منوعات

منصات عربية تغير المفاهيم التقليدية حول الجسد والجنس/ ديمة ياسين

اندفعت بعض الناشطات النسويات إلى مواجهة الأفكار والمعلومات المتوارثة والمغلوطة، خاصةً في ما يتعلق بأجساد النساء. فأنشأن، وبجهود فردية في أحيان كثيرة، منصات على وسائل التواصل الاجتماعي، ناطقة باللغة العربية، للتوعية بالحقوق الجسدية، وكل ما يتعلق بالصحة الإنجابية والجنسية وبالتالي النفسية أيضاً. في النص بعض عناوين لتلك المواقع والمنصات.

كنت في العشرين من عمري، وكنا مجموعة فتيات نتحلق حول صديقتنا قبل حفل زفافها، عندما سمعنا خالتها التي تكبرنا سناً تهمس لها ضاحكةً “لا تخافي، هذا درب الأعمى”.

نتهامس طوال الوقت حولها، ولا نتكلم عنها علناً. علاقتنا بأجسادنا. تلك العلاقة المضطربة التي يشوشها كل مَن حولنا عن قصد أو عن غير قصد. فالمجتمع يتكتم عنها تحت شعار “القيم الأخلاقية والدينية والتقاليد”، في حين يتجاهل الأهل الحديث عنها مع أولادهم خوفاً منهم على “براءتهم”، وكأن الأهل لم يكونوا صغاراً يوماً، ولا علم لهم بأن العلاقة بالجسد والتساؤلات عنه تبدأ منذ الطفولة. يترتب على ذلك كله كَمّ المعلومات الناقصة والمغلوطة في كثير من الأحيان، التي نتلقاها في المناهج التعليمية ووسائل الإعلام، ومن “التربويين” والسلطات الدينية. فكم مرة سمعنا أفكاراً مثل “الفتاة كالمرآة، إن كُسرت من غير الممكن تصليحها” أو تشبيه النساء بالحلوى، والرجال بالذباب، وغيرها من الأمثلة التي تشوّه علاقتنا بأجسادنا، وتحددها بمفاهيم “الشرف” و “العار” و”الفتنة”.

تنشأ الفتاة على أن جسدها ليس ملكها، بل هو “أمانة” أودعتها العائلة، العشيرة، والمجتمع لديها، وعليها أن تحميها من الرجل، الذي يتعلم بدوره أن لا سلطة له على غريزته وشهوته إن هو صادف ما أثارها في أي مكان كان، وأن الرجولة تعني سلطته على أجساد النساء من حوله. لذلك تتكرر جرائم العنف الجسدي والجنسي ضد النساء والأطفال بشكل متواتر، وهو ما برز خصوصاً خلال السنة الأخيرة التي قضاها العالم تحت رحمة جائحة الكورونا، حيث ترتب عليها الكثير من المصاعب الاقتصادية والنفسية على الأفراد والمجتمعات. بينما ما زال الحديث بشكل علني في منطقتنا عن الجسد وحقوقه، والتوعية الجنسية – لا لغير البالغين فقط وإنما للبالغين أيضاً – يعد من المحرمات و “عيب”. بالرغم من أن المعرفة والتوعية هي أولى خطوط الدفاع أمام أي اعتداء أو استغلال لأجسادنا، ومنها أيضاً يأتي احترامنا لحدودها وحدود أجساد الآخرين.

مقالات ذات صلة

عن “بُصي” وحكايات النوع الاجتماعي المسكوت عنها في مصر

ربما ذلك ما دفع بعض الناشطات النسويات إلى أخذ الأمر على عاتقهنَّ لمواجهة كل الأفكار والمعلومات المتوارثة والمغلوطة، خاصةً فيما يتعلق بأجساد النساء. فأنشأن، وبجهود فردية في أحيان كثيرة، منصات على وسائل التواصل الاجتماعي، ناطقة باللغة العربية، للتوعية بالحقوق الجسدية، وكل ما يتعلق بالصحة الإنجابية والجنسية وبالتالي النفسية أيضاً. وهذه بعض الأمثلة عن تلك المنصات:

منصة وموقع موج

mauj.me@

بدأت في عام 2020 من قبل مجموعة من النساء العربيات لمناقشة الصحة الجنسية والجسدية. يشير اسم المنصة “موج” إلى “التغيرات القادمة، إنه موج من المتعة، والتغيير، ومن النساء اللاتي يجتمعن معاً لاستعادة حقهنَّ”.

 تُعنى هذه المنصة بتوعية النساء عن أجسادهنَّ بشكل خاص. وتركز على فكرة أن فهمنا لأجسادنا يساهم في أن نحبها ونحترمها أكثر، فتقوم بتفكيك ودحض فكرة العار والخرافات التي ارتبطت بأجساد النساء، سواء تلك التي ارتبطت بالدورة الشهرية، أم بالمتعة الجنسية، أو حتى بشكل وآلية عمل الأعضاء الجنسية. ويوجد فيها أيضاً معلومات طبية تتم مراجعتها “من قبل فريق المستشارين الطبيين، ومن بينهم طبيبات أمراض نسائية، وخبيرات ومعالجات في الجنس”. وتحتوي المنصة على سلسلة “حكواتية”، وهي من رسائل تصل المنصة من نساء عربيات، يحكين عن تجاربهنَّ مع أجسادهنَّ، وأحياناً قصص تعرضهن للتحرش والاغتصاب.

منصة نبرة

nabra@

وهي منصة توعوية نسوية سودانية تأسست عام 2020، تحاول تقديم معلومات ثقافية، ودحض الخرافات المتعلقة بالجسد والجنس. تناقش المنصة موضوعات الحرية الشخصية والخصوصية، والصحة النفسية. كما وتناقش الأمور المتعلقة بأجساد النساء مثل الخصوبة والدورة الشهرية وتحديد النسل، إضافةً للهموم التي تعاني منها المرأة السودانية بشكل خاص، مثل ختان الإناث وهوَس تبييض البشرة (وهي عقدة تولدت مع الاستعمار، ووسائل إعلامه فيما بعد، تنمُّ عن فكر غربي عنصري يحدد الجمال بمعايير غربية قررها الرجل الأبيض، مثل لون البشرة وتقاطيع الوجه وشكل الجسم).

منصة الحب ثقافة

lovemattersarabic@

وهي منصة تعنى بحقوق الجسد والتوعية الجنسية، ليس فقط للنساء، وإنما للرجال أيضاً. تغطي مواضيع أوسع، مثل العلاقات وطرق التعامل مع مشاكلها، الصحة النفسية والجنسية، المواعدة وأشكالها، وكذلك طرق حماية الخصوصية على الإنترنت.

وعلى الرغم من أن أغلب ما تناقشه منصة “الحب ثقافة” يركز على علاقات الزواج النمطية والتقليدية، إلا أن ذلك يعني أيضاً الوصول إلى طبقات ثقافية مختلفة قد لا تجد مصدراً آخر لتلقي المعلومات الصحيحة، وقد تنفرها المنصات التي تناقش العلاقات اللاتقليدية، أو العلاقات خارج الزواج التقليدي.

منصة كلام عن الجنس

بالعربي_the_sextalk@

بدأت على تطبيق الإنستغرام عام 2020، وتناقش الصحة والسلامة الجنسية، وسبل الإمتاع الجنسي. كما أنها تناقش حماية الجسد، ومفهوم التراضي في العلاقات، وأخطار الجنس غير الآمن. تركز هذه المنصة على النساء، لكنها أيضاً تناقش العلاقات الجنسية بشكل عام، سواء منها التقليدية أم غير التقليدية.

منصة نسوة

Niswa@

بدأتها الشابة العربية زينب آل رضي على الإنستغرام عام 2019. وتعنى بالصحة الإنجابية بشكل خاص، وبالصحة الجنسية/الجسدية للمرأة بشكل عام. تناقش آل رضي في منصتها موضوعات الخصوبة، والدورة الشهرية، وكيفية التعامل الصحيح مع الجسد خلال هذه الفترة، وتدحض العديد من الخرافات المتعلقة بها. كما وتصمم آل رضي دورات بأجور، للنساء اللواتي يرغبن في فهم دورة الخصوبة في أجسادهن، ليس بالضرورة لغرض الإنجاب فقط، بل أيضاً لفهم التغيرات الهرمونية التي تمر بها أجسادهنَّ.

***

وبالإضافة إلى المنصات التي ذُكرتْ أعلاه، هناك منصات تناقش موضوعات الجسد من ناحية أكثر “سياسية”، تصب في مفهوم الحركة النسوية في مختلف الدول العربية، مثل منصة حكي نسوي hakinasawi@، منصة ليلى خاتون laylakhatoun@، منصة حمام راديو hammamradio@، منصة خطيرة khateera@، منصة نحو وعي نسوي feministconsciousness@، بالإضافة إلى منصة مشروع ألف mashroualef@ التي تأسست منذ سنوات قليلة في لبنان كمشروع نسوي تقاطعي يعنى بمحاربة سلطة النظام الأبوي، وكانت أول منصة، وربما الوحيدة في الدول الناطقة بالعربية، التي خصصت خطاً ساخناً لمساعدة النساء، بما فيهنَّ عاملات المنازل، واللاجئات، وأيضاً العابرات والعابرين جنسياً، و”مجتمع الميم” بشكل عام.

مقالات ذات صلة

من ملامح أزماتنا الجنسية

جسدي وأنا حرّة فيه

ربما ما زالت مجتمعاتنا تتعامل مع موضوع الجسد والجنس على أنه “درب الأعمى”، مثلما رددت خالة صديقتي، كما ردد الكثيرون من قبلها. لكن تلك المقولة، بما فيها من تنمّر واضح، وتمييز ضد فاقد البصر، من حيث تشبيهه بالجاهل… أثبتت عدم صحتها، وأدت إلى خلق مجتمعات ليس لديها معرفة بصحتها وحقوقها الجسدية، ولا تملك الوسائل المعرفية الكافية لمنع الاعتداء عن أفرادها والدفاع عنهم، أوالتعامل معهم في حال انتهكت تلك الحقوق. وقد آن الأوان لتغيير ذلك.

كاتبة صحافية، من العراق

https://lmarabic.com/

السفير العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى