صفحات الحوار

المعارض السوري جورج صبرا الردُّ على إعادة تأهيل الأسد يتطلّب «حاملاً وطنياً سورياً» غير المؤسسات التقليدية للمعارضة

حاورته: رلى موفّق

لم يكن الحديث مع المعارض السوري جورج صبرا عن استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا الذي سيحمل مجدداً بشار الأسد رئيساً لولاية جديدة، لأن قرار ذلك بيد النظام وحلفائه، لكن عمّا تفعله المعارضة السورية المنتشرة في دول القرار الغربية والعربية لكبح جماح محاولات تلك الدول الهادفة إلى إعادة تأهيل الأسد ونظامه على دماء وجراح ووجع وقهر السوريين.

يرى أن مؤسسات المعارضة، التي تحوّلت إلى منصاتٍ متباينة في رؤاها، لم تعد قابلة للحياة بعدما فقدت تأييد السوريين. فالاحتفالات التي جرت في الذكرى العاشرة للثورة السورية، ولا سيما في درعا تدلُّ على أن الثورة مستمرة، والشعب السوري مستمر، على قدرته ورغبته، بتقديم التضحيات من أجل انتصاره وتحقيق أهدافه، لكن الغائب الأكبر هو الحالة السورية السياسية، حيث تبرز الحاجة الآن إلى تشكيل «حامل وطني سوري»، يُقدّم رؤية وطنية للحل من أجل إنقاذ البلاد، وتحقيق أهداف الثورة، ومن أجل ملء الفراغ، ذلك أن عدم الحضور السوري بشكل متكافئ ولائق في مواجهة محاولة إعادة تأهيل النظام السوري هو البارز اليوم، رغم فشل الروس في هذا المسعى مرات عديدة سابقاً واتجاههم راهناً نحو الدول العربية.

ثمة مخاوف من أن تُلقي محادثات فيينا حول النووي ظلالاً سلبية جديدة على الملف السوري، كما حصل في زمن باراك أوباما، غير أن ما يُعطي بعضاً من الاطمئنان على مستوى السياسة الأمريكية أن «قانون قيصر» ليس قانون الإدارة الأمريكية، بل هو قانون المشرّعين الأمريكيين، الذي اشترك فيه الديمقراطيون والجمهوريون، وببقاء القانون لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تعود إلى مرحلة أوباما، إنما أيضاً ليس هناك إجراءات جديدة تشي بتقليم أظافر إيران في المنطقة.

وفي اعتقاده أن العلاقات السعودية-الإيرانية، والسعودية-السورية المُسرّبة، هي أحد وجوه انعكاس الرؤية الأمريكية التي تُريد أن تحقّق هدفها في الملف الإيراني من دون أن تتراجع، ومن دون أن تتقدّم بأي خطوة، فيما كلام المبعوث الدولي غير بيدرسون، عن صيغة دولية جديدة للإتيان بالأطراف السورية إلى طاولة المفاوضات، هو تعبير عن الاستعصاء القائم وربما محاولة للاختراق مع عدم وجود الإرادة الدولية في تنفيذ الحل السياسي، لكنه يشوّه القرارات التي وافقت عليها المؤسسات الدولية ووافق عليها السوريون. وهنا نص الحوار:

*هناك عمل جارٍ لإعادة تعويم النظام السوري وشخص رئيسه بشار الأسد، وعودته رئيساً في الانتخابات الرئاسية لولاية جديدة باتت محسومة، إذا صح التعبير، وكذلك رجوعه إلى الجامعة العربية التي ستمنحه الشرعية العربية بما يفتح الأبواب له لاستعادة الشرعية الدولية. ماذا تفعل المعارضة المنتشرة بدول القرار الغربية والعربية لإسقاط منح الأسد شرعية عربية ودولية؟

**في الحقيقة، نشاطات المعارضة السورية في أوروبا تبدو إعلامية أكثر منها سياسية، لكنَّ هناك حدثاً يجري التحضير له في الولايات المتحدة، عبارة عن مؤتمر عام للسوريين المتواجدين على الأراضي الأمريكية، وهذا يحصل للمرّة الأولى، وطبعاً أحد أهدافه مواجهة هذا الوضع. نحن نعرف أن الجالية السورية في الولايات المتحدة لعبت دوراً مهماً في ظهور وإصدار قانون قيصر، وهي على صلة وطيدة بالأوساط السياسية الأمريكية الرسمية. فنجاح هذه الجالية في إيجاد حالة سياسية موحِّدة للسوريين على قاعد قوى الثورة والمعارضة يكون أحد إنتاجات الردّ على موضوع الانتخابات والحديث عنها في الداخل السوري.

أيضاً هناك في الدول الأوروبية نشاطات ذات طابع إعدادي حول هذا الموضوع الذي يرفض الانتخابات التي تكشف جوهر النظام البائد ونهايته، خاصة وأنّ هناك أيضاً أصواتاً من الداخل السوري ترفض ذلك، وآخرها من محافظة درعا. المدينة وأريافها ممتلئة بالملصقات التي تدعو لعدم المشاركة في هذه الانتخابات، وتُشهِّر شخصياً ببشار الأسد، وتحمّله مسؤولية الجرائم والارتكابات التي حصلت في بلدنا منذ عشر سنوات وحتى الآن.

*متى سيُعقد المؤتمر في أمريكا؟

**يجري التحضير له في مختلف الولايات، وكل السوريين يعرفون مدى قدرة الجالية السورية في الولايات المتحدة وجدّيتها في الدعم الإنمائي والرفد السياسي، وهي استقبلت خلال السنوات الثلاث الماضية عدداً كبيراً، إن لم يكن جميع النشطاء السياسيين من مثقفين ونشطاء ثوريين، وجالوا في مختلف الولايات، وأنا كنت واحداً منهم. الآن هناك تنظيم لهذه الجهود من أجل ملء الفراغ، لأن عدم الحضور السوري بشكل متكافئ ولائق في مواجهة هذه التّحديات هو البارز الآن، وعلى رأسها محاولة إعادة تأهيل النظام السوري، رغم فشل الروس في مسعاهم هذا مرات عديدة، لكن المسعى الروسي الآن هو باتجاه الدول العربية.

* ما الذي يُعيق المعارضة السورية عن تحرّك فاعل. الرموز المعارضة أو النخب والهيئات المعارضة كلها في الخارج، وكانت تتحرّك بقوة في السابق، فيما هي غائبة اليوم. لمَ المعارضة مشلولة؟

**السبب الأساسي في شلل المعارضة هو عدم نجاح الثورة السورية في تشكيل قيادة حقيقية لها خلال السنوات العشر الماضية، وكذلك المؤسسات التقليدية التي برزت من خلال الجهود الدولية التي منعتها من أن تمتلك القرار الوطني المستقل، لذلك نرى الآن أن هذه المؤسسات التقليدية لا تحظى بتأييد السوريين، وقد ظهر ذلك بوضوح في الاحتفالات التي أحياها السوريون في الذكرى العاشرة للثورة في المناطق المحررة في الداخل، وفي مخيمات اللجوء في إدلب، وحتى في الداخل السوري. في درعا ظهرت مشاهد كثيرة تقول إن الثورة مستمرة، والشعب السوري مستمر، على قدرته ورغبته، بتقديم التضحيات من أجل انتصاره وتحقيق أهدافه، لكن الغائب الأكبر هو الحالة السورية السياسية، أي الحامل السياسي، لأن المؤسسات الموجودة فيه فقدت ثقة الشعب. فبعد خمس جولات من المفاوضات للجنة الدستورية، نلاحظ أن الأمم المتحدة والميسِّر الأممي يُعبّران عن خيبة الأمل.

*ماذا تقصد بالمؤسسات التقليدية ومن هي؟

** أقصد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وحكومته الانتقالية، وهيئة المفاوضات السورية التي منذ ثلاث سنوات لا عمل لها ولا دور إلا تبادل التّهم بين أطرافها وبين المنصّات. للأسف تحوّلت قوى الثورة والمعارضة السورية إلى منصّات: منصة القاهرة، ومنصة الرياض، ومنصة موسكو، ومنصة اسطنبول. وهذه المنصات تتراشق التّهم والاختلافات، ولا تُظهر أكثر من التباينات بين رؤاها. الواضح أن هذه المنصّات تفتقدُ قرارها المستقل. وتحوّلت، بشكل أو بآخر، صدىً لسياسات الدول التي تستضيفها، لذلك تبرز الحاجة الآن إلى تشكيل حامل وطني سوري، يُقدّم رؤية وطنية للحل من أجل إنقاذ البلاد، وتحقيق أهداف الثورة، وما يجري في الولايات المتحدة هو واحد منها. هناك محاولات عديدة في المنطقة وفي جميع مناطق اللجوء لعقد مؤتمرات ولتشكيل تحالفات. ووسائل التواصل الاجتماعي مملوءة بهذه المشاريع، لكنها حتى الآن لم توفّق بالتشابك في ما بينها، للوصول إلى هذا الحامل الوطني.

*لنعد إلى المؤتمر في أمريكا، أين سيُعقد، وما المتوقع منه؟

**لم يُعلن بالتحديد أين سيجري على الأرض الأمريكية. وهناك مسعى لمؤتمر آخر على الأرض الأوروبية، جرت الدعوة له للردّ على الابتزاز. عندما دعا «الائتلاف الوطني» لتشكيل هيئة للانتخابات، قامت النشاطات لمواجهته، لأنه فُهم منه أن لديه رغبة في ملاقاة الجهود للمشاركة في الانتخابات وفي عملية تأهيل النظام السوري، فانعقدت العديد من الجلسات بصوت عال مما أدى لأن يُوقف الائتلاف قراره، وبالتالي ألغى قرار تشكيل هيئة للانتخابات، بعدما شعر بالضغط الشعبي الكبير عليه. هذه الجهود لعقد المؤتمر ما زالت مستمرة، والإشكال الأساسي الآن الذي يواجهه السوريون، هو خروج الشخصيات الوطنية والمثقفين. الائتلاف تعرّض لنزيف كبير منذ سنوات، وخسر العديد من القامات الثقافية والسياسية التي لم تعد تجد فيه المكان المناسب لنضالها، الآن هذه الشخصيات تبحث في أكثر من موقع عن إيجاد هذه الصيغة. هذا الحامل السياسي الوطني يقدّم رؤيته للعلاقة المستقلة مع الدول، لكن مع الحفاظ على القرار الوطني، لأننا نعتقد أن المحافظة على القرار الوطني المستقل لا تتناقض أبداً مع حُسن العلاقة مع الدول الداعمة ومع الإخوة العرب، ومع الأصدقاء في كل مكان.

*إذا كانت المعارضة لم تستطع أن تُنجز رؤية مستقلة في ذروة الاحتضان لها وذروة قوتها، فهل ستستطيع اليوم وهي تعيش حالة بهتان وضعف؟

**الاحتضان الكبير من الدول للمعارضة هو أحد أسباب الإخفاق، لأن هذا الاحتضان كان يهدف إلى تحقيق مصالح تلك الدول، وليس لتمكين المعارضة السورية من المحافظة على وحدتها واستقلالها وقيادتها، وهذا أدى إلى خسارة المؤسسات لثقة السوريين.

القضية الثانية التي تدفع لذلك، هي أنه رغم كل هذه الصعوبات، كان الجمهور في احتفالات الذكرى العاشرة للثورة يقول إن الثورة مستمرة وأنه مستعد للتضحية. وبالتالي تكون كرة النار قد رُميت بين أيدي النُخب السياسية والثقافية، لتفعل ما يجب عليها فعله.

* ربما في درعا هناك مَن يقول إن الثورة مستمرة، ولكن ليس في المحافظات الأخرى التي استعادها النظام؟

**عندما نتحدث عن درعا، فنحن نتحدث عن محافظة وُلدت فيها المظاهرات الأولى للثورة، وعن المحافظة التي عمل الروس فيها على مصالحات لكنها فشلت، بالرغم من أنها رسمياً تحت سلطة النظام الذي ليست لديه فعالية هناك، وما يجري في درعا هو عنصر قوة أساسي بالنسبة لنا. إضافة لذلك، كيف لمحاولات تأهيل النظام عبر الانتخابات أن تنجح وهناك خمس محافظات خارج هذا النظام، وهي: الحسكة، ودير الزور، والرقة، وإدلب، وريف حلب؟ هذه المحافظات غير معنية بالانتخابات وبعملية التأهيل. نصف الشعب السوري خارج دياره، ونصف هذا النصف هُجّر إلى خارج الحدود السورية، فكيف يمكن الحديث عن إعادة تأهيل نظام وانتخابات في ظل هذا الوضع؟

*لكن الأسد لا يعنيه إذا كان نصف الشعب السوري مُهجّر. هو تحدّث عن نقاء وصفاء في جنس الشعب السوري، وبالتالي ليست لديه إشكالية في هذا الأمر، ما دام أنه باق لسوريا وستتم إعادة تأهيله ونظامه؟

**صحيح، لكن ما هو وزن بشار الأسد في ما يتعلق بالقضية السورية وطرق حلّها. الموضوع الأساسي الآن بيد الروس الذين فشلوا في كل مساعيهم السياسية على الأرض السورية. فمنذ احتلالها في العام 2015، استنفد الروسي كل ما يستطيع بقدرته العسكرية، دمّر البلد وقتل السوريين، ومكّن النظام من أن يمتدَ إلى مناطق أخرى، لكن ماذا عن الحل السياسي؟ حاول إعادة المهجرين واللاجئين وعقد مؤتمراً لهم في دمشق، فكان أكثر من فاشل. حاول جرّ بعض الدول، وخاصة أوروبا، من أجل إعادة الإعمار، فلم يلبَّ طلبه بأي شكل من الأشكال. بدعة اللجنة الدستورية التي أوجدها في سوتشي حتى الآن تُواجه الفشل، والآن يحاول أن يستثمر الانتخابات حتى يقول إن العملية السياسية ما زالت قائمة.

ولكن المجتمع الدولي كشف هذه القضية، إذ أعلنت الدول الأوروبية (18 دولة) في بيانها الأخير رفضها لهذه الانتخابات، واعتبرتها تزييفاً لإرادة السوريين، ولا تصبّ في إطار الحل السياسي، وكذلك أعلنت الولايات المتحدة ذلك، بما فيها الأمم المتحدة التي أدارت ظهرها لهذه العملية وقالت إنها ليست في سياق العملية السياسية المنشودة. الانتخابات هي الآلية الأساسية للعمل السياسي، وبناء مؤسسات الحكم والإدارة، فهل سنتكلم الآن عن الانتخابات في بلد الدولة فيه تمنع السياسة وتجعلها فعلاً مُحرّماً ومجرماً؟! من يُصدّق أنها ستسمح بالانتخابات؟

هل يمكن لأحد أن يُصدّق أن المحتل الروسي والإيراني يمكنهما أن يُشرعنا الانتخابات ويعيدا الاعتبار لبشار؟ الأمر الممكن هو إعادة بشار الأسد، كما هو موجود في «قصر المهاجرين»، أي «لعبة» بين أيدي الروس والإيرانيين، لكن لا يمكن أن يفتح الباب أمام عملية سياسية حقيقية.

* برأيك، هل سيكون لمفاوضات فيينا حول النووي تأثيرها في التعامل مع الأزمة السورية ومستوى الرفض لنتائج الانتخابات السورية، بحيث يمكن أن يكون رفضاً خجولاً، سواء من الأوروبيين أو من أمريكا؟ هل ثمَّة مقايضات ستجري في سوريا؟

**المقايضات كما نراها تتمّ بين بعض الدول العربية التي تريد إعادة فتح سفاراتها في دمشق، لمساعدة الروس على إعادة تأهيل النظام السوري. والمقايضة تتمّ مع إيران في ذلك، لأن تلك الدول تعرف أن النظام الإيراني يهمه استمرار بشار الأسد، ويهمه أن تبقى سوريا محطة للنفوذ الإيراني والخطط الإيرانية تجاه لبنان والعراق واليمن. نحن نخشى من هذه المقايضات أن تؤثر على القضية، خاصة وأن الإدارة الأمريكية دائرة اهتمامها الأساسية في منطقتنا الآن هي الملف النووي الإيران، وإن كانت تتعامل فيه بخطوات دقيقة ومحسوبة. من هنا نلاحظ أيضاً كم هي مهتمة الآن في دفع طرفي الصراع على الأرض الفلسطينية باتجاه التهدئة، لأنها لا تريد أن «تُسمّم» هذه المفاوضات.

*مع إدارة بايدن ومفاوضات فيينا، علينا أن نتوقع مزيداً من تثبيت النفوذ الإيراني في سوريا، وليس العكس؟ فالنووي الإيراني هو اللاعب الأكبر في سوريا والمنطقة؟

**النووي الإيراني كان مصدر مرارة وألم كبيرين لنا في عهد الرئيس باراك أوباما الذي وقّع ذلك الاتفاق، والذي في ظلّه استخدم النظام السوري السلاح الكيماوي، وقتل الآلاف، لكن الاتفاق النووي ذهب بكل الخطوط الحمراء والتحذيرات التي قدّمها الرئيس أوباما. الخشية الآن أن تُلقى ظلال سلبية جديدة على قضيتنا في هذا الملف بالذات، لأن الأخبار التي تتسرّب من فيينا، نقلاً عن الإيرانيين، تتحدث عن إيجابيات في هذا الأمر. والإيجابية الإيرانية تعني سلبية مباشرة في الملف السوري.

أما على مستوى السياسة الأمريكية، فلا شيء يُشير إلى تغيّرات دراماتيكية، لأن «قانون قيصر» ليس قانون الإدارة الأمريكية، بل هو قانون المشرّعين الأمريكيين، الذي اشترك فيه الديمقراطيون والجمهوريون، وبقاء «قانون قيصر» يعطي اطمئناناً بأنه لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تعود إلى مرحلة أوباما. إنما في المقابل، ليس هناك إجراءات جديدة تشي بتقليم أظافر إيران في المنطقة، والعلاقات الجديدة التي بدأت تظهر من خلال تسريبات عن لقاءات سعودية – إيرانية، وسعودية – سورية، هي أحد وجوه الانعكاس في هذه الخطة الأمريكية التي تريد أن تحقق هدفها في الملف الإيراني من دون أن تتراجع، ومن دون أن تتقدّم بأي خطوة. هناك تنويعات على نفس الوتر. ما يُقدّم للسوريين هو قليل من الاطمئنان بأن الإدارة الأمريكية لا تستطيع أن تتراجع عن كل الإجراءات التي تمّت في عهد الرئيس ترامب، لكن ليس هناك أي تقدم جديد في ذلك. في الأفق لا أحد يمكنه أن يتحدث عن عملية سياسية يمكن أن تُستأنف وفق المسار السياسي الذي رسمه بيان جنيف 1 والقرارات الدولية ذات العلاقة.

*المبعوث الأممي غير بيدرسون يبحث عن استكشاف صيغة دولية جديدة لجلب جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات؟

**هذه إحدى نتائج الارتباك السياسي الدولي في القضية السورية. الروس ما زالوا يُوقفون العملية السياسية في جنيف، لقد استخدموا الفيتو 16 مرة لمنع إدانة النظام السوري، وما يقترحه الوسيط الأممي هو خروج عن سياق العملية السياسية التي أُقرّت من المجتمع الدولي في جنيف 1 وعبر مؤسسات الأمم المتحدة. هو تعبير عن الاستعصاء القائم وربما محاولة للاختراق مع عدم وجود الإرادة الدولية في تنفيذ الحل، لكن في هذا تشويه واضح للقرارات التي وافقت عليها المؤسسات الدولية ووافق عليها السوريون، وخاضوا المفاوضات في العام 2014 بين الائتلاف والنظام، وفي عامي 2016 و2017 بين الهيئة العليا للمفاوضات والنظام عبر الوسيط الدولي ستيفان ديمستورا. أعتقد أنها أيضاً إحدى البدع الجديدة.

*التحرّك العربي تجاه سوريا، هل يأتي برأيك نتيجة تقارب روسي معيّن مع الدول العربية، سواء إذا كنا نتكلم عن السعودية والإمارات، أم هو نتيجة تبدّل في الموقف الأمريكي حيال تلك الدول؟

**هو نتيجة لتعقّد قضايا المنطقة والفشل في معالجتها، حتى الآن نلاحظ أن المنطقة تتعرّض لتصدّع جديد، مجريات لبنان خلال العامين الماضيين كانت أكثر من دراماتيكية، حيث إن البلد يعيش على حواف المخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية. العراق أيضاً ما زال في هذا الموقف، والكل يعرف حجم التأثير الإيراني في ما يجري في كلا البلدين من دون أن نُهمل المعركة العسكرية في اليمن أيضاً. هناك يد طولى إيرانية وصلت إلى مواقع اقتصادية ومدن سعودية في العمق. في ظل هذا الإطار أيضاً المسعى الأميركي للمحادثات الإيرانية سيلقي بظلاله لتسهيل عودة بعض الدول العربية إلى علاقاتها مع النظام السوري. كما قلنا هو شكل من أشكال المقايضة إنما لا يستطيع أن يتجاوز الحد المسموح به أمريكياً في هذه العلاقة.

فحتى اللحظة لم تعلن الإدارة الأمريكية استراتيجيتها الكاملة تجاه المنطقة، وبالشأن السوري على وجه التحديد. هناك إشارات لكنها لم تكتمل، وربما الإدارة الأمريكية لشدة ارتباط الوضع السوري مع الوضع الإيراني تنتظر نتائج حوارها مع إيران. لكن الدول العربية التي يدها تعاني الألم، في معارك في اليمن وفي ضائقة واحتمال تفجيرات كبيرة في العراق ولبنان تريد أن تستعجل أماكن الأمان التي ترغبها، لذلك نلاحظ أن كل المجريات تتم ببطء واستحياء. حتى اللقاءات التي تجري هي عبارة عن تسريبات لا ينفيها أحد ولا يُثبتها أحد، مما يعني أن الأفعال تتمُّ بتأثير ضغوطات مترددة وغير واضحة النتائج، فهي محاولات قد تُستأنف وتستمر وربما تتم العودة عنها أيضاً.

*إسرائيل لعبت سابقاً دوراً في منع سقوط الأسد، واليوم هناك كلام عن محادثات إسرائيلية – سورية برعاية روسية، هل يمكن أن يُغيّر ذلك في طبيعة المشهد السوري؟

** نعم منذ بداية الثورة، أعلن النظام على لسان رامي مخلوف، في تصريح لافت، أن الأمن الإسرائيلي هو من أمن النظام السوري. هذا الإعلان حقيقي، إذ إن للنظام السوري خدماته لإسرائيل بدءاً من العام 67 والأدوار التي قام بها خدمة للمشروع الصهيوني في مواجهة الفلسطينيين، وفي ما خص الوضعين اللبناني والعراقي. وإسرائيل كانت الوحيدة من دول المنطقة التي يسرّها ما يجري في الداخل السوري من تحطيم لسوريا وإخراجها من معادلة القوة والصراع لعقود طويلة من الزمن. ولو حلم عُتاة الصهيونية بأن تدمّر سوريا أرضاً وشعباً، كما يجري حالياً، ما كانوا يستطيعون الحلم بأكثر مما حقّق لهم بشار الأسد.

*إسرائيل تقول إنها لن تسمح بتحويل جنوب سوريا إلى جنوب لبنان، وأنها تريد تقليص النفوذ الإيراني في سوريا. وهناك توازياً رهان أو رغبة غربية – روسية – عربية في إخراج النظام من كنف إيران، هل هذا ممكن؟

**الوجود الإيراني في سوريا سابق لوجود بشار الأسد. بدأ منذ أيام والده، وهو متغلغل في الأوساط الاجتماعية، ودخل في مشاريع خطيرة لها علاقة بالإحلال السكّاني وتجنيس مئات الآلاف من الإيرانيين والميليشيات الغريبة التي أدخلها. لذلك يعتبر السوريون أن مخاطر الاحتلال الإيراني أكبر بكثير من مخاطر الاحتلال الروسي، ويرون أنه ليس من السهل رفع اليد الإيرانية عن سوريا، خاصة وأن الإيرانيين يمكنهم أن يُقايضوا في أماكن أخرى وليس فقط في سوريا. هل لنا أن نتخيّلَ ماذا سيحدث في لبنان إذا خرجت إيران من سوريا؟ وكيف يمكن لحزب الله أن يبقى في لبنان ممسكاً بعنق السلطة وكابحاً لإرادة هذه الدولة؟ وكيف للوضع العراقي أن يستمر كما هو؟ بالنسبة لإيران الوضع السوري مهم جداً، لذلك ليس من السهل إقناعهم أو مقايضتهم في أماكن أخرى. وللروسي مساهمة في إدخال العنصر الإسرائيلي لأنه أيضاً في حالة تناقض وتباين مع الإيرانيين على الأرض، والعنصر الإسرائيلي يساعده ويغلّبه، لكن هل هذا الأمر هو الفيصل؟

أيضاً هناك نقطة ثانية، وهي أن المشروع الإسرائيلي يُريد أن يمنع إيران كلياً وأن يُوجّه لها ضربة عسكرية طالما مخاطر الصواريخ الإيرانية موجودة إلى جانب المشروع النووي الذي يحسب له ألف حساب، وكذلك وجودهم في سوريا، وهذه نقطة خلافية مع الواقع الدولي والأوروبي والأمريكي أيضاً. لكن هل سيستطيع الإسرائيلي أن ينفردَ بحركة من هذا النوع؟ يصعب تقدير ذلك وفق المعطيات الحالية. الأرجح أن الإسرائيلي سيستمر على هذه الحال طالما أنه يفعل ما يُريده على الأرض السورية تجاه الوجود العسكري والميليشياوي الإيراني، وسياسياً عبر الروسي الذي تربطه به علاقات جيدة. لكن السؤال: هل الصلات الموجودة بين حميميم وتل أبيب ستنعكس سريعاً وبشكل مكشوف بين بشار الأسد والقصر الجمهوري في دمشق وتل أبيب؟

*هذا محور سؤالي، بمعنى هل الدخول الإسرائيلي هو نوع من لعبة التوازن في مقابل الوجود والمشروع الإيراني؟

** لم يعد لبشار الأسد وبقايا نظامه أي إرادة في القرار، لذلك إذا توافقت الإرادة الإيرانية في تخفيض التوتر الحالي مع إسرائيل مع الرغبة والمصلحة الروسيتين في ذلك فيمكن أن يحصل.

*هل تتخوّف من العودة للعب بورقة تنظيم «داعش»؟

** ورقة تنظيم «داعش» تُستدعى بين الحين والآخر لتدخل في وسط السياسات. جميع القوى والميليشيات المحتلة في سوريا أتت باسم مسمى «محاربة الإرهاب» بما فيها الأمريكي والروسي والإيراني والشركات الأمنية والميليشيات اللبنانية، ولكن أعتقد أن الأمرَ انكشف للرأي العام السوري والرأي العام العالمي، وأنه ليست هناك إرادة حقيقية في إنهاء اسم «داعش» خاصة وأن السوريين هم مَن واجهوا التنظيم وهم الذين تلقوا الجزء الأساسي من إرهابه. «داعش» يُستخدم الآن من قبل هذه الأطراف، فهو عملة صالحة للاستخدام تُوضع في جميع الجيوب.

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى