صفحات الحوار

صبيحة خليل: سورية اليوم تحتاج إلى نظام حكم مدني حديث يفصل الدين عن الدولة

غسان ناصر

تحل الناشطة السياسية والنسوية الكردية السورية صبيحة خليل ضيفة على مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في هذه الفسحة الحوارية.

ضيفتنا تقيم حاليًا في مدينة برلين، وهي عضو مؤسس لمنظمات سورية عدة، ولشبكة المرأة السورية، وعضو في اللجنة الاستشارية في اللوبي النسوي السوري، وعضو في فريق الاستشارات الوطنية في الحركة السياسية النسوية السورية. وكان أن أسست “مبادرة دردري للسلام من أجل بناء أسس الشراكة الوطنية بين الكرد والعرب السوريين/ان”. وفي عام 2019، انتخبت عضوًا في هيئة التفاوض للمعارضة عن كتلة المستقلين.

في حوارنا معها، أكدت السيدة خليل أنها، كحال غالبية السوريين والسوريات، ليست نادمة على ما خسرته أو ستخسره لاحقًا على طريق الحرية والكرامة، وأننا كأبناء وطن واحد -بعد إسقاط هيبة النظام الوحشي وانكسار القوقعة الأمنية وتهدم جدار الخوف في “سوريا الأسد”- نحتاج إلى مراجعة معمقة لمنظومة القيم والمبادئ الجمعية التي تكفل بناء عقد اجتماعي جديد لبناء هويتنا السورية الجامعة التي لا تجرّم هوياتنا الفرعية، كما كان يحدث في عهد الاستبداد.

هنا نص الحوار..

نستهل حوارنا معك بسؤالك عن بدايات مشاركتك في ثورة الحرية والكرامة، وما الأسباب التي دفعتك إلى الانخراط فيها منذ صرخة الحرية الأولى؟ وكيف بدأ اهتمامك بالعمل السياسي؟ وكيف كان المدخل إلى ذلك؟

بداية، أود الكتابة عن الطريقة التي كنا نتابع بها مجريات الانتفاضة الشعبية في تونس. بحكم أنها كانت أول موجة شعبية اجتاحت العالم العربي. كان الأمر يشبه بصيص أمل صغير ينفتح في جدار سميك وبمكان بعيد عنك. كنا نعوّل على هذا الضوء الشحيح القادم من مكان يشبه بطريقة ما المكان الذي نحن فيه، بالرغم من فوارق المكانين من حيث وحشية الأجهزة الأمنية والجيش.

أخذنا نراقب الأمر بتوجس، ونفكر في انعكاسات ذلك على سورية، على الأقل حلمنا ببعض الانفراجات والمساحات، وكان ذلك محل نقاشات حامية بين الأصدقاء والصديقات والمجموعات السياسية التي كنا على تواصل وتفاعل معها. وكنا نلاحظ في الوقت نفسه حالة القلق والحيرة التي انتابت الأجهزة الأمنية لدى النظام. وهنا أتذكر كيف أرخى جهاز الأمن من قبضته على مفاصل مدينة حلب المسجلة على لائحته السوداء، بحكم ثقلها الاقتصادي أولًا وماضي تمردها وتنوعها ثانيًا. كانت الأوامر تشي بالقول: “أغلقوا كل الطرق التي يمكن أن تكوّن شرارة البداية، ويجب ألّا تتكرر تجربة البوعزيزي السوري”. أدركنا ذلك مبكرًا.

ومع تصاعد وتيرة التظاهرات الصغيرة، هنا وهناك، وبُعيد أحداث درعا مباشرة، صرنا على قناعة أنّ السوريين/ات أخذوا ينهضون مثل طائر الفينيق. وزاد حراكنا في حلب، وزادت حدّة النقاشات. شخصيًا كنت أتحرك ضمن مجالين: سوري عام، وآخر كردي، لما له من خصوصية ومخاوف عمّقها الاستبداد وتكرست إلى شرخ بيد الشوفينيين، ومن قِبل كلا الطرفين العربي والكردي.

في هذه الأثناء، تحوّلت حلب خلال شهرين أو ثلاثة، بعد انطلاقة الثورة بشكلها الفعلي في درعا، إلى مدينة يتحكّم فيها الشبيحة والبلطجية لبثّ الذعر والخوف. وبات الخيار صعبًا ولا سيّما أنّ الفعاليات الاقتصادية زادت من مخاوفها حيال الفوضى المفتعلة. بالمقابل الوضع الكردي انغلق على نفسه، بعدما أوكل النظام المهمة لبعض الجهات الأيديولوجية الراديكالية الكردية. كل هذا كان يجري بشكل متسارع تزامنًا مع اشتعال الريف الحلبي بالتظاهرات، وبالرغم من ذلك استطعنا، بالتنسيق مع قوى وطنية، القيام ببعض التظاهرات الخاطفة والفعاليات والأنشطة.

أتذكر دائمًا حالة الترقب لدى الناس في شوارع المدينة. كان لدى الجميع شعور خفي بأنّ خلف هذا الهدوء عاصفة لا أحد يعرف نتائجها. وفي الوقت نفسه كان الجميع ينتظر فتح أبواب هذا السجن الكبير، حتى يرى الشمس على حقيقتها. وعلى الرغم من حالة الذعر والفلتان الذي بثه الشبيحة في المدينة، والذي كان يكفي لقمع دول بمساحات شاسعة، كان قرارنا حاسمًا بعدم التراجع.

أما عن بدايات العمل السياسي، فأستطيع تقسيم ذلك إلى ثلاث مراحل: الأولى كانت ضمن سياق طبيعي لأي عائلة سورية كردية لديها مظلومية تتسم بكم مضاعف من الحيف والقمع الذي كان يمارسه النظام، بدءًا من منع اللغة الكردية وصولًا إلى منع الموسيقا والأغاني الكردية. كان مجرد اقتناء كتاب باللغة الكردية فعلًا قد يكلف صاحبه أو صاحبته سنوات من الملاحقة والسجن. كانت هذه البيئة دافعًا في مرحلة الشباب للتقرب من الحواضن السياسية والتفاعل معها، وتركز هنا اهتمامي على الثقافة، بمعناها الواسع، وتمثل هذه المرحلة الثانية مرحلة البحث عن طرق لممارسة الفعل السياسي أو لنقل طريقة التفاعل معه. ولم انتسب فعليًا إلى أي حزب سياسي بشكله الصريح إلا أنني ساهمت في أنشطة كثيرة ذات طابع سياسي وثقافي مع الأحزاب الوطنية السورية التي كانت على نقيض مع النظام، سواء كانت سورية وطنية أو سورية كردية.

واعتبر المرحلة الثالثة والحقيقية بالنسبة إلي هي ما بعد وفاة الدكتاتور حافظ الأسد. وهي مرحلة زاد فيها التشبيك مع الوسط السياسي السوري المعارض، وزادت اهتماماتي بالموضوع النسوي، وأسست أول جمعية نسوية ذات طابع كردي في حلب وعفرين مع مجموعة من الصديقات، وبدعم أصدقاء لديهم تجاربهم في الشأن العام، وحملت اسم جين ((jin أي الحياة، كان ذلك عام 2005. وتعرضت الجمعية لمضايقات وضغوط أمنية كبيرة طوال سنوات، أما مرحلة ما بعد الحراك الشعبي فأعتقد أن كل السوريين والسوريات المشتغلين بالشأن العام قد دخلوا مرحلة الفعل السياسي الجاد المؤثر، بعدما انكسرت القوقعة الأمنية وتهدم جدار الخوف.

إسقاط هيبة النظام الوحشي

بعد عقدٍ دامٍ، أسألك عن الشعارات الشعبية التي صدحت بها حناجر حرائر وأحرار سورية بداية الثورة (حرية، كرامة، ديمقراطية، إسقاط الاستبداد، إسقاط النظام، يلا ارحل يا بشار.. وغيرها) أين باتت اليوم؟

ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال، بالرغم من وضوحه. وقبل ذلك سأجيب عن سؤال سبق أن طرحته على نفسي وعلى مقرّبات مني: هل نحن نادمات على التمرد في وجه هذا النظام الوحشي! صحيح اليوم لا يوجد سوري إلا ودفع كلفًا باهظة. الكلّ خسر حياة أشخاص من دائرته الضيقة في المعتقلات، أو اختفوا في ظروف غامضة حتى في مناطق خارج سيطرة النظام، وربما كنا اليوم مثل غيرنا مجرّد أرقام في دفاتر الضحايا. وآخرون فقدوا مصالحهم الاقتصادية، وتشردوا من بيوتهم، هُجّروا قسرًا، إلى آخر قائمة الخسائر التي طالت جميع السوريين، دونما استثناء. هنا يحضرني مقولة لسيدة من ريف دمشق تقيم حاليًا في مخيمات اللاجئات في لبنان، قالت لنا في أثناء جلسة نقاش افتراضية: “لست نادمة على شيء، ولست مستعدة للعودة كي أعيش كما كنت قبل عشر سنوات، مهمشة تبحث فقط عن قوت يومها بدون كرامة وحقوق”. هذا الكلام أستعيره من تلك السيدة السورية التي لم تكسر إرادتها مخيمات اللجوء، وأردده كسورية إننا لسنا نادمات على ما خسرناه أو نخسره لاحقًا على طريق الحرية والكرامة. وأستطيع القول إنّ بعض هذه الشعارات تحقّق فعليًا؛ من قبيل إسقاط هيبة النظام الوحشي، وصور الطاغية التي كانت تعتبر واحدة من المقدسات المفروضة عنوة قد مزقت وداستها الأقدام، وانكشف زيف المؤسسات التي ادعت أنها تخدم الشعب السوري؛ بدءًا من الجيش وصولًا إلى مجلس الشعب، وسقطت شعارات المقاومة والممانعة والصمود والتصدي.

