نقد ومقالات

كثيرة هي الكتب.. لكن كيف نختار ما نقرأ منها؟/ ممدوح فراج النابي

القراءة من أعظم المتع التي يَحظى بها الإنسان في أوقات فراغه، وقد يُخصص لها بعضًا من وقته، أو يمنحها حياته كلها. فالقراءة تمنح صاحبها مزيدًا من الحياة في زمن غير محدود كما يقولون. وصحبة الكُتب خير جليس على نحو ما هو مأثور في قول المتنبي “أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ/وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ”. فالحاجة إلى القراءة تضاعفت في زمن العزلة هذا والفوضى التي رجّت الذوات.

 في أيام العزلة لم يكن بديلاً – حتميًّا – لمحبي القراءة غير الكتب، واستغلال الوقت في صُحبة الكتب. كثيرون (أدباء وفلاسفة وعلماء) أكّدوا أهمية القراءة بل وحثّوا عليها، فالفيلسوف الروماني سينيكا يقول “إن الحياة الأكثر سعادة هي أن تعيش مع الكتب”، لهذا لم يجد الفيلسوف الفرنسي مونتاني سعادته إلا مع الكتب، فاعتزل الناس والحياة العامّة والنشاط السياسيّ منقطعًا إلى مكتبته، فكما يقول “ليس ثمّة أجمل من القراءة والتفكير، لزيادة معرفتنا، وانتشال أرواحنا من الظلمة”. أما العالم فرانسيس بيكون فيُقدّم نصيحة بشأن دوافع القراءة هكذا “اقرأْ لا من أجل المعارضة والنقض، ولا من أجل الإيمان والتسليم، ولا من أجل الحوار والمجادلة، ولكن لكي تزن الأمور، وتُمعن النظر فيها”.

 ويعوّل كافكا على أهمية الكتاب في “أن يكون الفأس التي تكسر البحر المتجمد فينا”، أما بابلو نيرودا فالكتاب عنده “سفينة من الأفكار، مُحمّل بالحقيقة والجمال”، في حين يدين جان بول سارتر للكتب بما صار عليه فيقول “لقد بدأت حياتي مع الكتب، وبلا شك سأنهيها معها. في مكتب جدي كانت الكتب في كل مكان، وكان ممنوعًا نفض الغبار عنها إلّا مرّة في السنة، قبل الدخول المدرسي في شهر أكتوبر، لم أكن أعرف القراءة بعد، لكني كنت أحترمها، تلك الحجارة المصقولة مثل الطوب على رفوف المكتبة، كنت أعتقد أن رخاء وازدهار العائلة مرتبط بها”. ولا يختلف الأمر عند بورخيس الذي لا يمكنه تخيّل “العالم بلا كتب”.

القراءة صارت علمًا يُستخدم في العلاج النفسي والعضلي

القراءة العلاجية

 لم تعد القراءة فعلاً ذاتيًّا لتزجية أوقات الفراغ، أو حتى لترقية النفس وفقط، بل صارت – أيضًا – علمًا يُستخدم في العلاج (النفسي والعضوي)، وهو ما يُعرف بالعلاج بالقراءة (الببليوثيرابيا) حيث أن للكتاب، كما يقول باغستر وهو أحد المعالجين بالقراءة “تأثيرًا مهدئًا مثل الشراب، أو مذاقًا لاذعًا كالخردل”، ولهذا نراه يُعطي اقتراحات قرائيّة لكتبٍ ذات قيمة علاجية.

 ومن المعروف أن المحلل النفسي سيغموند فرويد استعان بالأدب خلال جلسات التحليل النفسي، وبعد الحرب العالمية الأولى، تمّ في بريطانيا اعتماد كورس علاجي من القراءة المكثفة يُعْطَى للجنود الذين تعرضوا للصدمة والعائدين لديارهم من الجبهة، وهؤلاء كانت توصف لهم روايات جين أوستن خلال جلسات التحليل النفسي، وقيل إن الروائية نفسها استطاعت عبر البرنامج أن تتجاوز أزمة حزنها لفقد زوجها.

وفي بدايات القرن العشرين أوصى الفيلسوف والمحلل النفسي إريك فروم بدراسة بعض النصوص الأدبية لكل من بلزاك ودوستويفسكي وفرانز كافكا للعثور على فهم عميق للإنسان قد لا يتوفر بالقدر نفسه في الكتابات التحليلية النفسيّة.

 وكان للنتائج الإيجابية لتأثير فعل القراءة على المرضى حافز دفع الباحثتيْن إيلا برثود وسوزان إلدركن إلى إصدار كتاب بعنوان “العلاج بالرواية: العلاج الأدبي من الألف إلى الياء” بعد اختبار بعض الأمراض التي تمّ علاجها بالرواية، أي من خلال قراءة المريض لرواية معينة، فعلى سبيل المثال لمن يعاني من إنفلونزا حادّة عليه بقراءة رواية البؤساء لفكتور هوغو، ومن يُعاني ألم الأسنان عليه بقراءة آنا كارنينا لتولستوي، إلخ من أوصاف علاجية بالكتب.

بوصلة البوكتيوبرز

 مؤخرًا خلقت وسائل التواصل الاجتماعي حالة من الرواج للقراءة ولسوق الكتب، ولم يعد الأمر مقتصرًا على نوادي القراءة وترشيحات القرّاء للكتب، وإنما صار هناك محترفون (بوكتيوبرز) لهم قنواتهم الخاصة التي ترشح الكتب للقراء، ومع مواسم معارض الكتب يزداد الإقبال على هذه القنوات، في ظل ارتفاع أسعار الكتب وتعدّد المطبوع منها، وما يتبع هذا من حَيرة تلازم القرّاء.

 وبذلك أضحت منصات القراءة وبورصات الترشيح بمثابة البوصلة التي تُرشد الكثير من القرّاء في اختيارات الكتب التي سوف يبتاعونها من المعارض. من جانب ثانٍ ثمّة فريق ويمثّله قطاع عريض من المثقفين لا يعوّل على هذه الترشيحات لأن الذائقة تختلف من فرد إلى آخر، وينهج في اختياراته نهج فيرجينيا وولف في التزامها الشغوف بالمصادفة في اكتشافاتها القرائية.

القراءة قد تكون للتسلية أو للبحث عن معلومة أو تحت إلحاح شديد أو لأننا نحتاج أن نعرف أكثر

لكن كيف كان الأمر قبل الانتشار الهائل للفضاء السبراني؟ ألم تكن هناك ترشيحات للكتب من قبل متخصصين؟ وهل كانت ثمة معايير لهذه الترشحيات دون غيرها، أم كانت مرتبطة بالذائقة؟ من قبل كان اختيار الكتاب يأتي عن طريق سماعنا عنه من صديق، أو بقراءة مراجعة عنه في إحدى الصحف، أو من خلال عرض له في أحد الكتب، أو مشاهدة مناقشة له في مهرجان أدبي أو ندوة ثقافية.

 في الحقيقة لم يتوانَ الكتاب على مرّ العصور في تقديم النصائح والإرشادات أو الوصفات القرائية، ولكن في ظني أنّ أدق نصيحة يؤخذ بها تلك التي قدمها غوستاف فلوبير إذْ يقول “لا تقرأ مثل الأطفال، من أجل المتعة، ولا مثل الطموحين، بغرض التعلُّم، اقرأ كي تعيش”. أي القراءة من أجل الحياة، وهو ما يؤكده أمبريتو إيكو “باعتبار مَن لا يقرأ يعش حياة واحدة حتى لو اجتاز السبعين عامًا، أما من يقرأ فيعيش خمسة آلاف عام، القراءة أبديّة أزليّة”.

شدة الحاجة إلى الكتب جعلت دوستويفسكي يطلب من أخيه ميخائيل وهو في السجن أن يُرسل له الكتب، ونفس الشيء حدث مع أوسكار وايلد عندما حُبس، حيث قدّم عريضة لوزير الداخلية شرح له فيها معاناته من نقص الكتب التي هي أساسية لكي يحافظ الإنسان على توزانه العقلي، وفي السجن كان منهمكًا في قراءة الكلاسيكيات، وكتب في رسالة إلى شقيق زوجته “إن الحرمان من الكتب فظيع مثله مثل الحرمان الجسدي في حياة السجن”.

