من الذي سرق روح كلوب هاوس؟/ سعدية مفرح
.. وكلوب هاوس الذي عانى أخيرا من سرقةٍ طاولت روحه الجميلة، وحواراته المفعمة بالمحبة والرقي، هو تطبيقٌ جديدٌ ينتمي لقبيلة التواصل الاجتماعي، اكتشفه العرب قبل ستة أشهر تقريبا، ليجعلوا منه منصّتهم الأولى في عالم الكلام. عندما انضممت لهذه المنصة في بداياتها العربية كانت منصّة هادئة، على الرغم من كثرة الغرف فيها، فالحوارات التي كانت تمتد ساعات طويلة في بعض هذه الغرف كانت ثرية بالمداخلات والاختلافات التي، على الرغم من شدّتها أحيانا، نادرا ما تخرج عن حدود اللياقة المتعارف عليها في حياتنا الطبيعية خارج وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا الأمر تحديدا هو ما جعلني أحبّ هذه المنصّة، وأفضّلها على غيرها، حتى أنني كنت أقضي فيها ساعاتٍ طويلةً من ساعات النهار والليل بلا ملل، أتنقل من غرفة إلى أخرى، للحديث عما يستهويني شعرا ونثرا، أدبا وسياسة واجتماعا وفكاهة، وغيرها من الموضوعات التي نتبارى، نحن “الكلوبهاوسيين” في فتحها واستقطاب الآخرين إليها.
لكن هذا الوضع المريح والجميل تغيّر تماما منذ نهاية شهر رمضان الماضي تقريبا. اختفت أو كادت تلك الغرف الراقية الهادئة الجميلة فجأة، بل واختفى كثيرون من روّادها تحت زحف نوعيةٍ جديدةٍ من الغرف التي انفتحت بموضوعاتٍ تكاد تكون موحدة، وبمشاركين أغلبهم لا يجيد في حديثه مع الآخرين سوى لغة الشتائم والاتهامات والألفاظ البذيئة .. اختفت اللياقات المتبادلة في الكلام بين الخصوم، واختفت معها تلك الروح الجميلة التي كانت تسود الغرف، مهما بلغت حدّة الاختلافات والخلافات بشأن القضايا التي تناقش فيها .. واختفت أيضا الموضوعات النوعية المنتقاة بعناية، لتكون موضوعا للنقاش. أما عناوين الغرف فقد أصبحت جملا غريبة في لغتها والأسماء الشخصية المقرونة بكثير من صفات التقبيح، وهو ما جعل كثيرين يفضّلون الانزواء قليلا تحت وطأة ما يجري هذه الأيام، لينفسح المجال كله تقريبا للبذاءة والقبح والفانتازيا الخارجة عن الواقع، والداخلة في وهم الحوار .. وما هو بحوار!
ما الذي حدث بالضبط؟ لم تغيّرت أجواء كلوب هاوس فجأة؟ حاولت رصد ما حدث، باعتباري متابعة جيدةً لمنصّات التواصل الاجتماعي وما يجري فيها، فوصلت إلى أن التغير الانقلابي في تلك المنصّة الصوتية التفاعلية الحية تزامن مع حدثين، أحدهما كويتي والآخر فلسطيني. أما الأول فهو نشاط سياسي محموم في المنصّة، نجومه الكويتيون الذين اجتهدوا في فتح غرف بنقاشات سياسية مفتوحة، تنتقد في معظمها السياسات الحكومية بسقفٍ عالٍ غير معتادٍ في بقية البلدان الخليجية على هذا النحو، خصوصا أن ذلك النشاط تزامن مع فترة الانتخابات التكميلية لمجلس الأمة الكويتي، وهي فترة تكون عادة ثرية بنوعية معينة من النقاشات الحرّة، وهو ما بدا مخيفا ومقلقا لبعضهم خارج الكويت، في الإطار الخليجي تحديدا، خصوصا إذا كانت تلك النقاشات مفتوحةً لمشاركات الخليجيين من كل التوجهات، ما يعني تدريبا لهم على ذلك الحراك النوعي الحر.
أما الحدث الثاني فهو الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين في القدس وغزة، وما نتج عنها من حراكٍ في عموم فلسطين، انعكس على غرف الخليجيين في كلوب هاوس، فأحيا موضوع التطبيع ورفضه من الجميع تقريبا، بل وأعاد القضية الفلسطينية، بكل تفاصيلها، لتكون مركزية مرة أخرى في الوجدان العربي، وهو الأمر الذي أزعج الداعين إلى سياسة التطبيع كثيرا، ورأوا في كلوب هاوس ونقاشاته بيئة رافضة لسياساتهم التطبيعية ومشجعة لمن بدا موافقا لهم على العودة إلى وعيه، والتفكير بعدم جدوى التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وإذا ربطنا هذين الحدثين بالانقلاب الذي حدث تزامنا معهما في كلوب هاوس، لسهل علينا استنتاج أن انقلاب الوضع في أجواء كلوب هاوس ليس عفويا أبدا. إنه أمر مخطط له، حتى وإن بدا غير ذلك لمعظم المشاركين فيه للأسف!
العربي الجديد