فايز سارة: الفقد جعل مني شخصاً مختلفاً، مثلما أنا مدين لوالدتي، مدين لدمشق أيضا
حوار محمد ديبو
“دمشق مدينة تفتح قلبها للوافدين، وتعطيهم فرصاً للعيش والتعلم والعمل. ومثلما أنا مدين لوالدتي، مدين لدمشق: أمي الأخرى في أي تقدّم ونجاح حققته في حياتي”، هذا ما يقوله الكاتب والمعارض والمناضل السوري البارز، فايز سارة، في هذا الحوار الذي أجرته معه حكاية ما انحكت، حول محطات حياته، بدءا من طفولته في دمشق إلى أولى نشاطاته السياسية، وليس انتهاءا بمحطات السجن التي خبرها وعمله في الإعلام ومؤسسات المعارضة السورية، إضافة إلى قضايا أخرى يتطرق لها في هذا الحوار.
رئيس تحرير موقع حكاية ما انحكت (النسخة العربية). باحث وشاعر سوري. آخر أعماله: كمن يشهد موته (بيت المواطن، ٢٠١٤)، خطأ انتخابي (دار الساقي، ٢٠٠٨). له أبحاث في الاقتصاد والطائفية وغيرها.
“وفاة ابني وسام وهو في الثامنة والعشرين بالنسبة لي وللعائلة مثل وفاة كل الصبايا والشباب السوريين الذين قتلتهم آلة النظام الدموية في السجون والمعتقلات، تصيبنا إنسانياً بالحزن الذي يفطر قلوبنا، لكنها في جانب آخر، فإنها تهمنا من ناحية عاطفية أيضاً نتيجة ما يربطنا بوسام من علاقات وذكريات وغيرها، تمتد بعيدة في أرواحنا وأعمارنا وعلاقاتنا، وقد ترك لنا زوجته وولديه الصغيرين تيم ونجم الذين يجسدان حضوره بيننا، ويجعلانه، وكأنه مازال حاضراً حولنا”.
لا يمكن لمن يقرأ الكلام السابق للكاتب والمعارض السوري، فايز سارة، حول مسألة استشهاد ابنه تحت التعذيب في سجون الأسد، إلا أن ينحني بألم وحب، ليس للإيثار الذي تحمله هذه الكلمات بين طياتها فحسب، وليس للحزن العميق الذي يشعر به لما يحز قلب صديقنا فايز وكل قلوب عائلته فحسب أيضا، بل لتلك القدرة المدهشة على الصمود والتحدي التي تحملها كلماته من جهة، وأيضا لذلك الإيمان العميق بإمكانية نهوض سورية من جهة أخرى، والذي يمكن أن يستشفه المرء من كلماته وحديثه عن أحفاده الذين يمثلان وجود ابنه الغائب، في حضور لا يغيب، حضور يقول أنّ الأمل ما زال قائما في ضحكة حفيديه الذين نأمل أن يكون لهما مستقبل أفضل لا زال فايز يؤمن بانبلاج فجره في هذا الحوار الذي أردناه تكريما له ولمساره الطويل ولكل ما قدّم لسورية من تضحيات وآمال قدمها ولا زال يقدمها.
أولا: نحن نعرف الكثير عن فايز سارة الكاتب والمناضل، ولكن بالكاد نعرف ما يكفي عن حياة فايز سارة الشخصية. لهذا دعنا نبدأ من سؤال تقليدي، ولكني آراه ضروريا في حالتك: ما الذي يتذكره فايز سارة اليوم عن ذاك الطفل الذي كانه في يوم من الأيام؟ حدثنا عن طفولتك والبيئة التي ربيت فيها، وهل كان في تلك الطفولة ما رسم قدرك لاحقا؟
كان الحدث الأهم الذي وعيته في طفولتي هو الفقد. ففي السادسة من عمري شهدت موت أبي، وهكذا صارت كلمة “يتيم” رفيقة لاسمي وحضوري وعلاقاتي لسنوات طويلة. ورغم أنّ عموم دلالاتها لم تكن إيجابية بالنسبة لي، وكانت في أغلب الأحيان دلالة على ضعفي مقارنة بمن كانوا في عمري من الأولاد، وإن كانوا ضعفاء بحكم السن، فقد كنت أضعف منهم بحكم أني يتيم فقد أبيه.
ربما جعل مني الفقد شخصاً مختلفاً، عما كان مقدّراً لي أن أكونه. ليس فقط بسبب إحساسي أنّ عليّ ألا أكون ضعيفاً، وقد كنت أرى في ضعفي عيباً، لابد من تجاوزه، حتى أكون مثل الآخرين من أبناء جيلي، أو أكون متفوّقاً بشكل ما، وهذا أمر كان يسعدني، سواء كان ذلك في المدرسة أو أثناء اللعب أو خلال ذهابي المبكر للعمل. وثمة أمر آخر، وفّر فرصة لأكون شخصاً مختلفاً، خصوصاً من ناحية الإحساس بالمسؤولية، وهو وجود والدتي في حياتي، وقد أخذت على عاتقها، أن تكون أماً وأباً في وقت واحد لأربعة أطفال دون التاسعة، كنت الثاني فيهم بعد وداد، وقبل الاثنين فايزة وفراس الذي جاء إلى الدنيا بعد وفاة والده بأربعين يوماً لاغير!
