حسابات حسين عرنوس.. الأكثر استفزازاً/ إياد الجعفري
مرّر رأس النظام السوري، بشار الأسد، ثلاثة من القرارات الاقتصادية، غير الشعبية، على حساب حكومة حسين عرنوس، قبل أيام من تأديته اليمين الدستورية، لبدء ولايته الرابعة، حيث تصبح الحكومة، حكومة تسيير أعمال، بانتظار تشكيل حكومة جديدة.
وهي استراتيجية قديمة، لا نعرف نفعها. إذ يحاول النظام دوماً إيهام الخاضعين لسيطرته، بأن القرارات غير الشعبية هي مسؤولية الحكومة، فيما القرارات المرحب بها، تصدر عن رأس النظام، من قبيل، زيادة الرواتب. لكن، في هذه المرة، كان تفاعل السوريين الخاضعين لسيطرة النظام، مع مرسومَي الأسد برفع الرواتب، مؤشراً على أن غالبيتهم تعبوا حتى من مجرد التمثيل بأنهم مقتنعون أن الأسد جيدٌ، ومن حوله من المسؤولين، جميعهم، سيئون.
حتى أن أكثر الموالين ابتذالاً، ممن تعودوا على مناشدة الأسد كي يلجم الحكومة التي عيّن أفرادها بنفسه، بدوا في الأيام القليلة الفائتة منهكين، لا يقدرون حتى على الابتذال. وبطبيعة الحال، وكالمعتاد، كان يجب تقديم كبش فداء، كي ينال منه الإعلام الموالي، فيتم “التنفيس” عن السوريين الحانقين. كان كبش الفداء هذه المرة، رئيس الحكومة حسين عرنوس، الذي أطلق جملة تصريحات سمحت بالنيل منه. لكن الإعلام الموالي، كعادته، ركّز على “الغث” وترك “السمين” في تصريحات الرجل الذي قد يفقد منصبه في فترة قريبة.
وقد يكون لبعض الإعلاميين العذر في ذلك، فمصطلح “تحريك” الأسعار، بدلاً من زيادتها، الذي ابتدعه عرنوس، يدفع للتساؤل الساخر: هل يقصد الرجل أن تحريك الأسعار قد يكون في الاتجاهين! لا أحد يعتقد ذلك، بطبيعة الحال، وهذا ما دلت عليه التعليقات التي نالت من الرجل.
أما الحديث عن مغالطاته الرقمية، التي شغلت الإعلام الموالي، من قبيل أن الحكومة تحصل على 10% من قيمة ربطة الخبز، التي تُكلف الحكومة 1200 ليرة، فيما سعرها الرسمي، بات بـ 200 ليرة.. لا يبدو هو الآخر، جانباً يستحق الوقوف عنده مطولاً، فهو يظهر فقط، أن رئيس الحكومة لا يتقن الحساب، رغم تأكيده أن رفع الأسعار وزيادة الرواتب، تم احتسابهم بـ “الورقة والقلم”.
قد يكون أهم تصريح لرئيس حكومة النظام وأكثره استفزازاً، هو الذي أطلقه في معرض افتتاحه لأحد المستشفيات الحكومية بحمص، إذ قال إن رفع سعر المازوت سيؤدي إلى ارتفاع في الأسعار لن يتجاوز 5% بشكل عام، باستثناء النقل، الذي سيطاوله ارتفاع لا يزيد على 25%، حسب تعبيره.
فذلك التصريح يقدم إجابة مستفزة حقاً، لسؤالٍ ملحٍ، يتعلق بمقدار التضخم المرتقب كنتيجة لرفع أسعار السلع الأساسية، وفي مقدمتها المازوت، الذي يؤثر في أسعار عشرات السلع الأخرى. فعلى أي أساس قدّر حسين عرنوس نسبة ارتفاع الأسعار المرتقبة بـ 5% فقط. فإذا راجعنا نسب الزيادة على سلعٍ أساسية، في أقل من أسبوعين، سنجد أن النظام رفع سعر السكر المدعوم بنسبة 25%، ورفع سعر الرز المدعوم بنسبة 11%، ورفع سعر ليتر بنزين أوكتان 95 بنسبة 20%، فيما رفع سعر ربطة الخبز بنسبة 100%. والطامة الكبرى، كانت في رفع سعر المازوت بنسبة 170%.
فكيف خلص رئيس حكومة النظام إلى أن التضخم العام الناتج عن قفزات الأسعار آنفة الذكر، وما تعنيه من تآكل للقدرة الشرائية للمواطن السوريّ، لن يتجاوز الـ 5%. هو يريد بطبيعة الحال، أن يقول إن زيادة الأسعار لن تنال من زيادة الرواتب المقدرة بنسبة 50%، إلا بنسبة العُشر. لكن أسعار السلع الأساسية الرسمية، ارتفعت بنسبٍ تتراوح ما بين 11% كحد أدنى في حالة الرز، و170% كحد أعلى، في حالة المازوت. وفي الحالة الأخيرة، تبدو النسبة الثانية لارتفاع الأسعار المرتقب، التي توقعها حسين عرنوس، هي الأخرى، غرائبية. فكيف توقع أن ترتفع تكاليف النقل بنسبة 25% فقط، فيما تم رفع سعر السلعة، التي يتحرك على أساسها النقل العام، بنسبة 170%؟
ويكفي مشهد الإضراب غير المعلن، الذي ينفذه سائقو سيارات السرفيس، رفضاً للتسعيرة الجديدة، كنموذج لعدم صوابية الأرقام التي تقدّرها الحكومة وتعتمدها. فالتسعيرة الجديدة غير عادلة في تقديرهم، الأمر الذي يفتح الباب أمام انفلات تكاليف النقل العام من عقالها. هذا إن حصرنا قراءتنا بتأثير ارتفاع سعر المازوت على تكاليف النقل العام وحده. لكن، إذا ذهبنا بهذا التأثير إلى مداه الأبعد، والذي يطال كل السلع الأخرى، نكون أمام موجة تضخم لا يمكن أن تقف عند حدود الـ 5%، التي تنبأ بها عرنوس. فكل التكاليف المستجدة في عمليات نقل مختلف السلع ستُحمَّل للمستهلك النهائي، وتتجلى في ارتفاعات مرتقبة للأسعار.
وإذا كان من الصعب في الوقت الحالي، التنبؤ بنسبة التضخم المرتقبة، الناتجة عن قرارات رفع الأسعار المُفصّلة أعلاه، إلا أن عمليات حسابية أولية، توحي بأن الأسد خفّض رواتب الموظفين، بدلاً من أن يرفعها. وقد يكون الإعلام الروسي، أصدق من نظيره الموالي، حينما نشر تقريراً يقدم تصورات السوريين للقيمة الحقيقية للحد الأدنى للأجور، في ضوء رفع سعر الخبز والمازوت. فقبل زيادة الرواتب والأسعار معاً، كان الحد الأدنى للأجور المقدّر بحوالي 50 ألف ليرة سورية، يشتري 500 ربطة خبز. أما بعد رفع الرواتب والأسعار، بات الحد الأدنى للأجور المقدّر بحوالي 71 ألف ليرة سورية، قادراً على شراء، 355 ربطة خبز فقط. أي أن القيمة الشرائية للحد الأدنى للأجور، تراجعت بنسبة 29% على صعيد سلعة الخبز فقط. وإن أسقطنا العملية الحسابية ذاتها على سعر المازوت، سنجد نسبة أعلى من ذلك بكثير.
وبذلك فرّغ نظام الأسد زيادة الرواتب من مضمونها، وقرر تمويل العجز في الموازنة من جيوب السوريين، وعلى حساب الشرائح الأكثر احتياجاً منهم. فيما يرتع أثرياء الحرب، المقربين منه، في نعيم ديمومة حكمه.
المدن