الناس

عن خطبة الشيخ ” أسامة الرفاعي” في اعزاز -تفاصيل الخطبة وردود الفعل عليها

عن الشيخ الذي قلنا إن الأسدية أخفت “إسلامه المُعتدل”/ رستم محمود

فيما يتعلق بـ”الإسلام السوري”، إن صحت التسمية، ولعقود طويلة، كان ثمة رؤية فكرية سوسيوسياسية تُسيطر على وعي النُخب الثقافية والسياسية السورية، تقول إنه ثمة في سوريا “نوعان” ظاهران من الإسلام العام/السياسي، وثالث تُغيبه المنظومة الحاكمة بقصدية تامة، لأغراض سياسية سلطوية.

فالسلطة الأسدية، ودائماً حسب هذه الرؤية، كانت قد أسست ورعت مجموعة من المشايخ الرسميين/السُلطويين، الذين يحمدون بجاهها، تماهياً ومديحاً، يلتزمون بتوجهاتها وخطاباتها ورؤيتها لأحوال البلاد والإقليم، ويغضون النظر تماماً عن كُل ما قد يمسها. كان شيوخ من مثل مفتي الجمهورية أحمد كفتارو والشيخ الشهير سعيد البوطي ومؤسساتهم الفقهية والدعوية نماذج عن ذلك الإسلام السلطوي.

على الدفة الثانية، كانت البنية الأمنية والسياسية للأسدية تفرز إسلاماً راديكالياً مُتطرفاً، ترعى تنظيمات وقوى جهادية عابرة للحدود، يستخدمها النظام حسب حاجاته، بالذات في تعاونه الأمني مع أجهزة الاستخبارات الغربية، وإرعاب جزء من المُجتمع السوري من الجزء الآخر.

مقابل ذلكم النموذجين، فإن رؤية هؤلاء المثقفين والسياسيين المعارضين السوريين، كانت تدعي إنه ثمة إسلام اجتماعي وشعبي سوري يتم تغييبه تماماً، كان البروفيسور صادق جلال العظم يسميه “إسلام السوق”، فيما كان آخرون يسمونه “إسلام الشام”. فهذا “النموذج من الإسلام”، وأيضا حسب هذه الرؤية، كان يجمع الاعتدال الشرعي بروح الانفتاح العقلي والحياتي، وإن بشيء من المحافظة الاجتماعي. يجمع ذلك مع الكثير من صحوة الضمير وسمو المشاعر الروحية، والقابلية للتآلف مع الحداثة، بالذات في قيمه وآليات عمله السياسية والاقتصادية والبيروقراطية. كانوا يقولون إنه هذا النموذج من الإسلام هو الأقرب لروح المتدينين الأوروبيين، الذين جمعوا المحافظة الاجتماعية بالسمو الروحي مع الحداثة السياسية والمؤسساتية والقانونية.

لعقود كثيرة، ادعت خطابات قوى المعارضة ومثقفيها إن ذلك الإسلام هو “الحل”، لأنه ينتشل الإسلام، كدين وكأكبر مُحرك للمُجتمع والحياة العامة، ينتشلها من كِلي النموذجين المُستقطبين، إسلام السلاطين وإسلام العنف العابر للحدود، وتالياً فإنه إسلام مُضاد للاستبداد السياسي والاجتماعي بجوهره وديناميكياته الداخلية، لذا كانت السلطة مُصرة على تغييبه.

لفترة طويلة، بقيت تلك الرؤية تُغري الكثير من السوريين المعارضين، من أناس وفاعلين سياسيين وثقافيين، من غير المُتدينين والأعضاء في الحركات اليسارية والمدنية، مروراً بالمتأتين من الجماعات الأهلية السورية من غير المُسلمين السُنة. كان كل هؤلاء يمنون النفس أن يكون ذلك الإسلام دافعاً لأن تنبلج كُتلة شعبية وطنية كُبرى، مناهضة للاستبداد حقيقة، بشكليه السياسي والمجتمعي، وأن يكون ذلك النموذج من الإسلام شريكاً وفياً في هذا التطلع نحو مستقبل يحترم التنوع والخصوصيات ويبني دولة ديمقراطية.

كانت جماعة زيد الدينية أكبر تكتل وأوضح مثال لما كان يُقصد بذلك النموذج من “الإسلام المعتدل”. فالفرقة الدعوية هذه، التي أسسها الشيخ عبد الكريم الرفاعي، والد الشيخ أسامة الرافعي، منذ أواخر العصر العثماني، كانت توحي بأنها تمثل ذلك: إذ تضم مجموعة من المشايخ المدنيين، ذوي العلاقة والمصالح الوثيقة بعالم التجار الدمشقيين “كوكب البازار حسب تعبير فارسي شهير”، لا يصدرون فتاوى متشددة، ويركزون على الجوانب الروحية والأخلاقية في الدين، وإن كانوا محافظين اجتماعياً وثقافياً، مثل أي ملتزم ديني آخر. لكن الأهم أنهم لم يكونوا يمالقون السُلطة الحاكمة، ولا يتجاوزون أوجاع الناس ومعاناتهم مع أفعال السلطة، وإن لم يكونوا معارضين واضحين ومباشرين لهذه السلطة.

بالتقادم، تحولت الجماعة إلى ما يشبه النموذج، فنجلا الشيخ الرفاعي، سارية وأسامة، مشيا على النهج نفسه، وكان موقفهما الخاص من الثورة السورية، ومعارضتهما لسلوك النظام العنيف تجاه المنتفضين، بمثابة خاتمة وتأكيد لكل ما كان يُقال عن تلك الجماعة الدعوية.

لكن الجماعة نفسها، بقياداتها وسلوكياتها، وبعد هجرتها من سوريا واستقرارها في تركيا، وتأسيسها للمجلس الإسلامي السوري، الذي يُعد بمثابة دار الإفتاء ووزارة الأوقاف الرديفة للائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، فعلت كل شيء يدحض تلك الرؤية السابقة عنهم، وكانت الخطبة الأخيرة للشيخ أسامة الرفاعي في أحد جوامع مدينة إعزاز، المُسيطر عليها من قِبل ميليشيات الائتلاف السوري، بمثابة تأكيد على إن “الإسلام الشامي” أو “إسلام السوق” ذاك، لو صح التعبير، لا يملك ما يميزه عن باقي النماذج من “الإسلام المُتطرف”.

في خطبته التي استهدف فيها الناشطين في مؤسسات المُجتمع المدني السوري، الإناث منهم بالذات، والتي سماهم الشيخ الرفاعي “مراكز من دول الاستعمار والكفر والضلال وهدفها نشر الإلحاد”، لم يتعرض الشيخ لأمر شرعي أو فقهي، بقدر ما قال شيئاً في السياسة، أو بعبارة أدق “قولاً في السلطة”. فالشيخ يرى أن الخطر الأكثر مباشرة والذي يجب أن يكون مركزاً لتفكيرنا وانتباهنا، إنما يتكون من توليفة مركبة من ثلاثة عناصر: النساء والحياة المدنية والغرب، بقيمه ومؤسساته.

في التفصيل، لم تختلف مضامين خطبة الشيخ المُعتدل عن رؤية أي فقيه أو شرعي لأكثر جماعات الإسلام السياسي عنفاً وتطرفاً، التي تختلف في كل شيء عما بينها، لكنها تتفق على إسباغ هذا المزيج من التكفير والتخوين على أكثر قوى المجتمع حيوية، النساء والمؤسسات والأعمال المدنية والعلاقة التواصلية مع الغرب، ثقافته وقيمه ومؤسساته. هذه الديناميكيات التي يعرف الشيوخ في باطن وعيهم إنها من أقوى المناهضين والمضادين النوعيين لسلطتهم المجتمعية والرمزية، وطبعاً لميلوهم ونزعاتهم الرجعية.

قبل الخطبة بأسابيع وشهور وسنوات، لم ينبت الشيخ الرفاعي بأي شيء عن مظالم مئات الآلاف من السوريين الذين تعرضوا للمحق على يد حلفاء ورعاة الشيخ ومؤسساتهم وميليشياتهم، الذين خطفوا وغيبوا نُشطاء المجتمع المدني في منطقة دوما، وحملوا المدنيين من أبناء الجماعات الدينية السورية الأخرى في أقفاص وساروا بهم في شوارع المُدن التي سيطروا عليها، الذين هجروا سُكان منطقة عفرين واستولوا على ممتلكاتهم وحرقوا أشجارهم، وليس انتهاء بالسكوت عن تنظيمات راديكالية طائفية تحكم أجزاء واسعة مما يعتبره الشيخ “سوريا المحررة”. ومثله فعل كل الشيوخ والمؤسسات التي كانت سابقاً تُبشر أن تكون “إسلاماً مُعتدلاً”.

هل من تفسير لكل ذلك؟

غالباً نعم، ولأسباب شديدة التركيب: فربما كانت التقية هي ما تُظهر الجماعة المذكورة عما كانت عليه من قبل، وحينما صارت بموقع سلطوي، انبلجت حقيقتها.

وقد يصح إنها سُرطنت من هيمنة جماعات الإسلام السياسي الأكثر تطرفاً، الإخوان المُسلمون السوريون وغيرهم من المُسيطرين على الائتلاف السوري. وقد يصح أن الشيخ ومؤسسته متعطشون لسلطة اجتماعية فقدوها حينما غادروا الشام، وصاروا ينافسون مزاحمين آخرين على راديكاليتهم.

وقد يكون معقولاً أن يكون ذلك مناخ الممولين الجدد وفضاءهم. وأشياء كثيرة أخرى من مثل ذلك. لكنهم في المحصلة أثبتوا تهافت ما صنعوه من صورة حول أنفسهم، وسذاجة من آمن يوماً ما باختلافهم عن النماذج الأخرى من الإسلام السياسي.

في طريقهم الطويلة نحو تحقيق البداهة “أن يكونوا شعباً عادياً في دولة طبيعية”، مرّ السوريون بكل الأهوال التي يُمكن للمرء أن يتخيلها. لذا، فإن تحولات الشيخ وجماعته، ليست إلا واحدة من كثير الأوجاع والخيبات التي طالتهم.

الحرة

————————

الشيخ أسامة الرفاعي والنسوية السورية/ حسام جزماتي

خلال أيام زيارته للشمال المحرر أتيحت لرئيس «المجلس الإسلامي السوري» فرصة إلقاء خطبة جمعة واحدة. ولا شك أن أفكاراً عديدة تزاحمت في ذهن الشيخ قبل أن يختار منها ما رآه الأجدر بأن يحدّث به جمهوره في جامع اعزاز الكبير في السادس من آب الجاري.

رأى الرفاعي، المهجّر سياسياً من العاصمة السورية دمشق إلى مقر إقامته الحالي في إسطنبول، أن المعارك التي تخوضها «الأمة» كثيرة في هذا الزمان، لكن أخطرها، وأحقها بالتنبه له في ذلك المكان بالذات، هو معركة الدين (الهوية). إذ لو قُتل المسلم في معركة الحرب فسيدخل الجنة في أغلب الظن، أما لو خسر معركة العقيدة فأي شيء ينفعه بعد ذلك؟

هذا هو منطق الشيخ. وهذه هي الأولويات التي دفعته إلى اختيار موضوع استنكره كثيرون، في حين أكد هو على تقصّد هذا الحديث «في الداخل السوري المحرر» بالذات لأن هذه المنطقة «مستهدَفة لإقامة معارك مع أفكارنا ومبادئنا وقيمنا وأخلاقنا» بسبب انفتاحها على عمل المنظمات الدولية التي تشتغل في غياب سلطة مركزية.

بهذا المعنى لا يبدو الرجل «منفصلاً عن الواقع»، لكن للواقع في ذهنه خريطة خاصة تبدأ منذ أن فقد الغربيون الأسرة بشكل تام، وهم «يودون أن نخسر كما خسروا». ولذلك حشدت «الدوائر الاستعمارية، دوائر الكفر والضلال في الغرب، جيوشاً وأدخلتها إلى بلادنا لتحرف الشباب عن أخلاقهم وعن قيمهم». ليست الجيوش عسكرية هذه المرة، بل مؤسسات تبدأ بالأمم المتحدة وتصل إلى «منظمات بعناوين خيرية، عناوين إغاثية، عناوين تنموية، عناوين تدريبية» جندت «نساء من أبناء جلدتنا» لينشرن «بين فتياتنا خاصة، ما يسمونه بتحرير المرأة، ما يسمونه بالجندر، وأن تُمكَّن المرأة من حريتها»، عبر دورات مجانية «بعناوين مغرية ولكن فيها السم». هذا «أخطر من معركة القتال»، والانتباه إلى هذا «السوس الذي بدأ ينخر في بلادنا» إنما هو «واجب من أوجب الواجبات» في نظر الشيخ.

عقب نشر الخطبة، وتداول ملخصها وعناوينها على وجه الخصوص، تناولتها نسويات ومثقفون في منشورات شخصية مستهجِنة وساخرة، أدمجتها بخطاب ذكوري يشجع على التحرش ويتستر على الابتزاز الجنسي ويبارك «جرائم الشرف»، على الرغم من انتماء هذه السلوكات، وأشباهها، إلى ذكورية تقليدية تقف على يمين الدين ولا تستجيب للحدود التي يخطّها رجاله. وهنا تظهر بعض عيوب خطاب النسوية في تمتين جبهة خصومها. وتلت ذلك موجة أخرى كبيرة من ردات الفعل التي أيدت الشيخ في المهمة التي تصدى لها في «حراسة الدين والمجتمع»، والحفاظ على التراتبية المألوفة فيه بين الرجال والنساء وبين الآباء والأبناء، وعلى موروثات بناء الأسرة وتماسكها وصيانتها من تيارات «خرَبان البيوت».

في كل ما سبق معالم صراع اجتماعي عميق بين نظامين. وهو صدام أطلقته العولمة وتمركز القيم البشرية الغالبة في مؤسسات دولية، أبرزها الأمم المتحدة ومجالسها المتعددة، مع منظومات تقليدية محلية في شتى أنحاء العالم. ما ألقاه الشيخ تعبير نموذجي عن خطاب «أصالة» تهتز أركانها في أرجاء الأرض المتعددة. ولا يختلف، إلا في المفردات، عن أي خطاب أصالي مسيحي أو يهودي، وعن تذمر أي من رجالات المجتمعات التقليدية في الشرق الأقصى أو أفريقيا من تأثر الشباب والفتيات بالإنترنت ومغادرتهم قيم الأجداد. وقد تأخر هذا الصراع في الوصول إلى سوريا، جزئياً بسبب السلطة الأسدية التي كانت تمسك، قدر استطاعتها، بصمام التفاعل مع الغرب قبل عولمة الإعلام وثورة الاتصالات. ومن جهتها أسهمت الثورة، واللجوء الذي أعقبها إلى الدول الغربية، في كسر القوقعة بشكل غير مسبوق وأسرع من أن يستوعبه من وقع عليهم. وقد أتاحت القوانين الأوروبية، الصارمة في قضايا النساء والصغار والأقليات، فرصة الحماية لأعداد متزايدة من طالباتها وطالبيها من أفراد اللاجئين السوريين.

هناك، إذاً، تتجلى معركة الأصالات المحلية، التقليدية والدينية والقومية والوطنية، مع القيم الغربية التي تشكل العالم. أما في اعزاز السورية فتبدو أصداؤها فقط، وهي موجات واهنة في مجتمع ذكّرته الحرب. والأولى بالشيخ، الذي لم يغفل عن ذكر الأمم المتحدة كعدو، أن يعرف بالتالي أن معركته هي مع تيارات كبرى متصاعدة التأثير دون أبعاد تآمرية خاصة بمجتمعه، وأنه من البديهي أن تعتنق نساء (ورجال) من بلده هذه الأفكار دون أن يكن «مجندات» بالضرورة. هذا صراع ثقافي وينبغي على أطرافه أن يخوضوه باستقامة. وكما يقوم رجال المكونات المختلفة التي تشكل «المجلس الإسلامي السوري» بطرح أفكارهم، على المنابر وفي الدروس والدورات الشرعية، دون أن يقول أحد إنهم «مجندون» لأداء هذا الدور لقاء رواتب يتقاضونها، فإن من حق الآخرين (والأخريات) التعبير عن توجهاتهم ورؤاهم دون تسليط سيف العمالة للغرب، والاستجابة الانتهازية والخنوعة للتمويلات، على رقابهم. فمن الطبيعي، بعد انحسار اقتصادات الدولة والمجتمعات والأفراد في سوريا، أن أي مشروع صار يحتاج إلى منظمات وإلى ممولين، سواء أكان مناهضة للعنف ضد المرأة أم إسلاماً وسطياً أو متطرفاً.

وبالنظر إلى الاستقبال الواسع الذي حظي به الرفاعي في الشمال، رسمياً وشعبياً، وخاصة لقاءه في وزارة الدفاع مع قادة الفصائل، والحفاوة الخاصة التي لقيها من «الجبهة الشامية» وقائدها أبو أحمد نور، الآتي من خلفية تعليم شرعي؛ فإن مسؤولية الشيخ المحافظ تكون أكبر حين يتحدث عن مراكز تضليل عالمية «أقامت لها فروعاً في بلادنا وبين بيوتنا». فماذا لو حرّض ذلك بعض المتحمسين على أن يزيلوا بأيديهم بؤر «المنكر» الذي حذر منه الشيخ بلسانه، أو للاعتداء على «المجندات»، في منطقة يسهل فيها ذلك نتيجة تهافت السلطة الأمنية؛ ألا يكون هذا نتيجة مباشرة للخطبة؟!

أنهى الرفاعي حديثه بالقول «هذا واجب أضعه بين أيديكم، وأبرّئ ذمتي بين يدي الله أن قد قلت ما يجب عليّ أن أقوله». والحقيقة أنه من المنتظر من مرجعية في مكانته، بالاحترام الكبير الذي تحوزه لدى قطاع سنّي واسع، أن تمتلك رؤية أشمل من مجرد نقل ما يراه «مسؤولية» من رقبته إلى أعناق جمهوره. أولاً في النظر إلى العالم بطريقة موضوعية تعتمد على معلومات سليمة، وثانياً بالتعاطي مع مخالفيه كأصحاب وجهات نظر لا عملاء، وثالثاً بتقدير ما قد يترتب على كلامه من نتائج عملية على خصوم ضعفاء، هنا والآن.

تلفزيون سوريا

—————————-

المنظمات رجس من عمل الشيطان”.. عن خطبة الشيخ أسامة الرفاعي في مدينة اعزاز/ محمود الطويل

تُنسب إلى الفقيه “العز بن عبد السلام” عبارة شهيرة: (من نزلَ بأرضٍ تفشّى فيها الزنا فحدّث الناس عن حُرمة الربا فقد خان).

لمّا قرأتُ عن دخول الشيخ أسامة الرفاعي إلى منطقة اعزاز في سوريا وخطبته لأول جمعة من آب 2021 ـ وربما هي الأولى له في سوريا منذ خروجه من دمشق ـ لم أكن أتوقع أن تكون كذلك، الشيخ أسامة هو رئيس المجلس الإسلامي السوري والداعية الشهير بموقفه ضد النظام حين كان في دمشق خطيبا لواحد من أهم جوامعها “جامع الرفاعي”.

رأيتُ الخطبة مصوّرة، وهي منشورة على قناة المجلس الإسلامي السوري في يوتيوب دون عنوان، وإذا سُئلت عن عنوانها فسأقول: (إنّ المنظمات رجس من عمل الشيطان).

بينما تنزل على السوريين النوازل في شمال البلاد وجنوبها، من إدلب إلى درعا، وتتجاوز الفصائل عليهم، وتسومهم سلطات الأمر الواقع سوء العذاب، ويتقسّم الثوار والمقاتلون على أنفسهم، ويضلّ الناس سُبل الثورة والحياة المتزنة، وفي أول خطبة للشيخ أسامة على منبر في سوريا التي خرجت عن سلطة نظام الأسد نراه يتحدث عن منظمات المجتمع المدني الموجودة في الشمال كمراكز لنشر الإلحاد، وعن النساء العاملات في المنظمات كمجندات من الأمم المتحدة والغرب، وأن المعركة مع الإلحاد هي أخطر المعارك الآن، ولا أعلم بأي معارك قارنها الشيخ والناس تُقصف وتُهجّر ويُعتدى على حُرماتها من النظام وروسيا وإيران ومن فصائل مسلحة محسوبة على ثورة الناس!

شنّ الشيخ حملة وحشّد المصلّين على المنظمات والمشاريع الإنسانية العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وسماها “مراكز من دول الاستعمار والكفر والضلال وهدفها نشر الإلحاد”، وهذا اتهام يتطلب أدنى درجات التوثّق والتأكد فهو بالشمال تحريضٌ، وهذا الاتهام لا يُقال دون بيّنة تؤدي إلى توقيف منظمة أو مشروع من قِبل جهة رسمية أو شبه رسمية، وإلا فهو يدعو لإلحاق الضرر بكل جمعية ومؤسسة ومشروع، وكأن الشيخ لا يعلم أن كثيرا من هذه المنظمات والجمعيات برغم مشاكلها الإدارية والمالية تساهم في استمرار حياة الناس وتخفيف آلامهم وسد احتياجاتهم، وفوق ذلك لم يذكر الشيخ نماذج جيدة أو يستثني في حديثه لعل السامع يجد تخريجا لبعض المنظمات والجمعيات بل فتح النار شاملة عامة.

وانتقل الشيخ منها إلى هجوم ضارٍ على النساء السوريات العاملات في المنظمات والمشاريع التنموية بأنهن يدعون إلى تمكين المرأة وحريتها وضلالها والتعري والجندرة، وكأنه يَنْقُصُ مجتمعنا تأليبٌ على المرأة، وذلك بدل أن يدافع عنها وينشر وعيا بأحقيتها في خياراتها وحياتها، خاصة بعد الجرائم المتكاثرة بحق النساء عندنا، ونعلم ما تتعرض له النساء خاصة العاملات في المنظمات من تهجّم وازدراء اجتماعي، وزاد الشيخُ هذا التوجه باتهاماته لهنّ، ولم يراعِ الشيخ ذكر أمثلة حميدة كي يعتدل خطابه قليلًا، متجاهلًا ما تجاهد من أجله هذه النساء وما تسعى إليه من عملٍ راقٍ يعين أسرتها ومجتمعها وتعين به غيرها من نساء لا معيل لهنّ.

وما فتئ كعادة المشايخ يُقارن مجتمعنا بالغرب الذي انهار وفقَدَ الأسرة، كما قال، ويأتي بكلام غريب عن أنهم يُلزمون الشاب أو الفتاة إذا بلغوا 18 عاما بالخروج من المنزل أو دفع إيجار بدل سكنهم في منزل أهلهم، وهذا يدل على سطحية معرفته فيما يتحدث عنه، فهذا ليس صحيحا ولا أعلم بأية جرأة يهاجم هذه الزاوية بدول تُعنى بالتكافل الاجتماعي ماديا ومعنويا لأبنائها وللاجئين فيها، ذلك عدا عن سذاجة هذا الطرح.

قعدَ بين الخطبتين، فظننتُ أن الخطبة الثانية القصيرة لا بد أن تكون عن درعا وما يحدث فيها وأن تكون نصيحة واضحة لا تخشى في الله لومةً للفصائل وتجاوزاتهم وأن يتقوا الله في الناس وما إلى ذلك، ولكنه خذلني مرة ثانية، عاد إلى الهجوم وكان أوضح وأكثر تحريضًا على المنظمات الخيرية والإغاثية والتنموية والتدريبية، وراح يشدد بالحذر من التدريبات التي تُقدم مجانًا للشباب والشابات وفيها “سمٌ زعاق” ـ

لا أعلم لماذا استخدم “زعاق” بدل “زعاف” والزعاق هو المر والزعاف هو المميت ـ وأن هذه التدريبات هدفها قتل الدين والأخلاق والشيم، وليدلل على كلامه ضرب مثالًا لحادثة في دمشق أنهم أرسلوا من يستكشف لهم حقيقة هذه الدورات يومها “فإذا بها من أرذل ما يمكن أن يُتصور، الأمور التي تُدرّس فيها والله لا تخطر على بال مسلم ويستحيي من الله أن ينطق بلسانه بما يُفعل في هذه الدورات” هذا كلامه حرفيًّا وكأنه يقول للناس لا تستثنوا أحدًا ونحن واثقون كل الثقة مما نقول.

بعد هذا، فاجأني قوله: “أبرئ ذمتي بين يدي الله أنني قد قلت ما يجب عليّ أن أقوله”، الشيخ مقتنع أن هذا ما ينبغي عليه قوله، والله لولا هذه العبارة لراودني ظنٌّ أنه مجبرٌ على ألا يتحدث عن ما يحرم الناس حياتهم وأحلامهم وسعيهم.

أما الصدمة الأخيرة فقد كانت أن الشيخ لم يذكر درعا حتى في دعائه ولا إدلب والمناطق التي يقصفها النظام والروس يوميا، لم يتذكر في دعائه الشهداء والجرحى والمصابين، لم يتذكر عوائل المفقودين حتى بدعوة تسر خاطرهم، للأسف.

يخوّف الشيخُ من الإلحاد مجتمعًا يُحجّب الفتاة في سن العاشرة تقريبا، ولن تجد من بلغت عامها الثامن عشر دون حجاب، يُخوف الشيخ من الإلحاد مدنا فيها المساجد والجوامع أكثر من المستشفيات والمراكز الطبية مع أن الناس يقصفون ويُقتلون ويصابون يوميًا، وفيها جلسات حفظ القرآن أكثر من الدورات التعليمية مع أن الجهل يخيّم على الناس كظلهم، يُخوف من الإلحاد ناسًا ما زالوا يذكرون إعدام طفل بائعٍ بتهمة لفظ مسيء للنبي، ويُبرر معظمهم ما يُسمونه “جرائم شرف”، ويَذْكُرون حوادث جَلْدٍ ورجمٍ وقطع، ويذكرون حالات سجن ومداهمة بتهم الكفر أو الفسق أو الزندقة، فهل هذا مجتمع تخيفُه من الإلحاد؟ أم يجب أن تنصح سلطات الأمر الواقع فيه أن يصلحوا سلوكهم ويتقوا الله بالناس؟!

يا شيخنا، وكلّ إنسان يوشك أن يقع في زلل، لكن الاعتذار والتوضيح أدعى للحق، أظن أنه لا بد من تصوير كلمة تعتذرون فيها من أهل درعا وإغفال ذكر مصابهم من قصف وحصار، ومن أهل كل منطقة تُقصف، ولا بد من اعتذار لكل من طاله ظلم الفصائل العاملة في الشمال وسلطات الأمر الواقع هناك، ولا بد من توضيح لموضوع المنظمات والجمعيات، وتخفيف الاحتقان ضدهم، وقبل ذلك كله، لا بد من اعتذار واضح وجريء من كل النساء العاملات في المنظمات خاصة ومن كل النساء عامة فلهم علينا جميعًا حق كبير.

للحظة، تخيّلتُ أن هذه الخطبة أُلقيتْ في دمشق، فهل فيها ما يمنع ذلك؟ لا، إلا كلمة واحدة قالها الشيخ ـ ربما سقطت منه سهوا ـ عندما وصف المناطق التي هو فيها بـ “المحررة”.

تلفزيون سوريا

—————————-

خطبة الشيخ الرفاعي: الناشطون السوريون يتحسسون رقابهم/ عدنان نعوف

“كم أنت محظوظ يا بشار الأسد بمعارضيك”! أصبح هذا الاستنتاج هو الخلاصة الأبرز التي توصل إليها السوريون على اختلاف توجهاتهم. وفي الطريق للتوصل إلى هذا الاستنتاج، تتعدد التفسيرات بين ما هو مبسط ويصلح لكتب الأطفال، مثل مقولة أن “الثورة لطالما كانت مدنية، وأن الأسد أسلمها”، أو التفسير الكرتوني المقابل بأن “الثورة إخوانية منذ بدايتها”. وبين هذا وذاك هناك تحليل أقرب للواقع يركز على “أثر غياب العمل السياسي، وضياع المطالب الجامعة في متاهة الولاءات وشبكات المصالح”.

لكن كل التعجب أو الإعجاب السابق بحظ النظام بمعارضيه لن يمنع الصدمة والمفاجأة الجديدة، بعدما ورد في خطبة رئيس المجلس الإسلامي السوري، الشيخ أسامة الرفاعي، في مدينة “اعزاز” بريف حلب شمال البلاد، وما واكبها من تبريكات من قبل جمهوره، قادت إلى قناعة مفادها أن “كلام الرفاعي مؤشر على الانتقال لمرحلة جديدة في عمر الثورة السورية”!.

وخلال خطبته، الجمعة، في “مسجد أعزاز الكبير” شن الرفاعي هجوماً على النساء السوريات العاملات في منظمات المجتمع المدني، واصفاً إياهن بـ “المجندات من الأمم المتحدة ومراكز الكفر والتضليل لإفساد الشباب والنساء”.

وفيما قوبل كلام الشيخ الرفاعي بموجة انتقادات من قبل شخصيات وجهات عدة، أبرزها “اللوبي النسوي السوري” الذي أصدر بياناً أدان فيه” الخطابات التي تحرض شريحةً من الشعب السوري على أي مكون أو فرد أو مجموعة، بسبب الاختلاف الديني أو الفكري أو النشاطات الحقوقية”، فإن الخطبة نفسها أتت بعد أسبوع من التحريض ضد الناشطات السوريات تحديداً شارك فيها شخصيات عامة من ضمنها أعضاء في الائتلاف السوري المعارض، لم تختلف في الجوهر عما تفوه به الرفاعي.

والحال أن مضمون الخطبة لا يختلف بالمجمل عما يصدر عن رجال الدين في مناطق المعارضة أو النظام أو سواها، لجهة الحديث عن الغرب كرمز للشرور، واستخدام لغة إقصائية محاطة بكلمات لطيفة، ومغلفة ببحة صوت متواضعة ناعمة تواري رسائل العنف خلفها. غير أن الرفاعي لجأ لوصفة خطيرة أكثر وضوحاً في كلامه، تتواجد عادةً أثناء الحروب أو قبل جرائم الشرف، حيث لم يكتف بوصم عاملات المنظمات بالعمالة للخارج، بل شدد على أنهن يستهدفن “بناتنا ونساءنا بالأخلاق الضالة والعري والتعري”.

ومما يؤكد خطورة تلك الرسائل، أن “اللوبي النسوي السوري” استشعر فحواها، فاعتبر في بيانه أن التحريض ضد الناشطين “قد يضعهم تحت الخطر، خصوصاً في مناطق تحكمها مجموعات مسلحة وبعضها متشددة”.

خطبة الرفاعي أعادت إلى أذهان عاملات وعمال المنظمات صوراً مرعبة لاستهدافات سابقة طاولت الناشطين المدنيين في مناطق المعارضة، لعل أشهرها اغتيال الناشطين الإعلاميين رائد الفارس وحمود جنيد في مدينة كفرنبل بريف إدلب العام 2018، من دون نسيان جريمة اختطاف الناشطة الحقوقية رزان زيتونة في مدينة دوما قرب دمشق العام 2013.

هذا الواقع يشكل سمة عامة للمناطق المحكومة من قبل فصائل أو ميليشيات تحمل خطاباً أخلاقياً يربط بينها وبين جمهورها، بما يصنع من هذه القوى “حراساً للفضيلة” يسهل عليهم تجنيد قتلة مأجورين مدفوعين بحماية “الجنة الأخلاقية الأرضية”، كما هو الحال في مناطق “الحشد الشعبي” في العراق.

وفي الحالة السورية، يصبح الناشط أو الناشطة أيضاً ضحايا لقاتل يترجم تعليمات بشرية أو “أوامر إلهية” تلتهم عقله. إلا أن ذلك لا يلغي المسؤولية الجزئية للمجتمع المدني عما آلت إليه الأمور!. فإذا كان هؤلاء الناشطون ضحايا بالمعنى الإنساني والقانوني لجرائم نظام الأسد والجماعات المتشددة، وتلك حقيقة لا جدال فيها، فإن الجهات المحلية والدولية التي تظللهم مسؤولة سياسياً وفكرياً لكونها حولت الحراك السوري إلى “ثورة أخلاق وكرامة وتضامن”، وقدمت خطاباً سائلاً يتقصد السذاجة، و”السير خلف قيادة الجماهير”، واعتبار الألم المشترك برنامج عمل، وعنصراً وحيداً يجمع شتات السوريين، إلى درجة بات مدراء بعض المنظمات والمؤسسات أشبه بكهنة أو شيوخ لدين “التضامن” وفضيلة احتضان “الأكثر فقراً” و”الأكثر تهميشاً” و”الأكثر وجعاً”.

ويبقى البعد الأهم لكلمات الرفاعي وهجمة “المتشددين” على المنظمات، هو ما كشفته تغريدة مدير إدارة التوجيه المعنوي في “الجيش الوطني السوري”، حسن الدغيم، الذي بدا وكأنه يعلن انتهاء شهر عسل بين الفصائل والمنظمات، حين قال إن الحركات النسائية “تخفي وراء دعاوى التحرر أنياباً مصطكة وشفاهً متلمظة على مواقع الثراء والنفوذ والطمع السلطوي”.

    حركات “نسونجية” لانسائية تستثمر في الخواصر الهشة وتجوس خلال الديار المستورة لتضرب التماسك المجتمعي مشاغلةً الجماهيرَ عن معركتها ضد الاستبداد ودافعةً لها إلى معارك عدمية مع “الذكور” وتخفي وراء دعاوى التحرر أنياباً مصطكة وشفاهً متلمظة على مواقع الثراء والنفوذ والطمع السلطوي

    — حسن الدغيم أبو بكر (@Hasan_Dagim) August 13, 2021

وتأتي أهمية هذه التغريدة من كونها تؤكد حقيقة أن مراكمة لغة أخلاقية فوق النزاعات تهدف إلى إخفاء جذر الصراع، وهو الاقتصاد والنفوذ. وليس سراً وجود قوتين رئيسيتين في مناطق المعارضة، الأولى هي “سلطات الأمر الواقع” ممثلةً بتحالف السلاح (الفصائل) مع السلطة الدينية (هيئات ومرجعيات)، والثانية هي منظمات المجتمع المدني.

وبهذا المعنى فإن الإطار العام للنزاع بين الطرفين يرتبط بما تملكه كل جهة من قوة أو مكانة، وبالتنافس بينهما على الامتيازات التي ترفعهما عن مستوى جمهور المعارضة ذي الدخل المحدود، وتضعهما أمام “مصادر تمويل مفتوح”، من إدارة معابر وخوّات أو افتتاح مشاريع وحملات، تعتمد جميعها على استمرار وجود “المستضعفين والمقهورين والمعذبين”.

وبناءً على هذه المعطيات فإن وصف كلمة الشيخ الرفاعي بـ”النقلة” لن يكون مبالغةً أبداً، طالما أنه نقل الوعي بالثورة إلى مرحلة “اللعب على المكشوف”، سواء من جهة تحديد “الخصم” الأساسي للسطات الثورية، ووضع عاملي المنظمات تحت الخطر، أو جهة مصارحة الناس بطبيعة المشروع الحالي لزعامات مناطق المعارضة، من دون الإكثار من عبارات التسامح والتعايش المسمومة، ومن دون العودة لربط المشروع الإسلاموي بمظلوميات خارج سياق الحدث، والتهرب من الإقرار بنية الفعل، عبر سردية “رد الفعل على ظلم قديم”، والانتهاء عملياً من اختزال الوضع السوري بحكاية “الحسناء الثورية والوحش الإسلاموي” الأسدي أوالتركستاني او الأفغاني.

بالإضافة لذلك، كشفت الخطبة وتداعياتها أن طيفاً من جمهور الأسلمة، المجيش بالمال أو بوعود الدار الآخرة، أصبح من الصعب مخاطبته بالطرق التقليدية، لأنه انتقل إلى مستوى متقدم من الانغلاق والاستزلام، بحيث أصبح منيعاً ضد أي مفردة لا يتضمنها “كاتالوغ الفضيلة” الخاص به، فتراه يتقمص بسرعة دور “الطبيب النفسي” الأصم عن الحقيقة أو الواقعة، والباحث عن النوايا المبيتة وحسب، والساعي لإثبات وجود “عقدة نفسية” لدى كل من يفككون خرافاته، أو يهاجمون معبوديه من شيوخ أو دور عبادة أو رموز تاريخية، أو أي شيء تطاوله مشاعر القداسة والتقديس.

المدن

——————————

المجلس الإسلامي.. دور في الداخل السوري/ بشير البكر

زيارة رئيس المجلس الإسلامي السوري الشيخ أسامة الرفاعي إلى منطقة اعزاز في ريف حلب، تستدعي التوقف أمامها في ظل الوقائع المعقدة على الأرض من جهة، وما يمثله الزائر وعنوان الزيارة إلى الداخل السوري من جهة أخرى. ومهما يكن من أمر يجدر تسجيل عدة نقاط. الأولى هي، إن تحرك المجلس الإسلامي هو الأول من نوعه في اتجاه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والواقعة تحت سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا، رغم أن المجلس لا يخفي التحاقه بالمعارضة منذ بداية الثورة، وله العديد من المواقف المعارضة للنظام والمنحازة للثورة، وكان الشيخ أسامة جريئا حين تحدث في حزيران 2011 من قلب دمشق عن عنف النظام ضد المتظاهرين السلميين. والنقطة الثانية هي، إن التحرك ذو هدف سياسي صريح، ولذلك لم يترك الرفاعي جهة إلا والتقى بها، بدءا من الجبهة الشامية الفصيل الأكبر في ريف حلب، والذي تشكل من ائتلاف عدة فصائل إسلامية. وظهر أن زيارة الرفاعي جاءت من أجل تسويق مشروع سياسي وديني، وهذا هو السبب من وراء وضع حجر الأساس لبناء مقر للمجلس الذي يتخذ من إسطنبول مقرا أساسيا. ولا يمكن رؤية هذه الخطوة بعيدا عما تشهده مدينة اعزاز التي بدأت منذ مطلع العام تستقبل مقرات مؤسسات سورية معارضة تابعة للائتلاف السوري والحكومة المؤقتة.

أما النقطة الثالثة فهي تتمثل في بدء انتقال المجلس الإسلامي السوري من الدعوة الدينية إلى العمل السياسي، وهذا أمر له محاذير كبيرة على مستوى العمل الدعوي، وحاضنة المجلس نفسها. وبحسب عضو الهيئة العامة بالمجلس وسام القسوم، فإن زيارة الرفاعي تهدف إلى تعزيز دور المجلس الإسلامي كمرجعية في الداخل السوري، وزيادة التواصل مع الفعاليات في شمالي سوريا. وقال “القسوم” لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ المجلس سيتخذ مقراً دائماً له في مدينة اعزاز، وسيعمل على زيادة التلاحم الثوري والتواصل مع أصحاب القرار للعمل على تحسين الوضع في “المناطق المحررة” وفق استطاعته من جميع الجوانب، كما سيعمل على تعزيز عمل اللجان التي تسعى للإصلاح ورد المظالم. ويتضح من هذا التصريح أن المرجعية التي يقصدها القسوم ليست دينية فحسب، بل سياسية أيضا، وهذا أمر جديد يستدعي الوقوف أمام أسبابه وأهدافه، وما هي مواقف الأطراف الموجودة على الأرض، وتركيا بصفتها الداعم الأساسي للفصائل والهيئات السورية المعارضة الموجودة في هذه المنطقة. ومن بين أكثر الأطراف المعنية بتحرك المجلس الإسلامي تبقى هيئات الثورة السورية الائتلافية في المقدمة، وموقفها من هذا التحرك هو الذي يحدد الاتجاه العام، لأن المؤشرات توحي بترتيبات جديدة للمنطقة التي تتشكل من حساسيات سورية مختلفة ليست الإسلامية إلا واحدة منها. ويتعين على الائتلاف السوري الإجابة عن أسئلة وهواجس السوريين الذين يعيشون في هذه المنطقة وخارجها، وخاصة الذين ينتمون إلى مكونات وتشكيلات غير إسلامية.

يبدو أن مهمة انتقال المجلس رسمياً للداخل لن تكون سهلة، فهو من أول مهامه تحمل المسؤولية الدينية بمواجهة فكر الجماعات المتطرفة، ومنها تلك التي تسيطر على مساحات واسعة من محافظة إدلب، وتقيم كيانات سياسية تحكم السوريين الذين يعيشون في هذه المنطقة، ومنها تنظيم “هيئة تحرير الشام”، التي سبق للرفاعي أن انتقد ارتباطها بتنظيم “القاعدة” الذي صنفه في خانة التنظيمات التكفيرية، ومن الواضح، إنه بالإضافة لسحب الشرعية الدينية من المشيخة التابعة للنظام في هذه المناطق، فإن حضور المجلس الإسلامي في ريف حلب من شأنه أن يقوي الفصائل الإسلامية المعتدلة في وجه مشروع “هيئة تحرير الشام”، ويحرك الموقف العام من هذا التنظيم الذي أقام نظاما أمنيا يحكم المنطقة، ولا يدافع عنها بوجه النظام والروس والميليشيات الإيرانية، بل يقدم الذرائع لهذه الأطراف للاستمرار في حرب التهجير القسري.

المواجهة العسكرية بين “الجبهة الشامية” و”هيئة تحرير الشام” لا تبدو في الأفق، ولكن التنافس بينهما قائم على الأرض بهدف كسب الشارع والسيطرة عليه، ومن شان الرفاعي أن يعزز من صفوف “الشامية” وإضعاف “تحرير الشام” في حال توافر الظروف الإقليمية اللازمة من أجل إنهاء وظيفة “هيئة تحرير الشام”.

من الواضح أن هدف الزيارة هو تعزيز مواقع المجلس داخل شمال غرب سوريا، الأمر الذي يخلق وقائع جديدة على الأرض، ويخلط الأوراق.

تلفزيون سوريا

——————————

سوريا: خطبة الرفاعي وزيف أولوية السياسي/ إيلي عبدو

ليست خطبة الشيخ أسامة الرفاعي، التي ألقاها، في مدينة إعزاز الخارجة عن سيطرة النظام، وحذر فيها من خطر “المنظمات التي تنشر أفكاراً سيئة بين النساء منها تحرير المرأة والجندرة”، سوى استكمال لانحدار القيم، الذي بدأ في بداية الانتفاضة السورية.

إذ تم التركيز آنذاك على هدف إسقاط النظام، وسط لا مبالاة حيال قيم أخرى تتعلق بالمرأة والأقليات والمثليين، سرعان ما تطورت، إلى فصل بين الأمرين. وهو ما جعل قيمة الحرية مشروطة حصراً بتغيير سياسي يتعلق بطبيعة السلة، وليس ببناء علاقات جديدة، تسمح بمشاركة مجتمعية أوسع في الفضاء العام.

والتنازل لمصلحة إسقاط النظام وإفقار قيمة الحرية، كانت له جذور، داخل جمهور الانتفاضة، يتصل بالبنى الاجتماعية التي تتراوح بين العائلة والعشيرة والأعراف والطائفة والدين، بحيث لم تكن هذه البنى، بريئة من أنماط سلوك وتفكير، حددت ميول الكثير من المتظاهرين ووجهتهم.

بمعنى آخر، بدت الانتفاضة، وكأنها بنى تقليدية صلبة تنتفض من أجل تغيير محصور بإسقاط النظام، من دون أي مساس بالتركيبات المجتمعية والذهنية السابقة.

 والاستثناءات القليلة، التي خرجت نسبياً من هذه الترسيمة، أي لجان التنسيق وعدد من النشطاء الديموقراطيين، سرعان ما فتك بهم قمع النظام. وهنا، اكتسب الرأي المنحاز لأولوية إسقاط النظام، على حساب تأجيل نقد البنى المنتفضة، مشروعية واسعة، بسبب هذا القمع ووحشيته.

والانحياز لأولوية السياسي، على حساب المجتمعي والثقافي والديني، نتج عنه، إهمال علاقة الاستبداد بكل البنى التقليدية. فالنظام في سوريا، لطالما استفاد من هذه البنى في تثبيت حكمه، سواء لناحية استغلالها كعصبية لتكريس الحكم وحصره في نواة صلبة، أو عبر إقامة تسويات معها ومنحها نفوذاً لا يهدد أركانه. وبالنتيجة، بدت معركة الانتفاضة مع الاستبداد، ضمن شروطه، وفي ملعبه، ولم يتم العمل على فك الارتباط بين الاستبداد والبنى التقليدية، عبر إعادة النظر في تركيبة هذه البنى ومعالجة استعدادها لتقبل الاستبداد والتواطؤ معه.

قيمة الحرية مشروطة حصراً بتغيير سياسي يتعلق بطبيعة السلة، وليس ببناء علاقات جديدة، تسمح بمشاركة مجتمعية أوسع في الفضاء العام.

بدهي أن الانتفاضة لا تملك قدرة سحرية على تغيير المجتمع وتفتيت البنى التقليدية لمصلحة أخرى حديثة، في سنة أو سنتين، هذه عملية مركبة تتطلب ظروفاً غير تلك التي عاشتها سوريا، لا سيما القمع الوحشي. لكن الاكتفاء بالسياسي، ضمن مجتمع الثورة، أي بإسقاط النظام، يوحي برضى حيال البنى التقليدية، لا بل دفاع عنها على قاعدة “الخصوصية” و”ثقافة الأغلبية”، و”القيم الدينية”. أي أن المعركة ضد النظام، لا تجري على قاعدة تحييد المجتمع فقط، وإنما على قاعدة تنزيهه عن أي نقد.

وسرعان ما تحول التنزيه إلى احتفاء، فصارت البنى المطلوب نقدها وتغيير تركيبتها، أساس التغيير، فالطائفة أداة تعبئة، والعائلة والعشيرة باتتا أداتين للتلاحم والترابط، والذكورة أداة صمود ومواجهة. وهكذا ساهم، انعدام الحساسية النقدية حيال المجتمع، والعنف الوحشي الذي يمارسه النظام، بإفقار معنى الانتفاضة، ورد مطلب الحرية إلى حدوده الدنيا.

التحولات من السكوت عن بنى المجتمع، فتنزيهها، والاحتفاء بها كأدوات للتغيير، شملت الدين، بطبيعة الحال، لكن الأخير ليس كبقية البنى بل هو أشد صلابة، فالمقدس يحضر في تركيبته، لا بل يشكل الجزء الحاسم فيها، عدا أن كونه، أي الدين، بات يشكل العنصر الأول في هوية المنتفضين، انطلاقاً من موقع النظام المضاد، والمصنف أقلوياً.

 لكن، هل كلام الرفاعي، يتموضع في إدراج الدين، ضمن بنى الانتفاضة الساكنة؟ أم ينتمي إلى مستوى آخر مرتبط بتحولات الانتفاضة السورية، وما آلت إليه؟ فعلياً، يمكن ربط خطبة الرفاعي، بالأمرين معاً.

فالشيخ، الذي انحاز إلى المتظاهرين في وقت مبكر، ودفع ثمن موقفه بهجوم مناصرين للنظام على المسجد الذي يخطب فيه في دمشق، ما عرضه للضرب والإهانة، تحدث هذه المرة من مدينة إعزاز في ريف حلب، حيث تسيطر جماعات من المعارضة السورية المسلحة. بمعنى أن الدين كبنية تقليدية قائمة على المقدس، ساهم في السابق في منح المنتفضين أداة مواجهة، وتعريفاً لذواتهم مقابل النظام، لكنه يعمل اليوم، وفق ما تشير إليه خطبة الرفاعي، في ظل مناطق “محررة”، من النظام، أي بشكل مجرد من أي بعد سياسي يتعلق بالمعركة مع النظام، الذي يفترض أن منطقة إعزاز تحررت منه، والاكتفاء بالاجتماعي والثقافي، حيث الخوف “من الدوائر الاستعمارية الغربية ودوائر الكفر والضلال”، ومن “الجيوش التي تم إدخالها إلى سوريا بغرض التلاعب بعقول الشباب والبنات ودفعهم للانحراف عن القيم والأخلاق والدين”. والخطر الأكبر من ترويج مقولات مثل “حرية المرأة، وأنها مستعبدة من قبل الرجل (سواء أكان زوجاً أم أباً أم أخاً) ويطالبونها بأن تطالب بحقوقها وحريتها كفرد من المجتمع متساو مع الرجل”.

 الأرجح أن خطبة الرفاعي، كشفت زيف أولوية السياسي (التركيز على إسقاط النظام)، وتأجيل نقد البنى التقليدية أو رفضها، إذ إن هذه البنى، على، ما دل كلام الشيخ، إذا لم يتم تطويرها لاستيعاب قيم حديثة لا سيما الحرية، خلال المعركة على الاستبداد، سيكون الأخير بالنسبة إليها عدواً وظيفياً وليس موضوعياً، بمعنى عدو يمدها بالقوة والنفوذ والمشروعية، وليس كعدو وجب التخلص منه.

والدليل تركيز الشيخ الرفاعي، عند أول فرصة تحدث فيها من منطقة لا يسيطر عليها النظام، على “إصلاح” النساء والتحريض على المنظمات التي تحاول دعمهن.

درج

—————————–

المنظمات رجس من عمل الشيطان”.. عن خطبة الشيخ أسامة الرفاعي في مدينة اعزاز/ محمود الطويل

تُنسب إلى الفقيه “العز بن عبد السلام” عبارة شهيرة: (من نزلَ بأرضٍ تفشّى فيها الزنا فحدّث الناس عن حُرمة الربا فقد خان).

لمّا قرأتُ عن دخول الشيخ أسامة الرفاعي إلى منطقة اعزاز في سوريا وخطبته لأول جمعة من آب 2021 ـ وربما هي الأولى له في سوريا منذ خروجه من دمشق ـ لم أكن أتوقع أن تكون كذلك، الشيخ أسامة هو رئيس المجلس الإسلامي السوري والداعية الشهير بموقفه ضد النظام حين كان في دمشق خطيبا لواحد من أهم جوامعها “جامع الرفاعي”.

رأيتُ الخطبة مصوّرة، وهي منشورة على قناة المجلس الإسلامي السوري في يوتيوب دون عنوان، وإذا سُئلت عن عنوانها فسأقول: (إنّ المنظمات رجس من عمل الشيطان).

بينما تنزل على السوريين النوازل في شمال البلاد وجنوبها، من إدلب إلى درعا، وتتجاوز الفصائل عليهم، وتسومهم سلطات الأمر الواقع سوء العذاب، ويتقسّم الثوار والمقاتلون على أنفسهم، ويضلّ الناس سُبل الثورة والحياة المتزنة، وفي أول خطبة للشيخ أسامة على منبر في سوريا التي خرجت عن سلطة نظام الأسد نراه يتحدث عن منظمات المجتمع المدني الموجودة في الشمال كمراكز لنشر الإلحاد، وعن النساء العاملات في المنظمات كمجندات من الأمم المتحدة والغرب، وأن المعركة مع الإلحاد هي أخطر المعارك الآن، ولا أعلم بأي معارك قارنها الشيخ والناس تُقصف وتُهجّر ويُعتدى على حُرماتها من النظام وروسيا وإيران ومن فصائل مسلحة محسوبة على ثورة الناس!

شنّ الشيخ حملة وحشّد المصلّين على المنظمات والمشاريع الإنسانية العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وسماها “مراكز من دول الاستعمار والكفر والضلال وهدفها نشر الإلحاد”، وهذا اتهام يتطلب أدنى درجات التوثّق والتأكد فهو بالشمال تحريضٌ، وهذا الاتهام لا يُقال دون بيّنة تؤدي إلى توقيف منظمة أو مشروع من قِبل جهة رسمية أو شبه رسمية، وإلا فهو يدعو لإلحاق الضرر بكل جمعية ومؤسسة ومشروع، وكأن الشيخ لا يعلم أن كثيرا من هذه المنظمات والجمعيات برغم مشاكلها الإدارية والمالية تساهم في استمرار حياة الناس وتخفيف آلامهم وسد احتياجاتهم، وفوق ذلك لم يذكر الشيخ نماذج جيدة أو يستثني في حديثه لعل السامع يجد تخريجا لبعض المنظمات والجمعيات بل فتح النار شاملة عامة.

وانتقل الشيخ منها إلى هجوم ضارٍ على النساء السوريات العاملات في المنظمات والمشاريع التنموية بأنهن يدعون إلى تمكين المرأة وحريتها وضلالها والتعري والجندرة، وكأنه يَنْقُصُ مجتمعنا تأليبٌ على المرأة، وذلك بدل أن يدافع عنها وينشر وعيا بأحقيتها في خياراتها وحياتها، خاصة بعد الجرائم المتكاثرة بحق النساء عندنا، ونعلم ما تتعرض له النساء خاصة العاملات في المنظمات من تهجّم وازدراء اجتماعي، وزاد الشيخُ هذا التوجه باتهاماته لهنّ، ولم يراعِ الشيخ ذكر أمثلة حميدة كي يعتدل خطابه قليلًا، متجاهلًا ما تجاهد من أجله هذه النساء وما تسعى إليه من عملٍ راقٍ يعين أسرتها ومجتمعها وتعين به غيرها من نساء لا معيل لهنّ.

وما فتئ كعادة المشايخ يُقارن مجتمعنا بالغرب الذي انهار وفقَدَ الأسرة، كما قال، ويأتي بكلام غريب عن أنهم يُلزمون الشاب أو الفتاة إذا بلغوا 18 عاما بالخروج من المنزل أو دفع إيجار بدل سكنهم في منزل أهلهم، وهذا يدل على سطحية معرفته فيما يتحدث عنه، فهذا ليس صحيحا ولا أعلم بأية جرأة يهاجم هذه الزاوية بدول تُعنى بالتكافل الاجتماعي ماديا ومعنويا لأبنائها وللاجئين فيها، ذلك عدا عن سذاجة هذا الطرح.

قعدَ بين الخطبتين، فظننتُ أن الخطبة الثانية القصيرة لا بد أن تكون عن درعا وما يحدث فيها وأن تكون نصيحة واضحة لا تخشى في الله لومةً للفصائل وتجاوزاتهم وأن يتقوا الله في الناس وما إلى ذلك، ولكنه خذلني مرة ثانية، عاد إلى الهجوم وكان أوضح وأكثر تحريضًا على المنظمات الخيرية والإغاثية والتنموية والتدريبية، وراح يشدد بالحذر من التدريبات التي تُقدم مجانًا للشباب والشابات وفيها “سمٌ زعاق” ـ

لا أعلم لماذا استخدم “زعاق” بدل “زعاف” والزعاق هو المر والزعاف هو المميت ـ وأن هذه التدريبات هدفها قتل الدين والأخلاق والشيم، وليدلل على كلامه ضرب مثالًا لحادثة في دمشق أنهم أرسلوا من يستكشف لهم حقيقة هذه الدورات يومها “فإذا بها من أرذل ما يمكن أن يُتصور، الأمور التي تُدرّس فيها والله لا تخطر على بال مسلم ويستحيي من الله أن ينطق بلسانه بما يُفعل في هذه الدورات” هذا كلامه حرفيًّا وكأنه يقول للناس لا تستثنوا أحدًا ونحن واثقون كل الثقة مما نقول.

بعد هذا، فاجأني قوله: “أبرئ ذمتي بين يدي الله أنني قد قلت ما يجب عليّ أن أقوله”، الشيخ مقتنع أن هذا ما ينبغي عليه قوله، والله لولا هذه العبارة لراودني ظنٌّ أنه مجبرٌ على ألا يتحدث عن ما يحرم الناس حياتهم وأحلامهم وسعيهم.

أما الصدمة الأخيرة فقد كانت أن الشيخ لم يذكر درعا حتى في دعائه ولا إدلب والمناطق التي يقصفها النظام والروس يوميا، لم يتذكر في دعائه الشهداء والجرحى والمصابين، لم يتذكر عوائل المفقودين حتى بدعوة تسر خاطرهم، للأسف.

يخوّف الشيخُ من الإلحاد مجتمعًا يُحجّب الفتاة في سن العاشرة تقريبا، ولن تجد من بلغت عامها الثامن عشر دون حجاب، يُخوف الشيخ من الإلحاد مدنا فيها المساجد والجوامع أكثر من المستشفيات والمراكز الطبية مع أن الناس يقصفون ويُقتلون ويصابون يوميًا، وفيها جلسات حفظ القرآن أكثر من الدورات التعليمية مع أن الجهل يخيّم على الناس كظلهم، يُخوف من الإلحاد ناسًا ما زالوا يذكرون إعدام طفل بائعٍ بتهمة لفظ مسيء للنبي، ويُبرر معظمهم ما يُسمونه “جرائم شرف”، ويَذْكُرون حوادث جَلْدٍ ورجمٍ وقطع، ويذكرون حالات سجن ومداهمة بتهم الكفر أو الفسق أو الزندقة، فهل هذا مجتمع تخيفُه من الإلحاد؟ أم يجب أن تنصح سلطات الأمر الواقع فيه أن يصلحوا سلوكهم ويتقوا الله بالناس؟!

يا شيخنا، وكلّ إنسان يوشك أن يقع في زلل، لكن الاعتذار والتوضيح أدعى للحق، أظن أنه لا بد من تصوير كلمة تعتذرون فيها من أهل درعا وإغفال ذكر مصابهم من قصف وحصار، ومن أهل كل منطقة تُقصف، ولا بد من اعتذار لكل من طاله ظلم الفصائل العاملة في الشمال وسلطات الأمر الواقع هناك، ولا بد من توضيح لموضوع المنظمات والجمعيات، وتخفيف الاحتقان ضدهم، وقبل ذلك كله، لا بد من اعتذار واضح وجريء من كل النساء العاملات في المنظمات خاصة ومن كل النساء عامة فلهم علينا جميعًا حق كبير.

للحظة، تخيّلتُ أن هذه الخطبة أُلقيتْ في دمشق، فهل فيها ما يمنع ذلك؟ لا، إلا كلمة واحدة قالها الشيخ ـ ربما سقطت منه سهوا ـ عندما وصف المناطق التي هو فيها بـ “المحررة”.

تلفزيون سوريا

—————————-

صوت قاتل فرج فوده يُسمَع في منبر جامع إعزاز الكبير/ همبرفان كوسه

قبل أيّام، ألقى رئيس المجلس الإسلاميِّ السُّوري، أسامة الرفاعي، خطبة في مسجد إعزاز الكبير بمدينة إعزاز، في محافظة حلب. خلال هذه الخطبة الأولى للمجلس الإسلامي السوري داخل سوريا، والأولى بعد وضع حجر أساس بناء مكتب للمجلس داخل سوريا، وصف الشيخ الرفاعي، النسويات السوريات والنساء العاملات في منظمات المجتمع المدني السورية، بالمجندات من قبل مراكز الكفر والتضليل، ومن بينها الأمم المتحدة، وهاجم النسويات والمنظمات المدنيِّة على محاولتها الحديث ومناقشة الجندرة وحرية المرأة وتمكين النساء.

أثناء محاكمة قاتل المفكِّر المصري، فرج فوده، أبو العُلا عبد ربّه، سأله القاضي: “لماذا قتلت فرج فوده؟”؛ فأجاب: “لأنه كافر وله كتب تثبت ذلك”. سأله القاضي: “أي كتاب قرأت له وفهمت منه أنّه كافر؟”؛ أجاب: “لم أقرأ له فأنا رجل أمي ولا أعرف القراءة والكتابة”. هذه المحادثة التي تنسب إلى القاضي وقاتل فرج فوده، ثمَّة محادثات غيرها تُنسب إلى مجرمين آخرين، قتلوا أو حاولوا قتل مفكِّرين عرب، من بينهم نجيب محفوظ وغيره، والّتي تبيِّن أن غالبية القاتلين لا يقرأون ما يقوله الآخرون المختلفون، وإنما يستندون في جرائمهم إلى فتاوى رجال الدين، مثل فتوى أسامة الرفاعي في إباحة والدّعوة إلى قتل الناشطات السّوريِّات.

أسّس تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، وكلّ التنظيمات الإسلاميِّة الجهاديِّة، في مناطق الاحتلال التركيِّ أو مناطق سيطرة الفصائل الجهاديِّة، البيئة المُناسبة والملائِمة لتحرُّك هؤلاء القَتَلى؛ فقاتل فرج فوده في مصر، صدر بحقِّه العفو العام فور تسلم تنظيم الإخوان المسلمين الحكم في مصر، وبعد خروجه، وجد سوريا بيئة تناسب أفكاره، فانتقل إليها وقُتل عام 2017 فيها؛ فهي البيئة الأنسب الّتي يمكن للجهاديين أن يتحرّكوا في تنفيذ جرائمهم المستندة إلى فتاوى رجال الدين، وبالنقيض من ذلك البيئة التي تعمل فيها عشرات النسوة السوريات، وفيها عشرات المنظمات المدنيِّة السُّوريِّة؛ لذا، فأسامة الرِّفاعي قال ما قاله في بيئة يحتكُّ فيها الجلّاد مع الضحيِّة، واجتماع هذه الثنائيِّة ربما يؤدي إلى حتميِّة وقوع الجريمة، أو أقله يخلق الخوف داخل المختلفين مع الإسلام السياسيِّ.

ثقافةُ الخوف الّتي يسعى إلى ترسيخها المجلس الإسلاميِّ السُّوري، هي ذاتُها التي سعى إليها تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلاميِّة، وهي مواجهة الخصوم بالرعب والخوف من خلال الفتاوى والتصريحات ودعاوى القتل ومشاهد الفيديو المصورة لعمليات الرجم والقتل والذبح وكسر الأثار والآلات الموسيقيِّة وغيرها. وهو ما ليس جديد في البيئة الحاضنة لأفكار أسامة الرِّفاعي، فمناطق الاحتلال التركي، هي مناطق طاردة للنساء، وفيها فرض الشريعة والحجاب والسبي والخطف وجرائم العار وكل الممارسات الدينيِّة المتطرِّفة، وبالتالي فإن المجلس الإسلامي السوري هو الإطار السياسي والدعوي المكمِّل لتنظيمات مثل داعش والنصرة وأحرار الشام والجيش الوطني السوري.

في أثناء تصاعد وتطوِّر الحركة النسويِّة في سوريا، ودخول هذا الخطاب إلى الفضاء العام السياسيِّ والمدنيِّ، لم تكن الحركة الإسلاميِّة السوريِّة صامتة وتقف على الحياد، على العكس من ذلك، فهي، كحركة إسلاميِّة، واجهت النسويِّة السوريِّة من خلال منع النساء من المشاركة في الحياة السياسيِّة وعمليِّة بناء السَّلام، ومن خلال دعم وسائط الإعلام والتّواصل الّتي تسخِّف القضيِّة النسويِّة وتسخر من أفكارها، ومن خلال دعم المحافظة على الإرث الذكوري الاجتماعيِّ، الموجود حتّى داخل منظمات المجتمع المدنيِّ والمؤسّسات الإعلاميِّة التي لم تتجاوز بعد الذكوريِّة الاجتماعيِّة التي هي نتاج العقيدة الدينيِّة، وكذلك من خلال جماعات نسائيِّة إسلاميّة مثل القُبيسيات وغيرها، الّتي تتحرَّك من خلال ترسيخ أفكار وأنماط عمل مُحدّدة للنساء، بما يتلائم مع الأفكار الإسلاميِّة الّتي يطرحها رجال الدين المسلمين.

مشى المجلس الإسلاميِّ السُّوريِّ، في مشروعه لإعادة بناء سوريا، قبل تأسيسه من خلال الشيوخ المسلمون التّابعون له حالياً، وعمِلَ على تصفية كلّ ما يتم للثّورة بصلة، وقضى على أي احتماليِّة لتعدديِّة إثنية وطائفيِّة وقوميِّة ولغويِّة ودينيِّة؛ فشكل سوريا المستقبل في منظور المجلس، هي الدّولة الذكوريّة الّتي يتم فيها ترسيخ الهويِّة الإسلاميِّة والقوميِّة وتُطبَّقُ فيها الشّريعة؛ بمعنى، أن قبل أن يتحرَّك المجلس الإسلاميِّ السوريِّ في محاولة القضاء على الحركة النسويِّة قضى في منهجه على القوميات والأقليات والطوائف والإثنيات، ثم تتالى القضاء وصولاً إلى النسويِّة.

يعتمد منهج المجلس الإسلامي السوريِّ، على فرض ضوابط لشكل الدَّولة ونوع المجتمع في سوريا، من خلال محاولة ترسيخ المفاهيم الّتي يتبناها المجلس، والتي تتمحور أغلب فتاواه في سياقها، من خلال التركيز على شكل الدُّولة باعتبارها كيان اجتماعي وسياسي ذكوري بالدرجة الأولى، وعربي في هويته القومية، وإسلاميِّ في هويته الدينيِّة، ومن الإسلاميِّة الهويِّة السُّنيِّة الجهاديِّة، وهذا الموقف الصَّادرِ عن الشَّيخ أسامة الرِّفاعي، تجمع هذه الضوابط والتشاريع بشكلٍ مترابط في خطبةٍ ذكوريِّة تحريضيِّة.

إنَّ أكذوبة وجود إسلام سياسيِّ وسطي ومعتدل في سوريا، أو أنَّ ثمَّة إسلام إصلاحيِّ سياسيّ والإخوان المسلمين يُمكنهم المُشاركة أو تقديم فكر سياسيِّ ديمقراطيِّ سقطت مع ظهور خطبة أسامة الرِّفاعي، الذي كان ينتمي إلى جماعة زيد الصوفيِّة التي كانت بزعامة والده المتوفي، عبد الكريم الرفاعي، كان قد فرّ إلى السعوديِّة عام 1981، أثناء حملة مطاردة الإسلاميين السوريين من قبل حافظ الأسد. لكنه عاد إلى سوريا بعفوٍ صدر بحقه وأخاه سارية الرفاعي، عام 1993، وعادوا وأحيوا دور جماعة زيد في الأوساط الدمشقيِّة باعتباره إسلاماً “متوسطاً ومعتدلاً”؛ إذ أنّ محاولات الإسلام السياسيِّ، لتقسيم الإسلام السياسيِّ بين ما هو متطرِّف وغير مقبول، وبين إسلام سياسيِّ وسطي ومنضبط، لم تعد تفي الغرض، ذاك أنَّ تلك المحاولة اعتمدت على تفسير النّصوص الّتي تلقى قبولاً اجتماعياً ودوليِّاً وإظهارها للعلن، وإخفاء النصوص والآراء الّتي تخلق إشكاليِّة وتدويلها في أوساط خاصة ومُغلقة، قد انتهت، مع ظهور خطبة الشَّيخ أسامة الرفاعي.

في هذا الصَّدد، وختاماً لما سبق، المحاولات الّتي سعى إليها كتّاب وباحثون وسياسيون سوريون حول جدوى استيعاب الإسلاميين السوريين ضمن المجتمع السوري وفي مستقبل سوريا الديمقراطيِّ، فشلت كذلك الأمر، وتبيَّنت أنّ تلك المحاولة إما هو تأييد خفي لحكمٍ إسلامي في سوريا، أو أنَّ جوهر المُشكلة يكمُن في أنَّ الإسلاميين أنفسهم لا يستطيعون تقبُّل المُختلفين معهم في المستويات الفكريِّة والدينيِّة وإلى حدٍ بعيد الطائفيِّة.

ليفانت نيوز_ همبرفان كوسه

————————–

الشيخ اسامة الرفاعي الذي طعن بالمرأة..يقسم المعارضة السورية

أثارت خطبة رئيس المجلس الإسلامي السوري المعارض الشيخ أسامة الرفاعي حول المرأة العاملة في منظمات المجتمع المدني الجدل بين المعارضة السورية التي انقسمت إلى فريقين، الأول أيّد كلام الشيخ ودافع عنه وفريق ثانٍ اتهمه بالتحريض على المرأة والدعوة إلى العنف ضدها وحرمانها من حقوقها.

خطبة الشيخ الرفاعي ألقاها في جامع أعزاز الكبير شمالي حلب بداية الأسبوع الثاني من آب/أغسطس، وذلك خلال الزيارة التي قام بها إلى المنطقة الخاضعة لسيطرة الفصائل المدعومة من تركيا، وركز خلالها على مخاطر الأنشطة التي تدعمها “مراكز تتبع لدول الاستعمار والكفر والضلال والتي تهدف إلى نشر الإلحاد بين الشباب والنساء”.

وحذر الشيخ الرفاعي من بعض المنظمات التي تعمل تحت شعارات العمل الإنساني والإغاثي والتنموي والدورات التدريبية لتنشر أفكار الانحلال الأخلاقي والشذوذ الجنسي وكل ما يضاد أخلاق الإسلام وقيم المجتمع السوري المتدين.

قال الشيخ الرفاعي في خطبته “هناك نساء من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا، بل هم من أبناء بلدنا ومدننا. يأتون مجندات من قبل الأمم المتحدة وغيرها”.  وأضاف “يأتون من مراكز التضليل والتفكير، يأتون لينشروا بين فتياتنا خاصة بما يسمونه تحرير المرأة والجندر”.

وتعرّض الشيخ الرفاعي لهجوم عنيف من قبل نسويات وناشطات سوريات يعملن في منظمات المجتمع المدني داخل سوريا وخارجها، واتهمنه بالتحريض على المرأة السورية والتشجيع على العنصرية والتمييز في مناطق المعارضة.

ناشطة نسوية في ريف حلب قالت ل”المدن”، إن “خطاب الشيخ الرفاعي عدائي وكان مخيباً للآمال، وهو يكرس النظام الأبوي والذي قد يمهد لزيادة العنف ضد المرأة في مناطق المعارضة وحرمانها من أبسط حقوقها وإبعادها عن العمل في مختلف قطاعات العمل المدني، وهناك مخاوف جدية من أن ينعكس خطاب الشيخ الرفاعي سلباً على واقع المرأة في المنطقة ويزيد من فرص تعرضها للمخاطر”.

كما انتقدت الناشطة المدنية بيان ريحان خطبة الشيخ الرفاعي، وقالت على “فايسبوك”: “لن أقول لك كم صدمت بسماعي لخطبتك بقدر صدمتي بأنك منفصل عن حقيقة ما يجري في سوريا، هل وصلت إليك قصة الفتاة التي قتلت على يد أهلها ظلماً وعدواناً في المكان الذي خطبت فيه، وهل رأيت النساء اللواتي يقفن على حافة الطريق يبحثن عن لقمة عيش، وهل رأيت المخيمات التي سكنتها النساء بعدما فقدت منازلها وهجرت من بيوتها وشردت”.

وأضافت “كم وددت ان أذكرك بسبب توصية رسولنا الكريم بالنساء خيراً لمجتمع يفرض ظلمه وجبروته عليها وكم حادثة مرت أكد بها على رفع الظلم عن النساء، انت اليوم من الذين ساهموا وحرضوا على ظلم النساء اللواتي بقين الاعمدة الصامدة في وجه هذه الحرب”. والناشطة ريحان كانت إحدى طالبات الشيخ الرفاعي في جامع زيد بن ثابت في دمشق.

وانتقد الناشطون الشيخ الرفاعي بسبب تركيزه على المرأة في حين أن هناك موضوعات أخرى ذات أولوية بالنسبة للمعارضة، كالحديث عن درعا وعن المعتقلين وعن المشرّدين والمهجّرين، وعن مظاهر الجوع والقهر والجريمة والفساد بين الفصائل وعن جرائم قوات النظام وحلفاؤها روسيا وإيران.

وأصدرت منظمة اللوبي النسوي السوري، قالت فيه إن “الخطابات التحريضية المرتبطة بأي إيديولوجيا والّتي تحرّض شريحة من هذا الشّعب على أيّ مكوّن أو فرد أو مجموعة بسبب الاختلاف الديني، أو الفكري عموما أو بسبب توجّهاتهم أو نشاطاتهم الحقوقية هي أمر مدان وغير مقبول”.

وأضاف البيان “لم تكن يوما الحركة النسوية ولا النشطاء والناشطات الحقوقيّون والحقوقيّات والساعون والساعيات لتمكين النساء وتحصيل حقوقهن بالمساواة ولا مناهضة العنف القائم على النّوع الاجتماعي تابعة أو مجندة، بل كانت دوماً منبثقة من عذابات النساء ومعاناتهنّ التاريخية من الظلم الاجتماعي والقانوني والسياسي”.

رد الفريق الموالي للمجلس الإسلامي السوري والمؤيد لخطبة الشيخ الرفاعي كان عنيفاً أيضاَ. وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الشيخ حسن الدغيم في تغردية: “حركات نسونجية لا نسائية تستثمر في الخواصر الهشة وتجوس خلال الديار المستورة لتضرب التماسك المجتمعي مشاغلةً الجماهيرَ عن معركتها ضد الاستبداد ودافعةً لها إلى معارك عدمية مع الذكور وتخفي وراء دعاوى التحرر أنياباً مصطكة وشفاهً متلمظة على مواقع الثراء والنفوذ والطمع السلطوي”.

من جهته، قال نائب قائد حركة أحرار الشام أبو محمد الشامي ل”المدن”، إن “الهجمة على الشيخ أسامة الرفاعي كرمز ثوري وشرعي وعلى موقعه كرئيس للمجلس الإسلامي وهو المؤسسة التي لها دور محوري و مرجعي في الثورة هجمة مسيسة وتصب في خدمة النظام”، معتبراً أنها تفتقر إلى أدنى معايير الموضوعية.

كذلك اعتبر الباحث في التسويق السياسي والاجتماعي علاء رجب تباب أن ” موضوع الخطبة المختارة من الشيخ الرفاعي كان غاية في الأهمية. وأضاف أن “التحذير من اختراق المنظمات وغيرها لجدار الواقع الاجتماعي والثقافي السوري بوقاحة وخبث، يعتبر أولى الأولويات، لكن اللغط الذي شاهدنا تجاه الخطبة هو نتاج تعوّد الرأي العام على الخطب والبيانات المبحرة خارج دائرة تأثير الأفراد”.

ورأى أن “المنظمات الدولية استطاعت كسب بعض النساء، ليس لأنها تقدم لهم خطاباً إنسانياً وعقلانياً واجتماعياً متزناً، بل لأنها خاطبتهم مباشرة واعترفت بكيانهم”.

المدن

—————————-

مع فضيلة الشيخ أسامة عبدالكريم الرفاعي عن الجمعيات النسوية في سوريا

اللقاء :

محاور – استمع الناس إلى خطابكم في اعزاز، وقد كان هناك ردات فعل إيجابية وسلبية..

ما موقفكم حول ردات الفعل؟

– هل كان هناك نشاط في سوريا قبل الثورة السورية للدوائر الغربية ولهذه الجمعيات أيضاً؟

وما موقفكم منها؟

– كيف ترون التعامل مع هذه الجمعيات لأنَّ بعض ردات الفعل اتهمتكم بالإرهاب..

وكيف ترون معالجة هذا الخطر؟

– كيف يكون معالجة خطر هذه الجمعيات؟

– فهم بعضهم أنكم تحذرون من كل ما تقوم به الجمعيات على اختلاف أنواعها وأهدافها في الشمال السوري. هل يمكن توضيح ذلك؟

– انتقد بعضهم إغفال الحديث عما يجري في درعا في خطابكم بمدينة اعزاز، ما ردكم على ذلك؟

– لماذا وقف الشيخ ضد دخول سوريا في اتفاقية حقوق الطفل؟

– ما نصيحتكم للشباب و للفتيات.

مع فضيلة الشيخ أسامة عبدالكريم الرفاعيمحاور اللقاء : – استمع الناس إلى خطابكم في اعزاز، وقد كان هناك ردات فعل إيجابية وسلبية..ما موقفكم حول ردات الفعل؟- هل ك…

————————–

بيان من اللوبي النسوي السوري:

خاض الشعب السوري بكل مكوناته الاجتماعية والعقائدية والفكرية والإثنية والحقوقية بكل اختلافاتها، نضالاً مريراً طوال عقود وعبر ثورته السلمية التي انتفض فيها عام ٢٠١١ من أجل الوصول لدولة المواطنة والحريات والديموقراطية وحقوق الانسان وتحقيق المساواة لكل السوريات والسوريين دون اي تمييز ومن أجل مناهضة العنف والاستبداد والظلم بكل أشكاله.

وهو ما يتناقض مع كثير من الانتهاكات والسلوكيات التي باتت سائدةً و ترتكب بحق النّاشطات في مجال حقوق النساء في المناطق التي تسيطر عليها قوى الأمر الواقع في سوريا ومنها منع إقامة ورشات التدريب والتوعية ،وتوجيه التّهم بالعمالة والإفساد للناشطات، ومحاربة منظّمات المجتمع المدنيّ والتي وصلت في بعض الأحيان إلى حدّ الاعتقال !

وعليه فان الخطابات التحريضيّة المرتبطة بأي إيدولوجيا والّتي تحرّض شريحةً من هذا الشّعب على أيّ مكوّن أو فرد أو مجموعة بسبب الاختلاف الدّيني أو الفكريّ عموماً أو بسبب توجّهاتهم أو نشاطاتهم الحقوقية هي أمر مدان وغير مقبول، وخاصّة حين يتم ربط هؤلاء الأشخاص والمجموعات بأجندات خارجية واتهامات بالعمالة دون أي أساس من الصّحة، وهو تحريض قد يضع هؤلاء الأشخاص تحت الخطر خاصّة في مناطق تحكمها مجموعات مسلحة وبعضها متشدّدة.

لم تكن يوماً الحركة النسوية ولا النشطاء والناشطات الحقوقيّين والحقوقيّات و الساعين والساعيات لتمكين النساء وتحصيل حقوقهن بالمساواة، ولا مناهضة العنف القائم على النّوع الاجتماعي تابعة أو مجندة بل كانت دوماً منبثقة من عذابات النساء ومعاناتهنّ التاريخية من الظلم الاجتماعي والقانوني والسياسي، وهي جزء لا يتجزأ من نضال الشعب السوري من أجل حريته وكرامته، و مثل تلك التصريحات التي تطال النّاشطات النّسويّات والمجتمع المدني لا تصبّ في صالح المجتمع السوري عموماً، بل إنها علاوة على ذلك ستزيد الشقاق بين التّيارات الفكرية المتعدّدة فيه ولن تصبّ إلا في خدمة النّظام والبرباغندا الخاصّة به.

لا يمكن تحصيل الحقوق إلّا بمشاركة النساء، ولا يمكن للحريّة والحقوق بحدّ ذاتها إلا أن تكون سلة واحدة تضمن للجميع الحياة الكريمة والحرّة على أساس المواطنة والديموقراطية والعدالة ودون أي شكل من أشكال التمييز، وحرية المرأة وكرامتها وتحقيق المساواة لها جزء لا يتحزّأ من سوريا المستقبل التي يسعى لأجلها كل السوريين والسوريات المؤمنات بمناهضة الاستبدادية بكل أشكالها.

لا حرية دون تحرّر المرأة ولا عدالة دون تحقيق المساواة بين كل السوريين والسوريات دون أي تمييز كان.

#اللوبي_النسوي_السوري

———————————-

التحريض ضد المرأة السورية.. لمصلحة من؟/ رشا عمران

قبل خمس سنوات تقريبا كتب أحد الأصدقاء الناشطين على صفحته على فيس بوك ما يلي: “هناك سوريون ثاروا وخرجوا بالثورة لأنهم يطالبون بالحرية، وهناك سوريون ثاروا وخرجوا بالثورة لأنهم يظنون أن نظام الأسد ترك الأبواب مفتوحة للحريات الفردية وهم بثورتهم ضده يريدون إغلاق هذا الباب”، تلك الفترة، حين كتب الصديق منشوره هذا، كان التيار السلفي في الثورة السورية يحقق انتصارات كبيرة على مستوى الانتشار والتمدد بين السوريين، وكان هناك مواقع وصفحات في العالم الأزرق هدفها الوحيد شتم كل من يعترض على تسليح الثورة وأسلمتها من السوريين، وتشويه سمعة الناشطين والثوريين السلميين، وشتم الثقافة بوصفها حالة نخبوية لا تليق بالثورة، وتكريس خطاب شعبوي سلفي جهادي سوف يتعرض كل من يخالفه أو يعترض عليه إلى إعدام معنوي شارك في تنفيذه قسم لابأس به من المثقفين (العلمانيين) تحت ذريعة عدم التعالي على الشعب الثائر والمضطهد، واحترام ثقافته المجتمعية، وكأن الشعب السوري كان طيلة حياته أصوليا وجهاديا، في أكبر إساءة تعرضت لها الثورة السورية، حين وصمها مثقفوها وسياسيوها بالأصولية والإسلامية وهم يبررون الأسلمة ويمنحون المشروعية للحركات الجهادية في نفس الوقت الذي كان فيه النظام العالمي يدرج هذه التنظيمات تحت مسمى الإرهاب، وأظن أن السوريين يتذكرون حتى الآن جملا تم تداولها على نطاق واسع: (كفوا ألسنتكم عن المجاهدين) كنوع من الوعيد لكل من يعترض على الأسلمة، أو (اللي مو عاجبوا يشكل كتيبة يسميها غيفارا ويروح يقاتل النظام)، في أكبر خديعة مورست ضد الثورة السورية عبر الترويج أن هذه الكتائب وجدت لتقاتل النظام، بينما ما فعلته هو مساعدة النظام على الفتك بمناطق الثورة وأهلها، عبر الترهيب والقمع والاحتكار وفرض أيديولوجية لم تكن من صميم المجتمع السوري، حتى في أكثر الأماكن تشددا قبل الثورة.

بكل حال، لم تكن تلك هي الخديعة الوحيدة التي مارسها الإسلاميون، إذ لطالما تحدثوا، خلال السنوات العشر الماضية، عن مظلومية (كبيرة) تتعلق بقمع النظام للمسلمين، (ليس فقط تنظيم الإخوان) ومنعهم من ممارسة شعائرهم، ومساهمته في جعل المجتمع السوري مجتمعا منحلا ومتهتكا عبر إطلاقه الحبل على الغارب للحريات الشخصية قبل 2011، باعتباره نظاما علمانيا، كما يصفونه، أو كما يصف هو نفسه، مع أن العلمانية هي نظام سياسي، يتم فيه فصل الدين عن الدولة، من دون أن تتدخل الدولة بالشعائر الدينية مهما كانت، ودون أن تمنعها أو تعطلها، وإنما تلغي الخلط بين السياسة والدين بما يخص المجتمع، هل كان النظام السوري هكذا؟ هل كانت المؤسسة الدينية منفصلة عن الدولة والسياسة والنظام؟ ألم تكن تلك المؤسسة محمية من النظام مباشرة، بل وتعتبر إحدى أهم مؤسسات الدولة السورية؟! ذات يوم في طريقي بالبولمان من دمشق إلى حمص أحصيت عدد المآذن في منطقة قريبة من دمشق لا تتجاوز مساحتها خمسة كيلومتر مربع، كان فيها سبع عشرة مئذنة! يمكن لأي سوري تذكر عدد المساجد التي بنيت في سوريا بعد استلام حافظ الأسد للحكم، يمكنه أيضا تذكر عدد معاهد الأسد لتحفيظ القرآن، وماذا عن تدخل الدين حتى بالشأن الثقافي السوري، (ذات يوم أصدر أحد وزراء الثقافة قرارا بمنع عرض لوحات الجسد العاري بذريعة مخالفتها لتقاليد المجتمع السوري سبقه بسنوات منع (الموديل) في كلية الفنون الجميلة)، في المقابل كم مركز بحث أنشأه النظام في معادلة مع بناء الجوامع والمساجد كي نصدق أنه علماني، كم صحيفة وكم موقعا تلفزيونيا سمح به؟ أجهض النظام كل أثر للفعل المدني في سوريا واعتقل كل من ينتمي إلى تيار ثقافي أو سياسي مدني، أو وضعهم تحت لائحة الاعتقال أو منع السفر أو الحرمان من الحقوق المدنية، والأمثلة أكثر من أن تحصى في الحقيقة.

وبداهة أن بلدا مثل سوريا فيه هذا التنوع بين مكوناته لا يمكن معه قمع الحريات الفردية، نعم، كانت بعض الحريات الفردية مسموحة، لكنها كانت تحت أنظار النظام ومؤسساته الأمنية، ما إن يستشعر النظام خطورة ما تمسه فسوف تصبح الحريات تلك مشبوهة أخلاقيا وسوف يتم إذلال من يمارسها بكل الطرق، وليس من دليل على ذلك أكثر من تشويه سمعة المثقفين المعارضين، والنساء منهن على وجه الخصوص وقت الثورة، حينما فردت مواقع إلكترونية تابعة للنظام صفحاتها لتناول سمعة المثقفين المؤيدين للثورة، وسرد تفاصيل (جنسية) عنهم، وهو ذاته ما فعلته المواقع والصفحات (الثورية) أيضا ضد المثقفين المعترضين على الأسلمة والتسليح، بحيث كان هؤلاء المثقفون ضحايا استبداد لنظام واستبداد الإسلاميين الذين خرجوا بالثورة لتطبيق الشريعة (المطبقة أصلا) على المجتمع السوري الذي اعتبروه منحلا وفاسقا، وأظن هذا ما دفع الصديق إياه لكتابة المنشور المذكور في بداية المقال.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإن حديث الشيخ أسامة الرفاعي في خطبته في مدينة اعزاز، ليس سوى سردية مشابهة للسرديات المتواصلة التي دأب الشيخ ومن مثله على ترديدها عن المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين، فمع غياب سيطرة النظام عن الشمال لا بد من وجود ضحية يلقى عليها وزر ما يحدث كي تكتمل السردية المعتادة، بعد أن ضاق أهل الشمال ذرعا بالكتائب العاملة هناك، هكذا سوف تلجأ هذه الكتائب (السلطة الأمنية والسياسية في الشمال) إلى حليفها الدائم (السلطة الدينية) لتكون التعبئة الشعبوية هذه المرة هو التحشيد ضد المرأة الناشطة بدلا من النظام غير الموجود في الشمال السوري، حيث حملها الشيخ الرفاعي مسؤولية (خروج الشباب عن دينهم)، وخونها بهدوء شديد واعتبرها مجندة لصالح الغرب، طبعا لن يقول الشيخ شيئا عن ممارسات الكتائب التي يعمل معها ولا عن سلوكها وأدائها الذي جعل الناس تنفض عن كل ما يمت للإسلاميين بصلة، إذ إن وجود الشيخ مرهون بوجودها ورضاها، كما كان وجود المؤسسة الدينية مرهونا بوجود النظام ورضاه، فالإسلام للمشايخ هو دين دولة، والدين للنظم الاستبدادية (دول وميليشيات) هو حليف بالغ الأهمية، لقدرته على تخدير العقول واستفزاز الغرائز، وما هو أكثر ما يسعد النظم المستبدة ويجعلها مطمئنة لوجودها.

لم يقل الشيخ أسامة الرفاعي ما هو جديد في خطبته الأخيرة، بل هو أعاد، بطريقة هادئة، سرد منظومة تفكير (علماء الدين)، الذين لا يتحدثون عن أي شأن يتعلق بكرامة أتباعهم وتأمين عيش كريم لهم، وإيجاد حلول لأوضاعهم البائسة سواء الاقتصادية أو الأمنية، ولا ما يخص مستقبل أبنائهم، ولا يقدمون أي خطط عملية ناجعة، هم فقط يحرضون على العنف ضد المختلفين، وطبعا ضد المرأة في المقام الأول، بوصفها مثيرة للغرائز الجنسية، وكأن حياة البشر محصورة بهذه الغرائز فقط، وكأن المرأة ليست ركنا رئيسا من المجتمع السوري، ولم تكن يوما رائدة في الثورة السورية، هل يعرف الشيخ أسامة الرفاعي أن النساء الألمانيات هن من بنين ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية؟ لماذا يصرون على التقليل من دور المرأة السورية، بل ومحاولة تعطيل فعاليتها تماما عبر التحريض عليها بخطاب شعبوي غرائزي؟

تلفزيون سوريا

—————————-

مأزق المشيخة المعاصرة/ علي العبدالله

أثارت خطبة الجمعة التي ألقاها رئيس المجلس الإسلامي السوري، الشيخ أسامة الرفاعي، في المسجد الكبير في مدينة أعزاز، ردود فعل سلبية بين صفوف المعارضة السورية، وردوداً على ما ورد فيها عن منظمات المجتمع المدني، الإغاثية والنسوية بشكل خاص، اعتمدت معظمها صيغاً سجالية، فيما تستدعي اللحظة التاريخية التي تمرّ بها المجتمعات المسلمة، ومنها المجتمع السوري، مناقشة العقل المشيخي الراهن، وقدرته على التعاطي مع الظروف والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، ومدى حاجته لتطوير طرق تفكيره ومناهجه، كي يكون قادراً على أداء دور إيجابي في المجتمع.

لم تحتوِ تعاليم الإسلام على وظيفة رجل دين، كما في الديانات السماوية الأخرى، اليهودية والمسيحية، وحديث القرآن الكريم عن “أهل الذكر” لا يشير إلى رجال دين، بل إلى أصحاب قدرات على الفهم والشرح والتفسير والتقعيد، عُرفوا بالفقهاء، علماء في أمور الدين، وقد لُقّب بعضهم بشيخ الإسلام، كابن تيمية، لما تمتّع به من قدرة فقهية عالية، قبل أن يصبح هذا الوصف اسماً لمنصب كبير علماء الدين أيام السلطنة العثمانية. لذا، لم تعرف المجتمعات المسلمة ظاهرة المشايخ إلا في عصور متأخرة، خلت القرون الهجرية الأربعة الأولى منها، وبدأت نوياتها بالظهور في النصف الأخير من العصر العباسي الثاني، وتصاعدت في العصر العثماني، وتحوّلت في الدول الوطنية إلى ظاهرةٍ ممأسسةٍ عبر تأسيس وزارات الأوقاف ودور الإفتاء وتوظيف مفتين وأئمة مساجد… إلخ.

وقد اتسعت ظاهرة المشايخ وتطورت شكلاً ومضموناً، مع تزايد عدد المسلمين والحاجة إلى أعدادٍ متزايدة من الفقهاء وأئمة المساجد وحاجة السلطة الحاكمة لمن يقوم بدور ترويج سياساتها بين المسلمين، وضبط التفاعلات الاجتماعية باستخدام سلطان الدين؛ وتميز القائمين على هذا الأمر بالشكل والدور، فكانت ظاهرة الوظائف الدينية من قارئ القرآن إلى خطيب الجمعة والعيدين وإمام الصلاة والدعاة والمشايخ الذين يمتلكون مستوىً جيداً من العلم بأمور الدين، فيلقون الدروس والمواعظ ويجيبون عن استفسارات المسلمين.

وقد تكرّس دور المشايخ بانفجار صراع اجتماعي بشأن وظيفة الدين في العصر الحديث، وانقسام الرأي العام المسلم بين من يرى أن للدين وظيفة ثابتة ولا يمكن القفز عليها؛ وأن للإسلام منطلقات ومبادئ سياسية لا بد من الأخذ بها، ومن يرى أن وظيفة الدين قد انتهت مع تطور العلم وبروز قيم ومعايير إنسانية تتفوّق عليه. وقد ترتب عن هذا الانقسام العميق تمسّك كل طرف برؤاه وتشدّده في رفض موقف الطرف الآخر، واعتبار كل ما يطرحه غير ذي موضوع، ولا يستحق النظر فيه. كذلك ساهمت حاجة السلطات السياسية لترويج سياساتها ومنحها غطاءً دينياً وتوظيف المشايخ للقيام بالمهمة في زيادة الطلب على المشايخ، فأسست الثانويات الشرعية والمعاهد الخاصة لتدريس العلوم الإسلامية، فعرف مجتمع المشايخ انقساماً بين متمسّك بما يعتبره صحيح الدين ومروّج سياسات السلطة، عبر ليّ عنق النصوص، لتنسجم مع ما تريده الأخيرة، ما رتّب تعارضاً وتبايناً في القراءات لنصوص الدين، القرآن الكريم والحديث الشريف، والمواقف من وقائع التاريخ الإسلامي وفق تباين الولاءات والمصالح، على الرغم من اعتماد كلا التيارين على مرجعية واحدة. وكان لافتاً تطابق مواقفهما السلبية من القيم والنظم الحديثة والتفكير الحر. ويمكن بالرجوع إلى بعض مواقف وآراء مشايخ تلمّس طبيعة العقل المشيخي الراهن ومنتجاته.

ـ قال عزام التميمي في مقابلة تلفزيونية على قناة الحوار: “إننا – المسلمين – لسنا بحاجة إلى أنظمة حديثة وديمقراطية، لأن الإسلام قد حمى خلال تجربته الطويلة كرامة الإنسان وصان حقوقه وحرياته”. نسي أو تجاهل ما ورد في كتب المؤرّخين المسلمين عن المظالم والافتئات على الحقوق من خلفاء بني أمية وبني العباس والسلاطين العثمانيين وولاتهم.

ـ دعا عبد السلام راجح، أستاذ أصول الدين في معهد إسلامي، عام 2007 في برنامج إذاعي في إذاعة “صوت الشعب” الحكومية، إلى التصويت بـ “نعم” للرئيس، المرشّح الوحيد، باعتبار التصويت فرض عين.

ـ لام الشيخ يوسف القرضاوي، وهو من هو في عالم الفتوى، الفنان نور الشريف على موافقته على تنفيذ موقف في مسلسل “عائلة الحاج متولي” نصح فيه ابنه سعيد بعدم الزواج بامرأة ثانية، باعتباره موقفاً ضد الإسلام الذي يبيح تعدّد الزوجات، مع أن المسلسل لم يتناول المسألة من زاوية الحلال والحرام، بل من زاوية النتائج العملية؛ فضلاً عن أن الإسلام يسمح ويقيّد بالعدل بين الأزواج، بقوله “فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً”.

ـ انتقد الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الموالي للنظام السوري، في بداية الثورة السورية، المتظاهرين الذين انطلقوا بالتظاهر من المساجد، واتهمهم بأنهم لم يؤدوا الصلاة قبل التظاهر، لأنهم لا يعرفون كيف يؤدّونها، ولم يهتم بقتل المتظاهرين بالرصاص الحيّ والسكاكين والبلطات.

ـ حذّر الشيخ محمد راتب النابلسي، المعارض للنظام السوري، اللاجئين من الهجرة إلى الدول الغربية وتربية أبنائهم فيها، لأنهم سينحرفون أخلاقياً. وقال إنه يعرف أسراً ربّوا أبناءهم في الغرب، فخرج من أبنائهم من هو مثلي الجنس ومتعاطٍ للكحول والمخدّرات، متجاهلاً الظروف التي دفعت المواطنين إلى الهجرة وتعرّضهم للقتل والتدمير وانعدام الخيارات أمامهم للمحافظة على حياة أبنائهم. علماً أن لديه أولاداً في الدول الغربية.

ـ ركّز الشيخ أسامة الرفاعي، المعارض للنظام السوري، في الخطبة المشار إليها على “مخاطر” منظمات المجتمع المدني، وتجاهل دورها في إنقاذ اللاجئين بتوفير مساعدات غذائية وطبية… إلخ، ولم يتطرّق إلى ما تقوم به الفصائل التي كان في ضيافتها، من اعتداء على المواطنين، بمن فيهم اللاجئون، وتوجيه إهانات وإذلال وتعدّ على الحرمات والاستيلاء على الأملاك ونهب الأرزاق.

ـ أرسل إليّ شيخ صديق فيديو عن تجربة في مختبر أوروبي، نجحت في تحويل خنزير إلى خروف، مع تنبيه يقول: “إنها مسؤوليتك ألا تأكل من لحم هذا الخروف – الخنزير”. تنبيه يعكس مدى ضيق النظرة؛ فالخروف الخنزير تجربة كلفت مئات آلاف الدولارات، ليس من أجل خداع المسلمين ليأكلوا لحم خنزير متنكراً في صوف خروف، بل لاكتشاف فرص علمية لخدمة الإنسان في علاج أمراض أو تحسين نسل أو زيادة فرص توفير الغذاء.

ـ استنكر الشيخ الصديق نفسه سلوكي بعدم تناول طعام عشاء، قائلاً إن سيدنا النبي أمر بتناول العشاء، لأن المعدة الخالية تطحن نفسها. لا يعلم أنّ المعدة الخالية ترتاح بين وجبات الطعام، ولا تطحن نفسها.

يستطيع الباحث والدارس اكتشاف مدى انفصال هذه المواقف عن الواقع، وعن مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لخدمة الإنسان لا العكس، وأن المشايخ في مأزق تاريخي، يستدعي تطوير برامج التعليم الديني، لتشمل علوماً إنسانية كثيرة، من السياسة إلى الاجتماع والفلسفة والنفس والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا، حتى يستطيع مشايخ المستقبل الإلمام بالظواهر الاجتماعية، وإدراك طبيعتها ودلالاتها والتقدّم بفتاوى ناضجة، مبنية على معرفة واسعة بكل المعطيات وتفاعلاتها ونتائجها الايجابية والسلبية، فالفتاوى الصحيحة تحتاج إلى النظر إلى العالم بطريقةٍ موضوعيةٍ ترتكز على معلومات دقيقة وشاملة. وثمّة حاجةٌ إلى تعليم شامل، يكون مدخلاً للتحرّر من العقل النمطي الذي تمركز حول ثنائية الحلال والحرام، وتكرار مواقف وفتاوى قديمة قيلت في زمان غير هذا الزمان، وفي ظروف غير هذه الظروف، من دون اعتداد بالتغيرات التي طرأت، ومن دون تفكير في ضرورة الاجتهاد والتساؤل كيف كان سيكون حال المسلمين الآن؛ وما القيم والنظم السياسية والاجتماعية التي سيستقرّون عليها، لو أن الحضارة الإسلامية لم تتوقف عن العطاء ويجفّ نسغها، وينقلب حالها إلى الدمار والانهيار بعد التطور والازدهار، فإطلاق المواقف والفتاوى من دون اعتداد بالسببية التي ألحّ القرآن الكريم على الأخذ بها، وبروح الدين الإسلامي وما تنطوي عليه من نزوع نحو التيسير والتخفيف عن الناس في مواجهة الصعاب والملمّات. وهنا نذكّر بواقعة عام الرمادة (المجاعة) وقرار الخليفة عمر بن الخطاب وقف قطع يد السارق، ما سيفقد هذه المواقف والفتاوى موضوعيتها وجدواها، ويحولها إلى الضد من هدف قائلها وتون ذات أثر سلبي، فالجدوى تقتضي تفهم الظروف الموضوعية المحيطة بسلوك المجتمعات، أفراداً وجماعات، والضغوط القاهرة التي تدفع إليه ووضع حلول للتخلص من الأسباب. كذلك تقتضي التوقف عن التركيز على الآخر المختلف باعتباره مصدراً للشرور والأخطار؛ فالتعاطي المنطقي مع المخالفين ووجهات نظرهم يستوجب الدراسة، وتبين صحّتها من عدمها، وجدواها من عدمها، مع الاحترام والتقدير، لأنّ عدم تقدير الظروف وتجاهل الأسباب سيدفعان عامّة المسلمين إما إلى التطرّف والعنف أو إلى الهروب من الدين ومستدعياته، كما حصل في أوروبا في العصور الوسطى. واعتبرت الكنيسة السبب في انتشار الإلحاد، فالفتاوى التي لا تضع قضايا الناس وظروفهم ومعاناتهم نصب عينيها، وتحاول مساعدتهم والتخفيف عنهم وتعزيز قدرتهم على حل المشكلات، والإحساس بالأمان وتكتفي بلومهم، لن تكون عوامل إيجابية، بل ستكون سلبية ومدمرة للدين والمجتمع.

قال الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه “الاقتصاد في الاعتقاد”: “نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا، فنظام الدين، بالمعرفة والعبادة، لا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن، وبقاء الحياة وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والمسكن والأقوات والأمن، فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية، وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقاً بحراسة نفسه من سيوف الظلمة وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يتفرّغ للعلم والعمل، وهما وسيلتاه إلى سعادة الآخرة؟ فإذن: إن نظام الدنيا، أعني مقادير الحاجة، شرط الدين”.

العربي الجديد

——————————-

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى