تسريبات بيغاسوس: كيف ساعدت إسرائيل أكثر من 10 دول في التنصت على ٥٠ ألف هاتف؟-مقالات مختارة-
“تسريبات بيغاسوس”: NSO الإسرائيلية ساعدت عشر دول في التنصت على 50 ألف هاتف
تسريبات جديدة ينشرها “درج” تباعاً مع 17 وسيلة إعلام دولية تتعلق بتكنولوجيا بيغاسوس الاسرائيلية للتجسس. هل سيتغاضى العالم بعد هذا الكشف?
إسرائيل تبيع الشر لمعظم الأنظمة غير الديموقراطية في العالم.
“السلعة” التي بين أيدينا ملفات هائلة عنها، هي ما فاض عن شرور المؤسسة العسكرية والأمنية الاسرائيلية في سياق حربها على الفلسطينيين. هذه ليست فكرة أو استنتاجاً، فما ساقنا إلى هذا القول هذه المرة هو تسريبات شاركتها مؤسسة “قصص محظورة” أو Forbidden Stories، مع 80 صحافياً من 17 مؤسسة إعلامية من 10 دول، من بينها موقع “درج”، بدعم تقني من منظمة Amnesty International Security Lab.
التسريبات تكشف تنصتاً تمارسه عشر دول، من بينها دول ذات أنظمة غير ديموقراطية وتعوزها الشرعية الشعبية في المنطقة والعالم، على 50 ألف هاتف لسياسيين ونشطاء ومعارضين وصحافيين ورجال أعمال وحقوقيين ودبلوماسيين. واستعانت الأنظمة بتكنولوجيا تدعى Pegasus، أنتجتها الشركة الإسرائيلية NSO.
تم التحقق من مئات الارقام وخضعت عشرات الهواتف لتحليل جنائي للتأكد مما إذا كان تم اختراقها، علماً أن هناك آلاف الأرقام لا تزال مجهولة لجهة هوية أصحابها وسبب استهدافها، فورود رقم واسم الشخص المستهدف لا يعني أنه قد اخترق فعلاً ما لم يتم الكشف الجنائي على الهاتف نفسه وهذا لم يكن أمراً يسيراً خصوصاً أن شريحة المستهدفين كانت واسعة جداً.
المعلومات التي يكشفها هذا المشروع الصحافي، الذي أطلق عليه “مشروع بيغاسوس” مذهلة عن عالم المتنصتين والمتنصت عليهم برعاية إسرائيلية، علماً أن الأمر لا يرتبط إطلاقاً بالحاجات الأمنية للدولة العبرية، بل بانعدام الحساسية الأخلاقية للقائمين على هذه التكنولوجيا، وبضربهم عرض الحائط ما نجم عن بيعهم هذه التكنولوجيا من مآسٍ، ومن إعاقتهم مساعي التغيير والتقدم لدى دول ومجتمعات تولت Pegasus مساعدة الأنظمة على قتل طموحات أصحابها.
إنها “الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”! هذا ما تعرّف إسرائيل نفسها به، وهذا ما يقتنع به جزء كبير من الرأي العام الغربي. لكن بعد هذا الكشف سيكون للعالم حديث آخر مع هذا الكيان، ذاك أننا لسنا وحدنا في الشرق الأوسط، الذين تستهدفهم التكنولوجيا التي وافقت وزارة الدفاع الإسرائيلية على بيعها لأنظمتنا السياسية لكي تتنصت علينا. الوثائق تكشف أيضاً أن إسرائيل أتاحت التنصت على دول غربية كبرى. على رؤسائها وعلى ديبلوماسييها ورجال أعمالها. أما نحن، فدائرة المُتَنصت عليهم من بيننا كانت أوسع.
شاليف هوليو وعاملون في NSO
“الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” تبيع تكنولوجيا شيطانية تتولى أكل هواتفنا. رسالة تصل إلى هاتفك، والمهمة لا تشترط أن تفتحها لكي تصبح مراقباً. مجرد وصولها يكفي لكي يصبح جهازك ملك المتنصت. “once it’s on your phone it’s no longer your phone” . أظهرت تسريبات لملفات NSO أن الشركة باعت التكنولوجيا لدول مثل المكسيك والمغرب والسعودية وأذربيجان والإمارات العربية المتحدة والبحرين، ناهيك بحلفاء إسرائيل في أوروبا مثل المجر.
شاليف هوليو وهو شريك مؤسس في NSO رد على رسالة أرسلت من قبل كونسورتيوم أو تحالف الصحافيين المشاركين بهذا التحقيق. فبعد تلقيه الرسالة، أي قبل أسبوع من اليوم، حاول نفي إشراف وزارة الدفاع الإسرائيلية على عمل شركته، وقال في رده على الرسالة: ” أنت تؤكد بشكل خاطئ أن NSO قد برمجت أنظمتها لتبيعها لعملاء حكوميين، ولديها وصول إلى بيانات أهداف عملائها. بالإضافة إلى ذلك، أنت تدعي زوراً أن الحكومة الإسرائيلية تراقب استخدام أنظمة عملائنا. هذا نوع من نظرية المؤامرة التي يستخدمها النقاد ضدّنا. بعد هذه الإدّعاءات، يتوقع منكم القراء بشكل طبيعي أن تقدموا إثباتات. بدلا من ذلك، يبدو أنكم تقومون ببساطة بتعزيز سرديّة تشهروا فيها بمجموعة NSO ، وهو أمر جرى الإعداد له بشكل استراتيجي من قبل مجموعات لها مصالح خاصة”.
حجر الرحى في كشفنا الصحافي الجديد يتمثل بما تمثله إسرائيل في ظاهرة التنصت، ذاك أن معظم الأنظمة التي اشترت Pegasus، فعلت ذلك لوظائف تتعلق بتحصين مواقع أهل السلطة فيها. الرئيس الآذربيجاني الهام علييف تنصت على هواتف معارضيه، ومن بينهم بيرم محمدوف الذي قضى “انتحاراً” في بحر إسطنبول أثناء فترة التنصت عليه، والأمن السعودي تنصت عبر التقنية ذاتها على هواتف مقربين من الصحافي السعودي المغدور جمال خاشقجي وعلى هاتف خطيبته قبل أن يقتل في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، والإمارات تنصت على الحقوقي أحمد منصور قبل اعتقاله وسجنه، والنظام المغربي استعان بـPegasus لكي يبتز صحافيين ونشطاء بحياتهم الخاصة.
تتقاطع كل هذه الموبقات وغيرها العشرات عند التكنولوجيا الإسرائيلية المشرعة بقانون من الكنيست والتي تشرف على بيعها وزارة الدفاع الإسرائيلية، ويتولى فتح الأبواب لزبائنها جنرالات سابقون في الجيش الإسرائيلي .
هل تحتكر اسرائيل التنصت على إيران؟
لكن الغريب في هذا الكشف الصحافي الاستثنائي أننا لم نعثر على أثر لهاتف إيراني مُراقب، على رغم أن التكنولوجيا تم بيعها لخصوم إيران الأشداء في الإقليم، كالسعودية والامارات وأذربيجان! والتفسير الوحيد الذي قد يبدو منطقيا هو أن إسرائيل وحدها تريد أن تحتكر التنصت على الإيرانيين، ولا تريد أن تشارك دولاً أخرى بمعلومات قد يتم تحصيلها من التنصت، لكن يبقى ما توصلنا إليه من باب التوقع والتكهن ولا أدلة تحسمه. وهذا الاستنتاج يردنا إلى ما سبق أن أشار إليه مصدر عسكري أرمني عندما كشف عن أن طائرة استطلاع إسرائيلية كانت تعمل لمصلحة الجيش الآذربيجاني أسقطها الجيش الأرميني خلال حرب كاراباخ، ثبت أن معظم التسجيلات والصور فيها هي لمواقع إيرانية على الحدود مع ناغورنو كاراباخ.
لكن عدم عثورنا على أرقام هاتف إيرانية مراقبة لا يعني أن حلفاء إيران في الإقليم كانوا خارج عمليات التنصت، فمعظم حلفاء إيران في لبنان وفي العراق وفي اليمن وفي قطر شملتهم عمليات التنصت الخليجية، من زعماء وسياسيين وأمنيين وإعلاميين. وإذا كان خصوم الإمارات والسعودية هدفاً بدهياً للتنصت، فإن حلفائمها كانوا عرضة للتنصت على نحو يفوق بكثافته التنصت على خصومهم من حلفاء إيران. يصح هذا الأمر على لبنان والعراق، لكنه أيضاً يصح على مصر وعلى اليمن. وهنا أيضاً تحضرنا حقيقة موازية، فبما أن الوظيفة الرئيسة لهذا المشروع الصحافي هي كشف الانتهاكات التي تمارسها الأنظمة القمعية بحق خصومها من النشطاء، فإن ذلك يبقى بالنسبة إلينا في الشرق الأوسط غير شاف طالما أنه يقصر الفضح على جزء من المرتكبين ممن اشتروا هذه التكنولوجيا، في وقت لم يسعف هذا الكشف الباحثين عن الجرائم التي ارتكبها حلفاء ايران في العراق من هشام الهاشمي وصولاً إلى إيهاب الوزني، ناهيك بلقمان سليم في لبنان وقبله عشرات عمليات الاستهداف التي طاولت نشطاء وصحافيين وسياسيين في لبنان.
نحن هنا أمام لاعب رئيسي في دورة التنصت القذرة هو إسرائيل، وإذا كان هذا الأمر غير جديد على تل أبيب منذ مساهمتها في مساعدة المخابرات المغربية على اغتيال السياسي الديموقراطي المهدي بن بركة في باريس عام 1966، واعتراف رئيس الموساد في حينها مئير عميت بذلك قائلاً: “لا يعنينا أن يبقى بن بركة على قيد الحياة. ما يعنينا هو مساعدة الحسن الثاني على حماية العرش بعدما ساعدتنا المخابرات المغربية على التنصت على معظم الزعماء العرب خلال القمة العربية عام 1965″، فإن الجديد هو أن الموبقة الإسرائيلية امتدت لتشمل دولاً غربية سيتم الكشف في هذا الملف عن أنها استهدفت بأعلى مستوياتها بعمليات التنصت، هذا ناهيك بكارتيلات المخدرات في المكسيك التي تورد سمومها إلى المجتمعات الغربية، التي استفادت من تكنولوجيا NSO.
ولعل ما يلفت في تقنية التنصت الإسرائيلية إتاحتها فرصة الابتزاز الجنسي الذي مارسته أنظمة مثل المغرب وآذربيجان، لا سيما بحق صحافيات وصحافيين وناشطات ونشطاء، تم اختراق هواتفهم وقرصنة صور وفيديوات، عادت الأنظمة واستعملتها للضغط عليهم، لا بل أنها في أكثر من حالة نشرتها للنيل منهم. وهذا حصل طبعاً بعلم الشركة الإسرائيلية التي تجري عمليات التنصت والقرصنة تحت اشرافها التقني.
وإذا كان ثمة دول لم يثبت شراؤها تكنولوجيا التنصت الإسرائيلية مثل تركيا مثلاً، إلا أن احتمال استفادة السلطة فيها من هذه التكنولوجيا بشكل غير مباشر تبقى قائمة، لا بل مرجحة، فالنظام التركي يملك نفوذاً كبيراً في آذربيجان، والأخيرة تعتبر السلطة فيها من أكبر زبائن NSO وهي تنصتت على نشطاء ومعارضين آذريين يعيشون في تركيا، وهذا حصل على الأرجح بعلم السلطات التركية، لا سيما أن العلاقات العسكرية والأمنية والتبادلات التجارية بين باكو وتل أبيب تمر عبر أنقرة.
أما شاليف التي انهالت ردوده علينا بعد الرسالة التي وصلته، تارة منه مباشرة وطوراً عبر مكتب محاماة يمثله في الولايات المتحدة الأميركية، فقدم تعريفاً لشركته تقتضي الدقة المهنية عرضه، لكنه أيضاً كاشف لما قد يحدثه هذا التحقيق من إرباك لتكنولوجياه، فهو ختم رسالته لنا بما يلي: “الحقيقة هي أن تقنيات مجموعة NSO ساعدت في منع الهجمات الإرهابية والعنف المسلّح وانفجارات السيارات والتفجيرات الانتحارية. كما يتم استخدام التقنيات كل يوم لكشف عصابات الاعتداء الجنسي على الأطفال والجنس وتهريب المخدرات، وتحديد أماكن الأطفال المفقودين والمختطفين، وتحديد أماكن الناجين المحاصرين تحت المباني المنهارة، وحماية المجال الجوي من الاختراق التخريبي للطائرات من دون طيار. ببساطة، تقوم NSO Group بمهمة إنقاذ الأرواح، وستقوم الشركة بتنفيذ هذه المهمة بأمانة ومن دون رادع، على الرغم من جميع المحاولات المستمرة لتشويه سمعتها على أسس زائفة”.
نبدأ اليوم نشر قصصنا على نحو موازٍ في 17 وسيلة إعلامية، وبلغات العالم الرئيسية، على أن نكرر أن المهمة الرئيسة من وراء هذا الكشف هي فضح الانتهاكات التي استهدفت الفاعلين الجدد في الرأي العام ممن وظفت الأنظمة إمكاناتها لقمعهم وقتلهم وطردهم من بلادهم، وهؤلاء قبل السياسيين، سنعطيهم الأولوية في قصصنا.
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Daraj – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
درج
————————
برمجيات NSO الإسرائيلية التجسسية في خدمة الأوتوقراطية ضد الصحافة: الإمارات نموذجاً/ ديانا مقلد
نحو عشرة آلاف رقم هاتف استهدفتها بالملاحقة الإمارات عبر مجموعة NSO الاسرائيلية. صحافيون وناشطون ومعارضون ولائحة مذهلة من الأهداف التي يلاحقها نظام أبوظبي. تابعوا هذا التحقيق الخاص ضمن تسريبات بيغاسوس
هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
تومئ بعينيك أو بحركة من يديك، تحرك فمك من دون صوت، تكتب على ورقة ثم تمزقها متكلاً على ذاكرتك، تمسك بهاتفك محاذراً أن تتسلل عبره ذبذبات غير مرئية تسجّل حركتك وتصادر تاريخك المعلوماتي وتجعلك عرضة للانتهاك.
أن تغامر في العمل على منظومة معلوماتية بعيدة مما اعتدت عليه بسبب الحذر الشديد.
ببساطة، أن تعود إلى تقنيات التواصل البدائية، مطعمة بتقنيات حذرة وأن تتخلى عن معظم التطور الذي تمكنت البشرية من تحقيقه في مجال تكنولوجيا الهواتف الذكية.
كان هذا تحدياً على كل من شارك في “مشروع بيغاسوس” خوضه، فكيف يمكن أن تعمل على ملفات تتعلق بخروقات لهواتف آلاف من الشخصيات وألا تقع في الفخ نفسه وتتعرض للمراقبة؟
هناك من دفع حياته ثمناً سواء قتلاً أو سجناً وإبعاداً كما حدث ويحدث مع مئات الصحافيين والحقوقيين والمعارضين في منطقتنا.
فعلى رغم تكرار كشف انتهاكاتها على مدى السنوات الأخيرة، لا تزال صناعة المراقبة السيبرانية مستمرة في محاصرة الصحافيين والحقوقيين والمعارضين السياسيين في المنطقة. كثر استهدفتهم برمجيات “بيغاسوس” التابعة لشركة NSO الإسرائيلية التي عقدت سلسلة صفقات مع حكومات في المنطقة والعالم. وبرمجيات “بيغاسوس” استخدمت بشكل أساسي لاستهداف معارضين سياسيين وصحافيين وحقوقيين ونقابيين وأكاديميين ومسؤولين، وكثر من بينهم انتهوا نهايات شائنة والبعض الآخر انقلبت حياته رأساً على عقب.
بدأ العمل على هذه السلسلة قبل أشهر، حين اطلعت مجموعة “قصص محظورة” أو Forbidden Stories، وهي تجمع غير ربحي ومعه “منظمة العفو الدولية” على نحو 50 ألف رقم هاتف مسرب تمثل أهدافاً لبرمجية NSO التجسسية وتم استخدامها من نحو عشر دول منذ عام 2016. بعدها دعت المنظمتان مؤسسات مثل OCCRP وصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية و”الغارديان” البريطانية ومؤسسات صحافية أخرى من بينها “درج” للمشاركة في هذا العمل الصحافي.
في سياق العمل، تم التحقق من أرقام هواتف خضعت لتحليل جنائي وفره مختبر “العفو الدولية” التقني للتأكد مما إذا كان تم اختراقها، علماً أن هناك عشرات الأرقام لا تزال مجهولة لجهة التحقق من هوية أصحابها وسبب استهدافها. هذه المتابعة مضاف اليها الداتا الخاصة بالأرقام ووثائق داخلية ومقابلات ومصادر اخرى شكلت أساسيات “مشروع بيغاسوس” وهو جهد غير مسبوق لفهم من تم استهدافه من قبل NSO وماذا حدث لهم بعد ذلك.
وبسبب طبيعة الداتا، من المستحيل التأكد من عدد الهواتف التي تم خرقها من ضمن اللائحة. وقد أفاد كثيرون ممن استهدفوا بمشروع “بيغاسوس” أنهم تلقوا رسائل نصية تحاول خداعهم للنقر على رابط فيها. التجربة يمكن أن تكون مخيفة وفيها انتهاك بالغ خصوصاً أن “بيغاسوس” أصبح برمجية أكثر تطوراً مع الوقت، والنسخة الأحدث يمكن أن تنجح في تسجيل خرق لهاتف الشخص المستهدف حتى من دون أن يفتح رابطاً مرسلاً إليه، كما يمكن أن تسجل في اللحظة فيديوات بالصوت والصورة دون علمه.
ماذا تعني أرقام الهاتف؟
الخمسون ألف رقم تعود لنحو خمسين بلداً يستهدفها زبائن NSO.
داتا المعلومات التي اطلع عليها الصحافيون المشاركون ومن بينهم فريق “درج” شملت مئات الأرقام، لكن تضمن الداتا لأرقام بعينها لا يعني أن الشخص المعني قد تم خرقه فعلا لكن يعني أن هذا الرقم وهذا الشخص أدرج ضمن تقنية بيغاسوس للاستهداف، علماً أن فريق العمل الصحافي لم يتمكن من التحقيق الجنائي من كل الأرقام الواردة.
بحسب التجمع الجغرافي للأرقام تمكن المراسلون من تحديد نحو عشر دول عمدت حكوماتها للتعاقد مع NSO وطلب خدمات التجسس السيبراني.
الدول التي اشترت خدمات من الشركة الإسرائيلية هي: المكسيك – آذربيجان – كازاخستان – هنغاريا – الهند – الإمارات العربية المتحدة – السعودية – البحرين – المغرب – رواندا – توغو.
ولفهم حجم استهداف الصحافيين والحقوقيين من مختلف الدول التي اشترت هذه التقنية بملايين الدولارات، كشف “مشروع بيغاسوس” أنه من نحو 1400 رقم هاتف تم استهدافه بالخرق وتم التحقق من هوية اصحابه هناك نحو 180 صحافياً و250 ناشطاً حقوقياً كانوا ضحايا اختراق البرمجيات الاسرائيلية. علماً أن هذه الأرقام ليست نهائية فهي تشمل فقط ما تم التحقق منه في داتا المعلومات المسربة.
من المستحيل معرفة ما إذا كان الهاتف الذي ورد في التسريبات قد تم اختراقه بنجاح دون تحليل الجهاز نفسه. ومع ذلك ، تمكن المختبر التقني التابع لمنظمة العفو الدولية ، بالشراكة مع Forbidden Stories ، من إجراء تحليلات جنائية على هواتف بعض الصحفيين، وكشف استهدافها من خلال ثغرة أمنية في أجهزة iPhone.
تكشف سجلات أرقام الهواتف التي حللتها Forbidden Stories وشركاؤها على مدى أشهر، لأول مرة عن النطاق المذهل لمراقبة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وذلك على الرغم من ادعاءات مجموعة NSO المتكررة بأن أدواتها تُستخدم حصريًا لاستهداف المجرمين الخطرين والإرهابيين.
تلقى الصحفيون الذين يظهرون في هذه السجلات تهديدات قانونية ، وتعرض آخرون للاعتقال والتشهير ، واضطر بعضهم إلى الفرار من بلدانهم بسبب الاضطهاد – ليجدوا لاحقًا أنهم ما زالوا تحت المراقبة. في حالات نادرة ، قُتل صحفيون بعد استهدافهم. توضح المعلومات التي يكشف عنها اليوم أن التكنولوجيا تتطور كأداة ضبط ومراقبة رئيسية في أيدي الجهات الحكومية القمعية ووكالات الاستخبارات التي تعمل لصالحهم.
تتوافق التحليلات التي أجراها المختبر التقني التابع لمنظمة العفو الدولية للهواتف المحمولة التي استهدفت جهاز Pegasus كجزء من مشروع Pegasus، مع التحليلات السابقة للصحفيين المستهدفين من خلال برامج التجسس الخاصة بـ NSO ، بما في ذلك عشرات الصحفيين الذين تم اختراقهم في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والتي حددتها مؤسسة Citizen Lab في ديسمبر/كانون الأول عام 2020.
الإمارات : أكثر من 10 آلاف رقم للملاحقة
على رغم الإصرار المستمر لشركة NSO على أن برمجياتها هي حصراً لـ”محاربة الجريمة والإرهاب”، وأن عملها يراعي معايير حقوقية (كما تقول في موقعها الالكتروني)، إلا أن مزيداً من الكشوفات تظهر حقائق مغايرة.
المعلومات الجديدة كشفت بدقة مثلاً استمرار نهج استهداف الإمارات لهواتف معارضين ومعارضات من بينهم الإماراتية آلاء الصديق التي توفيت في حادث سير في منفاها في لندن، وكذلك المعارض الإماراتي الأشهر أحمد منصور وعشرات من الصحافيين والأكاديميين الإماراتيين والعرب والغربيين العاملين في المنطقة، إضافة الى قادة وزعماء دول ننشر عنهم في سلسلة تحقيقات في سياق مشروع بيغاسوس.
الاختراق الإماراتي عبر شركة NSO شمل أهدافاً داخل الإمارات وفي دول مختلفة من بينها قطر ومصر ولبنان والعراق واليمن والسعودية وتمتد الى تعقب أشخا ص في دول أوروبية وآسيوية. واختلطت مروحة تلك الأهداف لتشمل الحلفاء كما الخصوم وتطاول قيادات وزعماء ومعارضين وصحافيين ودبلوماسيين واحيانا اشخاصاً عاديين ليس معروف سبب اختراق هواتفهم.
يتجاوز عدد الأرقام التي تم استهدافها بطلب إماراتي نحو العشرة آلاف رقم. والمعضلة الكبرى حين نتطلع على لائحة الأرقام والأسماء هي أن التحقق من المتابعة يستلزم أولاً التحقق من الهاتف وثانياً فحص الهاتف نفسه. والخريطة الجغرافية الواسعة للأشخاص المستهدفين وبعدهم الجغرافي وعدم أمان التواصل الهاتفي معهم عرقل إمكانية التحقق من الكثير من الاسماء والشخصيات.
ياسر أبو هلالة
البارز كان في اللوائح التي استهدفتها الإمارات ورود نحو ثلاثة آلاف رقم قطري بينها أسماء لمسؤولين كبار من بينهم أمير قطر حمد بن تميم آل ثاني لكن تعذر التأكد من الرقم أو اجراء فحص جنائي.
صحافيو “الجزيرة” كانت لهم حصة أساسية في الاستهداف على مدى سنوات. من بين الأسماء التي تكررت اسم الصحافي الأردني ياسر أبو هلالة الذي كان مدير عام الجزيرة ما بين العامين 2014 و 2018.
ويقول أبو هلالة في حديث مع “درج” أنه يدرك أنه تعرض للاستهداف ويستذكر رسالة هاتفية مريبة وصلته في العام 2017 ونشر هذا الأمر على حسابه على “تويتر”.
أبو هلالة الذي كان على علاقة وثيقة أيضاً بخاشقجي وبالصحافي في الجزيرة وضاح خنفر والذي استهدف كذلك بالاختراق، يعتبر أن هذه الاختراقات هي “جريمة نتعرض لها كصحافيين وكمواطنين ونحن بحاجة لملاحقة هؤلاء الذين انتهكوا خصوصياتنا ولن تتوقف هذه الجريمة إلا إذا أجريت محاسبة جدية”. بالنسبة الى هلالة فإن هذه الاختراقات لا تستهدفه فقط في مجال مهنته بل أيضاً في الجانب الشخصي ذاك أنه يشترك عبر هاتفه بمجموعات واتساب لأفراد من العائلة ولأصدقاء ما يجعلهم عرضة للانتهاك أيضاً.
الإمارات ونموذج الأمن… السيبراني
تفاخر الإمارات بأنها باتت في المركز الخامس عالمياً لجهة الأمن الرقمي لديها، بعد أن طورت بنية سيبرانية متقدمة. وهذا النجاح هو جزء من الصورة البراقة التي دأبت الدولة الخليجية على تسويقه بوصفها مركز العيش الفاخر والمريح. لكن خلف كل هذا يتكرر وقوع حقائق صادمة، تحديداً تلك المتعلقة بحرية التعبير والعمل السياسي الذي يعتبر مقفلاً بالكامل. وقد ازداد هذا الميل لضبط مساحات حرية التعبير سواء في المجال العام أو عبر الفضاء الافتراضي بعد ثورات عام 2011، فأصدرت الإمارات سلسلة قوانين تحظر الكثير من التعليقات على السوشيال ميديا وتمنع الكثير من التجمعات والاحتجاجات تحت وطأة قوانين مكافحة الإرهاب.
هذه القبضة تسببت بوقوع كثير من الناشطين والحقوقيين والمعارضين في براثن الملاحقة والاعتقال وتحديداً عبر استخدام تقنيات احترافية لخرق وملاحقة من يتم استهدافهم.
فمنذ عام 2008 بدأت الإمارات بناء وحدة مراقبة سيبرانية توزعت ما بين مقر رئيسي في الإمارات وآخر في الولايات المتحدة حيث كانت شركة Cyber Point الأميركية جزء من هذا العمل الأمني ويعمل فيها ضباط مخابرات أميركيون سابقون. لكن نظراً للقيود الأميركية التي تمنع التجسس على مواطنين أميركيين تحولت الشركة لتصبح “دارك ماتر” عام 2015 وهي شركة إماراتية غير ملزمة بالقوانين الأميركية وتتبع مباشرة الحكومة لتكون ذراعها الاستخباري الرقمي.
وبحسب محمد نجم المدير التنفيذي لمنظمة Smex، للحقوق الرقمية فإن شركة “دارك ماتر” هي من أكبر شركات المراقبة في العالم وهي بمثابة الذراع الأمني للسلطة: “وجودها وتبعيتها لنظام لا يقيم وزناً لحقوق الإنسان يؤديان لأن تكون هذه التقنيات أداة سياسية خطرة تستعمل في الداخل والخارج وقابلة للتوسع وهنا مكمن خطورتها” يقول نجم في حديث لـ”درج”.
من خلال كشوفات سابقة كمثل تحقيق العفو الدولية عام 2018 وتسريبات في محطات لاحقة وكشوفات “تسريبات بيغاسوس” الجديد، يظهر بشكل ممنهج كيف تعمل الإمارات لتصبح واحدة من أكبر اللاعبين في حقل الأمن السيبراني في العالم مستندة بذلك إلى تقنيات تطورها داخل الإمارات عبر شركة “دارك ماتر” وعبر صفقات تطورت في السنوات الأخيرة مع NSO الاسرائيلية.
في هذا الموضوع سنركز على أبرز الصحافيين والحقوقيين الذين تثبت مشروع “بيغاسوس” من استهدافهم بالخرق الإماراتي عبر التقنيات الإسرائيلية.
آلاء الصديق
في 19 حزيران/ يونيو الماضي كانت الناشطة والحقوقية الإماراتية آلاء الصديق في السيارة على طريق سريع في بريطانيا تستمع إلى الموسيقى مع صديقتين لها. إنه يوم عطلة وصودف أنه عيد ميلادها الـ33، وأصرت صديقاتها على الاحتفال بها بعد أسبوع عمل حافل.
لكن قدّر لآلاء التي كانت تجلس في المقعد الخلفي للسيارة ألا تنجو من حادث ارتطام كبير مع سيارة رباعية الدفع، فماتت على الفور مثيرة الكثير من الشكوك والتكهنات حول ما إذا كانت وفاتها مدبرة أم بسبب حادث عرضي.
التحقيقات البريطانية خلصت إلى أن موتها بسبب حادث وهو ما أكده يحيى عسيري، الحقوقي السعودي ومدير مؤسسة “القسط” الذي كانت تعمل معه آلاء، إذ أوضح لـ”درج” أنه اطلع على التحقيقات وتحقق من استبعاد أي شبهات جنائية حول مقتلها.
آلاء الصديق
في الفترة التي دار الجدل فيها حول ظروف موتها برز اسم آلاء في وثائق بيغاسوس كأحد الذين كانوا مستهدفين بالاختراق الإماراتي عبر NSO الاسرائيلية ما بين عامي 2018 ومنتصف 2019، أي في الفترة التي انتقلت فيها من قطر الى بريطانيا. ولفهم لماذا يمكن أن تستهدف الإمارات هذه الناشطة الشابة، يبرز للأذهان حديث كان أدلى به وزير الخارجية القطري محمد عبدالرحمن آل ثاني عام 2018 وكشف فيه أن الإمارات كانت قد طلبت من قطر قبيل الأزمة الخليجية (2015) بشهرين تسليم زوجة معارض إماراتي مقيم في الدوحة: “قبيل الأزمة بشهرين رصدنا هجمات من الإعلام الإماراتي، وتواصلنا معهم لحل المشاكل بشكل ثنائي. أبو ظبي طلبت تسليم زوجة معارض إماراتي مقيمة في الدوحة. وأرسل ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد مبعوثين لأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عام 2015 للمطالبة بتسليم المرأة”.
في التصريح نفسه أكد المسؤول القطري أن أمير بلاده رفض تسليم هذه المرأة التي تبين لاحقاً أنها آلاء الصديق، وهو ما أكده في الحديث معنا مدير مؤسسة القسط يحيى عسيري، فآلاء كانت مع زوجها المعارض الإماراتي عبدالرحمن باجبير في قطر وهو أحد أبرز المطلوبين على قوائم السلطات الإماراتية.
اللغط الذي أثير حول موت آلاء وبروز اسمها كهدف للاختراق يرتبط بطبيعة عملها وهويتها وعائلتها، فآلاء الصديق، هي المدير التنفيذي لمنظمة “القسط” ، وهي منظمة غير حكومية رائدة تسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية ، وهي ابنة السجين محمد الصديق، وقد توفيت آلاء دون أن تتمكن التحدث الى والدها منذ سنوات حيث يقبع في سجون الإمارات.
عمدت السلطات الإماراتية الى تجريد الاء وإخوتها التسعة من جنسيتهم في مارس / آذار 2016. فرت آلاء إلى قطر في عام 2012 ثم انتقلت إلى المملكة المتحدة في عام 2019.
حكم على والد آلاء محمد الصديق بالسجن 10 سنوات في محاكمة “الإمارات -94”. وقبل إدانته ، تم تجريده من جنسيته أيضاً في كانون الأول/ ديسمبر 2011، بعد توقيعه على عريضة تطالب بإصلاحات ديمقراطية.
في تموز/ يوليو 2013 وفي ذروة انطلاق ما عرف حينها بالثورات المضادة في العالم العربي بعد الثورات العربية ضد الاستبداد، كانت الإمارات تمارس تشدداً حيال أي رأي ناقد أو معارض. وفعلاً أُدين 69 رجلاً في محاكمة جماعية بتهمة التخطيط للإطاحة بحكومة الإمارات. وحُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة تصل إلى 15 عاماً.
وسط هذه الأجواء برز شغف آلاء بالعمل الحقوقي، فانتقلت مع زوجها من الامارات الى قطر ولاحقاً الى لندن. وعلى رغم حداثة سنها لكن آلاء تمكنت خلال سنوات قليلة من العمل الحقوقي في رحلة انتقالها من الإمارات الى قطر ومن ثم لندن أن تثبت حضوراً وحيوية بالغين في مجال الدفاع عن حرية التعبير والعمل السياسي.
فمن خلال ملامحها الدقيقة الناعمة وابتسامتها التي تحضر دائماً ومقابلاتها ومشاركتها في الكثير من المظاهرات والندوات والنشاط الحقوقي بات لآلاء حضور لافت.
يروي عسيري أن شغف آلاء بالعمل الحقوقي كان طاغياً، فهي بادرت للتطوع والعمل في مؤسسة “القسط”، على رغم أنها مؤسسة تعنى بالانتهاكات في السعودية لا الإمارات، “قالت لي أريد أن أتعلم فإما أن أدفعك لتغطية الانتهاكات في الإمارات وإما أن أتعلم وأفعل ذلك بنفسي… آلاء كانت محركاً أساسياً للعمل هنا في القسط فأظهرت جدية وحيوية، إلى أن أصبحت مديرة تنفيذية في المؤسسة”، يكمل عسيري كلامه مشيراً بأسف الى الخسارة التي حصلت برحيل آلاء “قبل يوم من وفاتها كانت تعمل لوقت متأخر واحتفلنا بعيد ميلادها في المكتب وكنا نتحدث عن مشاريع جديدة، لكن لم يكتب لها أن تستمر”.
أحمد منصور
أحمد منصور هو الحقوقي الأشهر في الإمارات والمسجون حالياً هناك.
عرف أحمد بجرأته وبإدارته نقاشات إلكترونية علنية مطالباً بإصلاحات سياسية في الإمارات. تعرض لسلسلة ملاحقات واختراقات عبر هاتفه وهي حقائق تم التثبت منها في مرحلة سابقة عبر مشروع “سيتزين لاب” وتم التأكد منها مجدداً في “مشروع بيغاسوس”، حيث تبين خرق هاتفه في الفترة التي سبقت اعتقاله عام 2017.
تعد قضية منصور الأبرز بسبب الانتهاكات الكبرى التي تعرض لها عبر ملاحقته وخرق هاتفه واعتقاله المتكرر وتعرضه لسوء المعاملة والتعذيب. تم اعتقاله بداية مع خمسة آخرين عام 2011 وحكم عليه بالسجن 3 سنوات لكن أطلق سراحه بعفو أميري. في عام 2012 اكتشف منصور للمرة الأولى أنه يتم التجسس عليه وهو ما كشفه “سيتزن لاب” حينها وتسبب بأن تحاول شركة آبل للهاتف تعديل خاصيات فيها لتفادي الخرق. لكن استمر تكرار خرق هاتف منصور الذي اعتقل مرة أخرى عام 2017 بتهمة نشر أكاذيب عبر السوشيال ميديا، وهو في السجن منذ ذلك التاريخ حيث ذكرت تقارير حقوقية أنه تعرض للتعذيب وسوء المعاملة.
تسريبات “بيغاسوس” وفرت معلومات عن استهدافه على فترات ومنها ما سبق اعتقاله الأخير بفترة قصيرة. لم يكن ليحصل هذا لولا خدمات NSO الاسرائيلية ومعها “دارك ماتر” الإماراتية، ما يؤكد أن التفاصيل التي وفرتها الداتا مرتبطة بتعقبه واعتقاله.
الإمارات تتجسس على سعوديين أيضاً
وفرت خدمات NSO إمكانية تعقب الشخصيات نفسها من قبل مشغلين مختلفين، وبرز تعقب معارضين ونشطاء من أكثر من دولة.
فمثلاً لم يقتصر اختراق هواتف نشطاء وحقوقيين سعوديين على السلطات السعودية بل تعداها لتكون الإمارات أيضاً خلف اختراق مماثل لبعض تلك الشخصيات السعودية، والاختراق شمل نشطاء معارضين كما شمل صحافيين وكتاباً ممن يعتبرون حلفاء للإمارات.
شملت الخروقات الاماراتية بحسب تسريبات “بيغاسوس” الناشطة المعروفة لجين الهذلول، والناشط المقيم في كندا عمر عبدالعزيز الذي ترد قصته في الملف المتعلق بالاختراقات السعودية بحق المعارضين. وشملت الاختراقات السياسي المعارض سعد الفقيه وعبد الله الغامدي والمقدم الساخر غانم المصارير الدوسري.
يحي عسيري
الحقوقي السعودي يحيى عسيري والذي ترصدته اختراقات سعودية شمله الاختراق الإماراتي ايضاً. لم يفاجأ عسيري بحقيقة أنه هدف متكرر لاختراق هاتفه ويقول لـ”درج”: “نعيش في وقت خاطئ وظروف خاطئة ولا بد من استمرار الجهد على رغم كل التهديدات من أجل مستقبل أولادنا لذا سنواصل المحاولة. أحياناً أرغب في الابتعاد قليلاً لكن حين أرى رفاقاً تعرضوا لاعتداء ما يصبح من الصعب أن أخاف أو أن أتوقف”
العسيري كان يعمل في قسم الإمدادات اللوجستية في سلاح الجو الملكي السعودية في الطائف. كانت له عين ناقدة للأوضاع داخل المملكة وفسحت له منابر الإنترنت مساحات للنقاش عام 2008 عبر منتديات لم يكن يستخدم فيها اسمه الظاهر. خاف العسيري من اكتشاف نشاطه السياسي عبر الانترنت بعدما سأله مسؤوله في سلاح الجو، فدبر رحلة انتقال إلى بريطانيا هو وزوجته، وهناك أسس عسيري منظمة “القسط” لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية.
وكما في كشوفات سابقة في تقرير العفو الدولية عن اختراقات تعرض لها عسيري، سجل مشروع “بيغاسوس” تفاصيل أوسع لتكرار خرق هاتفه سعودياً وإماراتياً عبر البرمجيات الاسرائيلية.
وعند سؤال عسيري عن معنى الاستمرار في العمل والتحدث عبر هاتف ممكن أن يكون مخترقاً ويشكل تهديداً وهو شخص فقد أصدقاء وزملاء بأساليب بشعة، أجاب: ” لو اتخذنا الاحتياطات الامنية والتقنية الكاملة سيكون علينا حينها أن نتوقف عن العمل. نعم، نحاول الحد من المخاطر فما زلنا نعيش مرحلة قمع لكن خروج أي شخص من السجن أو أي إنجاز مهما كان محدوداً، هو تقدم وهذا ما يشجعنا على الاستمرار، على رغم كل المخاوف، فلا بد من الاستمرار من أجل العدالة”.
وعما إذا كان العسيري سيخوض مسار الملاحقات القضائية بحق الشركة الإسرائيلية على غرار ما فعله مواطن عمر عبدالعزيز واخرون يقول: “بخصوص المسار القضائي فهو يحتاج الى وقت ويحتاج الى مال وأنا لا أملك أيا منهما لكن هناك احتمال كبير بعد التطورات الأخيرة (مشروع بيغاسوس) أن أفعل. “
وكان ناشطون اماراتيون قد رفعوا دعاوى قضائية ضد إسرائيل وضد مجموعة NSO في كل من إسرائيل وقبرص داعين الى محاسبة الشركة.
استهداف الإمارات شمل الكثير من وسائل الإعلام والصحافيين في دول خارج الإمارات لتشمل هواتف في دول مثل مثلاً هواتف صحافيين وصحافيات منهم يعمل في وسائل إعلام تابعة لإيران وأخرى تعمل في وسائل إعلام تعتبر حليفة للإمارات، وتحديداً شخصيات إعلامية سعودية بارزة كان استهدافها بالتنصت متكرراً وعلى فترات.
صحافيون وحقوقيون غربيون لهم حصتهم من الاختراق
برادلي هوب، هو صحافي أميركي معروف يعمل مع صحيفة “وول ستريت جورنال” WSJ ومقره لندن ويغطي قضايا المال. من مؤلفاته “الدم والنفط” الذي صدر عام 2020 ويتناول صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وحياته الباذخة، وقبله ألف عام 2015 كتاب “حوت المليار دولار” عن فضيحة فساد في ماليزيا لها ارتباطات بصندوق تموله الإمارات.
تكرر اسم برادلي في الداتا، ويعتقد أن استهدافه له علاقة بنوعية المعلومات التي نشرها في كتبه وتغطياته التي ركزت على منطقة الشرق الأوسط والخليج. كذلك شملت الداتا اسماء مثل مراسل “الفايننشال تايمز” في الامارات سيمون كير، الصحافي الإنكليزي غريغ كارستورم وهو مراسل “الايكونوميست”، وكارولين تاوز، مديرة العمليات في “سي ان ان” دبي، والصحافي التركي توران كسيلاكي وهو صديق مقرب من الصحافي السعودي المغدور جمال خاشقجي.
كما شلمت داتا “بيغاسوس” اسم الاكاديمي البريطاني ماثيو هيدغز الذي اعتقل عام 2018 في الامارات حين كان يغادر ابوظبي بعد زيارة جامعية بحثية اعتقل خلالها ليحكم عليه بالسجن مدى الحياة لكن تم العفو عنه بعد أيام. هيدغز أعلن بعد إطلاق سراحه أنه تعرض لتعذيب نفسي خلال فترة احتجازه.
يتضح من داتا مشروع “بيغاسوس” أنه كان على لائحة المراقبة مباشرة قبيل اعتقاله.
NSO رائدة قوى الظلام السيبرانية
تقدر منظمة “برايفيسي انترناشونال” البريطانية غير الحكومية أن هناك 27 شركة اسرائيلية على الاقل ناشطة في مجال برمجيات وبرامج التجسس والتنصت على أجهزة الهواتف الخليوية. وهذا الرقم يضع اسرائيل البالغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة، في طليعة التصنيف العالمي للشركات في هذا المجال.
ربما تكون مجموعة NSO الأكثر شهرة وإثارة للجدل، وهي جزء من عدد من شركات الهاكرز مقابل أجر المتخصصة في اقتحام الهواتف المحمولة. تورطت NSO في عدد من الحالات التي استخدمت فيها الحكومات تقنية Pegasus، لقرصنة الهاتف لتعقب منتقدي الأنظمة وخصومها ونشطاء حقوق الإنسان. تقول NSO مبررة إنها تطور التكنولوجيا فقط ولا يمكنها أن تتحمل مسؤولية ما يفعله عملاؤها من الحكومات. لكن حين يطرح السؤال حول ما إذا كانت الشركة الاسرائيلية تعرف أنهم يلاحقون صحافيين وناشطين حقوقيين؟
الجواب البديهي هو طبعا كانوا يعرفون.
منذ اعلان اتفاقات ابراهام للسلام خريف عام 2020 وبدأ العلاقات الرسمية بين اسرائيل والامارات برزت التكنولوجيا كأحد نقاط الاهتمام الرئيس والتي تبين أنها كانت سابقة على إعلان اتفاق السلام.
صحيفة «كلكليست» الاقتصادية الاسرائيلية كانت نشرت مقابلة مع رئيس الأمن السيبراني لحكومة الإمارات، محمد حمد الكويتي، نقلت فيها على لسانه، إن بلاده عملت مع شركات سايبر إسرائيلية، قبل توقيع معاهدة السلام، «إسرائيل شريك استراتيجي لنا، وهي متقدمة جيداً في مجال الدفاع السيبراني وبناء مناعة إلكترونية، نريد التعلم منها….” ولمح المسؤول الإماراتي، وفقاً للصحيفة، إلى استخدام بلاده برنامج التجسس «بيغاسوس»، الذي طورته شركة NSO الإسرائيلية، في إطار مكافحة الإرهاب، «ما أعرفه هو أن NSO توفر أداة تساعد هيئات الأمن القومي في مكافحة الإرهاب. الإرهاب أضر بنا وأضر بإسرائيل. إذا كان بإمكان NSO توفير الأدوات التي تساعد في هذه الجوانب دون انتهاك خصوصية شخص ما، وفقاً للأوامر القضائية التي تنظم عمل وكالات إنفاذ القانون فقط – إذاً بالتأكيد. سوف يساعد ذلك في منع الإرهاب وإنقاذ الأرواح».
ندرك اليوم مجدداً بعد كشوفات مشروع “بيغاسوس” أن هذا الكلام ليس سوى هراء.
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Dara – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
درج
——————————–
تسريبات “بيغاسوس”: هواتف شخصيات على علاقة بخاشقجي اخترقتها NSO الاسرائيلية
جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ارتبطت بسلسلة من الاختراقات لهواتف شخصيات قبل وبعد الجريمة. حصل ذلك بتسهيل من برمجية بيغاسوس الاسرائيلية لصالح السعودية. هذا التحقيق يكشف كيف.
في مقابلة أجراها مع قناة CBS في حزيران/ يونيو 2019، قال هوليو شاليف الرئيس التنفيذي لشركة NSO أن لا علاقة لشركته بقضية قتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وأكد أن تحقيقاً داخلياً للشركة توصل إلى هذه النتيجة.
هذه كانت كذبة ولم تكن الكذبة الوحيدة.
برنامج “بيغاسوس” الذي طورته شركة NSO تحت إشراف وزارة الدفاع الإسرائيلية استخدمته المملكة العربية السعودية لمحاولة اختراق هواتف شخصيات سعودية وغير سعودية على علاقة بقضية جمال خاشقجي. هذا جزء مما كشفه “مشروع بيغاسوس” الذي نسقته مؤسسة Forbidden Stories وهي منظمة صحافية غير ربحية مقرها باريس، بالتعاون مع منظمة Amnesty International’s Security Lab لحقوق الإنسان.
الشخصيات تم تحديدها بفضل تسريبات، ضمّت أكثر من 50 ألف رقم لهواتف ذكية يفترض أنه قد تمت محاولة اختراقها عبر البرنامج من قبل أكثر من عشر دول، حصلت Forbidden Stories عليها وشاركتها مع 80 صحافياً في 17 مؤسسة إعلامية من بينها “درج”، عملوا على مدى أشهر على التحقق من الأرقام وتحديد هويات أكثر من 1000 شخصية ضمت صحافيين ونشطاء في مجالات حقوق الإنسان وحرية التعبير ومعارضين ولكن ايضاً رجال أعمال وسياسيين.
الشركة الإسرائيلية نفت في رسالة وجهتها الى الصحفيين المشاركين في المشروع أن يكون أي من برامجها قد استخدمت في قضية خاشقجي.
الا ان التحقيق الاستقصائي، مدعماً بتحاليل جنائية أجرتها منظمة “أمنستي انترناشيونال” لـ 67 هاتفاً وجدت أدلة دامغة على خرق 37 منها من قبل برنامج Pegasus تطابق الآثار التي وجدت على 29 منها مع الفترة الزمنية التي تغطيها اللائحة. الهواتف الثمانية المتبقية وجد عليها اثاراً تعود إلى فترة زمنية لاحقة و السبب في ذلك قد يكون تغيير الهاتف الذكي من قبل المستخدم.
التحليل الجنائي الذي أظهر فرقاً زمنياً لم يتجاوز دقائقاً معدودة بين الوقت المعلن للأستهداف بحسب اللائحة و ظهور آثار الخرق على الهاتف المستهدف يثبت أن البرنامج المتطور الذي اشترته المملكة من اسرائيل في صيف 2018 لم يكن فقط على علاقة بجريمة قتل خاشقجي في سفارة بلاده في إسطنبول قبل وقوعها وبعده، انما استخدم أيضاً في فترات لاحقة لمراقبة شخصيات تركية على علاقة بالتحقيق، فضلاً عن مقربين من خاشقجي من بينهم خطيبته خديجة جنكيز وزوجته حنان العتر وصديقه الصحافي وضاح خنفر.
“لطالما شعرت ان واحداً منا كان مراقباً, لأن هناك تفاصيل كنت قد قلتها خلال أحاديثي مع خديجة عند اختفاء جمال، لم تطل قبل أن تصبح علنية خلال أيام قليلة”، يقول خنفر.
أفضل ما يمكن أن يشتريه المال
البداية كانت في الإمارات في ربيع 2017 في لقاء على هامش معرض الأسلحة (IDEX) حيث طرح رجل أعمال أوروبي على سعوديين من بينهم عبدالله المليحي، و هو من المقربين من رئيس جهاز الاستخبارات الأسبق تركي الفيصل، فكرة كان سمعها من رجل أعمال إسرائيلي عن رغبة شركات إسرائيلية بالدخول إلى سوق الخليج.
المليحي عبّر عن اهتمام سعودي بشراء أجهزة تجسس متطورة، لتتوالى بعد ذلك الاجتماعات في فيينا وقبرص.
بين جدران فندق “الفور سيزونز” في ليماسول، لم يخف المفاوضون السعوديون حماستهم للحصول على اجهزة تجسس تسمح لهم بمراقبة من يريدون حيث يريدون. بعد التجربة الناجحة للبرنامج والاطلاع على ما يمكن أن يقدمه كانوا يعلمون أنهم على وشك الحصول على “أفضل ما يمكن أن يشتريه المال” .
الاجتماعات التحضيرية تلتها لقاءات على مستوى متخذي القرار، في الرياض هذه المرة، فرضت على هوليو شاليف ومرافقيه الحصول على إذن خاص من وزارة الدفاع الإسرائيلية، فالبلدان لا يزالان في حالة حرب. حصلت الزيارة بين 18 و 20 تموز/ يوليو وتم الاتفاق. ابتداء من هذا التاريخ ومقابل 55 مليون دولار دفعتها السعودية لشركة إسرائيلية خاصة، صار بإمكان أجهزة الأمن السعودية خرق الهواتف الذكية لأي شخص في أي وقت والحصول على أي نوع من المعلومات المتوفرة على الهاتف من دون ترك أثر بإمكان المستخدم ملاحظته أو كشفه.
هذه ميزة “بيغاسوس” 3، البرنامج الأقوى والأكثر تطوراً من نوعه، والذي يستطيع خرق الهاتف الذكي من دون الحاجة الى أي روابط.
جمال خاشقجي: النحل في مواجهة الذباب والقتل ثمناً للمعارضة
أقل من ثلاثة أشهر فصلت بين حصول المملكة على برنامج بيغاسوس 3، وبين قتل جمال خاشقجي في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر. لا أدلة على أن هاتف خاشقجي كان مراقباً عبر البرنامج فالهاتف موجود لدى أجهزة الأمن التركية التي رفضت التعليق على الموضوع.
الا ان هاتف معارض آخر، تم التأكد من اختراقه عبر “بيغاسوس”، هو الذي يعتقد أنه سمح بكشف معلومات لأجهزة الاستخبارات السعودية يعتقد انها جعلت في حينه من خاشقجي عدواً للدولة وولي عهدها محمد بن سلمان.
في مقابلة أجريت معه ضمن فيلم The Dissident يقول المعارض عمر بن عبد العزيز، وهو لاجئ سياسي مقيم في كندا، إنه يعرف جيداً بأن خاشقجي قتل بسبب المعلومات التي تم الوصول إليها عبر هاتفه -والذي تم التأكد من اختراقه عبر تقنية التحليل الجنائي- ومن بينها أن خاشقجي كان أرسل له ومن حسابه الخاص مبلغ 5000 دولار لتمويل مشروع النحل الإلكتروني.
يحكي عبد العزيز عن بدء علاقته بخاشقجي وصولاً إلى المشروع الذي عملا معاً على تحقيقه بهدف محاربة جيش “الذباب الالكتروني” الذي طورته السعودية لقمع أصحاب الرأي والصحافيين والحقوقيين الذين وجدوا في منصات التواصل الاجتماعي مساحة للتعبير والتغيير.
آلاف من المستخدمين يشغل كل منهم عشرات الآلاف من الحسابات الوهمية مهمتها الوحيدة التشويش وفي كثير من الأحيان تشويه سمعة شخصيات سعودية لديها جمهور واسع وبالتالي تأثير كبير.
“أن يكون لديك رأي في السعودية، فهذه مشكلة، ولكن ان يكون لديك رأي وايضاً جمهور، فهذه جريمة” يقول عبد العزيز.
على رغم الفارق الهائل لجهة الإمكانيات، مشروع النحل كان واعداً، لكن خاشقجي قتل قبل أن يختبر نجاحه.
بعد الجريمة، المزيد من المراقبين
التحليل الجنائي الذي قامت به منظمة “أمنستي إنترناشيونال” عبر قسم Security Lab أثبت أن هاتف وضاح خنفر، المدير السابق لقناة “الجزيرة” والصديق المقرب لخاشقجي كان مراقباً، كما هو حال خطيبته خديجة جنكيز. في مقابلة أجرتها معها دانا بريست من “الواشنطن بوست” في اسطنبول تتحدث جنكيز عن الضغط الهائل الذي يشكله هذا النوع من الخرق للخصوصية. “الأمر لم يعد يتعلق بجمال وحده، الأمر صار يتعلق بالبقاء على قيد الحياة”.
“أود أن أكون انساناً عادياً، مثل أي إنسان آخر. كل ما يجري يحزنني و يجعلني خائفة. هاتفي يمكن ان يتم خرقه مجدداً و هذا يجعلني اشعر اني لا املك اية طريقة لحماية نفسي”، تضيف.
التحليل الجنائي لهاتف امرأة أخرى هي زوجة لخاشقجي اسمها حنان العتر أثبت أن هاتفها كان مخترقاً. العتر تعيش حالياً في الخفاء في الولايات المتحدة وهي طالبة اللجوء السياسي بسبب ما تعرضت له من ملاحقات خلال الأشهر التي تلت مقتل خاشقجي بما في ذلك توقيفها والتحقيق معها في مطار دبي.
خديجة، التي حصلت على حماية خاصة تؤمنها أجهزة الأمن التركية قالت إنها لم تفاجأ عندما علمت ان هاتفها مراقب، فهي كانت تعرف أن أي علاقة بها تشكل خطراً على كثر، وهو ما عاشته عن قرب بعدما اختار عدد كبير من معارفها أن يقطعوا أي علاقة بها خوفاً من تبعات يمكن أن تطاولهم. المعلومات التي جمعها الصحافيون العاملون على مشروع “بيغاسوس” تقاطعت لتؤكد أن عشرات ممن كانوا على صلة بجمال خاشقجي تمت ملاحقتهم، وفي بعض الأحيان سجنهم لمجرد أنهم كانوا يقرأون ما يكتبه او لأنهم كانوا ينتمون الى مجموعات على تطبيقات تواصل اجتماعي مثل “واتساب”، كان هو ايضاً من أعضائها.
“هم يحاولون أن يقتلوا شبح جمال خاشقجي”، يقول ياسين اكتاي، صديق خاشقجي وأحد المستشارين المقربين من أردوغان.
هاتف اكتاي كان من الهواتف التي وجدت أرقامها على اللائحة ويقول في مقابلة أجرتها معه كريستينا لودويغ من فريق FS إنه قام بتغيير هاتفه وكل ادواته الإلكترونية التي كان يستخدمها. “ولكن في النهاية انت تعلمين انه ليس بإمكانك فعل شيء، نحن نعيش في زمن ما بعد التقدم وكل هذه الأدوات، نحن نحملها في جيوبنا”.
أكتاي، الذي لم يرغب بإخضاع هاتفه لتحليل جنائي، ليس الشخصية التركية الوحيدة على اللائحة التي تم التأكد منها، فاللائحة ضمت أيضاً رقم عرفان فيدان، المدعي العام السابق الذي أوكل في حينه التحقيق في قضية قتل جمال خاشقجي. كما حصل مع خديجة، ابلغ كل من اكتاي و فيدان ان هواتفهما قد تعرضت للخرق و المراقبة من قبل أجهزة تنصت سعودية.
انييس كالامار المقررة الخاصة في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قالت خلال مقابلة مع مجموعة من الصحافيين العاملين على مشروع “بيغاسوس” إن التجسس “يظهر نية واضحة” لمعرفة ما الذي يقوم به المدعي العام والأشخاص الآخرون. “بالنسبة إليهم تركيا كانت في قلب المعادلة التي كانت عليهم السيطرة عليها” تقول كالامار.
الأمور لم تنته عند هذه الحدود، فدائرة المستهدفين بالتجسس توسعت خلال الأشهر التي تلت قتل خاشقجي لتطاول نشطاء في مجال حقوق الإنسان موجودين في بلدان كان يعتقد أنها غير مشمولة بحسب الرخصة التي تمنحها NSO لزبائنها. من بين الأرقام التي تم التأكد أنها موجودة على لائحة الاستهداف ارقام تعود لمعارضين من بينهم يحيى العسيري و مضاوي الرشيد. التحليل الجنائي لم يصل لأية معلومات على هاتف الرشيد لأن الفترة الزمنية التي تم وضعها على لائحة المستهدفين تزامنت مع وقف ترخيص السعودية في بريطانيا.
تقول الرشيد “نحن لسنا خلية سرية أو مجموعة ارهابية، نحن فقط نطالب باحترام كرامتنا وحقوقنا وبديمقراطية تضغ حداً للدولة البوليسية التي نعيش فيها”.
السباق نحو الهاوية
في مقابلة قديمة له مع فريد زكريا، يرد جمال خاشقجي على سؤال حول حرية التعبير في الديكتاتورية قائلاً إن ما لا يفهمه كثيرون هو أن المملكة ليست ديكتاتورية. المملكة تحكم بالتوافق، وانا متأكد أن في النهاية، الإصلاحيون هم الذين سينتصرون”. بعد أكثر من عقدين من الزمن وعلى رغم التقدم التكنولوجي وربما بسبب ذلك، يبدو أن المساحة لم تعد متوفرة ليس للإصلاحيين وحسب ولكن لأي معارض على الإطلاق.
الكاتبة كيم غطاس, مؤلفة كتاب “الموجة السوداء” والخبيرة بالعلاقات الأميركية السعودية علقت على مشروع “بيغاسوس” قائلة: “إن غياب المحاسبة سيؤدي إلى تلويث الجميع”. غطاس قالت إن الإصلاحات التي فرضها محمد بن سلمان رافقتها حالات قمع مكثف كان من السهل تبريرها تحت ذريعة الحفاظ على الاستقرار”.
أضافت “بإمكان السعودية أن تتذرع بما تقوم به إسرائيل. ها هي إسرائيل تساعد ديكتاتوريات على قمع المواطنين المعارضين عبر الإيحاء الخاطئ بأن هذا النوع من الاستقرار الذي يؤمنه هؤلاء الحكام الديكتاتوريون مفيد لإسرائيل. دول مثل المغرب والسعودية والإمارات لا يمكنها أن تستخدم ذريعة ما تفعله الصين او روسيا، سيكون ذلك بمثابة سباق الى القعر لمعرفة من بإمكانه أن يكون الديكتاتور الأسوأ”.
“المحاسبة إما تنطبق على الجميع، أو لا تنطبق على أحد”.
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Dara – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
درج
————————–
“مشروع بيغاسوس”: المغرب ومحاولات للتنصّت على 10 آلاف رقم … الحلّ الأمثل لقمع الصحافيين!/ هلا نهاد نصرالدين
المغرب هي من أكثر الدول التي أنفقت بسخاء لشراء برمجيات NSO الاسرائيلية للتجسس. ما يزيد عن عشرة آلاف رقم تم التجسس عليها من بينها كثر من الصحافيين والناشطين الذين يقبعون في السجون الآن.
أكثر من 10 آلاف رقم حاول التنصّت عليهم مشغّل تابع لدولة المغرب التي اشترت برنامج التجسّس الشهير “بيغاسوس” من شركة NSO الإسرائيليّة، بحسب تسريبات حصلت عليها مؤسسة Forbidden Stories وشاركتها مع “درج” و16 مؤسسة إعلاميّة أخرى في سياق مشروع “بيغاسوس” (The Pegasus Project). وهذا المشروع هو مشروع تعاوني استقصائي يشارك فيه أكثر من 80 صحافياً من 17 مؤسسة صحافيّة في 10 دول حول العالم، تقوم بتنسيقه منظّمة Forbidden Stories بمساعدة تقنيّة من Amnesty International’s Security Lab.
بعد نحو 10 سنوات من تأسيس شركة NSO الإسرائيليّة، وهي صاحبة برنامج Pegasus ، تمّ تسريب ثلاثة عقود بين الشركة ودول أخرى لشراء برنامج Pegasus، وكلّ عقد مختلف تماماً عن العقود الأخرى. فالعقد الأوّل مع غانا والذي كُشف من خلال دعوى رفعتها إدارة “واتساب” التابعة لشركة “فايسبوك” على شركة NSO في محكمة كاليفورنيا في 29 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، نتيجة اختراق برنامج الشركة محادثات على التطبيق وحصول NSO على وصول غير مصرح به إلى الخوادم وخدمة الاتصال الخاصة بالشركة.
وفي سياق الدعوى، تمّ الكشف عن عقد شركة NSO مع غانا وبلغت قيمة العقد نحو 8 مليون دولار في السنة للتنصّت على 25 رقماً، أمّا عقد NSO مع المكسيك، فهو بقيمة 32 مليون دولار لمراقبة 500 اسم فيما كان عقد باناما بقيمة 13.4 مليون دولار للتنصّت على 150 رقماً. ووفقاً لجريدة “هآرتس” الإسرائيليّة فإنّ المملكة العربية السعودية دفعت عام 2017 نحو 55 مليون دولار أميركي في السنة لشراء رخصة برنامج Pegasus.
وهذا ما يسلّط الضوء على المبلغ الهائل الذي يمكن أن تكون قد دفعته دولة المغرب للتنصّت على ما يزيد عن 10 آلاف رقم أي 640 مليون مرّة زيادة عن عقد غانا.
لكن لا بدّ من الإشارة أوّلاً إلى أنّ الاستهداف قد لا يعني بالتأكيد أنّ هواتف الأشخاص المعنيين قد تمّ اختراقها، إلّا أنّه يؤكّد وجود محاولة للاختراق. إنّما هناك أرقاماً تمّ التأكّد منها عن طريق تحليلات مخبريّة قام بها شريك المشروع التقني Amnesty International Security Lab.
“بيغاسوس”: سلاح المغرب ضدّ الصحافيين!
وكأنّ الصحافيّين العرب لا تكفيهم أساليب القمع التي تنهمر عليهم من كل حدب وصوب حتى تساهم التكنولوجيا الإسرائيليّة في تعقيد حياتهم أكثر وصولاً إلى سجنهم أو حتى قتلهم!
فحين لم تنجح وسائلها السابقة في قمع الصحافيين، لجأت السلطات المغربيّة إلى استهدافهم إلكترونيّاً وابتزازهم بمعلوماتهم الشخصيّة.
الكثير من الصحافيين الذين تمّ التنصّت عليهم يقبعون اليوم في السجن بتهم الاغتصاب والاعتداء الجنسي. وهذا ما تستنكره المؤسسات الداعمة للصحافيين كمنظّمة العفو الدوليّة ومنظّمة Forbidden Stories وغيرهما.
صحافي استقصائي مغربي وهو أحد أبرز الذين دفعوا ثمن شراء المغرب البرنامج الإسرائيلي. فهو يقبع في السجن منذ تمّوز/ يوليو 2020 تحت الاعتقال الاحتياطي وذلك بتهم عدة أبرزها التجسّس، والاغتصاب.
في تحقيق نشره موقع “درج” سابقاً بالتنسيق مع منظمة Forbidden Stories، وبالتزامن مع 16 وسيلة إعلامية دولية، وبناءً على تحقيق أجرته منظّمة العفو الدوليّة، تبيّن أنّ “استهداف عمر بدأ في بداية عام 2019، وآخر أثر للهجوم، حدده المختبر الأمني في كانون الثاني/ يناير 2020″، وذلك بطريقة غير تقليديّة إطلاقاً من طريق “حقن شبكة الاتصالات”. فراضي صحافي استقصائي مخضرم وهو على اطلاع على أساليب التنصت المختلفة، إلّا أنّ تقنية Pegasus، بخلاف التقنيات الأخرى، لا تتطلّب من الشخص الضغط على أي رابط ولا تحتاج إلى أي تفاعل منه.
واكتشف راضي اختراق هاتفه من خلال مقال انتشر على أحد المواقع الساخرة الذي يُعرف أنّه مرتبط بالمخابرات المغربية بشكل غير رسمي. وتضمّن المقال تفاصيل عن حياته الشخصيّة كرسالة من المخابرات على أنّه يخضع للمراقبة. وقال راضي عندها: “إنه نوع من التهديد بأنهم يراقبونني، وقد فهمت من تفاصيل نُشرت في المقال أنها تأتي من هاتفي الخلوي. فقد نشروا محتوى نقاش هاتفي… ومع أن هذه المحادثة جرت عبر تطبيق “سينيال” الذي يفترض انه آمن، إلا أنها تسربت ووجدتُ تفاصيل منها في المقال، وأكثر من ذلك فقد استطاعوا الوصول إلى مضامين تسجيلات صوتية عبر تطبيق واتساب. هذا أكد لي شكوكي بأن هاتفي مقرصن”.
وكان راضي يعمل على مواضيع حول العلاقة بين رجال السياسة وبعض الشركات ورجال الأعمال وقضايا الفساد، فضلاً عن مواضيع متعلّقة بانتهاكات حقوق الانسان والإفلات من العقاب. وفي هذا الإطار، كان حكم سابقاً بالسجن لأربعة شهور مع وقف التنفيذ ودفع غرامة مالية بسبب انتقاده النظام القضائي.
ولكن راضي ليس وحده، بل هناك الكثير من الصحافيين الذين تمّ استهدافهم بهذا البرنامج، وفق ما كشفت التسريبات الأخيرة.
تضمّن تقرير منظّمة العفو الدوليّة أيضاً صحافيين آخرين هنا بعضهم
المعطي المنجب
أستاذ جامعي ومؤرّخ مغربي ومؤسس مشارك لمنظمة “الحرية الآن” (Freedom Now) وكاتب رأي. وهو أيضاً مؤسس مشارك وعضو بارز في “الجمعية المغربية للصحافة الاستقصائية” (AMJI).
وكان المنجب شعر منذ عام 2015 بأنّ جهازه مراقب من المخابرات المغربيّة، وتأكّد من ذلك بعد التحليل المخبري الذي قامت به منظمة العفو الدولية عام 2019.
واتُّهم المنجب مع أربعة أشخاص آخرين بالمس بالسلامة الداخلية للدولة التي قد تعرّضهم للسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات في حال إدانتهم والمحاكمة لا تزال جارية.
كما اتّهم المنجب بتبييض الأموال، وبعد ثلاثة أشهر في السجن، تمّ الافراج عنه في أواخر آذار/ مارس 2021 بشكلٍ موقت.
عبد الصادق البوشتاوي
محام وحقوقي مدافع عن حقوق الإنسان، لا سيّما حقوق المحتجين في الحراك المغربي وفي احتجاجات العدالة الاجتماعية في حراك الريف خلال عامي 2016 و2017.
حُكم عليه في شباط/ فبراير 2017 بالسجن لمدة 20 شهراً، ودفع غرامة، بسبب انتقاده على استخدام السلطات القوة المفرطة خلال الاحتجاجات. وانتقل للعيش في فرنسا منذ منتصف عام 2018.
وتم التأكّد من اختراق هواتف كلّ من راضي والمنجب ويرجح ان الاختراق شمل البوشتاوي لكن لم يتم التأكد منه من خلال التحليل المخبري الذي قامت به منظّمة العفو الدوليّة. كما تأكّدت المنظّمة من ارتباط هذه الاختراقات بشركة NSO الإسرائيليّة، إذ إنّ الرسائل النصية القصيرة التي وصلتها تحتوي على روابط إلى مواقع خبيثة مرتبطة مسبقاً بشركة NSO.
علاوة على الأسماء المذكورة سابقاً، أضافت التسريبات الأخيرة أسماءً جديدة على لائحة الصحافيين الذين تمّ استهدافهم، من أبرزها:
توفيق بوعشرين
صحافي مغربي، شغل منصب رئيس تحرير “الجريدة الأخرى”، ومدير نشر جريدة أخبار اليوم المعارضة. عُرف بوعشرين بمقالاته النقديّة للنظام الحاكم. وهو في السجن منذ شباط 2018. حُكم عليه بالسجن 15 عاماً بتهمة الاعتداء الجنسي على عدد من النساء.
تبيّن التسريبات الأخيرة أنّ المدّعيات على بوعشرين باغتصابهن كنّ تحت الاستهداف ببرنامج بيغاسوس ما يرجّح أن يكون قد تمّ ابتزازهن من أجل الادّعاء على بوعشرين، خصوصاً أنّ اثنين منهنّ قد تراجعتا عن الادّعاء وقالت إحداهما أنّها تعرّضت للضغط من الشرطة بالقول بأنّ بوعشرين اعتدى عليها جنسيّاً. وعلى رغم رفضها لكنّها علمت لاحقاً أنّه تمّ تزوير كلامها.
سليمان ريسوني
هاجر ريسوني
توفيق بوعشرين
سليمان ريسوني: صحافي ورئيس تحرير جريدة “أخبار اليوم”. اعتقل منذ حزيران/ يونيو 2020 بتهمة الاعتداء الجنسي أيضاً.
هاجر ريسوني: صحافية معروفة في الجريدة نفسها، حُكمت بالسجن لمدّة عام بتهمة “الإجهاض” و”ممارسة الجنس خارج إطار الزواج”.
وهذا غيض من فيض من أسماء الصحافيين المغربيين الذين ظهرت أرقامهم في سجل NSO لأرقام الهواتف التي اختارها عملاء الشركة لاستهدافها.
من هي الجهة التي تقف وراء التنصّت؟
لم تكشف التسريبات الأخيرة من هي الجهة التي تقف وراء محاولات التنصّت، الّا أن الجهات الأكثر ترجيحاً هي إمّا:
المديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED) التابعة لمديريّة الاستعلامات (Renseignements generaux (RG)): وهي جهاز لمكافحة التجسّس ترتبط مباشرة بالمؤسسة الملكية المغربية.
“المكتب الثاني”: وهو الجهة المسؤولة عن المخابرات العسكرية في الجيوش الأجنبية، ومراقبة المراكز الحدودية البرية.
المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني: وتأسس هذا المكتب عام 2015 لمواجهة التطرف العنيف والعمليات الإجرامية الكبيرة وشبكات تجارة المخدّرات.
ومن المحتمل أن تملك أكثر من جهة رسميّة وصولاً إلى رخصة برنامج Pegasus. وسنكشف في الأيّام القليلة المقبلة سلسلة من الشخصيات السياسيّة والقادة، المحليّين والأجانب، الذين حاولت دولة المغرب استهدافهم إلكترونياً، أو استهدفتهم بالفعل، باستخدام البرنامج الإسرائيلي.
درج
————————-
تسريبات “بيغاسوس”: هاتف ماكرون ضحيّة محاولة خرق مغربية!/ هلا نهاد نصرالدين
بغضّ النظر عن الجهة المغربيّة التي اشترت برنامج “بيغاسوس” التجسسي، إلّا أنّ الأكيد أنّ المغرب يخاطر بعلاقاته الديبلوماسيّة مع دول عدّة أبرزها فرنسا والجزائر…
هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
لم يكتفِ المغرب بالاستهداف الإلكتروني لأكثر من 10 آلاف رقم، هم صحافيون وحقوقيون ونشطاء، وذلك من خلال برنامج التجسس الشهير “بيغاسوس” التابع لشركة NSO الإسرائيليّة، ولكنّه تخطّى ذلك إلى محاولة استهداف الرئيس الفرنسي.
فكشفت تسريبات حصلت عليها مؤسسة Forbidden Stories وشاركتها مع “درج” و16 مؤسسة إعلاميّة أخرى في سياق مشروع “بيغاسوس” (The Pegasus Project)، أنّ من بين الأرقام التي استهدفها المغرب هو رقم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما قد يشكّل ضربة قاسية للعلاقات الديبلوماسيّة بين البلدين.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مشروع “بيغاسوس” هو مشروع تعاوني استقصائي يشارك فيه أكثر من 80 صحافياً من 17 مؤسسة صحافيّة في 10 دول حول العالم، تقوم بتنسيقه منظّمة Forbidden Stories بمساعدة تقنيّة من Amnesty International’s Security Lab.
ماكرون وميشيل تحت الرقابة المغربيّة!
اتّسمت علاقة المغرب وفرنسا بالصداقة والتعاون الوثيق في العقدين الماضيين. ولم تهتزّ هذه العلاقة بعد وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى سدّة الرئاسة في أيار/ مايو 2017.
وقد عبّر ماكرون عن تمسّكه بعلاقته وتحالفه مع المغرب من خلال الزيارة التي قام بها عام 2017 وكانت هذه الزيارة رمزيّة، إذ كانت الأولى له إلى دولة في شمال أفريقيا وهدفت إلى تعزيز العلاقات بين فرنسا والمغرب، بما في ذلك التعاون في القضايا الأمنية.
ومع ذلك، عزم المغرب على محاولة خرق هاتف ماكرون للتنصت عليه في آذار/ مارس 2019. ولكن في غياب التحليلات المخبريّة المختصّة للهاتف، لا يمكن الجزم بأنّ الخرق حصل فعلاً، إلّا أنّ وجود رقمه ضمن التسريبات التي حصل عليها موقع “درج” ومؤسسات صحافية أخرى من منظّمة Forbidden Stories، ؤيكّد أنّ المغرب كان يسعى إلى استهداف هاتف الرئيس ماكرون، ولكن لا يمكن التثبّت من نجاح ذلك. إنّما تأكّد فريق مشروع “بيغاسوس”، تحديداً اللوموند الفرنسيّة، وهي شريكة بالمشروع، أنّ هذا الرقم يملكه بالفعل الرئيس ماكرون واستخدمه في حملته الانتخابيّة.
وعلماً أنّ فريق التحقيق لم يتمكّن من فحص هاتف رئيس الجمهوريّة تقنيّاً للتأكّد من الاختراق، لا يمكن تأكيد أنّ هذا حصل بالفعل إنّما التسريبات بين أيدينا تثبت أنّ هاتف الرئيس الفرنسي كان ضمن الهواتف التي سعى المغرب إلى اختراقها وهذا ما يعدّ خرقاً لديبلوماسيّة العلاقة بين الدولتين الصديقتين والحليفتين.
في تلك الفترة تحديداً، حاول مشغّل المغرب التنصت على أرقام كثيرة لصحافيين ونشطاء مغاربة منهم الصحافي المغربي المقيم في فرنسا أبو بكر جماعي والذي لولا وجوده في فرنسا لكان اليوم في السجن في المغرب أسوة بالكثير من زملائه مثل عمر راضي وتوفيق بوعشرين وغيرهما.
إلّا أنّ ماكرون ليس السياسي الأوروبي الوحيد الذي حاول المغرب استهدافه إلكترونيّاً، بل كان معه أيضاً رئيس الوزراء البلجيكي تشارلز ميشيل. إضافة إلى استهداف المستشار الأساسي لرئيس الجمهورية بشأن القضايا الأفريقية، فرانك باريس وذلك بعد أشهر قليلة من استهداف ماكرون، فضلاً عن ألكسندر بينالا، مساعد مدير مكتب الرئيس الفرنسي والذي كان يهتم بأمن ماكرون الشخصي.
ما سبب استهداف ماكرون؟
على رغم أنّ التسريبات لا تحدّد هدف استهداف عملاء برنامج “بيغاسوس” التابع لشركة NSO للأرقام المعنيّة أو مضمون المعلومات التي قد يكونون قد حصلوا عليها، الّا أنّ إعادة النظر بأحداث تلك الفترة يمكن أن يوضح الأسباب الكامنة خلف محاولة الاستهداف.
فمن الواضح أنّ للمغرب هواجس كثيرة دفعته إلى محاولة استهداف ما يزيد عن 10 آلاف رقم في الداخل، والخارج، ولقضايا مختلفة ومتعدّدة. وبحسب شريكتنا في المشروع، جريدة “لوموند” الفرنسيّة، فنحو 10 في المئة من الأرقام التي استهدفها المغرب كانت في فرنسا. إضافة إلى ذلك، استهدف إلكترونيّاً الكثير من الصحافيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وشخصيات ديبلوماسيّة وسياسيّة محليّة وعالميّة.
من أبرز هذه الهواجس هي علاقة المغرب بجارتها ومنافستها وغريمتها الأزليّة الجزائر. ففي آذار/ مارس 2019، اعتذر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي ترأس الجزائر لمدّة 20 سنة، عن الترشّح لولاية رئاسيّة خامسة، وتم تأجيل الانتخابات التي كانت المقرّرة آنذاك في نيسان/ أبريل 2019. وهذا ما أقلق المغرب المهتمّ بمعرفة مستقبل النظام السياسي في الجزائر. وباعتبار أنّ السلطات الفرنسيّة تتابع عن كثب التغيرات السياسيّة في الجزائر، فربّما ارتأى المغرب أن يعرف انطباع الرئيس الفرنسي حول المستجدّات.
هذا إضافة إلى استقالة رئيس الوزراء الجزائري أحمد أو يحيى وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نور الدين البدوي. وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ البدوي أيضاً ظهر اسمه في تسريبات “بيغاسوس” كهدف من أهداف تنصّت المغرب. ووقع ضحيّة محاولة الخرق أيضاً رمطان لعمامرة وهو شغل منصب وزير الخارجيّة الجزائري لمدّة طويلة وكان سفير الجزائر لدى الأمم المتّحدة (1993– 1996). وكان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في حكومة نور الدين بدوي.
والجدير ذكره أنّ ماكرون استُهدف أيضاً بالتزامن مع الديبلوماسي الجزائري الشهير الأخضر الإبراهيمي الذي شغل مناصب ديبلوماسيّة عدّة أبرزها: وزير الخارجيّة الجزائري السابق (1991 – 1993) والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا (2012 – 2014). وتحدّثت وسائل الإعلام في آذار 2019، أي فترة استهدافه من قبل المغرب، عن اختياره لرئاسة اللجنة الانتقالية التي دعا إليها بوتفليقة.
علاوة على ذلك، حاول المغرب في الفترة ذاتها خرق هاتف السفير الفرنسي في الجزائر، كزافييه درينكور، من خلال “واتساب”، ولا بدّ هنا من الإشارة إلى الدعوى التي رفعتها إدارة التطبيق على شركة NSO بسبب اختراق معلومات ومحادثات لمشتركين. وحاول المغرب أيضاً استهداف عبد القادر مساهل وهو وزير الشؤون الخارجيّة الجزائري السابق وتبوّأ مناصب ديبلوماسيّة وسياسيّة عدّة في مسيرته. وهذا ما يظهر أهميّة الشؤون الداخليّة الجزائريّة بالنسبة إلى المغرب.
في المقابل، لا شكّ في أنّ قضيّة الصحراء الغربيّة مفصليّة بالنسبة إلى المغرب. وهذا ما عكسته التسريبات. فمشغّل المغرب استهدف الكثير من الأرقام الجزائريّة المرتبطة بالصحراء الغربية، إذ إن القضية هي واحدة من أطول نزاعات أفريقيا. وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى دعم الجزائر للجبهة التي تأسّست عام 1973 وتهدف إلى إقامة دولة مستقلّة في الصحراء الغربية.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وقعت اشتباكات ومواجهات عنيفة بين الجبهة والمغرب بحيث أعلنت البوليساريو أنّ “الحرب بدأت، والجانب المغربي خرق اتفاق وقف إطلاق النار”، علماً أنّ الاتفاقية قائمة منذ عام 1991.
العائلة الملكيّة لم تسلم أيضاً!
لم تسلم العائلة الملكيّة في المغرب من محاولات التنصّت على هواتف أفرادها. ومن أكثر الأسماء اللافتة في المملكة المغربية، الأميرة سلمى بناني، وهي زوجة الملك محمد السادس وأم وريثي المملكة.
ويرجّح أن تكون للملك يد في محاولة التنصت عليها، خصوصاً أنّ وسائل إعلام تحدّثت عن انفصالهما في آب/ أغسطس 2019، وذلك بعد شائعات متكررّة عن طلاقهما خصوصاً بعد نشر الملك صورة له ولعائلته في نهاية شباط/ فبراير 2019 في أحد مستشفيات باريس، حيث خضع لعملية جراحية.
إلّا أنّ محاولة اختراق هاتف الملك محمد السادس نفسه يبعد احتمال أن يكون الجهاز الاستخباراتي المرتبط به، هو الذي يقف خلف مشغّل المغرب لبرنامج “بيغاسوس”. فقد ذكرنا في تحقيق سابق عن المغرب في إطار هذا المشروع، الجهات التي يمكن أن تكون خلف المشغّل المغربي وهي التالية:
– المديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED) التابعة لمديريّة الاستعلامات (Renseignements généraux (RG: وهي جهاز لمكافحة التجسّس ترتبط مباشرة بالمؤسسة الملكية المغربية.
– “المكتب الثاني”: وهو الجهة المسؤولة عن المخابرات العسكرية في الجيوش الأجنبية، ومراقبة المراكز الحدودية البرية.
– المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني: وتأسس هذا المكتب عام 2015 لمواجهة التطرف العنيف والعمليات الإجرامية الكبيرة وشبكات تجارة المخدّرات.
ومن المحتمل أن تملك أكثر من جهة رسميّة وصولاً إلى رخصة برنامج “بيغاسوس”. إلّا أنّ استهداف الملك والعائلة الملكيّة يبعد احتمال أن يكون الجهاز الأوّل هو خلف مشغّل المغرب الذي ينشط في محاولات الخرق.
بغضّ النظر عن الجهة المغربيّة التي اشترت برنامج “بيغاسوس” التجسسي، إلّا أنّ الأكيد أنّ المغرب يخاطر بعلاقاته الديبلوماسيّة مع دول عدّة أبرزها فرنسا والجزائر، هذا فضلاً عن المبالغ الطائلة (غير المحدّدة) التي دفعها المغرب لشركة NSO لمحاولة استهداف ما يزيد عن 10 آلاف رقم، بينما كان يستطيع الاستفادة من هذه “الميزانيّة” في مشاريع إنمائيّة داخليّة لمصلحة المواطن المغربي.
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Daraj – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
درج”
———————————
تسريبات “بيغاسوس”: الخارجيّة المصرية تحت الرقابة السعودية!
هلا نهاد نصرالدين
بغضّ النظر عن الأسباب التي دفعت المملكة العربيّة السعوديّة إلى استهداف الخارجيّة المصريّة والتنصّت عليها، إلّا أنّ ليس هناك أي تبرير قانوني أو أخلاقي لاستهداف المملكة ديبلوماسياً من دولة حليفة.
هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
“إذا استطاعت مصر تغيير حكومتها وإضفاء الطابع الديموقراطي عليها، وإحياء دورها الإقليمي، والشروع في برنامج طموح للإصلاح السياسي والاقتصادي في تاريخها الحديث من دون المساس بسلامة الدولة، فإن إخواننا في العالم العربي والمنطقة يمكنهم كذلك… يستمر هذا المبدأ الذي تم اختباره في توجيه نهجنا في المنطقة”، بهذه الجملة نصح وزير الخارجيّة المصري، سامح شكري، نظراءه العرب بكيفية التعامل مع فترة ما بعد الانتفاضات العربيّة عام 2016. فسامح شكري هو انعكاس للدولة المصريّة العميقة التي رسّخت تشبّثها بمقاليد الحكم وقمعت أي أمل للتغيير الحقيقي الذي طمح إليه الشباب في بداية الثورة المصريّة، وذلك تحت ذريعة أنّ “تقويض مؤسسات الدول القومية يخلق فراغاً سياسيّاً واجتماعيّاً تملأه بسرعة الميليشيات الطائفية والجماعات الإرهابيّة”. الّا أنّ ما لا يعرفه شكري والنظام المصري أنّ نظراءه العرب كانوا على اطلاع دائم على النشاطات والتحركات بطريقة غير تقليديّة إطلاقاً!
كشفت تسريبات في سياق مشروع “بيغاسوس”، وهو مشروع تعاوني استقصائي يشارك فيه أكثر من 80 صحافياً من 17 مؤسسة صحافيّة منها موقع “درج” في 10 دول حول العالم، تقوم بتنسيقه منظّمة Forbidden Stories، مع مساعدة تقنيّة من Amnesty International’s Security Lab، عن شراء أكثر من 10 دول برنامج التجسّس الإسرائيلي الشهير Pegasus من شركة NSO الاسرائيليّة، لمحاولة خرق هواتف الصحافيين والنشطاء والسياسيين والديبلوماسيين ورجال الأعمال في بلادهم وحول العالم.
وظهرت المملكة العربية السعودية والإمارات كاثنين من زبائن شركة الـ NSO وذلك قبل تطبيع علاقة الإمارات بإسرائيل في 13 آب/ أغسطس 2020.
سامح شكري
فمن ضمن الأرقام التي حاولت السعوديّة استهدافها هو رقم وزير الخارجية المصري سامح شكري والمتحدّث باسم الخارجية السفير أحمد حافظ في الفترة الممتدّة بين آذار/ مارس وآب 2019.
فعلى رغم التحالف الوثيق بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية خصوصاً بعد “انتخاب”/ تنصيب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد عام 2014، الّا أنّ ذلك لم يكن كافياً على ما يبدو لتعزيز ثقة المملكة بالجمهورية المصرية ولم يمنعها من محاولة التنصت على وزير خارجية نظيرتها المصرية.
لم تحدّد التسريبات والوثائق ضمن The Pegasus Project، مضمون الاتصالات التي قد تكون مراقبة أو هدف “الاستهداف” وبالتالي لا يمكن الجزم والحسم في أسباب محاولة التنصّت على شكري ووزارة الخارجية المصرية، الّا أنّ إعادة الذاكرة للإطار الزمني للأحداث في تلك الفترة قد تكون كفيلة بتصويب الأهداف الكامنة وراء اهتمام السعودية بمراقبة شكري أو تتبّعه.
من هو سامح شكري ولماذا استهدفته المملكة؟
سامح شكري هو ديبلوماسي مصري يشغل حاليّاً منصب وزير الخارجية المصري منذ عام 2014 أي منذ الحكومة الأولى في عهد الرئيس الحالي عبد الفتّاح السيسي.
شغل شكري سابقاً منصب سفير مصر في الولايات المتّحدة الأميركية في الفترة الممتدّة بين 2008 و2012 ونظراً إلى حساسيّة المراكز الديبلوماسيّة التي شغلها، كان هدفاً للمملكة.
بعد حيازته شهادة حقوق من جامعة عين شمس في القاهرة، صعد شكري السلّم درجة درجة في السلك الديبلوماسي حتى أصبح يعدّ ركناً من أركان النظام يتحدّث باسمه ويعرف كل قواعد اللعبة. وساعده بذلك اتقانه ثلاث لغات: العربية، الإنكليزيّة والإسبانيّة.
تكمن أهمية شكري بمعرفته الواسعة في مكامن وأسرار العلاقات بين الجمهورية المصرية ونظيراتها من الدول الإقليميّة والعالميّة كما يحظى شكري بمقامٍ عالٍ بسبب خبرته الطويلة كديبلوماسي.
على رغم محاولة تنصّت السعودية على شخصيات مصرية إعلامية وأمنية وسياسيّة، منها رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي ووزراء آخرين، ولكن لشكري مكانة بارزة بصفته ديبلوماسياً يمثّل مواقف مصر، وبالتالي استهدافه يطرح أسئلة عن حقيقة العلاقات الديبلوماسية المصرية- السعودية.
حين كان سفير مصر في الولايات المتّحدة الأميركية، كان ضيف شرف في نشاطات وأحداث عدة، بحيث وُصف بـ”أحد مهندسي العلاقة الأميركية- المصريّة” الذي ساهم في الحفاظ على الشراكة القائمة بين الدولتين. كما وُصف بأحد اللاعبين الرئيسيين في تشكيل الشرق الأوسط اليوم إذ إنّه لطالما لعب، وما زال يلعب، دوراً رئيسيّاً في العلاقة بين مصر وإسرائيل.
من الملفّات الساخنة التي تولّاها شكري مع حقيبته الوزاريّة كان ملف سدّ النهضة العالق بين مصر وإثيوبيا وهو ملف حيوي وحياتي بالنسبة إلى مصر خصوصاً أنّها تحصل على 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من نهر النيل، فتخشى أن يقلّص السدّ حصتها من المياه.
قال شكري في حزيران/ يونيو 2021 إنّ تصريحات إثيوبيا بشأن سدّ النهضة “استفزازيّة” مؤكداً أنّ بلاده لن تتهاون في حال المسّ بمصالحها.
وأتى ذلك بعد سلسلة انتقادات واسعة طاولته بعدما قال في مقابلة إعلاميّة أنّ الملء الثاني لبحيرة سدّ النهضة لا يشكّل خطورة على مصالح مصر، لتشتعل بعدها مواقع التواصل الاجتماعي بين من رأى في ذلك انعكاساً لموقف مصر وبداية استسلامها في ملف سدّ النهضة ومن اعتبر أنّ خطاب شكري لا يعبّر عن موقف الجمهوريّة المصريّة لا بل يتناقض معه ولذلك طالب بإقالته.
وبينما وقفت كلّ من السعوديّة والإمارات بجانب مصر وأيّدت الوصول إلى اتفاق يحافظ على مصالح الجميع، الّا أنّ في الفترة الأخيرة برزت بعض التوتّرات في العلاقات المصريّة – الإماراتيّة. فبحسب تحقيق سابق لـ”درج“: “من الأمام يدعمون (الإماراتيون) مصر كلامياً عبر إعلامهم، ومن الظهر يطعنونها ويتحالفون مع إثيوبيا لإنجاز سد النهضة، ويتواطأون مع إسرائيل لكتابة شهادة وفاة قناة السويس، ويموّلون جيش حفتر لمضاعفة التهديدات من ليبيا”.
أمّا الملفّات الأخرى فهي العلاقة مع قطر إذ كانت مصر إحدى دول المقاطعة الأربع التي قرّرت قطع العلاقات مع قطر في 5 حزيران 2017.
وفي هذا الإطار، كان لوزير الخارجية المصري مواقف من أبرزها تجاهل الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان في القمة الإسلاميّة (2016) وردوده القاسية مثلاً على تركيا (2020) وعلى قطر في مجلس الجامعة العربية (2017) وإزالة ميكروفون قناة “الجزيرة” (عام 2015) وحديثه عن تصريحات إثيوبيا “الاستفزازيّة” وغيرها من المواقف التي عكست بوضوح موقف النظام المصري من القضايا الحسّاسة.
أمّا إحدى القضايا الأساسيّة التي عبّر شكري عن تباين الجمهوريّة المصريّة مع المملكة السعوديّة حولها، فكانت الموقف من النظام السوري وذلك عام 2016 حين قال شكري إنّ لكل دولة “رؤية مختلفة في ما يتعلق بتغيير القيادة السورية”.
رأس حربة في العلاقة مع إسرائيل!
يلعب شكري دوراً أساسيّاً ومركزيّاً في العلاقة بين مصر وإسرائيل. فشارك بالعمليات الديبلوماسيّة في ما يخصّ الصراع العربي- الإسرائيلي منذ بداية مسيرته الديبلوماسيّة عام 1978.
وعلى رغم موقف مصر المؤيّد لغزّة في الأحداث الأخيرة والمخالف للموقف الإماراتي، أكّد شكري في 18 حزيران 2021، في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل يائير لابيد، ضرورة إطلاق عملية تفاوضية شاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ما يعكس اهتماماً مصريّاً بالتقارب مع السلطة الإسرائيليّة الجديدة.
هذا فضلاً عن تعيين شقيق زوجة شكري، حازم خيرت، سفيراً مصرياً في إسرائيل منذ عام 2012 خلفاً لعاطف الأهل الذي تمّ سحبه بعد العدوان الإسرائيلي على غزّة ذاك العام. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو واضحاً في ترحيبه بهذه الخطوة باعتبارها خطوة إيجابيّة في تقارب العلاقات بين الدولتين.
وفي هذا الإطار، لزوجة شكري وشقيقة خيرت، سوزي، اسمها وعلاقاتها في الولايات المتّحدة الأميركية بحيث استضيفت كمتحدّثة رئيسيّة في أحداث ومناسبات عدة. وكان مقرّ شكري وزوجته في أميركا يضمّ مجموعة من القطع الأثرية الثمينة من أرض النيل.
الإطار الزمني للأحداث (آذار – آب 2019)
كثيرة كانت الأحداث الإقليميّة في الفترة ما بين آذار وآب 2019 من أبرزها:
– 11 آذار 2019: أكّد وزير الخارجية سامح شكري دعم مصر السلام والاستقرار في جنوب السودان، وفقاً لبيان صادر عن المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة أحمد حافظ.
– 13 آذار 2019: عقد شكري ونائب رئيس وزراء سلوفينيا ووزير خارجيتها مشاورات كثيفة حول سبل تعزيز العلاقات بين البلدين.
– 24 آذار 2019: عقد قمّة ثلاثيّة بين الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي.
– 26 آذار 2019: التقى شكري مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وناقشا العلاقات الثنائيّة بين البلدين.
– 29 آذار 2019: على هامش القمّة العربيّة، اجتمع وزراء خارجيّة مصر والأردن والعراق لمناقشة الوضع الأمني في المنطقة وقضيّة الأمن المشترك إضافة إلى التدخّل الإيراني في الشؤون الإقليميّة.
– 24 أيّار/ مايو 2019: زار شكري الضفّة الغربيّة والتقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس بحيث شدّد على أهميّة إحياء عمليّة السلام بين إسرائيل وفلسطين.
– 4 آب 2019: ذهب وزير الخارجيّة المصري إلى بغداد لحضور الاجتماع الثلاثي مع نظيريه الأردني والعراقي. وقال المتحدّث باسم الخارجيّة المصريّة السفير أحمد حافظ أنّ الاجتماع ناقش سبل تعزيز التعاون الثلاثي في مختلف المجالات وتبادل الآراء المتعلّقة بالقضايا العربية والإقليميّة والدوليّة التي تعني الدول الثلاث.
– 7 آب 2019: وقّعت مصر واليونان اتفاقيّة حول كيفيّة تقسيم المياه الإقليميّة وهي خطوة سرعان ما استنكرتها تركيا.
– 19 آب 2019: تحدّث وزير الخارجيّة الأميركي بومبيو مع نظيره المصري واتّفقا على التعاون الثنائي المشترك في مواجهة تنظيمي الدولة الإسلاميّة والقاعدة. وتشاركا القلق إزاء استمرار العنف في ليبيا واتفقا على الحاجة للوصول إلى حل سياسي للنزاع. كما شدّدا على الشراكة القويّة بين الولايات المتّحدة الأميركيّة ومصر حول قضايا أمنية وإقليميّة مهمّة.
– 21 آب/ أغسطس 2019: تواصل شكري مع نظيره الأرمني زهراب ماتساكانيان حول تعزيز العلاقات الثنائيّة وتناولا قضايا الاهتمام المشترك كما وافقا، بحسب بيان صادر عن أحمد حافظ، على عقد اللجنة المشتركة المصري- الأرمينية لزيادة التعاون على المستوى الاقتصادي.
وتبقى أبرز أحداث عام 2019 هي القمّة العربيّة التي عُقدت في تونس في 31 آذار، وهي إحدى الفترات الأكثر استهدافاً لشكري. هذا إضافة إلى العشرة أيام الأولى من شهر آب، والتي قد تكون نتيجة إمّا معرفة تفاصيل الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجيّة الأردن ومصر والعراق، أو لمعرفة تفاصيل الاتفاقية المصريّة- اليونانيّة وهو الأكثر ترجيحاً.
بغضّ النظر عن الأسباب التي دفعت المملكة العربيّة السعوديّة إلى استهداف الخارجيّة المصريّة والتنصّت عليها، إلّا أنّ ليس هناك أي تبرير قانوني أو أخلاقي لاستهداف المملكة ديبلوماسياً من دولة حليفة.
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Daraj – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
درج
———————————–
هيا ولطيفة وشمسة: الأميرات الهاربات تتصيدهن تقنيات NSO لمصلحة الإمارات
ديانا مقلد
هيا ولطيفة كانتا ضمن نساء كثيرات شملتهن تسريبات “بيغاسوس” ممن كن ضحية المتابعة والاختراق. وحين تكون الضحية المستهدفة امرأة تكون الوطأة أشدّ، خصوصاً عند انتهاك حريتها وحياتها الخاصة وهو أمر ليس مكفولاً أصلاً في النظم والثقافات المحلية.
هذا الموضوع هو جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية.
المشروع يحقق في داتا تم تسريبها وهي مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
قبيل منتصف الليل، في عمق مياه المحيط وعلى بعد أميال من الساحل الهندي،
تمكّنت فرقة كوماندوس من الأمن الإماراتي والأمن الهندي من توقيف السفينة “نوسترومو” في 4 آذار/ مارس 2018.
السفينة كانت غادرت موانئ سلطنة عمان باتجاه الهند، وعلى متنها الشيخة لطيفة (36 سنة)، ابنة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي.
اعتقدت لطيفة أنها نجت وبات بإمكانها العيش بحرية من دون قيود كما حلمت. لكن المقتحمين الذين أمسكوا بها وكبلوها واقتادوها بالقوة بددوا أحلامها.
أسباب هروبها كانت تحدثت عنها في فيديو سجلته قبل أيام من مغامرتها الفاشلة آنذاك، والتي انتهت باعتقالها وبالكثير من الغموض حول مصيرها حتى الآن.
تلك الحادثة كانت محور متابعات إعلامية غربية، خصوصاً مع الكشوفات التي أعلنها شهود كانوا على متن السفينة، وهو ما وثقه برنامج “ستون دقيقة” ، وكذلك صحيفة الغارديان البريطانية.
الجديد في هذه القصة ما كشفته تسريبات “بيغاسوس”، التي اطلع عليها صحافيون يعملون في 17 وسيلة إعلام دولية من بينها “درج”، والتي كشفت استهداف صحافيين ونشطاء وزعماء ودبلوماسيين من نحو 50 بلداً بالاختراق عبر برمجيات شركة NSO الاسرائيلية، شملت أيضاً تفاصيل تتعلق بتعقب الشيخة لطيفة قبل اعتقالها وبعده، وبتعقب الأميرة هيا بنت الحسين زوجة الشيخ محمد والتي هربت من دبي الى بريطانيا عام 2019، وبتعقب محتمل لهاتف مرتبط بالشيخة شمسة شقيقة لطيفة والتي كانت هربت عام 2000 إلى بريطانيا، لكن تم خطفها وأعيدت قسراً إلى دبي في العام نفسه.
أين لطيفة؟
المتابع لأخبار إمارة دبي من مصادرها الرسمية وفي سياق البحث عن “الشيخة لطيفة”، سيجد شابة أخرى مختلفة تماماً عن لطيفة، التي هربت وتداولت الصحافة الدولية قصة سجنها داخل أسوار منزل أبيها، وحكايات سوء معاملتها التي ذكرتها بالتفصيل في أكثر من فيديو لها.
في دبي “الرسمية” هناك شيخة لطيفة أخرى تظهر في المناسبات الثقافية وتدلي بمقابلات تكرّر فيها استثنائية والدها الشيخ محمد، لكن لا ذكر للابنة الأخرى التي تحمل الاسم نفسه وشغلت العالم بقصتها.
نفهم هذا التداخل حين نستذكر ما قالته لطيفة في الفيديو الذي عرّفت به بنفسها وبقصتها حين قالت إنها واحدة من ثلاث شقيقات تمت تسميتهن بـ”لطيفة” وهي الوسطى بينهن.
ولطيفة هي واحدة من أبناء الشيخ محمد الـ30 من زيجات عدة. لكن لطيفة هذه لا ذكر لها أبداً في الفضاء العام في الإمارات، حتى بيانات الردّ النادرة التي صدرت للاجابة على أسئلة الإعلام الدولي في قضية هربها واعتقالها، كانت تصدر عن محامين ورسميين يقولون إنهم يتحدثون باسم الأسرة وباسم لطيفة لكن من دون أن يراها أحد سوى عبر ظهور بدا محضراً ومدروساً.
لطيفة في سلسلة صور لظهورها المتقطع
خلال الفترة التي أعقبت الإعادة القسرية للطيفة ظهرت الشابة مرات عدة:
حين زارتها المفوضة السابقة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ماري روبنسون في نهاية العام الذي شهد رحلة هروبها أي عام 2018.
لاحقاً ظهرت لطيفة في فيديوات لم يعرف تاريخها بالضبط تم تسريبها هذا العام للـBBC وفيها تقول إنها رهينة محتجزة في فيلا محاطة بالشرطة.
سلسلة صور في شهر أيار/ مايو 2020 على صفحة على “انستاغرام” تعود إلى سيوند تايلر، صديقة لطيفة التي تظهر معها في مطعم في دبي.
الظهور الأخير كان في صورة يبدو أنها في إسبانيا في شهر حزيران/ يونيو 2021. السفارة الإماراتية في بريطانيا أصدرت حينها بياناً بأن الشيخة لطيفة تسافر بحرية وليست سجينة.
لكن ما كشفته تسريبات “بيغاسوس” أظهر حكاية أخرى، فبرمجيات المراقبة استخدمت على ما يبدو لتعقب لطيفة ومحيطين بها لإعادتها قسراً.
ليس واضحاً تماماً الدور الذي لعبته المراقبة في القبض على لطيفة، لكن بحسب المختبر التقني التابع لمنظمة العفو الدولية الشريك الأساسي في مشروع بيغاسوس، فقد تم فحص بيانات نحو 67 هاتفاً كانت أرقامها مدرجة في قوائم التسريبات للبحث عن أدلة جنائية لبرنامج المراقبة Pegasus، وقد أظهر 37 هاتفاً آثار تعقب من بينها 23 هاتف آيفون اخترق من قبل بيغاسوس في حين أظهر 14 هاتفاً محاولات استهداف. هذه الحقائق تضعف زعم NSO أن برمجياتها لم تستخدم من أجل المراقبة.
يعتقد داعمو قضية الشيخة لطيفة أنها والأصدقاء الذين سهلوا رحلة هروبها وكانوا معها على السفينة ارتكبوا أخطاء أساسية بتوجيه رسائل عبر الانترنت أثناء هربهم. وتسريبات “بيغاسوس” تظهر أن لائحة الأهداف المحيطة بالشيخة لطيفة أضيفت في أوقات متزامنة مع رحلة الهرب. هذه المعطيات توضح كيف تمكن إساءة استخدام أدوات التعقب والمراقبة التي تزعم NSO أنها تساعد الحكومات للحماية من “الإرهاب والجريمة”.
كل هذه التفاصيل لا تعكسها ولا تقاربها أبداً وسائل الإعلام المحلية في الإمارات، وهذا أمر تدركه لطيفة جيداً وهي لذلك عام 2018 سجلت فيديو الهروب الشهير باللغة الانكليزية مخاطبة الرأي العام الدولي.
قصة لطيفة ضربت إسفيناً أساسياً في الصورة التي دأب والدها الشيخ محمد على رسمها لنفسه، بوصفه رجلاً حديثاً، ولإمارته بوصفها مقراً للنمو والتطور والانفتاح. “ابي حاكم دبي وكل هذه الصورة العامة التي يصورها هي هراء. إنه شخص شرير… امي كانت دائما قلقة من أنني سأفعل شيئاً يدمر صورة أبي”.
قالت لطيفة في تسجيلها الذي ما زال يحصد المتابعات على “يوتيوب”، وفيه حكت كيف سجنت لثلاث سنوات بعد محاولة هروبها الأولى الفاشلة وكيف لم تحصل على تعاطف حتى من المقربين منها: “حين خرجت من السجن لم اشعر بتعاطف من امي او من شقيقتي ميثا. قالولي فعلتِ هذا بنفسك. لا لم افعل”.
الشيخة شمسة
أظهرت لطيفة شغفاً بشقيقتها الأكبر شمسة التي سبقتها إلى محاولة الهرب من دبي عام 2000 خلال زيارة كانت فيها في بريطانيا. حينها هربت لبعض الوقت لكن نفوذ أبيها أتاح خطفها وإعادتها قسراً الى دبي وحتى اليوم لا يُعرف عنها شيء. تسريبات “بيغاسوس” تكشف عن رقم يعتقد أنه يرتبط بشمسة، وقد تم استهداف الرقم في وقت ما من عام 2019.
صديقة لطيفة تينا جاهيانين والتي ساعدتها في رحلة الهرب وقبض عليها معها قبل أن يطلق سراحها في العام نفسه (2018)، كانت أيضاً ممن شملتهم محاولات الاختراق، بل يعتقد أن هاتفها له ارتباط بتمكين الأمن الإماراتي من الوصول إلى لطيفة.
قبيل صدور تسريبات “بيغاسوس” بأسابيع قليلة، كانت صحيفة USA Today قد نشرت معلومات عن مصادر خاصة بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي ساعد في تحديد موقع لطيفة عند هروبها من خلال سحب بيانات عبر الأقمار الصناعية.
وبحسب تسريبات “بيغاسوس”، حصلت محاولة رصد وقراءة لكل الهواتف التي كانت في محيط لطيفة ومنها أرقام أميركية، كرقم رجل الأعمال الفرنسي هيرفي جاوبرت الذي ساعد لطيفة في تدبير رحلة الهرب عبر اليخت “نوسترومو” لكن قبض عليه أيضاً في الرحلة وأطلق سراحه.
تينا كانت أفادت أنها ولطيفة تركتا هواتفهما في قهوة في دبي قبل مغادرتهما إلى عمان في محاولة الهرب، لكن هواتف أخرى كانت بحوزتهما يبدو أنها كانت هدفاً أيضاً.
كان الشيخ محمد في ردوده المحدودة يقدم رواية مفادها أن الكومندوس على سفينة “نوستروم” كان لإنقاذ لطيفة من اختطاف مقابل فدية عالية، وهو نفى أن تكون ابنته سجينة وقال إنها “آمنة وفي رعاية أسرتها المحبة”.
الأميرة هيا والهروب الناجح
على غرار التغييب الرسمي في دبي للشيخة لطيفة، ينعدم الحديث عن الأميرة هيا منذ فرارها عام 2019. وهيا نجحت في تدبير هروب ليس سهلاً من مدينة كدبي، فهي مدينة من الأكثر خضوعاً للمراقبة على وجه الأرض، إذ تحوي نحو 35000 كاميرا مراقبة على زوايا الشوارع.
والأميرة هيا هي ابنة الملك الأردني حسين من زوجته الملكة عليا وشقيقة الملك عبدالله. وإن كان التعاطف مع هروب هيا يتداول سراً في بلدها الأم الأردن إلا أن قصتها لا يتم التداول بها علناً أبداً، بل هي نفسها لم تزر بلدها منذ هروبها، واكتفت بصور حميمة تظهر دعمها أخيها الشقيق علي في حين نأت عنها بقية العائلة وتحديداً شقيقها الملك عبدالله.
هيا أصبحت عام 2004 الزوجة الثانية الرسمية لحاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي يكبرها بنحو 25 عاماً. لكن ما الذي دفع بأميرة شابة بالزواج من رجل يكبرها ومن غير بيئتها؟
هل هو المال وحده؟
عن هذا الارتباط تقول صحافية أردنية مخضرمة وعلى اطلاع وثيق بتفاصيل العائلة المالكة في الأردن لـ”درج”، إن هيا كانت بحاجة الى نوع من الاستقرار العاطفي والاقتصادي. فهي عاشت يتيمة بعد وفاة أمها في حادث طائرة وهي طفلة انتقلت للعيش عند جدتها لأمها، في حين كانت العلاقة مع والدها مضبوطة ببروتوكلات كانت تضعها الملكة نور، زوجة الملك حسين حينها.
بعد وفاة والدها وتولي شقيقها العرش، زاد شعورها بالتهميش بحسب الصحافية الأردنية، وكان هناك تقشف على إنفاق العائلة. من هنا بدا الزواج من رجل مثل الشيخ محمد بمثابة بوابة حياة جديدة. وهي تزوجته في فترة كان فيها الأردن الفقير بالنفط في ذروة ضائقته المالية.
كان لافتاً بعد أيام من هروب هيا عام 2019 أن شقيقها غير الشقيق الملك عبد الله الثاني سافر إلى أبو ظبي والتقى ولي العهد محمد بن زايد، وكتب على “تويتر”، “أدعو الله من أجل صداقة ومحبة دائمة بين البلدين والشعبين الشقيقين، كما كانت بين عائلتينا على مر السنين”.
كالعادة، هناك القليل من المعلومات التي يمكن الحصول عليها من داخل الإمارات أو من الأردن، فما يحصل في قضايا البلاط الملكي أمور لا يُحكى عنها علناً. اللافت وبحسب تسريبات “بيغاسوس” أنه في العام الذي أعقب اختطاف لطيفة، برز اسم هيا على لائحة الأرقام المستهدفة بالاختراق. ويبدو أن مخاوف هيا من قصة حبس لطيفة ومستقبل طفليها كانت بشكل أساسي خلف هروبها.
تظهر تسريبات “بيغاسوس” أن الأميرة هيا وشقيقتها ومساعديها ومحيطين بها تم رصد هواتفهم منذ أوائل عام 2019 وحتى بعد هروبها. في الوقت نفسه كانت هيا تدلي بشهادتها أمام المحاكم البريطانية ومما قالته إنها واجهت تهديدات بالنفي الى سجن صحراوي واكتشفت مرتين مسدساً في سريرها.
بحسب متابعين لقضية الأميرة هيا في المحاكم البريطانية فإنها كانت قد تقبلت بداية تفسيرات العائلة بأن الشيخة لطيفة غير مستقرة نفسياً، لكن بعد الفيديو ومحاولة الهروب بدأت تشك في الأمر وقد زارتها بنفسها ورأت أنها بدت شاحبة وبائسة ومحتجزة في غرفة نوم.
وهيا كان له دور أساسي في تعزيز صورة الشيخ محمد في أوساط نخبوية في الغرب. فهي ذات تعليم رفيع وحضور في أوساط نخبوية ساهم في رسم صورة مختلفة للشيخ محمد.
تورط هيا في قضية لطيفة بما فيها دعوتها لمفوضة الأمم المتحدة السابقة ماري روبنسون للحضور والحديث عن القصة في مقابلة إذاعية، كل هذا كان يضعها في موقع مقلق، خصوصاً بعدما قالت للمحكمة إن زوجها طلب منها البقاء خارج قضية لطيفة. لكن نقطة الافتراق بالنسبة ‘لى هيا بحسب ما تسرب من جلسات المحكمة في وسائل إعلام بريطانية أن زوجها كان يرتب لتزويج ابنتها (جليلة) البالغة من العمر 13 سنة، من ولي عهد السعودية محمد بن سلمان. تقول التسريبات إنها وجدت تحذيراً بأن “ابنتك لنا” مرفقاً مع مسدس في سريرها.
بعد كل هذا وبعد مرور عام من قضية هرب لطيفة خاضت هيا رحلة هروبها الخاصة وقد نجحت فيها. ومنذ هروبها إلى بريطانيا شرعت في خوض مسار حضانة في القضاء رفعت خلاله عنوان حماية ابنيها وخصوصاً ابنتها من التزويج المبكر. حينها أتى ردّ الشيخ محمد على هروب أصغر زوجاته القصيدة الشهيرة التي تم تسريبها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي كان عنوانها “عشتي ومتي”.
تشير بيانات “بيغاسوس” إلى أن محاولات تعقب هيا امتدت لتشملها ومعها شقيقتها عائشة بنت الحسين وهواتف بريطانية تعود لشخصيات أمنية ومحامين ومساعدين.
وما أعطى شهادة هيا مصداقية هو الحكم الذي صدر العام الماضي عن المحاكم البريطانية بأن الشيخ محمد دبّر اختطاف ابنتيها شمسة ولطيفة وأنه يقف خلف حملة ترهيب ضد هيا.
وقال القاضي “اندرو ماكافارلين” إن جميع مزاعم هيا تقريباً تم اثباتها باستثناء تلك المتعلقة بولي العهد السعودي.
عملياً، قضية الحضانة المرفوعة في المحاكم لا تزال قائمة. أما بالنسبة إلى شمسة ولطيفة فمصيرهما لا يزال معلقاً.
نساء الإمارات والقيود الذهبية
على رغم أن النساء في الإمارات وتحديداً في دبي أصبحن على نحو متزايد حاضرات في مجال الأعمال والحكومة، إلا أن الإمارات تفرض أيضاً قانون ولاية الرجل، ما يعني أن الأزواج والآباء يتحكمون في مصير زوجاتهم وبناتهم، فلا تستطيع المرأة العمل إلا بإذن من زوجها؛ يجب أن يكون لديك عذر قانوني لرفض الخضوع لممارسة الجنس مع الزوجين؛ ويمكن القبض على أي امرأة غير متزوجة، إماراتية أو وافدة، تظهر في مستشفى وهي حامل في دبي، بما في ذلك المرأة التي تعرضت للإجهاض. وثمة ثغرات قانونية تمنح الرجال الذين يقتلون قريباتهم أحكاماً مخففة.
كل هذا يجعل مفهوماً كم كانت لطيفة تشعر بأنها محاصرة، فهي ابنة الحاكم الذي يملك السطوة والقانون والنفوذ والمال. أما بالنسبة الى هيا فهي كانت تعلم أن القوانين المحلية تقول بأن أي امرأة تطلق زوجها الإماراتي وتسعى إلى الزواج مرة أخرى يجب أن تمنح حق الحضانة الكاملة لأطفالها للزوج الأول.
هيا ولطيفة كانتا ضمن نساء كثيرات شملتهن تسريبات “بيغاسوس” ممن كن ضحية المتابعة والاختراق. وحين تكون الضحية المستهدفة امرأة تكون الوطأة أشد خصوصاً عند انتهاك حريتها وحياتها الخاصة وهو أمر ليس مكفولاً أصلاً في النظم والثقافات المحلية.
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Daraj – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
درج
————————–
“آيفون” يخفق أمام برنامج تجسس NSO: اختراق 23 جهازاً بنجاح!/ دانا بريست
ترجمة – Washington Post
يلقي اختراق هواتف كلود مونجين الضوء على الدروس الصعبة التي يجب تعلمها عن الخصوصية في عهد الهواتف الذكية: ما من شيء آمن تماماً على أي جهاز…
لم يصدر أي صوت عن الرسالة النصية التي وصلت إلى كلود مونجين، الزوجة الفرنسية لناشط سياسي معتقل في المغرب، على هاتفها من طراز “آيفون 11”. لم يظهر أي أثر مرئي للرسالة، ولم تثر أي تنبيه أو تحذير بينما هي تثبت إحدى البرمجيات الخبيثة على هاتفها من خلال رسالة آيفون (iMessage) من شخص لا تعرفه، وعبر (مخترقة) أنظمة حماية “آبل”.
بمجرد تثبيته، بدأ برنامج التجسس، الذي طورته مجموعة إن إس أو (NSO Group) الإسرائيلية ومنحت رخصة استخدامه لأحد زبائنها الحكوميين، في العمل، بحسب ما أفاد الفحص الجنائي لهاتفها من قبل المختبر الأمني لمنظمة العفو الدولية. إذ وجد الفحص أن “بيغاسوس”، أداة التجسس المميزة لشركة NSO، قد تمكن من اختراق هاتفها مرات عدة أثناء وجودها في فرنسا، بين تشرين الأول/ أكتوبر وحزيران/ يونيو.
لم يتمكن الفحص من تحديد المعلومات التي جُمعت أو اختُرقت، إلا أن بحر الاحتمالات واسع. إذ بوسع “بيغاسوس” اختراق رسائل البريد الإلكتروني، وسجلات المكالمات، ومنشورات شبكات التواصل الاجتماعي، وكلمات السر، وسجلات الاتصال، والصور، ومقاطع الفيديو، والتسجيلات الصوتية، وسجلات التصفح، وجمعها، بحسب الباحثين الأمنيين ومواد التسويق لشركة NSO. بإمكان برنامج التجسس كذلك تشغيل الكاميرا أو مكبر الصوت لالتقاط صور وتسجيلات حديثة. ويمكنه أيضاً الاستماع للمكالمات والرسائل الصوتية، وتجميع سجلات الموقع للأماكن التي زارها المستخدم، وتحديد الموقع الحالي لذلك المستخدم، إضافة إلى البيانات التي توضح ما إذا كان هذا الشخص متوقفاً، أم متحركاً، وفي أي اتجاه.
في الأعوام الأخيرة، وثق باحثون اختراقات “بيغاسوس” لهواتف آيفون عشرات المرات، مشككين في سمعة “أبل” في ما يتعلق بتفوق أنظمة الأمن والحماية لديها مقارنة بمنافسيها الأبرز الذين يستخدمون أنظمة تشغيل “أندرويد”، المُدارة بواسطة “غوغل”.
يمكن أن يحدث هذا كله دون حتى أن يمس المستخدم هاتفه، ودون أن يعلم باستقباله لرسالة غامضة من شخص غير مألوف، مثلما في حالة كلود التي استقبلت بريداً إلكترونياً عبر “جيميل” (Gmail) من مستخدم يحمل اسم “linakeller2203”.
تنجح هذه الهجمات، التي تُعرف بهجمات النقرة الصفرية (Zero-click) في أوساط صناعة المراقبة، في إصابة حتى الأجيال الأحدث من هواتف آيفون، بعد سنوات من الجهد المضني الذي بذلته أبل في محاولة إيقاف المراقبة غير المصرح بها، وبعدما أطلقت حملات تسويقية مرتكزة على أساس تفوقها في توفير الخصوصية والأمن والحماية مقارنة بمنافسيها.
كان رقم كلود مونجين واحداً ضمن قائمة ضمت أكثر من 50 ألف رقم هاتف في ما يزيد على 50 دولة راجعتها واطلعت عليها صحيفة “ذا واشنطن بوست” مع 16 منظمة أخرى. حصلت “فوربيدن ستوريز” (Forbidden Stories)، منظمة صحافية غير حكومية مقرها باريس، ومنظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان على أرقام الهواتف، وشاركتاها مع صحيفة “ذا واشنطن بوست” وشركائها، في محاولة لتحديد أصحاب هذه الأرقام وإقناعهم بإخضاع بيانات هواتفهم للفحص الجنائي.
على مدار أعوام، أطلقت كلود مونجين حملة دولية ليحظى زوجها، الناشط نعمة أصفاري، الصحراوي والمدافع عن استقلال الصحراء الغربية، بحريته، بعدما اُعتقل في 2010، وأشارت أخبار إلى تعرضه للتعذيب على أيدي الشرطة المغربية ما أسفر عن رد فعل دولي بالشجب والإدانة من قبل الأمم المتحدة.
ظهرت كلود في مقابلة مصورة في بداية تموز/ يوليو من منزلها في ضواحي باريس، قالت فيها “حين كنت في المغرب، كنت أعلم أن رجال الشرطة يلاحقونني في كل مكان. إلا أنني لم أتصور قط إمكانية وقوع هذا في فرنسا”، لا سيما من خلال منتجات “أبل” التي ظنت أنها ستحميها من الاستهداف الالكتروني، كما أضافت. وفي الأسبوع الذي أجرت فيه مقابلة حول اختراق هاتفها المحمول من طراز آيفون 11، كشف فحص لاحق لهاتف ذكي آخر كانت قد استعارته – من طراز آيفون 6s- أنه قد اُخترق بواسطة برنامج “بيغاسوس” كذلك.
في الأعوام الأخيرة، وثق باحثون اختراقات “بيغاسوس” لهواتف آيفون عشرات المرات، مشككين في سمعة “أبل” في ما يتعلق بتفوق أنظمة الأمن والحماية لديها مقارنة بمنافسيها الأبرز الذين يستخدمون أنظمة تشغيل “أندرويد”، المُدارة بواسطة “غوغل”.
ووجد التحقيق الذي استغرق أشهراً عدة من جهة صحيفة “ذا واشنطن بوست” وشركائها مزيداً من الأدلة لإذكاء ذلك النقاش. فحص المختبر الأمني لمنظمة العفو الدولية 67 هاتفاً ذكياً كانت أرقامها ضمن قائمة منظمة “فوربيدن ستوريز”، وعثر هذا الفحص على أدلة جنائية تفيد بإصابة “بيغاسوس” أو محاولات إصابته 37 هاتفاً (باختراق، أو محاولات اختراق 37 هاتفاً ببرنامج “بيغاسوس”)، من ضمنها 34 هاتفاً من طراز أيفون؛ ظهر على 23 منها علامات على الإصابة ببرنامج بيغاسوس (اختراق ناجح لبرنامج “بيغاسوس”)، وأظهر 11 علامات على محاولات للإصابة (للاختراق).
يكشف عدد المرات التي نجح فيها تثبيت برنامج “بيغاسوس” على هواتف آيفون الثغرات ونقاط الضعف الموجودة حتى في أحدث النماذج. إذ شملت الهواتف المخترقة “آيفون 12” بآخر تحديثات برمجيات أبل.
وفي تقييم منفصل نُشر راهناً، أشاد مختبر “سيتيزن لاب” (Citizen Lab)، التابع لجامعة تورنتو بمنهجية منظمة العفو الدولية، مشيراً إلى أن أبحاثه السابقة قد عثرت على اختراق “بيغاسوس” هاتف آيفون 12 برو ماكس، إضافة إلى هاتفين من طراز آيفون SE2s، بأنظمة تشغيل iOS نسخة 14.0 أو نسخ أحدث صدرت العام الماضي للمرة الأولى.
دروس صعبة
يلقي اختراق هواتف كلود مونجين الضوء على الدروس الصعبة التي يجب تعلمها عن الخصوصية في عهد الهواتف الذكية: ما من شيء آمن تماماً على أي جهاز. علاوة على ذلك، فإنفاق المزيد من المال لأجل هاتف ذكي فائق الجودة لا يغير من تلك الحقيقة، لا سيما إن أراد أحد أجهزة الاستخبارات القومية أو وكالات إنفاذ القانون اختراق الهاتف. نشرت شركة NSO الشهر الماضي تقريراً ذكرت فيه أنها تمتلك 60 عميلاً حكومياً في 40 دولة، ما يعني أن بعض البلاد تضم أكثر من وكالة واحدة يجمعها عقد للعمل مع الشركة.
وردت “أبل” على أسئلة صحيفة “ذا واشنطن بوست” عبر البريد الإلكتروني، مشيرة إلى أن فريقها التسويقي للمنتجات لا يتدخل سوى في بعض التعاملات بين موظفي أبل والباحثين الأمنيين الخارجيين، وبهدف التأكد من اتساق رسالة الشركة ومقصدها بشأن المنتجات الجديدة فحسب. وأشارت كذلك إلى التزامها بمنح الباحثين الأمنيين الخارجيين الوسائل والسبل اللازمة، مشيرة في ذلك السياق إلى برنامجها لجهاز البحث الأمني، الذي تبيع الشركة من خلاله أجهزة آيفون ذات برامج خاصة بإمكان الباحثين استخدامها لتحليل نظام تشغيل iOS.
يرى نقاد، داخل أو الشركة خارجها، أن على “أبل” كذلك زيادة التركيز على متابعة أعمال خصومها الأكثر تطوراً، بما في ذلك شركة NSO، لفهم المزيد عن التقنيات والمسالك المتقدمة التي يطورها المهاجمون. ويشير هؤلاء النقاد إلى أن الفريق الأمني لدى الشركة يميل للتركيز على الأمن والحماية العامة بشكل أكبر، عبر تقديم الخصائص والميزات التي يمكنها إحباط غالبية الهجمات، إلا أنها قد تخفق في إيقاف الهجمات التي تستهدف أشخاصاً تحت المراقبة الحكومية، وهي مجموعة عادة ما تضم صحافيين وساسة ونشطاء في حقوق الإنسان مثل مونجين.
“إنه موضع تعمل فيه دائماً مع نقص للمعلومات. إذ لا تعلم الكثير عما يوجد في الخارج”، هكذا أفاد مهندس سابق في “أبل”، لم يرغب في ذكر اسمه، لأن “أبل” لا تسمح للموظفين السابقين بالحديث علانية دون إذن من الشركة، مضيفاً “حين تمتلك خصماً يملك موارد كافية، فإن الموقف يتغير برمّته، هناك أمور مختلفة تجدر مناقشتها”.
وفي رسالتها عبر البريد الإلكتروني لصحيفة “ذا واشنطن بوست”، أفادت “أبل” بأن فريقها الأمني المنوط به التركيز على متابعة خصومها المتطورين وأعمالهم قد توسع بشكل ملحوظ في السنوات المنصرمة. وأضافت بأنها تختلف عن منافسيها في هذا الصدد، إذ تفضل التركيز على إنشاء المزيد من سبل الحماية لنظام تشغيلها بدلاً من مناقشة هذه الجهود علانية، مشيرة إلى أن فريقها الأمني قد تضاعف أربع مرات على مدار الأعوام الخمس الماضية.
أما كوستن رايو، مدير فريق البحث والتحليلي العالمي في شركة الأمن الرقمي “كاسبرسكي لاب”، فقال، “أعتقد أننا نرى قمة جبل الجليد حالياً. إن فتحنا هذا الباب على مصراعيه ومنحنا الناس الوسائل والقدرة على فحص الهواتف، علينا أن نستعد للدورة الإخبارية، الناقمة في أغلبها. يستلزم ذلك قدراً من الشجاعة”.
شاركت دانا بريست في هذا التقرير.
مشروع “بيغاسوس” هو تحقيق مشترك يضم أكثر من 17 منظمة إخبارية، نسّقته منظمة “فوربيدن ستوريز” مع الدعم التقني من المختبر الأمني لمنظمة العفو الدولية. اقرأ المزيد عن هذا المشروع.
درج
—————————-
هل يواجه المجر عقوبات أوروبية بسبب تسريبات “بيغاسوس”؟
مع أن الأرقام المجرية تمثل جزءاً صغيراً من مجموع الأرقام المستهدفة، فإنها تبرز لأن المجر عضو في الاتحاد الأوروبي، حيث يفترض أن تكون الخصوصية حقاً أساسياً وقيمة مجتمعية أساسية، وتعتبر الضمانات للصحافيين والسياسيين المعارضين والمحامين قوية من الناحية النظرية.
احتلت دولة المجر عناوين الصحف الأوروبية بعد تسريبات “بيغاسوس” والتي كشفت تورط الدولة المجرية بالتجسس على ما لا يقل عن 300 جهاز/ رقم من المقيمين المجريين والتي تعود إلى صحافيين ونشطاء ومحامين وأعضاء من المعارضة السياسية.
فرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، هو أيضاً رئيس أكبر حزب يميني في البرلمان المجري، يعتبر من مشاكسي الاتحاد الأوروبي، وهو على علاقة جدلية معه باستمرار منذ تقلده الحكم عام 2010، وذلك من خلال تعليقاته وسياساته المثيرة للجدل تجاه اللاجئين والأقليات وتحالفه الاستراتيجي مع الصين وروسيا، وسطوته على الإعلام والمجتمع المدني المجريين. إضافة إلى هذا، الحكومة المجرية الحالية على علاقة حميمة مع إسرائيل، يتخللها تواصل أمني استخباراتي لمصلحة البلدين. من هنا فإن خبر تورط الحكومة المجرية بعمليات التنصت على فئات مختلفة من شعبها يأتي مناقضاً للتحول الديموقراطي التي مرت به البلاد بعد حكم اشتراكي قمعي طويل الأمد، ويساهم بالتشكيك بصدقية هذا الانتقال وفعاليته. لم تشأ NSO الكشف عن هوية زبائنها، إلا أن موظفاً سابقاً فيها، تحدث لـ”الواشنطن بوست”، بشرط عدم الكشف عن هويته، أكد أن الحكومة الهنغارية كانت من زبائنها.
من المرجح أن يتجه الاتحاد الأوروبي إلى التصعيد بعد “بيغاسوس”، مع تراكم المخالفات المجرية، فهناك غضب عارم لدى الرأي العام الأوروبي ومطالبات بطرد المجر طالما أنها لا تزال ترفض الانصياع للقوانين الأوروبية.
وهذا يحمل تبعات كثيرة ومهمة من شأنها التأثير في الحكومة المجرية، خصوصاً أن التسريبات جاءت فيما ينهمك الاتحاد الأوروبي بكبح جماح أوربان لإخلاله بالكثير من المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الاتحاد، وانتهاكاته المستمرة لسيادة القانون. ونتيجة لذلك، كان الاتحاد بدأ مساراً تأديبيا للمجر وبولندا، كونهما أكثر الأعضاء إثارة للجدل، ويبدو أنه عقب تسريبات “بيغاسوس”، فإن المجر، متمثلة بحكومة أوربان، بدأت تتلقى انتقاداً حاداً، ودعوات من المعارضة السياسية في الداخل ودول في الاتحاد الأوروبي، بالتدخل غير الحكومي للإشراف على نزاهة التحقيقات، والمحافظة على حرية الإعلام وخصوصية الصحافيين، تماشياً مع المبادئ الأوروبية. تأتي تسريبات “بيغاسوس” ضمن سلسلة من الانتهاكات التي قامت بها الحكومة في الفترة الأخيرة، منها موافقة البرلمان على تشريع قانون يمنع نشر مواد لها علاقة بالمثلية الجنسية لمن هم دون الثامنة عشرة. وقبل ذلك كان يخوض معركة مع الاتحاد لإثبات نزاهة القضاء واستقلاليته، ويرد على مساءلة الاتحاد الأوروبي بشأن التصرف بأموال منحها الاتحاد للمجر، ويشترط شروطاً تعجيزية عليه للموافقة على خطط الدعم للدول الأخرى. فعلياً، يبدو أن الاتحاد الأوروبي سيتجه إلى التلميح بإمكانية إيقاف الدعم المالي الذي كان من المتوقع أن تتلقاه المجر بعد جائحة “كورونا”، بهدف التعافي الاقتصادي. ويعتبر هذا التهديد، الحل الأكثر فعالية تجاه المجر، مع انها تضررت بنسبة أقل من غيرها اقتصادياً، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على الدعم الأوروبي. كل هذا حتى الآن لا يزال يلوح في الأفق وينسب لبعض المتحدثين باسم الاتحاد الأوروبي، لكن بعد فضيحة “بيغاسوس”، باتت الصحف والهيئات الأوروبية تعتبره أكثر الحلول واقعية، لا سيما بعد إنذار المجر مراراً لاحترام قوانين الاتحاد، وحتى الآن، لم تنفع هذه الإنذارات كما يؤكد صحافيون. ومع ذلك فإن الأدوات المتاحة لتأديب الأعضاء ضعيفة. وتتمثل الوسيلة الرئيسية في العملية المنصوص عليها في المادة 7 من معاهدات الاتحاد الأوروبي، التي بدأتها بروكسيل ضد كل من بولندا والمجر. فهي تسمح للكتلة بتجريد بلد ما من حقه في التصويت إذا ما حددت كل الدول الأخرى خرقاً خطيراً ومستمراً لقيم الاتحاد الأوروبي. ولكن هذا الشرط يقتضي إجماع الدول الأوروبية، ويعني أن بوسع المجر وبولندا مساندة بعضهما بعضاً بما انهما محض الاتهام والاهتمام الحاليين. من هنا، أعيد طرح موضوع قدرة الاتحاد على طرد الدول منه إذا تم الإجماع على مخالفة الدولة المبادئ المشتركة. ومن المرجح أن يتجه الاتحاد الأوروبي إلى التصعيد بعد “بيغاسوس”، مع تراكم المخالفات المجرية، فهناك غضب عارم لدى الرأي العام الأوروبي ومطالبات بطرد المجر طالما أنها لا تزال ترفض الانصياع للقوانين الأوروبية.
وتشير تسريبات “بيغاسوس” والتي شاركت فيها أيضا إحدى وسائل الاعلام البديلة في المجر Direkt36، إلى أن محاولة اختراق 300 جهاز لم تنجح بأكملها، ولكن على الأقل هناك ثلاثة هواتف من أصل ستة أرقام تمت معاينتها جنائياً، قد اخترقت بالفعل، وتم الولوج إلى معلومات أصحابها.
على رغم أن هناك أرقام هواتف هنغارية مدرجة في القائمة مرتبطة بمجرمين مدانين وغيرهم ممن قد يشكلون أهدافاً مشروعة، إلا أن الهواتف التي اخترقتها “بيغاسوس” بشكل مؤكد، تعود إلى صحافيين اثنين من Direkt36، وهما سزابولس بانيي وأندراش سزابو، إلى جانب رجل أعمال لم يرغب في التعريف بهويته. إضافة الى ذلك هناك هواتف ظهرت عليها علامات محاولة استهداف تعود إلى طالب وناشط كندي-ب لجيكي، أدريان بودوين، ورجل أعمال آخر لم يكن يريد إدراج اسمه.
تعرض للاختراق أيضاً، مراسل هنغاري آخر، نادراً ما تناول مواضيع حساسة، وهو ديفيد ديركسيني. إذ إنه في إحدى المرات أرسل طلباً للحكومة للتعليق على قضية إرهاب، وبعد ذلك، أضيف إلى هاتفه الخليوي الشخصي إلى قائمة التنصت وكذلك هاتفه الخليوي الخاص بعمله، وهاتفه الثالث المسجل باسمه الذي تستخدمه زوجته السابقة. ومن بين الأسماء المجرية المرفقة بأرقام الهواتف المجرية، هي “فارغا”، واحدة من أجهزة الإعلام المستقلة القليلة المتبقية في البلاد، وذلك بعدما قام الموالون لأوربان بتوطيد السيطرة على معظم وسائل الإعلام.
ومع أن الأرقام المجرية تمثل جزءاً صغيراً من مجموع الأرقام المستهدفة، فإنها تبرز لأن المجر عضو في الاتحاد الأوروبي، حيث يفترض أن تكون الخصوصية حقاً أساسياً وقيمة مجتمعية أساسية، وتعتبر الضمانات للصحافيين والسياسيين المعارضين والمحامين قوية من الناحية النظرية. ولكن في المجر، يتم التراجع عن بعض هذه الضمانات، وكان هذا التراجع مصحوباً هذه المرة باستخدام أداة تنصّت فعالة جداً.
درج
———————————-
تسريبات “بيغاسوس”: من هي شركة NSO التجسّسية الاسرائيلية؟
————————–
تسريبات بيغاسوس: كيف ساعدت إسرائيل أكثر من 10 دول في التنصت على ٥٠ ألف هاتف؟
———————–
تسريبات بيغاسوس: هواتف رؤساء دول وحكومات مباحة أمام NSO الاسرائيلية
———————————–
خطوة بخطوة.. “العفو الدولية” تنشر أداة للتأكد من أن هاتفك لم يخترقه “بيغاسوس“
أصدرت منظمة العفو الدولية أمس الأربعاء، أداة تمكن مستخدمي الهواتف المحمولة من الكشف عن أنشطة برنامج بيغاسوس التجسسي، ومعرفة إن كانوا قد تعرضوا للاختراق.
وكانت العفو الدولية قد شاركت في الكشف عن 50 ألف رقم هاتف تقول أنهم كانوا أهدافا للتجسس عبر تقنية بيغاسوس الإسرائيلية، وبعض هذه الأرقام تنتمي لرؤساء دول وصحفيين وناشطين.
وأشار موقع “theverge”
إلى أن الأمر قد يحتاج إلى بعض المهارة الفنية ويستغرق بعض الوقت، لذلك يجب التحلي بالصبر، لكن كما أنه يعمل على نظم تشغيل “IOS” أفضل مما يعمل على نظم أندرويد.
الخطوة الأولى: نسخة احتياطية مشفرة
من خلال توصيل هواتف آيفون بالكمبيوتر، يمكن استخدام خاصية “Finder” لصناعة نسخة احتياطية “Backup” يكون بها كل الملفات والصور والبرامج بالهاتف. وخلال عملية النسخ، سيكون أمامك خيارا لصناعة نسخة مشفرة Encrypted backup، وهي نسخة تسمح لك أيضا بالاحتفاظ بكلمات السر وغيرها من الملفات المهمة. استخدم هذه الخاصية لعمل نسخة احتياطية مشفرة من كل ملفات الهاتف، ثم اصنع منها نسخة أخرى وضعها على سطح المكتب “Desktop”.
الخطوة الثانية: إنزال برنامج آمنستي
يمكن للجميع تنزيل برنامج آمنستي
الخاص بالكشف عن أنشطة بيغاسوس، واتباع التعليمات المفصلة حول كيفية تثبيته .
الخطوة الثالثة: تنزيل البرامج المساعدة
يجب أيضا أن يتوافر في الجهاز تطبيق إكس كود،
ولغة برمجة Python٣، والتي يمكن تثبيتها من خلال برنامج هومبرو.
الخطوة الرابعة: بدء البحث
يمكن الآن تشغيل برنامج آمنستي، واتباع التعليمات من أجل استخدامه في مسح النسخة الأرشيفية من الهاتف. ويمكن من خلال التعليمات توجيه البرنامج للبحث عن ملف بعينه يسمى pegasus.stix2، وسيعطي البرنامج إنذارا إن كان هناك نشاطا مشبوها في الهاتف.
جدير بالذكر، أنه في حالة لم يكتشف البرنامج خللا، فإن ذلك ليس معناه نجاة الهاتف من الاختراق بنسبة 100 بالمئة، فهناك حالات ينجح فيها المخترقون في إزالة كل آثار اختراقهم.
وكانت منظمة “فوربيدن ستوريز” ومنظمة العفو الدولية، حصلتا على لائحة تتضمن خمسين ألف رقم هاتفي يعتقد أنها لأشخاص اختارهم زبائن الشركة الاسرائيلية لمراقبتهم منذ 2016. وشاركتهما الأحد، مجموعة من 17 وسيلة إعلامية دولية، من بينها صحف “لوموند” الفرنسية و”ذي غارديان” البريطانية و”واشنطن بوست” الأميركية.
ويسمح البرنامج إذا اخترق الهاتف الذكي، بالوصول إلى الرسائل والصور وجهات الاتصال وحتى الاستماع إلى اتصالات مالكه.
من جهتها، قالت وزارة الدفاع الإسرائيلية إنها لم تطلع على المعلومات التي جمعها زبائن “ان اس او”. وأضافت أن إسرائيل “توافق على تصدير منتجات الكترونية حصريا إلى جهات حكومية لاستخدامها بشكل قانوني وفقط لغرض منع الجرائم والتحقيق فيها ومكافحة الإرهاب”.
الحرة / ترجمات – دبي
————————————-
وثائق تكشف آليات وطرق تجسس “بيغاسوس“
بعد التحقيق المشترك الذي نشرته وكالات إعلام دولية، من بينها “ذا غارديان” و”واشنطن بوست” و”لوموند”، وكشَف عن فضيحة تجسس واسع النطاق طاولت سياسيين، بينهم رؤساء دول، وصحافيون وناشطون عبر العالم، من خلال برمجيّة “بيغاسوس” الخبيثة، التي تصنّعها شركة “أن أس أو” الإسرائيلية؛ يعيد “العربي الجديد” نشر فحوى وثائق نشرت في تحقيقات سابقة، وثقت شيئًا من أنشطة “بيغاسوس” الخبيثة.
ويتضمن التحقيق الأول، المنشور في 1 سبتمبر/أيلول 2018 وثائق حصل “العربي الجديد” على نسخة منها، وتكشف شراء أجهزة الأمن الإماراتية لمنظومة “بيغاسوس” للتجسّس على الهواتف المحمولة، والتي تصنعها شركة “إن أو إس” الإسرائيلية.
وتقوم هذه التقنية باختراق أجهزة الهواتف المحمولة بطريقة سريّة، وتسمح لمستخدمي البرنامج بالتنصّت على المكالمات الهاتفية والتجسّس على البريد الإلكتروني، إضافة إلى الاطلاع على قائمة الأسماء الموجودة على الهاتف، بل واستخدامه كجهاز تنصّت على المحادثات الشخصية التي تتمّ بالقرب منه.
وتبين الوثائق أنّ البرنامج يعمل من خلال إرسال رسائل قصيرة محتواها مخصص للمنطقة المستهدفة. ففي منطقة الخليج، تشمل مثلاً عبارات مثل “رمضان على الأبواب… تخفيضات لا تصدق” أو “فحص مكيف السيارة في الصيف… مجاناً”، وفور النقر على هذه الرسائل يخترق برنامج “بيغاسوس” الهاتف الجوال ليحوّله إلى أداة تجسّس على مالكه ومن حوله.
وتكشف الوثائق كذلك أن شركة “إن إس أو” تستخدم شركة فرعية أخرى، مقرها في قبرص، واسمها “سيركيلز”، من أجل الالتفاف على عدد من القوانين.
وتشير بيانات الشركة المطورة إلى أنها مملوكة لشاي تال وديفيد مامان، ومقرّها في دولة بليز في أميركا الوسطى، ولها مركز أبحاث في الهند، وأيضاً فريق صغير في إسرائيل، مختصّ بالأبحاث.
وأحصى تحقيق آخر نشره “العربي الجديد” في 10 يوليو/تموز 2020، عشرة نشطاء مغاربة اخترقت هواتفهم المحمولة عبر برمجية “بيغاسوس”، سبعة منهم تمّ إعلامهم بالاختراق عن طريق إشعار من إدارة “واتساب” أو مختبر Citizen Lab الكندي في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وتمّ الاختراق عن طريق إرسال رسائل نصية قصيرة (SMS ) تحمل روابط خبيثة، تؤدي إلى تثبيت برمجية “بيغاسوس” على الهاتف بعد النقر على الروابط، أو عن طريق حقن الاتصالات في شبكات المحمول الخاصة بالمستهدف، أي توجيه متصفّح الويب المتعلق بالهاتف إلى موقع إلكتروني ضار، كما تقول منظمة العفو الدولية التي توصلت إلى ما سبق بعد فحص مادي لهاتف الناشطين.
ويقول المعطي منجب، رئيس منظمة “الحرية الآن” غير الحكومية، لـ”العربي الجديد”، إنه يفاجأ بنشر بعض المواقع والصحف التي يصفها بالمقربة من السلطة، لفحوى بعض مكالماته، مع تحويرها لتمسّ سمعته. ويقدم الأكاديمي والحقوقي منجب، مثالًا عن ذلك بالقول: “في 7 يوليو/ تموز 2020، صدر مقال في أحد المواقع يحوّر كلامي مع صديق كنت قد تحدثت معه في موضوع يخص إتقان الإنكليزية والدراسة في الخارج لأسباب علمية محضة، لكن الموقع نشر كلامي المنقول عبر التجسس على هاتفي، وحوّره، ونَشر مقالة يقول فيها إني أدفع الصديق، “طالب الدكتوراه”، إلى السفر إلى خارج المغرب، من أجل تنظيم حملة لصالح المعارضة المغربية في الخارج”، مؤكدا أن تحركاته في السنوات الخمس الأخيرة أصبحت جلّها مراقبة، وما إن يتحدث مع شخص عبر الهاتف لتحديد موعد لمقابلة، حتى يجد المخبرين يملؤون المكان المحدد فيه الموعد، مباشرة بعد وصوله، وفق ما يقوله.
ولا يستطيع المستخدم العادي بمفرده كشف تعرّض هاتفه المحمول لهجمات عبر برمجية “بيغاسوس”، بسبب صعوبة تحديد الثغرات في أنظمة التشغيل، كما في التطبيقات التي تستغلها “بيغاسوس”، لذلك فإن خبراء الأمن الرقمي هم من يستطيعون التحقق من طبيعة الاختراق، بحسب ما أوضحه لـ”العربي الجديد”، محمد المسقطي، منسق الحماية الرقمية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة فرونت لاين ديفندر غير الحكومية، التي يقع مقرها في العاصمة الأيرلندية، والمعنية بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
ويضيف المسقطي أنّ الفرد المستهدف ببرمجية “بيغاسوس” قد لا يعلم بأنّ هاتفه الشخصي مخترق، لاعتمادها على “التجسس الصامت”، فلا تؤدي إلى استهلاك بطارية الهاتف بشكل كبير على سبيل المثال، عكس أدوات التجسس الأخرى.
ويقول المسقطي إنّ برمجية “بيغاسوس” تربط هاتف المستخدم المخترق بخوادم وهمية (Servers) تابعة لمجموعة “إن إس أو”، وبالتالي يتم من خلالها الوصول إلى كل الملفات والصور والتسجيلات المتوفرة على الهاتف.
وتعد كل برامج التشغيل، سواء أكانت منتمية إلى نظام تشغيل الآيفون (Ios) أم الأندرويد مؤهلة للاختراق عبر برنامج “بيغاسوس”، وللوقاية من اختراق البرنامج، يؤكد المسقطي أن على الفرد أن يعمل على تحديث نظام تشغيل الهاتف، والتطبيقات المنزّلة، إذ يعالج التحديث عددا من الثغرات التي تكون في نظام التشغيل أو التطبيقات، بإلإضافة إلى عدم ربط الهاتف بأي جهاز آخر، أو “واي فاي” غير معلوم المصدر، كما أنّ استعمال برامج محاربة البرمجيات الخبيثة (Malware)، وبرمجيات مكافحة الفيروسات (Antivirus software) من شأنه أن يؤثر على فعالية الاختراق.
العربي الجديد
———————————–
تسريبات “بيغاسوس” (لبنان): سعد الحريري أبرز المتعرّضين للتنصت
الأرجح أن يخلف هذا الكشف مشاعر لدى اللبنانيين أنهم حيال تنصت أشرار على أشرار، لا سيما في هذا الوقت الذي يعيش فيه اللبنانيون أسوأ أيامهم على يد طبقة سياسية خضعت بدورها لتنصت من قبل رعاة وخصوم إقليميين وعبر تكنولوجيا إسرائيلية.
هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
وحدهما رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط من الصف الأول من السياسيين اللبنانيين، لم يظهرا في التسريبات التي زودت forbidden stories وسائل الإعلام الدولية بها، حول عمليات تنصت على الهواتف من قبل دول 10 دول من بينها الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية المتحدة، باستثناء محاولة واحدة على هاتف منزل بري في المصيلح. أما من تبقى من الطبقة السياسية، فكلهم كانوا خاضعين للتنصت بحسب هذه التسريبات التي شملت 47 دولة و50 ألف رقم هاتف. وفي وقت شملت محاولات التنصت هاتفاً نُسب لرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، لم نستطع التأكد من صحته.
جرت محاولات للتنصت على نحو 300 رقم هاتف في لبنان، معظمها لسياسيين، لكن شملت أيضاً صحافيين وناشطين ورجال أعمال بعضهم على صلة باستثمارات في دول الخليج. واستطاع الفريق العامل في التحقيق من التأكد من عشرات الأرقام، إلا أننا لم نتمكن من اجراء الفحص الجنائي لأي هاتف لبناني، علماً أن تأكيد نجاح محاولة الاختراق لا يمكن تأكيدها إلا بعد إجراء الفحص الجنائي. ومن سنشير لأرقامهم هنا هم من تأكدنا من أنها تعود إليهم.
التسريبات التي شاركتها مؤسسة Forbidden stories مع 80 صحافياً من 17 مؤسسة إعلامية من 10 دول، من بينها موقع “درج”، بدعم تقني من منظمة Amnesty International Security Lab والمتعلقة باستعانة عدد من الدول والأنظمة ببرنامجPegasus الذي تنتجه شركة NSO الإسرائيلية، لمحاولة التنصت على سياسيين ونشطاء وصحافيين وأمنيين، تكشف حجم الانشغال الخليجي، وتحديداً الاماراتي بلبنان. المفارقة في التنصت تبلغ ذروتها في حالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ذاك أنه، الشخصية اللبنانية الأكثر ارتباطاً بالخليج وعلى رغم ذلك كان هاتفه عرضة لمحاولة خرق إماراتية أولاً ثم سعودية، علماً أن الرجل سليل عائلة بدأت حياتها السياسية والعامة بوصفها ممثلة للنفوذ السعودي في لبنان، وتتمتع بعلاقات قوية واستثمارات تجارية مع الامارات العربية المتحدة. لكن في المقابل فإن السنوات التي يشملها جدول التنصت تؤشر إلى أن العملية كانت تجري على وقع اضطراب علاقة الحريري بالسلطات السعودية، ومن ضمنها المرحلة التي تم احتجازه فيها في الرياض في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، وأجبر خلالها على تقديم استقالته من هناك. علماً أننا اتصلنا بمكتب الحريري فلم نحصل على تعليق على هذه المعلومات.
لكن النشاط التنصتي، لم يشمل الحريري عام 2017 بحسب التسريبات، واقتصر في ذلك العام على هواتف نواب من “حزب الله” مثل علي فياض وحسن فضل الله، عبر محطات NSO العائدة للإمارات العربية المتحدة وليس السعودية. فيما كان عام 2018 هو عام محاولة التنصت على الحريري ومساعديه مثل مدير مكتبه في حينها نادر الحريري، والمنشقين عنه مثل وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق الذي علق ضاحكاً لدى سؤالنا له ما إذا كان لديه تعليق على محاولة استهداف هاتفه: “أشكرهم على الاهتمام”.
لكن المنظومة السياسية اللبنانية كلها، التي يعتبر الحريري جزءاً منها، كانت تحت الرقابة ومحاولات التنصت بحسب التسريبات، وهي تنشط مستهدفة السياسيين بفترات زمنية واحدة تقريباً، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الفترة الزمنية التي لحظتها التسريبات هي بين العامين 2017 و2019. فتمكن مثلاً ملاحظة الوقت الذي خضع فيه الحريري لمحاولة التنصت هو نفسه الوقت الذي خضع فيه هاتف وزير الخارجية الأسبق ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أيضاً لمحاولة تنصت. الأمر نفسه يصح على هاتف رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع المعروف بقربه من السعودية والامارات (لم يشأ مكتب جعجع التعليق على التسريبات). وهذا ما يؤشر إلى أن عمليات التنصت كانت تجرى على وقع حدث يتداول به ويتفاوض حوله زعماء الأحزاب والطوائف في لبنان. وهنا تمكن ملاحظة كشف التسريبات تعرض هاتف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للتنصت الإماراتي في الفترة التي باشرت فيها المصارف اللبنانية تنفيذ capital control غير قانوني على ودائع اللبنانيين وغير اللبنانيين.
الأرجح أن يخلف هذا الكشف مشاعر لدى اللبنانيين أنهم حيال تنصت أشرار على أشرار، لا سيما في هذا الوقت الذي يعيش فيه اللبنانيون أسوأ أيامهم على يد طبقة سياسية خضعت بدورها لتنصت من قبل رعاة وخصوم إقليميين وعبر تكنولوجيا إسرائيلية.
وأمام هذه الحقائق قد يبدو صعباً أن يغبط المرء المتنصتين على طبقة سياسية موغلة في فسادها، حال معاينته أرقام هواتفهم في تسريبات بيغاسوس. فهنا مثلاً يحضر تساؤل عما إذا كانت التحويلات المالية إلى المصارف الخارجية والتي ترافقت مع الـcapital control، والتي أكدتها البنوك السويسرية، جزءاً من المعلومات التي كشفها التنصت للسلطات السعودية على رياض سلامة، لا سيما أن جزءاً من الودائع في لبنان يعود لمواطنين من الإمارات والخليج.
تتأثر محاولات التنصت بحرارة السجال الداخلي اللبناني، وعلى وقع الانقسامات العتيدة التي شهدها لبنان خلال السنوات ما بين 2017 و2019، لا سيما أن من كان عرضة للتنصت الخليجي من بين المسؤولين في “حزب الله” هو نفسه من يتولى قنوات المفاوضة باسم أمين عام الحزب، أي مسؤول وحدة الارتباط الحاج وفيق صفا، إذ خضع هاتف الرجل للتنصت في الفترة الممتدة من شهر آذار/ مارس 2017 إلى شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام ذاته. لكن ما يعزز الاعتقاد بحرارة الانشغال الخليجي بالشأن اللبناني، هو شمول عمليات التنصت سياسيي الفئة الثانية، ومن بينهم وزراء ونواب وأحياناً رجال أعمال، ناهيك بصحافيين وأصحاب مؤسسات إعلامية ونشطاء في الشأن العام.
وفي هذا السياق، لم ينج أصدقاء دول الخليج من التنصت الاماراتي والسعودي، فوزير الدفاع السابق الياس أبو صعب (التيار العوني) القريب من الامارات ظهر رقم هاتفه في التسريبات، وسلفه يعقوب الصراف أيضاً، وكذلك نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني (قوات لبنانية).
ويأتي بعد رئيس الحكومة سعد الحريري، لجهة دلالة محاولات التنصت على هواتفه، مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم بحسب ما ظهر من معلومات لدى Forbidden Stories، ذاك أن الرجل لطالما كان صلة وصل بين أطراف يصعب جسر العلاقة بينها من دونه. تربطه بدول الخليج علاقات قوية، وفي الوقت نفسه يعتبر من المقربين جداً من “حزب الله”، وهو اشتغل على ملفات سياسية وأمنية شديدة الحساسية، ما اعتبر مقدمات لتصدر سياسي وشيك ينتظر الرجل.
وينافس عباس إبراهيم في محاولات التنصت على هاتفه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، واللافت أن رقم باسيل يظهر في التسريبات مترافقاً مع ظهور رقم سعد الحريري، وهو ما قد يؤشر إلى أن الرياض وأبو ظبي كانتا معنيتين بما ربط بين الحريري وباسيل من علاقات، لا سيما في مرحلة “الحب” التي جمعتهما، وهي من العوامل الرئيسة في اضطراب علاقة الحريري بالرياض. وهو ما يعني أيضاً احتمال أن تكون محاول الاستهداف الالكتروني قد شملت محادثاتهما معاً.
لكن أيضاً وفي السياق اللبناني لتسريبات Forbidden stories، لا بد من ملاحظة اقتصار التنصت على سياسيي “حزب الله” في وقت من الصعب البحث عن أرقام لأمنييه وما اذا كانت أرقامهم مدرجة، ومن المرجح ألا تكون موجودة، ذاك أن التكنولوجيا الإسرائيلية تعي أن هذه ليست مهمة دول كالإمارات والسعودية، فهي بحسب التسريبات لم تشمل أرقاماً ايرانية. هذا الافتراض يعود ليضعف عندما نعلم أن تنصتاً على معظم قادة فصائل “الحشد الشعبي” في العراق، لا سيما الفصائل الولائية، قد حصل فعلاً، بحسب ما وثقت التسريبات، وعلى رأسهم أبو مهدي المهندس الذي قضى بغارة أميركية بالقرب من مطار بغداد.
يبقى أن الصحافيين والنشطاء المدنيين اللبنانيين كانوا أقل إثارة لفضول المتنصتين الخليجيين، واقتصر الفضول هنا على الاماراتيين، فباستثناء صحافيين مقربين من “حزب الله” مثل رئيس تحرير جريدة “الأخبار” إبراهيم الأمين ومدير تلفزيون الميادين غسان بن جدو (لم نتمكن من تأكيد الرقم)، ظهرت أرقام لصحافيين مثل الكاتب والصحافي يوسف بزي (موقع المدن الممول من قطر) الذي لم يستغرب ورود رقمه لأنه صحافي عربي، و”أي صحافي عربي هو خصم محتمل لأي نظام عربي”. كما شملت محاولات التنصت أسماء من الصعب تفسير دوافع مراقبتها، مثل التنصت على هاتف صاحب تلفزيون “الجديد” تحسين خياط وعلى رئيسة مؤسسة سمير قصير جيزيل خوري (كانت في حينها تعمل في بي بي سي)، وعلى هاتف مراسل “نيويورك تايمز” في بيروت بن هابرد الذي كان سبق أن تعرض لمحاولة تنصت تم الكشف عنها في العام 2018.
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Dara – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
درج
———————————
على هامش فضيحة بيغاسوس/ علي أنوزلا
أثارت ما باتت تعرف بـ “فضيحة بيغاسوس” ردود فعل كثيرة على مستوى العالم، ولا يعتقد أن التفاعل سيبقى حبيس التنديد والاستنكار، أو تلك التي تنفي الفضيحة وتتبرّأ منها، لأن تبعات ما تم الكشف عنه أخطر من كون الأمر يتعلق بالتنصّت على هواتف شخصيات عامة، وإنما بالأسئلة التي تطرح اليوم بشأن ضرورة وضع قوانين تحدّ من تطاول التكنولوجيا على الحياة الخاصة للأفراد، والاستعمالات غير القانونية للمعلومات التي يمكن الحصول عليها من تلك العمليات اللاقانونية وغير الأخلاقية، والتي غالباً ما يتم تبريرها باسم الحفاظ على الأمن القومي ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة.
كشف التحقيق الذي شاركت فيه عدة مؤسسات إعلامية دولية ذات مصداقية كبيرة عن أكبر عمليات تجسّس بطلتها حكومات، وضحاياها ناشطون وصحافيون وحقوقيون، بالإضافة إلى سياسيين بينهم رؤساء حكومات، وعسكريون، ورجال أعمال. ولم يسلم من عمليات الاختراق أفراد من أسر ملكية في المنطقة العربية. وطبقاً للمعلومات المتوفرة، من خلال ما نشرته وسائل الإعلام التي أنجزت التحقيق، فإن برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” استهدف أكثر من 50 ألف هاتف شخصي لشخصيات عمومية في العالم، أغلبها في بلدان معروفة بمراقبة مواطنيها، الدول العربية في مقدمتها، حيث يشير التحقيق إلى أن نسبة كبيرة من الأرقام التي تم التجسس على أصحابها توجد في المغرب الذي أظهر التحقيق أنه استهدف أكثر من عشرة آلاف هاتف شخصي، تليه الإمارات والسعودية والبحرين، بالإضافة إلى دول معروفة بسجلها السلبي في خرق حقوق الإنسان، مثل المكسيك والمجر وأذربيجان وكازاخستان وباكستان، كما أورد التحقيق وجود أرقام تم التجسّس عليها في قطر واليمن وفرنسا والهند والولايات المتحدة. وباستثناء دول أثبتت تحرّيات المحققين أنها كانت مصدر التجسّس على هواتف مواطنيها أو مواطني دول أخرى، فليست كل الدول التي ورد ذكرها هي من يتجسّس على رعاياها، وإنما كان مواطنوها ضحايا تجسّس من دول أخرى. وهنا خطورة هذا البرنامج العابر للحدود والقادر على اختراق كل التحصينات الرقابية التي توفرها الدول لمواطنيها، وتجاوز كل القوانين والتشريعات التي تضعها الحكومات لحماية أمن رعاياها وصيانة حياتهم الخاصة. لذلك طالبت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ميشيل باشليه، بتنظيمٍ أفضل لتكنولوجيات المراقبة، وقالت إن ما تم الكشف عنه “يؤكّد الحاجة الملحّة إلى تنظيم أفضل لعملية بيع تكنولوجيات المراقبة ونقلها واستخدامها، وضمان مراقبة شديدة لها”.
ومن قراءة الاستنتاجات التي كشف عنها هذا التحقيق الذي ما زالت وسائل الإعلام التي أشرفت عليه تنشر معلوماته عبر حلقات، يمكن تسجيل ثلاث ملاحظات أولية: الأولى أن التجسّس استهدف، بالدرجة الأولى، الصحافيين والنشطاء والحقوقيين، ما يعني أن الأنظمة غير الديمقراطية باتت تستعمل وسائل التجسّس والمراقبة لإخراس منتقديها ومعارضيها. وفي هذا مسٌّ بحريّة الصحافة وحرية التعبير التي تعتبر جوهر قيمة الحرية الذي بدونها لا يمكن أن تقوم قائمة لأي مجتمع. ولا غرابة أن تركز ردود فعل الحكومات الغربية المندّدة بعمليات التجسّس هذه على ما ينطوي عليه فعل مراقبة الحياة الخاصة للصحافيين من تأثير كبير على حرية الصحافة التي تعتبر قيمة مقدسة في دول كثيرة في الغرب.
تتعلّق الملاحظة الثانية بخطورة البرنامج الذي تم استعماله في عملية التجسّس، وبما أن التحقيق يفيد بأن الهواتف المستهدفة خضعت للمراقبة منذ 2016، فهو يكشف أن الدول العربية الواردة أسماؤها في التحقيق باعتبارها “متهمة” بالتجسّس على مواطنيها كانت تستعمل هذا البرنامج، حتى قبل عمليات التطبيع التي أقدمت عليها الدول “المتهمة” نفسها مع الكيان الإسرائيلي نهاية عام 2020. وخطورة هذا البرنامج، حسب ما كشف التحقيق، في أنه يمتصّ جميع المعطيات في جهاز الهاتف المستهدف، بل ويمكن أن يحوله إلى أداة تسجيل وكاميرا لمراقبة صاحبه. وهنا لا بدّ من طرح السؤال بشأن حدود القدرة الخارقة لهذا البرنامج الذي يمكن أن يستعمله مخترعه ومصنعه للتجسّس على زبنائه أنفسهم. ولذلك لا يجب تصديق ادّعاءات الشركة الإسرائيلية صاحبة البرنامج عندما تبرّأت من الاستخدامات غير القانونية لبرنامجها من لدن زبنائها. فمن يستطيع أن يؤكد اليوم أن المعلومات الضخمة التي تم “اصطيادها” طوال فترة التجّسس ليست في حوزة مخترعي البرنامج، وبالتالي في حوزة دولة إسرائيل وأجهزتها الأمنية؟ ألا يمكن أن تكون الأنظمة التي استعانت بهذا البرنامج للتجسّس على مواطنيها قد فتحت الباب لأكبر وأخطر جهاز تجسس في العالم لمراقبتها هي نفسها ومراقبة مواطنيها؟ مع كل ما يطرحه الجواب عن هذا السؤال من مخاطر، قد تكون الأنظمة المستعملة لهذا البرنامج قد عرّضت له الأمن القومي لأوطانها وشعوبها!
تتعلق الملاحظة الثالثة والأخيرة بالمسؤولية القضائية التي لا يجب أن تقف فقط عند بيانات التنديد والشجب، وقد بدأت وسائل إعلام فرنسية بتحريك شكاوى قضائية ضد مجهول أمام قضاء بلادها لمحاسبة الأنظمة التي تجسّست على هواتف صحافييها. ولكن لا يجب أن تصرف هذه الشكاوي الانتباه عن المسؤول الأول والأخير عن واضعي هذا البرنامج، وهي الشركة الإسرائيلية، ومن خلفها الدولة العبرية وأجهزتها الأمنية، لأنه لا يمكن تصديق أن الأمر يتعلق بشركة توجد في “وادي السليكون” في أميركا، وإنما بذراع من الأذرع التكنولوجية لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وفي هذه الحالة، لا يجب فقط إنزال أشد العقاب على كل المسؤولين بتدرّج مسؤولياتهم من المخترع إلى المستعمل، وإنما يجب سن قوانين دولية تضع حدّاً لأي خرقٍ في المستقبل لحياة الأشخاص الخاصة، وتحمي ما تبقى من هامش ضيق من الحرية يسمح للناس بالتنفس، بعيداً عن رقابة “الأخ الكبير” الذي بات يسكن كل واحد منا.
العربي الجديد
——————————
فضيحة «بيغاسوس»: المداواة بالتي كانت هي الداء/ صبحي حديدي
للأنظمة والدول والأجهزة الاستخباراتية التي لا تملك رفاه التجسس، على الدول والساسة والأفراد، عبر الأقمار الصناعية والتكنولوجيا ذات الكلفة العالية؛ تطوعت الشركة الإسرائيلية NSO لاقتراح تكنولوجيا تجسس متواضعة القيمة، ولكن ليست محدودة الجدوى بأية حال، هي تطبيق «بيغاسوس» نسبة إلى الحصان المجنح الشهير الذي خلّدته الميثولوجيا الإغريقية. أكثر من 50.000 رقم هاتف، في 50 بلداً على الأقلّ، تمّ اختراقها في صيغة تنصّت مباشر أو سرقة معطيات أو تفريغ محتويات أو زرع وسائل تجسس طويلة الأمد؛ والتكنولوجيا التي يستخدمها التطبيق تقوم على مبدأ «صفر ضغط» أي أنّ صاحب الجهاز لن يضغط على رابط أو يفتح صفحة، الأمر الذي لا يثير أدنى ارتياب؛ كما أنه يتفادى تماماً طرائق القرصنة أو «التهكير» التي اعتبر مطوّرو «بيغاسوس» أنّ الزمان عفا عليها.
وفضائح «بيغاسوس» التي تكشفت مؤخراً، وتولّت إماطة اللثام عنها منظمة العفو الدولية ومجموعة Forbidden Story و15 وسيلة إعلامية عالمية، قد لا تعادل ما كشفه إدوارد سنودن في سنة 2013 حول برنامج التجسس «بريزم» الذي أنشأته وكالة الأمن القومي الأمريكية للتجسس على الدول والأفراد. إذْ يصحّ أن يبدو «بيغاسوس» أشدّ خطورة، لسبب أوّل هو أن» «بريزم» لم يكن تطبيقاً تجارياً يُباع لأيّ جهاز تجسسي يدفع ويشتري، بل جرى استخدامه (ضمن إطار تعاون مذهل بين أجهزة استخبارات وتنصّت أمريكية وأوروبية وأسترالية) لاختراق خوادم غوغل وياهو وميكروسوفت وفيسبوك وتويتر ويوتيوب وسواها. الفارق الآخر هو أنّ الشركة الإسرائيلية، بعلم حكومات الاحتلال المختلفة بالطبع، كانت تبيع التطبيق إلى أجهزة ودول رغم علمها، مسبقاً، بأنه يمكن أن يُستخدم للتجسس على هاتف رئيس دولة صديقة للاحتلال، أو لأفراد لا يُشكّ في ولائهم للسياسات الإسرائيلية الاستيطانية والعنصرية والإجرامية.
وبلد منشأ «بيغاسوس» دولة الاحتلال الإسرائيلي، يفسر الكثير من الصمت المطبق الذي خيّم على الساسة ورجال المال والصناعة والإعلام، في بلد مثل فرنسا تردد أنّ هاتف رئيسه تعرّض للاختراق؛ إذْ أنّ التطرّق إلى الحكاية يستوجب التوقف عند الدولة الراعية للتكنولوجيا، وليست بخافية عواقب الزجّ بالخلفية الإسرائيلية في ملفّ انفجاري مثل هذا. الذريعة الأولى التي يلجأ إليها الصامتون هي أنّ التحقيقات لا تزال في البدايات ولا يجوز التسرّع في إصدار الأحكام، والذريعة الثانية هي المساجلة بأنه لا جديد في الأمر لأنّ الدول الحليفة والديمقراطية تتجسس على بعضها، والذريعة الثالثة هي الأكثر ابتذالاً وخسّة لأنها تهرب من ملامة دولة الاحتلال إلى تسجيل نقاط سياسية/ حزبية ضدّ الحكومة أو ضدّ ماكرون شخصياً بتهمة التقصير في تأمين الحماية الأمنية للهواتف. ولو لم يكن التطبيق صناعة إسرائيلية، وكان أمريكياً أو بريطانياً أو ألمانياً أو روسياً أو صينياً أو حتى فرنسياً، فللمرء أن يتخيل بسهولة الصامتين أنفسهم وقد انفتحت أشداقهم وضجّت زعيقاً وندباً وشتماً…
وحول طبيعة «الضحايا» إذا جاز التعبير هكذا، يتردد أنها تبدأ من رؤساء جمهوريات وملوك ورؤساء حكومات، ولا تنتهي عند وزراء ومسؤولين كبار في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والصناعية والأمنية، ولا يصحّ أن تُختتم من دون إدراج مئات الصحافيين، المعارضين غالباً ونقّاد الأنظمة عموماً؛ شرقاً وغرباً، في مختلف نُظُم الحكم الملكية والجمهورية والاستبدادية، كما يتوجب التذكير. ومن طرائف الكشوفات، التي أخذت تتوارد تباعاً يوماً بعد يوم، أن يكون هذا الجهاز التجسسي أو ذاك مهتماً بالتنصّت على رأس الدولة أو كبار المقربين منه أو حاشيته، أو أن يكون رأس ذلك الجهاز التجسسي ربيب الدولة الاستعمارية ذاتها التي يجري التجسس على رئيسها (كما في مثال فرنسا، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون).
ولا يدخل هذا في باب الطرائف إلا لأنه غير مستغرب البتة، فالتاريخ يسجّل آلاف النماذج على «المخبر المحلّي» الذي تربى في أحضان الجهاز الاستعماري لينكّل بأبناء وطنه، ثم صار بعدئذ خادماً أميناً لأجهزة «ما بعد الاستقلال» فجاز له أن يستهدف سادته الأوائل.
ليس طريفاً البتة، في المقابل، أن تسارع بعض الدول المتهَمة باستخدام «بيغاسوس» إلى نفي تورطها، جملة وتفصيلاً والحقّ يُقال؛ وذلك بالرغم من أنّ سجلات بعضها، في انتهاك حقوق الإنسان وقمع الحريات العامة والدوس على كرامات الناس وحرمات الحياة الشخصية، لا يُعلى عليه ولا يُجارى. وهذا سلوك يتجاوز بكثير دبلوماسية غسيل الأيدي القذرة وتجميل الوجوه القبيحة، كما أنه لا يرقى حتى إلى مستوى ذرّ الرماد في العيون، ليس لأنّ المريب يقول خذوني بأعلى الصوت، فحسب؛ بل كذلك لأنّ الشركة الإسرائيلية لن تلتزم الصمت طويلاً حول عقودها ومبيعاتها، فهي باتت تحت مجهر الرصد والتعقّب والتحليل، ولم يعد ينفع كثيراً أن تضحك على العقول بالقول إنّ تطبيقها يستهدف محاربة الإرهاب والجريمة وتسهيل عمل الأجهزة المعنية بإنفاذ القانون. الدول التي اشترت التطبيق واستخدمته هي في المرجل ذاته مع الشركة الإسرائيلية، وللمتباكين على تهذيب صورة الكيان الصهيوني (بوصفه «واحة الديمقراطية» الوحيدة في الشرق الأوسط) أن يعثروا على أكثر من وصفة سحرية واحدة لبلوغ بعض ذلك الغرض.
غير بعيد في الزمان تعليق وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري على فضيحة سنودن بالقول إنّ تجسس الحكومة الأمريكية على بعض حلفائها الأوروبيين ليس أنشطة «غير اعتيادية» خاصة وأنّ ردود أفعال الدول ضحايا التجسس لم تتجاوز الإعراب عن استيائها الشديد، من عمليات «غير مقبولة بين الأصدقاء». ولم يكن أقلّ نفاقاً أنّ معظم تلك الدول استجابت للرغبة الأمريكية، أو تطوّع بعضها من دون تكليف، في تضييق الخناق على أسفار سنودن، فعثرنا على عجيبة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند: رفض «هذا النوع من السلوك بين الشركاء والحلفاء» من جهة؛ والمسارعة إلى اعتراض طائرة الرئيس البوليفي إيفو موراليس، خشية وجود سنودن على متنها، من جهة أخرى!
كذلك يحدث أن تُداوى ملفات التجسس بين الدول والأجهزة، بعضها على البعض الآخر، بالتي كانت هي الداء؛ كما في مثال تمكّن المخابرات المركزية الأمريكية من اختراق الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية، ليس من البوّابة المحلية أو الشرق ـ أوسطية أو الإقليمية كما للمرء أن يتخيّل، بل من جهة قصيّة بعيدة غير منتظرة، هي… أمريكا الجنوبية! تنبّهت الوكالة إلى ازدياد أنشطة الاستخبارات الإيرانية في بعض بلدان أمريكا اللاتينية، فعملت على اختراقها عن طريق عملاء زعموا الاهتداء إلى الإسلام، بل وأفلحوا في الوصول إلى طهران عن طريق بعثات خاصة نظمتها الحكومة الإيرانية ذاتها لتلقين المهتدين تعاليم الدين في العلن، وتدريبهم على الأعمال الاستخباراتية في السرّ، حسب الرواية الأمريكية بالطبع.
ويبقى أن» «انتهاك حقوق المستوطنين في الآيس كريم» بعد قرار شركة بن آند جيري وقف توزيع منتجاتها في المستوطنات، هو العنوان الأبرز للمناقشات الإسرائيلية الراهنة حول حقوق الإنسان والديمقراطية والعداء للسامية عن طريق المثلجات. ويندر أن تجد تغطية لفضيحة «بيغاسوس» تذهب، أيضاً، إلى جذور وجودها الصناعي على أرض الاحتلال؛ أو، وهو النادر أكثر، ربط الماضي بالحاضر والإشارة إلى تورّط شركة NSO في حملات التنصت والمراقبة والقمع التي شهدتها المكسيك سنة 2017. كذلك يبقى أن توجيه اتهام العداء للسامية ضدّ وسائل الإعلام التي نشرت تفاصيل فضيحة «بيغاسوس» يصعب أن ينطبق على صحيفة مثل «واشنطن بوست» فحتى التي كانت هي الداء يصعب أن تصلح هنا على سبيل الدواء!
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
—————————
كيف تنشأ الثغرات في الهواتف الحكومية؟
كيف تنشأ الثغرات في الهواتف الحكومية؟ يفترض بالمسؤولين الفرنسيين استخدام هاتف “تيورام” ذي المعايير الأمنية العالية.. فلماذا لا يفعلون؟
بعد الكشف عن وجود أرقام هواتف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضمن لائحة قائمة الأهداف المحتملة لبرنامج التجسّس “بيغاسوس”، يشير خبراء إلى أن مستوى الأمان يعتمد على الأجهزة المحمولة المستخدمة، وبعضها تشوبه عيوب.
وتتولى الأمانة العامة للدفاع والأمن القومي في فرنسا، وتحديداً هيئة إدارة نظم المعلومات المشتركة السرية بين الوزارات، توفير وسائل الاتصال الخاصة بالسلطة التنفيذية، أي رئيس الجمهورية والحكومة، سواء لاستخدامها في الاتصالات الهاتفية أو لدى تبادل البيانات. كما توفر هيئة إدارة نظم المعلومات المشتركة السرية بين الوزارات وسائل للتواصل بشكل آمن مع الحكومات الأخرى والمسؤولين في السلطات التنفيذية.
وأوضح خبراء في الأمن الرقمي أن الهواتف الموضوعة في متناول أعضاء السلطة التنفيذية ليست ذات تصميم شخصي ولا تتسم بسهولة استخدامها، وهذا ما يدفع بالبعض لاستخدام هواتفهم الشخصية لاجراء اتصالات لا يجب أن تمر من حيث المبدأً عبر قناة التواصل هذه، حسبما نقلت شبكة “دويتشه فيلله” الألمانية.
والحال أن لدى ماكرون العديد من الهواتف الذكية الشخصية التي يتمّ، وفقاً لمصدر مقرب من السلطة التنفيذية، “تغييرها وتحديثها وتأمينها بانتظام”. وأوضح مصدر أمني أنّ إعدادات الأمان الخاصة بالهواتف “مقيدة لأقصى حد ممكن، كما أنّ تنزيل التطبيقات معطل وكذلك تحميلها من بعد”. ومن بين تلك الهواتف هاتف “تيورام” الذي تصنعه مجموعة “تاليس” الفرنسية للتكنولوجيا. ويسمح الجهاز شديد الأمان المخصص للسلطات العليا، بتبادل المعلومات السرية حتى على مستوى الأسرار الدفاعية.
وأوضح متحدّث باسم الشركة الفرنسية المصنّعة لوكالة “فرانس برس”: “يضمن تيورام سريّة وأمن الاتصالات الصوتية والرسائل النصية القصيرة بفضل نظام تشفير على مستوى الجهاز الصلب والبرمجيات”، علماً أن الشركة توفر هواتف للسلطات الفرنسية منذ العام 2012، ويوجد حوالى خمسة آلاف جهاز حالياً قيد الاستخدام، وفق المصدر ذاته.
إلى ذلك، يستخدم الوزراء في فرنسا، بالنسبة للمعلومات المصنّفة على أنها أسرار دفاعية، أجهزة “تيورام” من “تاليس”، بينما يتم استخدام هواتف اعتيادية أكثر للتداول بشؤون الدولة اليومية. وذكر الخبير في الأمن الرقمي لدى شركة الاستشارات “وايفستون” جيروم بيلوا أنّه قبل كل اجتماع، يتعين على الرئيس والوزراء ترك هواتفهم في صناديق محددة تتيح عزل الصوت وحجب الشبكة.
وقال رئيس مجموعة “لنعمل معاً” أوليفييه بيشت، وهو في أساس مهمة برلمانية حول رقمنة الجيش: “إذا كنت تود خوض مناقشة سريّة، عليك أن تضع هاتفك في قفص فاراداي (حاوية أو أسطوانة تعزل ما بداخلها عن المؤثرات الكهرومغناطيسية)، أو تركه على بعد 50 متراً”.
وهنا، ينصح خبراء عبر العالم باستخدام تطبيقات شديدة الخصوصية مثل “سيغنال” و”تيلغرام”، كما أعلن “واتس اب” عن تعزيز التشفير في الرسائل الواردة عبره. لكن السؤال حول جدوى هذه التطبيقات يبقى مطروحاً، لأن تطبيقات الرسائل المشفرة تتيح فعلاً تشفير قناة الاتصال، منذ توجيه الرسالة من الهاتف المرسِل حتى استقبالها على الهاتف المتلقي، وبالتالي مع استخدام هذه التطبيقات، لم يعد ممكناً سماع المحادثات عبر الاتصال بشبكة الهاتف. وفي المقابل، في لحظة كتابة الرسالة وقراءتها، يمكن لبرامج التجسّس على غرار “بيغاسوس” رؤية ما يظهر على الشاشة.
وقال بيلوا: “ثمة لحظة بالتأكيد لا تكون فيها الرسالة مشفّرة حتى يتسنى للمستخدمين قراءتها”، مضيفاً: “في حال كان برنامج التجسّس على الجهاز، يمكنه قراءة الشاشة ما أن تظهر الرسالة”.
ولا يتعلق الأمر فقط ببرنامج “بيغاسوس”، ففي العام 2013، كشف المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن آلاف الوثائق السرية التي فضحت أعمال تجسّس أميركية واسعة النطاق بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. وأظهرت الوثائق أن مسؤولين كثيرين بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كانوا قيد المراقبة. وفي حزيران/يونيو 2015، كشفت وثائق نشرتها “ويكيليكس” أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تجسّست على ثلاثة رؤساء فرنسيين، هم جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، لسنوات عديدة.
المدن
————————-
ملفات “بيغاسوس” في يوم “إنهاء الإفلات من العقاب”/ عليا ابراهيم
هل يأتي اليوم الذي نشعر فيه بأننا أقل حاجة للنظر وراء ظهورنا، أو على شاشات هواتفنا، من دون ريبة؟ هل يأتي يوم نشعر فيه باننا حقاً آمنين داخل منازلنا؟
هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
خلال الساعات القليلة التي سبقت إطلاق “مشروع بيغاسوس”، نجت صحافية إيرانية من محاولة اغتيال أو خطف في نيويورك، وقتل صحافي هولندي في امستردام، فيما أعلن في بغداد عن توقيف قاتل صحافي ثالث.
هذا ليس سوى جزء من المشهد العام المحيط بالثمانين صحافياً المشاركين بمشروع “بيغاسوس” والذين كان عليهم التعامل مع هذا النوع من الضغوط والمخاطر، يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة على مدى أكثر من شهرين.
السرية كانت مسألة حياة أو موت، الضغط كان هائلاً ولم يخلُ من خوف تخللته موجات حزن أحياناً وغضب في أحيان أخرى. ولكن أيضاً كان هناك أمل.
في مواجهة كل العنف الذي نواجهه كل يوم، طغى شعور بأننا هذه المرة نستطيع ألا نقف مكتوفي الأيدي وأن في تعاوننا نوعاً من الحصانة.
إنه يوم الاربعاء في بيروت، وصور مسيح علي نجاد تنظر من نافذة منزلها في نيويورك إلى سيارات الـ FBI تحبط محاولة قتلها من قبل أربعة عملاء ارسلتهم ايران لتصفيتها.
المعلومات التي كشفها مشروع بيغاسوس، على أهميتها، ليست مفاجئة. لا سيما بالنسبة إلى للصحافيين في الشرق الاوسط أو ممن عملوا في هذه المنطقة.
كل هذا التخطيط، وهذه الإمكانات، وهذا الشر، من أجل قتل امرأة جريمتها الوحيدة هي التعبير عن رأيها بحرية. جريمة سبق لها أن دفعت ثمنها بهجرة مفروضة!
إنه يوم الخميس في بيروت، و خبر وفاة الصحافي Peter R.de Vries محزن. زميل وصديق شخصي لكثير من الصحفيين المشاركين في مشروع “بيغاسوس”، قتل بعد خمسة أيام على تلقي خمس رصاصات في الرأس. يعتقد أن مافيا ما من تلك التي كان يغطي نشاطها قتلته. “بيتر قاوم حتى النهاية ولكنه خسر المعركة”، يقول بيان أصدرته عائلته. يغمرني حزن هائل لدى قراءة هذه الكلمات ولكن شعوري الاول كان بالامتنان لأن لا معرفة شخصية بيننا.
أخجل من شعوري ولكنني أعترف لنفسي بأنني فعلاً غير قادرة على التعامل مع خسارة شخصية في هذه المرحلة. ليس بعد.
إنه يوم السبت في بيروت والأخبار من بغداد عن توقيف قاتل الباحث والصديق الشخصي هشام الهاشمي واعتراف القاتل بجريمته. أود ان أصدق أن المجرم سيحاسب وأن عدالة ما ستتحقق ولكن شكوكي أقوى. على الشاشة أمامي صورة هشام بابتسامته التي لم أعرف له وجهاً غيرها يذكرني به. علينا ان نصدق. ايماننا هو كل ما نملك. ولكن الايمان صعب في أحيان كثيرة.
إنه السبت في بيروت وضغط الأسابيع الماضية تحول ثقلاً يقيد الجسد. ساعات قليلة تفصلنا على النشر والمشهد من شرفة صديقتي كيم غطاس هادئ ومريح. حتى بيروت بإمكانها أن تكون مريحة وطبيعية في يوم عطلة مشمس.
من دون الكشف عن التفاصيل، اتحدث مع كيم حول الموضوع وأجد في كلامها توازناً يفتقده من بات غارقاً في تفاصيل مشروع مثل “بيغاسوس”. يعيدني كلامها إلى صلب الموضوع. “غياب المحاسبة سوف يلوث الجميع، مبدأ المحاسبة إما يسري على الجميع أو لا يسري على أحد”.
إقرأوا أيضاً:
تماماً. الديمقراطية أيضاً والعدالة والحرية. إما تكون للجميع او لا تكون لأحد.
عالمنا هذا، إما يكون غابة نأكل فيها بعضنا بعضاً، أو قيماً تحترمنا وتحمينا جميعاً.
وعالمنا الآن اقرب الى غابة.
إنه الاحد في بيروت، وأنا أنهي قصة حول جمال خاشقجي.
أسابيع مرت أمضيناها نبشاً وبحثاً وكتابة والوقت حان لتغييرات أخيرة قبل النشر. وبعض الأفكار الأخيرة أيضاً.
جمال خاشقجي لم يكن صديقاً شخصياً، وأنا متأكدة من انه لو حصل وكنا صديقين لكنا اختلفنا حول أشياء كثيرة، بدءاً من تعريفنا للصحافة والليبرالية وصولاً إلى نظرتنا إلى الاصلاح وكيفية تحقيقه، لكن كم أتمنى لو أنني عرفته عن قرب، لكان خصماً جيداً. لكانت المعادلة كلمة مقابل كلمة وفكرة مقابل فكرة.
لكانت المعركة عادلة.
هذا قلب القصيد.
إنه الاحد في بيروت والتوتر في أشده والمشاعر عارمة وفي عقلي تتسارع الصور ولكن سؤالاً واحداً يفرض نفسه. هل سيسمح لنا مشروع “بيغاسوس”، بأن نشعر بأمان ما؟
نحن الصحافيين والنشطاء في حقوق الانسان والباحثين والمعارضين. نحن المواطنين العزل عاشقي الحرية.
هل يمكن ان تكون هذه البداية لمسار يجعل الشركات كما الحكومات تحت المحاسبة؟
هل يأتي اليوم الذي نشعر فيه بأننا أقل حاجة للنظر وراء ظهورنا، أو على شاشات هواتفنا، من دون ريبة؟ هل يأتي يوم نشعر فيه باننا حقاً آمنين داخل منازلنا؟
هذا هو صلب الموضوع.
الموضوع ليس فقط قضية شركة إسرائيلية تبيع برامج لديكتاتوريات المنطقة التي تقمع وتقتل معارضيها.
الموضوع هو أنه من الجنون ان تكون مثل هكذا أسلحة متوفرة وبغطاء قانوني، لأي جهة لا تجد مشكلة باستخدام العنف كحل لإلغاء أعدائها، أياً كان المعنيون من كلا طرفي المعادلة.
أخجل من شعوري ولكنني أعترف لنفسي بأنني فعلاً غير قادرة على التعامل مع خسارة شخصية في هذه المرحلة. ليس بعد.
المعلومات التي كشفها مشروع بيغاسوس، على أهميتها، ليست مفاجئة. لا سيما بالنسبة إلى للصحافيين في الشرق الاوسط أو ممن عملوا في هذه المنطقة.
إن لم تكن السعودية والإمارات تستخدمان التكنولوجيا الاسرائيلية للتجسس عليك، فهي ايران أو “حزب الله” عبر تكنولوجيا صينية او روسية، وإن لم يكن أي من هؤلاء، فهي حكومة بلادك، تتجسس عليك وهي مستعدة لمشاركة أي معلومات لديها مع أي طرف مهتم ويستطيع أن يدفع ثمناً.
هشام الهاشمي، كان واحداً من أكرم وأنشط الباحثين الذين أتيحت لي فرصة العمل معهم. حبه للعراق كان فوق كل شيء. قتل أمام منزله وسقط أمام أعين ابنيه اللذين خرجا للقائه عندما سمعا صوت سيارته تقترب.
لقمان سليم، أمضى عقوداً يحفظ أرشيف الحرب الاهلية اللبنانية تحت شعار “كي لا تتكرر”. أسس “أمم” وبنى الهنغار في منزل عائلته في الضاحية الجنوبية التي رفض أن يتركها ل”حزب الله”. لم يتوقف يوماً عن المعارضة ولا عن الكلمة الحرة حتى لما وصل التهديد المباشر الى جدران منزله. هو أيضاً أنهته رصاصات في الرقبة.
هنا لا يهم أي شر تُعارض. فأنت تعيش متأكداً من أن هناك من يتجسس عليك وأنك انت أيضاً في يوم ما قد تصبح هدفاً.
تعيش مع الفكرة وتعيش مع الشعور بالمسؤولية لأن خياراتك لا تعرضك للخطر وحدك، ولكن تعرض أكثر من تحبهم للخطر.
تعيش مع الخوف لكنك تستمر، لأنك لا تريد لمن تحبهم أن يعيشوا في عالم لا يسمح للشر بأن ينتصر في كل مرة، وألا يبقى فوق المحاسبة.
درج
———————————
تسريبات “بيغاسوس”- آذربيجان: صندوق حديد ربما يحمي خديجة من التجسس/ ميراندا پاتروسيك وكيلي بلوس
بينما تتفاخر مجموعة «إن إس أو» بتطويرها لأفضل تكنولوجيا من نوعها لمساعدة الحكومات على كشف الأعمال الإرهابيّة والجرائم ومنعها، تُظهِر قائمة الضحايا الآذربيجانيين كيف أسيء استخدام البرنامج بشكلٍ منهجي.
هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
في أيار/ مايو من هذا العام، سافر ثلاثة من كبار محرّري «مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد» (OCCRP) إلى مدينة أنقرة لمقابلة امرأة لم يلتقوا بها منذ سنوات.
خديجة إسماعيلوفا هي الصحافية الاستقصائية الأكثر شهرةً في آذربيجان، وهي زميلة قديمة وصديقة حميمة. هي بمثابة فرد من العائلة. بسبب نشاطاتها الرائدة، أمضت خديجة 18 شهراً في السجن، تلتها خمس سنوات من حظر السفر. لكنها الآن أصبحت أخيراً حرّة.
طالت ليلة الاحتفال التي كانت أشبه بوليمةٍ كبرى ومائدةٍ من السّلطات والأسماك المشوية والمقبلات التركية. كانت خديجة قد أعدّت طبق «دولما» التقليدي- ورق العنب المحشو بلحم البقر- وأحضرته من آذربيجان خصيصاً لهذه المناسبة.
روت إسماعيلوفا قصصاً عن فترة سجنها: كيف رفضت تناول المسكنات من سجّانيها بعدما اقتلع طبيب السّجن سنّها، وكيف تغلّبت على النساء الأخريات- من ضمنهنّ المجرمات المحترفات- من خلال مشاركة الطعام والنصائح. (كانت بمثابة “طبيبتهنّ النفسية”، على حد تعبيرها). كانت هناك أيضاً قصص أحدث وأكثر حزناً، إذ قُتِلَ ابن أخيها، وهو شاب لا يتجاوز الـ21 سنة، في الحرب التي وقعت العام الماضي مع أرمينيا.
لكن خلف الابتسامات والدموع، كان يسود جوٌّ من التوتّر. فلمدّة أشهر، كان محرّرو «مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد» قد أخفوا معلومات مهلكة عن إسماعيلوفا، وكان الوقت قد حان لإخبارها عن السبب الحقيقي لوجودهم هناك.
منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، تم استهداف هاتف خديجة المحمول بواسطة «بيغاسوس»، وهو برنامج تجسّسي شديد التعقيد وذات قدرات مرعبة. إذ يستطيع البرنامج تسجيل المكالمات الهاتفية وقراءة الرسائل النصية والولوج إلى الصوَر وكلمات المرور وتتبع بيانات «نظام التّموضع العالمي» (GPS) وإجراء تسجيلات صوت وفيديو بشكلٍ سِرِّيّ. بدون أدنى إشارة إلى أي خطب، يستطيع برنامج «بيغاسوس» نقل كل هذا إلى مشغّليه السّريّين.
قامت بتطوير هذا البرنامج مجموعة «إن إس أو»، وهي شركة مراقبة إلكترونية إسرائيلية باعت البرنامج للحكومة الآذربيجانية، وهي من عشرات زبائنها الجُدُد حول العالم.
خديجة ليست الوحيدة. فقد تم استهداف مئات الصحافيين والنشطاء من جميع أنحاء العالم بواسطة هذا البرنامج. وقد تم التعرف إلى أسمائهم من خلال تسريب لأكثر من 50000 رقم هاتف تم اختيارها من قبل 12 من عملاء مجموعة «إن إس أو». حصلت على هذه القائمة «منظمة العفو الدولية» ومنظّمة «فوربيدن ستوريز»، وشاركتاها مع «مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد» و 16 وسيلة إعلامية أخرى.
لكن بالنسبة إلى إسماعيلوفا، كان الشاغل الرئيسي في الوقت الحالي هو ما إذا كانت قد كشفت أو فضحت أي شخصٍ آخر.
فكّرت في الأمر طوال الليل، في محاولة منها لتذكر محتوى ما أرسلته ولمن من الأشخاص.
قالت في اليوم التالي: “إنه أمرٌ مريع، فأنت تجعل من الجميع هدفاً”.
خديجة إسماعيلوفا
“أفراد عائلتي هم أيضاً مستهدفون. كذلك الأمر بالنسبة إلى المصادر التي أتعامل معها والأشخاص الذين كنت أعمل معهم، وجميع من أخبروني بأسرارهم الخاصة. جميعهم مستهدفون”.
يشكّل هذا الإدراك- بأن المراقبة الحكومية السرية لا تؤثر في الشخص المُراقَب فقط، بل تطاول شبكة كاملة من الأصدقاء والأحباء والزملاء المحيطين به- أحد الاكتشافات الرئيسية لـ«مشروع بيغاسوس».
إنما هناك آخرون. تتمتّع مجموعة «إن إس أو» بسريّةٍ عالية جداً لدرجة أنه- وعلى رغم الاشتباه بالأمر منذ فترة طويلة- لم يتم التأكد حتى الآن من أن الحكومة الآذربيجانية هي بالفعل واحدة من زبائن الشركة. تُظهِر أرقام الهواتف الآذربيجانية التي تتعدّى الألف رقم، والمُدرَجة في القائمة المُسرَّبة، وبدقّةٍ وخصوصيّة تقشعر لها الأبدان، الهدف من استخدام هذا البرنامج.
أمضى الصحافيون شهوراً في تحديد هوية الأشخاص الذين يملكون تلك الأرقام، ونجحوا في التحقق من ربعهم تقريباً.
ما أدركوه كان صادماً. إذ بينما تتفاخر مجموعة «إن إس أو» بتطويرها لأفضل تكنولوجيا من نوعها لمساعدة الحكومات على كشف الأعمال الإرهابيّة والجرائم ومنعها، تُظهِر قائمة الضحايا الآذربيجانيين كيف أسيء استخدام البرنامج بشكلٍ منهجي. تنتمي جميع الأرقام التي حدّدها الصحافيون، باستثناء عددٍ قليلٍ منها، إلى صحافيين ونشطاء ومحامين وأعضاء ينتمون إلى المعارضة الصغيرة والمحاصرة في آذربيجان.
وجد نظام الرئيس إلهام علييف في برنامج مجموعة «إن إس أو» حليفاً قوياً في حملته التي استمرت لسنوات من الترهيب والقمع والإرهاب.
ليس معروفاً متى بالضبط أصبحت آذربيجان واحدة من عملاء مجموعة «إن إس أو». بدأ الاستهداف للمرة الأولى في أواخر عام 2018، وتسارع في الربيع الذي تلاه، تماماً وبالتزامن مع موجة الاحتجاجات والمطالبات بالحرية السياسية في البلاد.
خديجة إسماعيلوفا هي واحدة من أشد المدافعين عن الحرية والديموقراطية في بلادها. لكن في الوقت الحالي، كل ذلك أصبح في الخلفية.
أثناء تصفّحها القائمة التي تضم أكثر من 1000 رقم هاتف آذربيجاني مستهدف، تعرّفت خديجة، رقماً تلو الآخر، إلى أرقام ابنة أخيها، وصديق لها، وسائق “التاكسي” الخاص بها.
“هو أيضاً!”، لا تنفك تنهمر الدموع من عينيها، “هي أيضاً!”.
تُظهر البيانات التي حصل عليها «مشروع بيغاسوس» أنه تم اختيار أكثر من 1000 رقم هاتف آذربيجاني للاستهداف في عامَي 2018 و2019.
لطالما أصرّت مجموعة «إن إس أو» على أنها تبيع برنامج «پيغاسوس» للحكومات فقط، ما أدى إلى استنتاج مفاده أن مشغل البرنامج هو الدولة الآذربيجانية. لكن، وعلى رغم زَعم الشركة أنه يُسمَحُ لعملائها باستهداف المجرمين والإرهابيين بشكلٍ حصريّ، إلّا أن تحقيق «مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد» يظهر أن الواقع مختلف تماماً.
من بين 250 رقماً آذربيجانياً مستهدفاً، كانت الفئة الأكبر من الصحافيين، مع ظهور 59 رقماً لمراسلين صحافيين ومحرّرين وأصحاب شركات إعلامية.
قد لا يكون هذا الأمر مفاجئاً بالنسبة إلى النشطاء في مجال مراقبة حقوق الإنسان وبالنسبة إلى المنظمات الدولية التي لطالما أدانت حكومة الرئيس إلهام علييف لقمعها حرية الصحافة منذ سنوات.
لكن نطاق التّجسُّس كان صادماً.
إضافة إلى إسماعيلوفا – التي يمكن اعتبارها هيئة إعلامية كاملة في حد ذاتها – فإن أحد أشهر مصادر الأخبار الآذربيجانية المستقلة هو «ميدان»، وهي شبكة بث رقمية على الإنترنت تصل إلى جمهورها بشكل أساسي من خلال مواقع مثل “يوتيوب” و”فايسبوك”، حيث يصل عدد متابعيها إلى أكثر من 700 ألف مشاهد.
في أعقاب حملة القمع الواسعة النطاق التي حصلت عام 2013، قرّر مؤسّسو شبكة «ميدان» إنشاء المقر الرئيسي لمنظمتهم في العاصمة الألمانيّة برلين، على رغم اعتمادها على المراسلين المحليين والصحافيين المستقلين الذين يتعيّن عليهم غالباً العمل سِرّاً.
إحدى أشهر مراسلات شبكة «ميدان» وصديقة مقرّبة لخديجة إسماعيلوفا، هي امرأة شابة تُدعى سيفينج فاكيفكيزي، ظَهَرَ رقم هاتفها في القائمة المسربة. ونظراً لوجودها حالياً في برلين في إطار بعثةٍ دراسيّة، تمكّن أعضاء «مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد» من مقابلتها بهدف إجراء تحليل جنائي لهاتفها.
تماماً كما هو الحال مع خديجة، كان هاتف سيفينج مملوءاً بآثار برنامج «پيغاسوس». في الواقع، لقد تجاوزت نتائج التحليل الجنائي الفترة التي تغطيها البيانات، التي أظهرت أن هاتفها كان مُخترقاً على الأقل حتى شهر أيار/ مايو 2021.
الهواتف والأدلّة الجنائيّة
تم اختيار 1000 رقم آذربيجاني في القائمة المسربة لاستهدافها بواسطة برنامج «بيغاسوس». لكن، وجود رقم هاتفي في القائمة لا يعني في حد ذاته أن الهاتف قد تعرّض بالفعل للاختراق.
أجرى مختبر الأمن التابع لـ«منظمة العفو الدولية» تحليلات جنائيّة مفصّلة على هاتفين موجودين في القائمة – خديجة إسماعيلوفا وسيفينج فاكيفكيزي – ووجد أن كلاهما مُخترق بالفعل ببرنامج «پيغاسوس».
كجزء من تحقيق «مشروع پيغاسوس»، تم إجراء تحليلات على هواتف من دول أخرى أيضاً. من بين أجهزة «iPhone» الـ41 التي احتفظت ببيانات خلال الفترة الزمنية نفسها، تم العثور على 35 جهازاً مُختَرَقاً، وهو معدل إيجابي بنسبة 85 في المئة.
راجعوا «الأسئلة المتكرّرة» لمزيد من المعلومات حول المشروع والبيانات المرتبطة به وكيفيّة ارتباط التحليل الجنائي بمجموعة «إن إس أو».
أدركت سيفينج فاكيفكيزي منذ فترة طويلة أنها كانت تحت المراقبة. تم اعتقالها وفُرِضَ عليها حظر السفر وتعرضت للأذى بسبب تقاريرها الصحافيّة.
تقول: “اعتقدت أن جهاز الأمن التابع لنا كان يتابع مكالماتنا الهاتفية بغية الحصول على معلوماتنا، ولكنني لم أتخيل أبداً أنهم يتتبّعون جميع خطواتي على الإنترنت وأن بإمكانهم الحصول على صُوَري الخاصة وقائمة الأرقام الهاتفيّة الخاصة بي”.
مثل خديجة، كان شاغلها الرئيسي هو إمكانيّة تعريضها الآخرين للخطر، بخاصة في ما يتعلق بزملائها في شبكة «ميدان». وبما أن المنظمة تخضع للتحقيق الجنائي في آذربيجان، فإن الكشف عن أسماء زملائها قد تكون له عواقب وخيمة.
كما اتضح، كان أربعة من زملائها الحاليين والسابقين، بمن فيهم المحرر المقيم في باكو أينور إلغوناش، موجودين في قائمة الأرقام المستهدفة من برنامج «بيغاسوس».
صحافيون في الشُّعَيرات المتصالبة
من ضمن الجهات المستهدفة أيضاً عدد من غرف الأخبار الكبرى، منها إذاعة أوروبا الحرة / راديو ليبرتي، وهيئة الأخبار المحلية «آزادليك»، وخورال.
إذاعة أوروبا الحرة / راديو ليبرتي
لطالما كانت إذاعة أوروبا الحرة / راديو ليبرتي، وهي شبكة إخبارية تمولها الولايات المتحدة وتبثّ تقارير في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق، مصدراً مهماً للصحافة المستقلة في آذربيجان. تَظهَر في القائمة المُسربة أرقام أربعة من مراسليها الحاليين والسابقين.
تخضع خدمة اللغة الآذربيجانية «آزادليك راديوسو» لرقابةٍ صارمة وبشكلٍ متزايد منذ عام 2008.
كانت خديجة إسماعيلوفا واحدة من مراسلات هذه الهيئة في «باكو». تقول: “لقد كشفنا عن تزوير حصل في الانتخابات الرئاسية عام 2008، وتلقّينا تهديدات مفادها أن الحكومة لم تكن راضية عن ذلك”.
في ذلك العام، تم حظر الخدمة من الترددات المحلية إلى جانب محطات البث الأجنبية الأخرى. وعام 2014، داهمت الشرطة مكتب الهيئة في باكو ليتم إغلاقه في ما بعد. تستمر الهيئة في مزاولة عملها كموقع على شبكة الإنترنت حتى يومنا هذا، على رغم حظر الموقع في آذربيجان منذ عام 2017.
Azadliq.info
كما يوجد على قائمة برنامج «بيغاسوس» 10 صحافيين حاليين وسابقين في موقع «آزادليك»، أول صحيفة مستقلة في البلاد. وفي حالة أحد المراسلين، ظهرت في القائمة ثلاثة من أرقامه.
تم إغلاق «آزادليك» بأمر من المحكمة عام 2015. ولم يكن موظفو الصحيفة وحدهم هم الذين تعرّضوا للقمع الشديد، بل استهدف القمع أيضاً أفراد عائلاتهم.
خورال (أو غيره)
إضافة إلى الصحافيين، حدّد «مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد» أسماء 18 ناشطاً أذربيجانياً أو أفراد عائلاتهم الذين تم اختيارهم للاستهداف. ومن المعروف أن الاستهداف بدأ عام 2018، أي العام الذي شهد بداية فترة مضطربة في البلاد. على رغم الأعمال القمعيّة المتكرّرة التي نفّذها النظام، اندلعت احتجاجات جماهيرية ودعوات للإفراج عن السجناء السياسيين في أواخر 2018 و 2019.
على رغم أن التظاهرات حققت بعض النجاح الذي تجلّى في إطلاق سراح الكثير من السجناء السياسيين بموجب عفو رئاسي، بدا النظام حريصاً على إبقاء أعدائه تحت المراقبة.
عين الحكومة على النشطاء الآذربيجانيين
وظهرت أسماء بعض أشهر معارضي النظام الآذربيجانيين على قائمة «بيغاسوس» المستهدفة المسربة.
مِهمان حسينوف
تم إلقاء القبض على مِهمان حسينوف، وهو مدوّن معروف في مجال مكافحة الفساد، وتعرض للتعذيب والسجن بتهم تشهير وافتراء مُلفَّقة عام 2017.
في العام التالي، وقبل شهرين من انتهاء فترة سجنه، وجهت السلطات تهماً مُلفَّقة جديدة ضد حسينوف، زاعمة أنه اعتدى جسدياً على أحد حُرّاس السجن.
نفى حسينوف الاتهامات وأعلن إضرابه عن الطعام احتجاجاً على ذلك. وسرعان ما انضم إليه سجناء سياسيون آخرون تضامناً معه، ولاقت القضية اهتماماً وانتباهاً واسع النطاق. وفي أوائل عام 2019، خرجت تظاهرات في شوارع العاصمة باكو للمطالبة بالإفراج عنه. في النهاية، أسقطت التهم الجديدة الموجهة إليه وأفرج عنه في شهر آذار/ مارس بعدما كان أمضى مدة العقوبة الأصلية كاملة. تم استهداف حسينوف بواسطة برنامج «بيغاسوس»
بعد أسابيع فقط من إطلاق سراحه.
سَجينا الغرافيتي
بعد فترة وجيزة من إطلاق سراح مِهمان حسينوف، تم إطلاق سراح شابَّين معروفَين على نطاق واسع باسم «سَجينّي الغرافيتي» من السجن. كان كلٌّ من بيرم محمدوف وجِياس إبراهيموف قاما بِرَشّ كتابات غرافيتي مناهضة للنظام على أحد تماثيل والد الرئيس علييف، ووُجِّهت إليهما تهمة حيازة المخدرات في قضية وصفتها جماعات حقوقية دولية بأنها قضيّة ذات دوافع سياسية.
بعد ذلك، استهدف برنامج «بيغاسوس» بيرم محمدوف ووالده، ووالدة جِياس إبراهيموف.
وعلى رغم أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان كانت أمرت الحكومة الآذربيجانية بمنح الشابَّين تعويضات عن انتهاك حقوقهما، إلا أن نهاية القصة لم تكن سعيدة. عندما كان في السادسة والعشرين من عمره فقط، غرق بيرم محمدوف في تركيا التي زارها بهدف تعلّم اللغة الإنكليزية.
الاستبداد الرقمي
إضافة إلى برنامج «پيغاسوس» التابع لمجموعة «إن إس أو»، تمتلك الحكومة الآذربيجانية أدوات كثيرة تحت تصرفها.
“يريدون أن يتحكموا في كل شيء”، تقول أرزو جيبولاييفا، وهي صحافية ومؤسِّسة موقع «آذربيجان إنترنت ووتش» الرقمي الذي يتعقب ويرسم خرائط الترصُّد والرقابة على الإنترنت في البلاد.
تقول جيبولاييفا إنه منذ حملة القمع عام 2008، لاحظت أن الحكومة راحت تستخدم مجموعة متزايدة من تقنيات المراقبة المتطورة، كما قامت بتوثيق العشرات من حالات إساءة الاستخدام.
تقول: “كانوا يملكون أموالاً حينها، وقد أنفقوا الكثير منها على تكنولوجيا المراقبة، وهي ليست برخيصة”.
في إحدى الحالات، قامت الدولة بتركيب «صناديق سود» على المعدات التابعة لشركة «Azercell»، وهي شركة مشغلة للهواتف المحمول كانت تملكها شركة الاتصالات السويدية العملاقة «تيلياسونيرا». سمحت تلك الصناديق للسلطة بمراقبة حركة الإنترنت والمكالمات الهاتفية مباشرةً وفي الوقت الفعلي، مع تحديد هوية عشرات الأشخاص الذين تجرأوا على التصويت لأرمينيا، المنافس الإقليمي لآذربيجان، في مسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجن» لعام 2009. يتذكر أحدهم أنه قيل له: “ليس لديك أي إحساس بالفخر العرقي! كيف صوّتت لأرمينيا؟”.
على رغم الإقرار بأنها حكومة قمعية، فقد تمكنت آذربيجان من الحصول على أحدث تقنيات المراقبة من شركات استخباراتية وأمنية رائدة حول العالم، من ضمنها «فيرينت سيستم»، «ساندفاين» الكندية، وشركة «آلوت كومونيكايشن» الإسرائيلية.
مدى واسع من القدرات
طويلةٌ هي قائمة منتجات المراقبة الاقتحاميّة التي حصلت عليها الحكومة الآذربيجانية.
كشف تحقيق أجرته شركة «سيتيزن لاب» عام 2014 عن حيازة الحكومة الآذربيجانية برنامج يُسمّى «دا فينتشي»، طوّرته شركة استخبارات إلكترونية إيطالية تُدعى «هاكينغ تيم». على غرار برنامج «إن إس أو» – ولكنه مخصّص لأجهزة الكمبيوتر بدلاً من الهواتف المحمولة – يسمح هذا المنتج للنظام بتسجيل الرسائل الفورية والمحادثات الصوتية وسرقة كلمات المرور وسِجِلّ تصفح المواقع الإلكترونيّة، وحتى تفعيل كاميرا الويب.
قامت الحكومة الآذربيجانية أيضاً بشراء نظام الفحص العميق للحُزم (Deep Packet Inspection) من شركة «فيرينت سيستم» الإسرائيلية الأميركية. تسمح هذه التقنية بالتنصت الرقمي على حركة الإنترنت من خلال نقطة تفتيش، ما يتيح مراقبة الاتصالات في الوقت الفعلي. كما ذكرت صحيفة “هآرتس”، سأل زبون آذربيجاني أحد موظفي الشركة السابقين عن كيفية استخدام النظام “للتحقق من الميول الجنسية عبر موقع فايسبوك”.
كما اشترت الحكومة أيضاً الكثير من المنتجات الأخرى التابعة لنظام الفحص العميق للحُزم، بما في ذلك منتج من شركة كندية تُدعى «ساندفاين» وآخر من شركة «آلوت كومونيكايشن» الإسرائيلية. تم شراء الأخير قبل انعقاد دورة الألعاب الأوروبية في مدينة باكو عام 2015.
وكشف تحقيق أجري عام 2017 أن آذربيجان قامت أيضاً بإنشاء برنامج ضار خاص بها يسمى «AutoItSyp»، والذي يستخدم في هجمات التصيد الاحتيالي (أي الخداع الإلكتروني).
تقول جيبولاييفا: “أثبتت الحكومة أنها ليست مجرد حكومة استبدادية تقليديّة، بل هي في الواقع حكومة استبدادية رقمياً. يريدون الحصول على علامات تبويب جميعها واستخدام تلك المعلومات”.
الإكراه عن طريق العار
في آذربيجان، تتعرّض النساء اللواتي يواجهن النظام مخاطر شخصية بالغة الخطورة.
هناك تكتيك متكرر يتم استخدامه بشكلٍ متكرّر من قبل عملاء الحكومة في السنوات القليلة الماضية، ويتمثّل في طرد النساء المعارضات من المجال العام من خلال التشهير الجنسي.
ومن آخر الضحايا كانت الناشطة والصحافية فاطمة موڤلاملي، التي أصبحت واحدة من أشد المنتقدات للنظام، عندما كانت لا تزال في سن المراهقة. اكتسبت موڤلاملي متابعة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب احتجاجاتها الجريئة والابتكاريّة.
تقول: “أردت أن يراني شخص ما من الجانب الآخر ويقول “آه، الاحتجاج ممكن! عليّ أن أحتجّ أنا أيضاً”.
في نيسان/ أبريل 2019، نُشرت صُوَر موڤلاملي الحميمة ومقطع فيديو لها وهي ترقص على كرسي بملابس كاشفة، وتم تعميمها في حملة منظّمة.
تقول: “في عمرٍ لم أكن أدرك فيه تماماً أنني امرأة، شعرت بالخجل لأنني أمتلك جسداً أنثوياً وأن الناس نظروا إليّ عارية”.
حتى إنها فكرت في الانتحار. “في هذا البلد، حُكم على المرأة أن تعيش في حدود ما يريده الرجل، ويمكن أن يقتل الرجل المرأة ويعدمها لمجرد أنه رأى جسدها”.
شَكَّت موڤلاملي في أن السلطات حصلت على صورها عام 2018، عندما اختطفها عملاء حكوميون يرتدون ملابس مدنية واحتُجزت في مكانٍ انفراديّ لخمسة أيام. تعرضت موڤلاملي للضرب وأُجبِرَت على الإدلاء برمز المرور الخاص بها.
ما لم تكن تعرفه فاطمة آنذاك هو أنه قبل شهر من نشر صورها، كان تم استهدافها بواسطة برنامج «بيغاسوس».
في قضية بارزة أخرى، أدت تكتيكات السلطات إلى فضّ زواج إحدى الشابات ودفعها للقيام بمحاولة انتحار.
إلكين رستم زاده ناشط شاب وعضو قيادي في حركة «آزاد جينكليك» (الشباب الحُرّ) المؤيدة للديموقراطية. منتقدٌ صريحٌ للحكومة، استخدم رستم زاده وزملاؤه النشطاء وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم احتجاجات سلمية.
عام 2014، حُكم عليه بالسجن 8 سنوات بتهمة «تنظيم الفوضى».
لكن، وعلى رغم حصوله على عفوٍ عام 2019، إلا أن متاعبه لم تنتهِ. ففي آذار/ مارس 2020، تم التواصل مع إلكين عبر موقع “فايسبوك”، وبواسطة حسابٍ مجهول لتهديده بنشر صور فاضحة ومسيئة لأمينة، زوجته الجديدة. قال له صاحب الحساب المجهول إن السبيل الوحيد للخروج من هذه الورطة هو رفض عريضة تطالب الحكومة بتقديم المساعدة الاجتماعية للأشخاص المتضررين من جائحة “كورونا”.
بعد رفض رستم زاده ذلك، نُشرت صور أمينة مع اسمها ورقم هاتفها على أحد مواقع المرافقات مقابل أجر.
تلت ذلك موجة من القصص التي نشرتها الصحافة الموالية للحكومة، مع عناوين مثل «إلكين رستم زاده تزوج فتاة لها ماضٍ»، و«زوجة رستم زاده لم تكن عذراء».
في ذلك الصيف، تناولت الشابة حبوباً منوّمة محاولة الانتحار. وبحسب رستم زاده، قام الشخص المجهول ذاته- الذي عرّف عن نفسه بـ«ممثّل عن وزارة الداخليّة”- بتهديد الزوجين مرة أخرى، وكتب «إذا لم يصمت إلكين، فإن ما حدث سابقاً سيحدث مرة أخرى».
طبعاً، تم نشر المزيد من صور فاطمة في مقاطع فيديو على “يوتيوب” و”إنستغرام”. وعلى نحوٍ أحمق أُريدَ من خلاله محاكاة المعايير الغربية، أظهروا الشابة على الشاطئ مرتدية ثوب سباحة وهي تقبّل عشيقها السابق. لكن في آذربيجان المحافظة، كان الضغط الاجتماعي الذي أعقب ذلك شديداً لدرجة دفعت بالزوجين إلى الانفصال.
كتب إلكين على “فايسبوك”: “ما حصل سمّم علاقتنا. لقد أصبح من المستحيل تحمل هذا التّرويع المتواصل. لذلك قررنا الانفصال”.
قالت أمينة رستم زاده لـ«مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد»: “لقد أدانوني بتهمة الإضرار بسمعة العائلة، وكان رد فعل عائلة زوجي السابق سلبيّة للغاية. كانت عائلتي مستاءة للغاية أيضاً”.
ليس هناك ما يشير إلى أن تسريبات صور أمينة كانت مرتبطة بمجموعة «إن إس أو» أو ببرنامج «بيغاسوس». ولكن في أعقاب طلاقها، سُرِّبَت محادثات كانت قد أجرتها مع آخرين حول ما يحصل لها، ونُشِرَت على الإنترنت، ما دفعها للشك في أن هاتفها قد تعرض للاختراق.
تقول: “لقد تحدثت إلى الكثير من الأشخاص لدرجة أنني لا أستطيع حتى أن أتكهّن من الذي قام بالتّسريب. هل سجّلوا المحادثات من هاتفي مباشرةً؟ أم بينما كنت أتحدّث مع أحدهم وجهاً لوجه؟ ربما تم اختراق هاتفي”.
لم يظهر رقم أمينة رستم زاده في القائمة المُسرَّبة، وعلى رغم أن البيانات لا تغطي عام 2020، فإن رقمَي إلكين ووالده مدرجَان في القائمة.
بالنسبة إلى خديجة إسماعيلوفا، التي عانت هي نفسها من التشهير العام المهين لحياتها الشخصية، فإن كل حالة من هذا القبيل هي تذكير بمدى أهمية أن تكون أدوات الاتصال الرقمية “آمنة وبعيدة من أعين الحكومة”.
تقول: “في كل مرة (يتم اختراق شخص ما) كنا نفكر في ذلك. إلى جانب إلقاء اللوم على الحكومة، كنا نفكر أيضاً في الحفاظ على خصوصية اتصالاتنا وربما استخدام أدواتنا الخاصة. ورحنا نوصي بعضنا باستخدام هذا التطبيق أو ذاك”.
“وبالأمس أدركت أنه لا سبيل لذلك. ما لم تحبس نفسك في الخيمة الحديدية، فلن يكون هناك أي طريقة تمنعهم من التدخّل”.
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Daraj – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
درج
—————————————
“تسريبات بيغاسوس”: التنصت جزء من العلاقات المصريّة – السعوديّة/ هلا نهاد نصرالدين
على رغم التحالف القوي بين الدولتين، خصوصاً بعد وصول الرئيس عبد الفتّاح السيسي إلى سدّة الرئاسة عام 2014، إلّا أنّ المملكة العربية السعوديّة تتبع سياسية اللاثقة بالحلفاء والأعداء على حدّ سواء.
هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
على رغم الادعاءات المصريّة والسعوديّة بعمق العلاقة والتحالف بين الدولتين، الّا أنّ الأحداث وراء الكواليس تبيّن غير ذلك، خصوصاً التسريبات الأخيرة التي تكشف شراء المملكة العربية السعوديّة برنامج Pegasus الإسرائيليّ من شركة NSO الخاصة، لمحاولة التنصّت على أرقام وزراء مصريين بداية من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وصولاً إلى المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة المصريّة السفير أحمد حافظ، ومروراً بوزراء العدل والاتصالات والمال والخارجيّة.
كشفت تسريبات في سياق مشروع “بيغاسوس”، هو مشروع تعاوني استقصائي يشارك فيه أكثر من 80 صحفياً من 17 مؤسسة صحافيّة منها موقع “درج” في 10 دول، أنّ السلطات السعوديّة حاولت التنصّت على الكثير من الأرقام المصريّة التابعة لوزراء في الحكومة. وتنسّق المشروع منظّمة Forbidden Stories مع مساعدة تقنيّة من Amnesty International’s Security Lab.
لم تحدّد التسريبات والوثائق ضمن مشروع “بيغاسوس” (“The Pegasus Project”) عمّا إذا نجحت هذه المحاولات، أو ما هدف المراقبة أو “الاستهداف”، وبالتالي لا يمكن التأكّد من أسباب التنصت على الوزراء في مصر، إلّا أنّ الفترة الزمنيّة التي تمّ استهدافهم بها لها دلالاتها، فمعظم الوزراء تمّت مراقبتهم في الجزء الأخير من آذار/ مارس 2019، أي الفترة التي انشغلت بها دول العالم العربي بالقمّة العربية في تونس.
وتضمّنت التسريبات أرقاماً وأسماء لقيادات مصريّة الّا أنّ فريق التحقيق لم يتمكّن من التأكّد من كلّ الأسماء والأرقام خصوصاً أنّ الأمنيين يغيّرون أرقامهم بشكلٍ مستمرّ.
ولكن تمكّنا من التحقّق من بضع هذه الأرقام، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ ورود هذه الأرقام بالتسريبات يؤكّد محاولة استهدافهم، ولكن قد لا يعني بالضرورة التمكّن من اختراق الهواتف. وعلى هذا الأساس، من الواضح أنّ السلطات في المملكة العربيّة السعوديّة حاولت اختراق هواتف كلّ من:
– مصطفى مدبولي: وهو رئيس الوزراء المصري منذ عام 2018. قام بمهمات القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء بين عامي 2017 و2018. وشغل سابقاً منصب وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانيّة (2014 – 2019) وذلك لحيازته دكتوراه في الهندسة المعماريّة عام 1997.
هذا فضلاً عن تولّيه مراكز مرموقة ومهمّة أبرزها: رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني في وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانيّة بين 2009 و2011.
– محمد معيط: وزير الماليّة منذ عام 2018. شغل بين 2016 و2018 منصب نائب وزير الماليّة لشؤون الخزانة العامة. حاصل على دكتوراه في العلوم الاكتوارية منذ عام 2003.
– حسام عبد الرحيم: وزير العدل أيضاً منذ عام 2018. تدرّج في الكثير من المناصب في مسيرته. شغل منصب رئيس محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى منذ عام 2014 ولمدّة عام. كما كان رئيساً لمحكمة القيم وعضواً في اللجنة العليا للانتخابات خلال عملية الإشراف على الاستفتاء الشعبي على دستور 2014. حاصل على إجازة في الحقوق عام 1966.
ويلعب القضاء دوراً مهمّاً كأحد أبرز أركان الدولة العميقة في مصر للحفاظ على النظام القائم ودحض أي تغيير محتمل.
ومن ينسى أنّ القضاء كان مشكلة أساسيّة اصطدم بها الإخوان المسلمون في ولايتهم القصيرة. فأصدر الإخوان عندها مرسوماً لخفض سن التقاعد عند القضاء من 70 إلى 60 عاماً ممّا كان من شأنه عزل حوالى 3000 – 3500 قاضٍ من مناصبهم في خطوة وصفت بأنها محاولة من جماعة الاخوان لعزل القضاة الأطول خدمة وهم أكثر الموالين لحكم الرئيس السابق حسني مبارك. إضافة إلى ذلك، تضمنت التعديلات تقييد الخطاب السياسي للقضاة والحق في الإضراب، وأثارت هذه التعديلات غضباً عارماً بين القضاة الذين خرجوا إلى الشوارع في أواخر أيّار/ مايو 2013 أي قبل انقلاب 3 تمّوز/ يوليو 2013 بقيادة المشير عبد الفتّاح السيسي.
– ياسر القاضي: وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق. شغل مناصب إداريّة مرموقة في مسيرته التي تمتدّ لنحو 30 عاماً في قطاع تكنولوجيا المعلومات. من أبرز المراكز التي تبوأها:
ياسر القاضي
أ- المدير الإقليمي لشركة “أتش بي” العالمية في أفريقيا والشرق الأوسط (وشغل منصب المدير التنفيذي للشركة في مصر).
ب- الرئيس التنفيذي لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ايتيدا) التابعة لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ت- المدير الإداري لأول مشغّل اتصالات في مصر “أوراسكوم آي آي إس” (1994 – 1999).
ث- المدير العام لشركة “الجريسي” في المملكة العربية السعودية والكويت (1991 – 1994).
لم يكن القاضي وزيراً عندما تمّ استهدافه من قبل المملكة ببرنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي، ما يطرح علامات استفهام حول الهدف وراء استهدافه.
– سامح شكري: وزير الخارجية منذ عام 2014 أي في أول حكومة بعد رئاسة السيسي. شغل شكري سابقاً مناصب ديبلوماسيّة عدة أبرزها سفير مصر في الولايات المتّحدة الأميركيّة (2008- 2012).
هذا إضافة إلى استهداف السفير أحمد حافظ بالبرنامج الالكتروني نفسه، وهو المتحدث باسم وزارة الخارجية المصريّة.
ومن خارج الحكومة، خضع للمراقبة السعودية أيضاً السياسي المصري موسى مصطفى موسى وهو يشغل منصب رئيس “حزب الغد” منذ عام 2005. والجدير ذكره أنّ موسى كان المرشّح الوحيد الذي قدّم ترشّحه في الدقيقة الأخيرة لمواجهة الرئيس السيسي في، “انتخابات” الرئاسة المصريّة عام 2018.
القمّة العربيّة في تونس
عُقدت القمّة العربيّة بنسختها الثلاثين في تونس في 31 آذار 2019، ومن المرجّح أنّها السبب الرئيسي وراء استهداف المملكة العربية السعودية لمعظم الوزراء المصريين في تلك الفترة تحديداً.
وبرزت مواقف كثيرة خلال القمّة أبرزها مغادرة أمير قطر تميم بن حمد القمّة وتونس من دون الإدلاء بكلمته وذلك بعد حضوره الجلسة الافتتاحيّة التي تضمّنت كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربيّة المصري أحمد أبو الغيط الذي انتقد “تدخّلات الجيران”، تحديداً تركيا وإيران، في شؤون العرب الداخليّة، معتبراً أنّ هذا ساهم في مفاقمة الأزمات الإقليميّة وخلق مشكلات جديدة. وبناءً على ذلك، شدّد على رفض “هذه التدخلات وما تحمله من أطماع ومخططات”. وعلى رغم ترجيح مغادرة بن حمد ردّاً على كلام أبو الغيط، الّا أنّ الجهات القطريّة الرسميّة لم تصدر أي موقف رسمي يفسّر سبب مغادرة بن حمد.
إنّما، عُقدت على مستوى رؤساء الدول وحضرها الرئيس السيسي ولكن لم يتمكّن فريق التحقيق من التأكّد عمّا إذا كانت هناك محاولة للتنصّت على الرئيس السيسي نفسه.
ولذلك يبقى السؤال الأبرز لماذا تمّت محاولة التنصت على الوزراء المصريين، على رغم عدم حضورهم أو تعاطيهم المباشر بالقمة العربيّة؟ فهل من أسباب داخليّة مصريّة تهمّ المملكة دفعتها إلى استهدافهم؟
أحداث داخليّة
داخليّاً، برزت تطوّرات وأحداث في تلك الفترة أبرزها:
1- عقد قمّة ثلاثيّة بين الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في 24 آذار 2019.
2- اجتمع وزراء خارجيّة مصر والأردن والعراق لمناقشة الوضع الأمني في المنطقة على هامش القمّة العربيّة في 29 آذار 2019.
3- صادق السيسي على القانون رقم 8 لسنة 2019 (في 30 آذار 2019)، يُعرف بقانون الرمال السوداء والذي يعطي ترخيصاً “لوزير الكهرباء والطاقة المتجددة في التعاقد مع هيئة المواد النووية والشركة المصرية للرمال السوداء، بشأن البحث عن استكشاف وتعدين وتركيز المعادن الاقتصادية والمنتجات الثانوية من ركاز الرمال السوداء…”.
4- أصدر مصطفى مدبولي مجموعة من القرارات التي تحكم صندوق مصر السيادي الجديد، وهو مجموعة أصول بقيمة 200 مليار جنيه مصري (11.2 مليار دولار عندها) مملوكة بالكامل للحكومة المصرية، تم تأسيسه كأداة للمساهمة في تنمية الاقتصاد المستدام في البلاد.
5- بدأت التحضيرات للاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر الذي أجري بين 20 إلى 22 نيسان/ أبريل 2019 وعلى أساسه أُقرّت “تعديلات دستورية ترسّخ قمعا طويل الأمد”، بحسبHuman Rights Watch، إذ إنّها تسمح بانتخاب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين متتاليتين بينما كان الدستور القديم ينصّ على انتخابه مرّة واحدة ولمدّة أربع سنوات.
فهل شكل أحد هذه الأحداث دافعاً لمحاولة تنصّت المملكة إلكترونيّاً على وزراء حليفتها؟
كواليس العلاقات السعودية- المصرية!
مرّت العلاقات السعودية- المصرية تاريخيّاً بالكثير من التقلّبات بين التحالف، التعاون، الفتور، التنافس، الصراع العلني. كلّ هذا التأرجح في العلاقة ساهم في استمرار نوع من الشكّ المتبادل بين الطرفين حتى في ذروة تحالفهما.
في هذا الإطار، كتب الباحث والأستاذ الجامعي المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط غريغوري أفتانديليان، في مقال له في المركز العربي واشنطن دي سي، في 9 شباط/ فبراير 2021، أنّ مصر والمملكة العربية السعودية حليفتان استراتيجيتان في الشرق الأوسط، إذ تربطهما مصالح مشتركة وتصورات متشابهة للتهديدات. فالمملكة تقدّر القوة العسكرية الكبيرة لمصر، والتي تساعد في حماية جزء من المياه الاستراتيجية المهمّة بالنسبة إلى الطرفين ألا وهي: البحر الأحمر. أمّا مصر فتعتبر السعودية أهم ممول اقتصادي لها ومكاناً لتأمين فرص للعمالة المصرية. يشترك الاثنان أيضاً في مقاومة الانفتاح السياسي والتدخل في شؤونهما الداخلية، بحسب أفتانديليان.
وعلى رغم التحالف القوي بين الدولتين، خصوصاً بعد وصول الرئيس عبد الفتّاح السيسي إلى سدّة الرئاسة عام 2014، إلّا أنّ المملكة العربية السعوديّة تتبع سياسية اللاثقة بالحلفاء والأعداء على حدّ سواء.
فخلف كواليس هذا التحالف هناك مصالح سياسية متباينة أحياناً، وفق أفتانديليان الذي يرى أنّ مصر مستاءة من كونها الحليف الأفقر ممّا يضطرّها إلى تجنّب الانتقاد والتبعيّة لسياسات المملكة في معظم الأحيان. أمّا المملكة فتتخوّف من مطامح مصر لاستعادة دورها التاريخي في قيادة المنطقة العربيّة، على رغم انتقال القوة في المنطقة في العقود الأخيرة إلى دول الخليج.
واشتعل الشارع المصري عام 2016 بسبب قضية جزيرتي تيران وصنافير عقب موافقة مجلس النواب المصري على منح السيادة على الجزيرتين لمصلحة السعودية، في إطار اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية. كما حصل نزاع قضائي بين المحكمة الإداريّة العليا التي قضى حكمها بإبطال الاتفاقية وبين محكمة الأمور المستعجلة التي أبطلت حكم الإدارة العليا، فيما تدخّلت المحكمة الدستوريّة العليا للفصل بين المحكمتين وبإقرار عدم جواز مخالفة الاتفاقية بين الدولتين.
هل يمنع القانون الدولي التجسّس؟
تختلف آراء خبراء القانون الدولي في ما إذا كان القانون الدولي يجرّم التنصّت. وتبرز ثلاثة آراء أساسيّة في هذا السياق:
1- الرأي السائد وهو أنّه ما من قاعدة عامة تحظر التجسّس بموجب القانون الدولي، حتى في أوقات السلم. وبالتالي يتمّ تقييم ذلك حالة بحالة.
2- الرأي الآخر هو أنّ التجسس محظور بموجب القانون الدولي العام وذلك لأنّ هذه الأنشطة تشكل انتهاكاً للسيادة ولمبدأ عدم التدخل.
3- الرأي الثالث يعتبر أنّ التجسّس يقع في منطقة رمادية من القانون الدولي، إذ إنّه ليس مجرّماً أو ممنوعاً وليس مبرّراً بشكل صريح وواضح.
ويعتبر بعض الخبراء أنّ الضبابيّة التي تحيط بالتجسّس السبب في ذلك هو أن الدول ليست لديها مصلحة في تنظيم التجسس، لأن القيام بذلك سيعيق قدرتها على حماية أمنها القومي.
ويرى بعض الخبراء الآخرين أنّ بعض الدول ترى في التنصّت وسيلة وفرصة لتعزيز تحالفاتها وتطوير التعاون مع دول أخرى. وهذا ما يبرّر أنّ الدول سواء كجناة أو كضحايا، نادراً ما تميل إلى النقاش أو الحديث علناً بشأن هذه المسألة ولماذا تتجاهل دول كثيرة شكوكاً وحتى إثباتات حول التنصّت عليها من دول أخرى.
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Daraj – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
درج
————————————–
تسريبات “بيغاسوس”: المساعي السعوديّة لم تكفِ… “تنصّت” إماراتي على وزراء حكومة هادي!/ هلا نهاد نصرالدين
الإمارات تفرض نفسها كمنافس قوي للمملكة، وإذا كانت الإمارات قد اتّخذت قرار التنصّت على وزراء حكومة هادي بذات نفسها ومن دون علم المملكة، فهذا يدلّ على انقسام كبير وانشقاق بين الدولتين…
هذا الموضوع جزء من “مشروع بيغاسوس” وهو تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر “قصص محظورة” أو Forbidden Stories للصحافة ومقره باريس، والمختبر التقني لمنظمة العفو الدولية. المشروع يحقق في داتا مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.
80 صحافياً يمثلون 17 مؤسسة إعلامية من حول العالم، بينها موقع “درج”، عملوا لإنتاج سلسلة التحقيقات هذه.
6 سنوات مرّت بعد إطلاق “عاصفة الحزم” في آذار/ مارس 2015 والتي بدأت عبرها العمليّات العسكريّة في اليمن بقيادة المملكة العربيّة السعوديّة، وبمشاركة دول ما أُطلق عليه اسم “التحالف العربي”، على رأسها الإمارات لدعم شرعيّة حكومة عبد ربه منصور هادي ومواجهة تقدّم جماعة الحوثيين المدعومة من إيران.
إلّا أنّ العاصفة لم تنتهِ في غضون أسبوع كما توقّعت المملكة العربية السعوديّة، بل أصبحت شتاء عاصفاً طويلاً، انقسمت خلاله صفوف ما يُفترض أنّه “الخط الواحد” بين الحكومة الشرعية المدعومة من المملكة العربية السعودية والمجلس الجنوبي المدعوم من الإمارات العربيّة المتّحدة.
وعلى رغم أنّ الإمارات شاركت بحدّة بدايةً في العمليّات العسكريّة التي قادتها السعوديّة دعماً لحكومة عبد ربه منصور هادي، إلّا أنّ ثقة الإمارات بهادي وحكومته تبدو معدومة تماماً، وشكّل اليمن إحدى نقاط الخلاف الأساسيّة بين الدولتين والتي بدأت تتفاعل وتتّضح معالمها يوماً بعد يوم. وهذا ما تثبته التسريبات الأخيرة في سياق مشروع “بيغاسوس”.
مشروع “بيغاسوس” (The Pegasus Project) هو مشروع تعاوني استقصائي يشارك فيه أكثر من 80 صحفياً من 17 مؤسسة صحافيّة منها موقع “درج” في 10 دول حول العالم، تقوم بتنسيقه منظّمة Forbidden Stories مع مساعدة تقنيّة من Amnesty International’s Security Lab.
فبحسب التسريبات الجديدة، لجأت الإمارات إلى شركة NSO الإسرائيليّة الخاصّة التي تضمّ أشخاصاً كانوا أعضاء في الموساد والجيش الإسرائيلي، وتحديداً إلى برنامجها الشهير للتجسّس Pegasus، للتنصّت على معظم وزراء حكومة هادي.
كما ورد اسم الرئيس نفسه إلّا أنّ فريق التحقيق لم يتمكّن من التأكّد من أرقامه. ولم يسلم أولاد عبد ربه منصور هادي من الرقابة، ولكن لم يمكّن فريق التحقيق من التأكّد من أرقامهم باستثناء جلال عبد ربه منصور هادي.
رئيس الوزراء السابق تحت الرقابة!
من أبرز من تمّ استهدافهم هو رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر والذي امتدّت فترة رئاسته الحكومة سنتين وستة أشهر (4 نيسان/ أبريل 2016 حتى 15 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2018). وهي الفترة التي تأسّس فيها المجلس الانتقالي الجنوبي، بعد دعوة محافظ عدن آنذاك اللواء عيدروس الزبيدي لإنشاء كيان سياسي جنوبي في مقابل القوى السياسية الشماليّة في أيلول/ سبتمبر 2016، كما تمّ خلالها إعلان الهيئة الرئاسية للمجلس الانتقالي الجنوبي في 11 أيار/ مايو 2017.
وتمّ استهداف أرقام بن دغر في المملكة العربيّة السعوديّة منذ عام 2016 وصولاً إلى منتصف عام 2019 ومن المحتمل أن يكون ما زال تحت المراقبة حتى يومنا هذا. وبالتالي التنصّت على بن دغر بدأ مع رئاسته الحكومة في نيسان/ أبريل 2016، ولكن لم ينتهِ مع نهاية ولايته في 2018.
المصدر: موقع منصتي 30
الجدير ذكره أنّ الاستهداف لا يعني بشكل مؤكّد أنّ المحاولة نجحت والهواتف تمّ اختراقها، ولكن يؤكّد وجود محاولة اختراق.
كانت ذروة أزمة جزيرة سقطرى في عهد رئاسة بن دغر للحكومة، فهو من أعلن رسميّاً في 14 أيّار 2018 أنّ “أزمة سقطرى انتهت بنجاح الوساطة السعودية، مؤكّداً أنّ “الراية اليمنية عادت لترفرف من جديد في مطار وميناء سقطرى بحراسة الجنود اليمنيين.”
كما تحدّث في حزيران/ يونيو 2020 عن مؤامرة تقسيميّة في اليمن في إشارة إلى الإمارات.
ومن الواضح أنّ الإمارات لا تحبّذ بن دغر أيضاً، ففي مطلع هذا العام، تحديداً في 16 كانون الثاني/ يناير 2021، أصدر الرئيس اليمني قراراً جمهوريّاً تضمّن تعيينات في مناصب عدة. وفي سياق ذلك، تمّ تعيين أحمد عبيد بن دغر رئيساً لمجلس الشورى. وسرعان ما اعترضت الإمارات على هذه التعيينات باعتبارها خروجاً عن اتفاق الرياض.
فاتفاق الرياض أتى بوساطة سعوديّة بعد اشتباكات آب/ أغسطس 2019 بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم من الإمارات) وبين القوات التابعة للحكومة اليمنيّة في عدن وأسفر عن سيطرة المجلس على عدن.
إلّا أنّ الاتفاق يثبت هشاشته في كل حين إذ تهرع السعوديّة إلى حل الأزمة وحثّ الأطراف المعنيّة إلى التهدئة والالتزام ببنود الاتفاق.
أهم بنود اتفاق الرياض الذي وُقّع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، على أن يباشر بتنفيذه ابتداءً من كانون الأوّل/ديسمبر 2020:
1- تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى 24 وزيراً.
2- تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية.
3- أن يكون الوزراء غير منخرطين في أي أعمال قتالية أو تحريضية.
4- يعين رئيس الجمهورية بالتشاور محافظاً ومديراً لأمن محافظة عدن، مع تعيين محافظين ومديري أمن في بقية المحافظات الجنوبية.
5- إيداع إيرادات الدولة، بما فيها النفطية والضريبية والجمركية في البنك المركزي في عدن.
6- تفعيل الأجهزة الرقابية، من بينها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وإعادة تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتفعيل دورها، وإعادة تشكيل وتفعيل المجلس الاقتصادي الأعلى.
7- تحل القوات الأمنية المحلية، محل القوات العسكرية في محافظات عدن وشبوة وأبين.
8- تجميع ونقل الأسلحة من جميع القوات العسكرية والأمنية في عدن، إلى معسكرات داخل عدن، تحددها وتشرف عليها قيادة التحالف العربي.
9- نقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة والتشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في محافظة عدن إلى معسكرات خارج المحافظة، باستثناء قوات حماية القصور الرئاسية.
10- توحيد القوات العسكرية التابعة للحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي وضمها لوزارة الدفاع.
عبد الملك المخلافي!
لا تُخفى على أحد من متابعي السياسية اليمنية، شكوك الإمارات وعدم ثقتها بعبد الملك المخلافي. تظهر التسريبات أنّ الإمارات استهدفت عبد الملك المخلافي في كلّ من مصر واليمن والمملكة العربيّة السعوديّة.
شغل المخلافي منصباً مهمّاً كوزير خارجيّة اليمن منذ حكومة المنفى المصغّرة برئاسة خالد بحاح منذ التعديل الوزاري في 1 كانون الأوّل 2015 والذي استبدل رياض ياسين عبدلله بالمخلافي. وشغل المخلافي عندها أيضاً منصب نائب رئيس الحكومة.
عبد الملك المخلاقي
ومن خلال منصبه، قال المخلافي في نيسان/ أبريل 2018، إن “الخلافات بين الحكومة اليمنية التابعة للشرعية والإمارات، تقف حائلاً أمام عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى بلاده”. وعندها أكّد وجود “معركة بين الفريق الواحد”، وتحدّث عن الدور الذي ستلعبه الحكومة اليمنية “لإصلاح الخلل” مع التحالف والإمارات.
والمخلافي كان أقرّ أكثر من مرّة بوجود خلافات مع دولة الإمارات، وهو ما يرجّح أنّه دفع ثمن خلاف الشرعيّة مع الإمارات. فالرئيس اليمني هادي أقاله من منصبه بتعديل وزاري في 23 أيار 2018 وعيّن بدلاً منه خالد اليماني، علماً أنّ المخلافي كان أرفع مسؤول في الحكومة من المحافظات الشماليّة. وعوضاً عن ذلك، تمّ تعيينه مستشاراً للرئيس هادي، ويُعرف أنّه منصب شرف يتمّ توزيعه لتحييد بعض الأشخاص من مناصبهم الحسّاسة. وجاء اهتمام الإمارات بالتنصّت على المخلافي في الفترة الممتدّة بين أيلول 2018 وشباط/ فبراير 2019 أي بعد إقالته، وذلك ربّما لتتبّع اتصالاته والتأكّد من عدم قيامه بأي ردود فعل أو تصريحات أو اتصالات مع جهات ديبلوماسيّة قد يتحدّث خلالها عن الخلاف بين الشرعيّة والإمارات أو يشي بالأسرار الداخليّة!
اللائحة تطول!
لم يكن بن دغر الشخصية السياسيّة اليمنيّة الوحيدة التي تمّ استهدافها، بل لائحة الأسماء تطول كثيراً لتشمل الأسماء التالية التي استطاع فريق التحقيق التأكّد من صحّتها (على رغم مصادرة الكثير من الأرقام المرتبطة بها:
إضافة إلى شخصيّات سياسيّة يمنيّة أخرى منها: محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، غمدان الشريف، السكرتير الصحافي لرئيس الوزراء، مراد الحالمي: وزير النقل السابق وصلاح الصياد، وزير دولة سابق.
هذا فضلاً عن الكثير من الأسماء الأخرى التي لم يستطع فريق المشروع التحقّق منها حتى لحظة النشر.
الحوثيون؟
تمّ الاشتباه باستهداف كلّ من عبد الملك الحوثي، محمد علي الحوثي، عبد الكريم الحوثي وحمزة الحوثي وهذا متوقّع نتيجة لجوء المملكة السعوديّة والإمارات إلى استخدام برنامج “بيغاسوس” للتنصّت على الحلفاء والأعداء على حدّ سواء، ولكن فريق التحقيق لم يتمكّن من التحقّق من هذه الأرقام لصعوبة القيام بذلك داخل اليمن.
ولكن ما يرجّح ذلك هو قيام المملكة باستهداف أفراد وقيادات من الجماعات التابعة لإيران في مناطق وبلاد أخرى، فمثلاً حاولت المملكة التنصّت على مسؤول وحدة الارتباط والتّنسيق في “حزب الله” وفيق صفا في لبنان وغيره من الشخصيات المنتمية أو المرتبطة بالحزب.
الإمارات: غريمة السعوديّة الجديدة في المنطقة!
على رغم أنّ الإمارات والسعوديّة بدأتا معركة اليمن يداً بيد، وهما من زبائن شركة “NSO” الإسرائيليّة تحديداً برنامجها التجسّسي “بيغاسوس” وفاعلتين في مجال محاولات التنصّت واختراق هواتف الشخصيات العامّة على الساحة الإقليميّة، الّا أنّ هذا لم يمنع الإمارات من شقّ طريقها بنفسها في هذه المعركة ومحاولة استهداف (أو استهداف) وزراء الحكومة اليمنيّة إلكترونيّاً، حتى خلال إقامتهم على أراضي “حليفتها” السعوديّة.
فالانقسامات السياسيّة في اليمن خصوصاً عقب الشرخ الكبير بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تشكّل عام 2016، قد يكون السبب المباشر الذي بدأت عقبه محاولات تنصّت الإمارات على وزراء حكومة هادي. ومنذ ذلك الوقت وصولاً إلى يومنا هذا، تتعاظم الخلافات العميقة بين الدولتين والتنافس على النفوذ السياسي والتطوّر الاقتصادي والتقدّم التقني التكنولوجي والذي ستتضّح معالمه أكثر فأكثر في المراحل المقبلة. فمنذ فترة رفضت الإمارات مقترح السعوديّة وروسيا لتمديد الاتفاق القائم حول إنتاج النفط بين دول تحالف “أوبك بلاس” وطالبت بتوزيع حصص الإنتاج بعدل أكبر.
وبالتالي، فالإمارات تفرض نفسها كمنافس قوي للمملكة، وإذا كانت الإمارات قد اتّخذت قرار التنصّت على وزراء حكومة هادي بذات نفسها ومن دون علم المملكة، فهذا يدلّ على انقسام كبير وانشقاق بين الدولتين، خصوصاً أنّ في ذلك انتهاكاً للسيادة السعوديّة عبر محاولة التنصّت على شخصيات ديبلوماسيّة وسياسيّة مقيمة (أو كانت مقيمة عند الاستهداف) على الأراضي السعوديّة.
وفي هذه الحالة، ما رأي المملكة التي لطالما اعتبرت اليمن فناءها الخلفي (backyard)، بالتدخّل الإماراتي والتنصّت على وزراء الحكومة الشرعيّة، حتى داخل الأراضي السعوديّة؟
المؤسسات الإعلامية المشاركة في “تسريبات بيغاسوس”:
Forbidden Stories – Le Monde- Suddeutsche Zeitung -Die Zeit – Washington Post – The Guardian -Daraj – Direkt36 – Le Soir – Knack-Radio France – The Wire – Proceso – Aristeui Noticias – OCCRP- Haaretz – PBS Frontline
درج
——————————————-
الإمارات حاولت التجسس على مديرة تحرير “فايننشال تايمز” وزوجة خاشقجي عبر برنامج “بيغاسوس”/ إبراهيم درويش
كشفت تسريبات لأرقام هواتف اختيرت للمراقبة عبر برنامج بيغاسوس الإسرائيلي، أن الإمارات اختارت رقم هاتف محررة صحيفة “فايننشال تايمز” وصحافيين في “وول ستريت جورنال” ومجلة “إيكونوميست” كأهداف محتملة للتجسس.
وكشفت صحيفة “الغارديان” أن أبو ظبي استخدمت برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس الذي أنتجته شركة “إن إس أو غروب”، لمحاولة التنصت على هاتف الصحافية رولا خلف، المولودة في لبنان ومحررة صحيفة “فايننشال تايمز” المهمة في بريطانيا. وتم تعيين خلف في العام الماضي كأول محررة في تاريخ الصحيفة، وهي واحدة من 180 صحافيا تم الكشف عن تعرض هواتفهم للقرصنة والاختراق عبر البرنامج الإسرائيلي.
وكشف التحقيق الذي نشرته “الغارديان” أن الإمارات استخدمت البرنامج في الماضي. وربما كانت وراء التجسس على صحافيين في “إيكونوميست” و”وول ستريت جورنال”. وربما استخدمته ضد 10 آلاف هاتف مرتبطة بصحافيين وناشطين. وتم استخدام برنامج “بيغاسوس” الخبيث في عملية قتل صحافي “واشنطن بوست” جمال خاشقجي على يد فرقة موت في القنصلية السعودية باسطنبول عام 2018.
وتورطت شركة “أن أس أو غروب” التي تخضع لتنظيمات وزير الدفاع الإسرائيلي في سلسلة من الفضائح خلال السنوات الماضية، وتقدمت شركة “فيسبوك” بدعوى قضائية ضدها. والإمارات هي واحدة من عشر دول حددها تحقيق “الغارديان” و16 مؤسسة إعلامية دولية وتضم المغرب وأذربيجان وكازخستان والهند وهنغاريا والبحرين والمكسيك والسعودية.
ويُعتقد أن أبو ظبي استهدفت رولا خلف في عام 2018، عندما كانت نائبة لرئيس التحرير. وظهر رقم هاتفها في التسريب لأرقام اختيرت كأهداف محتملة للمراقبة. لكن ظهور الرقم في القائمة لا يعني أنه هاتفها تعرض للقرصنة أو محاولة الاختراق. وأظهر التسريب أن الإمارات اختارت 10 آلاف رقم كأهداف محتملة للاختراق. لكن المنتج الرئيسي لـ“أن أو أس غروب” يمنح الزبائن فرصة استخراج الصور والرسائل والرسائل الإلكترونية وتسجيل المكالمات والتفعيل بطريقة سرية للميكروفون على أجهزة أيفون وأندرويد.
وظهر اسم الصحافي الأمريكي براديلي هوب، الذي كان في وقت اختيار اسمه موظفا في صحيفة “وول ستريت جورنال”. وكان برادلي يقوم بفحص المعلومات لكتاب عن فضيحة الفساد في الشركة الماليزية “1 أم دي بي” والتي أدت إلى محاكمة رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق. ويشير الكتاب إلى أن بعض الأموال أنفقت على يخت فاخر للشيخ منصور، عضو العائلة الحاكمة البارزة في أبو ظبي، ونائب رئيس الوزراء ومالك نادي مانشستر سيتي الإنكليزي.
ويُعتقد أن الإمارات هي وراء وضع اسم هوب الذي أخبر صحيفة “الغارديان”: “أعتقد أن أي شخص استهدف هاتفي كان يريد معرفة من هم مصادري؟”. وأضاف: “كانوا يريدون معرفة الذين يزودونني بالرؤية الثاقبة”. وكانت جماعات حقوق الإنسان قد عبّرت عن مخاوفها من استخدام الإمارات ودول الخليج برنامج التجسس الإسرائيلي. ففي عام 2018 قال “سيتزن لاب” في جامعة تورنتو بكندا، إن هناك “توسعاً مهماً” في استخدام السعودية والإمارات والبحرين لبرنامج بيغاسوس.
واستخدمت الرياض البرنامج لملاحقة خاشقجي قبل مقتله. كما استخدمت السلطات السعودية البرنامج لمراقبة هواتف رجال الأعمال والمسؤولين والأمراء في الحملة التي أطلق عليها “مكافحة الفساد” وأمر بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وفي كانون الأول/ ديسمبر، قال 36 منتجا وصحافيا ومديرا في قناة الجزيرة القطرية، إن هواتفهم اخترقتها السعودية والإمارات باستخدام برنامج بيغاسوس.
وبدعم من شركة التكنولوجيا العملاقة “مايكروسوفت” قدمت شركة فيسبوك دعوى قضائية ضد الشركة الإسرائيلية، متهمة إياها باستهداف 1400 هاتف ببرنامج التجسس الذي يمكن استخدامه للحصول على رسائل واتساب الذي تملكه فيسبوك. وقال متحدث باسم “فايننشال تايمز”: “حرية الصحافة ضرورية وتدخل الدولة غير القانوني أو مراقبة الصحافيين” غير مقبولة.
وأضافت صحيفة “الغارديان” أن السعودية وحليفتها الإمارات استخدمتا “بيغاسوس” للتجسس على عائلة الصحافي جمال خاشقجي. مشيرة إلى أن شاليف هوليو، المدير التنفيذي للشركة قال في مقابلة مع برنامج “ستون دقيقة” الأمريكي في آذار/مارس 2019: “أقول لك بوضوح، لا علاقة لنا بهذه الجريمة الرهيبة”، لكن تحقيق الصحيفة المشترك مع صحف أخرى، كشف عن أدلة جديدة، وهي أن البرنامج استخدم لمراقبة الأشخاص المقربين من خاشقجي قبل وبعد وفاته. وفي واحدة من الحالات، تم اختراق هاتف واحد في الدائرة القريبة من الصحافي بعد أربعة أيام من مقتله.
وقالت الصحيفة إن التحقيق يكشف عن محاولة السعودية وحليفتها الاستفادة من برنامج التجسس بعد مقتل خاشقجي لمراقبة المقربين منه والتحقيق التركي، بل واختارتا المدعي العام في اسطنبول كهدف محتمل للمراقبة. وفي الوقت الذي استخدم فيه زبائن “أن أس أو” البرنامج لاستهداف المقربين من خاشقجي بعد مقتله، إلا أنه هناك ادلة عن استهداف زوجته حنان العتر في الفترة ما بين تشرين الثاني/ نوفمبر و18 نيسان/ أبريل 2018.
وفي عملية فحص لهاتف أندرويد الذي تستخدمه حنان العتر، وُجد أنها تلقت أربع رسائل تحتوي على روابط خبيثة مرتبطة ببيغاسوس. وكشف الفحص أن الاستهداف جاء من الإمارات. لكن التحليل لم يؤكد إن كان الجهاز قد اختُرق بالفعل أم لا.
وقالت العتر “حذرني جمال قبل أن يحدث هذا. وهو ما يجعلني أفكر أنهم كانوا مطلعين على ما حدث لجمال من خلالي”. وأضافت أنها “قلقة من مراقبة محادثاته مع المعارضين الآخرين من خلال هاتفها”، وأضافت: “تركت هاتفي على طاولة الشاي (في بيته بفرجينيا) في وقت كان جمال يتحدث مع رجل سعودي مرتين”.
وتم اختيار هاتف العتر من ضمن الأرقام التي تم تسريبها من زبائن “أن أس أو” كمرشحة للمراقبة. وحصلت “الغارديان” على الأرقام من خلال المنظمة غير الربحية “فوربدن ستوريز” وفحصها “سيكيورتي لاب” المشارك مع منظمة أمنستي إنترناشونال. وكشف التحليل الجنائي أيضا، أن هاتف خطيبته، خديجة جنكيز، تعرض للاختراق ببيغاسوس بعد أربعة أيام من مقتل خاشقجي، في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2018. وكانت هناك محاولات اختراق لهاتفها ليومين في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، وتبع ذلك عملية أخرى في حزيران/ يونيو 2019، مع أن العمليات لم تنجح على ما يبدو.
ويقترح تحليل البيانات، أن السعودية هي من تقف وراء محاولات اختراق هاتفها. وقالت جنكيز إنها لم تستغرب محاولات الاختراق: “كنت أفكر بهذا بعد الجريمة ولكن ما يمكن عمله”. وقالت الصحيفة إن صديق خاشقجي وضاح خنفر، مدير قناة الجزيرة السابق، تعرض هاتفه للاختراق ببرنامج بيغاسوس، وأظهر التحليل أن هاتفه تعرض للهجوم في تموز/يوليو 2021.
وتكشف التسريبات والتحليل الجنائي أن السعودية وحلفاءها استخدموا برنامج بيغاسوس في المرحلة التي أعقبت مقتل خاشقجي للتجسس على حملة المطالبة بتحقيق العدالة له ونية بالتجسس على التحقيق التركي. وتم استهداف كل من عزام التميمي، الصحافي الفلسطيني، ومضاوي الرشيد الأكاديمية والمعارضة السعودية، ونجل خاشقجي عبد الله. وكشف تحليل لهاتف الرشيد وجود أدلة على محاولة اختراق في نيسان/ أبريل 2019 بدون أدلة على دخول ناجح لبرنامج التجسس.
وورد اسم يحيى العسيري، الناشط السعودي في بريطانيا الذي يوثق انتهاكات حقوق الإنسان. وياسين أقطاي، صديق خاشقجي ومساعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وفي مقابلة مع أقطاي قال إنه أبلغ المسؤولين الأمنيين الأتراك بأن هاتفه اختُرق بعد مقتل خاشقجي، وأن السعوديين كانوا يريدون رسم خريطة لروابط الصحافي، “لم يكن ضروريا، فقد كنت مجرد صديق له”.
كما تمت محاولة اختراق هاتف المدعي العام التركي عرفان فيدان الذي اتهم رسميا 20 سعوديا بالجريمة. وبدون تحليل لهاتفه وهواتف الآخرين، فمن الصعب التأكد إن كانت قد تعرضت للإصابة بـ”بيغاسوس”.
القدس العربي
————————————
مشروع بيغاسوس: تجسس بالجملة يحول الهاتف الصديق القريب للأبرياء إلى عدو لدود/إبراهيم درويش
كشفت صحيفة “الغارديان” مع 16 صحيفة ووسيلة إعلام دولية عن عملية اختراق واسعة لهواتف وأجهزة أندرويد صحافيين وأكاديميين وناشطين وأشخاص مثار اهتمام حول العالم، وفي مركز عملية الاختراق تطبيق بيغاسوس البرنامج الخبيث الذي طورته شركة تكنولوجيا إسرائيلية (أن أس أو غروب) والتي زعمت أنه لملاحقة الإرهاب والمجرمين، لكنه ساعد الدول القمعية حول العالم على ملاحقة وإسكات المعارضين.
ويقترح التحقيق الذي قامت به الصحيفة ووسائل الإعلام الأخرى عملية استخدام واسعة ومستمرة لبيغاسوس الذي تصر الشركة على أنه مصمم لمهاجمة هواتف المجرمين والإرهابيين. وشمل التسريب على 50 ألف رقم تم تحديد أصحابها بأنهم من الأشخاص الذين يعتبرون مهمة لزبائن “أن أس أو غروب” ومنذ عام 2016. وحصل موقع “فوربدن ستوريز” (قصص محظورة) ومنظمة أمنستي انترناشونال على التسريبات وشاركت فيها الصحف كجزء من تحالف “مشروع بيغاسوس”.
ولا يعني وجود رقم الهاتف في قائمة البيانات أن الجهاز مخترق من بيغاسوس أو أنه كان هدفا لعملية اختراق، لكن التحالف يعتقد أن البيانات هي إشارة عن أنها هدف محتمل حددته الدول المتعاملة مع “أن أس أو غروب” تم تجديدها مقدما في محاولات رقابة ممكنة.
وكشف التحليل الجنائي لعدد من الهواتف التي ظهرت في التسريبات أنها حملت آثارا من بيغاسوس. وستكشف الغارديان والصحف الأخرى عن أسماء الصحافيين الذين وردت أسماؤهم في التسريبات، وتضم مئات مدراء الشركات والرموز الدينية والأكاديميين وعاملين في منظمات غير حكومية ومسؤولين في نقابات ومسؤولين في الحكومة بمن فيهم وزراء حكومات ورؤساء وزراء ورؤساء دول.
وتضم القائمة أسماء أفراد عائلة حاكم بلد، مما يقترح أن الحاكم أمر الأجهزة الأمنية بالبحث عن طرق للتجسس على هواتف عائلته. وبدأ الكشف يوم الأحد بالكشف عن هواتف أكثر من 180 صحافيا وردت أسماؤهم في البيانات المسربة وتضم صحافيين ومدراء في فايننشال تايمز و”سي إن إن” ونيويورك تايمز وفرانس24 وإيكونوميست وأسوسيتد برس ورويترز.
وعثر على هاتف الصحافي المكسيكي سيسلو بينيدا على القائمة كشخص مثير للاهتمام وقبل أسابيع من مقتله، وعندما استطاع قاتله تحديد مكانه وقتله في سيارته. ولم يتم العثور على هاتفه ولهذا لم يجر أي تحليل جنائي للكشف عن اختراقه بالفيروس أم لا.
وأصرت شركة “أن أس أو غروب” أن استهداف تلفون بينيدا لا يعني أن البيانات التي تم الحصول عليها منه كانت سببا في مقتله، لأن الحكومات كانت ستجد طرقا للعثور عليه. وكان واحدا من 25 صحافيا تم اختيارهم للرقابة على مدى عامين. وتم تحديد 10 دول تعاملت مع أن أس أو والتي كانت تدخل أرقام الهواتف في النظام وهي أذربيجان والبحرين وكازاخستان والمكسيك والمغرب ورواندا والسعودية والإمارات العربية المتحدة وهنغاريا والهند. وكانت المكسيك هي الدولة الأكثر التي اختارت أرقاما للرقابة وعددها 15 ألف رقم، فيما اختارت كل من المغرب والإمارات 10 آلاف رقم. وتوزعت الأرقام التي اختيرت قبل الهجوم على 45 دولة منها ألف رقم هاتف في أوروبا.
ونفت المغرب ورواند والهند وهنغاريا استخدام بيغاسوس للقرصنة على هواتف أفراد في القائمة. ولم ترد حكومات البحرين وأذربيجان والسعودية والمكسيك والإمارات.
وكشف “مشروع بيغاسوس” أن حكومة الرئيس الهنغاري فيكتور أربان استخدمت الفيروس في الحرب التي أطلقتها ضد الإعلام واستهدفت فيها الصحافيين الاستقصائيين في البلد وكذا الدائرة الصغيرة من مدراء وسائل الإعلام المستقلة.
وتكشف البيانات المسربة أن بيغاسوس قد استخدمته السعودية وحليفتها الإمارات للتجسس على المقربين من الصحافي جمال خاشقجي، الكاتب في “واشنطن بوست” في الأشهر التي أعقبت مقتله. وكان محقق النيابة التركي مرشحا للتجسس عليه. وبدون فحص جنائي فمن الصعب التأكد أن الهواتف تعرضت للهجوم أو محاولة الهجوم عبر فيروس بيغاسوس.
وأكدت الشركة أنها لا “تدير الأنظمة التي تبيعها لزبائن يختارون بعد التدقيق ولا تقوم بالحصول على بيانات زبائنها”. وفي بيان عبر محاميها أنكرت أنها “ارتكبت خطأ” بسبب نشاطات عملائها ولكنها “ستواصل التحقيق في المزاعم الموثوقة حول إساءة استخدامه وتتخذ الإجراءات المناسبة”. وقالت إن القائمة ليست قائمة استهدفت الحكومات باستخدام بيغاسوس وأن رقم 50 ألف مبالغ فيه.
وتبيع الشركة برامجها لقوات حفظ النظام والمخابرات والجيش في 40 دولة لم تكشف عنها. وقالت إنها تقوم بفحص سجل الزبون في مجال حقوق الإنسان قبل بيعها البرنامج له. وتقوم وزارة الدفاع الإسرائيلية بتنظيم عمليات البيع والموافقة عليها، وأصدرت الشركة في الشهر الماضي تقريرا حول معايير الشفافية ومدخلها الرائد في مجال حقوق الإنسان ونشرت أجزاء من عقودها مع زبائن وتأكيدها على ضرورة استخدام منتجها لمحاربة الجريمة والإرهاب.
ولا يوجد ما يقترح أن الحكومات لم تستخدم بيغاسوس لمكافحة الجريمة والإرهاب، ووجد التحالف أسماء لأشخاص يشتبه بإجرامهم. لكن وجود عدد كبير من الأسماء التي لا علاقة لها بالإجرام يقترح أن الزبائن خرقوا عقودهم مع الشركة من خلال التجسس على الجماعات المؤيدة للديمقراطية والصحافيين والذين يحققون في الفساد وكذلك المعارضين السياسيين ونقاد الحكومة.
وتم التأكد من فحص عينة صغيرة للأرقام التي ظهرت على القائمة، وقامت المؤسسة الشريكة لأمنستي “سيكيورتي لاب” بعملية الفحص وتبين وجود آثار لبيغاسوس على هواتف 37 من 67 هاتفا تم فحصها. وأشركت أمنستي بيانات أربعة هواتف أيفون مع “سيتزن لاب” في جامعة تورنتو المتخصص بدراسة بيغاسوس وأكد أنها مخترقة. وقام سيتزن لاب بدراسة تناظرية لطريقة أمنستي في الفحص ووجد أنها معقولة.
وقال كلوديو غورانينري الذي يدير “سيكيورتي لاب” التابع لأمنستي إنترناشونال إن الهاتف عندما يخترق عبر بيغاسوس يصبح تحت سيطرة الفيروس ويتحول لجاسوس على صاحبه، حيث يفعل بطريقة سرية كاميرا ومكبر الصوت ويقرأ الرسائل والمحتويات المشفرة للشخص وما يتلقاه من رسائل على التطبيقات الأخرى.
ومن خلال استخدام نظام جي بي أس على الهاتف يمكن لعميل “أن أس أو” الحصول على سجل تحركات الشخص السابقة ومتابعته في الوقت الحقيقي. ويسمح النموذج الجديد من بيغاسوس للتجسس على هاتف الهدف بدون أن يقوم صاحبه بالنقر عليه حتى يفعل التطبيق الخبيث.
الصديق العدو
وقالت الصحيفة إن مليارات الناس لا يفترقون عن هواتفهم، ولا هي لا تبعد عن آذانهم طوال اليوم ويستخدمونها في أتفه الحاجيات اليومية. لكن عددا قليلا من الناس قد يتوقف ويفكر أن هذا الجهاز قد يتحول لرقيب، يقوم شخص على بعد آلاف الأميال باستخراج رسائلهم وصورهم ويحدد مواقعهم ويفعل مكبر الصوت في الوقت الحقيقي.
وهذا ما يملكه تطبيق بيغاسوس، السلاح الإسرائيلي للرقابة الجماعية. وترفض الشركة المصنعة له “أن أس أو غروب” هذا الوصف وتصر على أنها تقوم بفحص دقيق لسجل المخابرات وأجهزة حفظ النظام للدول التي تريد شراءه ويجب عدم استخدامه في أغراض أخرى غير اختراق هواتف “المجرمين الحقيقيين وأهداف إرهابية”، لكن “الغارديان” ستكشف في الأيام المقبلة عن هويات الكثير من الأبرياء الذي تم تحديدهم كمرشحين للرقابة من عملاء شركة “أن أس أو” وتم الحصول على بياناتهم في عملية تسريب جماعية هائلة، وبدون عملية فحص جنائية للهواتف فلن يتم التعرف على تجسس الحكومة واختراقها بنجاح لهواتف هؤلاء الأشخاص، لكن وجود أسمائهم على القائمة يشير إلى المدى الذي ذهبت إليه الحكومات للتجسس على النقاد والمنافسين والمعارضين.
وقالت الصحيفة إنها ستكشف أولا هوية الصحافيين وطريقة اختيارهم للاستهداف حول العالم. وهم ضمن مجموعة تم تسريب أسمائهم من دعاة حقوق الإنسان وناشطين ومحامين ورموز دينية ورجال أعمال ومسؤولين في الحكومة.
وأضافت الصحيفة أن نشر الأسماء هو من أجل المصلحة العامة و”نؤمن أن الرأي العام يجب أن يعرف عن إساءة الحكومات استخدام تكنولوجيا أن أس أو التي منحت لها رخصة استخدام البرنامج”، و”لكننا نؤمن أن من مصلحة الرأي العام أن يعرف عن محاولات الحكومات للتجسس على مواطنيها وكيف يمكن استغلال أمر بسيط مثل سجل مواقع البيوت في هذا المناخ”.
وفي النهاية علقت الصحيفة أن “مشروع بيغاسوس” سينهي كل التعلل بالأماني وهو أن المواطنين الملتزمين بالقانون في الدول الديمقراطية مثل بريطانيا هم بمأمن عن الرقابة. ولأن الدول الغربية لا تمارس احتكارا على كل التكنولوجيا التي تخترق الخصوصية، “ونحن ندخل عصرا جديدا من الرقابة لا يوفر أحدا إلا عندما يتم وضع الحماية الضرورية”.
القدس العربي
———————————-
الحكومة الفرنسية تندّد بـ”وقائع صادمة للغاية” بشأن التجسّس على صحافيين
باريس: ندّدت الحكومة الفرنسية الإثنين بما وصفته بـ”وقائع صادمة للغاية” غداة كشف عدد من وسائل الإعلام عن تجسّس أجهزة الاستخبارات المغربية على نحو ثلاثين صحافياً ومسؤولاً في مؤسسات إعلامية فرنسية عبر شركة إسرائيلية.
وقال الناطق باسم الحكومة غابريال أتال لإذاعة “فرانس إنفو”، “إنها وقائع صادمة للغاية، وإذا ما ثبتت صحتها، فهي خطيرة للغاية”.
وأضاف “نحن ملتزمون بشدة حريّة الصحافة، لذا فمن الخطير جداً أن يكون هناك تلاعب وأساليب تهدف إلى تقويض حرية الصحافيين وحريتهم في الاستقصاء والإعلام”.
واستُهدف ناشطون وصحافيون وسياسيون من حول العالم بعمليات تجسس بواسطة برنامج خبيث للهواتف الخلوية طوّرته شركة “إن.إس.او” الإسرائيلية تحت اسم “بيغاسوس”. ويسمح البرنامج، إذا اخترق الهاتف الذكي، بالوصول إلى الرسائل والصور وجهات الاتصال وحتى الاستماع إلى اتصالات مالكه. ولطالما زعمت المجموعة الإسرائيلية رداً على اتهامات سابقة طالتها، بأنها تستخدم برامجها فقط للحصول على معلومات استخبارية لمحاربة شبكات إجرامية وإرهابية.
إلا أن التحقيق الذي نشرته الأحد مجموعة من 17 وسيلة إعلامية دولية، من بينها صحف “لوموند” الفرنسية و”ذي غارديان” البريطانية و”واشنطن بوست” الأمريكية، يقوّض صدقيتها.
وتضم القائمة أرقام ما لا يقل عن 180 صحافياً و600 سياسي و85 ناشطاً حقوقياً و65 رجل أعمال في أنحاء العالم، بينهم العديد من الصحافيين ومسؤولي وسائل إعلام فرنسية، وتحديداً من غرف تحرير صحيفة “لوموند” و”لوكانار أنشينيه” و”لوفيغارو” وكذلك من وكالة فرانس برس ومجموعة قنوات التلفزيون الفرنسي.
وأورد موقع ميديابارت الإخباري في مقال الإثنين أن “أرقام الهواتف النقالة لليناييغ بريدو وإدوي بلينيل (مؤسس مشارك للموقع) وردت ضمن قائمة من عشرة آلاف استهدفتها أجهزة الاستخبارات المغربية باستخدام برنامج تجسّس قدّمته الشركة الإسرائيلية”.
وأعلن تقدّمه بشكوى أمام النيابة العامة في باريس، حتى يتسنّى للقضاء “إجراء تحقيق مستقل في هذا التجسس الواسع الذي أقدم عليه المغرب في فرنسا”.
وأضاف “أبعد من العواقب القانونية، من نافل القول إن هذا الاعتداء على الحريات الأساسية الذي تقوده قوة أجنبية ضد صحيفة مستقلة، يتطلب رداً حازماً من السلطات الفرنسية بما يتجاوز الإدانة”.
ووضع بلينيل في تغريدة صباحاً التجسس على رقمه وزميلته في إطار “قمع الصحافة المستقلة والحراك الاجتماعي”.
ولفت الموقع في مقاله إلى تزامن التجسس على الهواتف مع “قمع الصحافة المستقلة في المغرب” وتحديداً ضد الصحافي الاستقصائي عمر راضي، الذي يحاكم بتهمتي “المس بسلامة الدولة” والتخابر مع “عملاء دولة أجنبية”.
وكانت منظمة العفو الدولية أفادت في حزيران/يونيو من العام الماضي بأن السلطات المغربية استخدمت برنامج “بيغاسوس” لزرع برنامج خبيث في الهاتف الخلوي التابع لراضي.
وكان الناطق باسم الحكومة الفرنسية أكد صباحاً أنه “سيكون هناك بالتأكيد تحقيقات وستطلب توضيحات”، من دون أن يذكر تفاصيل إضافية.
وأوضح أتال أن الصحافيين الذين يدعمون التحقيق “يصرون على حقيقة أن الدولة الفرنسية ليست جزءاً من هذا البرنامج”. وشدد على أن الاستخبارات الفرنسية تتبع أساليب يسمح بها القانون “وهي تحترم الحريات الفردية وتحديداً حرية الصحافة. وأكد أن الحكومة “لا تقارب هذا الموضوع بخفّة”.
(أ ف ب)
—————————–
“الجيوش الإلكترونية” في الشرق الأوسط تلاحق المعارضين ونشطاء الديمقراطية
جيوش إلكترونية في الشرق الأوسط تقف وراء حملات الكراهية والتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي لتخويف النشطاء والصحافيين والمعارضين وتشويه سمعتهم، وحتى التسبب بقتلهم، ومن ضحاياهم: الناشطة العراقية ريهام يعقوب والصحفي السعودي جمال خاشجقي. الصحفية كاثرين شاير والتفاصيل.
سلاحها الهواتف الذكية وساحة معاركها منصات التواصل الاجتماعي هو الوصف الذي يمكن إطلاقه على الجيوش الإلكترونية في الشرق الأوسط أو “اللجان الإلكترونية” التي باتت بمرور الوقت تشكل خطرا كبيرا قد يصل في بعض الحالات إلى اغتيالات فضلا عن تذكية الاحتقان السياسي والطائفي.
ما هي اللجان الإلكترونية؟
يشاع هذا المصطلح في الشرق الأوسط لكن المفهوم والمقصد بسيط للغاية، إذ انتشرت هذه اللجان في الشرق الأوسط مع اتساع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
وفقا لأنصار حرية الإنترنت، فإن اللجان الإلكترونية هي “مجموعة من الأفراد تنتحل هويات مزيفة من أجل المشاركة على منصات التواصل الاجتماعي ومنتديات الإنترنت لإرسال رسالة محددة أو لاستهداف وقمع أشخاص معينين”.
ووفقا لمحمود غزيل ،الصحافي اللبناني المتخصص في مكافحة الأخبار المضلّلة عبر الإنترنت، فانه في دول غربية ربما يتم توظيف الحملات الإلكترونية لنشر رسائل سياسية أو الضغط من أجل التغيير. وفي مقابلة مع دويتشه فيله يضيف “لكن في الشرق الأوسط، فإنهم قد يعرضون حياة بعض الأشخاص إلى القتل بسهولة. وللأسف فإن لدينا العديد من الأمثلة في هذا الصدد”.
عملاء أجانب في العراق
يشير غزيل إلى عملية الاغتيال التي راحت ضحيتها الناشطة وخبيرة التغذية العراقية ريهام يعقوب (30 عاما) التي قتلت في أغسطس / آب 2020.
ويُفترض أن يكون سبب قتل ريهام مشاركتها في احتجاجات ضد الحكومة إلا أن بن روبن دكروز ، الباحث في جامعة آرهوس في الدنمارك، عمل على التحقيق والبحث بشكل مكثف في تفاصيل واقعة اغتيال الناشطة العراقية.
ويقول دكروز إنه في الوقت التي قتلت فيها ريهام، كانت قد تراجعت منذ وقت طويل عن مشاركتها في التظاهرات، مضيفا أن المقاطع المصورة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي التي تزعم أنها تقود الاحتجاجات لم تكن لها في حقيقة الأمر وأنها لم يتم تصويرها في البصرة كما تم الترويج له كثيرا.
A #woman activist and #medic , Dr Riham Yaqoob, was shot dead today in #Basra in south #Iraq , where #Iran-backed militias have been targeting protesters and critics. Iraqi activists are living in fear as assassinations are becoming increasingly frequent pic.twitter.com/RUDcX22bFn
— Donatella Rovera (@DRovera) August 19, 2020
وكتب الباحث لمركز دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد في الشرق الأوسط، إن ريهام كانت ضحية نظرية مؤامرة انتشرت على نطاق واسع حيث تم توجيه اتهامات ضد مجموعة من الشباب العراقي على أنهم “عملاء” للولايات المتحدة وينشطون لتنظيم الاحتجاجات في البصرة.
وفي حقيقة الأمر أن هذه المجموعة الشبابية العراقية قد شاركت في برنامج خاص بالقيادة الشبابية تم تمويله من قبل الولايات المتحدة، لكن تقريرا صحفيا نشرته وكالة “مهر” الإيرانية للأنباء في العاشر من سبتمبر / أيلول 2018، روج لخلاف ذلك.
استهداف النشطاء
ويقول النشطاء في العراق إن أكبر الجيوش الإلكترونية تأثيرا وقوة تلك التي تعمل لحساب بعض ميليشيات الحشد الشعبي حيث ولاء البعض منها إلى إيران، بسبب أن الأخيرة تقدم الدعم العسكري والمالي واللوجستي لهذه الميليشيات.
وحدد تقرير نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، هوية هؤلاء النشطاء العراقيين بشكل واضح وحتى بالكشف عن صورهم بما في ذلك ريهام يعقوب خاصة صورة انتشرت على مواقع التواصل تظهرها مع القنصل الأمريكي السابق في البصرة تيمي ديفيس.
وعلى وقع هذا، فر عدد من هؤلاء النشطاء من البصرة أو من العراق، إلا أن ريهام يعقوب رفضت الهروب وقررت البقاء وفي التاسع عشر من أغسطس / آب 2020 أطلق مسلحان مجهولان يستقلان دراجة نارية النار عليها.
ويشرح محمود غزيل، المتخصص اللبناني في المعلومات المضللة عبر الإنترنت، كيف ساهمت الجيوش الإلكترونية في اغتيال ريهام: “لا تمتلك اللجان الإلكترونية القدرة على إلحاق الضرر جسديا بأي شخص، لكنها يمكنها أن تشوه سمعته وتدمرها، بل يمكنهم تتبع والبحث عن أسماء العائلة والأصدقاء والوظيفة وحتى عنوان السكن”.
لكن العراق ليس البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي تنشط فيه الجيوش الإلكترونية.
تخويف المعارضين
تظاهرة في بغداد بعد اغتيال هشام الهاشمي – العراق. Foto: Ahmad al-Rubaya/AFP via Getty Images
أثار اغتيال الباحث العراقي البارز هشام الهاشمي مخاوف من دخول البلاد في مرحلة مظلمة وعنيفة، مع وصول التوترات الحادة بين الفصائل الموالية لإيران والحكومة إلى مستويات جديدة، وفق محللين. واغتال مسلّحون مجهولون يستقلون دراجتين ناريتين الهاشمي (47 عاماً) مساء الإثنين 06 / 07 / 2020 أمام منزله في شرق بغداد، في هجوم أثار موجة غضب وتنديد في العراق وخارجه.
تعد القضية الأبرز والأوضح لما قد تسفر عنه حملات التخوين والمضايقة عبر الإنترنت تلك التي تعرض لها الصحافي والمعارض السعودي جمال خاشقجي التي قتل داخل السفارة السعودية في تركيا في 2018.
وقد قام محققون من مجموعة صوفان، -وهي شركة استشارية أمنية مقرها الولايات المتحدة- عام 2020 بتحليل التهديدات التي تلقاها خاشقجي باللغة العربية على منصات التواصل الاجتماعي ليكتشفوا أنها نماذج متشابهة من التحريض والإساءة وكانت السعودية مصدر معظمها.
وظهرت أيضا اللجان الإلكترونية على الساحة خلال الأزمة الخليجية عام 2017 عندما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر كافة العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر لاتهامات بالتدخل في شؤون تلك الدول، وهو ما نفته الدوحة.
وخلال تلك الأزمة، تزايد دور اللجان الإلكترونية، وفي سبتمبر / أيلول 2019 أعلن تويتر عن حذف 271 حسابا كان يعمل على “استهداف قطر ودول أخرى مثل إيران عبر عمليات معلوماتية متعددة الأوجه.. وتضخيم الرسائل المؤيدة لموقف الحكومة السعودية”.
الذئاب الإلكترونية
وفي نفس التوقيت، قام تويتر بحذف أكثر من 4248 حسابا إضافيا ينشط داخل الإمارات يعمل على توجيه دعايات سياسية تخص قطر واليمن. وهذا العام 2021 توالت الأنباء بشأن حذف حسابات على تويتر.
وفي تقرير بشأن ما يطلق عليه “المفترسين الإلكترونيين”، قالت منظمة مراسلون بلا حدود إن الحكومة الجزائرية قامت بدفع أموال إلى “لجان” إلكترونية من أجل تشويه سمعة صحافيين يقومون بتغطية الاحتجاجات المناوئة للحكومة.
وفي السودان، يعتقد كثيرون أن أجهزة الاستخبارات وراء حملات تضليل مماثلة.
ويقول الباحثون إن بعض الحالات تبدو واضحة لكن من الصعب تحديد بالضبط من يقوم بالتمويل أو يتحكم في هذه الجيوش الإلكترونية”.
وهو ما أشار إليه مارك أوين جونز، الأستاذ المساعد المتخصص في العلوم الإنسانية الرقمية في جامعة حمد بن خليفة في قطر، في محاضرة من محاضرات موقع تيد عبر الإنترنت. وقال جونز “يتعين علينا استنتاج الجهات التي ربما تقف خلف حملات التضليل وتنشرها”.
طرف ثالث؟
وقال باحثون من مرصد ستانفورد للإنترنت إن أطرافا أخرى قد تكون متورطة في عمل هذه اللجان والجيوش الإلكترونية. وأضافوا “إننا نرى بشكل متزايد إقدام جهات تابعة لحكومات على الاستعانة بأطراف أخرى من أجل إدارة حملات التضليل”.
وأشار الباحثون إلى أن هذا الأمر يوفر للحكومات الحجج لإنكار تورطها وحتى في حالة حظر عمل إحدى هذه الجهات، يمكن الدفع إلى جهة أخرى لتقوم بنفس الدور. وبالتأكيد لا يقتصر الأمر على هذه الدول إذ أن هناك دولا أخرى تمتلك “جيوشا إلكترونية” حتى وأن اختلف المسمى الذي يطلق عليها.
أفاد مصدر أمني عراقي (الأحد التاسع من مايو/ أيار 2021) باندلاع احتجاجات تخللتها “أعمال حرق” قرب القنصلية الإيرانية في كربلاء بعد ساعات من مقتل الناشط المناهض للحكومة إيهاب الوزني في المدينة. وقال المصدر في تصريحات لـ”السومرية نيوز”، إن “العشرات نظموا احتجاجات امام القنصلية الايرانية في كربلاء وتم حرق كرفانات الحماية خارج القنصلية “بحسب موقع” السومرية نيوز” العراقي. وأضاف أن “قوات مكافحة الشغب قامت بتفريق المحتجين الذي خرجوا احتجاجاً على اغتيال ناشط مدني في كربلاء”. واغتال مسلحون مجهولون الناشط المدني العراقي إيهاب الوزني أمام منزله وسط كربلاء ولاذوا بالفرار.
فقد أفاد تقرير نشره “فريدوم هاوس” العام الماضي 2020 بأنه في 39 دولة من بين 65 شملهم الاستطلاع، يقوم الزعماء السياسيين بتوظيف أفراد من أجل “التلاعب خلال المناقشات السياسية”.
بيد أنه قد أوضح خبراء لدويتشه فيله أنه من المحتمل جدا أن يكون الشرق الأوسط من أسوأ مناطق العالم التي يتم فيها توظيف “الجيوش أو اللجان الإلكترونية أو الذباب الإلكتروني”، ويترتب على ذلك مشاكل خطيرة.
ضعف الثقة في الإعلام التقليدي
ويشير غزيل إلى أن الكثيرين في الشرق الأوسط يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات والأخبار على الرغم من وجود كم كبير من القنوات التلفزيونية ووسائل إعلام تقليدية لكن يُنظر إليها بحذر لأنها ممولة من الحكومات أو جهات دينية أو سياسية بعينها.
ويبدو أن هذا هو الاتجاه السائد وفقا لدراسة أجريت عام 2020 حيال مواقف الشباب في العالم العربي ممن تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 24 عاما.
فقد كشفت الدراسة عن أن 79 بالمائة ممن شاركوا في الاستطلاع قالوا إنهم يعتبرون مواقع التواصل الاجتماعي مصدرا للأخبار، فيما قال الثلث إنهم يثقون في أن مواقع التواصل الاجتماعي “تقوم بالشيء الصحيح”.
وبالمقارنة مع مناطق أخرى من العالم، فقد كشفت دراسة أجراها معهد رويترز عام 2020 عن أن 56 بالمائة من الشباب في ألمانيا و51 بالمائة من الشباب الأمريكيين من نفس الأعمار قالوا إنهم يتلقون الأخبار أما من الانستغرام أو سناب شات أو تيك توك.
خصوصية اللغة العربية
ويقول جونز أن مشكلة اللجان الإلكترونية في الشرق الأوسط قد ترتبط باللغة العربية. وأضاف “يبدو اللغة العربية قد ساعدت في انتشار حملات التضليل. أعتقد أن السبب وراء هذا الاعتقاد أن هناك نقطة تنظيمية مبهمة عندما يتعلق الأمر بالشركات التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي إذ أنها لا تميل في اتخاذ قرارات ضد الحسابات الناطقة بغير الإنجليزية أو الحسابات التي لا توثر بشكل مباشر على المصالح الأمريكية”.
من جانبه، عزا غزيل انتشار اللجان الإلكترونية في المنطقة إلى المناخ السياسي غير المستقر في الشرق الأوسط الذي تعصف بدوله صراعات وأزمات سياسية واقتصادية فضلا عن حكومات استبدادية.
ويقول لدويتشه فيله “عندما يتم تشجيعهم من قبل السياسيين والحكومات فإنهم يجيدون في منصات التواصل الاجتماعي ضالتهم في العمل دون رادع حقيقي أو سريع لكبح جماحهم”. وأضاف “الجيوش الإلكترونية تزدهر في ظل غياب سيادة القانون”.
كاثرين شاير
ترجمة: م.ع
حقوق النشر: دويتشه فيله 2021
ar.Qantara.de
——————————-
ملامح توتر دبلوماسي تلوح في الأفق بسبب “فضيحة بيغاسوس”/ حسين مجدوبي
دأت ملامح توتر دبلوماسي بين الدول تلوح في الأفق؛ بسبب عمليات التجسس الواسعة بواسطة البرنامج الإسرائيلي “بيغاسوس” التي نفذتها أجهزة أمنية واستخباراتية ضد صحافيين ونشطاء حقوقيين وسياسيين.
وانفجرت الفضيحة العالمية الجديدة للتجسس الأحد الماضي بفضل التحقيقات التي قامت بها مجموعة “فوربدين ستوري” بدعم 17 صحيفة عالمية منها لوموند والغارديان وواشنطن بوست ثم أمنستي إنترناشيونال التي حصلت على لائحة تضم 50 ألف رقم هاتف من شتى أنحاء العالم قامت أجهزة استخبارات بالتجسس عليها. وحسب المعطيات التي تم نشرها يوم أمس، انفردت المكسيك بالصف الأول بالتجسس على 15 ألف رقم، تليها المغرب والإمارات بعشرة آلاف رقم، ثم دول عربية أخرى مثل السعودية والبحرين وكذلك من الاتحاد الأوروبي مثل هنغاريا.
وعمليا، يفترض استعمال بيغاسوس للتجسس فقط على الإجرام المنظم والإرهاب كما تؤكد الشركة المصنعة في ميثاقها، لكن ومنذ سنة 2016، تقوم الدول بالتجسس على هواتف السياسيين والصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان. وجرى نشر أسماء صحافيين جرى التجسس عليهم بواسطة بيغاسوس من المغرب وإسبانيا وفرنسا والإمارات والمكسيك والهند والسعودية ضمن دول أخرى.
وبدأت عملية التجسس تشير إلى وقوع توتر دبلوماسي، فقد كانت ردود فعل بعض الدول قوية ضد التجسس مثل فرنسا التي انتقدت تعرض مواطنيها للتجسس من طرف جهات أخرى، في إشارة إلى المغرب. ثم هنغاريا التي تعرضت لانتقادات الاتحاد الأوروبي. ورغم نفي بعض الدول التجسس، سيتفاقم بدون شك التوتر، بعدما بدأ القضاء في دول أوروبية والبداية مع فرنسا يحقق في الجهات التي تجسست على الصحافيين والسياسيين الفرنسيين، حيث من المحتمل توجيه اتهامات إلى مسؤولي دول أخرى.
ومن ضمن المعطيات المثيرة، أن بداية التجسس كانت سنة 2016، وانفجرت فضيحة كبرى سنة 2019 عندما جرى اكتشاف تجسس هذا البرنامج على الهواتف التي تستعمل تطبيق واتساب، وتقدمت الشركات الرقمية الكبرى فيسبوك ومايكروسوفت وأمازون وغوغل بدعوى في محكمة سان فرانسيسكو ضد الشركة الإسرائيلية. ويعتقد أن هذه الدعوى كانت وراء اتخاذ الشركة الإسرائيلية قرارا بعدم تسهيل عملية التجسس على الهواتف التي تحمل أرقاما أمريكية ثم بريطانية، أي أن محاولات التجسس على هذه الهواتف يكون مآله الفشل باستثناء من تستهدفه إسرائيل لمصالحها القومية شخصيا وليس دول أخرى.
وكشف مصدر من الذين جرى التجسس عليهم لـ”القدس العربي” تعرض “هاتفه وهاتف زوجته وهاتف السكرتيرة وهاتف السائق الذين يحملون أرقاما محلية (في بلد عربي) للتجسس، لكن لم يتم اختراق رقمه الأمريكي”. ويضيف: “لمّا سألت، أخبروني أن الشركة الإسرائيلية برمجت بيغاسوس لكي تفشل الدول التي اقتنت البرامج في التجسس على الأرقام الأمريكية، والاحتمال الكبير بإضافة إن إس أو الأرقام البريطانية إلى لائحة الدول التي يصعب التجسس عليها بعد فضيحة 2019 وتفادي القضاء الأمريكي والبريطاني، ولكن يجب انتظار الإفراج عن التقرير ومعرفة على من جرى التجسس وأين فشلت محاولات الاختراق”. خاصة أن عددا من الصحافيين البريطانيين والأمريكيين كانوا ضمن عشرات الألاف التي تعرضت هواتفهم للتجسس.
ومن ضمن المعطيات المثيرة في الوقت ذاته، هي تعرض بعض الأرقام التي تعود إلى صحافيين ونشطاء حقوقيين للتجسس من طرف عدد من الدول العربية في آن واحد خاصة بين 2017 إلى 2019.
القدس العربي
—————————
ما هو برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي للتجسس.. ولماذا يعد أقوى نظام لاختراق الهواتف في العالم؟
“بيغاسوس”، ربما يكون هذا هو اسم أقوى برنامج تجسس صنعته شركة خاصة يوماً، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية. فحالما يشق طريقه إلى هاتفك، دون أن تلاحظ يحوّله إلى جهاز مراقبة يعمل على مدار 24 ساعة. فيصبح بإمكانه نسخ الرسائل التي ترسلها أو تتلقاها، وجمع صورك وتسجيل مكالماتك. وقد يصورك سراً من خلال كاميرا هاتفك، أو ينشّط الميكروفون لتسجيل محادثاتك. وبإمكانه أيضاً تحديد مكانك، والمكان الذي كنت فيه، والأشخاص الذين قابلتهم.
وبيغاسوس Pegasus برنامج اختراق -أو برنامج تجسس- طورته شركة NSO Group الإسرائيلية وتسوقه لحكومات دول العالم. ولديه القدرة على اختراق مليارات الهواتف التي تعمل بأنظمة تشغيل iOS أو أندرويد.
“زيرو كليك”.. كيف يعمل برنامج بيغاسوس الإسرائيلي؟
كانت أقدم نسخة مكتشفة من بيغاسوس، حصل عليها باحثون عام 2016، تخترق الهواتف من خلال ما يسمى التصيد الاحتيالي، أي الرسائل النصية أو رسائل البريد الإلكتروني التي تدفع الهدف للنقر على رابط اختراق.
ولكن بعدها، ازدادت قدرات برنامج بيغاسوس تقدماً. وأصبح بإمكانه الوصول إلى أهدافه عن طريق ما يسمى الهجمات “الخالية من النقر” zero-click، التي لا تتطلب أي تفاعل من مالك الهاتف ليتمكن من اختراقه. وغالباً ما تستغل هذه الهجمات ثغرات “الهجمات دون انتظار” zero day، وهي عيوب أو أخطاء في نظام التشغيل لا تكون الشركة المصنعة للهاتف المحمول قد اكتشفتها وبالتالي لا تتمكن من إصلاحها.
بيغاسوس Pegasus برنامج اختراق -أو برنامج تجسس- طورته شركة NSO Group الإسرائيلية وتسوقه لحكومات دول العالم/ رويترز
وعام 2019، كشفت شركة واتساب أن برنامج بيغاسوس اُستخدم لإرسال برامج اختراق إلى أكثر من 1400 هاتف عن طريق استغلال ثغرة الهجمات دون انتظار. وذلك ببساطة عن طريق إجراء مكالمة واتساب للجهاز المستهدف تُمكِّن برنامج بيغاسوس من تثبيت رمز خبيث على الهاتف، حتى لو لم يرد الهدف على المكالمة مطلقاً. وفي الآونة الأخيرة، بدأت NSO في استغلال الثغرات الأمنية في برنامج iMessage المثبّت على هواتف آبل، وهو ما مكّنها من اختراق مئات الملايين من أجهزة آيفون. وتقول شركة آبل إنها تحدّث برامجها باستمرار لمنع هذه الهجمات.
“بيغاسوس” يكاد لا يترك أثراً بعد اختراق الهواتف
وقد حسّنت الأبحاث التي يجريها كلاوديو غوارنييري، مدير مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية في برلين، الفهم التقني لبرنامج بيغاسوس، وآلية العثور على الآثار الواضحة التي يتركها في الهاتف بعد أن يتمكن من اختراقه.
يقول غوارنييري لصحيفة الغارديان، الذي أوضح أن عملاء NSO يفضلون الهجمات الدقيقة التي لا تتطلب إرسال روابط عن الرسائل النصية المشبوهة: “أصبحت الأمور أكثر تعقيداً من تلاحظها الهواتف المستهدفة”.
وترى شركات مثل شركة NSO الإسرائيلية في استغلال البرامج المثبّتة على الأجهزة افتراضياً مثل iMessage، أو المستخدمة على نطاق واسع، مثل واتساب، جاذبية خاصة؛ لأنها تزيد من أعداد الهواتف المحمولة التي يتمكن بيغاسوس من اختراقها بنجاح.
فور تثبيته على الهاتف، يصبح بإمكان بيغاسوس جمع أي معلومات أو استخراج أي ملف والقيام بالعديد من المهام الأخرى/ رويترز
وبصفته الشريك التقني لـ”مشروع بيغاسوس”، وهو اتحاد دولي لعدد من المؤسسات الإعلامية منها صحيفة The Guardian، اكتشف مختبر منظمة العفو الدولية آثاراً لهجمات ناجحة نفذها عملاء بيغاسوس على أجهزة آيفون تعمل بإصدارات حديثة من iOS. ونُفِّذت هذه الهجمات في يوليو/تموز 2021.
وقد توصل التحليل الاستدلالي العلمي لهواتف الضحايا أيضاً إلى أدلة تشير إلى أن بحث NSO المستمر عن نقاط الضعف ربما امتد ليشمل تطبيقات أخرى شائعة. وفي بعض الحالات التي حللها غوارنييري وفريقه، لوحظت حركة غريبة في الشبكة مرتبطة بتطبيقات الصور والموسيقى في هواتف آبل في وقت الهجمات، وهو ما يشير إلى أن NSO ربما بدأت في استغلال الثغرات الجديدة.
وفي حالة فشل هجمات التصيد الاحتيالي والهجمات الخالية من روابط النقر، فيمكن أيضاً تثبيت “بيغاسوس” عبر جهاز إرسال واستقبال لاسلكي يوضع قريباً من الهدف، أو وفقاً لكتيب NSO، يمكن تثبيته يدوياً ببساطة إذا تمكن أحد العلماء من سرقة هاتف الهدف.
من الصعب جداً الآن التعرف على هجمات “بيغاسوس”
ازدادت قدرات برنامج بيغاسوس تقدماً. وأصبح بإمكانه الوصول إلى أهدافه عن طريق ما يسمى الهجمات “الخالية من النقر” zero-click/ تعبيرية Istock
فور تثبيته على الهاتف، يصبح بإمكان بيغاسوس جمع أي معلومات أو استخراج أي ملف، ويصبح بإمكانه تسريب الرسائل النصية، والأرقام، وسجل المكالمات، والتقويمات، ورسائل البريد الإلكتروني، وتاريخ تصفح الإنترنت.
وقد بذلت NSO جهوداً كبيرة حتى تجعل برنامجها صعب الكشف، وأصبح من الصعب جداً الآن التعرف على هجمات بيغاسوس. ويعتقد الباحثون في مجال الأمن أن الإصدارات الأحدث من بيغاسوس تعمل في ذاكرة الهاتف المؤقتة فقط، وليس في قرصه الصلب، وهو ما يعني أنه فور إيقاف تشغيل الهاتف، يختفي كل أثر للبرنامج تقريباً.
وأحد أخطر التحديات التي يطرحها برنامج بيغاسوس للصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان هو أن البرنامج يستغل الثغرات غير المكتشفة، ما يعني أن حتى أكثر مستخدمي الهاتف المحمول وعياً بالأمان لا يمكنه منع الهجوم.
يقول غوارنييري: “هذا هو السؤال الذي يُطرح عليّ كثيراً في كل مرة نجري فيها تحليلاً استدلالياً لهاتف أحدهم: ما الذي يمكنني فعله لأمنع تكرار هجوم مماثل؟ والجواب الصادق الحقيقي هو لا شيء”.
عربي بوست
—————————-
=====================
تحديث 28 تموز 2021
————————-
قصص محرّمة في “فضيحة بيغاسوس”/ عائشة البصري
قد يعتقد لوهلة متتبع “فضيحة بيغاسوس”، وما صاحبها من حديث عن أكبر وأخطر عملية تجسس في التاريخ، أن الإنسان كان ينعم بحرية وخصوصية فردية شبه مطلقة، ليستيقظ الآن على جريمة تجسّس أنظمة استبدادية على الصحافيين والحقوقيين والسياسيين وآلاف المواطنين في العالم. لكن المعلومات المتاحة تُظهر أن هذه الزوبعة الإعلامية تُروّج سلسلة افتراضات ومغالطات ومبالغات، وأن التحقيق يميل أكثر إلى المناصرة الحقوقية التي لا تخلو من أجنداتٍ سياسية، ولا يحترم مقوّمات الصحافة الاستقصائية.
“مشروع بيغاسوس”، هو اسم التحقيق الذي نشره أخيرا ائتلاف إعلامي دولي يضم أكثر من 80 صحافيًا يمثلون 17 جهة إعلامية في عشر دول جلّها غربية، أبرزها صحيفة الغارديان البريطانية، وواشنطن بوست الأميركية، ولوموند الفرنسية. وتتزعم الائتلاف منظمة إعلامية فرنسية، فوربيدن ستوريز (قصص محرّمة)، صاحبة الفكرة، ومنظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال). ويزعم المشروع أنه حقّق في عملية تنصّت واسعة النطاق، تم فيها اختراق، أو اتضحت نيّة اختراق كم هائل من الهواتف من تطبيق بيغاسوس، البرنامج الخبيث الذي طوّرته الشركة الإسرائيلية “أن أس أو”.
اعتمد التحقيق على قائمة بيانات مُسرّبة تضم 50 ألف رقم هاتف نقال من 45 دولة، ينسبها المحققون لشركة “أن أس أو غروب”، ويزعم إن عشر دول (أذربيجان، البحرين، كازاخستان، المكسيك، المغرب، رواندا، السعودية، المجر، الهند، الإمارات) قد أخضعت أرقام الهواتف تلك لمراقبة محتملة عبر برنامج بيغاسوس، في حين تنفي بعض هذه الدول ضلوعها في هذه العملية، كما تنفي الشركة وجود أية علاقة لها بهذه القائمة، وتقول إنها تبيع البرنامج للدول لأغراض أمنية، ولا تقوم هي بمهمة التجسّس لصالح الدول، أو تخزين بيانات المعلومات المحصّل عليها.
وبعد أن أنذرت كبرى الصحف بعملية تجسّس عالمية وأربكت الجميع، استدرك المحقّقون الوضع، ليوضحوا أنه ليس كل هاتف ظهر على هذه القائمة قد تم اختراقه، وإنما يُحتمل أنه كان مستهدفا. وأقرّوا أيضا بأنه يستحيل الحسم في هذا الاتهام ما لم تخضع الهواتف المستهدفة لفحص تقني. وقامت المؤسسة الألمانية “سيكيورتي لاب”، التابعة لمنظمة العدل الدولية، بفحص تقني لـ 67 هاتفا نقالا، وخلُصت إلى تعرّض 23 هاتفا لاختراق ناجح، إضافة إلى 14 هاتفا ظهرت عليها علامات محاولة الاختراق. التحقّق من اختراق ومحاولة اختراق 37 هاتفا من أصل 50 ألفا، يعني أن المعلومات المتحقّق منها لا تتجاوز نسبة 0.07% ، ما ينزع عن هذا البحث صفة “الصحافة الاستقصائية” التي تقتضي عدم نشر المعلومات إلا بعد التأكّد من حقيقتها، ومن ترابطها واكتمالها، والحصول على الحد الأقصى من المعلومات المحصّلة.
اللافت أيضا تلك المفارقة الهائلة بين التشهير بعشر دول يُزعم أنه تم التجسّس لصالحها، والتستر على الدول التي سهّلت عملية التجسّس على الهواتف الـ 37. من أهم المعلومات التي توصل إليها التحقيق، من دون ترويجها بالشكل اللائق، أن هجوم “بيغاسوس” انطلق من “خوادم اسم النطاق” (DNS Servers)، التي توجد في مراكز بياناتٍ تستضيفها هذه الدول الـ 12 المُرتّبة حسب عدد الخوادم: ألمانيا ( 228 خادما)، بريطانيا (79)، سويسرا (36)، فرنسا (35)، أميركا (28)، فنلندا (9)، هولندا (5)، كندا (4)، أوكرانيا (4)، سنغافورة (3)، الهند (3)، النمسا (3). وتتوفر كل من اليابان وبلغاريا وليتوانيا والبحرين على خادم واحد. وتؤكد هذه اللائحة ما صرّحت به شركة “أن أس أو” لوكالة أنباء آسيا الدولية، من أن الديمقراطيات الغربية تمثل معظم زبنائها.
هذه إحدى أهم القصص المحرّمة التي كان على هذا المشروع الإعلامي – الحقوقي أن يتحرّى بشأنها، ويُخضع مراكز البيانات هاته لتحقيقٍ صارم، ويكشف عن أنشطة تجسّس الدول الغربية و”ضحاياه” أيضا، ويواجه أرباب شركات التجسّس في الديمقراطيات الغربية التي يدين قادتها تجسّسا محتملا تحتضنه مراكز بيانات شركاتهم، ويسهله عملاؤهم. وفي السياق نفسه، لم يوضح المحققون للجمهور الدولي أن “أن أس أو” شركة أوروبية بقدر ما هي إسرائيلية، فمعظم أسهمها تمتلكها نوفالبينا كابيتال (Novalpina Capital)، الشركة الأوروبية التي تتخذ من لندن مقرّا لها.
إنها الخطوط الحمراء، ومصالح ملاك وسائل الإعلام، والمستثمرين وحَمَلة الأسهم، التي جعلت ائتلاف الإعلام الدولي يغضّ الطرف عن الدور الأوروبي في أنشطة التجسّس التي تعرف ازدهارا تجاريا في القارة العجوز. اكتفى الائتلاف بتصوير “بيغاسوس” أنه السلاح الإلكتروني المفضل للديكتاتوريات، ولم يعترف بأنه، كباقي الأسلحة، يصنّعها الغرب الديمقراطي ويغتني بتجارتها ويؤدّي مواطنو دول الجنوب ثمنها.
الجبهة الإعلامية التي تهاجم بشراسة المغرب أو المكسيك اليوم، دفاعا عن حرية الصحافة وحق الخصوصية الفردية، لم تُقم القِيامة لألمانيا والدنمارك والنرويج وبلجيكا والنمسا، حين اعتمدوا قوانين مكنّت مسؤولي الهجرة في هذه الدول من استخراج البيانات من الهواتف الذكية لطالبي اللجوء، واستخدامها قانونيا مبرّرا في ترحيلهم. كذلك، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تحذّر اليوم من وقوع برامج التنصّت في “الأيدي الخطأ” مثل المغرب، لم تنزعج حين وضعت شركة فينفيشر الألمانية برنامج تجسّسها فينسباي (FinSpy) بين أيدي حكومات البحرين وتركيا والإمارات وحكومات سلطوية، وتسبّب ذلك في سجن مئات النشطاء الحقوقيين والمعارضين العرب والمسلمين وتعذيبهم. ولولا ضغوط منظمات حقوقية، لما فتح القضاء الألماني قبل عامين تحقيقا في ممارسات هذه الشركة التي لا تقلّ خطورة عن “أن أس أو” الأورو – إسرائيلية.
أما الجارة الفرنسية، فبعد تسعة أعوام من المماطلة، وجّهت محكمة باريسية في مطلع 2021 تهمة لشركة برامج التجسّس الفرنسية “Amesy”، بالتواطؤ في أعمال التعذيب لبيعها برامج التجسّس إلى نظام الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، ما بين 2007 و2011. ويستغرب المحامي باتريك بودوان، الذي يدافع عن مدّعين مدنيين في هذا الملف، لتأخر القضاء الفرنسي في النظر بجدّية في هذه القضية، ويقول إن الدفاع يتوفر على أدلة لا تترك مجالا للشك في أن معدّات التجسّس الفرنسية قد سُلمت بدراية لنظام القذافي، واستعملت لسجن معارضين ليبيين وتعذيبهم.
لم يربط تحقيق “أمنستي” وشركائها بين فضيحة شركة “أن أس أو” وفضائح شركات التجسّس الأوروبية الأخرى، ربما لأن القصة التي تدور حولها قضية “بيغاسوس” هي الشرعية الديمقراطية للتجسّس، أي أن هذه البرامج الاستخباراتية نافعةٌ وضروريةٌ حين تصنّعها الدول العظمى، وتستخدمها في سرّية تامة ومن دون ضوابط دولية، وجد خطيرة عندما تباع لحكومات غير ديمقراطية قد تسيء استخدامها.
لقد تجلى هذا الموقف التمييزي بوضوح من خلال الحملة الفرنسية على المغرب، إذ أطلقت وسائل الإعلام العنان لسب المغرب وشتمه، حكومة وشعبا. ووصل الأمر إلى أن تطلب قناة 24 الفرنسية من المغرب أن يقدم أدلةً على عدم استخدامه برنامج التجسّس، بدل التوجه إلى الأطراف التي اتهمت أجهزة مخابرات المغربية بالتجسّس على عشرة آلاف فرد في المغرب والجزائر وفرنسا وبلجيكا، من دون أن تقدّم دليلا وازنا على ذلك. هكذا تنقلب الآية، ويلقي الإعلام الفرنسي عبء الإثبات على المتّهَم بدل جهة الاتهام.
في مقال نشره الموقع الإخباري ميديابارت، والذي يعتبر نفسه “سلطة إعلامية مضادة” في فرنسا، يلخّص الصحافي اليساري، برونو بانبان، الاستعلاء الكولونيالي العنصري الذي يطفو إلى السطح بين فينة وأخرى، ويتم تغليفه بحريّة التعبير: “أن يتجسس عليك المغرب، بصراحة إنه لعار مطلق”… يمكن أن تقبل، ولو على مضض، أن تتجسّس عليك روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة، ولكن أن تراقبك بمَكْر دولة مغاربية صغيرة جدًا، فيا للصّدمة! وينبغي التذكير بأنه بلد مسلم، يحكمه زعيم سلالة العلويين، مثل عائلة الأسد التي تحكم سورية منذ 1970! إذا واصلنا على هذا النحو، قريبا ستتجسّس علينا غانا أو توغو (…). أن يستخدم بلد مسلم برامج التجسّس الإسرائيلية ضد جمهوريتنا الكاثوليكية العلمانية الجميلة، سادس أكبر اقتصاد في العالم، لا أقصد التهويل، لكن تبدو وكأنها نهاية العالم”.
من مزايا “فضيحة بيغاسوس” أنها فضحت الإعلام الغربي وأسقطت ما تبقى من أوهام موضوعيته واستقلاله وسعيه وراء الحقيقة.
العربي الجديد
—————————
التجسس الرقمي.. الديمقراطية في فضاء سيبراني/ حسام أبو حامد
كانت تقنيات التجسس المتطورة، في السابق، حكرًا على عدد قليل من الدول، لكنها تنتشر اليوم على نطاق واسع، مما يفرض على واحدنا التخلي عن سباته المطمئن بشأن الخصوصية والأمان في فضائه السيبراني (الإلكتروني)، إذ بات من السهل تحويل الهاتف النقّال من مساعد رقمي إلى وسيلة تجسس، لصالح شخص يجلس عن بعد في مكان ما، وقادر على معرفة تفاصيل يومك؛ مع من تتحدث، ماذا تقول، أين تذهب، من قابلت، ما هي الأشياء التي أثارت اهتمامك أو اشتريتها عبر الإنترنت… إلخ، هذا الشخص يُرى ولا يَرى.
أواسط الشهر الجاري، زعم تحقيق أجرته منظمة العفو الدولية، وعديد من وسائل الإعلام، أن 37 من رؤساء الدول، والصحافيين، ونشطاء حقوق الإنسان، ورجال الأعمال، قد تم اختراقهم ببرامج تجسس طورتها شركة المراقبة الإسرائيلية NSO Group. جاءت الأسماء من قائمة مسربة تضم 50000 رقم هاتف محمول لأفراد اعتبرهم عملاء NSO من حكومات “أشخاصًا محل اهتمام”، حوالي 600 منهم سياسيون أو رؤساء دول، من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى محمد السادس، ملك المغرب.
وصفت شركة NSO نتائج التحقيق بأنها مبالغ فيها ولا أساس لها من الصحة، وزعمت أنها لا تشغّل برامج التجسس التي رخصتها للعملاء، وليس لديها وصول منتظم إلى البيانات التي يتم جمعها. لكن ما تم الكشف عنه، بالإضافة إلى أدلة أخرى، يشير إلى أن الانتهاكات الجسيمة للخصوصية أصبحت قاعدة وليست استثناء.
نظام التشفير
اليوم، تستغل المنظمات الإرهابية، وعصابات المخدرات، والمتاجرين بالبشر، وعصابات الاستغلال الجنسي للأطفال، وغيرها من عصابات إجرام، إمكانات التشفير المتاحة، التي توفرها تطبيقات الرسائل والاتصالات على الهاتف المحمول، ودفع التوسع الهائل في التشفير من طرف إلى طرف من قبل Google وMicrosoft وFacebook وApple، وغيرها من شركات التكنولوجيا الكبرى، مسؤولي إنفاذ القانون والاستخبارات إلى الشكوى من أنهم فقدوا الوصول إلى اتصالات الأهداف الإجرامية المشروعة. أدى ذلك بدوره إلى زيادة الاستثمار في تقنيات التجسس، مثل Pegasus، التي تستهدف الأجهزة الفردية. والمعلن أن هذه التقنية صمّمت في الأصل لمساعدة الحكومات الغربية على استهداف الإرهابيين والشبكات الإجرامية الكبرى. وتحاجج NSO بأنها تبيع فقط برامج التجسس إلى الجهات التي توافق عليها الحكومة الإسرائيلية، وزعم محاموها أن التقرير الفني لمنظمة العفو الدولية كان تخمينًا لا أساس له. ومع ذلك، لم يعترضوا على أي من النتائج أو الاستنتاجات المحددة. بعد نشر التقارير عن Pegasus، ادّعت NSO أن تقنياتها ساعدت في منع الهجمات والتفجيرات وتفكيك العصابات التي تتاجر بالمخدرات والجنس والأطفال، وأنها تواصل هذه المهمة بأمانة، وتُجري مراجعات صارمة لسجلات حقوق الإنسان للعملاء المحتملين قبل التعاقد معهم، وتحقق في تقارير الانتهاكات. وأكدت أنها أوقفت عقودها مع خمسة عملاء لارتكاب انتهاكات موثّقة، وأن العناية الواجبة للشركة كلفتها 100 مليون دولار. لم تكشف الشركة عن أولئك العملاء، أما التسريبات عن إنهاء الشركة، العام الماضي، عقودها مع المملكة العربية السعودية ودبي في الإمارات العربية المتحدة بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، فليس هناك ما يؤكدها.
صحيح أن هناك إيجابيات لانتشار المراقبة الحديثة. على سبيل المثال، تم القبض على أكثر من 400 شخص اقتحموا مبنى الكابيتول الأميركي في 6 كانون الثاني/ يناير، ووجه إليهم الاتهام بعد أن تركوا “بصماتهم” الرقمية في مكان الحادث. تم تأكيد مواقعهم من خلال الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وإشارات WiFi، ومقاطع الفيديو والبيانات الوصفية، لكن التوازن بين الفوائد والأضرار يجب أن يخضع لمزيد من التدقيق. كيف يمكن للشركة أن تحدد من هم الإرهابيون والمجرمون؟ هل لدى جميع الدول نفس المعايير الدقيقة والعادلة لتمييز هؤلاء من غيرهم؟ هل المعارضون السياسيون مثلًا هم مجرمون وإرهابيون؟ هل كان جمال خاشقجي، وهو أحد ضحايا Pegasus قبل أن يكون ضحية منشار سفارة بلاده، إرهابيًا؟
تقرير منظمة العفو الدولية يكشف أن تقنية مجموعة NSO كثيرًا ما تستهدف الأفراد الذين لا علاقة لهم بالجريمة أو الإرهاب. لقد أصبح من الواضح أن تكاليف حقوق الإنسان لبرامج التجسس التابعة لها تفوق بكثير اعتبارات الأمن القومي. وحتى الآن، تبدو NSO أقل شبهًا بشركة تكنولوجيا إبداعية وأكثر شبهًا بشركة تبحث عن أعذار للتطفل غير المقبول.
كيف يعمل بيغاسوس
ربما يكون بيغاسوس هو اسم لأقوى برنامج تجسس تم تطويره على الإطلاق، فبمجرد أن يشق طريقه إلى هاتفك، سواء عمل بأنظمة تشغيل iOS أو Android، دون أن تلاحظ، يحوّله إلى جهاز مراقبة يعمل على مدار 24 ساعة. يمكنه نسخ الرسائل التي ترسلها أو تتلقاها، وجمع صورك، وتسجيل مكالماتك. قد يقوم بتصويرك سرًا من خلال كاميرا هاتفك، أو ينشّط الميكروفون لتسجيل محادثاتك. من المحتمل أن يحدد مكانك، والمكان الذي كنت فيه، والأشخاص الذين قابلتهم.
تم اكتشاف أقدم نسخة من Pegasus، في عام 2016، حيث أصابت الهواتف من خلال ما يسمى الصيد بالرمح (إرسال رسائل نصّية أو رسائل البريد الإلكتروني التي تخدع الهدف للنقر على رابط ضار). منذ ذلك الحين، أصبحت قدرات هجوم NSO أكثر تقدمًا، فأصبح بالإمكان تحقيق إصابات Pegasus من خلال ما يسمى بهجمات “النقر الصفري”، والتي لا تتطلّب أي تفاعل من مالك الهاتف من أجل تحقيق النجاح، بل عبر استغلال الثغرات الأمنية في “اليوم صفر”، وهي عيوب أو أخطاء في نظام التشغيل لم تتمكن الشركات المصنعة للهواتف النقالة من إصلاحها بفعالية حتى الآن. في عام 2019، كشفت WhatsApp أن برنامج NSO قد تم استخدامه لإرسال برامج ضارة إلى أكثر من 1400 هاتف من خلال استغلال ثغرة اليوم صفر، عن طريق إجراء مكالمة WhatsApp على جهاز مستهدف، يمكن تثبيت رمز Pegasus الخبيث على الهاتف، حتى لو لم يرد الهدف مطلقًا على المكالمة. في الآونة الأخيرة، بدأت NSO في استغلال الثغرات الأمنية في برنامج iMessage من Apple، مما أتاح لها الوصول إلى مئات الملايين من أجهزة iPhone. ويبدو أن عملاء NSO قد تخلّوا إلى حد كبير عن رسائل SMS المشبوهة لشن هجمات أكثر دقة بدون نقرات. أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا بكثير، فاستغلال البرامج المثبتة على الأجهزة افتراضيًا، مثل iMessage، أو المستخدمة على نطاق واسع، مثل WhatsApp، أمر جذاب بشكل خاص، لأنه يزيد بشكل كبير من عدد الهواتف المحمولة التي يمكن أن تهاجمها Pegasus بنجاح.
تقول شركة آبل إنها تقوم باستمرار بتحديث برامجها لمنع مثل هذه الهجمات. لكن Pegasus يبحث دائمًا عن أي نقاط ضعف جديدة للنفاذ إلى نظام التشغيل، وفي حالة عدم نجاح هجمات الاصطياد بالرمح، ولا هجمات النقر الصفري، يمكن تثبيت Pegasus عبر جهاز إرسال واستقبال لاسلكي يقع بالقرب من هدف أو تثبيته يدويًا إذا تمكن الوكيل من سرقة هاتف الهدف.
أحد أهم التحديات التي يطرحها برنامج Pegasus للصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان هو حقيقة أن البرنامج يستغل نقاط الضعف غير المكتشفة، مما يعني أنه حتى أكثر مستخدمي الهاتف المحمول وعيًا بالأمان لا يمكنهم منع الهجوم. إن سأل أحدنا تعرض لاختراق “ماذا يمكنني أن أفعل لمنع حدوث هذا مرة أخرى؟” فإن الجواب الصادق، والصادم بكل حال: “لا شيء”!
التجسس والديمقراطية
يعود تاريخ صناعة برامج التجسس الدولية المزدهرة اليوم إلى عقود خلت، لكنها تلقّت دفعة هامة بعد أن كشف إدوارد سنودن عام 2013 عن وثائق وكالة الأمن القومي عالية السرّية، التي أكّدت قدرة الوكالة على الاستفادة من الاتصالات الإلكترونية، لأي شخص تقريبًا، لتمتعها بوصول سرّي إلى الكابلات العابرة للحدود الوطنية التي تنقل حركة الإنترنت في جميع أنحاء العالم، ولبيانات شركات الإنترنت مثل Google وشركات الاتصالات العملاقة مثل AT&T. ومع ذلك، فإن ما كشف عنه سنودن لم يظهر أن الحكومة تستهدف المراسلين الفرديين أو نشطاء حقوق الإنسان. يزعم تقرير منظمة العفو الدولية أن حكومات استبدادية مثل المملكة العربية السعودية استخدمت برنامج التجسس Pegasus الخاص بـ NSO على المعارضين والصحافيين، كما استُخدم لاستهداف معارضي الحكومة القومية الهندوسية برئاسة ناريندرا مودي، والمعارضين للشعبويين المجريين بقيادة فيكتور أوربان.
الاستخدام الواسع لبرامج التجسس، إلى جانب الاختراقات الشخصية، التي أصبحت ممكنة بفضل مراقبة الهواتف الذكية، برزت بوصفها تهديدًا رئيسيًا للديمقراطيات في جميع أنحاء العالم. لا يمكن للصحافيين الخاضعين للمراقبة جمع الأخبار الحساسة بأمان دون تعريض أنفسهم ومصادرهم للخطر. لا يمكن لسياسيي المعارضة أن يخططوا لاستراتيجيات حملتهم دون أن يتوقع من هم في السلطة تحركاتهم. لا يستطيع العاملون في مجال حقوق الإنسان العمل مع الأشخاص المستضعفين والمنكل بهم من قبل حكوماتهم دون تعريضهم للانتهاكات المتجددة. يمكن أن يساعد الاستخدام غير المقيّد لبرامج تجسس من الدرجة العسكرية، مثل Pegasus، الحكومات على قمع النشاط المدني في وقت يزداد فيه الاستبداد في جميع أنحاء العالم. كما أنه يمنح الدول التي تفتقر إلى التطور التقني الذي تحوزه دول رائدة (الولايات المتحدة وإسرائيل والصين) القدرة على إجراء تجسس رقمي أعمق بكثير من أي وقت مضى.
رأت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تعليقًا على تقرير منظمة العفو الدولية، أن تصدير برامج التجسس NSO يجب أن يقتصر على البلدان الديمقراطية حيث يوجد إشراف قضائي. لكن أيضًا، تثير تطور تقنيات المراقبة وانتشارها في كل مكان والتي تستخدمها وكالات الشرطة الديمقراطية تساؤلات حول مدى استعداد المواطنين للسماح للحكومات بمراقبة حياتهم الخاصة، وتطوير برامج مخصصة لذلك.
مع سنودن، حتى حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا أصيبوا بالصدمة من النطاق الشامل للتجسس الرقمي الأميركي، وشرع العديد من وكالات الاستخبارات الوطنية في تحسين قدرات المراقبة الخاصة بهم. شهدت الشركات الربحية التي يعمل بها متقاعدو وكالات الاستخبارات سوقًا مربحة خالية من اللوائح الحكومية والرقابة المفروضة على الصناعات الأخرى. إسرائيل ودول ديمقراطية كالولايات المتحدة الأميركية، لم تغض الطرف عن استخدام برامج التجسس فحسب، بل دعمت ضمنيًا هذه المبيعات من خلال الموافقة على تراخيص التصدير، مما يعكس تأثيرات برامج التجسس المنتجة في الدول الديمقراطية التكلفة العالية لممارسة التجارة مع حكام مستبدين.
خاتمة
حتى من دون زرع برامج تجسس، فإن اقتصاد المراقبة يتيح للشركات تتبعنا من خلال ما يعجبنا على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق منتجاتها، وخدماتها، بشكل أفضل، لكن هذه البيانات التي تجمعها تلك الشركات لتستخدمها هي عرضة للسرقة من قبل المتسللين، ويمكن للدول أن تسعى للاستفادة منها. اليوم يمارس الناس معظم حياتهم عبر الإنترنت. إنهم يسمحون لهواتفهم المحمولة بتسجيل أدلة على أعمق أسرارهم، سواء أكان ذلك عن قصد أم بغير قصد. وقد نقل انتشار وباء كورونا، وحالات الإغلاق، المزيد من الأعمال السرية إلى المنصات الرقمية. هناك أنواع أخرى من برامج التجسس معروضة للبيع للأشخاص العصابيين الراغبين في التجسس على عائلاتهم وأزواجهم. وفي الوقت الذي يكون كل واحد منا عرضة للاختراق والتجسس نحن أيضا جواسيس محتملين.
يحمّل الغرب الصين، إلى حد كبير، المسؤولية عن تصدير التكنولوجيا الاستبدادية إلى جهات فاعلة سيئة، ورغم أنها تتحمل مسؤولية عن تقديم نماذج للدول الأخرى حول كيفية استخدام التكنولوجيا الرقمية للسيطرة على مواطنيها، وصدّرت برامجها التجسّسية للأنظمة السيئة، لكن الشركات الصينية ليست الوحيدة التي توّفر أدوات قمعية للحكام المستبدين، بل هناك منافسة شديدة من الشركات القائمة في الديمقراطيات. هناك القليل من المبررات لمواصلة السماح بمثل هذه المبيعات دون إجراء مراجعة شاملة ووضع ضمانات أساسية لحقوق الإنسان.
إحالات
1- David Pegg and Sam Cutler, What is Pegasus spyware and how does it hack phones?, The Guardian,18 July 2021: https://bit.ly/3xboAS6
2- Dana Priest, Craig Timberg and Souad Mekhennet, Follow The Pegasus Project A global investigation: Private Israeli spyware used to hack cellphones of journalists, activists worldwide, The Washington Post, 18 July 2021: https://wapo.st/3iSQk96
3- STEVEN FELDSTEIN Governments Are Using Spyware on Citizens: Can They Be Stopped? Carnegie Center, JULY 21, 2021: https://bit.ly/3rzKDkp
ضفة ثالثة
———————–
====================