اليوم، حواجز الخوف سقطت حتى على بعد أمتار من مباني المواقع الأمنية، وبات الموالي المنتفع من النظام يخاف من أن يجاهر بموالاته. هذه مسلّمة يعرفها كلّ أهل دمشق وحلب. أما إذا كان المقصود أن التطرف الإسلامي ابتلع تلك الشعارات واجتافها، فهذا صحيح. ولكن هذا بدوره أيضًا يحيلنا إلى نقطة البداية، إلى النظام ذاته، الذي يعدّ مصنعًا كبيرًا للتطرف بكل أشكاله وألوانه. وما لدينا اليوم ثابت وحيد، هذا الثابت ملخصه أنّ العودة إلى ما قبل 2011 بات خلف السوريين/ات، وأقصد تحديدًا النظام الاستبدادي وأصوليته في إدارة مملكة الرعب المسماة “سوريا الأسد”.

برأيك، ما أبرز العوامل التي أسهمت في انكسار الثورة السورية، وماذا كان على السوريين فعله للحفاظ عليها لبناء مرحلة أفضل؟

إذا كان الحديث عن انكسار أو فشل الثورة السورية، من منطلق بلشفي ثوري، لا يرى سوى الوجه العسكري، ويقيس الثورة بمجريات المعارك، ويجد في العسكرة المرآة الوحيدة لصدى التغيير؛ أي الاستحواذ على زمام السلطة والحكم، في هذه الحالة يكون تعبير الانكسار والفشل صحيحًا. بتعبير آخر: نحن هنا أمام حالتين لا ثالث لهما: إما الانتصار وإما الانكسار والهزيمة، وربما تجنح أغلب الدراسات والمناظرات السياسية والعسكرية للحكم على الثورة السورية بهذا المنطق البلشفي الذي يحسم الأمور بطريقة الاستيلاء أو الاستلام للحكم.

لكنني أجد أنّ للثورات مفاعيل أبعد من ذلك مفاعيل مجتمعية وسياسية لا تُختصر بالطريقة السابقة. على سبيل المثال، الحالة السياسية الشعبية في سورية قبل وبعد 2011. كانت السياسة حكرًا على النظام ومجموعة أحزاب جبهوية تحاكي النظام وتردد روايته من أجل مقعد في بلدية، وفي أفضل الحالات في ما يعرف بـ “مجلس الشعب” الذي اقتصرت مهمته على التصفيق فقط. بالمقابل، كنّا حيال قلة من المعارضين/ات يخشى الكل التقرب إليهم خوفًا من العقاب. لذا كانت السياسة واحدة من الاهتمامات الثانوية والنادرة للشعب السوري. ومن خاطر وانخرط/ت بالشأن العام من خارج دائرة النظام ليس سوى مغامر/ة وطائش/ة، بنظر المجتمع.

اليوم، لو نظرنا من حولنا لوجدنا أنّ الصورة السابقة. هي إحدى النمطيات والظواهر التي انتفت وصارت من الماضي أو تقوضت وانحسرت. نلاحظ اليوم أن هناك كمًا هائلًا من المشتغلين/ات بالشأن العام، من منظمات مدنية وسياسية، بالرغم من أنّ البعض قد ينتقد هذا الكم والتضارب بالأجندات، وهذا ليس محل نقاشنا الحالي، إنما نتحدث هنا عن عودة السوريين والسوريات للشأن العام، كحق أعادته لهم ثورتهم، ولو تأملنا فقط كيف استطاعت نساء سورية الخروج عن أدوارها النمطية ومن روتين الوظائف المحدودة التي اعتبرها النظام مكرمة تمنح في المناسبات الرسمية؛ لوجدنا أننا أمام سلسلة هائلة من الانتصارات الصغيرة تتضافر لتشكل حالة انتصار مجتمعي هائل بمعناه الفلسفي تشمل كل المجالات لتصبح ركيزة التغيير الاجتماعي الحقيقي لاحقًا، وحاملًا يصنع السياسات مستقبلًا ويقودنا إلى دولة المواطنة والحقوق المتساوية، عدا الطاقات الشبابية التي أذهلت العالم بالسوريين/ات.

وكي لا أبدو وكأني أروّج لصورة وردية وحالمة فقط، من دون أن ألتفت إلى الانتكاسات التي اعترضت مسارات التغيير؛ يجب أن نقر بأنّ ثورة السوريين/ات خطفت، ولكن ليس للأبد، وتم التلاعب بكثير من مفاهيم الثورة. وأتفق مع من يجدون أننا في زمن الثورة المضادة، حيث لدينا صراع أيديولوجي بعضه يمسك بالسلاح للاستحواذ على الثورة، على امتداد كامل الجغرافيا السورية، يقابله صراع إقليمي ودولي يستخدم أصحاب هذه الأيديولوجيات أذرعًا لتنفيذ مخططاتها. ويجب أن ينصب جزء من مهام السوريين/ات في البحث عن طريقة إضعاف السطوة الأحادية التي تتحكّم في مصير الثورة وتوظفه لخدمة مصالح شخصية ضيقة، وتمرر أجندات إقليمية ليس للسوريين/ات فيها ناقة أو جمل. أعتقد أننا بتنا قريبين من هذه المرحلة، وربما دخلنا هذا المنعطف ولا سيما مع تصاعد وتيرة التذمر الشعبي في مناطق النظام أو المعارضة على السواء.

الآن، ماذا بوسعنا أن نفعل لتصحيح المسار؟

لا أرى أنّ ثمة مسارًا صحيحًا وآخر خاطئًا، خصوصًا إذا علمنا أننا بصدد تغيير شامل لنظام استبدادي مستفحل بثقافته الشمولية، نتج عن مقارعته سلطات أمر واقع تحاكي بطشه وتمثل نسخته السيئة، وترقى في بعض الأحيان إلى ممارسة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؛ لأنّ الخروج من دائرة نظام أمني مستبد ومغلق من كل الأطراف يمثل فيه الزعيم أو القائد كينونة هذه الدولة ومرجعيتها والولاء له يمثل هويتها الوطنية، الخروج مما سبق دفعة واحدة ليس بالأمر الهين، ومفاهيم الثورات التي تقلب الأمور رأسًا على عقب ولت منذ عقود عدة، لأنّ الهدف ليس استبدال رأس بآخر، وبناء دولة على أسس ديمقراطية حديثة؛ فالموجة الثانية من ثورات الربيع العربي تؤكد أنّ قاطرة التغيير ليست متوقفة.

يقع على عاتق المعارضة الخروج من هيمنة الثقافة الأحادية والشمولية، وإعادة الاعتبار للتنوّع الفكري والسياسي، وأن تكون البوصلة في التقييم مصلحة سورية وشعبها. نحتاج إلى مراجعة معمقة لمنظومة القيم والمبادئ الجمعية التي تكفل بناء عقد اجتماعي جديد لبناء هويتنا السورية الجامعة التي لا تجرّم هوياتنا الفرعية، كما كانت في عهد الاستبداد، وبما لا يدع المجال لسمو الهويات الفرعية على هويتنا السورية.. هوية تصون كرامة وحرية المواطنات/ين جميعًا دون أي تمييز. بدون بناء العقد الاجتماعي الجديد الذي ليس بالضرورة الدستور، على أهميته. ومن دون ذلك سيبقى الصراع محتدمًا، لا بل ستعمل أطرف الصراع على زيادة حالة التشظي وعدم الثقة بالمستقبل.

باختصار: إن تصحيح المسارات بعد سنوات عشر يحتاج إلى محاربة فكر النظام في مساحات من يدعون أنهم على نقيضه، ويجب ألا ننسى أنّ الانتصار الجزئي لأي طرف أو مكوّن غير متاح وغير قابل للتحقيق إلا بنهوض الجميع، على قاعدة إما أن ننجو معًا وإما أن يغرق الجميع.

البحث في أسباب إقصائنا عن دوائر صنع القرار السياسي

كيف تقدّمين لقرّائنا الحركة السياسية النسوية السورية التي تأسست في مدينة باريس في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 الغايات والأهداف؟

بداية، يجب التأكيد أنّ الحراك السياسي النسوي السوري ليس جديدًا، فهو يعود لبدايات القرن الماضي. ربما ملامحه كانت مختلفة ضمن تلك المراحل، ولو عدنا لسجلات المعتقلين والمعتقلات بعد استلام حزب البعث وجدنا أنّ المرأة السورية كانت حاضرة بقوة في رفض الاستبداد ومقارعته. كثيرات دفعن سنوات طويلة من أعمارهن ثمنًا لأفكارهن ولنشاطهن، وما نراه اليوم ليس سوى امتداد لما سبق، ولا يمكن فصله بأي حال من الأحوال.

وبالعودة للإجابة عن سؤالكم حول الجدوى من توصلنا إلى الغاية والأسباب التي جعلتنا نؤسس الحركة النسوية السياسية في عام 2017، حيث يعلم جميع السوريين/ات مدى انخراط النساء السوريات في الحراك السلمي منذ بداياته 2011، فلم تدخر السوريات جهدًا في الاعتصام السلمي أو النشاط الإغاثي أو الإعلامي، وقد دفعت الكثيرات كلفًا باهظة، اعتقالًا وتعذيبًا وتهجيرًا. لكن هذا الانخراط الواسع على المستوى الوطني لم يؤثر إيجابًا في مشاركتها السياسية، ولم يكن بمستوى الطموح، لدى أغلب الأجسام السياسية التي تأسست بهدف تصدر المشهد السياسي. وأعتقد أنّ هذا الأمر واضح للجميع، ولا يحتاج كثيرًا إلى برهان. لذلك فإننا -كـنساء فاعلات وناشطات- وجدنا أن من حقنا أن نبحث في الأسباب التي أقصت النساء عن دوائر صنع القرار السياسي في راهن ومستقبل سورية. ووجدنا أنّ الكثير مما يمكن أن يتعلل به البعض لإقصاء النساء له علاقة وثيقة بنظرة النساء ذاتها وطريقة تقييمهن للعمل السياسي، فهناك فئة لا بأس بها ترى نفسها محض عاملات في الحقل المدني المنزه والمحصّن عن ألاعيب ومكائد السياسة. هذه وجهة نظر شريحة لا بأس بها من النساء.