كانت أمي مثالاً. سيدة قوية صعبة المراس، قادرة على ترتيب أمورها بطريقة تفوق قدرات كثير من رجال العائلة. ورغم اهتمامها بكل أولادها، وتطبيقها مبدأ المساواة في علاقاتها معهم، فقد كان إحساسي أنها تميزني بعض الشيء، خاصة لجهة إصرارها على الاهتمام بتعليمي ومتابعته في وقت كان فيه التعليم لدى السوريين وعند ذوي الأصول الريفية خاصة، بابا ليس للعيش فحسب، وإنما للترقي الاجتماعي، وكانت مكانة المتعلمين آنذاك ذات أهمية كبرى.
وأنا أتذكر البيئة العائلية التي أحاطت بطفولتي، وأثرت عميقاً في حياتي، فإني لا أستطيع أن أفصلها عن تأثير دمشق، التي عشنا في قلب أحيائها القديمة، وقد كانت في خمسينيات القرن الماضي وستينياته مدينة للحياة في طيبتها، وللتسامح والمودة في العلاقات بين الناس، مدينة تفتح قلبها للوافدين، وتعطيهم فرصاً للعيش والتعلم والعمل. ومثلما أنا مدين لوالدتي، مدين لدمشق: أمي الأخرى في أي تقدّم ونجاح حققته في حياتي.
ثانيا: بدأت العمل السياسي مبكرا، في العشرين من عمرك كما سمعتك تتحدث في أحد الحوارات. حدثنا عن هذه التجربة؟ في أي عام كان هذا؟ مع من كانت تجربتك السياسية الأولى؟ المناخ السياسي الذي كان سائدا آنذاك…
لا أعرف سببا واضحاً لاهتماماتي المبكرة بما كان يجري حولي من أحداث سياسية، وقد تعرفت على أحداث وقضايا سياسية، كانت تجري حولي، وأنا في العقد الأول، ومنها ملاحظة مخيم اللاجئين الفلسطينيين الذي كان قائماً قريباً من بيتنا في حي الشاغور الدمشقي، وغالباً، فإن ذلك أسّس لأكون لاحقاً منحازاً للفلسطينيين وفي موقف الدفاع المبدئي عن قضيتهم، وعايشت أيضاً زمن قيام الوحدة بين سوريا ومصر، فشدت من ميولي إلى وحدة البلدان العربية، وسمعت قصصاً عن أعمال المخابرات أو ما كانوا يسمونه “المكتب الثاني”، وتأسّس لديّ حذر منهم، وتعاطف مع ضحاياهم، وتعرّفت مبكراً على أسماء دول وزعامات، إذ شاهدت بالعين المجردة في سنوات دراستي الابتدائية الرئيس جمال عبد الناصر وعدد من قادة دول العالم الذين زاروا دمشق، بينهم ملك المغرب محمد الخامس، ورئيس وزراء الهندي جواهر لال نهرو، وقرينه الباكستاني أيوب خان، والرئيس اليوغسلافي جوزيف تيتو والسوداني إبراهيم عبود وأمير الكويت عبد الله السالم الصباح وغيرهم، حيث كان يتم أخذنا من المدرسة لنكون في استقبال الرئيس ناصر وضيوفه، يمرون في سيارة مكشوفة قرب جسر فكتوريا بوسط دمشق، وربما كانت محبة الشغب سبباً لمشاركتي المبكرة في الإضرابات المدرسية، التي كانت شائعة في أوائل ستينات القرن الماضي حتى في المدارس الابتدائية بدمشق في مناسبات سياسية أو تأييداً لمطالب معينة، وأذكر أنّي في أحد المرات عدت إلى البيت وعلى جسدي الصغير أثار خيزرانات الشرطة، وشهدت في صغري بعض مناسبات كانت ساحة المرجة بوسط البلد مسرحها، منها شنق الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين 1965.
ربما كان ما سبق بداية مبكرة لاهتمام سياسي بما حولي، لكنه تصاعد أكثر بعد حرب 1967، التي أذكر أني شاركت في تظاهرة غاضبة على نتائجها في ساحة المرجة، وانخرطت متطوعاً في منظمة فدائية بداية العام 1968، لكنها لم تستمر طويلاً، وتكرّرت التجربة خلال أحداث الأردن 1970 بين الفدائيين والنظام الأردني.
كنت قريباً في بداية عقد السبعينيات من التكوينات اليسارية في الأحزاب السورية، ومنها شيوعيين وقوميين دون انخراط تنظيمي معهم، تشاركنا الصداقة والنقاشات السياسية، وتشارك بعض منا في تظاهرة الاحتجاج على انقلاب حافظ الأسد في تشرين الثاني 1970 في ساحة السبع بحرات، واعتقل بعض أصدقائنا فيها، وقد صار بعض من هؤلاء الأصدقاء جزء من ظاهرة عرفتها سوريا باسم الحلقات الماركسية، والتي تأسست منها منظمات وجماعات متعدّدة كانت رابطة العمل أكبرها، تحوّلت لاحقاً إلى حزب العمل الشيوعي، فيما انتهت المجموعات الأخرى عند أول حملة اعتقالات، تعرضت لها في 1978 على نحو ما صار إليه مصير مجموعة نهوض اليسارية، ولم تستطع تلك المجموعات استئناف نشاطاتها لاحقاً.
ثالثا: قلّة من السوريين يعرفون أنك اعتقلت في ثمانيات القرن الماضي لمدة سنتين، ما سبب الاعتقال، حدثنا عن هذه التجربة؟ ثم إذا نظرت لها على ضوء تجربة الاعتقال الثاني، ماذا تقرأ فيها؟ وكيف تنظر لهما الآن وأنت في المنفى؟
كما أشرت لك سابقاً، فإن عقد السبعينيات، كان عقد بحث السوريين عن ذاتهم السياسية، البعث والشيوعيين والاشتراكيين العرب والناصريين وغيرهم أثبتوا فشلهم، بل إن أغلبهم أيّد انقلاب الأسد على رفاقه في سلطة البعث، التي كانت هي الأخرى نتيجة انقلاب سابق، وانضمت الأحزاب الرئيسية في حينها إلى تحالف الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة البعث الأسدي في العام 1972، والإخوان المسلمون كانوا يعانون أيضاً من أزمة، كان أحد تعبيراتها إطلاق ظاهرة مسلحة منظرها الأساسي مروان حديد، وقد تحولت إلى ما هو معروف باسم الطليعة المقاتلة، التي قامت بتفجيرات إرهابية واغتيالات، أعطت النظام كل المبررات للهجوم على معارضيه من الاتجاهات الوطنية والديمقراطية التقليدية والناشئة، وهكذا يمكن ملاحظة حملات الاعتقال التي طالت شيوعيّ المكتب السياسي، والمنظمة الشيوعية العربية في أواسط السبعينيات، وفي النصف الثاني شملت المنظمات الوليدة عن ظاهرة الحلقات الماركسية، فاعتقلت أول مجموعة من رابطة العمل عام 1977، وشملت اعتقالات آذار عام 1978 عدّة مجموعات بينها اتحاد الشغيلة ومجموعة نهوض، التي كنت بين مؤسسيها، وكان حظ رابطة العمل الشيوعي من اعتقالات 1978 حملتين واحدة في أيار وأخرى في أيلول، اعتقل فيهما عشرات، بينهم بعض أبرز الكوادر، وهكذا اجتمع أغلب معتقلي جماعات المعارضة الجديدة لكن داخل معتقل واحد في فرع أمن الدولة 285، واستمر اجتماعهم إلى شباط 1980، حيث أطلق سراح أغلبيتهم.
في الاعتقال الأول الذي استمر عامين، كان العدد أكبر، والأغلبية كانت من الشباب الطموحين، محدودي التجربة والشجعان في آن معاً، وأذكر أننا – وربما لمرة أولى- خضنا تجربتي إضراب عن الطعام من أجل بعض المطالب في فرع مخابرات أمن الدولة 285، إحداهما في الحلبوني 1987 والثاني في كفرسوسة 1979 وسط استغراب رئيس الفرع وعناصره.
في تجربة اعتقال إعلان دمشق، كانت الأمور مختلفة إلى حد كبير، كان المعتقلون قلة من كبار السن، وغالبيتهم عنده تجارب في السياسة، بل وفي الاعتقال أيضاً، كان بين المعتقلين صديقي القديم أكرم البني الذي أمضينا سوية تجربة اعتقالنا الأولى 1978- 1980، وكانت المجموعة من قيادات إعلان دمشق وليس مجرد منتسبين أو أصدقاء، كما كان أغلب معتقلي السبعينيات، والاعتقال هذه المرة كان علنياً وفيه محاكمة وسجن مدني وإعلام وحضور حقوقيين ومحامين ودبلوماسيين. لقد كان مختلفاَ تقريباً في كل شيء، وهذا الاختلاف في جزء منه هو ثمرة كفاح السوريين الطويل ضد الاستبداد ومن أجل حرية سوريا والسوريين.
تجربة الاعتقال، سواء للمرتين اللتين أشرت إليهما، أو لمرة ثالثة حدثت في بداية الثورة، لا أراهم خارج سياق الواجب الذي طرحته على نفسي من أجل بلدي ومن أجل السوريين وأنا إنسان منهم. يبدو لي من الطبيعي، أن يتعرض المنخرطين في السياسة، في بلاد مثل بلادنا، إلى الاعتقال والتعذيب وربما الموت تحت التعذيب، وأنا أعرف أشخاصاً ماتوا بهذه الطريقة أحدهم ابني وسام، وكثيرا ما تعرّض عناصر المخابرات لمعارضين في الشارع وضربوهم أو حاولوا قتلهم، بل إني أعرف ضباطاً في المخابرات، وخلال أحاديثهم مع معارضين أخبروهم أن الناس يموتون في الشارع حين تدهسهم سيارة أو يقتلهم لص يحاول سرقة بيوتهم، لقد كان ذلك تهديدا، أو إشارة لما يمكن أن يصيب معارض، يسمع تهديداً بقتل مقنع من ضابط مخابرات.
أستطيع القول، وقد أمضيت ثمان سنوات في شتات عن بلدي، إني ما زلت كما كنت مؤمناً بها، ومستعد لبذل ما أستطيع من أجلها كياناً وسكاناً، لا يعوضني عنه أي شيء في العالم، وأنتظر فرصة العودة إلى بلدي، وقد تخلّص من نظام القتل والدمار، وبدأ أهله في بناء نظامهم الديمقراطي الذي يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.
رابعا: عدا عن تجربة الاعتقال لقد تعرضت لتجربة فقد مؤلمة مع استشهاد ابنك تحت التعذيب. أعرف كم الأمر قاسي وصعب، خاصة حين يفقد المرء أحد أبنائه. ماذا تحدثنا عن هذه التجربة الخاصة والمشتركة مع كثير من السوريين والسوريات الذين فقدوا/ فقدن أبناءهم تحت التعذيب، خاصة أنّ المقصلة السورية لم تزل تعمل؟ وهل الحرية تستحق كل هذا؟
أبدأ من الأخير مجيباً على سؤالك حول الحرية. فأقول إن الحرية تستحق أن نموت من أجلها، وفي غمرة الصراع من أجل الحرية في السنوات الأخيرة، مات كثير من السوريين، آباء وأمهات، أبناء وبنات، أطفال وطفلات، أجداد وجدات، بل إنّ عائلات بكاملها اختفت موتاً، وأعتقد أن المعتقلين والمختفين قسرا هم الحالة الأشد قسوة من الموت في حال السوريين، لأن من مات عرفنا أنه مات، وانتهت عذاباته، أما المعتقلين والمختفين قسراً، فما زالوا في العذاب، وهم عذاباتنا التي لن تضع رحالها، حتى ينكشف مصيرهم، فيعود الحي إلى أحبابه، ويعرف الناس من مات من أحبابهم.
انخرط ولدي وسام وأخيه بسام مثل كثير من الشباب بالثورة من بداياتها، وخاضوا مع أقرانهم في العديد من فعالياتها، لم أشعر أن ثمة خطر خاص على حياتهم، بل إني لم أفكر في ذلك، لكن عندما اعتقل الاثنان معاً في حادثة اقتحام بيوتهما في نيسان عام 2012، شعرت بقلق وخوف على حياتهما مثل كل أب.
عندما اعتقل وسام في المرة الثانية أواخر 2013، وجرى احتجازه في فرع الأمن العسكري 215 بدمشق، تدخل سماسرة النظام، وحاولوا ابتزاز العائلة، عبر بث أخبار وتطمينات كاذبة عن حالته، التي كانت آخذة في التردّي، ليس فقط وسط ظروف التحقيقات الدموية، التي كان يمارسها جلادو الفرع كالعادة وبأوامر رئيس الفرع، وإنما أيضاً بسبب الظروف المعاشية الصعبة، التي يعيش المعتقلون في ظلها. باختصار كان الوضع كما الجحيم، كما قال لنا أحد الناجين الذين رافقوا وسام في توقيفه في الفرع 215.
بعد أقل من أربعين يوماً، أبلغت دورية للشرطة العسكرية العائلة بوفاة وسام، وضرورة مراجعة مركزها في القابون لاستلام متعلقاته، والتي لم تكن سوى هويته الشخصية، وقد سرق الجلادون كل ما كان معه. وقال تقرير صدر عن المسلخ البشري المسمّى مشفى تشرين سيء الصيت والسمعة، أنّ وفاة وسام كانت بسبب عارض صحي، وهو تقليد لجأت إليه مخابرات النظام للتغطية على جرائمها في قتل المعتقلين تحت التعذيب.
وفاة وسام وهو في الثامنة والعشرين بالنسبة لي وللعائلة مثل وفاة كل الصبايا والشباب السوريين الذين قتلتهم آلة النظام الدموية في السجون والمعتقلات، تصيبنا إنسانياً بالحزن الذي يفطر قلوبنا، لكنها في جانب آخر، فإنها تهمنا من ناحية عاطفية أيضاً نتيجة ما يربطنا بوسام من علاقات وذكريات وغيرها، تمتد بعيدة في أرواحنا وأعمارنا وعلاقاتنا، وقد ترك لنا زوجته وولديه الصغيرين تيم ونجم الذين يجسدان حضوره بيننا، ويجعلانه، وكأنه مازال حاضراً حولنا.
خامسا: عملت مراسلا صحفيا ومديرا لعدد من مكاتب الصحف في دمشق في فترة الاستبداد. حدثنا عن هذه التجربة وعن كواليس التجربة الصحفية في ظل الاستبداد؟
عملياً لم أكن بالمعني الحرفي مراسلاً صحفياً. هذه الصفة كانت فقط في وثائق وزارة الإعلام لتغطية نشاطات مكتبي ومنه النشاط الإعلامي بشكل قانوني، وفي كل الصحف التي اشتغلت معها كنت بين كتاب مقالات الرأي في صفحاتها، وكنت أحياناً أكتب مواداً إعلامية، خاصة مثل التحليلات والتقارير الصحافية، واستكتاب بعض الأشخاص للجريدة أو المجلة، أما الأخبار، فكانت تغطيها الوكالات وما أكثرها، وكنت محظوظا أني عملت مع رؤساء تحرير حرفيين في عمق المهنة وأصدقاء محبين أيضاً.
لم تكن لدي مشاكل مع وزارة الإعلام في عملي، ذلك أني عندما دخلت بوابة هذا العمل كنت صحافياً وكاتباً معروفاً خارج سوريا، وأكتب في كبريات الصحف والمجلات العربية، الأمر الذي شكل لي عنصر حماية بحدود معينة. أذكر مثلاً أني في العام 1990، وكنت أشتغل مع الطبعة العربية من لوموند ديبلوماتيك الشهرية، وأعددت ملحقاً لأحد أعدادها عن الإعلام السوري، وكانت خطوة فارقة في حينها. كل ما فعلته الوزارة عبر مديرية الرقابة، أنها منعت الملحق من التوزيع دون أن يسألني أحد عن الموضوع، لو كان صحافي من الشباب اشتغل الملحق، كان تعرّض للمسائلة، وكانوا جرجروه إلى الوزارة، وربما إلى الأمن، وأشبعوه تهديدات وغير ذلك.
أعرف كثير من قصص صحفيين وصحفيات، تدخلت وزارة الإعلام وأجهزة الأمن لفرضهم مراسلين لوسائل إعلام، وأعرف أيضاً أن بعض المراسلين مرتبطين بالأمن مباشرة، وأعرف بعضاُ ممن مورست ضدهم سياسات مدمرة، منها سحب بطاقاتهم الصحفية، مما يعني منعهم من العمل في المهنة، أو جرى منع اعتمادهم مراسلين لوسائل إعلام ترغب في تشغيلهم لديها، وهذه إجراءات كانت تقوم بها الوزارة، وأحياناً كانت تقوم بها بالتشارك مع جهات أمنية، أو بناء على تدخلات الأخيرة، التي كان يمكن أن تتدخل مباشرة دون معرفة وزارة الإعلام، فتحقق أو تعتقل مراسلاً صحافياً، وثمة عشرات من المراسلين الذين عوقبوا لنشر خبر لم يعجب أحداً ما، وبالتأكيد فإن أحداً، لا يتدخل لصالح المراسل، لا من جهة اتحاد الصحفيين السوريين ولا من جانب إدارة الجهة التي يعمل لصالحها.
سادسا وأخيرا: كثر يوجهون نقدا للمعارضة السورية، بأنها شديدة النضالية قليلة السياسة وضعيفة الإنجاز. بمعنى أنها دفعت أثمان كبيرة وباهظة في السجون والمنافي، ولكن حصيلة إنجازها السياسي كان ضعيفا بالمقارنة. كيف تنظر إلى هذا الأمر، ما سبب ضعف السياسة؟ هل حقا النظام وحده المسؤول أم ماذا؟
نعم لدينا هذه المفارقة في موضوع المعارضة السورية، سواء في الفترة التي سبقت الثورة أو في فترة الثورة وما بعد. والأمر في كل حالة له أسباب مختلفة، تستحق أن نتوقف عندها.
في الفترة التي سبقت الثورة، كانت المعارضة السياسية للنظام، سواء من جانب التنظيمات والأحزاب أو من جانب الشخصيات، معارضة سرية في الغالب ومحدودة العدد والانتشار، وكلها عوامل تجعل منها محدودة التأثير والفاعلية أيضاً، خاصة وأنها كانت غالباَ في موقع رفض سياسات وإجراءات النظام، وكان من النادر أن تتخذ مبادرات وتحدد سياسات في أي من الشؤون الوطنية، وقد اعتاد الأهم فيها، أن يضع أو يعلن برنامجاً سياسياً، تجري كتابته بعناية واهتمام، لكن لا تتم متابعة تطبيق أي شيء منه، ويجري تنقيحه عندما يكون هناك رغبة أو ظرف، يتطلب إطلاق برنامج جديد. وأيا يكن سلوك الأحزاب والشخصيات المعارضة، فقد كانت تحت سمع وبصر النظام وأجهزته، مما يجعل قياداتها وكوادرها عرضة للمتابعة والملاحقة والاعتقال، إذا اتخذت مواقف أو أعلنت سياسات لا تتوافق مع سياسات ومواقف النظام أو اعترضت عليها، بل وبدون ذلك أحياناً، يتم اتخاذ إجراءات ردع استباقية ضد بعض التنظيمات والشخصيات المعارضة.
وسط ذلك المسار ظهرت بعض تنظيمات المعارضة باعتبارها تنظيمات مناضلة، واشتهر بعض قادتها وكوادرها، كما اشتهر بعض الأشخاص المحسوبين على المعارضة، حتى لو لم يكونوا أعضاء في التنظيمات، وشهدت سوريا في عهد البعث هذه الظاهرة، ظاهرة الشخص المعارض وأغلبهم كانوا أشخاص شجعان، وربما هي الصفة الأهم، وكانت الصفة الوحيدة في بعض الأحيان.
بعد موت الدكتاتور عام 2000 ومجيء خليفته بشار، حدث تغيير مهم في واقع المعارضة. كان أهم أسبابه انطلاق الحراك المدني والشعبي الذي كان علنياً في المنتديات، ثم في الاعتصامات وفي الأنشطة الحقوقية والمدنية، وقد اندفعت أوساط وشخصيات معارضة للمشاركة فيه، مما وسع دائرة العلنية، وإطلاق الأطروحات السياسية والنقاش فيها، وأذكر أن لجان إحياء المجتمع المدني في تلك الفترة، طالبت بانتقال المعارضة بما فيه الإخوان المسلمين إلى العمل العلني في ظل القانون، وقد أعلنت بعض قوى المعارضة ذلك فعلاً، وهو أمر ساعد في تشكيل إعلان دمشق باعتباره أهم تحالف علني لقوى المعارضة في سوريا، وضمّ قوى وشخصيات جاء بعضها من الوسط السياسي وآخرين من الحراك المدني والشعبي، وكان ذلك نقطة تحول، لكن الاعتقالات منعت تطورها والبناء عليها من أجل تطوير معارضة نضالية وذات خبرة.
بقي أن أقول، إنه ومع انطلاق الثورة ظهر التحدي الأهم للمعارضة ودورها في الثورة. فقد بدا للقسم الأكبر من المعارضة، أن عليها أن تتقدم لقيادة المرحلة في ضوء ضعف قيادة الحراك الشعبي وهجمة النظام عليه، أو على الأقل المشاركة في قيادة المرحلة، وبغض النظر إذا كان ذلك تجاهلا أو عدم معرفة، فقد ظهر الأمر في الحالتين باعتباره بين الأخطاء الكبرى للمعارضة، لأن المطلوبين لقيادة مرحلة الثورة، كانوا أشخاص آخرين، ينبغي أن يكون لديهم مستوى أعلى من الخبرة السياسية من جهة، وقدرات دبلوماسية وإدارية عالية، لا مجرد معارضين شجعان فحسب، تحتاجهم الثورة، ولهم مكانة محترمة، لكن في غير قيادة الثورة، وهكذا وصلنا إلى ما صار إليه وضعنا.
إن مسؤولية النظام في كل ما حصل حاضرة، والتدخلات الخارجية أياً كانت خلفياتها مسؤولة أيضاً، وكله لا يعفي المعارضة من المسؤولية، وهي مسؤولية أساسية، فقد كان من المفروض عليها، ليس فقط تقييم الأوضاع واتخاذ الإجراءات المناسبة حسب الحاجات، بل كان عليها أن تعطي الخباز خبزه، لا أن تكابر وتختلف وتصر على متابعة الأخطاء وتبريرها، وهذا ما فعلته في أغلب مسارها.
شهادات عن فايز سارة:
ما من سوري لديه اطلاع على ما يجري في المجال العام السوري في العقود الأخيرة إلا ويعرف اسم، فايز سارة، بلا شك. يعرفه بوصفه معارضًا سلميًّا ديمقراطيًّا شجاعًا لنظامٍ أسديٍّ قلَّ نظيره في الاستبداد والإجرام في العالم المعاصر. هذه هي صورة فايز سارة لدي ولدى كثيرين غيري. لكن منذ عام 2014، أصبحت أنظر إلى فايز سارة نظرةً مختلفةً، لم أعد أراه شخصيةً وطنيةً معارضةً فحسب، بل أصبحت أراه، أيضًا وبالدرجة الأولى، “أبو وسام”. ووسام هو ابن فايز سارة، وقد اعتقله النظام لأكثر من مرةٍ، ثم قام بقتله تعذيبًا…!
لا أستطيع، حتى الآن، أن أستوعب كيف يمكن لأي إنسان أن يقتل إنسانًا آخر (“مثل وسام فايز سارة”) بهذه الطريقة، وكيف أمكن لقلوبنا أن تستمر بالنبض بعد حصول ذلك. عندما (كنت) أقرأ كلمات أبو وسام عن وسام، أو أستمع إليه، وأشاهده، حين يتحدث عنه، (كنت) أشعر بمزيجٍ من الحب والتقدير لكليهما، والغضب ممن أجرم بحقهما، والقهر لما حصل لهما. قيام النظام بقتل وسام، وسوريين كثر، تعذيبًا جعل الشأن العام شأنًا شخصيًّا، ليس لفايز سارة فحسب، بل لكل إنسانٍ، بالمعنى الأخلاقي للكلمة. عندما التقيت ﺑ “أبو وسام” لم نتحدث عن وسام، لكنني كنت أرى ملامح وسام في صوت أبيه الذي ما زال قادرًا، ليس على أن يتطلع بأملٍ إلى المستقبل فحسب، بل وعلى بث الأمل في نفوس كثيرين غيره. من يستمع إلى صوت “أبو وسام” وكلامه، ومن ينظر في عينيه وملامح وجهه وتعبيراته، سيجد، على الأرجح، مزيجًا مدهشًا وآسرًا من الحزن العميق والتصميم العنيد على الاستمرار في معارضة الأسدية بكل أشكالها “مهما كان الثمن”.
قيام النظام بقتل وسام تعذيبًا لم ينل من عزيمة “أبو وسام”، رغم أنه أدمى قلبه، وأحدث شرخًا في نفسه وروحه. وعلى الرغم من هذا القلب الدامي والمدمَّى، وبسببه، ما زال هناك تطلُّعٌ إلى الحياة والفرح، وما زال أبو وسام قادرًا على بث الحياة والفرح في كل مكانٍ يكون فيه. قد يرى كثيرون أن تضحية وسام و”أبو وسام” لم يكن لها جدوى، لكن رد فعل “أبو وسام” على ما حصل أثبت أن لها قيمةً ومعنى. أبو وسام يجسِّد سوريتنا/ إنسانيتنا الجريحة العنيدة الرافضة، قولًا وفعلًا، ﻟ “سورية الأسد”.
صداقتي مع فايز سارة بدأت مع محاكمة الراحل الكبير ميشيل كيلو والصديق محمود عيسى، عندما حضر مع كثير من الشخصيات التي غصّت بهم قاعة محكمة الجنايات الثانية بدمشق تضامناً مع كيلو وعيسى. وأول لقاء جمعني به كان في بهو المحكمة، وقد أبديت له عن إعجابي بمقالاته التي كان يكتبها في الصحف اللبنانية والعربية وتعاهدنا على التواصل، وشاءت الصدف أن التقي به مرة ثانية في القصر العدلي بدمشق، لكن هذه المرة كان لقاءً تحت الأرض في النظارة حيث كان موقوفاً مع عدد من قيادات التجمع الوطني لإعلان دمشق الذين اعتقلوا على خلفية اجتماع المجلس الوطني في كانون الثاني 2007.
وأذكر حينها أن الراحل المحامي، جوزيف اللحام، طلب مني أن أقول لمعتقلي قيادة إعلان دمشق “إذا سألكم القاضي عن سبب اجتماعكم في مكان واحد، فقولوا له كنّا نلعب بالشدة”، قلتُ له: “مع أني لستُ مقتنعاً بهذه النصيحة، لكن سأوصلها لهم”. نزلت الى النظارة حيث كانوا محتجزين في مكان واحد أكرم البني علي العبدالله وفايز سارة وأحمد طعمة الخضر ومروان العش ومحمد حجي درويش ووليد البني وياسر العيتي مع حفظ الألقاب. أخبرتهم بالنصيحة، فضحكوا جميعاً، وسألني حينها فايز سارة: “عم تحكي جد ولا عم تمزح؟” قلتُ له: “عن جد” فعلق قائلاً: “ليكون مفكرنا ولاد صغار؟” وقد حضرت معه الاستجواب أمام قاضي التحقيق بصفتي وكيلاً عنه… وقدم مرافعة سياسية في ردّه على أسئلة القاضي الذي بدا لطيفاً حتى إنه قال لسارة: ” أنتم شخصيات محترمة لكنني مضطر أن أوقفك..”.
توطدت علاقتي معه خلال زياراتي له في سجن عدرا، وكتبت مقالاً عنه بعنوان “لقائي مع فايز سارة في سجنه” نُشر في صحيفة النهار اللبنانية، وتم استدعائي إلى فرع فلسطين بسببه.. وبعد اندلاع الثورة السورية أعتقل “سارة” مرة ثانية وتوكلت للدفاع عنه أيضاً.
عند زيارتي الأولى له في سجن عدرا، بدا لي “كالجبل الشامخ” وهو يدخل غرفة المحامين في السجن غير آبهٍ بمن حوله من السجانين، ومازالت تلك الصورة راسخة في مخيلتي حتى اللحظة.
جمعتني الصدفة بفايز عندما جاء عام 1996 إلى ديرالزور، مدينتي، محاضرا في مديرية الثقافة حول الصراع العربي الإسرائيلي، وكان لي مداخلة تناولت فيها ما قاله عن قدرات إسرائيل النووية؛ حيث كانت لدي شكوك كبيرة حول ما يقال في هذا الصدد في ضوء أنّ المفاعل، مفاعل ديمونة، بدأت فرنسا بإنشائه عام 1958 دون علم الولايات المتحدة وقد اكتشفته طائرة تجسّس أميركية عام 1962 ولم تتقبل وجود سلاح نووي خارج وصايتها فعقدت صفقة مع إسرائيل تبقيها متفوقة على العرب مجتمعين وتمنحها رادعا نوويا شيفرته بيدها هي مقابل يورانيوم المفاعل المخصب مع اتفاق على حمايتها عند وجود خطر وجودي، والدليل المنطقي على ذلك أن إسرائيل لم تقم بأي تجربة تفجير في وقت أجرت الدول النووية عشرات التجارب في الصحاري والمحيطات ولم تعلن عن امتلاكها سلاح نووي.
منحني هذا اللقاء فرصة لتكوين فكرة واضحة عن اسم سمعته كثيرا. انتقلت عام 1999 للعيش في دمشق وبدأت المشاركة في ندوات المعارضة ونشاطاتها العامة، فدعاني المرحوم ميشيل كيلو، وكنت تعرّفت عليه في ديرالزور بعد تعقيبي على محاضرته ودعاني لزيارته في بيته إذا قدمت إلى دمشق، إلى لجان إحياء المجتمع المدني، وهنا التقيت فايز وأصبحنا رفاق درب وأصدقاء وتحوّل مكتبه في الزاهرة القديمة وجهة لي تكاد تكون يومية. وهذا شكل أرضية صلبة لتعاون في نشاطات كثيرة، لعل أشهرها رحلتنا عام 2004 إلى مدينة القامشلي، سفر 12 ساعة في حافلة، ضمن وفد من “اللجان” للاطلاع على ما حصل بعد شغب في ملعب كرة قدم، ردّت عليه السلطة بإطلاق رصاص على مواطنين كرد وقتلت وجرحت العشرات، ما قاد إلى انفجار الموقف في المدينة ومدن سورية أخرى فيها تجمعات كردية وازنة، تلتها رحلة أخرى إلى هذه المدينة عام 2005 في الذكرى الأولى للمجزرة للالتقاء بالقوى السياسية فيها والترويج لرؤية لجان إحياء المجتمع المدني والمشاركة في مهرجان خطابي تكريما لشهداء الانتفاضة، وقد ألقيت فيها كلمة نبهت إلى أن قمع النظام شامل ولا يقتصر على الكرد وتحدثت عما جرى في السويداء عام 2003 بعد خلاف بين مزارعين من المدينة ورعاة من البدو وانحياز محافظ المدينة للبدو وقيام المخابرات الجوية بإطلاق الرصاص على متظاهرين من المدينة وقتل وجرح العشرات.
رحلتنا الثالثة كانت باتجاه مدينة رأس العين شمال غرب مدينة الحسكة، سفر 10 ساعات في حافلة، حيث التقينا نشطاء المدينة، جلّهم من الكرد، ومررنا بتجربة طريفة، فقد دعينا لتناول الغداء في مطعم وسط غابة مفتوحة ويضع الطاولات والكراسي في مسطح مائي ما يستدعي من الزبائن خلع أحذيتهم وتركها جانبا والجلوس وأقدامهم تغمرها المياه إلى منتصف الساق، أكلنا وأنا وفايز قلقين على الأحذية ننظر إليها بين الحين والآخر، لأننا إذا فقدناها سنقع في حرج كبير، وأصحاب الدعوة يطمئنونا أنها بالحفظ والصون.
توقفنا خلال رحلة العودة في مدينة الرقة حيث التقينا بالدكتور إسماعيل الحامض ظهرا، اختطفته “داعش” ولم يعرف مصيره إلى الآن، ودعوناه للانخراط في “اللجان”، والتقينا في المساء بثلة من نشطاء المعارضة من شيوعيي المكتب السياسي وناصريي الاتحاد الاشتراكي ومستقلين في جولة حوار مفتوح حول الوضع السياسي والاقتصادي والخدمي.
عام 2007 اعتقلنا مع آخرين على خلفية المشاركة في مؤتمر المجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي وبعد احتجازنا في فرع لأمن الدولة قرابة الخمسين يوما أحلنا إلى القضاء وحكمنا لعامين ونصف العام لكل منا، قضياناها في سجن دمشق المركزي في مدينة عدرا. وقد كانت لنا تجربة مشتركة دقيقة وخطرة في آن، وهي مشاركتنا في مدينة داريا عام 2011 في تأبين الدفعة الأولى من شهداء الثورة السورية فيها، حيث ألقيت كلمة عن الثورة والتغيير ومعنى الشهادة في سبيل الحرية والكرامة. العمل مع فايز فيه حيوية ومتعة لكنه ليس سهلا، ففيه سفر وسهر ومخاطر كبيرة.
حكاية ما انحكت