الناس

أبواب هجرة الموالين السوريين ..مقفلة/ منصور حسين

تجاوز شعور الكثيرين مستوى الندم على قرارهم البقاء في سوريا، ليصل إلى الحسرة، في ظل الغلاء المستمر وتفاقم الأزمات الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة وتدهور القدرة الشرائية، وتصاعد المؤشرات التي تؤكد عجز النظام عن إيجاد الحلول للتخفيف من وطأة الأزمة على المدى المنظور.

وعلى الرغم من تشابه الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها السوريون في مختلف المناطق رغم تعدد القوى المسيطرة على الأرض، إلا أن الأسوأ تلك التي يعيشها سكان مناطق النظام، في ظل استمرار الضغوط الاقتصادية والمعيشية على السكان، ما يدفع الكثيرين إلى البحث عن سبل للخروج من هذه المناطق بحثاً عن حياة أفضل.

وتتضارب الأرقام بين تلك التي تقدمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئيين، والتي تتحدث عن أكثر من خمسة ملايين ونصف سوري خارج البلاد، ثلثهم تقريباً في عمر 11 عاماً وما دون، وبين ما تتحدث عنه حكومات الدول المضيفة التي تشير إلى وصول أعداد اللاجئين السوريين إلى ما يقارب الثمانية ملايين.

سوريا وندم البقاء

توالي الأزمات، التي لن يكون آخرها بحسب المعطيات والمؤشرات الواردة من مناطق النظام، اشتداد أزمة الوقود وارتفاع أسعار الخبز والمواصلات الحالية، دفع مصعب، وهو أب لثلاثة أطفال، للتحسر على رفضه الهجرة إلى أوروبا وتصديقه الشائعات التي تتحدث عن تفكك العائلات وضياع الأطفال هناك، رغم أن الفرصة سنحت له قبل تسعة أعوام.

ويقول: “امتنعت عن الهجرة مع أشقائي وأصدقائي إلى أوروبا، عام 2012، بسبب الشائعات التي كانت منتشرة وبقوة عن قيام الحكومات هناك بتعليم الأطفال المناهج التي تسيء إلى ديننا وعاداتنا، واليوم ما كنا نسمعه في أوربا أصبح واقعاً نعيشه في سوريا”.

ويضيف “تحولت مدارسنا إلى بؤر لفيروس كورونا، في حين يتلقى أطفال إخوتي وغيرهم في دول اللجوء التعليم عن طريق الانترنت، والرعاية الإجتماعية، أما بالنسبة لنا، فلم يعد بمقدورنا توفير أدنى متطلبات الطفل للتعلم من قرطاسية وملابس وغيرها، ناهيك عن المشاكل الاجتماعية التي بدأت بالتفاقم بسبب الفقر”.

أسباب متعددة

وتتشابه شهادة مصعب مع العديد من السكان الذين تواصلت معهم “المدن” الذين أكدوا أن خيار البقاء كان دائماً مرتبطاً بضرورة الحفاظ على قيمنا الاجتماعية والدينية، في حين تحدث يحيى من مدينة حلب عن ظروفه العائلية وتكفله برعاية والدته الطاعنة في السن وأشقائه المرضى، الأمر الذي حال دون هجرته.

ويقول: “أكثر من مرة جهزت حقائبي للهجرة، خلال فترة وجود المعارضة في المدينة، وعند دخول قوات النظام إلى مناطقنا وخروج غالبية الناس، الذين يعيش معظمهم اليوم إما في تركيا أو أوروبا، لكن في كل مرة كنت أعدل عن الفكرة بسبب إخوتي الثلاثة المعاقين، فلا أحد يمكنه الاعتناء بهم”.

ويضيف “لو كنت مهاجراً إلى إحدى الدول الأوربية لتبدّلت أوضاع العائلة إلى الأفضل، فعلى الأقل كنت استطعت توفير المال لعلاج أشقائي أو الحصول على فرصة إخراجهم وعلاجهم بدل بقائهم”.

ومنذ انتهاء ما يسمى بالإنتخابات الرئاسية التي جدد فيها بشار الأسد حكمه لولاية رابعة، تزايد شعور السوريين بضرورة الهجرة فراراً من الأوضاع المعيشية التي تزداد سوءاً، حيث بدأت قوارب المهاجرين تنطلق من سواحل مدينة طرطوس الخاضعة لسيطرة النظام، ومنهم من بدء بالتحرك لتدارك الموقف، مستفيداً من وجود أحد أقاربه في بلاد اللجوء.

ويوضح عبد الرحمن، وهو لاجئ من مدينة حلب ويعيش في المانيا، أنه فوجئ بطلب والديه قبل أيام بتسيير معاملة لم الشمل لهما ولشقيقته، بعد سنوات على رفضهم المغادرة.

ويقول: “أدرك تماماً حال الأوضاع المعيشية في سوريا، حيث تتجاوز مصاريف والداي وشقيقتي الطالبة الجامعية 300 يورو شهرياً، إلا أن أسباب والدي كانت مغايرة، فقد بدا واضحاً قلقه على شقيقتي بسبب غياب الأمان وانتشار ظاهرة الخطف والسرقة خلال الأشهر القليلة الماضية”.

ويشير عبد الرحمن إلى مشكلة تتعلق بإجراءات لم الشمل الخاصة بشقيقته باعتبارها قد تجاوزت السن القانونية، حيث يحاول العمل على تقديم أوراقها الجامعية أملاً بالحصول على منحة دراسية، خاصة وأن والداه سيرفضان فكرة السفر بدونها، وبالتالي استمرار بقائهم في سوريا.

ولا تتوفر أعداد رسمية لطالبي الهجرة في سوريا، لكن التوقعات تشير إلى نسب هائلة من الراغبين بذلك، إذ تمنع السياسات والتدابير التي اتخذتها دول العبور إلى أوروبا، وعلى رأسها تركيا، مغادرة السوريين إلى هناك عبرها.

الأمل بعودة طرق الهجرة

ولا تختلف الأمور لدى سكان المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة عن المقيمين في مناطق نفوذ النظام، من انعدام فرص العمل وانتشار الفقر، فضلاً عن تهديدات الحملات العسكرية التي تتصاعد تباعاً، حيث ينتظر الجميع فرصة للفرار من سوريا، بحسب فارس حمادة الذي يعيش في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي. ويضيف “تشديد القوات التركية الحراسة على الشريط الحدودي واطلاقها الرصاص على كل من يحاول العبور، يعتبر السبب الأبرز في عدم هجرة السوريين”.

كما ساهم ارتفاع تكلفة الوصول إلى الدول الأوربية والتي تقارب 10 آلاف يورو، فضلاً عن تهديدات الإعتقال أو الإعادة إلى الأراضي السورية، بعزوف مئات السوريين عن الإقدام على هذه الخطوة.

ويرى منسق دائرة شؤون اللاجئيين في الائتلاف الوطني عدنان الرحمون أن النظام السوري وحليفته روسيا يتعاملون مع ملف الهجرة واللاجئيين بشقين مختلفيين، الأول، الشق الانساني، ويهدف للضغط على أوروبا والولايات المتحدة لتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، منعاً من حدوث موجة هجرة جديدة.

والشق الثاني سياسي، حيث عمل النظام على فتح قنوات تواصل مع الدول التي تصلها مراكب المهاجرين ومنها قبرص واليونان، وعقد صفقات لإعادتهم، ما أدى لإعادة البعثة الدبلوماسية القبرصية إلى دمشق، وانضمام اليونان على الخط، إضافة إلى مطالبة روسيا بعودة اللاجئيين للاستفادة منهم في ملف إعادة الإعمار، وبالتالي إعادة التطبيع مع نظام الأسد.

ويضيف رحمون أن “القرارات والتدابير التي اتخذتها دول العبور إلى أوروبا، ومنها اليونان وقبرص وتركيا، صعبت من عملية الهجرة، حيث أعلنت اليونان في حزيران/يونيو، تركيا كدولة ثالثة آمنة، ما يتيح لها حق إعادة قوارب المهاجرين المنطلقة من تركيا، وهو ما بدأت بفعله مؤخراً”.

يتفق غالبية السوريين المتواجدين في الداخل اليوم، على أن قرار البقاء في سوريا هو الأسوأ، في ظل واقع اقتصادي ومعيشي يزداد تدهوراً يوماً بعد آخر، وإغلاق شبه تام لأبواب الهجرة، ما يفاقم الغضب الشعبي ضد القوى التي تتقاسم السيطرة على مناطقهم.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى