الزنابق/ سليفيا بلاث
انظر كيف توهجت الزنابق؛
بعد أن حلّ الشتاء هنا
وكيف تساقط الثلج،
حتى غطى الأبيض كل شيء،
يا له من منظرٍ بديع.
أتعلم كيف أستلقي مع نفسي بهدوء،
في هذه اللحظات..
وكيف أخلُد للسلام
حالما يهبط الضوء
على تلك الجدران البيضاء،
وعلى هذا السرير، وتلك الأيادي.
*
أهيم بلا جدوى،
ولا أملك ما أفعله في هذه الجلبة.
لقد أعطيتُ الممرضات
اسمي وملابسي التي خلعتها للتو،
منحتُ تاريخي للطبيب،
وجسدي للجراحين.
أسندوا رأسي بين الوسادة وطرف الملاءة؛
كأنني عينٌ
بين جفنين أبيضين
لن يغمضا أبداً.
يا له من بؤبؤ أحمق!
كان عليه أن يحضن كلّ ما في داخله.
تجوّلتِ الممرضات
مراراً وتكراراً،
لم يكن وجودهنّ أمراً مزعجاً،
عبرنَ بقبعاتهنّ البيضاء
يفعلن الشيء ذاته بأيديهنّ،
كما النوارس عندما تتجه نحو الداخل.
لذلك كان من المستحيل التكهّن بأعدادهنّ.
جسدي كالحصاة أمامهم،
مرّوا به كالماء
وكان من الأجدى أن يتخطوه
ويملّسوه بنعومة
لقد خدّروني
بتلك الحقن، لامعة النصل
وجعلوني أغرق في النوم.
تائهة ومثقلة بأعبائي.
بات جلدي صقيلاً طوال الليل
كأنّه علبة عقاقير سوداء
زوجي وطفلتيّ يطلّان مبتسمين في الصورة العائليّة.
تلك الابتسامة التي أصابتني بالقشعريرة.
*
تركتُ الأشياء تنساب مني
فقد بلغ عُمر هذا المَركب ثلاثين عاماً
وهي مُتشبّثة باسمي وعنواني،
مسحوا جسمي بالقطن
ونظفوني من كلّ عشاقي.
ينتابني الرعب
وأنا عارية وممددة
على هذه النقّالة الخضراء
بعد أن تراءى لي طقم الشاي خاصتي،
خزانة ملابسي الداخليّة، وكتبي.
تغرقُ بعيداً عن الأنظار
والماء يغمر رأسي
أبدو كراهبة الآن،
ولم أشعر بهذا النقاء من قبل.
*
لا أرغب بأيّة أزهار
كل ما أريده هو أن أستلقي وأفرُد يديّ
وأكون مجرّدة من كلّ شيء
كم أنا حرةً،
لا تملك أدنى فكرة كم أنا حرة!
السلام في داخلي عميق جداً؛
لدرجة أنك ستدوخ به
الأمر لا يتطلّب شيئاً
لا اسماً ولا جاهاً
إنه آخر ما يغلق عليه الميت عينيه.
ها أنا أتخيّلهم
يغلقون أفواههم
كأنّهم في لوحة العشاء الإلهيّ.
كانت الزنابق متوهجة جداً
لدرجة أنّها آلمتني!
ومن خلف ورق الهدايا
تمكنتُ بهدوء من سماع أنفاسها
وهي مربوطة بقماط أبيض
كطفلٍ مذعور.
هذا الوهج حاكى جرحي،
حتى انسجما معاً.
تبدو لطيفة للناظر
وكأنّها تحلّق
ومع ذلك أصابتني بالكآبة.
أرّقتني لغتهم الغريبة ولونهم
اثنا عشر لوناً أحمر!
كان كافياً لاستحضار
الأثقال حول عنقي.
*
لم يلاحظني أحد من قبل
لكني بتّ مرئيةً الآن.
أدارت الزنابق وجهها نحوي
وكانت النافذة خلفي
وفي أحد الأيام تسربل منها ضوء قوي ثم تضاءل،
شعرتُ بنفسي ظلّ قطعة ورق لا قيمة لها!
ملقاة بين عين الشمس وعيون الزنابق
لا وجه لي، أريد أن أدفن نفسي
فهذه الزهرات استنشقتْ هوائي.
*
قبل أن يأتوا
كان الجو هادئاً كفاية،
يأتون ويذهبون،
يتنفسون ويتنفسون
دون أيّ ضجيج.
ثم ملأتْ الزنابق المكان بضجيجٍ مزعج
طاف الهواء حولهم
وشقّ طريقه كالنهر الذي يطوف
حول أداةٍ غارقة في لونها الخمريّ
لفتوا انتباهي إلى هذه البهجة
لعبوا واستراحوا دونما اكتراثٍ لشيء.
*
حتى الجدران بدت وكأنّها أكثر حميميّة.
والزنابق كحيوانات خطيرة
يتفتّحون كفم قطة إفريقيّة مخيفة
من خلف القضبان،
وأنا أجسّ نبض قلبي،
تارةً ينبض، وتارةً يتوقف!
كانت المزهريّة تتوهج بالأزهار
وكأنّها تعلن حبها الخالص لي
مذاق الماء دافئاً ومالحاً كماء البحر
كأنّه من مكانٍ ما…
بعيد؛
مثل حلمٍ عن العافية.
_____________________________
* Sylvia Plath، (27 أكتوبر 1932 – 11 فبراير 1963) شاعرة وروائية وكاتبة قصة قصيرة أميركية، تعد رائدة الشعر الاعترافي، كتبت الناقوس الزجاجي إحدى أشهر الروايات الأميركية الحديثة، توفيت منتحرةً في 1963 بعد تشخيصها بالاكتئاب السريري لفترة طويلة من حياتها. حصدت بعد وفاتها جائزة البوليتزر.
ترجمة عن الإنكليزية: نور طلال نصرة