طريقة القراءة السابقة كان يجب كسرها، وإلا فلن نجد تغييرًا ملموسًا ومنشودًا. وفي المقابل كانت النظرة الذكورية التي ترى في النساء كائنات عاطفية ساذجة لا يصلحن للعمل السياسي، بالإضافة إلى الحجة الممجوجة التي تُختصر بمقولة إنه لا كفاءات بين النساء، وفي كثير من الأحيان تكون المشاركة النسائية مجرد منحة أو تعويض معنوي للواتي كن ضحايا إجرام النظام الاستبدادي، لا أكثر ولا أقل.

من هنا، لم يكن هناك من بديل سوى الانطلاق من الذات في الإعلان عن أنفسنا كسياسيات، من وجهة نظرنا النسوية التي تتجسد في ممارسة سياسات أخلاقية منصفة، تركز بالدرجة الأولى على مصالح الفئات المهمشة وتكسر القاعدة البطريركية في ممارسة سياسات القوة العارية التي تحفظ مصالح الأقوياء فقط. لذا جاءت الحركة خطوة باتجاه الانحياز إلى العدالة الاجتماعية والسياسية بمساحاتها التي تشمل كل مناحي الحياة وعلى سلم أولوياتها الحياة السياسية، بالإضافة إلى رفض التمييز الواقع على النساء، أيًا كان شكله، واعتبار الديمقراطية المنشودة منقوصة، ما لم تتم بمشاركة فاعلة من النساء في صنع ملامح التغيير راهنًا ومستقبلًا.

إلى أيّ مدى تمكنت الحركة -بعد أكثر من عامين على تأسيسها- من أن تحقق قائمة الأهداف التي وُضعت في المؤتمر التأسيسي؟ وإلى ماذا تصبو الآن؟

لا أعتقد أنّ أي جسم سياسي سوري معارض استطاع أن يحقق أهدافه بدقة وبمستوى الطموح، منذ انطلاق الحراك السلمي المنادي بالحرية والكرامة، لتكون الحركة استثناء. لكن يمكن القول إنّ الحركة حققت نجاحات عديدة، من بينها أنها استطاعت كسر النظرة النمطية للنساء في الابتعاد عن السياسة كونها شرًّا مطبقًا. واستطاعت حركتنا إلى حدّ كبير أن تركز على إستراتيجيات مرحلية قابلة للتطبيق، كأن تساهم في تثبيت الكوتا النسوية بـ 30% في كل الهيئات والأجسام في المرحلة الانتقالية، وكذلك في مستقبل سورية، إضافة إلى أنّ الحركة استطاعت الوصول إلى قاعدة نسوية واسعة داخل سورية وفي الشتات، وأوجدت بيئة تفاعلية انخرطت فيها ذوات الكفاءة والخبرة.. قائدات مجتمعيات وصاحبات كفاءات أكاديمية، يمهد بهن الطريق للانتقال إلى ممارسة الفعل السياسي بمعناه الخلاق والشفاف.

أسهمت الحركة في تعزيز مفهوم النسوية بين الرجال، حيث لدينا اليوم كثير من الرجال النسويين في صفوف الحركة، وهذا يضمن الانفتاح نحو التغيير المرجو على الصعيد الاجتماعي والسياسي. ولدى الحركة تواصل دبلوماسي وسياسي نشط، من أجل إيصال وجهة نظر النساء السوريات في الحل السياسي القادم، حول مجمل القضايا التي تمس راهن ومستقبل سورية. كذلك استطاعت إصدار العديد من الأوراق السياساتية المتضمنة رؤية السوريات وتوصياتهن لمجمل القضايا السورية، كالدستور وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار والهوية الوطنية والعقد الاجتماعي والأمان الاقتصادي.

ماذا عن شبكة علاقات التعاون بين الحركة والتكتلات والهيئات والأحزاب السورية المعارضة؟ وماذا عن شبكة العلاقات مع المنظمات والمؤسسات النسوية السورية في الساحة الأوروبية؟

لدينا علاقات طيبة وودية مع معظم التيارات السورية التي تشاطرنا أو تتقاطع معنا في الرؤية السياسية، ولو بشكل جزئي. فالحركة مثلًا لا تشترط على العضوات/اء أن يتخلوا عن الكتل والأحزاب والهيئات التي ينتمون إليها، وهذا يسهل علينا التواصل والتعاون والتنسيق مع مختلف الأطر، سواء في أوروبا أو في دول الجوار السوري أو داخل سورية. وليست الحركة وقفًا على الساحة الأوروبية، فهي موجودة حيثما ينتشر السوريون/ات. وما زالت الحركة تسهم بفاعلية في نقل قضية الشعب السوري لكل الدول، وتتواصل مع منظمات وهيئات دولية، وتعمل على تقديم رؤية واضحة حول الحل السياسي في سورية؛ حيث بنت الحركة أولى تحالفاتها مع اللقاء الوطني الديمقراطي، ونحن نسعى لتوسيع إطار تحالفاتنا بما يخدم استعادة القرار الوطني السوري كأحد المساعي والأولويات التي تكفل وتدعم الرؤية الديمقراطية والتعددية، وتضمن مشاركة فاعلة للنساء في حاضر ومستقبل سورية.

تنوّع جغرافي واثني وديني داخل الحركة حول العالم

كيف للحركة، وهي تنشط في أوروبا، أن تصل بأنشطتها إلى الداخل السوري بخاصة إلى النساء والفتيات، باعتبارهن العامل الأساسي في دعم بعضهن والعمل على استرداد دورهن؟ وهل للحركة فروع وممثلات في الجغرافيا السورية التي مزقتها الحرب؛ مناطق سيطرة النظام، المناطق المحررة في الشمال السوري، والمناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سورية؟

منذ بدء التأسيس في الشهر العاشر من عام 2017، تواصلت الحركة على الفور مع الداخل السوري، من نسويات وناشطات انضممن لاحقًا إلى صفوف الحركة السياسية النسوية، وتشكل نسبتهن 28.21% من العضوات/اء، وهن موزعات على كامل الجغرافيا السورية التي تشمل المناطق المذكورة في السؤال، حتى مناطق سيطرة النظام، بالرغم من المخاطر الأمنية، واليوم أستطيع القول إنّ عضوات الحركة موزعات في كل أنحاء العالم، كما ذكرت سابقًا. ويمكنني القول أيضًا إنّ الحركة استطاعت استقطاب نساء من كل أنحاء سورية، بتنوّعها الجغرافي والاثني والديني، بعد أشهر قليلة من التأسيس. وقد أتبعنا ذلك بسلسلة طويلة من الجلسات التشاورية الوطنية مع سوريات توزعن على كامل الخارطة السورية، في الداخل السوري ودول الجوار ومخيمات النزوح واللجوء. وتناولنا مختلف المواضيع التي تهم حاضر ومستقبل سورية، وخرجنا بمجموعة أوراق سياساتية تتضمن توصيات النساء ورؤيتهن حول مجمل القضايا الملحة المذكورة أعلاه، ومن ثم عملنا على ترويج تلك التوصيات والأوراق عبر فعاليات المناصرة لدى صناع القرار المحليين والدوليين، سواء عبر لقاءات مباشرة أو من خلال جلسات افتراضية في ظروف جائحة كورونا. بكل الأحوال، لا يمكننا تجاهل بعض الصعوبات والمعوقات، لكننا استطعنا أن نبقى على تلاحم واتصال، بالرغم من ظروف السوريين/ات الصعبة في الداخل والخارج.

ما توقعاتك من الحركة السياسية النسوية السورية في المستقبل المنظور؟

أعتقد أنّ الحركة النسوية السورية عمومًا أصبحت تلفت الأنظار وتلقى الاهتمام من قِبل صناع القرار الدوليين، وصارت محلّ اهتمام محلي سوري، وخاصة أنها تجمع طيفًا واسعًا من التنوّع السياسي يتمثل بمشاركة أعضائنا -رجالًا ونساءً- المنتمين إلى تيارات أخرى، أو من خلال كون الحركة تجمع كامل الطيف السوري من أماكن مختلفة موزعة على امتداد الخارطة السورية.

حقيقة، أعوّل على الحركة أن تؤدي دورًا مهمًا في خلق أرضية للإجماع السوري المنشود وبأدوات مختلفة عن المعهود، وعبر سياسات صريحة منحازة إلى تطلعات الحراك الشعبي وتعدّ الإخلاص لها أولوية، وتستمد شرعيتها وقوتها من قرار الحركة المستقل، وأعتقد أنّ هذا البعد بات مطلبًا لكل سوري/ة حر/ة.

صبيحة خليل مع عدد من سيدات الحركة السياسية النسوية السورية أثناء مؤتمرها الأول في مدينة فرنكفورت

تحوّلت الثورة السورية من ثورة شعب ضد طاغية مستبد، مطلبها الأول الحرية والكرامة، إلى مناسبة لتصفية الحسابات، ورسم أو إعادة رسم دوائر النفوذ الإقليمية والدولية. فإلى أي مدى أثر ذلك في أوضاع المرأة السورية في العشرية الأخيرة؟

ما نراه اليوم على الساحة السورية من احتراب بيني سوري-سوري، وتضارب في الأجندات اللا وطنية، كان لهما من الآثار الجانبية التي طفت على السطح كتبعات لقرار النظام “مقايضة السيادة الوطنية بكرسي الحكم” على مدار عقود. لم يتوانَ النظام عن استجلاب الاحتلالات والميليشيات وكل النفايات الراديكالية لتساعده في الانقلاب على المطالب المحقة للشعب السوري. ولكن الأخطر كان محاكاة المعارضة التي تدعي الشرعية لذاك النهج في الانجرار خلف تبعيات إقليمية تخدم مصالح تلك الدول، على حساب مصالح السوريين/ات. وهذا ما زاد من محنة الشعب السوري، أي غياب مشروع وطني ورؤية مستقبلية يكون بديلًا مقنعًا عن النظام المستبد. وهنا لا بد أن أشير إلى مخططات الهندسة الديموغرافية التي ابتدعها النظام، وما كان لها أن تكرّس وتمرر لولا تواطؤ أطراف من المعارضة وقبولها أن تلعب ذاك الدور الخطير الذي قوّض دعائم النسيج الوطني السوري وأمعن في تشرذمه وتشظيه؛ فالثورة السورية فتحت شهية الدول الإقليمية والدولية للاستثمار العسكري والسياسي في سورية، وحوّلت سورية إلى ساحة تصفية حسابات، وأدخلوا السوريين/ات في صراعات بينية مريرة، فضلًا عن الدمار الهائل الذي حلّ بعد تطبيق شعار “الأسد أو نحرق البلد”، وصولًا إلى الشعارات الراديكالية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بتكفير الديمقراطية. لذا فالحديث عن الفئات الأكثر تضررًا بمعناه المجرد هنّ النساء. ليس لأنهن الحلقة الأضعف، كما قد يظن البعض، على العكس بعد الحرب تحوّل أس ومحور العائلة إلى النساء، فاليوم تعمل السوريات بظروف قاسية لإعالة عوائلهن، وبعضهن يتعرض للابتزاز سواء بالتزويج القسري والمبكر أو التجنيد الإجباري أحيانًا أو المهن الهامشية إلى آخر دوامات العنف والتمييز ضدهن، سواء أكانت نازحة أو مهجّرة في مخيمات النزوح وأماكن إقامتهن. لكن في المقابل تغيّرت أدوار النساء النمطية بشكل ملحوظ بعد الثورة، فأصبحن معيلات بدرجة أكبر بعد فقدان الزوج أو الأب، وبتن أكثر استقلالية واعتمادًا على الذات. ولذا لا أستغرب عندما تعيش امرأة سورية ظروف التغيير القاهرة ألا تكون مستعدة للعودة إلى ما قبل 2011.

المال السياسي أكمل تمزق المعارضة وتشرذمها

بتقديرك، لماذا لم تنجح أطياف وقوى المعارضة السورية في إيصال أهداف الثورة للعالم، وأين ترين مستقبل هذه المعارضة؟ وأين الحركة السياسية النسوية من هذه الأطياف والقوى؟

ذهنية المحسوبيات والولاءات التي استعارتها المعارضات من النظام، وطبقتها منذ اليوم الأول لتشكيلات المعارضة، أججتها تدخلات الدول بالشؤون الداخلية للمعارضة، وجاء المال السياسي ليكمل من تمزقها وتشرذمها. بالمجمل، الأخطاء السابقة تسببت في إضاعة قسم كبير من رسائل الثورة السورية: الحرية والكرامة. فالمشكلة كانت وما تزال في الحوامل التي تحمل هذه الرسائل، سواء كانت تيارات سياسية أو جهوية أو حتى شخصيات. ولذلك عند الحديث عن الأسباب الكامنة خلف ضياع بوصلة الأهداف والرسائل، لا مغزى منه دون التطرق إلى شكل تقديم هذه الأهداف وطرق صياغتها.

نحن مطالبون/ات، اليوم أكثر من أي وقت مضى، بالعمل بجدية على استقلالية قرار المعارضة وعدم ارتهانه للأجندات الدولية والإقليمية. فالنظام وسلطات الأمر الواقع باتوا لا يخفون رغبتهم في تكريس أنفسهم، كجزء من الحل الجائر الذي فرضته الأجندات خارج حدود الوطن السوري، فأصبح لكلٍ منا سوريته المفيدة، وأعتقد أنه لن تقوم لنا قائمة إلا إذا جعلنا -السوريين/ات جميعًا دون استثناء- مصلحة سورية الموحدة هي البوصلة التي تقودنا نحو حل سياسي شامل وعادل. والحركة السياسية النسوية كجسم معارض تتبنى خطابًا واضحًا نحو سورية ديمقراطية تعددية، دولة المواطنة المتساوية الحيادية اتجاه كل المواطنات/ين، وتواصل الحركة سعيها لتشكيل تحالفات على أساس من الثوابت والأهداف المشتركة وبحوامل مرنة وذات مصداقية، توصل رسالة السوريين/ات في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة إلى العالم أجمع من أجل الحل السياسي وبناء السلام والاستقرار المستدام.

كحركة سياسية نسوية، كيف تنظرون إلى التحديات التي تطرحها الحركات الإسلامية الجهادية تجاه عملية الانتقال نحو الديمقراطية في سورية؟ ولا سيما أنّ النخب الثقافية غير الإسلامية لا تخفي مخاوفها من الإسلام السياسي بعد رحيل نظام بشار الأسد؟

الحركات الجهادية لها مشغّلوها ومموّلوها، وإذا تم كبح الممول أو المشغّل فسيعودون أدراجهم ويختفون. هم يظهرون وقت الأزمات لخلط الأوراق، ولا يخفى علينا كيف استطاع النظام أن يعوّم نفسه، من خلال هذا التخيير الجائر الذي اصطنعه عبر إطلاق سراحهم من سجونه، ليقول للعالم: إمّا أنا وإما الجهاديون الراديكاليون، في محاولة لإعادة تدوير نفسه ونظامه.

صبحية خليل مع د. هدى الزين في العاصمة السويدية استوكهولهم أثناء المشاركة بمؤتمر حول (تأثير المرأة السورية و مشاركتها ما بعد النظام السلطوي)

ولم يعد يخفى على أحد أنّ قسمًا كبيرًا من الخسارات الجسيمة التي أضرت بالثورة السورية جاء من قِبل الإسلام السياسي الذي قدّم نفسه بطريقة منفّرة، لكنه انكشف على مصراعيه الآن، لمختلف البيئات السورية المحلية؛ فالبديل الذي قدّموه زاد مخاوف المترددين في الحواضن الشعبية والنخب، حول شكل إدارتهم لسورية المستقبل. نموذج تنظيم (داعش) و(جبهة النصرة) حاضرٌ في الأذهان، وفي بعض الأحيان، تماهت التيارات الإسلامية المعتدلة مع التيارات الجهادية والمتطرفة، وصار التفريق بينهما صعبًا نتيجة التداخل. إلا أنّ هذا الأمر لا يعفي النخب السورية المثقفة من تحمّل مسؤولياتها التاريخية، سواء تلك التي هادنت وتحالفت مع الإسلام السياسي، أو التي انحازت إلى النظام تحت حجة البديل السيئ. يبدو أنّ السبيل إلى دمقرطة سورية كان يحتاج إلى المرور عبر كل هذه الالتواءات؛ فبناء الديمقراطية عمل شاق ومكلف، وهذا ما نلحظه في أغلب تجارب الدول التي خاضته، ولكن لا بديل من إكماله.

بين الليبرالية والعلمانية والشكل الإسلامي، بتقديرك، أيّ النماذج ستكون الأفضل لسورية، وكيف؟

هذا يحيلنا إلى الإجابة السابقة، وأستطيع إضافة أنّ سورية تحديدًا احتضنت على مدار التاريخ البشري حضارات وثقافات كان لها أثرها على العالم برمته. ولكوننا جزءًا من هذا العالم، ولا يمكننا إعادة عجلة التاريخ للخلف، خاصة في بلدٍ يكتنفه التنوّع ويأخذ حيزًا جغرافيًا مهمًا بين قارتين مهمتين (آسيا وأوروبا)، نعتقد أن النموذج الإسلامي -مهما راهن البعض على ممكناته- سينقلنا من احتراب إلى احتراب آخر. وأعتقد أن النموذج الإسلامي ثبت فشله الذريع خلال السنوات السابقة، وأجزم أنه غير قادر على إدارة التنوع السوري، أو الإخلاص للإرث السوري المتجذر منذ آلاف السنين. وكل المؤشرات تقودنا ضمن هذا المضمار إلى استبداد من نوع آخر.

سورية اليوم تحتاج إلى نظام حكم مدني حديث، يفصل الدين عن الدولة، ويرتقي بالدين ويحميه من الاستغلال السياسي، ويخلّصه من بين أيدي الغلاة والمتطرفين الذين يتخذونه جسرًا وذريعة لتبرير استبدادهم. الدولة المدنية الحديثة المتصالحة مع محيطها الداخلي والخارجي هي نتاج التطور البشري، وهي خيار كل السوريين/ات، على مختلف توجهاتهم/ن السياسية ومكوّناتهم.

أخيرًا، هل من أمل في المنظور القريب بقيام دولة سورية مدنية عادلة وحرة بكل ما للكلمة من معنى؟

كما قال الراحل سعد الله ونوس: “نحن محكومون بالأمل”، إلا أنّ الأمر يحتاج إلى الرغبة في العمل المشترك البناء، والقدرة على إدارة اختلافنا بالحوار الذي يفضي إلى مشتركات وثوابت، تجمعنا حول سورية دولة مدنية ديمقراطية تعددية حرة وعادلة لكل أبنائها/ بناتها. على أي حال، طريقنا شاق وطويل؛ لكنّ خطوة الألف ميل بدأت منذ آذار/ مارس 2011.

مركز حرمون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى