هل بدأ الأردن تعويم النظام السوري وشقّ الطريق إلى مرحلة إقليمية جديدة؟ -مقالات تناولت زيارة الملك عبدالله إلى واشنطن، وحواره الكامل مع السي ان ان-
صفقة ملك الأردن لإنقاذ الأسد/ بشير البكر
تشهد المسألة السورية نقلة نوعية في الخريف المقبل، إذا أبدت الإدارة الأميركية تجاوبا مع خطة ملك الأردن عبد الله الثاني التي حملها في زيارته إلى واشنطن مطلع الأسبوع الحالي، وسبق لأوساط إعلامية وسياسية أردنية أن سربت بعض تفاصيلها الشهر الماضي، ووفق ما بات معروفا في الإعلام، فإن عبد الله الثاني اقترح على الرئيس الأميركي جو بايدن تعويم نظام بشار الأسد عبر رفع العقوبات الأميركية، والقيود عن التطبيع الدولي والعربي معه، كي يعود تدريجيا إلى المجتمع الدولي. وحسب ما تسرب من المبادرة الأردنية، فإن رفع العقوبات يتم عن طريق تجميد العمل بقانون قيصر الذي يستهدف النظام السوري وداعميه، ويفرض عقوبات على النظام وشركات متعاونة معه، ما لم يحاكَم مرتكبو الانتهاكات، ويستهدف أيضًا كيانات روسية وإيرانية تدعم أو تتعاون مع النظام السوري. أما التطبيع فهو يبدأ من بوابة الجامعة العربية. وقد سبق للولايات المتحدة أن أوقفت كثيرا من المحاولات التي جرت عن هذا الطريق، منها تلك التي قامت بها شركات إماراتية بصورة خاصة. وتحدثت أوساط أردنية في عمان عن أن الأردن يحمل على عاتقه إعادة تموضع سوريا في المنطقة، وتحسين علاقاتها مع الدول العربية والأوروبية، وإعادة مقعدها بجامعة الدول العربية. وقالت مصادر إعلامية أردنية “إن ملك الأردن، مهتم بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية”، ونقلت عن مصادر قولها إن عبد الله الثاني قال في لقاءات مع نخبة من المثقفين والإعلاميين والسياسيين قبل شهرين، إنه “على اتصال مباشر بالرئيس السوري بشار الأسد”. وأشار إلى أنه “من الضروري عودة سوريا إلى الإقليم والاندماج في مؤسسات العمل العربي المشترك”. وحسب ما جاء في الصحافة الأميركية بعد اجتماع ملك الأردن مع الرئيس الأميركي، فإن أطراف الصفقة هي روسيا، الأردن، وإسرائيل، ومن المحتمل انضمام مصر، والعراق، والإمارات. أما مكسب الأردن من هذه الصفقة فهو اقتصادي بحت، لأن الاقتصاد الأردني يعتبر الاقتصاد الثاني الأكثر تضررًا، بعد الاقتصاد السوري من قانون قيصر.
وإلى ذلك فإن إيران تشكل العقبة الأساسية في وجه هذه المبادرة، في حين لم يتم التطرق إلى دور تركيا التي تعد لاعبا أساسيا على الساحة السورية، وبسبب حضورها السياسي والعسكري، لا يمكن لأي مبادرة أن تعرف النجاح من دون إشراك أنقرة. ويبقى أن أخطر ما في الأمر هو حضور إيران السياسي والأمني في مفاصل النظام، وسيطرتها على حصة أساسية من قراره السياسي والاقتصادي والأمني. وكما هو معروف فإن تل أبيب وواشنطن تعارضان ذلك، وتقومان بعمليات عسكرية ضد الميليشيات التابعة لإيران والقواعد العسكرية الخاصة بها، وهذه العمليات تكثفت خلال زيارة الملك عبد الله لواشنطن، ما يعني أن المسافة لا تزال كبيرة، ولكن أمر التفاهم مع إسرائيل والولايات المتحدة غير مستبعد كليا، وهو يتعلق بنوعية الاتفاق النووي الجديد الذي بات ناجزا حسب التصريحات الإيرانية. وإلى الآن تعتبر واشنطن في صورة رسمية إيران قوة مزعزعة لاستقرار الشرق الأوسط، وأحد شروط الاتفاق أن تتخلى عن هذا الدور، وهذا هو هدف التحركات الإسرائيلية التي جرت خلال الشهرين الأخيرين، ومنها زيارة وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي إلى واشنطن. وحسب ما تسرب من مبادرة ملك الأردن فإنها تتضمن نقطتين مهمتين، الأولى هي أن إسرائيل طرف فيها. والثانية هي أن روسيا هي التي ستتولى مهمة إلزام إيران بها، وأوضحت المصادر الأردنية أن هناك تنسيقًا أردنيًا- روسيًا “عميقًا” حول الملف السوري، على المستوى الأميركي- السوري، وقانون قيصر، وعلى المستوى العربي- العربي، وضرورة عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية. وباتفاق روسي- أردني، ستهتم روسيا بتخفيف التأثير الإيراني، بينما سيهتم الأردن بإزالة العوائق عربيًا وأميركيًا، وفقًا للمصادر.
تلفزيون سوريا
———————————
الملك الأردني عبد الله الثاني أصبح الحاكم المفضل لواشنطن، مرة ثانية/ ديفيد أغناطيوس
الملك عبد الله الثاني المبتسم والفرح برفقة ابنه وولي عهده الأمير حسين إلى جانب الرئيس بايدن الباسم. وعلق عربي يتابع سياسة المنطقة عن كثب قائلا إنها “صورة مبهجة” و”ستثير الكثير من الحسد في المنطقة”، مضيفا أن هذا بالتأكيد سيكون صحيح بالنسبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي حل محل الملك عبد الله كزعيم عربي مفضل لدى إدارة دونالد ترامب، لكنه بات نفسه معزولا.
إن زيارة الملك عبد الله للبيت الأبيض يوم الإثنين هي إعادة تأكيد على العلاقة الوثيقة والفريدة التي كانت قائمة بين البيت الأبيض والأردن والتي ظلت مستمرة مع الرؤساء الأمريكيين حتى دونالد ترامب. ولم يكن للملك خلال السنوات الأربع الماضية من يقف خلفه أو يسنده. ومن هنا فترحيب البيت الأبيض كان أحلى لأنه أول زعيم عربي يزور بيت بايدن الأبيض.
واجه الملك عبد الله واجه ضغوطا من ثلاث اتجاهات: ترامب وولي العهد السعودي ، الذي يعرف باسم ميغابايت ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو وهي ضغوط زعزعت نظام حكمه.اهتزت الملكية في أبريل من خلال مؤامرة تضمنت رجل أعمال أردني مدعوم من السعودي، وهو زعيم قبلي أردني وأخي الملك نفسه، الأمير حمزة، كما وصفت الشهر الماضي.ي دوره المتجدد كممثل للأفراد المعتدلين المؤيدين للغرب، جلب عبد الله عدة رسائل إلى بيدن، حسبما ذكر المصدر المقرب من الملك من الملك.
حث في الأولى، بايدن لدعم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والذي سيكون ضيفا على البيت الأبيض في الأسبوع المقبل. وقال الكاظمي في مقابلة مع الكاتب الأسبوع الماضي إنه سيطلب من الرئيس بايدن سحب القوات الأمريكية المقاتلة واستمرار دعم الجيش العراقي بالتدريب والمساعدة الأمنية وغير ذلك.
وقال الملك لبايدن، حسب المصدر: “إذا كان هناك شخص يساعدنا للسيطرة على الإيرانيين، فهذا هو”. وقال إن الكاظمي يحظى بدعم عربي واسع من السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. وأضاف المصدر أن إدارة بايدن تنوي دعم الكاظمي.
أما الرسالة الثانية، فهي متعلقة بسوريا التي حث فيها الملك عبد الله الرئيس الأمريكي للعمل على تحقيق الإستقرار فيها. والخطة التي يحملها الملك هي جمع كل الأطراف المعنية: الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن للتوافق على خريطة طريق تحفظ سيادة ووحدة سوريا.
ولم يعرب بايدن بعد عن اهتمام بهذا المدخل، وهذا يعني تعاونا مثيرا للجدل مع روسيا ونظام بشار الأسد. ويمكن العمل على هذا الموضوع مع حلول الخريف، لو وافقت الولايات المتحدة.
وكانت الرسالة الثالثة هي عن علاقات الأردن مع حكومة إسرائيل الجديدة التي يترأسها نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد. ووصف الملك عبد الله لقاء مطمئنا عقده قبل فترة مع بينيت وعبر عن اعتقاده بإمكانية تعاون الحكومتين في مجال الأمن والموضوعات الأخرى.
ورغم عقد الأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل إلا أن العلاقات شابها التوتر في أثناء حكم نتنياهو. وعلى الرغم من العلاقة المشحونة بالتوتر مع ولي العهد السعودي إلا أن الملك أخبر بايدن “علينا العمل مع م ب س” وهو مختصر اسمه. وربما كان هذا هو الجزء الأحلى بكونك المفضل مرة ثانية: فعبد الله يشعر بالقوة الكافية والسخاء مع من حاولوا زعزعة حكمه مثل م ب س.
واشنطن بوست
—————————————
هل يبدأ الأردن تعويم النظام السوري ويشقّ الطريق إلى مرحلة إقليمية جديدة؟/ عماد كركص
توضح كل المعطيات والمؤشرات في الآونة الأخيرة أن الأردن يذهب خطوة أو خطوات باتجاه النظام السوري، ففتح المعابر والتبادل التجاري وتجاوز العقوبات على النظام، والسماح للأخير بفتح أبواب سفارته أمام الراغبين في المشاركة بالانتخابات الداعمة لبشار الأسد والكاسب لها بطبيعة الحال، كلها مؤشرات كانت تنبئ بذلك مع عدم اليقين التام بأن الأردن قد يقدم على هذه الخطوة بشكل مباشر، أو بالسرعة التي سارت بها الأحداث بشكل دراماتيكي.
وتفتح تصريحات ملك الأردن عبد الله الثاني، حول القبول بالنظام من منطلق قدرته على الاستمرارية والبقاء، الباب أمام مرحلة جديدة إقليمياً، لا سيما أن تلك التصريحات جاءت من واشنطن التي يطلب الملك الأردني منها الموافقة على “خريطة طريق دولية” لإنهاء الأزمة السورية عنوانها “استعادة السيادة ووحدة الأراضي”، على أن يشرف على تنفيذها كل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن.
تلك الخريطة وإن لم يتسرب عن بنودها الكثير، إلا أن وسائل إعلام أميركية وصفت بعض بنودها بأنها تتضمن “قرارات مثيرة للجدل”، من بينها التعاون مع النظام وروسيا لحفظ الاستقرار في المنطقة، وربما تؤكد هذه التسريبات تصريحات للملك عبد الله ذاته عند لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام، بالإشارة إلى عودة سورية إلى الحاضنة العربية بالتعاون مع الدول العربية، ما يجعل احتمالية وضع الأردن نفسه جسراً لعبور النظام إلى التعويم من بوابتها أمراً وارداً.
وقال العاهل الأردني في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية إن “النظام السوري باق”، حيث كان ذلك في معرض تبريره التعامل مع الوضع الراهن وضرورة إنهاء الأزمة السورية، لكون كل المبادرات التي استخدمت خلال الفترة السابقة فشلت في إيجاد الحل، كما دافع الملك عن إعادة الإعمار، رابطاً إياها بالإصلاح السياسي في سورية.
ورغم وصف العاهل الأردني بقاء بشار الأسد بـ”التحدي” الذي ناقشه مع الأميركيين والأوروبيين، فإنه أشار إلى أن بقاء النظام يفرض نضجاً في التفكير، إذ أشار الملك إلى أن السؤال يكمن في ما إذا كان البحث هو عن تغيير النظام أو سلوكه، علمًا أن إدارة بايدن كانت قد لجأت إلى استخدام مثل هذه المفردات (تغيير سلوك النظام) منذ وصولها إلى السلطة، معتبرًا أن “تغيير السلوك، كإجابة مرجحة على السؤال، يتطلب التعامل مع كيفية التحاور مع النظام”.
وبانتظار ما ستخرجه خريطة الطريق الدولية ذات المنبع الأردني، تبقى الأسئلة مطروحة حول ماهية العلاقة التي من الممكن أن تربط النظام بالأردن، وكيف يمكن لعمّان تمهيد الطريق أمام النظام لإعادته إلى المحيط العربي رغم معارضة بعض الدول العربية، أما السؤال الأهم، فيتعلق بمدى قبول الولايات المتحدة تلك الخريطة وطروحات الأردن في ظل العقوبات المقوننة داخل برلمانها ضد النظام، التي لا يمكن العبث بها من قبل أي إدارة في البيت الأبيض مهما كان توجهها السياسي.
ويرى الكاتب والصحافي الأردني ماجد توبة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الملفين السوري والأردني ملف واحد، معتبراً أن الحدود المشتركة والتداخل بالمصالح تجعل النظر إلى كلا الملفين على أنهما حزمة واحدة، مشدداً على أن هذا التشابك زاد بعد اندلاع الحراك في سورية، نظراً للقضايا الأمنية التي خلفها، لا سيما في الجنوب وعلى الحدود مع الأردن، بحسب ما يقول.
ويدافع توبة عن التوجه الأردني بالقول: “من مصلحة الأردن بدء مرحلة الاستقرار في سورية لكي يضمن الهدوء على الحدود الشمالية، كما من مصلحته إعادة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع سورية الكبيرة بالنسبة للأردن، وهي واعدة كسوق لتصريف واستيراد البضائع”.
ويضيف أن فتور علاقة الأردن مع بعض الدول العربية، لا سيما السعودية، يفرض عليه تنويع الخيارات في العلاقات، فيما أعلن تأييده نهج بلاده بأن تكون بوابة لتأهيل النظام وإعادته للحاضنة العربية، بغية تنشيط علاقات حكومة النظام السوري مع الدول العربية، مؤكدًا أن ذلك مصلحة أمنية وسياسية للأردن، زاعمًا أن تقريب النظام من السياسة العربية يبعده عن التحالف الكبير مع إيران.
وحول تبدل الموقف الأردني والقبول بالنظام بدلًا من المطالبة بإسقاطه، وكيفية تعامل الأردن مع الضغوط التي قد يجلبها إقدامه على محاولة تعويمه، يشير توبة إلى أن “الأردن كان مثله مثل كل الدول العربية والغربية التي طالبت بإسقاط النظام بداية الحراك”، مشيراً إلى أن ذلك لم يتكرر في السنوات القليلة الماضية، لافتاً إلى أن كثيرًا من الدول، ومنها الأردن، باتت تتعامل مع الأمر الواقع والتشعبات التي فرضها طول أمد الأزمة السورية.
وأشار توبة إلى أن مطلب إسقاط النظام هذا قد أصبح من الماضي، مؤكداً أن بلاده تسعى منذ عدة سنوات لفتح قنوات اتصال تجارية واقتصادية مع النظام، مع مراعاة الحساسية السياسية التي كانت تفرضها الولايات المتحدة والدول الخليجية وتحديداً السعودية لجهة العلاقة مع سورية.
ويلفت توبة إلى أن للأردن أهدافاً من وراء ذلك، في في مقدمتها حل مسألة اللاجئين السوريين في الأردن، من ثم الشق الاقتصادي والتجاري.
لكن الباحث والسياسي السوري رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، يقلل من أهمية ما حمله الملك الأردني إلى واشنطن بما يخص القضية السورية، بل يعتقد أن الملك عبد الله لم يقدم أي خريطة طريق من الأساس.
ويشير زيادة، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن الملك قد طرح مجموعة من الأفكار على الرئيس الأميركي، حيث تهدف بشكل رئيسي إلى تخفيف الضغوطات الاقتصادية على الأردن، وفق قوله.
وقال زيادة إنه لا يعتقد أن “الرئيس بايدن في وارد إزالة أي ضغوطات أو رفع العقوبات على الأسد، ربما يتم إعطاء بعض الاستثناءات بسبب كورونا، لا أكثر”.
ويلفت إلى أن “الولايات المتحدة ليست في وارد إعادة تأهيل النظام بالمطلق”، معتبراً أن أي خطة حيال هذا الجانب، سواء من قبل الأردن أو غيره، لن تكون مقبولة عند الإدارة الأميركية، لكنه في المقابل يعتقد أن الإدارة قد تغض الطرف عن الأردن في بعض تعاملاته البسيطة مع النظام، بسبب الضغوطات الاقتصادية الكبيرة عليه.
العربي الجديد
——————————-
ملك الاردن..صدى لبناني لحديث سوري/ ساطع نور الدين
عندما ربط ملك الاردن عبد الله الثاني في حديثه بالامس مع شبكة “سي أن أن” الاميركية بين الازمتين اللبنانية والسورية، لم يقدم أدلة تدعم هذه النظرية، المتناقضة مع ما هو ثابتٌ عن أن كلا البلدين والشعبين شقّ، في السنوات الاخيرة، طريقه الخاص نحو الخراب والدمار، عن سابق تصور وتصميم، ومن دون تدخل الآخر أو تورطه أو مساعدته، والمتعارضة أيضا مع ما هو مرجح عن أن الحل في لبنان لم يعد مرتبطاً بالحل في سوريا، والعكس صحيح أيضا.
الفرق كبير بين الازمتين الراهنتين اللتين تضربان لبنان وسوريا. صحيح أن مصدر الازمتين واحد، هو خلل عميق في النظامين الحاكمين في البلدين، اللذين يختلف تكوينهما وسلوكهما بشكل جوهري، بحيث تبدو المعضلة اللبنانية الحالية والناجمة عن تولي العصابات والمافيات المالية والاقتصادية الحكم، بالشراكة مع الطبقة السياسية، رحيمة بالمقارنة مع ما تشهده سوريا من إحتلال خارجي وتفكك داخلي، لا ينذران إلا بالتقسيم.. الذي بات، بالمناسبة، واحدة من الخرافات اللبنانية المثيرة للسخرية.
وعدا عن قصة ودائع السوريين المجمدة في المصارف اللبنانية، التي أعاد الرئيس بشار الاسد إكتشافها وزاد من قيمتها الى ستين مليار دولار، فإنه يصعب العثور على ما يثبت الترابط، أو التداخل بين الازمتين اللبنانية والسورية، اللتين تسلكان مسارين مختلفين تماما، يؤكدان أن شعار وحدة المسار والمصير الذي أطلقه النظام الاسدي نفسه، قبل ثلاثين عاما، لم يكن سوى سراب، لم يتمكن حزب الله من دعمه عندما تدخل في الحرب السورية، كما لم تتمكن الحدود المفتوحة بين البلدين على جميع أشكال التهريب، للبشر والسلع والخدمات، من إحيائه. ولعل الرابط الوحيد الذي لا يزال يسمح بتداول ذلك الشعار على نطاق ضيق هو الغارات الاسرائيلية المتلاحقة على الاراضي السورية.
لكن التداخل بين الازمتين الذي اشار اليه ملك الاردن، يمكن أن يعود الى سابق عهده، إذا ما نجح مسعاه الراهن، والمفاجىء، في الوصول الى التطبيع مع النظام السوري. عندها قد تتحول حكاية الستين مليار دولار السورية من ذريعة يستخدمها الأسد لتبرير الازمة الاقتصادية في بلاده، الى حجة لإشتباك جديد مع لبنان، يهدف الى “ردع” قطاعه المصرفي المتفلت، أو لتدخل جديد في الأزمة اللبنانية، يمكن أن يلقى الترحاب الشديد من سوريين ولبنانيين كثيرين، ما زالوا يعتقدون أن دور”الردع السوري” السابق ما كان يجب أن ينتهي أبداً.
وهؤلاء، تلقوا بفرحة لا توصف كلام ملك الاردن عن الحاجة الى فتح حوار مع نظام الاسد، بإعتبار أنه باقٍ، وبداعي البحث معه في تغيير سلوكه، طالما أن محاولة إسقاطه قد أخفقت. ومثل هذا التحول في الموقف الاردني، هو بمثابة ضوء أخضر لإعادة تفعيل وتنشيط الخط العسكري على الحدود اللبنانية السورية، الذي لم يقفل يوماً، في وجه أي مسؤول لبناني، لكن عبوره كان خجلاً في السنوات العشر الاخيرة.
والأغرب في إقتناع ملك الاردني بفكرة تغيير سلوك الاسد، أنها جُربت أكثر من مرة ومن أكثر من طرف عربي سعى الى تجميل النظام السوري، لكنه باء بالفشل، وتوصل الى الإستنتاج بان حاكم دمشق يشعر فعلاً بالنصر ويلح في طلب الحصول على الغنائم، وليس البحث في الاصلاحات.. وهو ليس مستعداً حتى للقبول بعودة النازحين، لا من الاردن ولا من لبنان (ولا تركيا طبعا)، إلا بموافقات أمنية مسبقة، وبشروط صارمة تقضي بتولي المجتمع الدولي والدول المضيفة تمويل عودتهم وبناء مساكنهم ومستشفياتهم ومدارسهم المدمرة.
ليس من السهل تفسير موقف الاردن الجديد من الأزمة السورية، مهما كانت حساباته ودوافعه العربية والدولية، وليس من اللائق بحق المملكة الهاشمية أن يبدو ذلك الموقف إستعارة لموقف لبنان المحكوم بعقد الماضي وقيود الحاضر.
المدن
——————————
ملك الأردن يدعو لحوار منسق مع النظام السوري:الأسد باقٍ
اعتبر الملك الأردني عبد الله الثاني أن بشار الأسد ونظامه باقيان في سوريا لأمد طويل، داعياً إلى حوار منسق مع السلطات في دمشق.
وقال الملك عبد الله خلال مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية: “حين تنبأ الناس بالإطاحة بالأسد خلال أشهر معدودة قلت إن ذلك سيتطلب سنوات عدة، هذا إن كان سيحصل بالفعل”. وسأل: “هل يجب تغيير النظام أم تغيير سلوكه؟”، نافياً وجود خطة حول أسلوب الحوار مع النظام.
وأشار إلى أن الدفع باتجاه الحوار بصورة منسقة مع النظام أفضل من الإبقاء على الوضع القائم واستمرار العنف الذي يدفع ثمنه الشعب السوري. ولفت إلى أن روسيا تلعب دورياً محورياً في سوريا، داعياً إلى التحدث معها من أجل “سلك مسار يأخذنا نحو بصيص من الأمل للشعب السوري”.
وفي السياق، ذكر الملك الأردني أن اللاجئين السوريين في الأردن لن يتمكنوا من العودة إلى بلداتهم وقراهم في أي وقت قريب، لافتاً إلى أن واحداً من كل سبعة أشخاص في الأردن هو لاجئ سوري.
وقال إن اللاجئين كان لهم الأثر الأكبر على الأردن، مما أدى إلى معاناة الشعب الأردني بسبب البطالة التي أصبحت مرتفعة جداً، مضيفاً أنه لدى الأردنيين مخاوف مشروعة حول ظروفهم المعيشية الصعبة.
وتابع الملك الأردني أن “المجتمع الدولي قدم المساعدة ولكنه ساهم في تغطية 40-45 في المئة من التمويل المطلوب، فيما تمت تغطية ما تبقى من ميزانية الدولة”، موضحاً أن 1.3 مليون لاجئ سوري يقيم في الأردن.
من جهة أخرى، كشف الملك عبد الله أن الأردن تعرضت عام 2020 إلى هجمات بطائرات مسيّرة تحمل تواقيع إيرانية. وقال: “ما يطلق على إسرائيل من سوريا ولبنان ولا يصيبها يسقط أحياناً في الأردن، بالاضافة إلى العدد المتزايد من الهجمات السيبرانية على الكثير من دولنا، وحوادث إطلاق النار على حدودنا التي تزايدت تقريباً إلى الدرجة التي كنا عليها خلال ذروة القتال مع داعش”.
وكان الملك الأردني قد أجرى لقاءً في واشنطن مع الرئيس جو بايدن، حيث تطرقا إلى قضايا عدة من بينها الأزمة في سوريا.
وفي وقت سابق، أفادت صحيفة “واشنطن بوست” بأن الملك عبد الله اقترح على بايدن تشكيل فريق عمل دولي يضم الولايات المتحدة والأردن وروسيا وإسرائيل ودولاً أخرى لوضع خارطة طريق تهدف إلى استعادة السيادة والوحدة في سوريا.
———————————
العاهل الأردني: الفلسطينيون يريدون أراضيهم ورفع رايتهم فوق بيوتهم
أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن الفلسطينيين يريدون أراضيهم ورفع رايتهم فوق بيوتهم، مؤكدا في الوقت نفسه عقده لقاءين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت ووزير أمنه بني غانتس.
وفي مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية تم بثها اليوم، قال العاهل الأردني: “إننا دوما ننظر للنصف الممتلئ من الكأس. وكوني أول زعيم من المنطقة يزور الولايات المتحدة، كان من المهم أن نوحد رسائلنا، فكان من المهم أن ألتقي القيادة الفلسطينية بعد الصراع الأخير حيث التقيت بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكذلك أن ألتقي أيضا برئيس الوزراء ووزير الأمن الإسرائيليين، لأنه علينا فعلا أن نعيد الجميع إلى طاولة الحوار، بحثنا عن طرق لإعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين”.
وتابع: “ربما علينا أن نتفهّم أن الحكومة الإسرائيلية الحالية قد لا تكون الأنسب لحل الدولتين، الذي برأيي هو الحل الوحيد. فكيف إذاً بإمكاننا بناء جسور التفاهم بين الأردن وإسرائيل، حيث إننا لم نكن على وفاق مؤخرا. ولكن الأمر الأهم هو كيف يمكننا أن ندعو الفلسطينيين والإسرائيليين للحوار مجددا. لقد خرجت من هذه اللقاءات (مع الفلسطينيين والإسرائيليين) متفائلا”.
ولم يقدم العاهل الأردني تفاصيل أخرى بشأن لقاءيه مع بينت وغانتس ولا موعديهما، فيما كان موقع “واللاه” الإخباري كشف أن بينيت التقى ملك الأردن سرا في قصر في عمّان، أوائل الشهر الجاري، في أول قمة بين قادة البلدين منذ أكثر من 3 سنوات.
وحول القضية الفلسطينية، أكد العاهل الأردني أن الفلسطينيين يريدون أراضيهم، ورفع رايتهم فوق بيوتهم.
وحول التطورات الأخيرة والظروف التي رافقت العدوان على غزة، قال ملك الأردن: “عندما تنشب صراعات، فإننا نعلم ماذا سيحصل، هناك خسارة للأرواح ومآس للجميع. أما الحرب الأخيرة مع غزة هذه المرة، فكانت مختلفة. إنها المرة الأولى منذ عام 1948 التي أشعر بأن هناك حربا داخل إسرائيل، عندما تنظر إلى القرى والمدن، والصدام بين عرب إسرائيل والإسرائيليين. وأعتقد أن ذلك كان بمثابة صحوة للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، من عواقب عدم التقدم إلى الأمام وعدم منح الفلسطينيين الأمل، فإذا فقد الفلسطينيون الأمل، فستكون الحرب التالية أكثر ضررا، وفي هذا الصراع الأخير لم يكن هناك فائز”.
كما علق العاهل الأردني على طرح دوري جولد، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، أن على الأردن أن يبدأ التفكير بنفسه، والدولة الفلسطينية هي الأردن، وأن الفلسطينيين يشكلون 60-70 بالمئة من سكان الأردن. وفي هذا السياق، قال الملك عبدالله الثاني: “لهؤلاء الأشخاص أجندات يريدون تنفيذها على حساب الآخرين. الأردن هو الأردن. لدينا مجتمع مختلط من خلفيات عرقية ودينية مختلفة، وقد أخالفك في صحة النسب التي ذكرتها، لكن هذا بلدنا. الفلسطينيون لا يريدون أن يكونوا في الأردن. إنهم يريدون أراضيهم ورايتهم ليرفعوها فوق بيوتهم، ومنتخبهم الوطني لكرة القدم”.
وأضاف: “هذا الطرح يقودنا إلى خطاب خطير جدا. إذا لم نتحدث عن حل الدولتين، هل البديل هو حل الدولة الواحدة؟ هل ستكون عادلة وشفافة وديمقراطية؟ أعتقد أن حل الدولة الواحدة يضع تحديات أكثر بكثير أمام هؤلاء الذين يناصرون هذا الخطاب في إسرائيل مقارنة بحل الدولتين، وهو الحل الوحيد. هل ستطرد كل الفلسطينيين من بيوتهم في الضفة الغربية، وتتسبب بانعدام استقرار الجهة الأخرى؟ في نهاية المطاف، للأردن الحق في إبداء رأيه في هذا الأمر. وأعتقد أننا حددنا خطوطنا الحمراء بوضوح”.
كذلك، تطرق العاهل الأردني إلى لقائه، أخيرا، مع الرئيس الأميركي جو بايدن. وفي هذا الإطار، قال “تربطني علاقة قوية جدا مع جميع الرؤساء، ولطالما كانت مباحثاتي معهم مثمرة ومبنية على الاحترام المتبادل والتفاهم. أنا أعرف الرئيس بايدن منذ كنت شابا، فهذه صداقة قديمة. وكنت سعيدا جدا لرؤيته في البيت الأبيض”.
وحول الأحداث التي شهدها الأردن وصارت تعرف بـ”قضية الفتنة”، قال الملك عبد الله الثاني: “عندما ننظر إلى الأزمات حول العالم، وأعتقد أنه في هذا الزمن عادة ما ننظر إلى الأزمات بشكل منعزل دون فهم المسيرة التي خاضها بلد مثل الأردن، والتي شهدت عدم الاستقرار في المنطقة، والحروب، وأزمة اللاجئين، وفيروس كورونا. وقد مر علينا عدد من الشخصيات التي عادة ما تستغل إحباط الناس ومخاوفهم المشروعة وهم يسعون لتحسين سبل معيشتهم، للدفع بأجنداتهم الخاصة وطموحاتهم. وأعتقد أن ما جعل هذا أمرا محزنا جدا هو أن أحد هؤلاء الأشخاص هو أخي، الذي قام بذلك بشكل مخيب للآمال”.
وفي السياق ذاته، أكد أن “الأجهزة الأمنية قامت، كما تفعل دوما، بجمع المعلومات، ووصلت إلى مرحلة تولدت لديها مخاوف حقيقية من أن أشخاصا معينين كانوا يحاولون الدفع بطموحات أخي لتنفيذ أجنداتهم الخاصة، وقررت الأجهزة الأمنية وأد هذا المخطط في مهده وبهدوء. ولولا التصرفات غير المسؤولة بتسجيل المحادثات مع مسؤولين أردنيين بشكل سري وتسريب مقاطع الفيديو، لما وصلت فينا الأمور للحديث عن هذه القضية في العلن”.
وتابع: “من السهل جدا استغلال مظالم الناس لتحقيق أجندات شخصية، لكن هل أنت صادق وأنت تحاول أن تقوم بذلك؟ وفي المحصلة، نحن نتحمل جميعا مسؤولية مشتركة في إيجاد الحلول لمشاكل الشعب. ولهذا، فإن ما حدث كان أمرا مؤسفا، وغير ضروري، وأوجد مشاكل كان بالإمكان تجنبها”.
وشدد على أنه “تم التعامل مع هذا الملف كشأن داخلي، ونعرف جميعا أن باسم، الذي عمل في السابق في الأردن، هو مستشار رفيع المستوى في السعودية، ويحمل جوازي سفر سعودي وأميركي. لاحظنا وجود ارتباطات خارجية بما يخص هذه القضية، لكن كما قلتُ، نحن نتعامل مع هذا الملف كشأن محلي. ومجددا، أعتقد أنه بالنسبة للأردن، لن يساعدنا توجيه أصابع الاتهام للآخرين، فهناك ما يكفي من تحديات في المنطقة، ونحن نحتاج للمضي إلى الأمام. ولطالما كان هذا نهج الأردن وهو النظر للمستقبل. وأعتقد أنه علينا التخفيف من التحديات والصعوبات بدلا من إضافة المزيد منها”.
وخلال اللقاء، حذر العاهل الأردني من الوضع في لبنان بالقول “يعاني الناس من أزمة، هناك مجاعة وشيكة الحدوث، والمستشفيات لا تعمل، وهذا تم طرحه في الكثير من النقاشات التي أجريناها، وأعلم أن الولايات المتحدة تعمل مع فرنسا على هذا الملف. ولكن عندما تصل الأزمة إلى أسوأ حالاتها، وهو ما سيحصل في غضون أسابيع، ماذا يمكننا أن نفعل كمجتمع دولي للتدخل؟ والسؤال هو، هل من الممكن بناء خطط بصورة توجه المنطقة نحو الاتجاه الصحيح”.
—————————-
حديث شامل مع (CNN) تكلم فيه عن لقائه مع بايدن، عبدالله الثاني.. فتنة حمزة والأجندات الخاطئة
نصر المجالي
قال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إن هناك أشخاص كانوا يحاولون الدفع بطموحات أخي لتنفيذ أجنداتهم الخاصة، وذلك في إشارة إلى “الفتنة” المرتبطة بأخيه غير الشقيق الأمير حمزة.
وقال الملك عبدالله الثاني لشبكة (سي إن إن) الأميركية، في مقابلة أجراها فريد زكريا، بثتها اليوم الأحد: إذا كنت أحد أفراد العائلة المالكة، فلديك امتيازات، وهناك محددات، والسياسة محصورة بالملك.
وأضاف: من السهل استغلال مظالم الناس لتحقيق أجندات شخصية، لكن هل أنت صادق وأنت تحاول أن تقوم بذلك؟
وتحدث العاهل الأردني، في المقابلة، عن زيارته إلى الولايات المتحدة التي اختتمها أخيرا، ورؤيته حول عدد من قضايا المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية، إضافة إلى أبرز القضايا الوطنية ونهج الأردن في الصمود في وجه التحديات.
وتاليا نص المقابلة التي تم بثها:
الحكومة الاسرائيلية الجديدة
فريد زكريا: عليّ أن أسألك أولا عما يبدو أمرا ملفتا للنظر حينما ننظر إلى منطقتكم، وهي الحكومة الإسرائيلية الجديدة. كانت علاقتكم مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو جيدة لكن صعبة. أما رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت بالمقابل، فيقول وبصراحة أنه يستبعد فكرة إقامة دولة فلسطينية بالمطلق، وهو في الواقع تحدث عن ضم إسرائيل للضفة الغربية. كيف ترى هذه الحكومة الجديدة وما برأيك فرص السلام في ظلها؟
– الملك عبدالله الثاني: حسنا فريد، قد تعلم من معرفتك الطويلة بنا أننا دوما ننظر للنصف الممتلئ من الكأس. وكوني أول زعيم من المنطقة يأتي إلى الولايات المتحدة، كان من المهم أن نوحد رسائلنا لأن أمامنا العديد من التحديات، كما تعرف. فكان من المهم أن ألتقي القيادة الفلسطينية بعد الصراع الأخير، حيث التقيت بالرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، وكذلك أن ألتقي أيضا برئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين، لأنه علينا فعلا أن نعيد الجميع إلى طاولة الحوار، ضمن إطار بحثنا عن طرق لإعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ربما علينا أن نتفهّم أن هذه الحكومة قد لا تكون الأنسب لحل الدولتين، الذي برأيي هو الحل الوحيد. فكيف إذن بإمكاننا بناء جسور التفاهم بين الأردن وإسرائيل، حيث إننا لم نكن على وفاق مؤخرا. ولكن الأمر الأهم برأيي هو كيف يمكننا أن ندعو الفلسطينيين والإسرائيليين للحوار مجددا. لقد خرجت من هذه اللقاءات (مع الفلسطينيين والإسرائيليين) متفائلا. وكما رأينا في الأسبوعين الماضيين، لم يكن هناك تحسن في التفاهم بين الأردن وإسرائيل فحسب، بل أن الأصوات القادمة من فلسطين وإسرائيل تشير إلى استعدادهم للمضي قدما وإعادة ضبط العلاقة بينهما.
حقوق الفلسطينيين
فريد زكريا: هل تعتقد أن بإمكان الإسرائيليين الحفاظ على الوضع الراهن، أي أن تكون لديهم السيادة على المناطق التي يعيش فيها الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة ولكن دون أن تكون للفلسطينيين أي حقوق سياسية. فتبدو إسرائيل وكأنها في أفضل حال؛ إذ يرون أنفسهم كقوة عظمى في مجال التكنولوجيا في المنطقة، وربما في العالم، وهم يزدهرون اقتصاديا، والعرب يعقدون السلام معهم، إلا أنهم لم يتخطّوا القضية الفلسطينية بعد. هل لإسرائيل أن تستمر على هذا المنوال؟
– الملك عبدالله الثاني: أعتقد أن هذا التصور غير دقيق ويخفي وراءه تعقيدات كثيرة، وأقول ذلك لأنه عندما تنشب صراعات، كما رأينا مسبقا، فإننا نعلم ماذا سيحصل خلال ثلاثة أسابيع من الصراع، فهناك خسارة للأرواح ومآس للجميع. أما الحرب الأخيرة مع غزة هذه المرة، فكانت مختلفة. إنها المرة الأولى منذ عام 1948 التي أشعر بأن هناك حربا داخل إسرائيل، عندما تنظر إلى القرى والمدن، والصدام بين عرب إسرائيل والإسرائيليين. وأعتقد أن ذلك كان بمثابة صحوة للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، من عواقب عدم التقدم إلى الأمام وعدم منح الفلسطينيين الأمل. ومرة أخرى، واحدة من الأمور التي ناقشناها مع نظرائنا الإسرائيليين هو كيفية الاستثمار في سبل معيشة الفلسطينيين، فإذا فقد الفلسطينيون الأمل، ستكون الحرب التالية، لا قدر الله، أكثر ضررا. لا أحد ينتصر في هذه النزاعات، وفي هذا الصراع الأخير لم يكن هناك فائز. وأعتقد أن طبيعة العلاقات الداخلية التي ظهرت لنا في القرى والمدن الإسرائيلية كانت نداء يقظة لنا جميعا.
الاردن دولة فلسطينية
فريد زكريا: دوري غولد، مستشار مؤثر لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، قال مؤخرا إنه على الأردن أن يبدأ التفكير بنفسه على أنه الدولة الفلسطينية. أي أن هناك حل الدولتين، والدولة الفلسطينية بموجبه هي الأردن، وأعتقد أن هذا الطرح يستند إلى أن الفلسطينيين يشكلون 60-70 بالمئة من سكان الأردن، ويمكنكم استيعاب الفلسطينيين من الضفة الغربية. تم ذكر هذا الطرح مسبقا، لكن الآن هناك شخصا إسرائيليا ذا نفوذ يقدم هذا الطرح. ما ردك؟
– الملك عبدالله الثاني: مجددا، هذا النوع من الخطاب ليس بجديد. ولهؤلاء الأشخاص أجندات يريدون تنفيذها على حساب الآخرين. الأردن هو الأردن. لدينا مجتمع مختلط من خلفيات عرقية ودينية مختلفة، وقد أخالفك في صحة النسب التي ذكرتها، لكن هذا بلدنا. الفلسطينيون لا يريدون أن يكونوا في الأردن. إنهم يريدون أراضيهم، ورايتهم ليرفعوها فوق بيوتهم، ومنتخبهم الوطني لكرة القدم.
هذا الطرح يقودنا إلى خطاب خطير جدا. فكما ذكرت أنت، إذا لم نتحدث عن حل الدولتين، هل البديل هو حل الدولة الواحدة؟ هل ستكون عادلة وشفافة وديمقراطية؟ أعتقد أن حل الدولة الواحدة يضع تحديات أكثر بكثير أمام هؤلاء الذين يناصرون هذا الخطاب في إسرائيل مقارنة بحل الدولتين، وهو الحل الوحيد. ما الذي ستفعله؟ هل ستطرد كل الفلسطينيين من بيوتهم في الضفة الغربية، وتتسبب بانعدام استقرار الجهة الأخرى؟ في نهاية المطاف، للأردن الحق في إبداء رأيه في هذا الأمر. وأعتقد أننا حددنا خطوطنا الحمراء بوضوح.
فريد زكريا: جلالتك، كيف كان لقاؤك مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالمقارنة مع الرئيس الذي سبقه، كونه رئيسا مختلفا تماما عن الرئيس السابق؟
– الملك عبدالله الثاني: لحسن الحظ، تربطني علاقة قوية جدا مع جميع الرؤساء، وهذا لأن والدي علمني أن أحترم منصب الرئيس كرأس للدولة، وهذا لا ينطبق على الولايات المتحدة فقط. ولطالما كانت مباحثاتي معهم مثمرة ومبنية على الاحترام المتبادل والتفاهم.
أنا أعرف الرئيس بايدن منذ كنت شابا أزور الكونغرس برفقة والدي عندما كان بايدن عضوا شابا في مجلس الشيوخ الأمريكي، فهذه صداقة قديمة. وكنت سعيدا جدا لرؤيته في البيت الأبيض، ولا أعرف ما هي الانطباعات التي تشكلت عن اللقاء، لكن أعضاء الوفد المرافق شهدوا التفاهم بيننا. كما أن ابني يعرف الرئيس منذ كان نائبا للرئيس، حيث كان ابني يزوره في منزله وفي مكتبه، فهي علاقة صداقة عائلية.
سياسات بايدن
فريد زكريا: هل تتوقع سياسات من الرئيس بايدن مختلفة عن سياسات الرئيس ترمب؟
– الملك عبدالله الثاني: لقد خسرنا سنتين، وجزء من ذلك كان بسبب جائحة “كورونا”، فالمسألة لا تتعلق بسياسة مختلفة وإنما بطبيعة الخطط المطروحة. ذكرتُ سوريا، لكن علينا أيضا النظر إلى لبنان، حيث يعاني الناس من أزمة، هناك مجاعة وشيكة الحدوث، والمستشفيات لا تعمل، وهذا تم طرحه في الكثير من النقاشات التي أجريناها هنا، وأعلم أن الولايات المتحدة تعمل مع فرنسا على هذا الملف. ولكن عندما تصل الأزمة إلى أسوأ حالاتها، وهو ما سيحصل في غضون أسابيع، ماذا يمكننا أن نفعل كمجتمع دولي للتدخل؟ ونعرف أنه مهما خططنا، لن نتمكن من تحقيق أهدافنا، وسنخذل الشعوب. لذا السؤال هو، هل من الممكن بناء خطط بصورة توجه المنطقة نحو الاتجاه الصحيح؟
فتنة حمزة
فريد زكريا: دعني أسألك عن الاستقرار في الأردن، لأنه غالبا ما توصف بلدك كواحة آمنة وسط محيط مضطرب جدا. مؤخرا، حدث في الأردن ما ظهر للعالم الخارجي كمحاولة انقلاب. ما الذي حدث؟ وما هي احتمالات تقويض استقرار الأردن في المستقبل؟
– الملك عبدالله الثاني: مجددا، عندما ننظر إلى الأزمات حول العالم، وأعتقد أنه في هذا الزمن عادة ما ننظر إلى الأزمات بشكل منعزل دون فهم المسيرة التي خاضها بلد مثل الأردن، خلال الأعوام العديدة الماضية، والتي شهدت عدم الاستقرار في المنطقة، والحروب، وأزمة اللاجئين، وفيروس “كورونا”. وقد مر علينا عدد من الشخصيات التي عادة ما تستغل إحباط الناس ومخاوفهم المشروعة وهم يسعون لتحسين سبل معيشتهم، للدفع بأجنداتهم الخاصة وطموحاتهم. وأعتقد أن ما جعل هذا أمرا محزنا جدا هو أن أحد هؤلاء الأشخاص هو أخي، الذي قام بذلك بشكل مخيب للآمال. قامت الأجهزة الأمنية، كما تفعل دوما، بجمع المعلومات ووصلت إلى مرحلة تولدت لديها مخاوف حقيقية بأن أشخاصا معينين كانوا يحاولون الدفع بطموحات أخي لتنفيذ أجنداتهم الخاصة، وقررت الأجهزة الأمنية وأد هذا المخطط في مهده وبهدوء. ولولا التصرفات غير المسؤولة بتسجيل المحادثات مع مسؤولين أردنيين بشكل سري وتسريب مقاطع الفيديو، لما وصلت فينا الأمور للحديث عن هذه القضية في العلن.
أفخر بأسرتي
أفخر بأفراد أسرتي عندما يحققون إنجازات وعندما يتواصلون مع المجتمع. ولكن فيما يخص هذه القضية، إذا كان لدى أحدهم أي طموحات، هناك حد لما أستطيع القيام به من أجلهم. لكنني أعتقد أنه من وجهة نظر إنسانية، يجب أن تكون النوايا صادقة، فمن السهل جدا استغلال مظالم الناس لتحقيق أجندات شخصية، لكن هل أنت صادق وأنت تحاول أن تقوم بذلك؟ وفي المحصلة، نحن نتحمل جميعا مسؤولية مشتركة في إيجاد الحلول لمشاكل الشعب. وهذا الأمر لا يتعلق فقط بالأردن، فالعديد من العائلات المالكة حول العالم تواجه هذه التحديات. إذا كنت أحد أفراد العائلة المالكة، فلديك امتيازات، لكن في الوقت ذاته يقابلها محددات. والسياسة، في النهاية، هي محصورة بالملك، ولهذا فإن ما حدث كان أمرا مؤسفا، وغير ضروري، وأوجد مشاكل كان بالإمكان تجنبها.
ملف داخلي
لقد تم التعامل مع هذا الملف كشأن داخلي، ونعرف جميعا أن باسم عوض الله، الذي عمل في السابق في الأردن، هو مستشار رفيع المستوى في السعودية، ويحمل جوازي سفر سعوديا وأميركيا. لاحظنا وجود ارتباطات خارجية بما يخص هذه القضية، لكن كما قلتُ، نحن نتعامل مع هذا الملف كشأن محلي. ومجددا، أعتقد أنه بالنسبة للأردن، لن يساعدنا توجيه أصابع الاتهام للآخرين، فهناك ما يكفي من تحديات في المنطقة، ونحن نحتاج للمضي إلى الأمام. ولطالما كان هذا نهج الأردن وهو النظر للمستقبل. وأعتقد أنه علينا التخفيف من التحديات والصعوبات بدلا من إضافة المزيد منها.
اغتيال عبدالله الأول
فريد زكريا: دعني أسألك، في مثل هذا الأسبوع، قبل 70 عاما، اغتيل جدك في المسجد الأقصى المبارك / الحرم القدسي الشريف. هل تشعر أن الأمور بقيت على حالها خلال السبعين عاما الماضية؟ هل تشعر أن الأوضاع تحسنت؟ خاصة أنه تم اغتيال جدك على يد مسلحين فلسطينيين، يبدو أن الأمور لم تتقدم كثيرا إلى الأمام.
– الملك عبدالله الثاني: نحن نحتفل بمئوية تأسيس الدولة الأردنية. وإذا نظرت لتاريخ بلدنا ولجميع الصدمات التي تعرض لها، ومعظمها صدمات خارجية، ستجد أنه من المدهش أن الأردن لا يزال الأردن، وهذا يعكس، باعتقادي، إرث أفراد عائلتي، لكن الأهم باعتقادي أنه يعكس صمود الأردنيين. نحن نعيش في منطقة صعبة، ويجب أن ننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس عندما نستيقظ كل صباح.
الملك عبدالله المؤسس في التعامل مع سياسات المنطقة بمحاولة توحيد الشعوب والتوفيق بينهم، وهو ما ورثه أبي عنه، وما ورثته أنا عن والدي، وما يرثه ابني عني. لذا مهما بلغت صعوبة التحديات، أعتقد أنه باستطاعتنا التوافق. كما أشرت، جدي استشهد على عتبات المسجد الأقصى المبارك في القدس. لكننا دائما ننظر للقدس كمدينة تجمع المسلمين، والمسيحيين، واليهود، ومن غير المفهوم بالنسبة لي لماذا قد نريد لها أن تكون شيئا آخر. سيستمر دوري ودور ابني في محاولة جعل هذه المدينة، مدينة للأمل والسلام، ولتكون مدينة تجمع الناس، ونأمل أن ينعكس هذا على سياسات أخرى كذلك، بينما نواجه تحديات مختلفة في الشرق الأوسط.
————————-
ملك الأردن: بشار الأسد ونظامه سيبقيان في سوريا لأمد طويل
قال ملك الأردن عبد الله الثاني إن رئيس النظام بشار الأسد ونظامه سيبقيان في سوريا لأمد طويل، داعياً إلى حوار مع النظام في دمشق.
وأضاف خلال مقابلة معه على قناة “CNN” الأميركية أمس الأحد أن “هناك استمرارية لنظام الأسد في الحكم”، موضحاً أنه “علينا أن نكون ناضجين، هل نبحث عن تغيير النظام في سوريا أم تغيير سلوكه”؛ لأنه عندما تنبّأ الأشخاص بأن “الإطاحة بسلطته” ستحدث خلال أشهر معدودة، “أنا قلت إن ذلك سيتطلب سنوات كثيرة، هذا إن كان سيحصل بالفعل، وها هو النظام موجود”.
وتابع إذا كانت الإجابة بتغيير السلوك، فـ “ماذا علينا أن نفعل للتلاقي حول كيفية التحاور مع النظام، لأن جميع الآخرين يقومون بذلك، لكن ليست هناك خطة حتى الآن”، مضيفاً أن لروسيا دورا محوريا في سوريا ومن دونهم “لا يمكن الاتفاق على مسار لحل الأزمة السورية”.
وبيّن أنه يتفهم غضب وقلق العديد من الدول من جراء ما حدث للشعب السوري، مشيراً إلى أن الإبقاء على الوضع الراهن يعني استمرار العنف الذي يدفع ثمنه السوريون.
وعن سؤال: هل ستقسم سوريا ويسيطر الأسد على الجزء الأكبر منها ويبقى الباقي خارج سيطرته؟ أجاب “أعتقد أن الأمر يسير بخطوات صغيرة”، وأن الأمر لا يتعلق بوجود وكلاء روسيا وإيران فقط فما زال تنظيم الدولة موجودا”.
عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم
أوضح عبد الله الثاني أنه لن يتمكن اللاجئون السوريون من العودة إلى بلادهم في وقت قريب؛ لأنه لا يوجد شيء ليعودوا إليه، لأنه يوجد الكثير من الدمار في سوريا و”المهم بناء المدارس والمستشفيات لبعث الأمل”.
وذكر أنه يوجد في الأردن نحو مليون و300 ألف لاجئ سوري أي بمعدل كل 7 أردنيين يوجد سوري وكل 5 أردنيين يوجد لاجئ؛ لأن الأردن استقبلت العديد من اللاجئين وهو ما أدى إلى معاناة الشعب الأردني لأن البطالة مرتفعة بشكل كبير بسبب الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا.
وأكد أن المجتمع الدولي قدم مساعدات للأردن لكنها لم تغطِّ سوى 40 أو 45% من الاحتياجات وما تبقى تمت تغطيته من موازنة الأردن المالية، لافتاً إلى أن السوريين أصبحوا كغيرهم جزءاً من النظام التعليمي ونظام الرعاية الصحية ويمتلك نحو 200 ألف سوري تصاريح عمل.
وقال إنه يجب الابتعاد عن العنف وبحث ما يمكن فعله لإعادة الإعمار، لأنها مرتبطة بالإصلاح السياسي في سوريا.
طائرات مسيرة إيرانية استهدفت الأردن
وفي السياق ذاته، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن بلاده تعرضت لهجوم بطائرات مسيرة إيرانية الصنع العام الفائت وهي في تصاعد و”كان عليه التعامل معها”
وأوضح أنه عندما حذر في العام 2004 من “الهلال الشيعي” كان يقصد الهلال الإيراني من وجهة نظر سياسية، مضيفاً أن الأردن يدعو للحوار والتقدم إلى الأمام بشكل مستمر، بدلاً من النظر للأمور بعين الريبة وخلق مزيد من التحديات.
وأكد في حديثه أن برنامج إيران النووي يؤثر على إسرائيل كما يؤثر على الخليج، مشيراً إلى أن التكنولوجيا البالستية شهدت تطوراً ملحوظاً حيث “رأينا أثرها على القواعد الأميركية في العراق، كما شهدنا أثر الصواريخ الموجهة إلى السعودية من اليمن وإلى إسرائيل من خلال سوريا ولبنان”.
وأضاف أنه في حال انحرف أحد الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل عن مساره فإنها سوف تصل إلى الأردن، لهذا “فإنه لدينا هذه التخوفات”، لافتاً إلى أن عدد الاشتباكات المسلحة على حدود الأردن ارتفعت إلى ما كانت عليه في خضم الحرب على تنظيم الدولة تقريبا”.
وطالب الملك الأردني عبد الله الثاني في الـ 22 من الشهر الجاري خلال اجتماعه مع مسؤولين في مجلس النواب الأميركي بتكثيف الجهود الدولية للتوصل إلى حل سياسي يحفظ وحدة سوريا أرضاً وشعباً ويضمن العودة الآمنة للاجئين، مؤكداً أنه يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية منتصف الشهر الجاري أن ملك الأردن عرض على الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، الانضمام إلى فريق عمل يسعى للاتفاق على خريطة طريق للحل في سوريا، مشيرةً إلى أن بلاده ستعمل مع الأشقاء العرب على إعادة سوريا إلى الحضن العربي، موضحاً أن التوصل إلى حلول لمساعدة سوريا سيساعد المنطقة بكاملها والأردن على وجه الخصوص
تلفزيون سوريا
—————————
==========================
تحديث 27 تموز 2021
———————————
ما الذي قاله بايدن عن بشار لملك الأردن؟/ عمر قدور
لحديث ملك الأردن إلى محطة CNN عن الشأن السوري وقع مختلف، فهو أتى بعد لقائه بالرئيس بايدن، وبدا في جزء منه تقريراً لتوجهات الإدارة الأمريكية، وفي الجزء المتمم مناقشةً لتلك التوجهات، وربما انتقاداً لتراخي الإدارة في وضعها موضع التنفيذ. النظام “بشار” باقٍ في السلطة؛ يقولها الملك كمن يكرر ما هو مفروغ منه، ليتابع بالقول أن الإبقاء على الوضع الحالي يعني استمرار العنف الذي يدفع ثمنه الشعب السوري، وأن الحل بالحوار وبحث ما يمكن فعله في ما يخص إعادة الإعمار والإصلاح السياسي. وربطاً بقضية اللاجئين يركز الملك عملياً على إعادة الإعمار، بالإشارة إلى عدم إمكانية عودتهم بسبب الدمار، لا بسبب وجود بشار في الحكم وتبعات بقائه.
بيت القصيد في ما سبق ما أكدته للملك لقاءاتُه في واشنطن، وخلاصته بقاء بشار من دون عجلة في التطبيع معه دولياً، الأمر الذي ينتقده الملك ضمناً بسبب عبء اللاجئين السوريين، وخوفاً من التداعيات الأمنية على بلاده في حال بقي الوضع السوري غير مستقر. وكان الملك، بناء على هذا الفهم المسبق، قد حثّ إدارة بايدن بحسب صحيفة “واشنطن بوست” على تشكيل مجموعة دولية بهدف الاتفاق على خريطة طريق للحل في سوريا، بحيث يضمن الحل استعادة سيادتها ووحدتها “مرة أخرى من دون التطرق إلى تغيير سياسي”.
شكلياً، لا جديد في حديث الملك، فمسؤولو إدارة بايدن “وقبلها إدارة ترامب” تولوا بأنفسهم القول أنهم يريدون تغييراً في سلوك النظام لا تغييره. إعلان الموقف في حد ذاته لا يشرح السياسة الفعلية، فهو لا يمنع الإدارة الأمريكية من السعي إلى تغيير بشار وهي تعلن خلاف ذلك، والإعلان يبرر في المقابل الحد الأقصى من الليونة والتساهل الأمريكيين مع بشار وحلفائه. لذا تكتسب قراءة الملك أهمية بعد لقاءاته مع دوائر صنع القرار في واشنطن، فهو يدحض أوهام المتمسكين بوجود مكر أمريكي لم تظهر علائمه خلال السنوات الماضية!
والحقّ أن تصريحات الملك تؤكد ما بدأنا نرى مؤخراً مؤشرات عليه لجهة تأويل الموقف الأمريكي عملياً، بمعنى أن الغموض الذي يلف موقف إدارة بايدن من الشأن السوري راح يتبدد بشروحات يتولى تقديمها آخرون لا تنقصهم الثقة بفهمهم الموقف على حقيقته. لا نخطئ إذا اعتبرنا تعاطي إدارة بايدن مع التمديد لإدخال المساعدات الإنسانية عبر باب الهوى محطة رئيسية في شرح الموقف الأمريكي، فأوساط الإدارة احتفت بتمرير قرار محدود بمعبر واحد ولزمن قصير على أنه إنجاز لديبلوماسيتها، الاحتفاء الذي لا يمكن فهمه سوى كإشارة إيجابية إلى “الشريك” الروسي الذي التقطها على طريقته.
قبل عشرة أيام دشن مظلوم عبدي قائد قوات قسد حملة على وسائل التواصل عبر هاشتاغ يدعو إلى اعتراف دولي بالإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، والحملة أتت كأنما بناء على تخوفات من تخلي الإدارة الأمريكية عن التزاماتها إزاء الإدارة. كذلك فُهم سعي الإدارة تجاه باريس، واستقبال ماكرون ممثلين عنها. وكان مظلوم عبدي قبل شهرين من إطلاق الحملة قد صرح واثقاً بأن قوات التحالف باقية لتحقيق النصر على داعش ودعم الاستقرار وتمكين الإدارة الذاتية، غداة لقائه حينها مع وفد من وزارة الخارجية الأمريكية ضم ممثلة عن مجلس الأمن القومي.
إذاً، ثمة تغير أمريكي تتخوف منه الإدارة الذاتية، ولا يبدد مخاوفها موقف إدارة بايدن السلبي من الخصم التركي، فمن غير المؤكد على طول الخط أن ما يضر بأحد الخصمين ينفع الآخر تلقائياً. آخر ما اختُبرت به أنقرة كان قبل ثلاثة أيام، بمقتل اثنين من جنودها في الهجوم على عربة مدرعة. لم تُعرف الجهة المهاجمة، وبيان وزارة الدفاع أعلن قيامها بالرد على مصدر الهجوم، لكن بطريقة تطوّق الحادث وتتحاشى التصعيد.
التصعيد هو بأمر عمليات روسي، وقد طال العديد من مواقع النفوذ التركي، من دون أن يصل إلى حد تفجير ما يمكن تسميته بـ”اللاتهدئة” المستمرة منذ الإعداد لقمة بوتين-بايدن، حيث نُظر حينها للتصعيد المحدود كتمهيد روسي لها. لعلها الأمانة الروسية لقراءة المصطلح العجيب “مناطق خفض التصعيد”، وقبل مهاجمة الجنود الأتراك كانت الصواريخ والطائرات قد ارتكبت أكثر من مجزرة في حق المدنيين، خاصة في جبل الزاوية-إدلب بلا رد من الضامن التركي.
يتسلل بوتين من الشقاق الأمريكي-التركي للضغط على أردوغان، ولتكريس عدم التهدئة كواقع مستمر يهدد النفوذ التركي، ويفاقم الأزمة الإنسانية على نحو متواصل، وينذر الإدارة الذاتية بأنها لن تكون خارج دائرة الاستهداف لاحقاً. لقد اختبرت موسكو “وأنقرة معها” وضعية مشابهة، غداة التدخل العسكري الروسي، عندما أخذت إدارة أوباما موقفاً منحازاً لموسكو على حساب أنقرة، وأدى ذلك إلى انعطافة تركية كبرى تجاه موسكو.
المفارقة هي في أن موسكو كانت تحسب حساباً لمزاجية ترامب في حين أنها مرتاحة الآن لسياسة بايدن التي تستطيع قراءتها جيداً، و”فرادة” الوضع السوري في أنها كانت مقيّدة عندما كان ساكن البيت الأبيض محسوباً كصديق لبوتين وهي مرتاحة مع الرئيس الحالي الذي طالما تعهد أثناء حملته الانتخابية بوضع حد للسلوك الروسي. ومن ضمن قراءتها لسياسة بايدن، تدرك موسكو عدم حماس واشنطن للغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، وهذا ربما ما سهّل على وزارة الدفاع الروسية إصدار بيان إثر الغارات الأخيرة، تقول فيه أن نظاماً للصواريخ حصلت عليه مؤخراً قوات بشار تمكن من تدمير كافة الصواريخ المهاجمة، مع تسريب مفاده قيام الخبراء الروس بتشغيل النظام الجديد، بمعنى تصدي موسكو المباشر للغارات الإسرائيلية. مثل هذا “الاشتباك” كان ليستدعي ذهاب نتنياهو إلى موسكو فوراً لعدم تكراره، حيث كان يُستقبل على نحو خاص كشخصية شديدة التأثير في واشنطن.
طوال شهور من تسلمه الرئاسة وُجهت انتقادات لإدارة بايدن بسبب عدم وضعها سياسة سورية، لكن ما قاله الملك عبدالله الثاني في حديثه إلى محطة CNN كان آخر ترجمة لما سمعه واستنتجه من لقائه ببايدن وسواه من مسؤولي الإدارة. رأينا من قبل الترجمة الحربية الروسية لسياسة بايدن في سوريا، ومن المحتمل جداً أن نرى الترجمة الفارسية إذا نجحت مفاوضات الملف النووي.
المدن
——————————–
سوريا الأسد وحدود الانتصار الجزئي/ د. حسن أبو طالب
في خطاب الرئيس بشار الأسد بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية بولاية رابعة مدتها سبع سنوات، فسر أزمة بلاده بسبب ما سماه غياب القيم، مشيراً إلى سقوط رهانات قوى العدوان لسقوط الدولة، وداعياً من سماهم بالمغرر بهم إلى العودة إلى الوطن. أما الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب البلاد فمردها حسب الرئيس الأسد إلى تجميد أموال السوريين ما بين 40 إلى 60 مليار دولار في المصارف اللبنانية. وبالنسبة للمهام المستقبلية، فهي – كما جاء في خطابه – استعادة سيادة سلطة الدولة عبر استكمال تحرير ما تبقى من الأرض السورية من الإرهابيين ورعاتهم الأتراك والأميركيين، وتلك أولوية قصوى تطلبت تحية من الأسد لكل سوري يقاوم القوات الأجنبية في المناطق المحتلة. أما الحلفاء الذين استحقوا التحية فهم روسيا وإيران، في حين لا يمكن لدمشق أن تنأى عن الهموم العربية وفي المقدمة قضية فلسطين.
الخطاب ملئ بالرسائل للداخل والخارج، ويقدم تصوراً لما مرت به سوريا في العقد المنصرم، وما يجب أن تقوم به مستقبلاً. ولعل أهم ما في الخطاب هو أن سوريا ليست معنية لا من قريب أو بعيد بالتسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة سعياً لتطبيق القرار 2254، وبيان جنيف 2012. وكلاهما حددا المطلوب لحل الأزمة السورية من خلال دستور جديد يشارك في صياغته كل السوريين، وتشكيل هيكلية حكم انتقالية تعقبها انتخابات رئاسية وبرلمانية يتشكل على أثرهما حكومة جديدة وفق المبادئ الديمقراطية. وهي الخطة المفترض أنها تُمثل المخرج الأشمل للأزمة السورية، ويفترض أيضاً أنها ستقود إلى سوريا جديدة متصالحة مع نفسها ومع العالم، وستؤدي إلى إسهامات دولية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
لكنها أيضاً الخطة الأممية التي لا تتعامل مع وجود القوات الأجنبية والمرتزقة بأنواعهم، وكيفية إنهاء وجودهم غير المشروع وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. وتلك بدورها ثغرة كبرى تخلط الأوراق، وتمنح نفوذاً لهؤلاء الأجانب، وفرض أمر واقع على مساحات كبرى من الأرض السورية، لا سيما أنهم مستبعدون من أي عملية تسوية سياسية، لكنهم يقررون مصيرها.
الانتخابات الرئاسية التي نظمتها الحكومة السورية وفاز فيها الرئيس بشار، كما كان متوقعاً بنسبة لا تقل عن 95 في المائة، لا علاقة لها بهذا التصور الأممي الذي تتمسك به دول مهمة على رأسها الولايات المتحدة، ولا ترفضها دول أخرى كالصين وروسيا وغيرهم الذين وافقوا على القرار الدولي 2254 لعام 2015. في حين أن واشنطن تضيف أيضاً شرطاً آخر إلى جانب الشروط الأممية، وهو محاسبة كل من اشترك في فعل يعد جريمة ضد الإنسانية وانتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، وهو شرط موجه أساساً لمحاسبة الرئيس الأسد وبعض من حوله المتهمين باستخدام أسلحة كيماوية قضت على مدنيين كُثر في عدة مناسبات. وشرط المحاسبة أكد عليه أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي في الشهرين الماضيين، حين قاد جهوداً دولية وإقليمية بشأن التمديد للقرار الأممي الخاص بمد التفويض لتمرير مساعدات إنسانية عبر معابر حدودية مع تركيا لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية، وهو ما حدث بشأنه تفاهم بين الرئيسين بوتين وبايدن حين التقيا في جنيف في 16 يونيو (حزيران) الماضي.
السياسة السورية التي تجمع بين فرض أمر واقع يلغي عملياً عملية التسوية الأممية، وتكرس معنى الانتصار الجزئي بمساعدة حلفاء خارجيين، وتحدد الهدف في استكمال تحرير الأرض وطرد القوى الأجنبية، لا تشير صراحة أو حتى تلميحاً إلى التطلع لإنهاء تجميد العضوية في الجامعة العربية، وتترك الأمر عملياً لروسيا باعتبارها الحليف الأقوى الذي سعى بجدية شديدة لإنهاء هذا التجميد، كمقدمة لإضفاء شرعية عربية على سوريا نصف المنتصرة ورئيسها المنتخب، ولفتح الأبواب المغلقة أمام تقديم دعم اقتصادي للاقتصاد السوري المنهك، وفتح ثغرة تمر منها جهود إعادة إعمار سوريا ولو جزئياً.
التحرك الروسي بالتنسيق مع رأس دمشق لغرض استعادة سوريا عضويتها في الجامعة العربية يطرح ثلاث ملاحظات؛ أولاها أن الاستناد إلى فرضية أن تلك العودة ستؤدي إلى تقليص مساحات النفوذ الإيراني من جهة، وتدعم التحرك السوري المدعوم روسياً لإنهاء التدخلات التركية في الشمال السوري من جهة أخرى، يبدو صحيحاً نظرياً ولكنه لا يقدم دليلاً على أن نخبة دمشق الحاكمة تسعى بالفعل إلى تحجيم النفوذ الإيراني، ومن ثم فإن التطبيع العربي معها قد يكون إضافة فعلية تسهم في تحقيق هذا الهدف ولو تدريجياً. وتأتي تحية الرئيس بشار لإيران كحليف قوي أسهم في الانتصار السوري لتضع علامات استفهام حول صحة الفرضية وجدارة العمل على أساسها.
ثانياً أن التحرك الروسي المكثف في أكثر من مناسبة آخرها زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف في مارس (آذار) الماضي إلى مصر والإمارات وقطر، بدا وأنه يقفز عملياً على التوازنات القائمة في الجامعة العربية بشأن تلك المعضلة، والتي تجمع بين تأييد مبدأ استعادة سوريا لمقعدها استناداً لأهمية الأمر عربياً وسورياً، وهو ما عبرت عنه الدول العربية الثلاث ودول أخرى كالجزائر والعراق ولبنان والأردن، وفي الآن نفسه يربط بعضها إنهاء التجميد بشروط إجرائية وفقاً لميثاق الجامعة العربية، وأخرى سياسية وعملية أهمها أن تبدأ عملية تسوية سياسية جادة تنهي جذور الأزمة وتُنشئ سوريا جديدة لكل مواطنيها مقبولة عربياً ودولياً. وكلا الشرطين لم يتوفرا بعد. كما تقفز تلك الجهود الروسية على تأثيرات قانون قيصر الأميركي وما يتضمنه من قيود تجعل عملية إنهاء تجميد عضوية سوريا مرتبطة بتفاهمات وسياسات روسيا والولايات المتحدة مع مجمل الأزمة السورية، علاوة على علاقتها المباشرة والعضوية مع أزمات إقليمية أخرى، لا سيما مع إيران وبرنامجها النووي والصاروخي، وإنهاء الوضع الكارثي القائم في لبنان.
ثالثاً أن التحرك الروسي يتجاهل تأثيرات وجود القوات الأجنبية، لا سيما الأميركية والتركية والمنظمات المسلحة ذات الطابع الإرهابي على حقيقة محدودية السيادة السورية على الأرض السورية، ومن ثم تعقد عملية إعادة الإعمار حتى وإن رغب البعض في المساهمة الفعالة في تلك العملية. وفي السياق ذاته يبدو ثمة تناقض شاسع بين التأثير السلبى للوجود الأجنبي على الأرض السورية، وبين التنسيق المهم والمشهود بين روسيا وتركيا بشأن الوجود العسكري التركي في شمال شرقي سوريا، وأيضاً مع تل أبيب بشأن الهجمات الصاروخية والاعتداءات على مواقع عسكرية في العمق السوري من دون رد، في الوقت الذي تبدو فيه موسكو بمثابة ضامن رئيسي لبقاء الرئيس الأسد على قمة السلطة منعاً لفراغ السلطة، حسب الدعاية الروسية المتكررة.
التحرك الروسي على هذا النحو وإيمان الرئيس الأسد بالانتصار ولو كان جزئياً، وثقته بأنه لا حاجة إلى تسوية سياسية أممية أو غيرها، يرجح بقاء الأزمة لعدة سنوات مقبلة، ومعها معاناة السوريين في الداخل وفي الخارج.
الشرق الأوسط
————————–
قصة “الشيء” الذي أصبح رئيساً لسوريا/ علي حميدي
يمر كشيء في الحياة يمكن أن يقبل وجوده على مضض، سمج غير بارع إطلاقا باجتراح الفكاهة. شيء ثقيل المعشر وفارغ كأسطوانة يصفر فيها الريح، يتحدث من دون ثقة بالنفس ويجتهد دوماً باصطناعها، علمته السنوات بعضا من الحضور لكنه لم يكن حضوراً آسراً في أي موضع. شيء كهذا سنقبله كأشياء كثيرة تمر عرضاً في يومياتنا. الكارثة أن يكون هذا الشيء رئيساً لسوريا في زمن استثنائي وصعب.
زمن تكثف فيه الغضب العربي عموماً والسوري خصوصاً “الربيع العربي”، عندما انفجر الغضب ثورات مزلزلة أطاحت بعروش أشياء مثله، لكنها وللأسف دخلت أو أدخلت عنوة في سرداب مظلم، فتصدرت على الحواف أشياء كثيرة كبشار، السيسي، حفتر، الحوثي، قيس سعيد وسواهم..
ليس لكفاءة أو رفعة، بل فقط لأن العالم في الألفية الثانية تجاوز حقوق الشعوب وفضل تحنيط النماذج “الناجحة” حسب مصالحه ونواميسه، مبتعداً عن الهوامش المزعجة وهي هنا نحن الشعوب العربية الطامحة لأنظمة ديمقراطية تحترم الحريات وتتيحها، فنمت فينا وبيننا تلك الأشياء وعرّشت ونالت حظها من الوقت والتغاضي والغفران، واستمر معها قهرنا..
بشار حافظ الأسد الشيء الذي يصبح دائما رئيسا بانتظار شيء ما سيحصل، فكيف صار ذلك؟
مما هو معروف للجميع أن بشار لم يكن إلا ابن حافظ الأسد، وُلد وأبوه قائدٌ لسلاح الطيران السوري الذي سيسحق لاحقاً في حرب 1967.
تزامن ميلاده مع الفترة التي زار فيها حافظ الأسد لندن صيف 1965. قيل عن الزيارة إنها مشبوهة، يذكر أحمد أبو صالح عضو القيادة القطرية في حزب البعث في شهادة له أن قيادة الحزب حققت مع الأسد بعد عودته، والبعض اتهمه بالعمالة، فيما بدا أن تلك الإجازة اللندنية كانت تقديما لأوراق الاعتماد لدى الغرب وجاهزية لتنفيذ ما يطلب منه لنيل الرضا في مرحلة حساسة من تاريخ سوريا والمنطقة بأسرها.
تخرج بشار من كلية الطب – جامعة دمشق، عمل كطبيب في مشفى تشرين العسكري قبل أن يُرسل أوائل التسعينات إلى لندن ليتابع الدراسات العليا في طب العيون. من الواقعية بمكان القول إن إيفاده إلى بريطانيا لم يكن لغاية تحضيره كما حُضر أبوه من قبل أو كما يحضر الزعماء أبناءهم، إنما محاولة تحضر بها الأشياء أمثاله كي لا يستمرون أعباءً على عائلاتهم، يقول الأمير السعودي بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية السابق في حوار نشرته صحيفة إندبندنت عربية:
“أول مرة سمعت بشيء اسمه بشار.. كان لأتوسط لدى الحكومة البريطانية لقبوله للحصول على دورة تخصصية في لندن.. تحدثت فعلا مع المسؤولين البريطانيين في موضوعه.. وقلت لهم إن منحه الموافقة لن يضرهم، بل نصحتهم أن يتعرفوا عليه، فقد يصبح يوماً من الأيام شيئاً”.
هذا الذي أصبح شيئاً فعلاً لم يكن مستقبله يشغل بال أحد حينها، فلأبيه المتحكم تماما بالبلاد مآرب بدأ بتحقيقها من خلال تهيئة ابنه الأكبر باسل كرئيس يخلفه، إلا أن القدر لم يأت كما يشتهي الأب، مات باسل الأسد عام 1994، واستدعي بشار لدمشق.
الوقت القصير الذي قضاه في لندن سيضاف لرصيده الصفري، وسيضاف أيضا للرصيد زواجه من أسماء الأخرس البريطانية المولد والمنشأ ابنة فواز الأخرس الطبيب المقيم في بريطانيا والذي سيوصف لاحقا بأن له أدواراً في الاتصال بين الحكومتين السورية والبريطانية.
عاد بشار إلى سوريا، كان واضحا له ولجميع من هم في بلاط أبيه أن موت باسل أحدث فراغا كبيرا وعليه ملؤه، وسنكتشف لاحقا كم كان فاشلا في تلك المهمة لتصير السنوات الست التي مرت عليه لتحويله لشيء نافع، مادة للتندر لكل من عايشه فيها.
مهووس باللعب والعبث، سطحي التفكير، غير مبال.. لم تفلح مسيرته العسكرية المدفوع إليها دفعا في الكلية الحربية بصقله وتجهيزه كما يجب، رغم أن الطريق مُهدت له بالرتب والترقيات وإبعاد الضباط الكبار وتولي ضباط صغار موالين. مسيرة يمكن أن توسم بها كل مشاركاته في شؤون الحكم.
لم يستفد من البذل والفرص المسخرة، اختار معركته الأولى في الملف اللبناني ليفشل بها كثيرا في أثناء تجهيزه، ولاحقا كرئيس، ويسحب جيشه مذلولا بعد اغتيال رفيق الحريري 2005 الذي اتهم به.
في الداخل توجه إلى قطاع المعلوماتية وترأس الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية التي ما تزال البلاد تحصد نتائجها في القطاع التكنولوجي، حيث لم تحظ سوريا يوما بأي تصنيف في هذا القطاع سوى أنه الأسوأ.
الفراغ كبير.. والفراغ لا يُملأ بالفراغ
لأن نتائج تحضير الشيء لملء الفراغ لم تكن ترضي أباه، لم يقدمه في المجالس ولم يكلفه علنا بمهام، بل دفع المسؤولين ليحركوه ويحركوا من حوله وأوصى زواره وندماءه عرباً وعجماً بتخصيص وقت لتعليمه ووصله بالعالم الخارجي، بعيداً عن غرف اللعب والعبث المشغول بها.
وما كان من حافظ الأسد إلا أن يموت، كان يجب أن يموت ليفسح المجال للشيء الذي سيحمله المنتفعون والمتسلقون الانتهازيون ليصبح رئيسا لسوريا.
الرئيس
تولى المنصب إثر تغيير جراحي في الدستور السوري شمل عمر الرئيس، ومن على منصة القسم في قاعة مجلس الشعب السوري ظهر متعرقا مهزوزا لا يكاد يصدق أنه صار رئيساً لسوريا.
قرأ الشيء الرئيس نصا مكتوبا بعناية أمام حشد من النواب غالب الظن أنهم لم يفهموا مصطلحات الرئيس الجديد. تجول باللغة بين تحسين حالة حقوق الإنسان والحاجة إلى التفكير خارج الصندوق والنقد البنّاء وتعزيز الشفافية وترسيخ الديمقراطية، مفاهيم جديدة وغريبة على قاعة مجلس الشعب لكنها قدمت حينها بارقة أمل، وليكمل خطه رفع شعارا عريضا “التطوير والتحديث”. سيصبح لاحقا هذا الشعار محل تندر السوريين وأحد مصائبهم الكثيرة التي حاقت بهم مع تولي بشار الأسد الحكم.
سجلت السنوات الأولى لبشار دعما ملحوظا من قادة كبار في العالم والمنطقة لتسهيل مهمته والحفاظ على نمطية الاستقرار التي أسس لها أبوه وكانت مقبولة رغم أنها مجبولة دائما بدم السوريين. أغلب هؤلاء نعتوه بالولد والطائش وأكنفوه برعايتهم وغطوه سياسيا ودوليا لأنهم ببساطة كانوا مثل أبيه يهيئون أولادهم للحكم.
أما السوريون ممن صدقوا الوعود والظروف التي أنتجها الفراغ واستبشروا خيرا بالكلام وبإغلاق سجن المزة والإفراج عن كثير من السجناء السياسيين فقد خاضوا مغامرات سياسية – اجتماعية – اقتصادية ستعرف بربيع دمشق الذي وصل إلى نهاية مفاجئة في صيف 2001 عادت بعدها سجون آل الأسد لعاداتها كمكان يجمع السياسيين، والصحفيين وناشطي حقوق الإنسان ودخلت دمشق في خريف طويل.
وهنا يمكن بسهولة تذكر ما قاله وزير الإعلام الأول في عهد بشار عدنان عمران عام 2001 عن حركة المجتمع المدني:
“إنه مصطلح أميركي تم إضفاء معان إضافية إليه مؤخراً من قبل جماعات تسعى لأن تصبح أحزاباً”.
هذا التصريح الكارثي في الألفية الثانية لم يكن مفهوما لكثر في العالم ممن يرون أن السعي لتشكيل حزب فعل طبيعي ومشروع.. لكنه يؤشر بوضوح للعقلية الحاكمة في سوريا.
بالعودة إلى الرئيس الشيء فقد نكص كل الوعود الإصلاحية مبكرا، ليتبين أنها مجرد انتهازية حاول عبرها كسب الشعب والشرعية، غير آبهٍ بدروس التاريخ ودورة الظلم الطبيعية، ظل كما الوريث الذي امتلك فجأة لعبة كبيرة اسمها سوريا.. أكمل فيها عبثه.
الأشياء في سوريا تسير إلى الخلف أو تراوح مكانها إلا شيئاً واحداً يتقدم صاعداً
الحريات في أدنى مستوياتها والانفراج الذي استمر نحو عام انتهى كأنه لم يكن يوما وتم استبداله منذ ذاك الحين بسيل من التحليل الماورائي وشرح المصطلحات في خطب الرئيس المعقدة، دروس تنمية، فلسفة وأستاذية يحبها بشار ويتقنها، فلا ترون إلا ما يرى ولا تسمعون إلا ما يقول.
غزو العراق 2003، اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري 2005 وانسحاب الجيش السوري من لبنان وفرض العزلة على دمشق، الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006 وسلة من التحديات الخارجية رافقت الفترة الرئاسية الأولى للشيء. زاد فيها الفراغ ولم تتقدم البلاد في أي مجال، بل دخلت معادلاتٍ يخجل منها هواة السياسة الصغار.
خطاب شعبوي أمام الجماهير العربية وعزف على وتر مقاومة الاحتلال والانتصار للقضايا الكبرى، ومعاداة إسرائيل، الغرب وأميركا، خاصة بعد غزو العراق بينما كانت كل أجهزته الأمنية متفرغة لإسداء الخدمات للجميع في قضية منتسبي تنظيم القاعدة.
كشفت صحيفة The Washington Post، شباط 2013 عن الدول التي شاركت في برنامج الترحيل السري التابع لوكالة المخابرات المركزية CIA وكانت سوريا إحدى هذه الدول ومن أهمها.
“أعاقت ظروف عديدة بعض التطورات السياسية التي كنا نرغب في تحقيقها” من خطاب الولاية الثانية لبشار الأسد تموز 2007.
الفترة الرئاسية الإجبارية الثانية بدأت بحجة الظروف الخارجية غير المواتية، وطبعا بنسبة أصوات مؤيدة بلغت 98% من المستفتين السوريين. كانت آثار اغتيال رفيق الحريري والعزلة وتداعيات التخبط في السنوات الأولى بادية على ملامح البلاد ورمي عليها كما العادة كل إخفاقات الولاية الأولى.
حاولت السعودية ودول الخليج سحبه مجددا وإنقاذه اقتصاديا فاستفاد من فك العزلة عربيا وغض الغرب الطرف عن سيئاته وتناسى اتهامه باغتيال الحريري، مقابل بعض حسناته وخدماته التي يقدمها لهم في سياق تنامي الحرب على الإرهاب. أعاد الاتحاد الأوروبي المحادثات حول اتفاقية الشراكة الأوروبية، تلتها زيارة وزيرة خارجية الولايات المتحدة كونداليزا رايس لدمشق، ثم زيارة الأسد لباريس تموز 2008.
مجددا لم يستفد الشيء من ذلك، وكأي شخص ساذج يعتقد أن الفرص لا تنضب وأنه قادر على اللعب على الحبال، رأى بشار نفسه شيئا عظيما لا يستغنى عنه، مد الجسور مع الغرب واحتفظ بالميل تجاه نظام يعادي العالم ويعاديه، إيران وحزب الله ليكونوا شركاء استراتيجيين في وجه العرب الذين ساعدوه غير مرة. اقترب أيضا من تركيا ومنحها ميزات اقتصادية أثرت بشكل مباشر على معاش السوريين، وبدا كأنه يشعر بالاستقرار فتقبل الغزل الإسرائيلي وبادله بمثله.
سارية السواس عنوان المرحلة
شهدت البلاد فقاعات اقتصادية وحراكا تنمويا قشريا مزيفا على شكل تحولات في إمكانيات الطبقة الوسطى وافتتاح مشاريع استثمارية كبيرة وبنوك خاصة، ازدهر التهريب على الحدود وانتشرت وكالات الماركات العالمية وعاشت سوريا مواسم سياحية عامرة.. حياة ليلية، نجوم ونجمات، ومذهب فني جديد عرابوه مغنو الساحل السوري والنغم العراقي المحدث اللاجئ.. عناوين ساهم بها دخول عراقيين جدد بعد 2007 مختلفين عن اللاجئين الأوائل، وتدفقت الأموال وفاحت رائحة الغسيل النظيف.
سارية السواس المغنية الشاملة كانت عنوان مرحلة ازدهار السياحة موسمين أو ثلاثة شهدت زيارات المغتربين لبلدهم وتزامنت مع تعطل المرافق في لبنان الخارج من الحرب.
“لم تكن الصور وحدها تملأ فضاء سوريا.. بل كان سيادة الرئيس يتردد على المسامع منذ الصباح حتى المساء في نشرات الأخبار والأناشيد والأغاني.. تذكره الناس بأنه الخالق لسوريا الحديثة.. يتردد اسمه في بيوت الله. يقترن بالله. الخالق بالخالق” الروائي السوري فواز حداد يصف مرحلة تأليه الأسد الآب في روايته “السوريون الأعداء”.
التضييق على الحريات يتزايد وجفاف سياسي تام، ليس فقط بفعل تغول الأمن وسيطرته على كل شيء في البلاد، بل لأن الحياة السياسية عطلت تماما وأريد لها أن تموت وخاصة بعد موجة الاعتقالات والملاحقة والاضطهاد التي طالت الموقعين على إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي 2005 وبعده إعلان دمشق – بيروت 2006، هذا والحال أصلا لم تكن جيدة.
كان على السوريين أن يكتفوا بهبة القائد الخالد الذي ترك لهم ولسوريا رئيسا ليس كمثله شيء أو أحد، وفي تكرار ممجوج لسيرة الأب أخذت خطة تأليه بشار الأسد تتصاعد وتنمو. الرجل الذي لا مثيل له، الشاب الوسيم المنفتح المتعلم والمقاوم الصلب الذي يكاد ينهي العشرية الأولى كحاكم مطلق لسوريا وهو في ريعان الشباب وعلى السوريين التعايش مع هذا الشيء الفريد عشرات السنوات الأخرى قبل أن يفكروا بخلفه.. شركات علاقات عامة تقدم الرئيس وزوجته للغرب على صفحات المجلات الشهيرة يمارسون حياة كنبلاء أوروبا. خطاب شعبوي يحرك مشاعر شباب العرب وشعارات عن الصمود والتصدي المقاومة، وآلة تعمل في الداخل. بشار في كل مكان صور ومقاطع فيديو وأغان عن بشار في الحفلات والأعراس، مشاهد لحركاته “البلهاء” تملأ الهواتف المحمولة.. بشار بين الناس، يأكل ويشرب ويقود سيارته بنفسه من دون حراسة، بشار يقرع الحكام المتخاذلين.. أسد العرب، حامي العرين، البشار.. ألقاب أنتجتها سنوات الدورة الثانية في الحكم.
العام 2010 الذي سيكون فارقا
الآثار المؤقتة لتطبيق نظام اقتصاد السوق الاجتماعي الذي أقره مؤتمر حزب البعث السوري في عام 2005 بدت واضحة، والتطبيق المشوه المُسورن (اقتصاديا دون سياسي)، أفرز قشرة تنمو، وهوامش تزداد لتأكل البلد كله، وكانت سنوات قحط وجفاف، قلت الأمطار في تلك السنوات حيث ضربت موجة جفاف (2007-2010) من الأشد في تاريخ البلاد.
سياسة الفريق الاقتصادي الذي شكله الأسد وحده أنتجت ارتفاعا بالأسعار وزيادة في البطالة وتدنيا لمستوى التعليم والصحة واتساعاً في الهوة بين الأغنياء والفقراء، وكانت الحكومة ومؤسسات الدول وهيئاتها تمنح التسهيلات بشكل انتقائي وركزت على قطاعات معينة كالخدمات والسياحة والتجارة.. وطبعاً التسهيلات من نصيب أشخاص بعينهم نعرفهم جميعا، يملكون رؤوس أموال كبيرة وأصبحوا يملكون البلاد والعباد.. تغيرات سطحية لم يرد منه إلا خدمة السيد الرئيس وعائلته والمقربين.
وفي تقييم سريع للخطة الخمسية التي طرحت في المؤتمر القطري لحزب البعث 2005 وتبني اقتصاد السوق الاجتماعي، مع تجاهل المتغيرات الحقيقية كالجفاف والهجرة والأتمتة.. يتبين أن نسب النمو انخفضت واتسع نطاق الفقر، وبلغ العجز في الميزانية نحو 10% من الناتج المحلي.. سقطت إذن كل الدعاية عن (الإنجاز الاقتصادي) التي رافقت السنوات العشر حيث أريد للخنق السياسي أن يروج على أنه ضرورة للبناء والتنمية وتحريك عجلة الاقتصاد والقضاء على الفساد والنهوض بالمجتمع معيشيا ثم منحه الحرية والديمقراطية رويدا رويدا..
العام 2010 سيكون فارقا لأنه أيضا أنهى أكذوبة الحرس القديم الذي كانت ترمى عليه الإخفاقات وتعطيل عجلة الإصلاح. لم يعد في سوريا حرس قديم لأن عشر سنوات كافية لإحداث فرق في كل المجالات..
المفاجأة غير المحسوبة كانت نهاية 2010.. عندما سُمع صوت من تونس كان كجرس إنذار سيتردد صداه في المنطقة العربية بأسرها، ويبشر برياح التغيير. الذي يخشاه بشار الأسد.
الشيء لم يتغير وكل هذا لم يغير شيئا.. فاكتمل “العقد الضائع”
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا بعنوان “العقد الضائع” بعد عشر سنوات على حكم الأسد.
دخلت سوريا 2011 بكامل هشاشتها وقد طحنها الفساد والتأجيل والبطالة، وكل المؤشرات تدل على تدنٍ في قيمة المواطن السوري العادي وتغولٍ لأصحاب رؤوس الأموال وأصحاب النفوذ والسلطة، أما بشار الأسد فما زال يُهمس له ويعتقد في قرارة نفسه أنه الملهم المحبوب الذي يعبده شعبه.
لم يمض وقت طويل حتى أتت رياح التغيير على زين العابدين بن علي في تونس، حسني مبارك في مصر، وبدأت ارتدادتُ الحرية تهز عروش القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن.
وفي آذار 2011 اهتزت الأرض في سوريا من دمشق إلى درعا. لاحت الانتفاضة، وكانت فرصة الشيء ليجبر خاطر شعبه، ليأخذ بيده وليجنب سوريا الانهيار..
عدم الانهيار كان خياراً متاحاً لو أن بشار الأسد تحلى بالحكمة وقابل الشعب بغير القتل والمجازر.
الفرصة الأهم اقتربت أكثر من بشار الأسد ليصبح فعلا شيئا عظيما
ظهر الشيء نهاية آذار، في خطاب متلفز انتظره السوريون والعالم، وعوضاً عن اقتناص الفرصة، أعلن الحرب ولم يغير شيئا، سمع المنتظرون كلاماً مكروراً عن المؤامرة والمندسين والمواجهة الحتمية. سخرية من الاحتجاجات، نكات وضحك.. فعل سيتكرر كثيراً بوقاحة لا تعي خطورة الحدث، وكالعادة مع كل خطاب، تصفيق وابتهاج معلب.
تحولت الاحتجاجات إلى انتفاضة ثم ثورة فحرب فمأساة، بقي حزب البعث قائدا للدولة والمجتمع بحكم الدستور، المادة الثامنة راسخة، قانون الطوارئ، وحالة الطوارئ سارية وبشدة، لا أحزاب ولا مجتمع مدني ولا إعلام وحرية التعبير حالها في الحضيض، السلطة مطلقة بيد الرئيس لا معارضة ولا حتى نقد محب ومجموعة منتفعين تستمر في امتيازاتها..
أضاع الشيء الفرصة ولم يخيب ظن العارفين به، وبعنجهية وسطحية أعلن الحرب ومواجهة الجميع.
مجددا أذكركم بعدنان عمران الذي قال يوما وهو يواجه الناشطين السوريين
“عندما تكون نتائج أي فعل المس بالوطن فهناك احتمالان: الأول أن يكون الفاعل عميلاً يخرب لصالح دولة ما، أو أن يكون جاهلاً ويخرب من دون علم”.
عشرة أعوام مضت على خطاب الحرب، وإلى اليوم سمع السوريون كثيراً من الخطابات. أصبحت سوريا الكارثة الإنسانية الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية بنحو مليون قتيل، و2.1 مليون مصاب منهم بإعاقات دائمة، وتهجير 13 مليون شخص إلى مناطق اللجوء والنزوح، الخسائر الاقتصادية حتى 2020 نحو 530 مليار دولار.
وما دون ذلك مرت في السنوات العشر تفاصيل كثيرة، مؤلمة لكنها هامشية أما المأساة، دمرت المدن والحواضر السورية وضاعت أجيال بلا تعليم وكثرت الاحتلالات والجيوش.
انهار كل شيء.. لأجل شيء واحد اسمه بشار الأسد الذي سيحظى بأسماء كذيل الكلب أو الحيوان.
وفي التفاصيل كثير من توافه الأمور مرت خلال السنوات العشر الماضية كأن يصدر الأسد قانونا لتشكيل الأحزاب ويلغي المادة الثامنة ويفوز بالانتخابات الرئاسية دورتين متتاليتين أخرها قبل أيام، وأن يقف خطيبا بين حاشيته.. يشرح المصطلحات ويلقي نكاته السمجة كالعادة.
تلفزيون سوريا
————————
الموالون السادة والموالون العبيد في خطاب لونا الشبل/ عبد القادر المنلا
ما إن انتهى بث حوارها على قناة الإخبارية أو (الاستخباراتية)السورية – إن توخينا الدقة- حتى اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي موجة استنكار كبيرة ضد “لونا الشبل” المستشارة الإعلامية لبشار الأسد.
موجة من التذمر والسخط والإحباط والشتائم المباشرة تركزت هذه المرة في أوساط المؤيدين الذين أحسوا بإهانة بالغة بسبب نظرة الشبل الدونية لهم واستهزائها بصمودهم و”تضحياتهم” و”شهدائهم”.
أكثر ما استوقف المؤيدين أن حديث الشبل تركز بشكل رئيسي حول تحليل خطاب القسم الذي ألقاه الأسد منذ أيام، فهي بشكل أو بآخر تتحدث باسم الأسد ولكنها تعبر عن رأيها الشخصي، تحتمي بالأسد وخطابه لتبث سمومها في أوساط المؤيدين وتفسد عليهم فرحة الاحتفال بالنصر وفرحة ترقب توزيع الغنائم.
الحصاد المرّ..
لا حصاد لما زرع المؤيدون، ولا مكافأة لعطاءاتهم وتضحياتهم إذاً، فيكفي أن جيشهم “الباسل” أعاد الأراضي التي استولى عليها الإرهابيون، فما بال الموالاة لا يدركون أهمية ذلك، ولا يحسون أن استرجاع الأراضي بحد ذاته أكبر الغنائم وأعظم الحصاد وأهم مكافأة لمن وقفوا مع الأسد.
ماذا لو أن الإرهابيين ما يزالون يهددون مواقع الموالاة؟ ماذا لو أن الجيش السوري وقائده الأسد لم يسحقوا الإرهاب؟
وربما كان السؤال المبطن والأهم الذي تريد الشبل توجيهه إلى الموالاة هو: ماذا لو أن الثورة انتصرت ففقدتم مكاسبكم ومنافعكم التي كنتم تحصلون عليها من خلال منظومة الفساد التي استمات الجيش الباسل للحفاظ عليها، منظومة الفساد الكبرى التي قسمت الكعكة وفق قوة اللصوص وقربهم من زعيم العصابة، لقد تعرضت تلك العصابة للاهتزاز مع أول صوت طالب برحيلها ومحاسبتها، ولكن ها نحن موجودون من جديد، فقدتم بعض مكاسبكم فاحمدوا السيد الرئيس لأنكم لم تفقدوا رؤوسكم، واحمدوه أيضاً على حرصه على منظومة الفساد التي يتعهد بإبقائها قوية وراسخة، وكل ما تسمعونه عن الضرب بيد من حديد ضد الفاسدين ما هو إلا كلام في كلام، بدليل أن الفساد لم يتراجع قيد أنملة، فاطمئنوا.
لقد دافع جيشنا الباسل عنكم وعن كراسيكم وعن غنائمكم التي تتقاسمونها منذ عشرات السنين، فأنتم إذاً لم تخسروا إلاّ بعض ما كنتم تكسبون مما لا تستحقون، فبماذا تطالبوننا؟
سادة وعبيد..
أما صغار المؤيدين ممن هتفوا وخرجوا في المسيرات المؤيدة وكتبوا التقارير، وساهموا في الترويج لرواية العصابة، فعليهم أيضاً أن يحمدوا السيد الرئيس على نعمة البقاء.
انظروا كم من المؤيدين قتل أو أصيب، فعلى كل من بقي على قيد الحياة وعلى كل من بقي سالماً أن يعلم أن هذه هي مكافأته، وأن عليه أن يخوض حرباً جديدة لاستعادة موقعه في خريطة الفساد الجديدة، وليبحث عن غنائمه بنفسه في قادمات الأيام، أما الآن فلا يستطيع السيد الرئيس اقتطاع جزء من حصته وحصة الدائرة الضيقة ليوزعها على كل الأتباع.
ولربما قالتها الشبل بشكل صريح: لقد ضحى الجيش بكل ما لديه، والآن جاء دور الشعب بالتضحية، إنها رسائل مبطنة ولكنها واضحة: ثمة سادة وعبيد، ولا يمكن لكل المؤيدين أن يكونوا سادة، فمن أين سنأتي إذن بالعبيد؟
لقد اعتقد المؤيدون، أنهم خاضوا الحرب جنباً إلى جنب مع الجيش والرئيس، ولكنهم فوجئوا بأن لونا الشبل لا تعترف بكل ما قدموه بل وترى أن معركتهم بدأت الآن، وأن عليهم أن يستعدوا للتضحية.
محافظ حمص مجددا..
لقد كان خطاب الأسد بحد ذاته استفزازياً بالنسبة للمؤيدين، ولكن هؤلاء يتقبلونه من الرئيس وحده باعتباره ينضوي -ولا شك- على حكمة ما وعلى بعد نظر، وأيضاً لأن أحداً لا يستطيع إبداء تذمره أو اعتراضه على الخطاب أو جزء منه، ولهذا يضطر المؤيدون لأن يفسروا ما يقوله الرئيس على نحو إيجابي، لأن يروا فيه ما يشتهون بصرف النظر عن تطابقه مع مضمون الخطاب وواقعه.
أما أن تظهر لونا الشبل وبصفتها الرسمية لتؤكد أن كل ما ورد في خطاب القسم من استفزاز واستهتار واستعلاء هو أمر مدروس ومقصود، فهنا لا بد للمؤيدين أن يصبوا جام غضبهم على الشبل لكونهم لا يستطيعون التجرؤ على الأسد، بل وربما يخطّئون لونا في تحليلها وتفسيرها للخطاب مكتفين بالصورة الإيجابية التي تشكلت لديهم من خطاب القسم، الصورة الإيجابية التي لا يستطيع المؤيد رؤية غيرها، أما أن تأتي لونا الشبل وتفرض فهماً واقعياً لا يتقاطع مع أمنيات المؤيدين فلا بد حينذاك من ثورة على الوسيط، ثورة تحمل ذات منطق الثورة على محافظ حمص لا أكثر.
مكانة وظيفية أم شخصية؟
لا تبدو الشبل من خلال لقائها التلفزيوني مجرد مستشارة إعلامية في قصر بشار الأسد، ولا مجرد موظفة من ذوات الوزن الثقيل وحسب، وإنما من عظام رقبة القصر ومن أساساته القوية.
كل تصرفات لونا توحي بذلك أيضاً: ثقتها المفرطة، رغم ضعف حججها وضعف حضورها وأدائها، ضحكاتها الصبيانية، لغتها الكيدية، وكذلك طريقة تعاملها مع مضيفيها، والتحكم بنوعية الأسئلة وزمنها، فضلاً عن الحفاوة الاستثنائية التي أحيطت بها سواء من قبل المذيعين، أو من قبل الإدارة، حيث كان عماد سارة وزير الإعلام حاضراً خلف الكاميرا، وسُربت أخبار عن تقديمه العصائر بنفسه لها، وامتداحه لحديثها وإظهار كل أشكال النفاق والتذلل لها، الأمر الذي يؤكد المكانة التي تحتلها الشبل في هيكلية النظام، ولكنها تبدو مكانة شخصية أكثر منها وظيفية.
بدت لونا وكأنها تعرف الأسرار العميقة لبشار الأسد والتي لا يحق للمستشار الإعلامي أن يعرفها لكي توحي بتلك العلاقة الخاصة مع الرئيس، ففي أثناء حديثها عن نتائج الدراسة الخاصة بأولاد الأسد، أوحت لونا بأنها أم أولاد الرئيس وأن العلاقة الشخصية التي تربطها به أهم بكثير من علاقة العمل، أما حديثها عن علاقة الأسد بحسن نصر الله، فهي الوحيدة التي تعرف مدى عمقها كما ادعت، رغم أن الطفل السوري يعرف تماماً عمق تلك العلاقة، ولكن يبدو أن الشبل تتحدث عن العلاقة الخاصة، الشخصية، وتريد أن توحي بأنها تحضر اللقاءات غير الرسمية للاثنين أيضاً (الأسد ونصر الله).
لماذا حسين مرتضى؟
ولربما جاء اختيارها للصحفي اللبناني حسين مرتضى ليتصدر الحوار تأكيداً على إهانة النخبة السورية التي ساندت الأسد لسنوات، ولربما رأى المؤيدون في ذلك الاختيار إجابة على تساؤلاتهم حول الغنائم وإلى من تذهب، فمن بين كل الصحفيين السوريين الذين وقفوا مع الأسد على مدار عشر سنوات، يتم الاعتماد على صحفي لبناني وتصديره في اللقاءات الهامة على حساب الصحفيين السوريين، هنا نعود لمنطق العبيد والسادة، صحيح أن المذيعة ربى الحجلي سورية، ولكنها لم تكن أساسية في إدارة الحوار.
ذلك أمر مستفز جداً، ولكن تسلط لونا الشبل وبلطجتها وتشبيحها على الشبيحة ذاتهم فاق كل احتمال، فكم من الصحفيين الذين تأذوا من لونا بفقدان مواقعهم ومناصبهم أو بتحجيمهم أو حتى بالتسبب بجلطات دماغية وإعاقات دائمة لهم كما حدث مع مدير تحرير جريدة الثورة سابقاً علي القاسم على سبيل المثال والذي يرقد منذ سنتين صريع الشلل من جراء جلطة دماغية تسببت بها الشبل بعد اضطهادها للقاسم وقمعها له وهو الذي سخّر نفسه لسنوات طويلة للدفاع عن الأسد وروايته وكاد أن يفقد حياته في سبيل ذلك.
فوق لغة الاستعلاء والاستهزاء بالمؤيدين أنفسهم، سادت أيضاً لغة تهديد خفية، فلونا تريد أن تصدر نفسها على أنها صاحبة قرار ليس فقط ضمن موقعها وإنما أيضاً في كل شيء، بدليل خطاب القسم الذي تفهمه أكثر من الأسد نفسه، فهي لا تحلل الخطاب في الواقع وإنما تفسره وتلمح من بعيد إلى أنها هي من كتب ذلك الخطاب، ولربما كانت السذاجة والمباشرة في أسئلة المضيفين تكشف أيضاً عن معرفتهما بأن الشبل هي من كتب الخطاب، وهي المرجع الأول والأهم الذي يفسر المقصود بكل كلمة قالها الرئيس فيه، فحسين مرتضى يسأل الشبل سؤال العارف والواثق بأن الإجابة الشافية ستكون لديها، أما الشبل فهي تجيب بلغة من يثق تماماً بأنها الوحيدة التي تعرف خفايا الخطاب، وبالطبع فإن كاتب خطاب الرئيس هو الوحيد الذي يقف أمامه الرئيس ضعيفاً، متسائلاً عن معاني وأهداف بعض الكلمات والجمل.
ربما ستكون مواقف المؤيدين ما بعد لقاء لونا الشبل مختلفة تماماً عما قبله، ولربما تشكل لغتها المتعالية على أتباع الأسد أنفسهم من بسطاء ونخب مفترق طرق يدفع بالمؤيدين إلى توخي الحذر وإعادة التفكير ولو لمرة واحدة بمواقفهم الخشبية التي استمرت سنين طويلة.
تلفزيون سوريا
———————–
الصداع السوري/ عدنان علي
بعد أكثر من عشر سنوات على انطلاق الثورة في سوريا ضد نظام الأسد، ووصول الحلول السياسية التي طرحت خلال ذلك إلى طريق مسدود، بسبب عدم رغبة النظام وحلفائه في الانخراط في أية حلول ذات معنى، فإن الأجواء في المنطقة باتت كما يبدو تميل إلى طرح مخارج من الوضع الراهن المستعصي، بأي ثمن، أو بدون ثمن، باعتبار ما يجري في سوريا تحول إلى صداع لدول المنطقة، حيث الجميع (باستثناء إسرائيل)، يريدون الخروج من هذا الوضع الذي تسبب لهم بالضرر الاقتصادي وكلفهم تحمل أعباء اللاجئين السوريين، كما حال الأردن ولبنان والعراق، فضلا عن المخاوف الأمنية من امتداد الشرر إلى بلدانهم، إضافة إلى شعورهم بـ”الإحراج” أمام شعوبهم بسبب تقصيرهم في مساعدة الشعب السوري أو الحد من معاناته طوال هذه السنين.
وفي هذا الإطار تأتي ما دعيت بمبادرة الملك عبد الله التي حملها إلى واشنطن وملخصها إعادة تعويم نظام الأسد عربيا ودوليا، بحكم أنه باق كأمر واقع ولا يمكن التخلص منه، ولا بد تاليا من إعادة التأقلم مع وجوده، بوصف ذلك “المخرج الوحيد” المتاح بعد أن تعذرت إزاحته بالقوة، بسبب الوقوف الحاسم معه من جانب حلفائه الروس والإيرانيين.
ومن دون التطرق إلى حقيقة أن القوى الكبرى التي تدخلت في الشأن السوري، بما فيها التي تناهضه علنا مثل الولايات المتحدة، لم تكن في أية لحظة جادة في العمل على إزاحة النظام، فإن ما حمله ملك الأردن إلى واشنطن، إنما يعكس تململ بعض دول المنطقة من الوضع الراهن للقضية السورية حيث لا تلوح في الأفق أية حلول سياسية، بينما نظام الأسد، وبرغم وضعه الداخلي المترهل، يعتبر نفسه منتصرا، ويطالب بالتعامل معه كذلك. وهذا بالضبط جوهر “مبادرة” الملك الأردني، أي التعامل مع الطرف المنتصر بوصفه الحل الوحيد المتاح، من دون التطرق، على الأقل في الشق المعلن من هذه المبادرة إلى مطالب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية.
والواقع أن الأفكار التي طرحها الملك عبد الله لا يمكن اعتبارها مبادرة سياسية مكتملة، ذلك أن الأردن بحجمه الصغير، غير مؤهل لطرح مبادرة لحل قضية معقدة تنخرط فيها دول كبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، وليس لدى الأردن نفوذ يذكر بشأن ما يجري في سوريا، لا على النظام ولا المعارضة.
كما أن إدارة جو بايدن، كما الإدارة الأميركية السابقة، ليست معنية وفق ما صدر عن العديد من مسؤوليها بالانخراط الواسع في عملية سياسية معقدة في سوريا تتطلب كثيرا من الوقت والجهد، وهي قضية ليست أولوية لدى هذه الإدارة التي قالت إنها معنية فقط بالجوانب الإنسانية وبمحاربة تنظيم داعش. وفضلا عن ذلك، يستشف من التصريحات الأميركية، بما فيها تصريحات الرئيس بايدن، بأن هذه الإدارة لا يمكنها الانخراط في أية عملية سياسية تقوم على تعويم نظام الأسد، ومنحه الشرعية مجددا، وإن ظلت تقول إن سياستها لا تقوم على تغيير النظام، بل دفعه إلى تغيير سلوكه، لكن في الحالة السورية، فإن كلا الأمرين هما شيء واحد تقريبا، لأنه بمجرد أن يقوم النظام أو يدفع إلى تغيير سلوكه، سيكتب نهايته بيده، ذلك أنه نظام قائم على القمع والأحادية، وغير قابل للإصلاح السياسي.
ويبقى القول إن أية مبادرة أو أفكار تهتم فقط بمصالح وحسابات الدول الإقليمية والدول الكبرى، دون الأخذ بعين الاعتبار مطالب الشعب السوري، أو الجزء الأكبر من الشعب الذي ثار على النظام قبل عشر سنوات مطالبا بالحريات والديمقراطية وإنهاء دولة القمع والمخابرات والفساد، لا يمكن أن يكتب لها النجاح. وما لم تتشكل جبهة ضغط دولية حقيقية على نظام الأسد، تجبره على الانخراط في حل سياسي حقيقي، يقوم على المشاركة السياسية، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، فإن أية تحركات هنا أو هناك، سوف تندثر دون أية ثمار، حيث لا يمكن اختزال قضية الشعب السوري التي كلفت ملايين القتلى والجرحى والمعتقلين والمهجرين، بمصالح ورغبات هذه الدولة أو تلك، كما لا يمكن مكافأة نظام أوغل في الإجرام، بإعادة تعويمه، وكأن شيئا لم يكن.
تلفزيون سوريا
————————–
انتقادات جديدة للونا الشبل.. من معسكر بثينة شعبان
مازال اللقاء الإعلامي الذي أطلت به المستشارة الرئاسية السورية لونا الشبل، الأسبوع الماضي، يثير الانتقادات، بعد مطالبتها السوريين بـ”الصمود الإيجابي”. لكن تصريحات نائب رئيس اتحاد الصحافيين التابع للنظام، مصطفى المقداد، الاثنين، كانت الأقسى من ناحية رسمية، خصوصاً أنها طاولت أيضاً وزير الإعلام عماد سارة.
وحمّل المقداد، وزير الإعلام سارة، ومدير قناة “الإخبارية السورية” عدنان أحمد، مسؤولية الجدل الذي أحدثته تصريحات الشبل. وبالطبع كان المقداد هنا حريصاً على صورة النظام أمام شعبه المستاء، وليس العكس، ولم يكن غريباً بالتالي أن يهاجم الثنائي لكونهما “كانا يقفان في غرفة المراقبة ومعهم مجموعة كبيرة من المهندسين والفنيين وغيرهم ممن يديرون عمل القناة” من دون التدخل في اللقاء.
وظهرت الشبل بإطلالة باذخة في مقابلة تلفزيونية مع حسين مرتضى وربى الحجلي، على شاشة “الإخبارية السورية”، بعد عشر سنوات من انقطاعها عن الإطلالات الإعلامية، حاولت فيه تفسير خطاب القسم الذي ألقاه حينها رئيس النظام بشار الأسد، ما أثار انتقادات تجاوزت الشبل نحو الأسد في مشهد نادر بسبب مستوى القمع الذي يحكم به النظام مناطق سيطرته.
وكتب المقداد عبر صفحته الشخصية في “فايسبوك” منشوراً طويلاً نقلته وسائل إعلام موالية، حيث تحدث في 10 نقاط عن اللقاء وكواليسه، مهاجماً تخصيص أكثر من مذيع لإدارة اللقاء، ما جعل المقابلة تظهر وكأنها حدث استثنائي ومفصلي بالنسبة للشاشات السورية، رغم وجود شخصيات أخرى مساوية في الأهمية أو أكثر أهمية من الشبل، لم تحظ بالمعاملة نفسها، حسب تعبيره، مثل المستشارة الرئاسية الثانية بثينة شعبان.
إشارة المقداد لشعبان تعيد للأذهان الخلاف الحاد بين المستشارتين والذي ظهر للعيان في وقت سابق العام الماضي، عندما عيّنت الشبل مستشارة إعلامية خاصة في رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى مهامها كمديرة للمكتب الإعلامي والسياسي في القصر الجمهوري.
ويشير الخلاف بين الشبل وشعبان إلى خلاف أكبر يتعلق بمستقبل وهوية البلاد. فالأولى جزء من محور أوسع داخل النظام، يضم أشخاصاً مثل رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك، ووزير الإعلام عماد سارة، وعدداً من الوزراء وقادة فروع الأمن الموالين لروسيا. والثانية جزء من محور آخر يضم رئيس فرع المخابرات الجوية سابقاً جميل حسن، ورئيس الحكومة السابق عماد خميس، وقادة فروع الأمن الموالين لإيران، حسبما تشير تقارير ذات صلة.
وكانت الشبل كسبت شهرة واسعة عندما كانت مذيعة في قناة “الجزيرة” قبل أن تستقيل من المحطة العام 2011، لتقف إلى جانب النظام السوري وتقود الجهود الإعلامية التي حاولت تزييف حقيقة الثورة السورية، وأدرج اسمها في لوائح العقوبات الاقتصادية الأميركية في وقت سابق من العام 2020. وخلال عملها مستشارة إعلامية للأسد، بدأت الشبل رويداً رويداً في بسط نفوذها وسلطتها في القصر الرئاسي حتى لقّبت بـ”السيدة الثانية”، وبدأت الصراعات بينها وبين بثينة شعبان من جهة، وبين أسماء الأسد من جهة ثانية، وبرز ذلك في قضايا عديدة من بينها التغييرات التي طاولت وزارة الإعلام في السنوات الأخيرة.
في ضوء ذلك، أصبحت تصريحات المقداد الحادة جزءاً من الصراع المستمر، بما في ذلك هجومه على سارة، إذ “لم يسبق لوزير الإعلام أن وقف في غرفة المراقبة للإشراف على متابعة أي لقاء مع أي مسؤول أو وزير أو مستشار لإخراج اللقاء القادر على النفاد لرأي المواطنين ومحاولة إقناعهم بصوابية الإجراءات التي تتخذها الحكومة. وهو في سلوكه هذا يتحمل مسؤولية اللقاء كاملاً بكل سلبياته وإيجابياته”.
وبحسب المقداد كان الوقت المخصص للقاء 25 دقيقة فقط، لكنه امتد إلى ساعة ودقيقتين من أجل تقديم الشبل من طرف وزارة الإعلام على أنها “الشخص المسؤول الوحيد في سوريا الذي يمكن أن توجه له كل الأسئلة الإشكالية والمحرجة، وهو الشخص الوحيد الذي يستطيع الإجابة عليها بمنتهى الصراحة والصدق، لأنه عارف ومحيط بكل معلومات وأسرار البلد، وفي هذا تجاوز لمهام وصلاحيات الوزراء والمديرين والمسؤولين، وهو ما أدى لتلك النتيجة السلبية لدى جمهور المؤيدين، وإن كان وزير الإعلام أراد تقديم خدمة للمستشارة فإنه ضرها، من حيث يدري أو لا يدري. فربّ نافعة، ضارة”.
المدن
—————————
“سيد الفوضى”.. كيف دمر بشار الأسد سوريا ليبقى في الحكم؟
عرض فيلم “سيد الفوضى” -الذي بث بتاريخ (2021/7/25)- المعادلة التي أقرها رئيس النظام السوري بشار الأسد؛ “إما أنا أو الفوضى” و “بشار أو تنظيم الدولة”.
ورسم الفيلم ملامح تحول بشار الأسد من شخص كان الغرب يعول عليه لتحديث النظام السوري وإصلاحه من الداخل؛ إلى دكتاتور وسفاح يقتل شعبه من أجل البقاء في السلطة، بفضل الدعم الإيراني والتدخل الروسي.
وقد ورث بشار الأسد واحدة من أكثر الدكتاتوريات وحشية في الشرق الأوسط، وقصرا منيفا على مرتفعات دمشق، بعد وفاة والده عام 2000.
واندلعت الثورة السورية مطلع العام 2011 بمظاهرات محدودة، وفي 18 مارس/آذار 2011 كتب شبان من درعا على جدار مدرستهم “جاك الدور يا دكتور”، وأثار اعتقالهم وصنوف التعذيب التي تعرضوا لها موجة احتجاجات اجتاحت البلد، مدينة بعد مدينة، وقابلها بشار بالقمع والتنكيل بالمعتقلين.
ويروي السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد لقاءه بشار الأسد وسؤاله له عن مدى قلقه من وصول رياح التغيير إلى سوريا؟ فأجاب بأنه مطمئن لأن الشعب السوري يدعمه ويساند حكومته كل المساندة، لكن مظاهرة عفوية في سوق الحريقة خرجت بعد أسبوعين، وقد صوّر سوريون ما جرى عبر هواتفهم المحمولة.
واقترح الأميركيون بعد اندلاع المظاهرات مساعدة بشار على الدخول في مناقشات مع قادة المعارضة، ورحبت الحكومة السورية بالحوار، وطلبوا من أميركا مساعدتهم على تنظيمها، ولكن كلما اقترب موعد جولة حوار تحركت الشرطة السرية السورية لاعتقال المعارضين.
وتقول بثينة شعبان -المستشارة السياسية للرئيس السوري- إنها التقت بسفراء بريطانيا وفرنسا وأميركا، وتكوّن في ذهنها انطباع بأن الدبلوماسيين الغربيين تتملكهم فكرة مفادها أن السوريين انتفضوا وأنه يتوجب على الحكومة الاستجابة لهم، لكن الرئيس كان يؤكد لها في كل اللقاءات بأنه سينتصر.
المسار المسلح
ويقول المعارض المنشق عن النظام السوري فراس طلاس -وهو نجل وزير الدفاع السوري السابق- إن بشار رفض الإصلاحات وقرر أن يستخدم الجيش ضد المتظاهرين، بعد أن كان مترددا في الأسابيع القليلة الأولى، وقد عقدت عائلة الأسد اجتماعا في بيت العائلة ثم اتفقت على إنزال الجيش وإطلاق يده ضد المحتجين، ويؤكد أن والدة بشار أشارت عليه أن يسلك نهج أبيه.
وأضاف أن بشار لا يهمه الدمار الذي لحق بالبلد طالما أنه سيبقى رئيسا، وأنه لن يتنحى أبدا عن السلطة حتى لو اتفقت كل الأطراف على إزاحته.
وقرر معارضوه تسليح أنفسهم بمساعدة منشقين عن الجيش، لكن تعامل النظام ازداد ضراوة وأخرج أسلحته الثقيلة، وفي صيف 2011 فقد بشار السيطرة على نصف أراضي سوريا، ما دفعه للزج بالجيش كله في المعركة دون تمييز بين مقاتل ومدني، وهو الأمر الذي أثار الرأي العام العالمي.
وسعت أميركا وحكومات أخرى إلى توحيد المعارضة، وتقوية شوكتها للتفاوض على عملية انتقالية، ورصدت مبالغ كبيرة وصلت إلى مئات الملايين من اليوروهات للتسليح وتدريب فصائل ثورية سورية، ولم يعد جيش بشار مسيطر إلا على ثلث البلاد.
وفي 21 أغسطس/آب 2013 قصفت قوات الأسد منطقة الغوطة بأسلحة كيميائية، مما أسفر عن مقتل المئات، كثير منهم أطفال، وأعلنت الإدارة الأميركية أن استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر، وطلب الرئيس الأميركي السابق بارك أوباما من الجيش إعداد رد لا يستهان به.
وتحدث المعارض السوري مازن درويش -المعتقل السابق في السجون السورية- عن تعرضه للتعذيب، وكان أول سؤال يسمعه “لماذا لا تحب بشار الأسد؟” ويضيف أصبح التعذيب بعد عام 2012 لعبة بيد النظام وهدفا في حد ذاته لتحطيم السجين.
تخلي الغرب
وبعد تنكيل الجيش السوري بالمدنيين تخلى الغربيون الذين كانوا يدعمون بشار الأسد عنه، وقال الرئيس أوباما “قلتها مرارا وتكرارا إن الرئيس الأسد فقد شرعيته ويجب أن يرحل بدلا من إغراق بلاده في حرب أهلية، ينبغي عليه أن يقبل انتقالا سياسيا معقولا”.
وعبّر وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس عن دهشته من تحول بشار من الرئيس “اللطيف” -الذي زار الإليزيه للقاء الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي واجتمعا حول مأدبة عشاء بحضور زوجتيهما وعدد قليل من الحضور في نوفمبر/تشرين الثاني 2010- إلى شخص يأمر لاحقا بإسقاط براميل متفجرة من طائرات الهليكوبتر على السكان المدنيين.
مسارات الحل
ومع اشتداد الحرب شهد العالم أزمة هجرة غير مسبوقة، وكان للدول الأوروبية النصيب الأكبر من المهاجرين، ولإيجاد حل للصراع ووقف تدفق اللاجئين بدأت في عام 2012 مفاوضات دولية تحت رعاية الأمم المتحدة تهدف إلى تشكيل حكومة انتقالية في دمشق فيها معارضة ديمقراطية وشخصيات من النظام سمعتها مقبولة.
تنظيم الدولة
لم تخفِ الحكومة الأميركية خشيتها من أن سقوط الأسد فجأة قد يسمح للمتطرفين بالسيطرة على السلطة. واستغل بشار الوضع ليستثمر تلك المخاوف، وقد أطلقت حكومته سراح العديد من الجهاديين منذ بداية الثورة، وفي أواخر عام 2012 وطأت أقدام تنظيم الدولة الأرض السورية بعد العراق.
وسرعان ما توسع التنظيم حتى أحكم سيطرته على مدينة الرقة عام 2014، وبات التخادم واضحا بين قوات الجيش السوري ومقاتلين تنظيم الدولة حول مدينة حلب ضد قوات المعارضة، كما دأب بشار الأسد على تقديم نفسه لأميركا وأوروبا بأنه بديل للمتطرفين.
التدخل الروسي
وقد ناقش الأسد مع الرئيس فلاديمير بوتين الحرب على تنظيم الدولة، لكن الواقع كان يبحث عن دعم عسكري من شأنه أن يغير ميزان القوى لصالحه. وتدخل رسميا الجيش الروسي على نطاق واسع في سوريا لضرب تنظيم الدولة؛ وهو العدو الذي استفاد بشار من وجوده.
واستعادت قوات بشار في 2016 جزءا كبيرا من الأراضي التي فقدتها قبل ذلك في 5 سنوات. وشاهد الأوروبيون والأميركيون الدمار الرهيب الذي صاحب العملية، واكتفى الغرب بفرض عقوبات على الزعيم السوري ومقربين منه، لكنّ يديه أطلقت لاستعادة مناطق خرجت عن سيطرته.
————————————
======================
تحديث 30 تموز 2021
—————————–
الأردن و«تدوير الزوايا» مع النظام السوري: البداية بفتح وتشغيل معبر جابر الحدودي/ بسام البدارين
عمان- «القدس العربي»: يمكن القول بأن إعادة فتح معبر جابر الحدودي بين الأردن وسوريا وبشكل كامل أمام حركة السيارات والشاحنات وأيضاً أمام حركة المواطنين، هي آخر خطوة اتخذتها الحكومة الأردنية بالاتفاق مع نظيرتها السورية، ويمكن ربطها بأجندة الامتيازات الخاصة والاختراقات التي حققها الجانب الأردني بعد الزيارة الشهيرة الأسبوع الماضي، التي قام بها الملك عبد الله الثاني إلى العاصمة الأمريكية.
ويقدر العديد من المراقبين أن العاهل الأردني طلب من الرئيس الأمريكي جو بايدن تسهيلات وامتيازات خاصة على هامش قوانين وتعليمات الحصار الأمريكي على النظام السوري تحت تلك البنود التي تسمح بها الشرعية الدولية وفي إطار جبر الضرر عن القطاعات الاقتصاديه والتجارية الأردنية، وتمهيداً لخطوات إقليمية أخرى على الأرجح.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول بأن الإعلان قبل 3 أيام عن فتح حدود جابر كاملة أمام حركة العبور في الاتجاهين بين البلدين هي خطوة لها علاقة بالسياق الدبلوماسي والسياسي والاستراتيجي الجديد للدور الأردني على المستوى الإقليمي، خصوصاً في ظل أو بعد تفاهمات استراتيجية عسكرية وسياسية بين الأردن والولايات المتحدة شهدتها علاقات الجانبين الأسابيع الماضية.
وحدود جابر مع القطر السوري الجار للأردن مغلقة تماماً منذ عدة سنوات، لا بل مغلقة كانت أيضاً على هامش تبادل السلع والمنتجات والصادرات بين البلدين.
لكن فتح الحدود بكامل جاهزيتها قرار سيادي وسياسي مشترك تم وفقاً للبيان الرسمي الأردني الذي أعلن هذا النبأ بالتفاهم مع المنظمات والمجتمع الدولي، مما يعني بأن الأردن حصل فعلاً على تفويض غربي وأمريكي دولي يسمح له بالمضي قدماً في تطبيع علاقته التجارية والاقتصادية مع الحكومة السورية بعيداً عن قانون قيصر، الذي يحاصر النظام السوري، وبعيداً عن بقية تعليمات الإدارة الأمريكية بخصوص الحصار وتضييق الخناق الاقتصادي.
الأردن، سياسياً، يأمل في أن تؤدي هذه الخطوة لاحقاً إلى مزيد من الانفتاح، وخصوصاً أن العاهل الملك عبد الله الثاني، صرح علناً بأنه يرغب بالعمل من أجل إعادة إدماج سوريا في النظام العربي.
وقبل زيارته الأخيرة لواشنطن، شدد العاهل الأردني على أن الفرصة يجب أن تكون متاحة أمام الأشقاء في سوريا، للعودة إلى الجامعة العربية، وقبل ذلك أشار إلى أن الاتصالات فعالة ونشطة بين القصر الملكي الأردني والقصر الجمهوري السوري، وأنه على اتصال مباشر بالرئيس السوري بشار الأسد، وتلك الإشارات الملكية الأردنية تتم ترجمتها اليوم بعد ضوء أمريكي وأوروبي أخضر على الأرجح، يسمح بإعادة فتح حدود جابر الكبيرة والضخمة بين البلدين، والتي بقيت مغلقة بترتيبات مع الدول الكبرى طوال الأعوام الماضية.
رئيس الوزراء الدكتور بشر خصاونة، على هامش نقاشات مع “القدس العربي”كان قد أشار إلى أن بلاده معنية بإدماج جميع شعوب المنطقة ومعالجة أزماتها والتكامل في التنسيق، خصوصاً خلال الاشتباك مع معركة فيروس كورونا، حيث لا مناص من التشاور. لكن رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، يذكر دوماً بأن التعاون مع الأشقاء في سوريا فيه مصلحة للطرفين، داعماً النظرة الأعمق لعلاقات الجوار في مجال التعاون الاقتصادي.
مجدداً، لا بد من التذكير بأن إعادة فتح حدود جابر بين الأردن وجاره السوري خطوة لا يمكن اتخاذها بدون استعادة أو بناء الثقة مجدداً على الصعيد السيادي والأمني بين الجانبين، مما يؤشر إلى تفاهمات قطعت شوطاً في السياقين طوال الأسابيع القليلة الماضية، والأهم بما يؤشر على أن الضوء الأخضر الأمريكي يسمح بإعادة التطبيع ضمن رؤية أشمل في تدوير زوايا المسألة الإقليمية يفترض أن يكون للأردن دور بارز فيها في الأشهر القليلة المقبلة، وفقاً لما نقل عن دبلوماسيين غربيين وسياسيين أردنيين، قدروا بأن الجيوسياسي بدأ بالعزف على أوتار تدوير الزوايا في الملف الإقليمي.
وهذا يعني أن هناك دوراً متقدماً للجانب الأردني في ملفات محددة لا تقتصر على القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي فقط، بل تتجاوز في اتجاه منظم نحو رفع شعار وهتاف إعادة إدماج سوريا في النظام الرسمي العربي، والتنسيق مع مصر في ورقة قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة إلى تقديم الدعم والإسناد لتجربة ومشروع رئيس الوزراء العراقي الدكتور مصطفى الكاظمي.
وعلى هذا الأساس، في طبيعة الحال، يمكن القول بأن سياسة تدوير الزوايا الأردنية بعد الزيارة المهمة والتاريخية التي قام بها الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن مؤخراً، قد بدأت أو تم الإعلان والإفصاح عنها بصورة سياسية عبر القرار المتخذ بإعادة تشغيل معبر جابر الحدودي مع سوريا وبكامل جاهزيته، وعبارة كامل جاهزيته تعني هنا المواطنين وحركة التجارة الانسيابية، وأيضاً النقل والشاحنات وحركة الركاب، مما يؤشر على أن الأردن في صدد استئناف صادراته أو التعاون في مجال الصادرات الثنائية مع السوق السورية، وهو مطلب قديم للقطاع الخاص الأردني ولغرف التجارة والصناعة في البلدين.
وهذه الخطوة تقود في كل الأحوال إلى سياسة تطبيع تدريجية بين الدولة الأردنية والنظام السوري، وقد بدأت من البوابة الأمنية والحدودية بشكل خاص، مما يفتح المجال أمام تكهنات بقطع مسافة إضافية في البعد السياسي مستقبلاً، خصوصاً أن عاهل الأردن أبلغ قبل زيارته إلى واشنطن بشكل غير رسمي بأنه سيتحدث مع الرئيس الأمريكي وأركان الإدارة في البيت الأبيض باسم زعماء المنطقة.
القدس العربي
———————–
الليرة السورية تترنح على عتبة “نصيب”/ إياد الجعفري
سريعاً، استشعرت سوق العملة السورية، مخاطر إغلاق، أو تضييق، شريان حياة رئيسي لنظام الأسد، يمدّه بالعملة الصعبة، بعد أن قطع مسلحون مناوئون للنظام أوتستراد دمشق – عمان، المتجه إلى معبر نصيب – جابر الحدودي، بين سوريا والأردن.
قبل أسبوع، وصفت مجلة الإيكونوميست البريطانية، تجارة المخدرات، بأنها مصدر دخل رئيسي لـ “دولة الأسد”، ومصدر أساسي للعملة الصعبة، بالنسبة له. وأشارت إلى أن الطريق الجنوبي عبر الأردن إلى المملكة العربية السعودية، بات أكثر الطرق ازدحاماً، في خريطة تهريب المخدرات المنطلقة من سوريا. ومن هنا يمكن فهم سبب الهزة التي طرأت على سعر صرف الليرة السورية، خلال تعاملات يوم الخميس 29 تموز/يوليو الجاري، بعد استقرار نسبي دام أكثر من شهر.
إذ سجلت الليرة نسبة تراجع قدرها 1.5%، بقيمة 50 ليرة سورية مقابل الدولار، ليُغلق “دولار دمشق”، مساء الخميس، عند 3300 ليرة سورية لمبيع الدولار الواحد. وهذه أعلى نسبة تراجع لليرة السورية منذ 5 حزيران/يونيو الفائت. كما أن مبيع الليرة السورية مقابل الدولار، مساء الخميس، كان أدنى سعر إغلاق لها، منذ 12 نيسان/أبريل الفائت، أي منذ أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر.
وقد طرأت هذه الهزة على سعر صرف الليرة السورية، على وقع الأنباء عن قطع الطريق الدولي المؤدي إلى المعبر الحدودي الرسمي الوحيد مع الأردن. الأمر الذي أدى إلى توقف شبه كامل لحركة الركاب والبضائع عبر المعبر.
وبعيداً عما يُشاع عن أهمية التبادل التجاري بين سوريا والأردن، عبر معبر نصيب، تقدم الأرقام قراءة مختلفة تماماً. وإذا تجاهلنا مؤشرات العام 2020، التي تأثرت بالإجراءات المرتبطة بالوقاية من تفشي فيروس كورونا، تشير مؤشرات العام 2019، إلى أن إيرادات معبر نصيب، على الجانب السوري، لم تتجاوز 10 مليار ليرة سورية، بسعر صرف 500 ليرة سورية مقابل الدولار، نهاية ذلك العام، وفق رصد لموقع “عنب بلدي” السوري.
وإذا اعتمدنا هذه الأرقام، فهذا يعني أن الإيرادات السورية جراء التصدير عبر معبر نصيب، خلال العام 2019، لم تتجاوز 20 مليون دولار أمريكي. فيما بلغت صادرات سوريا من المخدرات، خلال العام 2020، 3.4 مليار دولار أمريكي، وفق تقرير مجلة “إيكونوميست” المشار إليه. جزء كبير من تلك الصادرات عَبَر الحدود السورية – الأردنية إلى السعودية، وفق المجلة نفسها.
ويبقى السؤال عن سر التوقيت في تطورات درعا، لغزاً مُحيّراً. إذ تفاقمت تلك التطورات مباشرةً بعد اتفاق أردني – سوري، على فتح معبر نصيب – جابر الحدودي، بشكل كامل اعتباراً من الأحد 1 آب/أغسطس. وجاء الاتفاق بعيد اتصال هاتفي لافت، بين وزيري داخلية الأردن، ونظام الأسد. وكان أبرز ما تضمنه الاتفاق، بالنسبة لتجارة الترانزيت السورية تحديداً، هو إنهاء ما يُعرف بنظام المبادلة، بمعنى أن الشاحنات والبرادات المُحمّلة بالبضائع السورية، ستدخل إلى الأردن، وتنقل بضائعها مباشرةً إلى دول الخليج، من دون أن تضطر لتنزيل تلك البضائع وتحميلها بسيارات أردنية، وفق ما كان يجري سابقاً.
وجاء هذا الاتفاق تتويجاً لاتصالات متواصلة بين نظام الأسد والأردن، خلال الشهرين الأخيرين، بهدف حل معضلات الترانزيت بين البلدين، والتي وصلت ذروتها في ما عُرف بأزمة برادات الشحن السورية، نهاية حزيران/يونيو الفائت، حيث علقت نحو 700 شاحنة سورية محمّلة بالخضار والفواكه، في معبر جابر الأردني، جراء تشدد السلطات الأردنية في تفتيش تلك الشاحنات، حيث كانت تعمد إلى تفريغ أكثر من نصف حمولة البراد، بحثاً عن المخدرات، وذلك رغم أن تلك الشاحنات كانت تعبر الأردن، ترانزيت، إلى الخليج.
وبطبيعة الحال، من الصعب معرفة التفاصيل غير المعلنة من الاتفاق الذي جرى عقده، هاتفياً، بين وزير داخلية الأردن، ونظيره في نظام الأسد. لكن قراءة أولية تفيد بأن هدف الأردن من الاتفاق، إغلاق منافذ التهريب عبر الحدود، والتي أرهقت السلطات الأردنية في الأشهر الأخيرة، إذ كانت الأجهزة المختصة تضبط بصورة شبه يومية، شحنة مخدرات مهرّبة آتية من سوريا. نشاط التهريب هذا والذي تكثّف عبر المنافذ غير الشرعية، قد يكون الدافع الرئيس لاتجاه السلطات الأردنية نحو تفاهم مع نظيرتها في نظام الأسد، بغية ضبط الحدود، وتقليل حركة التهريب، قدر المستطاع. وهو تحليل ذهب إليه مركز جسور للدراسات، والذي خلص في قراءته، إلى أن النظام السوري سيفشل في تنفيذ هذا الاتفاق، نظراً لكونه عاجزاً عن ضبط الميليشيات المحسوبة على إيران وحزب الله، في الجنوب السوري، والتي تُعتبر أبرز الناشطين في تهريب المخدرات إلى الأردن ودول الخليج.
وتعقيباً على هذه القراءة، مع الأخذ بالاعتبار، الجانب المعلن من الاتفاق الأردني – السوري، الذي نص على السماح بمرور الشاحنات السورية عبر معبر نصيب من دون تحميل البضائع في شاحنات أردنية بديلة، يبدو أن السلطات الأردنية كانت تريد حصر عمليات التهريب، بكل أشكالها، بما فيها المخدرات، لتكون عبر المعبر، بوصفها الوسيلة الأمثل للحد من نشاط التهريب، وعشوائيته التي تفاقمت عبر نقاط مختلفة غير شرعية، من الحدود. وبذلك يكون الأردن قد ألقى بكاهل الكشف عن شحن المخدرات المخبأة في الشاحنات السورية، لتكون في معظمها على كاهل السلطات السعودية، بصورة خاصة. لكن ذلك يبقى وقفاً على مدى قدرة النظام على تنفيذ جانبه من الاتفاق، وضبط الحدود. وهو أمر، يبدو مستبعداً، نظراً للمؤشرات التي تؤكد فلتان الحدود مع الجانب اللبناني، وخضوعها لصالح الميليشيات المقرّبة من إيران وحزب الله، والناشطة في مجال تهريب المخدرات أيضاً. فما ينطبق على الحدود اللبنانية – السورية، ينسحب بدوره على الحدود السورية – الأردنية.
الحيثية الأخيرة، تحيلنا إلى تفسير يتعلق باندفاع الميليشيات والفصائل المقربة من إيران، لإحكام السيطرة على درعا، بما في ذلك، الفرقة الرابعة التي يقودها، ماهر الأسد، والتي تشكل رأس حربة إيراني، داخل تشكيلات “الجيش السوري”. فمن يسيطر على جنوب سوريا، يمتلك مفاتيح تجارة تدر ملايين الدولارات، إن لم نقل، المليارات.
هذه التجارة المُغرية، تتعرض الآن لتداعيات مكاسرة بين الفرقاء المتصارعين في جنوب سوريا. فالإيراني وحلفاؤه داخل النظام، يريدون بوابة سوريا الجنوبية، لهم. فيما يصارع أهالي المنطقة، بمن فيهم، أولئك المتحالفون مع الروس، لتغيير هذه المعادلة. وفي هذه الأثناء، من المرجح أن تتعرض تجارة المخدرات عبر الجنوب السوري لنكسة، لا نعرف إلى متى ستستمر، فذلك يبقى وقفاً على تطورات الميدان. لكنها نكسة سرعان ما استشعرتها سوق العملة السورية، التي كانت مؤشراتها دوماً أصدق مقياس لمدى خطورة موقفٍ ما. فمجرد ظهور احتمال إغلاق صنبور العملة الصعبة القادم من أحد المنافذ، كان كفيلاً باضطراب تلك السوق، وبترنح سعر صرف الليرة السورية.
المدن
———————————-
مباراة نظريات بين بشار الأسد وأركان نظامه/ عدنان عبد الرزاق
ثمة تبار بالعبقرية وابتداع المصطلحات وطرح النظريات، مستمر ومتصاعد، بين رئيس النظام السوري وحكومته، فما أن يرمي بشار الأسد بحقيقة اقتصادية جديدة، من عيار أن سبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سورية، هي ودائع بمليارات الدولارات لسوريين محتجزة في القطاع المالي اللبناني…
ويضيف ما يلزم، لدعم الفكرة “تلك الأموال هي جوهر المشكلة التي لا يحكي عنها أحد”، متجاهلاً كل ما هدمته آلته الحربية ومساعي شركائه، بموسكو وطهران، من بنى وهياكل مؤسسية وقتل وتهجير للكفاءات وطرد للأموال والاستثمارات.
حتى يشعر وزير المال، كنان ياغي، أنه أمام استحقاق طرح منافس، أو منطلق لبناء نظرية على الأقل، تعيد طرائق رؤية الظواهر وتقدم تفسيراً جديداً لسلوك مختلف العناصر الاقتصادية.
ولأن الفقر والجوع هما سيدا المشهد السوري، والحل يكمن بتحسين المستوى المعيشي عبر رفع الأجور، قال ياغي أساس نظريته “إن أي زيادة على رواتب الموظفين تتطلب تأمين السيولة اللازمة لها، وأن تأمين السيولة لزيادة الرواتب هو الهدف الذي تسعى إليه الوزارة وتضعه على رأس أولوياتها” ضامناً بهذا، كما العالم الذي استدعاه الملك لتفسير الماء، عدم قطع رأسه وإن لم يحصل على المكافأة.
هنا، تسلطت الأضواء جميعها على رئيس حكومة الأسد، حسين عرنوس، فما التحفة التي يمكن أن يضيفها لعلوم الاقتصاد، بواقع يعجّ بالإبداع والاختراع.
وفعلاً، لم يخيّب عرنوس المنتظرين وثقة القائد الملهم، فأطلق قبل ايام قنبلته التي دوّت خيبة واحتقانا بالشارع ودهشة وثناء لدى نظام الأسد الرشيد” ما حدث من رفع سعر المازوت من 180 إلى 500 ليرة والخبز من 100 إلى 200 ليرة، هو ليس زيادة بالسعر، بل تحريك له”.
ولأن نسبية عرنوس التي تدهش أينشتاين بقبره، تحتاج تفسيراً وشروحات، قدم الرجل المطلوب، بعلمية ومنطقية ممزوجتين ببعض فلسفة” ما جرى هو تحريك سعر المادة وليس زيادة في سعرها، لأن تكلفة تلك المواد ما زالت أعلى من سعر مبيعها”.
وليستوي القول والمعنى، كان لا بد من تذكير السوريين بأنهم يبددوا أموال خزينة الدولة عبر دعمهم بالمأكل والتدفئة، بصرف النظر عن القدرة الشرائية أو توفر المواد” ربطة الخبز تكلف الحكومة 1200 ليرة، وليتر المازوت يكلف 1967 ليرة، لذا كان لابد من التحريك البسيط في سعرهما، بهدف المحافظة على تأمينهما”. ولسان حاله يقول، للأسد وياغي، “أليست نظرية مكتملة الأركان يا مسؤولين ويا بتوع المدارس”.
قصارى القول: مهما تعددت تعريفات الاقتصاد، بين دراسة الندرة والوفرة والاختيارات أو النشاط الذي يركز على الممارسات المادية المرتبطة بإنتاج الموارد واستخدامها وإدارتها، أو حتى دراسة العلاقة بين حاجات الإنسان وموارده، بهدف إشباع هذه الحاجات بالاستخدام الأمثل لهذه الموارد، فإن غايته لم ولن ولا يمكن أن تخرج عن الإنسان، بل وربما معدته قبل استقراره ورفاهيته.
لكن نظام الأسد وبجميع أركانه، يشغلهم الإدهاش والابتكار ووضع علماء الاقتصاد، من الأب آدم سميث ثم كارل ماركس وكينز وصولاً لفريدمان بموقع البائس وربما الشاعر بتخلف ما طرح، لأن الانشغال بـ”المشاعر الأخلاقية” طغت على نظرياتهم، في حين علماء سورية الأسد، يفصلون بين العمل والمشاعر.. وليذهب السوري ومعدته ورفاهيته إلى الجحيم.
خبز سورية (لؤي بشارة/فرانس برس)
نهاية القول: الأرجح أن السوري الذي يتقاضى، بعد الزيادة 75 ألف ليرة سورية “نحو 23 دولاراً” وتزيد كلفة معيشته عن مليون ليرة، غير معني بتفسير النظريات ولا بما قاله “عرنوس” أمس، من أن خطة الحكومة كانت رفع الأجور 100% لكن التمويل سيكون بالعجز ما يؤدي إلى التضخم وآثاره الكبيرة.
بل وغير مقتنع، إن انشغل بالتفسير، من أن زيادة الأجور سترتب على الموازنة العامة 84 مليار ليرة شهرياً، في حين عائد رفع سعر المازوت لا يزيد عن 64 ملياراً.
وعدم القناعة لا تأتي من ابعاد عرنوس عائدات ما قبل المازوت، وحساب أموال جباية رفع سعر البنزين قبل أسبوع أو الخبز بنسبة 100% بل وحتى رفع سعر علف الحيوانات 60%، بل ولأن السوري يرى أن نظامه الوراثي القدري، يبعد التكاليف والعجز والنظريات، خلال دفع ملايين الدولارات يومياً، لقتل وتهجير إخوته الذين طالبوا بالكرامة والعدالة بمنح الفرص وتوزيع الثروة.
ويرى آخر طرازات الموبايل بأيدي آل النظام وصحبه وهم يجوبون الشوارع بآخر طرازات السيارات… ويوقن، وهو الأهم، أن لا خلاص لسورية وشعبها، من الاحتلال والفقر والتقسيم والذّل، إلا بزوال هذا النظام بكل أركانه، وإن حُرم السوريون من النظريات والعباقرة.
العربي الجديد
———————————–
===================