مناطق النظام:اللصوص أكثر جرأة.. والنساء هدفهم الجديد/ منصور حسين
لم تعد حوادث السرقة تشكل ظاهرة لافتة في المجتمع السوري، بالنظر إلى توافر المقومات التي تساعد على انتشارها، لكن اللافت في الآونة الأخيرة تجرؤ اللصوص على تنفيذ عملياتهم في الشوارع وخلال ساعات النهار، في ظاهرة لم يعتَد عليها السوريون، حتى بعد سنوات من الحرب والانهيار الاقتصادي.
وبحسب تقرير صادر عن موقع “Numbeo Crime Index” المتخصص بمؤشرات الجريمة حول العالم، تصدرت سوريا قائمة الدول العربية في معدل الجريمة، وحلت تاسعة عالمياً، عام 2021، في حين احتلت العاصمة دمشق المرتبة الثانية بارتفاع معدل السرقة والجريمة بين العواصم الآسيوية، بعد كابول عاصمة أفغانستان.
ظاهرة سلب النساء في دمشق
يشكو سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام “الفلتان الأمني” وانعدام الأمان، حتى صار المارة في الشوارع يخشون تعرضهم للسلب في أي لحظة، وباتت السيدة السورية تولي اهتماماً أكبر لتأمين محفظتها من السرقة، في حين اتجه بعضهن إلى التخلي عن عادة حمل الحقائب أثناء خروجهن من المنزل.
والمفارقة في عمليات السلب والسرقة التي تصاعدت معدلاتها خلال الأشهر القليلة الماضية، أنها تتم في وضح النهار، وفي مناطق تغلب عليها الطبيعة الأمنية وانتشار الحواجز العسكرية بشكل مكثف، بعد أن تفاقمت من قبل عمليات السطو المسلح على منازل أو محلات التجار ومكاتب الصرافة وتحويل الأموال والخطف وطلب الفدية وغيرها.
وعليه لا يحمل تقرير ” Numbeo” أي مفاجئة، إذ باتت دمشق تشهد وبشكل شبه يومي، العديد من حالات السلب التي يتعرض لها المارة وتتركز في معظمها في الساحات العامة وأسواق المدينة القديمة، وأماكن انتظار الحافلات، منها ما تم الإبلاغ عنه، وأخرى فضل المتضررون عدم تقديم شكوى، كما هو الحال مع رهف، وهي طالبة في جامعة دمشق.
وتوضح رهف في حديثها ل”المدن”، أن المرور من ساحة العباسيين أو انتظار حافلات النقل العامة قرب جسر الرئيس في منطقة البرامكة بدمشق، أصبح يتطلب اتخاذ اجراءات احتياطية بعد تحول هذه المناطق إلى مراكز تجمع لعصابات السرقة وموزعي الحشيش والمخدرات، مع غياب كامل للشرطة والأجهزة الأمنية.
وتقول: “لم أعد أحمل حقيبة كتف منذ أسابيع، بعد تعرضي لمحاولة سرقة قرب جسر الرئيس من قبل شابان يقودان دراجة نارية، حاولا خطفها من بين يداي أثناء قيامي باخراج أجرة ركوب الباص”. وتشير رهف إلى أن ردة فعل عناصر الأمن المتواجدين أسفل الجسر، كانت سبباً في عدم تقديمها بلاغاً، وتقول: “لم يكلفوا أنفسهم عناء ملاحقة اللصوص أو حتى الصراخ عليهم، واكتفوا بمواساتي وكأن ما جرى أمراً عادياً”.
طرق مبتكرة
ولا تقتصر تفاقم ظاهرة السرقة على عدد الحالات فحسب، إنما يرافقها تطور بالطرق المستخدمة أيضاً، حيث تم تسجيل العديد من الحوادث التي جرت بطرق مبتكرة، كما جرى مع حسناء، التي تعرضت للسرقة من قبل مجموعة أطفال قرب كلية الهندسة المعمارية بدمشق، كما تروي بنفسها ل”المدن”.
وتقول: “بدأ ثلاثة أطفال لايتجاوز عمر أكبرهم 15 سنة بملاحقتي وطلب المال مني، وبينما لاتزال يدي داخل الحقيبة لاخراج المال، قاموا بخطفها فوراً”. وتضيف “يعلم هؤلاء أننا كنساء لانستطيع الركض، لذا فإن نجاحهم بالسرقة مضمون غالباً، لكن وبما أن الهاتف نجى ومعه بطاقتي الشخصية، فإن الخسائر لم تكن كبيرة خاصة أن المبلغ المسروق لايتعدى 5000 ليرة”.
وكان رئيس فرع الأمني الجنائي التابع للنظام بدمشق وليد عبدللي قد أرجع غالبية الجرائم المرتكبة إلى الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي سببه انهيار الليرة وقلة فرص العمل بدمشق.
ظاهرة منتشرة وغياب المحاسبة
ولا تعاني دمشق وحدها من ارتفاع معدلات السرقة وانتشار اللصوص “النشالين” في الشوارع الرئيسية والساحات العامة، إذ تعيش مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام أوضاعاً مشابهة، ومنها مدينة حلب التي سجلت عمليات سلب لنساء ورجال، تم تداول مقاطع مصورة لها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن قسم الشرطة رفض التعاون وقبول التسجيلات كدليل.
تعامل الشرطة ببرود أو عدم مبالاة مع الكثير من حوادث السرقة على الرغم من ارتفاع معدلاتها، ضاعف مخاوف السوريين، وأدى لتعزيز الشكوك حول تواطؤ أو اشتراك الشرطة وأجهزة الأمن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في هذا النوع من الجرائم أيضاً.
ويعتبر أبو مهيمن، وهو مدرس من سكان مدينة حلب، أن “كثيراً من حوادث السرقة التي تستهدف حقائب اليد ينفذها شبان يستقلون درجات نارية، تترواح عمارهم بين 20 و30 سنة، مايعني أنهم في سن الخدمة الالزامية أو الاحتياطية”.
ويستدرك: “حتى إن كانوا مدنيين، فإن مرورهم من الحواجز العسكرية دون خوف رغم قيادتهم دراجات محظورة في المدن، وعدم تعامل الشرطة مع البلاغات المقدمة ضدهم، يعطينا حق التشكيك بتبعيتهم للنظام”.
أمر يتفق معه الكاتب والناشط السياسي درويش خليفة الذي يقول في تصريح ل”المدن”، إن للنظام “دور في ارتفاع معدل الجرائم وحوادث السلب والنهب، بهدف استخدامها سياسياً للضغط على روسيا التي تحاول إعادة اللاجئيين”.
ويضيف خليفة “لا يمكن إغفال أن استفحال هذه الظاهرة ناجم عن عدم قدرة النظام على ضبط المليشيات والمسلحين المحليين الذين يقاتلون إلى جانبه خلال السنوات العشر الماضية وانتشار السلاح بين المدنيين، وبالتالي ارتفاع معدلات الجريمة”.
ويتابع: “كما يريد النظام إرسال رسائل إلى موسكو التي تحاول وبكل قوة إعادة اللاجئيين، وأيضاً لكل من يرغب بالعودة إلى مناطقه من اللاجئيين والنازحين داخلياً، بأن هذه المناطق غير آمنة ولا تصلح للعيش بسبب الأزمات الاقتصادية والمعاشية، لأن النظام لا يريد تحمل تبعات أعداد إضافية من السكان في وقت يعجز عن تأمين احتياجات المقيمين حالياً فيها”.
في سوريا، حتى اللصوص أنفسهم كانوا يرفضون التعرض للسيدات، أو استهداف الفقراء بعملياتهم، لكن تفاقم الجوع ومعدلات الفقر وانتشار السلاح، كلها عوامل أدت إلى تدمير منظومة القيم الاجتماعية التقليدية، وانتشار ظواهر لم يكن يتخيل السوريون أن تصبح جزء من يوماياتهم من قبل.