 في السجن يُقدِّم أوسكار وايلد خارطته للقراءة بقائمة كتب للسجناء، ويقسمها إلى كتب واجب قراءتها، ويضع في مقدمتها الكوميديا الإلهية، والإلياذة، ودون كيشوت، والقسم الثاني يضم الكتب التي تستحق أن تُقرأ مثل مؤلفات أفلاطون ودواوين كيتس وكتاب المرأة الذكية لبرنارد شو. أما القسم الثالث فيضم الكتب التي يجب ألا تُقرأ، وهذه القائمة السيئة يراها ضرورة مهمّة، بل يطالب كل قارئ كتب أن يضع قائمة بأسوأ مئة كتاب ليتجنّب الشباب فوضى القراءة غير النافعة.

خارطة للقراءة

خارطة للقراءة المفيدة

 إذا كانت فيرجينيا وولف في مقالتها “كيف يجب أن تقرأ كتابًا” حذّرت بطريقة ساخرة، وهي تُسدي نصيحتها للقرّاء “بألا يأخذ أحد بنصيحة أحد”، ومع هذا فلم تتوقف نصائح الكُتَّاب على التأكيد على أهمية القراءة أو حتى توجيه النصائح للقراء وكيفية تعاملهم مع الكتب بما فيها المملّة على نحو ما ينصح عبدالرحمن منيف قارئًا بألا يجعل الكتب المملّة تُثْنيه عن عزمه عن القراءة، فيقول “اقرأ وإن شعرت بالملل (…) دع الكتاب يقوم بالمهمة (…) لا يعني شيئًا للقارئ إن لم يفهم بعض الصفحات، يكفي أنه يشعر بالحماس لإتمامه”.

وعلى العكس تمامًا لا يعوّل كافكا على الكتب غير المفيدة، ففي رسالة لصديقه أوسكار بولاك ينصحه قائلاً “على المرء ألا يقرأ إلا الكتب التي تعِظه وتوخزه، إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بضربة على الرأس فلماذا نقرأه إذا؟ الكتب التي تجعلنا سعداء هي نوع من الخديعة، إننا نحتاج إلى الكتب التي تنزل علينا كالبليّة، التي تؤلمنا كموت من نحبه أكثر مما نحب، نحتاج إلى الكتب التي تجعلنا نشعر كأننا طُردنا إلى الغابات بعيدًا عن الناس”.

 وهناك مَن لم يكتفِ بالنصائح فقط، بل قدّم خارطة للقراءة المفيدة على نحو ما فعل هارولد بلوم في كتابه “كيف نقرأ ولماذا؟” وآندي ميلر “سنة القراءة الخطرة”، وهنري ميلر في “حياتي في الكتب”، وألبرتو مانغويل في “يوميات القراءة”، وعلي حسين في كتابيه “غوايات القراءة”، و”في صحبة الكتب”، وبلال فضل “في أحضان الكتب”، وغيرهم كثيرون.

 هارولد بلوم في كتابه يقدم مفاتيح خمسة للقراءة كي تُمكّن القراء من استعادة القراءة. فيقدم مختارات لأعمال كتاب متنوّعة في الشعر(قصائد قصيرة، وقصائد طويلة) والقصة والرواية والمسرح، هي أشبه باختيارات أو ترشيحات للقراء للالتفات إلى هذه النصوص، مظهرًا ما فيها من روعة وجمال، وإن كان يُقِرُّ بأنّه “لا توجد طريقة واحدة للقراءة الجيدة” لكن في نفس الوقت يشدد بأن “هناك سببًا رئيسيًّا يفرض أن نقرأ”.

المختارات التي قدّمها للقرّاء لها هدف آخر يتمثّل في أنها تُعلِّمنا القراءة ولماذا نقرأ، وهو لا يكتفي بتوجيه مجرد نصائح، وإنما يذكر حشدًا من الأمثلة والشواهد التي تكون حافزًا على فعل القراءة، وفي نفس الوقت تدعم القرّاء لمواصلة القراءة الجيدة.

في التمهيد يقدّم إجابات عن سؤال: لماذا نقرأ؟ ويُعدِّد الأسباب التي يمكن اعتبارها إجابة مناسبة لهذا السؤال كقضاء وقت الفراغ، أو للبحث عن معلومة، أو تكون القراءة تحت إلحاح شديد، أو لأننا لا نحتاج إلى معرفة أنفسنا والآخرين فقط، بل لكي نعرف الحالة التي تكون عليها الأشياء. أما بالنسبة إليه هو فالقراءة تأتي كتدريب عملي على حياة العُزْلة، وليس كمشروع تعليمي تربوي.

ملير يستدعي شغف القرّاء ويستقطبهم لفعل القراءة

 كما لا يكتفي بهذا وإنما يتكئ على مقولات لبرغسون وبيكون وإمرسون في التأكيد على أهمية الكتب، ويخلص من تجاربهم إلى أن هدف القراءة الأعلى هو تقوية النفس، والتعرُّف على اهتماماتها الأصلية، علاوة على العيش في تجربة المتعة التي تخلقها القراءة، وهذه المتعة هي الجزء المفتقد في القراءة المهنيّة بل يعتبرها محنتها. كما يتطرق إلى عملية استعادة القراءة التي يكون هدفها تطهير العقل من اللغو وإصلاح الذات، أو أن تكون منارة للآخرين.

 ويتجاوز في تحليله لأعمال الكُتّاب التقنيّة، لأنها ليست هدفه، فهدفه الأساسيّ هو كيف نقرأ ولماذا، وإن كان يربط هدفه بصبغة ذاتيّة حيث تأثير هذه الأعمال عليه وهو يقرأها، إضافة إلى آرائه في عمل الفنان ككل، وإن كان يقف عند تحليل بعض القصص المنفردة. ففي القصة القصيرة مثلا، نجد أسماء كإيفان تورجنيف، أنطوان تشيكوف، جي دي موباسان، هيمنغواي، فلاديمير ناكوف، بورخيس وإيتالو كالفينو، ومن الشعراء؛ هوسمان، وليم بليك، والتر سافدج لاندرو، والت ويتمان، إميلي ديكنسون، جون ميلتون، واردز ويرث وآخرين.

وفي الرواية يختار سرفانتيس، ستندال، جين أوستن، ديكنز، دوستويفسكي، بروست، هنري جيمس، توماس مان، هرمان ملفيل، فوكنر، توني موريسون وآخرين. وفي المسرح وليم شكسبير، هنري إبسن وأوسكار وايلد.

وفي مدخل كل نوع يقدم نصائح خاصة بعملية القراءة، وإن كان على الجملة يرى أنه يجب ألا تختلف قراءة الرواية عن قراءة المسرح أو قراءة القصة، فالمحكّ الأساسي هو القارئ نفسه؛ حيث لا يمكننا تجنُّب إقحام ذواتنا في عملية القراءة. فالتأثير يختلف من عمل سيء إلى عمل عظيم؛ فالكتابة السيئة – على حدّ قوله – كلها شيء واحد، أما الكتابة العظيمة، فإنها تختلف بدرجة صارخة، والأنواع تُشكّل انقسامات في داخلها. ومن وجهة نظره أن الروايات تحتاج إلى قرّاء أكثر مما تحتاجه القصائد.

الكتب وإنقاذ الحياة

لماذا نقرأ

 آندي ملير يستدعي شغف القرّاء ويستقطبهم لفعل القراءة، باستهلال مثير هكذا “كيف استطاع 50 كتابًا عظيمًا (وكتابيْن غير عظيميْن) إنقاذ حياتي”، الكتاب يحتوي على قائمة خمسين كتابًا، وإن كانت التجربة التي مرّ بها المؤلف خاصّة؛ حيث كانت آثارها ملهمة له وأحدثتْ تغييرًا كبيرًا في حياته، بل أنقذتها؛ لذا سعى إلى تعميمها لجميع القرّاء، وإن كان في نفس الوقت لا يُلزم بالأخذ بها، لسبب بسيط، أن كلَّ قارئ لديه هنالك قائمة أخرى خاصّة به.

 يشير ملير إلى أن كل كتاب ذكره قد يُعَدّ عظيمًا بطريقة أو بأخرى، وأَعدّ من أجل ذلك قائمة بخمسين كتابًا أسماها قائمة الإصلاح، واحتوت على أعمال روائيّة وشعرية ملحمية وسير ومذكرات، ولم تخلُ بالطبع من أعمال دوستويفسكي وتولستوي، وملفيل، وجين أوستن، وبيكيت، وهوميروس، وآخرين. لكنه ألحق بهذه القائمة قائمتين أخريين؛ الأولى وصفها بأن لها تأثيرًا كبيرًا عليه، وضمت هاملت وفيرجينيا وولف، وإليوت، وتشارلز ديكنز، وكافكا، وجيمس جويس، ومارسيل بروست، ودانتي أليغيري، وتشيخوف إلى جانب آخرين. والقائمة الأخيرة ضمت الكتب التي ما زال ينوي قراءتها، ومنها المذكرة الذهبية لدوريس ليسينغ، منزل للسيد بيسواز لنايبول، أسنان بيضاء لزيدي سميث، حفلة تنكرية لكيت ويليامز والجحيم لدان براون وآخرين.

ترشيحاته لا تأخذ طابعًا نقديًّا صرفًا، وإنما تأتي في إطار يومياته وحياته الخاصّة، وتأثير هذه الكتب عليه، فنراه يقدم تفاعلاته مع ما يقرأ ويقتبس بعض الفقرات، كما يقدّم سيرة موجزة للعمل وللمؤلف، ويتتبع ترجماته إلى اللغات الأخرى. كما يذكر رأيه صراحة في ما يقرأ سواء على مستوى الإيجاب أو السلب. فمثلا عن رواية “المعلم ومارغريتا” يقول إن “جزء السيرة الذاتية الاستذكار المفصّل، هو أكثر ما أعجبه، أما الأهداف الشيوعية التي تغلفها الحكاية فلم تكن واضحة”. لكن على المجمل أن الرواية أعادته للحياة، فالقراءة عنده لم تكن للمتعة وإنما كانت لغريزة الحياة.

 هنري ميلر يؤكد في كتابه “حياتي في الكتب” أن غرضه من تأليف الكتاب هو ما لاحظه من اهتمام الشباب بالكتب الميتافيزيقيّة والغامضة والصُّوفيّة بالإضافة إلى الإباحيّة والبذيئة، ومن ثم يقدم لهم في هذا الكتاب “أجوبة وإشارات سوف توجههم إلى ذلك النوع من الأدب المفيد والدائم”، فهو يوجه إذا كان المرء يسعى وراء المعرفة أو الحكمة، فيجدر به أن يتوجه إلى المنبع، والمنبع عنده ليس المثقف أو الفيلسوف، وكذلك ليس الأستاذ أو القديس أو المعلم، بل هو الحياة ذاتها، وتأليف الكتب يعني استرجاع ما أخذنا من الحياة، من أخوات وإخوة لا نعرفهم. والكُتّاب عنده نوعان؛ كُتّاب يغنوننا وآخرون يفقروننا.

 ثمة هدف آخر من وراء تأليف هذا الكتاب، إذ يتخذ منه حيلة ليحكي قصة حياته، فالكتاب يحكي عن الكتب كتجربة حيويّة، وليس دراسة نقديّة، ولا يحتوي برنامجًا لتثقيف النفس. فعنده أن الكتاب يبقى حيًّا عبر التوصية المحبة التي يقدمها قارئ إلى آخر.

 في ظل فوضى النشر قد نكون في حاجة ماسة لترشيحات من الخبراء، ترشيحات تكشف عن جماليات النصوص، لا هي مجرد عروض كتب كتلك التي تمتلئ بها الصحف، ولا هي قراءات نقدية جافة، وإنما قراءات جمالية تكشف عن جماليات النصوص، وتماسها مع الحياة التي نعيشها، فهل نجد من يفعل ذلك، أم نترك أنفسنا تارة لسطحية البوكيتوبرز والتي صارت الآن تجارية محضّة، يروّجون لكتب دور النشر التي يعملون فيها، وتارة لعبثية ترشيحات قراء (جود ريدز) التي لا تقوم على أيّة معياريّة سوى متعة التسليّة التي تخلقها النصوص لهم؟

كاتب مصري

العرب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى