجل الدولة (ظريف) ورجل الميدان (سليماني) حول تحديد السيستم الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية، كما كشفت أن الانتصار كان للميدان (العمليات العسكرية) على حساب الديبلوماسية، بمعنى آخر، نعى ظريف في هذه التسريبات، بطريقة غير مباشرة، مشروع الدولة، الذي يحمله، وأعلن فشل المساعي الديبلوماسية، التي بذلها، خصوصا المفاوضات النووية، في خلق استقرار سياسي لبلاده مع الإقليم والمجتمع الدولي، لكنه حذر في الوقت نفسه، من خطورة هذا الانتصار، ومن النتائج والآثار المترتبة عليه، داخليا وخارجيا.

ما فعله ظريف لم يفعله أي سياسي إيراني من قبل، فهو أول مسؤول في الجمهورية الإسلامية يعلن رفضه، لمفهوم السيادة المزدوجة، أي هيمنة المؤسسات المسلحة على المؤسسات المدنية المنتخبة، معتبرا أنها سابقة في تاريخ إيران الثورية، ومخالفة للدستور، وتضع كل الجهود الديبلوماسية في خدمة “الميدان”  أو العسكر أو رجال الأمن في الحرس الثوري.

وتدعيما لوجهة نظرة، قدم ظريف، معلومات وحقائق حول تدخل سليماني، في عمله الديبلوماسي، وقال إنه كان يطلب منه أن يضعه في أجواء اجتماعاته ونقاشاته الأسبوعية في ما يتعلق في المفاوضات النووية، بينما هو كان يرفض التعامل بالمثل، وبطريقة غير مباشرة اتهم سليماني بالتنسيق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتدمير اتفاق جنيف، وقال إنه ليس صدفة أن يقود الروس قوات الحرس البرية، في العمليات العسكرية في سوريا، بعد التوصل للاتفاق مباشرة. ظريف كشف أيضا، أن سليماني استخدم الخطوط الجوية الإيرانية لنقل العسكريين والسلاح إلى سوريا، من دون علم وزير النقل والمواصلات، واعتبر أن هذا التصرف كان السبب الذي جعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، يعيد فرض العقوبات على الطيران المدني الإيراني، وعن زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد، طهران، قال إنه كان ينسق لها مع سليماني، لكنهما لم يتفقا على موعد محدد، وقد علم بمجيء الأسد من خلال التلفزيون، لذلك قدم استقالته بعدها.

في ما يخص الطائرة الأوكرانية التي أسقطت في ايران قبل نحو عامين، وهو المقطع الأكثر إثارة للصدمة في التسريبات، شرح ظريف، أنه بعد يومين من إسقاط الطائرة، شارك في اجتماع، عقد في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي، إلى جانب الأمين العام للمجلس علي شمخاني، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة محمد باقري، وزير الطرق محمد سلامي وممثلين عن الحرس، ووجد أن المجتمعين كانوا على علم بقرار استهداف الطائرة، وأن الاجتماع كان من أجل ابتداع بيان لتكذيب خبر الاستهداف، وقد حصل ما أراد الحرس.

ظريف يعيش أسوأ؟

ظريف هو أحد أشهر السياسيين الإيرانيين في الأونة الأخيرة، اكتسب شهرته من خلال مفاوضات فيينا، ومن ابتسامته الظريفة، ومن طلاقته في اللغة الإنكليزية، ومن شخصيته البراغماتية، أما احتفاظه بمنصبه لثماني سنوات متتالية، رغم المعارضة العلنية من قبل الحرس، فذلك يعود إلى أن النظام الإيراني برمته، يفتقر إلى شخصية توازن بكثير من الذكاء ما بين ما تحتاجه بلادها وما يريده المجتمع الدولي، وتملك القدرة على تحقيق الإنجازات من دون تقديم الكثير من التنازلات، لكن وعلى الرغم من اجتماع هذه الصفات، لم يتمكن ظريف من كسب ود مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي، فعلاقة المرشد به، يشوبها الحذر أكثر من الثقة، الحذر بسبب قربه من تيار الاعتدال ومن شخصيات إصلاحية، وبسبب مدنيته المفرطة، من جهة، ومن جهة ثانية، بسبب استيائه الدائم واعتراضه على عسكرة مؤسسات الحكم، والعلاقة المتوترة مع سليماني، أما مساحة الثقة الضيقة التي فردها له، فمصدرها، أنه الشخصية السياسية الوحيدة، بعد التجربة، القادرة، على إخراج إيران، من حقول الألغام، التي يسحبها إليها الحرس.

ظريف اليوم، يعيش أسوأ كوابيسه السياسية، التسريبات قضت على تجربته القيادية الفريدة للديبلوماسية الإيرانية، فهناك نواب ومسؤولون وعسكريون ورجال دين، طالبوا باستجوابه ومحاكمته بتهمة الخيانة وتجاوز الخطوط الحمر للجمهورية الإسلامية، كما ارتفعت أصوات تدعوه إلى الاعتذار من عائلة سليماني أولا، ومن الشعب الإيراني ثانيا، ومن ثم الاستقالة.

هذا كله إضافة إلى حال الغضب التي تسيطر على تنظيم الحرس جراء خدشه قدسية أيقونتهم (سليماني) ومن المحتمل أن لا يتجاوز الحرس هذه المسألة، على الأقل تيار سليماني، ومن المحتمل أيضا، أن تتم تعبئة الغاضبين وتحريضهم، للضغط على المرشد من أجل إقالة ظريف أو اتخاذ أي إجراء قانوني بحقه.

على ما يبدو أن دعم المرشد لظريف مازال فاترا، فهو لا يمكنه أن يحميه من خصومه الأقوياء والغاضبين في الحرس الثوري، وسيجد المرشد في الأيام المقبلة، صعوبة كبيرة في السيطرة على التنظيم إذا ظل على فتوره، بينما سيواجه ظريف في الأشهر الخمسة المتبقية من عمر وزارته، ظروفا شديدة التعقيد، ومخاطر قد تهدد حياته، سواء اعتذر أم لم يعتذر وسواء استقال أم لم يستقل، فمع الحرس ممنوع الخطأ.

من المؤكد أن هزة التسريبات، قسّمت المقسّم، وأشاعت الفوضى داخل أروقة النظام، وتبين أن الصراع على السلطة ليس بين المحافظين والإصلاحيين، بل بين الثورة والدولة، بين العسكرة والسياسة، بين “الميدان” والديبلوماسية، علما أن هذه الشحنة من التوتر العالي ومن الانقسام العمودي، أثناء عودة المفاوضات وعلى أبواب الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو المقبل، لن تكون في صالح أي طرف، وعلى رأسهم المرشد.

درج

———————-

ماذا وراء تسريبات ظريف؟/ فاطمة ياسين

امتلأ الفضاء الإعلامي بتسريب اللقاء الذي أجراه وزير الخارجية الإيرانية، جواد ظريف، وأوضح فيه، بلهجةٍ مليئة بالحزن، مدى خضوع وزارة الخارجية للحرس الثوري، ومستوى تدخلات القائد السابق لفيلق القدس، قاسم سليماني، في السياسة الإيرانية. وشبّه ظريف وزارة الخارجية بـ”عامل نظافة”، مهمته إزالة النفايات الناشئة عن سلوكيات فيلق القدس في الخارج. ظهر في المقابلة مدى بؤس هذه الوزارة، وضعف فعاليتها، في مواجهة جهاز شبه عسكري لديه خطط مستقلة عن توجهات المؤسسات الرسمية، ولديه من الإمكانات المادية ما يجعله قادراً على تنفيذ هذه الخطط، وتوجيه الخارجية لتسويقها أو تبريرها. وكانت الاتفاقية النووية التي أبرمتها إيران مع أميركا ودول أوروبية مادة للتجاذب بين وزارة الخارجية وفيلق القدس، ويُظهر شكل التجاذب مقدار استهتار فيلق القدس، ومن خلفه الحرس الثوري، بموضوع عالمي بهذا الحجم، ومدى ضعف هذه الوزارة التي يجلس على رأسها ظريف منذ ثماني سنوات، فيما يهندس اللواء المذكور السياسات الخارجية قبل ظريف، وقبل الرئيس حسن روحاني ذاته، وقبل كل التيار “الإصلاحي” في إيران.

مع نهايات الحرب العراقية الإيرانية، شكل فيلق القدس قوة عسكرية واستخباراتية، تعمل مستقلة وفق رؤى تصدير أفكار الثورة الإيرانية إلى الخارج. وكانت كيانات عسكرية مشابهة قد عملت، وفق المنظور ذاته، على فترات متقطعة قبل ذلك التاريخ، ولعلها واكبت انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كفرقة القدس، وهي وحدة خارجية عملت في لبنان منذ وقت مبكر، وساعدت في تشكيل مليشيا حزب الله، وأمدّته بمادة عسكرية، وكذلك الفرع 900 الذي قام خلال الحرب مع العراق بمهام استخبارات خارجية على الحدود أو في عمق الأراضي العراقية، لتأمين المعلومات، أو لتشكيل الخلايا المناصرة أو بث أفكار الثورة. ثم تجمعت هذه الكيانات كلها في فيلق القدس الذي يشرف عليه مباشرة المرشد الأعلى، مع تبعية إدارية للحرس الثوري، وهذا مؤسسة عابرة للمؤسسات، لا تنطبق عليه القوانين الإيرانية إلا بشكل مزاجي وانتقائي، فيعمل وكأنه دولةٌ موازيةٌ لها تأثير غير منظور، ولكنه واضح وحاسم. واكتملت الحالة التي يقوم عليها وجود لواء فيلق، حين أصبحت السيطرة ذات المدى البعيد إحدى بنى الفكر الإيراني الجديد بعد الثورة، فقد تعلّم ملالي إيران من الحرب مع العراق بأن الاحتفاظ بمدى تكتيكي إقليمي صديق أمر في غاية الأهمية، وقد تطوّر هذا المفهوم لتطويل اليد الإيرانية، في محاولة للوصول إلى القارّات البعيدة.

لم يَظهر تسجيل ظريف مصادفة أو خطأً بالطبع، ولم يأتِ لتصحيح وضع شاذّ، فهذا الوضع معروف في إيران، ولدى كل الدول التي تتعامل معها دراية إلى حد بعيد بوجود نواة سياسية تصدر عنها القرارات المهمة، وتتخذ المواقف، وهي المرشد ذاته وحفنة من سدنة الحرس الثوري الذين يؤمنون بسياسة وضع اليد. لكن الشريط سُرِّب لإظهار ظريف بمظهر المتمرّد الخارج على سياسة المرشد، ومنعه من مجرّد التفكير في متابعة طريقه السياسي. أما “فضيحة” وضع وزارة الخارجية ودورها الكاريكاتوري، فلا بد أنه موضع فخر لجنرالات الحرس الثوري، وتوكيد لمكانتهم الكبيرة في تصنيع السياسة في إيران.

أظهرت المقابلة مدى جهل وزير الخارجية عندما قال إنه عرف من الوزير الأميركي السابق، جون كيري، أن إسرائيل قد شنت مائتي غارة على منشآت إيرانية في سورية، وأن عدد الرحلات الإيرانية لدعم الأسد قد زادت ستة أضعاف، ولم يعرف هذه المعلومات من مصادر إيرانية داخلية. هذا لا يعني بأن هناك ازدواجية حكم في إيران، بل أن إيران تُحكَم وفق سياسة ثابتة وموحدة، ومن غير الضروري أن يعرف بها وزير الخارجية، أو حتى الرئيس “المنتخب”، فلدى هذين مهام خاصة صغيرة، يؤدّيانها بطريقة ببغائية ثم يمضيان. ومن يفكر في أن يتجاوز حدوده الضيقة قد يلقى مصيراً فضائحياً على الطريقة التي جرت مع ظريف.

——————-

اعدام ظريف ام احياء الدبلوماسية!/ حسن فحص

على الرغم مما شكله التسريب الصوتي لشهادة وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف من صدمة قاسية لكل الاوساط السياسية الايرانية، الاصلاحية والمحافظة. وعلى الرغم من انه افقد الاصلاحيين ورقة رابحة للمساومة على الانتخابات الرئاسية وحصتهم في السلطة، وقدم في المقابل خدمة مجانية للمحافظين بالتخلص من التحدي الحقيقي الذي قد يشكله في حال دخوله السباق الرئاسي، الا ان ما حدث تحول الى تصفية لهذه الشخصية التي ساهمت في رسم علاقات ايران الخارجية على مدى عقود اربعة، واعداماً لماضيه ومستقبله السياسي، لا شك انه قدم بنفسه حيثيات الادانة للجلاد الذي لم يجد صعوبة في اصدار حكمه، بعد محاولات طويلة امتدت لسنوات ثمانٍ لم يترك فيها وسيلة بحثاً عن دليل يساعد على ادانته وسوقه الى مقصلة الاعدام او على الاقل النفي من الحياة السياسية.

ما كشفه ظريف في كلامه عن ازمة بنيوية في النظرة “الثورية” لدور الدبلوماسية الايرانية، وضرورة ان تكون بكامل جهازها في خدمة وطوع المؤسسة العسكرية، لا يختلف كثيرا عما سبق ان كشف عنه واكده بان وزير الخارجية في اي دولة ليس سوى منفذ لسياسات الدولة والحكومة التي يمثلها وان دوره في رسم السياسات الخارجية يكاد يكون صفرا او هو في دائرة الصفر في غالبية السياسات.

لكن الاخطر في هذا الكلام الجديد، لا يتعلق بدور وزارة الخارجية او دوره على رأس هذه الوزارة، بل في ما لم يقله صراحة من ان ازمة العلاقة مع المؤسسة العسكرية وتحديدا حرس الثورة وبشكل خاصة مع قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني تتجاوز العلاقة مع هذه الوزارة ووزيرها لتطال دائرة اكثر خطورة تمس دور وموقع رئاسة الجمهورية بما تمثله من سلطة تنفيذية مسؤولة عن رسم سياسات الدولة بالتنسيق مع المؤسسات الرسمية المعنية وبالتفاهم مع المرشد الاعلى للنظام واشرافه ورؤيته الاستراتيجية وموقعه الدستوري.

فأزمة ظريف لا تقتصر او تنحصر في استبعاده عن آليات اتخاذ القرارات والسياسات الايرانية الاقليمية لصالح سليماني اولا والمؤسسة التي يمثلها ثانيا، انسجاما مع التفويض الذي اعطي له من المرشد الاعلى الذي شكل مرجعية سليماني الوحيدة والاولى بعيدا عن الدولة ومؤسساتها المعنية. بل الازمة من التراكم الذي مارسته المؤسسة العسكرية في التعامل مع الادارة الدبلوماسية في العقود الماضية، بحيث سمح لها بتحويل هذه الادارة لمجرد اداة لتأمين الغطاء السياسي لعناصر تابعين لجهاز قوة القدس كدبلوماسيين وسفراء في اكثر عواصم منطقة غرب آسيا ينفذون سياسة ورؤية قائد هذه القوة الجنرال سليماني.

واذا ما كانت المؤسسة العسكرية او “الميدان” حسب المصطلح الذي استخدمه ظريف في كلامه، قد نجحت في تعزيز موقف المفاوض الايراني ان كان في الملف النووي او في تثبيت الدور والموقع الايراني مقابل الدول الاخرى خصوصا الدول الاقليمية، الا انها لم تستطع ترجمة هذه الانجازات الميدانية عندما ذهبت الى خيار الاستئثار بالعمل الدبلوماسي او فرض رؤيتها على آليات عمل وزارة الخارجية من خلال حصر علاقات ايران الاقليمية في مجموعة الدبلوماسيين والسفراء الذين فرضتهم على هذه الوزارة بحيث ان البعض منهم لم تستغرقه عملية الانتقال من العمل العسكري الى العمل الدبلوماسي سوى استبداله البدلة العسكرية باخرى مدنية.

قد تلعب الصدمة التي احدثها كلام ظريف، دورا في تحريك الجهود لدى قيادة النظام للعمل لاعادة التوازن بين العمل والدور الدبلوماسي وبين الميدان او العمل العسكري في ادارة النفوذ الايراني في الاقليم، وتفعيل عملية التخادم بين هذين العنصرين، خصوصا بعد ان لمست هذه القيادة قدرة الادارة الدبلوماسية في توظيف الميدان الذي اشار له ظريف في جزء من كلامه، في تصليب موقف المفاوض الايراني امام السداسية الدولية. ولعل المحرك الذي يعزز هذا التوجه ما انتهت اليه التجربة الايرانية على الساحة العراقية، والاسلوب الامني والعسكري الذي انتهجته في التعامل مع هذه الساحة الذي فرض عليها الكثير من التنازلات في السنتين الاخيرتين واجبرها على قبول التخلي عن سياسة فرض وتحميل حلفائها على رأس السلطة التنفيذية ورئاسة الحكومة، ساهم في تعميق هذا الابتزاز الذي مارسته القوى والفصائل والاحزاب المحسوبة عليها وانتهت بتضخيم فاتورة خسائرها السياسية. فضلا ان المرحلة المقبلة وفي ظل ما يلوح في الافق من امكانية حصول تفاهمات دولية واقليمية بين طهران والعواصم العالمية والمجاورة قد تفرض عليها الانتقال الجدي لتغليب دور المؤسسات الرسمية في التعامل مع نظيراتها في المحيط والجوار، بحيث يعود الدور العسكري ليلعب دور الرافد للعمل الدبلوماسي وليس على حسابه. خصوصا اذا ما كان النظام الايراني يسعى للتعامل الايجابي مع الليونة السعودية التي تستدعي منه العمل على تهدئة المخاوف والتقليل من الهواجس التي تعانيها هذه الدول جراء ما تصفه من تدخل ايراني في شؤونها الداخلية وتهديد لمصالح القومية والاستراتيجية.

————————–

إيران في مهب عاصفة ظريف/ د. خطار أبودياب

تستمر تداعيات تسريب المقابلة المسجلة مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وبالفعل فقد صب التسريب الزيت على نار الصراع بين أركان النظام وتفاقم احتدام النزاع الداخلي في موازاة محادثات فيينا النووية وعشية الانتخابات الرئاسية في الثامن عشر من يونيو القادم.

وإذا كانت صناعة القرار في طهران معقدة وواضحة المعالم في آن معا بالنسبة إلى المتابعين، فقد أسهم ظريف في كشف خفايا لعب فيلق القدس دور “الدولة العميقة” وحجم الدور الروسي ضمن الصراع الدولي حول إيران، مما يبيّن وصول الانقسامات والأزمات داخل النظام إلى مستويات غير مسبوقة، وسيتوقف الأمر على خلاصات المساومة حول العودة للاتفاق النووي والتي ستؤثر على الاتجاه في الانتخابات الرئاسية. وعندها ربما يكون ظريف مفاجأة الترشيحات في اللحظة الأخيرة (خاصة مع تضعضع التيار الإصلاحي) أو يأخذ تقاعده في الولايات المتحدة الأميركية حيث عاش طويلا.

بعيدا عن التركيز على مستقبل الثنائي روحاني – ظريف في التركيبة الإيرانية، نلاحظ انهيار الوفاق أو الإجماع داخل النظام حيال القضايا المركزية والمتصلة بالأمن القومي، وهذا ما حدا بظريف نفسه للطلب من المرشد علي خامنئي عدم الضغط على المفاوضين في فيينا، وقيام وزارته بالتحذير من انعكاس الانقسام الداخلي على قوة الموقف الإيراني.

ومما لا شك فيه أن الخشية من إمساك الحرس الثوري الإيراني بمفاصل الدولة زاد من التطاحن بين الأجنحة، وأتت تسريبات ظريف لتكشف مدى “الهيمنة العسكرية” (أو بالأحرى هيمنة الدولة العميقة من خلال فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني) على القرارات المصيرية، ولَم تنجح محاولة احتواء آثار عاصفة تسريبات ظريف مع قرار روحاني بإقالة مستشاره حسام الدين آشنا وجعله كبش الفداء، إذ أن المتشددين اتهموا فريق الرئيس بانتهاك الخطوط الحمراء للنظام من خلال “سارق الملفات الصوتية الموجود بينهم”. ومن الواضح أن مسؤولية التسريب يتقاذفها فريق المتشددين المحافظين وجماعة الحرس من جهة وفريق روحاني – ظريف من جهة أخرى. ويصل الصراع إلى حد الاتهام بالخيانة وخدمة الأجندة الخارجية. ويبرهن هذا الشرخ على حالة الاضطراب والأزمة التي يعيشها النظام في تحديد خياراته والتي لا تحجب الأزمة الاجتماعية الحادة ومسلسل الاحتجاجات منذ نهاية 2017.

من ناحية التسلسل الزمني جرى تسجيل مقابلة ظريف في مارس الماضي في إطار أرشيف تأريخ النشاط الرئاسي والدبلوماسي، وكان من المفترض أن تبث بعد رحيل الحكومة. ونظرا إلى كشفها جوانب خفية داخلية وخارجية، لا يمكن فصلها عن وصول الصراع الداخلي للذروة مع التوجه لإحكام السيطرة الأيديولوجية – العسكرية والعلاقات مع روسيا والصين على حساب دعاة الانفتاح على الغرب من الطبقة الوسطى وأنصار “اللعبة الديمقراطية”. والأرجح أنه لهذا السبب قام البعض من مكتب روحاني بتسريب المقابلة بقصد التحريض على التفاوض مع الولايات المتحدة، مع علمهم أن ذلك غير ممكن من دون قرار المرشد وغطائه. وإذا أراد أصحاب التسريب لفت أنظار وتوجيه تحذيرات عن مستقبل الوضع الإيراني بعد الانتخابات الرئاسية إذ أن وصول رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي أو الجنرال حسين دهقان، يمكن أن ينقل النزعة العسكرية من طابعها المستتر تحت جناح توازنات النظام إلى منحها “الشرعية الشعبية” بالإضافة إلى شرعية الولي الفقيه. أما التحذير الآخر الكامن وراء التسريب فيتعلق بدور روسيا الاتحادية ونفوذ موسكو في صنع قرار القوة الخارجية للحرس الثوري (فيلق القدس). وأبرز الدروس المستقاة من الشريط المسرب إنهاء افتراض مشاركة الرئيس المنتخب وفريقه في اتخاذ القرارات حيث يعود كل شيء، عمليا ونظريا، إلى المرشد الأعلى والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ونظرا إلى إمكانية تأثير موسكو في اختبار خليفة المرشد خامنئي من خلال نفوذها وتمكنها داخل فيلق القدس والمؤسسات الإيرانية، وفي هذا الصدد يعتبر أحد الدبلوماسيين الغربيين السابقين في إيران أن طهران تشهد نزاعا خفيا بين لوبي روسي مكون من البعض في الحرس الثوري وسياسيين (مثل الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد)، ولوبي قريب لواشنطن يقوده محمد جواد ظريف بالذات. أما الصين والقوى الأوروبية فلا تمتلك نفس رافعات النفوذ على الساحة الإيرانية.

بالنسبة إلى محيط المرشد والمحافظين المتشددين، تمثل الأدهى في قيام محمد جواد ظريف بمهاجمة روسيا ويأتي الكشف عن ذلك في لحظة احتدام التوتر بين بايدن وبوتين، وقد سبق لظريف أن انتقد في عدة مناسبات فيلق القدس، فرع الحرس المسؤول عن عمليات خارج الحدود الإقليمية، متهما قائده السابق قاسم سليماني بالإضرار بالجهود السياسية لوزارته، لاسيما أثناء وبعد التوقيع في العام 2015 الاتفاق على ملف طهران. وقال ظريف في سياق المقابلة “أستطيع أن أقول بجرأة إنني ساعدت المجال العسكري باستخدام الدبلوماسية أكثر مما خدم المجال العسكري للدبلوماسية”.

من خلال تصريحات ظريف نكتشف معطيات جديدة عن اتخاذ القرارات في الحروب السورية، إذ أن الرواية السائدة كانت طلب إيران للتدخل الروسي الكثيف بعد زيارة قاسم سليماني إلى موسكو، نفهم من ظريف أن الرئيس بوتين هو الذي “أرغم طهران على إرسال قوات برية إلى سوريا” (في هذا المجال هناك شك بوجود تشجيع إسرائيلي للتدخل الروسي الواسع وتسليم أميركي بذلك). وفي نفس المنحى كان من اللافت تأكيد ظريف على أن روسيا عارضت “خطة العمل الشاملة المشتركة” وعملت بشكل وثيق مع فيلق القدس على تقويض الاتفاق النووي، على الرغم من أنها ساعدت في التفاوض على وضعه. وإذا صحّت رواية ظريف يمكن القول إن القيصر الجديد عمل على منع أوباما من تحقيق رهانه في بلورة شراكة مع إيران.

سيستمر الجدل حول الشريط المسرّب الذي نستنتج من خلال كلام حسين شريعتمداري المقرّب من المرشد على صحة ما ورد فيه، ويبيّن ذلك احتدام الصراع على السلطة بين السياسيين المدنيين والعسكريين تحت عباءة المرشد، في موازاة تصدع المشهد السياسي إزاء استحقاقات مصيرية حول مستقبل النظام وإيران والمنطقة.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

—————————

صرخة ظريف..كما سُمعت في موسكو/ بسام مقداد

في مقابلة مع الصحافي سلام مسافر في برنامجه “قصارى القول” على قناة RT الناطقة بالعربية، قال محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، بأن نشر تسريبات وزير الخارجية محمد جواد ظريف يشبه سرقة إسرائيل وثائق إيران النووية منذ ثلاث سنوات. وقال بأن نشر هذه  التسريبات  قد رفع من شعبية ظريف وسط الإيرانيين، على عكس ما كان يأمل المحافظون. وأكد أبطحي أن ظريف، وقبل عاصفة التسريبات الأخيرة، كان بين المرشحين المحتملين الأقوى  للإنتخابات الرئاسية القادمة من قبل الإصلاحيين، الذين لم يُحددوا بعد ، كما المحافظين، قوائم مرشحيهم. وتوقع بألا تشهد الإنتخابات مشاركة كثيفة من قبل الإيرانيين، على الرغم من تصريح خامنئي برغبته في ذلك، لتأثيرها “الإيجابي على النظام” . إلا أنه اشتكى من تصرفات النظام، التي لا تشجع على هذه المشاركة، وذلك لأن كثافة المشاركة تصب عادة في غير صالح المحافظين. وأكد بأن التسريبات لم يقم بها ظريف، بل جاءت لغير مصلحته قبل الإنتخابات الرئاسية، واتهم فيها “الخارج الإيراني”، بما في هذا الخارج داخل إيران بالوقوف وراء نشرها .

ردة فعل السلطات الرسمية الروسية على ما نسبته التسريبات لظريف من إتهامات لروسيا بعرقلة التوصل إلى الصفقة النووية مع الغرب، إقتصرت على تصريح للناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا. فقد قالت في موجز للصحافيين في 29 نيسان/أبريل، أن موسكو “لا تتاجر بمصالحها ولا بشركائها وهي تحكم بالدرجة الأولى على الأفعال، وليس على “تصريحات ما غير مدروسة وغير مسموح بها”. وأضافت بأن إيران أكدت أكثر من مرة، أنه من دون مساعدة روسيا الحاسمة، لم تكن إيران لتتمكن، في فترة قصيرة نسبياً، من إزالة جميع إسئلة وكالة الطاقة النووية المطروحة عليها، ومن ضمان شفافية نشاطها النووي وتوجهه السلمي. كما أكدت ، أنه لولا كل هذا الذي قامت به روسيا، لما كانت لتكون الصفقة النووية العام 2015، ولكانت غرقت العام 2018 بعد خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب منها.

لكن وسائل الإعلام الروسية بمختلف توجهاتها نشرت وما زالت تواصل نشر تعليقاتها على تسريبات ظريف، خاصة ما يتعلق بالإتهامات المنسوبة إليه لروسيا. وقد وجد البعض منها في الإتهامات فرصة سانحة للتعبير عن مشاعر الروس المتحفظة حيال التعاون الروسي الإيراني، الذي لم يستقر حتى الآن على وصف نهائي له بين تعاون وتحالف إستراتيجي أو ظرفي، خاصة في الحرب السورية .

البوليتولوغ والمتابع لشؤون الشرق الأوسط المعروف بسلاطة اللسان والتعابير الفجة يفغيني ساتانوفسكي (إسم العائلة مشتق من كلمة شيطان) قال بأن تسريبات ظريف لا ينبغي أخذها على محمل الجد كلياً لكونها لم تكن للنشر. ونقل عنه موقع “Actualnews” قوله بأن مثل هذه التسريبات وسواها من الأحاديث الخاصة لن تؤثر بأي شكل على العلاقات الجيدة بين طهران وموسكو، ولا تعكس سوى الخلافات الداخلية الإيرانية. وقال بأن روسيا وسواها من الموقعين على إتفاقية الصفقة الإيرانية، حالت في العام 2015 دون تنفيذ السيناريو العسكري الذي كان مطروحاً بجدية آنذاك. وأكد أن موسكو لم تكن لتعرقل عقد الصفقة النووية لأنها معنية، كما سواها من الدول النووية بحظر إنتشار السلاح النووي. وقال بأن العلاقات الروسية الإيرانية إذا ما كانت ستتغير في المستقبل المنظور، فهي لن تتغير سوى لأسباب جيوسياسية فقط، وليس بنتيجة مثل هذه التسريبات ، حتى لو صدرت عن مسؤولين كبار .

صحيفة “Kommersant” السياسية الكبرى نقلت عن السفير الروسي السابق في طهران  ألكسندر مارياسوف قوله بأن تصريحات ظريف المسربة تعكس الصراع السياسي الداخلي في إيران. وقال أن الغرب أيضاً يحاول تضخيم وجود خلافات بين روسيا وإيران في سوريا، ورأى أن خلافات وإحتكاكات قد تقع بين الطرفين، لكنهما يواصلان التعاون والتنسيق في أعمالهما .

ونقلت الصحيفة عن المستشارة في مركز الدراسات في الأمن لعالمي “PIRCenter” يوليا سفاشنيكوفا قولها أنه دائماً ما كان يتردد بأن التقارب بين إيران والولايات المتحدة  ليس لصالح روسيا، لكن موسكو كانت تدرك دائماً أن هذا التقارب لن يكون بين يوم وليلة. وترى أن لروسيا منطقها الخاص في تطور التعاون مع إيران، ولها مصلحتها الخاصة في الصفقة النووية، سواء لتطوير العلاقات مع الإيرانيين، أو في سياق موضوع عدم إنتشار السلاح النووي. وأكدت أن فريق روحاني يرغب في ترك أثر ما وراءه ، سيما أنه عمل الكثير لمصلحة إيران ، لكنه كان دوماً يصطدم بعقبات في طريقه. وتستنتج من تسريبات ظريف بأن هذه العقبات كانت تتمثل بمقاومة الأجهزة الأمنية وبالظروف الخارجية، ومن المفترض ألا تكون هذه التسريبات مستغربة من قبل هذا الفريق، سيما إذا كانت محاولة للتأثير على النظام من الداخل .

وتنقل الصحيفة عن خبير ثالث قوله بأن ليس في تسريبات ظريف من جديد، إذ أن مصالح موسكو وطهران في إطار عملية المفاوضات حول برنامج إيران النووي لم تكن متطابقة دوماً. وهذا طبيعي للغاية، لأن إيران ضُبطت في الإخلال بالتزاماتها في إتفاقية الضمانات مع منظمة الطاقة النووية، في حين أن روسيا هي من واضعي معاهدة حظر الأسلحة النووية وعضو دائم في مجلس الأمن وفي مجلس إدارة وكالة الطاقة. وأكد هذا الخبير أن تسريبات ظريف وتوقيت ظهورها في الإعلام يظهر مرة أخرى عمق الإنقسام في إيران بشأن الصفقة النووية بين مختلف المؤسسات وفروع السلطة .

خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية المقيم في إيران نيكيتا سماغين وفي سياق نص لصحيفة “Gazeta.ru” بعنوان “شركاء مضطرون”: وزير خارجية إيران يتهم روسيا بأعمال غير ودية” ، قال بأن الكثيرين من ممثلي الحرس الثوري ، وقد يكون قاسم سليماني من بينهم، “بالفعل لم يؤيدوا التوقيع على الصفقة النووية”. ولذلك يبدو محتملاً القول بأن هدف زيارة سليماني إلى موسكو العام 2015 كان نسف إتفاقية الصفقة .

الصحافية الروسية يوليا يوزيك، التي اعتقلت في إيران العام 2019 بتهمة التعامل مع إسرائيل لوجود تأشيرة دخول إسرائيلية على جواز سفرها، وفي نص مطول على موقع RT الروسي بعنوان “فرصة ظريف” ، قالت بأن العالم بأسره سمع ما يفكر فيه ظريف عن “الجنرال الإيراني المقدس” قاسم سليماني، وعن موسكو التي عملت دائماً، على قوله، ضد الصفقة النووية، وعن الكثير غير ذلك مما يجعل من التسريبات  إشكالاً سياسياً دولياً. وترفض الصحافية، التي توصف بالخبيرة في الشؤون الإيرانية، القول بأن التسريبات موجهة ضد ظريف لأنه لم يسمع أحد من قبل مثل هذه الصراحة عن الأمور التي أتى على ذكرها “وزير الخارجية المثالي”. وترى أن الوضع بشأن الصفقة النووية في فيينا وما يجري داخل طهران دقيق لدرجة جاءت معه التسريبات”صرخة يأس “، جاءت “الرهان الأقصى الأخير للبراغماتيين الإيرانيين”، الذين تعبوا من تحمل إهانات صقور الحرس الثوري وهم يدمرون الصفقة النووية مدعومين من خامنئي، ومستخدمين كافة الوسائل، بما فيها الممنوعة منها . 

المدن

———————-

ظريف يطلب الصفح عن تسريباته حول سليماني:لو كنت أعرف!

اعتذر وزير الخارجية الإيرانية الأحد، عن تصريحات مسجلة تم تسريبها للجمهور الأسبوع الماضي، ما تسبب في عاصفة نارية في إيران قبل أقل من شهرين من الانتخابات الرئاسية.

وتضمنت تسجيلات محمد جواد ظريف تعليقات صريحة على الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أميركية بطائرة مسيرة في عام 2020. وأدى الهجوم في ذلك الوقت إلى دفع الولايات المتحدة وإيران إلى شفا الحرب.

وانتقد ظريف في التسجيلات علاقات سليماني المنفصلة مع روسيا ورفضه التوقف عن استخدام شركة الطيران الوطنية “إيران إير” في العمليات السورية على الرغم من اعتراضات ظريف.

وقال ظريف في منشور على “انستغرام” الأحد، إنه يأمل أن تسامحه أسرة سليماني. وقال: “آمل أن يغفر لي عظماء إيران وجميع محبي الجنرال (سليماني) وخاصة عائلة سليماني الكبيرة”.

وكانت تعليقات ظريف المسربة مثيرة للجدل إلى حد كبير في إيران، حيث يعتني المسؤولون بكلماتهم وسط بيئة سياسية قاسية تضم الحرس الثوري القوي، الذي يشرف عليه المرشد علي خامنئي في نهاية المطاف.

إلى جانب انتقاد سليماني، القائد الأعلى في الحرس الثوري، تضمنت تصريحات ظريف المسربة إشارات إلى حدود سلطته في الحكومة الدينية. ويمكن سماع ظريف وهو يقول في نقاط مختلفة في الشريط الذي مدته سبع ساعات أن هذه التصريحات ليست للنشر.

وقال ظريف في منشوره على “انستغرام”: “لو كنت أعرف أنه سيتم الإعلان عن جملة منها، لما أشرت إليها بالتأكيد كما كان من قبل”.

وأضاف أن تحليله عن هذه الفترة التاريخية للسياسة الخارجية الإيرانية كان “فقط لأجل نقل صادق للتجارب الى المسؤولين في المستقبل، ولم يكن وراء ذلك أي نية لنشره على نطاق واسع أو محدود”، متهماً “البعض بالسعي لتحويل الظروف السيئة إلى وسيلة لضرب الوحدة بين الشعب الإيراني الباسل لأغراض سياسية قصيرة الأمد”.

وجاء نشر الرسالة قبيل كلمة “مهمة” مرتقبة للمرشد الإيراني علي خامنئي الأحد، وفقاً لصفحة موقع خامنئي على منصة “إنستغرام”. ولم يتحدث الحساب عن محاور كلمة خامنئي المرتقبة، لكن لكونها تأتي في خضم السجال الكبير الذي تشهده إيران على خلفية تسريبات ظريف، فعلى الأغلب أن المرشد الإيراني سيعلن موقفه مما ورد على لسان ظريف.

وكانت زينب ابنة قاسم سليماني قد علّقت على تصريحات ظريف في التسجيل المسرب بنشر صورة عن يد والدها المقطوعة بعد الاغتيال، معلقة على الصورة بالقول: “كلفة الميدان لأجل الدبلوماسية”.

وتعرض ظريف لهجوم حاد، خلال الأيام الماضية، من أوساط محافظة ومقربة من الحرس الثوري، على خلفية التسجيل الصوتي المسرب الذي تحدث فيه عن تأثير “الميدان” و”الدبلوماسية” في السياسة الخارجية الإيرانية. 

ووجّهت مجموعة من العائلات الإيرانية رسالة إلى وزير الخارجية الإيرانية. وقالت العائلات في متن الرسالة: “عزيزي الدكتور ظريف، التسجيل الصوتي الأخير يسعى إلى  تشويه خط المقاومة والمزايا العظيمة التي جناها هذا الشهيد العزيز (سليماني) لإيران”.

وأضافت “لماذا يجب أن تُقال هذه الكلمات الغامضة في هذا التوقيت؟  كلماتك يا ظريف غير عادلة، ورسالتنا هذه دفاعا عن سليماني والقيم”. والعائلات تعرف عن نفسها أنها من ذوي “الشهداء”.

وتابعت: “ظريف، عارضت القرارات الإقليمية لسليماني طول السنوات الماضية، ولقد كنت تتفاوض مع أوروبا والولايات المتحدة لفترة طويلة، من دون أي جدوى، علما أن قوتك كانت مستمدة من سليماني”. واعتبرت العائلات أن ظريف “فشل في المفاوضات حول الملف النووي مع الولايات المتحدة”، مشددة على أن “قدرات سليماني هي التي جعلت إيران قوية”.

————————-

تسريب جواد ظريف.. هل يكون مقدمة لمهمة جديدة في الخارج لخدمة خامنئي؟

تداولت وسائل الإعلام الدولية والإيرانية تسجيلا مُسربا لوزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” ينتقد فيه دور وتأثير الحرس الثوري الإيراني، وقائده الراحل الجنرال “قاسم سليماني”. وبالنظر إلى أن “ظريف” يعد أذكى عقل سياسي للجمهورية الإسلامية وأنه تعهد سابقا بعدم الكشف عن تفاصيل الاجتماعات الخاصة، فإن تسجيل مقابلة استمرت 3 ساعات في مارس/آذار مع الصحفي “سعيد ليلاز” يعد أمرا ثريا للغاية بالتفاصيل. ويبدو أن توقيت التسريب له دلالة أيضًا.

خرج التسجيل قبل أيام قليلة من بدء الجولة التالية من المحادثات النووية في فيينا (ربما كانت واحدة من الفرص الأخيرة لرفع العقوبات قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران) وقبل أسبوعين إلى 3 أسابيع من الموعد النهائي لتسجيل المرشحين في 11 مايو/أيار. ونظرًا للتوقيت الحساس للغاية وسجل نظام الملالي على مدار 42 عامًا في “الكذب والتستر”، والذي يعد إنكار إسقاط الطائرة الأوكرانية في يناير/كانون الثاني 2020 أفضل مثال على ذلك، فليس من المستغرب أن تنطلي هذه العملية على الشعب الإيراني.

يمكن أن يكون الهدف من “التسريب” هو “التسخين المسبق لفرن الانتخابات” ومحاولة أخيرة للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات قبل الانتخابات الرئاسية، باعتبار أن هذه الخطوة ستقوي وضع “ظريف” و”الإصلاحيين”.

ومن المؤكد أن انتقاد “سليماني” والحرس الثوري الإيراني قد عمل على إثارة قاعدة الدعم المتشددة أيديولوجيًا للنظام، كما أدى إلى تنشيط ما يسمى بالنخبة “الإصلاحية” داخل الجمهورية الإسلامية. في الوقت نفسه، يبدو أن التقدم في المحادثات النووية في فيينا ومسألة رفع العقوبات قبل الانتخابات الإيرانية على الأجندة أكثر من أي وقت مضى.

وفق هذه الخلفية، هناك احتمال قوي بأن يكون “التسريب” قد تم تنسيقه بعناية، ومن المحتمل أنيكون جرى من قبل “ظريف” نفسه، وإن كان ذلك بضوء أخضر من المرشد الأعلى “علي خامنئي”. لكن ما الذي يخبئه المستقبل لـ”ظريف”؟ هل ستتاح له حقًا فرصة التأهل كمرشح للانتخابات بعد كل هذه الضوضاء؟ هل “خامنئي” مستعد حقًا لتنحية الدبلوماسي الذي كان قادرًا على الدفاع عن أبشع سياسات الجمهورية الإسلامية بابتسامة ودرجة من السحر من أجل الحفاظ على صورة النظام في الخارج؟ الجواب المختصر هو لا.

يبدو أن هناك سيناريوهان محتملان لـ”ظريف”، وكلاهما يؤدي إلى نفس النتيجة المصممة بعناية وعلى الغرب أن يكون حذرًا.

يعد السيناريو الأول مرهونا بما إذا كانت الولايات المتحدة سترفع العقوبات قبل الانتخابات الإيرانية في يونيو/حزيران. إذا حدث هذا، فمن المحتمل أن نرى “ظريف” يخوض محاولة فاشلة للرئاسة -إما أن يرفض مجلس صيانة الدستور ترشيحه أو يخسر التصويت- لماذا هذا هو الحال؟ الجواب بسيط: على “خامنئي” التأكد من أن الرئيس المقبل سيكون من الجناح المتشدد لإرضاء قاعدة دعم الحرس الثوري والقوات الأمنية.

ومن المحتمل جدًا أن تواجه الجمهورية الإسلامية اضطرابات في مرحلة ما بعد الوباء وهو أمر يعترف به حتى المقربون من النظام. وبالنظر إلى أن هذه القوات هي جنود النظام والمفتاح لقمع الاحتجاجات، يحتاج المرشد الأعلى إلى إرضائهم، بالإضافة إلى ذلك، يضع “خامنئي” البالغ من العمر 82 عامًا الأسس لمستقبل الجمهورية الإسلامية بعد وفاته في نهاية المطاف بهدف ضمان استمرار رؤيته المتشددة.

ولتحقيق ذلك، يمنح “خامنئي” مناصب حكومية رئيسية لرجال الدين المقربين وأعضاء الحرس الثوري الذين يحمونه. وبمجرد أن يتولى رئيس “شاب متشدد” منصبه بعد الانتخابات، ليس مستبعد أن نرى اتهامات بالتجسس” ضد “ظريف” والكثير من الضجيج الذي يدعو إلى معاقبته، وهو أمر نسمعه بالفعل من هذا المعسكر. وعند هذه النقطة سنتحول من السيناريو الأول إلى السيناريو الثاني بهدف تهيئة النتيجة المرجوة لـ”خامنئي”.

في السيناريو الثاني، إذا لم يتم رفع العقوبات قبل انتخابات يونيو/حزيران (أو بعد محاولته الفاشلة للرئاسة على النحو الوارد أعلاه)، فمن المرجح أن يدعي “ظريف” أن الحرس الثوري الإيراني يتابعه وأن حياته في خطر وأن مكانه هو المنفى في الخارج. وبعد ذلك، سيخدم الدبلوماسي المبتسم “خامنئي” بأن يصبح الناطق بلسان النظام في الخارج ويقود الدعاية.

وليس هذا أمرا جديدا، فقد حدث مع “حسين موسويان”، المتحدث القوي والناطق باللغة الإنجليزية والذي عمل سفيرا لإيران في ألمانيا (1990-1997)، وكان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الأمن القومي الإيراني (1997-2005)، ومتحدثا باسم المفاوضات النووية 2003-2005 في عهد الرئيس الإصلاحي “محمد خاتمي”.

فقد منحت الولايات المتحدة  “موسويان” حق اللجوء في 2009 وتم تعيينه باحثًا زائرًا في جامعة أمريكية مرموقة بعد أن زعم ​​أن الحرس الثوري الإيراني اتهمه بالتجسس. وبينما حُكم على “موسويان” بالسجن لمدة عامين بتهمة “تعريض الأمن القومي للخطر” في إيران، فمن اللافت أنه سُمح له بالسفر إلى الولايات المتحدة قبل سجنه.

وبمجرد وصوله إلى “المنفى”، أظهر “موسويان” ولاءه الصريح للمرشد الأعلى، وما زال يعمل بجد من أجل نظام الجمهورية الإسلامية. وفي مقابلة في مارس/آذار 2016، تحدث “ظريف” عن صديقه العزيز “موسويان” قائلا إنه “لا يصدق الاتهامات بالتجسس الموجهة إليه” وأكد أن “موسويان شخص يؤمن بنظام الجمهورية الإسلامية ومرتبط بببلاده بشكل كامل”، وأضاف أن “موسويان يدافع بشكل جميل عن مصالح الجمهورية الإسلامية في الولايات المتحدة وأوروبا وفي المؤتمرات الدولية لدرجة أنه إذا لم يتمكن الدبلوماسيون الإيرانيون الرسميون من المشاركة في مؤتمر بالخارج، فإنه غالبًا ما يملأ الفراغ”.

ولا يعد “موسويان” المثال الوحيد، فهناك وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي السابق “عطاء الله مهاجراني” الذي برر فتوى “الخميني” التي تدعو إلى قتل الكاتب البريطاني الهندي “سلمان رشدي”، ويعيش “مهاجراني” الآن في المنفى في المملكة المتحدة، بسبب فضيحة حول علاقة غير قانونية في عام 2004، لكنه يواصل كونه الناطق بلسان النظام في الخارج.

وهذا هو بالضبط الدور الذي تصوره “خامنئي” لـ”ظريف”، ولعل التسجيل “المسرب” يأتي في هذا السياق. وبالنسبة “لخامنئي”، من الواضح أن اللعبة السياسية “الإصلاحية- المتشددة” المصنّعة لخداع الشعب الإيراني لدعم النظام لم تعد تحظى بقبول داخلي في إيران، حيث من المقرر أن يقاطع ما يقرب من 78% من الإيرانيين انتخابات يونيو/حزيران، وذلك وفقًا لاستطلاع حديث أجرته مجموعة تحليل وقياس المواقف في إيران.

ومع استمرار عسكرة النظام، يبدو أن المرشد الإيراني العجوز قد توصل أيضًا إلى استنتاج مفاده أن الحفاظ على قاعدة دعمه المتشددة كافٍ للحفاظ على النظام الاستبدادي، مع الاستفادة ممن يسمون بـ”الإصلاحيين” في لعب دور رئيسي لـ”خامنئي” في الخارج كوسيلة للدفاع عن مصالح النظام.

إن “ظريف” -الذي يعد بلا شك أعظم رصيد لطهران في هذا الصدد- يستطيع لعب مثل هذا الدور الذي لا يقدر بثمن. في الواقع، لقد رأينا الدبلوماسي المبتسم يستخدم لغته الإنجليزية المثالية وسحره للدفاع عن الجوانب الأكثر فظاعة في أيديولوجية النظام، وكل ذلك مع الحفاظ على شعبيته في الخارج. كما أخبرني أحد كبار المسؤولين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي تفاوض مع “ظريف” ذات مرة، “كان ظريف دبلوماسيًا لامعًا للغاية لدرجة أنه كان على المرء أن يكون حريصًا كل الحرص حقًا حتى لا ينخدع به”. وهذا بالضبط ما يريده “خامنئي” منه.

إن وجود “ظريف” في الخارج هو أكثر فائدة للجمهورية الإسلامية من وجوده في إيران. في الواقع، يكشف الفحص الدقيق للتسجيل أن “ظريف”، منظّر بنفس القدر مثل الآخرين في النظام، ويصر على أنه مخلص بشدة لـ”خامنئي” ومؤمن بأساسيات الثورة الإسلامية.

كلا السيناريوهين المذكورين أعلاه يؤديان إلى نفس النتيجة: مغادرة “ظريف” إيران إلى “المنفى” في الخارج للقيام بمهمة أخرى كلفه بها “خامنئي”، على غرار “موسويان” و”مهاجراني”. وبغض النظر عما إذا كان المرء يعتقد أن هذا “التسريب” كان متعمدًا أم لا، نظرًا لأن النتيجة -أي اتجاه “ظريف” إلى “المنفى” في الخارج- سيناريو محتمل للغاية، يجب على الغرب أن ينظر بعناية في الآثار المترتبة على منح “ظريف” الإقامة.

وفي الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة وأوربا منح تأشيرات سياحية للإيرانيين العاديين، سيؤدي منح “ظريف” -الرجل الذي دافع عن اضطهاد الشعب الإيراني ونشر أيديولوجية الجمهورية الإسلامية- الإقامة على الأراضي الغربية إلى إرسالة رسالة رهيبة إلى الشعب الإيراني. ويجب أن يحرص الغرب على عدم الوقوع في هذا الفخ.

————–

إيران: خسائر قيادة العسكر للسياسة

قدّمت تصريحات قديمة لوزير الخارجية الإيراني أحمد ظريف يشتكي فيها من علاقة التبعية بين السياسة الخارجية الإيرانية والقيادة العسكرية متمثلة في الجنرال قاسم سليماني إضاءة كاشفة للعلاقة التي تربط بين المؤسسة العسكرية، وخصوصا «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، وزعيمها الذي اغتالته القوات الأمريكية في مطلع عام 2020، مع المؤسسات السياسية.

وإذا كان الحديث قد تركّز على السياسة الخارجية الإيرانية، فمن المؤكد أن التسلّط الذي تمارسه المؤسسات العسكرية ينسحب أيضا على الوزارات الأخرى، بل ينعكس على مؤسسة الرئاسة الإيرانية نفسها، ولعلّ التصريحات المهددة بالمحاكمة والعقوبة التي يقوم بها بعض النواب في البرلمان الإيراني ضد الرئيس محمد روحاني أو ظريف ليست غير صدى لهذه العلاقة التي يقود فيها العسكر الساسة من وراء الكواليس.

تعكس الحادثة الأخيرة بوضوح هذه المسألة حيث لا يستطيع وزير الخارجية التعبير بشفافية عن آرائه في إدارة السياسة الخارجية التي يفترض أن يقودها، ويضطر لقولها في جلسات خاصّة، ثم يضطر للاعتذار عنها حين تعلن على الملأ، كما لو كان الكشف عن الاحتجاج على الاستيلاء على مسؤوليات الوزير هو الخطأ وليس اختلال العلاقة بين المؤسستين العسكرية والسياسية.

لم يفعل الحديث المسرّب سوى تأكيد طبيعة الأخطاء السياسية المكلفة لإيران الناتجة عن استيلاء العسكر على قرار الساسة، كما حصل عند إسقاط الطائرة الأوكرانية، والتي يمكن اعتبارها أيضا من ذيول حادثة مقتل قاسم سليماني، حيث أسقط الحرس الثوري هذه الطائرة بعد خمسة أيام من مقتل الجنرال الشهير بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار الإمام الخميني في طهران مما أدى إلى مقتل 176 راكبا، وبعد منع القيادات العسكرية للقيادة السياسية من إعلان الحقيقة، ثم اضطر الحرس الثوري بعد خمسة أيام أخرى من إعلان إسقاطها لظنها صاروخ كروز أمريكيا، وهو ما وصفه الرئيس روحاني بـ«الخطأ الذي لا يغتفر».

يرى «مركز الدراسات الدبلوماسية الإيرانية» وهو مركز أبحاث مقرب من الخارجية الإيرانية أنه بعد أربعين عاما من الدبلوماسية الخارجية الإيرانية «هناك معارضة كبيرة من قبل الأمتين الإسلامية والعربية لسياسات طهران في المنطقة» والسبب الرئيسي، كما يراه المركز، هو «التوجه المذهبي للسياسة الخارجية الإيرانية وبعض القرارات العسكرية والأمنية التي تبنتها إيران» مما أدى إلى «مواجهة غالبية المجتمع العربي والإسلامي لسياسات النظام الإيراني في المنطقة».

لقد كسبت إيران نفوذا إقليميا كبيرا لكنّها خسرت نفوذها الشعبي في البلدان العربية والإسلامية لأنها قامت بتحويل رأسمالها الرمزي كثورة ضد الشاه والامبريالية الأمريكية إلى رافعة للنزاعات الطائفية الفظيعة التي ساهمت في كوارث اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وبدلا من تعميق الخطّ الديمقراطي للنظام حوّلت إيران إلى موقع للثورة المضادة يساند أنظمة الاستبداد والفساد بحيث تحوّلت المنظومات والميليشيات المحسوبة عليها إلى عدوّ للحراكات الشعبية داخل إيران وخارجها، وخزّان للقتل والفساد والطائفية.

القدس العربي

———————

خامنئي يحمي الصفقة..ويحتوي عاصفة ظريف/ مهند الحاج علي

في خطابه الأخير، وهو أول تعليق له على الكلام المسرب لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، أظهر مرشد الثورة الاسلامية علي خامنئي ليونةً حيال المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن من خلال تأكيده الانسجام في صناعة السياسة الخارجية الايرانية على مستوى القيادة العليا.

“سياسة البلاد تتكوّن من برامج اقتصادية وعسكرية واجتماعية وعلمية وثقافية، وسياسة خارجية أيضاً”, وفقاً لخامنئي، و”يجب أن تسيرهذه الأجزاء معاً، وإنكار أي من هذه الأجزاء خطأ كبير، وهو ما لا ينبغي أن يصدر عن مسؤولي البلاد”. صحيح أن هناك نقداً واضحاً ومباشراً في خطاب المرشد لكلام ظريف، كونه “تكراراً للخطاب العدائي من الأعداء وأمريكا”. لكن كلام المرشد عن صنع السياسة الخارجية بالتعاون مع الوزارة ولكن على مستويات عليا، يجعل من ظريف أداة تنفيذية لخامنئي نفسه. ذلك أن نقد ظريف في التسريبات، دور قائد فرقة القدس سابقاً قاسم سليماني في السياسة الخارجية، موجه بشكل غير مباشر للمرشد. خامنئي هو المايسترو وصاحب الكلمة الفصل في إدارة العلاقات بين الاجنحة المختلفة في الدولة، وأيضاً احتواء الصراع بينها وحسمه إما من خلال التوفيق بين وجهات النظر المختلفة أو عبر حسم الاتجاه لمصلحة طرف دون آخر.

لهذا فإن نقد كلام ظريف ضروري بالنسبة للمرشد، بما أن السكوت عنه سيكون علامة رضى، وهو غير قادر على ذلك، سيما أن بعض السهام طال قاسم سليماني، احدى الأيقونات المقدسة للنظام. لكن المرشد يجعلنا نرى ظريف مغفلاً لا إراديًا، وكأنه لاعب كرة قدم يُسجّل هدفاً في مرماه. لكنه يبقى نقداً مباشراً، على عكس كلام إسحق جهانكير، نائب رئيس الجمهورية الايراني الذي وجه سهامه لاعداء ايران واتهمهم بالتسريب لتخريب المفاوضات النووية. وكلام جهانكير هو الاسلوب الانسب عادة لتجاوز الموضوع دون الدخول في نقاش حول المضمون. لهذا، كان خطاب خامنئي حلاً وسطاً بين من يعارض الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته وسياسة التفاوض مع الجانب الاميركي، من جهة، وبين الإصلاحيين، من جهة ثانية.

وكلام خامنئي عن الاقتصاد وضرورة ايجاد فرص العمل في الخطاب ذاته، مرتبط بالرغبة في فك الحصار الاقتصادي، ومعالجة الأزمة بشكل نهائي، بما أن الوضع المحلي لا يحتمل أي تأجيل طويل الأمد. بعيداً عن الكلام الايديولوجي، ليست ايران قادرة على الاستمرار لسنوات دون الحصول على عملات صعبة واستئناف بيع النفط بأسعار السوق ودون تهريب.

وبالامكان أيضاً النظر الى خطاب خامنئي بصفته انحيازاً للتفاوض والمقاربة الحالية للسياسة الخارجية، في مقابل نقد المحافظين ومنهم الرئيس السابق محمود احمدي نجاد، مسار المحادثات النووية ومقارنتها بعهد فتح علي شاه قبل قرنين ونيف من الزمن، وهي حقبة حافلة بالهزائم والتنازلات في تاريخ ايران.

لكن طول أمد المفاوضات، وهو متوقع، ستكون له انعكاسات سياسية ومنها في الانتخابات الرئاسية بعد شهر ونصف، سيما ان اسرائيل ماضية في حربها السرية، كما بدا واضحاً من تسريبات الاجتماع الأخير بين مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان ورئيس الموساد الاسرائيلي يوسي كوهين. الرئيس الأميركي حضر جانباً من اللقاء وابلغ كوهين بأن الاتفاق ليس قريباً، بحسب مراسل موقع “اكسيوس” الأميركي. إلا أن الجانب الاسرائيلي لم يقدم تعهدات حيال مسار حربه السرية مع الجانب الايراني والارجح أن عمليات التخريب لن تتوقف في ظل الفرص المتاحة حالياً.

الواقع أن لاسرائيل وحلفائها في المنطقة خطاً موازياً للسياسة الاميركية، وأحياناً متضارباً معها، وهذا منفصل عن المسار السعودي الايراني، والتركي والروسي أيضاً. صرنا في عالم متعدد الأقطاب الاقليمية حيث التوافق شبه مستحيل او موقت في احسن الاحوال. ودولة مثل ايران قادرة على الاستدارة في اتجاه الحفاظ على مصلحتها ومصير نظامها، لكن الدول الضعيفة مثل لبنان، هي كفاقد المناعة في زمن الجائحة والاوبئة.

الوهن والضعف والمرض عوارض دائمة علينا ألا نتوقع سواها في ظل غياب السياسة وعناصر القوة.

———————–

ما وراء تصريحات ظريف/ سام منسى

يبقى الحدث الرئيس في المنطقة مرتبطاً بإيران وأنشطتها مباشرة أو مداورة. فقد شهد الأسبوع الفائت زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى بغداد، حيث تحدث عن استعداد بلاده لحوار إقليمي، وعاد إلى الواجهة الإعلامية تكرار ظريف كلامه بشأن دور العسكر في رسم السياسة الإيرانية وتطبيقها، لا سيما دور «الحرس الثوري» في سياسة بلاده الخارجية، وذلك في تسجيل صوتي مسرب غير معد للنشر خلق بلبلة في إيران وخارجها. والعنوان الثالث والأخطر هو استمرار تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران جراء العمليات العسكرية المتبادلة وبأكثر من وسيلة.

اللافت في الحدث الأول هو تأكيد ظريف لنظيره العراقي الدعوة لحوار إقليمي على أساس حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. والكلام «الظريف» من الوزير ظريف طالما رددته إيران، ويرسخ أخطر ثوابت السياسة الإيرانية المتدخلة في شؤون الإقليم عبر بيئاته المحلية، لتسوّق أنها قوى محلية فاعلة حليفة وليست أذرعاً تأتمر بأوامرها. وتلمح إيران عبر هذا الكلام لأنه لن يكون لديها دالة أو تأثير على حلفائها المحليين جراء تسويات أو اتفاقات قد تتوصل إليها مع الغرب والولايات المتحدة بخاصة، ما يجعلها قادرة على التملص من شرط ممارسة الضغوط عليهم وتركهم على غاربهم في بلدانهم بما يعيد الأمور إلى المربع الأول في الدول التي تعاني من ممارسات هذه الأذرع المسماة حلفاء. والحد الأقصى الذي يؤمل من الضغوط الإيرانية المتوخاة لأصابعها الخارجية هو تهدئة تخديرية مؤقتة ونسبية لأنشطتهم الأمنية والعسكرية، إنما تبقى الأمور على حالها باعتبارها شؤوناً محلية لا قدرة لإيران على التأثير فيها. ويعني ذلك هروب إيران من تناول جدي ومسؤول للملفات الإقليمية الشائكة في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

العنوان الثاني هو تسريب التسجيل الصوتي لحديث ظريف بشأن دور قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني الذي قتل بغارة أميركية في العراق في سياسة إيران الخارجية، وقد ناقض مضمون ما قاله في بغداد، إذ اعتبر أن بلاده «ضحت بالدبلوماسية لصالح الميدان العسكري» الذي يحكم. الثابت أن التسريب ليس بريئاً، لا سيما أنه يأتي مع انطلاق مفاوضات فيينا الهادفة لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، وقبيل بدء حملات انتخابات الرئاسة المرتقبة بين أجنحة النظام. فما هي أهداف التسريب مع تأكيد الرئيس حسن روحاني أنه هدف إلى إثارة خلافات داخل المنظومة الحاكمة، وأدى بحسب المعلومات المنشورة إلى إقالات ومنع سفر لعدد من المسؤولين، وتوقيع النواب على مسوّدة قانون ينص على محاكمة الرئيس حسن روحاني وظريف؟

تقول صحيفة «الغارديان» البريطانية إن وراءه دولاً عربية أو إسرائيل، وذلك للتقليل من أهمية دور ظريف وحرقه في دلالة على إحكام المتشددين قبضتهم الحديدية على البلاد، واعتباره وأعوانه مجرد واجهة لا أكثر. وجيّر آخرون هذا التسريب لـ«الحرس الثوري» بغية التخلص من ظريف وجماعته ومقارباتهم للمفاوضات مع واشنطن. وبمعزل عن صحة المعلومات هذه أو عدمها، يبقى أن منظومة إيران نفسها عصية على الفهم، وليس سهلاً اعتبار أن ظريف ساذج ليقول ما قاله من دون توقع نتائجه في الداخل والخارج. ولا نستغرب أن تكون إيران وسياساتها قابلة لتغيير اللون أو الجلد وفق الحاجة والظروف المحيطة، وذلك جزء مما يوصف بـ«التقية»، وهي سمة إيرانية بامتياز.

ولا نحتاج لشرح أن طهران تستميت لإنجاح مفاوضات فيينا لرفع العقوبات، أو بعضها، وفك العزلة عنها بما يعطيها متنفساً اقتصادياً ومالياً هي بأمس الحاجة إليه. وتُعزز مواقف كمواقف ظريف فاعلية الوفد المفاوض وتدفع واشنطن أكثر للإسراع بالعودة إلى الاتفاق، ورفع ما يمكن رفعه من العقوبات المفروضة.

ومن الاحتمالات الواردة أيضاً ودائماً في إطار الغموض الذي يلف أدوار ومواقف السياسيين وصناع القرار في إيران، ألا تكون هذه التسريبات بعيدة عن الحملة الانتخابية. إنما يصعب فهم كيف ستصب نتائجها لصالح ظريف إذا تمكن من النجاح في مفاوضات مثمرة أم ضده، وتؤدي إلى خسارته وإقصائه عن الساحة. كما يمكن لإيران محاولة الإفادة من الكلام المنسوب لظريف بهدف حشر إسرائيل في هذا الوقت جراء ضغوط غربية عليها، بخاصة أميركية، لتفادي مواجهة واسعة في الإقليم.

ويقودنا ذلك إلى العنوان الثالث والأخطر، وهو ارتفاع حدة التوتر بين إسرائيل وإيران على أكثر من جبهة، من حادثة مفاعل نطنز وتوجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل، إلى حرب السفن المتصاعدة وسقوط صاروخ قرب مفاعل ديمونا، وآخرها تفجير السعودية لمركب مفخخ ومسيًر آلياً قرب ميناء ينبع.

لا شك أن إسرائيل وإيران كلتاهما متوترة ولأسباب مختلفة. التوتر الإسرائيلي مرده تدني منسوب ثقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بواشنطن جراء الخوف من العودة إلى الاتفاق السابق مع إيران بلا اعتبار لهواجس إسرائيل، لا سيما توسع انتشار الصواريخ الباليستية الإيرانية والصواريخ الدقيقة على حدودها وتمدد النفوذ الإيراني عبر الميليشيات الحليفة. لن تألو تل أبيب جهداً لتجنب عودة واشنطن إلى الاتفاق السابق ولو أدى ذلك إلى مزيد من التوتر مع إدارة جو بايدن ولن تتورع حتى إلى دفع واشنطن للتورط في نزاع إقليمي خطير. إنما المرجح ألا تقدم إدارة بايدن على ذلك في هذه المرحلة، لأن اهتماماتها منصبة على أكثر من ملف داخلي رئيس وخارجي خطير، أبرزها أولويات بايدن التشريعية، إضافة إلى هموم انتخابات الكونغرس المقبلة، التي قد تؤدي إلى خسارة الديمقراطيين للغالبية، وتالياً إعاقة سياسات بايدن في منتصف ولايته.

أما توتر طهران فطبيعته مختلفة لأنها تسعى للإفادة القصوى من عدم رغبة واشنطن الانزلاق إلى نزاع مسلح في المنطقة واستكمالها لسياسة الانسحاب منها، لدفعها أولاً باتجاه العودة إلى الاتفاق ورفع العقوبات، وثانياً لمواصلة توسيع نفوذها قدر ما تستطيع، ولو على حساب أمن دول الإقليم واستقرارها. هذه السياسة درجت عليها طهران منذ عقود ولم تردعها لا سياسة العقوبات القصوى التي انتهجها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ولا القوة الناعمة والدبلوماسية والاتفاق النووي التي اختارها باراك أوباما، ويبدو أن الإدارة الحالية تميل إليها ولو بقدر كبير من الحذر والتردد.

من الصعب التكهن برد فعل واشنطن على كل ما يجري وما يسرب، لكن المتوقع ألا تخضع لضغوطات إسرائيل وإيران المختلفة والمتباينة، لا سيما أن البلدين مأزومان داخلياً؛ إيران جراء طوق العقوبات وتفشي داء «كورونا» وتنامي التململ الداخلي من النظام إلى حد النقمة، ومواجهة انتخابات مهما كانت شكلية وممسوكة من المتشددين، تبقى لها تداعيات جانبية لا يجوز إغفالها.

أما إسرائيل، وبخاصة نتنياهو، الذي يبدو على مشارف الخروج من الحياة السياسية أيضاً، فهي مأزومة جراء التشرذم السياسي في الداخل مضافاً إلى قلق لا يخفى من التغيير في المزاج السياسي الأميركي بخاصة والغربي بعامة تجاه سياسات اليمين الإسرائيلي المسيطر منذ أكثر من عقد.

يبقى الترقب سيد الموقف طالما أن مناخ التأزم والتوتر السائد لدى قوتين إقليميتين فاعلتين ومتسرعتين لا يبشر بالاستقرار، والقوى الكبرى والقادرة منشغلة بهمومها الداخلية وبإدارة النزاعات فيما بينها على حساب شعوب المنطقة واستقرارها.

الشرق الاوسط

————————–

هل هي بداية النهاية لمحمد جواد ظريف؟/ غسان حجار

لن يغادر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف موقعه على رأس الديبلوماسية الإيرانية عاجلاً، خصوصاً في ظل المفاوضات الجارية في فيينا ما بين طهران وواشنطن، للعودة الى الاتفاق النووي لعام 2015 الذي كان ظريف مهندسه، عودة مترافقة مع رفع العقوبات الأميركية عن إيران.

لكن ظريف ايضاً، لن يستمر طويلاً في موقعه، او يستمر مكبل اليدين من “الحرس الثوري الإيراني”، أكثر مما كان عليه الوضع سابقاً، بعدما ظهرت المواجهة بين الطرفين الى العلن. والنتيجة معروفة في الداخل الإيراني، ومحسومة لمصلحة “الحرس الثوري”.

واذا كانت الرئاسة الإيرانية حرصت على إبقاء ملف تسريب كلام روحاني بحق قائد “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني، في إطاره الضيق، من دون مضاعفات ظاهرة، بسبب المفاوضات، ولعدم إثارة حساسيات داخلية، فإن قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني الحالي إسماعيل قآني، كان وصف في فيديو قديم سرب على وسائل التواصل الاجتماعي وزير خارجية بلاده بـ”اللئيم”. وقال قآني في الفيديو إنّ “ظريف كان يستهدف سليماني منذ سنوات”.

ويتعلق التسريب بمقابلة أجراها أحد مستشاري الرئيس حسن روحاني مع ظريف في وقت سابق، وربما بعيد استقالته في العام 2019، وتردد أن “دوائر داخلية” سرقت التسجيل ثم نشرته وسائل إعلام تبث بالفارسية من خارج إيران. ووفقاً لظريف، فإنها لم تكن “مقابلة تقليدية” وإنما “تبادل نظري للآراء” مع أحد أعضاء المكتب الرئاسي حول الاستراتيجية.

وبدا ظريف في التسجيل المسرب مستاء جداً من التدخل الواسع لقائد “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني، في الشأن الديبلوماسي الإيراني. وأقر ظريف بأنه ضحى بالديبلوماسية كثيراً لصالح “ساحة المعركة”، مضيفاً أنه لم يتمكن يوماً من إقناع سليماني بطلباته. وأثار التسريب جدلاً واسعاً في إيران، بالنظر للمكانة الكبيرة لسليماني في البلاد، ونظراً الى أن المتحدث هو وزير الخارجية وليس اي مسؤول في موقع غير متقدم.

وهذا الأمر الذي حمل وزير الخارجية الى الاعتذار عن تصريحاته، طالباً السماح من عائلة سليماني، طرح التساؤلات عن هوية المسرب، والأهم عن المحرك الأساسي لهذه العملية في مكتب الرئيس حسن روحاني حيث يحفظ التسجيل. كما أن الأسئلة بلغت حد الاستفهام عن ارتباط التسريب بالمفاوضات الجارية في فيينا من قبل فريق غير راضٍ عن ذلك المسار الذي قاده روحاني منذ البداية، ونجد رغم كل محاولات اقصائه وعرقلته.

والحال أنها ليست المواجهة الأولى لروحاني مع “الحرس الثوري”، إذ دفعته خلافات سابقة لم تخرج تفاصيلها الى العلن، الى إعلان استقالته في 25 شباط (فبراير) 2019، وقد جاءت الاستقالة في حينه، مفاجئة ومن دون ذكر لأسبابها وخلفياتها، كما بدا لافتاً أنها نشرت أولاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا عبر وسائل الإعلام الحكومية. وكتب ظريف في إعلان استقالته “أعتذر بصدق عن عدم القدرة على الاستمرار في الخدمة، وعن كل أوجه القصور في السنوات الماضية أثناء تولي منصب وزير الخارجية… أتوجه بالشكر للأمة الإيرانية والمسؤولين”.

هل تكون الخطوة التالية، بعد حين، مشابهة لتلك الاستقالة، أم تكون إقالة؟

النهار العربي

———————————

هل روسيا قادرة _وراغبة_بحماية ناقلات النفط الإيرانية؟/ العقيد عبد الجبار العكيدي

أعاد الحريق الذي نشب في ناقلة النفط الإيرانية في مرفأ بانياس السبت، الحديث مجدداً حول قدرة روسيا على تنفيذ وعودها بحماية الشحنات الواردة من إيران الى سوريا، وكان لافتاً تضارب المعلومات التي قدمتها وسائل إعلام إيران والنظام من جهة، والروس من جهة ثانية حول سبب الحريق، هذا التضارب الذي وصل حد السجال، ما يجعل من الحريق أكثر من مجرد حدث عادي.

يعيدنا هذا السجال بين “الحلفاء” إلى ما أعلنت عنه وكالة الانباء الروسية “سبوتنيك” في 17 نيسان/أبريل، حول تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمرافقة وتأمين وصول شحنات النفط الإيراني إلى موانئ النظام بعد تعرضها لهجمات عديدة في عرض البحر، على أن تضم هذه الغرفة، حسب الوكالة، كلاً من روسيا وإيران بالإضافة للنظام، وأن الهدف منها “تأمين تدفق آمن ومستقر لإمدادات النفط والقمح وبعض المواد الأخرى الآتية على متن ناقلات إيرانية، من خلال مرافقة وحماية السفن الحربية الروسية”.

تضارب المعلومات حول أسباب الحريق بدأ عقب تأكيد قناة “روسيا اليوم” أن الحادث سببه إهمال في شروط الأمان وعدم مراعاة عوامل السلامة أثناء عمليات تلحيم أنابيب على متن الناقلة بعد رسوها، في نفي كان لافتاً من حيث سرعته لرواية إعلام النظام، حيث نقلت “سانا” عن وزارة النفط قبل ذلك بساعات أن “الناقلة تعرضت لما يعتقد أنه هجوم من طائرة مسيرة قدمت من اتجاه المياه الإقليمية اللبنانية”، ما يوحي بخشية موسكو من التشكيك بوعودها حماية هذه الشحنات.

لكن التضارب في المعلومات لم يتوقف عند هذا الحد، حيث عادت موسكو لتقدم رواية أخرى جديدة عن الحادث، لا تخرج في النهاية عن رغبة ملحة برزت لديها في دحض أي سردية عن تعرض الناقلة لهجوم متعمد، وصولاً إلى حد التشكيك بمساعدة القوات الروسية المتواجدة في سوريا على إخماد الحريق.

فقد نشر موقع “RusVesna” الروسي الأحد، صوراً ومقاطع مصورة تظهر حجم الأضرار التي لحقت بالناقلة الإيرانية. ويظهر المقطع الذي التُقط عبر طائرة “درون” وجود آثار حريق على الجزء الأوسط من متن الناقلة بعد أن تم إخماده. مقدماً رواية جديدة لسبب الحريق عازياً إياه إلى حدوث مسّ في الشبكة الكهربائية الخاصة بالناقلة.

الموقع الروسي ادعى كذلك أن القوات الروسية في المنطقة ساهمت في إخماد الحريق، مشيراً إلى مشاركة مروحية من نوع “مي-8” مزودة بجهاز إطفاء، في عملية السيطرة على الحادث، بعد أن كان إعلام النظام قد نسب الفضل في إخماد الحريق إلى فرق الإطفاء التابعة له بشكل كامل، دون الحديث عن أي مشاركة روسية، وهو تفصيل ليس عادياً، ويمكن وضعه في سياق التقليل المستمر من جانب إعلام النظام وإيران من الدور الروسي في سوريا، حيث سبق وأن وجه هذا الإعلام اتهامات للروس بعدم المشاركة في إخماد حرائق الغابات التي نشبت في منطقة الساحل السوري صيف العام الماضي، ناهيك عن الانتقادات الحادة التي اعتاد توجيهها لعدم تفعيل القوات الروسية في سوريا نظام الدفاع الجوي (إس-300) للحد من الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا.

إمكانيات سلاح البحرية الروسية على حماية الناقلات

كل ما سبق هي تفاصيل لكنها مهمة على هامش الموضوع الرئيسي هنا وهو وعود موسكو بتأمين حماية الشحنات الإيرانية إلى سوريا. ولنفترض أن إيران قادرة بالفعل على مواصلة تأمين احتياجات النظام من النفط والقمح، وهذا مستبعد في ظل ظروفها الحالية ووضعها الاقتصادي الصعب نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة عليها، إضافة إلى إفلاس النظام وعدم قدرته على تسديد ديونه التي تجاوزت الأربعين مليار دولار حسب بعض المسؤولين الإيرانيين الذين ما فتئوا يطالبون بها، فهل روسيا قادرة على حماية الشحنات والناقلات في عرض البحار عسكرياً ولوجستياً، حيث الخط البحري الطويل الممتد عبر الخليج العربي والمحيط الهندي مرورا بالبحر الأحمر، عابراً قناة السويس الى مرفأ طرطوس وبانياس؟

مسار طويل ومكلف مادياً وعسكرياً، يحتاج إلى عدد كبير من القطع البحرية والكوادر البشرية، وهو غير متاح لدى سلاح البحرية الروسية الذي يقتصر تواجده الأساسي في الشرق الأوسط على عدد محدود جداً من النقاط والقطع البحرية، تتمركز في مياه المتوسط قبالة السواحل السورية، حيث الأسطول الحربي الروسي الذي لا تتجاوز السفن القتالية والمساعدة التابعة له عشر قطع صغيرة، بالإضافة الى سفينة الإنزال الكبيرة “ساراتوف” التي تحركت مع بداية العام الجاري من البحر الأسود باتجاه المياه الدافئة.

فيما لا تملك موسكو أي تواجد في الخليج العربي، مقابل تواجد ضعيف جداً في المحيط الهندي، ومحطة إمداد في بورتسودان على البحر الأحمر، وهذه المعطيات تصعب من مهمة الروس في تنفيذ وعودهم بمرافقة وحماية هذه الشحنات في مسارها الطويل.

بروباغندا إعلامية

من الواضح أن هذه الوعود الروسية بتأمين الحماية العسكرية، لتكون إيران قادرة على تنفيذ وعودها بتأمين شحنات النفط للنظام، لا تعدو كونها بروباغندا إعلامية تُصرف في الانتخابات الرئاسية التي سيجريها نظام الأسد، ناسفاً بذلك العملية الدستورية والعملية السياسية برمتها، ومتحدياً المجتمع الدولي الذي يستمر بضرب عرض الحائط بقراراته.

هذه الوعود من الواضح أنها جاءت تزامناً وخدمة للترويج الإعلامي الكبير وتصريحات مسؤولي النظام للإجراءات التي يدعي القيام بها لمكافحة الفساد وتشديد المخالفات على التجار والمحتكرين والمستغلين، للسيطرة على الوضع الاقتصادي المتدهور، وتأمين الوقود ورغيف الخبز الذي أصبح أكبر حلم للمواطن السوري!

ما الغاية من الحماية؟

 السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا كل هذه الإجراءات الاحترازية إذا كان في الأصل النفط والقمح وكل المواد الغذائية والطبية غير مشمولة بالعقوبات الغربية على النظام؟

والواقع أن هذا السؤال كان قد طُرح في كل مرة تعرضت فيها شحنات النفط الإيرانية المتوجهة إلى سوريا لهجمات، ما يزيد الشكوك حول أن تكون هذه الشحنات تحوي داخلها أسلحة ولوازم تصنيع حربي يستخدمها الإيرانيون لتطوير برنامج الصواريخ في مراكز البحوث التي يسيطرون عليها في سوريا.

وإلى جانب ذلك، فإن الأمر يخفي في طياته أبعاداً سياسية وعسكرية، بينها استعراض روسي للقوة، فسوريا أصبحت ساحة صراع وصندوق بريد لتبادل الرسائل بين روسيا وإيران من جهة والولايات المتحدة والغرب وإسرائيل من جهة أخرى، وهو استعراض يمكن وضعه في إطار الرد على الإجراءات الأميركية الأخيرة ضد موسكو، بعد أن أدرجت واشنطن شركات روسية جديدة في القائمة السوداء وطردت دبلوماسيين روس ومنعت البنوك الأميركية من شراء السندات السيادية من البنك المركزي الروسي والصندوق الوطني للثروة ووزارة المالية.

على العموم وبغض النظر عن قدرة روسيا على تنفيذ وعودها بحماية هذه الشحنات من عدمها ألا أن الهدف الحقيقي لهذه الخطوة يعتقد أنه يتركز حول توجيه رسائل روسية لمختلف الأطراف تتعلق بملفات أخرى.

– أول هذه الرسائل أن هذه الخطوة الروسية (التحرك في مياه الشرق الأوسط لحماية شاحنات نفط إيرانية) تعبر عن إرادة موسكو بخرق خطوط اللعبة والسيطرة التي تم رسمها منذ منتصف القرن الماضي في المنطقة.

– الثانية للقول إن الروس باتوا اليوم أشد تمسكاً بالنظام من أي وقت سابق، وما إقامة الاحتفال بعيد الجلاء في قاعدة حميميم العسكرية الروسية إلا إشارة لفرنسا وأوروبا والولايات المتحدة، بأن روسيا أصبحت تحتل مكانهم في المنطقة التي لطالما اعتُبرت ساحة نفوذ غربي، ما يعزز من موقف موسكو في الملفات الأخرى المشتبكة فيها مع الغرب، مثل الملف الأوكراني.

– يشجع روسيا على كل ما سبق، أن الرهان على تصعيد الموقف الأميركي الغربي في الشرق الأوسط، بما يتجاوز التصريحات أصبح رهاناً ضعيفاً، في ظل وجود إدارة بايدن وسياستها الذاهبة نحو عقد مساومات وصفقات على حساب القضية السورية والقضايا العربية في المنطقة، خاصة في الملف النووي الإيراني.

لكن رغم كل ما سبق، فإن من اللافت للنظر بحق أن يكون حليفا روسيا الرئيسيان في المنطقة، النظام السوري وإيران، هما من يشكك بقدرة موسكو على القيام بما تعد به وعلى تنفيذ ما تحلم به، فهل هو تشكيك بهدف تشجيع روسيا على التصعيد والبدء بترجمة عملية لتصريحاتها ورسائلها، أم رغبة في الحد من النفوذ والهيمنة الروسية في سوريا؟

يبدو موضوع استهداف السفن جزءاً من الصراع الدولي الكبير، خصوصاً بعد كشف إسرائيل عن استهدافها لعشرات السفن الإيرانية خلال الفترة الماضية، لكن إسرائيل لا ترغب بخنق النظام وإضعافه لدرجة السقوط وخاصة قبل الانتخابات.

وإن صحّت المعلومات أن إسرائيل هي من استهدفت ناقلة النفط الإيرانية في مرفأ بانياس بطائرة مسيّرة، فما الفائدة من الترفيق والحماية الروسية لهذه الناقلات، اذا كانت سُتضرب في عقر دار النظام، فالسماء السورية والأراضي السورية مُستباحة لسلاح الجو الإسرائيلي الذي لا يُمرر أسبوع دون أن يقصف المواقع الإيرانية ومواقع حزب الله ومطارات النظام وقواعده الجوية.

المدن

————————-

إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها/ حازم صاغية

أسوأ ما يصيب القضايا وحروبها، عادلةً كانت أم غير عادلة، أن تتحوّل أفخاخاً لأصحابها، بحيث لا يستطيعون كسبها في مدى زمنيّ معيّن ولا يستطيعون، في المقابل، مغادرتها وطيّ صفحتها. هكذا يقعون أسرى الحرب للحرب، والقضيّة للقضيّة، فيما يغدو استنزاف الموارد وتبديد العقل حصيلة مؤكّدة.

النظام السياسيّ، متى كان ضعيف الشرعيّة، غلبَه الميل إلى عزف على هذا الوتر علّه يُكسبه الشرعيّة التي يفتقر إليها. لكنّ الأمر لا يلبث أن يتحوّل إلى عقيدة مقدّسة يعجز النظام الذي أسّسها عن التحكّم بها. هنا تقع الأمّة في فخّ القضيّة بدل أن تكون القضيّة رافعة لقوّة الأمّة.

اللعبة تغدو، والحال هذه، أكبر من اللاعب.

حيال هذه القضايا وقد صارت أفخاخاً تتراجع أهميّة الحق واللا-حق، إذ تستقلّ القضيّة – الفخّ بذاتها، بمعزل عن أصولها الواقعيّة، وبدل أن يقودها العجز عن الانتصار إلى المراجعة، فإنّه يقودها إلى التحجّر والتثبّت المَرضيّ. ومقابل نقص البراهين الراهنة التي تعد صاحبها بالنصر، أو تجعل النصر احتمالاً ممكناً، تُلحّ الاستعانة بالماضي، فعليّاً كان أم مؤسْطراً. فهي تضمن البقاء في الفخّ عبر ردّ كلّ جديد نواجهه إلى ما سبق أن واجهناه وانتصرنا فيه أو تراءى لنا ذلك. وهذا، في السياسة، إنّما ينسج على منوال التعاطي الأصوليّ المعروف مع ظهور اكتشاف علميّ جديد إذ يقال إنّنا سبق وامتلكناه في زمن مضى أو نصّ قديم.

ألمانيا، في مطالع القرن العشرين، عصفت بها قضيّة ما لبثت أن صارت فخّاً للألمان: إنّها تريد حصّتها «العادلة» من المستعمرات على النحو الذي يساوي ما غنمه البريطانيّون والفرنسيّون. الأمر انتهى بها إلى الحرب العالميّة الأولى وإلى هزيمتها المدوّية. تكرّر الأمر على نحو أشدّ فجائعيّة في وقت لاحق: صار الردّ على صلح فرساي المهين وعلى الانهيار الاقتصاديّ سبباً لرفع النازيّين إلى سدّة السلطة، وكانت المحرقة والحرب العالميّة الثانية ودمار ألمانيا ثمّ تقسيمها إلى دولتين متخاصمتين.

قضايا مُحقّة وقضايا غير مُحقّة أو متفاوتة في حقّيّتها قد يتلقّفها هذا المصير. في روسيّا بزعامة فلاديمير بوتين وفي تركيّا بزعامة رجب طيّب إردوعان شيء من هذا: شعور بالاستضحاء مبالَغ فيه وطلب للعظمة لا تدعمه معطيات الواقع. في هذه الغضون، يتعاظم التخبّط بالأزمات والتدخّلات والحروب الصغرى كما تزداد الحياة السياسيّة وَهَناً وضموراً فيما تتردّى صورة البلد في العالم.

عربيّاً، لم يكن أسوأ وأخطر من قيام إسرائيل في 1948 سوى تحوّل الردّ عليه إلى قضيّةٍ – فخٍّ للفلسطينيّين وللعرب المحيطين بفلسطين: حرب بعد حرب وهزيمة بعد هزيمة وتبديد للموارد وتعطيل للحياة السياسيّة وإيجاد مُسوّغات للقمع وتفسيخ للمجتمعات، فضلاً عن تعليق حياة الأفراد الفلسطينيّين وتجميدها. لكنّ هذا كلّه لم يكفِ لأن يعطي مراجعة هذا النهج جاذبيّةً شعبيّة. وبسبب عمق الفخّ، لا تزال الطاقة السحريّة لـ «المقاومة» تُعيي مَن يداويها.

لقد ظهر قادة حاولوا ردع قضاياهم عن التحوّل إلى أفخاخ وردعَ شعوبهم عن الوقوع فيها. ما اقترحه الرئيس التونسيّ الحبيب بورقيبة في خطاب أريحا الشهير عام 1965 كان من هذا القبيل. تندرج في الوجهة نفسها موافقة الجنرال شارل ديغول على استقلال الجزائر الذي تمّ في 1962 ضدّاً على آيديولوجيّة «الجزائر الفرنسيّة». الأمر ذاته أقدم عليه اسحق رابين في اتّفاق أوسلو عام 1993. ديغول واجه محاولتي انقلاب عليه ومحاولات اغتيال عدّة. رابين اغتيل. بورقيبة شُهّر به ولا يزال يُشهّر.

النظام الإيرانيّ اليوم لا يفعل إلاّ هذا: تحويل القضيّة النوويّة إلى عقيدة شعبيّة مقدّسة، لا يهمّ مدى توافقها مع قدرات إيران الاقتصاديّة، أو مع حاجاتها التنمويّة، أو مع موقع البلاد في توازنات القوى الدوليّة، أو مع احتمال جعل المنطقة كلّها مساحةً للتخصيب وللاستيراد النوويّين. أمّا أن يُقتل على هذا المذبح كبير قادتها العسكريّين وكبير علمائها وأن تُضرب منشأتها النوويّة الأولى فتلك تفاصيل لا تستوقف المعنيّين بالأمر.

واليوم، حتّى لو نجحت إيران في رفع العقوبات الأميركيّة التي بات يصعب عدّها، ومعها العقوبات الأوروبيّة، وهو موضوع معقّد وملتبس، يبقى العقاب الأكبر لإيران وقوعها في هذا الفخّ – فخّ القضيّة. فالنظام الذي يعتبر وقف الحروب شبيهاً بـ «تجرّع السمّ»، وفق العبارة الشهيرة للخميني، والذي صلّب نفسه وأعاد تأسيسها على قاعدة حرب الثمانينيّات مع العراق، يتطلّب القضيّة – الفخّ شرطاً للبقاء. وهكذا يلوح الخروج من الفخّ مدخلاً إلى سقوط النظام، بالمعنى الذي قيل فيه إنّ موافقة حافظ الأسد على السلام تعني إطاحته. أمّا أن يكون سقوط هذا النظام مدخلاً إلى خروج الإيرانيّين من الفخّ فهذا أقرب إلى تحصيل الحاصل.

الشرق الأوسط

———————————————

شبكة النفوذ الإيرانية المتنامية بين قبائل شرق سورية

معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى – ترجمة نداء بوست

تعمل إيران على بناء نفوذ عسكري واجتماعي واقتصادي بين القبائل شرق سوريا، وذلك بهدف الاستعداد لغزو المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في حال انسحاب الولايات المتحدة.

كثيرًا ما يناقش الباحثون والمحللون استخدام إيران للوكلاء الشيعة لتعزيز نظام الأسد في سوريا ، وفي 26 شباط/ فبراير ، لفتت تلك الميليشيات انتباه العالم بعد أن قامت إدارة بايدن بأول عمل عسكري لها ، وهي غارة جوية على منشأة تابعة لمليشيا مدعومة من إيران في شرق سوريا. ومع ذلك، على الرغم من الاهتمام الذي حظيت به هذه الميليشيات في وسائل الإعلام والعوالم التحليلية، لم تظهر إلا القليل من المواد المتعلقة باستراتيجية إيرانية أخرى على مستوى الأرض في سوريا: جهد إيران المستمر لبناء روابط مع القبائل العربية في الجزء الشرقي من البلاد.

في حين أن هناك بعض المعلومات حول الميليشيات القبلية الأكثر نفوذاً التي تمولها وتدربها إيران، لواء الباقر في دير الزور، والذي يتألف بشكل أساسي من أعضاء قبيلة البقارة، فقد استهدفت إيران أيضًا قبائل في شمال شرق سوريا – خاصة في محافظتي الحسكة والرقة اللتان كانتا تحت سيطرة تنظيم الدولة، وأصبحتا منذ ذلك الحين تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

الميليشيات العشائرية في هاتين المحافظتين تعمل فقط في مناطق سيطرة النظام السوري ولم تصطدم مع قوات سوريا الديمقراطية في مناطقها، ومع ذلك، فإن هذه الميليشيات مدربة ومستعدة للسيطرة على هذه الأراضي من قوات سوريا الديمقراطية في حال انسحاب الولايات المتحدة.

المجموعات القبلية هي جانب مهم من الحياة السياسية السورية،في السابق ، أنشأ نظام حافظ الأسد السوري السابق شبكات رعاية مع العشائر واستخدمها لتحقيق الاستقرار في المناطق الريفية، كان لتفكك شبكات المحسوبية هذه بين الدولة والقبائل دور أساسي في إشعال الانتفاضة ضد النظام بين القبائل في المناطق الريفية، خلال الصراع السوري ، كانت روابط القرابة القبلية (ولا تزال) تستخدم من قبل جهات فاعلة مختلفة ، بما في ذلك إيران ، لتعبئة وتوجيه الأنشطة السلمية والمسلحة لرجال القبائل لتعزيز مصالحهم في معركتهم على سوريا، من خلال بناء علاقة مع قبائل شرق سوريا ، تحاول إيران تعزيز نظام الأسد والحصول على نفوذ ضد القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية شرق نهر الفرات، وبهذه الطريقة ، تأمل إيران في ترسيخ وجودها في شرق سوريا ، الذي تعتبره إيران صلة إستراتيجية بين مناطق نفوذها في لبنان والعراق.

كجزء من هذه الاستراتيجية، قدمت إيران دعمًا عسكريًا واجتماعيًا وماليًا لقبائل شرق سوريا ، وقامت بتقديم عرضاً شاملاً لتعزيز النفوذ في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية، تعتبر محافظة الرقة محافظة استراتيجية لإيران فهي تربط الجزيرة السورية بحلب حيث يوجد لإيران بالفعل وجود يمثله فرع حلب من لواء الباقر.

بصرف النظر عن دير الزور، فإن حقول النفط السورية تتركزأيضًا في محافظة الحسكة و السيطرة على الحسكة سيمكن إيران من تخفيف أثر العقوبات على النظام السوري، الذي يدفع حاليًا لقوات سوريا الديمقراطية مقابل شحنات النفط، علاوة على ذلك ، فإن مساعدة إيران تتمثل في التوترات المتكررة بين قوات سوريا الديمقراطية وبعض أفراد قبائل المناطق التي تسيطر عليها نتيجة الخلافات حول التمثيل في الحكومة المحلية وتوزيع الفوائد المكتسبة من مبيعات النفط والغاز.

على الصعيد العسكري ، تواصل إيران تمويل وتدريب الميليشيات القبلية في شرق سوريا ، والتي دعمتها طوال الصراع السوري حيث تنشط حاليًا عدة ميليشيات قبلية أخرى في شرق سوريا ، وكان لها بالفعل تأثير ملحوظ على ديناميكيات القوة في المنطقة. في محافظة الحسكة ، على سبيل المثال ، أنشأ الشيخ محمد الفارس من قبيلة طي ، عضو مجلس النواب السوري ، كتيبة المغاوير ، وهي ميليشيا عشائرية تعمل كجزء من قوة الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري، وقد اعترف علناً وشكر القوات الإيرانية وحزب الله على تأسيسها وتدريبها للميليشيا التي لعبت دوراً فعّالاً في حماية مدينة القامشلي من داعش في عام 2015،الآن ، هدف الميليشيا هو إيجاد توازن مع حزب الاتحاد الديمقراطي ، وهو حزب كردي و ميليشيا تمارس نفوذاً ونفوذاً أكبر مما يمارسه النظام في مدينتي القامشلي والحسكة.

الميليشيا القبلية الأخرى النشطة حاليًا هي “مقاتلو العشائر”، وهي مليشيا موالية لإيران بقيادة الشيخ “تركي البوحمد” في محافظة الرقة. تتكون الميليشيا من 800 رجل معظمهم من عشيرة “البو حمد”، ولعبت دورًا نشطًا في العديد من الهجمات ضد تنظيم الدولة في الصحراء السورية، في حين أن هذه القوات لم تصطدم بشكل مباشر مع قوات سوريا الديمقراطية ، إلا أنها تطلق أحيانًا تهديدات ضد قوات سوريا الديمقراطية وتتهمها بالتعاون مع الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى الجهود العسكرية المتعلقة بالميليشيات القبلية في سوريا ، استخدمت إيران أيضًا الجوانب الاجتماعية لتواصلها القبلي ، حيث عملت على المستوى الشعبي لبناء نفوذ بين أفراد القبائل وتمتد جهود إيران في هذه المنطقة إلى ما قبل الانتفاضة السورية في عام 2011 ، عندما قامت إيران بتجديد العديد من الأضرحة الشيعية القديمة في سوريا كوسيلة لنشر التشيع بين القبائل، و تضمن هذا المشروع بناء مرقد شيعي فوق ضريح عمار بن ياسر وأويس القرني في محافظة الرقة حيث استغل الإيرانيون وجود الضريح للقيام بأنشطة تبشيرية بين القبائل المحلية في المنطقة، في محاولة لاكتساب القوة الناعمة المهيمنة.

كثفت إيران مؤخرًا مثل هذه الجهود لتحويل القبائل إلى المذهب الشيعي، وتركزت الجهود بشكل خاص في محافظة دير الزور ولكنها امتدت إلى بقية شرق سوريا أيضًا، لقد استخدمت إيران هذه الأضرحة كمراكز تبشيرية لإقناع السكان المحليين بالتحول إلى الشيعة.

إلى جانب التبشير الديني ، أقامت إيران أيضًا علاقات مع الشخصيات الاجتماعية بين القبائل من خلال الدبلوماسية فقد دعا المسؤولون الإيرانيون زعماء العشائر السورية لزيارة طهران وإجراء محادثات معهم في مناسبات عديدة وقامت وسائل الإعلام الإيرانية والسورية بتغطية زيارات زعماء العشائر السورية وصورتهم على أنهم شخصيات وطنية مهمة، علاوة على ذلك ، بدأت إيران في دعوة بعض المشايخ الذين انشقوا عن النظام في الأشهر الأولى من الانتفاضة للعودة إلى مناطق سيطرة النظام ، ومنحهم ضمانات بأن النظام سوف يمنحهم عفواً، فالشيخ نواف البشير من قبيلة البقارة ، على سبيل المثال ، أمضى سنوات عديدة في تركيا قبل أن يعود إلى سوريا ، حيث يعمل منذ ذلك الحين على تجنيد مقاتلين من عشيرته للانضمام إلى لواء الباقر والقتال إلى جانب الميليشيات الإيرانية في دير الزور سوريا.

علاوة على ذلك، من أجل تعزيز هذه الجوانب الاجتماعية والعسكرية لسياستها ، تستخدم إيران الحوافز المالية للحفاظ على وجود طويل الأمد في شرق سوريا، مستفيدة من الحرمان والفقر الناجمين عن الحرب في المجتمعات القبلية في سوريا ، و تدعم إيران أكثر من 12 جمعية خيرية في شرق سوريا لتعزيز أجنداتها، ومن هذه الجمعيات “جمعية الزهراء” و”جهاد البناء” و”الأمين” وغيرهم.

جهاد البناء ممولة بالكامل تقريبًا من إيران ومقرها في مدينة البوكمال، حيث تعمل على إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات في المحافظة، كما أنها توزع مساعدات إنسانية وطبية على أهالي دير الزور تحت عنوان “هدايا من جمهورية إيران الإسلامية”.

استهدفت المساعدة والمساعدات بشكل خاص أولئك الذين ينضمون إلى الميليشيات الموالية لإيران في شرق سوريا، في المقابل لم تتوسع إيران بعد في أنشطتها الخيرية لتشمل الرقة والحسكة بسبب وجود قوات سوريا الديمقراطية هناك.

بينما صنف البعض تورط إيران في سوريا على أنه “مستنقع” ، استخدمت إيران كل أداة ممكنة تمتلكها لبناء نفوذها في سوريا. و يوحي استخدام الهياكل القبلية في شرق سوريا كأداة ، أن سياساتها سيكون لها آثار طويلة الأمد هناك ، ويمكن أن تتوسع أكثر إذا أتيحت لها الفرصة، وبالمثل ، يُنظر إلى سياسة إيران في بناء وتدريب الميليشيات القبلية على أنها وسيلة لتقليص الوجود الأمريكي هناك، حيث أعلنت هذه الميليشيات عزمها على معارضة أي وجود أمريكي في شرق سوريا.

يجب على صانعي السياسة الأمريكيين أن يأخذوا هذه التهديدات على محمل الجد، حيث قدمت إيران للميليشيات التدريب والوسائل المادية للاستيلاء على المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في حال انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، ومع استمرار إيران في تطوير قاعدتها الاجتماعية وعلاقاتها مع القبائل من خلال محاولة تحويل رجال القبائل، وإطراء شخصيات السلطة القبلية، وتزويد القبائل بالإغراءات المالية، من المرجح أن تتمتع إيران بقاعدة شعبية متزايدة.

—————–

لماذا تستقطب بيروت التدخّل العربي/ مايكل يونغ

هل من طريقة تُمكِّن الدول الخليجية الكبرى مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فضلًا عن دول عربية أخرى، من استعادة قدرٍ من تأثيرها في لبنان؟ ربما يبدو السؤال غريبًا في وقتٍ يبدو وكأن السعوديين تخلّوا عن لبنان، مُعتبرين أن إيران وذراعها المحلي حزب الله يُحكمان قبضتهما عليه.

إذا كان السعوديون والإماراتيون يسعون إلى الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، فالتخلّي عن لبنان ليس الاستراتيجية المناسبة. ولا يعني ذلك أيضًا استغلال التغييرات الإقليمية لمحاولة احتواء التمدد الإيراني. في غضون ذلك، تتعرّض آليات سيطرة حزب الله للتأكّل شيئًا فشيئًا في لبنان. فقد نفّذ الحزب أجندته الداخلية عن طريق الدولة اللبنانية ومن خلال طبقة سياسية تعتبر أن أي مواجهة مع الحزب هي بمثابة دعوة إلى النزاع الأهلي، ما يُشكّل تهديدًا لوجودها. ولكن الدولة تتشظّى في الوقت الحالي، ويبدو أن الانقسامات على مستوى القيادة السياسية للبلاد عصيّة على الرأب، وقد بدأ حزب اللهاستعداداته لحماية أنصاره من الكارثة الاقتصادية الوشيكة، ما يشكّل خير دليل على تشكيكه في إمكانية إعادة بناء واجهة الدولة لمصلحته.

إذا انهار لبنان أكثر، وهو ما سيحدث حكمًا، سوف تظهر مساحاتٌ فقدَ حزب الله السيطرة عليها. فحيثما تدخّلت إيران في العالم العربي، أي في سورية واليمن والعراق ولبنان، انتشرت الفوضى والتفكك. وما يُسمّى بـ”محور المقاومة” ليس سوى محور للفشل والإفلاس. ربما يميل السعوديون والإماراتيون إلى ترك الهيكل بأكمله يتداعى وينهار. ولكن ذلك لا يحمل أي ضمانة بأنهم سيتمكّنون من رسم مسار الأحداث لاحقًا، هذا فضلًا عن أنهم تعاملوا بطريقة مختلفة مع سورية التي تتقدّم لبنان بأشواط في سقوطها المدوّي.

لعل السبب هو أن الدولتَين تدركان أن إيران وحلفاءها أفضل جهوزيةً من أعدائهما للصمود في خضم الفوضى. ومما لا شك فيه أن المقاربة الإماراتية في اليمن تقوم على ملء الفراغات الناشئة بمنظومات بديلة لحماية نفسها على نحوٍ أفضل، سواء من خلال تقديم التسهيلات اللازمة لإنشاء كيان يتمتع بحكم ذاتي في الجنوب، أو من خلال بناء قواعد عسكرية على مقربة من المناطق الساحلية الغربية أو إرسال قوات موالية للإمارات للتمركز في هذه المناطق من أجل حماية الوصول إلى مضيق باب المندب. وتسير السعودية على الخطى نفسها. فبعدما تبيّن لها أنها عاجزة عن دحر الحوثيين، تركّز حاليًا على حماية حدودها الجنوبية.

في الأشهر الأخيرة، سُجّل تحوّلٌ لافت في مواقف السعودية والإمارات من سورية. فقد أعاد الإماراتيون فتح سفارة في دمشق في العام 2018، وظهرت في الآونة الأخيرة مؤشّرات عدّة عن رغبة عربية بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية. أما السعوديون فقد اعتمدوا مقاربة أكثر حذرًا مقارنةً مع الإمارات والعراق ومصر، ولكن المملكة ستقبل في نهاية المطاف بقرار توافقي يقضي باستئناف الاتصالات مع نظام الرئيس بشار الأسد. لكن ذلك يُثير سؤالًا مهمًا: ما الثمن الذي ستحاول الدول العربية وسورية انتزاعه مقابل استئناف هذه الاتصالات؟

غالب الظن أن دول الخليج، انطلاقًا من شعورها بأن سورية تعاني هشاشة استثنائية، إذ قُدِّرت تكاليف إعادة الإعمار في العام 2019 بـ200 إلى 400 مليار دولار، سوف تطالب دمشق بالحد من علاقاتها مع إيران. لن يرغب الأسد في القيام بذلك، ولكن خياراته محدودة. فقلّةٌ من البلدان تبدي استعدادها لتقديم المال إلى سورية فيما لا يزال الأسد في السلطة، لذا لا يمكنه أن يكون انتقائيًا إذا أراد إطلاق عملية إعادة الإعمار. ولن يكون الحدّ من العلاقات السورية مع طهران سهلًا، فالنفوذ الإيراني في البلاد واسع جدًا ويمتدّ إلى عمق المؤسسات الأمنية والاستخبارية التابعة للنظام.

ولكن أمام الأسد خيارات إذا قرّر إعادة دوزنة علاقاته مع إيران. فهو يستطيع التعويل على الدعم من روسيا التي بسطت أيضًا نفوذها على القطاعَين العسكري والأمني في سورية. وتبدو موسكو أكثر حرصًا من إيران على إرساء الاستقرار في سورية في إطار توافق عربي، وقد أدّت دورًا أساسيًا محاولةً تغيير المواقف العربية من دمشق. يُضاف إلى ذلك أن الأسد يخوض انتخابات رئاسية هذا العام. صحيحٌ أن ما من قيمة ديمقراطية على الإطلاق لهذه للانتخابات، ولكن فوزه المدبَّر سيمنح النظام السوري زخمًا جديدًا، وشرعية زائفة سيحاول البناء عليها. يقودنا ذلك إلى سؤالٍ آخر: ماذا سيطلب الأسد من الدول العربية مقابل تلبيته جزءًا على الأقل من شروطها بشأن إيران؟

قد يأتي الجواب على هذا السؤال مقلقًا للبنانيين. فالأسد قد يطلب تجدّد نفوذ بلاده في لبنان. وستكون هيكليات هذا النفوذ مختلفة عما كانت عليه قبل العام 2005 حين كان الجيش السوري منتشرًا في البلاد. من الصعب تخيُّل عودة القوات المسلحة السورية، حتى لو كان المواطنون السوريون الموجودون راهنًا في لبنان، وعددهم يفوق المليون نسمة، خطوةً في هذا الاتجاه ربما. إذا حصل الأسد على ضمانة بأن يسمّي عددًا من النوّاب، وإذا أرغمت الدول العربية المختلفة حلفاءها في لبنان على ضم سياسيين موالين لسورية إلى لوائحهم الانتخابية، فهذه قد تكون الخطوة الثانية في الاتجاه نفسه. وفي الوقت عينه، إذا كان لسورية، بدعمٍ من الدول العربية، رأيٌ أيضًا في هوية الأشخاص الذين سيتولون مناصب رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة مجلس النواب، فقد يزيد ذلك من شهيّة الأسد.

قد يسعى السوريون إلى ترسيخ ذلك من خلال تعزيز تعاونهم مع الجيش وأجهزة الاستخبارات اللبنانية. لن نرى ربما جنودًا سوريين في الشوارع اللبنانية، إنما ما الذي يمنع ضباط الاستخبارات السوريين من التواجد في البلاد إلى جانب نظرائهم اللبنانيين؟ وفي هذا الإطار، يمكن أن تُضفي معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق اللبنانية-السورية الصادرة في أيار/مايو 1991، شأنها في ذلك شأن اتفاقية الدفاع والأمن الموقَّعة بين البلدَين في أيلول/سبتمبر 1991، شرعيةً على هذه الترتيبات مع ما ينتج عن ذلك من تداعيات بعيدة المدى.

ما المكاسب التي يمكن أن تحققها الدول العربية من هذه الخطة؟ أولًا، قد ترى في تعزيز سورية سيطرتها على لبنان وسيلةً للحد من الوجود الإيراني في هذين البلدين على السواء. ربما تفترض الدول العربية أنه إذا ساهم ذلك في تحرير المساعدات المالية العربية لبيروت، فقد يقطع الطريق على أي معارضة لبنانية لهذه الخطة. ثانيًا، قد تعتبر الدول العربية أن استعادة سورية نفوذها في لبنان وسيلة لإرساء الاستقرار في بلدٍ يعاني بصورة مزمنة من الخلل الوظيفي، أسوةً بالدور الذي أدّته دمشق بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان في العام 1990. ثالثًا، ومن خلال تعزيز حسن النوايا السورية على الساحة العربية عن طريق تفعيل دور دمشق، من شأن الوضع الجديد أن يسهّل التوصل إلى تسوية نهائية مع إسرائيل، ما يحول دون عودة إيران، ويُخفّف من الضغوط في دول المشرق العربي ويفتح الباب أمام اتفاقيات عربية-إسرائيلية أوسع نطاقًا.

لن يُشكّل التخلّي المستهجَن عن لبنان عائقًا بأي طريقة من الطرق. فقد تحوّلت البلاد إلى مصدر صداعٍ للعالم العربي بحيث إن وضعها تحت سيطرة دولة إقليمية لا يطرح أي مشكلة، شرط أن تكون هذه الدولة عربية. وهذا يُفسّر لماذا يتمسّك حزب الله بشدّة بموقفه الرافض لممارسة ضغوط على جبران باسيل في عملية تشكيل الحكومة. فالحزب يعلم أن المرشحَين الأبرز لانتخابات رئاسة الجمهورية العام المقبل هما باسيل المنضوي في صفّ الحزب وسليمان فرنجية الحليف المقرّب للأسد. ربما يشعر حزب الله بأن إضعاف باسيل سوف يساهم في تعزيز موقع فرنجية والنفوذ السوري في لبنان، بما يُضرّ في نهاية المطاف مصالح الحزب. فالحزب وسورية حليفان على الساحة الإقليمية، ولكنهما يخوضان منافسة بينهما في لبنان، وليست لدى الحزب نيّةٌ في التخلي عن المكاسب التي حققها بعد الانسحاب السوري في العام 2005.

ما يُقلق حزب الله وإيران هو أن الدول العربية وروسيا تبدو على الموجة نفسها في سورية ولبنان. فهي ترغب في إعادة تكوين مظهرٍ من مظاهر المنظومة العربية، لأن ذلك قد يُعيد شيئًا من الاستقرار إلى سورية وإلى منطقةٍ تعاني الهشاشة والعنف منذ عقدٍ من الزمن. ربما يتّفق العرب والروس على أن المحرّك الأساسي لهذا الوضع يتمثّل في الرؤية الإيرانية التي أعادت النظر في الثوابت الإقليمية واستغلّت الانقسامات المذهبية والاجتماعية في المجتمعات العربية وأجّجتها من أجل تنفيذ أطماعها التوسّعية. وتسببّت طهران، من خلال قيامها بذلك، بتسريع انهيار المنطقة.

يسلّط ما تقدّم الضوء على خطوط صدع ناشئة بين حلفاء سورية وحلفاء إيران في لبنان. في هذا الصدد، وصف نائب سابق الهجوم اللاذع الذي شنّه إيلي الفرزلي، أحد أبرز حلفاء سورية، على باسيل بأنه مؤشّر على ما ستشهده المرحلة المقبلة. كذلك، يكشف المساران المختلفان اللذان يعتمدهما كلٌّ من حزب الله الموالي لإيران وحركة أمل الموالية لسورية حيال الرئيس ميشال عون وباسيل، عن تشنّجات مماثلة. تشعر طهران بعدم الأمان في ما يتعلق برهاناتها في المنطقة. فحزب الله وإيران يواجهان هجمات إسرائيلية متواصلة في سورية، من دون الحصول على أي دعم من روسيا المنشغلة بإعداد تفاهمات حول الملف السوري مع قوى إقليمية تقف على طرفَي نقيض من المسألة السورية، وهي السعودية والإمارات ومصر، إنما أيضًا قطر وتركيا. وقد تعثّرت عملية الأستانة التي جمعت إيران مع روسيا وتركيا في صيغة تفاوضية ثلاثية لمعالجة الملف السوري.

يُعزى السبب وراء عجز جميع الأطراف عن تشكيل حكومة في لبنان إلى مشكلة أعمق تتخطى العداء الشخصي بين باسيل وسعد الحريري، وتتمثّل في أن طبيعة الحكومة سيكون لها تأثير على التوازن الإقليمي. عون وباسيل هما الشريكان الوحيدان المتاحان لحزب الله في جهوده الهادفة إلى التصدّي للدعم العربي لعودة سورية إلى لبنان. لذلك، لن يقف الحزب إلى جانب الحريري في مواجهة الرئيس وصهره. قد يستمر هذا المأزق، ويبدو أن حزب الله يُعوّل الآن على الاتفاق النووي مع إيران من أجل ترسيخ دوره في الداخل. وهذا هو، للمفارقة، السبب وراء عدم رغبته في تفكك لبنان.

إذا كانت الدول العربية الكبرى تفكّر فعلًا بهذه الطريقة، فعليها إذًا أن تتحلى بالواقعية. من شبه المؤكّد أن نظام الأسد لن يألو جهدًا لانتزاع أي مكسب يمكنه تحقيقه في لبنان، من دون أن يُقدّم تنازلات كثيرة في علاقاته مع إيران. فالسوريون يفضّلون أن يتخذوا لأنفسهم موقعًا يتوسّط الدول العربية وروسيا وإيران لتأليب مختلف الأطراف بعضها على بعض بما يصب في مصلحتهم الخاصة. في الأشهر المقبلة، سوف ينضج الوضع أكثر في لبنان فيما يدخل عهد عون مرحلته الأخيرة، وتنجلي الصورة بشأن مسار المفاوضات حول الاتفاق النووي. وفي ضوء الانتخابات المرتقبة في كلٍّ من سورية وإيران ولبنان خلال السنتَين المقبلتين، تستعدّ المنطقة لمرحلةٍ قد تكون تحوّلية.

مؤسسة كارنيغي للشرق الوسط

——————————–

لماذا تفشل مبادرات الصلح العربية؟/ عقيل حسين

يمثل اتفاق الدوحة الذي وقع عام 2008 بين الفرقاء اللبنانيين، آخر وساطة عربية ناجحة من أجل حل مشكلة سياسية في دولة عربية، ورغم أن حزب الله المحكوم بتبعيته الكاملة لإيران عاد وانقض على هذا الاتفاق مع أنه كان مرضياً له، إلا أن هذه اللحظة التاريخية لم تتكرر منذ 13 سنة.

كان آخر تدخل عربي ناجح سبق اتفاق الدوحة قد حدث قبل ذلك بنحو ثلاثين عاماً، وكان بين أطراف لبنانية أيضاً، حيث أنهت وساطة سعودية الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 مع توقيع اتفاق الطائف، الذي انقض عليه حزب الله نفسه، ما استدعى اتفاق الدوحة!

من اللافت أن يكون لبنان هو قضية المصالحتين، لكن اللافت أكثر أن بين عام 1989 و 2008 وقعت الكثير من الأزمات العربية، سواء بين بعض الدول أو داخل دول معينة، لكن جميع هذه الأزمات، التي تحولت بعضها إلى حروب دامية ومدمرة، استعصت على مبادرات الصلح والوساطة، أو لم تجد بالأصل وسيطاً عربياً يتمكن من جمع المتنازعين على اتفاق.

لعل أشهر الأزمات العربية المزمنة التي ما زالت مستمرة إلى اليوم رغم كل محاولات الحل، هي أزمة الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، هذا الصراع الذي تفجر عام 2007 لكنه بعد 14 عاماً، وبعد عدد كبير من اتفاقات الصلح الهشة التي كانت توقع برعاية مصرية أو قطرية، كانت سرعان ما تتهاوى، وما زال الانقسام عميقاً، وليس هناك في الأفق أي أمل بحل يضع حداً له، على الرغم من تعرض الشعب الفلسطيني لعدوان إسرائيلي متكرر خلال هذه الفترة، وآخرها ما نعيشه اليوم، لكن من دون أن يدفع ذلك الطرفين لتقديم تنازلات، أو يجعل العرب يتحركون بقوة لإجبارهما على تقديم هذه التنازلات.

في عام 1994 وقّع طرفا الحرب الأهلية في اليمن اتفاقاً في العاصمة الأردنية من أجل إنهاء الخلاف بينهما والعودة لدولة الوحدة، لكن بعد ساعات فقط على توقيع هذا الاتفاق، تفجرت الحرب بين الجانبين بعد أن كانت مناوشات، وكأن ما جرى في عمان كان اتفاقاً على إعلان الحرب وليس إنهاءها.

لكن اتفاق الأردن كان محكوماً بالفشل المسبق بسبب معرفة الجميع أن قادة شمال اليمن لن يعملوا على إنجاح الوساطة الأردنية، بنتيجة دعم المملكة الهاشمية لصدام حسين في قراره غزو الكويت، بينما كانت الأخيرة تدعم اليمن الشمالي رداً أيضاً على تأييد حكومة صنعاء لصدام خلال الغزو، الذي كان بمنزلة الضربة القاضية التي أتت على آخر ما تبقى من علاقات التضامن العربي، بعد الضربة الأولى التي تعرض لها مع توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1978.

لم تنجح كل المبادرات العربية بعقد صلح بين العراق والكويت يمنع وقوع حرب الخليج الثانية عام 1990، كما فشلت جميع المحاولات في ثني صدام عن قرار الغزو، ومنيت بالمصير نفسه مساعي إقناعه بالخروج من الكويت بشكل سلمي قبل تدخل حلف شمال الأطلسي وإجباره على الانسحاب، ولكن بثمن باهظ ما زال العرب يدفعون ثمنه إلى اليوم.

اندلعت في الفترة نفسها التي نشبت فيها حرب الخليج أعمال عنف دامية في الجزائر، وامتدت من عام 1991 حتى عام 1997 على الأقل، وطيلة هذا الوقت لم تتدخل الدول العربية من أجل وضع حد لها، وهو ما ينطبق أيضاً على الحرب الأهلية في الصومال، وأيضاً مشكلة الصحراء الغربية وتداعياتها على العلاقات بين الجزائر والمغرب المقطوعة بسبب هذه الأزمة، وأيضاً من دون أن تجد مبادرة عربية تضع حداً لها.

عندما اندلعت ثورات الربيع العربي عام 2010، كان من المؤلم غياب أي دور أو فاعلية عربية رسمية في الوقوف بشكل حاسم إلى جانب إرادة الجماهير، وكذلك في منع تحول الصراع بين الشعوب الثائرة على أنظمتها إلى حروب مزمنة، فغابت المبادرات إلا السلبي منها، ما جعل كلاً من سوريا واليمن وليبيا تغرق في حروب مدمرة.

عشر سنوات مرت على تفجر الانتفاضات في هذه الدول الثلاث، ولا تزال اثنتان منها على الأقل تنزف من دون أن تجد وساطة عربية توقف شلالات الدم فيها، وإذا كان مفهوماً سبب أو أسباب الفشل العربي الرسمي على هذا الصعيد، فإن اللافت هو عدم وجود فعاليات وقوى وتجمعات عربية غير حكومية تكون قادرة على لعب مثل هذا الدور.

يعاني العرب من غياب كامل لدور النخب السياسية والقامات العلمية والشخصيات العامة من نجوم الأدب والفن والثقافة عن الفاعلية، وهؤلاء كان يمكن في الحالات الطبيعية أن ينتظموا في جمعية أو كيان بمنزلة مجلس حكماء أو ما شابه، يكون مستقلاً بشكل كامل عن الحكومات والأنظمة، ويعمل على التدخل في أي منطقة أو بلد عربي يشهد صراعاً أو يعيش أزمة.

وإذا كان محقاً القول إن الأنظمة العربية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن إضعاف دور هذه الفئات من المجتمع، من خلال إقصائها ومحاربتها وتهميشها خوفاً من دور فاعل لها، فإن الحق يقتضي أيضاً القول إن الكثير من هذه النخب أسهمت في إخراج نفسها من دائرة الفعل عندما قبلت بأن ترتهن وتبيع تاريخها ومكانتها لأنظمة مستبدة أو إشكالية، وتصبح جزءاً من تنافساتها وصراعاتها وانقساماتها، الأمر الذي أضعف من الثقة بأكثرها، وأبقى القلة المحترمة منها ضعيفة، بينما كان على الشعوب العربية أن تدفع ثمن هذا الترهل والوهن العربي حروباً وصراعات وأزمات دائماً ما تنتظر أن يأتي حلها من بعيد.

تلفزيون سوريا

—————————————–

الإخوان وإيران علاقة براغماتية أم عقدية؟/ خالد المطلق

منذ بداية الربيع العربي، ظهر للعلن التحالفُ بين إيران وتنظيم الإخوان، على مختلف الأصعدة، وأحداث فلسطين الأخيرة خاصة ما حدث في قطاع غزة وتصريحات قادة (حماس) دعمت نظرية أن هناك علاقة وثيقة بين الطرفين، خاصة في بلدان الربيع العربي وفلسطين. فهل تلك العلاقة براغماتية يستخدم من خلالها تنظيم الإخوان التقية في تحقيق مصالحهم المتمثلة في الوصول إلى السلطة؟ أم أن هناك تحالفًا إستراتيجيًا عقديًا بين الطرفين، تحت مظلة الإسلام السياسي؟!

بإلقاء نظرة تاريخية مختصرة، سنجد الجواب الشافي عن تلك العلاقة الجدلية، إذ تعود الروابط بين رجال الدين الثوريين في إيران وجماعة الإخوان إلى ما قبل تأسيس “الجمهورية الإسلامية” عام 1979، حيث التقى “مجتبي ميرلوحي” الملقّب “نواب صفوي” عام 1954 بسيّد قطب، في أثناء زيارته لمصر، وصفوي هو الذي شكل أوّل مجموعة مسلحة متشددة في إيران، أطلق عليها اسم “فدائيي الإسلام”، ومن اللافت للنظر أن أيديولوجيا سيّد قطب أسهمت بشكل كبير في صياغة الخطاب الثوري المناهض للشاه، والذي سبق سقوط النظام الملكي، وذلك من خلال رجالات الصفوي (الذي أعدمه الشاه) الذين استوعبتهم الحركة الثورية في إيران التي قادها الخميني، ومن شدة تأثر الحميني بأفكار سيد قطب، قام -قُبيل تسلّمه السلطة- بترجمة كتابَين لقطب، وبُعَيد تسلمه السلطة في إيران، أصدر طابعًا  بَرِيدِيًّا عليه صورة قطب، وفور إعلان سقوط الشاه، سارع كثير من وفود تنظيم الإخوان المسلمين في مختلف البلدان العربية إلى زيارة باريس لتهنئة الخميني، ولعل تصريح عمر التلمساني (مرشد الإخوان المسلمين في مصر) عام 1982، حول دعمهم السياسي للخميني، خيرُ دليل على الإيمان المطلق بالعلاقة بين الإخوان وبين ملالي طهران.

 وإذا عدنا إلى بداية تسلّم الملالي للسلطة في طهران، وظهور تنظيمهم الهرمي المتطابق تمامًا مع الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين؛ وجدنا أن العلاقة بينهما ليست مجرد تحالف تكتيكي، إذ يرتبط هذان الكيانان بالأيديولوجيا وبعلاقات تاريخية أخرى، على المستوى الشخصي وعلى مستوى السياسيين وغير ذلك، كل هذه العلاقات كانت تجري تارة بالخفاء وتارة تظهر للعلن، والربيع العربي كشف هذه العلاقة على حقيقتها، وأظهر الترابط العقدي بين الطرفين، وما حدث في مصر إبان حكم الإخوان، بُعَيد سقوط نظام حسني مبارك، دليلٌ واضح وصريح على التطابق الكبير في الخط والنهج الأيديولوجي الذي ينتهجه الطرفان؛ فالإخوان في مصر، منذ اللحظة الأولى لتسلّم مرسي الحكم، استقبلوا كثيرًا من الشخصيات القيادية الإيرانية، وترجمت تلك اللقاءات إلى دعم مرسي بعشرة مليارات دولار، واستقبال أحمدي نجاد في القاهرة، والسماح لأفواج الحجاج الإيرانيين بدخول مصر لزيارة بعض المراقد الدينية، ناهيك عن حرص مرسي على زيارة طهران في أول زيارةٍ له خارج مصر، إضافة إلى فتح الحُسينيات بكثرة، حيث وصل عددها في نهاية حكم مرسي إلى تسع وعشرين حسينية، انتشرت على كل الأراضي المصرية التي لم يكن على أراضيها قبيل تسلّم الإخوان الحُكم في مصر إلا حسينية واحدة، في إحدى القرى النائية في أقصى صعيد مصر، حسب الصحفي إبراهيم طه الذي نشر دراسة حول ذلك في إحدى الصحف المصرية، وتطوّر الأمر إلى محاولة مرسي الاستعانة بوزير الأمن الإيراني، لتشكيل جهاز مخابرات خاص برئاسة مجلس الوزراء المصري، ليكون بديلًا عن جهاز المخابرات المصري (الشعرة التي قصمت ظهر البعير) وكان ذلك الأمر من أسباب قيام الشعب والجيش المصري ضد حكم الإخوان وإسقاطه.

 لم يكن إخوان سورية أفضل حالًا من إخوان مصر، على الرغم من عدم مشاركتهم في إطلاق شرارة الثورة السورية، بحسب التصريحات العلنية لمرشدهم السابق “صدر الدين البيانوني”، على تلفزيون الجزيرة، إلا أنهم -بدعم مادي وسياسي هائل من أميركا وإيران ودول إقليمية- سيطروا على الكثير من مؤسسات الثورة، وأفسدوها وأغرقوها بالمال السياسي وصناعة أمراء الحرب، واستخدموها لتحقيق مصالحهم ومصالح جماعتهم، فشاركوا في مؤتمرات آستانا وسوتشي وغيرها، وقدّموا تنازلات تمثلت في تسليم المناطق المحررة تباعًا، تحت غطاء مصطلح “مناطق خفض التصعيد” والتي كانت الخنجر المسموم في صدر السوريين وثورتهم.

كذلك قام بعض قادة الجماعة بزيارات متكررة إلى طهران، ولم تطلِق فصائلهم طلقة واحدة تجاه قوات الأسد أو الميليشيات الإيرانية على طول جبهات القتال، فضلًا عن انسحاباتها المنظمة من المناطق المحررة دون معارك، وغالبًا وفق اتفاقات عُقدت في الغرف المظلمة، كان المستفيد الوحيد منها نظام الأسد وإيران وروسيا.

كذلك لابد من ملاحظة دور الإخوان في ما يحدث في ما يسمى “المناطق المحررة”، من فلتان أمني وانتشار الجرائم وممارسة الاضطهاد ضد السكان، قد يصل إلى مستوى الجرائم التي مارسها الأسد ومخابراته والميليشيات الإيرانية، ذلك الشعب الذي تاجر به الأسد، تحت غطاء شعارات المقاومة والممانعة، وتبيّن لاحقًا أنه الصبيّ المدلل لإسرائيل وحامي حدودها، وتاجر به الإخوان تحت غطاء الدين.

بنظرة سريعة على باقي بلدان الربيع العربي، نجد المشهد نفسه يتكرر، لكن بدرجات، حيث تحالف الإخوان المسلمون في اليمن مع الحوثيين المدعومين من إيران، وكذلك في ليبيا التي عملوا ما يمكن كي يستولوا على السلطة، لكن محاولاتهم فشلت، وفُرض عليهم مشاركة كل أطياف الأحزاب الليبية في الحكم، كما حدث في تونس التي ما زال يحاول الغنوشي ومن معه السيطرة على الحكم دون جدوى، في ظل مقاومة شرسة من قبل الأحزاب والتيارات الشعبية التونسية.

أما في فلسطين المحتلة، فقد ظهرت حقيقة ارتباط (حماس) الإخوانية بملالي طهران، وبانت عورة الإخوان بشكل مخجل ومزر، عندما فضح قادة (حماس) ارتباطهم بملالي طهران والحرس الثوري الإيراني وعلى رأسه “فيلق القدس”؛ فكلمات الشكر التي وجّهها إسماعيل هنية لإيران وملاليها وحرسها الثوري، واعتبار المجرم قاسم سليماني “شهيد القدس”، على الرغم من عدم اعتراف سليماني نفسه بقدسية “قدس” فلسطين، فالقدس -بحسب عقيدته- “موجودة في السماء”، سليماني الذي توغل في دماء العرب وأعراضهم في سورية واليمن ولبنان والعراق. كلّ ذلك يدلّ على أن تلك العلاقة لا يمكن أن تكون براغماتية، كما يحاول تبريرها بعض أبواق الإخوان الإعلامية، إنما هي إصرار منهم على الالتصاق بمشروع طهران الفارسي الذي يهدف إلى السيطرة على الوطن العربي، ويؤكد ذلك ما جرى خلال اليومين الماضيين، حيث تم عقد لقاء في العراق بين (حماس) وعصابات الأسد، بأوامر إيرانية ووساطة عراقية، لترتيب عودة (حماس) لدمشق وإعادة فتح مكاتبها في دمشق.

ختامًا: يمكننا القول إن تنظيم الإخوان المسلمين وملالي طهران في تحالفهم الاستراتيجي يجمعهم أُسّ وحيد، هو تبني نهج الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة، وإذا كان هناك خلافات، فهي خلافات آنية فردية أو صغيرة لذرّ الرماد في العيون، ولإبعاد الشبهات عن علاقتهم العقدية الوثيقة مع إيران وملاليها، وما يؤكد الارتباطَ العقدي بين تنظيم الإخوان وملالي طهران هو التعاونُ الوثيق بين كل فروع الإخوان في الوطن العربي مع طهران، والزيارات المتكررة لهؤلاء إلى معقل ملالي طهران، وهذا يدلّ على أن هذا التعاون والتنسيق العالي والاستراتيجي، هو نتاج لعقيدة محددة مرسومة المعالم والأهداف، ولو أن التعاون تكتيكي -كما يروّج البعض- لظهر تباين في العلاقة، على الأقل بين أحد فروع التنظيم في البلدان العربية، مع ملالي الحقد على العرب ورموزهم.

مركز حرمون

—————————

ايران والثيوقراطية من دون قفازات/ حسن فحص

مصادر القوة التي اعتمد عليها زعيم الثورة الايرانية والمؤسس الإمام الخميني في التأسيس لدولة ما بعد الثورة كثيرة ومركبة، تتداخل فيها الشخصية الكاريزماتية التي ساهمت في تكريسه زعيما بلا منازع، مع الحرص على أن يكون التغيير جوهرياً في الانتقال من النظام الملكي الى النظام الجمهوري بالتزامن مع التمسك بالاطار الاسلامي الذي شكل ويشكل المنطلق الذي أسس له لبناء الحكومة الاسلامية، لذلك جاء الاستفتاء الذي جرى في مطلع كانون الاول /ديسمبر عام 1979 ليحسم الجدل السياسي حول طبيعة النظام تحت عنوان “الجمهورية الاسلامية الايرانية” على حساب مقترحات اخرى كالجمهورية الديمقراطية وكانت نتيجته تصويتاً بنسبة تفوق 98 في المئة.

التعددية السياسية التي ميزت المشهد الإيراني ما بعد انتصار الثورة، إن كان في الحكومة المؤقتة برئاسة مهدي بازركان الذي يمثل الاسلام الليبرالي، او في انتخاب برلمان تمثلت فيه كل القوى السياسية التي شاركت في الثورة، وصولا الى انتخاب ابو الحسن بني صدر كأول رئيس للجمهورية ، هذه التعددية بدأت تترنح مع دخول بني صدر في معركة مفتوحة مع رجال الدين، وهي معركة انتهت بتقديم انتصار للمؤسسة الدينية التي استطاعت ان تكرس نفسها “صاحبة الانجاز الوحيدة” ليبدأ بعدها مسار استبعاد واقصاء تلك القوى من الحياة السياسية لصالح اتجاه واحد سيكون هو المسيطر بما يسمح له من انتاج تعددية جديدة محكومة بالسقف الذي يعبر عن الجدليات داخل الصف الواحد، وثنائية تعزيز البعد الجمهوري للدولة مقابل تكريس البعد الاسلامي الثيوقراطي للنظام.

هذه الجدلية او الثنائية داخل الصف الواحد، حكمت المشهد الايراني خلال العقود الاربعة الماضية، وأرست ما بات يعرف بجناحي المحافظين والاصلاحيين، وتطورت لاحقا وصولا الى ما يشبه الانقسام العمودي سياسيا وفكريا واجتماعيا بين معسكرين بالمسميين ذاتهما، وصراع مفتوح بينهما غير قادر على استعادة تجربة مرحلة التأسيس التي تسمح بالغاء طرف لصالح آخر، الا انه سمح للمعسكر المحافظ بان يحاصر المعسكر الاصلاحي وان يستخدم ويسخر الاليات الديمقراطية لاخراجهم من الشراكة السياسية لصالح تعزيز سيطرته على مفاصل النظام والمؤسسات.

التطورات التي يشهدها سباق الانتخابات الرئاسية في دورتها الثالثة عشر (13)، تشير الى ان المعسكر الاصلاحي والقوى السياسية التي تمثله تواجه مصيرا مشابها لما واجهته القوى السياسية في مرحلة التأسيس، وبالآلية الديمقراطية نفسها التي دافعت عنها وتمسكت بها، من خلال هندسة الانتخابات التي تستهدف الوصول الى النتائج التي تريدها المؤسسة الدينية الممسكة بالنظام والدولة على حساب الفريق السياسي المنافس، لكن من دون ان تكون قادرة على القيام بهندسة اجتماعية لشرائح متعددة المشارب والتوجهات باستثناء قواعدها الشعبية الثابتة.

ويبدو ان المسار الاقصائي الذي وصلت اليه السلطة في ايران، لم يعد مقصورا في هذه المرحلة فقط على القوى الاصلاحية، ولم يعد الموقف منها مقتصرا على الخطاب المعلن بإلتزامها بالدستور، او في التفتيش عن نواياها العقائدية والفكرية في هذا الاطار، بل بات يشمل ابناء الصف الواحد للمعسكر المحافظ، وما يشكلونه من خطر كامن أو محتمل على طريق تكريس “ثيوقراطية النظام والسلطة” او تطويل المدة للوصول اليها بما يمثلونه او يحملونه من أفكار وآراء تلتزم بما هو موجود لكنها قد لا تقبل بما يحاول البعض رسمه في المستقبل. من هنا جاء قرار استبعادهم حاسما غير قابل للنقاش او اعادة النظر.

الخطاب الاخير للمرشد الاعلى للنظام في الذكرى السنوية الثانية والثلاثين على وفاة المؤسس وزعيم الثورة، لم يخرج عن الاطار العام للخطاب الذي ألقاه قبل اسبوع امام نواب البرلمان في ما يتعلق بقرارات مجلس صيانة الدستور التي استبعدت كل الشخصيات الاصلاحية التسعة (9) التي ترشحت للانتخابات الرئاسية، ومعهم شخصيات محافظة قد لا تكون المرحلة مناسبة لدخولهم الى هذا السباق، في حين شكل اخراج واقصاء مستشار المرشد ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني صدمة لدى جميع الاطراف حتى بين القوى المحافظة، التي لم تتأخر في فهم الرسالة التي حملها هذا القرار وما يعبر عنه من توجهات لدى القيادة العليا للنظام وما يقرر في كواليس الدولة العميقة.

اقفل المرشد الاعلى للنظام النافذة الاخيرة التي راهن الكثيرون على امكانية فتحها في جدار قرارات مجلس صيانة الدستور، وان يلجأ لاستخدام صلاحياته “كوليّ أمر المسلمين ووليّ للفقيه” باصدار “امر او قرار ولائي” يعيد بموجبه بعض المرشحين خصوصا لاريجاني الى السباق الرئاسي، ما يكشف ان كل الخيارات قد حسمت لدى الدولة العميقة حول دور وطبيعة رئاسة الجمهورية التي من المفترض ان تتولى ادارة السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة، وان النظام والدولة العميقة، يرى ان المرحلة باتت تستدعي الانتقال الى الخطوة الحاسمة على طريق تكريس سلطة مطلقة ذات طابع ديني، قد لا يكون فيها شرط من سيكون على رأسها آتيا من رئاسة الجمهورية او من موقع اخر، الا ان المطلوب ان يكون الرئيس الجديد منسجماً مع هذا التوجه لجهة انه سيكون احد الاقطاب المقررين في المجلس الانتقالي في حال فراغ موقع المرشد واختيار خليفته.

—————————

حروب إيران في المشرق العربي/ فايز سارة

مضت سنوات على تواصل الاهتمام العربي بوجود إيران وما تمارسه من سياسات، وتقوم به من عمليات عسكرية وغيرها في منطقة المشرق العربي والخليج، وخصوصاً في أربعة بلدان هي لبنان وسوريا والعراق واليمن، التي تعتبر فيها إيران قوة ذات تأثير في الواقع الحالي، وصاحبة تأثير على مستقبل تلك البلدان وامتداداً إلى محيطها الإقليمي.

ورغم خطورة ما قامت وتقوم به إيران، فإن هذا الاهتمام من جانب جل الحكومات وأوساط الرأي العام، لم يترجم إلى سياسات حازمة وجماعية أو واسعة على الأقل، بل إن المحاولات أو الخطوات التي تمت في اليمن وفي سوريا، جوبهت بمحاولات من قوى متعددة للحد من قدرتها على لجم إيران، ووقف حربها على الأقل في هذين البلدين، الأمر الذي يمكن اعتباره إما جهلاً بجوهر ما تقوم به إيران في المنطقة، وإما سكوتاً عنه من قبل أطراف دائمة التعبير عن اعتراضها ومعارضتها سياسة إيران في الشرق الأوسط، والتي تعتبر الأنشطة العسكرية من حروب وأسلحة ومشروع نووي تعبيرات مباشرة عن هذه السياسة أو واجهة فاضحة لها.

ويدفعنا واقع الحال للتوقف عند الشق الأهم فيما تقوم به إيران في المنطقة، ورغم أنه خليط من خطوات عسكرية ومدنية، فإنه في المحصلة يصب في بوتقة الحرب، ليس لأن الحرب بالأساس هي خليط من أعمال عسكرية ومدنية فقط، بل لأن الأخيرة في الحالة المحددة مرسومة لتكون جزءاً في حروب إيران حيال المحيط العربي.

أول حروب إيران في المنطقة، هي حروب مباشرة على نحو ما يظهر في تدخل ووجود إيران العسكري الواضح والمعلن في سوريا أو وجودها المبطن في اليمن، وهي في الحالتين تستخدم أدواتها العسكرية – الأمنية من وحدات منظمة وأسلحة في سبيل تحقيق أهدافها وأهداف عملائها المحليين، وقد تعمل إيران لتحقيق ذلك، عبر حرب بالوكالة من خلال أدوات محلية على نحو ما يظهر عليه الحال واضحاً فيما يقوم به «حزب الله» الذي لم يتأخر في يوم من الأيام عن أن يقول علناً، إنه امتداد لإيران، وقد كرس حضوره وكيلاً لها في ساحات وبؤر الصراع في العديد من البلدان العربية وبينها سوريا وغيرها، ومثله مثل الميليشيات الشيعية العراقية، القابضة على زمام المجتمع في العراق، وتعمل لجعلهما في خدمة إيران، ويظهر مثال ثالث في الواقع الفلسطيني عبر التبعية، التي فرضتها إيران على بقايا المنظمات الفلسطينية المسلحة من خلال أمرين اثنين؛ أولهما استمرار إيران في موقف لفظي لا يتجاوز رفع شعارات المقاومة والممانعة ضد إسرائيل وتأييد القضية الفلسطينية من جهة، وتوفير دعم مادي لهذه المنظمات، يشمل المال والسلاح والذخائر، إضافة إلى حملات دعاية ديماغوجية، توحي بأن الطرفين الإيراني والفلسطيني في طريق وهدف مشتركين.

وثمة نموذج من حروب إيران في المشرق العربي، يشمل فتح خطوط تعاون وتأثير على تنظيمات الإسلام السياسي ومنها تنظيمات «الإخوان المسلمين» والجماعات المتطرفة وبينها «القاعدة» و«داعش»، وإقامة توافقات معها، تارة تحت بند «الوحدة الإسلامية» كما حال العلاقة مع «الإخوان»، أو «التعاون العسكري والأمني» ومحاربة الغرب وإسرائيل والأعداء، أو لتأمين الدعم اللوجيستي والملاذ الآمن لقيادات جماعات التطرف خصوصاً «القاعدة»، التي كانت إيران الملاذ الآمن لقياداتها طوال عقود ماضية.

ورغم خطورة حروب إيران العلنية والسافرة في البلدان العربية، فإن حروب إيران السرية في المنطقة، تبدو الأخطر سواء في مجالاتها وفي مستوياتها؛ إذ يمكن لها أن تشمل كل الأنشطة، وكل المستويات، وفي أحد خطوط هذه الحروب، يسعى الإيرانيون إلى السيطرة على المجموعات الشيعية المحلية وفصلها عن الجماعة الوطنية، خصوصاً تحت حجج المظلومية قديمة كانت أو راهنة، ويمكن أن يمتد نطاق هذه الحرب نحو تعزيز التشيع في أوساط المجموعات الإسلامية الأخرى، وقد يشمل إقامة تنظيمات وكيانات ثقافية واجتماعية وصولاً إلى التنظيمات السياسية والميليشياوية المرتبطة بإيران.

وتتضمن حروب إيران السرية في المنطقة تسللاً إلى القطاعات الاقتصادية بمجالاتها المختلفة، ما دام ممكناً ذلك، سواء من خلال إقامة شراكات مع بنى وهيئات وفعاليات محلية، تأمل إيران أن تساعدها في تعزيز قبضتها في تلك البلدان، أو من خلال نشاطات مستقلة، وهي في كل الأحوال، تسعى إلى سيطرة مالية وعقارية وحضور في الأنشطة التجارية والسياحية.

ولعل الخط الأخطر في حروب إيران السرية في الواقع العربي كله، يتمثل في توددها إلى النخب النافذة والمؤثرة من رجالات الدولة والمجتمع، وإقامة صداقات وعلاقات معهم، واستغلال كل ما يمكن من ظروف شخصية وعامة، تحيط بهؤلاء لربطهم معها، تمهيداً لجعلهم أدوات في يد أجهزتها الدبلوماسية والأمنية.

إن حروب إيران في البلدان العربية، والتي تأسست وفق قواعد جديدة مع وصول الملالي إلى سدة السلطة عام 1979، تصاعدت وتوسعت وصولاً إلى الوقت الحاضر، وغالباً فإن ذلك جرى بصورة علنية ومكشوفة باستثناء قلة منها، أحيطت بسرية أو تم تمريرها بطرق ملتوية، وأحياناً، كانت بعض الدول العربية تتجاهلها لغاية ما، ولعل مراجعة العلاقات الإيرانية مع نظام الأسد سواء في عهد الأب أو في عهد وريثه، تبين على نحو واضح، وتؤكد أن ما قامت وتقوم به إيران، ليس إلا فصولاً في حربها على سوريا، وهو نموذج لمسارات حروبها في البلدان العربية الأخرى، لكنها محكومة بظروف تلك البلدان والظروف التي كانت تجري فيها علاقاتها مع إيران.

لقد آن أوان أن يقوم العرب بنقلة نوعية في مواجهة حروب إيران ضدهم ولا سيما في المشرق العربي، فالوقت لا يسير في صالحهم، وكلما تأخر حسم الصراع مع ملالي إيران، سيكون الوضع أصعب.

الشرق الأوسط

———————————-

الانتخابات الايرانية وموسم الانسحابات/ حسن فحص

من المفترض ان تشهد الايام القليلة المقبلة، وبعد الانتهاء من الجولة الثالثة والاخيرة من المناظرات التلفزيونية بين مرشحي الانتخابات الرئاسية الايرانية، ان ينطلق سباق من نوع جديد، عنوانه اعلان انسحاب عدد من المرشحين لصالح مرشح اخر يعتبر أوفر حظاً وأكثر انسجاماً مع الجهة او القوى السياسية الداعمة له.

وفي هذا الاطار، مع وجود اعتقاد شبه قطعي بان ابراهيم رئيسي هو المرشح الاساس الممثل للتيار المحافظ والنظام، لذلك قد يكون سباق او بازار الانسحابات من بين مرشحي هذا التيار، والانظار تتجه الى مرشحين هما علي رضا زاكاني ومير حسين قاضي زاده هاشمي بالمبادرة للاعلان عن انسحابهما لصالح رئيسي، وفي هذه الحال، لن يكون امام سعيد جليلي المرشح الثالث من التيار المحافظ سوى القبول بهذا الانحياز والذهاب الى خيار اعلان انسحابه ايضا من السباق لصالح رئيسي.

وهنا من المتوقع ان يتمرد المرشح الرابع المحسوب على القوى المحافظة الجنرال محسن رضائي على موجة الانسحابات لصالح رئيسي، معلنا تمسكه بحقه في الاستمرار في هذا السباق، خصوصا وان ما يروج له بعد كل مناظرة تلفزيونية مع زملائه المرشحين افتقار اي منهم لبرنامج او خطة او مشروع واضح وعلمي لادارة الدولة والازمة الاقتصادية.

في المقابل، يبدو ان المرشحيَن الاخريَن، المحسوبين على التيار الاصلاحي من دون تبنيهما او من دون الحصول على موقف داعم لهما بوضوح، اي عبدالناصر همتي رئيس البنك المركزي السابق، ومحسن مهرعليزاده نائب الرئيس السابق محمد خاتمي سابقا، مستمران في السباق الرئاسي الى الخط النهائي، وكل منهما يراهن على حدوث متغير داخل التيار او القوى والاحزاب الاصلاحية في اللحظة الاخيرة يساعد على دعم  أحدهما ودعمه كمرشح امر واقع من دون اللجوء الى خيار التبني المباشر او الواضح، انسجاما مع الموقف الذي اعلنته اللجنة العليا للاصلاحات وجماعة رجال الدين المناضلين بزعامة السيد محمد خاتمي عن عدم وجود  اي مرشح يمثلها في الانتخابات وانها غير معنية بالمرشحين او تبني اي منهم.

على الرغم من الموقف الاصلاحي الواضح، الا ان كفة “همتي” تبدو الارحج على “مهرعليزاده” داخل الاجواء الاصلاحية، لكن همتي رئيس البنك المركزي وعضو المكتب السياسي لحزب كوادر البناء لم يستطع اقناع هذه القوى “الاصلاحية” بالجلوس معه، او حتى اعلان موقف واضح من ترشحه ايجابا، على الرغم من المناشدات التي صدرت عنه. وبالتالي فان رهان همتي ومعه مهرعليزاده هو توظيف الاجواء السلبية التي تكشفها المناظرات التلفزيونية والاخطاء التي يرتكبها مرشحو التيار المحافظ، لتحريك الشارع الشعبي ودفع الشرائح او الاصوات الرمادية للمشاركة في الاقتراع، لان هذه النسبة الاكبر منها ستكون لصالحه او لصالح مهرعليزاده الى جانبه. فالقناعة العامة لدى جميع القوى السياسية، اصلاحية ام محافظة، ان دخول الاصوات الرمادية على خط الاقتراع لا يعني موقفا مؤيدا لمرشح ضد اخر، اكثر من كونها اعلان موقف سلبي ورأي معارض لوصول مرشح لا يرغبون به او لا يريدونه في موقع رئاسة الجمهورية، على غرار نسبة كبيرة من الاصوات التي حصل عليها الرئيس محمد خاتمي عام 1997 في مواجهة مرشح النظام ورئيس البرلمان حينها علي اكبر ناطق نوري، وتكرر الامر مع مير حسين موسوي في مواجهة محمود احمدي نجاد عام 2009 في انتخابات التجديد له.

المجسات الشعبية التي ستنشط في الايام المتبقية لساعات الاقتراع لدى المرشحين والقوى السياسية والنظام، ستعيد تنظيم نفسها وصفوفها لضمان الوصول الى الهدف المطلوب، ومع انتهاء المناظرات التلفزيونية يكون كل مرشح قد أدى الدور والمهمة المطلوبة منه، وهي تقديم الدعم والدفاع عن رؤية النظام في ادارة الدولة في المرحلة المقبلة، وتجميع النقاط التي ستتحول الى ورقة عمل لدى مرشح الاجماع ضمن خطته للادارة وما فيها من تفاهم على تقاسم جوائز الترضية التي سيحصل عليها كل منسحب. وفي ازاء الحديث عن انسحاب مرشحين محافظين لصالح رئيسي، يدور حديث عن امكانية اعلان الاصلاحي مهرعليزاده الانسحاب لصالح همتي، ما يجعل المعركة بالتالي شبه ثنائية الاقطاب، قد يكسر حدتها تمسك رضائي بالاستمرار وعدم الانسحاب.

وعلى الرغم من الكم الكبير من الوضوح الذي تسير عليه المعركة بين المرشحين، والكلام شبه النهائي عن حسم النتيجة لصالح المرشح ابراهيم رئيسي مهما كانت نسبة المشاركة الشعبية، خصوصا وان الاجهزة الاعلامية الموالية للنظام بما فيها مراكز استطلاع الرأي والتي تتحدث عن تحقق نسبة 41 في المئة حتى الان من المشاركة الشعبية لصالح رئيسي، وان نسبة المشاركة العامة قد تتجاوز السبعين في المئة (70)، الا ان اطرافا مواكبة للمعركة الانتخابية لا تخفي هواجسها من تبدل المعادلة في الايام الاخيرة، وان يعلن المرشحون انسحابهم لصالح جليلي بدلا من رئيسي، على الرغم من الدعوات المباشرة التي تطالب الاول بالانسحاب وحسم مسألة الاجماع للثاني، ومع ذلك فان هذه الاطراف لا تستبعد تغييراً في اللحظة الاخيرة وامكانية انسحاب رئيسي لاعتبارات لا علاقة لها بالخوف من نتائج الانتخابات، انما لضرورات خاصة بالنظام والجهات التي ترسم المسار العام للمرحلة المقبلة وتوزيع مراكز القرار.

المدن

————————————–

السوريون وإحياء الاتفاق النووي مع إيران/ أكرم البني

هي مفارقة لافتة، أن غالبية السوريين على اختلاف اصطفافاتهم، يتفقون، وإن كان من مقدمات وأهداف متباينة، على أن النجاح في إحياء الاتفاق النووي مع إيران سيكون له تأثير كبير على واقع بلادهم ومستقبلها، ما داموا يتفقون على أن إيران باتت طرفاً فاعلاً ومؤثراً بحيواتهم ومصيرهم، وأنها لن تكون بعد إحياء الاتفاق النووي كما قبله، بل ستمتلك فرصة كبيرة لالتقاط الأنفاس وللإفادة من رفع العقوبات، وتحرير صادراتها وأموالها المجمدة، لترميم اقتصادها المتهالك وتوفير الإمكانات اللازمة كي تمضي قدماً في تحقيق مطامعها الإقليمية، وخاصة تعزيز دورها التدخلي في سوريا.

لا يخفى على أحد فرح السلطة وتهليل بعض أعوانها، بما يحصل من تقدم في مفاوضات فيينا، معولين أن يشكل ذلك مناخاً جديداً يخفف حدة الضغوط الغربية عليهم وخاصة تداعيات قانون قيصر! هذا فضلاً على رهانهم بأن يفتح إحياء الاتفاق النووي الباب على متغيرات تعيد ترتيب الأوراق وتخلق تحولات في التفاعلات السياسية الجارية في الدوائر الغربية والعربية حول الموقف من النظام السوري، بما يضعف دور المتشددين ويشجع دعاة الانفتاح والتعاطي الاحتوائي معه.

وما يزيد «هيصة» الفرح والتهليل أن يعتبر ساسة النظام السوري ومؤيدوه أن إحياء الاتفاق النووي سوف يمكّن إيران وميليشياتها من قطع الطريق على أي محاولة لتغيير توازنات القوى التي فرضت في البلاد لمصلحة أركان السلطة القائمة، كأولوية أرسيت دعائمها منذ أكثر من 30 عاماً، وتجلت مؤخراً بالدعم المطلق للانتخابات الرئاسية، كما برزت خلال السنوات الأخيرة بمساندة غير محدودة للطغمة الحاكمة وتشجيعها على الاستمرار في العنف وعلى رفض تقديم أي تنازلات لتفعيل مستلزمات الحل السياسي، ربطاً بإطلاق دور «الحرس الثوري» وميليشياته و«حزب الله» للفتك بالسوريين وإجهاض ثورتهم.

أما المعارضة السورية التي تدرك حجم التكافل والتنسيق بين حكام دمشق وملالي طهران، ودور الأخيرين في تمكين النظام ومنع سقوطه، فهي تخشى أن يفضي التوافق حول الملف النووي، لمزيد من تراجع اهتمام الغرب بمعاناتها، ولتمادي إيران في تدخلها بالشأن السوري، ما يقوّي المعسكر الرافض للمعالجة السياسية، ويطلق رصاصة الرحمة على مفاوضات السلام، ومحاولات تفعيل قرارات الشرعية الدولية، وأبرزها القرار 2254.

ومن بين المعارضين من يدعو إلى عدم إعطاء قيمة لإحياء الاتفاق النووي، لأنه لن يغيّر برأيه من جوهر الأمور، معتقداً أن حكام إيران بغضّ النظر عن قدرتهم الاقتصادية والصعوبات التي تعترضهم، لن يفرطوا، كعادتهم، في الحلقة السورية بصفتها إحدى الحلقات الرئيسية من نفوذهم الإقليمي، كما لن يتراجعوا عن استراتيجية تصدير ثورتهم الإسلاموية ومد أذرعهم التدخلية عبر العزف على وتر العصبية المذهبية وولاية الفقيه، حتى لو ألحق ذلك أفدح الأضرار بشروط حياة غالبية الإيرانيين المسحوقين وبحاجاتهم، ويزيد الطين بلة ميل الإدارة الأميركية الجديدة لتهميش الملف السوري، وإعطاء أهمية قصوى لتجديد التوافق النووي حتى لو تم ذلك على حساب الصمت عن أنشطة إيران التدخلية، مستحضرين الفرص الكبيرة التي قدّمتها واشنطن لطهران ومكّنتها موضوعياً من تمرير مشروعاتها التوسعية، وأوضحها موقفها السلبي من تدخل «الحرس الثوري» والميليشيا الموالية له في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وغض النظر عما أنتجه ذلك من ظواهر الإرهاب والقتل والاغتيالات وتسعير النزاعات المذهبية والطائفية.

وفي المقابل، ثمة مخاوف لدى كثير من السوريين على اختلاف مناطق وجودهم، من أن يفضي الانفتاح الغربي على إيران إلى تعميق دورها في سوريا اقتصادياً واجتماعياً، ما ينعكس سلباً عليهم، وعلى شروط حياتهم وممتلكاتهم وقدرتهم على إدارة شؤونهم، وهم الذين خبروا بأن أي انتعاش لإيران يعني مزيداً من تحكمها بالموارد والثروات السورية وحرمان أصحابها منها، والأسوأ مزيد من التوغل والاستباحة للبلاد، متوسلة تفعيل دور «حزب الله» وغيره من الميليشيات الأجنبية لهتك بنية المجتمع السوري وتفكيكها، ربطاً بتنشيط خطط التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، وباستغلال حالة الفقر والعوز لنشر المذهب الشيعي، والأسوأ عمليات التجنيس التي تجري على قدم وساق للإيرانيين؛ حيث بات هؤلاء المجنسون ينتشرون انتشار الفطر، في مناطق الحدود الشرقية وفي الأماكن المحيطة بما يعرف بالمراقد الدينية.

يتساءل السوريون البسطاء وهم يراقبون اللهفة الأميركية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، ألم تدرك الولايات المتحدة بعد، ماهية حكام طهران أم أنها لا تريد أن تدرك؟ وهل هي لا تعي حقاً بأن مثل هذه الطغمة الآيديولوجية لن تتراجع أبداً عن مراميها مهما كانت الاشتراطات الغربية في الملف النووي، بدليل ما راكمته من خبرات ووسائط خلال سنوات كثيرة من إبرام الاتفاق النووي القديم، مكّنتها بسرعة لافتة من رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى حدود مقلقة؟ وكيف لا يزال يخفى عنها أن هدف ملالي طهران هو رفع العقوبات أساساً وربح الوقت للمضي سراً في مخططهم بحيث يضعون العالم أمام واقع جديد عنوانه امتلاكهم السلاح النووي؟

بينما يتساءل آخرون، هل يصدّق فعلاً بعض صناع القرار في واشنطن ما يروّجونه عن أن إكراه إيران على توقيع اتفاق نووي جديد سوف يجبرها، كي لا تخسر المكاسب التي حصلت عليها، على لعب دور إيجابي لمعالجة بؤر التوتر في المنطقة، بما في ذلك مساعدتهم في الضغط على النظام السوري لحضّه على المشاركة في العملية السياسية؟ أليس معروفاً لديهم الجنوح المزمن لقادة إيران ضد السلام والاستقرار في المنطقة، وأنهم اعتاشوا منذ قيامهم بثورتهم الإسلاموية في ثمانينات القرن العشرين وحتى يومنا هذا على تغذية الحروب وبؤر التوتر والصراع لبسط نفوذهم؟

أخيراً، هي مفارقة لافتة أيضاً، أمام حالة التغافل الأميركي، أن يستشعر هؤلاء السوريون البسطاء مبكراً مرامي حكام طهران لبعث مشروعهم الإمبراطوري، ولإجبار العالم على الاعتراف بمكانة تتجاوز حقوقهم ووزنهم، متوسلين، مرة أولى، دأبهم على امتلاك السلاح النووي وغيره من الأسلحة المحرمة دولياً، ومرة ثانية، نهجاً تدخلياً سافراً لمدّ نفوذهم إقليمياً عبر خلق أذرع وميليشيات إرهابية كما الحال في العراق واليمن وسوريا ولبنان، لتخريب مجتمعاتها والسيطرة عليها، ولعلهم على بساطتهم استشعروا مبكراً أيضاً، حقيقة أن لجم الاندفاعة الإيرانية لامتلاك السلاح النووي هو صنو تقليم أصابع نفوذها في المنطقة، وأنه لا يمكن فصل هذا عن ذاك.

الشرق الأوسط

——————————————

===================

تحديث 16 حزيران 2021

—————————

انتخابات” إيران وحساباتها/ مروان قبلان

تشهد إيران بعد غد الجمعة، انتخاباتٍ رئاسيةً، تكاد تكون نتائجها محسومة، بعدما “هندسها” مجلس صيانة الدستور الذي استبعد كلّ المرشحين إلّا سبعة، خمسة منهم محافظون، فيما الآخران لا يملكان حظوظاً فعلية، ما يجعل التنافس عملياً ضمن البيت الواحد. من المحتمل أيضاً أن تُحسم الانتخابات من الجولة الأولى، إذا حصلت انسحاباتٌ داخل التيار المحافظ، منعاً لتشتت الأصوات، والذهاب إلى جولةٍ ثانية. لكن حتى لو جرت جولة ثانية، تفيد استطلاعات الرأي بأنّ رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، سيفوز فيها، خصوصاً أنّ المشاركة ستقتصر، في ما يبدو، على الناخبين المحافظين خارج المدن الكبرى. ويتوقع بناءً عليه أن تكون نسب المشاركة متدنيةً، نتيجة حالة اللامبالاة التي يبديها الشارع، كما حصل في انتخابات فبراير/ شباط 2020 التشريعية، وحصد خلالها المحافظون أغلبيةً كاسحةً في مجلس الشورى (البرلمان).

هذا كله لا يجعل انتخابات بعد غد قليلة الأهمية. على العكس، سوف تشكّل هذه الانتخابات، لأسباب عدة، مفصلاً مهماً في حياة النظام الذي ما زالت تتلبّسه حالة الثورة، على الرغم من أنّه يحكم الدولة منذ عقود. أولها أنّ ترتيبها على هذا النحو يوحي أنّ المرشد الذي يتحكّم بكلّ خيوط العملية، قد بدأ تحضيرات خلافته. ومعروفٌ أنّ مجلس صيانة الدستور الذي يقوم بعملية فلترة المرشحين، يتكون من 12 عضواً؛ ستة منهم من الفقهاء (رجال الدين)، وهؤلاء يعينهم المرشد مباشرة، والستة الآخرون من الخبراء القانونيين، ويعينهم رئيس السلطة القضائية، الذي يقوم المرشد بدوره بتعيينه. الواضح من طريقة إدارته العملية الانتخابية أنّ المرشد لا يريد، في هذه المرحلة، أخذ أيّ مجازفة تسمح بوصول من لا يثق به ثقةً كاملةً إلى منصب الرئاسة، ولا ينوي، بالتأكيد، تكرار تجربة 2009 التي هزّت أركان النظام، قبل أن يسلك مرشّحه فيها، أحمدي نجاد، خطاً مستقلاً، كاد يزعزع النظام برمته. يريد المرشد، هذه المرة، بوضوح وضع رئيسي في منصب رئيس الجمهورية، وقد كان مرشّحه المفضل عام 2017، لكنّ الشعبية التي كان ما زال يحظى بها حسن روحاني في الشارع غلبت عليه، فعوّضه خامنئي بوضعه على رأس السلطة القضائية. بانتخاب رئيسي، يكون المعسكر المتشدّد داخل النظام قد أحكم السيطرة على فروع السلطة الثلاثة: التشريعية (حيث يسيطر المحافظون – رجال الحرس الثوري – على 221 من مقاعد البرلمان الـ 290) والسلطة القضائية، حيث يتجه المرشد إلى تعيين أحد تلامذته في المنصب الذي تركه رئيسي ليصبح رئيساً للجمهورية.

سوف تكون الخطوة التالية، على الأرجح، اختيار خليفة للمرشد نفسه، ويتوقّع، على نطاق واسع، أن يكون ابنه، مجتبى خامنئي. وسوف يتم ذلك من خلال مجلس خبراء القيادة الذي يضم 88 “مجتهداً” في عضويته. ولمّا كان مجلس صيانة الدستور هو الذي يختار أيضاً المرشّحين لانتخابات مجلس القيادة (آخر انتخابات جرت عام 2016)، فمن الأرجح ألّا يواجه أيّ قرار يتّخذه المرشد معارضة مهمة داخل المجلس. وكان التعديل الدستوري الذي جرى عام 1989 قد ألغى شرط أن يكون المرشد مرجعاً دينياً. وعليه، تبدو الطريق مفتوحة أمام مجتبى خامنئي (يملك نفوذاً مالياً كبيراً ويحظى أيضاً بدعم الحرس والباسيج) ليخلف والده. والسؤال الآن في ما إذا كانت هذه الخطوة سوف تجري في حياة المرشد أم بعد وفاته.

هنا يأتي دور العامل الخارجي، فالمرشد يعلم أنّ استمرار الصراع مع واشنطن يمثل الخطر الأكبر على مستقبل نظامه. ولذلك، يريد أن يغتنم فرصة وجود إدارة بايدن، المتحمّسة لحلّ قضية الملف النووي، وإنهاء أحد أبرز مظاهر التوتر مع الولايات المتحدة. وهذا يفسر أيضاً تأخر الوصول إلى اتفاق مع واشنطن إلى ما بعد الانتخابات الإيرانية، على الرغم من حرص إدارة روحاني على بثّ أجواء تفاؤلية بشأنه، فالمرشد يريد أن يسجّل الإنجاز باسم إدارة الرئيس الجديد، ولا يبدو أنّ واشنطن تمانع في ذلك، طالما أنّ الاتفاق سيكون مع السلطة الفعلية التي باتت تُمسك بكلّ مفاصل الحكم في النظام. هذه هي حسابات المرشد، وتلك هي حسابات واشنطن، لكنّ إيران كانت دائماً أرض تقلباتٍ ومفاجآت، ونادراً ما كانت الحسابات بشأنها تؤيدها الوقائع، وديمقراطيو إدارة بايدن يعرفون هذا أكثر من غيرهم.

العربي الجديد

————————-

انتخابات الرئاسة الإيرانية والاتفاق النووي: السيناريوهات الممكنة/ فاطمة الصمادي

مع اقتراب انتخابات الرئاسة الإيرانية، يوم الجمعة 18 يونيو/حزيران 2021، وقرب انتهاء فترة روحاني الرئاسية، سادت موجة متفائلة بإمكانية إحياء الاتفاق النووي. لكن موجة التفاؤل هذه تأتي محاطة بالكثير من العقبات لعل في مقدمتها أن المدة القصيرة المتبقية لا تعد هامشًا زمنيًّا كافيًا لحلحلة ملفات شائكة أهمها العقوبات وآليات إزالتها. فما السيناريوهات الممكنة لمستقبل الاتفاق النووي على ضوء الانتخابات الرئاسية الإيرانية؟

مع اقتراب انتخابات الرئاسة الإيرانية، يوم الجمعة 18 يونيو/حزيران 2021، وقرب انتهاء فترة روحاني الرئاسية، سادت موجة متفائلة بإمكانية التوصل إلى تسوية بشأن إحياء الاتفاق النووي. لكن موجة التفاؤل هذه تأتي محاطة بالكثير من العقبات لعل في مقدمتها أن المدة القصيرة المتبقية لا تعد هامشًا زمنيًّا كافيًا لحلحلة ملفات شائكة أهمها العقوبات وآليات إزالتها. وفيما تتواصل جلسات المحادثات في جنيف يتصاعد النقد المتبادل بين مندوبي الطرفين، الأميركي، روبرت مالي، والإيراني، عباس عراقجي.

وفي الوقت الذي رأى فيه البعض أن إمكانية وصول رئيس أصولي إلى سدة الرئاسة هو سبب أدعى للوصول إلى اتفاق، قرأ البعض الآخر فيها سببًا للتردد في إنجاز اتفاق قد لا يكون تطبيقه هيِّنًا من قبل رئيس يحمل مواقف وتوجهات سياسية مختلفة عن روحاني صاحب الإرث التفاوضي والمدافع عن الدبلوماسية وضرورة البقاء في مسارها.

ولا يمكن بأية حال من الأحول إسقاط الانتخابات وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج كمؤثِّر حساس على مجريات العملية التفاوضية في جنيف. وقد ترجِّح الأطراف المشاركة جمع شتات قضايا الخلاف والوصول إلى اتفاق بدل انتظار الرئيس الجديد وما يتضمنه ذلك من فريق تفاوضي جديد وربما إطار تفاوضي جديد.

لم تدخل مناظرات مرشحي الرئاسة الإيرانية بصورة معمقة في بحث مسألة التفاوض وسيطرت القضايا الداخلية ذات الطبيعة المعيشية على شعارات المرشحين وبرامجهم. ومع ذلك، نجد مؤشرات حول التوجهات المستقبلية بهذا الخصوص لدى حجة الإسلام رئيسي، المرشح الأصولي الأكثر حظًّا تجاه مسألة الاتفاق. فقد رأى أن الاتفاق النووي ببنوده التسع التي نالت موافقة القيادة العليا في إيران كغيره من المعاهدات يجب الالتزام بها، ولكن تطبيق الاتفاق يحتاج إلى حكومة قوية في الداخل، فالاقتدار الخارجي ينبع من الاقتدار الداخلي. أما المؤشر الآخر، فيتعلق بالموقف من الاتفاق مع مجموعة العمل المالي(FATF)  والتي تأجل البتُّ فيها من قبل مجمع التشخيص بعد الخلاف بشأن بعض البنود المتعلقة بغسيل الأموال ومكافحة الإرهاب بين الحكومة ومجلس صيانه الدستور؛ حيث ربط رئيسي الموافقة عليها بتحقيق المصالح الإيرانية. وتقول هذه المؤشرات: إن حكومة رئيسي ستكون حكومة تفاوضية، لكن ضمن إطار مختلف.

وفي المحصلة، لا يمكن الحديث عن سيناريو واحد لمستقبل المحادثات بشأن الاتفاق النووي على ضوء محادثات جنيف الأخيرة.

اتفاق یسبق الانتخابات

يعد سيناريو الوصول إلى اتفاق بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية أو قبلها أحد السيناريوهات المطروحة. وتشير وكالة “إيرنا” الرسمية الإيرانية إلى أن هذا السيناريو يقوم على وجود هامش زمني يصل إلى ما يقرب الشهرين بين الانتخابات الرئاسية (18 يونيو/حزيران 2021) وتسليم الرئاسية للرئيس المنتخب ونهاية فترة حسن روحاني بصورة رسمية، في أغسطس/آب 2021. وذلك يعني أن الوصول إلى اتفاق، وعودة الولايات المتحدة الأميركية إلى الاتفاق النووي، وإزالة العقوبات، وتراجع إيران عن خطواتها التي تضمنت تخفيض التزاماتها بالاتفاق النووي ومن ذلك رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، كل ذلك يجب أن يحدث في غضون شهرين.

ويقلِّل هذا السيناريو من تأثير طبيعة التوجه السياسي للرئيس القادم من زاوية أن السياسة الخارجية، وفقًا للدستور، لا يجري رسمها بالضرورة من قبل وزارة الخارجية والجهات التنفيذية بل تأتي من قبل القيادة العليا في النظام، ولذلك فليس من الوارد أن يُبطل الرئيس القادم اتفاقًا يأتي منسجمًا مع الخطوط المرسومة للسياسة الخارجية من قبل القائد الأعلى في إيران.

يرافق هذا السيناريو حالة من القلق من التصعيد المتواصل في البرنامج النووي الإيراني، والحديث عن العامل الزمني كمؤثر على هذا الصعيد.

اتفاق بعد الانتخابات

يرتبط السيناريو الثاني بالسيناريو الأول، وهو يتحدث عن اتفاق قبل تسلُّم الرئيس المنتخب مقاليد الرئاسة. ويركز هذا السيناريو على وجود نية وقرار سياسي بإنجاح العودة إلى الاتفاق النووي في عهد حكومة روحاني، ولأن المفاوضات تجري بشكل غير مباشر وتتضمن ملفات معقدة، فمن الممكن التوصل إلى اتفاق مع نهاية يونيو/حزيران. ويمكن لمسألتين تسريع عملية التفاوض لإحياء الاتفاق قبل مغادرة روحاني كرسي الرئاسة: نتيجة الانتخابات، وإمكانية ألا يأتي موقف الرئيس المقبل من الاتفاق بشكل يشابه موقف روحاني، أمران قد يجعلان فرق التفاوض تسرع في عملية الاتفاق قبل مجيء الرئيس القادم في إيران.

في هذه الحالة، حتى لو كانت هناك مشكلة في تطبيق الاتفاق بالنسبة للحكومة الجديدة فستكون بالتأكيد أمام مسؤولية الحكومة الإيرانية الالتزام بتعهد صدر عن الحكومة الإيرانية. أما حكومة روحاني فهي مصمِّمة على إحياء الاتفاق بأية طريقة ممكنة قبل انتهاء مدتها، وبالتالي المحافظة على إرثها التفاوضي وسجلها في إزالة العقوبات. وأن تسلِّم زمام الرئاسة إلى الرئيس الجديد بسجل فيه إنجازات ستسهِّل عليه التعامل مع ملف الأزمة الاقتصادية والعقوبات.

اتفاق بعد الانتخابات ومع الرئيس المنتخب

هذا السيناريو يعني أن عملية التفاوض لإحياء الاتفاق النووي لن تصل إلى خاتمتها في عهد روحاني، بل ستكون في عهد الرئيس القادم. ورغم الثبات في السياسة الكلية لإيران فقد تعني نتائج الانتخابات فريقًا تفاوضيًّا جديدًا وقد تعني أيضًا إطارًا تفاوضيًّا جديدًا والعودة بالعملية التفاوضية إلى البدايات، وفي النتيجة تغيير مسار التفاوض.

ولا يعني هذا السيناريو أن الرئيس القادم حتى مع التسليم بتوجهاته الأصولية قد يعارض التفاوض؛ حيث إنه معني بحلحلة المعضلة الاقتصادية وتقديم حلول بشأنها. وإذا جاء رئيسي فهو معنيٌّ بصورة كبيرة بإضافة نقاط نجاحه إلى سجله بالنظر إلى مستقبله السياسي، الذي يضع احتمالات وصوله إلى منصب القائد الأعلى مستقبلًا. أما التيار الأصولي فهو معني بإثبات أنه بديل جيد قادر على تقديم حلول للمشكلات المعيشية المستعصية أمام المجتمع الإيراني. خاصة مع ما أظهره تقرير مركز الإحصاء الإيراني؛ إذ تشير نتائج مسح القوى العاملة في خريف عام 2020 ومعدل البطالة للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا فأكثر أن 9.4٪ من إجمالي السكان النشطين عاطلون عن العمل. وهذا يعني أن عدد العاطلين عن العمل في خريف عام 2020 حوالي 2 مليون و435 ألف شخص. حوالي 40% منهم هم من خريجي الجامعات ويصل عددهم إلى مليون شخص.

خلاصة

يبدو السيناريو الأول مغرقًا في التفاؤل؛ حيث إن زوايا الخلاف بشأن إحياء الاتفاق ليست بهذه السهولة. وبالموازاة، فالسيناريو الثالث محاط بالتوجس ومخاوف الأطراف المشاركة في المفاوضات. ويبدو أن السيناريو الثاني هو الخيار الأكثر قبولًا لدى مختلف الأطراف، لكنه رهن بقرار سياسي من الولايات المتحدة الأميركية بالعودة إلى الاتفاق وإزالة فعالة للعقوبات؛ وضمن حساب أثمان تأجيل الحل، والتصعيد في علاقة إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتقارير الصادرة عن الوكالة بشأن المواقع النووية الإيرانية، فسيكون للذهاب نحو السيناريو الثالث أثمان وتبعات لن تقف عند حدود العلاقة بين واشنطن وطهران.

نبذة عن الكاتب

باحثة وأستاذة جامعية أردنية مختصة في الشأن الإيراني، حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة علامة طباطبائي في إيران. لها عدد من الكتب والأبحاث المتعلقة بالشأن الإيراني. تعمل حاليا باحثا أول في مركز الجزيرة للدراسات وتشرف على الدراسات المتعلقة بإيران وتركيا ووسط آسيا.

—————————-

 نيويورك تايمز: العودة للاتفاقية النووية لن تحل مشكلة إيران وعلى بايدن البدء من سوريا

قال توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز” إنه مع الحرب السرية التي تخوضها إسرائيل لتخريب البرنامج النووي الإيراني مهما كانت الاتفاقية النووية، مشيرا إلى أنه دعم اتفاقية إدارة باراك أوباما في 2015 ولم يدعم تمزيق دونالد ترامب لها في 2018، وعندما فعل عبر عن أمله عن استخدامه المصاعب الاقتصادية التي تسبب بها على إيران لإقناعها كي تقوم بتحسين الاتفاقية، ولكن لم تفعل.

ويؤكد أنه يدعم الخطوات التي تقوم بها إدارة جوزيف بايدن. وأضاف أن كلامه قد يبدو متناقضا ولكنه يبدو كذلك، مشيرا إلى أن هناك تهديدا يوحد بين هذه المواقف، وهو أن التعامل مع نظام الجمهورية الإسلامية بطريقة تقضي على تأثيرها الخبيث أمر مستحيل.

وقال إن إيران بلد كبير ولا يمكن غزوه، ونظامه متحصن ولا يمكن الإطاحة به من قوة خارجية، وهو مدفوع بدافع ظلامي يطمح للسيطرة على الجيران السنة وتدمير “الدولة اليهودية”، وهو خطير ولا يمكن تجاهله، وشعبه موهوب ولا يمكن حرمانه للأبد من قوة نووية. و”عندما تتعامل مع إيران تعمل ما يمكن عمله في المكان الذي تستطيع عمله وبالطريقة التي يمكنك عملها ولكن عليك أن تفهم: التمام ليس على القائمة، والنظام الإسلامي في إيران لن يتغير. وهو نظام لم يُسأ فهمه وبعد 42 عاما بات الأمر واضحا: يربي قادة إيران من رجال الدين ويحتفلون بالنزاع مع الولايات المتحدة وإسرائيل كطريقة للحفاظ على السلطة وإثراء الحرس الثوري وحكم شعبهم بيد من حديد وبدون أن يكون لهم دور أو صوت في مستقبل بلدهم أو استخدام طاقتهم الهائلة.

وكان النظام سعيدا باستخدام الأموال التي حصل عليها بعد رفع العقوبات لدعم الجماعات الشيعية في العراق وسوريا واليمن ولبنان والتأكيد على ضعف الدول العربية بدرجة لا تكون فيها قادرة على تهديد طهران. وقال إن انتخابات الجمعة هي “مهزلة انتخابات رئاسية” حيث فتح المجال للإيرانيين كي يصوتوا لأي شخص صادق عليه النظام، ويتوقع أن تكون نسبة المشاركة منخفضة جدا. فلن تغير الانتخابات شيئا طالما ظل الملالي في الحكم، وهو أمر يصدق على رؤساء أمريكا ورؤساء وزراء إسرائيل ومحاولتهم الحصول على أفضل صفقة مع إيران يمكن شراؤها بالمال. أو حاول الحصول على الصفقة التي يتم فيها رفع العقوبات أو إعادة فرضها وتسمح بمواصلة الحرب السرية لكن لا تحاول الإطاحة بالنظام القائم.

والمشكلة هي أن قادة إيران ماكرون ويستطيعون الحدس بما تفكر به عن بعد مئات الأميال، وعندما يكتشفون عدم وجود جهات مستعدة لتحديهم أو الإطاحة بهم فإنهم يجدون طرقا لمواصلة برامجهم النووية. وفي الغالب تصل المفاوضات حول فكرة عقد أفضل صفقة مع إيران يمكن شراؤها بالمال. ويرى الباحث في مركز ويلسون، روبرت ليتواك، أن كلام ترامب المتشدد بل واغتياله الجنرال قاسم سليماني لم يكن لديه استراتيجية دبلوماسية يستخدم فيها استراتيجية أقصى ضغط ويحول الحملة إلى أهداف يمكن تحقيقها و”لم يكن مستعدا لاستخدام القوة المفرطة ولهذا انتظر الإيرانيون خروجه من السلطة”.

 ويعبر فريدمان عن فرحه من عدم استخدام القوة والإطاحة بالنظام الإيراني من الخارج، لأن هذا أمر يعود للإيرانيين، ولهذا السبب فهو يدعم كل محاولات التفاوض مع أنه لا يشك في تحول إيران إلى جار جيد. وظل موضوع إيران سببا في التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي مرحلة ما بعد بنيامين نتنياهو تعرف الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن عليها التعامل بحذر مع الموضوع الإيراني لمعرفتها أن بايدن شخص مختلف. ولا يعني أنه لن يعطي رئيس الوزراء الجديد كل ما يريده كما فعل ترامب مع نتنياهو إلا أن يركز اهتمامه بتحقيق المصالح الأمريكية الإستراتيجية في الشرق الأوسط ألا وهو منع الحكومة الإيرانية من الحصول على السلاح النووي بشكل يهدد بتقويض نظام منع السلاح النووي وتحويل الشرق الأوسط إلى ساحة عملاقة للسلاح النووي. ويهدف بايدن بمنع إيران من تطوير سلاحها النووي وتهدئة ساحة الشرق الأوسط حتى يركز على عملية البناء الداخلي في أمريكا ومواجهة الصين.

 ويقول الإسرائيليون إن أمريكا ستدفع لإيران مقابل وقف تطوير مشروعها النووي وتحريرها للقيام بنشر الأسلحة الدقيقة والمتقدمة ضد إسرائيل عبر حلفائها في لبنان. ومن المستبعد أن تتسامح إيران. ومن المحتمل أن تتسامح مع الأسلحة الثقيلة التي يوجهها آيات الله. وفي حرب 2006 أطلق حزب الله 20 قنبلة غبية صواريخ أرض- جو غير موجهة وبأضرار محدودة. لكن بالصواريخ الموجهة (جي بي أس) والتي وفرتها إيران لحزب الله فما عليه إلا أن يطلق صاروخا واحدا على عدة أهداف- المطار، المفاعل النووي، الموانئ ومحطات الكهرباء ومصانع التكنولوجيا. ويقول فريق بايدن إنه ملتزم بالمحادثات مع إيران بعد العودة للاتفاقية، هو أمر لن يرضي إسرائيل. والطريق الوحيد لإرضائها هو قيام بايدن بنزع فتيل التوتر في سوريا.

وتسيطر على هذا البلد اليوم ثلاث قوى غير عربية: تركيا وإيران وروسيا. فموسكو لا تحب وجود إيران إلى جانبها، ولكنها بحاجة لها ودعم الميليشيات الشيعية وقمع الحركات السنية الديمقراطية والجماعات المتطرفة. ولدى الكاتب فكرة لبايدن وهي أن يقوم مع دول الخليج بمحاولة إقناع الأسد بطرد الإيرانيين وزيادة ما تقدمه طهران له وبوعد بقائه في السلطة، مع أنه مجرم حرب. ويمكن لإسرائيل دعم هذه الفكرة لأن كسر الممر البري الذي توفر عبره السلاح لحزب الله سيغير قواعد اللعبة.

——————————

أهداف إيران في الشرق الأوسط حتى 2024/ وليد فارس الأمين

بعد أن توقفنا على استراتيجيات النظام الإيراني للتعاطي مع إدارة جو بايدن حتى 2024، وذلك عبر الاستفادة من قرار واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي، لتمرر “مشاريعها الكبرى” من تكديس السيولة وتسريع التسلح وفك الحصار القانوني ورفع العقوبات، يبقى السؤال حول أجندات طهران فيما يتعلق بالمنطقة، أي حيال الشرق الأوسط والعالم العربي. فما أهداف النظام حيال سيطرته على جزء من الهلال الخصيب وجزء من اليمن، وما تلك الأهداف الموازية تجاه باقي الدول في الإقليم لا سيما تلك التي يخاصمها، كيف ستتحرك طهران جيوسياسياً خلال فترة بايدن حتى 2024؟

دار الممانعة ودار الحرب

مما بات واضحاً، استناداً إلى ممارسات العقود والسنوات الماضية، فإن القيادة الإيرانية تضع مصلحة النظام أولاً، وذلك تحت مظلة عقيدة “الجمهورية الإسلامية”، أي قبل المصلحة الحياتية والاقتصادية للمواطنين. وبالتالي لا ننتظر أن تقوم طهران بتنازلات كبرى حيال المطالب الغربية لتستفيد من المداخيل المالية لتحسين الاقتصاد والوضع المعيشي، بل ستستفيد من مداخيل الاتفاق النووي لتدعيم النظام داخلياً وتصليب سيطرتها على “مستعمراتها” العربية والمشرقية خارجياً. واستراتيجية الاستفادة من عودة واشنطن إلى الاتفاق ستكون على محورين. محور “دار الممانعة” أي الاحتفاظ بالدول أو المناطق التي تسيطر عليها ومنع إزاحة سيطرتها عنها بكل الوسائل، ومحور “دار الحرب” أي الدول والمناطق التي تحاربها “الجمهورية الإسلامية” من التحالف العربي، إلى المعارضات الوطنية، إلى إسرائيل وغيرها.

أولاً: المستعمرات الإيرانية

ما هو واضح وضوح الشمس أن النخبة الخمينية لن تتخلى عن الدول أو المناطق التي تسيطر عليها تحت أي ظرف كان، إلا تحت ضغط هائل، وهو بعيد الاحتمال تحت إدارة بايدن-هاريس بسبب الاتفاق النووي. وبالتالي فطالما استمر الانغماس الأميركي في آلية الاتفاق، لن تكون هناك مقاومة أميركية لسيطرة إيران على أربع دول عربية. أو هذا على الأقل ما تعتقده طهران، وقد تكون مصيبة ربما. فإذا وقعت واشنطن على معاهدة الـ”JCPOA” (خطة العمل الشاملة المشتركة) هل ستفشل نفسها ذاتياً عبر اشتباك كبير مع “الشريك الجديد” من أجل تحرير هذه الدول؟ الجواب أن القوى الضاغطة داخل أميركا ستعمل المستحيل لمنع بايدن من تحرير العراق وسوريا ولبنان واليمن من القبضة الإيرانية حتى الانتخابات المقبلة، وهذا ما تعول عليه طهران حتى 2024. ولكن كيف ستترجم إيران هذه الاستراتيجية في “المستعمرات”؟

العراق

واضح أن النظام الإيراني يتكل على ميليشياته في العراق لإبقاء البلاد تحت سيطرته. من هنا ستستمر إيران في تعزيز قدرات الحشد الشعبي والمجموعات الموالية لها، وستوسع هذا الدعم مع الحصول على المداخيل المالية بواسطة تزخيم الاتفاق النووي ورفع العقوبات. أمام طهران تحديان داخل العراق. الأول، هو وجود قوات أميركية، وستعهد إيران مهمة إجلائها للميليشيات عبر تسليحها لكي تهدد هذه القوات. وستحاول استعمال اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة لحمل الإدارة على سحب القوات العسكرية.

التحدي الثاني، هو انتفاضة المجتمع المدني ضد الميليشيات، إذ تخشى طهران تجدد تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بشكل أكبر، مما قد يؤدي إلى تدخل خارجي، بما فيه تدخل أميركي. ولكن القيادة الخمينية تظن أن توقيع الاتفاق مع واشنطن وضغط اللوبي فيها، سيمنع الإدارة من مساندة الانتفاضة الشعبية عندما تعود إلى الشوارع. مشروع إيران في العراق حتى 2024 هو تعميق السيطرة عليه، وصولاً إلى الإمساك بنفطه عبر شركات تسيطر عليها من خلال الميليشيات. وكل ذلك مبني على افتراض عدم رد إدارة بايدن على التوسع الإيراني.

لبنان

خطط إيران تجاه لبنان معروفة وقديمة، وتلخص بتكليف “حزب الله” السيطرة الحازمة والحاسمة على الجمهورية اللبنانية بكامل مفاصلها. وكما في العراق، معسكر المحور يحتاط لتحديين أساسيين يهددان “حزب الله”. الأول هو تجدد ثورة الأرز التي انفجرت في 2005، أو إعادة انفجار ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، لأنه كما كتبنا سابقاً للشعب اللبناني قدرات ذاتية للثورة على ميليشيات الحزب. أما التحدي الثاني، فهو إعادة تدخل أميركا في لبنان لإضعاف الحزب، إما عبر قرار أممي جديد تحت الفصل السابع، وإما عبر قوات متعددة الجنسيات على نمط أفغانستان. ولتلافي هكذا أخطار، تعتمد قيادة “حزب الله” على قدرة طهران عبر الاتفاق النووي واللوبي في واشنطن على منع أي دعم أميركي جدي للمعارضة اللبنانية ضد الحزب، أو أي عمل أميركي مباشر ضد الميليشيات. والجدير بالذكر، أن هكذا معادلة كانت قائمة في لبنان منذ انطلاقة إدارة باراك أوباما في 2009، واستمرت خلال حقبة إدارة دونالد ترمب التي لم تتمكن من تغيير سياسة سلفه تجاه لبنان، وهي الآن تستمر مع إدارة بايدن. طهران تعتمد على الاتفاق النووي لحماية “حزب الله” في لبنان، ليس فقط من إسرائيل بل من اللبنانيين أيضاً. ولكن هل ستستمر هذه المعادلة لأربع سنوات أخرى؟

سوريا

المشروع الإيراني في سوريا للسنوات الأربع الآتية سيكون الأكثر قابلية للتغير بسبب المعادلات على أرض الواقع وتقاطع السياسات الإقليمية. فالهدف الأساسي الإيراني في تلك البلاد المقسمة والمدمرة هو في أقنومين. الأول، هو الحفاظ على النظام القائم بقيادة آل الأسد بكل الوسائل الممكنة لحماية التمدد الإيراني إلى البحر المتوسط. والثاني، هو إجراء تعديلات ديموغرافية تسمح بإقامة مناطق متماسكة طائفياً تربط العراق بسوريا ولبنان. إدارة بايدن لا تؤيد نظام الأسد ولا تحبذ التغييرات الديموغرافية في سوريا. ولكن السؤال الأكبر هو هل ستواجه إدارة بايدن الدور الإيراني في سوريا؟ طهران تعتقد أن واشنطن ستنتقد الميليشيات الإيرانية وعملها داخل سوريا ولكنها لن تتدخل ضدها عسكرياً. وهذا هو الأساس بالنسبة إلى النظام.

اليمن

أما ما تبغيه قوات الباسدران في الساحة اليمنية، فهو أيضاً معروف وواضح. طهران تهدف إلى الإبقاء على “النظام الحوثي” في الشمال مع ساحل يطل على البحر الأحمر طيلة السنوات الأربع المقبلة. وكما بالنسبة إلى دول “المحور” الأخرى، تعتبر إيران أن التسوية الإقليمية الدولية ستضمن بقاء “الجمهورية الحوثية” على مساحات واسعة من الدولة اليمنية. كيف؟ بمجرد أن تضغط إدارة بايدن على التحالف العربي لوضع حد لحرب اليمن والانسحاب منه، فإن ذلك سيتحول إلى ستاتيكو سيحمي الميليشيات المؤيدة لإيران لسنوات. وبالمقارنة مع “المستعمرات” الثلاث الأخرى، تطبق القيادة الإيرانية المعادلة المفترضة نفسها: هل ستقاتل الولايات المتحدة الميليشيات الحوثية مباشرة لتجردها من السلاح؟ مخططو طهران يعتبرون أن الاتفاق النووي سيضمن منع الحسم العسكري ضد الحوثيين، وبالتالي سيتم حماية هذه الميليشيات حتى 2024 على الأقل.

الاتفاق المظلة

من هنا، فإن الاعتقاد في طهران أن عودة الولايات المتحدة إلى نادي الاتفاق، ستحمي “الإمبراطورية” لنصف عقد تقريباً. لذا ينكب أصحاب قرار في “الجمهورية الإسلامية” على التوازن بين ما يمكنهم أن يقدموه من تنازلات من ناحية، والتأكد من أن ميليشياتها في الدول الأربع ستستمر وتنمو لأربع سنوات، ريثما تتطور تلك الميليشيات إلى شبه دولة كالحرس الثوري داخل إيران.

ولكن هل ستذهب إدارة بايدن إلى هذا الحد من قبول بالأمر الواقع أم أن هنالك خطوطاً حمراء لا ترى بالعين المجردة؟ وماذا سوف تكون ردود فعل “الدول المواجهة” لطهران؟ هذا ما سوف نعالجه في الحلقة المقبلة.

——————————

==========================

تحديث 18 حزيران 2021

—————————–

الانتخابات الرئاسية الإيرانية: لا أحد ينتظر فما بدّلوا تبديلا/ صبحي حديدي

الأرجح أنّ مئات الآلاف من الإيرانيين، وربما عشرات الملايين ضمن الـ 59 مليونا ممّن يحقّ لهم المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي تجري اليوم؛ يصعب، كثيراً، أن يمسحوا من الذاكرة دور (القاضي!) المرشح الرئاسي إبراهيم رئيسي الذي كان في عداد، والبعض يساجل بأنه الأكثر تشدداً وغلظة، أربعة قضاة حكموا بالإعدام على آلاف المعارضين في سنة 1988: أكثر من 5000 حسب منظمة العفو الدولية. ذلك لن يبدّل كثيراً من واقع المعطيات الواضحة، المتوفرة حتى الساعة، والتي تقول إنه سيكون الفائز في الانتخابات؛ بل لعلّ الرجل الذي خسر أمام الرئيس الحالي حسن روحاني في سنة 2017 سيكمل ولايتين، ويمتلك الحظوط الأوفر لخلافة علي خامنئي في موقع المرشد الأعلى، رغم أنه لا يتمتع حتى الساعة بصفة آية الله.

ومعلوم أنّ الوالي الفقيه لا يشغل صفة الآمر الناهي في إيران وحدها، بل في العراق عبر الميليشيات الشيعية، وفي لبنان حيث «حزب الله» وفي سوريا التي تغتصب أرضها وشعبها الميليشيات الشيعية ذاتها، وفي اليمن من خلال الحوثيين. وقبل إغلاق هذا القوس حول ولاية الفقيه، تجدر الإشارة إلى أنّ المبدأ مسلّم به لدى جميع رجال السلطة في إيران، «متشددين» كانوا أم «معتدلين» أم «محافظين» أم «إصلاحيين»؛ لأنه بادئ ذي بدء يُفرد للوالي الفقيه الصلاحيات الأوسع في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية: تسمية أعضاء مجلس المرشدين، ومجلس القضاء الأعلى، ورئاسة القيادة العليا للقوات المسلحة (بما في ذلك تعيين أو عزل رئيس الأركان، وقائد الحرس الثوري، وأعضاء مجلس الدفاع الأعلى، وقادة صنوف الأسلحة) وإعلان الحرب والسلام والتعبئة، وتوقيع مرسوم تسمية رئيس الجمهورية بعد الانتخابات، وإدانة وعزل الرئيس بموجب أسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية، وإصدار مختلف أنواع مراسيم العفو العام.

وغنيّ عن القول إنّ رئيسي لا يحظى بصفة المرشح المفضل لدى خامنئي، الوالي الفقيه الحالي، لأنه صقر جارح على أصعدة القضاء وأحكام الإعدام ودفن المعارضين في مقابر جماعية، فأمثاله كثر في مختلف مؤسسات السلطة الإيرانية؛ بل، على نحو جوهري ابتدائي وحاسم، لأنه بين الأكثر تشدداً على صعيد تأويل الفقه الخاصّ بولاية الفقيه، وبصدد أية محاولة للتعديل في قوانينه واشتراطاته. هو، إلى جانب الولاء الأعمى لسيده ووليّ أمره خامنئي، والولاء الذي لا يقلّ عماءً لمبدأ الولاية ذاته؛ بين الأشدّ تزمتاً تجاه الدعوات التي تلمّح، مجرد تلميح في الواقع، إلى «جمهورية ثالثة» في إيران، بعد الأولى (شباط/ فبراير 1979) التي أطاحت بالشاه، والثانية التي تبلورت ـ طبقاً لتشخيص آية الله الخميني نفسه ـ بعد أشهر من احتلال السفارة الأمريكية في طهران. ولقد مضى زمن، غير بعيد في الواقع، شهد تنطّح الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد للوقوف في وجه دعاة الجمهورية الثالثة، ولكنه اليوم في صفّ المرشح الرئاسي المرفوض والسياسي الرجيم و… العميل الإسرائيلي!

وأمّا صفّ «الإصلاحيينّ، الذين تنعموا بالتأثيم ذاته تقريباً من أنصار أحمدي نجاد وبتجنيد مباشر من «الحرس الثوري» فيكفي أن يستعرض المرء أسماءهم كي يستذكر أيّ منقلب قُلبوا إليه: محمد خاتمي، مير حسين موسوي، مهدي كروبي، زهراء إشراقي (حفيدة الخميني)؛ على اختلاف تياراتهم الفكرية والعقائدية، وبرامجهم السياسية والاقتصادية. أكثر من هذا، كيف يُنسى أنّ علي أكبر محتشمي (مؤسس «الحرس الثوري» المشرف على تأسيس «حزب الله» في لبنان، والسفير الإيراني الأسبق ـ والأهمّ، حتى إشعار آخر ـ في سوريا أيام حافظ الأسد)؛ هو الذي طالب، ذات يوم غير بعيد هنا أيضاً، بلجنة عليا للتحقيق في… تزوير الانتخابات الرئاسية!

وكان المرء يتشهى سماع أيّ تعليق من حسن نصر الله حول الانتخابات الرئاسية الإيرانية الراهنة، من دون أن يطمع المرء ذاته في أية عبارة عزاء يتوجه بها الأمين العام لـ«حزب الله» إلى أحمدي نجاد، بعد أن رُفض ترشيحه وقُذف به مجدداً إلى سلّة مهملات ولاية الفقيه؛ هو القابع منذ سنوات، الآن، في سلّة مهملات التاريخ. ففي خريف 2010 زار أحمدي نجاد لبنان، وحظي من نصر الله بأقصى التفخيم: «نشمّ بك يا سيادة الرئيس رائحة الإمام الخميني المقدّس، ونتلمس فيك أنفاس قائدنا الخامنئي الحكيم، ونرى في وجهك وجوه كلّ الإيرانيين الشرفاء من أبناء شعبك العظيم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه في كلّ الساحات، ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا».

فهل أنهم، بالفعل، ما بدّلوا تبديلاً؟ الأكيد أنهم بدّلوا على صعيد تدوير التشدد والتزمت، وترقية القضاة الأشدّ دموية إلى سدّة الرئاسة. هذا رجل سوف يأتي إلى المنصب بعد المرور على مناصب شتى قضائية (المدعي العام للثورة الإسلامية في طهران، مؤسسة المتابعة والتفتيش، رئاسة السلطة القضائية) وسياسية (مجلس الخبراء) واقتصادية (وَقْف «أستان قدس رضوي» في مشهد، إحدى أضخم مؤسسات إيران الاستثمارية)؛ وتتكدس في متاعه أثقال سفك الدماء وقهر الاحتجاجات الشعبية والفساد الأكثر رثاثة. وإذا عجزت حكومة حسن روحاني عن التوصل إلى اتفاق نووي في فيينا، فإنّ شهر آب (أغسطس) المقبل لن يشهد تتويج رئيسي بالرئاسة فقط، بل سيردّ الشعب الإيراني إلى سنوات وسنوات من المسغبة والفقر ومشاقّ الحياة اليومية؛ أو «اقتصاد المقاومة» كما يحلو للمرشح الأوفر حظاً أن يسمّي عمليات تجويع الفئات الشعبية الإيرانية.

هذا واحد من أولى الفوارق بين روحاني، الذي وضع الاقتصاد على راس أجندات حكومته، وسعى بالتالي إلى توقيع اتفاق نووي أفسح المجال أمام رفع العقوبات الاقتصادية الخانقة؛ وبين رئيسي، الذي وإنْ كان ويظلّ منصاعاً تماماً لأحكام خامنئي حول متابعة مفاوضات فيينا ورفع العقوبات الأمريكية او تخفيفها على الأقلّ، فإنّ عقيدته الصقورية في الفقه والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية سوف تبقيه على أهبة الصدام وليس الوئام. إنه، ويا للمفارقة، يعيد إحياء الكثير من موروث أحمدي نجاد المرفوض ترشيحه؛ إذْ ينهض خطابه العامّ على خلائط التبعية المطلقة للولي الفقيه، والتعبئة الدينية والمذهبية، ودغدغة المشاعر القومية، والتحريض العاطفي ضدّ الغرب والولايات المتحدة، ومساندة برامج «تصدير الثورة» إلى لبنان والعراق وسوريا واليمن.

وعلى غرار أحمدي نجاد، اقترن تصعيد رئيسي بسلسة تبدّلات في الخطاب السياسي/ العقائدي، بدأت مطلع 2006 بما يشبه الفتوى التي أصدرها محسن غرافيان، تلميذ آية الله مصباح يزدي؛ تجيز استخدام السلاح النووي، على نقيض الآراء السابقة التي كانت تعتبره مخالفة للشريعة الإسلامية، لأنه سلاح يفتك بالبشر جماعياً وبلا تمييز. وحين نقلت وكالة الأنباء الإيرانية هذه التصريحات، ثمّ تناقلها آيات الله هنا وهناك، بات واضحاً أنها استقرت في صلب السياسة الرسمية العليا للدولة، وليست جهود روحاني للمناورة عليها مع الغرب والولايات المتحدة سوى مظهر السطح الذي ينوء تحت أثقال المصاعب الناجمة عن العقوبات الاقتصادية.

هل يستحق الشعب الإيراني رئيساً أفضل من رئيسي؟ بالتأكيد، ما دام أصلاً يستحق مَنْ هو أفضل من روحاني، وأفضل حتى من خاتمي نفسه. غير أنّ معضلة إيران، ومحنة شعبها، لا تُختزل في الرئاسة، أو حتى في شخص خامنئي، بل في مبدأ ولاية الفقيه الذي كبّل «الثورة الإسلامية» منذ البدء، وعطّل ويعطّل حسن توظيف ثرواتها، ويزجها في استبداد وقهر وركود وجمود. رئاسيات لا ينتظرها إلا أهلها، والحال هذه، فما بدّلوا فيها ولا يبدّلون!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

———————-

إيران: ماذا بعد “الانتخابات”؟/ جمانة فرحات

لم يكن توصيف القيادي الإصلاحي الإيراني مصطفى تاج زادة، في مقابلته مع “العربي الجديد” قبل أيام، ما يجري في إيران “انقلابا انتخابيا” مبالغا فيه، فمنذ اقتراب موعد الاستحقاق كانت الأمور واضحة. هناك قرار واضح بطي صفحة كل ما له صلة بـ”الإصلاحيين” أو “المعتدلين”، على قاعدة أن المرحلة المقبلة هي للمحافظين حصراً، وليس مسموحاً حتى بمنافسة بين المحافظين، بل يجب وصول من اختاره المرشد حصراً. على هذا الأساس، كانت إقصاءات مجلس صيانة الدستور المرشحين أولى محطات غربلة الأسماء، وتمهيد الطريق للمرشّح الأوحد المطلوب فوزه إبراهيم رئيسي. المرحلة التالية تمثلت في المنافسة الصورية، والتي امتدّت حتى يوم الأربعاء، أي قبل يومين فقط من موعد الاستحقاق، فكرّت بعدها الضغوط وسبحة الانسحابات لتجعل فوز رئيسي بالمنصب محسوماً، حتى أنه عملياً أصبح، في نظر كثيرين، ما من داعٍ لفتح صناديق الاقتراع، ما دامت النتائج قد حدّدت سلفاً. ولذلك جاءت الخطوة الأهم من وجهة نظر النظام، عبر حديث المرشد علي خامنئي في اليوم نفسه، وقبل ساعات فقط من الصمت الانتخابي. حاول خامنئي استنهاض الإيرانيين على قاعدة أن المشاركة المحدودة في الاستحقاق “ستزيد من ضغوط الأعداء”. يخشى النظام الإيراني من العزوف الانتخابي، بعد ما رافق الاستحقاق من مشهد تنافسي صوري، على الرغم من عدم اعترافه بذلك علانية. وهو بالتأكيد يدرك جيداً أن حديث خامنئي لن يغيّر شيئاً في قرار الإيرانيين الذين اختاروا مقاطعة التصويت، اعتراضاً على نهج النظام، لكن حديث المرشد، وبروباغندا التهويل بـ”الأعداء” التي استخدمها، سيكون لهما، بالتأكيد، مفعول ولو نسبي ضمن القاعدة الشعبية للنظام، التي قد “تتراخى” عن المشاركة، بعدما انتهت العملية الانتخابية قبل أن تبدأ لصالح مرشّح خامنئي.

بالنسبة للنظام الإيراني، يرتبط السؤال الأهم بما بعد انتهاء يوم الانتخابات. وما لم يقله المسؤولون علناً يردّدونه بالتأكيد في ما بينهم بشأن الخشية من ضعفٍ سيلازم ولاية رئيسي، إذا ما تدّنت نسبة التصويت مقارنة بالاستحقاقات الرئاسية السابقة. ويدرك هؤلاء أن التبعات لن تنعكس خارجياً فقط، بل ستظهر داخلياً أيضاً.

تخوض إيران مفاوضاتٍ جوهرية بشأن ملفها النووي، وقضايا أخرى مرتبطة به، في فيينا، والتي سيكون مصيرها رهنا بما يخطط له المحافظون للمرحلة المقبلة. وهو ما يفسّر إصرار النظام على إيصال رئيسي، دوناً عن غيره، إلى الرئاسة، لوضع حدٍّ لأي تمايز، ولو نسبي، بين ما يريده المرشد و”الميدان” من جهة وبين الحكومة والدبلوماسية الإيرانية من جهة ثانية، على غرار ما حدث إبّان ولاية حسن روحاني ووجود محمد جواد ظريف في وزارة الخارجية، لا سيما بعد تسريب حديثٍ للأخير عن دور قاسم سليماني وقادة الحرس في التحكّم بالمشهد السياسي الإيراني. وإذا كان يصعب التكهن على نحو حاسم بشأن فرص التوصل إلى اتفاقٍ من عدمه في عهد رئيسي، فإن ما هو حتمي أن المسؤولين الإيرانيين يدركون جيداً أن التحدّي الداخلي سيبرز بقوة إذا ما تعثر إحياء الاتفاق، وتالياً رفع العقوبات. ومنذ احتجاجات الحركة الخضراء عقب الانتخابات الرئاسية في إيران عام 2009، يتعاطى النظام مع أي بوادر استياء أو اعتراض شعبي أنها مؤشّرات تنذر بتفجر غضب الشارع مجدّداً. ويعي جيداً أن كل ما لجأ إليه، أكثر من عقد، من إجراءات قمعية، بما في ذلك الاستمرار في وضع قادة الحركة الاحتجاجية تحت الإقامة الجبرية والاعتقالات والملاحقات والقبضة الحديدية، لم يكن كافياً لضمان عدم تكرار هذا المشهد الاحتجاجي. وبالتأكيد، فإنه إذا ما تصاعدت عوامل الاحتقان الاقتصادية والاجتماعية في الفترة المقبلة، واقترنت مع أخرى سياسية بعد مسرحية الانتخابات، فإن احتمالات تفجّر موجةٍ جديدةٍ من الاحتجاجات تبقى قائمة. ولذلك تبدو الانتخابات مجرّد محطة تأسيسية لفصل جديد من التطورات، داخلياً وخارجياً.

العربي الجديد

————————-

إيران: الأرياف تكتسح المدن في انتخابات “التعيينات الرئاسية”/ بادية فحص

يؤكد كثر من الشخصيات والجهات المراقبة لسير دورة الانتخابات الرئاسية الجديدة، أن رئيسي هو الرئيس المقبل لإيران، ويطلقون على العملية عبارة “التعيينات الرئاسية”، وباعتقادهم أن ثنائي الحكم (المرشد والحرس) هندس هذه المهزلة، باسم الديموقراطية.

على مسافة يومين من الانتخابات الرئاسية في إيران، أظهر آخر استطلاعات الرأي، أن نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع، في المدن المركزية في المحافظات الإيرانية لن تتعدى حدود 32 في المئة، في حين ستتركز النسبة الأعلى من التصويت، في الأرياف والمدن الصغيرة، ما سيرفع نسبة المشاركة في الانتخابات عموماً إلى حدود 42 في المئة، وذلك بحسب مركز “ايسبا” لاستطلاعات الرأي.

وأفاد المركز أن مرشح المرشد ابراهيم رئيسي، يملك حظوظاً عالية بالفوز، تدنو من 60 في المئة من مجموع عينة الاستطلاع، أما المرشحون الستة الآخرون، فقد حصلوا على النسب التالية: 8 في المئة لمحسن رضائي، 3.7 في المئة لعبد الناصر همتي، 3.5 في المئة لسعيد جليلي، 3.1 في المئة لأمير حسين قاضي زاده هاشمي 3 في المئة لعلي رضا زاكاني، 0.7 في المئة لمحسن مهر علي زاده.

وكشف الاستطلاع الجديد لمركز “ايسبا” وربما الأخير، إذ إن ساعة الصفر باتت قريبة، أن 79.4 في المئة من العينة التي شاركت في الاستطلاع، تعتبر أصواتاً متأرجحة، إذ يمكن أن تتراجع عن المشاركة في اللحظة الأخيرة، كما أن هناك ما نسبته 18.4 في المئة من الأصوات، يحتمل أن تتراجع عن التصويت لمرشحها المختار لمصلحة مرشح آخر، تحت الضغط.

في هذا السياق، يؤكد كثر من الشخصيات والجهات المراقبة لسير دورة الانتخابات الرئاسية الجديدة، أن رئيسي هو الرئيس المقبل لإيران، ويطلقون على العملية عبارة “التعيينات الرئاسية”، وباعتقادهم أن ثنائي الحكم (المرشد والحرس) هندس هذه المهزلة، باسم الديموقراطية، من أجل تنصيب رئيسي، وقد بدأت مع اليوم الأول، لبدء التحضيرات الانتخابية، وتمثلت أولاً: باستبعاد المرشحين الإصلاحيين، اسحاق جهانكيري ومصطفى تاج زاده على سبيل المثال، والإبقاء على أسماء هزيلة، ترشحت منفردة من خارج إجماع التيار الإصلاحي مثل محسن مهر علي زاده، وذلك لإبعاد الناخب الإصلاحي عن صناديق الاقتراع، وهذا ما حصل فعلاً، فقد أعلن التيار الإصلاحي مقاطعة الانتخابات وعدم تأييده أياً من المرشحين، على رغم أن علي زاده ما زال إصلاحياً.

ثانياً: بالانقلاب على المحافظين الوسطيين، المعروفين بأنهم أبناء الثورة وبناة الجمهورية وشركاء النظام، أمثال علي مطهري وعلي لاريجاني، والأخير كانت فرص فوزه هي من الأعلى بين المرشحين، وكان يشكل منافساً حقيقياً وخطيراً لرئيسي، وكان متيقناً من أنه سينال بركة المرشد، لكن الثنائي كان في هذا الوقت، يحيك له سجادة الإلغاء في الخفاء، وتمكن منه ومن تياره، لذلك لن يشارك لاريجاني وما يمثله من عائلة وخط سياسي، في التصويت، وبذلك تخلص رئيسي من خصم قوي ومن جو سياسي مؤثر ومن قاعدة مؤيدين واسعة، وأصبح أكثر قرباً من كرسي الرئاسة.

ثالثاً: بإقصاء محمود أحمدي نجاد، والرئيس السابق على رغم غرقه في الفساد وإغراقه البلاد في أزمة اقتصادية، ما زالت مفاعيلها تتردد حتى الآن، إلا أنه ما زال يحظى بشعبية مقبولة، كما أنه يملك في المدن، جمهوراً من “المريدين” المتأهبين دوماً لتلبيته. وكان الثنائي أثنى على خطوة ترشحه سابقاً، لأنه يدرك أن شخصية “متواضعة” مثله تشكل محركاً لانتخابات تتسم بالبرودة، لكنه عاد وتراجع لأن التنافس بينه وبين رئيسي، يمكن أن يكون متكافئاً في المدن الصغيرة وفي الأرياف.   

من ناحية أخرى، انطلقت مع أولى فعاليات الانتخابات، حملات مدنية تدعو إلى مقاطعة الانتخابات، الأولى هي حملة “لا للتصويت”، التي نظمها أهالي ضحايا العنف في “سجون وشوارع وسماء إيران”، وقد انضم إليها رسمياً أهالي ضحايا إعدامات منتصف الثمانينات، التي يعد رئيسي أحد منفذيها، أهالي ضحايا احتجاجات حزيران/ يونيو 2009، أهالي ضحايا انتفاضتي أيلول/ سبتمبر 2017 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وأهالي ضحايا الطائرة الأوكرانية، التي أسقطها الحرس الثوري فوق طهران، ونشر من تمكن من أهالي الضحايا، وأغلبهم أمهات، يحملن صور بناتهن وأبنائهن القتلى، مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، دعوا فيها الشعب الإيراني إلى عدم انتخاب القاتل.

الحملة الثانية أطلقها نشظاء سياسيون، واتخذت اسم “لن أنتخب”، داعية إلى مقاطعة فاعلة وهادفة للانتخابات، وأعلن مطلقوها أن الهدف الآخر منها إضافة إلى مقاطعة الانتخابات هو “هدم جهود الجمهورية الإسلامية، من أجل ترميم شرعيتها المفقودة عبر الانتخابات”، عبر توسيع الحملة والدعاية لها في دول العالم.

الحملة الثالثة أطلقتها شخصيات سياسية مثل رضا بهلوي (نجل الشاه) ووجوه ثقافية وفنية في إيران وخارجها، مثل شاهين نجفي وداريوش إقبالي، حملت اسم “لا للجمهورية الإسلامية”، ودعت إلى مقاطعة الانتخابات وعدم مهادنة نظام القتل، وقد حصلت في أول أيام إطلاقها على 600 توقيع.

ليس سراً أن الانتخابات في الجمهورية الإسلامية، عموماً والرئاسية خصوصاً عبارة عن حفلة تنكرية، يستمتع النظام الإسلامي في تنظيمها وتحضير أجوائها وتجهيز مستلزماتها وتحديد المشاركين فيها، ليكسر عزلته الداخلية والخارجية، لذلك لا تليق بها مفردات مثل: انتخاب، تصويت، اقتراع، ديمقراطية، نزاهة، شفافية، حتى إن فعلي خسر وفاز لا قيمة لهما، لأنهما شكليان، فالفائز بيّن والخاسر أيضاً، قبل أن يحتكما لصناديق الاقتراع، ومن المتوقع أن يكون يوم الجمعة 18 حزيران/ يونيو، موعداً آخر لإقامة حفلة جديدة من التنكر القبيح.    

ددرج

———————

صعود صادرات إيران النفطية تحت مظلة محادثات فيينا/ ضياء قدور

مقدمة:

مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن في مطلع العام الجاري، بدأت الصادرات النفطية الإيرانية تأخذ منحنًى تصاعديًا متسارعًا غير مطرد، بالرغم من أن العقوبات الأميركية الرامية إلى تصفير الصادرات النفطية الإيرانية التي فرضتها الإدارة السابقة، بعد خروجها من الاتفاق النووي عام 2018، ما زالت سارية المفعول حتى الآن.

وبالرغم من أن سياسة الإدارة الأميركية السابقة لم تنجح كليًا في تصفير صادرات النفط الإيراني، فقد كان من المشهود لهذه السياسة التسبب في سقوط حرّ وانخفاض غير مسبوق في صادرات النفط الإيرانية، إذ تدَّنت من مليون برميل في اليوم، في نيسان/ أبريل 2019، إلى 160 ألف برميل في اليوم، في آذار/ مارس 2020.

لذلك، في الوقت الذي تتفاوض فيه إيران مع القوى العالمية لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وإعادة إحياء الاتفاق النووي، من المستغرب اليوم أن تتجاوز الصادرات النفطية الإيرانية، في انتهاك واضح للعقوبات، مليون برميل يوميًا في العام الجديد، وهو معدّل غير مسبوق لم نشهده منذ سنوات.

نظرة على صادرات النفط الإيرانية:

(من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020 إلى شهر نيسان/ أبريل 2021)

بشكل عام، تتوافق بيانات جميع مواقع مراقبة الناقلات النفطية على مجموعة من الإحصاءات الشهرية المدعمة بصور الأقمار الصناعية من جميع أنحاء العالم، وهي تبيّن أن الصادرات الإيرانية زادت بشكل حاد منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020، لتبدأ حينذاك إيران بتصدير مئات الآلاف من البراميل، نحو وجهتين أساسيتين هما: الصين وحكومة نظام أسد، كما يظهر الجدول (الأرقام هي عدد براميل النفط المصدرة في اليوم الواحد):[1]

وعلى الرغم من أن معدّل صادرات النفط الإيراني قد اتخذ منحنًى تصاعديًا متسارعًا، يبقى هذا المنحنى غير مطرد، وقد شهد صعودًا وهبوطًا كبيرًا في كمية النفط المرسلة إلى الصين وحكومة نظام أسد. ويرجع ذلك في حالة الصين إلى مدى نجاح تكتيكات الاحتيال النفطي وقدرته على تسويق النفط الإيراني، في فترات زمنية مختلفة ممتدة ما بين عملية التحميل الأولي في إيران إلى التفريغ النهائي في الصين[2]. أما في حالة نظام أسد، فكان من الملاحظ ثبات كمية الشحنات النفطية الإيرانية على معدل وسطي (70 ألف برميل يوميًا، وهو ما يعادل نصف احتياجات النظام النفطية)، مع تقلبات كبيرة في الكميات المرسلة تعود أسبابها الأساسية لاندلاع ما يشبه حرب الناقلات بين إسرائيل وإيران حديثًا.

الصين.. نهم نفطي لا ينتهي

صحيح أن بعض الشحنات النفطية توجهت إلى الإمارات والعراق وماليزيا وبعض الجهات غير المعروفة، لكن هذه الأطراف كان لها الفضل الكبير في إنجاح دورة التحايل النفطي، لترفع صادرات إيران إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة نحو الصين التي تلقت الغالبية العظمى من صادرات النفط الخام والمكثفات الإيرانية. وبغض النظر عن الطبيعة السرية لمبيعات النفط غير المشروعة، واختلاف التقديرات حول معدل الصادرات الشهرية الإيرانية، لا يخفى حجم النهم والجشع الصيني على النفط الإيراني الذي تدفق إلى مصافي نفط صغيرة ومستقلة في الصين بأسعار مخفضة للغاية، وهو ما شجع الشركات الخاصة والحكومية معًا على المخاطرة والمقامرة، لانتهاك العقوبات الأميركية في ظل تراخي الحكومة الأميركية الحالية.

في خضمّ ذلك، لا تُعزى تقلبات كميات النفط الإيراني المرسل إلى الصين إلى تراجع في شهية بكين أبدًا، بل إن هذه الصعود والهبوط في المنحني يعود لسبب رئيسي متعلق بالأمور اللوجستية المرهونة بطول الفترة الزمنية التي تستطيع فيها إيران إيجاد المشتري المناسب، بعد أن تقوم بنقل نفطها من سفينة إلى أخرى في بحر الصين الجنوبي[3].

من ناحية أخرى، تستخدم إيران الناقلات الخمس الكبار، وهي مجموعة ناقلات غير إيرانية لا تتبع للشركة الوطنية الإيرانية للناقلات الخاضعة للعقوبات الأميركية، وتتمتع بقدرة على حمل أكثر من 57 مليون برميل من النفط في كل دفعة إلى الصين[4].

https://bit.ly/3c2lmZC

لذلك، في الوقت الذي يتم تصدير ما بين ثلث إلى نصف النفط الإيراني، عبر تكتيكات التحايل النفطي في البحار المفتوحة بعيدًا عن عمليات التتبع، تُظهر قدرة الناقلات الخمس الضخمة على حمل كميات كبيرة من النفط غير المشروع حجم نهم الصين التي كانت وما زالت أكبر مشترٍ للنفط الإيراني منذ سنوات.

النفط الإيراني المقسط لا يسدّ رمق نظام أسد

بالرغم من أن التحقيقات تشير إلى وجود تاريخ حافل من شحنات النفط الإيراني المُقَسَّط إلى النظام السوري، الذي اعتمد خلال السنوات العشر الماضية على واردات النفط الإيراني (نحو 70 ألف برميل يوميًا) لسدّ نصف احتياجاته النفطية، فإن هذه الكميات لم تداوِ أزمة المحروقات السورية التي كانت تضرب البلاد بين الفينة والأخرى، في ظل فقدان نظام أسد سيطرته على معظم الحقول النفطية وحاجته الملحة إلى أكثر من 200 ألف برميل يوميًا، حتى يتمكن من تسيير آلته الحربية وتشغيل شبكة الكهرباء المتهالكة ضمن التقنين الوسطي المعهود[5].

يُبين الجدول التالي متوسط صادرات النفط الإيراني إلى سورية:

وبناء على ذلك، يمكننا بناء تصور قائم على أساسيين اثنين: الأول أن التقلبات في كميات النفط الإيراني المرسل إلى سورية تُعزى إلى عمليات الشحن المعقدة والطويلة والمحفوفة بالمخاطر، في ظل اندلاع ما سمته بعض وسائل الإعلام حربًا غير مباشرة بين إيران وإسرائيل على ثلاث جبهات، كان أحد محاورها حرب الناقلات التي اشتملت على أكثر من 14 استهدافًا إسرائيليًا في البحر الأحمر ومياه المتوسط، منذ أواخر عام 2019[6].

وبالرغم من أن الاستهدافات الإسرائيلية للناقلات الإيرانية كانت مدروسة ودقيقة وتتسم بدرجة كبيرة من السرية والصمت وتهدف إلى تعطيل صادرات النفط الإيراني إلى سورية، فقد نجحت بعض الناقلات النفطية الأصغر في الوصول إلى مقصدها النهائي في ميناء بانياس[7]؛ والثاني أنّ الشحنات النفطية الإيرانية، بغض النظر عن تقلب كميات النفط الإيراني المرسل إلى نظام أسد بسبب حالة التوتر السائدة، كانت بمنزلة مسكّنات آلام إذ لم تقدّم حلولًا جذرية لأزمة المحروقات المستمرة والمتجددة في سورية. وفي الحقيقة كانت حاجة إيران الشديدة إلى القطع الأجنبي السبب الرئيس وراء تفضيلها المشترين الآسيويين على سورية التي كانت تشتري نصف النفط الإيراني المصدّر إليها بالتقسيط في العامين الماضيين[8]. وفي الوقت الذي تضاعفت فيه الشحنات النفطية الإيرانية إلى الصين مرات عدة، بقيت حصة النظام السوري ضمن معدل لم يتجاوز 3.5 مليون برميل في الشهر، أي أقلّ من نصف احتياجاته الشهرية.

هل سينضمّ العملاء الآسيويون لقائمة المشترين للنفط الإيراني مع رفع العقوبات الأميركية؟

فتحت إمكانية رفع الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران البابَ واسعًا أمام إمكانية عودة العملاء الآسيويين الرئيسيين السابقين لقائمة المشترين للنفط الإيراني، خاصة اليابان وكوريا الجنوبية اللتين كانتا ثالث ورابع أكبر مشترين للخام والمكثفات الإيرانية في العالم بين عامي 2016 و 2018.

وعلى الرغم من أن هذا الموضوع قد يستغرق وقتًا طويلًا؛ بسبب وجود مجموعة العقبات، أهمّها إجراءات عودة بناء الثقة وحل مشكلات التحويل المصرفي والتأمين، بعد غياب إيران لأكثر من عامين عن قوائم الموردين بسبب العقوبات، فإن دفع إيران بميزة السعر المخفض لنفطها سيشجع العملاء السابقين، ومنهم الأوروبيون أيضًا، للعودة بسرعة لقائمة المشترين للنفط الإيراني[9].

ومع قدرات تخزينية عالية تتمتع بها في إيران في البر والبحر (65 مليون برميل عائم و54 مليون برميل أخرى في التخزين البري)، ومجموعة ضخمة من الناقلات النفطية (100 ناقلة تقريبًا) تساعدها في عملية تسويق نفطها، من المرجح أن تعود إيران -في وقت قياسي- لأسواق النفط العالمي بمعدلات ضخمة تزيد عن مليوني برميل في اليوم الواحد، أي إلى معدل التصدير المعهود قبل فرض العقوبات الأميركية في عام 2018. ([10])([11])

لكن بغض النظر عن توقيت وحجم عودة النفط الإيراني إلى سوق النفط العالمي، باعتباره أحد العوامل المؤثرة في سعر النفط العالمي، ستكون عودة طهران السريعة والضخمة ودفعها بميزة السعر المخفض سببًا كافيًا لعودة أغلب العملاء السابقين الطامعين في تحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية.

خلاصة واستنتاجات

ما سبق يقودنا إلى مجموعة من الاستنتاجات:

    – إن الزيادة المهولة في صادرات إيران النفطية لا يجب أن تثير تساؤلات حول فعالية العقوبات الأميركية أو سياسة الضغط الأميركية القصوى المتبعة من قبل الإدارة الأميركية السابقة، التي نجحت في إدارة ما يشبه حربًا اقتصادية على النظام الإيراني تهدف إلى تجفيف موارده المالية.

    – يجب أن تُوجّه أصابع الاتهام إلى تساهل الإدارة الأميركية الجديدة في تطبيق شبكة العقوبات الاقتصادية وعدم تحديثها بشكل دوري، واطمئنان طهران إلى أن الإدارة الجديدة لن تفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، كبادرة حسن نيّة برغبتها في العودة للاتفاق النووي، وهذا ما جعل طهران أكثر جرأة على تحدي العقوبات مستفيدة من تكتيكات الاحتيال النفطي والدفع بميزة السعر المنخفض.

    – بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن طهران، ستعود الصادرات النفطية الإيرانية إلى سابق عهدها في وقت قياسي جدًا، وبالتالي سيواجه سوق النفط العالمي صدمات كبيرة في أسعار النفط الخام، بسبب تعطش طهران للقطع الأجنبي الذي حُرمت منه لأكثر من عامين.

    – رفع العقوبات الأميركية عن طهران سيملأ خزينة النظام الإيراني بالقطع الأجنبي الذي سيستخدمه حتمًا لتأجيج الصراع في الشرق الأوسط، خاصة في سورية واليمن.

[1]– نيسان/ أبريل 2021- تتبع الناقلات الإيرانية – موقع متحدون ضد إيران النووية – https://bit.ly/3vxlEzc

[2]– الصورة أعلاه نقلًا عن موقع تانكر تركرز – https://bit.ly/3ihWSj1

[3] – ارتفاع صادرات النفط الإيرانية مع تطلع الولايات المتحدة للانضمام إلى الاتفاق النووي – صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية – https://nyti.ms/3fw14JX

[4]– المرجع رقم 1

[5] https://www.syria.tv/108081

[6]– الكهرباء الإيرانية في سوريا.. نوع جديد من “إبر التخدير” – ضياء قدور – تلفزيون سوريا – https://bit.ly/32tp3SE

[7]– هجمات إسرائيلية مدروسة بهدف تعطيل صادرات النفط الإيراني لسوريا – ضياء قدور – تلفزيون سوريا – https://bit.ly/3uyangK

[8]– خفت حدة أزمة الوقود في سوريا بالشحنات الإيرانية – راديو فردا – https://bit.ly/3vHBTdi

[9]– بينما تتطلع إيران إلى إنهاء عقوبات تصدير النفط، هل يشتري عملاء آسيا السابقون؟ – وكالة أنباء رويترز – https://reut.rs/3yPri1K

[10]– تمتلك إيران مخزونًا ضخمًا من النفط العائم يجب إزالته عند رفع العقوبات – بلومبرغ – https://bloom.bg/3i55r0s

[11]– أوقف القفزة – متحدون ضد إيران النووية – https://bit.ly/3c2lmZC

مركز حرمون

————————-

====================

تحديث 20 حزيران 2021

————————

النظام الايراني عندما يهزم الاصلاحيين/ حسن فحص

انتهت الانتخابات الرئاسية في ايران الى النتيجة التي ارادها النظام، واستطاع ايصال المرشح الذي بدأ مسيرة اعداده بشكل عملي وعلني مع فوز حسن روحاني في انتخابات عام 2013، تلك الانتخابات التي سعى النظام والدولة العميقة حينها ان يقلل من خسائره او القبول بالحد الادنى من الخسائر التكتيكية من خلال تمرير وصول روحاني تفاديا لعودة الرئيس الاسبق الراحل هاشمي رفسنجاني الذي وصل حينها الى نقطة افتراق واضحة ومنهجية مع المرشد وقوى السلطة التي تقبض على النظام من خلف الكواليس. والكلام عن رفسنجاني هنا ليس من باب الضرب بالغيب او تحميل الاشياء ما لا تحتمل، بل فضحته تصريحات وزير الامن الاسبق حيدر مصلحي الذي كشف ان قرار استبعاد رفسنجاني من الانتخابات الرئاسية عام 2013 جاء في اطار الحفاظ على مصالح النظام الاستراتيجية ونتيجة الشعبية الواسعة التي يتمتع بها رفسنجاني المختلف مع المرشد والتي قد تتجاوز 90 في المئة، وبالتالي كان لا بد من التضحية به للحفاظ على مصالح النظام العليا.

قد تكون رغبة المرشد واصرار الدولة العميقة على ايصال رئيسي الى رئاسة الجمهورية تعبيرا عن ضرورة على طريق اعداده ليكون احد ابرز المرشحين لمنصب خلافة المرشد ، وهذا مسار او بعد خاضع للكثير من الجدل وتوازنات اللحظة التاريخية التي تطرح فيها مسألة الخلافة بشكل جدي. فالمرحلة الانتقالية بين رئاسة الجمهورية وقيادة النظام، قد لا تعني نهائية الخيار لدى قوى النظام المقررة، ما يجعل الخلافة ايضا تتحول الى مرحلة انتقالية ثانية بقيادة رئيسي لتمهيد الطريق امام وصول الشخصية التي من المفترض ان تتولى هذا الموقع بعد تهيئة الارضية السياسية والاجتماعية والدينية لها.

واذا ما كان وصول رئيسي يشكل مؤشرا على الهواجس التي تسيطر على تيار السلطة ومستقبل قيادة النظام وضمان آليات سلسلة للانتقال، والتي قد تتحول الى ازمة حقيقية اذا لم تنجح الجهات التي تتولى هذه المهمة في تسويقها وتكريسها. الا ان نتائج الانتخابات كشفت عن ازمة اخرى قد تكون اكثر تعقيدا داخل صفوف التيار والقوى الاصلاحية، قد لا يكون من السهل الجزم بتداعياتها السلبية الان، الا انها تشكل مؤشرا حقيقيا على مستقبل ودور هذه القوى وحجم تأثيرها على الشارع الايراني.

فالاصوات التي حصل عليها المرشح عبدالناصر همتي الذي دخل الحضن الاصلاحي في اليومين الاخيرين قبل يوم الاقتراع، والتي بلغت نحو 2 مليون ونصف المليون صوت، لم يستطع فيها منافسة الاصوات اللاغية التي حلت بالمركز الثاني بعد  المرشح الفائز وتجاوزت نسبتها 14 في المئة بنحو 4 مليون ونصف المليون صوت. واذا ما اعتبرنا ان هذه الاصوات شكلت صوتا اعتراضيا على السياسات القائمة وقد تكون ردا على الفتوى التي اصدرها المرشد واعتبر فيها الاقتراع بورقة بيضاء “حرام”. الا انها تكشف، اذا ما جمعت مع الاصوات التي حصل عليها همتي، حجم الكتلة البشرية التي مازالت تتأثر وتستجيب لنداءات القيادات الاصلاحية التي دخلت بثقلها في اليومين الاخيرين لمنع وصول رئيسي الى الرئاسة ومحاولة كسر ارادة الدولة العميقة الداعمة له.

هذه النتائج المتواضعة لـ”همتي” والاوراق البيضاء او الاصوات اللاغية، ترقى في البعد السياسي الى حدود الهزيمة للتيار الاصلاحي وقياداته والخطاب الذي تحمله، وتكشف عن تراجع تأثير خطابها “المحافظ” الذي لم يعد يلبي طموحات القوى الشعبية والحزبية المطالبة بالتغيير الجدي او احداث نقلة نوعية في آليات النظام، ولم تفلح كل محاولات التنصل من اداء حكومة روحاني في تبرئة ساحتها من مسؤولية الفشل الذي عانت منه سياسة معالجة الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وترددها في تقديم خطاب مقنع يحمل المسؤولية للجهات الحقيقية التي ساهمت وعملت على تعقيد وتأزم الاوضاع الداخلية لافشال محاولات استثمار حكومة روحاني في نتائج الاتفاق النووي الاقتصادية والانفتاح على المجتمع الدولي.

لا شك ان النظام نجح في استيعاب الهجوم الذي تعرض له نتيجة اداء مجلس صيانة الدستور في استبعاد ابرز المرشحين الاصلاحيين والمعتدلين، وافرغ الدعوة للمقاطعة من مفاعيلها، وتجاوز مأزق المشاركة المتدنية في الانتخابات البرلمانية قبل نحو عام نصف العام. اذ وعلى الرغم من حالات التذمر والاصوات المعترضة التي ارتفعت في المرحلة الاخيرة والتحذير من مساعي تغيير طبيعة النظام الجمهورية وتحويله الى نظام خلافة وسلطة دينية مطلقة. فان ارتفاع نسبة المشاركة الى حدود 49 في المئة وفوز مرشحه بنسبة 64 في المئة من اصوات المقترعين، حققت له اهدافاً استراتيجية لم يكن من السهل توفيرها في ضربة واحدة، يأتي في مقدمتها مسألة شرعية النظام الشعبية من خلال تحويل المشاركة في الانتخابات الى نوع من الاستفتاء على شرعية تمثيله وتعزز موقفه في مواجهة الضغوط الدولية، خاصة وان امكانية تسويغ عزوف النصف الاخر من المجتمع الايراني عن المشاركة لاسباب ابرزها انتشار وباء كورونا الذي مازال يفتك بالمدن الايرانية. ولعل الهدف الثاني والذي لا يقل اهمية عن مسألة شرعية النظام، وهو اضعاف القوى الاصلاحية وسلبها القدرة على لعب دور مؤثر في الحياة السياسية كقوة قادرة على تحريك الشارع بالاتجاه الذي تريده. فضلا عن توفير الارضية المؤاتية للسير بمشروع تكريس التوجه الذي تريده الدولة العميقة ان كان على صعيد الامساك بمفاصل السلطة او على صعيد الاعداد للمرحلة الانتقالية ما بعد المرشد وطبيعة النظام ومن سيتولى موقع القيادة.

هذه الخلاصات من المفترض ان تكون من اولويات القوى الاصلاحية في المرحلة المقبلة، ومنهجية التعامل معها هي التي ستحدد ما اذا كانت هذه القوى قادرة على الاستمرار واستعادة الدور والعودة الى دائرة التأثير، ام انها ستقبل بما ستنتجه المرحلة المقبلة وتتحول الى مجرد اصوات قد تكون ضرورية للنظام للحفاظ على طابعه التعددي المضبوط تحت السقف الذي يرسمه؟

المدن

——————–

حزب الله يحتفل بفوز ابراهيم رئيسي

احتفل جمهور “حزب الله” اللبناني في مواقع التواصل بفوز ابراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الايرانية. وضع هؤلاء فوز رئيسي بمثابة انتصار على الولايات المتحدة الأميركية معتبرين أن الشعب الايراني تمسك بخيار الثورة الاسلامية.

وكان رئيسي حاز على أكثر من ٦٠٪ من الاصوات بعدما استبعد مجلس صيانة الدستور كل مرشح محتمل قد ينافس رئيسي أبرزهم محمود أحمدي نجاد. واعتبر جمهور حزب الله في منشوراته على مواقع التوصل أن الانتخابات الايرانية هي عرس ديموقراطي، بل أكثر ديموقراطية من الدول الغربية.

    السيد الإبراهيمي الولائي الرئيس رئيسي…

    إذا صدقت التوقعات وفاز سماحته ستكون المرحلة المقبلة شبيهة بمرحلة الثورة المباركة بقيادة الإمام الخميني (قده) ورئاسة الإمام الخامنئي…#ابراهيم_رئيسي#ولايه_الفقيه pic.twitter.com/RPHj4sowjy

    — عَلِيّ شَرَارَة 🇱🇧☫🇵🇸 (@aleShrara) June 18, 2021

أما لماذا يدعم جمهور حزب الله انتخاب رئيسي رئيساً لإيران، فذلك يعود لأسباب عديدة فرئيسي موال بشدة للمرشد الأعلى خامنئي وحين تم تعيينه على رأس مؤسسة الامام الرضا، بدأت التحليلات تدور حول احتمال توليه منصب المرشد الأعلى في حال موت خامنئي، فوز رئيسي يقربه من المنصب أكثر، في تكرار لسيناريو خلافة خامنئي للخميني، ويبدو أن الترتيب لنجاح رئيسي في الانتخابات لم يكن عبثياً، حيث أقصى مجلس صيانة الدستور كل المنافسين الاقوياء.

    السيد #ابراهيم_رئيسي في جنوب لبنان…#انتخابات۱۴۰۰ pic.twitter.com/CkleWBlWUJ

    — Ali El Sayed (@elsayyedali) June 18, 2021

يريد خامنئي من إيصال رئيسي إلى الرئاسة توحيد الخطاب الإيديولوجي الايراني وتوحيد المؤسسات الايرانية بعد حالة من الشقاق  تسبب بها الرئيس السابق حسن روحان ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، بذلك يكون خامنئي قبل موته قد أعاد  ترتيب البيت الداخلي الايراني، واطمأن إلى مصير ولاية الفقيه والاتفاق النووي الايراني، لكون خامنئي عبر وصول رئيسي، المحافظ، إلى الرئاسة ثبّت الجمهورية الاسلامية والثورة الاسلامية.

ويخضع رئيسي لعقوبات أميركية على خلفية اتهامه بالضلوع باعدام معتقلين سياسيين، بذلك قد يشكل وصوله إلى الرئاسة تحد للولايات المتحدة والغرب وتشدد أكثر في معالجة ملفات المنطقة. أما كيف سيؤثر وصوله على لبنان فمن المرجح أن يحافظ رئيسي على الدعم الايراني المطلق لحزب الله وتزويده بما يلزم للصمود أمام ما يعتبرونه حصاراً وهجمة أميركية.

    رئيس الجمهورية الأولى في عصر ما بعد أمريكا السيد المجاهد #ابراهيم_رئيسي pic.twitter.com/3EiALMLKOe

    — علي سليم (@alislim27) June 19, 2021

    الشعب الإيراني قال كلمته “لا لأمريكا” نعم للجمهورية الإسلامية الإيرانية ❤💚💛#ابراهيم_رئيسي pic.twitter.com/YTwJKoFvnD

    — Rima_23القدس_هوانا🇵🇸 (@Rima_123R) June 19, 2021

    السيد #إبراهيم_رئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية 🇮🇷 مبارك للشعب الإيراني هذا العرس الديمقراطي ❤️ pic.twitter.com/0gewdLPzKp

    — 𓂆🇵🇸 Ali Fares 🇱🇧 (@AliHFares1) June 19, 2021

    نُبارك للجُمهوريّة الإسلاميّة ولِلوليّ الفقيه إتمام هذا العرس الانتخابيّ.. ومُبارك فوز السّيّد ابراهيم رئيسي وأعلى الله شأن هذه الجُمهورية أكثر فأكثر

    انتصار جديد لمحور المُقاومة وصفعة جديدة لأمريكا وعبيدها في المنطقة #ابراهيم_رئيسي pic.twitter.com/AL2PLVVHtV

    — | Fatima | ☫ (@92fatimahdr) June 19, 2021

المدن

————————

قاسم سليماني إن بارك رئاسة رئيسي/ وليد بركسية

لم يكن رفع القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بعد مقتله في غارة أميركية قرب مطار بغداد العام 2020، إلى مرتبة القديسين والأولياء الصالحين في الدعاية الإيرانية ككل، عبثياً، بل كانت الصور التي تظهر احتضانه من قبل الإمام الحسين، الذي يقدسه المسلمون الشيعة، في الجنة ملطخاً بدمائه، مقدمة لجعل الرجل “شهيداً حياً” يستغل ببراعة لتمرير رسائل سياسية ومخاطبة مجتمعات واسعة تحاول إيران تعزيز تأثيرها السياسي فيها.

وعادت صور سليماني للتداول وهو يحتضن رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي إثر فوزه بالانتخابات الرئاسية، السبت. ووراء العناق الحميمي يمكن قراءة عناق من نوع آخر يقدمه الإمام الحسين لرئيسي نفسه، وكأن الصورة تمثل مباركة ضمنية من العالم الآخر للمسار السياسي الذي تمت هندسته في إيران من قبل المرجعية الدينية الحاكمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن صورة احتضان الإمام الحسين لسليماني لم تكن عملاً فنياً من صنع المعجبين الأرضيين الفانيين العاديين بل كانت صورة “رسمية” نشرها الموقع الرسمي للمرشد الأعلى علي خامنئي، أكبر مرجعية دينية وسياسية في إيران.

يمكن القول أن صور احتضان سليماني لرئيسي (61 عاماً) أتت كبديل للشرعية المفقودة في الانتخابات المحلية والتي أثبتتها نسبة المشاركة المنخفضة التي قدرتها استطلاعات رأي بأرقام منخفضة أقل من 40% من الشعب الإيراني، وهي أدنى نسبة على الإطلاق منذ الثورة الإسلامية في البلاد العام 1979. وحتى لو كان الوصول إلى رقم دقيق في بلد ظلامي منغلق مثل إيران، صعباً، فإن التلفزيون الإيراني لم يقدم سوى لقطات محدودة لمراكز الاقتراع في جميع أنحاء البلاد، على عكس الصفوف الطويلة في الانتخابات السابقة، بحسب وكالة “أسوشييتد برس”، كما نشر راديو “أوروبا الحرة” مقاطع مصورة تم تجميعها سوياً تُظهر ضعف الإقبال على مراكز الاقتراع المخصصة للانتخابات الرئاسية، في مدن إيرانية عديدة. وصورت إحدى الناشطات سراً مقطعاً في العاصمة طهران، وقالت فيه إن الشرطة “لا تسمح لنا بالتقاط الفيديوهات”.

    من القلب قريب .. للروح أقرب

    عزيز أتى ليحصد زرع الأحبة

    هنيئاً لشيعة علي#ابراهيم_رئيسي ❤ pic.twitter.com/cMmt7S0hRF

    — جواد هاشم .. ♡#قاسم_سليماني_مُلهمي (@abualijawed) June 19, 2021

وهنا، يصبح استخدام صورة سليماني ضرورياً من أجل مباركة العملية الانتخابية التي كانت هندستها فاقعة أكثر من أي وقت مضى، قبل أسابيع من الانتخابات التي جرت الجمعة. فمجلس صيانة الدستور استبعد مرشحين إصلاحيين ومتشددين من دون سبب واضح، بما في ذلك الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ورئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني. وأدى ذلك لموجة غضب وتصريحات متبادلة، لا تعكس دراما سياسية بقدر ما تظهر النفوذ الذي يتمتع به المرشد الأعلى علي خامنئي والمدى الذي يذهب إليه لدعم مرشحه المفضل.

    الانتخابات الايرانية التى يمنع نشر اى معلومات او صور عنها بالاعلام العربي وكلنا نعرف لماذا #رانيا pic.twitter.com/erxsk1pUsn

    — رانيا العسال (@anarana21) June 18, 2021

والحال أنه منذ اغتيال سليماني، تحول الرجل الذي كان في السنوات الأخيرة قبل مقتله واجهة لدعاية النظام الإيراني في الشرق الأوسط وسفيراً يمثل الدبلوماسية الإيرانية بشكل مستقل عن وزارة الخارجية، للتواصل ليس فقط مع الميليشيات المحلية المرتبطة بإيران بل بالأفراد في المجتمعات التي تحاول إيران تعزيز نفوذها فيها، إلى ضلع من أضلاع السلطة في إيران يضاف إلى الأضلاع التقليدية المكونة من الرئاسة والمرشد والحرس الثوري. وكان سليماني يتماهى بين الأضلاع الثلاثة ويتمايز عنها في وقت واحد مدفوعاً بطموح شخصي وثقة أظهرتها استطلاعات رأي أكدت أن 65% من الإيرانيين يثقون به العام 2018، بشكل أكبر من أي شخصية سياسية أخرى في البلاد حينها، بدعم من سردية محاربة الإرهاب الداعشي في الشرق الأوسط.

وتم استخدام سليماني خلال حياته لرفع شعبية الرئيس روحاني عدة مرات، مثلما يستخدم اليوم بعد مقتله لدعم رئيسي، علماً أنه إطلالاته الإعلامية منذ العام 2015 أخرجته من حيز الغموض الذي كان يحيط به كشخصية أسطورية، قبل أن يتم تكريسه بطلاً من قبل الميديا الإيرانية والخطاب الرسمي بوصفه القيادي الذي أنجز المعركة ضد “الإرهاب” وقضائه على تنظيم “داعش” في العراق وسوريا.

على أن وصول رئيسي للرئاسة تأخر أربع سنوات، ففي العام 2017 كان اسم رئيسي حاضراً في الانتخابات لكنه خسر أمام الرئيس الإصلاحي السابق حسن روحاني. ولعل ذلك التأخير يرتبط أيضاً بشعبية رئيسي في الداخل الإيراني أيضاً، ففي العام 2017، تم تقديمه من قبل المعسكر المتشدد على أنه المرشح الأوفر حظاً في خلافة خامنئي (81 عاماً) كمرشد للبلاد، رغم عدم تمتعه بشعبية حقيقية حينها، حيث أشارت استطلاعات رأي محلية أن 9% فقط من الإيرانيين لديهم وجهة نظر إيجابية لصالح رئيسي بينما قال 46% من الناخبين الذين شملهم الاستطلاع أنهم لا يعرفونه أصلاً، رغم تاريخه الدموي كإشرافه على إعدام آلاف السجناء السياسيين العام 1988.

ومنذ ذلك الوقت تم دعم رئيسي وبات شخصية دائمة الحضور في الميديا والسياسية خصوصاً بعد تعيينه رئيساً للهيئة القضائية العام 2019، وصولاً إلى انتخابه اليوم رئيساً للبلاد. ويعكس لك بالطبع ارتفاعاً في شعبيته ومزيداً من تمييز الناس له، مع تقديمه بأنه الرجل الذي سيأخذ بثأر سليماني.

قد يرتبط التأخير السابق أيضاً بوجود دونالد ترامب في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات حاول فيها تشديد الخناق على إيران عبر العقوبات الاقتصادية والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وكان وجود الجناح الإصلاحي في السلطة جزءاً من المناورات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، ومع وصول الرئيس الديموقراطي جو بايدن ورغبته في إحياء الاتفاق النووي، يصبح وجود رئيس متشدد ملحاً أكثر ربما في سياق المفاوضات غير المباشرة في هذا السياق، خصوصاً أن فترة الاتفاق الأول قبل انسحاب واشنطن بشكل أحادي منه، خلقت صورة واسعة في إيران بأنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة مجدداً، وهو ما عززه اغتيال سليماني نفسه.

وإن كان ذلك كله يقدم اليوم في سياق ديني عبر سليماني كجندي في “جيش الحسين”، فإن تلك القراءة تبقى قاصرة لوجود بعد سياسي بحت يمكن تلمسه في تغريدات لأشخاص لا يعرفون عن أنفسهم كشيعة أصلاً، حيث يمثل سليماني ومن خلفه النظام الإيراني ككل، جزءاً من محور سياسي أوسع هو محور الممانعة، الموجه نظرياً ضد إسرائيل. ولا يصبح النظام الإيراني هنا حامياً للشيعة فقط مثلما تقول دعايته منذ عقود، بل يصبح مدافعاً عن حقوق المسلمين ومدافعاً عن العرب أيضاً بشكل يتخطى النزاع القومي العربي/الفارسي.

بالتالي، انتشر هاشتاغ #رئيسي بالعربية كصفة لا كاسم، للإشارة إلى أن ولاء الأفراد السياسي يقبع في طهران وليس في دولهم المتخبطة في أزمات سياسية لا تنتهي، تسقط فيها قيم المواطنة والانتماء. ولا يتعلق الأمر هنا بتغريدات آتية من لبنان أو العراق وبدرجة أقل اليمن وسوريا، حيث تحظى طهران بنفوذ واسع، بل يمتد إلى مغردين من جنسيات مختلفة، ما استدعى جدلاً مع التذكير الواجب بأن رئيسي لا يشكل رجل دين فقط، بل هو مجرم وقاتل جماعي أيضاً بمسؤوليته عن إعدام آلاف المعارضين في ثمانينيات القرن الماضي.

    #ابراهيم_رئيسي🤍✌🏼 pic.twitter.com/Bg0pOru7Gs

    — Zahraa Tohme (@ZahraaT88243803) June 19, 2021

    الجمهورية الإسلامية في إيران تنتخبُ السيّد ابراهيم رئيسي، رئيساً لها.

    أعانك الله في مسؤولتيك

    وجعلك من أحسن الخادمين لهذه الأمّة ومقاومتها.#ابراهيم_رئيسي #ايران #محور_المقاومة pic.twitter.com/2f5nymmjik

    — الأُمَمِي (@oumami_qouds) June 19, 2021

    ❤️ #ابراهيم_رييسي pic.twitter.com/5YOOGvQRY9

    — جاویدوفسکی (@Javidovsky) June 19, 2021

    من مسيحيي محور المقاومة في لبنان … تهنئة من القلب إلى الوريد للسيد #إبراهيم_رئيسي 💛 pic.twitter.com/4xigJaWQNe

    — Zeina Karam #يسقط_حكم_المصرف ✝️ (@zenakaram17) June 19, 2021

    قاسم سليماني: لن اسمح بسقوط بغداد.

    ابراهيم رئيسي : ايها الشعب العراقي ان دمنا دمكم ولحمنا لحمكم ان شاء الله الى يوم القيامة #ابراهيم_رئيسي pic.twitter.com/VXzaTpDF5f

    — الـمُٰـوُسَــوِيـِّةَ║☫ (@amna_saddam) June 19, 2021

    #ابراهيم_رئيسي

    إكثرهم حماس لطلب ثار

    الشهيدين العظيمين

    ابو مهدي المهندس والحاج قاسم سليماني pic.twitter.com/paL6PN0yeW

    — فريد البديري 🇮🇷🇮🇶 (@FARIDALBDIRI) June 19, 2021

    #ابراهيم_رييسي

    عجبي لمن ينتسبون للعرب عرقاً وإلى الفرس ولاءً ولكن بعيداً عن الأعراق الأهم هي العقيدة هل ترون عقيدتكم سليمة (ياعلي)!!!

    نسيتم مجازر سوريا! ام تناسيتم تدمير العراق وهناك من يمجد لقاسم سليماني نصيحة تب إلى الله قبل أن تشرب من نفس الكأس أو تسأل يوم الحساب عن تمجيدك له

    — Gjfjek I’m (@gjfjek) June 19, 2021

    #Iran’s state TV (channels 3 and 4) used the same photo to claim a “massive” voter turnout in the cities of Hamedan and Shiraz.#BoycottIranShamElections pic.twitter.com/UH6sZ15aRx

    — Heshmat Alavi (@HeshmatAlavi) June 18, 2021

المدن

————————–

=====================

تحديث 21 حزيران 2021

———————-

عن خامنئي الذي يُقفل على إيران/ساطع نور الدين

 لم يعد هناك ذرة شكٍ في إرادة المرشد الايراني علي خامنئي المطلقة ولا في تصلبه الشديد، ولا في قراره الحاسم بإقفال باب الاجتهاد السياسي، الذي فُتح طوال السنوات الثماني الماضية. النظام ما زال في خطر. إيران ما زالت في حالة حرب. الانتخابات الرئاسية كانت معركة داخلية سهلة، حُسمت بسرعة قياسية، بالمقارنة مع معارك لم تنتهِ في العراق وسوريا واليمن ولبنان.. والعاصمة النمساوية فيينا.

بما يشبه التعيين، ثم الاستفتاء، إختار خامنئي، الرئيس الجديد لإيران، إبراهيم رئيسي، وهو أحد أقرب شخصيات النظام إليه، مثله مثل نجله مجتبى الذي كاد يقع عليه الاختيار ليكون مرشحا للرئاسة. لكن المرشد الذي لم يكن يريد المخاطرة، إعتمد على 16 مليون صوت سبق أن حصدها رئيسي في الإنتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2017 وحاز فيها حسن روحاني على ولاية ثانية من أربع سنوات. في الاقتراع الاخير، يوم الجمعة الماضي، زاد رئيسي الى رصيده الشعبي مليوني صوت فقط، لتصبح الكتلة الناخبة للمرشد 18 مليون صوت، من أصل 59 مليون ناخب، من مجموع السكان الايرانيين الذي يفوق 80 مليوناً.

تصرف خامنئي كعادته بكثير من التوتر. ومثلما قرر قبل سنوات عديدة ان مقارعة العدو في بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت أفضل في محاربته في طهران وأصفهان وقُمّ، جزم في أن التفاوض مع الشيطان الاكبر الاميركي يتطلب الاطمئنان التام الى الجبهة الداخلية، وإزاحة كل من يجرؤ على التشكيك في جدوى أو في كلفة الاشتباك مع اميركا والغرب والعرب، سواء كان علي لاريجاني الذي أُبعد من الترشح بطريقة مهينة وظالمة، أو المرشحين الاصلاحيين الذين لم يكن بينهم أحد من وزن مير حسين موسوي او مهدي كروبي او محمد خاتمي، ولا كان لدى جمهورهم ذلك الحافز الذي سبق أن أخرج الملايين منهم الى الشوارع في الثورة الخضراء الشهيرة في صيف العام 2009.

أغلق خامنئي بعصبية الباب على أي جدال غير مناسب في ظل التفاوض الحرج مع الاميركيين. غلّب مشيئته بأن العودة الى الاتفاق النووي لن تكون إلا بعد تعيين رئيس إيراني مطيع وملتزم لن يساوم على الحقوق الايرانية التي سلمت بها بالفعل إدارة الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن..ولن يسمح للاميركيين بإختراق إيران وترويضها وإخضاعها، على نحو ما كان يطمح الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الابن، في عرض الحوافز الشهير الذي قدمه في حزيران/يونيو العام 2006.

حاول الاميركيون طوال الاشهر الماضية، إختبار إرادة خامنئي، وإغواءه بتخفيف الحصار ورفع بعض العقوبات، على أمل أن يسمح لمفاوض إصلاحي أن يحصد الثمار، لكنهم عادوا الى التسليم بأن التفاهم المنشود لن يكون إلا مع المحافظين، أو بالتحديد مع أكثرهم تشدداً، وبأن المكاسب والمغانم لن تكون إلا هدية المرشد، الأخيرة ربما، للنظام السياسي والامني الذي بناه طوال سنوات ولايته الفقهية الممتدة منذ العام 1989، والتي تجعله اليوم الحاكم المطلق لفترة زمنية لا مثيل لها في أي بلد في العالم.

أمام هذا التشدد للمرشد وللنظام، نُحيّ جانباً النقاش حول الكلفة التي دفعتها إيران وشعبها، طوال العقود الثلاثة او الخمسة الماضية، منذ أن تحولت الى أسيرة لبرنامجها النووي الذي كان يمكن ان يمضي قدماً بغطاء أميركا وروسيا وأوروبا، من دون أي بُعدٍ عسكري محرم أصلاً، ومنذ أن فشلت في التفاهم مع الاميركيين على فتاوى وراثة أفغانستان من حركة طالبان، وعلى حجج وراثة العراق من صدام حسين، ومضت، بتوجيه المرشد الذي كان يزداد مع الايام خوفاً على نظام يفترض أنه آمن، نحو التورط في حرب سوريا المخالفة لأي منطق، وفي حرب اليمن العبثية المناقضة لأي قياس.

قبل إنتخاب رئيسي، نوقش خامنئي أكثر من مرة ومن قبل غالبية القيادة الايرانية في عدم مصلحة إيران في دعم نظام بشار الاسد، وفي عدم حاجتها الى دعم معركة الاقلية الحوثية مع السعودية، وفي عدم إستفادتها من توسيع دائرة العداء مع العرب..ومن تضييق هامش المفاوض الايراني مع اميركا. لكن المرشد كان، على الدوام، له رأي آخر.. لن يناقشه أحدٌ بعد اليوم!

المدن

————————

رئيس إيراني ذهبي..للتوقيع أم للتوريث/ مهند الحاج علي

انتهت الانتخابات الرئاسية الإيرانية بالفوز المتوقع للمرشح المحافظ إبراهيم رئيسي، وبفارق شاسع عن منافسيه الثلاثة. ذاك أن هذه الانتخابات لم تُحسم في صناديق الاقتراع أو المناظرات بين المرشحين. الانتخابات حُسمت في مجلس صيانة الدستور الذي حجب مرشحين بارزين على رأسهم اسحق جهانغيري نائب الرئيس الإيراني حسن روحاني، وعلي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، ما ترك رئيسي وحيداً في الميدان، وهو ما يُفسر نسبة الاقتراع المتدنية (حتى النسبة الرسمية، وهي 48٪، غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الاسلامية في إيران- كانت نسبة المشاركة عام 2009 85%). حتى إن بعض الصحافة الإيرانية تحدث عن “صمود” مرشحين آخرين، إذ أن انسحابهم كان حوّل هذه الانتخابات الخالية من المضمون، إلى مبايعة أو استفتاء على مرشح واحد وحيد.

وفوز رئيسي يتزامن مع وصول محادثات فيينا الى مرحلتها الأخيرة، إذ انتهت الجولة السادسة منها، على أن تبدأ السابعة (والأخيرة بحسب بعض التوقعات) مطلع الشهر المقبل. وفي حال صحّت التوقعات عن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي في ظل حكومة روحاني، فإن هذه فُسحة زمنية قصيرة جداً، كون ولاية الرئيس الحالي تنتهي في الثالث من آب (أغسطس) المقبل. ووزير الخارجية الايراني الحالي محمد جواد ظريف من أنصار هذا الفريق “المتفائل” حيال احتمال الانتهاء من الاتفاق قبل رحيل حكومة روحاني. وهناك من يُرجح أيضاً أن تخلص الجولة السابعة من محادثات فيينا الى اتفاق نهائي في 14  تموز (يوليو) المقبل، أي في الذكرى السنوية للتوقيع على الاتفاق النووي عام 2015.

على الجانبين الأميركي والإيراني تحصيل موافقة سياسية من واشنطن وطهران قبل الخروج بإعلان في هذا المجال، إذ تُفيد مصادر الدول الوسيطة والشريكة في الاتفاق، أي روسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، أن التفاصيل باتت شبه منجزة بعد شهور من التفاوض (بدأت المفاوضات في اليوم الثاني من نيسان-أبريل الماضي). الأسئلة المطروحة اليوم هي سياسية، وعلى ارتباط بكيفية اخراج العودة الى الاتفاق ايرانياً، سيما أن صحيفة “نيويورك تايمز” ومصادر أخرى أشارت الى أن الاتفاق أُنجز تقريباً بانتظار نضوج ظروف إعلانه لدى الجانب الايراني.

هناك من يرى أن الهدف هو انجاز روحاني الاتفاق، ومن ثم تشدد رئيسي في التنفيذ ولو شكلياً، وإظهار ثنائية إيرانية في مقابل الثنائية الديموقراطية-الجمهورية الأميركية. ديموقراطي يُوقع، وآخر جمهوري ينسحب. وعلى الجانب الإيراني، رئيس إصلاحي يُوقع، وآخر مُحافظ يتشدد في التنفيذ ويلوم السابق، ويُدافع عن حقوق بلاده المهدورة. مثل هذا السيناريو يحصر التوقيع بحسن روحاني، إذ يصير الرجل مسؤولاً عن اتفاقين نووين، لا واحداً، بما يُتيح لخليفته فُسحة لانتاج سياسة إيرانية جديدة والتنصل من فشل الاتفاق في جلب فوائد اقتصادية أو عدم التزام الجانب الأميركي به بعد نهاية ولاية الرئيس جو بايدن في واشنطن.

وقد تصح أيضاً فرضية أن رئيسي سيحصد فوائد الاتفاق من دون تحمل تكاليفه، وأن الانفراجة الاقتصادية (في حال حصولها) ستكون من نصيبه وتُحتسب في سجله. كل ما سبق ليس متناقضاً في المضمون، ذاك أننا أمام مرشح ذهبي للنظام يُؤمل منه ضمان الديمومة أو الاستمرارية. إذا كان الاتفاق مفيداً في هذه المرحلة، ويُقدم وفرة مالية لا بد منها، سيستفيد رئيسي من ذلك. وفي حال تراجع الفائدة الإيرانية من الاتفاق، وخيبة الشعب الإيراني من ذلك، روحاني سيتحمل المسؤولية.

عملياً، نحن نقترب من مرحلة تناغم بين أجنحة النظام، لا بل قد تتضافر جهوده جميعها لانجاح تجربة رئيسي، تمهيداً للعب دور أكبر مستقبلاً، تماماً كما انكب الجميع على تصميم انتخابات على مقاس مرشح واحد.

المدن

———————-

فوز رئيسي: قضايا واشكاليات الداخل والخارج

يحتاج إبراهيم رئيسي مع أدنى نسبة مشاركة شهدتها الجمهورية الإسلامية في انتخاباتها الرئاسية (49%) إلى أداء سياسي يجعله يثبت أنه رئيس لكل الإيرانيين وليس رئيس إيران الأصولي. وهذا معادلة تحتاج منه إلى عمل تسويات داخلية. لكن المدى الذي يمكن أن يسلكه في هذا الاتجاه سيبقى محدودًا إذ إنه معني بشكل أساسي ببقاء حالة التناغم السياسي في توجهات حكومته وهو ما تقتضيه أيضًا ملفات السياسة الخارجية وفي مقدمتها الملف النووي والعلاقة مع الغرب.

بعد جدال بشأن سياسات مجلس صيانة الدستور ودعوات للمقاطعة قابلتها دعوات وحشد للمشاركة، انتُخب رجل الدين ورئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، ليكون ثامن رئيس لإيران في عهد الجمهورية الإسلامية. يخلف رئيسي حسن روحاني الذي سُجِّل في إرثه السياسي اتفاق نووي مع مجموعة 5+1، في 2015، ما لبثت الولايات المتحدة الأميركية في عهد ترامب أن خرجت منه، عام 2018، فارضة مزيدًا من العقوبات ضمن ما عُرف بسياسة “الضغط الأقصى”. ورافق فشل رهان حكومة روحاني على الغرب وعجزه عن الوفاء بوعوده الاقتصادية تراجع اقتصادي وأوضاع معيشية صعبة وتصعيد فرضه مجلس الشورى على صعيد خفض التزامات طهران بالاتفاق النووي كان أهمه رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%.

واعتبر النائب التنفيذي لمكتب آية الله علي خامنئي، وحيد حقانيان، أن الانتخابات “ضربت توقعات الأعداء”، واجتازت فيها البلاد “مرحلة حساسة” من تاريخها. و”نظرًا لشروط الترشح واستبعاد عدد من المرشحين، ومقاطعة الانتخابات من قبل بعض الشخصيات كالرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، فقد شكَّل بقاء المرشحين الثلاث في السباق الرئاسي عونًا لرئيسي حيث إن انسحاب هؤلاء الثلاثة من السباق الانتخابي كان سيشكِّل تحديًا كبيرًا للنظام”.

الداخل: سعي لاستعادة الثقة

في أول تصريح له عقب انتخابه رئيسًا، قال إبراهيم رئيسي: “في الحكومة الجديدة، سنبذل قصارى جهدنا لحلحلة عقد البلاد خاصة في المتعلقة بمعيشة الناس”. وتحدث عقب لقاء جمعه بالرئيس حسن روحاني، الذي زاره مهنئًا، عن سعي ليكون بمستوى الثقة لإنجاز المهمة الثقيلة التي وضعها الناس على كاهله.

تحدث رئيسي عن أنه ترشح مستقلًّا، وركز خلال حملاته الانتخابية في 2017 وفي حملته الأخيرة على أن حكومته ستكون خالية من الانحياز لتيار معين. لكن صحيفة شرق الإصلاحية تساءلت إن كان يستطيع حقًّا تشكيل حكومة عابرة للأجنحة؟ بحيث نشهد مشاركة وزراء من ذوي التوجهات الإصلاحية والمعتدلة في حكومته المقبلة. وما واقعية الحديث عن أنه جاء مستقلًّا بالرغم من توجهه الأصولي الواضح، وبالرغم من أنه حظي بدعم الغالبية العظمي من أحزاب وشخصيات التيار الأصولي؟

يحتاج إبراهيم رئيس مع أدنى نسبة مشاركة شهدتها الجمهورية الإسلامية في انتخاباتها الرئاسية (49%) إلى أداء سياسي يجعله يثبت أنه رئيس لكل الإيرانيين وليس رئيس إيران الأصولي. وهذا معادلة تحتاج منه إلى عمل تسويات داخلية ومشاركة أصحاب التوجهات الأخرى في إدارة العملية السياسية. لكن المدى الذي يمكن أن يسلكه في هذا الاتجاه سيبقى محدودًا إذ إنه معني بشكل أساسي ببقاء حالة التناغم السياسي في توجهات حكومته وعلاقتها مع مؤسسات صنع القرار الأخرى.

ولم تصدر إلى اليوم معطيات واضحة بشأن تشكيلته الوزارية لكن تسريبات تحدثت عن احتمال منصب اقتصادي لسعيد محمد، القائد السابق لمجمع خاتم الأنبياء الاقتصادي التابع للحرس الثوري، ولم يصادَق على ترشحه للانتخابات الرئاسية. وقد أعلن محمد دعمه لرئيسي أثناء فترة الدعاية الانتخابية وأكد أنه “لم يضع أي شرط لدعم رئيسي”، أما بشأن تولي منصبٍ ما فعلَّق: “إذا رأى ذلك مناسبًا فسأخدمه كجندي في النظام”. وعلى صعيد السياسة الخارجية يبرز اسم سعيد جليلي، رئيس فريق التفاوض السابق وممثل خامنئي في مجلس الأمن القومي. وهو اسم لا يَسُرُّ الأطراف الغربية وكذلك يبرز اسم علي باقري كني الذي شغل منصب النائب الأول لرئيسي في السلطة القضائية.  وتُطرح أسماء من الحرس الثوري لوزارة الاستخبارات، أما اللواء أمير علي حاج زاده، القائد الحالي لسلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني فيُطرح اسمه لوزارة الدفاع، وهو مسؤول عسكري برز اسمه بشكل كبير في موضوع القدرات الصاروخية الإيرانية، وخرج معتذرًا للناس عندما جرى إسقاط الطائرة الأوكرانية من قبل دفاعات الحرس عقب اغتيال قاسم سليماني، عام 2020. وقام بزيارات لعوائل الضحايا. ويعتبر من الشخصيات التي تحظى بشعبية كبيرة في إيران. وأكد مرارًا أن بلاده لن تفاوض على برنامجها الصاروخي وأنه لا يوجد في إيران مسؤول لديه إذن للتفاوض بشأن هذه القضية. ويعد الملف الصاروخي من القضايا التي يسعى الغرب للدخول في مسار تفاوضي بشأنها مع إيران.

وحكومة رئيسي القادمة، مطالَبة داخليًّا بتحقيق انفراجات في القضايا التالية:

    مواصلة حملته في مكافحة الفساد التي أطلقها عندما ترأَّس السلطة القضائية وأظهر جدية فيها.

    تخفيف الضغوط المعيشية عن الناس وتوفير فرص عمل وتخفيف حدة البطالة خاصة بين صفوف الشباب.

    تعزيز الآليات التي تحدث عنها لتحييد تأثير العقوبات من خلال تعزيز الإنتاج الداخلي وبناء اقتصاد لا يعتمد على الغرب ولا يعوِّل على الاتفاق النووي دون خطة بديلة.

    سيكون أمام استحقاق استعادة ثقة الناس في العملية السياسية بإنجازات اقتصادية بالدرجة الأولى كما يحتاج إلى مبادرات مصالحات داخلية. وقد ينجح رئيسي في إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة على مير حسين موسوي ومهدي كروبي، زعماء الحركة الخضراء منذ احتجاجات 2009 على الرغم من أنه لم يعد بذلك، وهي المسألة التي عجز عن الوفاء بها حسن روحاني رغم أنه وعد بذلك.

الخارج: ماذا بشأن الاتفاق النووي؟

على الرغم من التوجه الواضح بالنسبة لرئيسي فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه أظهر واقعية سياسية في حديثه عن الاتفاق النووي، وقال إن حكومته ملتزمة بتطبيقه، لكنه علَّق بأن تطبيقه يحتاج إلى “حكومة قوية”. وذلك يعني أنه إذا كان روحاني كان يسعى لتجنب التصعيد للحفاظ على الاتفاق النووي فإن رئيسي سينتهج التصعيد لتطبيق الاتفاق.

يبدو الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية راغبة أكثر من أي وقت مضى في إنجاز اتفاق خلال الفترة المتبقية لحسن روحاني في السلطة، أي إلى مطلع أغسطس/آب 2021. وإذا ما حدث ذلك فهذا يعني أن يستلم رئيسي زمام الأمور من حسن روحاني مع منجز تفاوضي سيجني هو ثماره وأهمها رفع العقوبات. وفي مقابل ذلك، هناك من يرى ضرورة تأجيل الاتفاق وإنجازه مع الحكومة الجديدة؛ وظهر ذلك بصورة واضحة في تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، الذي اعتبر أن مساعي إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران يجب أن تنتظر تشكيل حكومة إيرانية جديدة، مشددًا على أن الأمر يحتاج لإرادة سياسية من جميع الأطراف. وإذا تأجل الأمر لما بعد روحاني فهذا يعني أن رئيسي سيشكِّل فريقًا تفاوضيًّا جديدًا ولا يُستبعد أن يتم بناء إطار تفاوضي جديد. وهي عملية ستكون صعبة مع رئيس تدرجه واشنطن في قائمة عقوباتها.

يرى الأستاذ في جامعة طهران، حسن أحمديان، أن أولويات إيران بالنسبة للتعامل مع الغرب ستتغير مع إبراهيم رئيسي ويأتي ذلك استنادًا إلى قراءة تقول بأن رؤية الرئيس الحالي، حسن روحاني، تختلف عن شخصية رئيسي ورؤيته، وهذا سينعكس بطبيعة الحال على السياسة الخارجية لإيران.

ومن الواضح أيضًا أن هناك ظروفًا إقليمية ودولية مساعدة ليبدأ رئيسي عهده ببعض الإنجازات، فقد عادت إيران إلى سوق النفط رغم العقوبات ووفق آخر التقارير فقد ارتفع إنتاج إيران من النفط ووصل في أبريل/نيسان 2021 مليونين و413 برميلًا من النفط يوميًّا بعد أن كان قد وصل إلى مليونين و328 برميلًا من النفط يوميًّا في مارس/آذار 2021. هذا يعني أن إيران تعود إلى سوق النفط رغم العقوبات بعد أن تراجع إنتاجها خلال الأعوام الماضية. فیما تتوقع منظمة أوبك أن تُدْخِل إيران إذا رُفعت العقوبات عنها، 1.4 مليون برميل يوميًّا إلى السوق النفطية في وقت قصير نسبيًّا.

إقليميًّا: حلحلة الملفات أم تعقيدها؟

وفي تحليله الذي أشرنا إليه، يلفت أحمديان النظر إلى الفرق في التوجهات السياسية الخارجية بين روحاني ورئيسي؛ ففي وقت “صبَّ  الأول جلَّ اهتمامه خلال رئاسته لإيران على حل المشاكل مع المجتمع الدولي، وتحديدًا الغرب، للانطلاق إلى حل المشاكل الداخلية، وهو ما ظهر في الوصول إلى الاتفاق النووي، يرى رئيسي أن الأولوية هي لحل المشاكل مع الدول المحيطة بإيران، ومن ثم الانتقال إلى المستوى الدولي”. ويعتقد رئيسي أن إيران تمتلك أدوات للضغط على أميركا في موضوع الملف النووي.

وتشير معطيات كثيرة، منها تصريحات ومواقف سابقة، إلى التزام رئيسي بدعم وحماية النفوذ الإقليمي لإيران، ولديه علاقات قوية مع قادة حزب الله والحركات الأخرى في “محور المقاومة”، وهذا يعني في واحد من وجوهه زخمًا في دعم دور فيلق القدس والحرس الثوري على هذا الصعيد. لكن ومع ذلك، فإن ضرورة التوجه إلى الجوار، ومن ذلك الجوار العربي، كما تحدث رئيسي خلال المناظرات الانتخابية، تلزم بمبادرات وتسويات في الإقليم ولعل القضية في اليمن يمكن أن تكون مدخلًا لتسوية سياسية تخفف من حدة التوتر بين إيران والعربية السعودية. وهناك حديث عن محادثات لحل سياسي بمشاركة أنصار الله ستجري في الدوحة في المستقبل القريب. 

خلاصة

استحقاقات كثيرة تنتظر إبراهيم رئيسي، ففي الداخل عليه أن يثبت سريعًا أنه رئيس لكل الإيرانيين وليس فقط ممثلًا للتيار الأصولي، وهذه يعني إشراك توجهات أخرى في حكومته بوزراء ومسؤولين من خارج التيار. وسيتعين عليه أن يُحدث إنجازات ملموسة على صعيد مكافحة الفساد خاصة أنه وضعه هدفًا في حملته الانتخابية. وكذلك الحال بالنسبة لتخفيف حدة الضغوط الاقتصادية. وهو ما قد يتطلب منه واقعية سياسية فيما يتعلق بمسألة التفاوض، ويدعم ذلك رأي خبراء يعتقدون أن تفعيل مؤشرات الخروج من الكساد الاقتصادي يعتمد كثيرًا على نتيجة المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة وأيضًا سياسة الحكومة الجديدة القادمة.

ويبدو الشق الداخلي أكثر حساسية بالنسبة لرئيسي ومستقبله وكذلك الحال بالنسبة للتيار الأصولي ويرتبط ذلك بما يتحدث عنه عالم الاجتماع الإيراني، أمان الله قرايي، مقدِّمًا “رأس المال الاجتماعي والأهم من ذلك الثقة الاجتماعية وهو ما يجري بناؤه وصقله وتغييره مع مرور الوقت، وهو يتحرك من الأسفل إلى الأعلى والعكس صحيح. وعلى عكس رأس المال الطبيعي والصناعي فرأس المال الاجتماعي كلما زاد استهلاكه وأصبح مهترئًا لا يمكن إخفاء ذلك، وبمرور الوقت يصبح أكثر خصوبة وأكثر فعالية وأكثر دوامًا وله تأثير أكبر على عائد الأصول الأخرى وثباتها”، وهو ما يحتاج رئيسي إلى إدراكه بصورة سريعة.

—————————-

السكر الإيراني في أكواب الشاي السورية؟/ إياد الجعفري
قد يذهب سوء الظن بالمراقب للشأن الاقتصادي السوري، بعيداً، حينما يربط بشكل متحيّز، بين تمهيد حكومة النظام لرفع أسعار السكر والرز المدعوم، وبين تكرار تصريحات مسؤولين سوريين وإيرانيين، خلال الأشهر الفائتة، بخصوص إمكانية استيراد سوريا للسكر والرز من إيران.

لكن سوء الظن هذا سرعان ما يتبخر، حينما يكشف لنا البحث أن إيران ذاتها، تعاني من معضلة في تلبية حاجتها المحلية من هاتين المادتين. وهنا نصبح أمام خلاصة مفادها أن تصريحات المسؤولين الاقتصاديين، في سوريا وإيران، من نفس طينة تصريحات مسؤوليهم السياسيين والعسكريين، حينما يتحدثون عن ممانعة الكيان الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية. فالتصريح شيء، والفعل شيء آخر تماماً. الأمر الذي يحيلنا، بدوره، إلى بحثٍ يخلص إلى نتائج مثيرة تتعلق بأسباب الفشل الاقتصادي لإيران في سوريا، رغم نفوذها السياسي والأمني الكبير على النخبة الحاكمة فيها.

وقد يكون من المفيد، بدايةً، أن نوضح حجم المفارقة بين كلفة التدخل الإيراني بسوريا، وبين المكاسب الاقتصادية للنفوذ الإيراني، حتى الآن. فإيران أنفقت على الأقل، ما بين 20 إلى 30 مليار دولار، لمنع سقوط نظام الأسد، خلال السنوات العشر الفائتة، وفق تصريح حشمت الله فلاحت بيشه، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية في إيران، في أيار/مايو 2020. في المقابل، ورغم ميل كفة الميزان التجاري بين البلدين، لصالح إيران، وبصورة كبيرة جداً، إلا أن التبادل التجاري بين دمشق وطهران، انخفض من 550 مليون دولار عام 2010، ليتراوح ما بين 100 مليون إلى 200 مليون دولار، في أقصى الحدود، في الأعوام الثلاثة الفائتة، أي بعد هدوء معظم جبهات القتال وزوال الخطر على حكم الأسد بدمشق. وفي العام 2020، تحديداً، ومن أصل 40 مليار دولار من الصادرات الإيرانية غير النفطية، كان نصيب السوق السورية، بقيمة لا تتجاوز 100 مليون دولار.

ومن الأرقام التي من المتوقع أن تثير حنق العامة من الإيرانيين، وفق مصادر اقتصادية ناطقة بالفارسية، أن حصة إيران من الصادرات إلى السوق السورية، لم تتجاوز 3% فقط، مقارنة بحصة قد تصل إلى 8 أضعاف هذه النسبة لصالح صادرات كل من الصين وتركيا. وتشكل البضائع التركية بالتحديد، المنافس الأكثر حدة لأية مطامح إيرانية باحتلال حصة أفضل في السوق السورية، وذلك رغم القطيعة الرسمية بين نظام الحكم بدمشق، وبين الجار التركي.

وإن كنا نقرّ بأن قياس المكاسب الاقتصادية لإيران بسوريا، لا يجوز أن ينحصر بحجم الصادرات، إلا أنه معيار لافت، خاصة إذا وضعناه إلى جانب خيبات أمل إيران الكثيرة على صعيد ترجمة اتفاقياتها العديدة مع حكومة الأسد، إلى حقائق على الأرض. من أمثلة ذلك، ميناء اللاذقية، الذي خسرته لصالح شركة فرنسية، أو مناجم الفوسفات التي خسرت الجزء الأكبر منها لصالح الروس، أو الغاز والنفط الذي خسرت معظمه أيضاً، لصالح الروس، ناهيك عن مصير المستثمر الثالث للخليوي بسوريا، الذي لا تزال الشكوك تحوم حول حقيقة الدور الإيراني فيه.

وقد كان الشارع الإيراني واعياً لتلك الحقيقة، التي تُرجمت في هتافات المتظاهرين في احتجاجات العام 2018، حينما أدانوا التدخل المُكلّف لبلادهم في سوريا، بموازاة التدهور المعيشي للإيرانيين. الأمر الذي انعكس أيضاً، في تصريحات مسؤولين إيرانيين، تحدثوا صراحةً عن فشل اقتصادي إيراني في سوريا، وعن مخاوف جدّية من خسارة كاملة للسوق السورية لصالح منافسين، من بينهم الروس والصينيون والأتراك.

أما لماذا فشلت إيران في ترجمة نفوذها العسكري والسياسي في سوريا إلى مكاسب اقتصادية؟ يمكن أن نجد تكثيفاً للأجوبة في مادة بحثية معمّقة، نشرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، للمختص بالشأن الإيراني، ضياء قدور، في آذار/مارس الفائت، حيث يشير إلى جملة أسباب، من بينها، فشل تجارة المقايضة التي تم الترويج لها بكثافة من جانب مسؤولي البلدين، بسبب حاجة الطرفين للقطع الأجنبي من جهة، وعدم تمتعهما بفائض من السلع التي يمكن مقايضتها، من جهة أخرى، ناهيك عن عدم جاذبية السوق السورية بالنسبة للقطاع الخاص الإيراني، جراء المخاطر السياسية والأمنية التي ما تزال قائمة في سوريا، بصورة جعلت تجاراً إيرانيين ينشطون في صفقات ربحية مؤقتة، وببضائع ذات جودة منخفضة أساءت لسمعة المنتجات الإيرانية في سوريا.

لكن قد تكون أبرز أسباب فشل مساعي تطوير التبادل التجاري بين البلدين، هي طرق النقل المُكلفة، والبضائع التركية المنافسة في السوق السورية. وعلى صعيد طرق النقل، تشير المادة المشار إليها، إلى أن الشركات الإيرانية تضطر إلى دفع ما يصل إلى نحو 4000 دولار بدلاً من 1500 دولار، لإيصال حاوية بضائع مصدّرة إلى سوريا. ويرتبط ذلك أساساً، بعدم تأمين الطريق البرّي بين إيران – العراق – سوريا، نظراً لنشاط خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، في بعض مفاصله. يُضاف إلى كل ما سبق، تأثير العقوبات الأمريكية على الطرفين.

النظام الذي مهّد لرفع أسعار السكر والرز المدعوم، لن يستطيع أن يفي بوعوده التي أطلقها للإيرانيين مرتين في أقل من عام، في كانون الأول/ديسمبر 2020، وقبل أسابيع قليلة، حينما وعد نظراءه الإيرانيين باستيراد سلعٍ، أبرزها السكر والرز، من بلدهم. والسبب، ببساطة، أن إيران لا تملك فائضاً من هاتين السلعتين، بل وتعاني من معضلة في شراء ثلث حاجتها المحلية من الهند. وهنا، نرجع إلى تصريحات مسؤولي الطرفين، حول رفع أرقام التبادل التجاري –المائل لمصلحة إيران- إلى مليار دولار، كهدفٍ وُضع نهاية العام الفائت، فانتهى إلى خُمس هذا الرقم..هل هذه التصريحات للاستهلاك المحلي، الإيراني تحديداً، للقول بأن طهران تستعيد جانباً من خسائرها المادية في سوريا؟ قد يكون هذا أفضل تفسير متاح بين يدينا الآن، لحالة التناقض بين عجز إيران عن تصدير سلعة ما، وبين حديث مسؤوليها عن نيتهم القيام بذلك. من دون أن ننفي، السعي الإيراني الحثيث لتجنب خسارة أي جدوى اقتصادية ممكنة للتدخل في سوريا. وقد يكون أحد مقاييس النجاح في ذلك، أن يصل السكر الإيراني، إلى أكواب الشاي في سوريا. لكن ذلك يبقى وقفاً على أن يكتفي منه الإيرانيون، أولاً!

————————————-

إيران المفلسة وبلدان مفلسان هما سوريا ولبنان/ خيرالله خيرالله

لا يمكن إلّا الترحيب بأي عمليّة انتخابيّة في أيّ مكان من العالم في حال توفّرت شروط معيّنة في مقدّمها الشفافيّة. من هذا المنطلق، يمكن التمييز بين نوعين من الانتخابات. الانتخابات المزوّرة التي أجريت أخيرا في سوريا من أجل تمديد ولاية بشّار الأسد سبع سنوات أخرى.. وتلك التي تجري في دول تعتمد مبدأ التداول السلمي للسلطة بديلا من نظام الرئيس إلى مدى الحياة. لا معنى لانتخابات تستهدف تكريس القمع والتغطية على جرائم مرتكبة ذهب ضحيتّها ما يزيد على نصف مليون سوري في أقلّ تقدير.

كان للانتخابات الرئاسيّة السوريّة هدف واحد. يتمثّل هذا الهدف بالتأكيد للشعب السوري أنّه ليس حرّا وأن شيئا لم يتغيّر بعد ثورته التي صار عمرها ما يزيد على عشر سنوات.

بالنسبة إلى النظام السوري لا حاجة إلى إعادة تأهيل للنظام. النظام يؤهل نفسه غصبا عن الشعب المدجّن. يستمدّ النظام شرعيتّه من إخضاع الشعب السوري وتحويله إلى مجرّد قطيع غنم. لا كرامة لأيّ مواطن في سوريا الأسد الواقعة تحت خمسة احتلالات. لا همّ لدى النظام سوى البقاء تحت حماية إيرانية وروسيّة. البقية مجرّد تفاصيل لا حاجة إليها.. ما دام بشّار يستطيع الإقامة في دمشق وما دام المحيطون به يستطيعون ممارسة لعبة الأوهام القائمة على إنكار الواقع وخلق عالم خاص بهم.

ليس ما جرى في سوريا سوى مهزلة. أخطر ما في الأمر أن الانتخابات الرئاسية بشكلها الهزلي لن تحلّ أيّ مشكلة، خصوصا أنّ رجالات النظام وعلى رأسهم بشّار الأسد يرفضون أخذ العلم بما حصل في سوريا ويعتقدون أنّ الوقت يعمل لمصلحتهم. هل هذا ممكن؟ الجواب بكلّ بساطة أنّه أمر مستحيل. إنّ سوريا التي عرفناها صارت جزءا من الماضي لا أكثر. عادت سوريا “ساحة” بعدما جعل منها حافظ الأسد، مؤسّس النظام الحالي، ابتداء من العام 1970، لاعبا إقليميا بإتقانه لعبة الابتزاز من جهة واستخدام البعث الآخر في العراق بعبعا يخيف به العرب من جهة أخرى.

مارس حافظ الأسد لعبته المفضّلة، بما في ذلك لعب دور الوسيط مع إيران، في وقت لم يكن أيّ مسؤول كبير في المنطقة يأمن لنيات صدّام حسين وتصرفاته التي يصعب توقّعها. يظلّ أبرز هذه التصرفات غير المتوقّعة احتلاله للكويت، وهي تصرّفات جعلت حافظ الأسد بين أكثر المستفيدين منها وذلك بحصوله على ضوء أخضر أميركي مكّنه من السيطرة على كلّ لبنان.

وقع لبنان أسير حافظ الأسد بفضل الرهانات المضحكة المبكية لميشال عون. كان صدّام حسين من بين هذه الرهانات في مرحلة كان فيها ميشال عون في قصر بعبدا كرئيس لحكومة مؤقتة مهمّتها محصورة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس أمين الجميّل الذي غادر قصر بعبدا يوم انتهاء ولايته في 23  أيلول – سبتمبر من العام 1988.

كانت مشاركة سوريا عسكريا، إلى جانب الجيش الأميركي وقوات التحالف الدولي، في الحرب التي أخرجت صدّام حسين من الكويت ورقة مهمّة عرف حافظ الأسد استخدامها بحذاقة. لم يستخدمها في لبنان فحسب، بل استخدمها عربيّا ودوليا أيضا لإعادة تأهيل نظامه الذي كان مرتبطا بمعاهدة مع الاتحاد السوفياتي في مرحلة الحرب الباردة.

ثمّة معادلة بسيطة لم يستوعبها بشّار الأسد وهي معادلة لن يستوعبها يوما ميشال عون وصهره جبران باسيل في لبنان وتختزل هذه المعادلة عبارة واحدة هي لا عودة سوريّة إلى لبنان

ليس في الإمكان إعادة تأهيل النظام السوري في السنة 2021 لسبب في غاية البساطة يعود إلى أن العالم تغيّر وأن بشّار الأسد عجز عن فهم عمق هذا التغيّر. لا يزال إلى الآن عاجزا عن إدراك معنى الدخول في لعبة إيرانيّة تستهدف التخلّص من رفيق الحريري في العام 2005. ستلاحق جريمة تغطية اغتيال رفيق الحريري النظام السوري إلى اليوم الذي سيتخلّص العالم منه نهائيا ولكن بعد تفتيت سوريا والتأكّد من أنّه لن تقوم لها قيامة.

ثمّة معادلة بسيطة لم يستوعبها بشّار الأسد وهي معادلة لن يستوعبها يوما ميشال عون وصهره جبران باسيل في لبنان. تختزل هذه المعادلة عبارة واحدة: لا عودة سوريّة إلى لبنان. مثل هذه العودة مستحيلة لأنّ لا عودة للنظام السوري إلى سوريا، قبل لبنان. هذا كلّ ما في الأمر.

كانت إيران من فرض الانتخابات الرئاسية في سوريا. كلّ ما فعلته روسيا أنّها خضعت للرغبة الإيرانيّة لا أكثر. ما يعيشه لبنان وسوريا منذ اغتيال رفيق الحريري، الذي سعى دائما إلى الذهاب بعيدا في تلبية رغبات دمشق، هو الخضوع للوصاية الإيرانيّة. نعم، أجريت انتخابات رئاسيّة في سوريا ولكن من أجل تكريس الوصاية الإيرانية على البلد. هذا كلّ ما في الأمر. لعب حافظ الأسد في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته لعبة المتاجرة بالورقة الإيرانيّة. تبيّن مع مرور الوقت أن إيران كانت أكثر دهاء من حافظ الأسد الذي فتح لها طريق لبنان منذ العام 1982 عندما سمح لـ”الحرس الثوري” بدخول منطقة بعلبك والتمركز في ثكنة تابعة للجيش اللبناني هي ثكنة الشيخ عبدالله.

ليس الموضوع موضوع انتخابات رئاسيّة في سوريا. الموضوع أن سوريا صارت تحت الوصاية الإيرانية، كذلك لبنان. ليست الانتخابات سوى ورقة تستخدمها “الجمهوريّة الإسلاميّة” من أجل تغطية سيطرتها على سوريا. البقيّة تفاصيل وأوهام تراود عددا من المسؤولين السوريين بأن هناك عودة إلى الماضي وإلى تلك الأيّام التي كان فيها حافظ الأسد يقول للعرب: ألم أقل لكم إن صدّام حسين لا يمكن أن يكون موضع ثقتكم وأنّه لا يمكن الركون إليه.. وإنّي الوحيد الذي يستطيع لعب دور الوسيط مع إيران؟

كانت لدى حافظ الأسد عدّة شغل. ليس لدى بشّار الأسد مثل هذه العدّة. هذا ما يفترض باللبنانيين إدراكه اليوم قبل غد، مثلما عليهم إدراك أنّ المعركة في سوريا ولبنان واحدة. هل ستبقى إيران مسيطرة على البلدين أم لا؟

باختصار شديد، لا وجود لشيء اسمه النظام السوري. هناك إيران ولا أحد آخر غير إيران في سوريا ولبنان. السؤال هل من مستقبل لإيران في البلدين في المدى الطويل؟ لا شكّ أن لا وجود لمثل هذا المستقبل، لا لشيء سوى لأنّ إيران المفلسة لا تمتلك ما تقدّمه لبلدين مفلسين..

إعلامي لبناني

العرب

————————————

————————————-

بايدن:الغارات على سوريا لردع إيران..والطائرات المسيّرة

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أنه أمر بشن ضربات على مواقع لفصائل تابعة لإيران في سوريا والعراق لحماية أفراد القوات الأميركية، وإضعاف وتعطيل سلسلة الهجمات المستمرة ضد واشنطن وشركائها إضافة إلى ردع إيران من تنفيذ هجمات لاحقة على القوات الأميركية.

وشدد بايدن على استعداد بلاده للتحرك لاحقاً، حسب الضرورة والمناسبة، لمواجهة التهديدات والهجمات مستقبلاً.

وقال بايدن في رسالة  وجهها إلى رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي نشرها البيت الأبيض الثلاثاء، إن “المنشآت المستهدفة في 27 حزيران/يونيو 2021، كانت مستخدمة لشن سلسلة من الهجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على موظفين ومنشآت للولايات المتحدة في العراق”.

وأضاف أن هذه الهجمات تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة، إذ شملت هجمات على قاعدة بلد الجوية في 4 نيسان/أبريل و18 نيسان/أبريل و3 أيار/مايو 2021، ومركز بغداد للدعم الدبلوماسي قرب مطار بغداد الدولي في 2 أيار/مايو 2021، وقاعدة الأسد الجوية في 4 و24 أيار/مايو 2021.

كما استهدفت الهجمات مؤخراً منشآت أميركية في أربيل في 14 نيسان/أبريل 2021، وقاعدة الأسد الجوية في 8 أيار/مايو 2021، وقاعدة بشور الجوية في 10أيار/ مايو 2021، ومنشآت الولايات المتحدة بالقرب من مطار بغداد الدولي في 9 حزيران/يونيو 2021. وأضاف بايدن أن “هذه الهجمات أدت إلى إصابة وتهديد قواتنا وقوات التحالف”.

وتابع أن الولايات المتحدة اتخذت هذه الاجراءات الضرورية بما يتوافق مع القانون الدولي،

وحقها في الدفاع عن النفس كما جاء في المادة الـ 51 من ميثاق الأمم المتحدة”.

بدوره، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي أن الضربات الأميركية استهدفت مواقع خاصة بالطائرات المسيّرة، مؤكداً أن واشنطن لا تسعى لتصعيد الأوضاع في الشرق الأوسط أو استمرار العنف في العراق وسوريا.

وقال كيربي: “نعرف أننا أصبنا ما استهدفناه، وأننا دمرنا البنى التي وجهنا إليها الضربة”، لافتاً إلى أن “تلك البنى كانت مرتبطة بشكل مباشر بالتهديد الناجم عن الطائرات المسيرة، وهي كانت مخصصة للأغراض اللوجستية والتصليح والتحكم والقيادة وإطلاق الطائرات وعودتها وربما لتسليم المعدات ودعم الأنظمة”.

وكانت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد قالت في رسالة مكتوبة إلى مجلس الأمن إن هذا الرد العسكري “اتخذ بعدما تبين أن الخيارات غير العسكرية غير ملائمة في التصدي للتهديد، وكان هدفه خفض تصعيد الموقف والحيلولة دون وقوع هجمات أخرى”، بحسب وكالة “رويترز”.

ويأتي ذلك بعد استهداف فصائل مدعومة من إيران في مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي قاعدة “حقل العمر” النفطي الذي تتخذه قوات التحالف الدولي مركزاً لها في دير الزور، وذلك رداً على ضربات جوية أميركية استهدفت الحشد الشعبي عند الحدود السورية-العراقية.

وشكك بعض المشرعين الأميركيين في حق الولايات المتحدة بشن غارات جوية على مواقع في سوريا والعراق، مشيرين إلى أن بايدن ربما تجاوز سلطته بتوجيه هذه الضربات ويريدون منه استئذان الكونغرس قبل القيام بأي عمل عسكري.

————————————

شرق سورية ميدان صراع: صندوق بريد لرسائل إيرانية أميركية/ أمين العاصي

تبادل الأميركيون والإيرانيون الرسائل الحربية في أقصى الشرق السوري، الذي يبدو أنه سيكون ميدان صراع محتمل بين الطرفين، اللذين يبتعدان حتى اللحظة عن المواجهة النارية المباشرة، خصوصاً من الجانب الإيراني الذي يحرك وكلاء له في سورية والعراق لاستهداف قوات أميركية في كلا البلدين.

وقصفت مليشيا “أبو الفضل العباس” التابعة لـ”الحشد الشعبي” العراقي والمتمركزة في محيط مدينة الميادين السورية في ريف دير الزور الشرقي، مساء الإثنين، بثمانية صواريخ قاعدة حقل العمر النفطي التي تتمركز داخلها قوات التحالف الدولي، وفق مصادر محلية وشبكات إعلامية محلية. وبحسب هذه الشبكات، رد التحالف الدولي بقصف بالمدفعية الثقيلة على مصادر النيران على الفور، تلته بنصف ساعة غارات جوية مكثفة شنتها طائرات التحالف على مقرات ومواقع هذه المليشيا. وأكّد المتحدث باسم قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، واين ماروتو، الإثنين، تعرض قاعدة أميركية في سورية لقصف صاروخي، من دون وقوع إصابات، مشيراً في تغريدة عبر حسابه الرسمي على “تويتر”، إلى أن القوات الأميركية كانت في حالة “دفاع عن النفس” و”ردّت بقصف مدفعي للمواقع التي أطلقت منها الصواريخ”.

وجاءت الرسالة الإيرانية بعد يوم واحد من قصف أميركي، استهدف مقار لمليشيا “كتائب سيد الشهداء”، أحد أبرز الفصائل العراقية المدعومة من طهران، داخل منطقة الهري السورية الحدودية التي تبعد قرابة 6 كيلومترات من معبر القائم الحدودي شرق مدينة البوكمال، شرق سورية. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ليل الأحد-الإثنين، أنها شنّت غارات جوية استهدفت منشآت تستخدمها مليشيات مدعومة من إيران على الحدود السورية العراقية، مشيرة إلى أن هذه الضربات أذن بها الرئيس جو بايدن في أعقاب الهجمات المستمرّة على المصالح الأميركية، فيما أقرّت مليشيا “كتائب سيد الشهداء”، في بيان لها، بمقتل عدد من عناصرها بالهجوم الأميركي.

وتشير المعطيات الواردة من ريف دير الزور الشرقي إلى أن المليشيات الإيرانية تتحسب من استمرار الضربات الجوية من قبل التحالف الدولي، وهو ما دفعها إلى إعادة انتشار لعناصرها في المنطقة الممتدة من مدينة الميادين غرباً إلى مدينة البوكمال شرقاً، والتي تعد منطقة نفوذ إيراني بلا منازع منذ أواخر عام 2017 حين خرج تنظيم “داعش” من هذه المنطقة. وتخلو المنطقة من أي وجود مهم لقوات النظام السوري الذي تخلى حتى عن السيطرة الرمزية عن جلّ ريف دير الزور الشرقي الذي يشكّل أهمية لدى الإيرانيين الذي يسيطرون فعلياً على شرقي سورية وغربي العراق من خلال مليشيات تتبع لهم.

أخبار

التحالف يكثّف طلعاته شرقي سورية واستنفار النظام و”قسد” قرب الفرات

ورأى مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن شرق سورية “لن يكون ساحة مواجهة مفتوحة بين الإيرانيين والأميركيين”، مضيفاً: “اعتقد انه سيتحوّل إلى صندوق بريد للرسائل المتبادلة بين الطرفين”. وتابع بالقول: “الإيرانيون والأميركيون اختاروا شرق سورية للرد المتبادل، فطهران تناور في منطقة بعيدة عن حدودها البرية، والأميركيون لا يريدون العودة مرة أخرى إلى العراق بالشكل الذي حافظوا عليه طيلة السنوات الماضية، لذا سورية ساحة مفضلة للطرفين لتبادل الرسائل السياسية بشكل عسكري”.

وأوضح علاوي، وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي، أن “نقاط الاشتباك بين الطرفين قريبة جداً في شرقي سورية، ولا يفصل بينهما سوى نهر الفرات على مسافة لا تتعدى 1500 متر وهي أقرب نقطة بين الإيرانيين والأميركيين في منطقة الشرق الأوسط”. وأعرب عن اعتقاده أن المواجهة “لن تتطور على الأقل في المدى المنظور بين الطرفين في شرق سورية”، مضيفاً: “ما يجري تسخين للملفات على طاولة المفاوضات في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني بين طهران والغرب”.

ويتشاطر الأميركيون والإيرانيون السيطرة على ريف دير الزور الشرقي، إذ تسيطر المليشيات الإيرانية على المنطقة الواقعة جنوب نهر الفرات والمعروفة محلياً بـ”الشامية”، بينما يسيطر الأميركيون عن طريق “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على شمال النهر أو ما يُعرف محلياً بـ”الجزيرة”. ويحتفظ الأميركيون ودول التحالف الدولي بوجود عسكري كبير في شرقي سورية، وأقام هذا التحالف قاعدة كبرى في حقل العمر النفطي الذي يعد الأكبر بين الحقول السورية. كما تنتشر قواعد ونقاط تمركز أميركية في ريف الحسكة الجنوبي خصوصاً في بلدة الشدادي الغنية بالغاز، وفي ريف الحسكة الشرقي حيث حقول رميلان الشهيرة للنفط والغاز.

ولفت رئيس تحرير موقع “إيران انسايدر” أيمن محمد، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “أبرز المليشيات التابعة لإيران في محافظة دير الزور، هي: فاطميون الأفغانية، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب حزب الله، وحزب الله اللبناني، إضافة للحرس الثوري الإيراني الذي يشرف على انتشار ودعم المليشيات عبر مستشارين وقادة عسكريين، قتل اثنان منهم قبل أيام على طريق حمص ـ تدمر”. وأشار إلى أن هذه المليشيات “تنتشر في مدن دير الزور والميادين والبوكمال”، مضيفاً: لإيران في شرق سورية قاعدة “الإمام علي” العسكرية الاستراتيجية التي تخزن فيها صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وتعرضت لقصف جوي إسرائيلي أكثر من مرة منذ بدء تشييد القاعدة بريف البوكمال. وبيّن محمد أن لمحافظة دير الزور أهمية لدى الإيرانيين، مشيراً إلى أنهم “يخططون لوجود طويل الأمد”، مضيفاً: تحاول إيران خلق بدائل محلية، ولهذا عملت على تأسيس مليشيات من العشائر الموالية لها في المنطقة آخرها كان “الهاشميون”. وتابع بالقول: ومن المهم التذكير أنه بتاريخ 13 مارس/آذار الماضي، نشرت المليشيات الإيرانية مجموعة من الصواريخ، في مدينة الميادين وريفها، ووجهتها نحو قاعدة التحالف الدولي في حقل العمر.

وفي السياق، أوضح أن إيران تضع يدها على معبر البوكمال الحدودي الذي يربط بين سورية والعراق، والذي افتتح في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019، بعد أكثر من 7 سنوات على إغلاقه. ورأى محمد أن “المليشيات الإيرانية قادرة على إزعاج القوات الأميركية في حقل العمر، بحكم سيطرتها على مناطق متاخمة وقريبة من القاعدة”، مشيراً إلى أن إيران “تمتلك ترسانة صاروخية قادرة على ضرب القاعدة”.

العربي الجديد

———————-

======================

تحديث 02 تموز 2021

——————–

انتخابات الرئاسة الإيرانية 2021 .. سؤال الشرعية والاستمرارية

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

شهدت إيران انتخابات رئاسية في الثامن عشر من حزيران/ يونيو 2021؛ وهي الانتخابات الثالثة عشرة منذ إقامة الجمهورية الإسلامية عام 1979. وفاز فيها رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، في الجولة الأولى، بنسبة 62% من الأصوات، وبفارق كبير مقارنةً بأقرب منافسيه محسن رضائي الذي حلّ ثانيًا بنسبة 11.8% من الأصوات. وقد شهدت الانتخابات أقل مستوى مشاركة على الإطلاق في أي انتخابات رئاسية؛ إذ بلغت نسبتها أقل من 49% باعتبار الذين يحقّ لهم الاقتراع (28.9 مليون من أصل 59 مليون ناخب).

صعود اليمين المحافظ

جاءت نتائج الانتخابات متوافقة مع التوقعات، بعد أن استبعد مجلس صيانة الدستور، وهو السلطة المسؤولة عن النظر في صلاحية المرشّحين للانتخابات، باستبعاد أغلب المرشّحين من التيارات السياسية المختلفة في البلاد الذين كان يمكن أن يشكّلوا تحدّيًا أمام إبراهيم رئيسي. بهذا المعنى، يمكن القول إن الانتخابات تمّت “هندستها” بطريقة تؤدّي إلى فوز رئيسي، المحسوب على اليمين المحافظ.

ويمكن، عمومًا، تمييز ثلاثة تيارات سياسية رئيسة في إيران، هي: الإصلاحيون، والمحافظون المعتدلون (الوسط)، واليمين المحافظ. وقد كان الإصلاحيون يحظون بتأييد شعبي واسع في تسعينيات القرن الماضي حتى مطلع الألفية، إلا أنهم أُبعدوا عن جميع المناصب المهمة في الدولة، كما جرى استبعاد مرشحيهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة. وتعود أسباب تضاؤل حظوظ التيار الإصلاحي إلى جملة من العوامل أبرزها غياب أيّ نوع من التكامل بينهم على الصعيد الأيديولوجي أو التنظيمي. فالإصلاحيون بمنزلة طيف واسع وغير منتظم من الناشطين السياسيين والمفكرين والتكنوقراط الذين يعتنقون مبادئ الثورة في خطوطها العريضة، لكنهم يؤمنون كذلك بضرورة إصلاح النظام، على أن يكون ذلك من دون اتفاق على ما يجب إصلاحه فيه، وفي أي اتجاه أيضًا. وقد نجح بعض رموز هذا التيار، في مرحلة سابقة، في حشد وتعبئة جمهور واسع من الناخبين وراء بعض شعارات الإصلاح الفضفاضة؛ كما فعل الرئيس السابق محمد خاتمي (1997-2005)، ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي (1981-1989) الذي ترشّح لرئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2009. منذ ذلك الوقت، فشل الإصلاحيون في الاتفاق على برنامج انتخابي شامل ومتماسك، ولم يستطيعوا تشكيل أحزاب أو تيارات سياسية قادرة على بلورة تلك الأفكار وحشد التأييد لها، كما أنهم حُوربوا، عمليًّا، من طرف مؤسسات الدولة.

أما تيار “الوسط” في السياسة الإيرانية، فيمثله التكنوقراط أصحاب النزعة الإنمائية، ويعتبر هؤلاء امتدادًا لأفكار الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني وسياساته. وينتمي الرئيس حسن روحاني وعدد من وزراء حكومته إلى هذا التيار. وينتظم هذا التيار في حزب سياسي هو حزب “صناع الإعمار” (حزب کارگزاران سازندگی ایران)، وهو يتبنى مواقف “معتدلة” في قضايا السياستين الداخلية والخارجية، وهو أيضًا من مناصري سياسة “الانفتاح” الاقتصادي. وخلافًا للتيار الإصلاحي، سمح لأحد أعضاء الـ “كاركزاران”، وهو عبد الناصر همّتي، حاكم مصرف إيران المركزي السابق، بخوض الانتخابات الأخيرة، لكنه فشل في الحصول على حصة وازنة من الأصوات؛ إذ بلغت نسبة المصوتين له 8.4% فقط من الناخبين.

أما تيار اليمين المحافظ في الساحة السياسية الإيرانية، فيطلق على أنصاره اسم “المبدئيون”، أو “الأصوليون”، لتمسّكهم بالعقائد الأساسية أو الأصول التي انطلقت منها الثورة الإسلامية في إيران. وهم بدورهم منقسمون بين “يمين جديد” و”يمين تقليدي”. ويضم اليمين الجديد، الجيلين الثاني والثالث من أبناء الثورة؛ أي جيل أبناء صناع الثورة وأحفادهم. ويضم هؤلاء، على نحو رئيس، كوادر الحرس الثوري، ويتبنَّون غالبًا مواقف وسياسات شعبوية؛ مثل توزيع عوائد النفط مباشرة على الشعب في شكل مبالغ نقدية. ومن أبرز المحسوبين على هذا التيار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وقد مثّل هذا الاتجاه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة سعيد جليلي، إلا أنّ حظوظه كانت ضئيلة بحسب استطلاعات الرأي العام؛ ما جعله ينسحب قبل الانتخابات لصالح إبراهيم رئيسي.

أما اليمين التقليدي فهو ممثَّل بشخص الرئيس المنتخب، إبراهيم رئيسي، يقف على رأسه المرشد علي خامنئي، وهو تيار معروف بتمسكه بـ “ولاية الفقيه”، ويتبنّى العدالة الاجتماعية نهجًا اقتصاديًا. أما في السياسة الخارجية، فيُعد هذا التيار معاديًا للولايات المتحدة، ورافضًا لأي تقارب معها. ويعتبر نفسه امتدادًا لخط مؤسس الجمهورية، آية الله الخميني، ومن بعده خامنئي. وبهذا المعنى، تُعد هندسة الانتخابات لضمان وصول رئيسي إلى رئاسة الجمهورية محاولةً لصون إرث خامنئي، ومن قبله الخميني، وضمان “السلامة العقائدية” للجمهورية الإسلامية أيضًا.

بين الاستمرارية والتغيير

بناءً على ما تقدّم، لن يؤدي انتخاب إبراهيم رئيسي، على الأرجح، إلى تحولات جوهرية في السياسة الإيرانية، وهناك ثلاثة عوامل ترجّح الاستمرارية. أولًا، أنّ رئيسي يُعدّ من أقرب التلامذة إلى خامنئي، وقد حرص خامنئي على دعم وصول رئيسي إلى أرفع المناصب في الدولة. وخلال الاحتفالات بالذكرى الأربعين لقيام الجمهورية الإسلامية عام 2019، أعلن خامنئي ما سمّاها “المرحلة الثانية للثورة”؛ وهي جملة إجراءاتٍ تهدف، بحسب قوله، إلى “تعزيز أسس الثورة وقيمها وضمان استمراريتها في السنوات اللاحقة”. ومن بين الإجراءات المتخذة، تعيين خامنئي خطباء للجمعة أكثر شبابًا، وأكثر التزامًا بقيم الثورة، بوصفهم ممثلين عنه في الأقاليم. وحرص خامنئي أيضًا على مساندة مَن سمّاهم “أوفياء”؛ مثل رئيسي الذي عيّنه رئيسًا للسلطة القضائية تعويضا له عن خسارته الانتخابات الرئاسية أمام روحاني عام 2017. وقد شنّ رئيسي، بمجرّد وصوله إلى رئاسة جهاز القضاء، حملة تطهير واسعة استبدل فيها القضاة الذين اعتبرهم فاسدين بقضاة وقع الاختيار عليهم بسبب “صحة” معتقداتهم والتزامهم بخط المرشد.

أمّا العامل الثاني الذي يرجّح استمرارية الخط الحالي للنظام هو تزايد تدخل المرشد في إدارة شؤون الدولة؛ فقد أخذ خامنئي يضطلع بدور أكبر في تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد، بعد انتخابات العام 2009 الرئاسية التي طعن الإصلاحيون، ومعهم فئات مدينية واسعة، في نتائجها. واتسعت تدخلاته أكثر خلال الولاية الثانية لأحمدي نجاد، وقد كانت مشحونةً بالاضطرابات. وبهذا المعنى، يمثّل انتخاب رئيسي سابقةً في تاريخ الجمهورية الإيرانية؛ ذلك أنّ الرئاسة تتماهى تمامًا مع خط الولي الفقيه. ففي عهد الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني (1989 – 1997)، تبنّت الرئاسة خطًّا سياسيًا مستقلًّا عن المرشد، وقد اضطلع رفسنجاني نفسه بدورٍ رئيسٍ في تثبيت سلطة خامنئي، الذي لم يكن شخصية مركزية في النظام عندما تولى منصب المرشد عام 1989. وفي عهد محمد خاتمي، تبنّت الرئاسة خطًّا إصلاحيًا كان يهدف إلى تحديد السلطات المطلقة للمرشد الأعلى المعبر عنها في “ولاية الفقيه”. وفي عهد محمود أحمدي نجاد (2005 – 2013)، مثّلت سياساته الشعبوية و”المهدوية” (التي تقوم على انتظار عودة المهدي، آخر الأئمة عند الشيعة الاثني عشرية) محلّ خلاف شديد مع المرشد الذي اعتبر أفكار نجاد “منحرفة”. وحرص الرئيس حسن روحاني (2013 – 2021) على التمسّك بقدر من الاستقلالية، على الرغم من أنه تفادى دائمًا الاحتكاك مع خامنئي. ومع أنه يجب انتظار تقلّد إبراهيم رئيسي مقاليد الرئاسة، حتى تتبيّن سياساته الفعلية، فإنّ جميع المؤشّرات تدل على وجود تطابق بين برامجه الرئاسية ونهج خامنئي.

أمّا العامل الثالث الذي يرجّح استمرارية السياسة الإيرانية في عهد رئيسي، فهو متعلق بالمؤسسات التي تصاغ فيها السياسات الخارجية والأمنية للدولة. هنا، يؤدّي “المجلس الأعلى للأمن القومي” دورًا محوريًا؛ إذ تصاغ تقريبًا جميع السياسات المهمة والسيادية للدولة في أروقته. ويتكون المجلس الأعلى للأمن القومي من أعضاء ينتمون إلى أجهزة الحكومة الثلاثة: التشريعي، والتنفيذي، والقضائي – الديني، كما تشمل عضويته قادة في الحرس الثوري والمؤسسات الأمنية، إضافةً إلى ممثل عن مكتب خامنئي. وقد اضطلع المجلس بدور مهمّ في صياغة السياسة الإيرانية في الملفات الكبرى؛ مثل الملف النووي والموقف من الولايات المتحدة. وعلى الرغم من التغييرات في رئاسة الجمهورية وطاقم السياسة الخارجية، فإنّ ثوابت المجلس الأعلى للأمن القومي لا تزال راسخة.

داخليًا، يُتوقع أن يواصل إبراهيم رئيسي العمل في مكافحة الفساد، وهو المشروع الذي بدأه قبل عامين عندما تسلّم رئاسة السلطة القضائية. وعلى الرغم من انتشار أفكارٍ مفادها بأنّ وصوله إلى الرئاسة سوف تكون له تداعيات سلبية كبيرة على المجالين، السياسي والاجتماعي، في إيران، فإنّ التركيبة المعقدة للمجتمع الإيراني ستجعل من الصعب إعادة تشكيل المجال العامّ وفق رؤية اليمين المحافظ. كما أنه من غير المتوقع حدوث تغييراتٍ كبيرةٍ في المجال الاقتصادي، حتى لو رُفِعت العقوبات المفروضة على إيران ما إنْ تجري العودة إلى الاتفاق النووي، وحتى لو حصل تدفّق أكبر لرؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية. لذلك، من المرجّح أن تستمر برامج الخصخصة التي انطلقت في التسعينيات، بغضّ النظر عن شعارات العدالة الاجتماعية التي يرفعها رئيسي؛ ومن ثمّ سوف تتغلب سياسات الخصخصة على أيّ مشاريع محتملة لمحاربة الفقر.

أما في السياسة الخارجية، فقد سبق أن أعلن إبراهيم رئيسي تأييده المفاوضات الجارية في فيينا بشأن الملف النووي والعودة إلى اتفاق 2015، كما أعرب عن رغبته في تحسين العلاقات مع السعودية، لكنه يرفض التفاوض في برنامج صواريخ إيران الطويلة المدى، أو المسّ بعلاقتها بالمليشيات المسلحة في سورية والعراق، أو دولة أخرى من دول المنطقة. والواضح أن هذه السياسات لن تتعرّض لأي تغيير، بغضّ النظر عن هوية الرئيس، باعتبارها سياسات النظام المتمثل في هذا المجال بالمجلس الأعلى للأمن القومي الذي تشكّل فيه رئاسة الجمهورية أحد الأطراف.

خاتمة

بيّنت انتخابات إيران الرئاسية أخيرا أنّ النظام الإيراني يواجه تحدّيات متصلة بشرعيته في الحكم؛ إذ بلغت نسبة المشاركة الشعبية أدنى مستوى لها منذ إعلان الجمهورية قبل 42 عامًا. ومقارنةً بآخر دورتين انتخابيتين؛ حيث شارك ما يقارب 73% من الناخبين المسجلين عامَي 2013 و2017، في حين بلغت نسبة المشاركة 85% في انتخابات 2009، تُشير الأرقام التي أعلنتها وزارة الداخلية، في المقابل، إلى أنّ نسبة المشاركة في انتخابات 2021 لم تتجاوز 49%. وإذ نظرنا إلى هذه الأرقام من منظور مناطقي/ إقليمي، فإننا نلاحظ أن أعلى نسب مشاركة كانت في المحافظات النائية والأقل تطورًا؛ مثل محافظة سيستان وبلوشستان، التي بلغت نسبة المشاركة فيها 65%، ومحافظة إيلام، حيث أدلى 63% من الناخبين بأصواتهم، في حين لم تتجاوز نسبة المشاركة في محافظة طهران الكبرى 24%. ويعود الارتفاع النسبي للمشاركة في الريف الإيراني إلى أن الانتخابات الرئاسية والبلدية جرت في الآن نفسه. والمعروف أن وشائج القربى والروابط العشائرية تمثّل دافعًا قويًّا لسكان الريف للمشاركة في الانتخابات البلدية. من الواضح أنه وقع شرخ عام 2009، وهو مستمر في الاتساع، يتمثل باغتراب المدن الإيرانية والمراكز المدينية عمومًا عن النظام القائم وخطابه وشعاراته. ويُعد العزوف عن التصويت أكثر تعبيرًا عن هذا الاغتراب من المشاركة بالتصويت للمعارضة.

ومن أجل استعادة ثقة الجمهور بالنظام، في ظل هذه الظروف، ليس للأصوليين – الذين يشغلون أكثر المناصب العليا في الدولة اليوم – إلا العمل على تحسين الحياة المعيشية لعامة الشعب الإيراني، وخفْض نسب البطالة والبطالة المقنّعة التي تبلغ بحسب أرقام الحكومة 11% (في حين أنها تبلغ، بحسب أرقام مجلس الشورى، ضعف هذا الرقم)، وخفْض التضخم الذي تصل نسبته إلى 36% سنويًّا، بحسب مركز الإحصاء القومي في إيران، ووقف تدهور قيمة العملة، وتعزيز الإنتاج الصناعي. أما على الصعيد الخارجي، فمن غير الواضح الكيفية التي ستكون عليها نتائج ظهور النظام الإيراني بصوت واحد على الساحة الدولية؛ إذ طالما اعتبرت دول الجوار، الخليجية خصوصًا، أنّ دعوات حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف إلى الحوار غير ذات قيمة، باعتبار أنها لا تمثّل خامنئي والحرس الثوري؛ أي السلطة الفعلية في إيران. الآن، لن يعود هناك مبرّر للحديث عن ازدواجية سلطة في إيران، بعد أن أصبح اليمين يُمسك بكل مقاليد الحكم، وبعد أن أصبح حديثُ الجميع بلسان المرشد.

العربي الجديد

——————————–

الإيرانيون وغيرهم وسلوك النظام السوري!/ فايز سارة

آخر فضائح النظام السوري في علاقاته مع الإيرانيين، سرّبته مصادر إسرائيلية قالت، إنَّ نظام الأسد سرّب لإسرائيل معلومات عن أماكن وقدرات الميليشيات الإيرانية الموجودة في سوريا، وإن هذه المعلومات تم استخدامها من جانب الإسرائيليين في ضرب أهداف إيرانية في سوريا. وقالت المصادر إنَّ تسريبات النظام السوري، كانت مقابل خدمات قدمها الإسرائيليون لنظام الأسد في أوروبا في تلميح، قُصد به إحياء علاقات مخابرات الأسد مع أجهزة مخابرات أوروبية، انقطعت الصلة معها في السنوات العشر الماضية.

منظرو السياسات النفعية، ولا سيما إذا كانت بين أجهزة المخابرات، لا يجدون فيما جرى أي عيب، ولهم في ذلك كل الحق؛ لأن الأمر في النهاية تبادل المصالح والمنافع بين أطراف لدى كل منها ما يعطيه للآخر، ويحصل منه على مقابل. غير أن هذا القياس، لا يمكن تطبيقه في واقع نظام الأسد الذي لا يرى مصلحة تتجاوز حدود مصلحة الحلقة الضيقة فيه، وهي حلقة العائلة، بل مصلحة شخص ديكتاتور على رأس العائلة، يتمسك بموقعه بكل السبل، ومستعد لأن يفعل أي شيء للبقاء فيه، مهما كانت نتائج أفعاله، والأمر في هذا لا يستند إلى حقيقة اختلافنا السياسي معه، كما يخيّل للبعض، بل إلى منطق الوقائع والأحداث بمساراتها الطبيعية والمنطقية ليس إلا.

الإيرانيون الذين كانت ميليشياتهم هدفاً لتعامل النظام مع الإسرائيليين، عرفوا الواقعة كما تسرب من مصادر إيرانية أكدت أنها ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة في سلوكيات النظام السوري في التعامل معهم، وهم يرون أن أجهزة النظام السوري، قامت بمثل هذه الأفعال مرات، وفعلت الشيء ذاته، بما يتعلق ويتصل بوجود «حزب الله» اللبناني وقياداته في سوريا طوال السنوات الماضية؛ مما أدى إلى دمار بعض معسكراته ومخازن أسلحته في محيط دمشق والمناطق السورية القريبة من جبهة الجولان وعلى امتداد طريق دمشق – البقاع، وجرى قتل عدد من أبرز قيادات الحزب في السنوات الماضية نتيجة تسريبات أمنية من جهات وشخصيات تابعة للنظام، وكان من القتلى جهاد مغنية نجل عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في عملية إسرائيلية، ومثله سمير القنطار، ومصطفى بدر الدين القياديان البارزان في الحزب.

وإن كان ثمة إدراك إيراني لما يقوم به النظام السوري وأجهزته من تعاون استخباري مع إسرائيل يضر بإيران وبـ«حزب الله» اللبناني ذراعها القاتلة في سوريا، فإن طهران تمرر تلك السلوكيات والممارسات، ليس نتيجة نفعيتها لحليفها فقط، بل لأنها تراهن على سيطرة شاملة على سوريا سواء بوجود الأسد ونظامه، أو من دونهما، وتتساهل بالقليل مقابل الحصول على الأكثر. ومما يعزز هذا الفهم عند الإيرانيين، أن الملالي يذهبون في المسار ذاته الذي يسير فيه نظام الأسد في وضع مصالحهم الضيقة والأنانية موجهاً في سلوكياتهم ومواقفهم وبخلاف إعلاناتهم ومواقفهم المعلنة، التي طالما عملوا على التحشيد لها في إيران وفي العالم الإسلامي.

إن الأرضية المشتركة في سياسات ومواقف نظام ملالي إيران وشقيقه النظام السوري في سوريا وتشابه تعاملهما مع إسرائيل وأجهزتها، ليست جديدة، فمن السهل استعادة فضيحة شراء إيران أسلحة إسرائيلية في سنوات الحرب العراقية – الإيرانية، كما يمكن استعادة العديد من الاتفاقات التي عقدها النظام السوري، سواء في عهد الأب أو الابن مع الإسرائيليين، وقد توالت تصريحات قادة إسرائيل في تأكيد أن موقفهم هذا هو سر بقاء نظام الأسد بعد كل ما ارتكبه من جرائم لم تترك آثارها على السوريين والعرب وحدهم، إنما تجاوزتهم إلى غالبية دول العالم، إن لم نقل إنها طالت العالم كله.

لقد دمر هذا النظام سوريا ومواردها، وقتل وجرح واعتقل كما هجّر نصف أهلها، قبل أن يدفع إلى الجوع والفقر والهوان معظم سكانها بمن فيهم الرماديون والقسم الرئيسي من مؤيدي النظام، بل إنه وفي سبيل مصلحة رأس النظام، لم يتأخر في الإطاحة برؤوس المقربين منه قتلاً وتشريداً ونهباً، ثم استدعى القوى الخارجية من الروس والإيرانيين وميليشياتهم وأطلق يدهم في شؤون البلد، وباعهم بالرخص مواردها لمساعدته في الإبقاء على وجود بشار في السلطة، من دون أن يفكر في ما يترتب على ما سبق من نتائج راهنة ومستقبلية على سوريا والعالم، وهو في ذلك إنما يرسم سيناريو لما يمكن أن يفعله نظام الملالي، إذا هدد الشعب الإيراني سلطتهم، وثار في وجههم مطالباً بالحرية والعدالة والمساواة في بلد ينتمي إلى العصر الحديث، يتشارك ويتفاعل بصورة إيجابية مع بقية شعوب العالم.

إن ادعاءات تراكمت طوال عقود في عقول كثيرين، حول كل من نظام الملالي ونظام الأسد سواء تعلقت بفكرة الاستقلالية أو الدفاع عن الضعفاء بما فيهم الفلسطينيون وقضيتهم، ومقاومة العدوانية الإسرائيلية، لكن سياستهما المعلنة وسلوكياتهما المتواصلة أقله في السنوات العشر الأخيرة، كما ظهرت في سوريا وامتداداً في المحيط العربي، أكدت أن ما سبق لا يتعدى أنها أوهام، وتضليل وكذب، كل وظيفته حشد مؤيدين وداعمين لبقاء النظامين بكل ما ارتكباه، وسوف يرتكبونه لاحقاً من جرائم؛ مما يجعل من الواجب الخلاص منهما.

الشرق الأوسط

——————————-

إيران… المُستثمر الدائم في الفوضى/ نبراس إبراهيم

بدأت دول أوربية تسعى للتوصل إلى نتيجة مرضية بشأن المحادثات مع إيران لإعادة إحياء الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي، كما أن الإدارة الأميركية الجديدة بدأت تلين قليلاً بهذا الاتجاه، وتوافق تدريجياً على رفع عقوبات النفط والشحن المفروضة على إيران، وشطب أسماء بعض الشخصيات البارزة من القائمة السوداء، ويعتقد بعض المتفائلين أنه يمكن، عبر سياسة العصا والجزرة، تأهيل إيران لتكون عضواً فاعلاً على المستوى الإقليمي والدولي، ويرون أن الأمل موجود دائماً لأن تُثبت القيادة الإيرانية أنها مسؤولة وعلى مستوى الاستحقاقات المفروضة عليها دولياً.

يتجاهل هؤلاء، عن عمد أو جهل أو ربما هرباً من الحقيقة، أن إيران بعد أن أصبحت تحكمها مرجعية الملالي وآيات الله، أي بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979، صارت دولة تستثمر في الفوضى الدولية، وتستند إلى سياسة أخطبوطية تهدف إلى تحقيق المصالح عبر التدخل التخريبي في الدول أو الهيمنة “الناعمة” على الدول، وتجهر بما لا تضمُر بعد أن ركبت موجة المذاهب الدينية لتحقيق تطلعات وأهداف قومية وسياسية وعسكرية، وهذا التوصيف لا ينطبق على سياساتها في الشرق الأوسط وحده، بل يتجاوز هذه الرقعة الجغرافية ليطول أصقاع الأرض.

سعت إيران إلى السيطرة على الشرق الأوسط، ونجحت بشكل كبير في هذا بالمعنى الاستراتيجي، وبات نفوذها يمتد من طهران إلى غزة، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، من العراق الذي يقع تحت سيطرة حكومة موالية لطهران وميليشيات مقاتلة تأتمر بأوامر آيات الله، وسوريا التي تحالف نظامها مع إيران تحالفاً يشبه البيع للقرار السياسي والأمني لطهران، ولبنان التي يتحكم حزب الله اللبناني/ الإيراني بمصيرها كاملاً، وصولاً إلى غزة التي تُغدق إيران عليها المال لشراء الذمم السياسية فيها.

وجدت إيران في فوضى الشرق الأوسط فرصتها لتعزيز نفوذها وتوسيعه، وساعدها في ذلك تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة بعد دخولها في مستنقع العراق، وكذلك عدم اكتراث العديد من دول العالم بالمنطقة نتيجة سيطرة أنظمة ديكتاتورية عليها. لكن إيران لم تكتف بهذا النطاق التوسعي لتعزيز نفوذها والتمدد، بل قفزت إلى اليمن والسودان والبحرين وغيرها من الدول العربية، ومن ثم توسع نطاق عملها التدخلي التخريبي إلى نطاق دولي، وصار سجلها الإرهابي حافلاً.

زعزعت إيران أمن دول، وهدّدت استقرار دول، وتدخّلت في شؤون دول، ونشرت الاضطرابات وغذّت الصراعات المحلية والبينية، وضربت بعُرض الحائط القوانين والمعاهدات والاتفاقات الدولية، ولعبت على الأوتار الدينية المذهبية، ومارست الإرهاب الخارجي كأداة سياسية.

باستعراض سريع لـ “بعض” الأعمال الإرهابية الدولية المُثبتة التي قامت بها إيران في العالم، نجد منها تفجير السفارة الأميركية في بيروت، ومقر مشاة البحرية والسفارة الفرنسية، وقصف ناقلة نفط كويتية، واختطاف طائرة مدنية أميركية، وتفجير مطعم في برلين وآخر في باكستان، وتفجير مركز للجالية اليهودية بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، وتفجير برج سكني في السعودية، واغتيال دبلوماسيين عرب، واختطاف دبلوماسيين غربيين، ومهاجمة سفارات، وقتل معارضين إيرانيين، وتوفير ملاذات آمنة في طهران لزعماء تنظيم القاعدة، وإثارة الطائفية في البحرين، ودعم طالبان في أفغانستان، والنفاذ إلى اليورانيوم الخام، وتجاوز العقوبات الدولية وشراء الأسلحة ومستلزمات البرنامج النووي، والمشاركة في تجارة مخدرات وغسل أموال في أميركا اللاتينية، وتوريد أسلحة لنيجيريا في طريقها إلى متمردين، وزرع خلايا مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في دول إفريقية، والأكثر إرهاباً ما قامت به في سوريا من تدمير وقتل، عبر الحرس الثوري وفيلق القدس وميليشيات حزب الله وعشرات الميليشيات الطائفية الأخرى.

    زعزعت إيران أمن دول، وهدّدت استقرار دول، وتدخّلت في شؤون دول، ونشرت الاضطرابات وغذّت الصراعات المحلية والبينية، وضربت بعرض الحائط القوانين والمعاهدات والاتفاقات الدولية

هذا بعضٌ من الوجه الإرهابي الدولي لإيران، أما الوجه الآخر فهو استخدام إيران للتشيّع كوسيلة لقلب التوازنات الديموغرافية في بعض الدول، حيث استغلت حاجات البشر والفقر والبطالة لتحقيق أهدافها، في سوريا التي أقامت بها حسينيات ومراكز تبشيرية وجمعيات أهلية دينية، وفي صعدة وصنعاء وعمران وتعز في اليمن التي استغلت فقر الشعب فيها لتشيّعه، وفي مصر التي أرسلت لها “مُبشّرين”، وموّلت فيها صحيفة ومحطة تلفزيونية وحزباً شيعياً، وفي فلسطين التي دفعت أموالاً لتشييع أبناء المخيمات والموالين للجهاد الإسلامي، وكذا الأمر في الجزائر وتونس والمغرب والصومال، والسودان التي تدفع فيها تكاليف الزفاف والأثاث إذا اعتنق الزوجان المذهب الشيعي، ومثل ذلك في نيجيريا وجيبوتي وكينيا وجزر القمر وأفغانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وغيرها.

أقامت إيران مدارس في السنغال لتدريس مناهج الثقافة والتاريخ الإيرانيين بالإضافة إلى اللغة الفارسية، وأقامت جمعيات دينية وحسينيات ومدارس للتعبئة الطائفية في ساحل العاج والغابون وغينيا، وتلعب جامعة المصطفى في قم، التي تُدار بإشراف مباشر من المرشد علي خامنئي، دور الذراع التعليمية لإيران في العالم، ولها فروع في أكثر من 60 دولة في العالم، تتولى عبرها تعليم ما لا يقل عن 40 ألف إمام، ويتخرج منها خلال السنوات العشر الماضية نحو 50 ألف طالب، ويخضع حالياً نحو 6 آلاف رجل دين إفريقي لدروس ودورات تدريب في فروع جامعة المصطفى داخل إيران وخارجها.

من المعروف أن إيران تستفيد من الفوضى، وهذه هي استراتيجيتها الثابتة، وخطرها النووي الذي تتفاوض عليه أميركا ودول أوروبية، سيستمر خطراً جاثماً مهما قدّمت من تعهدات ووعود، فهي ستضرب بها عرض الحائط من دون أن يطرف لها رمش، فإيران حاضنة للإرهاب ومصدّرة له، ومصدر تهديد لأمن العالم واستقراره وسلمه وتعايشه المجتمعي والديني والمذهبي والإنساني.

لن يوقف تمرّد إيران اتفاق نووي، ولا معاهدات دولية توقُع عليها عنوة، ما يوقفها أمران لا ثالث لهما، إما أن تكتوي الولايات المتحدة مباشرة بإرهاب إيران، عندئذ تضع حداً نهائياً وحاسماً لها، أو أن يثور الشعب الإيراني على “آياته”، ويُعلنها ثورة حتى الخلاص من الديكتاتورية، ومن دون ذلك لن يشهد الشرق الأوسط، ولا العديد من المناطق حول العالم، أي استقرار، ولن تنتهي الفتن ولا النعرات المذهبية الطائفية التي تبرع إيران في تأجيجها.

—————————–

======================

تحديث 08 تموز 2021

———————–

شبح الاتفاق النووي الجديد/ عروة خليفة

تركت العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على طهران آثاراً كبيرة على الاقتصاد الإيراني، إذ تُظهر مقارنة الأرقام بين سنوات ما قبل العقوبات وما بعدها أن حجم الناتج المحلي انخفض إلى قرابة النصف. كان ترامب قد فرض تلك العقوبات بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ولا تزال هذه العقوبات مستمرة بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ولكن بالتزامن مع جولات مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في العاصمة النمساوية ڤيينا، انتهت الجولة السادسة منها الشهر الماضي دون تحقيق اختراق بخصوص العقبات التي تواجه العودة إلى الاتفاق.

سيكون الوصول إلى اتفاق بين واشنطن وطهران بالغ التأثير على صعيد استعادة الاستقرار في الاقتصاد الإيراني، لكن تأثير الاتفاق سيمتد أيضاً إلى نفوذ الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري في المنطقة في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن. ويمكن لمقارنة أرقام الاقتصاد الإيراني، قبل وبعد العقوبات، والتي سُميت «حملة الضغوط القصوى»، أن تعطي مؤشرات على ما يحتمل أن نواجه في المنطقة، خاصةً إذا أغفل الاتفاق النشاطات الإيرانية العسكرية فيها، أو تغاضت إدارة بايدن عن هذه النشاطات، الأمر الذي سيعطي دفعةً للحضور الإيراني الإقليمي على المستويات السياسية والاقتصادية.

* * * * *

في الثاني عشر من الشهر الماضي حزيران (يونيو) بدأت الجولة السادسة من المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، التي ضمّت كلاً من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، والتي انتهت مع تحقيق تقدم طفيف، لكن من دون الوصول إلى ملامح واضحة لاتفاق جديد بين الطرفين حول البرنامج النووي الإيراني. على الرغم من ذلك، فإن المبعوث الأميركي للأمم المتحدة اعتبر أن المفاوضات حتى الآن «ساعدت في تحديد خيارات البلدين من أجل العودة المشتركة إلى التزاماتهما في الاتفاق النووي». هذا التصريح الذي أتى خلال جلسة مجلس الأمن التي عقدت نهاية شهر حزيران (يونيو) الفائت، تبعته تصريحات من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكدّت أنّ على المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي الموافقة على بنود الاتفاق، في إشارة إلى ضرورة عدم وضع العراقيل أمام تلك المفاوضات من قبل الجناح الأكثر تشدداً في الحكومة الإيرانية، خاصةً بعد تصريحات الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي بأن الصواريخ البالستية لن تكون بنداً في أي مفاوضات. هذا فيما ربط مسؤولون رسميون في الحكومة الأميركية رفع العقوبات بالوصول إلى اتفاق شامل مع طهران، وهو ما عبّر عنه المتحدث باسم خارجية الولايات المتحدة في تصريح لقناة سي إن إن: «لن يتم الاتفاق على أي شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء».

من جانبها، شجّعت الأطراف الأخرى المشاركة في المفاوضات على الوصول إلى اتفاق، إذ عبّرت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن أملها بعودة العمل بخطة العمل المشتركة الشاملة بحلول منتصف تموز (يوليو) الحالي، أي مع حلول الذكرى السادسة لتوقيع الاتفاق عام 2015، فيما قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في حزيران الماضي إن التوصل لاتفاق بات «قريباً جداً».

خلال هذا الوقت، تستمر الآثار الاقتصادية الكبيرة للعقوبات الأميركية المفروضة على إيران منذ العام 2018، إذ تُظهِر بيانات البنك الدولي على سبيل المثال انخفاض الناتج المحلي لإيران بشكل كبير، من 445.3 مليار دولار عام 2017 إلى 258.2 مليار دولار عام 2019، أي أن نسبة الانخفاض بلغت 42 بالمئة بين العام 2017 بعد توقيع الاتفاق النووي والعام 2019 التالي لفرض العقوبات القصوى.

إلى جانب ذلك، شهد الاقتصاد الإيراني ارتفاعاً كبيراً في نسبة التضخم، التي انتقلت من حدود 10 بالمئة في 2017 إلى ما يزيد عن 40 بالمئة في 2019 حسب بيانات صندوق النقد الدولي. وقد كان قطاع إنتاج البترول أحد أكبر المتضررين من تلك العقوبات، إذ قال مسؤول إيراني لوكالة رويترز في شهر أيار (مايو) 2019 إنّ صادرات النفط الإيراني اليومية قد انخفضت إلى 500 ألف برميل، بالمقارنة مع أكثر من مليونين ونصف المليون برميل في 2017، وقد كان لانخفاض الصادرات النفطية الإيرانية أثر كبير على اقتصاد البلد، خاصةً أن قطاع النفط يشكل 13.5 بالمئة من حجم الاقتصاد.

بالطبع لا تفيد الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة الإيرانية في تحديد كميات النفط التي يتم تصديرها بشكل كامل، لأنّ تهريب النفط الإيراني بعد إقرار العقوبات شكّل سوقاً موازية للسوق الرسمية التي أُغلقت في وجه طهران، فعلى سبيل المثال قدّرت مؤسسة ريفينتيف لأبحاث النفط واردات الصين الشهرية من النفط الإيراني في شهر آذار (مارس) من العام الجاري 2021 بحوالي 27 مليون برميل. وهو ما يعني عملياً أن طهران استعادت قدرتها على تصدير كميات كبيرة من النفط على الرغم من العقوبات المفروضة، خاصةً إلى دول آسيا مثل الصين والهند، وإن بأسعار أقل من أسعار السوق الرسمية. بالمقابل فإن تأثر سوق النفط العالمية بعودة بيع الإنتاج الإيراني من النفط بشكل رسمي، في حال رفع العقوبات الأميركية عن هذا القطاع، سيؤدي إلى انخفاض الأسعار، ما يجعل الفرق الذي ستناله طهران من هذه العملية فيما يخص تصدير النفط محدوداً.

تساهم عملية رفع العقوبات عن إيران باستعادة طهران التدريجية للاستقرار الاقتصادي، لكن هذه العملية ستكون مرتبطة بالوصول إلى صيغة اتفاق أكثر استقراراً مع واشنطن، وهو أمر لا يزال يواجه تحديات كبيرة نتيجة التغييرات السياسية الداخلية في إيران وتوجهات الحكومة الجديدة، إضافةً إلى ارتباط هذا التعافي بتجاوز السوق العالمية لآثار جائحة كورونا، ما سيسمح بتحديد أسعار أفضل للنفط وعودة قطاعات الصناعة للعمل بشكل كامل، وهذا سيساهم بدوره في تحسن الأسواق المحلية في أوروبا وشرق آسيا حيث يتمركز أبرز شركاء إيران الاقتصاديين.

* * * * *

يمكن القول بالتأكيد إنّ العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة أثّرت على تمويل إيران للميليشيات المسلحة المرتبطة بها بشكل مباشر أو غير مباشر، بما في ذلك ميليشياتها في سوريا طبعاً. لكن بالمقابل، استطاعت هذه الميليشيات خلال السنوات الماضية، سواءً قبل حملة «الضغوط القصوى» أو بعدها، أن تبني لنفسها قواعد ثابتة في عدد من المدن والأرياف السورية والمناطق الاستراتيجية في البلد. ومن أمثلة ذلك مناطق السيطرة التي تمتد في محافظة دير الزور، تحديداً في محيط وداخل مدينة البوكمال ومناطق أخرى على الضفة الغربية لنهر الفرات، أو في مدينة حلب حيث تحظى الميليشيا التي تحمل اسم فيلق المدافعين عن حلب بنفوذ كبير داخل المدينة. ولا توجد أي معلومات عن تخلي الحرس الثوري الإيراني عن قواعد عسكرية هامّة في سوريا، مثل مطار تي فور وسط البلاد في منطقة البادية، وذلك على الرغم من الضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة منذ سنوات على تلك المواقع.

يساعد النفوذ المحلي العسكري والسياسي الكبير للميليشيات المرتبطة بإيران في تحصيل عائدات تساعدها على الاستمرار في العمل، سواءً عبر فرض إتاوات على السكان وفعاليتهم الاقتصادية، أو تأمين امتيازات لأعضائها من خلال نسب أكبر ونوعية أفضل من الدعم الحكومي المقدم للسلع الأساسية في مناطق النظام، وغير ذلك من الخدمات والمكاسب.

بالإضافة إلى ذلك، تشير كثير من التقارير إلى ارتفاع معدل تهريب المواد المخدرة بين سوريا والأردن، وإلى تورّط الميليشيات الإيرانية في عمليات التهريب تلك، وهو ما يعني محاولة تلك المليشيات رفع دخلها من خلال مصادر جديدة على رأسها تجارة المخدرات في المنطقة، حيث تُظهر التحقيقات التي عملت على الموضوع تركيز الميليشيات الإيرانية على تهريب الحشيش والحبوب المخدرة مثل الأمفيتامين (المعروف باسم الكبتاغون).

تؤمّن هذه الزيادة في عمليات إنتاج وتهريب المخدرات لتلك الميليشيات، وعلى رأسها حزب الله، دخلاً قد يغطي لفترات الفجوة التي تركها تراجع التمويل الإيراني بسبب الآثار الاقتصادية للعقوبات الأميركية. بالمقابل، وفيما تتابع الكيانات المرتبطة بإيران سياسة الاعتماد الذاتي فيما يخص التمويل، والتي برهنت قدرتها على الحفاظ على تماسكها خلال الفترة الماضية على الرغم من الأزمة الاقتصادية، قيد يفيد رفع العقوبات في خلق أدوار جديدة لهذه الكيانات في سوريا. من ذلك مثلاً تمويل نشاطات دعم اجتماعي للسكّان، في محاولة لربط مصيرهم بتلك الميليشيات، إذ تعاني البلد من أزمة اقتصادية خانقة تسبَّبَ بها الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية وحرب النظام على السوريين خلال السنوات العشر الماضية، بالإضافة للعقوبات الدولية وعلى رأسها العقوبات الأميركية وفق قانون حماية المدنيين المعروف باسم «قانون قيصر».

الآثار الاقتصادية لأي رفع محتمل للعقوبات عن إيران لن تظهر خلال المدى القصير، لكنّ اتفاقاً لا يحدّ من نفوذها العسكري والسياسي في الإقليم سيعطي دفعةً سياسية كبيرة للكيانات المرتبطة بطهران، مثل الميليشيات التي تنتشر على مساحة سوريا، وهو ما قد يعطيها قدرة أكبر على فرض شروطها على الطرفين الشريكين في مسار أستانا (روسيا وتركيا)، كما سيعمّق من قدرة تابعيها في سوريا على تعزيز مواقعهم الحالية على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي من خلال ربط المجتمعات المحلية بهم. وربما نشهد في هذه الحالة انقلابات في التحالفات الداخلية، إذ كانت أسرة القاطرجي التي تتحكم بتجارة النفط مع المناطق الشرقية لسوريا، على سبيل المثال، قد نقلت تحالفاتها مؤخراً إلى موسكو مقابل مكافأة مجزية هي تصدر قوائم مدعومة من هذه العائلة انتخابات مجلس الشعب عن مقاعد محافظة حلب على حساب حلفاء تقليديين للنظام السوري، وسيطرتهم شبه المطلقة على مقاعد غرفة تجارة حلب أيضاً. هذه التنقلات بين الوكلاء المحليين السوريين على خارطة داعمي نظام الأسد لن تتوقف بالتأكيد، وستكون عودة طهران إلى الواجهة فرصة للعديد منهم لتحصيل مكاسب جديدة مقابل تغيير الولاء.

أثبتت إيران وميليشياتها قدرة كبيرة على النجاة حتى الآن من العقوبات الأميركية، لكنّ استعادتها لقوتها الكاملة وفرض مزيد من النفوذ العسكري والسياسي الإقليمي يرتبط بشكل جوهري برفع تلك العقوبات عنها، ولذلك فإن أي اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وإيران يتجاهل النفوذ العسكري للأخيرة في المنطقة سيكون فرصة لانتعاش ميليشيات تعتاش اليوم على تحطيم البلد والروابط الأهلية فيه، بعد أن فرضت نفسها عليه بالقتل والتهجير والإبادة.

موقع الجمهورية

————————————

انتخاب رئيسي رئيساً… محطة مختلفة!/ موفق نيربية

ستكون لحظة الانتخابات الرئاسية الإيرانية محطة انعطاف في التاريخ الحديث، ليس لإيران وجيرانها وحسب، بل للعالم. فقد أدّى تزايد حشر النظام في الزاوية إلى إضعافه وتقليص خياراته بين اثنين فقط: إما مجاراة المتطلبات الدولية على الأقل، أو الانجراف خطوة حاسمة أكثر نحو التشدّد والعزلة، وشنّ الحروب في كلّ اتجاه داخلياً وخارجياً.

ربّما يرى بعضنا؛ أو يرغب بأن يرى؛ في ذلك التحوّل ضغطاً أقصى في مواجهة الضغوط الأمريكية الأقصى، تحضيراً لنسخة الاتفاق الأخيرة، وليس ذلك بصعب على نظام يذهب في اتّجاه الأيديولوجيا المنغلقة عميقاً، من دون أن ينسى براغماتيته، القصوى أيضاً بدورها، لكنّ الدلائل المادية كلّها تشير إلى اتجاه آخر في الأعم الأغلب. ونحن بانتظار الإعلان النهائي عن فشل مفاوضات فيينا، أو نجاحها، حتى نتأكّد تماماً إلى أين يتّجه المسار.

عرفنا في السابق رئيساً متشدداً هو محمود أحمدي نجاد، الذي ثبتت حالياً مرونته المختلفة تماماً، مع الموجة التي جاءت برئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية. كان المرشد أو الوليّ الفقيه يمسك بخيوط اللعبة عن بعد، وليس بكلّ تلك الخيوط أيضاً، بل ما هو رئيس بينها وأساس، ويتعلّق باستمرار النظام. حالياً، اضطرّ المرشد إلى التدخّل بفظاظة، وأجبر الهيئة المعنية على تصفية خصوم رئيسي في المعركة الانتخابية، ليدخل البلاد بذلك في نفق أكثر ظلاماً. وبالأساس، كانت هنالك دائماً سلطتان في إيران، تعتمد إحداهما على الحرس الثوري ومؤسساته التابعة، وعلى مؤسسة المرشد، بما خفي منها وظهر، وتشكّل هذه السلطة وجه الغول في النظام، نظام يحكم في الظلّ بالخوف والرهبة، وظلّ المرشد، وسلاح الحرس الثوري. كانت تسريبات حديث وزير الخارجية ظريف نفثة تنفيس أخيرة، حين تحدّث عن هيمنة سليماني على السياسة الخارجية. والسلطة الثانية تتمثّل في المؤسسة الرسمية والبيروقراطية، وفي تجليّات المجتمع والدولة، التي تريد العيش والاستمرار، تدعمها خيارات الناس “الطبيعيين”، الذين يريدون الإصلاح والحرية ولو شيئاً فشيئاً. وعلى الرغم من كون هذا الاتّجاه تعبيراً عن معارضة مكتومة للمرشد وأدواته وآلياته، إلّا أنها تلبّي من ناحية أخرى آمال البازار ودوائره بالصلح مع النظام. وقد انتهى كما يبدو ذلك المسار، أو أن عليه التراجع خطوة إلى الوراء الآن، ستتبعها غالباً خطوات أخرى. يبدو أن هيبة النظام الإيراني الخارجية، رغم غرابته تُبنى على خمسة أركان على الأقل. من بينها الأيديولوجيا بذاتها، ولن نستهين – نحن العرب على الأقل- بطاقاتها الرهيبة، خصوصاً حين تصل بروابط مباشرة ما بين الله والبشر، عن طريق نائب الإمام. ثم النفط الذي تحتاجه الصين على وجه الخصوص، في صراعها الأهم عالمياً مع الولايات المتحدة، على السيادة والهيمنة على الكوكب. ثمّ يأتي التهديد النووي الذي يمكن أن يحسم الموضوع، لو تطوّر في اتّجاه الحصول على السلاح النووي، وحصل عليه بالفعل، ثمّ الصواريخ الذكية والغبية، علماً أن تلك الغبية منها ليست أقلّ تهديداً وإرهاباً للآخرين، هذه الصواريخ ينبغي أن تكون سابقةً على الاتفاق النووي على طاولة التفاوض، وعلناً لا على الهامش. ثمّ تأتي البؤر الثورية أو الإرهابية التي تدعمها أو تخلقها أو تشجّعها إيران، مثل وحدات الحشد الشعبي المرتبطة بالوليّ الفقيه وأسلحته وذخائره وأمواله وفتاواه، وحزب الله الذي خرج من طوق لبنان ليكون وحداتٍ خاصة للمرشد في أكثر من مكان: في سوريا والعراق، مع علاقات لافتة في الحوثيين في اليمن وحماس والجهاد في غزة مثلاً؛ من دون أن ينسى واجبه الأكبر في لبنان، وبقاءه استفزازاً خاصاً لإسرائيل أيضاً، في الجنوبين اللبناني والسوري أيضاً. وفي هذا الصف ذاته في سوريا تندرج الميليشيات الطائفية المتنوعة في سلك يرتبط بطهران، يتمركز إلى جوارها الحرس الثوري بنفسه.

ذلك كلّه كان يمرّ بصعوبة حتى الآن، لكنه سيزداد صعوبة حتماً في المرحلة المقبلة، بعد أن أنجز خامنئي “انقلابه”، وهيّأ مقوّمات استمرار ظلّه على الأرض الإيرانية التعيسة، من خلال انتخاب رئيسي، وتقليص دائرة الحكم والسيطرة، من خلال انتخاب رئيسي. وربّما كان الأمر تحدياً إضافياً لأهل المنطقة، والقوى الدولية التي ما زالت تدور في دائرة مغلقة، وتعجز عن تجديد رؤيتها، رغم الحدث الباهر الذي قام به نظام المرشد. كاد ذلك النظام أن ينجز ما عجز عنه غيره حتى الآن، وهو أن يغدو الخطر رقم واحد على المنطقة، ليعيد إلى ورائه الخطر الإسرائيلي، بل إنه جعل إسرائيل تقفز خطوتين معاً إلى أمام، فلا يعود خوفها على أمنها مشكلة لها من جهة العرب – عموماً- بل تصل إلى تخوم قيام تحالف مشترك مع بعض الدول العربية لمواجهة الخطر الإيراني، الأكثر ديناميكية، عنفاً وحماقة “ثورية” أيديولوجية المنشأ. مع ذلك كلّه، يبقى أخطر تهديد لسلام المنطقة حالياً، متمثّلاً في سياسات نظام المرشد القائمة على” التبشير” الديني. ولا يحرّك هذا التبشير قوى غريبة قاسية الملامح والسلوك في أكثر من مكان وحسب، بل يحاول القيام بتغييرات ديموغرافية، إمّا بإحلال سكان بدلاً من سكان، أو بتغيير انتماءات الساكنين أنفسهم بقوة الدعوة، الدعاية من جهة، وبقدراتها المادية المغرية في زمان العوز والقهر، وبالاستناد أيضاً إلى الخوف من الإرهاب السني، يعمل الإرهاب الشيعي على نشر الخوف الخاص به؛ بل إنه يحرّض مباشرة وبالملموس أو بغير مباشرة، على تنمية الإرهاب الآخر، واستخدامه في إطار استراتيجيته.

لم ينتبه العالم بالدرجة والطريقة الكافيتين، المكافئتين لدرجة وطريقة الخطر الذي يمثّله النظام الإيراني، من حيث إضرامه لنيران قديمة خامدة أو تكاد منذ قرون، ليجعل الصراع السني – الشيعي من جديد محركاً لكوارث الحاضر والمستقبل. ربّما تكون هذه أيضاً أخطر في العمق من خطر وصول إيران إلى السلاح النووي، وربما ستجعل من المنطقة فوهة لبركان لا تصدّر للعالم إلّا الدخان والحرائق. ليس هذا الصراع لعبة على الإطلاق، تُستخدم في التأثير في صراعات أقلّ خطراً وأهمية بالتأكيد، وينبغي لها أن لا تكون كذلك. لم تأبه إدارة خامنئي لما يمكن أن يفهمه العالم من فرضه لرئاسة رئيسي، وهذا قدر المستبدّين وأنظمة الاستبداد معاً، ولعلّ هذا يكون عادياً، لولا ما يمثّل الاستبداد المعنيّ من طغيان قائمٍ على مبرّرات دينية، كان على كبار شيوخ المذهب الشيعي أن يكونوا أكثر حزماً أمامها، على الرغم من أمثولة محمد حسين فضل الله. وربّما سوف تظهر مقاومة “داخلية” أكبر بالتدريج، تحرضها وقائع ومخاطر ما يجري… ولعلها لا تتأخّر كثيراً.

بناءً على ذلك كله، يرى بعض الخبراء أن ما يهم النظام الإيراني في مفاوضاته على استعادة فاعلية الاتفاق النووي، وما يرتبط بذلك من حيث التراجع عن العقوبات المرهقة جداً، هو النجاح في استبعاد أيّ بحث في ما يخص صواريخ إيران الاستراتيجية، خصوصاً في ما يخص نشاطات النظام في المنطقة، في دعم بشار الأسد وحزب الله وحماس- للأسف- والحوثي، ومعهم حزب الله العراقي وقوى ننسى أسماءها أحياناً. في هذا الحقل الأخير، يمكن للنظام أن يتراجع تكتيكياً في بعض الحالات بالمقايضة مع مكاسب أخرى، ولكنه لن يتراجع استراتيجياً على الإطلاق؛ فحياته ومستقبله مرتبطان بهذه الاستراتيجية. أما الآخرون مثلنا، الغارقون في آثار تقدّم تلك الظاهرة فوق مصائبهم الخاصة بهم، فنبقى في حيص بيص، في محطة انتظار الكوارث.

*كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

أي إيران ستكون في عهد رئيسي؟/ هدى الحسيني

انتخاب إبراهيم رئيسي لرئاسة إيران مهم لأنه هو مختلف. فرئيسي هو أول رئيس قضائي تولى هذا المنصب منذ عام 1979. جاء أسلافه من السلطتين التنفيذية والتشريعية قبل توليهم مناصبهم. قبل أن يصبح رئيساً، خدم آية الله علي خامنئي في البرلمان وكان نائباً لوزير الدفاع. الأمر نفسه بالنسبة لعلي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان رئيساً للبرلمان. وكان الإصلاحي محمد خاتمي وزيراً للثقافة، أما محمود أحمدي نجاد فكان رئيساً لبلدية طهران، وكان حسن روحاني؛ الرئيس الأكثر براغماتية، سكرتير «المجلس الأعلى للأمن القومي». ومع ذلك؛ يتمتع رئيسي بخلفية غارقة في أحكام السجن والجلد والإعدامات والقمع والدماء. إن صعوده يدل على أن الجمهورية الإسلامية ترسي الأساس لانتقال قيادي في نهاية المطاف.

هناك ثلاث ديناميكيات للنظام تجب مراقبتها في الأسابيع المقبلة: عضوية جديدة في «المجلس الأعلى للأمن القومي»، ومَن الذي يقرر رئيسي تعيينه في المناصب الرئيسية، وتخطيط الوراثة.

بالنسبة إلى «المجلس الأعلى للأمن القومي»؛ لن يغير الرئيس المنتخب رئيسي الخطوط العريضة لسياسات إيران الخارجية والأمن القومي و«النووي»؛ ذلك لأن المرشد الأعلى لإيران سيبقى هو القائد العام للقوات المسلحة، وأن «الحرس الثوري» مَن يقود عملية صنع القرار بشأن العديد من هذه الملفات. ومع ذلك؛ فإن الديناميكيات الداخلية لـ«المجلس الأعلى للأمن القومي» حيث تناقَش مثل هذه السياسات لبناء توافق في الآراء، سوف تتغير. كان رئيسي عضواً في هذا «المجلس» بصفته رئيساً للمحكمة العليا منذ عام 2019، ولكن بصفته رئيساً للجمهورية سيكون رئيس «المجلس الأعلى للأمن القومي»، كما سينضم أعضاء إدارته؛ بمن فيهم وزيرا الخارجية والاستخبارات. وبالتالي؛ سيحتفظ ببعض القدرة على إدارة النقاش داخل «المجلس».

كما دفع صعود رئيسي لمنصب الرئاسة بالمرشد إلى تعيين رئيس جديد للمحكمة يوم الخميس الماضي؛ هو غلام حسين محسني إيجئي. سيواجه رئيسي ديناميكية مختلفة عن روحاني في «مجلس الأمن القومي». مع وجود روحاني رئيساً؛ كان عليه أن يتعامل مع رئيسي، وهو منافس سياسي سابق، بصفته عضواً آخر في «مجلس الأمن القومي». لكن رئيسي سيجلس الآن في الغرفة مع نائبه السابق محسني إيجئي؛ الذي سيُرقّى لخلافته في منصب رئيس القضاء. ومع ذلك؛ فإن هذا لا يعني أن رئيسي سيكون قادراً على التلاعب برئيس المحكمة العليا الجديد بطريقة لم يستطع روحاني القيام بها مع رئيسي، أو أنه لن يكون هناك احتكاك.

عُيّن محسني إيجئي في منصبه نائباً أول لرئيس المحكمة خلال فترة سلف رئيسي؛ صادق لاريجاني، وأظهرت التقارير عبر سنوات، التوتر بين الرجلين اللذين لهما تاريخ وظيفي مماثل. على سبيل المثال؛ عمل كلاهما نائباً أول لرئيس القضاة والمدعي العام. من الممكن دائماً أيضاً أن يقرر المرشد نقل ملف المفاوضات النووية من وزارة الخارجية الإيرانية إلى «مجلس الأمن القومي»، الذي كان قد بدأ في الملف قبل انتخاب روحاني للرئاسة في عام 2013. وقد يؤدي ذلك إلى وضع من يقرر خامنئي ورئيسي تعيينه وزيراً لـ«مجلس الأمن القومي» بوصفه المحاور الرئيسي مع القوى العالمية بشأن الاتفاق النووي.

نظراً لموقعه ووعده، بوصفه قائداً أعلى محتملاً في المستقبل، حصل رئيسي على العديد من التأييد خلال الانتخابات الرئاسية. علي ناكيذاد، الذي شغل منصب نائب رئيس البرلمان ورئيس مقر حملة رئيسي، شخص يمكن مشاهدته بوصفه لاعباً كبيراً محتملاً في إدارة رئيسي. شغل ناكيذاد سلسلة من المناصب خلال إدارة أحمدي نجاد؛ بما في ذلك منصب حاكم إقليمي وعضو في حكومته مسؤول عن وزارات عدة. ومن بين المرشحين الآخرين المرشحون للرئاسة الذين انسحبوا أو استُبعدوا وأيدوا رئيسي، مثل سعيد محمد؛ القائد السابق لـ«مقر بناء خاتم الأنبياء» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني، وكذلك سعيد جليلي، ممثل المرشد الأعلى في «المجلس الأعلى للأمن القومي». قد يكون السفير السابق لدى البحرين نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، الذي له علاقات وثيقة مع «الحرس الثوري» الإيراني، وعلي باقري كاني، نائب رئيسي للشؤون الدولية في القضاء وصهر ابنة خامنئي، من بين كبار المسؤولين في أدوار بالسياسة الخارجية. إن اختيار رئيسي المناصب الرئيسية، خصوصاً وزير الخارجية، سيظل بالطبع خاضعاً لحق النقض من قبل خامنئي.

الخدمة عبر الرئاسات لها سابقة في الجمهورية الإسلامية. لقد شغل علي أكبر ولايتي منصب وزير الخارجية في إدارات متعددة. ومحمد جواد ظريف، وزير الخارجية الحالي، شغل منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة خلال عهد خاتمي وفي السنوات الأولى من حكم أحمدي نجاد.

رئيسي يختلف عن سلفه حسن روحاني في نواحٍ مهمة. قبل توليه منصبه؛ كان روحاني يتمتع بخبرة واسعة على الساحة الدولية بصفته كبير المفاوضين النوويين. جاء إلى الرئاسة بشبكة اتصالات وعلاقات يفتقر إليها رئيسي. لذلك من الممكن أن يقوم خامنئي ورئيسي بتعويض هذا العجز من خلال الاحتفاظ بشخصيات مثل نائب وزير الخارجية عباس عراقجي؛ على الأقل في المدى القصير.

لقد سبق أن أظهر رئيسي الحاجة إلى إدارة مستقلة غير فئوية. ويمكن القول إن إبراهيم رئيسي هو العضو الأكثر تأهلاً في المؤسسة الإيرانية لخلافة خامنئي مرشداً أعلى. عندما يتولى الرئاسة، سيتمكن رئيسي من ادعاء أنه ترأس فرعين للحكومة. في الواقع؛ رغم أنه رجل دين متوسط الرتبة، فإن بعض وسائل الإعلام الإيرانية بدأت تشير إليه على أنه «آية الله»، بدلاً من «حجة الإسلام» الأدنى مرتبة. وهي علامة أخرى على أن بعض عناصر النظام يهيئون الأرضية له لتولي القيادة العليا ذات يوم. لكن ليس هناك ما يضمن أن رئيسي سيكون وريث خامنئي. بالنظر إلى تاريخ الرئاسة في أنها حكم بالإعدام السياسي على شاغليها؛ فإن ما سيكون حاسماً فيما يتعلق بمصير رئيسي هو ما إذا كان خامنئي يمكّن الرئيس الجديد أم يلومه. ومع ذلك؛ وبسبب تاريخ رئيسي في الخضوع المخلص للمرشد الأعلى، فهو رهان آمن بالنسبة إلى «آية الله» المتقدم في السن. مع تنصيب محسني إيجئي رئيساً للمحكمة، يضمن خامنئي أيضاً أن الأيدي الموثوق بها والقمعية ستكون حاضرة في حال انتقال القيادة، حيث سيكون رئيسي ومحسني إيجئي في موقعين دستوريين للعمل في «مجلس قيادة مؤقت» إذا توفي خامنئي خلال فترة ولايتهما. في النهاية، فإن فترة رئيسي تشبه تدريب المرشد الأعلى. ستكون فترة التدريب هذه حاسمة في ظهور الزعيم المستقبلي للجمهورية الإسلامية.

من جانبهم؛ عرض قيادات «الحرس الثوري» الإيراني خيارات سياسية على الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي فيما يتعلق بالقضايا السياسية الداخلية لإيران، لكنهم على الأرجح التزموا الصمت عمداً بشأن السياسة الخارجية. فقد نشرت صحيفة «جافان» الناطقة باسم «الحرس الثوري» 3 مقالات يوم الثلاثاء حول الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو (حزيران) الماضي. تناول اثنان من المقالات رئيسي بشكل مباشر. في أحد المقالات شكر وثناء لقوله «لا» رداً على سؤال من مراسل روسي سأل رئيسي خلال أول مؤتمر صحافي له عما إذا كان على استعداد للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن. في إشارة إلى أن رئيسي أمامه مهمة صعبة خلال السنوات الأربع المقبلة؛ نصحت الصحيفة رئيسي بإصدار توجيهات لمسؤولي إدارته بنسيان الماضي وعدم إثارة الرأي العام. وذكّرت «جافان» بأن جميع الإدارات جزء لا يتجزأ من النظام السياسي برمته. مع العلم بأن المقربين من «الحرس الثوري» ووسائل إعلامه كانوا الأكثر صراحة في مهاجمة حسن روحاني وحكومته. كانت النصيحة الثانية من «الحرس» لرئيسي حول أولئك الذين تجمعوا حوله على أمل الفوز بمنصب في الإدارة المقبلة. وذكّر المقال رئيسي بأنه شخصية سياسية مستقلة غير مدينة لأحد. هذا بالضبط ما قاله رئيسي في خطابه الأول للأمة وكرره خلال المؤتمر الصحافي. وأوضح أنه «مع كل الاحترام لجميع الشخصيات والجماعات والأحزاب السياسية… دخلت الانتخابات مرشحاً مستقلاً، ولست مديناً لغير الشعب». عُدّت هذه رسالة من رئيسي إلى السياسيين والجماعات السياسية الذين يريدون نصيباً من السلطة السياسية. رغم أن معظم المتشددين دعموا المرشح رئيسي، فإنه حصل أولاً وقبل كل شيء على دعم خامنئي، وكان الجميع يعرف ذلك. كان الخيار السياسي الثالث المقدم إلى رئيسي هو عدم البحث عن كبش فداء لإخفاقاته وأوجه قصوره على طريقة الإدارات السابقة. لا تقل «لا يتركونني أعمل» كما فعل أسلافك؛ كانت نصيحة الصحيفة. وكان الخيار السياسي الأخير لرئيسي مصدر قلق مشتركاً بين الإصلاحيين الإيرانيين. اقترح «الحرس الثوري» الإيراني أن على رئيسي تقريب الساسة الإصلاحيين والمعتدلين والعمل معهم… وعلى سبيل المثال؛ قال النائب الإصلاحي السابق داريوش غنباري، يوم الاثنين، إن الإصلاحيين في إيران يتوقعون تشكيل رئيسي حكومة غير حزبية. وقال إنه يؤمن بوعد رئيسي بأن يكون سياسياً مستقلاً. لكن في انتظار شهر أغسطس (آب) المقبل، عندما يتسلم رئيسي، يخلق الله ما لا تعلمون.

الشرق الأوسط

————————

مع رئيسي ..بقاء العقوبات سيدفع إيران لتغيير توجهاتها الاستراتيجيةL علي أكبر داريني

قد تضطر إيران إلى إعادة النظر في توجهها الاستراتيجي المستقبلي، وهو ما يعتمد إلى حد كبير على الإرادة السياسية لإدارة بايدن في إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة، ورفع العقوبات عن طهران، أو التسبب في وأدها إلى الأبد.

انتُخب إبراهيم رئيسي (وهو سياسي أصولي) رئيسا لإيران في 18 حزيران/يونيو 2021. وبذلك فإنه سيخلف حسن روحاني، الرئيس المعتدل المنتهية ولايته، مطلع شهر آب/أغسطس 2021. وسيستلم رئيسي منصبه في مرحلة حاسمة تخوض خلالها إيران مفاوضات تقنية في فيينا مع الغرب بهدف إحياء الاتفاق النووي المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”.

وسيكون للفوز الذي حققه رئيسي في الانتخابات الرئاسية آثار مهمة على علاقات إيران مع العالم الخارجي. كما سيكون له تأثيره، أيضا، على البيئة الاستراتيجية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

يثق المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية، آية الله علي خامنئي، صاحب الكلمة الأخيرة في جميع شؤون الدولة، في الرئيس الإيراني الجديد. ومن المتوقع جدّا ألاّ تكون إدارة رئيسي القادمة على خلاف مع المؤسسات الأخرى داخل النظام الحاكم في إيران، لأن الأصوليين سيبسطون سيطرتهم على سلطات الحكم الثلاث، ما يعني تقليل إمكانية حدوث مشاحنات سياسية داخلية، أو غياب كامل للاقتتال الداخلي، وهو ما سيفسح المجال أمام إبراهيم رئيسي للتركيز على معالجة القضايا الملحّة.

وعلى غرار خامنئي، فإنّ لدى رئيسي أيضا شكوكه في نيات الغرب، غير أنه كان داعما لخوض المفاوضات النووية مع الغربيين بهدف إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، كما أنّه وعد بخلق فرص عمل ومعالجة معضلة البطالة. غير أنّه من غير المرجح تحقيق ذلك الوعد، أو على الأقل سيكون من الصعب تحقيقه في ظلّ استمرار العقوبات الاقتصادية الصارمة المفروضة على إيران. كما أن رئيسي يعي جيدا أنّ تحقيق النمو الاقتصادي في إيران يتطلب بالضرورة رفع العقوبات عنها، وعلى هذا الأساس فهو ملتزم بخطة العمل الشاملة المشتركة، ولن يشكل انتخابه عقبة في طريق استعادة الاتفاق النووي.

باختصار، سوف يشهد عهد رئيسي تصعيدا في لهجة إيران تجاه الغرب، غير أنه من المرجّح أن يواصل رئيسي السير في نهج الضغط حتى يدفع واشنطن نحو العودة إلى الانضمام لخطة العمل الشاملة المشتركة، من ناحية، ورفع العقوبات التي فرضتها على إيران، من ناحية أخرى.

تجادل هذه الورقة بأنه لن يطرأ أيّ تغيير على اتجاه إيران الاستراتيجي في عهد رئيسي، إلا أنّ سياسة طهران الخارجية ستشهد تغييرات واضحة على المستوى التكتيكي، بالإضافة أيضا إلى تغيير في لهجتها، كما ستكون هناك تغييرات في ترتيب الأولويات لديها.

كما تجادل الورقة، أيضا، بأن ما سيحدث مستقبلا سيعتمد، إلى حد كبير، على إرادة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن السياسية في إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة من خلال رفع العقوبات أو التسبب في وأدها، ومن ثم إجبار إيران على إعادة النظر في أيّ اتجاه استراتيجي عليها اتخاذه.

السياسة الخارجية الإيرانية في عهد رئيسي

أعلن رئيسي عزمه السعي أولا على إعادة ترتيب الوضع الداخلي للبلاد. وسيبحث في المقام الأول عن حلول من داخل البلاد لا من خارجها. وهذا يعني أنه سيحتاج، بقدر أكثر مما فعلته إدارة روحاني المنتهية ولايتها، إلى مكافحة الفساد وسوء الإدارة وتوظيف الإمكانيات الداخلية، بالإضافة إلى سعيه لإعادة تنشيط القدرات الداخلية المتوفرة في إيران إلى حدودها القصوى.

اتّسمت مواقف روحاني، الوسطي، ومعسكره بالتفاؤل، حيث علقوا الكثير من الأمل على إعادة تفعيل خطة العمل الشاملة المشتركة، ومن ثم التوصل إلى اتفاق يقضي برفع العقوبات المفروضة على إيران، غير أن تلك التجربة كانت مهينة. فقد أضر انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018، بالدبلوماسية والاقتصاد الإيرانيين، وهو ما أدّى إلى فقدان روحاني مصداقيته، كما عمّق الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة مستوى عدم الثقة بين طهران وواشنطن.

لقد كان لمدرسة الليبرالية الفكرية في العلاقات الدولية آثار واضحة على فريق روحاني المكلّف برسم السياسة الخارجية، وفي المقابل فإنه من المتوقع أن يسترشد فريق رئيسي بمزيج من مدرستي الفكر بشقّيها الواقعي والبراغماتي.

من ناحية أخرى، فإنه من المؤكد أن إدارة رئيسي لن تشاطر روحاني تفاؤله، بل على العكس من ذلك، ستكون متشكّكة للغاية في نيات واشنطن. كما سيمثّل تنصيب رئيسي نقطة البداية لنهجٍ في السياسة الخارجية أكثر حزما وتشدّدا، في حين سيظلّ المسار العام للاستراتيجية الإيرانية دون تغيير يذكر، ذلك أن تحديد أهداف السياسة الخارجية الإيرانية عادة ما يكون بتوافق الآراء داخل المجلس الأعلى للأمن القومي حيث يمثّل الرئيس وأعضاء حكومته نصف مجموع أعضائه العشرة، وكان خامنئي قد وافق على جميع قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي تقريبا. لذا، فإنه في الوقت الذي ستختار فيه إدارة رئيسي انتهاج تكتيكاتها الخاصة، فإنها ستعمل أيضا ضمن حدود الأهداف والأولويات والخطوط الحمراء التي وضعها المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يمثّل أعلى هيئة لصنع القرار الأمني في إيران.

ما من شك في أن رفع العقوبات يمثّل أولوية لإدارة رئيسي، لكنها لن تشلّ حركة إيران وتحبسها في انتظار رفعها. في الوقت ذاته، يُعتقد أنّ إيران ستسعى، أوّلا، إلى كسر تلك العقوبات. لذا، فالتغيير الحكومي القادم سيُحدث تبدّلا في ترتيب الأولويات، وهذا يعني أن إجهاض فعالية العقوبات سيمثّل أولوية تتقدّم عن رفعها.  ولهذا، فإن تطبيع وتطوير العلاقات مع دول الجوار الإيراني وتعزيز المنتجات من الصادرات غير النفطية سيكون على رأس جدول أعمال رئيسي.

صرّح الرئيس المنتخب، إبراهيم رئيسي، في أول مؤتمر صحفي تلا فوزه في الانتخابات، بأنه “لن تقتصر سياستنا الخارجية على الاتفاق النووي، بل إننا سنتفاعل مع العالم، ولن نربط مصالح الشعب الإيراني بالاتفاق النووي.. نحن نؤيد المفاوضات التي تضمن مصالحنا الوطنية، وعلى أمريكا أن تعود فورا إلى الاتفاق النووي وأن تفي بالتزاماتها بموجبه”. (1) كما وعد رئيسي بتشكيل حكومة “قوية” قادرة على توجيه المحادثات في “الاتجاه الصحيح”.

يقول سيد رضا موسوي نيا، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية في جامعة العلامة طبطبائي في طهران إن “التوافق الداخلي سيساعد رئيسي على انتهاج سياسة خارجية أقوى قائمة على “التفاعل والردع”، مضيفا: “ستسير إدارة رئيسي في ذات الاتجاه الاستراتيجي الذي سارت عليه إدارة سلفه روحاني، غير أنها ستعتمد لهجة جديدة”. ويرى في تحليله أن: ” رئيسي سيحظى بمستوى أعلى من الدعم من المرشد آية الله خامنئي، مقارنة بالرؤساء الذين سبقوه. وبالتالي، فإن رفع مستوى التنسيق مع مكتب المرشد الأعلى سينعكس بالإيجاب على تسهيل تنفيذ الخطط السياسة الخارجية للرئيس رئيسي”.  (2) ويمضي موسوي نيا مجادلا بأن روحاني تمكّن من التواصل مع واشنطن، كما توصل إلى إبرام اتّفاق تاريخي مع القوى العالمية آملا في أن يجني فوائده الاقتصادية وأن يتمتّع بالمزايا الإقليمية التي توقّع أن تجلبها خطة العمل الشاملة المشتركة لبلاده. غير أنّ انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، وما تلاه من اتباع إسرائيل والسعودية والإمارات سياسات معادية لإيران، كل ذلك أضرّ جدّيا بهذه الاستراتيجية. وقال موسى نيا: “كانت خطة العمل الشاملة المشتركة هي الشجرة التي زرعها روحاني آملا قطف ثمارها، لكنها انقلبت إلى كارثة محدقة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. هذا بالإضافة إلى أن فشل أوروبا في الحفاظ على دورها في الاتفاق زاد الأمر سوءا، وهو ما دفع طهران إلى خفض التزاماتها تدريجيا ببنود خطة العمل الشاملة المشتركة”. وأضاف موسى نيا: “إن رئيسي قد تعلّم من عدم وفاء الولايات المتحدة وأوروبا بما قطعتاه من وعود في السابق، وبناء على ذلك، فإنه سيسعى إلى الدفع بمحادثات فيينا إلى الأمام، وسيسعى، في نفس الوقت أيضا، إلى كبح تصعيد التوتّر بين طهران وخصمها الإقليمي اللدود الرياض، وسيحاول أيضا ابتكار توازنات تحكم علاقات إيران مع جيرانها من جهة، ومع القوى العالمية من جهة أخرى”. (3)

وبالعودة إلى عام 2017، أي قبل انسحاب أمريكا من خطة العمل الشاملة المشتركة بعام كامل، وخلال حملته الرئاسية الأولى التي لم تحمله إلى كرسي رئاسة إيران، قال المرشح رئيسي حينها: “ينبغي على أيّ إدارة تأتي إلى السلطة الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة، فالاتفاق النووي يظلّ وثيقة وطنية، على الرغم مما يتضمّنه من أوجه القصور”. (4)

من جهة أخرى، أعرب رئيسي عن اهتمامه باحتواء التوترات مع الرياض، قائلا إنه ليس لدى إيران “أي مشكلة” فى إعادة فتح السفارة السعودية في طهران، وإنّه “لا عوائق تمنع إعادة العلاقات بين البلدين”، مضيفا: “لا يضع الجانب الإيراني أيّ عقبات أمام إعادة فتح السفارات (…) ولا توجد عقبات أمام العلاقات مع السعودية”. غير أنّ تفاعل المسؤولين السعوديين مع تلك التصريحات لم يتجاوز حدود قولهم: إنّ الرياض ستحكم على حكومة رئيسي من خلال ما ستراه منها على “أرض الواقع”. (5)

ويبدو أنّ فشل حملة “الضغط الأقصى” التي مارسها ترامب على طهران -والتي صاحبها انتهاج ولي عهد السعودية محمد بن سلمان سياسة خارجية تتسم بالمغامرة- قد يشجّع الرّياض على تغيير مسارها، وقد ينقلها من مرحلة العداء إلى القبول بالتفاوض مع طهران.

أما على مستوى العلاقات مع واشنطن، فقد أكد رئيسي على أنه لن يلتقي نظيره الأمريكي، جو بايدن، حتى لو أتيحت الفرصة لعقد لقاء بينهما، وأن مضيّ إيران في برنامج صواريخها البالستية واستمرار دعمها لحلفائها في الشرق الأوسط لن يُطرحا على طاولة التفاوض. (6) فطهران تعتبر أنّ ملفيّ برنامجها الصاروخي ونفوذها في الشرق الأوسط ركيزتان لاستراتيجيتها في الردع… وحتى لو وصلت إدارة يهيمن عليها الإصلاحيون إلى الحكم فسيصعب عليها التفاوض بشأن أيّ منهما. وتؤكد طهران أنّ إطار خطة العمل الشاملة المشتركة يجب أن تقتصر على القضية النووية، وأن من شأن إثارة قضايا خارج الإطار النووي أن تقود إلى مراوحة المحادثات مكانها لسنوات دون التوصل إلى اتفاق بشأنها.

“التحوّل نحو آسيا.. اقتصاد المقاومة”

لم ينفكّ حلفاء رئيسي يجادلون بأن إدارة روحاني كانت تعوّل على الغرب لحل مشاكل إيران الاقتصادية وتحقيق النمو الاقتصادي فيها، إلا أنه لم يحصل إلا على “وعود فارغة وعقوبات غير مسبوقة”. أما إدارة رئيسي فسوف تستكشف فرصا جديدة للتجارة مع العالم بأسره، ولن تقتصر في ذلك على الغرب وحده.

وفي هذا السياق، صرّح المرشح الرئاسي وحليف رئيسي، سعيد جليلي، بأن “السياسة الخارجية لا تعني أن نُبقي بلادنا تنتظر ما ستقرّره تجاهنا مجموعة قليلة من الدول، بل علينا ترجمة إمكانات فرص التجارة والتعاون مع أكثر من 200 دولة إلى واقع ملموس”. وأضاف جليلي: “يمكننا جعل العدو يندم على فرضه تلك العقوبات علينا”. (7)

وفي هذا السياق فإن ثمة اعتقادا بأن رئيسي من مؤيدي اتفاقية التعاون الاستراتيجي، وهي اتفاق إطاري بين طهران وبكين لمدة 25 عاما تمّ التوقيع عليه في مارس/آذار عام 2021 بهدف رسم مسار العلاقات الإيرانية الصينية للرّبع القادم من القرن الحادي والعشرين. وتتضمّن تلك الاتفاقية ضخّ الصين استثمارات ضخمة لتطوير قطاعات تشمل الطاقة والبتروكيماويات والبنية التحتية، بالإضافة إلى مشاريع بحرية من أجل تعزيز دور إيران فيما يعرف بمبادرة الحزام والطريق الصينية. لذا، فإنه من المتوقع أن تسعى حكومة رئيسي إلى تحسين علاقات إيران مع أوراسيا بشكل عام، والصين وروسيا بشكل أخصّ.

وفي حديثه لكاتب هذه الورقة، قال المحلل السياسي عماد آبشناس: “في الوقت الذي كانت فيه الحكومات المعتدلة، ذات التوجهات الليبرالية والإصلاحية والوسطية المتعاقبة في إيران، تتجه نحو الغرب في الماضي، نجد أنّ رئيسي يفضّل إحداث توازن في علاقات إيران الخارجية… أتوقع من إدارة رئيسي انتهاج سياسة جديدة متمثلة في “التحول نحو آسيا” بتصميم أقوى، بالتوازي مع حفاظها على مستوى من العلاقات وإدارة التوترات مع الغرب. لذا، فإن توسيع العلاقات التجارية مع جيران إيران المباشرين وتعزيز العلاقات مع الدول الآسيوية، وتحديداً مع الصين، سيكون ضمن الأهداف العليا لاستراتيجية التجارة الخارجية الإيرانية (8) وهذا ما يجعل رئيسي على توافق وثيق في الآراء حول القضايا الرئيسية مع المرشد الأعلى خامنئي. فرئيسي، مثل خامنئي، يعتقد أنّ حل مشاكل إيران الاقتصادية لا يكمن في رفع العقوبات، بل في تبنّي استراتيجية تهدف إلى تحصين إيران من تأثير العقوبات الخارجية عبر توسيع ما يُسمّى بسياسة “اقتصاد المقاومة”. وتتمثّل سياسة “اقتصاد المقاومة” هذه في العمل على حماية للاقتصاد الإيراني، وتهدف إلى زيادة حجم الإنتاج المحلّي وتحقيق الاكتفاء الذاتي النسبي، مع رفع مستويات الصادرات وتقليص الواردات للتمكّن من تحقيق النمو الاقتصادي.

وفي تقديره للموقف يرى آبشناس: “في نفس الوقت الذي ستبذل فيه إدارة رئيسي جهودا لرفع العقوبات، فإنها ستعمل أيضا على مواجهة العقوبات المفروضة عليها وتجاوزها وتحصين الاقتصاد الإيراني من التعرّض للتأثّر، وذلك من خلال توسيع سياسة” الاقتصاد المقاوم”، (وهي سياسة تجد دعما من قبل خامنئي كما أشرنا من قبل). لذا، فإنّ إدارة رئيسي لن تغادر طاولة المفاوضات النووية، لكنها ستضع قضية تحصين إيران من تأثير العقوبات عليها على قمّة أولوياتها، بل إنها ستقدّم أهميّتها على المفاوضات ورفع العقوبات. (9)

لتحقيق ذلك الهدف، هناك من يجادل بأن إدارة رئيسي ستنظر إلى العقوبات الأمريكية المفروضة من جانب واحد، باعتبارها فرصة لوقف بيع النفط الخام -لسهولة تعرّضه لفرض عقوبات عليه- والعمل على تصدير السلع ذات القيمة المضافة مثل البنزين وزيوت المحركات والقطران، وغيرها من المنتجات المشتقّة من البترول التي تشهد تزايدا في الطلب عليها، وبالتالي فإنه يصعب تعرّضها للعقوبات.

ويعزّز هذا التوجه الإيراني ما كان رئيسي قد تعهّد به، خلال مداخلاته ضمن الحوارات المتلفزة الخاصة بالانتخابات الرئاسية، بإعطاء “الدبلوماسية الاقتصادية” أولوية قصوى بهدف زيادة صادرات إيران. وكان رئيسي يكرّر الإشارة إلى دول الجوار الإيراني الخمس عشرة وأسواقها التي تضمّ نصف مليار نسمة، مرتئيا أنه يجب على إيران، التي لا تهيمن إلا على حصة ضئيلة من تلك الأسواق، أن تعزّز مستويات التجارة مع دول الجوار.

وبالإضافة إلى ما تقدّم، فقد وعد رئيسي أيضا بخفض الضرائب على المنتجين المحليين، وتحصيل الضرائب من رجال الأعمال الأثرياء المتهربين من دفعها، وذلك عبر إنشاء نظام ضريبي ذكيّ جديد ومحاربة تهريب السلع وتأكيد جاذبية الإنتاج المحلّي، وذلك بإدخال المزيد من الإصلاحات الاقتصادية. كما أعلن رئيسي، في خطاباته أثناء تنفيذ حملته الرئاسية، أنه سيعتبر اقتصاد السواحل والمحيطات مصدرا مستداما لنموّ الاقتصاد الإيراني، حيث تمتلك إيران أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر من الحدود البحرية. وقد تعهّد رئيسي بسعي إدارته لتحقيق أكبر استفادة من تلك الإمكانات الهائلة وتوجيه فوائدها نحو خلق فرص عمل جديدة واستئصال الفقر. غير أنّ سبيله لتحقيق تلك الوعود لم يتكشّف بعد. وتعليقا على ذلك يجادل موسى نيا بقوله: ” إذا كانت إيران قوية وتمتلك نفوذا اقتصاديا، فسيكون بإمكانها حينئذ حلّ مشاكلها وخلق ما يكفي من قوة الرّدع. غير أن ذلك لا يعني إغلاق إدارة رئيسي باب الحوار مع الغرب. وفي هذا السياق، فإن اتفاقية التعاون، الممتدة لربع قرن قادم، مع الصين تمثّل أحد الحلول الممكنة لإفراغ العقوبات الأمريكية من تأثيراتها على الأمة الإيرانية”. (10)

فرصة ذهبية لتتويج المفاوضات باتّفاق

أمام الولايات المتحدة فرصة ذهبية للانضمام من جديد إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات خلال الفترة الانتقالية الحالية التي تشهدها إيران، أي قبل تنصيب رئيسي في أوائل أغسطس القادم. وعن هذا الموضوع، يعتقد آبشناس أنّ الأسابيع الستّة، الفاصلة ما بين ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية وموعد تنصيب رئيسي رئيسا للبلاد، تمثّل فرصة فريدة لإنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة من الانهيار. ويضيف: “لدى كلّ من بايدن وروحاني مصلحة في التوصل إلى اتفاق محتمل قبل حلول موعد الذكرى السادسة لتوقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في 15 يوليو/تموز.. وإذا ما توصلت فرق التفاوض في فيينا إلى اتفاق بشأن المحادثات الفنية قبل مغادرة روحاني لمنصبه، فإن رئيسي سيحترم مخرجات ذلك الاتفاق، أما إذا ضاعت الفرصة ولم تُرفع العقوبات، فسيكون التوصل إلى اتفاق في وقت لاحق أمرا أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلا، لأنه من المنتظر أن يتبنّى فريق التفاوض الإيراني في عهد رئيسي نهجًا أكثر صرامة. (11)

لقد كان الاتفاق المؤقت، الذي توصلت إليه إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير الماضي لمدة ثلاثة أشهر، آخر ضحية للتوجه الأمريكي في مقاربة الملف النووي الإيراني. وقد انتهت صلاحية الاتفاق الفنّي، ما يعني أنه لن يكون بإمكان الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوصول إلى البيانات المجمّعة عن طريق كاميرات المراقبة المزروعة داخل المنشآت النووية الإيرانية. وبامتناع إيران عن تمديد ذلك الاتفاق مرّة أخرى، تكون قد قلّصت من فاعلية مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لنشاط إيران النووي.

ما الذي سيحدث لاحقا؟

هناك اقتناع لدى الاستراتيجيين الإيرانيين بعدم تغيّر توجّه الولايات المتحدة الاستراتيجي تجاه إيران. فقد كان إضعاف إيران اقتصاديًا ومنع ازدهارها وتنميتها الاقتصادية هدفًا رئيسيًا لمختلف الإدارات الأمريكية، الجمهورية منها والديمقراطية. وتقتضي حسابات القادة الأمريكيين أن تقدّم الدولة الضعيفة تنازلات، ويتوقّعون رضوخها في نهاية المطاف لما ستفرضه أمريكا.

غير أن خطة العمل الشاملة المشتركة كانت فرصة استثنائية على امتداد 42 عاما من تاريخ الصراعات المريرة بين طهران وواشنطن، وكان بإمكانها أن تكون الاتفاق الوحيد المربح للجانبين، وأن تقلّص من حواجز انعدام الثقة بين الخصمين اللّدودين، لكن انسحاب ترامب من الاتفاق فاقم من تصدّع علاقات البلدين.

أما اليوم، فتعد محادثات فيينا اختبارًا لإرادة أمريكا ومعرفة ما إذا كان بايدن سيفي بوعوده التي أعلنها أثناء حملته الانتخابية، بعودة أمريكا للانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات عن إيران، أم إنه سينكُثها.

هذا، وتجدر الإشارة إلى أن العوائق التي تحول دون إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة معقدة، لكنها ليست عصيّة على الحل. فإذا قبلت واشنطن برفع العقوبات، فسيكون من المرجح أن تعود إيران إلى الامتثال الكامل للاتفاق. لكن، إذا لم تُرفع العقوبات، فإنه سيُقضى نهائيا على خطة العمل الشاملة المشتركة.

لقد كان في وسع بايدن إصدار أوامر تنفيذية برفع بعض العقوبات عن إيران في أول أيام عُهدته في العشرين من يناير، لكن أمريكا لم تعد إلى الانضمام لخطة العمل الشاملة المشتركة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على تنصيب بايدن رئيسا، وهو ما عزّز من شكوك طهران وتقديرها أن البيت الأبيض ليس في عجلة من أمره لرفع العقوبات، وأن بايدن إنما يهدف إلى خلق إجماع دولي ضدّ إيران، ومثل هذا النهج الانتهازي سيزيد، حتما، من صعوبة إنقاذ الاتفاق إذا لم تُفْض المحادثات الجارية إلى اتفاق قبل حلول موعد تنصيب رئيسي.

وفي هذا الإطار، فإن آبشناس لايعتقد “أن ترفع واشنطن كل العقوبات.. ما يريده صانع القرار الأمريكي هو الحفاظ على هيكل العقوبات كما هو، مع تقديم عرض برفع بعض العقوبات فقط. فواشنطن تستخدم العقوبات أداة تحقّق بها أهداف سياستها الخارجية، وبالتالي فإنها لن تتخلى عن أهم ما لديها من أدوات الضغط”. (12)

أمّا على الجانب الإيراني، فإنه ليس في وسع طهران القبول بفكرة تخفيف بعض العقوبات، وفي أحسن الأحوال، فإنّ رفعا أمريكيا جزئيا للعقوبات قد يقابل إيرانيا بعودة طهران، جزئيا فقط، إلى الالتزام بالاتفاق النووي. ومن

جهة أخرى، يبدو واضحا أنه ليس بإمكان إدارة بايدن مواصلة سياسة “الضغط الأقصى”، التي انتهجها ترامب ضد إيران، والعمل على إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة في ذات الوقت. أما نتائج فشل بايدن في رفع العقوبات فقد أدّت، فعليا، إلى خلق إجماع في الداخل الإيراني على وجوب أن تسلك طهران طريقها الخاص.

وفي هذا السياق، قال الأستاذ المتخصص في دراسات أمن الشرق الأوسط والسياسة النووية في جامعة برينستون، حسين موسويان خلال حديثه لكاتب هذه الورقة: إنّ ما سيحدث في المستقبل، يعتمد بشكل أساسي، على ما ستفعله إدارة بايدن. فبلاده هي التي انسحبت من خطة العمل الشاملة المشتركة وليس إيران، وأفعال أمريكا هي التي ستحدّد مساري إيران والولايات المتحدة في المستقبل(13).

أما على المستوى الإيراني، ووفقا لحسابات قادة إيران، فإنه بإمكان تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم خلق “ردع افتراضيّ”، وهو ما يعني أن إيران ستمتلك دورة تكنولوجيا الوقود النووي، وأنها ستنقل برنامجها النووي إلى مرحلة متقدمة، لكن دون أن تبلغ به حدّ مرحلة التسليح. وهو ما يعني أيضا أنه سيكون لإيران “قوة نووية افتراضية” دون بلوغ مرحلة بناء قنبلة ذرية، أو انتهاك التزاماتها التي توجبها عليها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

لقد خلص القادة الإيرانيون إلى أنه سيكون من الحكمة أن تقدّم الجمهورية الإسلامية تنازلات نووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن كاهلها. فقد اختاروا القبول بقيود غير مسبوقة على برنامج إيران النووي في مقابل أن يتمكّنوا من الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي، وأن يعيش شعبهم بعيدا عن العقوبات، وكانت خطة العمل الشاملة المشتركة تتويجا لسلوك هذا النهج المتّزن. ولهذا السبب، أيضا، تخلت إيران عن مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، كما تخلّت أيضا عن 97% من مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب (3.6%). ولنفس السبب كذلك أوقفت إيران استخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وملأت قلب مفاعلها للماء الثقيل في أراك بالإسمنت المسلّح، وقبلت بالمزيد من القيود بما فيها فرض مراقبة غير مسبوقة على عمل منشآتها النووية. لقد كان القبول بتلك القيود من أجل هدف واحد هو الحياة من دون عقوبات. والسؤال الذي يُطرح هنا هو: إذا فشلت واشنطن في رفع العقوبات، فما الذي يحمل طهران، إذن، على وضع خطوط حمراء لبرنامجها النووي؟

إن إصرار إيران على عودة أمريكا إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات عنها، تعني أن الجمهورية الإسلامية تفضّل أن تكون جزءًا من الاقتصاد العالمي. وهذا يعني أنه ليس لدى إيران لا النية ولا الإرادة السياسية لتسليح برنامجها النووي. لذا، فإن ما سيحدث بعد ذلك سيعتمد إلى حد كبير على إدارة بايدن. فرفع العقوبات سيساعد على تهدئة التوترات واستعادة التزام إيران وعودتها الكاملة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، بينما

سيكون من المرجح أن يدفع فشل واشنطن في رفع العقوبات قادة إيران إلى إعادة النظر في توجههم الاستراتيجي.

وفي هذا السياق، فإنه يجب أخذ تحذيرات وزير المخابرات الإيراني، محمود علوي، على محمل الجد عندما ألمح إلى أن إيران قد تضطر إلى إعادة النظر في سياستها وتطوّر سلاحًا نوويًا إذا ما استمرت العقوبات المفروضة عليها. وقد جاء على لسان الوزير علوي في فبراير 2021: “إذا حاصرتَ قطّا فإنه سيُظهر، على الأغلب، نوعًا من السلوك لا يأتيه القط الحرّ”. فإذا ما دفع الأمريكيون إيران نحو ذلك المسار فلن تكون حينها إيران مذنبة، بل المذنبون هم أولئك الذين دفعوها نحو هذا الخيار”. (14)

إذا حدث ذلك، فإنه سيكون النتيجة المباشرة لانسحاب أمريكا من خطة العمل الشاملة المشتركة ورفضها رفع العقوبات عن إيران، كما أنه من شأن حرمان إيران من المزايا المُضمّنة في خطة العمل الشاملة المشتركة أن يدفع الاستراتيجيين الإيرانيين إلى استنتاج أن بلادهم، التي يبلغ عدد سكانها 83 مليون نسمة، ستخضع لعقوبات في كل الأحوال وبغض النظر عمّا تفعله، ودون اعتبار لما إذا كانت تمتثل لخطة العمل الشاملة المشتركة بالكامل، أم لا، وليس من الحكمة في شيء دفع إيران نحو هذا المسار.

ملاحظة: أعدّت هذه الورقة لمركز الجزيرة للدراسات باللغة الإنجليزية وترجمها إلى العربية الدكتور كريم الماجري.

نبذة عن الكاتب

علي أكبر داريني

علي أكبر داريني، باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في طهران، ومؤلف كتاب “الردع المشروع”

“Legitimate Deterrence”

مراجع

1.    Parisa Hafezi, “Iran’s Raisi backs nuclear talks, rules out meeting Biden”, Reuters, 21 June 2021(Accessed 26 June 2021): https://reut.rs/3wjWG5W

2.    Seyed Reza Mousavinia, exclusive interview, 24 June 2021.

3.    Ibid

4.    Erin Cunningham, “Iran’s presidential candidates vow to uphold nuclear deal in televised debate”, The Washington Post, 5 May 2017(Accessed 26 June 2021): https://wapo.st/3AyCq3J

5.     “Saudi Arabia to judge Iran’s Raisi by ‘reality on the ground’”, Al Jazeera, 22 June 2021(Accessed 26 June 2021): https://bit.ly/36gwSNK

6.     “Iran’s hardline president-elect rules out meeting with Biden as nuclear talks paused for ‘decision making’”, CBS News, 21 June 2021(Accessed 26 June 2021): https://cbsn.ws/3hBYNwB

7.    Saeed Jalili, “Seizing opportunities and export leaps; key to success in resistive economy, foreign policy”, Strategic Council on Foreign Relations, 29 November 2020(Accessed 26 June 2021): https://bit.ly/3qWwNbu

8.    Emad Abshenas, exclusive interview, 27 June 2021

9.    Ibid

10.    Seyed Reza Mousavinia, exclusive interview, 24 June 2021.

11.    Emad Abshenas, exclusive interview, 27 June 2021

12.    Ibid

13.    Hossein Mousavian, exclusive interview, 25 June 2021

14.    Rick Gladstone, Farnaz Fassihi and Ronen Bergman, “Iran suggests it may seek nuclear weapons, in new escalation of threats”, 9 February 2021(Accessed 26 June 2021):  https://nyti.ms/36hY2no

————————————

الانسحاب من أفغانستان يرسم معالم “الهلال السنّي”/ منير الربيع

يعيش العالم مرحلة تحولات سياسية وثقافية كبرى تبدأ من داخل الولايات المتحدة الأميركية. في أميركا توجهات متعددة منقسمة بعضها على بعض. قوى اليمين المحسوبة على دونالد ترامب، وجماعة اليسار المتطرف، وصراع الثقافة والحضارة الذي تقوده هذه المجموعة حول بداية التاريخ الأميركيي وإعادة صياغته من جديد وهل يجب اعتبار التاريخ قد بدأ في العام 1619 وليس في العام 1776 أي أن أميركا بنيت ما قبل إعلان المؤسسين إنشاءها بل بنيت على ظهور العبيد. أما المجموعة الثالثة فهم أصحاب رؤوس الأموال والمشاريع التي ترتكز على الحرية الأميركية وتصدير هذا المشروع للعالم. أما المجموعة الرابعة فهي التي تريد الحفاظ على أميركا كما هي عليه تحت عنوان “رفض موت أميركا” في إشارة إلى الصراع الكبير بين توجهات متناقضة، والذين يعتبرون أنه لا يمكن إبقاء أميركا كقوة عالمية وحيدة أو التسليم بالأحادية القطبية، إنما لا بد من الاعتراف بالصين وفي كيفية التعاون معها أو التعاون مع دول أخرى في سبيل إيقاف مشروعها التوسعي الكبير.

في مقارنة مع الثلاثين سنة الماضية، يظهر تنامي النفوذ الصيني إلى جانب النفوذ الأميركي عالمياً، ولا يمكن اعتبار أن النفوذ الأميركي قد انحسر في السنوات الماضية، بل توسع في مناطق عدة شرقية وغربية، في حين أن الصين عملت على تعزيز نفوذها في أفريقيا وآسيا، بينما فرنسا تراجع نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، أمّا من حقق تقدماً كاسحاً على صعيد اكتساب النفوذ في أوروبا فهي ألمانيا. على هذه الخريطة الكبرى لا يمكن النظر إلى الشرق الأوسط ودوله وأقاليمه سوى كبيادق بسيطة في تلك المعركة الكبرى.

تنشغل الولايات المتحدة الأميركية بشؤونها الداخلية، لذلك تنسحب من مناطق عدّة، ما يرمز إلى تراجعها، كما هو الحال بالنسبة إلى الانسحاب من أفغانستان والعراق وسحب الأسلحة الثقيلة من الخليج. ما يؤشر إلى أن هذه المنطقة ليست ذات أهمية كبرى بالنسبة للأميركيين كما كان الوضع في العقود السابقة. يعتبر الأميركيون أنه لم يعد من مجال لخوض معارك النفوذ بشكل مباشر كما حصل في أفغانستان والعراق وحتى في دول الخليج، إنما الارتكاز على جهات إقليمية متعددة، وهي السياسة نفسها التي تتبعها الصين وتقوم على فن إدارة التناقضات، على غرار العلاقة القوية بين الصين وإيران، والعلاقة القوية بين الصين ودول الخليج في الوقت نفسه. وهنا لا يمكن إغفال الصراع الروسي الصيني على مناطق النفوذ في العالم، فمثلاً دخول الصين إلى كازاخستان وقرغيزستان وغيرها يعدّ من المحرمات الروسية.

بناء على هذه الخريطة الكبرى لا يمكن للأميركيين والروس إلا أن يتعاونوا فيما بينهم، بغض النظر عن الخلافات المستمرة حالياً، لا يريد الطرفان أيّ تقوية أو اتساع للنفوذ الإيراني الصيني في لبنان وسوريا والعراق وغيرها، بينما هناك جهات دولية متعددة تفضل وجود نفوذ أميركي روسي في هذه المنطقة بدلاً من الدخول الصيني الإيراني إليها.

انسحاب الأميركيين من أفغانستان سيكون له انعكاسات سلبية جداً على إيران التي تتخوف من انفلات الوضع الأفغاني وارتداداته السلبية عليها. لذلك عملت إيران على سحب أكثر من خمسة آلاف مقاتل أفغاني من الهزارة من سوريا إلى الحدود الإيرانية الأفغانية تحسباً لحصول أي توترات عسكرية. وهناك حساب قديم بين الأفغان والإيرانيين، ففي العام 1998 دخل عناصر طالبان إلى مزار شريف وتم قتل الآلاف من الهزارة وقتل بينهم نحو 20 دبلوماسياً إيرانياً. وعند حصول الاجتياح الأميركي لأفغانستان كان هناك موقف ايراني داعم له، من خلال مساندة الهزارة الموالين لإيران للجيش الأميركي في مواجهة طالبان. وفي العام 2001 بعد احتلال أميركا لأفغانستان، قام الهزارة بإلقاء القبض على الكثير من عناصر طالبان ووضعوا في قطارات وأرسلوا إلى كابول وحصلت مجزرة بحقهم.

قبل أيام أطلق المسؤولون الإيرانيون مواقف تحذر من الاشتباك مع عناصر طالبان، تستشرف إيران الكثير من المخاطر من جراء الانسحاب الأميركي من أفغانستان على قاعدة أن رياح المخاطر تهب من الشرق. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جزءاً كبيراً من الطالبان هم من البلوش الموجودين بكثرة في إيران. هذه المستجدات لا بد من ربطها بالدور التركي في أفغانستان بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، وهذا سينعكس مزيداً من النفوذ لتركيا في المنطقة وخصوصاً في سوريا، ففي مواجهة الهلال الشيعي، سيكون هناك هلال سني ولكنه غير عربي يمتد هذا الهلال من تركيا إلى باكستان وأفغانستان يطوق الهلال الشيعي. هذه الحسابات الاستراتيجية كلها ستقود إلى متغيرات جيوستراتيجية كبرى في هذا الجانب من العالم. هذا كله سيدفع إيران إلى اللجوء للولايات المتحدة الأميركية طلباً للحماية، والتي يفترض أن تبدأ إنجاز الاتفاق النووي، وتسعى إلى تفاهم مع الأميركيين والعرب على الوضع في العراق كي لا تصبح بين فكي كماشة، الأولى عربية تمتد من العراق إلى الأردن ومصر إلى جانب دول الخليج، بينما في الجهة الأخرى هناك هلال سني يطوق الهلال الشيعي.

تلفزيون سوريا

————————–

=========================

تحديث 15 تموز 2021

———————————–

ايران وكرة النار الافغانية/ حسن فحص

ما تشهده افغانستان من تطورات متسارعة نتيجة الهجوم الواسع الذي تقوم به حركة طالبان وسيطرتها على غالبية (85 في المئة) الاراضي الافغانية ووصولها الى مشارف العاصمة كابل (على بعد 30 كيلومترا لجهة الشرق)، شكل تحديا حقيقيا للنظام الايراني وتهديدا آتيا من حدوده الشرقية، تعمدت الادارة الامريكية من خلال تفاهماتها مع حركة طالبان وباستخدام الاتفاق الموقع بين واشنطن ممثلة بسفيرها زلماي خليل زاد وطالبان بقيادة رئيس مكتبها السياسي الملا عبد الغني برادر في الدوحة في شباط/فبراير 2020 تحويله الى كرة نار ملتهبة ورميها في الحضن الايراني، والى قنبلة موقوتة قذفتها ادارة بايدن تحت اقدام النظام لاشغاله من جهة الشرق.

سعت طهران منذ بداية الحوار الامريكي الطالباني، الى توسيع دائرته رافضة استبعاد الحكومة الشرعية في كابل بقيادة الرئيس أشرف غني، وحاولت بموازاة الحوار بين طالبان وواشنطن،  فتح مسار مواز من الحوارات بينها وبين طالبان من جهة، وبينها وبين حكومة غني من جهة اخرى، انطلاقا من مساعيها لاستيعاب التداعيات المحتملة لتفرد طالبان بالاتفاق مع واشنطن بعيدا عن الحكومة الرسمية او استبعادها على الرغم من انها تتحمل عبء تطبيق جزء اساسي من هذا الاتفاق الثنائي.

وعلى الرغم من محاولة تقديم الحدث الافغاني الذي تقوم به طالبان على انه هزيمة للادارة الامريكية بعد حرب استمرت 20 عاما وكلفة مالية تجاوزت التريليوني دولار (2000 مليار) واكثر من 3500 قتيل في صفوف الجيش الامريكي. الا ان القلق والترقب يمنعان القيادة الايرانية من الافراط في التفاؤل، لان القرار الامريكي بالانسحاب، وان كان آتيا من التزام الرئيس بالوعود التي اعلنها في حملته الانتخابية وتصب في السياق الذي أسسه له سلفه دونالد ترمب في اطار استراتيجية الانسحاب من المعارك والاشتباك الخارجي. الا انه حصل بعيدا عن التفاهم مع طهران التي تسعى لتكريس استراتيجيتها بالحلول مكان القوات الامريكية في منطقة غرب اسيا او على الاقل توظيف هذا الانسحاب المتفاهم عليه ان حصل في سياق يخدم مصالحها الاقليمية.

الاعلان عن بدء الانسحاب الامريكي من افغانستان، والذي ترافق مع عودة الاعمال العسكرية والسيطرة على الارض لحركة طالبان، اصاب الموقف الايراني بنوع من عدم التوازن، بحيث غاب اي موقف رسمي للحكومة والنظام في الايام الاولى لهذه التطورات، الى ان كشف النقاب عن الدعوة التي وجهها وزير الخارجية محمد جواد ظريف للافرقاء الافغان (الحكومة وطالبان والمعارضة والهيئات الانسانية) للاجتماع في طهران برعاية وزارة الخارجية للتفاهم والاتفاق على ان الحل في افغانستان سياسي وليس عسكرياً.

التحرك الايراني تزامن مع الاعلان عن استيلاء مقاتلي طالبان على المعبرين الاساسيين البريين الرابطين بين ايران وافغانستان، وهو حراك جاء معتمدا على الموقف الرسمي لايران التي تسعى لاستتباب الهدوء والامن على حدودها الشرقية، والتأكيد على الحوار الافغاني الداخلي، ومعارضة اي تدخل لقوى خارجية في هذا البلد. وفي ظل ارتفاع مخاطر ان تتحول التطورات الافغانية الى تهديد بالفوضى والحرب، الامر الذي يدفعها الى توظيف طاقاتها الدبلوماسية والميدانية لمنع تطور الاوضاع الامنية نحو مزيد من السوء، من هنا يأتي التحرك الدبلوماسي الذي قامت به الخارجية الايرانية باتجاه حكومة كابل وحركة طالبان وبعض العواصم المؤثرة على الساحة الافغانية ان كان مع روسيا او الباكستان.

الدوائر الايرانية المعنية بالتعامل مع المحيط، ترى انه في حال تصاعدت وتيرة المواجهات بين حكومة كابل وقوات طالبان، فان الاولوية الايرانية ستكون في الحفاظ على امن واستقرار المناطق الحدودية، وقد قامت طهران بتوجيه تحذير للقوى الافغانية بعدم نقل معاركهم باتجاه الحدود الايرانية، مع التمسك بمبدأ الدفع لتسهيل الحوار الافغاني الداخلي خصوصا مع طالبان باعتبارها أحد أهم اللاعبين على الساحة الافغانية. الا ان هذا الموقف قد يخرج عن طبيعته الحوارية والدبلوماسية في حال قررت طالبان اسقاط الحكومة الشرعية والسيطرة على السلطة، والعودة الى منطق التطرف واشعال حرب داخلية وسياسة التطهير العرقي،  عندها سيكون لطهران موقف مختلف وستنظر الى سيطرة طالبان كتهديد سياسي وايديولوجي لا يقتصر على افغانستان، بل سيتحول الى ازمة لايران ايضا.

وتضع طهران امامها ثلاثة سيناريوهات للتطورات الافغانية، الاول يقوم على امكانية ان تكون الاعمال الحربية التي تقوم بها طالبان مرحلية، من اجل توظيفها للعودة الى طاولة التفاوض والحوار مع حكومة كابل وهي تملك بيدها التفوق الميداني والسياسي ما يسمح لها بفرض حضورها وشراكتها من موقع القوة. اما السيناريو الثاني، ان تكون نية طالبان العودة للسيطرة على كامل افغانستان وتشكيل امارتها الاسلامية. في حين يذهب السيناريو الثالث الى امكانية الحرب الداخلية وتقسيم افغانستان.

وفي هذين السيناريوهين، ما تعتبره طهران خطرا، ليس على افغانستان وحدها، بل على المنطقة كلها والمصالح القومية لايران، فبالاضافة الى عدم استقرار الحدود الشرقية، ستسمح للقوى الخارجية ان يكون لها دور فاعل على هذه الساحة اكثر من الماضي، ورفع مستوى الصراع بينها ما قد يؤدي الى تعقيد الوضع وما يعنيه ذلك من أثمان قد يكون على ايران ان تدفعها. 

وفي الوقت الذي تدفع طهران لتكريس السيناريو الاول والتأكيد على ضرورة واولوية الحوار والمصالحة والتعاون الافغاني، بما يقطع الطريق على الوصول الى الحرب الداخلية والتقسيم والتدخل الخارجي، فانها تنظر الى استمرار مفاوضات السلام والابتعاد عن الحرب واراقة الدماء، من منطلق التفاؤل بالرهان على التحول في فكر طالبان وابتعادها عن العنف والتشدد، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بالاستنفرار الدائم ومراقبة تطورات هذا الوضع المعقد وما يدور خلف كواليس القوى المؤثرة والفاعلة الدولية من مخططات تطال ايران ومنطقة وسط اسيا وضرورة العمل لايجاد الصيغة المناسبة التي تضمن مصالح طهران ومصالح الدولة والقوى الافغانية.

المدن

—————————–

أفغانستان… «لاس فيغاس الإرهابيين»/ طارق الحميد

مع قول الرئيس الأميركي جو بايدن، لحظة إعلانه عن انسحاب بلاده من أفغانستان: «لم نذهب لبناء دولة»، وبعد قرابة عشرين عاماً من احتلال أفغانستان، نكون أمام جملة معطيات لا يمكن تجاهلها، وسيكون لها تداعيات على منطقتنا والعالم.

أولاً، قول بايدن: «لم نذهب لبناء دولة» يعني الإعلان عن انتهاء مشروع فرض الديمقراطية بالقوة العسكرية، في العالم، ومنطقتنا. ويمكن عنونة خطاب بايدن عن الانسحاب من أفغانستان بخطاب انتهاء «لعبة» القيم الأميركية عسكرياً.

ثانياً، مقولة بايدن تعني أيضاً أنه من الصعب التعويل على «العقل» الأميركي الذي تحدث عنه ذات يوم وينستن تشرشل، خصوصاً وسط الانقسامات، والتحولات الداخلية الأميركية، بالمساهمة بالاستقرار المنشود في منطقتنا.

وثالثاً، خطورة الانسحاب الأميركي بهذه الطريقة، ومع إعلان «طالبان» أنها تسيطر على 85% من أراضي أفغانستان، أنه سيكون بمثابة الملهم لجميع الجماعات الإرهابية في المنطقة من «القاعدة»، و«داعش»، و«حزب الله»، و«حماس»، و«الإخوان المسلمين»، والميليشيات الشيعية المسلحة في العراق.

الانسحاب الأميركي بمثابة بارقة أمل لكل تلك التنظيمات، فكل ما عليها فعله الانتظار ومواصلة إراقة الدماء، وستملّ أميركا وتنسحب، وكان المثل يُضرب دائماً بالانسحاب الأميركي من فيتنام، لكنّ أفغانستان مختلفة تماماً.

والمذهل أن قرار الانسحاب يُعزى إلى «تفجر شعور بالإحباط من حرب أفغانستان» لدى بايدن قبل أكثر من عشر سنوات، حسب تقرير لوكالة «رويترز» جاء فيه أن بايدن دخل في نقاش حاد وقتها مع الرئيس الأفغاني آنذاك حامد كرزاي وهما على مأدبة العشاء.

وجاء في تقرير «رويترز»: «مع استمرار الخلاف ألقى بايدن بمنشفة الطعام وانتهى العشاء فجأة»، وهذا التقرير وحده يكشف حجم الكارثة، فهل يُعقل أن واشنطن لم تبلور فكرة عملية لواقع أفغانستان، ومنذ عشرة أعوام!

ألم تدرك الولايات المتحدة، وطوال عشرين عاماً، ومن أفغانستان إلى العراق أنه لا يمكن تطبيق ديمقراطية بمقاس واحد، ومواصفات موحدة، حيث لا توجد نظرية واحدة بمقاس واحد لكل الدول. هل يُعقَل مقارنة العراق بأفغانستان، وعلى الأصعدة كافة عملياً، وليس تفضيل شعب على آخر؟!

الواقع أن واشنطن لم تدرك قط، في منطقتنا، أنه كان من الأجدى فرض الاستقرار أولاً من خلال جيش قوي وعملية سياسية متدرجة، فالدول المدمَّرة لا تجيد إطلاق المشاريع بقدر ما تجيد إطلاق الرصاص.

رابعاً، بالنسبة إلينا في المنطقة لا بد أن ندرك أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يشكّل خطراً أمنياً حقيقياً، وآيديولوجياً، وفكرياً، ويتطلب تأهباً وخططاً تستبق الأحداث لا ردود أفعال، تأهباً لأبواب الجحيم التي ستُفتح من أفغانستان.

الأكيد أن إرهابيي المنطقة بحالة تأهب واستنفار على أمل السفر إلى أفغانستان، التي تعد «لاس فيغاس الإرهابيين» في منطقتنا. مما يتطلب أعلى درجات اليقظة والحذر. ويتطلب كذلك تعاوناً أمنياً استخباراتياً عالي المستوى بين دولنا، واستباقياً.

كما يتطلب مشروعاً فكرياً يتصدى للهجمات الفكرية الأصولية من أفغانستان، وأيضاً يقظة إعلامية تجعل أفغانستان على قائمة الأجندة الإعلامية لنكون يقظين للخطر الداهم الذي جلبه القرار الأميركي المتهور، والذي سيفرض على الأميركيين العودة مجدداً إلى أفغانستان، وربما أسرع من المتوقع.

———————–

الانسحاب الأميركي والإرباك الإيراني الروسي/ منير الربيع

إذا ما لجأنا إلى استخدام آلية الخطابة الإيرانية في مقاربة عملية انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الشرق الأوسط، نكون أمام خلاصة جملة واحدة ينطق بها الإيرانيون وهي أن المشروع الأميركي في الشرق الأوسط قد فشل، وأصيبت الولايات المتحدة بهزيمة نكراء دفعتها إلى الانسحاب لتجرّ أذيال الخيبة وراءها. لكن هذا المنطق نفسه سينطبق على الإيرانيين أنفسهم بعد سنوات من الآن. ولكن بعيداً عن لسانيات الخطاب الإيراني، فإن الدخول الأميركي العسكري إلى المنطقة كانت له أهداف وغايات تقاطعت استراتيجياً مع مشاريع استراتيجية أو تفصيلية إيرانية أيضاً من الدخول إلى أفغانستان والعراق، وربطاً بكل التداعيات التي شهدتها المنطقة بعد الدخول في حقبة مواجهة الإرهاب. ينسحب الأميركيون للعودة إلى الداخل وفي نظرهم أن مشروعهم قد أدى نتائجه ولا حاجة للمزيد من الاستنزاف والبقاء. في الانسحاب الأميركي لن يكون هناك أي انتصار لإيران إنما مزيد من الإرباك لها ولداخلها كما لروسيا خصوصاً من تداعيات الانسحاب من أفغانستان.

تبقى الفكرة الأساسية أن لا شيء مستعجل بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، بل هي تفضل تأجيل معظم الملفات بما أن الاستنزاف سينقلب على روسيا وإيران وغيرهما وفي النهاية ستلجأ الدولتان إلى طلب عقد التسوية مع واشنطن. أكثر ما يؤشر على هذا المسار هو التنسيق حول المعابر في سوريا بين الأميركيين والروس وخصوصاً حول معبر باب الهوى بين شمال سوريا وتركيا، من شأنه أن يؤسس لأي اتفاق في المرحلة المقبلة. ليس تفصيلاً أن تتقدم أميركا وروسيا بمقترح مشترك إلى مجلس الأمن الدولي، فهذا يؤشر إلى أن أي حل في سوريا لا يمكن أن يكون إلا بناء على اتفاق بين الطرفين. ولا يمكن لروسيا أن تفوز بأي ثمار من دون موافقة الأميركيين. وهنا يتوقف الأمر على وضع الإيراني في سوريا الذي يصر على مزيد من التقدم والتوغل والاستثمار. منطقياً أي حل في سوريا يحتاج إلى كسر عزيمة الإيراني وإجباره على التراجع والتنازل، لكن ذلك غير متاح حالياً.

أي انسحاب أميركي من العراق وفق بعض الأفكار المتداولة داخل الإدارة الأميركية، فإن ذلك سيؤدي إلى إرباك كبير في صفوف الإيرانيين. صحيح أن طهران حينذاك ستخرج لتعلن أنها حققت ما تريد وأخرجت القوات الأميركية من العراق نظرياً أو في إطار لعبة البروباغاندا والتعبئة الإعلامية التي تبرع بها طهران وحلفاؤها، أما النتائج السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية على إيران ستكون في غاية السلبية والخطورة.

لن تكون إيران قادرة على تقديم أي مقاربة جدية للمشكلات التي ستجتاح العراق، سيكون النموذج اللبناني هو الأمثل الماثل أمامهم، السيطرة على كل المقدرات والقرارات السياسية من دون القدرة على تقديم أي حلّ، ما يعني أن ذلك سيضعهم أمام مواجهة حقيقية تثبت فشل المشروع، أو أن خيارهم سيكون الذهاب إلى تسويات متعددة ومتفرقة في محاولة متقطعة للخروج من الأزمات. إيران لا يقوم مشروعها إلا على الاستثمار بالحروب العسكرية، ولكن بخروج الأميركيين وانتهاء تنظيم داعش لن يكون هناك أي مجال للدخول في معركة عسكرية مع أي طرف. حينذاك ستحتاج إيران إلى أي تسوية تحفظ ماء الوجه وتدعي من خلالها أنها انتصرت، بالرغم من تقديم تنازلات والتراجع الجوهري.

لا يمكن إغفال الاستراتيجية الأميركية، وهي أن لإيران مشروعا تدميريا في المنطقة وها هو قد أنجز في الدول التي سيطرت عليها طهران، من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن، من دون أي قدرة على تقديم الحلول أو مشاريع التطوير والإنماء، ما سيفرض على طهران الذهاب إلى أي تسوية يقول من خلالها إنه أصبح شريكاً في صنع القرار. لا قدرة لإيران في الاستمرار والتعايش مع هذا التدمير الممنهج، في النهاية وإذا ما اعتبرت أنها حققت انتصاراً معنوياً أو على الأرض، فلا بد من تقريشه سياسياً واقتصادياً وهو غير متوفر لها. إنما سترث دولاً ومجتمعات منهارة بكامل مقوماتها منعدمة توفر أدنى مقومات العيش من الغذاء إلى الدواء والكهرباء.

ستكون إيران بأمس الحاجة للوصول إلى تسوية معينة، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الروس في سوريا، إذ يستجدون واشنطن على إبرام اتفاق شامل، في حين واشنطن لا تبدو مهتمة وستبقي كل القوى في مواجهة الانهيارات أو حالات التضعضع. وفي ظل هذه المعادلة فإن المقاربة الإيرانية للملفات الإقليمية ستنقلب رأساً على عقب، ففي حين تصر واشنطن وبعض الدول الحليفة لها على ضرورة البحث في النفوذ الإقليمي لإيران الأمر الذي ترفضه طهران وتتمسك بالتفاوض على البرنامج النووي من الناحية التقنية فقط، فإن ذلك سيتغير فيما بعد وسيصبح البحث عن تسوية إقليمية لترتيب الأوضاع داخل الدول التي تدّعي إيران السيطرة عليها هو مطلب إيراني بالدرجة الأولى، وهذا ما ستكون أول تجلياته حقيقة الوضع ومسار التطورات في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي.

تلفزيون سوريا

——————————

==========================

تحديث 16 تموز 2021

——————————–

القاسم المشترك للخراب!/ اكرم البني

لا يحتاج المرء إلى كثير من التفكير كي يتمثل حقيقة تقول بأنه ليس من بلد استهدفه مشروع الهيمنة الإيرانية إلا وسار في طريق الخراب والدمار، ليس فقط بمعنى خراب البنيان والعمران، وإنما أيضاً خراب الحياة السياسية ومقومات الاقتصاد والروابط الاجتماعية والإنسانية، ويمكن أن ننظر من هذه القناة إلى ما حل بالعراق وسورية ولبنان واليمن، محفوفة بالمرارة من مفاخرة حكام طهران بسيطرتهم على أربع عواصم عربية!

هل يرجع السبب إلى مطامع ملالي طهران، باستعادة إرث الإمبراطورية الفارسية، لكن هذه المرة، عبر شعارات دينية وأدوات طائفية، ربطاً بالترويج لأوهام التفوق القومي، وتكريس ذلك في الدستور والتعليم، والحديث عن أن إيران تعيش على 30% فقط من حدودها التاريخية؟ أم يكمن السبب في البنية الإيديولوجية المتشددة للطغمة الحاكمة ودأبها على اعتماد نهج “تصدير” ما تسميه ثورتها الإسلامية، لتوسيع نفوذها إقليمياً، مسوغة التدخل في مجتمعات الغير وتفكيكها عبر منطق القوة والغلبة والادعاء بنصرة المستضعفين في الأرض وتحرير فلسطين ومواجهة الصهيونية والشيطان الأميركي الأكبر، كذا! ومتوسلة رايات مذهبية وأذرعاً عسكرية منفلتة من كل وازع أو رادع، كميليشيا الحشد الشعبي وتفريعاتها في العراق و”حزب الله” اللبناني وجماعات الحوثي في اليمن ونظام الحكم الدموي في سورية، من دون أن يرف لها جفن أن غدت بغداد وبيروت وصنعاء ودمشق عناوين للدمار والخراب وللدول الفاشلة.

وإذا استطاع أصحاب توسيع النفوذ الإيراني إثارة المظلومية المذهبية في العراق ولبنان وتشجيع فئات واسعة من شيعة البلدين على الالتحاق بمشروعهم وبولاية الفقيه، فقد استغلوا في اليمن انتشار المذهب الزيدي بصفته أحد مذاهب الشيعة وشجعوا زعماءه على تجاوز نقاط التفارق والاختلاف والتحول نحو أدوات لتنفيذ مآربهم، بينما كان التناغم الإيديولوجي بين النظام السوري والنهج الإسلاموي للسلطة في طهران حاضراً بصور متنوعة، خاصة في ما يروجانه عن وجود توافق تاريخي بين العلويين والشيعة وإنهما من جذر مذهبي واحد.

في لبنان مشهد الخراب واضح، ولا نحتاج إلى كبير عناء كي نلمس كيف أوصل المشروع الإيراني المجتمع هناك إلى الحضيض، مشجعاً “حزب الله” على التحلل من دوره الوطني ومجاهرته بولاية الفقيه وهتك دور الدولة ومؤسساتها وحماية الفساد والمفسدين في الأرض، والأخطر إرهاب واغتيال أي  شخصية سياسية أو ثقافية يشكل حضورها عائقاً، بينما يبدو المشهد أكثر بؤساً ودموية في العراق حيث بات للميليشيا الموالية لإيران اليد الطولى في السطوة والاستئثار والفساد مستبيحة مؤسسات الدولة وكل أشكال العنف ضد المتظاهرين العراقيين المطالبين بأبسط حقوقهم بما في ذلك تغييب واغتيال العشرات من الناشطين الشيعة الذين رفعوا راية الاستقلال عن إيران وأجهزتها الفاسدة، في حين تقول نتائج الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات كلمة الفصل، وتكشف المدى المزري الذي توغلت فيه جماعة الحوثي تعسفاً وقهراً وتخريباً في اجتماع الشعب اليمني وحيوات أبنائه ومستقبلهم، أما في سورية فحدث ولا حرج عن الدور التخريبي الذي مارسته إيران وميليشياتها، ولعل أخطر تجلياته التدخل العسكري لدعم النظام والاستباحة غير المسبوقة للبلاد وأهلها، بما في ذلك خلق قواعد عسكرية دائمة والسعي لتغيير الطبيعة الديموغرافية لبعض المناطق التي كان يقطنها السوريون السنة، إن على أطراف الحدود وإن حول المراقد الدينية الشيعية، وتحويلها إلى مناطق تسكنها ميليشيات شيعية من جنسيات متنوعة بعد تسهيل حصولها على الجنسية السورية، جنباً إلى جنب مع العمل على توحيد الجماعات الأهلية المسلحة التي ساهم الحرس الثوري الإيراني في تشكيلها خلال الصراع السوري، وتحضيرها جدياً كي تنضوي في حزب مسلح يتمثل تجربة “حزب الله اللبناني”، هذا عدا عن دور الاتفاقات السلطوية المذلة التي عقدت مع النظام الإيراني وسمحت للأخير بالتغلغل والتأثير في المكونات الاجتماعية والاقتصادية السورية، بعض ظواهرها تنامي الجمعيات الخيرية والمدارس الدينية الشيعية، ثم الفسحة التي تتسع باستمرار للتعبئة والتحشيد للمذهب الشيعي ولجعل شعائره أمراً مألوفاً وشائعاً في البلاد.

بديهي أن يتضافر مشروع الهيمنة الإيرانية بصفته القاسم المشترك للخراب، مع خراب داخلي في إيران نفسها جراء عسكرة الحياة وخطط التنمية وما هدرته معارك النفوذ الإقليمي من طاقات المجتمع وثرواته، ليغدو مجتمعاً منهكاً ومعوزاً وتتآكله أزمات متراكبة، بعض ظواهرها، الأوضاع الاقتصادية المأسوية، والتدهور المريع للعملة الإيرانية، وغياب الحد الأدنى من مقومات المعيشة، وذاك الفتك السريع لفيروس كورونا بالإيرانيين، ولا يغيب عن المشهد تواتر عمليات التصفية والقتل للمعارضين وموجات اعتقال وتغييب طالت عشرات الألوف من المتظاهرين الرافضين لاستمرار التسلط والفساد!

ويبقى، أن الطامعين بتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة والذين راهنوا، لاستمالة الشعوب العربية، على المشترك الديني وعلى مزايداتهم بنصرة القضية الفلسطينية والدفاع عما يسمونه حقوق المسلمين المهدورة، قد أخفقوا في رهانهم بعد أن فضحت النتائج والوقائع في غير مكان زيف ادعاءاتهم، وكشفت حقيقة مطامعهم الأنانية بثروات الآخرين ودوافعهم السياسية لتعزيز أوراق نفوذهم وقدرتهم على الابتزاز، والتي لا تمت للإسلام وفلسطين بصلة.

صحيح أن ثمة فرصة لنجاح مؤقت لمطامع الهيمنة وتوسيع النفوذ الخارجي، وربما لإحياء وتغذية نزعات امبراطورية من ماضٍ غابر، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الطريق باتت اليوم مؤلمة ومكلفة ومرفوضة، أياً تكن المسوغات، من مختلف الشعوب، وتفتح الباب على خيار يفيض بالصراعات العبثية والدمار والضحايا والأزمات، وكلنا يتذكر ما حل بالاتحاد السوفييتي وأوهامه، وبعده الانكفاء المذل للولايات المتحدة الأميركية، إثر عجزها عن إدارة تفردها في الهيمنة، تحت وطأة نتائج حربيها في أفغانستان والعراق.

لبنان الكبير

———————————-

الحشد الشعبي الإيراني في العراق وسورية/ بشير البكر

عندما شارك رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في العرض العسكري الكبير، الذي أقامه الحشد الشعبي في محافظة ديالى، في السادس والعشرين من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، فإنه أراد من وراء ذلك الإيحاء أنه صاحب السلطة العليا في البلد، وهذا الجيش العرمرم الرديف يتبع له وفق الدستور العراقي, ولكن الحقيقة خلاف ذلك، ولم تكن المظاهر التي نقلتها وسائل الإعلام أكثر من إخراج بروتوكولي مدروس للتغطية على الواقع الفعلي، ذلك أن مرجعية الحشد الشعبي في طهران، وليست في بغداد، وهو يتبع للحرس الثوري الإيراني، وليس الحكومة العراقية. والوقائع كافة، منذ مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، وزعيم الحشد أبو مهدي المهندس في الثالث من يناير/ كانون الثاني 2020، تؤكد أن الحشد بات أكثر تبعية لطهران، وقوته في تزايد مستمر، ليصبح صاحب القرار الأمني والسياسي في العراق، على غرار ما هو عليه حزب الله في لبنان.

ومنذ عدة أيام، يقوم الحشد الشعبي بعمليات ضد القوات الأميركية في سورية، بعد أن تمرّس على هذا الأسلوب في العراق، وأجاده على سبيل الثأر لمقتل سليماني والمهندس. وعلى أثر العملية العسكرية الأميركية ضد “كتائب سيد الشهداء”، أحد فصائل الحشد على الحدود السورية العراقية في السابع والعشرين من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، كثف الحشد من عملياته ضد القوات الأميركية في العراق وسورية، والتي صارت شبه يوميه. والملاحظ أن العمليات في تزايد، وباتت أكثر تركيزا من السابق، الأمر الذي يكشف عن تخطيط دقيق وأهداف بعيدة المدى. وعلى الرغم من أن طهران تحاول أن توحي بأن العمليات تتم من دون موافقتها، صار واضحا أنها رسائل سياسية تبعثها إيران إلى الولايات المتحدة. وهي تستخدم الأسلوب ذاته الذي اتبعته في لبنان واليمن، ويظهر ذلك من خلال منظومة الأسلحة التي يمتلكها الحشد، وخصوصا آخر طراز من الطائرات المسيّرة التي تصنعها إيران، وتسلّح بها الأطراف التابعة لها.

تكرار العملية والتقنية التي تتم بها يعكس أن الحشد الشعبي قطع شوطا كبيرا على صعيد بناء نفسه، وصار راسخا، ويصعب القضاء عليه أو إلغاؤه بسهولة. وسواء حصل تفاهم بين طهران وواشنطن أو لم يحصل، فإن الحشد قطع مرحلة ما قبل السيطرة على قرار الدولة العراقية. ولذلك لم تكن مصادفة الدعوة التي أطلقها قادة في الحشد لتأجيل الانتخابات التشريعية المقرّرة في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. الأمر الذي يعد إشارة صريحة إلى أن الحشد لم يعد قوة عسكرية فحسب. وعلى الرغم من أنه قوة سياسية في البرلمان الحالي، فإن عينه على رئاسة الوزارة في الانتخابات المقبلة، وفات الوقت الذي يمكن للكاظمي وحلفائه قطع الطريق على هذا المخطط الذي ترعاه طهران.

الهدف المعلن من الحشد الشعبي للعمليات العسكرية ضد القوات الأميركية هو إخراجها من العراق أولا وسورية لاحقا، وهو أمرٌ جرى تقنينه باتفاقات مع الحكومة العراقية، وكان يبدو قبل ذلك من الشعارات التي تثير السخرية، ولكنه تحوّل إلى أمر واقع، بعد سلسلة من العمليات العسكرية ضد الوجود العسكري الأميركي، وبات اليوم أقرب إلى التحقق. وهذا يرتّب نتائج سياسية بالغة الخطورة على العراق ودول الإقليم، فالوجود العسكري الأميركي الذي يقدّر بحوالي 2500 جندي هو العائق الأخير الذي يحول دون سيطرة إيران التامة على القرار الأمني العراقي. وفي حال حصل ذلك، يصبح الطريق مفتوحا أمام إيران من طهران إلى دمشق التي يحتفظ فيها الحشد الشعبي بحضور كبير، بالإضافة إلى وجوده المباشر وقواعده المنتشرة على الحدود العراقية السورية في محافظة دير الزور والبادية، وذلك تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني وقيادته.

العربي الجديد

———————————-

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى